الكتاب: اللباب في شرح الكتاب المؤلف: عبد الغني بن طالب بن حمادة بن إبراهيم الغنيمي الدمشقي الميداني الحنفي (المتوفى: 1298هـ) حققه، وفصله، وضبطه، وعلق حواشيه: محمد محيي الدين عبد الحميد الناشر: المكتبة العلمية، بيروت - لبنان عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- اللباب في شرح الكتاب الميداني، عبد الغني الكتاب: اللباب في شرح الكتاب المؤلف: عبد الغني بن طالب بن حمادة بن إبراهيم الغنيمي الدمشقي الميداني الحنفي (المتوفى: 1298هـ) حققه، وفصله، وضبطه، وعلق حواشيه: محمد محيي الدين عبد الحميد الناشر: المكتبة العلمية، بيروت - لبنان عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] الجزء الأول [مقدمات] [غلاف الكتاب] - قررت إدارة الجامع الأزهر تدريس هذا الكتاب لطلاب السنة الثانية الابتدائية بالأزهر والمعاهد الدينية. اللباب في شرح الكتاب تأليف الشيخ عبد الغني الغنيمي، الدمشقي، الميداني، الحنفي أحد علماء القرن الثالث عشر على المختصر المشتهر باسم "الكتاب" الذي صنفه الإمام أبو الحسين أحمد بن محمد، القدوري، البغدادي، الحنفي. المولود في عام 362، والمتوفى في عام 428 من الهجرة. حققه، وضبطه، وعلق حواشيه محمود أمين النواوي المفتش بالأزهر الجزء الأول [من مجموع أربعة أجزاء] - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ التقدمة الحمد لله القائل في كتابه الكريم: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم} وحسبك بها آية على منزلة الفقه ومجادة الموفقين لدراسته والصلاة والسلام على رسوله القائل: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" وحسبك به دليلاً حافزاً على تلقي الفقه والمسارعة إلى تحصيل مباحثه، ولا غرو فإن كل متدين لا غنى به عن معرفة الحلال والحرام حتى يصح دينه وكل متعبد لا بد له من تصحيح عبادته حتى تسلم من الفساد وتحف بالرضوانن والقبول عند الله ولا عذر بالجهل في دار الإسلام فمن ثم كان طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. وإذا كان الله تعالى يقول في كتابه: {قوا أنفسكم وأهليكم ناراً} فإن معناه كما قال حبر الأمة علموهم وفقهوهم. فإذا كان ذلك فمن لم يعلم الحلال والحرام فهو على شفا حفرة من النار. وعند الله العافية. ولما كان كتاب (القدوري) من أجمع الكتب في فقه أبي حنيفة لما يلزم معرفته من الحلال والحرام وبيان خمسة الأحكام، فيما يلزم من الإسلام. وكان شرحه (اللباب) من أوضح الشراح وأسلسها، وأصحها نقلاً وأدقها، فقد تلقاهما المسلمون على مذهب الإمام أبي حنيفة بالقبول ومنحوهما أكبر قسط من العناية والتقدير. وقد وشحتهما بتقريرات موجزة متفرقة في أخص ما يلزم معرفته بجانبهما للطالب المبتدىء من بعض ما وقع فيه الخلاف واختلفت فيه الأدلة وتعددت وجهات النظر وكثر فيه القيل والقال أحياناً بين مقلدي المذاهب فاحتاج إلى بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 البيان عن وجهة نظر المذهب أو غيره ومكانتها من التوفيق إن كانت، حتى يألف الطالب هذا النمط من الدراسة ثم يعنى به حق العناية فذلك أحرى أن يجعل المنفعة على بينة من الأمر. وكل مذاهب الأئمة خير، ويزيد الناس إيماناً بها أن يتعرفوا أصولها، ومآخذ أحكامها وهذه كلمة نحن مضطرون إلى إيجازها على هذا النحو حتى لا يطول منا مجال الاسترسال فيما لا مجال للخوض فيه اليوم. والله ولي التوفيق والرعاية محمود النواوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 كتاب الطهارة - قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين} .   بسم الله الرحمن الرحيم (الطهارة لغة) النظافة. وشرعاً: النظافة عن النجاسة: حقيقية كانت وهي الخبث، أو حكمية وهي الحدث. وتنقسم بالإعتبار الثاني إلى الكبرى واسمها الخاص الغسل، والموجب له الحدث الأكبر، وإلى الصغرى واسمها الخاص الوضوء، والموجب له الحدث الأصغر. وبقي نوع آخر - وهو التيمم - فإنه طهارة حكمية يخلفهما معا ويخلف كل منهما منفرداً عن الآخر. وقدمت العبادات على غيرها اهتماماً بها؛ لأن الجن والإنس لم تخلق إلا لها، وقدمت الصلاة من بينها؛ لأنها عمادها، وقدمت الطهارة عليها لأنها مفتاحها وقدمت طهارة الوضوء لكثرة تكرارها. قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين} افتتح رحمه الله تعالى كتابه بآية من القرآن على وجه البرهان استنزالاً لبركته وتيمناً بتلاوته، وإلا فذكر الدليل - خصوصاً على وجه التقديم - ليس من عادته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 ففرض الطهارة: غسل الأعضاء الثلاثة، ومسح الرأس، والمرفقان والكعبان يدخلان في الغسل؛ والمفروض في مسح الرأس مقدار الناصية؛ لما روى المغيرة بن شعبة أن النبي   (ففرض الطهارة غسل الأعضاء الثلاثة) يعني الوجه واليدين والرجلين، وسماها ثلاثة وهي خمسة؛ لأن اليدين والرجلين جعلا في الحكم بمنزلة عضوين كما في الآية، جوهرة (ومسح الرأس) بهذا النص (1) هداية. والفرض لغة: التقدير، وشرعا ما ثبت لزومه بدليل قطعي لا شبهة فيه، كأصل الغسل والمسح في أعضاء الوضوء، وهو الفرض علماً وعملاً، ويسمى الفرض القطعي، ومنه قول المصنف: "فرض الطهارة غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس" وكثيرا ما يطلق الفرض على ما يفوت الجواز بفوته كغسل ومسح مقدار معين فيها، وهو الفرض عملاً لا علماً ويسمى الفرض الإجتهادي، ومنه قوله: "والمفروض في مسح الرأس مقدار الناصية" وحد الوجه: من مبدأ سطح الجبهة إلى أسفل الذقن طولاً وما بين شحمتي الأذنين عرضاً (والمرفقان) تثنية مرفق - بكسر الميم وفتح الفاء، وعكسه - موصل الذراع في العضد (والكعبان) تثنية كعب، والمريد به هنا هو العظم الناتئ المتصل بعظم الساق، وهو الصحيح، هداية (يدخلان في الغسل) على سبيل الفرضية. والغسل: إسالة الماء: وحد الإسالة في الغسل: أن يتقاطر الماء ولو قطرة عندهما، وعند أبي يوسف يجزئ إذا سال على العضو وإن لم يقطر، فتح، وفي الفيض: أقله قطرتان في الأصح. اهـ، وفي دخول المرفقين والكعبين خلاف زفر. والبحث في ذلك وفي القراءتين في "أرجلكم" قال في البحر: لا طائل تحته بعد انعقاد الإجماع على ذلك (والمفروض في مسح الرأس مقدار الناصية) أي مقدم الرأس (وهو الربع) وذلك (لما روى المغيرة ابن شعبة) رضي الله تعالى عنه: (أن النبي   (1) النص وهو الآية الكريمة وهي تفيد افتراض الغسل والمسح لهذه الأعضاء وإن كان تحديد المسح في الرأس يبينه حديث المغيرة الآتي على ما سيذكر المصنف والشارح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 صلى الله عليه وسلم "أتى سباطة قوم فبال وتوضأ ومسح على ناصيته وخفيه (1) ". وسنن الطهارة:   صلى الله عليه وسلم أتى سباطة) بالضم: أي كناسة (قوم فبال وتوضأ ومسح على ناصيته وخفيه) والكتاب مجمل في حق المقدار، فالتحقق بيانا به؛ وفي بعض الروايات: قدره أصحابنا بثلاث أصابع من أصابع اليد؛ لأنها أكثر ما هو الأصل في آلة المسح هداية. قال في الفتح: وأما رواية جواز قدر الثلاثة الأصابع - وإن صححها بعض المشايخ، نظراً إلى أن الواجب إلصاق اليد، والأصابع أصلها؛ ولذا يلزم بقطعها دية كل اليد، والثلاث أكثرها وللأكثر حكم الكل، وهو المذكور في الأصل - فيحمل على أنه قول محمد؛ لما ذكر الكرخي والطحاوي عن أصحابنا أنه مقدار الناصية، ورواه الحسن عن أبي حنيفة ويفيد أنها غير المنصور رواية قول المنصف - يعني صاحب الهداية - "وفي بعض الروايات" (وسنن الطهارة) السنن. جمع سنة، وهي لغة: الطريقة مرضية كانت أو غير مرضية (2) وفي الشريعة: ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع الترك أحياناً.   (1) قال الكمال في الفتح؛ إن هذا الحديث مجموع من حديثين رواهما المغيرة، أحدهما ما رواه مسلم عنه أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح بناصيته وعلى الخفين. والآخر رواه ابن ماجة عنه أنه صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً. والقدوري ليس مخطئاً، لأن كلا من الحديثين من رواية المغيرة. ولقائل أن يقول ولم لا يجوز أن تكون كل منهما واقعة غير الأخرى، وإن كان الاستدل صحيحاً وكان يمكن الإقتصار فيه على رواية مسلم فتأمل. (2) الدليل على أن لفظ السنة يطلق في اللغة العربية على الطريقة مطلقا سواء أكانت مرضية أم لم تكن - هو قوله صلوات الله وسلامه عليه. "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء إذا استيقظ المتوضئ من نومه،   فتح واللام في "الطهارة" للعهد. أي الطهارة المذكورة، وتعقيبه الفرض بالسنن يفيد أنه لا واجب للوضوء، وإلا لقدمه (1) (غسل اليدين) إلى الرسغين؛ لوقوع الكفاية به في التنظيف، وقوله (قبل إدخالهما الإناء) قيد اتفاقي، وإلا فيسن غسلهما وإن لم يحتج إلى إدخالهما الإناء، وكذا قوله (إذا استيقظ المتوضئ من نومه) على ما هو المختار من عدم اختصاص سنية البداءة بالمستيقظ (2) ، قال العلامة قاسم في تصحيحه: الأصح أنه سنة مطلقاً نص عليه في شرح الهداية، وفي الجوهرة هذا شرط وقع اتفاقاً؛ لأنه إذا لم يكن استيقظ وأراد الوضوء السنة غسل اليدين، وقال نجم الأئمة في الشرح؛ قال في المحيط والتحفة: وجميع الأئمة البخاريين أنه سنة على الإطلاق. اهـ. وفي الفتح: وهو الأولى؛ لأن من حكى وضوءه صلى الله عليه وسلم قدمه؛ وإنما يحكي ما كان دأبه وعادته، لا خصوص وضوئه الذي هو على نوم، بل الظاهر أن إطلاعهم على وضوئه عن غير النوم، نعم مع الاستيقاظ   (1) يريد أن يقول: إن مرتبة الفرض أولى المراتب وإن مرتبة الواجب تأتي بعقيب مرتبة الفرض، وإن نظام التأليف يقتضي أن يبدأ المؤلف بأولى المراتب، ثم بما يليها، وهكذا وقد بدأ المؤلف فعلاً بالفروض، ثم انتقل إلى بيان السنن، فعلمنا من هذا الصنيع أنه ليس للوضوء واجبات، إذ لو كان له واجبات للزم أن يذكرها عقيب الفروض حتى يتم النظام. (2) اعلم أنه قد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده) وظاهر هذا الحديث أن غسل اليدين إنما يكون سنة في حق من تيقظ من النوم، فأما من يكون يقظان قبل إرادة الوضوء وقد تأكد من نظافة يديه فلا يسن له ذلك، وكذلك ظاهر الحديث أنه إنما يسن غسل اليدين لمن يكون ماء وضوئه في إناء فهو يريد أن يغترف منه، فأما من لا يكون ماؤه في إناء كمن يتوضأ من صنبور فلا يسن له ذلك. وقد بين المؤلف رحمه الله أن غسل اليدين سنة على كل حال: أي سواء أكان من يريد الوضوء قد استيقظ من منامه أم لم يكن، وسواء أكان يتوضأ من إناء أم لم يكن، وقد اعتذر عن قيد الاستيقاظ وقيد إدخال اليد في الإناء الواردين في الحديث بأنهما اتفاقيان لا يقصد بهما الإحتراز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وتسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء والسواك، والمضمضة، والاستنشاق، ومسح الأذنين،   وتوهم النجاسة السنة آكدة. اهـ (وتسمية الله تعالى في بتداء الوضوء) ولفظها المنقول عن السلف - وقيل عن النبي صلى الله عليه وسلم - (بسم الله العظيم، والحمد لله على دين الإسلام) وقيل: الأفضل {بسم الله الرحمن الرحيم} بعد التعوذ، وفي المجتبى يجمع بينهما، وفي المحيط: لو قال: (لا إله إلا الله) أو (الحمد لله) أو (أشهد أن لا إله إلا الله) يصير مقيماً للسنة، وهو بناء على أن لفظ (يسمى) أعم مما ذكرناه، فتح. وفي التصحيح: قال: في الهداية (الأصح أنها مستحبة) ويسمى قبل الاستنجاء وبعده، هو الصحيح. وقال الزاهدي: والأكثر على أن التسمية وغسل اليدين سنتان قبله وبعده. اهـ (والسواك) أي: الاستياك عند المضمضة، وقيل: قبلها، وهو للوضوء عندنا إلا إذا نسيه فيندب للصلاة، وفي التصحيح: قال في الهداية والمشكلات: والأصح أنه مستحب اهـ (والمضمضة) بمياه ثلاثاً (والاستنشاق) كذلك، فلو تمضمض ثلاثاً من غرفة واحدة لم يصر آتياً بالسنة. وقال: الصيرفي يكون آتياً بالسنة، قال: واختلفوا في الاستنشاق ثلاثاً من غرفة واحدة؛ قيل: لا يصير آتياً بالسنة، بخلاف المضمضة؛ لأن في الاستنشاق يعود بعض الماء المستعمل إلى الكف، وفي المضمضة لا يعود؛ لأنه يقدر على إمساكه، كذا في الجوهرة (ومسح الأذنين) وهو سنة بماء الرأس عندنا هداية: أي لا بماء جديد، عناية. ومثله في جميع شروح الهداية والحلية والتتارخانية وشرح المجمع وشرح الدرر للشيخ إسماعيل، ويؤيده تقييد سائر المتون بقولهم "بماء الرأس" قال في الفتح: وأن ما روي أنه صلى الله عليه وسلم "أخذ لأذنيه ماء جديداً" فيجب حمله على أنه لفناء البلة قبل الاستيعاب، توفيقا بينه وبين ما ذكرنا، وإذا انعدمت البلة لم يكن بد من الأخذ، كما لو انعدمت في بعض عضو واحد. اهـ. وإذا علمت ذلك ظهر لك أن ما مشى عليه العلائي في الدر والشرنبلالي وصاحب النهر والبحر تبعاً للخلاصة ومنلا مسكين - من أنه لو أخذ للأذنين ماء جديداً فهو حسن - مخالف للرواية المشهورة التي مشى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وتخليل اللحية والأصابع، وتكرار الغسل إلى الثلاث. ويستحب للمتوضئ أن ينوي الطهارة،   عليها أصحاب المتون والشروح الموضوعة لنقل المذهب، وتمام ذلك في حاشية شيخنا رد المحتار رحمه الله تعالى. (وتخليل اللحية) وقيل: هو سنة عند أبي يوسف جائز عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن السنة إكمال الفرض في محله. والداخل ليس بمحل له، هداية. وفي التصحيح: وتخليل اللحية وهو قول أبي يوسف ورجحه في المبسوط (والأصابع) لأنه إكمال الفرض في محله، وهذا إذا كان الماء واصلاً إلى خلالها بدون التخليل، وإلا فهو فرض (وتكرار الغسل) المستوعب في الأعضاء المغسولة (إلى الثلاث) مرات (1) ؛ ولو زاد لطمأنينة القلب لا بأس به، قيدت بالمستوعب لأنه لو لم يستوعب في كل مرة لا يكون آتياً بسنة التثليث، وقيدت الأعضاء المغسولة لأن الممسوحة يكره تكرار مسحها. (ويستحب للمتوضئ) المستحب لغة: هو الشيء المحبوب، وعرفاً قيل: هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة وتركه أخرى، والمندوب: ما فعله مرة أو مرتين، وقيل: هما سواء، وعليه الأصوليون، قال في التحرير: وما لم يواظب عليه مندوب ومستحب، وإن لم يفعله بعدما رغب فيه اهـ. (أن ينوي الطهارة) في ابتدائها   (1) أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة مرة) وأخرج البخاري أيضاً (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين) وتضافرت الروايات على أنه صلى الله عليه وسلم (توضأ ثلاثاً ثلاثاً) ومعنى هذا أنه صلوات الله عليه وسلامه توضأ في بعض الأحايين مرة مرة، يعني يغسل وجهه ويستوعبه مرة واحدة، ويغسل يديه ويستوعبهما مرة واحدة، وهكذا. وأنه توضأ في بعض الأحايين مرتين مرتين. يعني يغسل وجهه مرتين يستوعب غسله في كل مرة منهما، وهكذا، وأنه توضأ في أغلب الأحيان ثلاثاً ثلاثاً، على معنى أنه غسل وجهه ثلاث مرات يستوعب غسله في كل مرة منها وهكذا، وقوله ولو زاد لطمأنينة القلب لا بأس به محل نظر لأن الإتباع هو المطلوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 ويستوعب رأسه بالمسح، ويرتب الوضوء، فيبدأ بما بدأ الله تعالى بذكره وبالميامن. [نواقض الوضوء] - والمعاني الناقضة للوضوء: كل ما خرج من السبيلين، والدم والقيح والصديد   (ويستوعب رأسه بالمسح) بمرة واحدة (ويرتب الوضوء فيبدأ بما بدأ الله تعالى به) ويختم بما ختم به، قال في التصحيح: قال نجم الأئمة في شرحه: وقد عد الثلاثة في المحيط والتحفة من جملة للسنن، وهو الأصح، وقال في الفتح: لا سند للقدوري في الرواية ولا في الدراية ولا في جعل النية والاستيعاب والترتيب مستحباً غير سنة، أما الدراية فنصوص المشايخ متضافرة على السنة، ولذا خالفه المصنف في الثلاثة وحكم بسنتيها بقوله "فالنية في الوضوء سنة" ونحوه في الأخيرين، وأما الدراية فسنذكره إن شاء الله تعالى، وقيل: أراد يستحب فعل هذه السنة للخروج من الخلاف؛ فإن الخروج عنه مستحب اهـ. وتمامه فيه (و) البداءة (بالميامن) فضيلة. هداية وجوهرة، أي مستحب. (والمعاني) جمع معنى، وهو الصورة الذهنية من حيث إنه وضع بإزائها اللفظ، فإن الصورة الحاصلة في العقل من حيث إنها تقصد باللفظ تسمى معنى كذا في تعريفات السيد (الناقضة للوضوء) أي المخرجة له عن إفادة المقصود به، لأن النقض في الأجسام إبطال تركيبها، وفي المعاني إخراجها عن إفادة ما هو المقصود بها (كل ما) أي: شيء (خرج من السبيلين) أي: مسلكي البول والغائط، أعم من أن يكون معتاداً أولاً، نجساً أولاً، إلا ريح القبل، لأنه اختلاج لا ريح، والمراد بالخروج من السبيلين مجرد الظهور، لأن ذلك الموضع ليس بموضع النجاسة، فيستدل بالظهور على الإنتقال، بخلاف الخروج في غيرهما فإنه مقيد بالسيلان، كما صرح به بقوله (والدم والقيح) وهو: دم نضج حتى ابيض وخثر (والصديد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 إذا خرج من البدن فتجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير (1) ، والقيئ إذا كان ملء الفم،   وهو: قيح ازداد نضجا حتى رق (إذا خرج من البدن فتجاوز) عن موضعه (إلى موضع يلحقه حكم التطهير) ، لأنه بزوال القشرة تظهر النجاسة في محلها، فتكون بادية لا خارجة، ثم المعتبر هو قوة السيلان، وهو: أن يكون الخارج بحيث يتحقق فيه قوة أن يسيل بنفسه عن المخرج إن لم يمنع منه مانع، سواء وجد السيلان بالفعل أو لم يوجد، كما إذا مسحه بخرقة كما خرج، ثم وثم. قيد بالدم والقيح احتزازاً من سقوط لحم من غير سيلان دم كالعرق المديني فإنه لا ينقض وأما الذي يسيل منه، إن كان ماء صافياً لا ينقض. قال في الينابيع: الماء الصافي إذا خرج من النفطة لا ينقض. وإن أدخل أصبعه في أنفه فدميت أصبعه: إن نزل الدم من قصبة الأنف نقض، وإلا لم ينقض. ولو عض شيئاً فوجد فيه أثر الدم - أو استاك فوجد في السواك أثر الدم لا ينقض مالم يتحقق السيلان. ولو تخلل بعود فخرج الدم على العود لا ينقض. إلا أن يسيل بعد ذلك بحيث يغلب على الريق اهـ. جوهرة (والقيئ) سواء كان طعاماً أو ماءً أو علفاً أو مرة بخلاف البلغم فإنه لا ينقض، خلافاً لأبي يوسف في الصاعد من الجوف، وأما النازل من الرأس فغير ناقض اتفاقا (إذا كان ملئ الفم) قال في التصحيح: قال في الينابيع: وتكلموا في تقدير ملء الفم، والصحيح إذا كان لا يقدر على إمساكه. قال الزاهدي:   (1) يستدل الأحناف لمذهبهم في نقض الوضوء بالدم السائل ونحوه بحديث الوضوء من كل دم سائل. قال في الفتح رواه الدارقطني من طريق ضعيف، ورواه ابن عدي في الكامل عن آخر وقال لا نعرفه إلا من حديث أحمد بن قروخ، وهو ممن لا يحتج به ولكنه أيده بأشياء، منها حديث السيدة فاطمة فراجعه واحتجوا للقيء والرعاف بحديث من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف، وليتوضأ، وليبين على صلاته ما لم يتكلم. وذكر طرفه صاحب الفتح بما تعيد صحة الاستدلال به، والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 والنوم مضطجعاً أو متكأً أو مستنداً إلى شيءٍ لو أزيل عنه لسقط، والغلبة على العقل بالإغماء، والجنون، والقهقهة في كل صلاة ذات ركوع وسجود.   والأصح ما لا يمكنه الإمساك إلا بكلمة اهـ. ولو قاء متفرقاً بحيث لو جمع يملأ الفم فعند أبي يوسف يعتبر اتحاد المجلس، وعند محمد اتحاد السبب: أي الغثيان، وهو الأصح، لأن الأحكام تضاف إلى أسبابها كما بسطه في الكافي. ولما ذكر الناقض الحقيقي عقبه بالناقض الحكمي فقال: (والنوم) سواء كان النائم (مضطجعاً) وهو: وضع الجنب على الأرض (أو متكأً) وهو: الإعتماد على أحد وركيه (أو مستنداً إلى شيء) أي: معتمداً عليه لكنه بحيث (لو أزيل) ذلك الشيء المستند إليه (لسقط) النائم، لأن الاسترخاء يبلغ نهايته بهذا النوع من الاستناد، غير أن السند يمنع من السقوط، بخلاف النوم حالة القيام والقعود والركوع والسجود في الصلاة وغيرها وهو الصحيح، لأن بعض الاستمساك باق، إذ لو زال لسقط فلم يتم الاسترخاء، هداية. وفي الفتح: وتمكن المقعدة مع غاية الاسترخاء لا يمنع الخروج؛ إذ قد يكون الدافع قوياً خصوصاً في زمننا لكثرة الأكل فلا يمنعه إلا مسكة اليقظة اهـ. (والغلبة على العقل بالإغماء) وهو: آفة تعتري العقل وتغلبه (والجنون) وهو: آفة تعتري العقل وتسلبه، وهو مرفوع بالعطف على الغلبة، ولا يجوز خفضه بالعطف على الإغماء لأنه عكسه (والقهقهة) وهي: شدة الضحك بحيث يكون مسموعاً له ولجاره، سواء بدت أسنانه أو لا، إذا كانت من بالغ يقظان (في كل صلاة) فريضة أو نافلة، لكن (ذات ركوع وسجود (1)) بخلاف صلاة الجنازة وسجدة التلاوة، فإنه لا ينتقض وضوءه، وتبطل صلاته وسجدته، وكذا الصبي والنائم.   (1) الدليل على انتقاض الوضوء بالقهقهة في الصلاة ما رواه أبو معبد الخزاعي قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة إذ أقبل أعمى يريد الصلاة فوقع في زبية، فاستضحك القوم، فقهقوا، فلما انصرف صلى الله عليه وسلم قال: (من كان منكم قهقه فليعد الوضوء والصلاة) ولما كان القياس يقتضي ألا تنتقض الطهارة بالقهقهة، وكان هذا الحديث يترك القياس بمثله اقتصرنا على ما ورد الحديث فيه، وهو القهقة في صلاة ذات ركوع وسجود، لأن كل شيء ورد على خلاف ما يقتضيه القياس يقتصر به على ما ورد فيه ولا يتجاوزه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وفرض الغسل: المضمضة، والاستنشاق، وغسل سائر البدن. وسنة الغسل: أن يبدأ المغتسل فيغسل يديه وفرجه، ويزيل النجاسة إن كانت على بدنه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة   (وفرض الغسل) أراد بالفرض ما يعم العملى. والغسل - بالضم - تمام غسل الجلد كله، والمصدر الغسل - بالفتح - كما في التهذيب. وقال في السراج يقال: غسل الجمعة، وغسل الجنابة، بضم الغين، وغسل الميت، وغسل الثوب، بفتحها، ومنابطه أنك إذا أضفت إلى المغسول فتحت، وإلى غيره ضممت اهـ (المضمضة؛ والاستنشاق، وغسل سائر البدن) أي: باقية، مما يمكن غسله من غير حرج كأذن وسرة وشارب وحاجب وداخل لحية وشعر رأس وخارج فرج، لا ما فيه حرج كداخل عين وثقب انضم وكذا داخل قلفة، بل يندب على الأصح، قاله الكمال. (وسنة الغسل: أن يبتدئ المغتسل) أي: مريد الإغتسال (فيغسل) أولاً (يديه) إلى الرسغين، كما تقدم في الوضوء (وفرجه) وإن لم يكن به خبث (ويزيل نجاسة) وفي بعض النسخ (النجاسة) بالتعريف، والأولى أولى (إن كانت على بدنه) لئلا تشيع (ثم يتوضأ وضوءه) أي: أي كوضوئه (للصلاة) فيمسح رأسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 إلا رجليه، ثم يفيض الماء على رأسه وسائر جسده ثلاثا، ثم يتنحى عن ذلك المكان فيغسل رجليه.   وأذنيه ورقبته (إلا رجليه) فلا يغسلهما، بل يؤخر غسلهما إلى تمام الغسل، وهذا إذا كان في مستنقع الماء أما إذا كان على لوح أو قبقاب أو حجر فلا يؤخر غسلهما، جوهرة، وفي التصحيح: الأصح أنه إذا لم يكن في مستنقع الماء يقدم غسل رجليه (1) اهـ (ثم يفيض الماء على رأسه وسائر جسده ثلاثا) مستوعبا في كل مرة، بادئا بعد الرأس بشقه الأيمن ثم الأيسر وقيل: يختم بالرأس. وفي المجتبى والدرر: وهو الصحيح، لكن نقل في البحر أن الأول هو الأصح وظاهر الرواية والأحاديث، قال: وبه يضعف تصحيح الدرر (ثم يتنحى عن ذلك المكان (2)) إذا كان في مستنقع الماء (فيغسل رجليه) من أثر الماء المستعمل وإلا فلا يسن إعادة غسلهما.   (1) اعلم أنه لا خلاف بين علماء الشريعة في أنه يجوز للمغتسل أن يغسل رجليه في الوضوء الذي يندب تقديمه على الغسل، سواء أكان واقفا في مستنقع ماء أم لم يكن، ومستنقع الماء هو المكان الذي يجتمع فيه ماء الغسل. وإنما الخلاف بينهم في الأولى له، فذهب جماعة إلى أن الأولى أن يقدم غسل رجليه مع الوضوء مطلقاً، وبه أخذ الشافعي، وهو ظاهر إطلاق الكنز والدر وغيرهما، وهو أيضاً ظاهر حديث رواه البخاري في صفة غسله صلى الله عليه وسلم وفيه (فتوضأ وضوءه للصلاة) ومنهم من ذهب إلى أن الأولى أن يؤخر غسلهما مطلقاً، ومنهم من فصل كالمصنف فقال: إن كان المغتسل واقفاً في مكان يجتمع فيه الماء كالطشت يؤخر غسل رجليه وإلا قدمه، وجزم بهذا صاحبو الهداية والمبسوط والكافئ، أو هذا هو الأوفق؛ لأن فيه جمعاً بين الأدلة المختلفة الظاهر. (2) يتنحى عن المكان: أي يبتعد عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وليس على المرأة أن تنقض ضفائرها في الغسل إذا بلغ الماء أصول الشعر. والمعاني الموجبة للغسل: إنزال المني على وجه الدفق والشهوة، من الرجل والمرأة، والتقاء الختانين   (وليس) يلازم (على المرأة أن تنقض) أي: أي تحل ضفر (ضفائرها في الغسل) حيث كانت مضفورة، وإن لم يبلغ الماء داخل الضفائر، قال في الينابيع: وهو الأصح ومثله في البدائع، وفي الهداية: وليس عليها بل ذوائبها، وهو الصحيح، وفي الجامع الحسامي: وهو المختار، وهذا (إذا بلغ الماء أصول الشعر) أي منابته، قيد بالمرأة لأن الرجل يلزمه نقض ضفائره، وإن وصل الماء إلى أصول الشعر. وبالضفائر لأن المنقوض يلزم غسل كله، وبما إذا بلغ الماء أصول الشعر لأنه إذا لم يبلغ يجب النقض. (والمعاني الموجبة الغسل إنزال) أي: أي انفصال (المني) وهو ماء أبيض خاثر ينكسر منه الذكر عند خروجه تشبه رائحته رائحة الطلع رطبا ورائحة البيض يابسا (على وجه الدفق) أي: أي الدفع (والشهوة) أي: اللذة عند انفصاله عن مقره، وإن لم يخرج من الفرج كذلك، وشرطه أبو يوسف، فلو احتلم وانفصل منه بشهوة فلما قارب الظهور شد على ذكره حتى انكسرت شهوته ثم تركه فسال بغير شهوة: وجب الغسل عندهما، خلافاً له، وكذا إذا اغتسل المجامع قبل أن يبول أو ينام ثم خرج باقي منيه بعد الغسل وجب عليه إعادة الغسل عندهما، خلافاً له، وإن خرج بعد البول أو النوم لا يعيد إجماعاً (من الرجل والمرأة) حالة النوم واليقظة (والتقاء الختانين (1)) تثنية ختان، وهو موضع القطع من   (1) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة وجب الغسل، رواه بن أبي شيبة بهذا اللفظ، ولا فصل فيه بين أن ينزل وألا ينزل، فكان دليلاً على وجوب الغسل بالتقائهما مطلقاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 من غير إنزال، والحيض والنفاس. وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل للجمعة والعيدين والإحرام. وليس في المذى والودي غسل، وفيهما الوضوء. والطهارة من الأحداث:   الذكر والفرج: أي محاذاتهما بغيبوبة الحشفة، قال في الجوهرة: ولو قال: "بغيبوبة الحشفة في قبل أو دبر" كما قال في الكنز؛ لكان أحسن وأعم، لأن الإيلاج في الدبر يوجب الغسل، وليس ختانان يلتقيان، ولو كان مقطوع الحشفة يجب الغسل بإيلاج مقدارها من الذكر اهـ. ولو (من غير إنزال) لأنه: سبب للإنزال وهو متغيب عن البصر فقد يحفى عليه لقلته فبقام مقامه لكمال السببية (والحيض، والنفاس) أي: الخروج منهما، فما داما باقيين لا يصح الغسل. (وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل للجمعة والعيدين، والإحرام) بحج أو عمرة، وكذا يوم عرفة للوقوف. قال في الهداية: وقيل هذه الأربعة مستحبة وقال: ثم هذا الغسل للصلاة عند أبي يوسف، وهو الصحيح؛ لزيادة فضيلتها على الوقت واختصاص الطهارة بها، وفيه خلاف الحسن اهـ. (وليس في المذي) وهو: ماء أبيض رقيق يخرج عند الملاعبة، وفيه ثلاث لغات: الأولى سكون الذال، والثانية كسرها مع التثقيل، والثالثة الكسر مع التخفيف، ويعرب في الثالثة إعراب المنقوص. مصباح (والودي) وهو: ماء أصفر غليظ يخرج عقيب البول وقد يسبقه، يخفف ويثقل. مصباح (غسل و) لكن (فيهما الوضوء) كالبول. (والطهارة من الأحداث) أل فيه للعهد؛ أي الأحداث التي سبق ذكرها من الأصغر والأكبر وكذا الأنجاس بالأولى، فقيد الأحداث اتفاقي، وليس للتخصيص، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 جائزةٌ بماء السماء والأودية والعيون والآبار وماء البحار. ولا تجوز بما اعتصر من الشجر والثمر، ولا بماءٍ غلب عليه غيره وأخرجه عن طبع الماء،   إلا أنه لما ذكر الطهارتين احتاج إلى بيان الآلة التي يحصلان بها (جائزة بماء السماء) من مطر وثلج وبرد مذابين (والأودية) جميع واد، وهو: كل منفرج بين جبال أو آكام يجتمع فيه السيل (والعيون) جمع عين، وهو لفظ مشترك بين حاسة البصر والينبوع وغيرهما، والمراد هنا الينبوع الجاري على وجه الأرض (والآبار) جمع بئر، وهو: الينبوع تحت الأرض (والبحار) جمع بحر، قال الصحاح: البحر خلاف البر، سمي بحراً لعمقه واتساعه، والجمع أبحر وبحار وبحور، وكل نهر عظيم بحر. اهـ. ولعل المصنف جمعه ليشمل ذلك، ولكن إذا أطلق البحر يراد به البحر الملح. (ولا تجوز) أي لا تصح الطهارة (بما اعتصر) بقصر "ما" على أنها موصولة، قال الأكمل: هذا المسموع (من الشجر والثمر) وفي تعبيره بالاعتصار إيماء بمفهومه إلى الجواز بالخارج من غير عصر كالمتقاطر من شجر العنب، وعليه جرى في الهداية، قال: لأنه خرج بغير علاج، ذكره في جوامع أبي يوسف. وفي الكتاب إشارة إليه حيث شرط الاعتصار اهـ. وأراد بالكتاب هذا المختصر، لكن صرح في المحيط بعدمه، وبه جزم قاضيخان: وصوبه في الكافي بعد ذكر الأول بقليل، وقال الحلبي: إنه الأوجه وفي الشرنبلالية عن البرهان: وهو الأظهر. واعتمده القهستاني (ولا بماء) بالمد (غلب عليه غيره) من الجامدات الطاهرة (فأخرجه) ذلك المخالط (عن طبع الماء) وهو الرقة والسيلان، أو أحدث له اسماً على حدة، وإنما قيدت المخالط بالجامد؛ لأن المخالط إذا كان مائعا فالعبرة في الغلبة: إن كان موافقاً في أوصافه الثلاثة كالماء المستعمل فبالأجزاء، وإن كان مخالفاً فيها كالخل فبظهور أكثرها، أو في بعضها فبظهور وصف، كاللبن يخالف في اللون والطعم، فإن ظهر أو أحدهما منع، وإلا لا. وزدت "أو أحدث له اسماً على حدة" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 كالأشربة والخل وماء الورد وماء الباقلا والمرق وماء الزردج. وتجوز الطهارة بماء خالطه شيءٌ طاهرٌ فغير أحد أوصافه كماء المد والماء الذي يختلط به الأشنان والصابون والزعفران.   لإخراج نبيذ التمر ونحوه فإنه لا تجوز الطهارة به ولو كان رقيقا مع أن المخالط جامد، فاحرص على هذا الضابط فإنه يجمع ما تفرق من فروعهم. وقد مثل المصنف للأصلين اللذين ذكرهما على الترتيب فقال: (كالأشربة) : أي المتخذة من الأشجار والثمار كشراب الريباس والرمان، وهو مثال لما اعتصر، وقوله (والخل) صالح للأصلين؛ لأنه إن كان خالصاً فهو مما اعتصر من الثمر، وإن كان مخلوطاً فهو مما غلب عليه غيره بحدوث اسم له على حدة (وماء الباقلاء) تشدد فتقصر وتخفف فتمد، وهي الفول: أي إذا طبخت بالماء حتى صار بحيث برد وثخن (والمرق) لحدوث اسم له على حدة (وماء الزردج) - بزاي معجمة وراء ودال مهملتين وجيم - وهو ما يخرج من العصفر المنقوع فيطرح ولا يصبغ به. مغرب. قال في التصحيح: والصحيح أنه بمنزلة ماء الزعفران، نص. عليه في الهداية، وهو اختيار الناطفي والسرخسي اهـ. (وتجوز الطهارة بماء خالطه شيء) جامد (طاهر فغير أحد أوصافه) الثلاثة ولم يخرجه عن طبع الماء، قال في الدراية: في قوله "فغير أحد أوصافه" إشارة إلى أنه إذا غير اثنين أو ثلاثة لا يجوز التوضؤ، وإن كان المغير طاهراً، لكن صحت الرواية بخلافه، كذا عن الكردي اهـ. وفي الجوهرة: فإن غير وصفين فعلى إشارة الشيخ لا يجوز الوضوء، لكن الصحيح أنه يجوز، كذا في المستصفى، وذلك (كماء المد) : أي السيل، فإنه يختلط بالتراب، والأوراق والأشجار، فما دامت رقة الماء غالبة تجوز به الطهارة وإن تغيرت أوصافه كلها، وإن صار الطين غالباً لا تجوز (والماء الذي يختلط به الأشنان والصابون والزعفران) ما دام باقياً على رقته وسيلانه؛ لأن اسم الماء باق فيه، واختلاط هذه الأشياء لا يمكن الاحتراز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وكل ماءٍ وقعت فيه نجاسةٌ لم يجز الوضوء به، قليلاً كان أو كثيراً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بحفظ الماء من النجاسة؛ فقال: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة (1) ". وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا استيقظ   عنه، فلو خرج عن طبعه أو حدث له اسم على حدة - كأن صار ماء الصابون أو الأشنان ثخيناً أو صار ماء الزعفران صبغاً - لا تجوز به الطهارة. (وكل ماء وقعت فيه نجاسة لم يجز الوضوء به) لتنجسه (قليلا كان) الماء (أو كثيراً) تغيرت أوصافه أو لا، وهذا في غير الجاري وما في حكمه كالغدير العظيم؛ بدليل المقابل (لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بحفظ الماء من النجاسة) بنهيه عن ضده؛ لأن النهي عن الشيء أمر بضده فقال: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم) يعني الساكن (ولا يغتسلن فيه من الجنابة) وقد استدل القائلون بنجاسة الماء المستعمل بهذا الحديث حيث قرن الاغتسال بالبول. وأجيب بأن الجنب لما كان يغلب عليه نجاسة المنى عادة جعل كالمتيقن (وقال صلى الله عليه وسلم) أيضا: (إذا استيقظ   (1) مذهب الإمام مالك أن الوضوء يجوز ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه لحديث الماء طهور الخ. قال في الفتح ولا يصح الاستدلال به على الحصر وبيانه فيه. وقال الشافعي إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً كما هو نص الحديث فلا ينجس إذا كان قلتين والحديث رواه أصحاب السنن الأربعة عن ابن عمر. وأجيب بأن الحديث مضطرب في سنده وفي متنه فروى قلتين وروى قلتين أو ثلاثة وروى أربعين قلة والاضطراب يوجب الضعف. وكذا معنى القلة لأنه لفظ مشترك بين الجرة والقربة ورأس الجبل. استدل الحنفية بحديث الصحيحين: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه وناقشهم الكمال في ذلك الاستدلال فراجعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً؛ فإنه لا يدري أين باتت يده". وأما الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسةٌ جاز الوضوء منه، إذا لم ير لها أثرٌ؛ لأنها لا تستقر مع جريان الماء. والغدير العظيم الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر.   أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الماء حتى يغسلها ثلاثاً؛ فإنه لا يدري أين باتت يده) يعني لاقت محلاً طاهراً أو نجساً، ولولا أن الماء ينجسن بملاقاة لليد النجسة لم تظهر للنهي فائدة. (وأما الماء الجاري) وهو: ما لا يتكرر استعماله، وقيل: ما يذهب بتبنة، هداية. وقيل: ما يعده الناس جارياً، قيل: هو الأصح فتح، وفيه: وألحقوا بالجاري حوض الحمام إذا كان الماء ينزل من أعلاه والناس يغترفون منه حتى لو أدخلت القصعة أو اليد النجسة فيه لا يبخس اهـ. (إذا وقعت فيه نجاسة جاز الوضوء منه إذا لم ير لها) : أي للنجاسة (أثر) من طعم أو لون أو ريح (لأنها لا تستقر مع جريان الماء) قال في الجوهرة: وهذا إذا كانت النجاسة مائعة، أما إذا كانت دابة ميتة: إن كان الماء يجري عليها أو على أكثرها أو نصفها لا يجوز استعماله، وإن كان يجري على أقلها وأكثره يجري على موضع طاهر وللماء قوة فإنه يجوز استعماله إذ لم يوجد للنجاسة أثر اهـ. (والغدير) قال في المختار: هو القطعة من الماء يغادرها السيل اهـ. ومثله الحوض (العظيم) : أي الكبير، وهو (الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر) وهو قول العراقيين، وفي ظاهر الرواية: يعتبر فيه أكبر رأي المبتلى، قال الزاهدي: وأصح حده، ما لا يخلص بعضه إلى بعض في رأى المبتلى واجتهاده ولا يناظر المجتهد فيه، وهو الأصح عند الكرخي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 إذا وقعت نجاسةٌ في أحد جانبيه جاز الوضوء من الجانب الآخر؛ لأن الظاهر أن النجاسة لا تصل إليه. وموت ما ليس له نفسٌ سائلةٌ في الماء   وصاحب الغاية والينابيع وجماعة اهـ. وفي التصحيح: قال الحاكم في المختصر: قال أبو عصمة: كان محمد بن الحسن يوقت في ذلك بعشر، ثم رجع إلى قول أبي حنيفة، وقال، لا أوقت فيه شيئاً؛ فظاهر الرواية أولى اهـ. ومثله في فتح القدير والبحر قائلا إنه المذهب، وبه يعمل، وإن التقدير بعشر لا يرجع إلى أصل يعتمد عليه، لكن في الهداية: وبعضهم قدر بالمساحة عشراً في عشر بذراع الكرباس توسعة للأمر على الناس، وعليه الفتوى اهـ. ومثله في فتاوى قاضيخان وفتاوى العتابي، وفي الجوهرة: وهو اختيار البخاريين، وفي التصحيح: وبه أخذ أبو سليمان، يعني الجوزجاني، قال في النهر، وأنت خبير بأت اعتبار العشر أضبط، ولاسيما في حق من لا رأى له من العوام، فلذا أفتى به المتأخرون الأعلام، اهـ. قال شيخنا رحمه الله تعالى: ولا يخفى أن المتأخرون الأعلام اهـ. قال شيخنا رحمه الله تعالى: ولا يخفى أن المتأخرين الذين أفتوا بالعشر كصاحب الهداية وقاضيخان وغيرهما من أهل الترجيح هم أعلم بالمذهب منا؛ فعلينا اتباع ما رجحوه وما صححوه كما لو أفتونا في حياتهم اهـ. وفي الهداية: والمعتبر في العمق أن يكون بحال لا ينحسر بالاغتراف، وهو الصحيح اهـ. (إذا وقعت نجاسة في أحد جانبيه جاز الوضوء من الجانب الآخر) الذي لم تقع فيه النجاسة (لأن الظاهر أن النجاسة لا تصل إليه) ، أي الجانب الآخر؛ لأن أثر التحريك في السراية فوق أثر النجاسة، قال في التصحيح. وقوله جاز الوضوء من الجانب الآخر إشارة إلى أنه ينجس موضع الوقوع، وعن أبي يوسف لا ينجس إلا بظهور النجاسة فيه كالماء الجاري وقال الزاهدي: واختلفت الروايات والمشايخ في الوضوء من جانب الوقوع، والفتوى الجواز من جميع الجوانب اهـ. (وموت ما ليس له نفس سائلة) أي دم سائل (في الماء) ومثله المائع، وكذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 لا ينجسه، كالبق والذباب والزنابير والعقارب وموت ما يعيش في الماء فيه لا يفسده كالسمك والضفدع والسرطان. والماء المستعمل لا يجوز استعماله في طهارة الأحداث. والمستعمل: كل ماءٍ أزيل به حدثٌ أو استعمل في البدن على وجه القربة.   لو مات خارجه وألقى فيه (لا ينجسه) لأن المنجس اختلاط الدم المسفوح بأجزائه عند الموت، حتى حل المذكى وطهر لانعدام الدم في، هداية، وذلك (كالبق والذباب والزنابير والعقارب) ونحوها (وموت ما) يولد و (يعيش في الماء فيه) : أي الماء، وكذا المائع على الأصح، هداية وجوهرة، وكذا لو مات خارجه وألقى فيه في الأصح، درر (لا يفسده) وذلك (كالسمك، والضفدع) المائي، وقيل: مطلقا، هداية (السرطان) ونحوها، وقيدت ما يعيش في الماء بيولد لإخراج مائي المعاش دون المولد كالبط وغيره من الطيور، فإنها تفسده اتفاقاً. (والماء المستعمل لا يجوز استعماله في طهارة الأحداث) قيد بالأحداث للإشارة إلى جواز استعماله في طهارة الأنجاس كما هو الصحيح. قال المصنف في التقريب: روى محمد عن أبي حنيفة أن الماء المستعمل طاهر، وهو قوله، وهو الصحيح اهـ. وقال الصدر حسام الدين في الكبرى: وعليه الفتوى، وقال فخر الإسلام في شرح الجامع: إنه ظاهر الرواية وهو المختار، وفي الجوهرة: قد اختلف في صفته، فروى الحسن عن أبي حنيفة أنه نجس نجاسة غليظة، وهذا بعيد جداً، وروى أبو يوسف عنه أنه نجس نجاسة خفيفة، وبه أخذ مشايخ بلخ؛ وروى محمد عنه أنه طاهر غير مطهر للأحداث كالخل، وهو الصحيح، وبه أخذ مشايخ العراق. اهـ. (والمستعمل: كل ماء أزيل به حدث) وإن لم يكن بنية القربة (أو استعمل في البدن) قيد به لأن غسالة الجامدات كالقدور والثياب لا تكون مستعملة (على وجه القربة) وإن لم يزل به حدث، قال في الهداية: هذا قول أبي يوسف، وقيل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وكل إهابٍ دبغ فقد طهر وجازت الصلاة فيه والوضوء منه، إلا جلد الخنزير والآدمي. وشعر الميتة وعظمها وحافرها وعصبها وقرنها طاهر. وإذا وقعت في البئر نجاسةٌ   هو قول أبي حنيفة أيضاً، وقال محمد: لا يصير مستعملاً إلا بإقامة القربة، لأن الاستعمال بانتقال نجاسة الآثام إليه، وإنما تزال بالقرب، وأبو يوسف يقول: إسقاط الفرض مؤثر أيضاً، فيثبت الفساد بالأمرين جميعاً اهـ. وقال أبو نصر الأقطع: وهذا الذي ذكره هو الصحيح من مذهب أبي حنيفة ومحمد، وفي الهداية: ومتى يصير مستعملاً؟ الصحيح أنه كما زايل العضو صار مستعملاً. لأن سقوط الاستعمال قبل الانفصال للضرورة، ولا ضرورة بعده اهـ. (وكل إهاب) وهو الجلد قبل الدباغة، فإذا دبغ صار أديما (دبغ) بما يمنع النتن والفساد ولو دباغة حكمية كالترتيب والتشميس لحصول المقصود بها (فقد طهر) وما يطهر بالدباغة يطهر بالذكاة، هداية (و) إذا طهر (جازت الصلاة) مستتراً (فيه) وكذا الصلاة عليه (والوضوء منه، إلا جلد الخنزير) فلا يطهر النجاسة العينية (و) جلد (الآدمي) للكرامة الإلهية، وألحقوا بهما ما لا يحتمل الدباغة كفأرة صغيرة، وأفاد كلامه طهارة جلد الكلب والفيل، وهو المعتمد. (وشعر الميتة) المجزوز، وأراد غير الخنزير لنجاسة جميع أجزائه، ورخص في شعره للخزازين للضرورة، لأنه لا يقوم غيره مقامه عندهم، وعن أبي يوسف أنه كرهه لهم أيضاً (وعظمها وقرنها) الخالي عن الدسومة، وكذا كل ما لا تحله الحياة منها كحافرها وعصبها على المشهور (طاهر) وكذا شعر الإنسان وعظمه، هداية. (وإذا وقعت في البئر) الصغيرة (نجاسة) مائعة مطلقاً، أو جامدة غليظة، بخلاف الخفيفة كالبعر والروث فقد جعل القليل منها عفواً للضرورة، فلا تفسد إلا إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 نزحت، وكان نزح ما فيها من الماء طهارة لها، فإن ماتت فيها فأرةٌ أو عصفورةٌ أو صعوةٌ أو سودانيةٌ أو سام أبرص نزح منها ما بين عشرين دلواً إلى ثلاثين دلواً، بحسب كبر الحيوان وصغره،   كثر، وهو: ما يستكثره الناظر في المروى عن أبي حنيفة، وعليه الاعتماد، ولا فرق بين الرطب واليابس والصحيح والمنكسر، لأن الضرورة تشمل الكل كما في الهداية (نزحت) : أي البئر، والمراد ماؤها من ذكر المحل وإرادة الحال (وكان نزح ما فيها من الماء طهارة) : أي مطهراً (لها) بإجماع السلف؛ ومسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار دون القياس، هداية. وفي الجوهرة: وفي قوله "طهارة لها" إشارة إلا أنه يطهر الوحل والأحجار والدلو والرشاء "طهارة لها" إشارة إلى أنه يطهر الوحل والأحجار والدلو والرشاء ويد النازح. اهـ. وهذا إذا كانت النجاسة غير حيوان. وأما حكم الحيوان فذكره بقوله: (فإن ماتت فيها) أو خارجها وألقيت فيها (فأرة أو عصفورة أو صعوة) كتمرة - عصفورة صغيرة حمراء الرأس. مصباح (أو سودانية) طويرة طويلة الذنب على قدر قبضة. مغرب (أو سام) بتشديد الميم (أبرص) أي الوزع، والعوام تقول له "أبو بريص" أو ما قاربها في الجثة (نزح منها) بعد إخراج الواقع فيها (ما بين عشرين دلواً إلى ثلاثين دلواً) العشرين بطريق الإيجاب، والثلاثين بطريق الاستحباب. هداية. وفي الجوهرة: وهذا إذا لم تكن الفأرة هاربة من الهرة ولا مجروحة، وإلا ينزح جميع الماء وإن خرجت حية، لأنها تبول إذا كانت هاربة، وكذا الهرة إذا كانت هاربة من الكلب، أو مجروحة، لأن البول والدم نجاسة مائعة. اهـ. باختصار، ثم قال: وحكم الفأرتين الثلاث والأربع كالواحدة؛ والخمس كالهرة إلى التسع، والعشر كالكلب، وهذا عند أبي يوسف، وقال محمد؛ الثلاث كالهرة، والست كالكلب. اهـ. (بحسب كبر الحيوان وصغره) الكبر والصغر - بضم الأول وإسكان الثاني - للجثة، وهو المراد هنا، وبكسر الأول وفتح الثاني: للسن، قال في الجوهرة: ومعنى المسألة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وإن ماتت فيها حمامةٌ أو دجاجةٌ أو سنورٌ نزح منها ما بين أربعين دلواً إلى ستين. وإن مات فيها كلبٌ أو شاةٌ أو آدميٌ نزح جميع ما فيها من الماء وإن انتفخ الحيوان فيها أو تفسخ نزح جميع ما فيها من الماء صغر الحيوان أو كبر. وعدد الدلاء يعتبر بالدلو الوسط المستعمل للآبار في البلدان،   إذا كان الواقع كبيراً والبئر كبيرة فالعشر مستحبة، وإن كانا صغيرين فالاستحباب دون ذلك، وإن كان أحدهما صغيراً والآخر كبيراً فخمس مستحبة وخمس دونها في الاستحباب اهـ. (وإن ماتت فيها حمامة أو دجاجة أو سنور) أي هرة (نزح منها) بعد إخراج الواقع (ما بين أربعين دلواً إلى ستين) دلواً، وفي الجامع الصغير: أربعون، أو خمسون، وهو الأظهر. هداية، وفي الجوهرة: وفي السنورين والدجاجتين والحمامتين ينزح الماء كله اهـ. (وإن مات فيها كلب أو شاة أو آدمي نزح جميع ما فيها) قيد بموت الكلب لأنه إذا خرج حياً ولم يصب فمه الماء لا ينجس الماء، شرنبلالي، وإذا وصل لعاب الواقع إلى الماء أخذ حكمه: من نجاسة، وشك، وكراهة، وطهارة. (وإن انتفخ الحيوان) الواقع (فيها أو تفسخ) ولو خارجها ثم وقع فيها، ذكره الواني، وكذا إذا تمعط شعره، جوهرة (نزح جميع ما فيها) من الماء (صغر الحيوان) الواقع (أو كبر) فلا فرق بينهما لانتشار البلة في أجزاء الماء هداية. (وعدد الدلاء يعتبر بالدلو الوسط) وهو (المستعمل للآبار) أي؛ أكثرها (في) أكثر (البلدان) لأن الأخبار وردت مطلقة فيحمل على الأعم الأغلب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 فإن نزح منها بدلوٍ عظيمٍ قدر ما يسع عشرين دلواً من الدلو الوسط احتسب به. وإن كانت البئر معيناً لا تنزح ووجب نزح ما فيها من الماء أخرجوا مقدار ما كان فيها من الماء. وقد روى عن محمد بن الحسن رحمة الله عليه أنه قال: ينزح منها مائتا دلوٍ إلى ثلاثمائة دلوٍ. وإذا وجد في البئر فأرةٌ أو غيرها ولا يدرون   ولكن قال في الهداية: ثم المعتبر في كل بئر دلوها التي يستقى بها منها، وقيل: دلو يسع صاعا اهـ. واختاره غير واحد. (فإن نزح منها بدلو عظيم) مرة واحدة (قدر ما يسع عشرين دلوا) مثلا (من الدلو الوسط احتسب به) أي: بذلك القدر وقام مقامه لحصول المقصود مع قلة التقاطر. (وإن كانت البئر معيناً) أي: ينبع الماء من أسفلها بحيث (لا تنزح) أي: لا يفنى ماؤها، بل كلما نزح من أعلاها نبع من أسفلها (و) قد (وجب نزح) جميع (ما فيها) بوجه من الوجوه المارة (أخرجوا مقدار ما كان فيها من الماء) وقت ابتداء النزح، نقله الحلبي عن الكافي، وطريق معرفته أن يحفر حفيرة بمثل موضع الماء في البئر ويصب فيها ما ينزح من البئر إلى أن تمتلئ، وله طرق أخرى، وهذا قول أبي يوسف (وقد روى عن محمد بن الحسن رحمه الله تعالى (أنه قال: ينزح منها مائتان دلو إلى ثلاثمائة) بذلك أفتى في آبار بغداد لكثرة مائها بمجاورتها لدجلة، كذا في السراج، وفي قوله "مائتا دلو إلى ثلاثمائة" إشارة إلى أن المائة الثالثة مندوبة، ويؤيده ما في المبسوط: وعن محمد في النوادر ينزح ثلاثمائمة دلو أو مائتا دلو. اهـ. وجعله في العناية رواية عن الإمام، وهو المختار والأيسر كما في الاختيار، وكان المشايخ إنما اختاروا قول محمد لانضباطه كالعشر تيسيراً. نهر باختصار. (وإذا وجد في البئر فأرة أو غيرها) مما يفسد الماء (ولا يدرون) ولا غلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 متى وقعت ولم تنتفخ ولم تتفسخ أعادوا صلاة يومٍ وليلةٍ إذا كانوا توضئوا منها، وغسلوا كل شيءٍ أصابه ماؤها، وإن كانت انتفخت أو تفسخت أعادوا صلاة ثلاثة أيامٍ ولياليها في قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف ومحمدٌ رحمهما الله: ليس عليهم إعادة شيءٍ حتى يتحققوا متى وقعت. وسؤر الآدمي وما يؤكل لحمه طاهرٌ.   على ظنهم، قهستاني (متى وقعت ولم تنتفخ ولم تتفسخ أعادوا صلاة يوم وليلة إذا كانوا توضئوا منها) عن حدث (وغسلوا) الثياب عن خبث، وإلا بأن توضئوا عن غير حدث أو غسلوا ثياب صلاتهم عن غير خبث غسلوا الثياب و (كل شيء أصابه ماؤها) ولا يلزمهم إعادة الصلاة إجماعا، جوهرة (وإن انتفخت أو تفسخت أعادوا صلاة ثلاثة أيام ولياليها) وذلك (في قول أبي حنيفة رحمه الله) لأن للموت سبباً ظاهراً، وهو الوقوع في الماء؛ فيحال عليه، إلا أن الانتفاخ دليل التقادم فيتقدر بالثلاث، وعدمه دليل قرب العهد فيقدر بيوم وليلة؛ لأن ما دون ذلك ساعات لا يمكن ضبطها. هداية (وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: ليس عليهم إعادة شيء حتى يتحققوا متى وقعت) لأن اليقين لا يزال بالشك، وصار كمن رأى في ثوبه نجاسة لا يدري متى أصابته هداية، وفي التصحيح: قال في فتاوى العتابي: قولهما هو المختار. قلت: ولم يوافق على ذلك؛ فقد اعتمد قول الإمام البرهاني والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، ورجح دليله في جميع المصنفات، وصرح في البدائع أن قولهما قياس وقوله هو الاستحسان وهو الأحوط في العبادات اهـ. (وسؤر الآدمي) : أي بقية شربه، يقال: إذا شربت فأستر: أي أبق شيئاً من الشراب (وما يؤكل لحمه طاهر) ومنه الفرس، قال في الهداية: وسؤر الفرس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وسؤر الكلب والخنزير وسباع البهائم نجسٌ، وسؤر الهرة والدجاجة المخلاة وسباع الطير وما يسكن في البيوت مثل الحية والفأرة مكروهٌ، وسؤر الحمار والبغل مشكوك فيهما، فإن لم يجد غيرهما توضأ بهما وتيمم وبأيهما بدأ جاز.   طاهر عندهما؛ لأن لحمه مأكول، وكذا عنده على الصحيح؛ لأن الكراهة لإظهار شرفه اهـ. ثم السؤر الطاهر بمنزلة الماء المطلق. (وسؤر الكلب والخنزير وسباع البهائم) وهي: كل ذي ناب يصاد به، ومنه الهرة البرية (نجس (1)) بخلاف الأهلية، لعلة الطواف كما نص عليه بقوله: (وسؤر الهرة) أي: الأهلية (والدجاجة المخلاة) لمخالطة منقارها النجاسة ومثله إبل وبقر جلالة (وسباع الطير) وهي؛ كل ذي مخلب يصيد به (وما يسكن البيوت مثل الحية والفأرة) طاهر مطهر، لكنه (مكروه) استعماله تنزيهاً في الأصح إن وجد غيره، وإلا لم يكره أصلا كأكله لفقير. در (وسؤر الحمار والبغل) الذي أمه حمارة (مشكوك فيهما) أي: في طهورية سؤرهما، لا في طهارته، في الأصح (2) هداية (فإن لم يجد غيرهما) يتوضأ به أو يغتسل (توضأ بهما) أو اغتسل (وتيمم، وبأيهما بدأ جاز) في الأصح.   (1) اختلف الأحناف أنفسهم في أن الكلب نجس العين فلا يطهر بالدباغ أو غير نجس العين فيطهر بها والأصح عندهم أنه ليس ينجس العين لأنه ينتفع به حراسة واصطياداً راجع الفتح والعناية. (2) الأصح أن الشك في طهوريته أي في كونه مطهر لغيره مع كونه طاهرا قال في الهداية يروى نص محمد رحمه الله على طهارته وسبب الشط تعارض الأدلة في إباحته وحرمته ففي حديث خيبر حين طبخ بعض الصحابة بعض الحمر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي بأكفاء القدر ورقائها رجس وقد رواه الطحاوي وغيره يفيد الحرمة وحديث غالب بن أجبر وكان لا يملك إلا الحمر الأهلية. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كل من سمين مالك يفيد الحل هذا مع اختلاف الصحابة فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 باب التيمم. - ومن لم يجد الماء وهو مسافرٌ أو خارج المصر بينه وبين المصر نحو الميل أو أكثر، أو كان يجد الماء إلا أنه مريضٌ   باب التيمم هو لغة: القصد، وشرعاً: قصد صعيد مطهر واستعماله بصفة مخصوصة لإقامة القربة. ولما بين الطهارة الأصلية عقبها بخلفها، وهو التيمم، لأن الخلف أبدأ يقفو الأصل، فقال: (ومن لم يجد الماء وهو مسافر أو) كان (خارج المصر) و (بينه وبين المصر) الذي فيه الماء (نحو الميل) هو المختار في المقدار، هداية واختيار. ومثله كان في المصر بينه وبين الماء هذا المقدار، لأن الشرط هو العدم، فأينما تحقق جاز التيمم بحر عن الأسرار، وإنما قال "خارج المصر"، لأن المصر لا يخلو عن الماء، والميل في اللغة: منتهى مد البصر، وقيل للأعلام المبنية في طريق مكة أميال، لأنها بنيت كذلك كما في الصحاح، والمراد هنا أربعة آلاف خطوة المعبر عنها بثلث فرسخ (قال بعضهم: أن يكون بحيث لا يسمع الآذان، وقيل: إن كان الماء أمامه فميلان، وإن كان خلفه أو يمينه أو يساره فميل، وقال زفر: إن كان بحال يصل إلى الماء قبل خروج الوقت لا يجوز له التيمم، وإلا فيجوز وإن قرب، وعن أبي يوسف: إن كان بحيث إذا ذهب إليه وتوضأ تذهب القافلة وتغيب عن بصره يجوز له التيمم جوهرة وإنما قال (أو أكثر) لأن المسافة المذكورة إنما تعرف بالحزر والظن، فلو كان في ظنه نحو الميل أو أقل لا يجوز، وإن كان نحو الميل أو أكثر جاز، ولو تيقن أنه ميل جاز. جوهرة (أو كان يجد الماء إلا أنه مريض) يضره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 فخاف إن استعمل الماء اشتد مرضه، أو خاف الجنب إن اغتسل بالماء أن يقتله البرد، أو يمرضه فإنه يتيمم بالصعيد. والتيمم ضربتان: يمسح بإحداهما وجهه، وبالأخرى يديه إلى المرفقين؛ والتيمم من الجنابة والحدث سواءٌ. ويجوز التيمم عند أبي حنيفة ومحمدٍ بكل ما كان من جنس الأرض كالتراب والرمل والحجر والجص والنورة والكحل والزرنيخ.   استعمال الماء (فخاف) بغلبة الظن أو قول حاذق مسلم (إن استعمل الماء اشتد) أو امتد (مرضه، أو خاف الجنب إن اغتسل بالماء) البارد (أن يقتله البرد أو يمرضه، فإنه يتيمم بالصعيد) قال في الجوهرة: هذا إذا كان خارج المصر إجماعا وكذا في المصر أيضاً عند أبي حنيفة، خلافاً لهما وقيد بالغسل: لأن المحدث في المصر إذا خاف من التوضؤ الهلاك من البرد يجوز له التيمم إجماعاً على الصحيح كذا في المستصفى اهـ. والصعيد: اسم لوجه الأرض، سمى به لصعوده. (والتيمم ضربان) وهما ركنان (يمسح بإحداهما) مستوعباً (وجهه، وبالأخرى يديه إلى المرفقين) أي: معهما، قال في الهداية: ولابد من استيعاب في ظاهر الرواية لقيامه مقام الوضوء، ولهذا قالوا: يخلل الأصابع وينزع الخاتم ليتم المسح. اهـ. (والتيمم من الجنابة) والحيض والنفاس (والحدث سواء) فعلا ونية. جوهرة. (ويجوز التيمم عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله بكل ما كان من جنس الأرض) غير منطبع ولا مترمد (كالتراب) قدمه لأنه مجمع عليه (والرمل والحجر والجص) بكسر الجيم وفتحها - ما يبنى به، وهو معرب. صحاح: أي الكلس (والنورة) بضم النون - حجر الكلس، ثم غلبت على أخلاط تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره، وتستعمل لإزالة الشعر. مصباح (والكحل والزرنيخ) ولا يشترط أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وقال أبو يوسف رحمه الله: لا يجوز إلا بالتراب والرمل خاصةً والنية فرضٌ في التيمم مستحبةٌ في الوضوء. وينقض التيمم كل شيءٍ ينقض الوضوء، وينقضه أيضاً رؤية الماء إذا قدر على استعماله. ولا يجوز التيمم إلا بصعيدٍ طاهرٍ.   يكون عليها غبار، وكذا يجوز بالغبار مع القدرة على الصعيد عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى هداية. (وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: لا يجوز إلا بالتراب والرمل خاصة) وعنه لا يجوز إلا بالتراب فقط، وفي الجوهرة: والخلاف مع وجود التراب، أما إذا عدم فقوله كقولهما. (والنية فرض في التيمم) لأن التراب ملوث؛ فلا يكون مطهراً إلا بالنية و (مستحبة في الوضوء) لأن الماء مطهر بنفسه؛ فلا يحتاج إلى نية التطهير. (وينقض التيمم كل شيء ينقض الوضوء) لأنه خلف عنه؛ فأخذ حكمه (وينقضه أيضا رؤية الماء إذا قدر على استعماله) لأن القدرة هي المراد بالوجود الذي هو غاية لطهورية التراب، وخائف العدو والسبع والعطش عاجز حكما، والنائم عند أبي حنيفة قادر تقديراً، حتى لو مر النائم المتيمم على الماء بطل تيممه، والمراد ماء يكفي للوضوء؛ لأنه لا معتبر بما دونه ابتداء فكذا انتهاء. هداية. (ولا يجوز التيمم إلا بالصعيد الطاهر) لأن الطيب أريد به الطاهر (1) ، ولأنه آلة التطهير، فلابد من طهارته في نفسه كالماء. اهـ. هداية. ولا يستعمل التراب بالاستعمال، فلو تيمم واحد من موضع وتيمم آخر بعده منه جاز.   (1) الطيب في النص الكريم وهو قوله سبحانه فتيمموا صعيداً طيباً المراد به الطاهر بالإجماع فلو تيمم بغبار ثوب نجس لا يجوز إلا إذا وقع عليه ذلك الغبار بعد جفافه فإنه لا يكون نجساً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 ويستحب لمن لا يجد الماء وهو يرجو أن يجده في آخر الوقت أن يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت فإن وجد الماء توضأ به وصلى، وإلا تيمم. ويصلى بتيممه ما شاء من الفرائض والنوافل. ويجوز التيمم للصحيح   (ويستحب لمن لا يجد الماء وهو يرجو أن يجده في آخر الوقت أن يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت) المستحب على الصحيح (فإن وجد الماء توضأ به) ليقع الأداء بأكمل الطهارتين (وإلا تيمم) ولو لم يؤخر وتيمم وصلى جاز لو بينه وبين الماء ميل، وإلا لا، در. قال الإمام حافظ الدين: هذه المسألة تدل على أن الصلاة في أول الوقت عندنا أفضل، إلا إذا تضمن التأخير فضيلة كتكثير الجماعة اهـ. (ويصلى) المتيمم (بتيممه ما شاء من الفرائض والنوافل) لأنه طهور حال عدم الماء فيعمل عمله ما في شرطه (1) .   (1) أما الإمام الشافعي رحمه الله فيرى وجوب التيمم لكل فرض وعدم صحة صلاة فرضين بتيمم واحد لأن التيمم طهارة ضرورية وهو يجيز النوافل المتعددة بالتيمم الواحد تبعاً للفرض. وعند الحنيفة أنه طهارة مطلقة غير مقيدة وهو معنى قول الشارج إنه طهور حال عدم الماء فيعمل عمله ما بقي شرطه وهو عدم الماء ويستدلون على ذلك بأنه سبحانه شرع التيمم حال عدم الماء حيث قال فلم تجدوا ماء فتيمموا فتبقى الطهارة ببقائه ويؤيده إطلاقه قوله صلى الله عليه وسلم التراب طهور والمسلم ولو إلى عشر حجج مالم - يجد الماء. وقوله جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً والطهور هو المطهر فتبقى طهوريته إلى غايتها من وجود الماء أو ناقض آخر. (ويجوز التيمم للصحيح) قيد به لأن المريض لا يتقيد بحضور الجنازة (في المصر) قيد به لأن الفلوات يغلب فيها عدم الماء؛ فلا يتقيد بحضور الجنازة (إذا حضرت جنازة والولي غيره) قيد به لأنه إذا كان الولي لا يجوز له على الصحيح؛ لأن له حق الإعادة فلا فوات في حقه كما في الهداية (فخلف إن اشتغل بالطهارة) بالماء (أن تفوته الصلاة فإنه يتيمم ويصلي) ؛ لأنها لا تقضى (وكذلك من حضر) صلاة (العيد فخاف إن اشتغل بالطهارة أن تفوته صلاة العيد فإنه يتيمم ويصلي) ؛ لأنها لا تقضى أيضاً (وإن خاف من شهد الجمعة إن اشتغل بالطهارة) بالماء (أن تفوته صلاة الجمعة لم يتيمم) ؛ لأنها لها خلف (ولكنه يتوضأ فإن أدرك الجمعة صلاها وإلا) : أي لم يدرك الجمعة (صلى الظهر أربعاً) قيد به لإزالة الشبهة حيث كانت الجمعة خلفاً عن الظهر عندنا، فربما ترد الشبهة على السامع أنه يصلي ركعتين (وكذلك إذا ضاق الوقت فخشي إن توضأ فات الوقت لم يتيمم) ؛ لأنه يقضي (ولكنه يتوضأ ويصلي) إن فات الوقت (فائتة) أي: قضاء. (والمسافر إذا نسي الماء في رحله فتيمم وصلى ثم ذكر الماء) بعد ذلك (في الوقت) أو بعده، جوهرة (لم يعد صلاته عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله) ؛ لأنه لا قدرة بدون العلم، وهي المراد بالوجود، هداية (وقال أبو يوسف: يعيدها) ؛ لأن رحل المسافر معدن الماء عادة فيفترض الطلب عليه، والخلاف فيما إذا وضعه بنفسه أو غيره بأمره، وإلا فلا إعادة اتفاقاً، قيد الذكر بما بعد الصلاة حيث قال "ثم ذكر الماء"؛ لأنه إذا ذكر وهو في الصلاة يقطع ويعيد إجماعاً، وقيد بالنسيان احترازاً مما إذا شك أو ظن أن ماءه فنى فصلى بالتيمم ثم وجده فإنه يعيد إجماعاً، وقيد بقوله "في رحله" لأنه لو كان على ظهره أو معلقاً في عنقه أو موضوعاً بين يديه فنسيه وتيمم لا يجوز إجماعاً؛ لأنه نسي ما لا ينسى فلا يعتبر نسيانه، وكذا لو كان في مؤخر الدابة وهو سائقها أو في مقدمها وهو قائدها أو راكبها لا يجوز إجماعاً، جوهرة. (وليس) بلازم (على المتيمم إذا لم يغلب على ظنه أن بقربه ماء أن يطلب الماء) قال في الجوهرة: هذا في الفلوات أما في العمران فيجب الطلب؛ لأن العادة عدم الماء في الفلوات، وهذا القول يتضمن ما إذا شك وما إذا لم يشك، لكن يفترقان؛ فيما إذا شك يستحب له الطلب مقدار الفلوة، ومقدارها ما بين ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة، وإن لم يشك يتيمم اهـ. (فإن غلب على ظنه أن هناك ماء) بأمارة أو إخبار عدل (لم يجز له أن يتيمم حتى يطلبه) مقدار الغلوة، ولا يبلغ ميلا؛ كيلا ينقطع عن رفقته، هداية، ولو بعث من يطلبه كفاه عن الطلب بنفسه، وإن تيمم من غير طلب وصلى ثم طلبه فلم يجده وجب عليه الإعادة عندهما، خلافاً لأبي يوسف، جوهرة (وإن كان مع رفيقه ماء طلبه منه قبل أن يتيمم) لعدم المنع غالباً (فإن منعه تيمم وصلى) لتحقق العجز، ولو تيمم قبل الطلب أجزأه عند أبي حنيفة؛ لأنه لا يلزمه الطلب من ملك الغير، وقالا: لا يجزئه؛ لأن الماء مبذول عادة، واختاره في الهداية، ولو أبى أن يعطيه إلا بثمن المثل وعنده ثمنه لا يجزئه التيمم؛ لتحقق القذرة، ولا يلزمه تحمل الغبن الفاحش؛ لأن الضرر مسقط، هداية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 في المصر إذا حضرت جنازةٌ والولي غيره فخاف إن اشتغل بالطهارة أن تفوته الصلاة فإنه يتيمم ويصي وكذلك من حضر العيد فخاف إن اشتغل بالطهارة أن تفوته صلاة العيدين فإنه يتيمم ويصلي؛ وإن خاف من شهد الجمعة إن اشتغل بالطهارة أن تفوته صلاة الجمعة لم يتيمم ولكنه يتوضأ، فإن أدرك الجمعة صلاها، وإلا صلى الظهر أربعاً، وكذلك إذا ضاق الوقت فخشي إن توضأ فات الوقت لم يتيمم، ولكنه يتوضأ ويصلي فائتةٍ. والمسافر إذا نسي الماء في رحله فتيمم وصلى ثم ذكر الماء في الوقت   الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 لم يعد الصلاة عند أبي حنيفة ومحمدٍ رحمهما الله. وقال أبو يوسف: ويعيدها. وليس على المتيمم إذا لم يغلب على ظنه أن بقربه ماءً أن يطلب الماء، فإن غلب على ظنه أن هناك ماءً لم يجز له أن يتيمم حتى يطلبه، وإن كان مع رفيقه ماءٌ طلبه منه قبل أن يتيمم، فإن منعه منه تيمم وصلى.   الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 باب المسح على الخفين. - المسح على الخفين جائزٌ بالسنة   باب المسح على الخفين عقبه للتيمم لأن كلا منهما مسح، ولأن كل منهما بدل عن الغسل، وقدم التيمم لأنه بدل عن الكل، وهذا بدل عن البعض. (المسح على الخفين جائز بالسنة) والأخبار فيه مستفيضة (1) حتى قيل: إن من لم يره كان. مبتدعا. ولكن من رآه ثم لم يمسح آخذاً بالعزيمة كان مأجوراً، هداية، وفي قوله "بالسنة" إشارة إلى رد القول بأن ثبوته بالكتاب على قراءة الخفض،   (1) قال بعضهم إن المسح على الخفين ثابت بالقرآن على قراءة الجر فقراءة النصب تحمل على الغسل حال تجرد الرجل وقراءة الجر تحمل على المسح حال استتار الرجل بالخف وهذا باطل لأن المسح على الخف لا يكون مسحاً على الرجل لا حقيقة ولا حكماً وإنما هو ثابت بالسنة القولية والعملية فالعملية حديث المغيرة السابق وغيره والقولية حديث مسلم يمسح المقيم يوماً وليلة والمسافر ثلاثة أياماً بلياليها. والأخبار في المسح على الخفين مستفيضة قال أبو حنيفة ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثل ضوء النهار وعنه أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين لأن الأخبار فيه من حيز التزاتر. وقال أبو يوسف خبر المسح يجوز نسخ الكتاب به لشهرته. وقال أحمد ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثاً عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رفعوا وما وقفوا وروى ابن المنذر في آخرين عن الحسن قال: حدثني سبعون رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عليه السلام مسح على الخفين وقد أطال صاحب الفتح وصاحب العناية في ذلك فارجع إليهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 من كل حدثٍ موجبٍ للضوء إذا لبس الخفين على طهارةٍ كاملةٍ ثم أحدث. فإن كان مقيماً مسح يوماً وليلةً، وإن كان مسافراً مسح ثلاثة أيامٍ ولياليها، وابتداؤها عقيب الحدث. والمسح على الخفين على ظاهرهما خطوطاً بالأصابع، يبدأ من رؤس أصابع الرجل إلى الساق.   (من كل حدث موجب للوضوء) احترازاً عما موجبه الغسل، لأن الرخصة للحرج فيما يتكرر، ولا حرج في الجنابة ونحوها (إذا لبس الخفين على طهارة كاملة ثم أحدث) : أي بعد إكمال الطهارة، وإن لم تكن كاملة عند اللبس - كأن غسل رجليه ولبس خفيه ثم أكمل الطهارة بعده بحيث لم يحدث إلا بعد إكمال الطهارة جاز له المسح. فإن كان مقيماً مسح يوماً وليلة، وإن كان مسافراً مسح ثلاثة أيام ولياليها ابتداؤها عقيب الحدث) لأن الخف مانع سراية الحدث؛ فتعتبر المدة من وقت المنع. (والمسح على الخفين) محله (على ظاهرهما) ، فلا يجوز على باطن الخف وعقبه وساقه، لأنه معدول عن القياس، فيراعى فيه جمع ما ورد به الشرع، هداية، والسنة أن يكون المسح (خطوطاً بالأصابع) فلو مسح براحته جاز، و (يبدأ) بالمسح (من رءوس أصابع الرجل إلى) مبدأ (الساق) ولو عكس جاز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وفرض ذلك مقدار ثلاث أصابع من أصغر أصابع اليد. ولا يجوز المسح على خف فيه خرقٌ كبيرٌ يبين منه مقدار ثلاث أصابع من أصابع الرجل، وإن كان أقل من ذلك جاز. ولا يجوز المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل. وينقض المسح ما ينقض الوضوء، وينقضه   (وفرض ذلك) المسح (مقدار ثلاث أصابع من أصغر أصابع اليد) طولاً وعرضاً، وقال الكرخي: من أصابع الرجل، والأول أصح اعتباراً لآلة المسح، هداية. (ولا يجوز المسح على خف فيه خرق كبير) بموحدة أو مثلثة - وهو (ما يبين منه مقدار ثلاث أصابع من) أصغر (أصابع الرجل) وهذا لو الخرق على غير أصابعه وعقبه، فلو على الأصابع اعتبر نفسها، ولو كباراً، ولو على العقب اعتبر بدو أكثره؛ ولو لم ير القدر المانع عند المشي لصلابته لم يمنع، وإن كثر، كما لو انفتقت الظهارة دون البطانة، در (وإن كان) الخرق (أقل من ذلك) القدر المذكور (جاز) المسح عليها، لأن الأخفاف لا تخلو عن قليل الخرق عادة، فيلحقهم الحرج في النزع، وتخلو عن الكثير فلا حرج، هداية. (ولا يجوز المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل) والمنفي لا يلزم تصويره، فالاشتغال به اشتغال بما لا يلزم تحصيله (1) .   (1) المنفي هو المسح على الخفين للجنب وما دام غير جائز فلا داعي للبحث عنه وروى الترمذي والنسائي وقال حديث حسن صحيح عن صفوان بن عسال قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفراً ألا ننزع أخفافنا ثلاثة أيام ولياليها إلا من جنابة. ولكن من غائط وبول ونوم) . (وينقض المسح) على الخفين (ما ينقض الوضوء) ؛ لأنه بعضه (وينقضه أيضا نزع الخف) لسراية الحدث إلى القدم حيث زال المانع، وكذا نزع أحدهما لتعذر الجمع بين الغسل والمسح في وظيفة واحدة، (و) ينقضه أيضا (مضي المدة) المؤقتة له (فإذا مضت المدة نزع خفيه وغسل رجليه) فقط (وصلى، وليس عليه بقية الوضوء وكذا إذا نزع قبل المدة، لأنه عند النزع ومضى المدة يسري الحدث السابق إلى القدمين، فصار كأنه لم يغسلهما، وحكم النزع يثبت بخروج القدم إلى الساق، لأنه معتبر به في حق المسح، وكذا بأكثر القدم، هو الصحيح، هداية. (ومن ابتدأ المسح وهو مقيم فسافر قبل إتمام يوم وليلة مسح ثلاثة أيام ولياليها) ، لأنه حكم متعلق بالوقت فيعتبر فيه آخره، بخلاف ما إذا استكمل المدة ثم سافر لأن الحدث قد سرى إلى القدم، والخلف ليس بدافع، هداية (ومن ابتدأ المسح وهو مسافر ثم أقام) بأن دخل مصره أو نوى الإقامة في غيره (فإن كان) استكمل مدة الإقامة بأن كان (مسح يوماً وليلة أو أكثر لزمه نزع خفيه وغسل رجليه) ، لأن رخصة السفر لا تبقى بدونه (وإن كان) لم يستكمل مدة الإقامة بأن كان (مسح أقل من يوم وليلة تمم مسح يوم، وليلة) لأنها مدة الإقامة وهو مقيم. (ومن لبس الجرموق) وهو ما يلبس فوق الخف، والجمع الجراميق، مثل عصفور وعصافير، مصباح، ويقال له: الموق (فرق الخف مسح عليه) بشرط لبسه على طهارة، وكونه لو انفرد جاز المسح عليه، بخلاف ما إذا لبسه بعد ما أحدث، أو كان من كرباس أو فيه خرق مانع فلا يصح. (ولا يجوز المسح على الجوربين) رقيقن كانا أو ثخينين (عند أبي حنيفة) رضي الله عنه (إلا أن يكونا مجلدين) أي جعل الجلد على ما يستر القدم منهما إلى الكعب (أو منعلين) أي جعل الجلد على ما يلي الأرض منهما إلى الكعب (أو منعلين) أي جعل الجلد على ما يلي الأرض منهما خاصة، كالنعل للرجل (وقال أبو يوسف ومحمد) رحمهما الله (يجوز المسح على الجوربين) سواء كانا مجلدين أو منعلين أو لا (إذا كانا ثخينين) بحيث يستمسكان على الرجل من غير شد، و (لا يشفان الماء) إذا مسح عليهما: أي لا يجذبانه، وينفذانه إلى القدمين، وهو تأكيد للثخانة. قال في التصحيح؛ وعنه أنه رجع إلى قولهما، وعليه الفتوى، هداية اهـ. وحاصله - كما في شرح الجامع لقاضيخان - ونصه: ولو مسح على الجوربين فإن كانا ثخينين منعلين جاز بالاتفاق، وإن لم يكونا ثخينين منعلين لا يجوز بالاتفاق، وإن كانا ثخينين غير منعلين لا يجوز في قول الإمام خلافا لصاحبيه، وروى أن الإمام رجع إلى قولهما في المرض الذي مات فيه اهـ. (ولا يجوز المسح على العمامة والقلنسوة) بفتح القاف وضم السين - وهي في الأصل ما يجعله الأعاجم على رءوسهم أكبر من الكوفيه، ثم أطلق على ما تدار عليه العمامة (والبرقع) ما تجعله المرأة على وجهها (والقفازين) تثنية قفاز - كعكاز - ما يجعله على اليدين له أزرار تزر على الذراعين يلبسان من شدة البرد ويتخذه الصياد من جلد أو لبد يغطي به الكف والأصابع اتقاء مخالب الصقر، وذلك لأن المسح على الخف ثبت بخلاف القياس فلا يلحق به غيره. (ويجوز المسح على الجبائر) جمع جبيرة، وهي: عيدان تلف بخرق أو ورق وتربط على العضو المنكسر (وإن شدها على غير وضوء) أو جنباً، لأن في اشتراط الطهارة في تلك الحال حرجا وهو مدفوع، ولأن غسل ما تحتها قد سقط وانتقل إليها بخلاف الخف (فإن سقطت عن غير برء لم يبطل المسح) ، لأن العذر قائم والمسح عليها كالغسل لما تحتها ما دام العذر باقياً (وإن سقطت عن برء بطل المسح) لزوال العذر، وإن كان في الصلاة استقبل، لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل، هداية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 أيضاً نزع الخف، ومضي المدة، فإذا مضت المدة نزع خفيه وغسل رجليه وصلى، وليس عليه إعادة بقية الوضوء. ومن ابتدأ المسح وهو مقيمٌ فسافر قبل تمام يومٍ وليلةٍ مسح ثلاثة أيامٍ ولياليها، ومن ابتدأ المسح وهو مسافرٌ ثم أقام، فإن كان مسح يوماً وليلةً أو أكثر لزمه نزع خفيه وغسل رجليه وإن كان مسح أقل من يومٍ وليلةٍ تمم مسح يومٍ وليلةٍ. ومن لبس الجرموق فوق الخف مسح عليه.   الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 ولا يجوز المسح على الجوربين عند أبي حنيفة إلا أن يكونا مجلدين أو منعلين. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يجوز المسح على الجوربين إذا كانا ثخينين لا يشفان الماء (1)     (1) كثيرا ما تلجئ الضرورة إلى فعل الرخصة ويظهر الحاجة إلى بحثها وفحصها عند الضرورة الملجئة والمرض والبرد الشديد ضرورة قد تدعو إلى المسح على الجورب وروى الترمذي عن المغيرة أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والمنعلين والعطف للمغايرة وتخصيص الجواز بوجود النعل قصر للدليل وتخصيص بلا مخصص هذه وجهة نظر الصاحبين وقد رجع الإمام إلى قولهما فعلاً وقولاً فمسح على جوربيه وقال فعلت ما كنت أمنع الناس عنه فاستدل به الأحناف على رجوعه إلى قولهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ولا يجوز المسح على العمامة والقلنسوة (1) والبرقع والقفازين. ويجوز المسح على الجبائر وإن شدها على غير وضوءٍ، فإن سقطت عن غير برءٍ لم يبطل المسح، وإن سقطت عن برءٍ بطل المسح.     (1) يروى عن الأوزاعي وأحمد وأهل الظاهر والشافعي في أحد قوليه جواز ذلك لما صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على عمامته وخفيه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث سرية فأمرهم أن يمسحوا على المشاوذ وهي العمائم والتساخين وهي الخفاف ومقتضى هذا لنقل الجوار وفيه يسر على الأمة وقول الحنفية إنه ثبت على خلاف القياس يمكن أن يعارض بأن هذا أيضا ثبت كذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 باب الحيض. - أقل الحيض ثلاثة أيامٍ ولياليها، وما نقص عن ذلك فليس بحيضٍ وهو استحاضةٌ. وأكثر الحيض عشرة أيامٍ ولياليها، وما زاد على ذلك فهو استحاضةٌ. وما تراه المرأة من الحمرة والصفرة والكدرة في أيام الحيض فهو حيضٌ حتى ترى البياض الخالص.   باب الحيض لما ذكر الأحداث التي يكثر وقوعها عقبها بذكر ما يقل، وعنون بالحيض لكثرته وأصالته، وإلا فهي ثلاثة: حيض، ونفاس، واستحاضة. فالحيض: لغة؛ السيلان، وشرعاً: دم من رحم امرأة سليمة عن داء. (أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها) الثلاث؛ فالإضافة لبيان العدد المقدر بالساعات الفلكية لا للاختصاص؛ فلا يلزم كونها ليالي تلك الأيام، فلو رأته في أول النهار تكمل كل يوم بالليلة المستقبلة (وما نقص عن ذلك فليس بحيض، و) إنما (هو استحاضة) لقوله صلى الله عليه وسلم: "أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام ولياليها، وأكثره عشرة أيام" (1) ، وعن أبي يوسف يومان وأكثر الثالث، إقامة للأكثر مقام الكل، قلنا: هذا نقص عن تقدير الشرع، هداية (وأكثره عشرة أيام و) عشر لياليها، وما زاد على ذلك فهو استحاضة) ؛ لأن تقدير الشرع يمنع إلحاق غيره به (وما تراه المرأة من الحمرة) والسواد، إجماعاً (والصفرة والكدرة) والتربية، على الأصح (في أيام الحيض فهو حيض حتى ترى البياض الخالص)   (1) ذكر في الفتح هذا الحديث وغيره بروايات عدة وحكم عليها بالضعف ولكنه قال إن تعدد طرق الضعيف برفعه إلى مرتبة الحسن وروى هذا المعنى عن بعض الصحابة ثم قال إن المقدرات الشرعية لا تدرك بالرأي فالحديث في حكم المرفوع وناقش غير الأحناف في اعتبار أكثره خمسة عشر فراجعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 والحيض يسقط عن الحائض الصلاة، ويحرم عليها الصوم، وتقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة، ولا تدخل المسجد، ولا تطوف بالبيت، ولا يأتيها زوجها. ولا يجوز لحائضٍ ولا جنبٍ قراءة القرآن. ولا يجوز لمحدثٍ مس المصحف إلا أن يأخذه بغلافه.   قيل: هو شيء يشبه المخاط يخرج عند انتهاء الحيض. وقيل: هو القطن الذي تختبر المرأة نفسها إذا خرج أبيض فقد طهرت جوهرة. (والحيض يسقط عن الحائض الصلاة) لأن في قضائها حرجا لتضاعفها (ويحرم عليها الصوم) لأنه ينافيه، ولا يسقطه؛ لعدم الحرج في قضائه، ولذا قال: (وتقضي) أي الحائض والنفساء (الصوم ولا تقضي الصلاة، ولا تدخل) الحائض وكذا النفساء والجنب (المسجد، ولا تطوف بالبيت، ولا يأتيها زوجها) لحرمة ذلك كله (1) . (ولا يجوز لحائض) ولا نفساء (ولا جنب قراءة القرآن) وهو بإطلاقه يعم الآية وما دونها، وقال الطحاوي: يجوز لهم ما دون الآية، والأول أصح، قالوا: إلا أن لا يقصد بما دون الآية القراءة، مثل أن تقول: "الحمد لله" يريد الشكر أو "بسم الله" عند الأكل أو غيره، فإنه لا بأس به؛ لأنهما لا يمنعان من ذكر الله، جوهرة، (و) كذا (لا يجوز) لهم ولا (لمحدث مس المصحف) ولا حمله (إلا أن يأخذه بغلافه) المتجافي كالجراب والخريطة، بخلاف المتصل به كالجلد   (1) روى الشيخان عن عائشة أنها سئلت من بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة فقالت كنا نؤمن بذلك ورد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب وإن حرمة الوطء ففي القرآن الكريم" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وإذا انقطع دم الحيض لأقل من عشرة أيامٍ لم يجز وطؤها حتى تغتسل، أو يمضي عليها وقت صلاةٍ كاملٌ، فإن انقطع دمها لعشرة أيامٍ جاز وطؤها قبل الغسل. والطهر إذا تخلل بين الدمين في مدة الحيض فهو كالدم الجاري.   المشرز، هو الصحيح، وكذا لا يجوز له وضع الأصابع على الورق الكتوب فيه؛ لأنه تبع له، وكذا مس شيء مكتوب فيه شيء من القرآن من لوح أو درهم أو غير ذلك، إذا كان آية تامة، إلا بصرته، وأما كتب التفسير فلا يجوز له مس موضع القرآن منها، وله أن يمس غيره، بخلاف المصحف؛ لأن جميع ذلك تبع له، والكل من الجوهرة. (وإذا انقطع دم الحيض لأقل من عشرة أيام) ولو لتمام عادتها (لم يجز) أي لم يحل (وطؤها حتى تغتسل) أو تتيمم بشرطه، وإن لم تصل به الأصح، جوهرة (أو يمضي عليها وقت صلاة كامل) بأن تجد من الوقت زمناً يسع الغسل ولبس الثياب والتحريمة وخرج الوقت ولم تصل؛ لأن الصلاة صارت ديناً في ذمتها؛ فطهرت حكماً، ولو انقطع الدم لدون عادتها فوق الثلاث لم يقربها حتى تمضي عادتها وإن اغتسلت؛ لأن العود في العادة غالب، فكان الاحتياط في الاجتناب، هداية (فإن انقطع دمها لعشرة أيام جاز وطؤها قبل الغسل) ؛ لأن الحيض لا مزيد له على العشرة إلا أنه لا يستحب قبل الغسل؛ للنهي في القراءة بالتشديد هداية. (والطهر إذا تخلل بين الدمين في مدة الحيض فهو كالدم الجاري) المتوالي، وهذا إحدى الروايات عن أبي حنيفة، ووجه استيعاب الدم مدة الحيض ليس بشرط بالإجماع؛ فيعتبر أوله وآخره كالنصاب في الزكاة، وعن أبي يوسف - وهو رواية عن أبي حنيفة، وقيل: هو آخر أقواله - أن الطهر إذا كان أقل من خمسة عشر يوماً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وأقل الطهر خمسة عشر يوماً ولا غاية لأكثره. ودم الاستحاضة هو ما تراه المرأة أقل من ثلاثة أيامٍ أو أكثر من عشرة أيامٍ؛ فحكمه حكم الرعاف الدائم: لا يمنع الصوم، ولا الصلاة، ولا الوطء، وإذا زاد الدم على عشرة أيامٍ وللمرأة عادةٌ معروفةٌ ردت إلى أيامها عادتها، وما زاد على ذلك فهو استحاضةٌ،   لا يفصل وهو كالدم المتوالي؛ لأنه طهر فاسد؛ فيكون بمنزلة الدم والأخذ بهذا القول أيسر هداية. قال في السراج: وكثير من المتأخرين أفتوا به، لأنه أسهل على المفتي والمستفتي، وفي الفتح وهو الأولى. (وأقل الطهر) الفاصل بين الحيضتين أو النفاس والحيض (خمسة عشر يوماً) وخمس عشرة ليلة، وأما الفاصل بين النفاسين فهو نصف حول؛ فلو كان أقل من ذلك توأمين، والنفاس من الأول فقط (ولا غاية لأكثره) وإن استغرق العمر. قهستاني. (ودم الاستحاضة) و (هو ما تراه المرأة أقل من ثلاثة أيام أو أكثر من عشرة أيام) في الحيض، أو أكثر من أربعين في النفاس، وكذا ما زاد على العادة وجاوز أكثرهما كما يأتي بعده، وما تراه صغير وحامل وآيسة مخالفاً لعادتها قبل الإياس (فحكمه حكم الرعاف) الدائم (لا يمنع الصوم ولا الصلاة ولا الوطء) لحديث؛ "توضئ وصلي وإن قطر الدم على الخصير" وإذا عرف حكم الصلاة عرف حكم الصوم والوطء بالأولى؛ لأن الصلاة أحوج إلى الطهارة. (وإذا زاد الدم على عشرة أيام وللمرأة عادة معروفة ردت إلى عادتها) المعروفة (وما زاد على ذلك فهو استحاضة) فتقضي ما تركت من الصلاة بعد العادة. قيد بالزيادة على العشرة لأنه إذا لم يتجاوز العشرة يكون المرئي كله حيضاً وتنتقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وإن ابتدأت مع البلوغ مستحاضةً فحيضها عشرة أيامٍ من كل شهرٍ، والباقي استحاضةٌ. والمستحاضة، ومن به سلس البول، والرعاف الدائم، والجرح الذي لا يرقأ - يتوضئون لوقت كل صلاةٍ؛ فيصلون بذلك الوضوء في الوقت ما شاءوا من الفرائض والنوافل،   العادة إليه. (وإن ابتدأت) المرأة (مع البلوغ مستحاضة) واستمر بها الدم (فحيضها عشرة أيام من كل شهر) من أول ما رأت (والباقي) : أي عشرون يوماً (استحاضة) وهكذا دأبها: عشرة حيض، وعشرون استحاضة، وأربعون نفاس، حتى تطهر أو تموت، قال السرخسي في المبسوط: المبتدأة حيضها من أول ما رأت عشرة، وطهرها عشرون، إلى أن تموت أو تظهر. اهـ. ومثله في عامة المعتبرات، ونقل العلامة نوح أفندي الاتفاق عليه؛ فما نقله الشرنبلالي في شرح مختصره خلاف الصحيح، فتنبه، وإن كانت الممتدة الدم معتادة ردت لعادتها حيضا وطهراً؛ إلا إذا كانت عادتها في الطهر ستة أشهر فأكثر فتردد إلى ستة أشهر إلا ساعة؛ فرقاً بين الطهر والحبل، وإن نسيت عادتها فهي المحيرة، والكلام عليها مستوفى في المطولات، وقد استوفينا الكلام عليها في رسالتنا في الدماء المسماة بالمطالب المستطابة في الحيض والنفاس والاستحاضة، فمن رام استيفاء الكلام وشفاء الأوام فعليه بها فإنها وافية المرام. (والمستحاضة ومن) بمعناها كمن (به سلس البول والرعاف الدائم والجرح الذي لا يرقأ) دمه: أي لا يسكن، واستطلاق البطن، وانفلات الريح، ودمع العين إذا كان يخرج عن علية، وكذا كل ما يخرج عن علة، ولو من أذن أو ثدي أو سرة (يتوضئون لوقت كل صلاة) مفروضة، حتى لو توضأ المعذور لصلاة العيد له أن يصلي الظهر به عندهما، وهو الصحيح هداية. (فيصلون بذلك الوضوء في الوقت ما شاءوا من الفرائض) والواجبات أداء وقضاء (والنوافل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 فإذا خرج الوقت بطل وضوءهم، وكان عليهم استئناف الوضوء لصلاةٍ أخرى. والنفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة، والدم الذي تراه الحامل وما تراه المرأة   فإذا خرج الوقت بطل وضوءهم) : أي ظهر الحدث السابق (وكان عليهم استئناف الوضوء لصلاة أخرى) ولا يبطل وضوءهم قبل خروج الوقت، إلا إذا طرأ حدث آخر مخالف لعذرهم، وإنما قلنا: "ظهر الحدث السابق" لأن خروج الوقت ليس بناقض، لكن لما كان الوقت مانعاً من ظهور الحدث دفعاً للحرج فإذا خرج زال المانع، فظهر الحدث السابق، حتى لو توضأ المعذور على انقطاع ودام إلى خروج الوقت لم يبطل؛ لعدم حدث سابق. ثم يشترط لثبوت العذر أن يستوعبه العذر. تمام وقت صلاة مفروضة، وذلك بأن لا يجد في جميع وقتها زمناً يتوضأ ويصلي فيه خالياً عن العذر ولو بالاقتصار على المفروض، وهذا شرط ثبوت العذر في الابتداء، ويكفي في البقاء في كل وقت، ولو مرة، وفي الزوال يشترط استيعاب الانقطاع وقتاً كاملاً بأن لا يوجد في جزء منه أصلاً. تنبيه - لا يجب على المعذور غسل الثوب ونحوه، إذا كان بحال لو غسله تنجس قبل الفراغ من الصلاة. خاتمة - يجب رد عذر المعذور إن كان يرتد، وتقليه بقدر الإمكان إن كان لا يرتد، قال في البحر: ومتى قدر المعذور على رد السيلان برباط أو حشو أو كان لو جلس لا يسيل ولو قام سال - وجب رده، وخرج عن أن يكون صاحب عذر، ويجب عليه أن يصلي جالساً بالإيماء إن كان يسيل بالميلان؛ لأن ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث اهـ. (والنفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة) ولو بخروج أكثر الولد، ولو متقطعاً عضواً عضواً (والدم الذي تراه) المرأة (الحامل وما تراه المرأة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 في حال ولادتها قبل خروج الولد استحاضةٌ، وأقل النفاس لا حد له، وأكثره أربعون يوماً، وما زاد على ذلك فهو استحاضةٌ، وإذا تجاوز الدم الأربعين، وقد كانت هذه المرأة ولدت قبل ذلك ولها عادةٌ في النفاس ردت إلى أيام عادتها، وإن تكن لها عادةٌ فابتداء نفاسها أربعون يوماً، ومن ولدت ولدين في بطنٍ واحدٍ.   (في حال ولادتها قبل خروج الولد) أو أكثره (استحاضة) فتتوضأ إن قدرت أو تتيمم وتومئ بصلاة ولا تؤخر، فما عذر الصحيح القادر؟ در (وأقل النفاس لا حد له) ؛ لأن تقدم الولد علامة الخروج من الرحم، فأغنى عن امتداد يجعل علماً عليه، بخلاف الحيض (وأكثره أربعون يوماً) لحديث الترمذي وغيره (1) (وما زاد على ذلك فهو استحاضة) لو مبتدأة وأما المعتادة فحكمها كما ذكره بقوله: (وإذا تجاوز الدم الأربعين وقد كانت هذه المرأة ولدت قبل ذلك ولها عادة في النفاس ردت إلى أيام عادتها) فتقضي ما تركت من الصلاة بعد العادة كما مر في الحيض (وإن لم تكن لها عادة) معروفة (فابتداء نفاسها أربعون يوماً) ؛ لأنه ليس لها عادة ترد إليها فأخذ لها بالأكثر؛ لأنه المتيقن (ومن ولدت ولدين) أو أكثر (في بطن) : أي حمل (واحد) وذلك بأن يكون بينهما أقل من ستة أشهر. ولو ولدت أولاداً بين كل ولدين أقل من ستة أشهر، وبين الأول والثالث أكثر - جعله بعضهم من بطن واحد، منهم أبو علي الدقاق. قهستاني؛ قال في الدر: وهو الأصح   (1) روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن أم سلمة قالت: كانت النفساء تقعد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً. وروى ابن ماجة والدارقطني عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت للنفساء أربعين يوماً، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 فنفاسها ما خرج من الدم عقيب الولد الأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد وزفرٌ: نفاسها ما خرج من الدم عقيب الولد الثاني. باب الأنجاس. - تطهير النجاسة واجبٌ من بدن المصلي وثوبه   (فنفاسها ما خرج من الدم عقيب الولد الأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ؛ لأنه ظهر إنفتاح الرحم، فكان المرئي عقيبه نفاساً، ثم تراه عقيب الثاني إن كان قبل الأربعين فهو نفاس للأول لتمامها واستحاضة بعدها؛ فتغتسل وتصلي، وهو الصحيح. بحر عن النهاية. (وقال محمد وزفر) رحمهما الله (نفاسها ما خرج من الدم عقيب الولد الثاني) ؛ لأن حكم النفاس عندهما تعلق بالولادة كانقضاء العدة، وهي بالأخير اتفاقاً؛ قال في التصحيح. والصحيح هو القول الأول، واعتمده الأئمة المصححون. باب الأنجاس لما فرغ من بيان النجاسة الحكمية والطهارة عنها، شرع في بيان الحقيقة، ومزيلها، وتقسيمها، ومقدار المعفو عنه منها، وكيفية تطهير محلها وقدمت الأولى لأنها أقوى. إذ بقاء القليل منها يمنع جواز الصلاة بالاتفاق. والأنجاس: جمع نجس بكسر الجيم - كما ذكره تاج الشريعة، لا جمع نجس بفتحتين كما وقع لكثير؛ لأنه لا يجمع، قال في العباب: النجس ضد الطاهر، والنجاسة ضد الطهارة وقد نجس ينجس، كسمع يسمع، وكرم يكرم، وإذا قلت: رجل نجس - بكسر الجيم - ثنيت وجمعت، وبفتحها لم تثن ولم تجمع، وتقول: رجل ورجلان ورجال وامرأة ونساء نجس اهـ. وتمامه في شرح الهداية للعيني. (تطهير النجاسة) : أي محلها (واجب) : أي لازم (من بدن المصلي وثوبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 والمكان الذي يصلي عليه. ويجوز تطهير النجاسة بالماء، وبكل مائعٍ طاهرٍ يمكن إزالتها به كالحل وماء الورد. وإذا أصابت الخف نجاسةٌ ولها جرمٌ فجفت فدلكه بالأرض جاز.   والمكان الذي يصلي عليه) لقوله تعالى: {وثيابك فطهر} وإذا وجب تطهير الثوب وجب في البدن والمكان، لأن استعمال في حال الصلاة يشمل الكل (1) . (ويجوز تطهير النجاسة بالماء، وبكل مانع) أي سائل (طاهر) قالع للنجاسة كما عبر عنه بقوله (يمكن إزالتها به) بأن ينعصر بالعصر، وذلك (كالخل وماء الورد) والماء المستعمل ونحو ذلك كالمستخرج من البقول، لأنه قالع ومزيل، والطهورية بالقلع والإزالة للنجاسة الجاورة، فإذا انتهت أجزاء النجاسة يبقى طاهراً بخلاف نحو لبن وزيت، لأنه غير قالع. (وإذا أصابت الخف) ونحوه كنعل (نجاسة لها جرم) بالكسر - الجسد، والمراد به كل ما يرى بعد الجفاف كالروث والعذرة والمنى، ولو من غيرها كخمر وبول أصابه تراب، به يفتي. در (فجفت) النجاسة (فدلكه) : أي الخف ونحوه (بالأرض) ونحوها (جاز) ، لأن الجلد لصلابته لا تتداخله أجزاء النجاسة   (1) المقرر في الفقه أن وجوب إزالة النجاسة بشروط بالأمكان أولاً، وبألا يستلزم ارتكاب محظور أشد. ثانياً: كما إذا لم يتمكن من إزالتها إلا بإبداء عورته للناس فإنه في هذه الحال يصلي بالنجاسة لأن كشف العورة أشد فلو أبدأها للإزالة فسق، راجع فتح القدير وهناك دليل من السنة لإزالة النجاسة على سبيل الوجوب وهو حديث صحيح أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله عن دم الحيض في ثوب المرأة فقال: "تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه" وفي رواية أبي داود حكيه بطلع واغسليه بماء وسدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 والمني نجسٌ يجب غسل رطبه، فإذا جف على الثوب أجزأ فيه الفرك. والنجاسة إذا أصابت المرآة أو السيف اكتفي بمسحهما. وإذا أصابت الأرض نجاسةٌ فجفت بالشمس وذهبت أثرها جازت الصلاة بمكانها، ولا يجوز التيمم منها. ومن أصابه من النجاسة المغلظة كالدم والبول   إلا قليل ثم يحتذبه الجرم إذا جف، فإذا زال زال ما قام به. وفي الرطب لا يجوز حتى يغسله، لأن المسح بالأرض يكثر، ولا يطهره هداية. (والمني نجس) نجاسة مغلظة (يجب غسل رطبه، وإذا جف على الثوب) ولو جديداً مبطناً، وكذا البدن في ظاهر الرواية (أجزأ فيه الفرك) لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "فاغسليه إن كان رطباً، وافركيه إن كان يابساً". (والنجاسة إذا أصابت المرآة أو السيف اكتفي بمسحهما) بما يزول به أثرها ومثلهما كل ثقيل لا مسام له؛ كزجاج وعظم وآنية مدهونة وظفر، لأنه لا يداخله النجاسة؛ وما على ظاهره يزول بالمسح. (وإذا أصابت الأرض نجاسة فجفت بالشمس) أو نحوها؛ قال في الجوهرة: التقييد بالشمس ليس بشرط، بل لو جفت بالظل فالحكم كذلك. اهـ. (وذهب أثرها) الأثر: اللون والطعم والرائحة (جازت الصلاة على مكانها، و) لكن (لا يجوز التيمم منها) ؛ لأن المشروط للصلاة الطهارة، وللتيمم الطهورية، وحكم آجر مفروش وشجر وكلاً قائمين في الأرض كذلك، فيطهر بالجفاف. (ومن أصابه من النجاسة المغلظة كالدم والبول) من غير مأكول اللحم ولو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 والغائط والخمر مقدار الدرهم فما دونه جازت الصلاة معه، فإن زاد لم تجز، وإن أصابته نجاسةٌ مخففةٌ كبول ما يؤكل لحمه جازت الصلاة معه، ما لم يبلغ ربع الثوب.   من صغير لم يطعم (والغائط والخمر) وخرء الطير لا يزرق في الهواء كذجاج وبط وإوز (مقدار الدرهم فما دونه جازت الصلاة معه: لأن القليل لا يمكن التحرز عنه؛ فيجعل عفواً، وقدرناه بقدر الدرهم أخذاً عن موضع الاستنجاء (فإن زاد) عن الدرهم (لم تجز) الصلاة، ثم يروى اعتبار الدرهم من حيث المساحة، وهو قدر عرض الكف في الصحيح، ويروى من حيث الوزن، وهو الدرهم الكبير المثقال، وقيل في التوفيق بينهما: إن الأولى في الرقيق، والثانية في الكثيف، وفي الينابيع: وهذا القول أصح، وفي الزاهدي قيل: هو الأصح، واختاره جماعة، وهو أولى؛ لما فيه من إعمال الروايتين مع مناسبة التوزيع (وإن أصابته نجاسة مخففة كبول ما يؤكل لحمه) ومنه الفرس، وقيد بالبول لأن نجاسة البعر والروث والخشى غليظ عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: خفيفة، قال الشرنبلالي: وهو الأظهر؛ لعموم البلوى بامتلاء الطرق بها، وطهرها محمد آخرا، وقال: لا يمنع الروث وإن فحش؛ لما رأى من بلوى الناس من امتلاء الطرق والخانات بها لما دخل الري مع الخليفة، وقاس المشايخ عليه طين بخارى؛ لأن ممشى الناس والدواب واحد. اهـ. (جازت الصلاة معه ما لم يبلغ ربع) جميع (الثوب) يروى ذلك عن أبي حنيفة لأن التقدير فيه بالكثير الفاحش، والربع ملحق بالكل في حق بعض الأحكام هداية. وصححه في المبسوط، وهو ظاهر ما مشى عليه أصحاب المتون، وقيل: ربع الموضع الذي أصابه كالذيل والكم والدخريص، إن كان المصاب ثوبا. وربع العضو المصاب كاليد والرجل، إن كان بدناً وصححه في التحفة والمحيط والمجتبى والسراج، وفي الحقائق: وعليه الفتوى، وقيل: ربع أدنى ثوب تجوز فيه الصلاة كالمئزر، قال الأقطع: وهذا أصح ما روى فيه اهـ. فقد اختلف التصحيح كما ترى، لكن ترجح الثاني بأن الفتوى عليه، وهو الأحوط، فتنبه، قال في الفتح: وقوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وتطهير النجاسة التي يجب غسلها على وجهين: فما كان له منها عينٌ مرئيةٌ فطهارتها زوال عينها، إلا أن يبقى من أثرها ما يشق إزالته، وما ليس له عينٌ مرئيةٌ فطهارتها أن يغسل حتى يغلب على ظن الغاسل أنه قد طهر.   - يعني صاحب الهداية - لأن التقدير فيه بالكثير الفاحش يفيد أن أصل المروي عن أبي حنيفة ذلك على ما هو دأبه في مثله من عدم التقدير؛ فما عد فاحشاً منع، وما لا فلا اهـ. وإنما عدلوا عن التعبير بالكثير الفاحش إلى التقدير بالربع تيسيراً على الناس، سيما من لا رأي له من العوام، كما مر على نظيره الكلام، وبه ظهر الجواب عما إذا أصاب الثوب أو البدن من النجس المخفف المتجسد مقدار كثير، إلا أنه لتراكمه لا يبلغ الربع، فهل يمنع؟ وما القدر المانع؟ ولا شك أنه إذا كان كثيراً فاحشاً يمنع وإن لم يبلغ الربع لتراكمه؛ لما علمت أنه أصل المروي عن الإمام، ويحد القدر المانع فيه تيسيراً بأنه إن كان بحيث لو كان مائعاً بلغ الربع منع، وإلا فلا. (وتطهير) محل (النجاسة التي يجب غسلها على وجهين) ، لأن النجاسة إما أن تكون لها عين مرئية أو لا (فما كان له منها عين مرئية) كالدم (فطهارتها) أي النجاسة، والمراد محلها (زوال عينها) ولو بمرة على الصحيح، وعن الفقيه أبي جعفر أنه يغسل مرتين بعد زوال العين، إلحاقاً لها بغير مرئية غسلت مرة (إلا أن يبقى من أثرها) كلون أو ريح (ما يشق إزالته) فلا يضر بقاؤه، ويغسل إلى أن يصفو الماء، على الراجح، والمشقة: أن يحتاج في إزالته إلى غير الماء القراح كحرض أو صابون أو ماء حار (وما ليس له عين مرئية) كالبول (فطهارتها أن يغسل) : أي محل النجاسة (حتى يغلب على ظن الغاسل أنه) أي المحل (قد طهر) لأن الكرار لابد منه للاستخراج، ولا يقطع بزواله، فاعتبر غالب الظن، كما في أمر القبلة، وإنما قدروا بالثلاث لأن غالب الظن يحصل عنده؛ فأقيم السبب الظاهر مقامه تيسيراً، ويتأيد ذلك بحديث المستيقظ من منامه ثم لابد من الصر في كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 والاستنجاء سنةٌ، يجزئ فيها الحجر وما يقوم مقامه يمسحه حتى ينقيه، وليس فيه عددٌ مسنونٌ، وغسله بالماء أفضل، فإن تجاوزت النجاسة مخرجها لم يجز فيه إلا الماء. ولا يستنجي بعظم ولا بروثٍ ولا بطعامٍ ولا بيمينه.   مرة في ظاهر الرواية، لأنه هو المستخرج. هداية (1) . (والاستنجاء سنة) مؤكدة للرجال والنساء (يجزئ فيه) لإقامة السنة (الحجر وما قام مقامه) من كل عين طاهرة قالعة غير محترمة ولا متقومة كمدر (يمسحه) أي المخرج (حتى ينقيه) لأن المقصود هو الإنقاء؛ فيعتبر ما هو المقصود (وليس فيه) أي الاستنجاء (عدد مسنون) بل مستحب؛ فيستحب الثلاث إن حصل التنظيف بما دونها، وإلا جعلها وتراً (وغسله) أي المخرج (بالماء) بعد الإنقاء بالحجر أولاً (أفضل) إذا كان بلا كشف عورة عند من يراه، أما معه فيتركه؛ لأنه حرام يفسق به فلا يرتكبه لإقامة الفضيلة (فإن تجاوزت النجاسة مخرجها) وكان المتجاوز بانفراده لسقوط اعتبار ذلك الموضع أكثر من الدرهم (لم يجز فيه) أي في طهارته (إلا الماء) أو المائع، ولا يطهر بالحجر؛ لأنه من باب إزالة النجاسة الحقيقية عن البدن (ولا يستنجي بعظم ولا بروث) لورود النهي عنه (ولا بطعام) لآدمي أو بهيمة؛ لأنه إتلاف وإهانة (ولا بيمينه) لورود النهي عنه أيضاً، إلا من عذر باليسرى يمنع الاستنجاء بها.   (1) هذا في يعصر وقال أبو يوسف إزار الحمام إذا صب عليه ماء كثير وهو عليه يطهر بلا عصر حتى قال الحلواني لو كانت النجاسة دماً أو بولاً وصب عليه ماء كفاه على قياس قول أبي يوسف وقالوا في البساط النجس إذا جعل في نهر ليلة طهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 كتاب الصلاة - أول وقت الصبح إذا طلع الفجر الثاني، وهو البياض المعترض في الأفق، وآخر وقتها ما لم تطلع الشمس، وأول وقت الظهر إذا زالت الشمس، وآخر وقتها عند أبي حنيفة إذا صار ظل كل شيءٍ مثليه سوى فيء الزوال.   كتاب الصلاة شروع في المقصود بعد بيان الوسيلة. والصلاة لغة: الدعاء، قال الله تعالى {وصل عليهم} أي ادع لهم. وشرعاً: الأفعال المخصوصة المتفتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم. وهي فرض عين على كل مكلف، ولكن تؤمر بها الأولاد لسبع سنين، وتضرب عليها لعشر، بيد لا بخشبة، ويكفر جاحدها، وتاركها عمداً كسلاً يحبس ويضرب حتى يصلي. (أول وقت الفجر) قدمه لعدم الخلاف في طرفيه، بخلاف غيره كما ستقف عليه (إذا طلع الفجر الثاني) المسمى بالصادق (وهو البياض المعترض في الأفق) بخلاف الأول المسمى بالكاذب؛ فإنه يخرج مستطيلاً في الأفق ثم تعقبه ظلمة، والأفق: واحد الآفاق، وهي أطراف السماء (وآخر وقتها مالم تطلع الشمس) : أي قبيل طلوعها (وأول وقت الظهر إذا زالت الشمس) . عن كبد السماء (وآخر وقتها عند أبي حنيفة) رحمه الله (إذا صار ظل كل شيء مثليه سوى فيء الزوال) ؛ أي الفيء الذي يكون وقت الزوال، هذا ظاهر الرواية عن الإمام نهاية وهي رواية محمد في الأصل، وهو الصحيح كما في الينابيع والبدائع والغاية والمنية والمحيط، واختاره برهان الشريعة المحبوبي، وعول عليه النسفي، ووافقه صدر الشريعة ورجح دليله، وفي الغيائية: وهو المختار، واختاره المتون، وارتضاه الشارحون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وقال أبو يوسف ومحمدٌ: إذا صار ظل كل شيء مثله. وأول وقت العصر إذا خرج وقت الظهر على القولين، وآخر وقتها ما لم تغرب الشمس، وأول وقت المغرب إذا غربت الشمس، وآخر وقتها ما لم يغب الشفق، وهو البياض الذي في الأفق بعد الحمرة عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: هو الحمرة،   وقد بسط دليله في معراج الدراية، ثم قال: والأخذ بالاحتياط في باب العبادات أولى إذ هو وقت العصر بالاتفاق؛ فيكون أجود في الدين؛ لثبوت براءة الذمة بيقين؛ إذ تقديم الصلاة على الوقت لا يجوز بالإجماع، ويجوز التأخير، وإن وقعت قضاء. اهـ. (وقال أبو يوسف ومحمد) رحمهما الله تعالى: آخر وقتها (إذا صار ظل الشيء مثله) سوى فيء الزوال؛ فإنه مستثنى على الروايتين جميعاً، وهو رواية عنه أيضاً، وبه قال زفر والأئمة الثلاثة. قال الطحاوي: وبه نأخذ، وفي غرر الأذكار: وهو المأخوذ به، وفي البرهان: وهو الأظهر؛ لبيان إمامة جبريل، وهو نص في الباب، وفي الفيض: وعليه عمل الناس اليوم، وبه يفتي. كذا في الدر، وتعقبه شيخنا في حاشيته فراجعه. قال شيخنا: والأحسن ما في السراج عن شيخ الإسلام أن الاحتياط أن لا يؤخر الظهر إلى المثل، ولا يصلي العصر حتى يبلغ المثلين؛ ليكون مؤدياً للصلاتين في وقتهما بالإجماع. اهـ. (وأول وقت العصر إذا خرج وقت الظهر (على) اختلاف (القولين) من المثلين أو المثل (وآخر وقتها ما لم تغرب الشمس) أي قبيل غروبها (وأول وقت المغرب إذا غربت الشمس؛ وآخر وقتها ما لم يغب الشفق، وهو) أي الشفق الموقت به (البياض الذي) يستمر (في الأفق بعد) غيبة (الحمرة) بثلاث درج، كما بين البحرين، كما حققه العلامة الشيخ خليل الكاملي في حاشيته على رسالة الأسطرلاب، حيث قال: التفاوت بين الفجرين وكذا بين الشفقين الأحمر والأبيض إنما هو بثلاث درج، وهذا (عند أبي حنيفة) رحمه الله تعالى (وقال أبو يوسف ومحمد: هو الحمرة) وهو رواية عنه أيضاً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق، وآخر وقتها ما لم يطلع الفجر، وأول وقت الوتر بعد العشاء، وآخر وقتها ما لم يطلع الفجر. ويستحب الإسفار بالفجر، والإبراد بالظهر في الصيف،   وعليها الفتوى كما في الدراية ومجمع الروايات وشروح المجمع، وبه قالت الثلاثة، وفي شرح المنظومة: وقد جاء عن أبي حنيفة أنه رجع عن قوله وقال: إنه الحمرة؛ لما ثبت عنده من حمل عامة الصحابة الشفق على الحمرة، وعليه الفتوى. اهـ. وتبعه المحبوبي وصدر الشريعة، لكن تعقبه العلامة قاسم في تصحيحه وسبقه شيخه الكمال في الفتح فصححا قول الإمام، ومشى عليه في البحر. قال شيخنا: لكن تعامل الناس اليوم في عامة البلاد على قولهما، وقد أيده في النهر تبعا للنقاية والوقاية والدر والإصلاح ودرر البحار والإمداد والمواهب وشرح البرهان وغيرهم مصرحين بأن عليه الفتوى. اهـ. (وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق، وآخر وقتها ما لم يطلع الفجر) : أي قبيل طلوعه (وأول وقت الوتر بعد العشاء) عندهما، وعند الإمام وقته وقت العشاء إلا أن فعله مرتب على فعل العشاء فلا يقدم عليها عند التذكر، والاختلاف في وقتها فرع الاختلاف في صفتها. جوهرة (وآخر وقتها ما لم يطلع الفجر) وفاقد وقتهما غير مكلب بهما، كما جزم به في الكنز والملتقى والدر، وبه أفتى البقالي وغيره. (ويستحب الإسفار بالفجر) لقوله صلى الله عليه وسلم: "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر". قال الترمذي: حديث صحيح، والإسفار: الإضاءة، يقال: أسفر الفجر، إذا أضاء، وأسفر الرجل بالصلاة: إذا صلاها في الإسفار، مصباح، وحد الإسفار المستحب: أن يكون بحيث يؤديها بترتيل نحو ستين أو أربعين آية ثم يعيدها بطهارة لو فسدت، وهذا في حق الرجال، وأما النساء فالأفضل لهن الغلس؛ لأنه أستر، وفي غير الفجر ينتظرن فراغ الرجال من الجماعة، كذا في المبتغى ومعراج الدراية (و) يستحب (الإبراد بالظهر في الصيف) بحيث يمشي في الظل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أبردوا بالظهر؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم" رواه البخاري؛ وسواء فيه صلاته منفرداً أو بجماعة والبلاد الحارة وغيرها، في شدة الحر وغيره، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وتقديمها في الشتاء، وتأخير العصر ما لم تتغير الشمس، وتعجيل المغرب (1) وتأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل. ويستحب في الوتر لمن يألف صلاة الليل أن يؤخر الوتر إلى آخر الليل، فإن لم يثق بالانتباه أوتر قبل النوم. باب الأذان.   كذا في معراج الدراية (و) يستحب (تقديمها في الشتاء) والربيع والخريف كما في الإمداد عن مجمع الروايات (و) يستحب (تأخير العصر) مطلقاً؛ توسعة للنوافل (ما لم تتغير الشمس) بذهاب ضوئها فلا يتحير فيها البصر، وهو الصحيح. هداية. (و) يستحب (تعجيل المغرب) مطلقا؛ فلا يفصل بين الآذان والإقامة إلا بقدر ثلاث آيات أو جلسة خفيفة (و) يستحب (تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل) الأول، في غير وقت الغيم: فيندب تعجيله فيه (ويستحب في الوتر لمن يألف صلاة الليل) ويثق بالانتباه (أن يؤخر الوتر إلى آخر الليل) ليكون آخر صلاته فيه. (فإن لم يثق) من نفسه (بالانتباه أوتر قبل النوم) لقوله صلى الله عليه وسلم: "من خاف ألا يقوم آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخره، فإن صلاة الليل مشهودة" رواه مسلم. باب الأذان هو لغة: الإعلام، وشرعاً: إعلام مخصوص على وجه مخصوص بألفاظ مخصوصة، وقدم ذكر الأوقات على الأذان لأنها أسباب، والسبب مقدم على المسبب.   (1) وتأخيرها لصلاة ركعتين مكروهة في مذهب الحنفية وجوزه بعض الأئمة وأنكره كثير من السلف ومالك مستدلين بحديث ابن عمر عند أبي داود ما رأيت أحدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما وهو معارض لحديث صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء ويؤيد المنع إنكار كثير من السلف له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 - الأذان سنةٌ للصلوات الخمس والجمعة دون ما سواها. وصفة الأذان أن يقول: الله أكبر، الله أكبر - إلى آخره، ولا ترجيع فيه (1) ويزيد في أذان الفجر بعد الفلاح: الصلاة خيرٌ من النوم، مرتين. والإقامة مثل الأذان، إلا أنه يزيد فيها بعد الفلاح: قد قامت الصلاة، مرتين.   (الأذان سنة) مؤكدة للرجال (للصلوات الخمس والجمعة) خصها بالذكر مع أنها داخلة في الخمس لدفع توهم أنها كالعبد من حيث الأذان أيضاً فلا يسن لها، أو لأن لها أذانين (دون ما سواهما) كالعيد والكسوف والوتر والتراويح وصلاة الجنازة، فلا يسن لها. (وصفة الأذان) معروفة، وهي (أن يقول) المؤذن (الله أكبر الله أكبر - إلى آخره) أي: آخر ألفاظه المعروفة بتربيع تكبير أوله وتثنية باقي ألفاظه (ولا ترجيع فيه) وهو أن يرفع صوته بالشهادتين بعد ما خفض بهما، وهو مكروه، ملتقى (ويزيد في أذان الفجر بعد) قوله حي على (الفلاح) الثانية (الصلاة خير من النوم) ويقولها (مرتين) لأنه وقت نوم. (والإقامة مثل الأذان) فيما مر من تربيع تكبير أوله وتثنية في باقي ألفاظه (إلا أنه يزيد فيها بعد) قوله (حي على الفلاح) الثانية (قد قامت الصلاة) ويقولها (مرتين) .   (1) أحاديث أبي محذورة رضي الله عنه في الترجيع مع صحتها متعارضة فتتساقط ويؤخذ بحديث غيره على الأصل وهو عدم الترجيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 ويترسل في الأذان، ويحدر عن الإقامة، ويستقبل بهما القبلة، فإذا بلغ إلى الصلاة والفلاح حول وجهه يميناً وشمالاً. ويؤذن للفائتة ويقيم، فإن فاتته صلواتٌ أذن للأولى وأقام، وكان مخيراً في الباقية: إن شاء أذن وأقام، وإن شاء اقتصر على الإقامة، وينبغي أن يؤذن ويقيم على طهرٍ، فإن أذن على غير وضوءٍ جاز، ويكره أن يقيم على غير وضوءٍ أو يؤذن وهو جنبٌ، ولا يؤذن لصلاةٍ قبل دخول وقتها.   (ويترسل) أي يتمهل ندبا (في الأذان) بسكتة بين كل كلمتين (ويحدر) . أي يسرع في الإقامة، بأن يجمع بين كل كلمتين (ويستقبل بهما القبلة: فإذا بلغ إلى الصلاة والفلاح حول وجهه) فيهما (يميناً) بالصلاة (وشمالاً) بالفلاح، من غير أن يحول قدميه، لأن فيه مناجاة ومناداة، فيتوجه في المناجاة إلى القبلة، وفي المناداة إلى من عن يمينه وشماله، ويستدير في الصومعة إذا لم يتم الإعلام بمجرد تحويل الوجه، ليحصل تمام الإعلام. (ويؤذن) الرجل (للفائتة ويقيم) لأنها بمنزلة الحاضرة (فإن فاتته صلوات) متعددة وأراد قضاءهن في مجلس واحد (أذن الأولى وأقام، وكان مخيراً في الباقية) بعدها (إن شاء أذن وأقام) لكل واحدة كالأولى، وهو أولى (وإن شاء اقتصر) فيما بعد الأولى (على الإقامة) وإن قضاهن في مجالس، فإن صلى في مجلس أكثر من واحدة فكما مر، وإلا أذن وأقام لها. (وينبغي) للمؤذن (أن يؤذن ويقيم على طهر) ليكون متهيئاً لإجابة ما يدعو إليه (فإن أذن على غير وضوء جاز) لأنه ذكر وليس بصلاة، فكان الوضوء استحباباً، هداية (ويكره أن يقيم على غير وضوء) لما فيه من الفصل بين الإقامة والصلاة (أو يؤذن) أو يقيم بالأولى (وهو جنب) رواية واحدة هداية. ويعاد أذانه (ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها) فإن فعل أعاد في الوقت؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 باب شروط الصلاة التي تتقدمها. - يجب على المصلي أن يقدم الطهارة من الأحداث والأنجاس على ما قدمناه، ويستر عورته، والعورة من الرجل: ما تحت السرة إلى الركبة، والركبة من العورة،   لأن الأذان للإعلام؛ وهو قبل دخول الوقت تجهيل، وقال أبو يوسف؛ يجوز للفجر في النصف الأخير من الميل، لتوارث أهل الحرمين. هداية. باب شروط الصلاة الشروط: جمع شرط، وهو لغة: العلامة ومنه أشراط الساعة؛ أي علاماتها وشرعاً: ما يتوقف عليه وجود الشيء، ويكون خارجا عن ماهيته، ولا يكون مؤثراً في وجوده، واحترز بقوله (التي تتقدمها) عن التي لا تتقدمها كالمقارنة والمتأخرة عنها، وهي التي تأتي في باب صفة للصلاة؛ كالتحريمة، وترتيب الأركان والخروج بصنعة، كما سيأتي: والشروط التي تتقدمها - على ما ذكره المصنف - ستة، ذكر منها خمسة، وتقدم ذكر الوقت أول كتاب الصلاة، قال الشرنبلالي: وكان ينبغي ذكره هنا ليتنبه المتعلم، لكونه من الشروط كما في مقدمة أبي الليث ومنية المصلى. الأول والثاني من الشروط ما عبر عنهما بقوله (يجب على المصلى) : أي يلزمه (أن يقدم الطهارة من الأحداث والأنجاس على ما) : أي الوجه الذي قدمناه) في الطهارة. والثالث قوله: (ويستر عورته) ولو خالياً، أو في بيت مظلم، ولو بما لا يحل لبسه كثوب حرير وإن أثم بلا عذر (والعورة من الرجل ما تحت السرة إلى الركبة) : أي معها، كما صرح بذلك بقوله (والركبة من العورة) قال في التصحيح: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وبدن المرأة الحرة كله عورةٌ إلا وجهها وكفيها وقدميها. وما كان عورةً من الرجل فهو عورةٌ من الأمة، وبطنها وظهرها عورةٌ، وما سوى ذلك من بدنها فليس بعورةٍ. ومن لم يجد ما يزيل به النجاسة صلى معها ولم يعد الصلاة. ومن لم يجد ثوباً صلى عرياناً قاعداً   والأصح أنها من الفخذ. اهـ. (وبدن المرأة الحرة كله عورة إلا وجهها وكفيها) باطنهما وظاهرهما على الأصح، كما في شرح المنية، وفي الهداية: وهذا تنصيص على أن القدم عورة، ويروى أنها ليست بعورة، وهو الأصح اهـ. وقال في الجوهرة: وقيل: الصحيح أنها عورة في حق النظر والمس، وليست بعورة في حق الصلاة، ومثله في الاختيار، ومشى عليه في التنوير، وقال العلائي: على المعتمد، لكن في التصحيح خلافه حيث قال: قلت تنصيص الكتاب أولى بالصواب؛ لقول محمد في كتاب الاستحسان "وما سوى ذلك عورة" وقال قاضيخان: وفي قدميها روايتان، والصحيح أن انكشاف ربع القدم يمنع الصلاة، وكذا في نصاب الفقهاء، وتمامه فيه، فتنبه (وما كان عورة من الرجل فهو عورة من الأمة) ولو مديرة أو مكاتبة أو أم ولد (وبطنها وظهرها عورة) أيضاً، وجانبهما تبع لهما (وما سوى ذلك من بدنها فليس بعورة) وكشف ربع عضو من أعضاء العورة - كبطن وفخذ وشعر نزل من رأسها ودبر وذكر وأنثيين وفرج - يمنع صحة الصلاة إن استمر مقدار أداء ركن وإلا لا. (ومن لم يجد ما يزيل به النجاسة صلى معها ولم يعد الصلاة) ثم إن كان ربع الثوب أو أكثر طاهراً يصلي فيه لزوماً، فلو صلى عرياناً لا يجزئه؛ وإن كان الطاهر أقل من الربع يتخير بين أن يصلي عرياناً والصلاة فيه، والصلاة فيه أفضل، لعدم اختصاص الستر بالصلاة، واختصاص الطهارة بها. (ومن لم يجد ثوباً) ولو بإباحة على الأصح (صلى عرياناً قاعداً) ماداً رجليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 يومئ بالركوع والسجود؛ فإن صلى قائماً أجزأه؛ والأول أفضل، وينوي الصلاة التي يدخل فيها بنيةٍ لا يفصل بينهما وبين التحريمة بعملٍ، ويستقبل القبلة.   إلى القبلة، لكونه أستر، وقيل: كالمتشهد (يومئ إيماء بالركوع والسجود، فإن صلى قائماً) يركع ويسجد، أو قاعدا كذلك (أجزأه) لأن في القعود ستر العورة الغليظة، وفي القيام أداء هذه الأركان؛ فيميل إلى أيهما شاء (و) لكن (الأول أفضل) لأن الستر وجب لحق الصلاة وحق الناس ولا خلف له؛ والإيماء خلف عن الأركان. والرابع من الشروط قوله: (وينوي الصلاة التي يدخل فيها بنية لا يفصل بينها وبين التحريمة يعمل) أجنبي عن الصلاة، وهو ما يمنع البناء؛ ويندب اقترانها خروجاً من الخلاف، قال في التصحيح: قلت: ولا يتأخر عنها في الصحيح قال الإسبيجاني: لا يصح تأخير النية عن وقت الشروع في ظاهر الرواية اهـ. ثم إن كانت الصلاة نفلاً يكفيه مطلق النية، وكذلك إن كانت سنة في الصحيح هداية اهـ. والتعيين أفضل وأحوط، ولابد من التعيين في الفرض كظهر وعصر مثلاً، وإن لم يقرنه باليوم أو الوقت، لو أداء، فلو قضاء لزم التعيين، وسيجئ ومثله الواجب كوتر ونذر وسجود تلاوة، ولا يلزم تعيين عدد الركعات، لحصولها ضمناً، فلا يضر الخطأ في عددها، والمعتبر في النية عمل القلب؛ لأنها الإرادة السابقة للعمل اللاحق. فلا عبرة للذكر باللسان. إلا إذا عجز عن إحضار القلب لهموم أصابته فيكفيه اللسان. مجتبى. وعمل القلب أن يعلم بداهة من غير تأمل أي صلاة يصلي، والتلفظ بها مستحب إعانة للقلب. والخامس من الشروط قوله: (ويستقبل القبلة) ثم إن كان بمكة ففرضه إصابة عينها، وإن كان غائباً ففرضه إصابة جهتها، هو الصحيح؛ لأن التكليف بحسب الوسع. هداية. وفي معراج الدراية: ومن كان بمكة وبينه وبين الكعبة حائل يمنع المشاهدة كالأنبياء فالأصح أن حكمه حكم الغائب. اه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 إلا أن يكون خائفاً فيصلي إلى أي جهةٍ قدر؛ فإن اشتبهت عليه القبلة وليس بحضرته من يسأله عنها اجتهد وصلى، فإن علم أنه أخطأ بإخبارٍ بعد ما صلى فلا إعادة عليه، وإن علم ذلك وهو في الصلاة استدار إلى القبلة وبنى عليها.   اعلم أنه لا يجوز لأحد أداء فريضة ولا نافلة ولا سجدة تلاوة ولا صلاة جنازة إلا متوجها إلى القبلة، فإن صلى إلى غير جهة القبلة متعمداً من غير عذر كفر، ثم من كان بمكة ففرضه إصابة عينها، ومن كان غائباً عنها ففرضه إصابة جهتها، هو الصحيح. جوهرة. (إلا أن يكون خائفاً) من عدو أو سبع، أو كان على خشبة. في البحر يخاف الغرق إن انحرف، أو مريضاً لا يجد من يحوله، أو يجد إلا أنه يتضرر (فيصلي إلى أي جهة قدر) لتحقق العذر. (فإن اشتبهت عليه القبلة وليس بحضرته من يسأله عنها اجتهد وصلى) إلى جهة اجتهاده. والاجتهاد: بذل المجهود لنيل المقصود، قيد بما إذا لم يكن بحضرته من يسأله لأنه إذا وجد من يسأله وجب عليه سؤاله والأخذ بقوله، ولو خالف رأيه، إذا كان المخبر من أهل الموضع ومقبول الشهادة، وقيد بالحضرة لأنه لا يجب عليه طلب من يسأله، ولو سأل قوماً بحضرته فلم يخبروه حتى صلى بالتحري ثم أخبروه بعد فراغه أنه لم يصل إلى القبلة فلا إعادة عليه. جوهرة (فإن علم أنه أخطأ بإخبار) أو تبدل اجتهاده (بعدما صلى فلا إعادة عليه) لإتيانه بما في وسعه وإن علم ذلك وهو في الصلاة استدار إلى القبلة وبنى عليها) : أي على الصلاة، وكذلك إذا تحول رأيه إلى جهة أخرى توجه إليها؛ لوجوب العمل بالاجتهاد فيما يستقبل من غير نفض المؤدي قبله، ومن أم قوماً في ليلة مظلمة فتحرى القبلة وصلى إلى المشرق، وتحرى من خلفه وصلى كل واحد منهم إلى جهة، وكلهم خلف الإمام، ولا يعلمون ما صنع الإمام - أجزأهم؛ لوجود التوجه إلى جهة التحري وهذه المخالفة غير مانعة كما في جوف الكعبة، ومن علم منهم بحال إمامه تفسد صلاته؛ لأنه اعتقد إمامه على الخطأ، وكذا لو كان متقدماً عليه؛ لتركه فرض المقام. هداية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 باب صفة الصلاة. - فرائض الصلاة سنةٌ: التحريمة، والقيام، والقراءة، والركوع، والسجود،   باب صفة الصلاة شروع في المشروط بعد بيان الشرط. (فرائض) نفس (الصلاة ستة) : الأول: (التحريمة) قائما؛ لقوله عليه السلام: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير) وهي شرط عندهما، وفرض عند محمد، وفائدته فيما إذا فسدت الفريضة: تنقلب نفلاً عندهما، وعنده لا، وفيما إذا شرع في الظهر قبل الزوال، فلما فرغ من التحريمة زالت الشمس، فعندهما يجوز، وعنده لا. جوهرة وعدها من فرائضها لأنها منها بمنزلة الباب للدار: فإن الباب - وإن كان غيرها - فهو يعد منها، وسميت تحريمة لأنها تحرم الأشياء المباحة قبلها المباينة للصلاة. (و) الثاني: (القيام) بحيث لو مد يديه لا ينال ركبتيه، وذلك في فرض وملحق به لقادر عليه وعلى السجود، فلو قدر عليه دون السجود ندب إيماؤه قاعداً كما في الدر. (و) الثالث: (القراءة) لقادر عليها، كما سيأتي. (و) الرابع: (الركوع) بحيث لو مد يديه نال ركبتيه. (و) الخامس: (السجود) بوضع الجبهة وإحدى اليدين وإحدى الركبتين وشيء من أطراف أصابع إحدى القدمين على ما يجد حجمه، وإلا لم تتحقق السجدة وكماله بوضع جميع اليدين والركبتين والقدمين والجبهة مع الأنف، كما ذكره المحقق ابن الهمام وغيره، ومن اقتصر على بعض عبارت أئمتنا مما فيه مخالفة لما قاله الفقيه أبو الليث والمحققون فقد قصر، وتمامه في الأمداد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 والقعدة الأخيرة مقدار التشهد، وما زاد على ذلك فهو سنةٌ، فإذا دخل الرجل في الصلاة كبر، ورفع يديه مع التكبير حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه (1) ،   (و) السادس: (القعدة الأخيرة مقدار التشهد) إلى قوله: "عبده ورسوله" هو الصحيح، حتى لو فرغ المقتدي قبل فراغ الإمام المتكلم أو أكل فصلاته تامة. جوهرة. (وما زاد على ذلك) المذكور (فهو سنة) قال في الهداية: أطلق اسم السنة وفيها واجبات: كقراءة الفاتحة، وضم السورة إليها، ومراعاة الترتيب فيما شرع مكرراً من الأفعال، والقعدة الأولى، وقراءة التشهد في الأخيرة، والقنوت في الوتر، وتكبيرات العيدين، والجهر فيما يجهر فيه؛ والمخافتة فيما يخافت فيه، ولهذا يجب سجدتا السهو بتركها، هو الصحيح، لما أنه ثبت وجوبها بالسنة اهـ. (فإذا دخل الرجل) : أي أراد الدخول (في الصلاة كبر) : أي قال وجوباً: "الله أكبر"، (ورفع يديه مع التكبير حتى يحاذي) ويمس (بإبهاميه شحمتي أذنيه) ؛ لأنه من تمام المحاذاة، ويستقبل بكفيه القبلة، وقيل: خديه، قال في الهداية:   (1) ومذهب الشافعي رحمه الله والجمهور أنه يرفع إلى منكبيه وهذا الخلاف في تكبيرة القنوت والأعياد والجنازة واستدلوا بحديث أبي حميد المروي في البخاري وفيه قال أبو حميد: أنا أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره. الحديث ويحتج الحنفية بحديث مالك بن الحويرث (أنه كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه) رواه أحمد ومسلم، وعند أبي داود من رواية عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر أنه جمع بينهما فقال: حتى يحاذي بظهر كتفيه المنكبين وبأطراف أنامله الأذنين وتؤيده رواية أخرى عن واصل عند أبي داود بلفظ حتى كانت (حيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه) فالخطب سهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 فإن قال بدلاً من التكبير: الله أجل أو أعظم أو الرحمن أكبر؛ أجزأه عند أبي حنيفة ومحمدٍ. وقال أبو يوسف: لا يجزئه إلا بلفظ التكبير، ويعتمد بيده اليمنى على اليسرى، ويضعهما تحت سرته، ثم يقول:   الأصح أنه يرفع أولا ثم يكبر، وقال الزاهدي: وعليه عامة المشايخ. (فإن قال بدلا من التكبير الله أجل أو أعظم أو الرحمن أكبر) أو أجل أو أعظم أو لا إله إلا الله أو غير ذلك من كل ذكر خالص لله تعالى (أجزأه) مع كراهة التحريم (1) ، وذلك، (عند أبي حنيفة ومحمد) رحمهما الله تعالى (وقال أبو يوسف) رحمه الله تعالى: إن كان يحسن التكبير (لا يجزئه) الشروع (إلا بلفظ التكبير) كأكبر وكبير، معروفا ومنكراً مقدماً ومؤخراً قال في التصحيح: قال الإسبيجاني: والصحيح قولهما، وقال الزاهدي: هو الصحيح، واعتمده البرهاني والنسفي. اهـ. (ويعتمد) الرجل (بيده اليمنى على اليسرى) آخذاً رسغها بخنصره وإبهامه باسطاً أصابعه الثلاث على المعصم (ويضعهما) كلما فرغ من التكبير (تحت سرته) وتضع المرأة الكف على الكف تحت الثدي؛ قال في الهداية: ثم الاعتماد سنة القيام عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، حتى لا يرسل حالة الثناء، والأصل أن كل قيام فيه ذكر مسنون يعتمد فيه، وما لا فلا، هو الصحيح؛ فيعتمد في حالة القنوت وصلاة الجنازة ويرسل في القومة وبين تكبيران الأعياد. اهـ (ثم يقول) كما كبر:   (1) اختلف المشايخ في كراهة دخول الصلاة بلفظ غير لفظ التكبير عندهما، فقال؛ السرخسي لا يكره عندهما. وقال في الذخيرة: الأصح أنه يكره، لقوله عليه الصلاة والسلام: (وتحريمها التكبير) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك (1) ، ويستعيذ من الشيطان الرجيم ويقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ويسر بهما (2) ، ثم يقرأ فاتحة الكتاب وسورة معها أو ثلاث آياتٍ من أي سورة   (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك و) كما فرغ من الاستفتاح (يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم) قال في الهداية: والأولى أن يقول: أستعيذ بالله؛ ليوافق القرآن، ويقرب منه "أعوذ" ثم التعوذ تبع للقراءة دون الثناء عند أبي حنيفة رحمه الله لما تلونا، حتى يأتي به المسبوق دون المقتدى. اهـ (و) كما فرغ (يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. ويسر بهما: أي الاستعاذة والبسملة، ولو الصلاة جهرية (ثم) كما سمى (يقرأ) وجوباً (فاتحة الكتاب وسورة معها) : أي مضمومة إليها كائنة بعدها (أو ثلاث آيات من أي سورة   (1) قال في الهداية: وعن أبي يوسف أنه يضم إليه قوله إني وجهت وجهي إلى آخره (لرواية عند أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك) . قلت وقد ثبت في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال: وجهت وجهي إلى المسلمين اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لحسنها إلا أنت. واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت. لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك. أنا بك وإليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك. ويا حبذا لو حرص المصلي على ذلك ولا سيما في صلاة النفل تيمنا بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه. (2) يروي ابن أبي شعبة عن إبراهيم النجفي عن ابن مسعود: أربع يخفيهن الإمام التعوذ والتسمية وآمين والتحميد وعن أبي وائل عن عبد الله أنه كان يخفي بسم الله الرحمن الرحيم والاستعاذة وربنا لك الحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 شاء، وإذا قال الإمام "ولا الضالين" قال: آمين، ويقولها المؤتم ويخفونها (1) ، ثم يكبر ويركع ويعتمد بيديه على ركبتيه ويفرج أصابعه، ويبسط ظهره، ولا يرفع رأسه ولا ينكسه، ويقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ثلاثاً، وذلك أدناه، ثم يرفع رأسه ويقول: سمع الله لمن حمده،   شاء) ، فقراءة الفاتحة لا تتعين ركناً عندنا، وكذا ضم السورة إليها. هداية. (وإذا قال الإمام ولا الضالين قال) بعدها (آمين) بمد أو قصر (ويقولها المؤتم) أيضاً معه (ويخفونها) سواء كانت سرية أو جهرية (ثم كما فرغ من القراءة (يكبر ويركع) وفي الجامع الصغير: ويكبر مع الانحطاط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يكبر عند كل خفض ورفع) ويحذف المد في التكبير حذفاً، لأن المد في أوله خطأ من حيث الدين لكونه استفهاماً، وفي آخره لحن من حيث اللغة. هداية. (ويعتمد بيديه على ركبتيه ويفرج أصابعه) ولا يندب إلى التفريج إلا في هذه الحالة، ليكون أمكن من الأخذ، ولا إلى الضم إلا في حالة السجود، وفيما وراء ذلك يترك على العادة (ويبسط ظهره) ويسوي رأسه بعجزه (ولا يرفع رأسه) عن ظهره (ولا ينكسه) عنه (ويقول في ركوعه؛ سبحان ربي العظيم) ويكررها (ثلاثاً، وذلك أدناه) : أي أدنى كمال السنة، قال في المنية: أدناه ثلاث، والأوسط خمس، والأكمل سبع. اهـ. (ثم يرفع رأسه ويقول) مع الرفع: (سمع الله لمن حمده) ويكتفي به الإمام عند الإمام، وعند الإمامين يضم التحميد سراً، هداية؛   (1) يستدل الحنفية على ذلك بحديث ابن مسعود السابق بالهامش وروى أحمد وأبو يعلى والطبراني والدارقطني والحاكم في المستدرك عن وائل أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغ غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال: آمين وأخفى بها صوته ورواه أبو داود والترمذي وغيرهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 ويقول المؤتم: ربنا لك الحمد، فإذا استوى قائماً كبر وسجد، واعتمد بيديه على الأرض ووضع وجهه بين كفيه، وسجد على أنفه وجبهته؛ فإن اقتصر على أحدهما جاز عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يجوز الاقتصار على الأنف إلا من عذرٍ، وإن سجد على كور عمامته أو فاضل ثوبه جاز، ويبدي ضبعيه، ويجافي بطنه عن فخذيه، ويوجه أصابع رجليه نحو القبلة، ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى   وهو رواية عن الإمام أيضاً، وإليه مال الفضلي والطحاوي وجماعة من المأخرين معراج عن الظهيرية، ومشى عليه في نور الإيضاح، لكن المتون على خلافه. (ويقول المؤتم: ربنا لك الحمد) ويكتفي به، وأيضاً له (اللهم ربنا ولك الحمد) ثم حذف الواو، ثم حذف (اللهم) فقط؛ والمفرد يجمع بينهما في الأصح، هداية وملتقى (فإذا استوى قائما كبر) مع الخرور (وسجد) واضعا ركبتيه أولا (واعتمد بيديه على الأرض) بعدهما (ووضع وجهه بين كفيه) اعتبارا لآخر الركعة بأولها؛ ويوجه أصابع يديه نحو القبلة (وسجد) وجوباً (على أنفه وجبهته، فإن اقتصر على أحدهما جاز عند أبي حنيفة) رحمه الله، فإن كان على الأنف كره وإن كان على الجبهة لا يكره، كما في الفتح عن التحفة والبدائع (وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجوز: الاقتصار على الأنف إلا من عذر) وهو رواية عن أبي حنيفة، وعليه الفتوى. جوهرة، وفي التصحيح نفلا عن العيون: وروى عنه مثل قولهما، وعليه الفتوى، واعتمده المحبوبي وصدر الشريعة (وإن سجد على كور عمامته) إذا كان على جبهته (أو فاضل) : أي طرف (ثوبه جاز) ويكره إلا من عذر (ويبدي ضبعيه) تثنية ضبع - بالسكون - العضد؛ أي الساعد، وهو من المرفق إلى الكتف؛ أي يظهرهما، وذلك في غير رحمة. (ويجافي) : أي يباعد (بطنه عن فخذيه ويوجه أصابع رجليه نحو القبلة) ، والمرأة تنخفض وتلزق بطنها بفخذيها، لأن ذلك أستر لها. هداية. (ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى) ويكررها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 ثلاثاً، وذلك أدناه، ثم يرفع رأسه ويكبر، فإذا اطمأن جالساً كبر وسجد، فإذا اطمأن ساجداً كبر واستوى قائماً على صدور قدميه، ولا يقعد، ولا يعتمد بيديه على الأرض، ويفعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى، إلا أنه لا يستفتح ولا يتعوذ، ولا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى (1) ، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الثانية افترش رجله   (ثلاثا، وذلك أدناه) : أي أدنى كمال السنة، كما مر. (ثم يرفع رأسه ويكبر) مع الرفع إلى أن يستوي جالساً، ولو لم يستو جالساً وسجد أخرى أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى، وتكلموا في مقدار الرفع، والأصح أنه إذا كان إلى السجود أقرب لا يجوز: لأنه يعد ساجداً. وإن كان إلى الجلوس أقرب جاز لأنه يعد جالساً، فتحقق الثانية. هداية (فإذا اطمأن) ؛ أي سكن (جالساً) كجلسة المتشهد (كبر) مع عوده (وسجد) سجدة ثانية كالأولى (فإذا اطمأن ساجداً كبر) مع النهوض (واستوى قائما على صدور قدميه) وذلك بأن يقوم وأصابع القدمين على هيئتها في السجود (ولا يقعد) للاستراحة (ولا يعتمد بيديه على الأرض) ويكره فعلهما تنزيها لمن ليس به عذر. حلية. (ويفعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في) الركعة (الأولى) لأنه تكرار الأركان (إلا أنه لا يستفتح ولا يتعوذ) لأنهما لا يشرعا إلا مرة (ولا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى) فقط (فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الثانية افترش) الرجل (رجله   (1) يرى الشافعي رفع اليدين عند الركوع والرفع منه لأحاديث وأثار وردت في ذلك وللحنفية أحاديث وآثار تدل على عدم ذلك. فهما متعارضان في الدلالة ويرحج الحنفية المنح بدليل أنه كانت أقوال مباحة في الصلاة وأفعال من جنس هذا الرفع وقد علم نسخها فلا يبعد أن يكون هذا منها قالوا وقد ثبت معارضه ثبوتاً لا مرد له. قال أبو حنيفة ليس وائل أحفظ من عبد الله بن مسعود وقد حدثني من لا أحصى عن عبد الله أنه رفع يديه في بدء الصلاة فقط وحكاه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو عالم بشرائع الإسلام وحدوده متفقد لأحوال النبي صلى الله عليه وسلم ملازم له في إقامته وأسفاره فالأخذ به عند التعارض أولى. وهو كلام موفق سديد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 اليسرى فجلس عليها ونصب اليمنى نصباً ووجه أصابعه نحو القبلة ووضع يديه على فخذيه وبسط أصابعه وتشهد. والتشهد أن يقول: التحيات لله، والصلوات والطيبات،   اليسرى فجلس عليها) : أي على قدمها، بأن يجعلها تحت إليته (ونصب) قدم (اليمنى نصباً ووجه أصابعه نحو القبلة) ندباً، والمرأة تجلس على إليتها اليسرى وتخرج رجلها اليسرى من تحت اليمنى، لأنه أستر لها (ووضع يديه على فخذيه وبسط أصابعه) مفرجة قليلاً جاعلاً أطرافها عند ركبته (وتشهد) : أي قرأ تشهد ابن مسعود، بلا إشارة بسبابته عند الشهادة في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف في الأمالي أنه يعقد الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى والإبهام ويشير بالسبابة؛ ونقل مثله عن محمد والإمام، واعتمده المتأخرون، لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأحاديث الصحيحة، ولصحة نقله عن أئمتنا الثلاثة؛ ولذا قال في الفتح: إن الأول خلاف الدراية والرواية؛ ولشيخنا رحمه الله تعالى رسالة في التشهد حرر فيها صحة هذين القولين ونفى ما عداهما حيث قال: إنه ليس لنا ما سوى قولين: الأول - وهو المشهور في المذهب - بسط الأصابع بدون إشارة، الثاني بسط الأصابع إلى حين الشهادة فيعقد عندها ويرفع السبابة عند النفي ويضعها عند الإثبات، وهذا ما اعتمده المتأخرون، وأما ما عليه الناس من الإشارة مع البسط بدون عقد فلم أر أحداً قال به. اهـ.؛ ثم ذيل رسالته بأخرى حقق فيها صحة الرواية بما عليه الناس، فمن رام استيفاء الكلام فليرجع إليهما يظفر بالمرام. (والتشهد أن يقول: التحيات لله، والصلوات والطيبات، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ولا يزيد على هذا في القعدة الأولى، ويقرأ في الركعتين الأخريين فاتحة الكتاب خاصةً، فإذا جلس في آخر الصلاة جلس كما في الأولى، وتشهد، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا بما شاء بما يشبه ألفاظ القرآن والأدعية   السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) وهذا تشهد ابن مسعود رضي الله عنه؛ فإنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وعلمني التشهد كما كان يعلمني سورة من القرآن، وقال: قل التحيات لله.. إلخ. هداية، ويقصد بألفاظ التشهد معانيها مرادة له على وجه الإنشاء كأنه يحيي الله تعالى ويسلم على نبيه وعلى نفسه وأوليائه؛ در (ولا يزيد على هذا في القعدة الأولى) فإن زاد عامداً كره، وإن كان ساهياً سجد للسهو إن كانت الزيادة بمقدار (اللهم صلي على محمد) على المذهب. تنوير (ويقرأ في الركعتين الأخريين الفاتحة خاصة) وهذا بيان الأفضل، وهو الصحيح، هداية. فلو سبح ثلاثاً أو وقف ساكتاً بقدرها صح، ولا بأس به على المذهب، تنوير (فإن جلس في آخر الصلاة جلس) مفترشاً أيضاً (كما) جلس (في) القعدة (الأولى وتشهد) أيضا (وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم) ولو مسبوقاً كما رجحه في المبسوط؛ لكن رجح قاضيخان أنه يترسل في التشهد، قال في البحر: وينبغي الإفتاء به. اهـ. وسئل الإمام محمد عن كيفيتها فقال يقول: (اللهم صلي على محمد) إلى آخر الصلاة المشهورة (ودعا بما شاء مما يشبه ألفاظ القرآن) لفظاً ومعنى بكونه فيه نحو (ربنا آتنا في الدنيا حسنة) وفي الآخرة حسنة وليس منه، لأنه إنما أراد به الدعاء لا القراءة. نهر (والأدعية) بالنصب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 المأثورة ولا يدعو بما يشبه كلام الناس، ثم يسلم عن يمينه فيقول: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره مثل ذلك. ويجهر بالقراءة في الفجر والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء إن كان إماماً، ويخفي القراءة فيما بعد الأوليين،   عطفاً على ألفاظ الجر عطفاً على القرآن (المأثورة) : أي المروية نحو ما في مسلم (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) ومنها ما روى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته فقال: (قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) . (ولا يدعو بما يشبه كلام الناس) تحرزاً عن الفساد، وقد اضطرب فيه كلامهم، والمختار - كما قاله الحلبي - أن ما في القرآن والحديث لا يفسد مطلقاً، وما ليس في أحدهما إن استحال طلبه من الخلق لا يفسد، وإلا أفسد لو قبل القعود قدر التشهد، وإلا خرج به من الصلاة مه كراهية التحريم (ثم يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده فيقول: السلام عليكم ورحمة الله) ولا يقول: (وبركاته) لعدم توارثه؛ وصرح الحدادي بكراهته (و) يسلم بعدها (عن يساره مثل ذلك) السلام المذكور، ويسن خفضه عن الأول، وينوي من عن يمينه من الرجال والنساء والحفظة، وكذلك في الثانية، لأن الأعمال بالنيات. هداية. وفي التصحيح: واختلفوا في تسليم المقتدى؛ فعن أبي يوسف ومحمد يسلم بعد الإمام وعن أبي حنيفة فيه روايتان، قال الفقيه أبو جعفر: المختار أن ينتظر إذا سلم الإمام عن يمينه يسلم المقتدى عن يمينه، وإذا فرغ عن يساره يسلم عن يساره، اهـ] . (ويجهر) المصلي وجوباً بحسب الجماعة وإن زاد أساء (بالقراءة في) ركعتي (الفجر والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء) أداء وقضاء وجمعة وعيدين وتراويح ووتر في رمضان (إن كان) المصلي (إماماً، ويخفي القراءة فيما بعد الأوليين) هذا هو المتوارث. اه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وإن كان منفرداً فهو مخيرٌ: إن شاء جهر وأسمع نفسه، وإن شاء خافت، ويخفي الإمام القراءة في الظهر والعصر. والوتر   قال في التصحيح: والمخافتة تصحيح الحروف وهذا هو مختار الكرخي وأبي بكر البلخي، وعن الشيخ أبي القاسم الصفار وأبي جعفر الهندواني ومحمد ابن الفضل البخاري: أن أدنى المخافتة أن يسمع نفسه إلا لمانع، وفي زاد الفقهاء: هو الصحيح وقال الحلواني: لا يجزئه إلا أن يسمع نفسه ومن بقربه، وفي البدائع: ما قاله الكرخي أنيس وأصح، وفي كتاب الصلاة إشارة إليه فإنه قال: إن شاء قرأ في نفسه سراً وإن شاء جهر وأسمع نفسه، وقد صرح في الآثار بذلك، وتمامه فيه. (وإن كان) المصلي (منفرداً فهو مخير: إن شاء جهر وأسمع نفسه) لأنه إمام نفسه (وإن شاء خافت) ؛ لأنه ليس خلفه من يسمعه، والأفضل هو الجهر؛ ليكون الأداء على هيئة الجماعة. هداية. (ويخفي الإمام) وكذا المنفرد (القراءة) وجوبا (في) جميع ركعات (الظهر والعصر) لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة النهار عجماء) : أي ليس فيها قراءة مسموعة (1) . هداية. (والوتر) واجب عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وهذا آخر أقواله، وهو الظاهر من مذهبه، وهو الأصح، وعنه أنه سنة، وبه أخذ أبو يوسف ومحمد، وعنه   (1) ذكر الكمال في الفتح أن الحديث غريب. ونقل عن النووي أنه لا أصل له ثم روى حديث البخاري عن شجرة قال: قلنا لخباب هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم. قلنا: بم كنتم تعرفون قراءته قال: باضطراب لحيته، قلت: وهذا دليل صحيح على وجوب الإسرار في هاتين الصلاتين. ففي الحديث صلوا كما رأيتموني أصلي والأصل في الأمر الوجوب ومثله في الدلالة ما في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين قدر ثلاثين آية الحديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 ثلاث ركعاتٍ لا يفصل بينهما بسلامٍ، ويقنت في الثالثة قبل الركوع في جميع السنة، ويقرأ في كل ركعةٍ من الوتر بفاتحة الكتاب وسورةٍ معها، فإذا أراد أن يقنت كبر ورفع يديه ثم قنت.   أنه فريضة، وبه أخذ زفر، وقيل بالتوفيق: فرض؛ أي عملاً، وواجب: أي اعتقاداً، وسنة: أي ثبوتاً، وأجمعوا على أنه لا يكفر جاحده، وأنه لا يجوز بدون نية الوتر، وأن القراءة تجب في كل ركعاته، وأنه لا يجوز أداؤه قاعداً أو على الدابة بلا عذر، كما في المحيط، نهر، وهو (ثلاث ركعات لا يفصل بينهن بسلام) كصلاة المغرب، حتى لو نسي القعود لا يعود إليه، ولو عاد ينبغي الفساد، كما في الدر (ويقنت في الثالثة قبل الركوع في جميع السنة أداء وقضاء (ويقرأ) وجوباً (في كل ركعة من الوتر فاتحة الكتاب وسورة معها) أو ثلاث آيات (فإذا أردت أن يقنت كبر ورفع يديه) كرفعه عند الافتتاح (ثم قنت) ، ويسن الدعاء المشهور، وهو: "اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك، الجد بالكفار ملحق" قال في النهر: ونحفد بدال مهملة: أي نسرع، ولو أتى بها معجمة فسدت، كما في الخانية، قيل: ولا يقول الجد، لكنه ثبت في مراسيل أبي داود، وملحق بكسر الحاء وفتحها، والكسر أفصح، كذا في الدراية، ويصلي فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: لا، استغناء بما في آخر التشهد، وبالأولى يفتي. واختلف فيمن لا يحسنه بالعربية أو لا يحفظه: هل يقول: "يا رب". أو "اللهم اغفر لي" ثلاثاً أو "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة" والخلاف في الأفضلية: والأخيرة أفضل. اهـ. باختصار، وسكت عن صفته من الجهر والإخفاء لأنه لم يذكر في ظاهر الرواية، وقد قال بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 ولا يقنت في صلاةٍ غيرها. وليس في شيء من الصلوات قراءة سورةٍ بعينها لا يجزئ غيرها؛ ويكره أن يتخذ سورةً بعينها لصلاةٍ لا يقرأ فيها غيرها. وأدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة ما يتناوله اسم القرآن عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يجزئ أقل من ثلاث آياتٍ قصارٍ أو آيةٍ طويلةٍ.   الفضل: يخفيه الإمام والمقتدي. وفي الهداية تبعاً للسرخسي: أنه المختار (ولا يقنت في صلاة غيرها) إلا لنازلة في الجهرية، وقيل: في الكل. (وليس في شيء من الصلوات قراءة سورة بعينها) على طريق الفرضية بحيث (لا يجوز غيرها) وإنما منعين الفاتحة على طريق الوجوب (ويكره) للمصلي (أن يتخذ سورة) غير الفاتحة (لصلاة بعينها) بحيث (لا يقرأ غيرها) ؛ لما فيه من هجران الباقي، وإيهام التفضيل، وذلك كقراءة سورة السجدة وهل أتى الفجر كل جمعة، وهذا إذا رأى ذلك حتماً واجباً لا يجوز غيره، أما إذا علم أنه يجوز أي سورة قرأها ولكن يقرأ هاتين السورتين تبركاً بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكره، بل يندب، لكن بشرط أن يقرأ غيرهما أحياناً؛ كي لا يظن جاهل أنه لا يجوز غيرهما. (وأدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة ما يتناوله اسم القرآن) ولو دون الآية (عند أبي حنيفة) واختاره المصنف، ورجحها في البدائع، وفي ظاهر الرواية آية تامة طويلة كانت أو قصيرة، واختارها المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة، كذا في التصحيح، (وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجزئ أقل من ثلاث آيات قصار أو آية طويلة) قال في الجوهرة: وقولهما في القراءة احتياط، والاحتياط في العبادات أمر حسن. اه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام. ومن أراد الدخول في صلاة غيره يحتاج إلى نيتين: نية الصلاة ونية المتابعة. والجماعة سنةٌ موكدةٌ.   (ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام) مطلقاً، وما نسب إلى محمد ضعيف كما بسطه الكمال والعلامة قاسم في الصحيح، فإن قرأ كره تحريماً، وتصح في الأصح. در. (1) (ومن أراد الدخول في صلاة غيره يحتاج إلى نيتين: نية) نفس (الصلاة، ونية المتابعة) للإمام، وكيفية نيته - كما في المحيط - أن ينوي فرض الوقت والاقتداء بالإمام فيه، أو ينوي الشروع في صلاة الإمام، أو ينوي الاقتداء بالإمام في صلاته، ولو نوى الاقتداء به لا غير، قيل. لا يجزئه، والأصح أنه يجزئه، لأنه جعل نفسه تبعاً للإمام مطلقاً، والتبعية من كل وجه إنما تتحقق إذا صار مصلياً ما صلاه الإمام، كذا في الدراية. (الجماعة) للرجال (سنة مؤكدة) وقيل: واجبة، وعليه العامة. تنوير: أي عامة مشايخنا وبه جزم في التحفة وغيرها، قال في البحر: وهو الراجح عند أهل المذهب. اهـ در، وأقلها اثنان واحد مع الإمام، ولو مميزاً، في مسجد أو غيره،   (1) استدل الحنفية بحديث (من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة) وقد أثبت الكمال صحة الحديث ونفي الطعن فيه بما لا يدع مجالاً للشك وعليه عمل الصحابة. وفي حديث إنما جعل الإمام ليؤتم به (وإذا قرأ الإمام فانصتوا) كما في صحيح مسلم. ونقل عن محمد أنه يقرأ في السرية وهو خلاف ظاهر الرواية عنه وهو كما قال الشارح ضعيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وأولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة، فإن تساوو فأقرؤهم، فإن تساووا فأورعهم، فإن تساووا فأسنهم. ويكره تقديم العبد والأعرابي والفاسق والأعمى وولد الزنا، فإن تقدموا جاز.   ويكره تكرارها بأذان وإقامة في مسجد محلة، لا في مسجد طريق، أو في مسجد لا إمام له ولا مؤذن. در. وفي شرح المنية: إذا لم تكن الجماعة على الهيئة الأولى لا تكره، وإلا نكره، وهو الصحيح، وبالعدول عن المحراب تختلف الهيئة، كذا في البزازية. اهـ. (وأولى الناس بالإمامة) - إذا لم يكن صاحب منزل ولا ذو سلطان - (أعلمهم بالسنة) : أي الشريعة، والمراد أحكام الصلاة صحة وفساداً (فإن تساووا) علماً (فأقرؤهم) لكتاب الله تعالى: أي أحسنهم تلاوة (فإن تساووا أورعهم) أي أكثرهم اتقاء للشبهات (فإن تساووا فأسنهم) : أي أكبرهم سناً؛ لأنه أكثر خشوعاً، ثم الأحسن خلقاً، ثم الأحسن وجهاً، ثم الأشرف نسباً، ثم الأنظف ثوباً، فإن استووا يقرع بينهما، أو الخيار إلى القوم، وإن اختلفوا اعتبر الأكثر وفي الامداد: وأما إذا اجتمعوا فالسلطان مقدم، ثم الأمير، ثم القاضي، ثم صاحب المنزل ولو مستأجراً، وكذا يقدم القاضي على إمام المسجد. اهـ. (ويكره) تنزيها (تقديم العبد) لغلبة جهله؛ لأنه لا يتفرغ للتعلم (والأعرابي) وهو من يسكن البوادي؛ لأن الجهل فيهم غالب، قال تعالى: {وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله} (والفاسق) لأنه يتهم بأمر دينه (والأعمى) لأنه لا يتوقى النجاسة (وولد الزنا) لأنه لا أب له يفقهه فيغلب عليه الجهل، ولأن في تقديم هؤلاء تتغير الجماعة فيكره. هداية (فإن تقدموا جاز) لقوله صلى الله عليه وسلم. (صلوا خلف كل بر وفاجر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وينبغي للإمام أن لا يطول بهم الصلاة. ويكره للنساء أن يصلين وحدهن جماعةً، فإن فعلن وقفت الإمام وسطهن. ومن صلى مع واحدٍ أقامه عن يمينه، فإن كانا اثنين تقدم عليهما. ولا يجوز للرجال أن يقتدوا بامرأةٍ أو صبيٍ.   (وينبغي للإمام أن لا يطول بهم الصلاة) عن القدر المسنون قراءة وأذكاراً، قال في الفتح: وقد بحثنا أن الطويل هو الزيادة عن القراءة المسنونة؛ فإنه صلى الله عليه وسلم نهى عنه، وقراءته هي المسنونة؛ فلابد من كون ما نهى عنه غير ما كان دأبه إلا لضرورة. اهـ. (ويكره للنساء) تحريما. فتح (أن يصلين وحدهن) يعني بغير الرجال (جماعة) وسواء في ذلك الفرائض والنوافل، إلا صلاة الجنازة (فإن فعلن وقفت) المرأة الإمام (وسطهن) فلو تقدمت صحت وأثمت إثما آخر. (ومن صلى مع واحد) ولو صبياً أقامه عن يمينه) محاذياً له، وعن محمد يضع أصابعه عند عقب الإمام والأول هو الظاهر، وإن كان وقوفه مساوياً للإمام وبسجوده يتقدم عليه لا يضر؛ لأن العبرة بموضع القيام، ولو صلى خلفه أو على يساره جاز، إلا أن يكون مسيئاً. جوهرة (فإن كانا اثنين تقدم عليهما) وعن أبي يوسف يتوسطهما هداية، ويتقدم الأكثر اتفاقا، فلو قاموا بجنبه أو قام واحد بجنبه وخلفه صف كره إجماعا. در. (ولا يجوز للرجال أن يقتدوا بامرأة) أو خنثى (أو صبي) مطلقاً، ولو في جنازة أو نفل في الأصح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 ويصف الرجال ثم الصبيان ثم النساء. فإن قامت امرأةٌ إلى جنب رجلٍ وهما مشتركان في صلاةٍ واحدةٍ فسدت صلاته (1) . ويكره للنساء حضور الجماعات، ولا بأس بأن تخرج العجوز في الفجر والمغرب والعشاء.   (ويصف) الإمام (الرجال ثم الصبيان) إن تعددوا؛ فلو واحد دخل في الصف، ولا يقوم وحده، ثم الخنائي، ولو منفردة ثم (النساء) كذلك، قال الشمني: وينبغي للإمام أن يأمرهم بأن يتراصوا، ويسدوا الخلل، ويسووا مناكبهم، ويقف وسطا. اهـ. (فإن قامت امرأة) مشتهاة ولو ماضياً أو أمة أو زوجة أو محرماً (إلى جنب رجل) ركناً كاملاً (وهما مشتركان في صلاة واحدة) ذات ركوع وسجود، ولا حائل بينهما، ولم يشر إليها لتتأخر عنه، ونوى الإمام إمامتها (فسدت صلاته) لا صلاتها، وإن أشار إليها فلم تتأخر، أو لم ينو الإمام إمامتها - فسدت صلاتها، لا صلاته، وأن لم تدم المحاذاة ركناً كاملاً، أو لم يكونا في صلاة واحدة، أو في صلاة غير ذات ركوع وسجود، أو بينهما حائل مثل مؤخرة الرجل في الطول والإصبع في الغلط - لم تضرهما المحاذاة والفرجة تقوم مقام الحائل، وأدناها قدر ما يقوم فيه المصلي، وتمامه في القهستاني. (ويكره للنساء) الشواب (حضور الجماعة) مطلقاً؛ لما فيه من خوف الفتنة (ولا بأس بأن تخرج العجوز في الفجر والمغرب والعشاء) وهذا عند أبي حنيفة،   (1) القياس عدم فسادها وهو قول الشافعية ويستدل الحنفية بحديث في آخر وهن من حيث آخرهن 31، ويدعي صاحب الهداية أنه من المشاهير والتحقيق أنه موقوف على ابن مسعود؛ وإن صح فإنه يفيد الأثم لا فساد الصلاة وليبحث المقام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 ولا يصلي الطاهر خلف من به سلس البول، ولا الطاهرات خلف المستحاضة، ولا القارئ خلف الأمي، ولا المكتسي خلف العريان، ويجوز أن يؤم المتيمم المتوضئين، والماسح على الخفين الغاسلين، ويصلي القائم خلف القاعد، ولا يصلي الذي يركع ويسجد خلف المومئ، ولا يصلي المفترض خلف المتنفل، ولا من يصلي فرضاً خلف من يصلي فرضاً آخر،   أما عندهما فتخرج في الصلوات كلها؛ لأنه لا فتنة لقلة الرغبة فيهن، وله أن فرط الشبق حامل فتقع الفتنة، غير أن الفساق انتشارهم في الظهر والعصر والجمعة، أما في الفجر والعشاء فإنهم نائمون، وفي المغرب بالطعام مشتغلون. هداية، وفي الجوهرة: والفتوى اليوم على الكراهة في الصلوات كلها؛ لظهور الفسق في هذا الزمان اهـ. (ولا يصلي الطاهر خلف من به سلس البول ولا الطاهرات خلف المستحاضة) لما فيه من بناء القوي على الضعيف، ويصلي من به سلس البول خلف مثله، وخلف من عذره أخف من عذره (و) كذا (لا) يصلي (القارئ) وهو من يحفظ من القرآن ما تصح به الصلاة (خلف الأمي) وهو عكس القارئ (ولا المكتسي خلف العريان) لقوة حالهما (ويجوز أن يؤم المتيمم المتوضئين) لأنه طهارة مطلقة، ولهذا لا يتقدر بقدر الحاجة (والماسح على الخفين الغاسلين) لأن الخف مانع سراية الحدث إلى القدم، وما حل بالخف يزيله المسح (ويصلي القائم خلف القاعد) وقال محمد: لا يجوز، وهو القياس؛ لقوة حال القائم، ونحن تركناه بالنص، وهو ما روى أنه صلى الله عليه وسلم (صلى آخر صلاته قاعداً والقوم خلفه قيام) هداية. (ولا يصلي الذي يركع ويسجد خلف المومئ) لأن حال المقتدي أقوى (ولا يصلي المفترض خلف المتنقل) لأن الاقتداء بناء ووصف الفرضية معدوم في حق الإمام فلا يتحقق البناء على المعدوم (ولا من يصلي فرضاً خلف من يصلي فرضاً آخر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 ويصلي المتنفل خلف المفترض. ومن اقتدى بإمامٍ، ثم علم أنه على غير وضوءٍ أعاد الصلاة. ويكره للمصلي أن يعبث بثوبه أو بجسده، ولا يقلب الحصى إلا أن لا يمكنه السجود فيسويه مرةً واحدةً، ولا يفرقع أصابعه، ولا يتخصر، ولا يسدل ثوبه،   لأن الاقتداء شركة وموافقة؛ فلابد من الاتحاد، ومتى فسد الاقتداء لفقد شرط كظاهر بمعذور لم تنعقد أصلاً، وإن لاختلاف الصلاتين تنعقد نفلا غير مضمون، كذا في الزيلعي، وثمرته الانتقاص بالقهقهة إذا انعقدت وإلا لا (ويصلي المنفل خلف المفترض) لأن فيه بناء الضعيف على القوى وهو جائز. (ومن اقتدى بإمام ثم علم) أي المقتدي (أنه) أي الإمام (على غير وضوء) في زعمهما (أعاد الصلاة) اتفاقاً (لظهور بطلانها) وكذا لو كانت صحيحة في زعم الإمام فاسدة في زعم المقتدي؛ لبنائه على الفاسد في زعمه فلا يصح، وفيه خلاف، وصحح كل، أما لو فسدت في زعم الإمام وهو لا يعلم به وعلمه المقتدي صحت في قول الأكثر، وهو الأصح؛ لأن المقتدي يرى جواز صلاة إمامه، والمعتبر في حقه رأى نفسه؛ فوجب القول بجوازها، كذا في حاشية شيخ مشايخنا الرحمتي. (ويكره للمصلي أن يعبث بثوبه أو بجسده) والعبث: عمل ما لا فائدة فيه، مصباح والمراد هنا فعل ما ليس من أفعال الصلاة. لأنه ينافي الصلاة (ولا يقلب الحصى) لأنه نوع عبث (إلا أن يمكنه السجود) عليه إلا بمشقة (فيسويه مرة واحدة) وتركه أفضل، لأنه أقرب للخشوع (ولا يفرقع أصابعه) بغمزها أو مدها حتى تصوت (ولا يتخصر) وهو: أن يضع يده على خاصرته، قال ابن سرين؛ وهو أشهر تأويلاته، لما فيه من تفويت سنة أخذ اليدين، ولأنه من فعل الجبابرة، وقيل: أن يتكئ على المخصرة (ولا يسدل ثوبه) تكبراً أو تهاوناً، وهو: أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 ولا يعقص شعره، ولا يكف ثوبه، ولا يلتفت، ولا يقعي، ولا يرد السلام بلسانه ولا بيده، ولا يتربع إلا من عذرٍ، ولا يأكل ولا يشرب. فإن سبقه الحدث انصرف، فإن كان إماماً استخلف وتوضأ وبنى على صلاته،   يجعل الثوب على رأسه وكتفيه ويرسل جوانبه من غير أن يضمها؛ قال صدر الشريعة: هذا في الطيلسان، أما في القباء ونحوه فهو أن يلقيه على كتفيه من غير أن يدخل يديه في كميه. اهـ. (ولا يعقص شعره) وهو: أن يجمعه ويعقده في مؤخر رأسه، والسنة أن يدعه على حاله يسجد معه، (ولا يكف ثوبه) وهو: رفعه من بين يديه أو من خلفه إذا أراد السجود، وقيل: أن يجمع ثوبه ويشده في وسطه: لما فيه من التجبر المنافي لوضع الصلاة، وهو الخشوع (ولا يلتفت) : أي بعنقه بحيث يخرج وجهه عن القبلة، فأما النظر بطرف عينه من غير أن يلوي عنقه فخلاف الأولى (ولا يقعي) كالكلب، وهو أن: ينصب ركبتيه ولا يضع يديه على الأرض (ولا يرد السلام بلسانه) لأنه مفسد صلاته (ولا بيده) لأنه سلام معنى حتى لو صافح بنية التسليم تفسد صلاته (ولا يتربع إلا من عذر) لأن فيه ترك سنة القعود (ولا يأكل، ولا يشرب) لأنه ليس من أعمال الصلاة، فإن فعل شيئاً من ذلك بطلت صلاته: سواء كان عامداً أو ناسياً. (فإن سبقه الحدث) في صلاته (انصرف) من ساعته من غير مهلة، حتى لو وقف قدر أداء ركن بطلت صلاته، ويباح له المشي، والاغتراف من الإناء والانحراف عن القبلة، وغسل النجاسة، واستنجاء إذا أمكنه من غير كشف عورته، وإن تجاوز الماء القريب إلى غيره تفسد صلاته، لمشيه من غير حاجة (فإن كان إماماً استخلف) بأن يجره بثوبه إلى المحراب، وذهب المسبوق (وتوضأ وبنى على صلاته) ثم إن كان منفرداً فهو بالخيار: إن شاء عاد إلى مصلاه وأت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 والاستئناف أفضل. وإن نام فاحتلم أو جن أو أغمي عليه أو قهقه استأنف الوضوء والصلاة. فإن تكلم في صلاته عامداً أو ساهياً بطلت صلاته. وإن سبقه الحدث بعد التشهد توضأ وسلم، وإن تعمد الحدث في هذه الحالة أو تكلم أو عمل عملاً ينافي الصلاة تمت صلاته.   م صلاته، وهو الأفضل، ليكون مؤدياً صلاته في مكان واحد، وإن شاء أتم في موضع وضوئه، لما فيه من تقليل المشي، وإن كان مقتدياً فإنه يعود إلى مكانه، إلا أن يكون إمامه قد فرغ من صلاته فيخير كالمنفرد، وإن كان إماماً عاد أيضاً إلى مصلاه وصارل مأموماً، إلا أن يكون الخليفة قد فرغ من صلاته فيخير أيضاً (والاستئناف) في حق الكل (أفضل) خروجا من الخلاف، وقيل: إن المنفرد يستقبل؛ والإمام والمقتدي يبني صيانة لفضيلة الجماعة. فإن نام المصلي في صلاته (فاحتلم أو جن أو أغمي عليه أو قهقه استأنف (الوضوء والصلاة) جميعاً؛ لأنه يندر وجود هذه العوارض، فلم يكن في معنى ما ورد به النص. هداية. وإن تكلم المصلي (في الصلاة) كلا ما يعرف في تفاهم الناس ولو من غير حروف كالذي يستاق به الحمار (عامداً أو ساهياً بطلت صلاته) وكذا لو أن أو تأوه أو ارتفع بكاؤه من وجع أو مصيبة، فإن كانت من ذكر جنة أو نار لا تبطل؛ لدلالتها على زيادة الخشوع. (وإن سبقه الحدث بعد التشهد توضأ وسلم) لأن التسليم واجب، فلابد من التوضؤ ليأتي به (وإن تعمد الحدث في هذه الحالة) يعني بعد التشهد (أو تكلم أو عمل عملاً ينافي الصلاة تمت صلاته) لتعذر البناء بوجود القاطع، ولم يبق عليه شيء من الأركان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وإن رأى المتيمم الماء في صلاته بطلت صلاته، وإن رآه بعدما قعد قدر التشهد، أو كان ماسحاً على الخفين فانقضت مدة مسحه، أو خلع خفيه بعملٍ رفيقٍ، أو كان أمياً فتعلم سورةً، أو عرياناً فوجد ثوباً، أو مومياً فقدر على الركوع والسجود، أو تذكر أن عليه صلاةً قبل هذه الصلاة، أو أحدث الإمام القارئ فاستخلف أمياً، أو طلعت الشمس في صلاة الفجر، أو دخل وقت العصر في الجمعة، أو كان ماسحاً على الجبيرة فسقطت عن برءٍ، أو كان صاحب عذرٍ فانقطع عذره -   (وإن رأى المتيمم الماء) الكافي (في صلاته) قبل القعود الأخير قدر التشهد (بطلت صلاته) اتفاقاً (وإن رآه) أي الماء (بعدما قعد قدر التشهد، أو كان ماسحا) على الخفين (فانقضت مدة مسحه، أو خلع خفيه بعمل رفيق) : أي قليل؛ فلو بعمل كثير تمت صلاته اتفاقا (أو كان أميا فتعلم سورة) بتذكر أو عمل قليل (بأن قرئ) عنده آية فحفظها (أو) كان يصلي (عرياناً) لفقد الساتر (فوجد ثوباً؛ أو) كان يصلي (مومياً) لعجزه عن الركوع والسجود (فقدر على الركوع والسجود، أو تذكر أن عليه صلاة قبل هذه الصلاة) وكان ذا ترتيب وفي الوقت سعة (أو أحدث الإمام القارئ فاستخلف أمياً، أو طلعت الشمس في صلاة الفجر أو دخل وقت العصر في) صلاة (الجمعة، أو كان ماسحاً على الجبيرة فسقطت عن برئ؛ أو كان صاحب عذر فانقطع عذره) كالمستحاضة ومن هو بمعناها بأن توضأت مع السيلان وشرعت في الظهر وقعدت قدر التشهد فانقطع الدم ودام الانقطاع إلى غروب الشمس، فإنها تعيد الظهر عنده، كما لو انقطع في خلال الصلاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 بطلت صلاته في قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: تمت صلاته. باب قضاء الفوائت. - ومن فاتته الصلاة قضاها إذا ذكرها وقدمها لزوماً على صلاة الوقت إلا أن يخاف فوات صلاة الوقت فيقدم صلاة الوقت ثم يقضيها، فإن فاتته صلواتٌ رتبها في القضاء كما   (بطلت صلاته في قول أبي حنيفة) وذلك لأن الخروج بصنعة فرض عنده، فاعتراض هذه الأشياء في هذه الحالة كاعتراضها في خلال الصلاة (وقال أبو يوسف ومحمد: تمت صلاته) ، لأن الخروج بصنعة ليس يفرض، فاعتراض هذه الأشياء كاعتراضها بعد السلام، قال في التصحيح: ورجح دليله في الشروح وعامة المصنفات واعتمده النسفي وغيره. اهـ. باب قضاء الفوائت لما فرغ من بيان أحكام الأداء وما يتعلق به الذي هو الأصل شرع في بيان أحكام القضاء الذي هو خلفه، وعبر بالفوائت دون المتروكات تحسيناً للظن، لأن الظاهر من حال المسلم أن لا يترك الصلاة عمداً، ولذا قال: (ومن فاتته الصلاة) يعني عن غفلة أو نوم أو نسيان (قضاها إذا ذكرها) وكذا إذا تركها عمداً، لكن المسلم عقل ودين يمنعان عن التفويت قصداً (وقدمها لزوماً على صلاة الوقت) فلو عكس لم تجز الوقتة، ولزمه إعادتها (إلا أن) ينسى الفائتة ولم يذكرها حتى صلى الوقتية، أو يكون ما عليه من الفوائت أكثر من ست صلوات، أو يضيق وقت الحاضرة و (يخاف فوات صلاة الوقت) إن اشتغل بقضاء الفائتة (فيقدم صلاة الوقت) حينئذ (ثم يقضيها) يعني الفائتة (وإن فاتته صلوات رتبها) لزوماً (في القضاء كما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وجبت في الأصل، إلا أن تزيد الفوائت على ست صلواتٍ، فيسقط الترتيب فيها. باب الأوقات التي تكره فيها الصلاة. - لا تجوز الصلاة عند طلوع الشمس، ولا عند قيامها في الظهيرة، ولا عند غروبها، ولا يصلى على جنازةٍ،   وجبت) عليه (في الأصل) : أي قبل الفوات، وهذا حيث كانت الفوائت قليلة دون ست صلوات، وأما إذا صارت ستاً فأكثر فلا يلزمه الترتيب؛ لما فيه من الحرج؛ ولذا قال: (إلا أن تزيد الفوائت على ست صلوات) وكذا لو كانت ستاً، والمعتبر خروج وقت السادسة في الصحيح، إمداد (فيسقط الترتيب فيها) : أي بينها، كما سقط فيما بينها وبين الوقتية، ولا يعود الترتيب بعودها إلى القلة على المختار كما في التصحيح. باب الأوقات التي تكره فيها الصلاة والأوقات التي لا يجوز فيها. وعنون بالأول لأن الأغلب، وإنما ذكره هنا لأن الكراهة من العوارض فأشبه الفوائت. جوهرة. (لا تجوز الصلاة) : أي المفروضة الواجبة التي وجبت قبل دخول الأوقات الآنية، وهي، (عند طلوع الشمس) إلى أن ترتفع وتبيض، قال في الأصل: إذا ارتفعت الشمس قدر رمح أو رمحين تباح الصلاة، وقال الفضلي: ما دام الإنسان يقدر على النظر إلى قرص الشمس فالشمس في طلوعها؛ فلا تباح فيه الصلاة؛ فإذا عجز عن النظر تباح. اهـ. (ولا عند قيامها في الظهيرة) إلى أن تزول (ولا عند) قرب (غروبها) بحيث تصفر وتضعف حتى تقدر العين على مقابلتها إلى أن تغرب (و) كذا (لا يصلي) : أي لا يجوز أن يصلي (على جنازة) حضرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 ولا يسجد للتلاوة، إلا عصر يومه عند غروب الشمس، ويكره أن يتنفل بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس؛ ولا بأس بأن يصلي في هذين الوقتين الفوائت، ويسجد للتلاوة، ويصلي على الجنازة، ولا يصلي ركعتي الطواف، ويكره أن يتنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتي الفجر   قبل دخول أحد الأوقات المذكورة وأخرت إليه (ولا يسجد للتلاوة) الآية تليت قبله؛ لأنها في معنى الصلاة (إلا عصر يومه) فإنه يجوز أداؤه (عند غروب الشمس) لبقاء سببه، وهو الجزء المتصل به الأداء من الوقت، فأديت كما وجبت، بخلاف غيرها من الصلوات، فإنها وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص، قيد بعصر يومه لأن عصر غيره لا يصح في حال تغير الشمس؛ لإضافة السبب بخروج الوقت إلى جميعه وليس بمكروه، فلا يتأدى في مكروه. (ويكره أن يتنفل) قصداً ولو لها سبب (بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس) وترتفع (وبعد صلاة العصر) ولو لم تتغير الشمس (حتى تغرب، ولا بأس بأن يصلي في هذين الوقتين) المذكورين (الفوائت ويسجد للتلاوة ويصلي على الجنازة) لأن النهي لمعنى في غير الوقت. وهو كون الوقت كالمشغول بفرض الوقت حكماً، وهو أفضل من النفل، فلا يظهر في حق فرض آخر مثله؛ فلا يظهر تأثيره إلا في كراهة النافلة، بخلاف ما ورد النهي عن الصلاة فيه لمعنى فيه - وهو الطلوع، والاستواء، والغروب - فيؤثر في إبطال غير النافلة، وفي كراهة النافلة لا إبطالها (ولا يصلي) في الوقتين المذكورين (ركعتي الطواف؛ لأن وجوبه لغيره، وهو ختم الطواف، وكذا المنذور؛ لتعلق وجوبه بسبب من جهته، وما شرع فيه ثم أفسده؛ لصيانة المؤدى. (ويكره أن يتنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتي الفجر) قبل فرضه، قال شيخ الإسلام؛ النهي عما سواهما لحقهما؛ لأن الوقت متعين لهما، حتى لو نوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ولا يتنفل قبل المغرب. باب النوافل. - السنة في الصلاة أن يصلي ركعتين بعد طلوع الفجر، وأربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وأربعاً قبل العصر، وإن شاء ركعتين، وركعتين بعد المغرب،   تطوعاً كان عنهما. اهـ. وفي التجنيس: المتنفل إذا صلى ركعة فطلع الفجر كان الإتمام أفضل؛ لأنه وقع لا عن قصد. اهـ. (ولا يتنفل قبل المغرب) لما فيه من تأخير المغرب المستحب تعجيله. باب النوافل النوافل: جمع نافلة، وهي لغة؛ الزيادة، وشرعاً: عبارة عن فعل مشروع ليس بفرض ولا واجب ولا مسنون. جوهرة. قال في النهاية: لقبه بالنوافل وفيه ذكر السنن، لكون النوافل أعم. اهـ. وقدم بيان السنة لأنها أقوى، فقال: (السنة) وهي لغة: الطريقة مرضية أو غير مرضية، وشرعاً: الطريقة المسلوكة في الدين من غير اقتراض ولا وجوب (في الصلاة أن يصلي ركعتين بعد طلوع الفجر) بدأ بها لأنها آكد من سائر السنن ولهذا قيل: إنها قريبة من الواجب (وأربعا قبل) صلاة (الظهر) بتسليمة واحدة، ويقتصر في الجلوس الأول على التشهد، ولا يأتي في ابتداء الثالثة بدعاء الاستفتاح، وكذا كل رباعية مؤكدة، بخلاف المستحبة؛ فإنه يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويستفتح ويتعوذ، لكن قال في شرح المنية: مسألة الاستفتاح ونحوه ليست بمروية عن المتقدمين من الأئمة، وإنما هي اختيار بعض المتأخرين. اهـ. (وركعتين بعدها؛ وأربعا قبل) صلاة (العصر) بتسليمة أيضاً، وهي مستحبة (وإن شاء ركعتين) والأربع أفضل (وركعتين بعد) صلاة (المغرب) وهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وأربعاً قبل العشاء، وأربعاً بعدها، وإن شاء ركعتين. ونوافل النهار إن شاء صلى ركعتين بتسليمةٍ واحدةٍ، وإن شاء أربعاً، وتكره الزيادة على ذلك، فأما نافلة الليل فقال أبو حنيفة: إن صلى   مؤكدتان (وأربعاً قبل) صلاة (العشاء) بتسليمة أيضاً (وأربعاً بعدها) بتسليمة أيضاً، وهما مستحبتان أيضاً؛ فإن أراد الأكمل فعلهما (وإن شاء) اقتصر على صلاة (ركعتين) المؤكدتين بعدها، قال في الهداية: والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (من ثابر على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتاً في الجنة) وفسر على نحو ما ذكر في الكتاب، غير أنه لم يذكر الأربع قبل العصر (1) ، فلهذا سماه في الأصل حسناً، ولم يذكر الأربع قبل العشاء، ولهذا كان مستحباً لعدم المواظبة، وذكر فيه ركعتين بعد العشاء، وفي غيره ذكر الأربع، فلهذا خير، إلا أن الأربع أفضل. اهـ. وآكد السنن: سنة الفجر، ثم الأربع قبل الظهر، ثم الكل سواء، ولا يقضي شيء منها إذا خرج الوقت، سوى سنة الفجر إذا فاتت معه وقضاه من يومه قبل الزوال. (ونوافل النهار) مخير فيها (إن شاء صلى) كل (ركعتين) بتسليمة (وإن شاء) صلى (أربعا) بتسليمة (وتكره الزيادة على ذلك) : أي على أربع بتسليمة (فأما نافلة الليل فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: (إن صلى) أربع ركعات أو ست ركعات أو   (1) هذا الحديث رواه الترمذي وابن ماجة والتفسير المذكور من النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى الحديث من غير التفسير رواه الجماعة إلا البخاري من حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان ونصه "ما من عبد مسلم يصلي معه في كل يوم إثني عشر ركعة تطوعاً من غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 ثمان ركعاتٍ بتسليمةٍ واحدةٍ جاز؛ وتكره الزيادة على ذلك. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يزيد بالليل على ركعتين بتسليمةٍ واحدةٍ. والقراءة في الفرض واجبةٌ في الركعتين الأوليين، وهو مخيرٌ في الأخريين إن شاء قرأ وإن شاء سبح وإن شاء سكت. والقراءة واجبةٌ في جميع ركعات النفل، وفي جميع الوتر،   ثمان ركعات بتسليمة واحدة جاز) من غير كراهة (وتكره الزيادة على ذلك) ؛ أي على ثمان بتسليمة، والأفضل عنده أربعاً أربعاً ليلاً ونهاراً، (وقالا) : الأفضل بالنهار كما قال الإمام، و (لا يزيد بالليل على ركعتين بتسليمة واحدة) قال في الدراية: وفي العيون: وبه يفتي إتباعاً للحديث؛ وتعقبه العلامة قاسم في تصحيحه، ثم قال؛ وقد اعتمد الإمام البرهاني والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم قول الإمام. اهـ. (والقراءة في الفرض) في ركعتين مطلقاً فرض، و (واجبة) من حيث تعينها (في الركعتين الأوليين، وهو) حيث قرأ في الأوليين (مخير في الأخريين، إن شاء قرأ) الفاتحة (وإن شاء سبح) ثلاثاً (وإن شاء سكت) مقدار ثلاث تسبيحات، قال في الهداية: كذا روى عن أبي حنيفة، وهو المأثور عن علي وابن مسعود وعائشة رضي الله عنهم: إلا أن الأفضل أن يقرأ، لأنه عليه الصلاة والسلام داوم على ذلك، ولهذا لا يجب السهو بتركها في ظاهر الرواية. اهـ. (وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنها واجبة في الأخريين. ويجب سجود السهو بتركها ساهياً، ورجحه ابن الهمام في شرح الهداية، وعلى هذا يكره الاقتصار على التسبيح والسكوت. ملتقى) (والقراءة واجبة) ؛ أي لازمة بحيث يفوت الجواز بفوتها (في جميع ركعات النفل وفي جميع) ركعات (الوتر) قال في الهداية: أما النفل فلأن كل شفع منه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 ومن دخل في صلاة النفل ثم أفسدها قضاها، فإن صلى أربع ركعاتٍ وقعد في الأوليين ثم أفسد الأخريين قضى ركعتين. ويصلي النافلة قاعداً مع القدرة على القيام، وإن افتتحها قائماً ثم قعد جاز عند أبي حنيفة.   صلاة على حدة، والقيام إلى الثالثة كتحريمة مبتدأة؛ ولهذا لا يجب بالتحريمة الأولى إلا ركعتان في المشهور عن أصحابنا. ومن هذا قالوا: يستفتح في الثالثة، وأما الوتر فللاحتياط. اهـ] . (ومن دخل في صلاة النفل) قصداً (ثم أفسدها) بفعله أو بغير فعله كرؤية المتيمم للماء ونحوه (قضاها) وجوباً، ويقضي ركعتين، وإن نوى أكثر خلافاً لأبي يوسف، قيدنا بالقصد لأنه إذا دخل في النفل ساهياً كما إذا قام للخامسة ناسياً ثم أفسدها لا يقضيها، (فإن صلى أربع ركعات وقعد في) رأس الركعتين (الأوليين) مقدار التشهد (ثم أفسد الأخريين) بعد الشروع فيهما بأن قام إلى الثالثة ثم أفسدها (قضى ركعتين) فقط؛ لأن الشفع الأول قد تم، والقيام إلى الثالثة بمنزلة تحريمه مبتدأة، فيكون ملزماً، قيدنا بالقعود لأنه لو لم يقعد وأفسد الأخريين لزمه قضاء الأربع إجماعاً، وقيدنا بما بعد الشروع لأنه لو أفسد قبل الشروع في الشفع الثاني لا يقضي شيئاً خلافاً لأبي يوسف. (ويصلي النافلة) مطلقاً راتبة أو مستحبة (قاعداً مع القدرة على القيام) وقد حكى فيه الإجماع، ولا يرد عليه سنة الفجر، لأنه مبني على القول بوجوبها، ولذا قال الزيلعي: وأما السنن الرواتب فنوافل حتى تجوز على الدابة، وعن أبي حنيفة أنه ينزل لسنة الفجر، لأنها آكد من غيرها، وروى عنه أنها واجبة، وعلى هذا. الخلاف أداؤها قاعداً. اهـ. وفي الهداية: واختلفوا في كيفية القعود، والمختار أنه يقعد كما في حالة التشهد، لأنه عهد مشروعاً في الصلاة (وإن افتتحها) : أي النافلة (قائماً ثم قعد) وأتمها قاعداً (جاز عند أبي حنيفة) رحمه الله تعالى، لأن القيام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يجوز إلا من عذرٍ، ومن خارج المصر يجوز أن يتنفل على دابته إلى أي جهةٍ توجهت يومئ إيماءً. باب سجود السهو. - سجود السهو واجبٌ، في الزيادة والنقصان، بعد السلام   ليس بركن في النفل، فجاز تركه ابتداء، فبقاء أولى (وقالا: لا يجوز إلا من عذر) ، لأن الشروع ملزم كالنذر، قال في الهداية: قوله استحسان، وقولهما قياس، وقال العلامة قاسم في التصحيح: واختار المحبوبي والنسفي وغيرهما قول الإمام (ومن كان خارج المصر) أي: العمران، وهو الموضع الذي يجوز للمسافر فيه قصر الصلاة (يتنفل) أي: يجوز له التنفل (على دابته) سواء كان مسافراً أو مقيماً (إلى أي جهة) متعلق يومئ (توجهت) دابته (يومئ إيماء) أي: يشير إلى الركوع والسجود بالإيماء برأسه، ويجعل السجود أخفض من الركوع، قيد بالخارج المصر لأنه لا يجوز التنفل على الدابة في المصر، خلافاً لأبي يوسف، وقيد بكونه على الدابة لعدم جواز التنفل للماشي، وقيد بجهة توجه الدابة لأنه لو صلى إلى غير ما توجهت به وكان لغير القبلة لا يجوز، لعدم الضرورة. باب سجود السهو من إضافة الشيء إلى سببه، ووالاه بالنوافل لكونهما جوابر. (سجود السهو واجب: في الزيادة والنقصان) ، والأولى كون السجود (بعد السلام) حتى لو سجد قبل السلام جاز، إلا أن الأول أولى. جوهرة. ويكتفى بسلام واحد عن يمينه، لأنه المعهود، وبه يحصل التحليل، وهو الأصح كما في البحر عن المجتبى، وفي الدراية عن المحيط: وعلى قول عامة المشايخ يكتفى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 ثم يسجد سجدتين ثم يتشهد ويسلم. والسهو يلزم إذا زاد في صلاته فعلاً من جنسها ليس منها، أو ترك فعلاً مسنوناً أو ترك قراءة فاتحة الكتاب، أو القنوت، أو التشهد، أو تكبيرات العيدين، أو جهر الإمام فيما يخافت   بتسليمة واحدة وهو الأضمن للاحتياط اهـ. وفي الاختيار: وهو الأحسن. وقال الشرنبلالي في الامداد - بعد أن نقل عن الهداية أن الصحيح أن يأتى بالتسليمتين - ولكن قد علمت أنه بعد الأول أحوط؛ وقد منع شيخ الإسلام جواهر زاده السجود للسهو بعد التسليمتين، فاتبعنا الأصح والاحتياط. اهـ. (ثم) بعد السلام (يسجد سجدتين ثم يتشهد) قال في الهداية: ويأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء في قعدة السهو، هو الصحيح، لأن الدعاء موضعه آخر الصلاة اهـ. وقال الطحاوي: يدعو في القعدتين جميعاً، وفي الخانية: ومن عليه السهو يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القعدة الأولى عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وفي قول محمد في القعدة الثانية، والاحتياط أن يصلي القعدتين. اهـ. (ويسلم) . (والسهو يلزم) أي: يجب، قال في الهداية: وهذا يدل على أن سجدة السهو واجبة، وهو الصحيح. اهـ. (إذا زاد في صلاته فعلاً من جنسها ليس منها) كما إذا ركع ركوعين، فإنه زاد فعلا من جنس الصلاة من حيث إنه ركوع، ولكنه ليس منها، لكونه زائداً، قال في الهداية: وإنما وجب بالزيادة لأنها لا تعرى عن تأخير ركن أو ترك واجب. اهـ. (أو ترك فعلا مسنوناً) أي: واجباً عرف. وجوبه بالسنة، كالقعدة الأولى، أو قام في موضع القعود، أو ترك سجدة التلاوة عن موضعها. جوهرة (أو ترك قراءة الفاتحة) أو أكثرها (أو القنوت) أو تكبيرته (أو التشهد) في أي القعدتين أو القعود الأول (أو تكبيرات العيدين) أو بعضها أو تكبيرة الركعة الثانية منهما (أو جهر الإمام فيما يخافت) فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 أو خافت فيما يجهر. وسهو الإمام يوجب على المؤتم السجود، فإن لم يسجد الإمام لم يسجد المؤتم، وإن سها المؤتم لم يلزم الإمام ولا المؤتم السجود.   (أو خافت فيما يجهر) فيه، قال في الهداية: واختلفت الرواية في المقدار، والأصح قدر ما تجوز الصلاة في الفصلين؛ لأن اليسير من الجهر والإخفات لا يمكن الاحتراز عنه، والكثير ممكن، وما تصح به الصلاة فهو كثير. اهـ. قيد بالإمام لأن المنفرد إذا خافت فيما يجهر فيه لا سهو عليه إجماعاً، لأنه مخير فيه، وإن جهر فيما يخافت فيه، ففيه اختلاف المشايخ، فقال الكرخي: لا سهو عليه، وهو مفهوم كلام المصنف، ومشى عليه في الهداية حيث قال: وهذا في حق الإمام دون المنفرد، لأن الجهر والمخافتة من خصائص الجماعة، قال شارحها العيني: وهذا الجواب ظاهر الرواية، وأما جواب رواية النوادر فإنه يجب عليه سجدة السهو، كذا ذكره الناطفي في واقعاته. اهـ. (وسهو الإمام يوجب على المؤتم السجود) إن سجد الإمام، ولو اقتداؤه بعد سهو الإمام، لأن متابعته لازمة، لكن إذا كان مسبوقاً إنما يتابع الإمام في السجود دون السلام، لأنه للخروج من الصلاة وقد بقي عليه من أركانها؛ كما في البدائع (فإن لم يسجد الإمام) لسهوه (لم يسجد المؤتم) ؛ لأنه يصير مخالفاً (فإن سها المؤتم) حالة اقتدائه (لم يلزم الإمام ولا المؤتم السجود) ؛ لأنه إذا سجد وحده كان مخلفا لإمامه، وإن تابعه الإمام ينقلب الأصل تبعاً، قيدنا بحالة الاقتداء، لأن المسبوق إذا سها فيما يقضيه يسجد له، وإن كان سبق له سجود مع الإمام: لأن صلاة المسبوق كصلاتين حكماً؛ منفرد فيما يقضيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 ومن سها عن القعدة الأولى ثم تذكر وهو إلى حال القعود أقرب عاد فجلس وتشهد، وإن كان إلى حال القيام أقرب لم يعد، ويسجد للسهو، ومن سها عن القعدة الأخيرة فقام إلى الخامسة رجع إلى القعدة ما لم يسجد وألغى الخامسة، ويسجد للسهو، وإن قيد الخامسة بسجدةٍ بطل فرضه وتحولت صلاته نفلا وكان عليه أن يضم إليها ركعةً سادسةً،   (ومن سها عن القعدة الأولى) من الفرض ولو عملياً (ثم تذكر وهو إلى حال القعود أقرب) كأن رفع أليته عن الأرض وركبتاه بعد عليها لم يرفعهما (عاد وجلس وتشهد) ولا سجود عليه في الأصح. هداية. (وإن كان إلى حال القيام أقرب) كأن استوى النصف الأسفل وظهره بعد منحن، فتح عن الكافي (لم يعد) لأنه كالقائم معنى؛ لأن ما قارب الشيء يعطي حكمه (ويسجد للسهو لترك) الواجب، قال في الفتح: ثم قيل: ما ذكر في الكتاب رواية عن أبي يوسف اختارها مشايخ بخارى، أما ظاهر المذهب فما لم يستو قائماً يعود، قيل: وهو الأصح. اهـ. قيدنا القعدة من الفرض لأن المتنفل يعود ما لم يقيده بسجدة (ومن سها عن القعدة الأخيرة فقام إلى الخامسة رجع إلى القعدة ما لم يسجد) ؛ لأن فيه إصلاح صلاة، وأمكنه ذلك؛ لأن ما دون الركعة بمحل الرفض. هداية. (وألغى الخامسة) لأنه رجع إلى شيء محله قبلها. فترتفض. هداية. (ويسجد للسهو) لأنه أخر واجباً، وهو القعدة (فإن قيد الخامسة بسجدة بطل فرضه) أي وصفه (وتحولت صلاته نفلاً) عن أبي حنيفة وأبي يوسف (وكان عليه) ندباً (أن يضم إليها ركعة سادسة) ولو في العصر، ويضم رابعة في الفجر، كيلا يتنفل بالوتر، ولو لم يضم لا شيء عليه؛ لأنه لم يشرع فيه قصداً فلا يلزمه إتمامه، ولكنه يندب، ولا يسجد للسهو على الأصح: لأن النقصان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وإن قعد في الرابعة قدر التشهد ثم قام ولم يسلم يظنها القعدة الأولى عاد إلى القعود ما لم يسجد في الخامسة ويسلم، وإن قيد الخامسة بسجدةٍ ضم إليها ركعة أخرى وقد تمت صلاته، والركعتان له نافلةٌ، وسجد للسهو، ومن شك في صلاته فلم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً وكان ذلك أول ما عرض له استأنف الصلاة، فإن كان الشك يعرض له كثيراً بنى على غالب ظنه   بالفساد لا ينجبر. (وإن قعد في الرابعة) مثلاً (قدر التشهد ثم قام) إلى الخامسة (ولم يسلم) لأنه (يظنها القعدة الأولى عاد) ندباً (إلى القعود) ليسلم جالساً (ما لم يسجد في الخامسة ويسلم) من غير إعادة التشهد، ولو سلم قائماً لم تفسد صلاته، وكان تاركاً للسنة؛ لأن السنة التسليم جالساً. إمداد (وإن قيد الخامسة) مثلاً (بسجدة ضم إليها ركعة أخرى) استحباباً لكراهة النفل بالوتر (وقد تمت صلاته) لوجود الجلوس الأخير في محله (والركعتان) الزائدتان (له نافلة) ولكن لا ينوبان عن سنة الفرض على الصحيح، ويسجد للسهو؛ لتأخير السلام وتمكن النقصان في الفرض بالخروج لا على الوجه الواجب. إمداد (ومن شك في صلاته) : أي تردد في قدر ما صلى (فلم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً و) كان (ذلك أول ما عرض له) من الشك بعد بلوغه في صلاة، وهذا قول الأكثر، وقال فخر الإسلام: أول ما عرض له في هذه الصلاة؛ واختاره ابن الفضل، وذهب السرخسي إلى أن المعنى أن السهو ليس بعادة له، لا أنه لم يسمه قط، وإليه يشير قول المصنف بعده: "يعرض له كثيراً" (استأنف الصلاة) بعمل مناف، وبالسلام قاعداً أولى، ثم المراد هنا من الشك مطلق التردد الشامل للشك الذي هو تساوي الطرفين، والظن الذي هو ترجيح أحدهما؛ بدليل قوله في مقابله "بنى على غالب ظنه" قيد بكونه في صلاته لأنه لو شك بعد الفراغ أو بعد ما قعد قدر التشهد لا يعتبر شكه، إلا أن يتيقن بالترك (فإن كان الشك يعرض له) في صلاته (كثيراً بنى على غالب ظنه) ؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 إن كان له ظنٌ، فإن لم يكن له ظنٌ يبني على اليقين. باب صلاة المريض. - إذا تعذر على المريض القيام صلى قاعداً يركع ويسجد، فإن لم يستطع الركوع والسجود أومأ إيماءً برأسه وجعل السجود أخفض من الركوع ولا يرفع إلى وجهه شيئاً يسجد عليه،   لأن في الاستئناف مع كثرة عروضه حرجاً، وهذا (إذا كان له ظن) يرجح أحد الطرفين (فإن لم يكن له ظن) يرجح أحدهما (بنى على اليقين) : أي على الأقل؛ لأنه المتيقن، وقعد في كل موضع ظنه موضع قعوده ولو واجباً؛ لئلا يصير تاركاً فرض القعود أو واجبه مع تيسر الوصول إليه. باب صلاة المريض عقبة للسهو لاشتراكهما في العارضية، وكون الأول أهم (إذا تعذر على المريض القيام) كله بأن لا يمكنه أصلاً بحيث لو قام لسقط، وهذا التعذر حقيقي، ومثله في الحكم لتعذر الحكمي المعبر عنه بالتعسر بوجود ألم شديد؛ فإنه بمنزلة التعذر الحقيقي؛ دفعاً للحرج، أما إذا لحقه نوع مشقة لم يجز له ترك القيام كما في الخانية والفتح. قيدنا بكل القيام لأنه إذا قدر على بعضه لزمه القيام بقدره، حتى لو كان إنما يقدر على قدر التحريمة لزمه أن يحرم قائما ثم يقعد كما في الفتح، وكذا لو قدر على القيام متكأً أو معتمداً على عصا أو حائط لا يجزئه إلا كذلك كما في المجتبى (صلى قاعداً) كيف تيسر له (يركع ويسجد) إن استطاع (فإن لم يستطع الركوع والسجود) أو السجود فقط (أومأ إيماء برأسه) لأنه وسع مثله (وجعل السجود) : إي إيماءه إليه (أخفض من) إيماء (الركوع) فرقا بينهما، ولا يلزمه أن يبالغ بالإنحناء أقصى ما يمكنه، بل يكفيه أدنى الإنحناء فيهما، بعد تحقق إنخفاض السجود عن الركوع، وإلا - بأن كانا سواء - لا يصح كما في الإمداد، وحقيقة الإيماء: طأطأة الرأس كما في البحر (ولا يرفع إلى وجهه شيئاً يسجد عليه) لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 فإن لم يستطع القعود استلقى على ظهره وجعل رجليه إلى القبلة وأومأ بالركوع والسجود، وإن استلقى على جنبه ووجهه إلى القبلة وأومأ جاز، فإن لم يستطع الإيماء برأسه أخر الصلاة، ولا يومئ بعينيه ولا بقلبه ولا بحاجبيه، فإن قدر على القيام ولم يقدر على الركوع والسجود لم يلزمه القيام   ذلك، كذا في المحيط، وهذا يؤذن بأن الكراهة تحريمية. نهر، فإن فعل وهو يخفض عن الركوع أجزأه لوجود الإيماء، وكره، وإلا فلا. (فإن لم يستطع القعود استلقى على ظهره وجعل رجليه إلى القبلة) ونصب ركبتيه استحبابا، وإن قدر، تحامياً عن مد رجليه إلى القبلة (وأومأ) برأسه (بالركوع والسجود، فإن استقى) : أي اضطجع (على جنبه) الأيمن أو الأيسر (ووجهه إلى القبلة وأومأ) برأسه (جاز) ولكن الاستلقاء أولى من الاضطجاع، وعلى الشق الأيمن أولى من الأيسر (فإن لم يستطع الإيماء برأسه أخر الصلاة، ولا يومئ بعينيه ولا بقلبه ولا بحاجبيه) ؛ لأنه لا عبرة به، وفي قوله "أخر الصلاة" إيماء إلى أنها لا تسقط عنه، ويجب عليه القضاء ولو كثرت، إذا كان يفهم مضمون الخطاب، قال في الهداية: وهو الصحيح، قال في النهر: لكن صح قاضيخان وصاحب البدائع عدم لزومه إذا كثرت وإن كان يفهم، وفي الخلاصة: أنه كان المختار، وجعله في الظهيرية ظاهر الرواية، قال وعليه الفتوى. اهـ. وفي الينابيع: هو الصحيح، وجزم به الوالوالجي وصاحب الهداية في التجنيس، وصححه في مختارات النوازل، وفي التتارخانية عن شرح الطحاوي: لو عجز عن الإيماء وتحريك الرأس سقطت عنه الصلاة. اهـ (فإن قدر على القيام ولم يقدر على الركوع والسجود لم يلزمه القيام) ؛ لأن ركنيته للتوسل به إلى الركوع والسجود؛ فكان تبعاً لهما، فإذا لم يقدر عليهما لا يكون القيام ركناً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وجاز أن يصلي قاعداً يومئ إيماءً، فإن صلى الصحيح بعض صلاته قائماً ثم حدث به مرضٌ أتمها قاعداً يركع ويسجد أو يومئ إن لم يستطع الركوع والسجود أو مستلقياً إن لم يستطع القعود، ومن صلى قاعداً يركع ويسجد لمرضٍ به ثم صح بنى على صلاته قائماً، فإن صلى بعض صلاته بإيماء ثم قدر على الركوع والسجود استأنف الصلاة، ومن أغمي عليه خمس صلواتٍ فما دونها قضاها إذا صح، فإن فاتته بالإغماء أكثر من ذلك لم يقض.   (وجاز) له (أن يصلي قاعداً) أو قائماً (يومئ) برأسه (إيماء) والأفضل الإيماء قاعداً لأنه أشبه بالسجود لكون رأسه أخفض وأقرب إلى الأرض. زيلعي. (فإن صلى الصحيح بعض صلاته قائماً) يركع ويسجد (ثم حدث به مرض) في صلاته يتعذر معه القيام (أتمها قاعداً يركع ويسجد) إن استطاع (أو يومئ) إيماء (إن لم يستطع الركوع والسجود، أو مستلقياً إن لم يستطع القعود) لأن في ذلك بناء الأدون على الأعلى، وبناء الضعيف على القوي أولى من الإتيان بالكل ضعيفاً (ومن صلى قاعداً يركع ويسجد لمرض به ثم صح) في خلالها (بنى على صلاته قائماً) لأن البناء كالإقتداء والقائم يقتدي بالقاعد، ولذا قال محمد: يستقبل: لأن من أصله أن القائم لا يقتدي بالقاعد (وإن) كان (صلى بعض صلاته إيماء ثم قدر) في خلالها (على الركوع والسجود استأنف الصلاة) ؛ لأنه لا يجوز اقتداء الراكع بالمومئ، فكذا البناء (ومن أغمي عليه) : أي غطى على عقله أو جن بسلبه (خمس صلوات فما دونها قضاها إذا صح) لعدم الحرج (فإن فاتته بالإغماء) أو الجنون صلوات (أكثر من ذلك) بأن خرج وقت السادسة (لم يقض) ما فاته من الصلوات؛ لأن المدة إذا قصرت لا يتحرج في القضاء فيجب كالقائم؛ فإذا طالت تحرج فيسقط كالحائض، ثم الكثرة تعتبر من حيث الأوقات عند محمد حتى لا يسقط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 باب سجود التلاوة. - سجود التلاوة في القرآن أربعة عشر. في آخر الأعراف وفي الرعد، والنحل، وبني إسرائيل، ومريم، والأولى في الحج، والفرقان، والنمل؛ وآلم تنزيل، وص، وحم السجدة، والنجم، وإذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك.   القضاء مالم يستوعب ست صلوات؛ وعند أبي يوسف تعتبر من حيث الساعات، وهو رواية عن أبي حنيفة، والأول أصح؛ لأن الكثرة بالدخول في حد التكرار زيلعي. باب سجود التلاوة من إضافة الحكم إلى سببه، لأن سببه التلاوة: على التالي اتفاقاً، وعلى السامع في الصحيح. (سجود التلاوة في القرآن أربعة عشر) سجوداً: أربع في النصف الأول، وهي (في آخر الأعراف، وفي الرعد، والنحل، وبني إسرائيل) وعشرة في الثاني (و) هي في مريم، والأولى من الحج) بخلاف الثانية فإنها للأمر بالصلاة، بدليل اقترانها بالركوع (1) (والفرقان، والنمل، وألم تنزيل، وص، وحم السجدة، والنجم وإذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك) .   (1) والمنقول عندنا عن الشافعي أنه يقول بالسجود في هذه دون (ص) فهو يوافقنا في العدد ويستدل بما روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها إنها توبة نبي وفي خبر آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال نسجدها شكراً وقال الحنيفة إن كونها للشكر لا ينافي الوجوب وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في (ص) ويقول الحنيفة في سجدة الحج الثانية، اقترانها بالركوع دليل على ركن الصلاة كما هو المعهود في غيرها من القرآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 والسجود واجبٌ في هذه المواضع كلها على التالي والسامع، سواءٌ قصد سماع القرآن أو لم يقصد، وإذا تلا الإمام آية السجدة سجدها وسجد المأموم معه، وإن تلا المأموم لم يسجد الإمام ولا المأموم، وإن سمعوا وهم في الصلاة آية سجدةٍ من رجلٍ ليس معهم في الصلاة لم يسجدوها في الصلاة وسجدوها بعد الصلاة، فإن سجدوها في الصلاة لم تجزهم   (والسجود واجب) على التراخي إن لم تكن في الصلاة (في هذه المواضع) المذكورة (كلها، على التالي والسامع) إذا كان أهلاً للوجوب (سواء قصد سماع القرآن أو لم يقصد) بشرط كون المسموع منه آدمياً عاقلاً يقظان، ولو جنباً أو حائضاً أو نفساء أو كافراً أو صبياً أو سكران؛ فلو سمعها من طير أو صدى لا تجب عليه، وفي الجوهرة: ولو سمعها من نائم أو مغمى عليه أو مجنون ففيه روايتان أصحهما لا يجب اهـ. لكن صحح في الخلاصة والخانية وجوبها بالسماع من النائم، ولا تجب إلا على من علم أنها آية سجدة ولو بالإخبار، فلو لم يسمع بسبب النوم أو التشاغل بأمر لم تجب على الأصح، قهستاني عن المحيط (وإذا تلا الإمام آية سجدة سجدها) : أي الإمام، وجوباً في الصلاة (وسجدها) (المأموم معه) لالتزامه متابعته (وإن تلا المأموم لم يسجد الإمام ولا المأموم) ولا في الصلاة ولا خارجها؛ لأن المقتدى محجور عن القراءة لنفاذ تصرف الإمام عليه، وتصرف المحجور لا حكم له، ولو سمعها رجل خارج الصلاة سجدها، هو الصحيح؛ لأن الحجر ثبت في حقهم، فلا يعدوهم، هداية. (وإن سمعوا وهم في الصلاة آية سجدة من رجل ليس معهم في الصلاة) ولو مصلياً (لم يسجدوها في الصلاة) لأنها ليست بصلاتية لأن سماعهم ليس من أفعال الصلاة (وسجدوها بعد الصلاة) لتحقق سببها (فإن سجدوها في الصلاة لم تجزهم) ؛ لأنه ناقض لمكان النهي فلا يتأدى به الكامل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 ولم تفسد صلاتهم، ومن تلا آية سجدةٍ فلم يسجدها حتى دخل في الصلاة فصلاها وسجد لها أجزأته السجدة عن التلاوتين، وإن تلاها في غير الصلاة فسجد لها ثم دخل في الصلاة فتلاها سجد لها ولم تجزه السجدة الأولى ومن كرر تلاوة سجدةٍ واحدةٍ في مجلسٍ واحدٍ أجزأته سجدةٌ واحدةٌ. ومن أراد السجود كبر ولم يرفع يديه، وسجد ثم كبر، ورفع رأسه، ولا تشهد عليه ولا سلام.   وتجب إعادتها لتقرر سببها، (ولم تفسد الصلاة) ؛ لأن مجرد السجدة لا ينافي إحرام الصلاة، (ومن تلا آية سجدة) خارج الصلاة (فلم يسجدها حتى دخل في الصلاة) في ذلك المجلس (فتلاها وسجد لها أجزأته السجدة) الواحدة (عن التلاوتين) لاتحاد المجلس وقوة الصلاتية؛ فجعلت الأولى تبعاً لها (وإن تلاها في غير الصلاة فسجد) لها (ثم دخل في الصلاة) ولو في ذلك المجلس (فتلاها فسجد لها) سجدة أخرى (ولم تجزه السجدة الأولى) لأن الصلاتية أقوى فلا تصير تبعاً (ومن كرر تلاوة آية سجدة واحدة في مجلس واحد أجزأته سجدة واحدة) وفعلها بعد الأولى أولى. قنية، وفي البحر: التأخير أحوط، والأصل أن مبناها على التداخل دفعاً للحرج، بشرط اتحاد الآية والمجلس. در. (ومن أراد السجود كبر) للوضع (ولم يرفع يديه) اعتباراً بسجدة الصلاة (وسجد) بين كفيه (ثم كبر) للرفع، وهما سنتان (ورفع رأسه ولا تشهد عليه ولا سلام) ، لأن ذلك للتحليل، وهو يستدعي سبق التحريمة؛ وهي منعدمة، قال الإسبيجاني: ولم يذكر ما يقول في سجوده، والأصح أن يقول فيها ما يقول في سجود الصلاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 باب صلاة المسافر. - السفر الذي تتغير به الأحكام: أن يقصد الإنسان موضعاً بينه وبين ذلك الموضع مسيرة ثلاثة أيامٍ ولياليها بسير الإبل ومشي الأقدام، ولا يعتبر ذلك بالسير في الماء.   باب صلاة المسافر من إضافة الشيء إلى شرطه أو محله. (السفر الذي تتغير به الأحكام) : كقصر الصلاة، وإباحة الفطر، وامتداد مدة المسح، وسقوط الجمعة والعيدين، والأضحية، وحرمة خروج المرأة بغير محرم (أن يقصد الإنسان موضعاً بينه) : أي بين القاصد (وبين مقصده مسيرة ثلاثة أيام ولياليها) من أقصر أيام السنة (بسير الإبل ومشي الأقدام) ، لأنه الوسط ولا يشترط سفر كل يوم إلى الليل، بل إلى الزوال، فلو بكر في اليوم الأول ومشى إلى الزوال، ونزل للاستراحة وبات ثم في اليوم الثاني والثالث وكذلك يصير مسافراً جوهرة. وعبر بالقصد لأنه لو طاف الدنيا من غير قصد إلى قطع مسيرة ثلاثة أيام لا يترخص، أما في الرجوع فإن كانت مدة سفر قصر، فتح، وعبر يقوله (مسيرة ثلاثة أيام) لأن المراد التحديد، لا أنه يسير بالفعل، حتى لو كانت المسافة ثلاثة بالسير الوسط فقطعها في يومين أو أقل قصر (ولا يعتبر في ذلك) ؛ أي السير في البر (السير) نائب فاعل يعتبر (في الماء) كما لا يعتبر السير في الماء بالسير في البر، وإنما يعتبر في كل موضع ما يليق بحاله، حتى لو كان موضع له طريقان: أحدهما في البر وهو يقطع في ثلاثة أيام، والثاني في البحر وهو يقطع في يومين إذا كانت الرياح مستوية، فإنه إذا ذهب في طريق البر يقصر، وفي الثاني لا يقصر وكذا العكس، وكذا الجبل يعتبر فيه ثلاثة أيام، وإن كان في السهل يقطع في أقل منها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وفرض المسافر عندنا في كل صلاةٍ رباعيةٍ ركعتان، لا تجوز له الزيادة عليهما، فإن صلى أربعاً وقد قعد في الثانية مقدار التشهد أجزأته ركعتان عن فرضه، وكانت الأخريان له نافلة، وإن لم يقعد مقدار التشهد في الركعتين الأوليين بطلت صلاته. ومن خرج مسافراً صلى ركعتين إذا فارق بيوت المصر ولا يزال على حكم السفر حتى ينوي الإقامة في بلدٍ خمسة عشر يوماً فصاعداً؛ فيلزمه الإتمام،   (وفرض المسافر عندنا في كل صلاة رباعية) على المقيم (ركعتان، لا يجوز له الزيادة عليهما عمداً) : لتأخير السلام، وترك واجب القصر، ويجب سجود السهو إن كان سهواً. قيد بالفرض لأنه لا قصر في الوتر والنفل، واختلف فيما هو الأولى في السنن، والمختار أن يأتي بها إن كان على أمن وقرار لا على عجلة وفرار. نهر. وقيد بالرباعي لأنه لا قصر في غيره (فإن صلى) المسافر (أربعاً وقعد في الثانية مقدار التشهد أجزأته الركعتان عن فرضه، وكانت) الركعتان (الأخريان له نافلة) ويكون مسيئاً، كما مر (وإن لم يقعد) في الثانية (مقدار التشهد بطلت صلاته) لاختلاط النافلة بها قبل إكمالها. (ومن خرج مسافراً صلى ركعتين إذا فارق) ؛ أي جاوز (بيوت المصر) من الجانب الذي خرج منه، وإن لم يجاوزها من جانب آخر، لأن الإقامة تتعلق بدخولها، فيتعلق بالخروج عنها (ولا يزال) المسافر (على حكم السفر حتى ينوي الإقامة) حقيقة أو حكماً، كما لو دخل الحاج الشام قبل دخول شوال وأراد الخروج مع القافلة في نصف شوال أتم، لأنه ناو حكماً (في بلد) واحد أو ما في حكمها مما يصلح للإقامة من مصر أو قرية أو صحراء دارنا وهو من أهل الأخبية (خمسة عشر يوما فصاعداً) أو يدخل مقامه (فيلزمه الإتمام) وهذا حيث سار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وإن نوى الإقامة أقل من ذلك لم يتم، ومن دخل بلداً ولم ينو أن يقيم فيه خمسة عشر يوماً وإنما يقول غداً أخرج أو بعد غدٍ أخرج حتى بقي على ذلك سنين صلى ركعتين، وإذا دخل العسكر أرض الحرب فنووا الإقامة بها خمسة عشر يوماً لم يتموا الصلاة، وإذا دخل المسافر في صلاة المقيم مع بقاء الوقت أتم الصلاة، وإن دخل معه في فائتةٍ لم تجز صلاته خلفه،   مدة السفر، وإلا فيتم بمجرد نية العود، لعدم أحكام السفر. قيدنا ببلد واحد لأنه لو نوى الإقامة في موضعين مستقلين كمكة ومنى لم تصلح نيته، كما يأتي. (وإن نوى الإقامة أقل من ذلك لم يتم) ، لأنه لم يزل على حكم السفر (ومن دخل بلدا ولم ينو أن يقيم فيه خمسة عشرا يوما وإنما) يترقب السفر، و (يقول: غداً أخرج أو بعد غد أخرج) مثلاً (حتى بقي على ذلك) الترقب (سنين صلى ركعتين) للأثر المروى عن ابن عباس وابن عمر ولأنه لم يزل عن حكم السفر كما مر (وإذا دخل العسكر أرض الحرب فنووا الإقامة بها خمسة عشر يوما لم يتموا) الصلاة، لعدم صحة النية المخالفة للعزم، لأن الداخل بين أن يهزم فيقر، أو يهزم فيفر (وإذا دخل المسافر) مقتدياً (في صلاة المقيم) ولو في آخرها (مع بقاء الوقت) قدر ما يسع التحريمة جاز، و (أتم الصلاة) أربعاً: لأنه التزم متابعة الإمام فيتغير فرضه إلى الأربع كما يتغير بنية الإقامة، لاتصال المغير بالسبب - وهو الوقت - لكن إذا فسدت تعود ركعتين، لأنها صارت أربعاً في ضمن الإقتداء، فإذا فات يعود الأمر الأول (وإن دخل معه) مقتديا (فائتة) رباعية (لم تجز صلاته خلفه) لأن فرضه لا يتغير بعد الوقت لانقضاء السبب كما لا يتغير بنية الإقامة فيلزم منه بناء الفرض على غير الفرض في حق القعدة لو اقتدى في الأوليين أو القراءة لو في الأخريين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وإذا صلى المسافر بالمقيمين ركعتين سلم، ثم أتم المقيمون صلاتهم، ويستحب له إذا سلم أن يقول: أتموا صلاتكم فإنا قومٌ سفرٌ، وإذا دخل المسافر مصره أتم الصلاة، وإن لم ينو الإقامة فيه، ومن كان له وطنٌ فانتقل عنه واستوطن غيره ثم سافر فدخل وطنه الأول لم يتم الصلاة، وإن نوى المسافر أن يقيم بمكة ومنىً خمسة عشر يوماً لم يتم الصلاة،   در. (وإذا صلى) الإمام (المسافر بالمقيمين ركعتين سلم) لتمام صلاته (ثم أتم المقيمون صلاتهم) منفردين لأنهم التزموا الموافقة في الركعتين فينفردون في الباقي كالمسبوق، إلا أنه لا يقرأ فيما يقضي في الأصح؛ لأنه لا حق (ويستحب إذا سلم) التسليمتين في الأصح (أن يقول: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر) بسكون الفاء - جمع مسافر كركب وصحب جمع راكب وصاحب: أي مسافرون؛ وينبغي أن يقول ذلك قبل شروعه في الصلاة: لدفع الاشتباه (وإذا دخل المسافر مصره أتم الصلاة وإن لم ينو الإقامة فيه) كأن دخله لقضاء حاجة لأنه متعين للإقامة والمرخص هو السفر وقد زال (ومن كان له وطن فانتقل عنه) بكل أهله (واستوطن غيره ثم سافر فدخل وطنه الأول) الذي كان انتقل عنه (لم يتم الصلاة) من غير نية إقامة؛ لأنه لم يبق وطناً له، والأصل في ذلك أن الوطن الأصلي يبطل بمثله، دون السفر عنه، ووطن الإقامة يبطل بمثله وبالسفر عنه، قيدنا الانتقال بكل الأهل لأنه إذا بقي له فيه أهل لم يبطل ويصير ذا وطنين (وإذا نوى المسافر أن يقيم بمكة ومنى خمسة عشر يوماً لم يتم الصلاة) : لأن اعتبار النية في موضعين يقتضي اعتبارها في مواضع وهو ممتنع؛ لأن السفر لا يعزى عنه، إلا إذا نوى أن يقيم بالليل في إحداهما فيصير مقيماً بدخوله فيه؛ لأن إقامة المرء تضاف إلى مبيته. هداية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 ومن فاتته صلاةٌ في السفر قضاها في الحضر ركعتين. ومن فاتته صلاةٌ في الحضر قضاها في السفر أربعاً. والعاصي والمطيع في السفر في الرخصة سواءٌ. باب صلاة الجمعة. - لا تصح الجمعة إلا بمصرٍ جامعٍ أو في مصلى المصر،   (ومن فاتته صلاة في السفر قضاها في الحضر ركعتين) كما فاتته في السفر. (ومن فاتته صلاة في الحضر قضاها في السفر أربعاً) كما فاتته في الحضر؛ لأنه بعد بعدما تقرر لا يتغير. (والعاصي والمطيع في سفرهما في الرخصة سواء) لإطلاق النصوص، ولأن نفس السفر ليس بمعصية، وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره، والقبح المجاور لا يعدم المشروعية. باب صلاة الجمعة بتثليث الميم وسكونها. (لا تصح الجمعة إلا في مصر جامع) وهو: كل موضع له أمير وقاض ينفذ الأحكام ويقيم الحدود، وهذا عن أبي يوسف، وعنه أنهم إذا اجتمعوا في أكبر مساجدهم لم يسعهم، والأول اختيار الكرخي وهو الظاهر، والثاني اختيار الثلجي هداية. (أو في مصلى المصر) ؛ لأنه من توابعه، والحكم ليس مقصوراً على المصلى، بل يجوز في جميع أفنية المصر؛ لأنها بمنزلته في حوائج أهله. هداية. ثم من كان محله من توابع المصر فحكمه حكم أهل المصر في وجوب الجمعة عليه، واختلفوا فيه: فعن أبي يوسف إن كان الموضع يستمع فيه النداء من المصر فهو من توابعه، وإلا فلا، وعنه: كل قرية متصلة بربض المصر.. فتح وصحح هذا الثاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 ولا تجوز في القرى، ولا تجوز إقامتها إلا بالسلطان أو من أمره السلطان. ومن شرائطها: الوقت فتصح في وقت الظهر ولا تصح بعده، ومن شرائطها الخطبة قبل الصلاة، يخطب الإمام خطبتين يفصل بينهما بقعدةٍ، ويخطب قائماً على طهارةٍ، فإن اقتصر على ذكر الله تعالى جاز عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لابد من ذكر   في مواهب الرحمن، وعلله في شرحه بأن وجوبها مخص بأهل المصر. والخارج عن هذا الحد ليس من أهله. اهـ. قال شيخنا: وهو ظاهر المتون، وفي المعراج أنه أصح ما قيل، وفي التتارخانية: ثم ظاهر رواية أصحابنا لا تجب إلا على من يسكن المصر أو من يتصل به؛ فلا تجب على أهل السواد ولو قريباً، وهذا أصح ما قيل فيه. اهـ (ولا تجوز في القرى) تأكد لما قبله، وتصريح بمفهومه، ولا تجوز إقامتها إلا بالسلطان أو من أمره السلطان بإقامتها؛ لأنها تقام بجمع عظيم، وقد تقع المنازعة في التقدم والتقديم، وقد تقع في غيره، فلابد منه تتميماً لأمره. هداية (ومن شرائطها الوقت؛ فتصح في وقت الظهر ولا تصح بعده) فلو خرج الوقت وهو فيها استقبل الظهر، ولا يبني على الجمعة؛ لأنهما مختلفان (ومن شرائطها) أيضا (الخطبة) بقصدها، وكونها (قبل الصلاة) بحضرة جماعة تنعقد بهم الجمعة ولو صماً أو نياماً. فلو صدرت من غير قصد أو بعد الصلاة، أو بغير حضور جماعة - لا يعتد بها، لكن جزم في الخلاصة بأنه يكفي حضور واحد، والسنة في الخطبة أنه (يخطب الإمام خطبتين) خفيفتين بقدر سورة من طوال المفصل (يفصل بينهما بقعدة) قدر قراءة ثلاث آيات ويخفض جهره بالثانية عن الأولى (ويخطب قائماً) مستقبل الناس (على طهارة) من الحدثين (فإن اقتصر على ذكر الله تعالى) كتحميدة أو تهليلة أو تسبيحة (جاز عند أبي حنيفة) مع الكراهة (وقالا: لابد) لصحتها (من ذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 طويلٍ يسمى خطبةً، وإن خطب قاعداً أو على غير طهارةٍ جاز ويكره، ومن شرائطها الجماعة، وأقلهم عند أبي حنيفة ثلاثةٌ سوى الإمام، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: اثنان سوى الإمام، ويجهر الإمام بالقراءة في الركعتين، وليس فيهما قراءة سورةٍ بعينها، ولا تجب الجمعة على مسافرٍ ولا امرأةٍ ولا مريضٍ ولا عبدٍ ولا أعمى.   طويل يسمى خطبة) وأقله قدر التشهد. (وإن خطب قاعداً أو على غير طهارة) أو لم يقعد بين الخطبتين، أو استدبر الناس - (جاز ويكره) لمخالفته المتوارث (1) (ومن شرائطها) أيضاً (الجماعة) ؛ لأن الجمعة مشتقة منها (وأقلهم عند أبي حنيفة ثلاثة) رجال (سوى الإمام، وقالا: اثنان سوى الإمام) قال في التصحيح: ورجح في الشروح دليله واختاره المحبوبي والنسفي. اهـ. ويشترط بقاؤهم حتى يسجد السجدة الأولى، فلو نفروا بعدها أتمها وحده جمعة (ويجهر الإمام بالقراءة في الركعتين) ؛ لأنه المتوارث (وليس فيهما قرءاة سورة بعينها) قال في شرح الطحاوي: ويقرأ في الركعتين سورة الجمعة والمنافقين، ولا يكره غيرهما. اهـ. وذكر الزاهدي أنه يقرأ فيهما سورة الأعلى والغاشية، قال في البحر: ولكن لا يواظب على ذلك؛ كيلا يؤدي إلى هجر الباقي، ولئلا تظنه العامة حتماً. اهـ. (ولا تجب الجمعة على مسافر) ؛ للحوق المشقة بأدائها (ولا امرأة) ؛ لأنها منهية عن الخروج (ولا مريض) لعجزه عن ذلك، وكذا المرض إن بقي المريض ضائعاً (ولا عبد) لأنه مشغول بخدمة مولاه، ولا زمن (ولا أعمى) ولا خائف،   (1) في الفتح ومن السنة بتقصيرها وتطويل الصلاة بعد استمالها على الموعظة والتشهد والصلاة وكونها خطبتين، ومما يؤيد مذهب الإمام أن عثمان رضي الله عنه قال على المنبر الحمد لله ثم ارتج عليه ثم نزل فصلى جماعاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 فإن حضروا وصلوا مع الناس أجزأهم عن فرض الوقت. ويجوز للمسافر والعبد والمريض ونحوهم أن يؤم في الجمعة. ومن صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الإمام ولا عذر له كره له ذلك، وجازت صلاته، فإن بدا له أن يحضر الجمعة فتوجه إليها بطلت صلاة الظهر عند أبي حنيفة بالسعي وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا تبطل حتى يدخل مع الإمام. ويكره أن يصلي المعذورون الظهر بجماعة يوم الجمعة   ولا معذور بمشقة مطر ووحل وثلج، ولا قروي (فإن حضروا وصلوا مع الناس أجزأهم) ذلك (عن فرض الوقت) ؛ لأنهم تحملوا المشقة فصاروا كالمسافر إذ صام. (ويجوز للمسافر والعبد والمريض ونحوهم) خلا امرأة (أن يؤم في الجمعة) لأن عدم وجوبها عليهم رخصة لهم دفعاً للحرج؛ فإذا حضروا تقع فرضاً. (ومن صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الإمام ولا عذر له كره له ذلك) تحريماً، بل حرم؛ لأنه ترك الفرض القطعي باتفاقهم. فتح (وجازت صلاته) جوازاً موقوفاً (فإن بدا له) : أي لمن صلى الظهر ولو بمعذرة على المذهب (أن يحضر الجمعة فتوجه إليها) والإمام فيها ولم تقم بعد (بطلت صلاة الصلاة الظهر) أي وصف الفرضية وصارت نفلاً (عند أبي حنيفة بالسعي) ، وإن لم يدركها (وقالا: لا تبطل حتى يدخل مع الإمام) قال في التصحيح: ورجح دليل الإمام في الهداية، واختاره البرهاني والنسفي. اهـ. قيدنا بكون الإمام فيها؛ لأن السعي إذا كان بعد ما فرغ منها لم يبطل ظهره اتفاقاً. (ويكره أن يصلي المعذورون الظهر بجماعة يوم الجمعة) في المصر؛ لما فيه من الإخلال بالجمعة بتقليل الجماعة وصورة المعارضة. قيدنا بالمصر لأنه لا جمعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وكذلك أهل السجن، ومن أدرك الإمام يوم الجمعة صلى معه ما أدرك وبنى عليها الجمعة، وإن أدركه في التشهد أو في سجود السهو بنى عليها الجمعة عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمدٌ: إن أدرك معه أكثر الركعة الثانية بنى عليها الجمعة، وإن أدرك أقلها بنى عليها الظهر، وإذا خرج الإمام على المنبر يوم الجمعة ترك الناس الصلاة والكلام حتى يفرغ من خطبته، وإذا أذن المؤذنون يوم الجمعة الأذان الأول ترك   في غيرها فلا يفضي إلى ذلك (وكذلك أهل السجن) : أي يكره لهم ذلك؛ لما فيه من صورة المعارضة. وإنما أفرده بالذكر لما يتوهم من عدم الكراهة يمنعهم من الخروج. (ومن أدرك الإمام يوم الجمعة) : أي في صلاتهم (صلى معه ما أدرك وبنى عليها الجمعة) وهذا إن أدرك منها ركعة اتفاقاً (وإن أدركه في التشهد أو في سجود السهو بنى عليها الجمعة) أيضاً (عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: إن أدرك معه أكثر الركعة الثانية) بأن أدرك ركوعها (بنى عليها الجمعة، وإن أدرك أقلها) بأن أدركه بعد ما رفع من الركوع (بنى عليها الظهر) أربعاً؛ إلا أنه ينوي الجمعة إجماعاً جوهرة وعليه يقال: أدى خلاف ما نوى. (وإذا خرج الإمام يوم الجمعة) من حجرته إن كان؛ وإلا فبقيامه للصعود (ترك الناس الصلاة والكلام) خلا قضاء فائتة لذي ترتيب ضرورة صحة الجمعة، وصلاة شرع فيها للزومها (حتى يفرغ من خطبته) وصلاته، بلا فرق بين قريب وبعيد في الأصح. محيط. (وإذا أذن المؤذنون يوم الجمعة الأذان الأول) لحصول الإعلام به (ترك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 الناس البيع والشراء وتوجهوا إلى صلاة الجمعة، فإذا صعد الإمام المنبر جلس وأذن المؤذنون بين يدي المنبر، فإذا فرغ من خطبته أقاموا الصلاة وصلوا.   الناس) وجوباً (البيع والشراء وتوجهوا إلى صلاة الجمعة) عبر بقوله "توجهوا" للإشارة بأن المراد بالسعي المأمور به هو التوجه مع السكينة والوقار، لا الهرولة. (وإذا صعد الإمام المنبر جلس) عليه (وأذن المؤذنون بين يدي المنبر) بذلك جرى التوارث، ولم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الأذان، ولهذا قيل، هو المعتبر في وجوب السعي وحرمة البيع، والأصح أن المعتبر هو الأول إذا كان بعد الزوال، لحصول الإعلام به. هداية. (فإذا فرغ من خطبته أقاموا الصلاة وصلوا) ولا ينبغي أن يصلي غير الخطيب، ويكره السفر بعد الزوال قبل أن يصليها، ولا يكره قبله كذا في شرح المنية (1) .   (1) ومن الأحكام أن الكلام حرام ولو كان أمر بمعروف أو نهياً عن منكر أو تسبيحاً كما يحرم الأكل والشرب والكتابة. ويكره تشميت العاطس در والسلام لأنه غير مأذون فيه والمسلم أتم ونسب إلى أبي حنيفة أنه لا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره في الخطبة وعن أبي يوسف أنه يصلي في نفسه لأن ذلك لا يشفع عن السماع وهو الصواب كما أنه يحمد الله في نفسه إذا عطس ويجوز الإشارة بيده أو غيره عند رؤية المنكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 باب صلاة العيدين. - يستحب في يوم الفطر: أن يطعم الإنسان قبل الخروج إلى المصلى، ويغتسل، ويتطيب، ويتوجه إلى المصلى، ولا يكبر في طريق المصلى عند أبي حنيفة، وعندهما يكبر، ولا يتنفل في المصلى قبل صلاة العيد،   باب صلاة العيدين مناسبتها للجمعة ظاهرة، حتى اشترط لها ما اشترط للجمعة خلا الخطبة، وتجب على من تجب عليه الجمعة، وقدمت الجمعة لفرضيتها وكثرة وقوعها، وسمى به لأن لله فيه عوائد الإحسان، وهي واجبة في الأصح كما في الخانية والهداية والبدائع والمحيط والمختار والكافي والنسفي، وفي الخلاصة: وهو المختار، لأنه صلى الله عليه وسلم واظب عليها، وسماها في الجامع سنة؛ لأن وجوبها ثبت بالسنة. اهـ. وقيل: إنها سنة، وصححه النسفي في المنافع. (يستحب في يوم الفطر: أن يطعم الإنسان قبل الخروج إلى المصلى) مبادرة إلى ضيافة ربه وامتثال أمره، وأن يكون حلواً وتمراً ووتراً ليكون أعظم أجراً (ويغتسل، ويتطيب) ويستاك، ويلبس أحسن ثيابه، ويصلي في مسجد حيه، ويؤدي صدقة فطره (ويتوجه إلى المصلى) ماشياً، اقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم (ولا يكبر في طريق المصلى عند أبي حنيفة) يعني جهراً، أما سراً فيستحب. جوهرة (وعندهما يكبر) في طريق المصلى جهراً استحباباً، ويقطع إذا انتهى إليه، وفي رواية: إلى الصلاة. جوهرة. قال في التصحيح: قال الإسبيجاني في زاد الفقهاء والعلامة في التحفة: الصحيح قول أبي حنيفة، قلت: وهو المعتمد عند النسفي وبرهان الشريعة وصدرها. اهـ. (ولا يتنفل في المصلى قبل صلاة العيد) ثم قيل: الكراهة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 فإذا حلت الصلاة من ارتفاع الشمس دخل وقتها إلى الزوال، فإذا زالت الشمس خرج وقتها، ويصلي الإمام بالناس ركعتين: يكبر في الأولى تكبيرة الافتتاح، وثلاثاً بعدها، ثم يقرأ فاتحة الكتاب وسورةً معها، ثم يكبر تكبيرةً يركع بها، ثم يبتدئ في الركعة الثانية بالقراءة، فإذا فرغ من القراءة كبر ثلاث تكبيراتٍ، وكبر تكبيرةً رابعةً يركع بها (1) ويرفع يديه   في المصلى خاصة، وقيل: فيه وفي غيره عامه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعله. هداية. (فإذا حلت الصلاة بارتفاع الشمس) قدر رمح (دخل وقتها) فلا تصح قبله عيداً، بل تكون نفلاً محرماً، ويمتد وقتها من الارتفاع (إلى الزوال، فإذا زالت الشمس خرج وقتها) فلو خرج في أثناء الصلاة فسدت كما مر. (ويصلي الإمام بالناس ركعتين يكبر في الأولى تكبيرة الافتتاح) ويأتي عقبها بالاستفتاح (ويكبر ثلاثا بعدها) وبعد الاستفتاح، ويستحب له أن يقف بين كل تكبيرتين مقدار ثلاث تسبيحات، وليس بينهما ذكر مسنون، ويتعوذ ويسمي سراً (ثم يقرأ فاتحة الكتاب وسورة معها) : أي سورة شاء، وإن تحرى المأثور كان أولى (ثم يكبر تكبيرة يركع بها) ويتمم ركعته بسجدتيها (ثم) إذا قام (يبتدئ في الركعة الثانية بالقراءة) أولا (فإذا فرغ من القراءة كبر ثلاث تكبيرات) كما تقدم (وكبر تكبيرة رابعة يركع بها) وتمم صلاته (ويرفع يديه   (1) اختلف النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تكبيرات العيد فاختلف الأئمة وفي (ده) كان (ص) يكبر في الأولى بسبع وفي الثانية بخمس قبل القراءة سوى تكبيرة الركوع ومثله فيهما قال في (ص) التكبير في النظر سبع في الأولى وخمس في الثانية وبهذا يقول محمد من الحنيفية ومذهب الحنيفة هو مذهب بن مسعود وأبي موسى والظاهر أنه لم يصح فيه حديث ولكن عمل الصحابة في كل حجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 في تكبيرات العيدين، ثم يخطب بعد الصلاة خطبتين يعلم الناس فيها صدقة الفطر وأحكامها، ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام لم يقضها، فإن غم الهلال على الناس فشهدوا عند الإمام برؤية الهلال بعد الزوال صلى العيد من الغد، فإن حدث عذرٌ منع الناس من الصلاة في اليوم الثاني لم يصلها بعده. ويستحب في يوم الأضحى: أن يغتسل، ويتطيب، ويؤخر الأكل حتى يفرغ من الصلاة،   في تكبيرات العيدين) الزوائد. (ثم يخطب بعد الصلاة خطبتين) وهي سنة؛ فلو تركها أو قدمها جازت مع الإساءة (يعلم الناس فيها صدقة الفطر وأحكامها) ليؤديها من لم يؤدها؛ لأنها شرعت لذلك، ويستحب أن يستفتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات متوالية، والثانية بسبع. (ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام) ولو بالإفساد (لم يقضها) وحده؛ لأنها لم تعرف قربة إلا بشرائط لا تتم بالمنفرد. هداية. فلو أمكنه الذهاب لإمام آخر فعل؛ لأنها تؤدى بمواضع اتفاقاً. تنوير. (فإن غم الهلال على الناس فشهدوا عند الإمام برؤية الهلال بعد الزوال) أو حدث عذر مانع كمطر ونحوه (صلى العيدين من الغد) ؛ لأنه تأخير بعذر، وقد ورد فيه النص. هداية. ووقتها فيه كالأول (فإن حدث عذر منع الناس من الصلاة في اليوم الثاني) أيضاً (لم يصلهما بعده) ؛ لأن الأصل فيها أن لا تقضى كالجمعة إلا أن تركناه بالحديث، وقد ورد بالتأخير إلى اليوم الثاني عند العذر. هداية. (ويستحب في يوم) عيد (الأضحى أن يغتسل ويتطيب) كما مر في الفطر (و) لكنه (يؤخر الأكل) في الأضحى عن الصلاة (حتى يفرغ من الصلاة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 ويتوجه إلى المصلى وهو يكبر، ويصلي الأضحى ركعتين كصلاة الفطر، ويخطب بعدها خطبتين يعلم الناس فيهما الأضحية وتكبيرات التشريق، فإن حدث عذرٌ منع الناس من الصلاة في يوم الأضحى صلاها من الغد وبعد الغد، ولا يصليها بعد ذلك؛ وتكبير التشريق أوله عقيب صلاة الفجر من يوم عرفة، وآخره عقيب صلاة العصر من النحر عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق،   وإن لم يضح في الأصح ولو أكل لم يكره. (ويتوجه إلى المصلى وهو يكبر) جهراً (ويصلي الأضحى ركعتين كصلاة) عيد (الفطر) فيما تقدم (ويخطب بعدها) أيضاً (خطبتين يعلم الناس فيهما الأضحية وتكبيرات التشريق) لأنها شرعت لذلك (فإن حدث عذر) من الأعذار المارة (منع الناس من الصلاة في) أول (يوم الأضحى صلاها من الغد وبعد الغد، ولا يصليها بعد ذلك) لأنها مؤقتة بوقت الأضحية فتتقيد بأيامها، لكنه مسيء بالتأخير بغير عذر، وإلا فلا؛ فالعذر هنا لنفي الكراهة، وفي الفطر للصحة. (وتكبير التشريق أوله عقيب صلاة الفجر من يوم عرفة) اتفاقاً (وآخره عقيب صلاة العصر من) يوم (النحر عند أبي حنيفة) فهي ثمان صلوات (وقالا) آخره (إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق) بإدخال الغاية، فهي ثلاث وعشرون صلاة، قال في التصحيح: قال برهان الشريعة وصدر الشريعة: وبقولهما يعمل، وفي الاختيار: وقيل الفتوى على قولهما، وقال في الجامع الكبير للإسبيجاني الفتوى على قولهما، وفي مختارات النوازل: وقولهما الاحتياط في العبادات، والفتوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 والتكبير عقيب الصلوات المفروضات، وهو أن يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. باب صلاة الكسوف. - إذا انكسفت الشمس صلى الإمام بالناس ركعتين كهيئة النافلة في كل ركعةٍ ركوعٌ واحدٌ ويطول القراءة فيهما، ويخفي عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يجهر، ثم يدعو بعدها   على قولهما. اهـ. (والتكبير) واجب في الأصح مرة (عقيب الصلوات المفروضات) على المقيمين في الأمصار في الجماعات المستحبة عند أبي حنيفة، وقالا: على كل من صلى المكتوبة؛ لأنه تبع لها، وقد سبق أنه المفتي به للاحتياط (و) صفة التكبير (أن يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد) هذا المأثور عن الخليل صلوات الله عليه. هداية. باب صلاة الكسوف من إضافة الشيء إلى سببه. (إذا انكسفت الشمس صلى الإمام) أو نائبه (بالناس ركعتين كهيئة النافلة) أي بلا خطبة، ولا أذان، ولا إقامة، ولا تكرار ركوع، بل (في كل ركعة ركوع واحد، و) لكنه (يطول القراءة فيهما) وكذا الركوع والسجود والأدعية الواردة في النافلة (ويخفي) القراءة (عند أبي حنيفة، وقالا: يجهر) قال في التصحيح قال الإسبيجاني في زاد الفقهاء والعلامة في التحفة؛ والصحيح قول أبي حنيفة قلت: وهو الذي عول عليه النسفي والمحبوبي وصدر الشريعة اهـ. (ثم يدعو بعدها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 حتى تنجلي الشمس، ويصلي بالناس الإمام الذي يصلي بهم الجمعة، فإن لم يجمع صلاها الناس فرادى، وليس في خسوف القمر جماعة، وإنما يصلي كل واحدٍ بنفسه، وليس في الكسوف خطبةٌ. باب الاستسقاء. - قال أبو حنيفة رحمة الله عليه: ليس في الاستسقاء صلاةٌ مسنونةٌ في جماعةٍ، فإن صلى الناس وحداناً جاز، وإنما الاستسقاء الدعاء والاستغفار.   جالساً مستقبل القبلة أو قائماً مستقبل الناس والقوم يؤمنون على دعائه (حتى تنجلي الشمس) كلها. (ويصلي بالناس الإمام الذي يصلي بهم الجمعة، فإن لم يجمع) : أي لم يحضر الإمام (صلاها الناس فرادى) ركعتين أو أربعاً، في منازلهم كما في شرح الطحاوي. (وليس في خسوف القمر جماعة) ؛ لأنه يكون ليلاً وفي الاجتماع فيه مشقة جوهرة (و"إنما يصلي كل واحد بنفسه) ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم شيئاً من هذه الأهوال فافزعوا إلى الصلاة) (وليس في الكسوف خطبة) ؛ لأنه لم ينقل. هداية. باب الاستسقاء (قال أبو حنيفة: ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في جماعة) وهو ظاهر الرواية كما في البدائع (فإن صلى الناس وحداناً جاز) من غير كراهة. جوهرة؛ لأنها نفل مطلق (وإنما الاستسقاء الدعاء والاستغفار) ؛ لقوله تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً} ورسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يصلي الإمام بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة، ثم يخطب، ويستقبل القبلة بالدعاء، ويقلب الإمام رداءه، ولا يقلب القوم أرديتهم، ولا يحضر أهل الذمة الاستسقاء.   ولم يرو عنه الصلاة. هداية. وفي التصحيح: قال في التحفة: هذا ظاهر الرواية، وهو الصحيح، قلت: وهو المعتمد عند النسفي والمحبوبي وصدر الشريعة. اهـ. (وقالا: يصلي الإمام بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة) اعتباراً بصلاة العيد (ثم يخطب) خطبتين عند محمد، وخطبة واحدة عند أبي يوسف، ويكون معظم الخطبة الاستغفار (ويستقبل القبلة بالدعاء، ويقلب الإمام رداءه) ؛ لما روي أنه صلى الله عليه وسلم "لما استسقى حول ظهره إلى الناس، واستقبل القبلة، وحول رداءه". هداية. وصفة القلب: إن كان مربعاً جعل أعلاه أسفله وإن كان مدورا كالجبه: جعل الجانب الأيمن على الأيسر. جوهرة. (ولا يقلب القوم أرديتهم) ؛ لأنه لم ينفل أنه أمرهم بذلك. هداية. ويستحب الخروج له إلى الصحراء؛ إلا في مكة وبيت المقدس فيخرجون إلى المسجد ثلاثة أيام مشاة في ثياب خلقة غسيلة متذللين متواضعين خاشعين لله تعالى ناكسين رءوسهم مقدمين الصدقة كل يوم قبل خروجهم، ويحددون التوبة، ويستسقون بالضعفة والشيوخ والعجائز والأطفال. ويستحب إخراج الدواب وأولادها، ويشتتون فيما بينها؛ ليحصل التحنن ويظهر الضجيج بالحاجات (و) لكن (لا يحضر أهل الذمة الاستسقاء) ؛ لأن الخروج للدعاء، وقد قال الله تعالى: {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} ولأنه لاستنزال الرحمة، وإنما تنزل عليهم اللعنة. هداية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 باب قيام شهر رمضان. - يستحب أن يجتمع الناس في شهر رمضان بعد العشاء، فيصلي بهم إمامهم خمس ترويحاتٍ، في كل ترويحةٍ تسليمتان، ويجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحةٍ، ثم يوتر بهم، ولا يصلي الوتر بجماعةٍ في غير شهر رمضان.   باب قيام شهر رمضان أفرده بباب على حده لاختصاصه بأحكام ليست في مطلق النوافل. (يستحب أن يجتمع الناس في شهر رمضان) كل ليلة (بعد) صلاة (العشاء) ويستحب تأخيرها إلى ثلث الليل أو نصفه (فيصلي بهم إمامهم خمس ترويحات) كل ترويحة أربع ركعات، سميت بذلك لأنه يقعد عقبها للاستراحة (في كل ترويحة تسليمتان، ويجلس) ندباً (بين كل ترويحتين) وكذا بين الخامسة والوتر (مقدار ترويحة) ويخيرون فيها بين تسبيح وقراءة وسكوت وصلاة فرادى (ثم يوتر بهم) ويجهر بالقراءة، وفي تعبيره يتم إشارة إلى أن وقتها قبل الوتر، وبه قال عامة المشايخ، والأصح أن وقتها بعد العشاء إلى آخر الليل: قبل الوتر، وبعده؛ لأنها نوافل سنت بعد العشاء. هداية (ولا يصلي الوتر) ولا التطوع (بجماعة في غير شهر رمضان) : أي يكره ذلك لو على سبيل التداعي. در. وعليه إجماع المسلمين. هداية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 باب صلاة الخوف. - إذا اشتد الخوف جعل الإمام الناس طائفتين: طائفةً في وجه العدو، وطائفةً خلفه، فيصلي بهذه الطائفة ركعةً وسجدتين، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية مضت هذه الطائفة إلى وجه العدو، وجاءت تلك الطائفة، فيصلي بهم الإمام ركعةً وسجدتين، وتشهد وسلم، ولم يسلموا، وذهبوا   باب صلاة الخوف من إضافة الشيء إلى شرطه. وهي جائزة بعده صلى الله عليه وسلم عند الطرفين، خلافاً للثاني. (إذا اشتد الخوف) بحضور عدو يقيناً، قال في الفتح: اشتداده ليس بشرط، بل الشرط حضور عدو أو سبع. اهـ، وفي العناية؛ الاشتداد ليس بشرط عند عامة مشايخنا. اهـ، ومثله خوف وغرق وحرق، قيدنا باليقين لأنهم لو صلوا على ظنه فبان خلافه أعادوا، ثم الأفضل - كما في الفتح - أن يجعلهم الإمام طائفتين ويصلي بإحداهما تمام الصلاة ويصلي بالأخرى إمام آخر، فإن تنازعوا بالصلاة خلفه (جعل الإمام الناس طائفتين) يقيم (طائفة في وجه العدو) للحراسة (وطائفة خلفه) يصلي بهم (فيصلي بهذه الطائفة ركعة وسجدتين) من الصلاة الثنائية كالصبح والمقصورة والجمعة والعيدين (فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية مضت هذه الطائفة) التي صلت معه مشاة (إلى وجه العدو، وجاءت تلك الطائفة) التي كانت في وجه العدو (فيصلي بهم الإمام) ما بقي من صلاته (ركعة وسجدتين وتشهد وسلم) وحده لتمام صلاته (ولم يسلموا) لأنهم مسبوقون (وذهبوا) مشاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 إلى وجه العدو، وجاءت الطائفة الأولى فصلوا وحداناً ركعةً وسجدتين بغير قراءةٍ وتشهدوا وسلموا ومضوا إلى وجه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلوا ركعةً وسجدتين بقراءةٍ وتشهدوا وسلموا، فإن كان الإمام مقيماً صلى بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعتين ويصلي بالطائفة الأولى ركعتين من المغرب وبالثانية ركعةً، ولا يقاتلون في حال الصلاة، فإن فعلوا ذلك بطلت صلاتهم،   أيضاً (إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الأولى) إلى مكانهم الأول إن شاءوا أن يتموا صلاتهم في مكان واحد. وإن شاءوا أتموا في مكانهم تقليلاً للمشي (فصلوا) ما فاتهم (وحداناً ركعة وسجدتين بغير قراءة؛ لأنهم لاحقون، (وتشهدوا وسلموا) ؛ لأنهم فرغوا (ومضوا إلى وجه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى) إن شاءوا أيضاً، أو أتموا في مكانهم (فصلوا) ما سبقوا به (ركعة وسجدتين) بقراءة؛ لأنهم مسبوقون (وتشهدوا وسلموا) ؛ لأنهم فرغوا، قيدنا بمضي المصلين مشاة لأن الركوب يبطلها ككل عمل كثير غير المشي لضرورة القيام بإزاء العدو، (فإن كان الإمام مقيماً صلى بالطائفة الأولى ركعتين) من الرباعية (وب) الطائفة (الثانية ركعتين) تسوية بينهما (ويصلي بالطائفة الأولى ركعتين من المغرب، وبالثانية ركعة) واعلم أنه ورد في صلاة الخوف روايات كثيرة، وأصحها ستة عشر رواية مختلفة، وصلاها النبي صلى الله عليه وسلم أربعاً وعشرين مرة، كذا في شرح المقدسي، وفي المستصفى عن شرح أبي نصر البغدادي أن كل ذلك جائز، والكلام في الأولى، والأقرب من ظاهر القرآن الذي ذكرناه. اهـ. إمداد. (ولا يقاتلون في حال الصلاة) ؛ لعدم الضرورة إليه، (فإن فعلوا ذلك) وكان كثيراً (بطلت صلاتهم) ؛ لمنافاته للصلاة من غير ضرورة إليه، بخلاف المشي؛ فإنه ضرورى لأجل الاصطفاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وإن اشتد الخوف صلوا ركباناً واحداناً يومئون بالركوع والسجود إلى أي جهةٍ شاءوا، إذا لم يقدروا على التوجه إلى القبلة. باب الجنائز. - إذا احتضر الرجل وجه إلى القبلة على شقه الأيمن ولقن الشهادتين، فإذا مات شدوا لحييه، وغمضوا عينيه،   (وإن اشتد الخوف) بحيث لا يدعهم العدو يصلون تاركين بهجومهم عليهم (صلوا ركباناً وحداناً) ؛ لأنه لا يصح الإقتداء لاختلاف المكان (يومئون بالركوع والسجود إلى أي جهة شاءوا إذا لم يقدروا على التوجه إلى القبلة) ؛ لأنه كما سقطت الأركان للضرورة سقط التوجه. باب الجنائز من إضافة الشيء إلى سببه: والجنائز جمع جنازة - بالفتح - اسم للميت وأما بالكسر قاسم للنعش، (إذا احتضر الرجل) : أي حضرته الوفاة، أو ملائكة الموت، وعلامته: استرخاء قدميه، واعوجاج منخره، وانخساف صدغيه (وجه إلى القبلة على شقه الأيمن) هذا هو السنة، والمختار أن يوضع مستلقياً على قفاه نحو القبلة؛ لأنه أيسر لخروج روحه. جوهرة. وإن شق عليه ترك على حاله (ولقن الشهادتين) بذكرهما عنده، ولا يؤمر بهما لئلا يضجر، وإذا قالها مرة كفاه، ولا يعيدها الملقن إلا أن يتكلم بكلام غيرها لتكون آخر كلامه، وأما تلقينه في القبر فمشروع عند أهل السنة؛ لأن الله تعالى يحييه في القبر. جوهرة. وقيل: لا يلقن، وقيل: لا يؤمر به ولا ينهى عنه. (فإذا مات شدوا لحيته) بعصابة من أسفلهما وتربط فوق رأسه (وغمضوا عينيه) تحسيناً له، وينبغي أن يتولى ذلك أرفق أهله به، ويقول: بسم الله، وعلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وإذا أرادوا غسله وضعوه على سريرٍ، وجعلوا على عورته خرقةً، ونزعوا ثيابه، ووضئوه، ولا يمضمض، ولا يستنشق، ثم يفيضون الماء عليه، ويجمر سريره وتراً، ويغلى الماء بالسدر أو بالحرض، فإن لم يكن فالماء القراح، ويغسل رأسه ولحيته بالخطمى، ثم يضجع على شقه الأيسر   ملة رسول الله، اللهم يسر عليه أمره، وسهل عليه ما بعده، وأسعده بلقائك، واجعل ما خرج إليه خيراً مما خرج عنه. ويحضر عنده الطيب، ويخرج من عنده الحائض والنفساء والجنب، ويستحب أن يسارع إلى قضاء ديونه أو إبرائه منها؛ لأن نفس الميت معلقة بدينه حتى يقضى عنه، ويسرع في جهازه. (وإذا أرادوا غسله وضعوه على سرير) لينصب الماء عنه (وجعلوا على عورته خرقة) إقامة لواجب الستر، ويكتفي بستر العورة الغليظة، هو الصحيح تيسيراً. هداية (ونزعوا ثيابه) ليتمكن من التنظيف (ووضئوه) إن كان ممن يؤمر بالصلاة (و) لكن (لا يمضمض ولا يستنشق) للحرج، وقيل: يفعلان بخرقة، وعليه العمل ولو كان جنباً أو حائضاً أو نفساء فعلاً اتفاقاً تتميماً للطهارة. إمداد (ثم يفيضون الماء عليه) اعتباراًً بحالة الحياة (ويجمر) : أي يبخر (سريره وتراً) إخفاء لكريه الرائحة وتعظيماً للميت (ويغلى الماء بالسدر) وهو ورق النبق (أو بالحرض) بضم السكون - الأشنان، إن تيسر ذلك (فإن لم يكن) متيسراً (فالماء القراح) : أي الخالص - كاف، ويسخن إن تيسر؛ لأنه أبلغ في التنظيف (ويغسل رأسه ولحيته بالخطمى) بكسر الخاء وتفتح وتشديد الياء - نبت بالعراق طيب الرائحة يعمل عمل الصابون؛ لأنه أبلغ في استخراج الوسخ، فإن لم يتيسر فالصابون ونحوه، وهذا إذا كان له شعر وإلا لم يحتج إليه. در (ثم يضجع على شقه الأيسر) ليبتدأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 فيغسل بالماء والسدر، حتى يرى أن الماء قد وصل إلى ما يلي التخت منه، ثم يضجع على شقه الأيمن، فيغسل بالماء والسدر حتى يرى أن الماء قد وصل إلى ما يلي التخت منه، ثم يجلسه ويسنده إليه ويمسح بطنه مسحاً رفيقاً، فإن خرج منه شيءٌ غسله ولا يعيد غسله، ثم ينشفه بثوبٍ ويجعله في أكفانه، ويجعل الحنوط على رأسه ولحيته، والكافور على مساجده. والسنة أن يكفن الرجل في ثلاثة أثوابٍ: إزارٍ،   بيمينه (فيغسل بالماء والسدر حتى يرى أن الماء قد وصل إلى ما يلي التخت) بالمعجمة (منه) : أي الميت، وهذه غسلة. (ثم يضجع على شقه الأيمن فيغسل بالماء والسدر) كذلك حتى يرى أن الماء قد وصل إلى ما يلي التخت منه) وهذه الثانية (ثم يجلسه ويسنده إليه) ؛ لئلا يسقط (ويمسح بطنه مسحاً رقيقاً) لتخرج فضلاته (فإن خرج منه شيء غسله لإزالة النجاسة عنه، ولا يعيد غسله ولا وضوءه؛ لأنه ليس بناقض في حقه، وقد حصل المأمور به، ثم يضجع على شقه الأيسر فيصب الماء عليه تثليثاً للغسلات المستوعبات جسده إقامة لسنة التثليث. إمداد. ويصب عليه الماء عند كل إضجاع ثلاث مرات. تنوير (ثم ينشفه في ثوب) لئلا تبتل الأكفان (ويجعله) : أي يضع الميت (لا أكفائه) بأن تبسط اللفافة، ثم الإزار فوقها، ثم يوضع الميت مقمصاً، ثم يعطف عليه الإزار ثم اللفافة (ويجعل الحنوط) بفتح الحاء - عطر مركب من الأشياء الطيبة، ولا بأس بسائر أنواعه غير الزعفران والورس للرجال (على رأسه ولحيته) ندباً (والكافور على مساجده) ؛ لأن التطيب سنة والمساجد أولى بزيادة الكرامة. هداية. وسواء فيه المحرم وغيره فيطيب ويغطى رأسه. تتارخانية. (والسنة أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب: إزار) وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وقميصٍ، ولفافةٍ، فإن اقتصروا على ثوبين جاز، وإذ أرادوا لف اللفافة عليه ابتدءوا بالجانب الأيسر فألقوه عليه، ثم بالأيمن، فإن خافوا أن ينتشر الكفن عنه عقدوه، وتكفن المرأة في خمسة أثوابٍ: إزارٍ، وقميصٍ، وخمارٍ، وخرقةٍ يربط بها ثدياها، ولفافة، فإن اقتصروا على ثلاثة أثوابٍ جاز، ويكون الخمار فوق القميص تحت اللفافة، ويجعل شعرها على صدرها،   للميت مقداره من الفرق إلى القدم، بخلاف إزار الحي فإنه من السرة إلى الركبة (وقميص) من أصل العنق إلى القدمين بلا دخريص ولا كمين (ولفافة) تزيد على ما هو فوق الفرق والقدم ليلف فيها، وتربط من الأعلى والأسفل، ويحسن الكفن، ولا يتعالى فيه، ويكون مما يلبسه في حياته في الجمعة والعيدين، وفضل البياض من القطن (فإن اقتصروا على ثوبين) إزار ولفافة (جاز) وهذا كفن الكفاية، وأما الثوب الواحد فيكره إلا في حالة الضرورة (فإذا أرادوا لف اللفافة عليه ابتدءوا بالجانب الأيسر فألقوه عليه ثم بالأيمن) كما في حالة الحياة (فإن خافوا أن ينتشر الكفن عنه عقدوه) صيانة عن الكشف (وتكفن المرأة) للسنة (في خمسة أثواب: إزار، وقميص) كما تقدم في الرجل (وخمار) لوجهها ورأسها (وخرقة يربط بها ثدياها) وعرضها من الثدي إلى السرة، وقيل: إلى الركبتين (ولفافة، فإن اقتصروا على ثلاثة أثواب) إزار وخمار ولفافة (جاز) : وهذا كفن الكفاية في حقها، ويكره في أقل من ذلك إلا في حالة الضرورة (ويكون الخمار فوق القميص تحت) الإزار و (اللفافة) فتبسط اللفافة، ثم الخرقة فوقها، ثم الإزار فوقهما، ثم توضع المرأة مقصمه (ويجعل شعرها) ضفيرتين (على صدرها) فوق القميص، ثم تخمر بالخمار، ثم يعطف عليها بالإزار، ثم تربط الخرقة فوق الثديين، ثم اللفافة، وفي السراج: قال الخجتدى؛ تربط الخرقة على الثديين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 ولا يسرح شعر الميت ولا لحيته، ولا يقص ظفره، ولا يعقص شعره، وتجمر الأكفان قبل أن يدرج فيها وتراً، فإذا فرغوا منه صلوا عليه، وأولى الناس بالصلاة عليه السلطان إن حضر، فإن لم يحضر فيستحب تقديم إمام الحي ثم الولي، فإن صلى عليه غير الولي والسلطان أعاد الولي، وإن صلى الولي لم يجز لأحدٍ أن يصلي بعده   فوق الأكفان، قال: وقوله "فوق الأكفان" يحتمل أن يكون المراد تحت اللفافة وفوق الإزار والقميص، وهو الظاهر، وفي الكرخي قوله "فوق الكفن" يعني به الأكفان التي تحت اللفافة. اهـ. ومثله في الجوهرة. (ولا يسرح شعر الميت ولا لحيته) ؛ لأنه للزينة، والميت منتقل إلى البلى (ولا يقص ظفره ولا شعره) ؛ لما فيه من قطع جزء منه يحتاج إلى دفنه فلا ينبغي فصله عنه (وتجمر الأكفان قبل أن يدرج فيها وتراً) فالمواضع التي يندب فيها التجمير ثلاثة: عند خروج روحه، وعند غسله، وعند تكفينه ولا يجمر خلفه؛ للنهي عن إتباع الجنازة بصوت أو نار. (فإذا فرغوا منه صلوا عليه) ؛ لأنها فريضة (وأولى الناس بالصلاة عليه: السلطان إن حضر) إلا أن الحق في ذلك للأولياء: لأنهم أقرب إلى الميت، إلا أن السلطان إذا حضر كان أولى منهم بعارض السلطنة وحصول الأزدراء بالتقدم عليه جوهرة (فإن لم يحضر) السلطان فنائبه، فإن لم يحضر (فيستحب تقديم إمام الحي) لأنه رضيه في حياته، فكان أولى بالصلاة عليه في مماته (ثم الولي) بترتيب عصوبة النكاح، إلا الأب فيقدم على الابن اتفاقاً (فإن صلى عليه غير الولي والسلطان) ونائبه (أعاد الولي) ولو على قبره إن شاء؛ لأجل حقه، لا لإسقاط الفرض، ولذا قلنا: ليس لمن صلى عليها أن يعيد مع الولي لأن تكرارها غير مشروع در (وإن صلى الولي لم يجز لأحد أن يصلي) عليه (بعده) ؛ لأن الفرض تأدى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 فإن دفن ولم يصل عليه صلى على قبره. والصلاة: أن يكبر تكبيرةً يحمد الله تعالى عقبيها، ثم يكبر تكبيرةً ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكبر تكبيرةً يدعو فيها لنفسه وللميت وللمسلمين، ثم يكبر تكبيرةً رابعةً ويسلم.   بالأول، والتنفل بها غير مشروع، ولو صلى عليه الولي وللميت أولياء أخر بمنزلته ليس لهم أن يعيدوا؛ لأن ولاية من صلى عليه كمنزلته. جوهرة (فإن دفن ولم يصل عليه صلى على قبره) ما لم يغلب على الظن تفسخه، هو الصحيح؛ لاختلاف الحال والزمان والمكان. هداية. (والصلاة) عليه أربع تكبيرات كل تكبيرة قائمة مقام ركعة، وكيفيتها: (أن يكبر تكبيرة) ويرفع يديه فيها فقط، وبعدها (يحمد الله تعالى عقبيها) : أي يقول: سبحانك اللهم وبحمدك. الخ (ثم يكبر تكبيرة) ثانية (ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم) كما في التشهد (ثم يكبر تكبيرة) ثالثةً (يدعو فيها) : أي بعدها بأمور الآخرة (لنفسه وللميت وللمسلمين) قال في الفتح: ولا توقيف في الدعاء، سوى أنه بأمور الآخرة، وإن دعا بالمأثور فما أحسنه وما أبلغه، ومن المأثور حديث عوف بن مالك أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظ من دعائه (اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلا خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، وعذاب النار) . قال عوف: حتى تمنيت أن أكون ذلك الميت، رواه مسلم والترمذي والنسائي. اهـ. (ثم يكبر تكبيرة رابعة ويسلم) بعدها من غير دعاء، واستحسن بعض المشايخ أن يقول بعدها: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 ولا يصلى على ميتٍ في مسجدٍ جماعةٍ. فإذا حملوه على سريره أخذوا بقوائمه الأربع، ويمشون به مسرعين دون الخبب، فإذا بلغوا إلى قبره كره للناس أن يجلسوا قبل أن يوضع عن أعناق الرجال، ويحفر القبر ويلحد ويدخل الميت مما يلي القبلة،   وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار". جوهرة ولا قراءة (1) ولا تشهد فيها، ولو كبر إمامه أكثر لا يتابعه، ويمكث حتى يسلم معه إذا سلم، هو المختار. هداية. (ولا يصلي) أي يكره تحريماً، وقيل: تنزيهاً، ورجح (على ميت في مسجد جماعة) : أي مسجد الجامع ومسجد المحلة. قهستاني، وكما يكره الصلاة يكره إدخالها فيه، كما نقله العلامة قاسم، وفي مختارات النوازل: سواء كان الميت فيه أو خارجه، هو ظاهر الرواية، وفي رواية: لا يكره إذا كان الميت خارج المسجد. (فإذا حملوه على سريره وأخذوا بقوائمه الأربع) ؛ لما فيه من زيادة الإكرام، ويضع مقدمها على يمينه ويمشي عشر خطوات، ثم مؤخرها كذلك، ثم مقدمها على يساره كذلك، ثم مؤخرها كذلك (ويمشون به مسرعين دون الخبب) : أي العدو السريع؛ لكراهته (فإذا بلغوا إلى قبره كره للناس أن يجلسوا قبل أن توضع) الجنازة (عن أعناق الرجال) ؛ لأنه قد تقع الحاجة إلى التعاون، والقيام أمكن منه. هداية. (ويحفر القبر) مقدار نصف قامة، وإن زاد فحسن؛ لأن فيه صيانة (ويلحد) إن كانت الأرض صلبة، وهو: أن يحفر في جانب القبلة من القبر حفيرة فيوضع فيها الميت، ويشق إن كانت الأرض رخوة، وهو: أن يحفر حفيرة في وسط القبر فيوضع فيها (ويدخل الميت مما يلي القبلة) إن أمكن، وهو: أن توضع الجنازة في جانب القبلة من القبر، ويحمل الميت فيوضع في اللحد فيكون   (1) يرى بعض الأئمة قراء الفاتحة بعد التكبيرة الأولى والحنيفة يقولون لا يقرؤها إلا بنية الثناء قال في الفتح لم تثبت القراءة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي موطأ مالك عن ابن عمر أنه كان لا يقرأ في صلاة الجنازة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 فإذا وضع في لحده قال الذي يضعه: باسم الله وعلى ملة رسول الله، ويوجهه إلى القبلة، ويحل العقدة، ويسوي اللبن عليه، ويكره الآجر والخشب، ولا بأس بالقصب ثم يهال التراب عليه، ويسنم القبر ولا يصطح، ومن استهل بعد الولادة   الآخذ له مستقبل القبلة، وهذا إذا لم يخش على القبر أن ينهار، وإلا فيسل من قبل رأسه أو رجليه. (فإذا وضع في لحده قال الذي يضعه) فيه: (باسم الله وعلى ملة رسول الله) ، صلى الله عليه وسلم (ويوجه إلى القبلة) على جنبه الأيمن (ويحل العقدة) ؛ لأنها كانت لخوف الانتشار (ويسوى اللبن) بكسر الباء - جمع لبنة بوزن كلمة: الطوب النيء (عليه) : أي اللحد، بأن يسد من جهة القبر ويقام اللبن فيه اتقاء لوجهه عن التراب (ويكره الآجر) بالمد: الطوب المحرق (والخشب) ؛ لأنهما لإحكام البناء، وهو لا يليق بالميت؛ لأن القبر موضع البلى. وفي الإمداد: وقال بعض مشايخنا: إنما يكره الآجر إذا أريد به الزينة، أما إذا أريد به دفع أذى السباع أو شيء آخر لا يكره. اهـ (ولا بأس بالقصب) مع اللبن، قال في الحلية: وتسد الفرج التي بين اللبن بالمدر والقصب كيلا ينزل التراب منها على الميت، ونصوا على استحباب القصب فيها كالبن. اهـ. (ثم يهال التراب عليه) ستراً له وصيانة (ويسنم القبر) ؛ أي يجعل ترابه مرتفعاً عليه مثل سنام البعير، مقدار شبر ونحوه، وتكره الزيادة على التراب الذي خرج منه (ولا يسطح) للنهي عنه، ولا يجصص ولا يطين، ولا يرفع عليه بناء، وقيل: لا بأس به، وهو المختار. تنوير، ولا بأس بالكتابة إن احتيج إليها حتى لا يذهب الأثر ولا يمتهن. سراجية. (ومن استهل) بالبناء للفاعل - أي وجد منه ما يدل على حياته من صراخ أو عطاس أو تثاؤب أو نحو ذلك مما يدل على الحياة المستقرة (بعد الولادة) أو خروج أكثره، والعبرة بالصدر إن نزل مستقيماً برأسه، وبسرته إن نزل منكوساً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 سمى وغسل وصلى عليه، وإن لم يستهل أدرج في خرقةٍ ولم يصل عليه. باب الشهيد. - الشهيد: من قتله المشركون أو وجد في المعركة وبه أثر الجراحة، أو قتله المسلمون ظلماً ولم تجب بقتله ديةٌ،   (سمى وغسل) وكفن (وصلى عليه) ويرث ويورث، (وإن لم يستهل) غسل في المختار. هداية. و (أدرج في خرقة ولم يصل عليه) وكذا يغسل السقط الذي لم يتم خلقه في المختار، كما في الفتح والدراية، ويسمى كما ذكره الطحاوي عن أبي يوسف، كذا في التبيين. باب الشهيد فعيل بمعنى مفعول؛ لأنه مشهود له بالجنة. أو تشهد موته الملائكة، أو فاعل؛ لأنه حي عند ربه، فهو شاهد. (الشهيد) الذي له الأحكام الآتية: (من قتله المشركون) بأي آلة كانت، مباشرة أو تسبباً منهم، كما لو اضطروهم حتى ألقوه في نار أو ماء، أو نفروا دابة فصدمت مسلماً، أو رموا نيراناً فذهبت بها الريح إلى المسلمين، أو أرسلوا ماء فغرقوا به؛ لأنه مضاف إلى العدو. فتح (أو وجد في المعركة) سواء كانت معركة أهل الحرب أو البغى أو قطاع الطريق (وبه أثر) كجرح وكسر وحرق وخروج دم من أذن أو عين، لا فم وأنف ومخرج (أو قتله المسلمون ظلماً ولم تجب بقتله دية) : أي ابتداء، حتى لو وجبت بعارض كالصلح وقتل الأب ابنه لا تسقط الشهادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 فيكفن ويصلى عليه، ولا يغسل، وإذا استشهد الجنب غسل عند أبي حنيفة، وكذلك الصبي. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يغسلان، ولا يغسل عن الشهيد دمه، ولا ينزع عنه ثيابه، وينزع عنه الفرو والخف والحشو والسلاح، ومن ارتث غسل. والارتثات: أن يأكل أو يشرب أو يداوى أو يبقى حياً حتى يمضي عليه وقت صلاةٍ وهو يعقل، أو ينقل من المعركة حياً، ومن قتل في حد أو قصاص غسل وصلى عليه،   إذا عرف ذلك وأريد تجهيزه (فيكفن) بثيابه (ويصلى عليه ولا يغسل) إذا كان مكماً طاهراً، افاقاً (و) أما (إذا استشهد الجنب) وكذا الحائض والنفساء (غسل عند أبي حنيفة، وكذلك الصبي) والمجنون (وقالا: لا يغسلان) قال في التصحيح: ورجح دليله في الشروح، وهو المعول عليه عند النسفي، والمفتى به عند المحبوبي. اهـ. (ولا يغسل عن الشهيد دمه، ولا ينزع عنه ثيابه) لحديث: (زملوهم بدمائهم) ، (و) لكن (ينزع عنه الفرو والخف والحشو والسلاح) وكل ما لا يصلح للكفن، ويزيدون وينقصون في ثيابه إتماماً لكفن المنة. (ومن ارتث) بالبناء المجهول -: أي أبطأ موته عن جرحه (غسل) ؛ لانقطاع حكم شهادة الدنيا عنه، وإن كان من شهداء الآخرة (والارتثاث) القاطع لحكم الشهادة: (أن يأكل أو يشرب) أو ينام (أو يتداوى أو يتق حياً حتى يمضي عليه وقت صلاة وهو يعقل) ويقدر على أدائها (أو ينقل من المعركة) وهو يعقل؛ إلا لخوف وطء الخيل. (ومن قتل في حد أو قصاص غسل) وكفن (وصلى عليه) ؛ لأنه لم يقتل ظلماً، وإنما قتل بحق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 ومن قتل من البغاة أو قطاع الطريق لم يصل عليه. باب الصلاة في الكعبة وحولها. - الصلاة في الكعبة جائزةٌ فرضها ونفلها، فإن صلى الإمام بجماعةٍ فجعل بعضهم ظهر الإمام جاز، ومن جعل منهم ظهره إلى وجه الإمام لم تجز صلاته، وإذا صلى الإمام في المسجد الحرام تحلق الناس حول الكعبة وصلوا بصلاة الإمام،   (ومن قتل من البغاة) وهم: الخارجون عن طاعة الإمام، كما يأتي (أو قطاع الطريق) حالة المحاربة (لم يصل عليه) ولم يغسل، وقيل: يغسل ولم يصل عليه؛ للفرق بينه وبين الشهيد، قيدنا بحالة المحاربة لأنه إذا قتل بعد ثبوت يد الإمام فإنه يغسل ويصلى عليه، وهذا تفصيل حسن أخذ به الكبار من المشايخ. زيلعي. باب الصلاة في الكعبة وحولها (الصلاة في الكعبة جائزة فرضها ونفلها؛ فإن صلى الإمام) فيها (بجماعة) معه (فجعل بعضهم ظهره إلى ظهر الإمام) أو جنبه، أو جعل وجهه إلى ظهر الإمام أو جنبه أو جعل جنبه إلى وجه الإمام أو جنبه متوجهاً إلى غير جهته، أو جعل وجهه إلى وجه الإمام - (جاز) الاقتداء في الصور السبع المذكورة، إلا أنه يكره أن يقابل وجه الإمام بلا حائل، وكل جانب قبلة، والتقدم والتأخر إنما يظهر عند اتحاد الجهة، ولذا قال؛ (ومن جعل منهم ظهره إلى وجه الإمام لم تجز صلاته) : أي لتقدمه على الإمام (فإن صلى الإمام) خارجها (في) داخل (المسجد الحرام تحلق) بدون الواو على ما في أكثر النسخ جواب "إن" وفي بعضها (وتحلق الناس حول الكعبة) قال في الجوهرة: إن كان بالواو فهو من صورة المسألة وجوابها "فمن كان" وإن كان بدون الواو فهو جواب إن، ويكون قوله (وصلوا بصلاة الإمام) بياناً للجواز، وقوله "فمن كان" للاستئناف. اه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 فمن كان منهم أقرب إلى الكعبة من الإمام جازت صلاته إذا لم يكن في جانب الإمام، ومن صلى على ظهر الكعبة جازت صلاته. كتاب الزكاة (1) - الزكاة واجبةٌ على الحر المسلم البالغ العاقل إذا ملك نصاباً   (فمن كان منهم أقرب إلى الكعبة من الإمام جازت صلاته إذا لم يكن في جانب الإمام) ؛ لأن التقدم والتأخر إنما يظهر عند اتحاد الجانب، وفي الدر: ولو وقف مستامتاً لركن في جانب الإمام وكان أقرب لم أره، وينبغي الفساد احتياطاً؛ لترجيح جهة الإمام. اهـ. (ومن صلى على ظهر الكعبة) ولو بلا سترة (جازت صلاته) إلا أنه يكره لما فيه من ترك التعظيم ولورود النهي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. هداية. كتاب الزكاة قرنها بالصلاة اقتداء بالقرآن العظيم، والأحاديث الواردة عن النبي عليه الصلاة والتسليم. (الزكاة) لغة: الطهارة والنماء، وشرعاً: تمليك جزء مخصوص من مال مخصوص لشخص مخصوث لله تعالى. وهي (واجبة) والمراد بالوجوب الفرض: لأنه لا شبهة فيه. هداية. (على الحر المسلم البالغ العاقل إذا ملك نصاباً) فارغاً عن دين له مطالب وعن حاجته   (1) الزكاة فريضة محكمة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة وسببها المال النامي وشرطها الإسلام والحرية والبلوغ والعقل والخلو من الدين وصفتها الفرضية وحكمها الخروج عن عهدة الكليف في الدنيا والنجاة من العقاب والوصول إلى الثواب في الآخرة وكثير من المسلمين اليوم يتهاونون في هذه الشعيرة الكريمة مع أنها أعظم مزايا الإسلام والأدلة على أنه دين الحق والإنصاف فإنها مع غيرها من وسائل التكافل تقرب بين بعض الطبقات وبعض وتغرس في قلوبهم الألفة والحب وتدفع الحسد والحقد من النفوس وفق الله المسلمين للعمل بدينهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 ملكاً تاماً وحال عليه الحول؛ وليس على صبيٍ ولا مجنونٍ ولا مكاتبٍ زكاةٌ، ومن كان عليه دينٌ يحيط بماله فلا زكاة عليه، وإن كان ماله أكثر من الدين زكى الفاضل إذا بلغ نصاباً، وليس في دورٍ السكنى، وثياب البدن، وأثاث المنازل، ودواب الركوب، وعبيد الخدمة، وسلاح الاستعمال - زكاةٌ، ولا يجوز أداء الزكاة إلا بنيةٍ مقارنةٍ للأداء أو مقارنةٍ لعزل مقدار الواجب.   الأصلية نامياً ولو تقديراً (ملكاً تاماً وحال عليه الحول) ثم أخذ يصرح بمفهوم القيود المذكورة بقوله: (وليس على صبي ولا مجنون) ؛ لأنهما غير مخاطبين بأداء العبادة كالصلاة والصوم (ولا مكاتب زكاة) ؛ لعدم الملك التام (ومن كان عليه دين يحيط بماله) أو يبقى منه دون نصاب (فلا زكاة عليه) ؛ لأنه مشغول بحاجته الأصلية فاعتبر معدوماً كالماء المستحق بالعيش. هداية. وإن كان ماله أكثر من الدين زكى الفاضل إذا بلغ نصاباً) لفراغه عن الحاجة (وليس في دور السكنى وثياب البدن وأثاث المنزل ودواب الركوب وعبيد الخدمة وسلاح الاستعمال زكاة) ؛ لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية، وليست بنامية أصلاً، وعلى هذا كتب العلم لأهلها وآلات المحترفين؛ لما قلنا. هداية. أقول: وكذا لغير أهلها إذا لم ينو بها التجارة؛ لأنها غير نامية، غير أن الأهل له أخذ الزكاة وإن ساوت نصاباً، وغيره لا، كما في الدر. (ولا يجوز أداء الزكاة إلا بنية مقارنة للأداء) ولو حكماً، كما لو دفع بلا نية در. (أو مقارنة لعزل مقدار الواجب) ؛ لأن الزكاة عبادة وكان من شرطها النية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 ومن تصدق بجميع ماله ولم ينو الزكاة سقط فرضها عنه. باب زكاة الإبل. - ليس في أقل من خمس ذودٍ من الإبل صدقةٌ فإذا بلغت خمساً سائمةً وحال عليها الحول ففيها شاةٌ إلى تسعٍ، فإذا كانت عشراً ففيها شاتان إلى أربع عشرة، فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه إلى تسع عشرة فإذا كانت عشرين ففيها أربع شياهٍ   والأصل فيها الاقتران، إلا أن الدفع يتفرق، فاكتفى بوجودها حالة العزل تيسيراً، كتقديم النية في الصوم. هداية. (ومن تصدق بجميع ماله) و (لا ينوي) به (الزكاة سقط فرضها عنه) استحساناً، لأن الواجب جزء منه فكان متعيناً فيه، فلا حاجة إلى التعيين، هداية. باب زكاة الإبل بدأ بزكاة المواشي وبالإبل منها اقتداء يكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم. (ليس في أقل من خمس) بالتنوين و (ذود من الإبل) بدل منه. ويقال "خمس ذود" بالإضافة كما في قوله تعالى (1) : {تسعة رهط} وهو من الإبل: من الثلاث إلى التسع (صدقة) لعدم بلوغ النصاب (فإذا بلغت خمسا سائمة) وهي المكتفية بالرعي المباح أكثر العام لقصد الدر والنسل (وحال عليها الحول ففيها شاة) ثنى ذكر أو أنثى، والثني من الغنم: ما تم له حول، ولا يجوز الجذع (2) في الزكاة، ويجوز في الأضحية (إلى تسع، فإذا كانت عشراً ففيها شاتان، إلى أربع عشرة فيها ثلاثق شياه، إلى تسع عشرة، فإذا كانت عشرين ففيها أربع شياه،   (1) من الآية 48 من سورة النمل. (2) الجذع من الغنم - بفتح الجيم والذال جميعا - هنا: الصغير الذي لم يستتم سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 إلى أربعٍ وعشرين، فإذا كانت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاضٍ إلى خمسٍ وثلاثين، فإذا كانت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبونٍ، إلى خمسٍ وأربعين، فإذا كانت ستاً وأربعين ففيها حقةٌ إلى ستين، فإذا كانت وستين ففيها جذعةٌ إلى خمس وسبعين، فإذا كانت ستاً وسبعين ففيها بنتا لبونٍ إلى تسعين، فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى مائةٍ وعشرين؛ ثم تستأنف الفريضة، فيكون في الخمس شاةٌ مع الحقتين، وفي العشر شاتان، وفي الخمس عشرة ثلاث شياهٍ، وفي عشرين أربع شياهٍ، وفي خمس وعشرين بنت مخاضٍ، إلى مائةٍ وخمسين فيكون فيها ثلاث حقاقٍ؛ ثم تستأنف الفريضة، فيكون في الخمس شاةٌ،   إلى أربع وعشرين، فإذا كانت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض) وهي: التي طعنت في السنة الثانية (إلى خمس وثلاثين، فإذا كانت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون) وهي: التي طعنت في الثالثة (إلى خمس وأربعين، فإذا كانت ستاً وأربعين ففيها حقه) وهي: التي طعنت في الرابعة (إلى خمس وسبعين، فإذا كانت ستاً وسبعين، ففيها بنتا لبون، إلى تسعين، فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقتان، إلى مائة وعشرين) بهذا اشتهرت كتب الصدقات من رسول الله صلى الله عليه وسلم. هداية. (ثم) إذا زادت على ذلك (تستأنف الفريضة، فيكون في الخمس شاة مع الحقتين، وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض) مع الحقتين (إلى مائة وخمسين فيكون فيها ثلاث حقاق، ثم) إذا زادت (تستأنف الفريضة) أيضاً (ففي الخمس شاة) مع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياهٍ، وفي خمسٍ وعشرين بنت مخاضٍ، وفي ست وثلاثين بنت لبونٍ، فإذا بلغت مائةً وستاً وتسعين ففيها أربع حقاقٍ إلى مائتين، ثم تستأنف الفريضة أبداً كما استؤنفت في الخمسين التي بعد المائة والخمسين، والبخت والعراب سواءٌ (1) .   ثلاث حقاق (وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض، وفي ست وثلاثين بنت لبون، فإذا بلغت مائة وستاً وتسعين ففيها أربع حقاق، إلى مائتين، ثم تستأنف الفريضة أبداً كما تستأنف في الخمسين التي بعد المائة والخمسين) حتى يجب في كل خمسين حقة ولا تجزئ ذكور الإبل إلا بالقيمة للإناث، بخلاف البقر والغنم، فإن المالك مخير كما يأتي. (والبخت) جمع البختى، وهو: المتولد بين العربي والعجمي، منسوب إلى بخت نصر (والعراب) بالكسر - جمع عربي (سواء) في النصاب والوجوب، لأن اسم الإبل يتناولهما.   (1) وقد اشتهرت كتب الصدقات من رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ذلك الوجه المذكور وفيها كتاب الصديق لأنس بن مالك رواه البخاري وفرقه في عدة أبواب ومنه كتاب عمرو بن حزم وغيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 باب صدقة البقر. - ليس في أقل من ثلاثين من البقر صدقةٌ، فإذا كانت ثلاثين سائمةً وحال عليها الحول ففيها تبيعٌ أو تبيعةٌ، وفي أربعين مسنةٌ أو مسنٌ، فإذا زادت على الأربعين وجب في الزيادة بقدر ذلك إلى ستين عند أبي حنيفة ففي الواحدة ربع عشر مسنةٍ، وفي الاثنين نصف عشر مسنةٍ، وفي الثلاثة ثلاثة أرباع عشر مسنةٍ، وفي الأربع عشر مسنةٍ، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا شيء في الزيادة حتى تبلغ ستين فيكون فيها تبيعان أو تبيعتان،   باب صدقة البقر (ليس في أقل من ثلاثين من البقر صدقة) لعدم بلوغ النصاب (فإذا كانت ثلاثين سائمة) كما تقدم (وحال عليها الحول ففيها تبيع) وهو ذو سنة كاملة (أو تبيعة) وسمى تبيعاً لأنه يتبع أمه، (وفي أربعين مسنة أو مسن) وهو ذو سنتين كاملتين (فإذا زادت على الأربعين وجب في الزيادة بقدر ذلك إلى ستين) وذلك (عند أبي حنيفة ففي الواحد ربع عشر مسنة، وفي الاثنين نصف عشر مسنة، وفي الثلاثة أرباع عشر مسنة، وفي الأربع عشر مسنة) قال في التصحيح: هذه رواية الأصل، ورجح صاحب الهداية وجهها، واعتمده النسفي والمحبوبي تبعاً لصاحب الهداية (وقالا: لا شيء في الزيادة) على الأربعين (حتى تبلغ) إلى (ستين فيكون فيها تبيعان أو تبيعتان) ، قال في التصحيح: روى أسد بن عمرو عن أبي حنيفة مثل قولهما، قال في التحفة: وهذه الرواية أعدل، وقال الإسبيجاني: وهذا أعدل الأقاويل، وعليه الفتوى. اهـ. ومثله في البحر عن الينابيع، وفي جوامع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وفي سبعين مسنةٌ وتبيعٌ، وفي ثمانين مسنتان، وفي تسعين ثلاثة أتبعةٍ، وفي مائة تبيعان ومسنةٌ، وعلى هذا يتغير الفرض في كل عشرةٍ من تبيعٍ إلى مسنةٍ، والجواميس والبقر سواءٌ. باب صدقة الغنم. - ليس في أقل من أربعين شاةً صدقةٌ، فإذا كانت أربعين سائمةً وحال عليها الحول ففيها شاةٌ إلى مائةٍ وعشرين، فإذا زادت واحدةً ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدةً ففيها ثلاث شياهٍ، فإذا بلغت أربعمائةٍ ففيها أربع شياهٍ، ثم في كل مائةٍ شاةٌ،   الفقه: قولهما هو المختار، (وفي سبعين مسنة وتبيع، وفي ثمانين مسنتان، وفي تسعين ثلاثة أتبعة، وفي مائة تبيعان ومسنة، وعلى هذا) المنوال (يتغير الفرض في كل عشرة من تبيع إلى مسنة) بهذا المثال. (والجواميس والبقر سواء) لاتحاد الجنسية؛ إذ هو نوع منه، وإنما لم يحنث بأكل الجاموس إذا حلف لا يأكل لحم البقر لعدم العرف. باب صدقة الغنم (ليس في أقل من أربعين شاة صدقة) لعدم بلوغ النصاب (فإذا كانت أربعين سائمة) كما تقدم (وحلل عليها الحول ففيها شاة) ثنى ذكر أو أنثى (إلى مائة وعشرين فإذا زادت) المائة والعشرون (واحدة ففيها شاتان، إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه) إلى ثلاثمائة وتسعة وتسعين (فإذا بلغت أربعمائة ففيها أربع شياه ثم في كل مائة شاة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 والضأن والمعز سواءٌ. باب زكاة الخيل. - إذا كانت الخيل سائمةً ذكوراً وإناثاً فصاحبها بالخيار: إن شاء أعطى عن كل فرسٍ ديناراً، وإن شاء قومها وأعطى عن كل مائتي درهمٍ خمسة دراهم، وليس في ذكورها منفردةً زكاةٌ، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا زكاة في الخيل،   (والضأن والمعز سواء) في النصاب، والوجوب، وأداء الواجب، ولا يؤخذ إلى الثنى وهو ما تمت له سنة كما تقدم. باب زكاة الخيل إنما أخرها للاختلاف في وجوب الزكاة فيها، قال أبو حنيفة: (إذا كانت الخيل سائمة) كما تقدم، وكانت (ذكوراً وإناثاً) أو إناثاً فقط (فصاحبها بالخيار: إن شاء أعطى عن كل فرس ديناراً، وإن شاء قومها وأعطى من كل مائتي درهم خمسة دراهم) بمنزلة عروض التجارة (وليس في ذكورها منفردة زكاة) اتفاقاً، ولم يقيد بنصاب إشارة إلى أن الأصح أنها لا نصاب لها؛ لعدم النقل (وقالا: لا زكاة في الخيل) قال في التصحيح: قال الطحاوي: هذا أحب القولين إلينا، ورجحه القاضي أبو زيد في الأسرار، وقال في الينابيع: وعليه الفتوى، وقال في الجواهر: والفتوى على قولهما، وقال في الكافي: هو المختار للفتوى، وتبعه شارح الكنز والزازي في فتاواه تبعا لصاحب الخلاصة، وقال قاضيخان: قالوا الفتوى على قولهما، وقال الإمام أبو منصور في التحفة: الصحيح قول أبي حنيفة، ورجحه الإمام السرخسي في المبسوط، والقدوري في التجريد، وأجاب عما عساه يورد على دليله، وصاحب البدائع، وصاحب الهداية وهذا أقوى حجة على ما يشهد به التجريد للقدوري والمبسوط للسرخسي وشرح شيخنا للهداية، والله أعلم. اه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 ولا في شيء من البغال والحمير إلا أن تكون للتجارة، وليس في الفصلان والحملان والعجاجيل صدقةٌ عند أبي حنيفة ومحمدٍ إلا أن يكون معها كبارٌ، وقال أبو يوسف. فيها واحدةٌ منها، ومن وجب عليه سنٌ فلم توجد عنده أخذ المصدق أعلى منها ورد الفضل، أو أخذ دونها وأخذ الفضل. ويجوز دفع القيمة في الزكاة.   (ولا شيء في البغال والحمير) إجماعاً (إلا أن تكون للتجارة) لأنها تصير من العروض. (وليس في الفصلان) بضم الفاء - جمع فصيل، وهو: ولد الناقة إذا فصل من أمه ولم يبلغ الحول (والحملان) بضم الحاء - جمع حمل، بفتحتين، وهر: ولد الضأن في السنة الأولى (والعجاجيل) جمع عجول - بوزن سنور - ولد البقر (صدقة عند أبي حنيفة ومحمد، إلا أن يكون معها كبار) ولو واحداً، ويجب ذلك الواحد كما في الدر (وقال أبو يوسف) : يجب (فيها واحد منها) ورجح الأول. (ومن وجب عليه سن فلم توجد) عنده (أخذ المصدق) : أي العامل (أعلى منها ورد الفضل، أو أخذ دونها وأخذ الفضل) إلا أن في الوجه الأول له أن لا يأخذ ويطلب بعين الواجب أو بقيمته؛ لأنه شراء، وفي الوجه الثاني يجبر؛ لأنه لا بيع فيه، بل هو إعطاء بالقيمة. (ويجوز دفع القيمة في الزكاة) وكذا في العشر والخراج والفطرة والنذر والكفارة غير الإعتاق، وتعتبر القيمة يوم الوجوب عند الإمام، وقالا: يوم الأداء، وفي السوائم يوم الأداء إجماعا، ويقوم في البلد الذي المال فيه، ولو في مفازة ففي أقرب الأمصار إليه. فتح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وليس في العوامل والعلوفة صدقةٌ، ولا يأخذ المصدق خيار المال ولا رذالته ويأخذ الوسط منه، ومن كان له نصابٌ فاستفاد في أثناء الحول من جنسه ضمه إلى ماله وزكاه به، والسائمة هي: التي تكتفي بالرعي في أكثر حولها، فإن علفها نصف الحول أو أكثر فلا زكاة فيها. والزكاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف في النصاب دون العفو. وقال محمدٌ: فيهما،   (وليس في العوامل) أي المعدات لو أسيمت لأنها من الحوائج الأصلية (والعلوفة) : أي التي يعلفها صاحبها نصف حول فأكثر ولو للدر والنسل (صدقة) ؛ لأن الوجوب بالنمو، وهو بالإسامة أو الإعداد للتجارة، ولم يوجد. (ولا يأخذ المصدق خيار المال ولا رذالته) : أي رديئه (و) إنما (يأخذ الوسط منه) نظراً للجانبين، لأن في أخذ الخيار إضراراً بأصحاب الأموال؛ وفي رذالته إضراراً بالفقراء. (ومن كان له نصاب فاستفاد في أثناء الحول من جنسه) سواء كان من نمائه أو لا كهبة وإرث (ضمه إليه) : أي إلى النصاب (وزكاه به) : أي معه، وإن لم يكن من جنسه لا يضم إتفاقاً. (والسائمة) التي يجب فيها الزكاة (وهي التي تكتفي بالرعي) بكسر الراء - الكلأ (في أكثر حولها) ؛ لأن أصحاب السوائم قد لا يجدون بداً من أن يعلفوا سوائمهم في بعض الأوقات، فجعل الأقل تبعاً للأكثر (فإن علفها نصف الحول أو أكثر فلا زكاة فيها) لزيادة المؤنة فينعدم النماء فيها معنى. (والزكاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف) تجب (في النصاب دون العفو) وهو ما بين الفريضتين (وقال محمد) وزفر: (فيهما) وفائدته فيما إذا هلك العفو وفي النصاب، فيبقى كل الواجب عند الشيخين، ويسقط بقدر الهالك عند التلميذين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وإذا هلك المال بعد وجوب الزكاة سقطت، فإن قدم الزكاة على الحول، وهو مالكٌ للنصاب جاز. باب زكاة الفضة. - ليس فيما دون مائتي درهمٍ صدقةٌ، فإذا كانت مائتي درهمٍ وحال عليها الحول ففيها خمسةٌ دراهم، ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ أربعين درهماً فيكون فيها درهمٌ، ثم في كل أربعين درهما درهمٌ،   (وإذا هلك المال بعد وجوب الزكاة) ولو بعد منع الساعي في الأصح. نهاية (سقطت) عنه الزكاة، لتعلقها بالعين دون الذمة، وإذا هلك بعضه سقط حظه، قيد بالهلاك لأن الاستهلاك لا يسقطها، لأنها بعد الوجوب بمنزلة الأمانة، فإذا استهلكها ضمنها كالوديعة (وإن قدم الزكاة على الحول، وهو مالك للنصاب جاز) وجاز أيضاً لأكثر من سنة، لوجود مسبب، وهو ملك النصاب. باب زكاة الفضة قدمها على الذهب لأنها أكثر تداولاً فيما بين الناس. (ليس فيما دون مائتي درهم صدقة) ، لعدم بلوغ النصاب (فإن كانت مائتي درهم شرعي زنة كل درهم أربعة عشر قيراطا، والقيراط: خمس شعيرات، فيكون الدرهم الشرعي سبعين شعيرة (وحال عليها الحول ففيها) ربع العشر (خمسة دراهم، ولا شيء في الزيادة) على المائتين (حتى تبلغ) الزيادة (أربعين درهما فيكون فيها درهم؛ ثم في كل أربعين درهما درهم) ولا شيء فيما بينهما؛ وهذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وقال أبو يوسف ومحمدٌ: ما زاد على المائتين فزكاته بحسابه، وإذا كان الغالب على الورق الفضة فهي في حكم الفضة، وإن كان الغالب عليها الغش فهي في حكم العروض، ويعتبر أن تبلغ قيمتها نصاباً. باب زكاة الذهب. - ليس فيما دون عشرين مثقالاً من الذهب صدقةٌ، فإذا   عند أبي حنيفة (وقالا: ما زاد على المائتين فزكاته بحسابه) قال في التصحيح: قال في التحفة وزاد الفقهاء: الصحيح قول أبي حنيفة، ومشى عليه النسفي وبرهان الشريعة. اهـ. (وإذا كان الغالب على الورق) وهي الدراهم المضروبة، وكذا الرقة، بالتخفيف صحاح (الفضة فهي في حكم الفضة) الخالصة، لأن الدراهم لا يخلو عن قليل غش، لأنها لا تنطبع إلا به، وتخلو عن الكثير، فجعلنا الغلبة فاصلة - وهو أن يزيد على النصف - اعتباراً للحقيقة. هداية. ومثله في الإيضاح عن الجامع الكبير وإذا كان الغالب عليها الغش فهي في حكم العروض، ويعتبر أن تبلغ قيمتها نصاباً) ولابد فيها من نية التجارة كسائر العروض، إلا إذا كان يخلص منها فضة تبلغ نصاباً، لأنه لا تعتبر في عين الفضة القيمة ولا نية التجارة. هداية. واختلف في المساوى والمختار لزومها احتياطاً. خانية. باب زكاة الذهب (ليس فيما دون عشرين مثقالاً من الذهب صدقة) لانعدام النصاب (فإذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 كانت عشرين مثقالاً وحال عليها الحول ففيها نصف مثقالٍ، ثم في كل أربعة مثاقيل قيراطان، وليس فيما دون أربعة مثاقيل صدقةٌ عند أبي حنيفة، وفي تبر الذهب والفضة وحليهما والآنية منهما الزكاة. باب زكاة العروض. - الزكاة واجبةٌ في عروض التجارة كائنةً ما كانت إذا بلغت قيمتها نصاباً من الذهب أو الورق، يقومها بما هو أنفع للفقراء   كانت عشرين مثقالاً) شرعياً زنة كل مثقال عشرون قيراطاً فيكون المثقال الشرعي مائة شعيرة فهو درهم وثلاثة أسباع درهم (وحال عليها الحول ففيها) ربع العشر، وهو (نصف مثقال، ثم في كل أربعة مثاقيل قيراطان، وليس فيما دون أربعة مثاقيل صدقة عند أبي حنيفة) خلافاً لهما، كما تقدم. (وفي تبر الذهب والفضة) وهو غير المضروب منهما. مغرب (وحليهما) سواء كان مباح الاستعمال أو لا (والآنية منهما الزكاة) لأنهما خلقا أثماناً، فتجب وكاتهما كيف كانا. باب زكاة العروض وهو ما سوى النقدين، وأخرها عنهما لأنها تقوم بهما. (الزكاة واجبة في عروض التجارة، كائنة ما كانت) : أي كائنة أي شيء، يعني سواء كانت من جنس ما تجب فيه الزكاة كالسوائم، أو غيرها كالثياب (إذا بلغت قيمتها نصاباً من الورق أو الذهب، يقومها) صاحبها (بما هو أنفع للفقراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 والمساكين منهما وإذا كان النصاب كاملاً في طرفي الحول فنقصانه فيما بين ذلك لا يسقط الزكاة، وتضم قيمة العروض إلى الذهب والفضة، وكذلك يضم الذهب إلى الفضة بالقيمة حتى يتم النصاب عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يضم الذهب إلى الفضة بالقيمة ويضم بالأجزاء.   والمساكين منهما) : أي النصابين؛ احتياطاً لحق الفقراء، حتى لو وجبت الزكاة إن قومت بأحدهما دون الآخر قومت بما تجب فيه دون الآخر (وإذا كان النصاب) كاملا (في طرفي الحول) : في الابتداء للانعقاد وتحقق الغناء، وفي الانتهاء للوجوب (فنقصانه) حالة البقاء (فيما بين ذلك لا يسقط الزكاة) قيد بالنقصان لأنه لو هلك كله بطل الحول. (وتضم قيمة العروض) التي للتجارة (إلى الذهب والفضة) للمجانسة من حيث الثمينة، لأن القيمة من جنس الدراهم والدنانير (وكذلك يضم الذهب إلى الفضة) لجامع الثمينة (بالقيمة؛ حتى يتم النصاب عند أبي حنيفة) ، لأن الضم لما كان واجباً كان اعتبار القيمة أولى كما في عروض التجارة (وقالا: لا يضم الذهب إلى الفضة بالقيمة و) إنما (يضم) أحدهما للآخر (بالأجزاء) ؛ لأن المعتبر فيهما القدر، دون القيمة؛ حتى لا تجب الزكاة في مصوغ وزنه أقل من مائتين وقيمته فوقها، قال في التصحيح؛ ورحج قول الإمام الإسبيجاني الزوزني، وعليه مشى النسفي وبرهان الشريعة وصدر الشريعة، وقال في التحفة؛ قوله أنفع للفقراء وأحوط في باب العبادات. اه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 باب زكاة الزروع والثمار. - قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: في قليل ما أخرجته الأرض وكثيره العشر، سواءٌ سقى سيحاً أو سقته السماء إلا الحطب والقصب والحشيش. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يجب العشر إلا فيما له ثمرةٌ باقيةٌ إذا بلغ خمسة أوسقٍ، والوسق. ستون صاعاً   باب زكاة الزروع والثمار المراد بالزكاة هنا العشر؛ وتسميته زكاة باعتبار مصرفه. (قال أبو حنيفة: في قليل ما أخرجته الأرض وكثيره العشر، سواء سقي سيحاً) وهو الماء الجاري كنهر وعين (أو سقته السماء) : أي المطر (إلا الحطب والقصب) الفارسي (والحشيش) وكل ما لا يقصد به استغلال الأرض ويكون في أطرافها، أما إذا اتخذ أرضه مقصبة أو مشجرة أو منبتا للحشيش وساق إليه الماء ومنع الناس عنه يجب فيه العشر. جوهرة. وأطلق الوجوب فيما أخرجته الأرض لعدم اشتراط الحول؛ لأنه فيه معنى المؤنة، ولذا كان للإمام أخذه جبراً، ويؤخذ من البركة، ويجب مع الدين، وفي أرض الصغير والمجنون والمكاتب والمأذون والوقف (وقالا: لا يجب العشر إلا فيما له ثمرة باقية) ؛ أي تبقى حولا من غير تكلف ولا معالجة كالحنطة والشعير والتمر والزبيب ونحو ذلك (1) (إذا بلغ) نصابا (خمسة أوسق) جمع وسق (والوسق) مقدار مخصوص، وهو (ستون صاعاً   (1) وهذا بخلاف ما يحتاج إلى معالجة كالعنب فإنه يحتاج إلى يعلقه والبطيخ الصيفي فإنه يحتاج كما قالوا إلى التقليد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وليس في الخضروات عندهما عشرٌ، وما سقى بغربٍ أو داليةٍ أو سانيةٍ ففيه نصف العشر في القولين، وقال أبو يوسف فيما لا يوسق كالزعفران والقطن. يجب فيه العشر إذا بلغت قيمته قيمة خمسة أوسق من   بصاع النبي صلى الله عليه وسلم) وهو: ما يسع ألفاً وأربعين درهماً من ماش أو عدس كما يأتي تحقيقه في صدقة الفطر. (وليس في الخضروات) بفتح الخاء لا غير - الفواكه كالتفاح والكمثرى وغيرهما، أو البقول كالكراث والكرفس ونحوهما (1) ، مغرب. (عندهما عشر) ؛ لعدم الثمرة الباقية؛ فالخلاف بين الإمام وصاحبيه في موضعين: في اشتراط النصاب والثمرة الباقية عندهما، وعدم اشتراطهما عنده، قال في التحفة: الصحيح ما قاله الإمام، ورجح الكل دليله، واعتمده النسفي وصدر الشريعة. اهـ. تصحيح (وما سقى بغرب) : أي دلو (أو دالية) : أي دولاب (أو سانية) : أي بعير يسنى عليه، أي يستقي من البئر. مصباح (ففيه نصف العشر في القولين) : أي على اختلاف القولين المارين بين الإمام وصاحبيه في اشتراط النصاب والثمرة الباقية وعدمها قال في الدر: وكتب الشافعية "أو سقاه بماء اشتراه" وقواعدنا لا تأباه، ولو سقى سيحا وبآلة اعتبر الغالب، ولو استويا فنصفه، وقيل: ثلاثة أرباعه. اهـ. ثم لما كان اشتراط النصاب قول الإمامين وقداره فيما يوسق بخمسة أوسق، واختلفا في تقدير مالا يوسق - بينه بقوله: (وقال أبو يوسف فيما لا يوسق كالزعفران والقطن) : إنما (يجب في العشر إذا بلغت قيمته خمسة أوسق من   (1) ويدخل في الخضروات الرياحين والأوراد والخيار والقثاء ويشهد للصاحبين في النصاب حديث الصحيح ولفظه كما في البخاري ليس في حب ولا تمر صدقة حتى تبلغ خمسة أوسق في إطلاق بعض الأحاديث وتعميم بعض الآثار والذي يقدم الخاص مطلقاً كالشافعي والصاحبين يشترط الأوسق المنصوصة لوجوب الزكاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 أدنى ما يدخل تحت الوسق. وقال محمدٌ: يجب العشر إذا بلغ الخارج خمسة أمثالٍ من أعلى ما يقدر به نوعه، فاعتبر في القطن خمسة أحمالٍ، وفي الزعفران خمسة أمناء، وفي العسل العشر إذا أخذ من أرضٍ العشر قل أو كثر، وقال أبو يوسف: لا شيء فيه حتى يبلغ عشرة أزقاقٍ. وقال محمدٌ: خمسة أفراق، والفرق: ستةٌ وثلاثون رطلاً بالعراقي، وليس في الخارج من أرض الخراج عشرٌ.   أدنى ما) أي شيء (يدخل تحت الوسق) كالذرة في زماننا؛ لأنه لا يمكن التقدير الشرعي فيه؛ فاعتبرت القيمة كما في عروض التجارة. هداية. (وقال محمد: يجب العشر إذا بلغ الخارج خمسة أمثال من أعلى ما يقدر به نوعه، فاعتبر في القطن خمسة أحمال) كل حمل ثلاثمائة من (وفي الزعفران خمسة أمناء) لأنه أعلى ما يقدر به، التقدير بالوسق فيما يوسق إنما كان لأنه أعلى ما يقدر به. (وفي العسل العشر إذا أخذ من أرض العشر: قل) العسل المأخوذ (أو كثر) عند أبي حنيفة (وقال أبو يوسف: لا شيء فيه حتى يبلغ) نصاباً (عشرة أزقاق) جمع زق - بالكسر - ظرف يسع خمسين منا (وقال محمد: خمسة أفراق) جمع فرق، بفتحتين (والفرق ستة وثلاثون رطلا) (قوله رطلاً بالكسر، وهو مائة وثلاثون درهماً) وهكذا نقله في المغرب عن نوادر هشام عن محمد، قال: ولم أجده فيما عندي من أصول اللغة. اهـ. قال في التصحيح: ورجح قول الإمام ودليله المصنفون، واعتمده النسفي وبرهان الشريعة. اهـ. (وليس في الخارج من أرض الخراج) عسل أو غيره (عشر) ؛ لئلاً يجتمع العشر والخراج. فرع - العشر على المؤجر كالخراج الموظف، وقالا: على المستأجر، قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 باب من يجوز دفع الصدقة إليه ومن لا يجوز. - قال الله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} الآية. فهذه ثمانية أصنافٍ قد سقطت منها المؤلفة قلوبهم؛ لأن الله تعالى أعز الإسلام وأغنى عنهم، والفقير. من له أدنى شيء، والمسكين:   في الحاوي وبقولهما نأخذ. اهـ. أقول: لكن الفتوى على قول الإمام. وبه أفتى الخير الرملي والشيخ إسماعيل الحائك وحامد أفندي العمادي، وعليه العمل؛ لأنه ظاهر الرواية. باب من يجوز دفع الزكاة إليه ومن لا يجوز لما أنهى الكلام في أحكام الزكاة عقبها ببيان مصرفها مستهلاً بالآية الجامعة لأصناف المستحقين فقال: قال الله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين، والعاملين عليها؛ والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل؛ فريضة من الله والله عليم حكيم} . (فهذه) الأصناف المحتوية عليها الآية (ثمانية أصناف، وقد سقط منها) صنف وهم (المؤلفة قلوبهم) وهم ثلاثة أصناف: صنف كان يؤلفهم النبي صلى الله عليه وسلم ليسلموا ويسلم قومهم بإسلامهم، وصنف أسلموا ولكن على ضعف فيريد تقريرهم عليه، وصنف يعطيهم لدفع شرهم. والمسلمون الآن ولله الحمد في غنية عن ذلك (لأن الله تعالى أعز الإسلام وأغنى عنهم) وعلى هذا انعقد الإجماع. هداية. (والعقير من له أدنى شيء) : أي دون النصاب (والمسكين) أدنى حالاً من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 من لا شيء له، والعامل: يدفع إليه الإمام بقدر عمله إن عمل، وفي الرقاب: يعان المكاتبون في فك رقابهم، والغارم، من لزمه دينٌ، وفي سبيل الله. منقطع الغزاة، وابن السبيل. من كان له مالٌ في وطنه، وهو في مكانٍ لا شيء له فيه، فهذه جهات الزكاة.   الفقير، وهو: (من لا شيء له) وهذا مروى عن أبي حنيفة، وقد قيل على العكس، ولكل وجه، هداية (والعامل يدفع إليه الإمام بقدر عمله) : أي ما يسعه وأعوانه بالوسط، لأن استحقاقه بطريق الكفاية، ولهذا يأخذ وإن كان غنياً، إلا أن فيه شبهة الصدقة، فلا يأخذها العامل الهاشمي، تنزيهاً لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، والغنى لا يوازيه في استحقاق الكرامة، فلم تعتبر الشبهة في حقه. هداية. وهذا (إن عمل) وبقي المال، حتى لو أدى أرباب الأموال إلى الإمام أو هلك المال في يده لم يستحق شيئاً وسقطت عن أرباب الأموال (وفي الرقاب: يعان المكاتبون) ولو لغنى، لا لهاشمي (في فك رقابهم) ولو عجز المكاتب وفي يده الزكاة تطيب لمولاه الغني، كما لو دفعت إلى فقير ثم استغنى والزكاة في يده يطيب له أكلها (والعارم: من لزمه دين) ولا يملك نصاباً فاضلاً عن دينه (وفي سبيل الله: منقطع الغزاة) قال الإسبيجاني: هذا قول أبي يوسف، وهو الصحيح، وعند محمد منقطع الحاج (1) ، وقيل: طلبة العلم، وفسره في البدائع بجميع القرب. وثمرة الخلاف في الوصية والأوقاف. اهـ. تصحيح (وابن السبيل: من كان له مال في وطنه وهو في مكان لا شيء له فيه) وإنما يأخذ ما يكفيه إلى وطنه لا غير، حتى لو كان معه ما يوصله إلى بلده من زاد وحمولة لم يجز له (فهذه جهات) مصرف (الزكاة) .   (1) له بما أخرجه أبو داود في باب العمرة في حديث طويل أنه كان لأبي معقل بكر فقال جعلته في سبيل الله فأمره صلى الله عليه وسلم أن يحل عليه الحاج فإنه في سبيل الله وفي الحديث مقال وفي الاستدلال نظر، راجع الفتح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وللمالك أن يدفع لكل واحدٍ منهم، وله أن يقتصر على صنفٍ واحدٍ، ولا يجوز أن يدفع الزكاة إلى ذمي، ولا يبني بها مسجدٌ، ولا يكفن بها ميتٌ، ولا يشتري بها رقبةٌ تتعتق، ولا تدفع إلى غني، ولا يدفع المزكي زكاته إلى أبيه وجده وإن علا ولا إلى ولده وولد ولده وإن سفل ولا إلى امرأته، ولا تدفع المرأة إلى زوجها عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: تدفع إليه،   (وللمالك أن يدفع لكل واحد منهم، وله أن يقتصر على صنف واحد) منهم ولو واحدا، لأن (أل) الجنسية تبطل الجمعية. (ولا يجوز أن يدفع الزكاة إلى ذمي) : لأمر الشارع بردها في فقراء المسلمين (1) (ولا يبني بها مسجد ولا يكفن بها ميت) لعدم التمليك (ولا يشتري بها رقبة تعتق) لأنه إسقاط، وليس بتمليك (ولا تدفع إلى غني) يملك قدر النصاب من أي مال كان فارغاً عن حاجته (ولا يدفع المزكي زكائه إلى أبيه وجده وإن علا ولا إلى ولده وولد ولده وإن سفل) ؛ لأن منافع الأملاك بينهم متصلة: فلا يتحقق التمليك على الكمال، (ولا إلى امرأته) للاشتراك في المنافع عادة (ولا تدفع المرأة إلى زوجها عند أبي حنيفة، وقالا: تدفع إليه) لقوله صلى الله عليه وسلم: (لك أجران: أجر الصدقة   (1) روى أصحاب الكتب الستة عن ابن عباس قال: قال (صلى الله عليه وسلم) إنك ستأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله إلى أن قال: فإن هم أطاعوا ذلك فاعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم وإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم. والإضافة تفيد الإختصاص وقالوا إن الذمي يأخذ ما سوى ذلك من الصدقة كصدقة الفطر والكفارات ولا يدفع ذلك لمستأمن ولا لحربي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 ولا يدفع إلى مكاتبه ولا مملوكه ولا مملوك غنيٍ ولا ولد غني إذا كان صغيراً، ولا تدفع إلى بني هاشمٍ، وهم. آل عليٍ وآل عباسٍ وآل جعفرٍ وآل عقيلٍ وآل حارث بن عبد المطلب ومواليهم، وقال أبو حنيفة ومحمدٌ. إذا دفع الزكاة إلى رجلٍ يظنه فقيراً ثم بان أنه غنيٌ أو هاشميٌ أو كافرٌ أو دفع في ظلمةٍ إلى فقير ثم بان أنه أبوه أو ابنه فلا   وأجر الصلة) قاله لامرأة ابن مسعود - وقد سألته عن التصدق عليه - قلنا: هو محمول على النافلة. هداية، قال في التصحيح: ورجح صاحب الهداية وغيره قول الإمام، واعتمده النسفي وبرهان الشريعة. اهـ. (ولا يدفع) زكى زكاته (إلى مكاتبه، ولا) إلى (مملوكه) القد أن التمليك؛ إذ كسب المملوك لسيده، وله حق في كسب مكاتبه، فلم يتم التمليك (ولا) إلى (مملوك غني) ؛ لأن الملك واقع لمولاه (ولا إلى ولد غني إذا كان صغيراً) لأنه يعد غنياً بمال أبيه؛ بخلاف ما إذا كان كبيراً فقيراً؛ لأنه لا يعد غنياً بيسار أبيه، وإن كانت نفقته عليه. هداية (ولا تدفع إلى بني هاشم) لأن الله تعالى حرم عليهم أوساخ الناس وعوضهم بخمس خمس الغنيمة ولما كان المراد من بني هاشم الذين لهم الحكم المذكور ليس كلهم بين المراد منهم بعددهم فقال: (وهم آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل وآل حارث بن عبد المطلب) فخرج أبو لهب بذلك حتى يجوز الدفع إلى من أسلم من بنيه؛ لأن حرمة الصدقة على بني هاشم كرامة من الله تعالى لهم ولذريتهم حيث نصروه صلى الله عليه وسلم في جاهليتهم وإسلامهم وأبو لهب كان حريصاً على أذى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يستحقها بنوه (و) لا تدفع أيضاً إلى (مواليهم) . أي عتقائهم؛ فأرقاؤهم بالأولى، لحديث: "مولى القوم منهم"، (وقال أبو حنيفة ومحمد: إذا دفع الزكاة إلى رجل يظنه فقيراً فبان أنه غني أو هاشمي أو كافر، أو دفع في ظلمة إلى فقير ثم بان أنه أبوه أو ابنه) أو امرأته (فلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 إعادة عليه. وقال أبو يوسف: عليه الإعادة، ولو دفع إلى شخص ثم علم أنه عبده أو مكاتبه لم يجز في قولهم جميعاً، ولا يجوز دفع الزكاة إلى من يملك نصاباً من أي مالٍ كان، ويجوز دفعها إلى من يملك أقل من ذلك وإن كان صحيحاً مكتسباً، ويكره نقل الزكاة من بلدٍ إلى بلدٍ آخر، وإنما تفرق صدقة كل قومٍ فيهم، إلا أن ينقلها الإنسان إلى قرابته أو إلى قومٍ هم أحوج من أهل بلده.   إعادة عليه) ؛ لأن الوقوف على هذه الأشياء بالاجتهاد دون القطع، فيبني الأمر فيها على ما يقع عنده (وقال أبو يوسف: عليه الإعادة) ؛ لظهور خطئه بيقين مع إمكان الوقوف على ذلك، قال في التحفة: والأول جواب ظاهر الرواية، ومشى عليه المحبوبي والنسفي وغيرهما. اهـ تصحيح. (ولو دفع إلى شخص) يظنه مصرفاً (ثم علم أنه عبده أو مكاتبه لم يجز في قولهم جميعاً) لانعدام التمليك (ولا يجوز دفع الزكاة إلى من يملك نصاباً من أي مال كان) ؛ لأن الغنى الشرعي مقدر به. والشرط أن يكون فاضلا عن الحاجة الأصلية (ويجوز دفعها إلى من يملك أقل من ذلك وإن كان صحيحاً مكتسباً) ؛ لأنه فقير، والفقراء هم المصارف، ولأن حقيقة الحاجة لا يوقف عليها فأدير الحكم على دليلها وهو فقد النصاب. (ويكره نقل الزكاة من بلد إلى بلجد آخر، وإنما تفرق صدقة كل قوم فيهم) لحديث معاذ (1) ولما فيه من رعاية حق الجوار. (إلا أن ينقلها الإنسان إلى قرابته) لمل فيه من الصلة، بل في الظهيرية: لا تقبل صدقة الرجل وقرابته محاويج حتى يبدأ بهم فيسد حاجتهم (أو) ينقلها (إلى قوم هم أحوج من أهل بلده) ، لما فيه   (1) هو قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ: (خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم) . ثم اعلم أن المعتبر في زكاة المال المكان الذي فيه المال؛ والمعتب في صدقة الفطر المكان الذي فيه المتصدق؛ فلو أن لرجل مالاً في يد شريكه أو وكليه في غير مصره فإنه يصرف الزكاة إلى فقراء الموضع الذي فيه المال دون المصر الذي فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 باب صدقة الفطر. - صدقة الفطر واجبةٌ على الحر المسلم إذا كان مالكاً لمقدار النصاب فاضلاً عن مسكنه وثيابه وأثاثه وفرسه وسلاحه وعبيده للخدمة،   من زيادة دفع الحاجة، ولو نقلها إلى غيرهم أجزأه وإن كان مكروهاً؛ لأن المصرف مطلق الفقير الفقير بالنص، هداية. باب صدقة الفطر من إضافة الشيء إلى سببه، ومناسبتها للزكاة ظاهرة. (صدقة الفطر واجبة على الحر المسلم) ولو صغيراً أو مجنوناً (إذا كان مالكاً لمقدار النصاب) من أي مال كان (1) (فاضلاً عن مسكنه وثيابه وأثاثه) هو متاع البيت (وفرسه وسلاحه وعبيده للخدمة) ، لأنها مستحقة بالحاجة الأصلية   (1) ومذهب الشافعي أنها تجب على من يملك أكثر من قوت يومه ويستدل الأحناف بما رواه أحمد في مسنده من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صدقة إلا عن ظهر غنى" وقد أخرجه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم فدل على صحته، وقد رواه مسنداً بغير هذا اللفظ ويستدل الشافعية بما روى أحمد في مسنده أيضاً عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدوا صاعاً من قمح عن كل اثنين صغير أو كبيراً ذكر أو أنثى حر أو مملوك غني أو فقير قال في الفتح وقد ضعفه أحمد براويين فيه وهما النعمان بن راشد وابن أبي صغير. ورده صاحب الفتح بأن أكثر الروايات غير مشتمل على الفقير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 يخرج ذلك عن نفسه وعن أولاده الصغار وعن مماليكه، ولا يؤدي عن زوجته ولا عن أولاده الكبار وإن كانوا عياله، ولا يخرج عن مكاتبه، ولا عن مماليكه للتجارة، والعبد بين شريكين لا فطرة على واحدٍ منهما، ويؤدي المولى المسلم الفطرة عن عبده الكافر.   كالمعدوم، ولا يشترط فيه النمو، ويتعلق بهذا النصاب؛ حرمان الصدقة، ووجوب الأضحية والفطرة. هداية (يخرج ذلك) : أي الذي وجبت عليه الصدقة (عن نفسه وعن أولاده الصغار) والمجانين الفقراء (وعن مماليكه) للخدمة، لتحقق السبب، وهو؛ رأس يمونه ويلي عليه؛ قيدنا الصغار والمجانين بالفقراء لأن الأغنياء تجب في مالهم. قال في الهداية: هذا إذا كانوا لا مال لهم، فإن كان لهم مال يؤدى من مالهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف، خلافاً لمحمد؛ ورجح صاحب الهداية قولهما، وأجاب عما يتمسك به لمحمد، ومشى على قولهما المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة. اهـ. تصحيح، واحترز بعبيد الخدمة عن عبيد التجارة كما يأتي (ولا يؤدي) ؛ أي لا يجب عليه أن يؤدي (عن زوجته ولا عن أولاده الكبار وإن كانوا في عياله) ، لانعدام الولاية، ولو أدى عنهم بغير أمرهم أجزأهم استحساناً، لثبوت الإذن عادة. هداية (ولا يخرج عن مكاتبه) ؛ لعدم الولاية، ولا المكاتب عن نفسه؛ لفقره، وفي المدبر وأم الولد ولاية المولى ثابتة فيخرج عنهما (ولا عن مماليكه للتجارة) ؛ لوجوب الزكاة فيها، ولا تجتمع الزكاة والفطرة (والعبد بين الشريكين لا فطرة على واحد منهما) لقصور الولاية والمؤنة في كل منهما. وكذا العبيد بين الاثنين عند أبي حنيفة؛ وقالا: على كل واحد ما يخصه من الرءوس دون الأشقاص هداية. (ويؤدي المولى المسلم الفطرة عن عبده الكافر لأن السبب قد تحقق، والمولى من أهل الوجوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 والفطرة. نصف صاعٍ من برٍ، أو صاعٌ من تمرٍ أو زبيبٍ أو شعيرٍ. والصاع عند أبي حنيفة ومحمدٌ ثمانية أرطالٍ بالعراقي. وقال أبو يوسف: خمسة أرطالٍ وثلث رطلٍ.   (والفطرة نصف صاع من بر) أو دقيقه أو سويقه أو زبيب. هداية (أو صاع من تمر أو زبيب أو شعير) وقال أبو يوسف ومحمد؛ الزبيب بمنزلة الشعير وهو رواية عن أبي حنيفة، والأول رواية الجامع الصغير هداية. ومثله في التصحيح عن الإسبيجاني (الصاع عند أبي حنيفة ومحمد ثمانية أرطال بالعراقي) وتقدم أن الرطل ثمانية وعشرون درهما (قال أبو يوسف) : الصاع (خمسة أرطال ثلث رطل) قال الإسبيجاني: الصحيح قول أبي حنيفة ومحمد، ومشى عليه المحبوبي والنسفي والشريعة لكن في الزيلعي والفتح: اختلف في الصاع؛ فقال الطرفان: ثمانية أرطال بالعراقي، وقال الثاني: خمسة أرطال وثلث، وقيل: لا خلاف؛ لأن الثاني قدره برطل المدينة لأنه ثلاثون أستاراً، والعراقي عشرون، وإذا قابلت ثمانية بالعراقي بخمسة وثلث بالمدني وجدتهما سواء، وهذا هو الأشبه؛ لأن محمداً لم يذكر خلاف أبي يوسف، ولو كان لذكره؛ لأنه أعرف بمذهبه. اهـ. وتمامه في الفتح، قال شيخنا: ثم علم أن الدرهم الشرعي أربعة عشر قيراطاً. والمتعارف الآن ستة عشر، فإذا كان الصاع ألفاً وأربعين درهماً شرعياً يكون بالدرهم المتعارف تسعمائة وعشرة، وقد صرح العلائي في شرحه على الملتقي في باب زكاة الخارج بأن الرطل الشامي ستمائة درهم، وأن المد الشامي صاعان، وعليه فالصاع بالرطل الشامي رطل ونصف، والمد ثلاثة أرطال، ويكون نصف الصاع من البر ربع مد شامي: فالمد الشامي يجزئ عن أربع. وهكذا رأيته محررا بخط شيخ مشايخنا إبراهيم السائحاني، وشيخ مشايخنا منلا علي التركماني، وكفى بهما قدوة، لكني حررت نصف الصاع في عام ست وعشرين بعد المائتين فوجدته ثمنيه ونحو ثلثي ثمنيه؛ فهو تقريبا ربع مد ممسوح من غير تكويم، ولا يخالف ذلك ما مر؛ لأن المد في زماننا أكبر من المد السابق، وهذا على تقدير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 ووجوب الفطرة يتعلق بطلوع الفجر من يوم الفطر، فمن مات قبل ذلك لم تجب فطرته، ومن أسلم أو ولد بعد طلوع الفجر لم تجب فطرته، ويستحب للناس أن يخرجوا الفطرة يوم الفطر قبل الخروج إلى المصلى، فإن قدموها قبل يوم الفطر جاز، وإن أخروها عن يوم الفطر لم تسقط، وكان عليهم إخراجها.   الصاع بالماش أو العدس، أما على تقديره بالحنطة أو الشعير - وهو الأحوط - فيزيد نصف الصاع على ذلك؛ فالأحوط إخراج ربع مد شامي على التمام من الحنطة الجيدة اهـ. أقول. والآن - وهي سنة إحدى وستين بعد المائتين - قد زاد المد الشامي عما كان في أيام شيخنا؛ لأنه بعد ذهاب الدولة المصرية من البلاد الشامية التي أبطلت المد الشامي واستعملت الربع المصري جعلوا كل ربعين مداً، وقد ذكر الطحاوي أن بعض مشايخه قدر نصف الصاع بثلث الربع، عليه فالمد الشامي الآن يكفي عن ستة. والله أعلم. (ووجوب الفطرة يتعلق بطلوع الفجر) الثاني (من يوم الفطر، فمن مات) أو افتقر (قبل ذلك) : أي طلوع الفجر (لم تجب فطرته، و) كذا (من أسلم أو ولد) أو اغتنى (بعد طلوع الفجر لم تجب فطرته) لعدم وجود السبب في كل منهما؛ (ويستحب للناس أن يخرجوا الفطرة يوم الفطر قبل الخروج إلى المصلى) ليتفرغ بال المسكين للصلاة (فإن قدموها) : أي الفطرة (قبل يوم الفطر جاز) ولو قبل دخول رمضان، كما في عامة المتون والشروح، وصححه غير واحد، ورجحه في النهر، ونقل عن الولوالجي أنه ظاهر الرواية (وإن أخرجوها عن يوم الفطر لم تسقط) عنهم (وكان) واجباً عليهم إخراجها) لأنها قربه مالية معقولة المعنى، فلا تسقط بعد الوجوب إلا بالآداء كالزكاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 كتاب الصوم (1) . - الصوم ضربان: واجبٌ ونفلٌ؛ فالواجب ضربان: منه ما يتعلق بزمانٍ بعينه كصوم رمضان والنذر المعين؛ فيجوز صومه بنيةٍ من الليل، فإن لم ينو حتى أصبح أجزأته النية ما بينه وبين الزوال.   كتاب الصوم عقب الزكاة بالصوم اقتداء بالحديث، كما مر. (الصوم) لغة: الإمساك مطلقاً، وشرعاً: الإمساك عن المفطرات حقيقة أو حكماً في وقت مخصوص بنية من أهلها. وهو (ضربان؛ واجب ونفل) قد يطلق الواجب ويراد به ما يقابل النفل كما هنا، وقد يطلق ويراد به ما يقابل الفرض والنفل معاً، فيكون واسطة بينهما كما يأتي في قوله؛ (صوم رمضان فريضة) و (صوم المنذور واجب) (فالواجب ضربان: منه ما يتعلق بزمان بعينه) وذلك كصوم رمضان والنذر المعين) زمانه (فيجوز صومه بنية من الليل) وهو الأفضل؛ فلا تصح قبل الغروب ولا عنده (فإن لم ينو حتى أصبح أجزأته النية ما بينه) : أي الفجر (وبين الزوال) وفي   (1) فرض صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة قبل غزوة بدر وكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر وعاشوراء قبل ذلك وهو أهم العبادات الروحية في الإسلام بعد الصلاة وأثره في التهذيب جليل وهذا يستعين به الصوفية والأطباء في الإصلاح النفسي والبدني وقد شرعه الله سبحانه في جميع الشرائع وحثت عليه السنة في كثير من الأحاديث وقال إنه لا عدل له في العبادات أي لا نظير له في التقريب إلى الله فإن تعذيب النفس وحرمانها ابتغاء مرضاة الله معنى جليل يحبه الله ورسوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 والضرب الثاني: ما يثبت في الذمة، كقضاء رمضان والنذر المطلق والكفارات؛ فلا يجوز إلا بنية من الليل، والنفل كله يجوز بنية قبل الزوال. وينبغي للناس أن يلتمسوا الهلال في اليوم التاسع والعشرين من شعبان، فإن رأوه صاموا، وإن غم عليهم أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً ثم صاموا، ومن رأى هلال رمضان وحده صام، وإن لم يقبل الإمام شهادته، وإذا كان بالسماء علةٌ قبل   الجامع الصغير: قبل نصف النهار، وهو الأصح، لأنه لابد من وجود النية في أكثر النهار؛ ونصفه من وقت طلوع الفجر إلى وقت الضحوة الكبرى، فيشترط النية قبلها، لتحقق في الأكثر؛ ولا فرق بين المسافر والمقيم، خلافاً لزفر. هداية. (والضرب الثاني: ما يثبت في الذمة) من غير تقييد بزمان، وذلك (كقضاء رمضان) وما أفسده من نفل (والنذر المطلق و) صوم الكفارات، فلا يجوز) صوم ذلك (إلا بنية) معينة (من الليل) ، لعدم تعين الوقت، والشرط؛ أن يعلم بقلبه أي صوم يصومه، ثم رمضان يتأدى بمطلق النية، وبنية النفل وواجب آخر (والنفل كله) مستحبه ومكروهه (يجوز بنية قبل الزوال) أي قبل نصف النهار؛ كما مر. (وينبغي للناس) : أي يجب. جوهرة (أن يلتمسوا الهلال في اليوم التاسع والعشرين من شعبان) وكذا هلال شعبان لأجل إكمال العدة (فإن رأو صاموا وإن غم عليهم أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً ثم صاموا) ؛ لأن الأصل بقاء الشهر، فلا ينتقل عنه إلا بدليل، ولم يوجد (ومن رأى هلال رمضان وحده صام وإن لم يقبل الإمام شهادته) لأنه متعبد بما علمه؛ وإن أفطر فعليه القضاء دون الكفارة لشبهة الرد (وإن كان بالسماء علة) من غيم أو غبار ونحوه (قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 الإمام شهادة الواحد العدل في رؤية الهلال رجلاً كان أو امرأةً حراً كان أو عبداً، فإن لم يكن بالسماء علةٌ لم تقبل شهادته حتى يراه جمعٌ كثيرٌ يقع العلم بخبرهم. ووقت الصوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب   الإمام شهادة الواحد العدل) وهو الذي غلبت حسناته سيئاته؛ والمستور في الصحيح كما في التجنيس والبزازية، قال الكمال: وبه أخذ شمس الأئمة الحلواني (في رؤية الهلال رجلا كان أو امرأة حراً كان أو عبداً) ، لأنه أمر ديني فأشبه رواية الأخبار، ولهذا لا يختص بلفظ الشهادة، وتشترط العدالة، لأن قول الفاسق في الديانات غير مقبول، وتأويل قول الطحاوي "عدلا أو غير عدل" أن يكون مستوراً، وفي إطلاق دواب الكتاب يدخل المحدود في القذف بعد ما تاب، وهو ظاهر الرواية، لأنه خبر ديني، وعن أبي حنيفة أنه لا تقبل، لأنه شهادة من وده اهـ. هداية (فإن لم يكن بالسماء علة لم تقبل الشهادة حتى يراه) ويشهد به (جمع كثير يقع العلم) الشرعي، وهو غلبة الظن (بخبرهم) ، لأن المطلع متحد في ذلك المحل (والموانع منتفية، والأبصار سليمة، والهمم في طلب الهلال مستقيمة، فالتفرد بالرؤية، من بين الجم الغفير - مع ذلك - ظاهر في غلط الرأي، قال في التصحيح:) لم يقدر الجمع الكثير في ظاهر الرواية، واختلف فيه، قال بعضهم: ذاك مفوض إلى رأى الإمام والقاضي، وفي زاد الفقهاء للإسبيجاني: الصحيح أن يكونوا من نواح شتى. اهـ. وذكر الشرنبلالي وغيره تبعاً للمواهب أن الأصح رواية تفويضه إلى رأي الإمام، وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه تقبل فيد شهادة رجلين أو رجل وامرأتين وإن لم يكن في السماء علة، قال في البحر؛ ولم أر من رجح هذه الرواية، وينبغي العمل عليها في زماننا، لأن الناس تكاسلوا عن ترائي الأهلة، فكان التفرد غير ظاهر في غلط. اهـ. (ووقت الصوم من حين طلوع الفجر الثاني) الذي يقال له الصادق (إلى غروب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 الشمس. والصوم هو: الإمساك عن الأكل والشرب والجماع نهاراً مع النية، فإن أكل الصائم أو شرب أو جامع ناسياً لم يفطر، وإن نام فاحتلم أو نظر إلى امرأةٍ فأنزل أو ادهن أو احتجم أو اكتحل أو قبل لم يفطر (1) . فإن أنزل بقبلةٍ أو لمس فعليه القضاء،   الشمس) ؛ لقوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} إلى أن قال: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} (2) والخيطان: بياض النهار وسواد الليل. (والصوم) شرعاً (هو الإمساك) حقيقة أو حكماً (عن) المفطران (الأكل والشرب والجماع نهاراً مع النية) من أهلها، كما مر (فإن أكل الصائم أو شرب أو جامع ناسياً لم يفطر) ، لأنه ممسك حكماً، لأن الشارع أضاف الفعل إلى الله تعالى حيث قال للذي أكل وشرب: "تم على صومك فإنما أطعمك الله وسقاك" فيكون الفعل معدوماً من العبد، فلا ينعدم الإمساك (وإن نام فاحتلم أو نظر إلى امرأة) أو تفكر بها وإن أدامها (فأنزل، أو ادهن أحتجم أو اكتحل) وإن وجد طعمه في حلقه (أو قبل) ولم ينزل (لم يفطر) ، لعدم المنافي صورة ومعنى (فإن أنزل بقبلة أو لمس فعليه القضاء) لوجود المنافي معنى - وهو الإنزال بالمباشرة - دون   (1) روى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم وقيل لأنس أكنتم تكرهون الحجامة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا إلا من أجل الضعف وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل ويباشر وهو صائم وفيهما عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم وروى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل رجل عن المباشرة للصائم فرخص له وسأله آخر فلم يرخص له فإذا الذي رخص له شاب وإذا الذي نهاه شيخه والشافعي رخص للصائم مطلقا ويرده هذا الحديث وأن القبلة والمباشرة لا يحرم كل منهما لذامة بل لمعنى خوف الافساد فإن لم يوجد فلا شيء. (2) من الآية 184 من سورة البقرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 ولا بأس بالقبلة إذا أمن على نفسه. ويكره إن لم يأمن، وإن ذرعه القيء لم يفطر، وإن استقاء عامداً ملء فيه فعليه القضاء (1) ،   الكفارة لقصور الجناية، ووجوب الكفارة بكمال الجناية، لأنها تندرئ بالشبهة كالحدود (ولا بأس بالقبلة إذا أمن على نفسه) الجماع والإنزال (ويكره إن لم يأمن) ، لأن عينه ليس بفطر، وربما يصير فطرا بعاقبته، فإن أمن اعتبر عينه وأبيح له، وإن لم يأمن تعتبر عاقبته وكره. هداية (وإن ذرعه) أي سبقه وغلبه (القيء) بلا صنعه ولو ملء فيه (لم يفطر) وكذا لو عاد بنفسه وكان دون ملء الفم، اتفاقاً، وكذا ملء الفم عند محمد وصححه في الخانية، خلافاً لأبي يوسف. وإن أعاده وكان ملء الفم فسد، اتفاقاً، وكذا دونه عند محمد خلافاً لأبي يوسف. والصحيح في هذا قول أبي يوسف خانية (وإن استقاء عامداً) : أي تعمد خروج القيء، وكان (ملء فيه فعليه القضاء) دون الكفارة، قال في التصحيح: قيد بملء الفم لأنه إذا كان أقل لا يفطر عند أبي يوسف، واعتمده المحبوبي، وقال في الاختيار وهو الصحيح، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، وإن كان في ظاهر الرواية   (1) أخرج أصحاب السنن الأربعة واللفظ للترمذي أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: "من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء عامدا فليقض" والتفصيل الفقهي على مقيض الدليل أن القيء: ما أن يزرعه أو يستقيئه وكل منهما إما ملء الفم أو دونه والكل إما أن يخرج أو يعود أو يعيده فإن ذرعه وخرج لا يفطر قل أو كثر وإن عاد نفسه وهو ملء الفم فسد صومه عند أبي يوسف وعند محمد لا يفسد وهو الصحيح لأنه لم يوجد صورة الإفطار ولا معناه وأقل محرفيه الإعادة قل أو كثر وإن أعاد فسد بالاتفاق بينهما وإن كان أقل من ملء الفم فعاد لم يفسد لم يفسد بالإتفاق وإن أعاده لم يفسد عند أبي يوسف ويفسد عند محمد لوجود الصغ وإن استقاء عمد أو خرج إن كان ملء الفم فسد بالإجماع وإن كان أقل أفطر عند محمد ولا يفطر عند أبي يوسف وإن عاد بنفسه وإن أعاده فعنه روايتان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 ومن ابتلع الحصاة أو الحديد أفطر. ومن جامع عامداً في أحد السبيلين أو أكل أو شرب ما يتغذى به أو يتداوى به فعليه القضاء والكفارة مثل كفارة الظهار، ومن جامع فيما دون الفرج فأنزل فعليه القضاء ولا كفارة عليه، وليس في إفساد الصوم في غير رمضان كفارةٌ، ومن احتقن أو استعط أو قطر في أذنيه   لم يفصل؛ لأن ما دون ملء الفم تبع للريق كما لو تجشء. اهـ. وكذا لو عاد إلى جوفه؛ لأن ما دون ملء الفم ليس بخارج حكماً، وإن أعاده عن أبي يوسف فيه روايتان: في رواية لا يفسد لأنه لا يوصف بالخروج فلا يوصف بالدخول، وفي رواية يفسد فعله في الإخراج والإعادة قد كثر فصار ملحقاً بملء الفم. خانية (ومن ابتلع الحصاة أو الحديد) أو نحوهما، لا يأكله الإنسان أو يستقذره (أفطر) ؛ لوجود صورة المفطر، ولا كفارة عليه؛ لعدم المعنى. (ومن جامع) آدمياً حياً (عامداً في أحد السبيلين) أنزل أو لا (أو أكل أو شرب ما يتغذى به أو يتداوى به فعليه القضاء والكفارة) ؛ لكمال الجناية بقضاء شهوة الفرج أو البطن (مثل كفارة الظهار) وستأتي في بابه (ومن جامع فيما دون الفرج) كتفخيذ وتبطين وقبلة ولمس، أو جامع ميتة أو بهيمة (فأنزل فعليه القضاء) ؛ لوجود معنى الجماع (ولا كفارة عليه) ؛ لانعدام صورته (وليس في إفساد صوم في غير رمضان كفارة) ؛ لأنها وردت في هنك حرمة رمضان فلا يلحق به غيره. (ومن احتقن) وهو صب الدواء في الدبر (أو استعط) وهو صب الدواء في الأنف (أو أقطر في أذنيه) دهناً؛ بخلاف الماء فلا يفطر على ما اختاره في الهداية والتبيين وصححه في المحيط، وقال في الولواجية: إنه المختار، لكن فصل في الخانية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 أو داوى جائفةً أو آمةً بداوء فوصل إلى جوفه أو دماغه أفطر (1) وإن أقطر في إحليله لم يفطر عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف يفطر.   بأنه إن دخل لا يفسد وإن أدخله يفسد في الصحيح؛ لأنه وصل إلى الجوف بفعله اهـ. ومثله في البزازية، واستظهره في الفتح والبرهان، والحاصل الاتفاق على الفطر بصب الدهن، وعلى عدمه بدخول الماء، واختلاف التصحيح في إدخاله. معراج (أو داوى جائفة) جراحة في البطن بلغت الجوف (أو آمة) جراحة في الرأس بلغت أم الدماغ (بداوء فوصل) الداوء (إلى جوفه) في الجائفة (أو دماغه) في الآمة (أفطر) عند أبي حنيفة، وقالا: لا يفطر؛ لعدم التيقن بالوصول، هداية وقال في التصحيح: لا خلاف في هذه المسألة على هذه العبارة، أما لو داوى بداوء رطب ولم يتيقن بالوصول فقال أبو حنيفة: يفطر، وقالا: لا يفطر. اهـ. (وإن أقطر في إحليله) ماء أو دهنا (لم يفطر عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: يفطر) قال في الاختيار: هذا بناء على أن بينه وبين الجوف منفذا، والأصح أنه ليس بينهما منفذ، قال في التحفة: وروى الحسن عن أبي حنيفة مثل قولهما، وهو   (1) روى أبو يعلى بسنده إلى عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عائشة هل من كسرة؟ فأتيته بقرصي فوضعه علي فيه فقال: يا عائشة هل دخل بطني من شيء؟ كذلك قبلة الصائم إنما الأفطر مما دخل وليس مما خرج". استدل صاحب الهداية على عدم الإفطار في هذه الأشياء والحديث طعن فيه بعض أهل الحديث بجهالة بعض رواته ولكن جزم صاحب الفتح بثبوته موقوفاً ففي البخاري تعليقاً عن ابن عباس وعكرمة الفطر مما دخل وليس مما خرج واسنده عبد الرزاق إلى ابن عباس إنما الوضوء مما خرج وإنما الفطر مما دخل وجعلوا من ذلك ما لو أدخل خشبة أو نحوها في دبره ففيها أو احتشت المرأة في فرجها الداخل أو استنجى فوصل الماء إلى دبره الداخل للمبالغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 ومن ذاق شيئاً بفمه لم يفطر، ويكره له ذلك، ويكره للمرأة أن تمضغ لصبيها الطعام إذا كان لها منه بدٌ، ومضغ العلك لا يفطر الصائم ويكره، ومن كان مريضاً في رمضان فخاف إن صام زاد مرضه أفطر وقضى، وإن كان مسافراً لا يستضر بالصوم فصومه أفضل، وإن أفطر وقضى جاز،   الصحيح، لكن اعتمد الأول المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة وأبو الفضل الموصلي، وهو الأولى: لأن المصنف في التقريب حقق أنه ظاهر الرواية في مقابلة قول أبي يوسف وحده. اهـ. تصحيح. (ومن ذاق شيئا بفمه لم يفطر) ، لعدم وصول المفطر إلى جوفه (ويكره له ذلك) ، لما فيه من تعريض الصوم على الفساد (ويكره للمرأة أن تمضغ لصبيها الطعام) لما مر، وهذا (إن كان لها منه بد) : أي محيد، بأن تجد من يمضغ لصبيها كمفطرة لحيض أو نفاس أو صغر، أما إذا لم تجد بداً منه فلها المضغ، لصيانة الولد (ومضغ العلك) الذي لا يصل منه شيء إلى الجوف مع الريق (لا يفطر الصائم) لعدم وصول شيء منه إلى الجوف (ويكره) ذلك، لأنه يتهم بالإفطار. (ومن كان مريضاً في رمضان فخاف) الخوف المعتبر شرعاً، وهو ما كان مستنداً لغلبة الظن بتجربة أو إخبار مسلم عدل أو مستور حاذق بأنه (إن صام ازداد مرضه) أو أبطأ برؤه (أفطر وقضى) ، لأن زيادته وامتداده قد يفضي إلى الهلاك فيحترز عنه (وإن كان مسافراً) وهو (لا يستضر بالصوم فصومه أفضل) لقوله تعالى: {وإن تصوموا خير لكم} (وإن أفطر وقضى جاز) ؛ لأن السفر لا يعرى عن المشقة فجعل نفسه عذراً، بخلاف المرض، لأنه قد يخفف بالصوم فشرط كونه مفضياً إلى الحرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وإن مات المريض أو المسافر وهما على حالهما لم يلزمهما القضاء، وإن صح المريض أو أقام المسافر ثم ماتا لزمهما القضاء بقدر الصحة والإقامة، وقضاء رمضان إن شاء فرقه وإن شاء تابعه، فإن أخره حتى دخل رمضانٌ آخر صام رمضان الثاني وقضى الأول بعده ولا فدية عليه. والحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا ولا فدية عليهما. والشيخ الفاني الذي لا يقدر على الصيام يفطر ويطعم لكل يومٍ مسكيناً كما يطعم في الكفارات،   (وإن مات المريض أو المسافر وهما على حالهما) من المرض والسفر (لم يلزمهما القضاء) لعدم إدراكهما عدة من أيام أخر (وإن صح المريض وأقام المسافر، ثم ماتا؛ لزمهما القضاء بقدر الصحة والإقامة) لوجود الإدراك بهذا المقدار، وفائدته وجوب الوصية بالإطعام. (وقضاء رمضان) مخير فيه (إن شاء فرقه وإن شاء تابعه) لإطلاق النص، لكن المستحب المتابعة مسارعة إلى إسقاط الواجب (وإن أخره حتى دخل رمضان آخر صام الثاني) ، لأنه وقته حتى لو نواه عن القضاء لا يقع إلا عن الأداء، كما تقدم (وقضى الأول بعده) لأنه وقت القضاء (ولا فدية عليه) لأن وجوب القضاء على التراخي حتى كان له أن يتطوع. هداية. (والحامل والمرضع إذا خافتا على ولدهما) نسباً أو رضاعاً، أو على أنفسهما (أفطرتا وقضتا) دفعاً للحرج (ولا فدية عليهما) ، لأنه إفطار بسبب العجز فيكتفى بالقضاء اعتباراً بالمريض والمسافر. هداية. (والشيخ الفاني الذي لا يقدر على الصيام) لقربه إلى الفناء أو لفناء قوته (يفطر ويطعم لكل يوم مسكيناً كما يطعم) المكفر (في الكفارات) وكذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 ومن مات وعليه قضاء رمضان فأوصى به أطعم عنه وليه لكل يومٍ مسكيناً نصف صاعٍ من برٍ أو صاعا من تمرٍ أو صاعاً من شعير. ومن دخل في صوم التطوع أو صلاة التطوع ثم أفسده قضاه (1) .   العجوز الفانية. والأصل فيه قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} معناه "لا يطيقونه" ولو قدر بعد على الصوم يبطل حكم الفداء، لأن شرط الخليفة استمرار العجز. هداية. (ومن مات وعليه قضاء رمضان فأوصى به أطعم عنه وليه) وجواباً إن خرجت من ثلث ماله، وإلا فيقدر الثلث (لكل يوم مسكيناً نصف صاع من بر أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير) ، لأنه عجز عن الآداء في آخر عمره فصار كالشيخ الفاني، ثم لابد من الإيصاء عندنا (2) ، حتى إن مات ولم يوص بالإطعام عنه لا يلزم على ورثته ذلك ولو تبرعوا عنه من غير وصية جاز؛ وعلى هذا الزكاة. هداية. (ومن دخل في صوم التطوع أو في صلاة التطوع ثم أفسده قضاهما) وجوباً،   (1) واختلف فيه الإمام الشافعي محتجاً بما في الصحيحين جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها، فقال: لو كان على أمك دية أكنت قاضيه عنها قال: نعم، قال فدية الله أحق وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم من مات وعليه صوم صام عنه وليه واحتج الحنفية بأن الحديث الأول معروف عن ظاهره للإجماع على عدم قضاء الدين في الصلاة وأن راوى الحديث الأول قال لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد فدل على فسخ الحكم. قال مالك: لم أسمع عن أحد من الصحابة والتابعين بالمدينة أن أحداً منهم أمر أحداً أن يصوم عن أحد ولا يصلي عنه. (2) وهو خلاف مذهب الشافعي أيضاً واستدل بأنه تبرع وبأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى أهله فقلن يا رسول الله أهدى إلينا حبشي فقال أرنيه فقد أصبحت صائماً وآكل وله أدلة أخرى واستدل الحنفية بقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} ومما أخرجه "ثان" عن حفصة أنها قالت عنها وعن عائشة يا رسول الله إنا كنا صائمين فعرض طعام اشتهيناه فأكلنا منه فقال: توفيا يوم آخر وقد طعن في الحديث البخاري والترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وإذا بلغ الصبي، أو أسلم الكافر في رمضان أمسكاً بقية يومهما وصاما ما بعده ولم يقضيا ما مضى، ومن أغمي عليه في رمضان لم يقض اليوم الذي حدث فيه الإغماء وقضى ما بعده،   لأن المؤدى قربة وعمل فنجب صيانته بالمضي عن الإبطال؛ وإذا وجب المضى وجب القضاء بتركه؛ ثم عندنا لا يباح الإفطار فيه بغير عذر في إحدى الروايتين، لما بيناه، ويباح بعذر، والضيافة عذر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أفطر يوماً مكانه) (1) . هداية. وفي رواية عن أبي يوسف: يجوز بلا عذر وهي رواية المنتقى، قال الكمال: واعتقادي أن رواية المنتقى أوجه. (وإذا بلغ الصبي أو أسلم الكافر في) نهار (رمضان أمسكا بقية يومهما) قضاء لحق الوقت بالتشبه بالصائمين (وصاما) ما (بعده) لتحقق السببية والأهلية (ولم يقضيا) يومهما الذي تأهلا فيه، ولا (ما مضى) قبله من الشهر، لعدم الخطاب بعد الأهلية له (ومن أغمي عليه في رمضان لم يقض اليوم الذي حدث فيه الإغماء) أو في ليلته، لوجود الصوم، وهو الإمساك المقرون بالنية، إذ الظاهر وجودها منه (وقضى ما بعده) لانعدام النية، وإن أغمي عليه أول   (1) روى الدارقطني عن جابر رضي الله عنه قال: صنع رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما أتى بالطعام تنحى رجل منهم، فقال عليه الصلاة والسلام: مالك؟ قال: إني صائم، فقال صلى الله عليه وسلم "تكلف أخوك وصنع طعاماً ثم تقول: إني صائم؟ كل وصم يوماً مكانه" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وإذا أفاق المجنون في بعض رمضان قضى ما مضى منه، وإذا حاضت المرأة أفطرت وقضت، وإذا قدم المسافر، أو طهرت الحائض في بعض النهار أمسكا عن الطعام والشراب بقية يومهما، ومن تسحر وهو يظن أن الفجر لم يطلع أو أفطر وهو يرى أن الشمس قد غربت، ثم تبين أن الفجر كان قد طلع أو أن الشمس لم تغرب   ليلة قضاه كله غير يوم تلك الليلة، لما قلناه. ومن أغمي عليه رمضان كله قضاه لأنه نوع مرض بضعف القوى ولا يزيل الحجي؛ فيصير عذرا في التأخير لا في الإسقاط. هداية (وإذا أفاق المجنون في بعض رمضان قضى ما مضى منه) ؛ لأن السبب - وهو الشهر - قد وجد، وأهلية نفس الوجوب بالذمة وهي متحققة بلامانع؛ فإذا تحقق الوجوب بلا مانع تعين القضاء. در. وإن استوعب لجميع ما يمكنه فيه إنشاء الصوم - على ما مر - لا يقضي؛ للحرج، بخلاف الإغماء - كما مر - لأنه لا يستوعب عادة، وامتداده نادر، ولا حرج في ترتيب الحكم على ما هو من النوادر. (وإذا حاضت المرأة) أو نفست (أفطرت وقضت) وليس عليها أن تتشبه حال العذر؛ لأن صومها حرام، والتشبه بالحرام حرام (وإذا قدم المسافر) أو برئ المريض أو أفاق المجنون (أو طهرت الحائض) أو النفساء (في بعض النهار أمسكا) وجوباً، هو الصحيح. جوهرة. (عن) المفطرات من (الطعام والشراب) وغيرهما (بقية يومهما) قضاء لحق الوقت، كما مر (ومن تسحر وهو يظن أن) الليل باق وأن (الفجر لم يطلع أو أفطر وهو يرى) بضم الياء - أي يظن (أن الشمس قد غربت ثم تبين أن الفجر كان) حين ما تسحر (قد طلع أو أن الشمس) حين ما أفطر (لم تغرب) أمسك بقية يومه قضاء لحق الوقت بالقدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 قضى ذلك اليوم ولا كفارة عليه، ومن رأى هلال الفطر وحده لم يفطر. وإذا كان بالسماء علةٌ لم تقبل في هلال الفطر إلا شهادة رجلين، أو رجلٍ وامرأتين، وإن لم يكن بالسماء علةٌ لم تقبل إلا شهادة جمعٍ كثير يقع العلم بخبرهم.   الممكن ودفعا للتهمة، و (قضى ذلك اليوم) ، لأنه حق مضمون بالمثل (ولا كفارة عليه) ، لقصور الجناية بعدم القصد. (ومن رأى هلال الفطر وحده لم يفطر ويجب عليه الصوم احتياطاً؛ لاحتمال الغلط، فإن أفطر فعليه القضاء، ولا كفارة عليه للشبهة. (وإذا كان بالسماء علة لم تقبل في هلال الفطر إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين) ؛ لأنه تعلق به نفع العبد - وهو الفطر - فأشبه سائر حقوقه، والأضحى كالفطر في هذا في ظاهر الرواية، وهو الأصح، خلافاً لما يروى عن أبي حنيفة أنه كهلال رمضان، لأنه تعلق به نفع العباد، وهو التوسع بلحوم الأضاحي. هداية. (وإذا لم يكن بالسماء علة لم تقبل) في هلال الفطر (إلا شهادة جمع كثير يقع العلم بخبرهم) كما تقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 باب الاعتكاف. - الاعتكاف مستحبٌ، وهو اللبث في المسجد مع الصوم ونية الاعتكاف،   باب الاعتكاف وجه المناسبة والتعقيب اشتراط الصوم فيه، وطلبه في العشر الأخير. قال رحمه الله تعالى: (الاعتكاف مستحب) قال في الهداية: والصحيح أنه سنة مؤكدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليه في العشر الأواخر من رمضان، والمواظبة دليل السنية (1) . اهـ. قال الزيلعي: والحق أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: واجب، وهو المنذور، وسنة، وهو في العشر الأخير من رمضان، ومستحب، وهو في غيره. اهـ. (وهو اللبث) بفتح اللام - مصدر لبث - كفهم - أي المكث (في المسجد مع الصوم ونية الاعتكاف) أما اللبث فركنه؛ لأن وجوده به، وأما الصوم فشرط لصحة الواجب، واختلفت الروايات في النفل: روى الحسن عن أبي حنيفة أنه شرط لصحته، وفي ظاهر الرواية ليس بشرط. ذخيرة. والنية شرط في سائر   (1) في الصحيحين وغيرهما عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الآواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ثم اعتكف أزواجه من بعده وقد اقترنت هذه المواظبة بعدم الإبكار على من تركه من الصحابة وإلا كانت دليل الوجوب والأصل في اعتكاف العشر الآواخر التماس ليلة القدر كما دلت الآيات على ذلك ومجموع الأحاديث الثابتة يدل على أنها دائرة في العشر الأخير من رمضان ومهما يكن فإن الاعتكاف من أعظم القربان لما فيه من التفرغ عن الدنيا والإقبال على الله وفي ذلك تطهير القلب وإخلاصه وإصلاحه الخلافة الله الفاضلة المحمودة نسأل الله التوفيق لذلك الانقطاع من غير رهبانية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 ويحرم على المعتكف: الوطء، واللمس، والقبلة، ولا يخرج من المسجد إلا لحاجة الإنسان أو الجمعة، ولا بأس بأن يبيع ويبتاع في المسجد من غير أن يحضر السلع ولا يتكلم إلا بخيرٍ،   العبادات، والمراد بالمسجد مسجد الجماعة، وهو: ما له إمام ومؤذن، أديت فيه. الخمس أولاً، كما في العناية والفيض والنهر وخزانة الأكمل والخلاصة والزازية، وفي الهداية عن أبي حنيفة: أنه لا يصح إلا في مسجد يصلى فيه الصلوات الخمس، لأنه عبادة انتظار الصلاة فيختص بمكان تؤدى فيه؛ وصححه الكمال وعن الإمامين يصح في كل مسجد. وصححه السروجي، وهو اختيار الطحاوي، وقال الخير الرملي: وهو أيسر، خصوصاً في زماننا، فينبغي أن يعول عليه. اهـ. والمرأة تعتكف في مسجد بيتها، وهو الذي عينته لصلاتها؛ لنحقق انتظارها فيه. (ويحرم على المعتكف: الوطء) لقوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد (1) } . (و) كذا (اللمس، والقبلة) لأنهما من دواعيه (ولا يخرج) المعتكف (من المسجد إلا لحاجة الإنسان) الطبيعية كالبول والغائط وإزالة نجاسة، أو الضرورية كانهدام المسجد وتفرق أهله وإخراج ظالم كرهاً وخوف على نفسه أو متاعه؛ فيدخل مسجداً غيره من ساعته (أو) الشرعية مثل صلاة (الجمعة) والعيد، ولا يمكث بعد فراغه مما خرج إليه، لأن ما ثبت ضرورة يتقدر بقدرها. (ولا بأس بأن يبيع) المعتكف (ويبتاع في المسجد) ما لابد منه كطعام ونحوه، لضرورة الاعتكاف؛ لأنه لو خرج إليها فسد اعتكافه، لكن (من غير أن يحضر السلعة) ، لأن المسجد محرز عن حقوق العباد، وفي إحضار السلعة شغل للمسجد، فيكره، كما يكره لغير المعتكف مطلقاً (ولا يتكلم) المعتكف (إلا بخير) وكذا غيره، إلا أن المعتكف به أحرى.   (1) من الآية 187 من سورة البقرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 ويكره له الصمت، فإن جامع المعتكف، ليلاً أو نهاراً بطل اعتكافه، ومن أوجب على نفسه اعتكاف أيامٍ لزمه اعتكافها بلياليها، وكانت متتابعةً وإن لم يشترط التتابع. كتاب الحج.   (ويكره له الصمت) إن اعتقده قربة: لأنه ليس قربة في شريعتنا؛ أما حفظ اللسان عما لا يعني الإنسان فإنه من حسن الإيمان. (فإن جامع المعتكف ليلاً أو نهاراً) عامداً أو ناسياً أنزل أو لا (بطل اعتكافه) ؛ لأن حالة المعتكف مذكرة فلا يعذر بالنسيان، ولو جامع فيما دون الفرج، أو قبل، أو لمس فأنزل - بطل اعتكافه؛ لأنه في معنى الجماع حتى يفسد به الصوم، ولو لم ينزل لا يفسد، وإن كان محرماً؛ لأنه ليس في معنى الجماع، ولهذا لا يفسد به الصوم. هداية. (ومن أوجب على نفسه اعتكاف أيام) يومين فأكثر (لزمه اعتكافها بلياليها) لأن ذكر الأيام على سبيل الجمع يتناول ما بإزائها من الليالي (وكانت متتابعة وإن لم يشترط التتابع) ؛ لأن مبنى الاعتكاف على التتابع؛ لأن الأوقات كلها قابلة له، بخلاف الصوم، لأن مبناه على التفرق؛ لأن الليالي غير قابلة للصوم؛ فيجب على التفريق حتى ينص على التتابع، وإن نوى الأيام خاصة صح؛ لأنه نوى الحقيقة. هداية. كتاب الحج ختم به العبادات الخالصة اقتداء بحديث: "بني الإسلام على خمس" (الحج) بفتح الحاء وكسرها - لغة: القصد مطلقاً، كما في الجوهرة وغيرها تبعاً لإطلاق كثير من كتب اللغة، ونقل في الفتح عن ابن السكيت تقييده بالمعظم، وكذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 - الحج واجبٌ على الأحرار البالغين العقلاء الأصحاء إذا قدروا على الزاد والراحلة، فاضلاً عن مسكنه وما لا بد منه، وعن نفقة عياله إلى حين عوده، وكان الطريق آمناً، ويعتبر في المرأة أن يكون لها محرمٌ   قيده به السيد الشريف في تعريفاته. وشرعاً: زيارة مكان مخصوص في زمن مخصوص بفعل مخصوص. وهو (واجب) (1) : أي فرض في العمر مرة (على الأحرار البالغين العقلاء الأصحاء إذا قدروا على الزاد) ذهاباً وإياباً (والراحلة) من زاملة أو شق محمل (فاضلاً) : أي زائداً ذلك (عن مسكنه وما لا بد) له (منه) كالثياب وأثاث المنزل والخادم ونحو ذلك؛ لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية (و) زائداً أيضاً (عن نفقة عياله) ممن تلزمه نفقته (إلى حين عوده) لتقدم حق العبد لحاجته (وكان الطريق آمناً) بغلبة السلامة؛ لأن الاستطاعة لا تثبت دونه، ثم قيل: هو شرط الوجوب حتى لا يجب عليه الإيصاء، وهو مروى عن أبي حنيفة، وقيل شرط الأداء دون الوجوب. هداية. (ويعتبر في المرأة) ولو عجوزاً (أن يكون لها محرم) بالغ   (1) والحج رياضة روحية وعقلية وبدنية كريمة وهو جهاد مكرم مشكور وفيه من الآيات والآثار ما يشهد بمكانته العليا وآثاره الجليلة وحسبك ما نواه به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه ليس له جزاء إلا الجنة ومن ذاق لذة الحج عرف ما يصنع من تجديد الإيمان واستئناف الحياة السعيدة الموفقة وينبغي لمن أراد الحج أن يبدأ بالتوبة وإخلاص النية ورد المظالم وأن يلتمس النفقة من الحلال ويطلب الرفيق الصالح ليذكره إذا نسي ويعينه إذا عجز ويثبته إذا جزع ويستحب أن يجعل خروجه يوم الخميس اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وإلا فيوم الإثنين ورد في أن السنن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أراد أن يسافر فليقل لمن يخلفه استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 يحج بها أو زوجٌ، ولا يجوز لها أن تحج بغيرهما إذا كان بينها وبين مكة مسيرة ثلاثة أيامٍ ولياليها، وإذا بلغ الصبي بعدما أحرم أو أعتق العبد فمضيا على ذلك لم يجزهما عن حجة الإسلام. والمواقيت التي لا يجوز أن يتجاوزها الإنسان إلا محرماً: لأهل المدينة ذو الحليفة، ولأهل العراق ذات عرقٍ، ولأهل الشأم الجحفة، ولأهل نجدٍ قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم،   عاقل غير فاسق، برحم أو صهرته (يحج بها، أو زوج؛ ولا يجوز لها) : أي يكره تحريماً على المرأة (أن تحج بغيرهما) : أي المحرم والزوج (إذا كان بينها وبين مكة) مدة سفر، ويجوز حجها، وهي (مسيرة ثلاثة أيام ولياليها) فصاعداً، وقد اختلفوا في أن المحرم شرط الوجوب أو شرط الأداء على حسب اختلافهم في أمن الطريق (وإذا بلغ الصبي بعدما أحرم أو أعتق العبد فمضيا على) إحرامهما (ذلك لم يجزهما عن حجة الإسلام) لأن إحرامهما انعقد لأداء النفل، فلا ينقلب لأداء الفرض، ولو جدد الصبي الإحرام قبل الوقوف ونوى حجة الإسلام جاز، والعبد لو فعل ذلك لم يجز؛ لأن إحرام الصبي غير لازم؛ لعدم الأهلية، أما إحرام العبد فلازم؛ فلا يمكنه الخروج منه بالشروع في غيره. هداية. (والمواقيت) : أي المواضع (التي لا يجوز أن يتجاوزها الإنسان) مريداً مكة (إلا محرماً) يأخذ النسكين خمسة: (لأهل المدينة ذو الحليفة) بضم ففتح - موضع على ستة أميال من المدينة، وعشر مراحل من مكة، وتعرف الآن بآبار علي (ولأهل العراق ذات عرق) بكسر فسكون - على مرحلتين من مكة (ولأهل الشام الجحفة) على ثلاث مراحل من مكة بقرب رلغ (ولأهل نجد قرن المنازل) - بسكون الراء - مغرب، على مرحلتين من مكة (ولأهل اليمن يلملم) جبل على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 فإن قدم الإحرام على هذه المواقيت جاز، ومن كان منزله بعد المواقيت فميقاته الحل، ومن كان بمكة فميقاته في الحج الحرم وفي العمرة الحل. وإذا أراد الإحرام اغتسل أو توضأ - والغسل أفضل - ولبس ثوبين جديدين أو غسيلين إزاراً ورداءً ومس طيباً إن كان له   مرحلتين أيضاً. وكذا لمن مر بها من غير أهلها: كأهل الشام الآن، فإنهم يمرون بميقات أهل المدينة فهي ميقاتهم، لكنهم يمرون بالميقات الآخر، فيخيرون بالإحرام منهما، لأن الواجب على من مر بميقاتين لا يتجاوز آخرهما إلا محرماً، ومن الأول أفضل، وإن لم يمر بميقات تحرى وأحرم إذا حاذى أحدها، وإن لم يكن بحيث يحاذي أحدها فعلى مرحلتين (فإن قدم الإحرام على هذه المواقيت جاز) وهو أفضل إن أمن مواقعة المحظورات (ومن كان منزله بعد المواقيت) أي داخلها وخارج الحرم (فوقته) للحج والعمرة (الحل) ويجوز لهم دخول مكة لحاجة من غير إحرام (ومن كان بمكة فميقاته في الحج الحرم وفي العمرة الحل) ليتحقق وقوع السفر؛ لأن أداء الحج في عرفة وهي في الحل، فيكون الإحرام من الحرم وأداء العمرة في الحرم، فيكون الإحرام من الحل، إلا أن التنعيم أفضل، لورود الأثر به. هداية. (وإذا أراد) الرجل (الإحرام) بحج أو عمرة (اغتسل وتوضأ، والغسل أفضل) : لأنه أتم نظافة، وهو للنظافة لا للطهارة، ولذا تؤمر به الحائض والنفساء (ولبس ثوبين جديدين أو غسيلين طاهرين أبيضين ككفن الميت (إزاراً) من السرة إلى تحت الركبتين (ورداء) على ظهره لأنه ممنوع عن لبس المخيط، ولابد من ستر العورة ودفع الحر والبرد، وذلك فيما عيناه، والجديد أفضل، لأنه أقرب إلى الطهارة. هداية (ومس طيباً) استحباباً (إن كان) : أي وجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 طيبٌ وصلى ركعتين وقال: اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني، ثم يلبي عقيب صلاته، فإن كان مفرداً في الحج نوى بتلبيته الحج، والتلبية أن يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. ولا ينبغي أن يخل بشيءٍ من هذه الكلمات، فإن زاد فيها جاز، فإذا لبى فقد أحرم، فليتق ما نهى الله عنه من الرفث والفسوق   (له طيب) وقص أظافره وشاربه، وأزال عانته، وحلق رأسه إن اعتاده، وإلا سرحه (وصلى ركعتين) في غير وقت مكروه (وقال: اللهم) إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني) ، لأن أداءه في أزمنة متفرقة، وأماكن متباينة، فلا يعرى عن المشقة، فيسأل الله تعالى التيسير، بخلاف الصلاة، لأن مدتها يسيرة، وأداؤها عادة ميسر (ثم يلبي عقيب الصلاة) ، لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (لبى في دبر صلاته) وإن لبى بعد ما استوت به راحلته جاز، ولكن الأول أفضل. هداية (فإن كان مفرداً) الإحرام (بالحج نوى بتلبيته الحج) ؛ لأنه عبادة، والأعمال بالنيات (والتلبية أن يقول؛ لبيك، اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك إن الحمد) بكسر الهمزة، وتفتح (والنعمة لك والملك، لا شريك لك) وهي المنقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، (ولا ينبغي أن يخل بشيء من هذه الكلمات) ؛ لأنه هو المنقول باتفاق الرواة فلا ينقص عنه (فإن زاد فيها) : أي عليها بعد الإتيان بها (جاز) بلا كراهة، أما في خلالها فيكره، كما في الدر وغيره. (وإذا لبى) ناوياً (فقد أحرم) ولا يصير شارعاً في الإحرام بمجرد النية، ما لم يأت بالتلبية (فليتق ما نهى الله تعالى عنه من الرفث) وهو الجماع، أو الكلام الفاحش؛ أو ذكر الجماع بحضرة النساء (والفسوق) : أي المعاصي، وهي في حال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 والجدال، ولا يقتل صيداً، ولا يشير إليه، ولا يدل عليه، ولا يلبس قميصاً ولا سراويل ولا عمامةً ولا قلنسوةً ولا قباءً ولا خفين إلا أن لا يجد النعلين فيقطعهما أسفل الكعبين، ولا يغطي رأسه ولا وجهه، ولا يمس طيباً، ولا يحلق رأسه، ولا شعر بدنه، ولا يقص لحيته، ولا من ظفره، ولا يلبس ثوباً مصبوغاً بورسٍ   الإحرام أشد حرمة (والجدال) : أي الخصام مع الرفقة والخدم والمكارين. بحر (ولا يقتل صيداً) برياً (ولا يشير إليه) حاضراً (ولا يدل عليه) غائباً (ولا يلبس قميصاً ولا سراويل) يعني اللبس المعتاد، أما إذا اتزر بالقميص أو ارتدى بالسراويل فلا شيء عليه. جوهرة (ولا) يلبس (عمامة ولا قلنسوة) - بفتح القاف - ما تدار عليها العمامة (ولا قباء) - بالفتح والمد - كساء منفرج من أمام يلبس فوق الثياب، والمراد اللبس المعتاد كما تقدم - حتى لو اتزر أو ارتدى بعمامته وألقى القباء على كتفيه من غير إدخال يديه في كميه ولا زره جاز ولا شيء عليه، غير أنهم قالوا: إن إلقاء القباء والعياء ونحوهما على الكتفين مكروه؛ قال شيخنا: ولعل وجهه أنه كثيراً ما يلبس كذلك تأمل. اهـ. (ولا) يلبس (خفين إلا أن لا يجد النعلين فيقطعهما) : أي الخفين (أسفل الكعبين) والكعب هنا: المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك. هداية (ولا يغطي رأسه ولا وجهه) يعني التغطية المعهودة، أما لو حمل على رأسه عدل برو شبهه فلا شيء عليه، لأن ذلك لا يحصل به المقصود من الإرتفاق، جوهرة (ولا يمس طيباً) بحيث لزق منه بثوبه أو بدنه كاستعمال ماء الورد والمسك وغيرهما (ولا يحلق رأسه ولا شعر بدنه) ويستوي في ذلك إزالته بالموسى وغيره (ولا يقص) شيئاً (من لحيته) ، لأنه في معنى الحلق (ولا من ظفره) ، لما فيه من إزالة الشعث، (ولا يلبس ثوباً مصبوغاً بورس) بوزن فلس - نبت أصفر يزرع في اليمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 ولازعفرانٍ ولا عصفرٍ، إلا أن يكون غسلاً لا ينفض، ولا بأس أن يغتسل، ويدخل الحمام، ويستظل بالبيت، والمحمل، ويشد في وسطه الهميان، ولا يغسل رأسه ولا ليته بالخطمى ويكثر من التلبية عقب الصلوات، وكلما علا شرفاً، أو هبط وادياً، أو لقي ركباناً، وبالأسحار.   ويصنع به، مصباح (ولا زعفران ولا عصفر) لأن لها رائحة طيبة (إلا أن يكون) ما صنع بها (غسيلاً لا ينقض) : أي لا تفوح رائحته؛ وهو الأصح، جوهرة، لأن المنع للطيب لا للون. هداية. (ولا بأس أن يغتسل) المحرم (ويدخل الحمام) لأنه طهارة فلا يمنع منها (ويستظل بالبيت) والفسطاط (والمحمل) بوزن مجلس - واحد محامل الحاج صحاح (ويشد في وسطه الهميان) بالكسر - وهو ما يجعل فيه الدراهم ويشد على الوسط، ومثله المنطقة. (ولا يغسل رأسه ولا لحيته بالخطمى) بكسر الخاء - لأنه نوع طيب، ولأنه يقتل هوام الرأس. هداية. (ويكثر من التلبية) ندباً رافعاً بها صوته من غير مبالغة (عقيب الصلوات) ولو نفلاً (وكلما علا شرفاً) : أي مكاناً مرتفعاً (أو هبط وادياً أو لقي ركباناً) : أي جماعة ولو مشاة (وبالأسحار) ، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يلبون في هذه الأحوال، والتلبية في الإحرام على مثال التكبير في الصلاة، فيؤتى بها عند الانتقال من حال إلى حال. هداية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 فإذا دخل مكة ابتدأ بالمسجد الحرام (1) ، فإذا عاين البيت كبر وهلل ثم ابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله وكبر ورفع يديه واستلمه وقبله إن استطاع من غير أن يؤذي مسلماً،   (فإذا دخل مكة ابتدأ بالمسجد الحرام) بعدما يأمن على أمتعته، داخلاً من باب السلام خاشعاً متواضعاً ملاحظاً عظمة البيت وشرفه (فإذا عاين البيت كبر) الله تعالى الأكبر من كل كبير؛ ثلاثاً (وهلل) كذلك ثلاثاً ومعناه التبري عن عبادة غيره تعالى ويلزمه التبري عن عبادة البيت المشاهد، ودعا بما أحب؛ فإنه من أرجى مواضع الإجابة، ثم أخذ بالطواف، لأنه تحية البيت، مالم يخف فوت المكتوبة أو الجماعة (ثم ابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله وكبر وهلل ورفع يديه) كرفعهما للصلاة (واستلمه) بباطن كفيه (وقبله) بينهما (إن استطاع من غير أن يؤذي مسلماً) ، لأنه سنة، وترك الإيذاء واجب،   (1) في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت وروى أبو الوليد الأزرقي في تاريخ مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة لم يلو على شيء ولم يعرج ولا بلغنا أنه دخل بيتاً ولا نها بشيء حتى دخل المسجد فبدأ بالبيت فطاف به ويستحب أن يقول عند دخوله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك ويستحب أن يفعل لدخول مكة لحديث ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم لا يقدم مكة إلا يأت بذى طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهاراً ويستحب للحائض والنفساء كما في غسل الإحرام ويستحب أن يكون الدخول من ثنية كفراء ولا نصرة أن يدخلها ليلاً أو نهاراً وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم كلا منهما وما روى أن ابن عمر نهى عن الدخول ليلاً فإنما كان شفقة على الحجاج من السراق. وينبغي أن يقول عند دخوله هذا الدعاء المأثور اللهم أنت ربي وأنا عبدك جئت لأؤدي فرضك وأطلب رحمتك وألتمس رضاك متبعاً لأمرك راضياً بقضائك. أسألك مسألة المضطرين المشفعين من عذابك أن تستقبلني اليوم بعفوك وتحفظني برحمتك وتتجاوز عني بمغفرتك وتعينني على أداء فرضك. اللهم افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني فيها وأعذني من الشيطان الرجيم. كتب الله لنا زيارة البيت دائماً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 ثم أخذ عن يمينه مما يلي الباب، وقد اضطبع رداءه قبل ذلك، فيطوف بالبيت سبعة أشواطٍ، ويجعل طوافه من وراء الحطيم، ويرمل في الأشواط الثلاثة الأول، ويمشي فيما بقي على هينته، ويستلم الحجر كلما مر به إن استطاع، ويختم الطواف بالاستلام، ثم يأتي المقام   فإن لم يقدر يضعها ثم يقبلهما أو إحداهما، وإلا يمكنه يمسه شيئاً في يده ثم يقبله، وإلا أشار إليه بباطن كفيه كأنه وضعهما عليه وقبلهما (ثم أخذ) يطوف (عن يمينه) : أي جهة يمين الطائف. وهي (مما يلي) الملتزم و (الباب، وقد اظطبع رداءه) بأن جعله تحت إبطه الأيمن. ويلقيه على كتفه الأيسر (قبل ذلك) ؛ أي قبل الشروع، وهو سنة (فيطوف بالبيت سبعة أشواط) كل واحد من الحجر إلى الحجر (ويجعل طوافه من وراء الحطيم) وجوباً، ويقال له "الحجر" أيضاً، لأنه حطم من البيت وحجر عنه: أي منع، لأنه ستة أذرع منه من البيت، فلو طاف من الفرجة التي بينه وبين البيت لا يجوز احتياطاً، ويأتي (ويرمل) بأن يسرع مشيه مع تقارب الخطا وهو الكتفين (في الأشواط الثلاثة الأول) من الحجر إلى الحجر، فإذا زحمه الناس قام، فإذا وجد مسلكاً رمل، لأنه لا بدل له فيقف حتى يقيمه على وجه السنة. هداية (ويمشي فيما بقي من الأشواط (على هينته) بسكينة ووقار (ويستلم الحجر كلما مر به) ، لأن أشواط الطواف كركعات الصلاة، فكما يفتتح كل ركعة بالتكبير يفتتح كل شوط باستلام الحجر. جوهرة (إن استطاع) كما مر، ويستلم الركن اليماني أيضاً (1) . (ويختتم الطواف بالاستلام) كما ابتدأ به، (ثم يأتي مقام إبراهيم) عليه السلام   (1) في الهداية إن ذلك حسن في ظاهر الرواية وعن محمد أنه سنة ولا يستلم غيرهما فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستلم هذين الركعتين ولا يستلم غيرهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 فيصلي عنده ركعتين أو حيث تيسر من المسجد، وهذا الطواف طواف القدوم، وهو سنةٌ وليس بواجب، وليس على أهل مكة طواف القدوم، ثم يخرج إلى الصفا فيصعد عليه ويستقبل البيت، ويكبر ويهلل، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو الله تعالى بحاجته، ثم ينحط نحو المروة ويمشي على هينته، فإذا بلغ إلى بطن الوادي سعى بين الميلين الأخضرين سبعاً   وهو حجر كان يقوم عليه عند بناء البيت ظاهر فيه أثر قدمه الشريف (فيصلي عنده ركعتين أو حيث تيسر من المسجد) وهي واجبة لكل إسبوع (1) ، ولا تصلى إلا في وقت مباح (وهذا الطواف) يقال له: (طواف القدوم) وطواف التحية (2) . (وهو سنته) للآفاقي (وليس بواجب) . (وليس على أهل مكة طواف القدوم) ، لانعدام القدوم في حقهم (ثم يعود إلى الحجر فيستلمه و (يخرج) ندباً من باب بنى مخزوم المسمى بباب الصفا، اقتداء بخروج سيدنا المصطفى (إلى الصفا فيصعد عليه) بحيث يرى الكعبة من الباب (ويستقبل البيت ويكبر ويهلل ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو الله تعالى بحاجته) رافعاً يديه نحو السماء (ثم ينحط نحو المروة ويمشي على هينته) بالسكينة والوقار (فإذا بلغ إلى بطن الوادي) قديماً، أما الآن فقد ارتدم من السيول حتى استوى مع أعلاه (سعى) : أي عدا في مشيه (بين الميلين الأخضرين) ، المتخذين في جدار المسجد علماً لموضع بطن الوادي فوضعوا الميلين علامة لموضع الهرولة فيسعى (سعياً) من أول بطن الوادي عند   (1) المراد بالاسبوع السبعة الأشواط أي كل طواف تام ومذهب الشافعي أنها سنة لانعدام دليل الوجوب. (2) ويسمى أيضاً طواف اللقاء وطواف أول العهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 حتى يأتي المروى فيصعد عليها ويفعل كما فعل على الصفا، وهذا شوطٌ، فيطوف سبعة أشواطٍ، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، ثم يقيم بمكة حراماً يطوف بالبيت كلما بدا له، فإذا كان قبل يوم التروية بيوم خطب الإمام خطبةً يعلم الناس فيها الخروج إلى منىً والصلاة بعرفاتٍ والوقوف والإفاضة (1) ، فإذا صلى الفجر (2) يوم التروية بمكة خرج إلى منىً فأقام بها   أول ميل إلى منتهى بطن الوادي عند الميل الثاني، ثم يمشي على هينته (حتى يأتي المروى فيصعد عليها ويفعل كما فعل على الصفا (من استقبال البيت والتكبير والتهليل والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (وهذا شوط واحد؛ فيطوف) ستة أشواط أخر مثله حتى تصير (سبعة أشواط: يبدأ بالصفا) وجوباً (ويختم بالمروة) ويسعى في بطن الوادي في كل شوط، قال في التصحيح: السعي بين الصفا والمروة واجب باتفاقهم، اهـ، (ثم يقيم بمكة حراماً) إلى تمام نسكه (يطوف بالبيت) تطوعاً (كلما بدا له) وهو أفضل من تطوع الصلاة للآفاقي (فإذا كان قبل يوم التروية بيوم) وهو سابع ذي الحجة (خطب الإمام) بعد الزوال وصلاة الظهر (خطبة يعلم الناس فيها الخروج إلى منى والصلاة بعرفات والوقوف) بها (والإفاضة) منها (فإذا صلى الفجر يوم التروية) وهو ثامن ذي الحجة (بمكة خرج إلى منى) قرية من الحل، على فرسخ من مكة، وفرسخين أو أكثر من عرفات (فأقام بها)   (1) وهذه إحدى خطب الحج الثلاث والثانية بعرفات يوم عرفة والثالثة بمنى يوم الحادي عشر. (2) قال الرغيناني أن الخروج بعد طلوع الشمس وصححه الكمال لما عين ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الفجر يوم التروية بمكة فلما طلعت الشمس راح إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء وبالصبح يوم عرفة ويستحب أن يدعو بالمأثور عند خروجه إلى منى ومن ذلك: اللهم إياك أرجو وإياك أدعو وإليك أرغب. اللهم بلغني صالح عملي وأصلح لي في ذريتي فإذا وصل منى قال: اللهم هذا مني وهذا ما دللتنا عليه من المناسك فمن علينا بجوامع الخيرات وبما مننت به على إبراهيم خليلك ومحمد حبيبك وبما مننت به على أهل طاعتك فإني عبدك وناصيتي بيدك طالباً مرضاتك ويستحب أن ينزل عند مسجد الخيف إن استطاع ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 حتى يصلي الفجر يوم عرفة، ثم يتوجه إلى عرفاتٍ فيقيم بها، فإذا زالت الشمس من يوم عرفة صلى الإمام بالناس الظهر والعصر يبتدئ فيخطب خطبةً يعلم الناس فيها الوقوف بعرفة والمزدلفة، ورمي الجمار والنحر وطواف الزيارة، ويصلي بهم الظهر والعصر في وقت الظهر بآذانٍ وإقامتين، ومن صلى في رحله وحده صلى كل واحدةٍ منهما في وقتها عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى،   وبات (حتى يصلي) بها (الفجر يوم عرفة، ثم) بعد طلوع الشمس (يتوجه إلى عرفات) على طريق ضب (فيقيم بها) إلى الزوال. (فإذا زالت الشمس من يوم عرفة صلى الإمام بالناس الظهر والعصر) وذلك بعدما (يبتدئ) الإمام (فيخطب خطبة قبل الصلاة يعلم الناس فيها الصلاة والوقوف بعرفة و) الوقوف (بالمزدلفة ورمي الجمار والنحر وطواف الزيارة) ونحو ذلك (ويصلي بهم الظهر والعصر في وقت الظهر بأذان) واحد (وإقامتين) لأن العصر يؤدى قبل وقته المعهود فيفرد بالإقامة إعلاماً للناس، ولا يتطوع بين الصلاتين تحصيلاً لمقصود الوقوف؛ ولهذا قدم العصر على وقته. هداية (ومن صلى في رحله وحده) أو مع جماعة بغير الإمام الأعظم (صلى كل واحدة منهما في وقتها) المعهود (عند أبي حنيفة) ؛ لأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وقال أبو يوسف ومحمدٌ رحمهما الله: يجمع بينهما المنفرد، ثم يتوجه إلى الموقف فيقف بقرب الجبل، وعرفات كلها موقفٌ إلا بطن عرفة. وينبغي للإمام أن يقف بعرفة على راحلته ويدعو ويعلم الناس المناسك، ويستحب أن يغتسل قبل الوقوف ويجتهد في الدعاء، فإذا غربت الشمس أفاض الإمام والناس معه على هينتهم حتى يأتوا المزدلفة فينزلوا بها، والمستحب أن ينزل بقرب الجبل الذي عليه الميقدة   المحافظة على الوقت فرض بالنصوص فلا يجوز تركه إلا فيما ورد الشرع به، وهو الجمع بالجماعة مع الإمام. هداية (وقال أبو يوسف ومحمد: يجمع بينهما المنفرد) أيضاً: لأن جوازه للحاجة إلى امتداد الوقوف، والمنفرد محتاج إليه، قال الإسبيجاني الصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده برهان الشريعة والنسفي تصحيح (ثم يتوجه إلى الموقف فيقف بقرب الجبل) المعروف بجبل الرحمة (وعرفات كلها موقف إلا بطن عرفة) كرطبة، وبضمتين لغة: واد بحذاء عرفات (وينبغي للإمام أن يقف بعرفة) عند الصخرات الكبار (على راحلته) مستقبل القبلة (ويدعو) بما شاء، وإن تبرك بالمأثور كان حسناً (ويعلم الناس المناسك) وينبغي للناس أن يقفوا بقرب الإمام ليؤمتوا على دعائه ويتعلموا بتعليمه، ويقفون وراءه ليكونوا مستقبلين القبلة (ويستحب أن يغتسل قبل الوقوف) ، لأنه يوم اجتماع كالجمعة والعيدين (ويجتهد في الدعاء) لأنه من أرجى مواضع الإجابة (فإذا غربت الشمس أفاض الإمام والناس معه على هينتهم) على طريق المأزمين (حتى يأتوا المزدلفة فينزلوا بها وحدها من مأزمى عرفة إلى مأزمى محسر (والمستحب أن ينزل بقرب الجبل الذي عليه الميقدة) : موضع كانت الخلفاء توقد فيه النار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 يقال له قزح، ويصلي الإمام بالناس المغرب والعشاء بأذانٍ وإقامةٍ، ومن صلى المغرب في الطريق لم يجز عند أبي حنيفة ومحمدٍ، فإذا طلع الفجر صلى الإمام بالناس الفجر بغلسلٍ ثم وقف ووقف الناس معه، فدعا: والمزدلفة كلها موقفٌ إلا بطن محسرٍ، ثم أفاض الإمام والناس معه قبل طلوع الشمس حتى يأتوا منى فيبتدئ بجمرة العقبة فيرميها من بطن الوادي بسبع حصياتٍ مثل حصى الخذف،   في تلك الليلة ليهتدي بها، يقال لها: كانون آدم، و (يقال له) : أي لذلك الجبل. (قزح) بضم ففتح - وهو المشعر الحرام على الأصح. نهر. (ويصلي الإمام بالناس المغرب والعشاء) في وقت العشاء (بأذان) واحد (وإقامة) واحدة؛ لأن العشاء في وقتها فلم تحتج للإعلام كما لا احتياج هنا للإمام (ومن صلى المغرب في الطريق لم يجز عند أبي حنيفة ومحمد) وعليه إعادتها، مالم يطلع الفجر. هداية، قال في التصحيح: واعتمد قولهما المحبوبي والنسفي، وقال أبو يوسف؛ يجزئه وقد أساء اهـ. (فإذا طلع الفجر) يوم النحر (صلى الإمام بالناس الفجر بغلس) ، لأجل الوقوف (ثم وقف) بمزدلفة وجوباً، ووقته من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ولو لحظة كما مر في عرفة (ووقف الناس معه فدعا) وكبر وهلل ولبى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم (والمزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر) وهو واد بين منى ومزدلفة (ثم) إذا أسفر جداً (أفاض الإمام والناس معه قبل طلوع الشمس) مهللين مكبرين ملبين (حتى يأتوا منى فيبتدئ بجمرة العقبة فيرميها من بطن الوادي) جاعلاً مكة عن يساره ومنى عن يمينه (بسبع حصيات مثل حصى الخذف) بوزن فلس - صغار الحصى، قيل: مقدار الحمصة؛ وقيل: النواة، وقيل: الأنملة، ولو رمى بأكبر أو أصغر أجزأه، إلا أنه لا يرمي بالكبار خشية أن يؤذي أحداً، ولو رمى من فوق العقبة أجزأه، لأن ما حولها موضع النسك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 ويكبر مع كل حصاةٍ ولا يقف عندها ويقطع التلبية مع أول حصاةٍ، ثم يذبح إن أحب، ثم يحلق أو يقصر، والحلق أفضل، وقد حل له كل شيء إلا النساء، ثم يأتي مكة من يومه ذلك أو من الغد أو من بعد الغد، فيطوف بالبيت طواف الزيارة سبعة أشواطٍ، فإن كان سعى بين الصفا والمروة عقيب طواف القدوم لم يرمل في هذا الطواف   والأفضل أن يكون من بطن الوادي. هداية. ولو وقعت على ظهر رجل أو جمل: إن وقعت بنفسها بقرب الجمرة جاز، وإلا لا، وثلاثة أذرع بعيد، وما دونه قريب، جوهرة (يكبر مع كل حصاة) ولو سبح أجزأه، لحصول الذكر وهو من آداب الرمي. هداية (ولا يقف عندها) لأنه لا رمي بعدها، والأصل أن كل رمي بعده رمي يقف عنده، ويدعو، وما ليس بعده رمي لا يقف عنده، والأصل في ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم (ويقطع التلبية مع أول حصاة) إن رمى قبل الحلق، وإن حلق قبل الرمي قطع التلبية، لأنها لا تثبت مع التحلل (ثم يذبح) تطوعاً (إن أحب) ؛ لأنه مفرد (ثم يحلق) جميع رأسه ويكفي ربعه (أو يقصر) أن يأخذ منه مقدار الأنملة، ويكفي التقصير من ربعه أيضاً (والحلق أفضل) من التقصير؛ لأن الحلق أكمل في قضاء التفث، وهو المقصود، فأشبه الاغتسال مع الوضوء (وقد حل له) : أي بعد الحلق أو التقصير (كل شيء) من محظورات الإحرام (إلا النساء) : أي جماعهن ودواعيه (ثم يأتي مكة من يومه ذلك) : أي أول أيام النحر (أو من الغد أو من بعد الغد) وأفضلها أولها (فيطوف بالبيت طواف الزيارة) ويسمى طواف الإفاضة؛ وطواف الفرض (سبعة أشواط) وجوباً، والفرض منها أربعة (فإن كان سعى بين الصفا والمروة) سابقاً (عقب طواف القدوم لم يرمل في هذا الطواف) : لأن الرمل في طواف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 ولا سعى عليه وإن لم يكن قدم السعي رمل في هذا الطواف وسعى بعده على ما قدمناه، وقد حل له النساء، وهذا الطواف هو المفروض في الحج، ويكره تأخيره عن هذه الأيام، فإن أخره عنها لزمه دمٌ عند أبي حنيفة، ثم يعود إلى منىً فيقيم بها، فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني من النحر رمى الجمار الثلاث يبتدئ بالتي تلي المسجد فيرميها بسبعٍ حصياتٍ يكبر مع كل حصاةٍ ويقف ويدعو عندها، ثم يرمي التي تليها مثل ذلك ويقف عندها، ثم يرمي جمرة العقبة كذلك ولا يقف عندها،   بعده سعى (ولا سعي عليه) : لأن تكراره غير مشروع (فإن لم يكن قدم السعي) بعد طواف القدوم (رمل في هذا الطواف) استناناً (وسعى بعده) وجوباً؛ على ما قدمناه (وقد حل له النساء أيضا) ولكن بالحلق السابق؛ إذ هو المحلل، لا بالطواف، إلا أنه أخر عمله في حق النساء. هداية. (وهذا الطواف هو المفروض في الحج) وهو ركن فيه، إذ هو المأمور به في قوله تعالى {وليطوفوا بالبيت العتيق} (1) . (ويكره) تحريماً (تأخيره عن هذه الأيام) الثلاثة (فإن أخره عنها لزمه دم عند أبي حنيفة) قال في التصحيح: وهو المعول عليه عند النسفي والمحبوبي (ثم يعود إلى منى) من يومه (فيقيم بها) لأجل الرمي (فإذا زالت الشمس في اليوم الثاني من) أيام (النحر رمى الجمار الثلاث) والسنة أنه (يبتدئ بالتي تلي المسجد) مسجد الخيف (فيرميها بسبع حصيات) ويسن أنه (يكبر مع كل حصاة ويقف عندها ويدعو) ، لأنه بعده رمى (ثم يرمي التي تليها مثل ذلك) الرمي الذي ذكر في الأولى: من كونه بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة (ويقف عندها) ويدعو (ثم يرمي جمرة العقبة كذلك، و) لكنه (لا يقف عندها) ،   (1) من الآية 39 من سورة الحج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 فإذا كان من الغد رمى الجمار الثلاث بعد زوال الشمس كذلك، فإذا أراد أن يتعجل النفر نفر إلى مكة، وإن أراد أن يقيم رمى الجمار الثلاث في يوم الرابع بعد زوال الشمس، فإن قدم الرمي في هذا اليوم قبل الزوال بعد طلوع الفجر جاز عند أبي حنيفة، ويكره أن يقدم الإنسان ثقله إلى مكة ويقيم بها حتى يرمي، فإذا نفر إلى مكة نزل بالمحصب، ثم طاف بالبيت سبعة أشواطٍ لا يرمل فيها، وهذا طواف الصدر،   لأنه ليس بعده رمي (فإذا كان من الغد) وهو الثالث من أيام النحر (رمى الجمار الثلاث بعد زوال الشمس) أيضاً (كذلك) : أي مثل الرمي في اليوم الثاني (فإذا أراد أن يتعجل النفر) في اليوم الثالث (نفر إلى مكة) قبل طلوع فجر الرابع، لا بعده، لدخول وقت الرمي (وإذا أراد أن يقيم) إلى الرابع وهو الأفضل (رمى الجمار الثلاث يوم الرابع بعد زوال الشمس) أيضاً (فإن قدم الرمي في هذا اليوم قبل الزوال بعد طلوع الفجر جاز عند أبي حنيفة) قال في الهداية: وهذا استحسان، واختاره برهان الشريعة والنسفي وصدر الشريعة. تصحيح (ويكره أن يقدم الإنسان ثقله) بفتحتين - متاعه وخدمه (إلى مكة ويقيم) بمنى (حتى يرمي) ، لأنه يوجب شغل قلبه (فإذا نفر إلى مكة نزل) ندباً (بالمحصب) بضم فتحتين - الأبطح، ويقال له؛ البطحاء، وخيف بني كنانة، قال في الفتح: وهو فناء مكة، وحده: ما بين الجبلين المتصلين بالمقابر إلى الجبال المقابلة لذلك مصعداً في الشق الأيسر وأنت ذاهب إلى منى مرتفعاً عن بطن الوادي (ثم) إذا أراد السفر (طاف بالبيت سبعة أشواط لا يرمل فيها، وهذا) يقال له (طواف الصدر) وطواف الوداع، وطواف آخر عهد بالبيت، لأنه يودع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وهو واجبٌ (1) إلا على أهل مكة، ثم يعود إلى أهله. فإن لم يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفاتٍ ووقف بها على ما قدمناه فقد سقط عنه طواف القدوم ولا شيء عليه لتركه.   البيت ويصدر به (وهو واجب إلا على أهل مكة) ومن في حكمهم ممن كان داخل الميقات، لأنهم لا يصدرون ولا يودعون (2) ، ويصلي بعده ركعتي الطواف، ويأتي زمزم فيشرب من مائها، ثم يأتي الملتزم (3) فيضع صدره ووجهه عليه. ويتشبث بالأستار، ويدعو بما أحب، ويرجع قهقرى حتى يخرج من المسجد وبصره ملاحظ للبيت متباكياً متحاسراً على فراقه، ويخرج من باب حزورة المعروف بباب الوداع (ثم يعود إلى أهله) لفراغه من أفعال حجه. (فإن لم يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفات ووقف بها على ما قدمناه فقد سقط عنه طواف القدوم) ؛ لأنه تحية البيت ولم يدخل (ولا شيء عليه لتركه) ؛ لأنه سنة ولا شيء بتركها.   (1) وهو سنة عند الشافعي بمنزلة طواف القدوم ويستدل الحنفية بما أخرجه الترمذي من حديث "من حج البيت فليكن آخر عهده بالبيت" إلا الحيض فرخص لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال حسن صحيح وبين مثله في الصحيحين عن ابن عباس والأصل في الأمر الوجوب ويؤيده قوله رخص لهن فهو يشعر بعدم الترخيص لغيرهن ونبغي أن يعيده إذا اشتغل بشيء بعده. (2) وقال أبو يوسف أحب إلى أن يطوف المكي طواف الصدر لأنه وضع لختم أفعال الحج كما في البدائع. (3) الملتزم ما بين الركن والباب معروف وهو من الأماكن التي يستجاب فيها الدعاء نقله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال فوالله ما دعوت قط إلا أجابني وفي رسالة الحسن البصري إن الدعاء يستجاب هناك في خمسة عشر موضعاً منها الطواف والملتزم وتحت الميزاب وفي البيت وعند زمزم وخلف المقام وعلى الصفا وعلى المروة وفي المسعى وفي عرفات وفي مزدلفة وفي منى وعند الجمرات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 ومن أدرك الوقوف بعرفة ما بين زوال الشمس من يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج، ومن اجتاز بعرفة وهو نائمٌ أو مغمى عليه أو لم يعلم أنها عرفة أجزأه ذلك عن الوقوف. والمرأة في جميع ذلك كالرجل، غير أنها لا تكشف رأسها، وتكشف وجهها، ولا ترفع صوتها بالتلبية، ولا ترمل في الطواف، ولا تسعى بين الميلين، ولا تحلق رأسها، ولكن تقصر.   (ومن أدرك الوقوف بعرفة) ولو لحظة في وقته، وهو ما بين زوال الشمس من يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج) : أي أمن من فساده، وإلا فقد بقي عليه الركن الثاني، وهو طواف الزيارة (ومن اجتازه) : أي مر (بعرفة وهو نائم أو مغمى عليه أو لم يعلم أنها عرفة أجزأه ذلك عن الوقوف) لأن الركن - وهو الوقوف - قد وجد، والجهل يخل بالنية، وهي ليست بشرط فيه. (والمرأة في جميع ذلك) المار (كالرجل) لعموم الخطاب (غير أنها لا تكشف رأسها) : لأنها عورة (وتكشف وجهها) ولو سدلت شيئاً عليه وجافته عنه جاز؛ لأنه بمنزلة الاستظلال بالمحمل (ولا ترفع صوتها بالتلبية) بل تسمع نفسها دفعا للفتنة (ولا ترمل في الطواف) ولا تضطبع، ولا تسعى بين الميلين (ولا تحلق رأسها، ولكن تقصر) من ربع شعرها كما مر، وتلبس المخيط والخفين، والخنثى كالمرأة فيما ذكر احتياطاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 باب القران. - القران عندنا أفضل من التمتع والإفراد. وصفة القران: أن يهل بالعمرة والحج معاً من الميقات، ويقول عقيب صلاته: اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني، فإذا دخل مكة ابتدأ فطاف بالبيت سبعة أشواطٍ يرمل في الثلاث الأول منها ويسعى بعدها بين الصفا والمروة،   باب القران مصدر قرن، من باب ضرب ونصر. (القران) لغة؛ الجمع بين الشيئين مطلقاً، وشرعاً: الجمع بين إحرام العمرة والحج في سفر واحد، وهو (عندنا أفضل من التمتع والإفراد) ؛ لأن فيه استدامة الإحرام بهما من الميقات إلى أن يفرغ منهما، ولا كذلك التمتع، فكان القران أولى منه. هداية. (وصفة القران: أن يهل بالعمرة والحج معا من الميقات) ؛ حقيقة، أو حكماً بأن أحرم بالعمرة أولا ثم بالحج قبل أن يطوف لها أكثر الطواف، لأن الجمع قد تحقق، لأن الأكثر منها قائم، وكذا عكسه، لكنه مكروه، وإذا عزم على أدائهما يسن له سؤال التيسير فيهما، ويقدم ذكر العمرة على الحج فيه، ولذا قال (ويقول عقيب الصلاة: اللهم إني أريد العمرة والحج فيسرهما لي وتقبلهما مني) وفي بعض النسخ تقديم ذكر الحج على العمرة. والأولى أولى، وكذلك يقدمها في التلبية، لأنه يبدأ بأفعال العمرة، فكذلك يبدأ بذكرها. هداية (فإذا دخل مكة ابتدأ) بأفعال العمرة (فطاف بالبيت سبعة أشواط) وجوباً، والفرض منها أكثر، ويسن أنه (يرمل في الثلاث الأول منها، وسعى بعدها بين الصفا والمروة) وجوباً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وهذه أفعال العمرة، ثم يطوف بعد السعي طواف القدوم ويسعى بين الصفا والمروة كما بينا في المفرد، فإذا رمى الجمرة يوم النحر ذبح شاةً أو بقرةً أو بدنةً أو سبع بدنةٍ، فهذا دم القران، فإن لم يكن له ما يذبح صام ثلاثة أيامٍ في الحج وآخرها يوم عرفة، فإن فاته الصوم حتى جاء يوم النحر لم يجزه إلا الدم، ثم يصوم سبعة أيامٍ إذا رجع إلى أهله، وإن صامها بمكة بعد فراغه من الحج جاز. وإن لم يدخل القارن مكة وتوجه إلى عرفاتٍ فقد صار رافضاً لعمرته بالوقوف،   (وهذه أفعال العمرة) ولا يحلق؛ لأنه بقي عليه أفعال الحج، ولو حلق لم يحل من عمرته ولزمه دمان (ثم) يشرع بأفعال الحج كالمفرد: (يطوف بعد) فراغه من (السعي) للعمرة (طواف القدوم) ويرمل في الثلاثة الأول ويسعى بين الصفا والمروة كما) بينا ذلك (في المفرد) آنفاً (وإذا رمى الجمرة) الأولى (يوم النحر ذبح) وجوباً (شاة أو بقرة أو بدنة أو سبع بدنة، فهذا دم القران) وهو دم شكر فيأكل منه (فإن لم يكن له ما يذبح صام ثلاثة أيام في الحج) ولو متفرقة (آخرها يوم عرفة، فإن فاته الصوم) : أي صوم الثلاثة الأيام في أيام الحج (حتى أتى يوم النحر لم يجزه إلا الدم) فلو لم يقدر تحلل وعليه دمان: دم القران، ودم التحلل قبل الذبح (ثم يصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله، وإن صامها بمكة بعد فراغه من) أفعال (الحج جاز) ؛ لأن المراد من الرجوع الفراغ من أعمال الحج. (وإن لم يدخل القارن مكة وتوجه إلى عرفات) ووقف بها في وقته، وإلا فلا عبرة به (فقد صار رافضا لعمرته بالوقوف) ؛ لأنه تعذر عليه أداؤها؛ لأنه يصير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وبطل عنه دم القران، وعليه دمٌ لرفض عمرته، وعليه قضاؤها. باب التمتع. - التمتع أفضل من الإفراد عندنا. والتمتع على وجهين: متمتعٌ يسوق الهدي، ومتمتعٌ لا يسوق الهدي. وصفة التمتع: أن يبتدئ من   بانيا أفعال العمرة على أفعال الحج، وذلك خلاف المشروع، ولا يصير رافضاً بمجرد التوجه، وهو الصحيح. هداية. (و) إذا ارتفضت عمرته (بطل) . أي سقط (عنه دم القران) ؛ لأنه لم يوفق لأداء النسكين (و) وجب (عليه دم لرفض عمرته) وهو دم جبر لا يجوز أكله منه (و) وجب (عليه قضاؤها) ؛ لأنه بشروعه فيها أوجبها على نفسه، ولم يوجد منه الأداء؛ فلزمه القضاء. باب التمتع مناسبته للقران أن في كل منهما جمعا بين النسكين، وقدم القران لمزيد فضله. نهر. (التمتع) لغة: الانتفاع، وشرعاً الجمع بين إحرام العمرة وأفعالها أو أكثرها وإحرام الحج وأفعاله في أشهر الحج من غير إلمام صحيح بأهله. جوهرة، وهو (أفضل من الإفراد عندنا) ؛ لأن فيه جمعاً بين العبادتين، فأشبه القران، ثم فيه زيادة نسك، وهو إراقة الدم. هداية. (والمتمتع على وجهين: متمتع يسوق الهدى) معه (ومتمتع لا يسوق الهدي) وحكمهما مختلف، كما عليه ستقف. (وصفة المتمتع) الذي لم يسق معه الهدي (أن يبتدئ) بالإحرام (من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 الميقات فيحرم بعمرةٍ ويدخل مكة فيطوف لها ويسعى ويحلق أو يقصر، وقد حل من عمرته، ويقطع التلبية إذا ابتدأ بالطواف، ويقيم بمكة حلالاً، فإذا كان يوم التروية أحرم بالحج من المسجد، وفعل ما فعله الحاج، المفرد وعليه دم التمتع، فإن لم يجد صام ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعةُ إذا رجع. وإذا أراد المتمتع أن يسوق الهدي أحرم وساق هديه،   الميقات فيحرم بعمرة) فقط (ويدخل مكة فيطوف لها) : أي للعمرة، ويرمل في الثلاث الأول (ويسعى ويحلق أو يقصر. قد حل من عمرته) وهذا تفسير العمرة، وكذلك إذا أراد أن يفرد بالعمرة فعل ما ذكر. هداية، وليس عليه طواف قدوم، لتمكنه بقدومه من الطواف الذي هو ركن في نسكه، فلا يشتغل عنه بغيره، بخلاف الحج: فإنه عند قدومه لا يتمكن من الطواف الذي هو ركن الحج، فيأتي بالمسنون تحية للبيت إلى أن يجئ وقت الذي هو ركن (ويقطع التلبية إذا ابتدأ بالطواف) ؛ لأنه المقصود من العمرة، فيقطعها عند ابتدائه (ويقيم بمكة حلالاً) لأنه حل من العمرة (فإذا كان يوم التروية) وقبله وأفضل، وجاز بعده ولو يوم عرفة (أحرم بالحج من المسجد) ندباً، والشرط: أن يحرم من الحرم، لأنه في المكي، وميقات المكي في الحج الحرم كما تقدم (وفعل ما يفعله الحاج المفرد) لأنه مؤد للحج إلا أنه يرمل في طواف الزيارة، ويسعى بعده، لأن هذا أول طواف له في الحج، بخلاف المفرد، لأنه قد سعى مرة، ولو كان هذا المتمتع بعد ما أحرم بالحج طاف وسعى قبل أن يروح إلى منى لم يرمل في طواف الزيارة، ولا يسعى بعده، لأنه قد أتى بذلك مرة. هداية (و) وجب (عليه دم التمتع) وهو دم شكر فيأكل منه) فإن لم يجد) الدم (صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع) : أي فرغ من أداء نسكه ولو قبل وصوله إلى أهله. (وإن أراد المتمتع أن يسوق الهدي) معه وهو أفضل (أحرم وساق هديه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 فإذا كانت بدنةً قلدها بمزادةٍ أو نعلٍ وأشعر البدنة عند أبي يوسف ومحمدٍ، وهو: أن يشق سنامها من الجانب الأيمن، ولا يشعرها عند أبي حنيفة، فإذا دخل مكة طاف وسعى ولم يتحلل حتى يحرم بالحج يوم التروية، وإن قدم الإحرام قبله جاز وعليه دمٌ، فإذا حلق يوم النحر فقد حل من الإحرامين. وليس لأهل مكة تمتعٌ ولا قرانٌ، وإنما لهم الإفراد خاصةً،   فإن كانت بدنة) وهي من الإبل خاصة، وتقع على الذكر والأنثى، والجمع البدن مغرب (قلدها بمزادة) بالفتح - الرواية، والمراد أن يعلق في عنفها قطعة من أدم من مزادة وغيرها (أو نعل) وهو أولى من التجليل (وأشعر البدنة عند أبي يوسف ومحمد، وهو) أي الإشعار (أن يشق سنامها من الجانب الأيمن) وفي الهداية قالوا: والأشبه الأيسر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طعن في جانب اليسار مقصوداً، وفي جانب اليمين اتفاقاً، (ولا يشعر عند أبي حنيفة) ويكره، قال في الهداية: وقيل: إن أبا حنيفة كره إشعار أهل زمانه لمبالغتهم فيه على وجه يخاف منه السراية، وقال في الشرح؛ وعلى هذا حمله الطحاوي، وهو أولى، تصحيح (فإذا دخل مكة طاف وسعى) كما تقدم (ولم يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه، وذلك يوم النحر، فيستمر حراماً (حتى يحرم بالحج يوم التروية) كما سبق فيمن لم يسق (وإن قدم الإحرام قبله) أي: قبل يوم التروية (جاز) وتقدم أنه أفضل؛ لما فيه من المسارعة وزيادة المشقة، وكذا جاز بعده كما مر (و) وجب (عليه دم) للتمتع كما ذكر (فإذا حلق يوم النحر فقد حل من الإحرامين جميعاً؛ لأن الحلق محلل في الحج كالسلام في الصلاة فيتحلل به عنهما. هداية. (وليس لأهل مكة) ومن في حكمهم ممن كان داخل الميقات (تمتع ولا قران) مشروع (وإنما) المشروع (لهم الإفراد خاصة) ، غير أن تمتعهم غير متصور؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وإذا عاد المتمتع إلى أهله بعد فراغه من العمرة ولم يكن ساق الهدي بطل تمتعه.   لما صرحوا به من أن عدم الإلمام شرط لصحة التمتع دون القران، وأن الإلمام الصحيح مبطل للتمتع دون القران قال شيخنا في حاشيته على الدر: ومقتضى هذا أن. تمتع المكي باطل؛ لوجود الإلمام الصحيح بين إحراميه، سواء ساق الهدي أو لا؛ لأن الآفاقي إنما يصح إلمامه إذا لم يسق الهدي وحلق؛ لأنه لا يبقي العود إلى مكة مستحقاً عليه، والمكي لا يتصور منه عدم العود إلى مكة مستحقاً عليه، والمكي لا يتصور منه عدم العود إلى مكة؛ لكونه فيها كما صرح به في العناية، وغيرها، وفي النهاية والمعراج عن المحيط: أن الإلمام الصحيح أن يرجع إلى أهله بعد العمرة، ولا يكون العود إلى العمرة مستحقاً عليه، ومن هذا قلنا: لا تمتع لأهل مكة وأهل المواقيت. اهـ: أي بخلاف القران؛ فإنه يتصور منهم؛ لأن عدم الإلمام فيه ليس بشرط، وأما قوله في الشرنبلالية و"إنه خاص فيمن لم يسق الهدى وحلق، دون من ساقه، أو لم يسقه ولم يحلق؛ لأن إلمامه غير صحيح" فغير صحيح، لما علمت من التصريح بأن إلمامه صحيح ساق الهدي أو لا، وعلى هذا فقول المتون "ولا تمتع ولا قران لمكي" معناه نفي المشروعية والحل، ولا ينافي عدم التصور في إحدهما دون الآخر. اهـ باختصار، وتمامه فيها. (وإذا عاد المتمتع إلى بلده بعد فراغه من العمرة) وحلق (ولم يكن ساق الهدي بطل تمتعه) لأنه ألم بأهله بين النسكين إلماماً صحيحاً، وبه يبطل التمتع، وإذا كان ساق الهدي فإلمامه لا يكون صحيحاً، ولا يبطل تمتعه عندهما، وقال محمد: يبطل تمتعه؛ لأنه أداهما بسفرين، ولأنه ألم بأهله، ولهما أن العود مستحق عليه لأجل الحلق؛ لأنه مؤقت بالحرم: وجوباً عند أبي حنيفة، واستحباباً عند أبي يوسف: والعود يمنع صحة الإلمام. جوهرة. ثم قال: وقيد بالتمتع إذ القارن لا يبطل قرانه بالعود إلى بلده في قولهم جميعاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 ومن أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج فطاف لها أقل من أربعة أشواطٍ ثم دخلت أشهر الحج فتممها وأحرم بالحج كان متمتعاً، وإن طاف لعمرته قبل أشهر الحج أربعة أشواطٍ فصاعداً ثم حج من عامه ذلك لم يكن متمتعاً. وأشهر الحج: شوالٌ، وذو القعدة، وعشرٌ من ذي الحجة، فإن قدم الإحرام بالحج عليها جاز إحرامه وانعقد حجاً. وإذا حاضت المرأة عند الإحرام اغتسلت وأحرمت   (ومن أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج فطاف لها) أي لعمرته (أقل من أربعة أشواط ثم) لم يتمها حتى (دخلت أشهر الحج فتممها) في أشهره (وأحرم بالحج كان متمتعاً) لأن الإحرام عندنا شرط فيصح تقديمه على أشهر الحج، وإنما يعتبر أداء الأفعال فيها، وقد وجد الأكثر، وللأكثر حكم الكل هداية (وإن) كان طاف لعمرته قبل أشهر الحج أربعة أشواط فصاعداً ثم حج من عامه ذلك لم يكن متمتعاً؛ لأنه أدى الأكثر قبل أشهر الحج؛ فصار كما إذا تحلل منها قبل أشهر الحج، والأصل في المناسك أن الأكثر له حكم الكل؛ فإذا حصل الأكثر قبل أشهر الحج فكأنها حصلت كلها، وقد ذكرنا أن المتمتع هو الذي يتم العمرة والحج في أشهر الحج. جوهرة. (وأشهر الحج شوال وذو القعدة) بفتح الكاف وتكسر (وعشر من ذي الحجة) بكسر الحاء وتفتح (فإن قدم الإحرام بالحج عليها) أي الأشهر المذكورة (جاز إحرامه) لأنه شرط، وكره لشبهه بالركن (وانعقد حجاً) إلا أنه لا يجوز له شيء من أفعاله إلا فغي الأشهر. (وإذا حاضت المرأة عند الإحرام اغتسلت) للإحرام، وهو للنظافة (وأحرمت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وصنعت كما يصنعه الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر، وإن حاضت بعد الوقوف وطواف الزيارة انصرفت من مكة ولا شيء عليها لترك طواف الصدر. باب الجنايات. - إذا تطيب المحرم فعليه الكفارة، فإن طيب عضواً كاملاً فما زاد فعليه دمٌ، وإن طيب أقل من عضوٍ فعليه صدقةٌ.   وصنعت) إذا جاء وقت الأفعال (كما يصنعه الحاج) من الموقفين ورمي الجمار وغيرها (غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر) لأنها منهية عن دخول المسجد (وإذا حاضت بعد الوقوف وطواف الزيارة) وأرادت الانصراف (انصرفت من مكة ولا شيء عليها لترك طواف الصدر) ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رخص للنساء الحيض في ترك طواف الصدر، فإن طهرت قبل أن تخرج من مكة لزمها طواف الصدر. [ش (باب الجنايات) . لما فرغ من بيان أحكام المحرمين شرع في بيان حكم ما يعتريهم من العوارض؛ من الجنايات، والإحصار، والفوات، وقدم الجنايات لما أن الآداء القاصر خير من العدم. والجنايات: جمع جناية، والمراد بها هنا ارتكاب محظور في الإحرام. (إذا تطيب المحرم فعليه الكفارة) لما أطلق في الطيب أجمل في الكفارة ثم شرع في بيان ما أجمله بقوله: (فإن طيب عضوا كاملاً) كالرأس واليد والرجل (فما زاد) مع اتحاد المجلس (فعليه دم) لأن الجنايات تتكامل بتكامل الارتفاق وذلك في العضو الكامل؛ فيترتب عليه كمال الموجب (وإن طيب أقل من عضو) كربعه ونحوه (فعليه صدقة) في ظاهر الرواية؛ لقصور الجناية، وقال محمد: يجب تقديره من الدم؛ اعتبارا للجزء بالكل. قال الإسبيجاني: الصحيح جواب ظاهر الرواية تصحيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وإن لبس ثوباً مخيطاً أو غطى رأسه يوماً كاملاً فعليه دمٌ، وإن كان أقل من ذلك فعليه صدقةٌ، وإن حلق ربع رأسه فصاعداً فعليه دمٌ، وإن حلق أقل من الربع فعليه صدقةٌ. وإن حلق مواضع المحاجم فعليه دمٌ عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: عليه صدقةٌ، وإن قص أظافير يديه ورجليه فعليه دمٌ. وإن قص يداً أو رجلاً فعليه دمٌ، وإن قص أقل من   (وإن لبس ثوباً مخيطاً) اللبس المعتاد، حتى لو ارتدى بالقميص أو اتشح به أو اتزر بالسراويل فلا بأس به؛ لأنه لم يلبسه لبس المخيط، وكذا لو أدخل منكبيه في القباء ولم يدخل يديه في الكمين، خلافا لزفر، لأنه لم يلبسه لبس القباء، ولهذا يتكلف في حفظه. هداية. (أو غطى رأسه) بمعتادة؛ بخلاف نحو إجانة وعدل بر (يوماً كاملاً) أو ليلة كاملة (فعليه دم، وإن كان أقل من ذلك فعليه صدقة) لما تقدم. (وإن حلق) أي: أزال (ربع) شعر (رأسه) أو ربع لحيته (فصاعداً فعليه دم وإن حلق أقل من الربع فعليه صدقة) لأن حلق بعض الرأس ارتفاق كامل لأنه معتاد فتكامل به الجناية ويتقاصر فيما دونه، كذا حلق بعض اللحية معتاد بالعراق وأرض العرب، وكذا لو حلق إبطيه أو أحدهما أو عانته أو رقبته كلها هداية (وإن حلق مواضع المحاجم فعليه دم عند أبي حنيفة) قال في التصحيح؛ واعتمد قوله المحبوبي والنسفي (وقال أبو يوسف ومحمد: عليه صدقة) لأنه غير مقصود في ذاته (وإن قص أظافير يديه ورجليه) في مجلس واحد (فعليه دم) واحد؛ لأنه إزالة الأذى من نوع واحد، وقيدنا بالمجلس الواحد لأنه إذا تعدد المجلس تعدد الدم (وإن قص يدا أو رجلا فعليه دم) لأن الربع حكم الكل (وإن قص أقل من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 خمسة أظافير متفرقةً من يديه ورجليه فعليه صدقةٌ عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمدٌ: عليه دمٌ. وإن تطيب أو حلق أو لبس من عذرٍ فهو مخيرٌ: إن شاء ذبح شاةً، وإن شاء تصدق على ستة مساكين بثلاثة أصوع من طعامٍ، وإن شاء صام ثلاثة أيامٍ.   خمسة أظافير متفرقة من يديه ورجليه فعليه) لكل ظفر (صدقة عندهما) : أي أبي حنيفة وأبي يوسف، قال في التصحيح: واعتمد قولهما المحبوبي والنسفي (وقال محمد: عليه دم) اعتبارا بما لو قصها من كف واحد، وبما إذا حلق ربع الرأس من مواضع متفرقة. هداية. (وإن تطيب أو حلق أو لبس من عذر فهو مخير: إن شاء ذبح شاة، وإن شاء تصدق على ستة مساكين بثلاثة أصوع) بوزن أفلس - جمع صاع في القلة، وفي الكثرة على صيعان، ونقل المطرزي عن الفارسي أنه يجمع أيضاً على آصع بالقلب كما قبل أدوار وآدر بالقلب، وهذا الذي نقله جعله أبو حاتم من خطأ العوام. مصباح. (من طعام) على كل مسكين بنصف صاع) وإن شاء صام ثلاثة أيام) لقوله تعالى: {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك (1) } . وكلمة "أو" للتخيير، وقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا، والآية نزلت في المعذور، ثم الصوم يجزئه في أي موضع شاء؛ لأنه عبادة في كل مكان، وكذا الصدقة، لما بينا، وأما النسك فيختص بالحرم بالاتفاق؛ لأن الإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان أو مكان، وهذا لم يختص بزمان؛ فتعين اختصاصه بالمكان. هداية.   (1) من الآية 196 من سورة البقرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وإن قبل أو لمس بشهوةٍ فعليه دمٌ، ومن جامع في أحد السبيلين قبل الوقوف بعرفة فسد حجه وعليه شاةٌ، ويمضي في الحج كما يمضي من لم يفسد حجه، وعليه القضاء، وليس عليه أن يفارق امرأته إذا حج بها في القضاء، ومن جامع بعد الوقوف بعرفة لم يفسد حجه، وعليه بدنةٌ، فإن جامع بعد الحلق فعليه شاةٌ، ومن جامع في العمرة قبل أن يطوف أربعة أشواطٍ أفسدها ومضى فغيها وقضاها وعليه شاةٌ، وإن وطئ بعدما طاف أربعة   (وإن قبل أو لمس بشهوة) أنزل أو لم ينزل، هداية (فعليه دم) وكذا أطلق في المبسوط والكافي والبدائع وشرح المجمع تبعاً للأصل، ورجحه في البحر بأن الدواعي محرمة لأجل الإحرام مطلقا؛ فيجب الدم مطلقا، واشترط في الجامع الصغير الإنزال، وصححه قاضيخان في شرحه (ومن جامع في أحد السبيلين) من آدمي (قبل الوقوف بعرفة فسد حجه، و) وجب (عليه شاة) أو سبع بدنة (ويمضي) وجوباً (في) فاسد (الحج كما يمضي من لم يفسد الحج، و) وجب (عليه القضاء) فوراً ولو حجه نفلا، لوجوبه بالشروع، ولم يقع موقعه، فبقي الوجوب بحاله (وليس) بواجب (عليه أن يفارق امرأته إذا حج بها في القضاء) وندب له ذلك إن خاف الوقاع (ومن جامع بعد الوقوف بعرفة) قبل الحلق (لم يفسد حجه، و) وجب (عليه بدنة) لأنه أعلى أنواع الجناية فغلظ موجبها، وإن جامع ثانيا فعليه شاة، لأنه وقع في إحرام مهتوك. نهاية (وإن) كان (جامع بعد) الوقوف و (الحلق فعليه شاة) لبقاء إحرامه في حق النساء فقط، فخفت الجناية، فاكتفى بالشاة (ومن جامع في العمرة قبل أن يطوف) لها أربعة أشواط أفسدها) لأن الطواف في العمرة بمنزلة الوقوف في الحج، ومضى فيها كما يمضي في صحيحها (وقضاها) فورا (و) وجب (عليه شاة) لأنها سنة، فكانت أحط رتبة من الحج، فاكتفى بالشاة (وإن وطئ بعد ما طاف) لها (أربعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 أشواطٍ فعليه شاةٌ ولا تفسد عمرته، ولا يلزمه قضاؤها، ومن جامع ناسياً كمن جامع عامداً. ومن طاف طواف القدوم محدثاً فعليه صدقةٌ، وإن طاف جنباً فعليه شاةٌ، ومن طاف طواف الزيارة محدثاً فعليه شاةٌ، وإن طاف جنباً فعليه بدنة، والأفضل أن يعيد الطواف   أشواط فعليه شاة، ولا تفسد عمرته، ولا يلزمه قضاؤها) لكن بشرط كونه قبل الحلق وتركه المعلم به؛ لأنه بالحلق يخرج عن إحرامها بالكلية، بخلاف إحرام الحج كما مر (ومن جامع ناسياً) أو جاهلاً أو نائماً أو مكرهاً (كمن جامع عامداً) ؛ لاستواء الكل في الارتفاق. نهر. (ومن طاف طواف القدوم محدثاً فعليه صدقة) وكذا في كل طواف تطوع، جبراً لما دخله من النقص بترك الطهارة، وهو وإن وجب بالشروع اكتفي فيه بالصدقة إظهاراً لدون رتبته عما وجب بايجاب الله تعالى (1) (وإن) كان (طاف جنباً فعليه شاة) لغلظ الجناية (ومن طاف طواف الزيارة) أو أكثره (محدثاً فعليه شاة) ؛ لأنه أدخل النقص في الركن، فكان أفحش من الأول؛ فيجبر بالدم (وإن) كان (طافه) أو أكثره (جنبا فعليه بدنة) لغلظ الجناية؛ فتجبر بالبدنة، إظهاراً للتفاوت بين الركن وغيره (والأفضل أن يعيد الطواف) طاهراً؛ ليكون   (1) يقول الشافعي باشتراط الوضوء في الطواف لحديث الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه من تكلم لا يتكلم إلا بخير فالسياق يدل على أنه من الصلاة في حكمها إلا في جواز الكلام وفي سوى الكلام يستويان فيه ومنه الطهارة وهي شرط. وقال الحنفية إن خبر الواحد لا تثبت به الفريضة وقد أطلق القرآن الطوافين من هذا الشرط في قوله {وليطوفوا بالبيت العتيق} وهو يقتضي الخروج عن العهدة بالدوران حول البيت وإن لم تكن طهارة ونقل ذلك في فتاوى بعض الصحابة والتابعين لم يروا بأساً بالطواف للمحرم وينبغي أن يلاحظ أن الطواف مع الجنابة حرام ومأثم بلا كلام بل قد علم من أوليات الفقه حرمة دخوله المسجد أي مسجد كان مع الجنابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 ما دام بمكة ولا ذبح عليه، ومن طاف طواف الصدر محدثاً فعليه صدقةٌ، وإن طاف جنباً، فعليه شاةٌ. ومن ترك من طواف الزيارة ثلاثة أشواطٍ فما دونها فعليه شاةٌ، وإن ترك أربعة أشواطٍ بقي محرماً أبداً حتى يطوفها،   آتياً به على وجه الكمال (ما دام بمكة) لإمكانه من غير عسر، قال في الهداية: وفي بعض النسخ "وعليه أن يعيد" والأصح أنه يؤمر بالإعادة في الحدث استحباباً وفي الجنابة إيجاباً؛ لفحش النقصان بسبب الجنابة وقصوره بسبب الحدث. اهـ. (ولا ذبح عليه) إن أعاده للحدث ولو بعد أيام النحر، وكذا للجنابة إن كان في أيام النحر، وإن بعده لزمه بالتأخير (ومن طاف طواف الصدر محدثاً فعليه صدقة) ؛ لأنه دون طواف الزيارة وإن كان واجباً فلابد من إظهار التفاوت، وعن أبي حنيفة أنه يجب شاة، إلا أن الأول أصح. هداية (وإن) كان (طاف جنباً فعليه شاة) ، لأنه نقص كثير، ثم هو دون طواف الزيادة، فيكتفي بالشاة. هداية، وفي التصحيح: قال الإسبيجاني: وهذا في رواية أبي سليمان، وفي رواية أبي حفص أوجب الدم فيهما والأصح الأول. (ومن ترك طواف الزيارة ثلاثة أشواط فما دونها) ولم يطف بعده غيره (فعليه شاة) ، لأن النقصان بترك الأقل يسير؛ فأشبه النقصان بسبب الحدث، فإن طاف بعده انتقل إلى الفرض ما يكمله، فإن كان ما بعده للصدر وكان الباقي - بعد إكمال الفرض - هو أكثره فعليه صدقة، وإلا فدم (وإن ترك أربعة أشواط بقي محرماً أبداً) في حق النساء (حتى يطوفها) فكلما جامع لزمه دم إذا تعدد المجلس؛ إلا أن يقصد الرفض. فتح: أي فلا يلزمه بالثاني شيء وإن تعدد المجلس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 ومن ترك ثلاثة أشواطٍ من طواف الصدر فعليه صدقةٌ، وإن ترك طواف الصدر أو أربعة أشواطٍ منه فعليه شاةٌ. ومن ترك السعي بين الصفا والمروة فعليه شاةٌ، وحجه تامٌ. ومن أفاض من عرفة قبل الإمام فعليه دمٌ. ومن ترك الوقوف بالمزدلفة فعليه دمٌ.   مع أن نية الرفض باطلة؛ لأنه لا يخرج عنه إلا بالأعمال، لكن لما كانت المحظورات مستندة إلى قصد واحد - وهو تعجيل الإحلال - كانت متحدة، فكفاه دم واحد. بحر. (ومن ترك ثلاثة أشواط) فما دونها (من طواف الصدر فعليه) لكل شوط (صدقة) إلا أن تبلغ الدم كما تقدم (وإن ترك طواف الصدر أو أربعة أشواط منه فعليه شاة) ، لأنه ترك الواجب أو الأكثر منه، وما دام بمكة يؤمر بالإعادة إقامة للواجب في وقته. هداية. (ومن ترك السعي بين الصفا والمروة) أو أكثره، أو ركب فيه بلا عذر أو ابتدأه من المروة (فعليه شاة وحجه تام) لأنها واجبات، فيلزم بتركها الدم دون الفساد. (ومن أفاض من عرفة قبل الإمام) والغرب (فعليه دم) ويسقط بالعودة قبل الغروب، لا بعده، في ظاهر الرواية، وروى ابن شجاع عن أبي حنيفة أنه يسقط. وصححها القدوري. نهر عن الدراية، ومثله في البحر. در، لكن في البدائع ما نصه: ولو عاد إلى عرفة قبل غروب الشمس وقبل أن يدفع الإمام ثم دفع منها بعد الغروب مع الإمام سقط عنه الدم، لأنه استدراك المتروك، وإن عاد قبل الغروب بعد ما خرج الإمام من عرفة ذكر الكرخي أنه يسقط عنه الدم أيضاً، لأنه وهكذا روى ابن شجاع عن أبي حنيفة أنه يسقط عنه الدم أيضا استدرك المتروك، إذ المتروك هو الدفع بعد الغروب وقد استدركه، والقدوري اعتمد هذه الرواية، وقال: هي الصحيحة، والمذكور في الأصل مضطرب، ولو عاد إلى عرفة بعد الغروب لا يسقط عنه الدم بلا خلاف، لأنه لما غربت الشمس قبل العود فقد تقرر عليه الدم الواجب ولا يحتمل السقوط بالعود. انتهى. وقيدنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 ومن ترك رمي الجمار في الأيام كلها فهليه دمٌ، وإن ترك رمي يومٍ واحدٍ فعليه دمٌ، وإن ترك رمي إحدى الجمار الثلاث فعليه صدقةٌ، وإن ترك رمي جمرة، العقبة في يوم النحر فعليه دمٌ. ومن أخر الحلق حتى مضت أيام النحر فعليه دمٌ عند أبي حنيفة، وكذلك لو أخر طواف الزيارة عند أبي حنيفة رحمه الله.   قوله "قبل الإمام" بقولنا "والغروب" لأنه المراد، حتى لو أفاض بعد الغروب قبل الإمام لا يجب عليه شيء، وعبر به لأنه يستلزمه. (ومن ترك الوقوف بالمزدلفة) من غير عذر (فعليه دم) ، لأنه من الواجبات. (ومن ترك رمي الجمار في الأيام كلها فعليه دم) واحد، لأن الجنس متحد والترك إنما يتحقق بغروب الشمس من آخر أيام الرمي، وهو اليوم الرابع، وما دامت باقية فالإعادة ممكنة فيرميها على الترتيب، ثم بالتأخير يجب الدم عند الإمام، خلافاً لهما (وإن ترك رمي يوم واحد فعليه دم) لأنه نسك تام (وإن ترك رمي إحدى الجمار الثلاث) في غير اليوم الأول (فعليه) لكل حصاة (صدقة) ، لأن الكل في هذا اليوم نسك واحد، والمتروك الأقل، حتى لو كان الأكثر وجب الدم) (وإن ترك رمي جمرة العقبة) الذي هو (في يوم النحر) أو أكثره (فعليه دم) لأنه نسك تام؛ إذ هو وظيفة ذلك اليوم. (ومن أخر الحلق) عن وقته (حتى مضت أيام النحر فعليه دم عند أبي حنيفة، وكذلك إن أخر طواف الزيارة عنده عنها) وقالا: لا شيء عليه، وكذلك الخلاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 وإذا قتل المحرم صيداً أو دل عليه من قتله فعليه الجزاء (1) ، يستوي في ذلك العامد والناسي والمبتدئ والعائد والجزاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف أن يقوم الصيد في المكان الذي قتله فيه أو في أقرب المواضع منه إن كان في بريةٍ، يقومه ذوا عدلٍ،   في تأخير الرمي، وفي تقديم نسك على نسك: كالحلق قبل الرمي، ونحر القارن قبل الرمي والحلق قبل الذبح، هداية، وفي التصحيح: قال الإسبيجاني؛ الصحيح قول أبي حنيفة، ومشى عليه برهان الشريعة وصدر الشريعة والنسفي. (وإذا قتل المحرم صيداً) : أي حيواناً برياً متوحشاً بأصل خلقته مباحاً أو مملوكاً (أو دل عليه من قتله) وهو غير عالم به (فعليه الجزاء، ويستوي في ذلك العامد والمخطئ (والناسي) لا حرامه (والمبتدئ) بقتل الصيد (والعائد) إليه: أي تكرر منه؛ لأنه ضمان إتلاف، فأشبه غرامات الأموال (والجزاء) الواجب (عند أبي حنيفة) وأبي يوسف: أن يقوم الصيد في المكان الذي قتله المحرم فيه) إن كان في مكان يقوم فيه (أو في أقرب المواضع منه إن كان في برية) لاختلاف القيم باختلاف الأماكن (يقومه ذوا عدل) لهما بصارة في تقويم الصيد، وفي   (1) قتل الصيد البري محرم على المحرم وإن لم يأكله كما يحرم عليه أكله وإن لم يصده قالوا ولو اضطر محرم إلى أكل الميتة أو الصيد يتناول الصيد على قول الشيخين ويؤدى الجزاء لأن حرمة الميتة أغلظ فإن حرمة الصيد ترتفع بالخروج من الأمر فهي مؤقتة وقال زفر يأكل الميتة لا الصيد لتعدد وجهات حرمته عليه ولو كان الصيد مذبوحاً فهو أولى بالإجماع. أما صيد البحر فهو حلال لقوله سبحانه {أحل لكم صيد البحر وطعامه متعاً لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً} قال في الهداية وصيد البر ما يكون قواعده ومثواه في البر وصيد البحر ما يكون قواعده ومثواه في الماء والتحقيق أن المعول عليه التوالد. فلا يأثم الجزاء بقتل كلب الماء والضفدع المائي. والدليل على وجوب الجزاء على من دل على الصيد عند الحنفية حديث أبي قتادة الدال على حرمة الصيد والدلالة عليه. وهو معترض ولهذا قال الشافعي لا جزاء في الدلالة ويؤيد مذهب الحنفية ما روى عن عطاء أنه قال: أجمع الناس على أنه ليس على الدال جزاء ونقله ابن قدامه في المعنى عن علي وابن عباس قال الطحاوي وهو المروي عن عدة من الصحابة والتابعين ولم يرو عن غيرهم خلافه فكان إجماعاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 ثم هو مخييرٌ في القيمة، إن شاء ابتاع بها هدياً فذبح إن بلغت هدياً، وإن شاء اشترى بها طعاماً فتصدق به على كل مسكينٍ نصف صاع من برٍ أو صاعاً من تمرٍ أو شعيرٍ، وإن شاء صام عن كل نصف صاعٍ من برٍ يوماً، وعن كل صاعٍ من شعيرٍ يوماً،   الهداية: قالوا: والواحد يكفي، والاثنان أولى؛ لأنه أحوط وأبعد من الغلط كما في حقوق العباد، وقيل: يعتبر المثنى ههنا بالنص (1) . اهـ. (ثم هو) : أي المحكوم عليه بالقيمة (مخير في تلك) القيمة (إن شاع ابتاع) أي اشترى (بها هدياً فذبح بمكة (إن بلغت) القيمة (هدياً) يجزئ في الأضحية، من إبل أو بقر أو غنم؛ لأنه المعهود في إطلاقه (وإن شاء اشترى بها طعاماً فتصدق به) أين شاء، على كل مسكين نصف صاع من بر أو دقيقه، أو صاعاً من تمر أو شعير، ولا يجوز أن يطعم المسكين أقل من نصف صاع؛ لأن الطعام المذكور ينصرف إلى ما هو المعهود في الشرع، هداية، وتكفي الإباحة كدفع القيمة. در (وإن شاء صام عن كل نصف صاع من بر يوماً) وعن كل صاع من تمر أو شعير يوماً؛ لأن تقدير الصيام بالمقتول غير ممكن؛ إذ لا قيمة للصيام؛ فقدرناه بالطعام، والتقدير على هذا الوجه   (1) هو قوله تعالى في الآية 95 من سورة المائدة {فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 فإن فضل من الطعام أقل من نصف صاعٍ فهو مخيرٌ: إن شاء تصدق به، وإن شاء صام عنه يوماً كاملاً. وقال محمدٌ. يجب في الصيد النظير فيما له نظيرٌ؛ ففي الظبي شاةٌ، وفي الضبع شاةٌ، وفي الأرنب عناقٌ، وفي النعامة بدنةٌ، وفي اليربوع جفرةٌ، ومن جرح صيداً، أو نتف شعره، أو قطع عضواً منه ضمن ما نقصه، وإن   معهود في الشرع كما في باب الفدية. هداية. (فإن فضل من الطعام أقل من نصف صاع) من بر أو أقل من صاع من تمر أو شعير (فهو مخير: إن شاء تصدق به، وإن شاء صام عنه يوماً كاملاً) ؛ لأن صوم أقل من يوم غير مشروع، وكذلك إن كان الواجب دون طعام مسكين يطعم الواجب أو يصوم يوماً كاملا لما قلنا. هداية. (وقال محمد: يجب في الصيد النظير) سواء كانت قيمته أقل أو أكثر، وهذا (فيما له نظير) وأما ما ليس له نظير كالعصفور والحمامة ففيه القيمة إجماعاً. جوهرة (ففي الظبي شاة، وفي الضبع شاة) أيضاً (وفي الأرنب عناق) بالفتح - وهي الأنثى من ولد المعز لم يبلغ الحول (وفي النعامة بدنة، وفي اليربوع (1) جفرة) وفي التصحيح: قال الإسبيجاني: الصحيح قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وهو القول الصحيح المعول عليه عند النسفي، وهو أصح الأقاويل عند المحبوبي. اهـ. (وعن جرح صيداً أو نتف شعره أو قطع عضواً منه) ولم يخرج به من حيز الامتناع (ضمن ما نقص منه) اعتقاداً للبعض بالكل كما في حقوق العباد (وإن   (1) اليربوع - بفتح الياء وسكون الراء - نوع من الفأر طويل الرجلين قصير اليدين جداً، ويجمع على يرابيع، والجفرة: ما تم لها أربعة أشهر من أولاد المعز أيضا، فالجفرة أصغر من العناق، والعناق أصغر من الجذع. وكلهن من أولاد المعز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 نتف ريش طائرٍ، أو قطع قوائم صيدٍ، فخرج من حيز الامتناع فعليه قيمته كاملةً، ومن كسر بيض صيدٍ فعليه قيمته، فإن خرج من البيض فرخٌ ميتٌ فعليه قيمته حياً وليس في قتل الغراب والحدأة والذئب والحية، والقرب والفأرة جزاءٌ (1) .   نتف ريش طائر أو قطع قوائم صيد فخرج) بذلك (من حيز الامتناع فعليه قيمة كاملة) ؛ لأنه فوت عليه الأمن بتفويت آلة الامتناع؛ فيغرم جزاءه (ومن كسر بيض صيد) غير مذر (2) أو شواه (فعليه قيمته) ؛ لأنه أصل الصيد وله عرضية أن يصير صيداً، فنزل منزلة الصيد احتياطاً (فإن خرج من البيض) الذي كسر (فرخ ميت) ولم يعلم أن موته كان قبل كسره (فعليه قيمته حياً) ؛ لأنه معد ليخرج منه الفرخ الحي، والكسر قبل أوانه سبب لموته؛ فيحال عليه احتياطاً، وعلى هذا إذا ضرب بطن ظبية فألقت جنيناً ميتاً وماتت عليه قيمتها. هداية. وليس على المحرم (في قتل الغراب) الأبقع الذي يأكل الجيف، بخلاف غراب الزرع الذي يأكل الحب والعقعق الذي يجمع بينهما لأنهما لا يبتدئان بالأذى (والحدأة) الطائر المعروف؛ وجمعها حدأة، كعنبة وعنب. صحاح (والذئب والحية والعقرب والفأرة) والكلب العقور (جزاء) قال في الهداية: وعن أبي حنيفة: أن الكلب العقور وغير العقور والمستأنس والمتوحش منهما سواء، لأن المعتبر في ذلك الجنس، وكذا الفأرة الأهلية والوحشية. اهـ.   (1) في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: "خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم. الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور" وأخرج الدارقطني عن ابن عمر قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المحرم بقتل الذئب والفأرة والحدأة والغراب وهناك روايات مختلفة تؤيد ذلك فراجعها إن شئت في الفتح. (2) مذر - بفتح فكسر - فاسد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وليس في قتل البعوض والبراغيث والقراد شيءٌ. ومن قتل قملةً تصدق بما شاء، ومن قتل جرادةً تصدق بما شاء، وتمرةٌ خيرٌ من جرادةٍ. ومن قتل ما لا يؤكل لحمه من الصيد كالسباع ونحوها فعليه الجزاء، ولا يتجاوز بقيمتها شاةً. وإن صال السبع على محرمٍ فقتله فلا شيء عليه،   (وليس في قتل البعوض والبراغيث والقراد) والفراش والذباب والوزغ والزنبور والخنافس والسلحفاة والقنفذ والصرصر وجميع هوام الأرض (شيء) من الجزاء، لأنها ليست بصيود ولا متولدة من البدن. (ومن قتل قملة) أو اثنتين أو ثلاثاً من ثوبه أو بدأته أو ألقاها (تصدق بما شاء) ككف طعام، لأنها متولدة من التفث الذي على البدن، وقيدنا بكونها من بدنه أو ثوبه لأنه لو وجدها على الأرض فقتلها لم يكن عليه شيء (ومن قتل جرادة تصدق بما شاء) لأن الجراد من صيد البر، قال في البحر: ولم أر من فرق بين القليل والكثير، وينبغي أن يكون كالقمل. اهـ (وتمرة خير من جرادة (كذا روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه) . (ومن قتل ما لا يؤكل لحمه من الصيد) البري (كالسباع) من البهائم (ونحوها من سباع الطير (فعليه الجزاء، ولا يتجاوز بقيمتها شاة) ؛ لأن قتله إنما كان حراما موجبا للجزاء باعتبار إراقة الدم، لا باعتبار إفساد اللحم؛ لأنه غير مأكول، وبإراقة الدم لا يجب إلا دم واحد، أما في مأكول اللحم ففيه فساد اللحم أيضاً؛ فتجب قيمته بالغة ما بلغت. قاضيخان في شرح الجامع. (وإن صال السبع على محرم) ولا يمكنه دفعه إلا بقتله (فقتله فلا شيء عليه) ، لأنه ممنوع عن التعرض، لا عن دفع الأذى، ولهذا كان مأذونا في دفع متوهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وإن اضطر المحرم إلى أكل لحم الصيد فقتله فعليه الجزاء، ولا بأس أن يذبح المحرم الشاة والبقرة والبعير والدجاج والبط الكسكري وإن قتل حماماً مسرولا أو ظبياً مستأنساً فعليه الجزاء. وإن ذبح المحرم صيداً فذبيحته ميتةٌ لا يحل أكلها، ولا بأس أن يأكل المحرم لحم صيدٍ اصطاده حلالٌ أو ذبحه إذا لم يدله المحرم عليه ولا أمره بصيده،   الأذى كما في الفواسق، فلأن يكون مأذوناً في دفع المتحقق أولى، ومع وجود الإذن من الشارع لا يجب الجزاء. هداية. (وإن اضطر المحرم إلى أكل لحم الصيد فقتله فعليه الجزاء) ؛ لأن الأذى مقيد بالكفارة بالنص. هداية (ولا بأس أن يذبح المحرم الشاة والبقر والبعير والدجاج والبط) بفتح الباء (الكسكري) بفتح الكافين - نسبة إلى كسكر، قال في المغرب؛ ناحية من نواحي بغداد، وإليها ينسب البط الكسكري، وهو مما يستأنس به في المنازل وطيرانه كالدجاج. اهـ، لأن هذه الأشياء ليست بصيود لعدم التوحش (وإن قتل حماماً مسرولاً) بفتح الواو - في رجليه ريش كأنه سراويل ألوف مستأنس بطئ النهوض للطيران (أو ظبياً مستأنساً فعليه الجزاء) ؛ لأنها صيود في الأصل متوحشة بأصل الخلقة؛ فلا يبطل بالاستئناس العارض، كالبعير إذا ند (1) فإنه لا يأخذ حكم الصيد في الحرمة على المحرم. (وإن ذبح المحرم صيداً) مطلقاً أو الحلال صيد الحرم (فذبيحته ميتة لا يحل أكلها) لأحد من محرم أو حلال (ولا بأس أن يأكل المحرم لحم صيد اصطاده حلال) من حل (أو ذبحه، إذا لم يدله المحرم عليه، ولا أمره بصيده) سواء   (1) أي شرد وهاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وفي صيد الحرم إذا ذبحه الحلال فعليه الجزاء، وإن قطع حشيش الحرم أو شجرة الذي ليس بمملوكٍ ولا هو مما ينبته الناس فعليه قيمته، وكل شيءٍ فعله القارن مما ذكرنا أن فيه على المفرد دماً فعليه دمان: دمٌ لحجته، ودمٌ لعمرته، إلا أن يتجاوز الميقات من غير إحرامٍ ثم يحرم بالعمرة والحج فيلزمه دمٌ واحدٌ، وإذا اشترك   اصطاده لنفسه أو للمحرم، حيث لم يكن له فيه صنع. (وفي صيد الحرم إذا ذبحه الحلال جزاء) بقدر قيمته، يتصدق به على الفقراء، ولا يجزئه هنا الصوم؛ لأنها غرامة، وليست بكفارة، فأشبه ضمان الأموال. هداية. (وإن قطع حشيش الحرم) محرم أو حلال (أو شجرة) الرطب (الذي ليس بمملوك) قيد فيهما، وكذا قوله (ولا هو مما ينبته الناس) كالشيح ونحوه فعليه قيمته) كما تقدم قبله؛ وقيدنا بالرطب لأنه لا شيء يقطع اليابس منهما. (وكل شيء فعله القارن) بين الحج والعمرة (مما ذكرنا أن فيه على المفرد) بسبب جنايته على إحرامه (دماً فعليه) أي القارن (دمان) لجنايته على الحج والعمرة فيجب عليه (دم لحجته ودم لعمرته) وكذا الصدقة (إلا أن يتجاوز الميقات من غير إحرام ثم يحرم) داخل الميقات (بالعمرة والحج) معاً (فيلزم دم واحد) لكونه عند المجاوزة غير قارن، والواجب عليه إحرام واحد، وبتأخير واجب واحد لا يجب إلا جزاء واحد. هداية. وقيدنا الإحرام بداخل الميقات لأنه إذا عاد إليه قبل الطواف وجدد الإحرام سقط عنه الدم. (وإذا اشترك المحرمان في قتل صيد) في حرم أو حل (فعلى كل واحد منهما الجزاء كاملا) ؛ لأن كل واحد منهما جنى على إحرام كامل (وإذا اشترك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 المحرمان في قتل صيدٍ فعلى كل واحدٍ منهما الجزاء كاملاً، وإذا اشترك الحلالان في قتل صيد الحرم فعليهما جزاءٌ واحد. وإذا باع المحرم صيداً أو ابتاعه فالبيع باطلٌ. باب الإحصار. - إذا أحصر المحرم بعدوٍ أو أصابه مرضٌ منعه من المضي جاز له التحلل وقيل له: أبعث شاةً تذبح في الحرم وواعد من يحملها يوماً بعينه يذبحها فيه ثم تحلل،   الحلالان في قتل صيد الحرم فعليهما جزاء واحد) ؛ لأن الضمان هنا لحرمة الحرم؛ فجرى مجرى ضمان الأموال؛ فيتحد باتحاد المحل كرجلين قتلا رجلاً خطأ يجب عليهما دية واحدة، وعلى كل واحد منهما كفارة. هداية. وإذا اشترك محرم وحلال فعلى المحرم الجزاء الكامل وعلى الحلال النصف. جوهرة. (وإذا باع المحرم صيداً أو ابتاعه) : أي اشتراه (فالبيع باطل) ؛ لأنه لا يملك بالإصطياد، فكذا بالبيع، فلو صاده حلالاً وباعه محرماً فالبيع فاسد، وبعكسه جائز. جوهرة. باب الإحصار هو لغة: المنع، وشرعاً: منع المحرم عن أداء الركنين. (إذا أحصر المحرم بعدو أو أصابه مرض منعه من المضي) أو هلكت نفقته (حل له التحلل) لئلا يمتد إحرامه فيشق عليه (وقيل له: أبعث شاة) أو قيمتها (تذبح في الحرم) فإن لم يجد بقي محرماً حتى يجد أو يتحلل بطواف (وواعد من يحملها يوماً بعينه) ليعلم حتى يتحلل (يذبحها فيه) أي في ذلك اليوم (ثم) إذا جاء ذلك اليوم (تحلل) : أي حل له ما كان محظوراً، وفيه إيماء إلى أنه لا حلق عليه، ولكنه حسن؛ لأن التحلل حصل بالذبح، وهذا إذا كان الإحصار في الحل، أما إذا كان في الحرم فالحلق واجب. جوهرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وإن كان قارنا بعث بدمين، ولا يجوز ذبح دم الإحصار إلا في الحرم، ويجوز ذبحه قبل يوم النحر عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمدٌ رحمهما الله: لا يجوز الذبح للمحصر بالحج إلا في يوم النحر، ويجوز للمحصر بالعمرة أن يذبح متى شاء، والمحصر بالحج إذا تحلل فعليه حجةٌ وعمرةٌ، وعلى المحصر بالعمرة القضاء، وعلى القارن حجةٌ وعمرتان، وإذا بعث المحصر هدياً وواعدهم أن يذبحوه في يومٍ بعينه ثم زال الإحصار،   (وإن كان قارناً بعث بدمين) لاحتياجه إلى التحلل عن إحرامين، ولا يحتاج إلى التعيين فإن بعث بهدي واحد ليتحلل عن أحدهما لم يتحلل عن واحد منهما، لأن التحلل منهما شرع في حالة واحدة، وفي ذلك تغيير المشروع (ولا يجوز ذبح دم الإحصار) مطلقاً (إلا في الحرم، ويجوز ذبحه قبل يوم النحر عند أبي حنيفة) ؛ لإطلاق النص، ولأنه لتعجيل التحلل (وقالا: لا يجوز الذبح للمحصر بالحج إلا في يوم النحر) اعتباراً بدم المتعة والقران، قال في التصحيح: ورجح دليل الإمام في الشروح، وهو المختار عند أبي الفضل الموصلي وبرهان الشريعة وصدر الشريعة والنسفي. اهـ. (ويجوز للمحصر بالعمرة أن يذبح متى شاء) اتفاقا؛ لأنها غير مختصة بوقت، فكذا التحلل منها (وللمحصر بالحج ولو نقلا (إذا تحلل) ولم يحج من عامه (فعليه حجة) قضاء عما فاته (وعمرة) ، لأنه في معنى فائت الحج يتحلل بأفعال العمرة، فإن لم يأت بها قضاها، وقيدنا بكونه لم يحج من عامه لأنه لو حج منه لا عمرة عليه، لأنه ليس في معنى فائت الحج، جوهرة (وعلى المحصر بالعمرة القضاء) لما شرع فيه (وعلى) المحصر (القارن حجة وعمرتان) أما الحج وإحداهما فلما بينا، والثانية لأنه خرج منها بعد صحة الشروع فيها هداية (وإذا بعث المحصر هدياً وواعدهم أن يذبحوه في يوم بعينه ثم زال الإحصار، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 فإن قدر على إدراك الهدي والحج لم يجز له التحلل ولزمه المضي، وإن قدر على إدراك الهدي دون الحج تحلل، وإن قدر على إدراك الحج دون الهدي جاز له التحلل استحساناً، ومن أحصر بمكة وهو ممنوعٌ من الوقوف والطواف كان محصراً وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر. باب الفوات. - ومن أحرم بالحج ففاته الوقوف   فإن قدر على إدراك الهدي والحج) معاً (لم يجز له التحلل ولزمه المضي) ، لزوال الحجر قبل حصول المقصود بالخلف، وإذا أدرك هديه صنع به ما شاء، لأنه ملكه وقد عينه لمقصود استغنى عنه. هداية، وإلا (فإن قدر على إدراك الهدي دون الحج تحلل) لعجزه عن الأصل (وإن قدر على إدراك الحج دون الهدي جاز له التحلل استحسانا) . لئلا يضيع عليه ماله مجانا، إلا أن الأفضل التوجه (ومن أحصر بمكة وهو ممنوع من) الركنين (الطواف والوقوف كان محصراً) ، لأنه تعذر عليه الإتمام، فصار كما إذا أحصر في الحل (وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر) ، لأنه إن قدر على الطواف تحلل به، وإن قدر على الوقوف فقد تم حجه فليس بمحصر. باب الفوات أعقبه الإحصار لأن كلا منهما من العوارض، والإحصار منه بمنزلة المفرد من المركب، وذلك لأن الإحصار إحرام بلا أداء، والفوات إحرام وأداء. نهر. (ومن أحرم بالحج) فرضا أو نقلا، صحيحا أو فاسدا (ففاته الوقوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج وعليه أن يطوف ويسعى ويتحلل ويقضي الحج من قابل، ولا دم عليه، والعمرة لا تفوت، وهي جائزة في جميع السنة إلا خمسة أيام يكره فعلها فيها: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق. والعمرة سنةٌ، وهي: الإحرام، والطواف، والسعي، والحلق أو التقصير.   بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج) ، لما تقدم أن وقت الوقوف يمتد إليه وأن الحج عرفة (و) يجب (عليه) إذا أراد التحلل (أن) يتحلل بأفعال العمرة بأن (يطوف ويسعى) من غير إحرام جديد لها (ويتحلل) بالحلق أو التقصير، قال الإسبيجاني: ثم عند أبي حنيفة ومحمد أصل إحرامه بالحج باق ويتحلل بعمل عمرة، وعند أبي يوسف يصير إحرامه إحرام عمرة، والصحيح قولهما: تصحيح (ويقضي الحج من قابل ولا دم عليه) ؛ لأن التحلل وقع بأفعال العمرة؛ فكانت حق فائت الحج بمنزلة الدم في حق المحصر، فلا يجمع بينهما. (والعمرة لا تفوت) ؛ لأنها غير موقتة بوقت (وهي جائزة في جميع السنة إلا خمسة أيام يكره) كراهة تحريم (فعلها فيها) ؛ أي إنشاؤها بالإحرام، أما إذا أداها إحرام سابق كما إذا كان قارنا ففاته الحج وأدى العمرة في هذه الأيام لا يكره. جوهرة وإنما كرهت في هذه الأيام لأنها أيام الحج، فكانت متعينة له، وهي: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق) الثلاث. (والعمرة سنة) مؤكدة في الصحيح، وقيل: واجبة. نهر. (وهي الإحرام والطواف والسعي) والحلق أو التقصير. فالإحرام شرط، وأكثر الطواف ركن، وغيرهما واجب، وإنما لم يذكر الحلق لأنه مخرج منها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 باب الهدي. - الهدي أدناه شاةٌ. وهو ثلاثة أنواعٍ: الإبل والبقر، والغنم، يجزئ في ذلك الثني فصاعداً، إلا من الضأن فإن الجذع منه يجزئ، ولا يجوز في الهدي مقطوع الأذن أو أكثرها ولا مقطوع الذنب ولا اليد ولا الرجل، ولا الذاهبة العين ولا العجفاء ولا العرجاء التي لا تمشي إلى المنسك.   باب الهدي لما دار ذكرى الهدي فيما تقدم من المسائل احتيج إلى بيانه، وما يتعلق به، ابن كمال. ويقال فيه: هدي - بالتشديد على فعيل - الواحدة هدية، كمطية ومطى ومطايا. مغرب. (الهدي) لغة وشرعا: ما يهدى إلى الحرم من النعم للتقرب: وأدناه شاة؛ وهو) : أي الهدي (من ثلاثة أنواع: الإبل، والبقر، والغنم) ؛ لأن العادة جارية بإهداء هذه الأنواع (يجزئ في ذلك) ما يجزئ في الأضحية، وهو (الثني فصاعدا) وهو من الإبل ما تم له خمس سنين؛ ومن البقر سنتان، ومن الغنم سنة (إلا من الضأن فإن الجذع منه يجزئ) والجذع - بفتحتين - ما دون الثني (ولا يجزئ في الهدي مقطوع الأذن أو أكثرها ولا مقطوع الذنب ولا اليد ولا الرجل ولا الذاهبة العين ولا العجفاء) كثيرة الهزال (ولا العرجاء التي لا تمشي إلى المنسك) بفتح السين وكسرها - الموضع الذي تذبح به النسائك، صحاح، لأنها عيوب بينة، وهذا إذا كانت العيوب موجودة بها قبل الذبح، أما إذا أصابها ذلك حالة الذبح بالاضطراب وانفلات السكين جاز، لأن مثل هذا لا يمكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 والشاة جائزةٌ في كل شيء إلا في موضعين: من طاف طواف الزيارة جنباً، ومن جامع بعد الوقوف بعرفة فإنه لا يجوز إلا بدنةٌ. والبدنة والبقرة تجزئ كل واحدةٍ منهما عن سبعةٍ إذا كان كل واحدٍ من الشركاء يريد القربة، فإن أراد أحدهم بنصيبه اللحم لم يجزئ عن الباقين، ويجوز الأكل من هدي التطوع والمتعة والقران، ولا يجوز الأكل من بقية الهدايا (1) .   الاحتراز عنه. (والشاة جائزة) في الحج (في كل شيء) جناه في إحرامه (إلا في موضعين) وهو (من طاف طواف الزيارة جنباً) أو حائضا أو نفساء (ومن جامع بعد الوقوف بعرفة) وقبل الحلق كما مر (فإنه لا يجوز) في هذين الموضعين (إلا بدنة) كما تقدم (والبدنة والبقرة تجزئ كل واحدة منهما عن سبعة) وما دونهما بالأولى (إذا كان كل واحد من الشركاء يريد القربة) ولو اختلف وجه القربة: بأن أراد أحدهم المتعة، والآخر القران، والآخر التطوع؛ لأن المقصود بها واحد، وهو الله تعالى (فإن أراد أحدهم بنصيبه اللحم) أو كان ذمياً (لم يجزئ عن الباقين) لأنها لم تخلص لله تعالى (ويجوز الأكل) لصاحب الهدي، بل يندب من هدي التطوع والمتعة والقران) إذا بلغ الهدي محله؛ لأنه دم نسك فيجوز الأكل منه بمنزلة الأضحية، وما جاز الأكل منه لصاحبه جاز للغني، وقيدنا ببلوغ المحل لأنه إذا لم يبلغ الحرم لا يحل الانتفاع منه لغير الفقير كما يأتي في آخر الباب (ولا يجوز الأكل من بقية الهدايا) كدماء الكفارات والنذور وهدي   (1) وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من لحمه هديه وشرب من مرقه وكان قارنا ففي حديث جابر الطويل ثم أمر من كل بدنة نصفه فجعلت في قدر فطبخت الحديث وكان في الهدي التطوع لأنه بلغ المائة إلا أنه أكل من هدي التطوع بعدما بلغ الحرم فإن لم يبلغ لم يجد لأنه في الحرم تتم القربة فيه بالإراقة وفي غير الحرم لا يحصل به بل بالتصدق فلو أكل منه أو من غيره مما لا يحل له الأكل منه ضمن ما أكله وهو مذهب الشافعي وأحمد وقال مالك لو أكل لقمة ضمته كله ويستحب أن يتصدق بثلثها ويهدي ثلثها كما في الضحايا وأما بقية الهدايا فلا يجوز وفي نهاية الحديث (ولا تأكل أنت ولا رفقتك شيئا منها وحل بينها وبين الناس) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 ولا يجوز ذبح هدي التطوع والمتعة والقران إلا في يوم النحر ويجوز ذبح بقية الهدايا أي وقتٍ شاء، ولا يجوز ذبح الهدايا إلا في الحرم، ويجوز أن يتصدق بها على مساكين الحرم وغيرهم، ولا يجب التعريف بالهدايا،   الإحصار والتطوع إذا لم يبلغ محله. (ولا يجوز ذبح هدي التطوع والمتعة والقران إلا في يوم النحر) وفي الأصل: يجوز ذبح دم التطوع قبل يوم النحر وذبحه يوم النحر أفضل، وهذا هو الصحيح؛ لأن القربة في التطوعات باعتبار أنها هدايا، وذلك يتحقق ببلوغها إلى الحرم؛ فإذا وجد ذلك جاز ذبحها في غير يوم النحر، وفي أيام النحر أفضل؛ لأن معنى القربة في إراقة الدم فيه أظهر. هداية (ويجوز ذبح بقية الهدايا أي وقت شاء) لأنها دماء كفارات؛ فلا تختص بيوم النحر؛ لأنها لما وجبت لجبر النقصان كان التعجيل بها أولى؛ لارتفاع النقصان من غير تأخير، بخلاف دم المتعة والقران لأنه دم نسك. هداية (ولا يجوز ذبح الهدايا) مطلقا (إلا في الحرم) ؛ لأن الهدي اسم لما يهدى إلى مكان، ومكانه الحرم) ويجوز أن يتصدق بها على مساكين الحرم وغيرهم) لأن الصدقة قربة معقولة، والصدقة على كل فقير قربة، وعلى مساكين الحرم أفضل، إلا أن يكون غيرهم أحوج. جوهرة (ولا يجب التعريف بالهدايا) وهو إحضارها عرفة؛ فإن عرف بهدي المتعة والقران والتطوع فحسن لأنه يتوقت بيوم النحر فعسى ألا يجد من يمسكه فيحتاج إلى أن يعرف به (ولأنه دم نسك، ومبناه على التشهير، بخلاف دماء الكفارات) ؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 والأفضل في البدن النحر، وفي البقر والغنم الذبح، والأولى أن يتولى الإنسان ذبحها بنفسه إذا كان يحسن ذلك ويتصدق بجلالها وخطامها، ولا يعطي أجرة الجزار منها، ومن ساق بدنةً فاضطر إلى ركوبها ركبها، وإن استغنى عن ذلك لم يركبها، وإن كان لها لبنٌ لم يحلبها وينضح ضرعها بالماء البارد حتى ينقطع اللبن، ومن ساق هدياً فعطب، فإن كان تطوعاً فليس عليه غيره،   فإنه يجوز ذبحها قبل يوم النحر، وسببها الجناية فالستر بها أليق. (والأفضل في البدن النحر) قياما، وإن شاء أضجعها (وفي البقر والغنم الذبح) مضجعه، ولا تذبح قياما؛ لأن الذبح في حال الإضجاع أبين، فيكون الذبح أيسر (والأولى أن يتولى الإنسان ذبحها بنفسه إن كان يحسن ذلك) لأنه قربة، والتولي في القربات أولى، لما فيه من زيادة الخشوع، إلا أنه يقف عند الذبح إذا لم يذبح بنفسه (ويتصدق بجلالها) جمع جل، وهو ككساء يقي الحيوان الحر والبرد. جوهرة. (وخطامها) يعني زمامها (ولا يعطي أجرة الجزار منها) ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: "تصدق بجلالها وخطامها ولا تعط الجزار منها" (ومن ساق بدنة فاضطر إلى ركوبها) أو حمل متاعه عليها (ركبها) وحملها (وإن استغنى عن ذلك لم يركبها) لأنه خالصاً لله جعلها، فلا ينبغي أن يصرف لنفسه شيئاً من عينها أو منافعها إلى أن تبلغ محلها، وإذا ركبها أو حملها فانتقصت فعليه ضمان ما انتقص منها (وإن كان لها لبن لم يحلبها) ، لأن اللبن متولد منها، وقد مر أنه لا يصرف لنفسه شيئاً من عينها قبل محلها (وينضح ضرعها بالماء البارد حتى ينقطع اللبن) عنها، وهذا إذا قرب محلها، وإلا حلبها وتصدق بلبنها كيلا يضر ذلك بها، وإن صرفه لنفسه تصدق بمثله أو قيمته: لأنه مضمون عليه (ومن ساق هدياً فعطب) أي هلك (فإن كان تطوعاً فليس عليه غيره) ؛ لأن القربة تعلقت به، وقد فات؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 وإن كان عن واجبٍ فعليه أن يقيم غيره مقامه، وإن أصابه عيبٌ كبيرٌ أقام غيره مقامه، وصنع بالمعيب ما شاء وإذا عطبت البدنة في الطريق، فإن كان تطوعاً نحرها وصبغ نعلها بدمها وضرب بها صفحتها ولا يأكل منها هو ولا غيره من الأغنياء، وإن كانت واجبةً أقام غيرها مقامها وصنع بها ما شاء؛ ويقلد هدي التطوع والمتعة والقران،   ولم يكن سوقه متعلقاً بذمته (وإن كان عن واجب فعليه أن يقيم غيره مقامه) ، لأن الواجب باق بذمته حيث لم يقع موقعه، فصار كهلاك الدراهم المعدة للزكاة قبل أدائها (وإن أصابه عيب كبير) بحيث أخرجه إلى الرداءة (أقام غيره مقامه) إبقاء الواجب في ذمته (وصنع بالمعيب ما شاء) لأنه التحق بسائر أملاكه (وإذا عطبت البدنة في الطريق) أي قاربت العطب، بدليل قوله " نحرها" لأن النحر بعد حقيقة العطب لا يتصور (فإن كانت) البدنة (تطوعا نحرها وصنع نعلها) : أي قلادتها. هداية. (بدمها وضرب بها) : أي بقلادتها المصبوغة بدمها (صفحتها) : أي أحد جنبيها (ولم يأكل منها هو) : أي صاحبها (ولا غيره من الأغنياء) وفائدة ذلك أن يعلم الناس أنه هدي فيأكل منه الفقراء دون الأغنياء، وهذا لأن الإذن بتناوله معلق بشرط بلوغه محله فينبغي أن لا يحل قبل ذلك أصلاً، إلا أن التصدق على الفقراء أفضل من أن يترك جزرا للسباع، وفيه نوع تقرب، والتقرب هو المقصود. هداية (وإن كانت) البدنة (واجبة أقام غيرها مقامها) لأنها لم تبق صالحة لما عينه (وصنع بها) : أي التي عطبت (ما شاء) ، لأنها ملكه كسائر أملاكه (ويقلد) ندبا (هدى التطوع) والنذر (والمتعة والقران) لأنه دم نسك فيليق به الإظهار والشهرة، تعظيماً لشعائر الإسلام، والمراد من الهدي الإبل والبقر، وأما الغنم فلا يقلد. وكل ما يقلد يخرج به إلى عرفات، وما لا فلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 ولا يقلد دم الإحصار ولا دم الجنايات.   جوهرة. (ولا يقلد دم الإحصار) لأنه لرفع لا حرام (ولا دم الجنايات) ، لأنه دم جير، فالأولى إخفاؤها وعدم إظهارها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 كتاب البيوع. - البيع ينعقد بالإيجاب والقبول إذا كانا بلفظ الماضي،   كتاب البيوع عقب البيع للعبادات وأخر النكاح لأن الاحتياج إلى البيع أعم، لأنه يعم الصغير والكبير، وبه قيام المعيشة التي هي قوام الأجسام، وبعض المصنفين قدم النكاح لأنه عبادة، ثم البيع مصدر، وقد يراد به المفعول فيجمع باعتباره كما يجمع المبيع، وقد يراد به المعنى - وهو الأصل - فجمعه باعتبار أنواعه، فتح. (البيع) لغة: مبادلة شيء بشيء، ملا أولا، بدليل {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} (1) وهو من الأضداد، ويستعمل متعديا لمفعولين؛ يقال: بعتك الشيء وقد تدخل " من" على المفعول الأول على وجه التأكيد، فيقال: بعت من زيد الدار. وربما دخلت اللام، فيقال: بعت لك الشيء؛ فهي زائدة وابتاع الدار بمعنى اشتراها؛ وباع عليه القاضي: أي من غير رضاه. بحر عن ابن القطاع. وشرعا: مبادلة مال بمال بالتراضي (2) و (ينعقد بالإيجاب) وهو: ما يذكر أولا من كلام أحد العاقدين (والقبول) وهو: ما يذكر ثانياً (إذا كان بلفظ الماضي) كبعت واشتريت؛ لأن البيع إنشاء تصرف، والإنشاء يعرف بالشرع، وهو قد استعمل الموضوع للإخبار في الإنشاء؛ فينعقد به، ولا ينعقد بلفظين أحدهما مستقبل، بخلاف النكاح كما سيأتي، وقوله رضيت أو أعطيتك بكذا أو أخذته بكذا في معنى قوله بعت واشتريت؛ لأنه   (1) صدر الآية 111 من سورة التوبة. (2) ومما يذكر في هذا المقام أن البيع قد يكون مطلقا وهو بيع العين بالدين وقد يكون مسلما وهو عكسه وقد يكون صرفا وهو بيع الثمن بالثمن وقد يكون مقايضة وهو بيع العين بالعين. وقد يكون بخيار وغيره وقد يكون منجزا وقد يكون بأجل ومنه مرايحة وقوليه وغير ذلك فهذه أنواع جميع البيع باعتبارها. وهو من الأخذ إذا باعه أخرجه من ملكه بثمن وباعه اشتراه ويتعدى بنفسه وبالحرف، باعه الثوب وباعه منه وشرعيته بالكتاب لقوله سبحانه وتعالى: {وأحل الله البيع، وحرم الربا} وبالسنة وهي قوله صلى الله عليه وسلم "يا معشر التجار: إن بيعكم هذا يدخله اللغوة والكذب فشوبوه بالصدقة" وبعث النبي في الناس يتبايعون فأقرهم والإجماع منعقد عليه وسبب مشروعيته تعلق البقاء المطلوب فيه لله تعالى على وجه جميل لأن الإنسان لا يستطيع الاستغلال بصنع كل شيء فكان لابد من التبادل ولو لم يشرع البيع لكان الأخذ مغالبة أو سؤالا أو كان الصبر حتى الموت وكل منها فساد لا يتفق مع الأديان. من الفتح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 وإذا أوجب أحد المتعاقدين البيع فالآخر بالخيار: إن شاء قبل في المجلس وإن شاء رده، وأيهما قام من المجلس قبل القبول بطل الإيجاب. وإذا حصل الإيجاب والقبول لزم البيع ولا خيار لواحدٍ منهما،   يؤدي معناه والمعنى هو المعتبر في هذه العقود، ولهذا ينعقد بالتعاطي في النفيس والخسيس وهو الصحيح؛ لتحقق المراضاة. هداية (وإذا أوجب أحد المتعاقدين) بائعاً كان أو مشتريا (البيع فالآخر بالخيار: إن شاء قبل) كل المبيع بكل الثمن (في المجلس) ؛ لأن خيار القبول مقيد به (وإن شاء رده) لأنه لو لم يثبت له الخيار يلزمه حكم العقد من غير رضاه، وللموجب الرجوع ما لم يقبل الآخر؛ لخلوه عن إبطال حق الغير. وإنما يمتد إلى آخر المجلس؛ لأنه جامع للمتفرقات؛ فاعتبر ساعاته ساعة واحدة دفعاً للعسر وتحقيقاً لليسر، والكتاب كالخطاب، وكذا الإرسال حتى أعتبر مجلس بلوغ الكتاب وأداء الرسالة، وقيدنا القبول لكل المبيع بكل الثمن لأنه ليس له أن يقبل المبيع أو بعضه ببعض الثمن؛ لعدم رضاء الآخر بأقل مما أوجب أو بتفرق الصفقة، إلا إذا بين ثمن كل واحد؛ لأنه صفقات معنى (وأيهما قام من المجلس) وإن لم يذهب عنه. نهر، وابن كمال (قبل القبول) من الآخر (بطل الإيجاب) ؛ لأن القيام دليل الإعراض والرجوع، وتقدم أن له ذلك، وكذلك كل ما يدل على الإعراض من الاشتغال بعمل آخر. فتح: (وإذا حصل الإيجاب والقبول لزم البيع) وإن لم يقبض (ولا خيار لواحد منهما؛ لأن في الفسخ إبطال حق الآخر؛ فلا يجوز، والحديث محمول على خيار القبول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 إلا من عيبٍ أو عدم رؤيةٍ. والأعواض المشار إليها لا يحتاج إلى معرفة مقدارها في جواز البيع، والأثمار المطلقة لا تصبح إلا أن تكون معروفة القدر والصفة،   وفي الحديث إشارة إليه؛ فإنهما متبايعان حقيقة حالة المباشرة لا بعده، وإن احتمله باعتبار ما كان فجعله على حالة مباشرته أولى عملا بالحقيقة؛ والتفريق محمول على تفرق الأقوال (إلا من عيب) أو شرط (أو عدم رؤية) كما يأتي. (والأعواض المشار إليها) من مبيع أو ثمن (لا يحتاج إلى معرفة مقدارها في جواز البيع) لنفي الجهالة بالإشارة ما لم يكن ربوبيا قوبل بجنسه (والأثمان المطلقة) : أي غير المشار إليها، بدليل المقابلة (لا يصح) البيع بها (إلا أن تكون معروفة القدر والصفة) ؛ لأن التسليم واجب بالعقد، هذه الجهالة مفضية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 ويجوز البيع بثمنٍ حالٍ ومؤجلٍ إذا كان الأجل معلوماً، ومن أطلق الثمن في البيع، كان على غالب نقد البلد، فإن كانت النقود مختلفة فالبيع فاسدٌ، إلا أن يبين أحدها.   إلى المنازعة، فيمتنع التسليم والتسلم، وكل جهالة هذه صفتها تمنع الجواز، وهذا هو الأصل. هداية. وهذا حيث اختلف نقد البلد مالية واستوى رواجا، بدليل ما بعده. (ويجوز البيع بثمن حال) وهو الأصل (ومؤجل، إذا كان الأجل معلوما) لئلا يفضي إلى المنازعة، وهذا إذا بيع بخلاف جنسه ولم يجمعهما قدر؛ لما فيه من ربا النساء كما سيجئ، وابتداء الأجل من وقت التسليم، ولو فيه خيار فمذ سقوطه عنده. خانية: ويبطل الأجل بموت المديون لا الدائن. (ومن أطلق الثمن في البيع) عن التقييد بالوصف: بأن ذكر القدر دون الصفة (كان) الثمن المقدر محمولا (على غالب نقد البلد) ؛ لأنه المتعارف وفيه التحري للجواز فيصرف إليه. هداية (فإن كانت النقود مختلفة) في النقد والمالية (فالبيع فاسد) للجهالة (إلا أن يبين أحدها) في المجلس؛ لارتفاع الجهالة قبل تقرر الفساد وهذا إذا استوت رواجاً، أما إذا اختلفت في الرواج ولو مع الاختلاف في المالية وذلك كالذهب الغازي والعدلي في زماننا فيصح وينصرف إلى الأروج، وكذا يصح لو استوت ماليه ورواجا، ويخير المشتري بين أن يؤدي أيها شاء، قال في البحر: فلو طلب البائع أحدها للمشتري دفع غيره؛ لأن امتناع البائع من قبول ما دفعه ولا فضل تعنت. اهـ قال شيخنا: يعلم من قولهم "يصح لو استوت ماليه ورواجا" حكم ما تعورف في زماننا من الشراء بالفروش؛ فإنها في حكم المستوية في الماليه، فإن القروش في الأصل قطعه مضروبة من الفضة تقوم بأربعين قطعه من القطع المصرية المسماة في مصر نصفا، ثم أن أنواع العملة المضروبة تقوم القرش، فمنها ما يساوي عشرة، ومنها أقل، ومنها أكثر، وإذا اشترى بمائة قرش فالعادة أنه يدفع ما أراد من القروش أو مما يساويها من بقية أنواع العملة، ولا يفهم أحد أن الشراء وقع بنفس القطعة المسماة قرشا، وقدمنا أن المشتري يخير فيما تساوى ماليه ورواجا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 ويجوز بيع الطعام والحبوب مكاملةً ومجازفةً، وبإناءٍ بعينه لا يعرف مقداره وبوزنٍ حجرٍ بعينه لا يعرف مقداره، ومن باع صبرة طعامٍ كل فقيرٍ بدرهمٍ جاز البيع في فقيرٍ واحدٍ عند أبي حنيفة إلا أن يسمى جملة قفزانها، ومن باع قطيع غنمٍ كل شاةٍ بدرهمٍ فالبيع فاسدٌ في جميعها،   في دفع أيها شاء. ثم قال: في ما إذا اشترى بالقروش المذكورة ثم رخص بعض أنواعها أو كلها واختلفت في الرخص كما وقع ذلك في زماننا مراراً وأكثر السؤال عنه، والذي تحرر أنه يؤمر المشتري بدفع المتوسط رخصا، لحتى لا يلزم الضرر بهما، وهذا إذا رخص الجميع، أما لو بقي منها نوع على حاله فينبغي أن يلزم المشتري بالدفع منه، لأن اختياره دفع غيره يكون تعنتا وقصدا لا ضرار البائع مع إمكان غيره، وتمام ذلك في الرسالة. (ويجوز بيع الطعام) وهي الحنطة ودقيقها خاصة في العرف الماضي. فتح (و) جميع (الحبوب) كالشعير والذرة ونحوهما (مكاملة) بكيال معروف (ومجازفة) وهي كما في المغرب: البيع والشراء بلا كيل ولا وزن (وإناء بعينه لا يعرف مقداره، وبوزن حجر بعينه لا يعرف مقداره) والظاهر أنه من المجازفة وعطفه عليها لأنه صورة كيل ووزن وليس به حقيقة، وهذا إذا كان بخلاف جنسه ولم يكن رأس مال لشرطية معرفته كما سيجئ (ومن باع صبرة طعام كل قفيز بدرهم جاز البيع في قفيز واحد عند أبي حنيفة) لتعذر الصرف إلى كلها لجهالة المبيع والثمن، فيصرف إلى الأقل وهو معلوم (إلا أن) تزول الجهالة بأن (يسمى جملة قفزاتها) أو بالكبل في المجلس: ثم إذا جاز في قفيز المشتري الخيار؛ لتفرق الصفقة عليه، وقالا: يجوز في الوجهين، وبه يفتي، شرنبلاليه عن الربهان، وفي النهر عن عيون المذاهب: وبه يفتي تيسيراً، وفي البحر: وظاهر الهداية ترجيح قولهما؛ لتأخير دليلهما كما هو عادته. اهـ. قال شيخنا: لكن رجح في الفتح قوله وقوى دليله على دليلهما، ونقل ترجيحه العلامة قاسم عن الكافي والمحبوبي والنسفي وصدر الشريعة. ولعله من حيث قوة الدليل؛ فلا ينافي ترجيح قولهما من حيث التيسير، ثم رأيته في شرح المتقي أفاد ذلك. اهـ. والفتوى على قوله. (ومن باع قطيع غنم كل شاة بدرهم فالبيع فاسد في جميعها) وإن علم عددها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 وكذلك من باع ثوباً مذارعة كل ذراع بدرهمٍ ولم يسم جملة الذرعان، ومن ابتاع صبرةً على أنها مائة قفيزٍ بمائة درهمٍ فوجدها أقل كان المشتري بالخيار: إن شاء أخذ الموجود بحصته من الثمن، وإن شاء فسخ البيع، وإن وجدها أكثر فالزيادة للبائع، ومن اشترى ثوباً على أنه عشرة أذرعٍ بعشرة دراهم أو أرضاً على أنها مائة ذراع بمائة درهمٍ   بعد العقد ولو في المجلس على الأصح، سراج عن الحلواني؛ للجهلة وقت العقد؛ وكذا في الواحدة؛ لأن بيع شاة من قطيع لا يصح؛ للتفاوت بين الشياه؛ بخلاف بيع قفيز من صبرة فإنه يصح؛ لعدم التفاوت (وكذلك من باع ثوباً) يضره التبعيض (مذارعة كل ذراع بدرهم ولم يسم جملة الذرعان) وكذلك كل معدود متفاوت كإبل وعبيد ونحوهما (ومن ابتاع) : أي اشترى (صبرة طعام على أنها مائة قفيز بمائة درهم) مثلا (فوجدها أقل) مما سمى له (كان المشتري بالخيار: إن شاء أخذ الموجود بحصته من الثمن، وإن شاء فسخ البيع) لتفرق الصفقة عليه، وكذا كل مكيل وموزون ليس في تبعيضه ضرر (وإن وجدها أكثر من ذلك فالزيادة للبائع) ؛ لأن البيع وقع على مقدار معين (ومن اشترى ثوبا على أنه عشرة أذرع بعشرة دراهم) مثلا (أو أرضاً على أنها مائة ذراع بمائة درهم فوجدها أقل) مما سمى له فالمشتري (بالخيار: إن شاء أخذها بجملة الثمن) المسمى (وإن شاء تركها) ، لأن الذرع وصف في الثوب؛ بخلاف الأول فإنه مقدار يقابله الثمن، والوصف لا يقابله شيء من الثمن، إلا أنه يخير لفوات الوصف المذكور (وإن وجدها أكثر من الذراع الذي سماه) البائع (فهو) : أي الزائد (للمشتري ولا خيار للبائع) ، لما ذكرنا أنه صفة؛ فكان بمنزلة ما إذا باعه معيبا فإذا هو سليم؛ وهذا حيث لم يكن الذرع مقصودا كما أفاده بقوله: (وإن قال بعتكها) : أي الأرض المتقدم ذكرها (على أنها مائة ذراع بمائة درهم) مثلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 فوجدها أقل فالمشتري بالخيار: إن شاء أخذها بجملة الثمن، وإن شاء تركها، وإن وجدها أكثر من الذراع الذي سماه فهو للمشتري، ولا خيار للبائع، وإن قال بعتكها على أنها مائة ذراع بمائة درهمٍ كل ذراعٍ بدرهمٍ فوجدها ناقصةً فهو بالخيار: إن شاء أخذها بحصتها من الثمن وإن شاء تركها، وإن وجدها زائدةً فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ الجميع كل ذراعٍ بدرهمٍ، وإن شاء فسخ البيع، ومن باع داراً دخل بناؤها في البيع وإن لم يسمه، ومن باع أرضاً دخل ما فيها وإن لم يسمه، ولا يدخل الزرع في بيع الأرض إلا بالتسمية، ومن باع نخلاً أو شجراً فيه ثمرٌ فثمرته للبائع، إلا أن يشترطها المبتاع،   (كل ذراع بدرهم فوجدها ناقصة فهو بالخيار: إن شاء أخذها بحصتها من الثمن) ؛ لأن الوصف وإن كان تابعا لكنه صار أصلا بانفراده بذكر الثمن؛ فينزل كل ذراع منزلة ثوب؛ وهذا لأنه لو أخذه بكل الثمن لم يكن آخذا كل ذراع بدرهم هداية (وإن شاء تركها) لتفرق الصفقة (وإن وجدها زائدة كان المشتري بالخيار: إن شاء أخذ الجميع كل ذراع بدرهم، وإن شاء فسخ البيع) لدفع ضرر التزام الزائد. (ومن باع دارا دخل بناؤها في البيع وإن لم يسمه) : أي البناء في عقد البيع لأن اسم الدار يتناول العرصة والبناء في العرف، وهو متصل به اتصال قرار؛ فيدخل تبعا له؛ والأصل في جنس هذا أن كل ما كان اسم المبيع متناولا له عرفا أو كان متصلا به اتصال قرار - وهو ما وضع لا ليفصل - دخل من غير ذكر (ومن باع أرضا) ذات نخل وشجر (دخل ما فيها) من النخل والشجر في البيع أيضاً (وإن لم يسمه) لأنه متصل به اتصال قرار؛ فأشبه البناء، قال قاضيخان: هذا في المثمرة، واختلفوا في غير المثمرة، والصحيح أنها تدخل صغيراً كان أو كبيراً. تصحيح (ولا يدخل الزرع في بيع الأرض إلا بالتسمية) ، لأنه متصل بها للفصل؛ وله غاية ينتهي إليها، بخلاف الأول (ومن باع نخلا أو شجراً فيه ثمرة) سواء كان بحال له قيمة أو لا في الصحيح: هداية (فثمرته للبائع) ، لأن الاتصال وإن كان خلقه فهو للقطع لا للبقاء فأشبه الزرع (إلا أن يشترطها) أي الثمرة (المبتاع) : أي المشتري. لأنه حينئذ يكون من المبيع، وعبر هنا بالشرط وثمة بالتسمية إشارة لعدم الفرق بينهما، وأن هذا الشرط غير مفسد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 ويقال للبائع: اقطعها وسلم المبيع، ومن باع ثمرةً لم يبد صلاحها أو قد بدا جاز البيع، ووجب على المشتري قطعها في الحال، فإن شرط تركها على النخل فسد البيع، ولا يجوز أن يبيع ثمرةً ويستثني منها أرطالاً معلومةً،   (ويقال للبائع: اقطعها) : أي الثمرة وإن لم يظهر صلاحها (وسلم المبيع) وكذا إذا كان في الأرض زرع، لأن ملك المشتري مشغول بملك البائع، لكان عليه تفريغه وتسليمه، كما إذا كان فيه متاع (ومن باع ثمرة) بارزة (لم يبد صلاحها أو قد بدا جاز البيع) ؛ لأنه مال متقوم: إما لكونه منتفعا به في الحال؛ أو في الثاني، وقد قيل: لا يجوز قبل أن يبدو صلاحها، والأول أصح، هداية، وقيدنا الثمرة بكونها بارزة لأن بيعها قبل الظهور لا يصح اتفاقا، ولو برز بعضها دون بعض لا يصح في ظاهر المذهب؛ وصححه السرخسي، وأفتى الحلواني بالجواز لو الخارج أكثر، ويجعل المعدوم تبعا للموجود استحسانا لتعامل الناس للضرورة. زيلعي، وظاهر الفتح الميل إلى هذا؛ وقواه شيخنا (ووجب على المشتري قطعها في الحال) بطلب البائع، تفريغا لملكه، وهذا إذا اشتراها مطلقا، أو بشرط القطع (فإن) كان (شرط تركها على النخل) حتى تتنامى (فسد البيع) . لأنه شرط لا يقتضيه العقد. وهو شغل مال الغير. ولو اشتراها مطلقا وتركها بإذن البائع طلب له الفضل. وإن تركها بغير إذنه تصدق بما زاد في ذاته. لحصوله بجهة محظورة. هداية (ولا يجوز أن يبيع ثمرة ويستثني منها أرطالا معلومة) ، لأن الباقي بعد الاستثناء مجهول، بخلاف ما إذا استثنى نخلا معينا، لأن الباقي معلوم بالمشاهدة. هداية، ومشى عليه المختار وبرهان الشريعة وصدر الشريعة، وقال في الاختيار: وهو الصحيح، وقيل: يجوز، وخالفه النسفي تبعا للهداية حيث قال - بعد ذكر ما في الكتاب - قالوا هذه رواية الحسن. وهو قول الطحاوي، أما على ظاهر الرواية فينبغي أن يجوز، لأن الأصل أن ما يجوز إيراد العقد عليه بانفراده يجوز استثناؤه من القعد وبيع قفيز من صبرة جائز، فكذا استثناؤه. اه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 ويجوز بيع الحنطة في سنبلها والباقلاء في قشرها، ومن باع داراً دخل في المبيع مفاتيح أغلافها، وأجرة الكيال وناقد الثمن على البائع، وأجرة وزانٍ الثمن على المشتري. ومن باع سلعةً بثمنٍ قيل للمشتري: ادفع الثمن أولاً،   تصحيح، قال في الفتح: وعدم الجواز أقيس بمذهب الإمام. اهـ (ويجوز بيع الحنطة) بانفرادها حالة كونها (في سنبلها والباقلاء في قشرها) وكذا الأرز والسمسم ونحوهما، وعلى البائع إخراجه، وللمشتري الخيار. فتح، وهذا إذا باع بخلاف جنسه. وإلا لا، لاحتمال الربا، وإنما بطل بيع ما في تمر وقطن وضرع وما على حنطة من نوى وحب ولبن وتبن لأنه معدوم عرفا. (ومن باع داراً دخل في البيع مفاتيح أغلاقها) ، لأنه يدخل فيه الأغلاق لأنها مركبة فيها للبقاء والمفتاح يدخل في بيع الغلق، لأنه بمنزلة بعضه، إذ لا ينتفع به بدونه. هداية. (وأجرة الكيال) والوزان والعداد والزراع للمبيع (وناقد الثمن على البائع) أما الكيل والوزن والعدد والذرع فلا بد منه للتسليم، وهو على البائع وأما النقد فالمذكور رواية ابن رستم عن محمد لأن النقد يكون بعد التسليم وفي رواية ابن سماعه عنه على المشتري، لأنه يحتاج إلى تسليم الجيد المقدر، وهو الجودة تعرف بالنقد كما يعرق القدر بالوزن فيكون عليه. هداية، وفي التصحيح: قال في المحيط: وأجرة الناقد ووزن الثمن على المشتري، وهو الصحيح، وقال قاضيخان: والصحيح أنه يكون على المشتري) لما بينا أنه هو المحتاج إلى تسليم الثمن، وبالوزن يتحقق التسليم. هداية. (ومن باع سلعة) حاضرة غير مشغولة (بثمن) حال (قيل للمشتري: ادفع الثمن أولا) ، لأن حق المشتري تعين في المبيع، فيتقدم دفع الثمن، ليتعين حق البائع بالقبض، لأن الثمن لا يتعين بالتعين قبل القبض، قيدنا السلعة بالحاضرة وغير مشغولة لأنه إذا كانت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 فإذا دفع قيل للبائع: سلم المبيع، ومن باع سلعةً بسلعةٍ أو ثمنٍ قيل لهما: سلما معاً. باب خيار الشرط. - خيار الشرط جائزٌ في البيع للبائع والمشتري (1) ، ولهما الخيار ثلاثة أيامٍ فما دونها، ولا يجوز أكثر من ذلك عند أبي حنيفة رحمه الله،   غائبة أو مشغولة لا يؤمر بدفع الثمن حتى يحضر السلعة أو يفرغها كما في الفيض، وقيد الثمن بالحال لأنه إذا كان مؤجلا لا يملك البائع منع السلعة لقبضه، لأن ابتداء الأجل من قبض السلعة كما مر (فإذا دفع) المشتري (الثمن قيل للبائع: سلم المبيع) لأنه ملك الثمن بالقبض، فلزمه تسليم المبيع. وإن سلم البائع المبيع قبل قبض الثمن ليس له أن يسترده (ومن باع سلعة بسلعة أو ثمنا بثمن قيل لهما: سلما معاً) ، لاستوائهما في التعيين، ثم التسليم يكون بالتخلية على وجه يتمكن من القبض بلا مانع ولا حائل لأن، التخلية قبض حكما لو مع القدرة عليه بلا كلفة، وتمامه في حاشية شيخنا. باب خيار الشرط قدمه على باقي الخيارات لأنه يمنع ابتداء الحكم، وعقبه بخيار الرؤية لأنه يمنع تمامه، وأخر خيار العيب لأنه يمنع اللزوم؛ وتمام الكلام عليه مبين في الدور. (خيار الشرط جائز) في صلب العقد أو بعده ولو بأيام بحر أما قبله فلا يثبت، تتارخانية (في البيع) أي المبيع كله أو بعضه (للبائع) وحده (والمشتري) وحده (ولهما) معاً، ولغيرهما (والخيار) مدته (ثلاثة أيام فما دونها) وفسد عنه إطلاق أو تأييد، وفي جامع الفتاوى: ولو قال بعت إن رضى فلان جاز إن بين وقت الرضا. اهـ. وبه ظهر جواب حادثة الفتوى، وهي: باع إن رضي شفيعها من غير بيان وقت (ولا يجوز) الخيار (أكثر من ذلك عند أبي حنيفة) لأنه ثبت على خلاف القياس   (1) والأصل فيه أن ما روى أن حيان ابن منقذ بن عمرو الأنصاري كان رجلا ضعيفا. وكان قد أصابته في رأسه ما سدمه فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار إلى ثلاثة أيام فيما اشتراه. وكان قد ثقل لسانه فقال النبي صلى الله عليه وسلم بع وقل لا حلاله وكان يشتري الشيء فيجئ به إلى أهله فيقولون له: هذا غال فيقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خيرني في بيعي وسكت عليه رواه الحاكم في المستدرك ورواه الشافعي ثم قال والأصل فيه الفساد ولكن لما جعل النبي صلى الله عليه وسلم لحيان بن منقذ خيار ثلاث فيما ابتاع انتهينا إلى ما قال والحديث يروى في عدة كتب من الصحاح وبروايات مختلفة كلها تتفق على الجواز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 وقال أبو يوسف ومحمدٌ رحمهما الله: يجوز إذا سمى مدةً معلومةً. وخيار البائع يمنع خروج المبيع من ملكه، فإن قبضه المشتري فهلك في يده ضمنه بالقيمة، وخيار المشتري لا يمنع خروج المبيع من ملك البائع، إلا أن المشتري لا يملكه عند أبي حنيفة، وعندهما يملكه، فإن هلك في يده هلك بالثمن وكذلك إذا دخله عيبٌ،   بالنص؛ فيبقى الباقي على الأصل (وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز إذا سمى مدة معلومة) ؛ لأنه شرع للحاجة للتروي ليندفع به الثمن وقد تمس الحاجة إلى الأكثر؛ فصار كالتأجيل في الثمن. قال في التحفة: والصحيح قول أبي حنيفة، ومشى عليه المحبوبي وصدر الشريعة والنسفي وأبو الفضل الموصلي، ورجحوا دليله، وأجابوا عما يتمسك به لهما. تصح. (وخيار البائع) ولو مع خيار المشتري (يمنع خروج المبيع من ملكه) اتفاقا (فإن قبضه المشتري فهلك في يده) في مدة الخيار (ضمنه بالقيمة) لو قيميا، وبالمثل لو مثليا؛ لأن البيع ينفسخ بالهلاك لأنه كان موقوفا، ولا نفاذ بدون المحل؛ فبقي مقبوضاً في يده على سوم الشراء، وفيه القيمة في القيمى والمثل في المثلى. فتح. ولو هلك في يد البائع انفسخ البيع، ولا شيء على المشتري اعتباراً بالمطلق. هداية (وخيار المشتري لا يمنع خروج المبيع من ملك البائع) بالإجماع. جوهرة. إلا أن المشتري لا يملكه عند أبي حنيفة، وقالا: يملكه) ؛ لأنه لما خرج من ملك البائع فلو لم يدخل في ملك المشتري يكون زائلا لا إلى مالك، ولا عهد لنا به في الشرع، ولأبي حنيفة أنه لما لم يخرج الثمن عن ملكه فلة قلنا بأنه يدخل في المبيع في ملكه لاجتمع البدلان في ملك رجل واحد حكما للمعاوضة، ولا أصل له في الشرع؛ لأن المعاوضة تقتضي المساواة. هداية. قال في التحفة: والصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده برهان الشريعة وصدر الشريعة والنسفي والموصلي. تصحيح (فإن هلك في يده هلك بالثمن) المسمى، لأنه عجز عن رده فلزمه ثمنه (وكذلك إن دخله عيب) لازم؛ سواء كان بفعل المشتري أو أجنبي أو آفة سماوية أو فعل المبيع، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 ومن شرط له الخيار فله أن يفسخ في مدة الخيار، وله أن يجيزه، فإن أجازه بغير حضرة صاحبه جاز، وإن فسخ لم يجز، إلا أن يكون الآخر حاضراً، وإذا مات من له الخيار بطل خياره، ولم ينتقل إلى ورثته، ومن باع عبداً على أنه خبازٌ أو كاتبٌ فكان بخلاف ذلك   وأما العيب الغير اللازم كمرض: فإن زال في المدة فهو على خياره، وإلا لزمه العقد، لتعذر الرد. ابن كمال. ولا يخرج شيء من مبيع وثمن عن ملك مالكه إذا كان الخيار لهما اتفاقا، وأيهما فسخ في المدة انفسخ البيع، وأيهما أجاز بطل خياره فقط (ومن شرط له الخيار) من بائع أو مشتر أو أجنبي (فله أن يفسخ في مدة الخيار، وله أن يجيزه) ، لأن هذا فائدة الخيار (فإن أجازه بغير حضرة صاحبه جاز) إجماعاً، لأنه إسقاط لحقه، فلا يتوقف على حضور الآخر، كالطلاق والعتاق، إلا إذا كان الخيار لهما وفسخ أحدهما فليس للآخر الإجازة، لأن المفسوخ لا تلحقه الأجازة (وإن فسخ لم يجز إلا أن يكون الآخر حاضراً) والشرط العلم، وكنى بالحضرة عنه لأنها سببه، حتى لو كان حاضراً ولم يعلم لم يجز، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: يجوز وإن لم يكن الآخر حاضراً، قال في التصحيح: ومشى على قولهما النسفي وبرهان الشريعة وصدر الشريعة. اهـ. ولو شرط المشتري أو البائع الخيار لأجنبي صح وثبت للأصيل مع التائب، فإن أجاز أحدهما أو فسخ صح، وإن أجاز أحدهما وعكس الآخر اعتبر الأسبق، لثبوت حكمه قبل المتأخر فلم يعارضه، ولو صدرا معا أو لم يعلم السابق فالفسخ أحق. زيلعي. (وإذا مات مات من له الخيار بطل خياره) وتم البيع من جهته (ولم ينتقل إلى ورثته) ، لأنه ليس له إلا مشيئة وإرادة، فلا يتصور انتقاله، والإرث فيما يقبل الانتقال، بخلاف خيار العيب، لأن المورث استحق المبيع سليما، فكذا الوارث. فأما نفس الخيار فلا يورث. هداية. (ومن باع عبداً على أنه خباز أو كاتب فكان بخلاف ذلك) بأن لم يوجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 فالمشتري بالخيار. إن شاء أخذهى بجميع الثمن، وإن شاء ترك، باب خيار الرؤية. - ومن اشترى شيئاً لم يره فالبيع جائزٌ، وله الخيار إذا رآه: إن شاء أخذه، وإن شاء رده،   معه أدنى ما يطلق عليه اسم الكاتب والخباز، فتح (فالمشتري بالخيار: إن شاء أخذه بجميع الثمن) ، لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن لكونها تابعة في العقد (وإن شاء ترك) ، لفوات الوصف المرغوب فيه المستحق في العقد بالشرط، وفواته يوجب التخيير، لأنه ما رضى به بدونه، وهذا بخلاف شرائه شاة على أنها حامل، أو تحلب كذا رطلا، أو يخبز كذا صاعاً، أو يكتب كذا قدراً، فإنه يفسد البيع، لأنه شرط زيادة مجهولة لعدم العلم بها، فتح. أي: والسابق وصف مرغوب فيه كوصف السلامة، ولذا لو شرط أنها حلوب أو لبون جاز. باب خيار الرؤية قدمنا وجه تقديمه على خيار العيب، وهو من إضافة المسبب إلى السبب. (ومن اشترى شيئاً لم يره فالبيع جائز) لكن بشرط الإشارة إليه، أو إلى مكانه، فلو لم يشر لذلك لم يجز بالإجماع، كما في المبسوط، وما في حاشية أخي زاده من أن الأصح لجواز مبنى على ما فهم من إطلاق الكتاب، قال في الفتح: والظاهر أن المراد بالإطلاق ما ذكره شمس الأئمة السرخسي وغيره كصاحب الأسرار والذخيرة من أن الإشارة إليه أو إلى مكانه شرط الجواز، حتى لو لم يشر إليه ولا إلى مكانه لا يجوز بالإجماع (1) اهـ. (وله الخيار إذا رآه) وكذا قبل الرؤية في الأصح، بحر، لعدم لزوم البيع (إن شاء أخذه، وإن شاء رده) وإن قال رضيت قبلها، لأن الرضى بالشيء قبل العلم بأوصافه لا يتحقق، وهو غير مؤقت، بل يبقى إلى أن يوجد ما يبطله، ويشترط لفسخه علم البائع   (1) ومذهب الشافعي أنه لا يجوز فيما لم يسم جنسه قولا واحد وأما فما سمى جنسه وصفته على ما نقل في شرع الوجيز والحلية أنه يجوز على قوله القديم وعلى قوله الجديد لا يجوز وعن مالك وأحمد مثل قول الحنفية واختاره كثير من أصحاب الشافعية وهو قول عثمان بن عفان وطلحة واحتج المانعون بأنه بيع المجهول وهو منهي عنه وكذلك بيع الفرد والمجيزون يقولون أنه لا عذر في ذلك لأن الفرز أن تفشه بإظهار ما ليس في الواقع وما هنا ليس كذلك وكذلك يقال في المجهول أي أنه منهي عنه للضرر وما ينتهي إليه من النزاع وهذا لو لم يثبت له الخيار إذا رأى المبيع وأما إذا ثبت ذلك فلا وفي ذلك يسر على العباد فمن عقد صفقة على غائب غير موجود لحاجته إليه جاز وكان بالخيار إذا رآه وذلك أشبه بمشروعية الأحكام لمصالح العباد ولا سيما المعاملات التي تبنى على المنقولات مالم تخالف النص فكيف إذا كان على مقتضى النص وهو حديث البيهقي عن مكحول يرفعه إلى النبي ص: من اشترى شيئاً لم يره فله الخيار إذا رآه إن شاء أخذه؛ وإن شاء تركه وهو مرسل والمرسل حجة عند أكثر أهل العلم والحديث مروي عن الحسن البصري وابن سيرين وغيرهما وهو مذهب ابن سيرين وقد روى مرفوعا رواه أبو حنيفة عن الهيثم عن محمد بن سيرين عن أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن في طريقه إلى أبي حنيفة عمر الكردي وهو منهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 ومن باع مالم يره فلا خيار له، ومن نظر إلى وجه الصبرة أو إلى ظاهر الثوب مطوياً أو إلى وجه الجارية أو إلى وجه الدابة وكفلها، فلا خيار   (ومن باع مالم يره فلا خيار له) لأنه معلق بالشراء بالنص فلا يثبت لغيره (وإن نظر) قبل الشراء (إلى وجه الصبرة أو إلى ظاهر الثوب مطويا) وكان مما يستدل بظاهره على باطنه، بخلاف ما إذا كان في طيه ما يكون مقصودا كموضع العلم (أو إلى وجه الجارية) لأنه المقصود في الآدمي (أو إلى وجه الدابة وكفلها) لأنهما المقصود في الدواب (فلا خيار له) والأصل في هذا أن رؤية جميع المبيع غير مشروط لتعذره؛ فيكتفي برؤية ما يدل على العلم بالمقصود، ولو دخل في المبيع أشياء: فإن كان لا تتفاوت آحاده كالمكيل والموزون - وعلامته: أن يعرض بالنموذج - يكتفى برؤية واحد منها إلا إذا كان الباقي أردأ مما رأى؛ فحينئذ يكون له الخيار. أي خيار العيب، لا خيار الرؤية، وإن كان تتفاوت آحاده كالثياب والدواب فلا بد من رؤية كل واحد. هداية. قال شيخنا: وبقي شيء لم آر من نبه عليه. وهو ما لو كان المبيع أثوابا متعددة وهي من نمط واحد لا يختلف عادة بحيث يباع كل واحد منها بثمن متحد، ويظهر لي أنه يكفي رؤية ثوب منها، إلا إذا ظهر الباقي أردأ وذلك لأنها تباع بالنموذج في عادة التجار؛ فإذا كانت ألوانا مختلفة ينظرون من كل لون إلى ثوب. اهـ. وهذا إذات كان في وعاء واحد، وأما إذا كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 له. وإن رأى صحن الدار فلا خيار له وإن لم يشاهد بيوتها، وبيع الأعمى وشراؤه جائزٌ، وله الخيار إذا اشترى، ويسقط خياره بأن يجس المبيع إذا كان يعرف بالجس، أو يشمه إذا كان يعرف بالشم، أو يذوقه إذا كان يعرف بالذوق، ولا يسقط خياره في العقار حتى يوصف له،   في وعاءين أو أكثر ورأى أحدها فمشايخ العراق على أنها كرؤية الكل ومشايخ بلخ على أنه لا بد من رؤية الكل، والصحيح أنه يبطل برؤية البعض كما في الفيض والفتح والبحر وغيرها (وإن رأى صحن الدار) : أي ساحتها (فلا خيار له وإن لم يشاهد بيوتها) . أي داخلها عند أبي حنيفة؛ لأن رؤية ساحتها وظاهر بيوتها يوقع العلم بالداخل؛ لعدم تفاوت البيوت بالمنفعة، وعند زفر لابد من رؤية داخل البيوت، قال أبو نصر الأقطع؛ وهو الصحيح، وفي الجوهرة: وعليه الفتوى: وفي الهداية، والأصح أن جواب الكتاب على وفق عادتهم في الأبنية فإن دورهم لم تكن متفاوتة يومئذ فأما اليوم فلابد من الدخول في داخل الدار للتفاوت والنظر إلى الظاهر لا يوقع العلم بالداخل اهـ ومثله في الفتح وغيره، ونظر وكيله بالقبض والشراء كنظره، بخلاف رسوله. (وبيع الأعمى وشراؤه) ولو لغيره (جائز) لأنه مكلف محتاج (وله الخيار إذا اشترى) ، لأنه اشترى ما لم يره (ويسقط خياره) بما يفيد العلم بالمقصود، وذلك (بأن يجس المبيع إذا كان يعرف بالجس، أو يشمه إذا كان يعرف بالشم، أو يذوقه إذا كان يعرف بالذوق) لأن هذه الأشياء تفيد العلم بالمقصود، فكانت في حقه بمنزلة الرؤية (ولا يسقط خياره في العقار) ونحوه مما لا يدرك بالحواس المذكورة (حتى يوصف له) لأن الوصف يقام مقام الرؤية كما في السلم، قال في التحفة: هذا هو الأصح من الروايات، وقال أبو نصر الأقطع: هذا هو الصحيح من المذهب، تصحيح، وعن أبي يوسف: إذا وقف في مكان لو كان بصيراً لرآه فقال " قد رضيت" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 ومن باع ملك غيره بغير أمره فالمالك بالخيار: إن شاء أجاز البيع، وإن شاء فسخ، وله الإجازة إذا كان المعقود عليه باقياً والمتعاقدان بحالهما، ومن رأى أحد ثوبين فاشتراهما ثم رأى الآخر جاز له أن يردهما،   يسقط خياره؛ وقال الحسن؛ يوكل وكيلا بقبضه وهو يراه، وهذا أشبه بقول أبي حنيفة، لأن رؤية الوكيل كرؤية الموكل على ما مر آنفا. هداية. (ومن باع ملك غيره) بغير أمره (فالمالك بالخيار: إن شاء أجاز البيع؛ وإن شاء فسخ؛ و) لكن إنما (له الإجازة إذا كان المعقود عليه باقياً) وكذا المالك والمتعاقدان بحالهما) فإذا حصلت الإجازة مع قيام الأربعة جاز البيع؛ وتكون الإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة؛ ويكون البائع كالوكيل، والثمن للمجيز إن كان قائما، وإن ملك في يد البائع ملك أمانة؛ ولكل من المشتري والفضولي أن يفسخ العقد قبل أن يجيز المالك، وإن مات المالك قبل الإجازة تفسخ البيع؛ ولا يجوز بإجازة ورثته. جوهرة. (ومن رأى أحد ثوبين فاشتراهما ثم رأى الآخر جاز له أن يردهما) معا، لأن رؤية أحدهما لا تكون رؤية الآخر للتفاوت في الثياب، فيبقى الخيار له فيما لم يره، فله رده بحكم الخيار، ولا يتمكن من رده وحده، فيردهما إن شاء كيلا يكون تفريغاً للصفقة على البائع قبل التمام، وهذا لأن الصفقة لا تتم مع خيار الرؤية قبل القبض وبعده كخيار الشرط، بدليل أن له أن يفسخه بغير قضاء ولا رضاء. فتح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 ومن مات وله خيار الرؤية بطل خياره، ومن رأى شيئا ثم اشتراه بعد مدةٍ، فإن كان على الصفة التي رآه فلا خيار له، وإن وجده متغيراً فله الخيار. باب حيار العيب. - إذا اطلع المشتري على عيبٍ في المبيع فهو بالخيار: إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء رده، وليس له   (ومن مات وله خيار الرؤية بطل خياره) ولم ينتقل إلى ورثته كخيار الشرط كما مر. (ومن رأى شيئا ثم اشتراه بعد مدة) وهو يعلم أنه مرئيه (فإن كان) باقيا (على الصفقة التي رآه فلا خيار له) ، لأن العلم بأوصافه حاصل له بالرؤية السابقة، وبفواته يثبت لخ الخيار، وكذا إذا لم يعلم أنه مرئيه لعدم الرضى به (وإن وجده متميزا فله الخيار) لأنه بالتغير صار كأنه لم يره، وإن اختلفا في التغير فالقول للبائع لأن التغير حادث؛ وسبب اللزوم ظاهر، بخلاف ما إذا اختلفا في الرؤية، لأنها أمر حادث، والمشتري ينكره، فالقول له. هداية. باب خيار العيب من إضافة الشيء إلى سببه. والعيب لغة: ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة مما يعد به ناقصاً فتح. وشرعا: ما أوجب نقصان الثمن في عادة التجارة، كما يذكره المصنف (إذا اطلع المشتري على عيب في المبيع) كان عند البائع ولم يره المشتري عند البيع ولا عند القبض، لأن ذلك رضى به، هداية (فهو بالخيار: إن شاء أخذ بجميع الثمن، وإن شاء رده) ، لأن مطلق العقد يقتضي وصف السلامة (1) فعند فواته يتخير، كيلا يتضرر بلزوم ما لا يرضى به. (وليس له   (1) قال في الفتح إن هذا ثابت من المعقول والمنقول أما المنقول ففي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم هذا ما اشترى محمد رسول الله من العداء بن خالد بيع المسلم للمسلم عبد الأداء ولا جنته ولا غائبة فقوله بيع المسلم للمسلم دليل ملاحظة معنى السلامة من العيب ولهذا قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالرد بالعيب عندما اختصم إليه الخصمان في مثله. وأما المعقول فلأن السلامة لما كانت هي الأصل في المخلوق انصرف مطلق العقد إليها ولأن العادة أن القصد إلى ما هو متحقق من كل وجه لأن دفع الحاجة على التمام به يكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 أن يمسكه ويأخذ النقصان، وكل ما أوجب نقصان الثمن في عادة التجار فهو عيبٌ، والإباق والبول في الفراش والسرقة عيبٌ في الصغير ما لم يبلغ، فإذا بلغ فليس ذلك بعيبٍ، حتى يعاوده بعد البلوغ.   أن يمسكه ويأخذ النقصان) لما مر أن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن، والبائع لم يرض بزواله بأقل من المسمى فيتضرر، ودفع الضرر عن المشتري ممكن بالرد (وكل ما أوجب نقصان الثمن في عادة التجار فهو عيب) ، لأن التضرر بنقصان المالية، وذلك بانتقاص القيمة، والمرجع في معرفته أهله، سواء كان فاحشاً أو يسيراً، بعد أن يكون مما يعده أهل تلك الصناعة عيباً فيه. جوهرة (والإباق) إلى غير سيده الأول (والبول في الفراش والسرقة) من المولى وغيره (عيب في الصغير) المميز الذي ينكر عليه مثل ذلك (ما لم يبلغ) عند المشتري، فإن وجد شيء منها بعد ما بلغ عنده لم يرده، لأنه عيب حدث عنده، لأن هذه الأشياء تختلف صغراً وكبراً (فإذا بلغ فليس ذلك بعيب حتى يعاوده بعد البلوغ) قال في الهداية: ومعناه إذا ظهرت عند البائع في صغره ثم حدثت عند المشتري في صغره يرده، لأنه عين ذلك، وإن حدثت بعد بلوغه لم يرده، لأنه غيره، وهذا لأن سبب هذه الأشياء يختلف بالصغر والكبر، فالبول في الفراش في الصغر لضعف المثانة، وبعد الكبر لداء في البطن؛ وإلا باق في الصغر لحب اللعب والسرقة لقلة المبالاة وهما بعد الكبر لخبث في الباطن. اهـ. قال في الفتح: فإذا اختلف سببها بعد البلوغ وقبله كان الموجود منها بعده غير الموجود منها قبله، وإذا كان غيره فلا يرد به، لأنه عيب حادث عنده، بخلاف ما إذا ظهرت عند البائع والمشتري في الصغر أو ظهرت عندهما بعد البلوغ، فإن له أن يرده بها، وإذا عرف الحكم وجب أن يقرر اللفظ المذكور في المختصر، وهو قوله "فإذا بلغ فليس ذلك" الذي كان قبله عند البائع "بعيب" إذا وجد بعده عند المشتري "حتى يعاوده بعد البلوغ" عند المشتري بعد ما وجد عند البائع، واكتفى بلفظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 والبخر والدفر عيبٌ في الجارية، وليس بعيبٍ في الغلام، إلا أن يكون من داءٍ، والزنا وولد الزنا عيبٌ في الجارية دون الغلام. وإذا حدث عند المشتري عيبٌ ثم اطلع على عيبٍ كان عند البائع فله أن يرجع بنقصان العيب، ولا يرد المبيع إلا أن يرضى البائع أن يأخذه بعيبه، وإن قطع المشتري الثوب فوجد به عيباً رجع بالعيب، وإن خاطه أو صبغه أولت السويق بسمنٍ ثم اطلع على عيبٍ رجع بنقصانه، وليس للبائع أن يأخذه،   المعاودة لأن المعاودة لا تكون حقيقة إلا إذا اتحد الأمر. اهـ. (والبخر) نتن الفم (والدفر) بالدال المهملة - نتن الإبط وكذا الأنف، در عن البزازية، (عيب في الجارية) مطلقاً، لأن منها قد يكون الاستفراش، وهما يخلان به (وليس بعيب في الغلام) ، لأن المقصود هو الاستخدام، ولا يخلان به (إلا أن يكون من داء) أو يفحش بحيث يمنع القرب من المولى (والزنا وولد الزنا عيب في الجارية) ، لأنه يخل بالمقصود وهو الاستفراش وطلب الولد (دون الغلام) لأنه لا يخل بالمقصود وهو الاستخدام، إلا أن يكون له عادة له، لأنه يخل بالخدمة: (وإذا حدث عند المشتري عيب) في مشتريه (ثم اطلع على عيب كان عند البائع فله أن يرجع بنقصان العيب ولا يرد المبيع) لأن في الرد إضراراً بالبائع؛ لأنه خرج من ملكه سالما وصار معيباً؛ فامتنع. ولكن لابد من دفع الضرر عنه؛ فتعين الرجوع بالنقصان (إلا أن يرضى البائع أن يأخذه بعينه) لأنه أسقط حقه (وإن قطع المشتري الثوب فوجد به عيباً رجع بالعيب) لامتناع الرد بالقطع، إلا أن يقبله البائع كذلك كما مر (وإن خاطه أو صبغه) بأي صبغ كان (أولت السويق بسمن ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه) لامتناع الرد بالزيادة (وليس للبائع أن يأخذه) ؛ لأنه لا وجه للفسخ بدونها؛ لأنها لا تنفك عنه، ولا معها لحصول الربا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 ومن اشترى عبداً فأعتقه أو مات ثم اطلع على عيبٍ رجع بنقصانه فإن قتل المشتري العبد أو كان طعاماً فأكله لم يرجع عليه بشيءٍ في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يرجع.   لأنها زيادة بلا مقابل، ثم الأصل: أن كل موضع للبائع أخذه معيباً لا يرجع بإخراجه عن ملكه، وإلا رجع. اختيار (ومن اشترى عبداً فأعتقه) مجاناً (أو مات) عنده (ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه) أما الموت فلأن الملك ينتهي به، والامتناع منه حكمي لا بفعله، وأما الإعتاق فالقياس فيه أن لا يرجع؛ لأن العتق انتهاء الملك فكان كالموت، وهذا لأن الشيء يتقرر بانتهائه فيجعل كأن الملك باق والرد معتذر. هداية. وقيدنا العتق بكونه مجاناً لأنه لو أعتقه على مال لم يرجع بشيء (فإن قتل المشتري العبد) المشتري (أو كان طعاماً فأكله) أو ثوباً فلبسه حتى تخرق ثم اطلع على عيب (لم يرجع عليه بشيء في قول أبي حنيفة) لتعذر الرد بفعل المضمون منه في المبيع، فأشبه البيع والقتل (وقال أبو يوسف ومحمد: يرجع) استحساباً، وعليه الفتوى. بحر. ومثله في النهاية، وفي الجوهرة: والخلاف إنما هو في الأكل لا غير، أما القتل فلا خلاف أنه لا يرجع إلا في رواية عن أبي يوسف. اهـ. فإن أكل بعض الطعام ثم علم بالعيب فكذا الجواب عنده، وعندهما يرجع بنقصان العيب في الكل، وعنهما أنه يرد ما بقي ويرجع بنقصان ما أكل، ونقل الروايتين عنهما المصنف في التقريب، ومثله في الهداية، وذكر في شرح الطحاوي أن الأولى قول أبي يوسف، والثانية قول محمد، كما في الفتح. والفتوى على قول محمد كما في البحر عن الاختيار والخلاصة، ومثله في النهاية وغاية البيان والمجتبى والخانية وجامع الفصولين. وإن باع بعض الطعام ففي الذخيرة أن عندهما لا يرد ما بقي ولا يرجع بشيء وعن محمد يرد ما بقي ولا يرجع بنقصان ما باع، كذا في الأصل. اه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 ومن باع عبداً فباعه المشتري ثم رد عليه بعيبٍ، فإن قبله بقضاء القاضي فله أن يرده على بائعه، وإن قبله بغير قضاء القاضي فليس له أن يرده. ومن اشترى عبداً وشرط البراءة من كل عيبٍ فليس له أن يرده بعيبٍ وإن لم يسم العيوب ولم يعدها.   قال في التصحيح: وكان الفقيه أبو جعفر وأبو الليث يفتيان في هذه المسائل بقول محمد رفقاً بالناس، واختاره الصدر الشهيد اهـ. وفي جامع الفصولين عن الخانية: وعن محمد لا يرجع بنقصان ما باع ويرد الباقي بحصته من الثمن، وعليه الفتوى. اهـ. ومثله الولوالجية والمجتبى والمواهب. والحاصل أن المفتى به أنه لو باع البعض أو أكله يرد الباقي ويرجع بنقصان ما أكل، لا ما باع. فإن قيل: إن المصرح به في المتون أنه لو وجد ببعض المكيل أو الموزون عيباً له رده كله أو أخذه، ومفهومه أنه ليس له رد المعيب وحده. أجيب بأن ذاك حيث كان كله باقيا في ملكه، بقرينة قولهم: " له رده كله" أو هو مبني على قول غير محمد. (ومن باع عبداً) أو غيره (فباعه المشتري ثم رد عليه بعيب فإن قبله بقضاء القاضي) ببينة أو إباء أو إقرار. هداية (فله) أي البائع الثاني (أن يرده على بائعه) الأول؛ لأنه فسخ من الأصل، فجعل البيع كأن لم يكن (وإن قبله بغير قضاء القاضي فليس له أن يرده) لأنه بيع جديد في حق ثالث، وإن كان فسخاً في حقهما، والأول ثالثهما. هداية. (ومن اشترى عبداً) مثلا (وشرط البراءة من كل عيب فليس له أن يرده بعيب) مطلقاً، موجود وقت العقد أو حادث قبل القبض (وإن لم يسم العيوب ولم يعدها) ، لأن البراءة عن الحقوق المجهولة صحيحة لعدم إفضائها إلى المنازعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 باب البيع الفاسد. - إذا كان أحد العوضين أو كلاهما محرماً فالبيع فاسدٌ، كالبيع بالميتة أو بالدم أو بالخمر أو بالخنزير، وكذلك إذا كان غير مملوكٍ كالحر؛ وبيع أم الولد والمدبر والمكاتب فاسدٌ.   باب البيع الفاسد المراد بالفاسد الممنوع، مجازاً عرفيا؛ فيعم الباطل والمكروه، وقد يذكر فيه بعض الصيح تبعا. در. ثم هذا الباب يشتمل على ثلاثة أنواع: باطل، وفاسد، ومكروه؛ فالباطل؛ مالا يكون مشروعا بأصله ووصفه، والفاسد: ما يكون مشروعا بأصله دون وصفه والمكروه: مشروع بأصله ووصفه، لكن جاوره شيء آخر منهي عنه. وقد يطلق المصنف الفاسد على الباطل؛ لأنه أعم؛ إذ كل باطل فاسد، ولا عكس، ومنه قوله: (إذا كان أحد العوضين) : أي المبيع أو الثمن (أو كلاهما محرما) الانتفاع به (فالبيع فاسد) : أي باطل، وذلك (كالبيع بالميتة أو بالدم أو بالخمر أو بالخنزير) قال في الهداية: هذه فصول جمعها أي في حكم واحد - وهو الفساد - وفيها تفصيل نبينه إن شاء الله فنقول: البيع بالميتة والدم باطل؛ لانعدام ركن البيع وهو مبادلة المال بالمال؛ فإن هذه الأشياء لا تعد مالا عند أحد، والبيع بالخمر والخنزير فاسد: لوجود حقيقة البيع وهو مبادلة المال بالمال عند البعض. اهـ (وكذلك إذا كان) أحد العوضين أو كلاهما (غير مملوك) لأحد (كالحر) فالبيع باطل (وبيع أم الولد والمدبر) المطلق (والمكاتب فاسد) : أي باطل؛ لأن استحقاق الحرية بالعتق ثابت لكل منهم بجهة لازمة على المولى. فتح. قال في الهداية: ولو رضي المكاتب بالبيع ففيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 ولا يجوز بيع السمك في الماء، ولا بيع الطير في الهواء؛ ولا يجوز بيع الحمل ولا النتاج، ولا بيع اللبن في الضرع والصوف على ظهر الغنم، وذراعٍ من ثوبٍ، وجذعٍ في سقفٍ، وضربة الغائص، وبيع المزابنة وهو بيع الثمر   روايتان، والأظهر الجواز. اهـ. أي إذا بيع برضاه لتضمن رضاه فسخ الكتابة قبل العقد، بخلاف إجازته بعد العقد. جوهرة. (ولا يجوز) : أي لا يصح (بيع السمك في الماء) قبل صيده؛ لأنه بيع ما ليس عنده، أو بعده صيده ثم ألقي فيه ولا يؤخذ منه إلا بحيلة؛ للعجز عن التسليم، وإن أخذ بدونها صح وله الخيار: لتفاوتها في الماء وخارجه (ولا بيع الطير في الهواء) قبل صيده أو بعده ولا يرجع بعد إرساله؛ لما تقدم (1) ، وإن كان يطير ويرجع صح وقيل: لا. (ولا يجوز بيع الحمل) : أي الجنين في بطن المرأة (ولا النتاج) أي نتاج الجمل، وهو حبل الحبلة وجزم في البحر ببطلانه؛ لعدم تحقق وجوده (2) ، (ولا بيع اللبن في الضرع) وهو الذات الظلف والخف كالثدي للمرأة؛ للغرر؛ فعساه انتفاخ. ولأنه ينازع في كيفية الحلب، وربما يزداد فيختلط المبيع بغيره (و) لا (الصوف على ظهر الغنم) ؛ لأن موضع القطع منه غير متعين فيقع التنازع في موضع القطع، ولو سلم البائع اللبن أو الصوف بعد العقد لا يجوز ولا ينقلب صحيحاً (3) . جوهرة. (و) لا بيع ذراع من ثوب) يضره التبعيض (وجذع) معين (في سقف) لأنه لا يمكن تسليمه إلا بضرر؛ فلو قطع الذراع من الثوب أو قلع الجذع من السقف وسلم قبل فسخ المشتري عاد صحيحا، ولو لم يضره القطع كذراع من ثوب كرباس أو دراهم معينة من نقرة فضة جاز لانتفاء المانع؛ لأنه لا ضرر في تبعيضه، وقيدنا الجذع بالمعين لأن غير المعين لا ينقلب صحيحاً وإن قلعه وسلمه للجهالة (و) لا (ضربة القانص) وهو ما يخرج من الصيد بضرب الشبك؛ لأنه مجهول (و) لا (بيع المزابنة وهو بيع الثمر) بالمثلثة - لأن ما على رءوس النخل لا يسمى تمراً بل رطبا ولا يسمى تمراً   (1) قال في الهداية والفتح إن الطير قبل أخذه غير مملوك وبعد أخذه وإرساله غير مقدور التسليم عقب العقد، ثم لو قدر على التسليم بعد ذلك لا يعود بالجواز عند مشايخ بلخ وعلى قول الكرخي يعود وكذا عند الطحاوي وكذا الحكم لو جعل العصفور ثمنا. (2) في الصحيحين والسنن عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة وكان يبتاعه أهل الجاهلية كان الرجل يبيع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم ينتج الذي في بطنها واستدل الشارح هنا بعدم وجوده ففي بيعه غرر لجواز إلا يلد الحيوان أو يموت قبل ذلك. (3) فلا وصل عند الفقهاء في ذلك ما ثبت من نهي النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الطرافي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تباع ثمرة حتى تطعم ولا يباع صوف على ظهر ولا لبن في ضرع والحديث روي بعدة روايات ومنه يعلم النهي عن بيع كل شيء في غلافه كاللحم في الشاة الحية أو شحمها وإليتها أو أكارعها أو جلودها أو دقيق هذه الحنطة أو سمن في هذا اللبن ونحو ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 على رءوس النخل بخرصه تمراً، ولا يجوز البيع بإلقاء الحجر والملامسة، ولا يجوز بيع ثوبٍ من ثوبين. ومن باع عبداً على أن يعتقه المشتري، أو يدبره أو يكاتبه، أو باع أمةً على أن يستولدها فالبيع فاسدٌ،   إلا المجذوذ بعد الجفاف (على النخل بخرصه) : أي مقداره حزراً وتخميناً (تمراً) لنهيه صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة؛ فالمزابنة ما ذكرناه، والمحاقلة: بيع الحنطة في سنبلها بحنطة مثل كيلها خرصاً؛ ولأنه باع مكيلا بمكيل من جنسه؛ فلا يجوز بطريق الخرص، كما إذا كانا موضوعين على الأرض، وكذا العنب بالزبيب على هذا. هداية (ولا يجوز البيع بإلقاء الحجر) من المشتري على السلعة المساومة (والملامسة) لها منه أيضاً، والمنابذة لها من البائع: أي طرحها للمشتري، وهذه بيوع كانت في الجاهلية، وهو أن يتراوض الرجلان على سلعة: أي يتساومان، فإذا لمسها المشتري أو نبذها إليه البائع أو وضع عليه المشتري حصاة لزم البيع، فالأول بيع الملامسة، والثاني المنابذة، والثالث إلقاء الحجر. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الملامسة والمنابذة، ولأن فيه تعليقاً بالخطر. هداية. أي لأنه بمنزلة ما إذا قال: أي ثوب لمسته أو ألقيته عليه حجراً أو نبذته لك فقد بعته، فأشبه القمار (ولا يجوز بيع ثوب من ثوبين) لجهالة المبيع، ولو قال على أنه بالخيار في أن يأخذ أيهما شاء، جاز البيع استحساناً. هداية. (ومن باع عبداً على أن يعتقه المشتري أو يدبره أو يكاتبه) أو لا يخرجه من ملكه (أو باع أمة على أن يستولدها فالبيع فاسد) لأن هذا بيع وشرط، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط، ثم جملة المذهب فيه أن يقال: كل شرط يقتضيه العقد كشرط الملك للمشتري لا يفسد العقد؛ لثبوته بدون الشرط، وكل شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين أو للمعقود عليه وهو من أهل الاستحقاق يفسده، كشرط أن لا يبيع المشتري العبد المبيع لأن فيه زيادة عارية عن العوض؛ فيؤدي إلى الربا، أو لأنه يقع بسببه المنازعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 وكذلك لو باع عبداً على أن يستخدمه البائع شهراً، أو داراً على أن يسكنها، أو على أن يقرضه المشتري درهماً، أو على أن يهدي له هديةً، ومن باع عينا على أن لا يسلمها إلى رأس الشهر فالبيع فاسدٌ، ومن باع جاريةً إلا حملها فسد البيع، ومن اشترى ثوباً على أن يقطعه البائع ويخيطه قميصاً أو قباءً، أو نعلاً على أن يحذوها أو يشركها فالبيع فاسدٌ.   فيعرى العقد عن مقصوده، ولو كان لا يقتضيه العقد ولا منفعة فيه لأحد لا يفسده، هو الظاهر من المذهب، كشرط أن لا يبيع المشتري الدابة المبيعة، لأنه انعدمت المطالبة، فلا يؤدي إلى الربا ولا إلى المنازعة. هداية (وكذلك) : أي البيع فاسد (لو باع عبداً على أن يستخدمه البائع شهرا) مثلا (أو دارا على أن يسكنها) كذلك (أو على أن يقرضه المشتري درهما، أو على أن يهدي له هدية) ، لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين (ومن باع عيناً على أن يسلمها إلى رأس الشهر فالبيع فاسد) ؛ لما فيه. شرط نفي التسليم المستحق بالعقد (ومن باع جارية إلا حملها فسد البيع) والأصل: أو ما لا يصلح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه من العقد، والحمل من هذا القبيل، وهذا لأنه بمنزلة أطراف الحيوان لاتصاله به خلقه، وبيع الأصل يتناولها، فالاستثناء يكون على خلاف الموجب، فلم يصح، فيصير شرطاً فاسداً والبيع يبطل به. هداية. (ومن اشترى ثوباً على أن يقطعه البائع ويخيطه قميصاً أو قباء) بفتح القاف - فالبيع فاسد؛ لأنه شرط لا قتضيه العقد، وفيه منفعة لأحد المتعاقدين لأنه يصير صفقة في صفقة. هداية (أو نعلا) أي صرما؛ تسمية له باسم ما يئول إليه (على أن يحذوها أو يشركها فالبيع فاسد) أي يضع عليها الشراك وهو السير - قال في الهداية: وما ذكره جواب القياس، ووجه ما بيناه (1) ، وفي الاستحسان   (1) يريد ما ذكره في الفرع الذي قبله. من أن هذا شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 والبيع إلى النيروز والمهرجان وصوم النصارى وفطر اليهود إذا لم يعرف المتبايعان ذلك فاسدٌ، ولا يجوز البيع إلى الحصاد والدياس والقطاف وقدوم الحاج، فإن تراضيا بإسقاط الأجل قبل أن يأخذ الناس في الحصاد والدياس وقبل قدوم الحاج جاز البيع. وإذا قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد بأمر البائع وفي العقد عوضان كل واحدٍ منهما مالٌ ملك المبيع ولزمته قيمته.   يجوز التعامل فيه، فصار كصنع الثوب، وللتعامل جوزنا الاستصناع. اهـ. (والبيع إلى النيروز) وهو أول يوم من الربيع (والمهرجان) أول يوم من الخريف (وصوم النصارى وفطر اليهود إذا لم يعرف المتبايعان ذلك فاسدٍ) لجهالة الأجل، وهي مفضية إلى المنازعة؛ لابتنائه على المماسكة؛ إلا إذا كان يعرفانه، لكونه معلوما عندهما، أو كان التأجيل إلى فطر النصارى بعد ما شرعوا في صومهم؛ لأن مدة صومهم؛ بالأيام معلومة؛ فلا جهالة. هداية. (ولا يجوز المبيع إلى الحصاد والدياس والقطاف وقدوم الحاج؛ لأنها تتقدم وتتأخر (فإن تراضيا) بعده ولو بعد الافتراق خلافا لما في التنوير (بإسقاط الأجل قبل) حلوله، وهو (أن يأخذ الناس في الحصاد والدياس وقبل قدوم الحاج) وقبل فسخ العقد (جاز البيع) وانقلب صحيحاً، خلافاً لزفر، ولو مضت المدة قبل إبطال الأجل تأكد الفساد ولا ينقلب جائزاً إجماعا، كما في الحقائق ولو باع مطلقاً ثم أجل إليها صح التأجيل، كما لو كفل إلى هذه الأوقات؛ كما في التنوير. وقوله "تراضيا" خرج وفاقا؛ لأن من له الأجل يستبد بإسقاطه؛ لأنه خالص حقه. هداية. (وإذا قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد) خرج الباطل (بأمر البائع) صريحاً أو دلالة بأن قبضه في مجلس العقد بحضرته (وفي العقد عوضان كل واحد منهما مال ملك المبيع) بقيمته إن كان قيميا (ولزمته قيمته) يوم قبضه عندهما، لدخوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 ولكل واحدٍ من المتعاقدين فسخه، فإن باعه المشتري نفذ بيعه. ومن جمع بين حرٍ وعبدٍ أو شاةٍ ذكيةٍ أو ميتةٍ بطل البيع فيهما، ومن جمع بين عبدٍ ومدبرٍ أو عبده وعبد غيره صح العقد في العبد بحصته من الثمن. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش، وعن السوم على سوم غيره؛   في ضمانه يرمئذ، وقال محمد: يوم الاستهلاك كما في مختلف الرواية لأبي الليث، وبمثله إن مثلياً، وهذا حيث كان هالكا أو تعذر رده، وإلا فالواجب رد عينه. (ولكل واحد من المتعاقدين فسخه) قبل القبض وبعده، ما دام بحاله. جوهرة، ولا يشترط فيه قضاء قاض (فإن باعه المشتري نفذ بيعه) وامتنع الفسخ لتعلق حق الغير به. (ومن جمع بين حر وعبد أو شاة ذكية وميتة بطل البيع فيهما) قال في الينابيع: هذا على وجهين. إن كان قد سمى لها ثمناً واحداً فالبيع باطل بالإجماع؛ وإن سمى لكل واحد منهما ثمناً على حدة فكذلك عند أبي حنيفة، وقالا: جاز البيع في العبد والذكية وبطل في الحر والميتة، قال في التصحيح: وعلى قوله اعتمد المحبوبي والنسفي والموصلي. (وإن جمع بين عبد ومدبر) أو مكاتب أو أم ولد (أو) جمع بين (عبده وعبد غيره صح العقد في العبد بحصته من الثمن) ، لأن المدبر محل للبيع عند البعض فيدخل في العقد ثم يخرج، فيكون البيع بالحصة في البقاء دون الابتداء، وفائدة ذلك تصحيح كلام العاقل مع رعاية حق المدبر. ابن كمال. (ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش) وهو: أن يزيد في الثمن ولا يريد به الشراء ليرغب غيره (وعن السوم على سوم غيره) وعن الخطبة على خطبة غيره؛ لما في ذلك من الإيحاش والإضرار؛ وهذا إذا تراضى المتعاقدان على مبلغ المساومة، فإذا لم يركن أحدهما إلى الآخر - وهو بيع من يزيد فلا بأس به على ما تذكره؛ وما ذكرناه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 وعن تلقي الجلب، وعن بيع الحاضر للبادي، وعن البيع عند أذان الجمعة، وكل ذلك يكره ولا يفسد به العقد. ومن ملك مملوكين صغيرين أحدهما ذو رحمٍ محرمٍ من الآخر لم يفرق بينهما، وكذلك إن كان أحدهما   وهو محمل النهي في النكاح. هداية (وعن تلقي الجلب) : أي المجلوب؛ أو الجالب؛ وهذا إذا كان يضر بأهل البلد؛ فإن كان لا يضر فلا بأس به؛ إلا إذا لبس السعر على الواردين، لما فيه من الغرر والضرر (وبيع الحاضر) وهو المقيم في المصر والقرى (للبادي) وهو المقيم في البادية؛ لأن فيه إضرارا بأهل البلد، وفي الهداية تبعا لشرح الطحاوي: وصورته أن يكون أهل البلد في قحط وهو يبيع من أهل البدو طمعاً في الثمن الغالي اهـ، وعلى هذا اللام بمعنى "من" أي: من المبادئ؛ وقال الحلواني: صورته أن يجيئ البادي بالطعام إلى المصر؛ فلا يتركه السمسار الحاضر يبيعه بنفسه؛ بل يتوكل عنه ويبيعه ويغلي على الناس؛ ولو تركه لرخص على الناس؛ وعلى هذا قال في المجتبى: هذا التفسير أصح؛ كذا في الفيض (وعن المبيع عند أذان الجمعة) الأول؛ وقد خص منه من لا جمعة عليه؛ فتح (1) . (وكل ذلك) المذكور من قوله " ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلى هنا (يكره) تحريماً لصريح النهي (ولا يفسد به العقد) فيجب الثمن لا القيمة؛ ويثبت الملك قبل القبض؛ لأن النهي ورد لمعنى خارج عن صلب العقد مجاور له، لا لمعنى في صلب العقد ولا في شرائط الصحة، فأوجب الكراهة، لا الفساد، والمراتد من صلب العقد البدل والمبدل، كذا في غاية البيان. (ومن ملك) بأي سبب كان (مملوكين صغيرين أحدهما ذو رحم محرم من الآخر) من الرحم؛ وبه خرج المحرم من الرضاع إذا كان رحماً كإبن العم هو أخ رضاعاً (لم يفرق بينهما) ببيع ونحوه، وغير بالنفي مبالغة في المنع عنه (وكذلك إن كان أحدهما   (1) في نسخه "منح" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 كبيراً والآخر صغيراً، فإن فرق بينهما كره له ذلك وجاز البيع، وإن كانا كبيرين فلا بأس بالتفريق بينهما. باب الإقالة. - الإقالة جائزةٌ في البيع.   كبيراً والآخر صغيراً) لأن الصغير يستأنس بالصغير والكبير، والكبير يتعاهده، فكان في بيع أحدهما قطع الاستئناس والمنع من التعاهد، وفيه ترك المرحمة على الصغار، وقد أوعد عليه، ثم المنع معلول بالقرابة المحرمة للنكاح حتى لا يدخل فيه محرم غير قريب ولا قريب غير محرم ولا الزوجان حتى جاز التفريق بينهما، لأن النص ورد بحلاف القياس فيقتصر على مورده، ولابد من اجتماعهما بحق مستحق في ملكه حتى لو كان أحدهما له والآخر لغيره لا بأس ببيع واحد منهما، ولو كان التفريق فلا بأس به: كدفع أحدهما بالجناية، وبيعه بالدين، ورده بالعيب، لأن المنظور إليه دفع الضرر عن غيره لا الإضرار به، كذا في الهداية (فإن فرق بينهما كره له ذلك) لما قلنا (وجاز البيع) ، لأن ركن البيع صدر من أهله في محله، وإنما الكراهة لمعنى مجاور فشابه كراهة الاستيام. هداية. (وإن كان كبيرين فلا بأس بالتفريق بينهما) لأنه ليس في معنى ما ورد به النص، وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام فرق بين مارية وسيرين، وكانتا أمتين أختين. هداية. باب الإقالة (الإقالة) مصدر أقاله، وربما قالوا: قاله البيع، بغير ألف؛ وهي لغة قليلة مختار. وهي لغة: الرفع، وشرعاً: رفع العقد. جوهرة. وهي (جائزة في البيع) بلفظين ماضيين أو أحدهما مستقبل، كما لو قال أقلني، فقال: أقلتك، لأن المساومة لا تجري في الإقالة: فكانت. كالنكاح، ولا يتعين مادة قاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 بمثل الثمن الأول، فإن شرط أقل منه أو أكثر فالشرط باطلٌ، ويرد مثل الثمن الأول. وهي فسخٌ في حق المتعاقدين بيعٌ جديدٌ في حق غيرهما في قول أبي حنيفة. وهلاك الثمن لا يمنع صحة الإقالة، وهلاك المبيع يمنع منها فإن هلك بعض المبيع جازت الإقالة في باقيه.   لام، بل لو قال: تركت البيع، وقال الآخر: رضيت أو أجزت - تمت. ويجوز قبول الإقالة دلالة بالفعل، كما إذا قطعه قميصاً في فور قول المشتري: أقلتك. وتنعقد بفاسختك وتاركتك. فتح (بمثل الثمن الأول) جنسا وقدرا (فإن شرط) أحدهما (أقل منه) : أي الثمن الأول إلا إذا حدث في المبيع عيب عند المشتري فإنها تصح بالأقل (أو أكثر) أو شيئاً آخر أو أجلا (فالشرط باطل) والإقالة باقية (ويرد مثل الثمن الأول) تحقيقاً لمعنى الإقالة. (وهي) : أي الإقالة (فسخ في حق المتعاقدين) حيث أمكن جعله فسخاً، وإلا فيبطل (بيع جديد في حق غيرهما) لو بعد القبض بلفظ الإقالة، وهذا (في قول أبي حنيفة) وعند أبي يوسف بيع إلا أن لا يمكن جعله بيعا فيجعل فسخاً إلا أن لا يمكن فيبطل، وعند محمد هو فسخ إلا إذا تعذر جعله فسخاً فيجعل بيعا إلا أن لا يمكن فيبطل. هداية. وفي التصحيح قال الإسبيجاني: والصحيح قول أبي حنيفة. قلت: واختاره البرهاني والنسفي وأبو الفضل الموصلي وصدر الشريعة. اهـ. وقلنا "لو بعد القبض بلفظ الإقالة"، لأنها إذا كانت قبل القبض كانت فسخا في حق الكل في غير لعقار؛ ولو بلفظ المفاسخة أو المتاركة أو التراد لم تكن بيعاً اتفاقاً، ولو بلفظ البيع فبيع اتفاقا. (وهلاك الثمن لا يمنع صحة الإقالة) كما لا يمنع صحة البيع (وهلاك المبيع يمنع منها) ؛ لأنه محل البيع والفسخ (فإن هلك بعض المبيع جازت الإقالة في باقيه) ، لقيام المبيع فيه، ولو تقابضا تجوز الإقالة بعد هلاك أحدهما، ولا تبطل بهلاك أحدهما؛ لأن كل واحد منهما مبيع فكان البيع باقياً. هداية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 باب المرابحة والتولية. - المرابحة: نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربحٍ. والتولية: نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول من غير زيادة ربحٍ. ولا تصح المرابحة ولا التولية حتى يكون العوض مما له مثلٌ. ويجوز أن يضيف إلى رأس المال أجرة القصار والصباغ والطراز والفتل وأجرة حمل الطعام، ولكن يقول: قام علي بكذا، ولا يقول:   باب المرابحة والتولية شروع في بيان الثمن بعد بيان المثمن. (المرابحة) مصدر رابح، وشرعا: (نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول) ولو حكما كالقيمة, وعبر به لأنه الغالب (مع زيادة ربح والتوالية) : مصدر ولى غيره: جعله واليا، وشرعا: (نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول) ولو حكما كما مر (من غير زيادة ربح) ولا نقصان (1) . (ولا تصح المرابحة ولا التولية حتى يكون العوض مما له مثل) ؛ لأنه إذا لم يكن له مثل فلو ملكه ملكه بالقيمة وهي مجهولة، ولو كان المشتري باع مرابحة ممن يملك ذلك البدل وقد باعه بربح دراهم أو بشيء من المكيل موصوف جاز؛ لأنه يقدر على الوفاء بما التزم. هداية. ويجوز أن يضيف إلى رأس المال أجرة القصار والصباغ والطراز) بالكسر - علم الثوب (والفتل وأجرة حمل الطعام) لأن العرف جار بإلحاق هذه الأشياء برأس المال في عادة التجارة، ولأن كل ما يزيد في المبيع أو في قيمته يلحق به هذا هو الأصل، وما عددنا بهذه الصفة؛ لأن الصنع وأخواته يزيد في العين، والحمل يزيد في القيمة؛ إذ القيمة تختلف باختلاف المكان. هداية.) ولكن يقول: قام علي بكذا، ولا يقول:   (1) قال في الهداية إن البيعين جائزان لاستجماع شرائط الجواز والحاجة ماسة إلى هذا النوع من البيع لأن الغبي الذي لا يهتدي في التجارة يحتاج إلى أن يعتمد فعل الذكي المهتدي ويطيب نفسه بمثل ما اشترى وبزيادة ربح فوجد القول بجوازهما ولهذا كان مبناهما على الأمانة والإحتراز عن الخيانة وعن شبهتها. وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الهجرة ابتاع أبو بكر رضي الله عنه بعيرين فقال أن النبي صلى الله عليه وسلم دلني أحدهما فقال هو لك بغير شيء فقال صلى الله عليه وسلم أما بعد ثمن فلا قال في الفتح وفي التولية أحاديث لا شبهة فيها وذكرهما حديث عبد الرزاق بسنده إلى سعيد بن المسقب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال التولية والإقالة والشركة سواء لا بأس به والحديث من مراسيل سعيد ولا خلاف في قبولها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 اشتريته بكذا. فإن اطلع المشتري على خيانةٍ في المرابحة فهو بالخيار عند أبي حنيفة: إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء رده، وإن اطلع على خيانةٍ في التولية أسقطها المشتري من الثمن. وقال أبو يوسف: يحط فيهما وقال محمدٍ: لا يحط فيهما. ومن اشترى شيئاً مما ينقل ويحول لم يجز له بيعه حتى يقبضه،   اشتريته بكذا) كيلا يكون كذبا، وسوق الغنم بمنزلة الحمل، بخلاف أجرة الراعي، وكراء بيت الحفظ؛ لأنه لا يزيد في العين ولا القيمة. فتح. (فإن اطلع المشتري على خيانة في المرابحة) بإقرار البائع أو برهان أو نكول (فهو) . أي المشتري (بالخيار عند أبي حنيفة: إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء فسخ) لفوت الرضا (وإن اطلع على خيانة في التولية أسقطها المشتري من الثمن) عند أبي حنيفة أيضا؛ لأنه لو لم يحط في التولية لا يبقى تولية؛ لأنه يزيد على الثمن الأول فيتغير التصرف فيتعين الحط، وفي المرابحة لو لم يحط يبقى مرابحة وإن كان يتفاوت الربح فلا يتغير التصرف؛ فأمكن القول بالتخيير، فلو هلك قبل أن يرده أو حدث فيه ما يمنع الفسخ يلزمه جميع الثمن في الروايات الظاهرة. هداية. (وقال أبو يوسف: يحط فيهما) لأن الأصل كونه توليه ومرابحة ولهذا تنعقد بقوله: وليتك بالثمن الأول، أو بعتك مرابحة على الثمن الأول، إذا كان معلوما؛ فلابد من البناء على الأول، وذلك بالحط، غير أنه يحط في التولية قدر الخيانة من رأس المال، وفي المرابحة منه ومن الربح (وقال محمد: لا يحط فيهما) ؛ لأن الاعتبار للتسمية لكونه معلوما، والتولية والمرابحة ترويج وترغيب، فيكون وصفاً مرغوبا فيه كوصف السلامة؛ فيتخير بفواته. قال في التصحيح: واعتمد قول الإمام النسفي والبرهاني وصدر الشريعة. (ومن اشترى شيئاً مما ينقل ويحول لم يجز له بيعه حتى يقبضه) ؛ لأن فيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 ويجوز بيع العقار قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمدٌ: لا يجوز، ومن اشترى مكيلاً مكايلةً، أو موزوناً موازنةً، فاكتاله أو اتزنه ثم باعه مكايلةً أو موازنةً؛ لم يجز للمشتري منه أن يبيعه ولا يأكله حتى يعيد الكيل والوزن.   غرز انفساخ العقد على اعتبار الهلاك (ويجوز بيع العقار قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ؛ لأن ركن البيع صدر من أهله في محله، ولا غرر فيه؛ لأن الهلاك في العقار نادر، بخلاف المنقول، والغرر المنهي عنه غرر انفساخ العقد، والحديث معلل بهذا. هداية. (وقال محمد: لا يجوز) رجوعا لإطلاق الحديث (1) واعتبارا بالمنقول. هداية. قال في التصحيح: واختار قول الإمام من ذكر قبله. (ومن اشترى مكيلا مكايلة أو موزوناً موازنة) يعني بشرط الكيل والوزن (فاكتاله المشتري) أو اتزنه (ثم باعه مكايلة أو موازنة لم يجز للمشتري منه) أي للمشتري الثاني من المشتري الأول (أن يبيعه، ولا) أن (يأكله حتى يعيد الكيل والوزن) ؛ لاحتمال الزيادة على المشروط، وذلك للبائع، والتصرف في مال الغير حرام؛ فيجب التحرز عنه، بخلاف ما إذا باعه مجازفة لأن الزيادة له. هداية. ويكفي كيله من البائع   (1) الحديث الذي ورد في هذا الموضوع هو أنه عليه الصلاة والسلام: (نهى عن بيع مالم يقبض) فأما محمد بن الحسن رحمه الله فأخذ بظاهره، وقال: إن الحديث لم يفرق بين العقار والمنقول؛ فيكون بيع كل منهما قبل قبضه منهيا عنه وأما أبو حنيفة وأبو يوسف فقالا: إن العلة في هذا النهي كون المبيع قبل قبضه يعرض الهلاك فيكون العقد على شفا الانفساخ إذا تبين هلاك المبيع، ولما كان الهلاك في المنقول قريب الاحتمال والهلاك في العقار نادرا حملنا الحديث على خصوص المنقول؛ رجوعا إلى العلة التي من أجلها ورد النهي. ولم نجعل العقار مما يتناوله النهي لأن الشيء البادر لا يحفل به؛ فلا يكون له حكم الشيء المتكرر القريب الوقوع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 والتصرف في الثمن قبل القبض جائزٌ. ويجوز للمشتري أن يزيد البائع في الثمن، ويجوز للبائع أن يزيد في المبيع، ويجوز أن يحط من الثمن ويتعلق الاستحقاق بجميع ذلك. ومن باع بثمنٍ حالٍ ثم أجله أجلاً معلوماً صار مؤجلاً، وكل دينٍ حالٍ إذا أجله صاحبه صار مؤجلاً إلى القرض؛ فإن تأجيله لا يصح.   بحضرة المشتري بعد البيع لا قبله، فلو كيل بحضرة رجل فشراه فباعه قبل كيله لم يجز وإن اكتاله الثاني؛ لعدم كيل الأول فلم يكن قابضا. فتح. (والتصرف في الثمن) ولو مكيلا أو موزونا، قهستاني (قبل القبض جائز) لقيام الملك، وليس فيه غرر الانفساخ بالهلاك، لعدم تعينها بالتعيين، بخلاف المبيع. هداية. وهذا في غير صرف وسلم. (ويجوز للمشتري أن يزيد البائع في الثمن) ولو من غير جنسه، في المجلس وبعده. خلاصة. بشرط قبول البائع كون المبيع قائماً (ويجوز للبائع أن يزيد في المبيع) ويلزمه دفعها إن قبلها المشتري (ويجوز) له أيضاً (أن يحط من الثمن) ولو بعد قبضه وهلاك المبيع (ويتعلق الاستحقاق بجميع ذلك) ؛ لأنها تلتحق بأصل العقد، وعند زفر تكون هبة مبتدأة: إن قبضها صحت، وإلا بطلت. (ومن باع بثمن حال ثم أجله معلوما) أو مجهولا جهالة متقاربة كالحصاد والدياس ونحو ذلك كما مر، وقبل المديون (صار) الثمن (مؤجلا) وإن أجله إلى مجهول جهالة فاحشة كهبوب الريح ونزول المطر، وإلى الميسرة؛ فالتأجيل باطل والثمن حال (وكل دين حال) كثمن البياعات وبدل المستهلكات (إذا أجله صاحبه) وقبل المديون (صار مؤجلا) ؛ لأنه حقه؛ فله أن يؤخره تيسيرا على من عليه، ألا يرى أنه يملك إبراءه مطلقاً، فكذا مؤقتاً، ولأن هذه الديون يجوز أن تثبت مؤجلة ابتداء. فجاز أن يطرأ عليها الأجل، بخلاف القرض؛ ولذلك استثناؤه فقال: إلا القرض فإن تأجيله لا يصح) ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 باب الربا. - الربا محرمٌ في كل مكيلٍ أو موزونٍ، إذا بيع بجنسه متفاصلا (1) ، فالعلة فيه الكيل مع الجنس أو الوزن مع الجنس (2) فإذا بيع المكيل أو الموزون بجنسه مثلاً بمثلٍ جاز البيع، وإن   لأنه إعارة وصلة في الابتداء، حتى يصح بلفظ الإعارة، ولا يملكه من لا يملك التبرع كالوصي والصبي، ومعاوضة في الانتهاء؛ فعلى اعتبار الابتداء لا يلزم التأجيل فيه كما في الإعارة؛ إذ لا جبر في التبرع، وعلى اعتبار الانتهاء لا يصح أيضاً؛ لأنه يصير بيع الدرهم بالدرهم نسيئة وهو رباً. وهذا بخلاف ما إذا أوصى أن يقرض من ماله ألف درهم فلاناً إلى سنة حيث يلزم من ثلاثة أن يقرضوه ولا يطالبوه قبل المدة؛ لأنه وصية بالتبرع بمنزلة الوصية بالخدمة والسكنى فيلزم حقا للموصي. هداية. باب الربا بكسر الراء مقصور على الأشهر، ويثنى ربوان - بالواو على الأصل - وقد يقال: ربيان - على التخفيف - كما في المصباح، والنسبة إليه ربوى - بالكسر - والفتح خطأ. مغرب. (الربا) لغة: مطلق الزيادة، وشرعاً: فضل خال عن عوض بمعيار شرعي مشروط لأحد المتعاقدين في المعاوضة، كما أشار إلى ذلك بقوله: هو (محرم في كل مكيل أو موزون) ولو غير مطعوم ومقتات ومدخر (إذا بيع بجنسه متفاضلا؛ فالعلة فيه الكيل مع الجنس، أو الوزن مع الجنس) قال في الهداية: ويقال: القدر مع الجنس، وهو أشمل. اهـ. يعني يشمل الكيل والوزن معاً (فإذا بيع المكيل أو الموزون بجنسه مثلا بمثل جاز البيع) : لوجود شرط الجواز، وهو المماثلة في المعيار (وإن   (1) هو محرم قطعا بنص القرآن {لا تأكلوا الربا وأحل الله البيع وحرم الربا} وهو من السبع الموبقات في الحديث الصحيح المتفق عليه. (2) والأصل في ذلك حديث السنة إلا البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى) وعلته عن الشافعي الطعم في المطعومات والثمنية في الأثمان والجنسية شرط والمساواة مخلص من الحرمة وعند مالك العلة الاقتيات والادخار فكل ما يقتات ويدخر فهو ربا وحالا فى والاستدلال والمناقشة في المطولات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 تفاضلا لم يجز، ولا يجوز بيع الجيد بالردئ مما فيه الربا إلا مثلا بمثلٍ، فإذا عدم الوصفان الجنس والمعنى المضموم إليه حل التفاضل والنساء، وإذا وجدا حرم التفاضل والنساء، وإذا وجدا أحدهما وعدم الآخر حل التفاضل وحرم النساء، وكل شيءٍ نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريم التفاضل فيه كيلاً فهو مكيلٌ أبداً وإن ترك الناس الكيل فيه، مثل الحنطة والشعير والتمر والملح،   تفاضلا) أو كان فيه نساء (لم يجز) لتحقيق الربا (ولا يجوز بيع الجيد بالردئ مما) يثبت (فيه الربا إلا مثلا بمثل) ؛ لأن الجودة إذا لاقت جنسها فيما يثبت فيه الربا لا قيمة لها. جوهرة. وقيد بما يثبت فيه الربا لإخراج ما لا يدخل تحت القدر كحفنة بحفنتين وتفاحة بتفاحتين وفلس بفلسين وذرة من ذهب وفضة مما لا يدخل تحت الوزن بمثليها بأعيانهما؛ فإنه يجوز التفاضل لفقد القدر، ويحرم النساء لوجود الجنس، فلو اكتفى الجنس أيضاً حل مطلقاً؛ لعدم العلة (فإذا عدم الوصفان) أي الجنس والمعنى المضموم إليه) من الكيل أو الوزن (حل التفاضل والنساء) بالمد لا غير - التأخير، مغرب لعدم العلة المحرمة، والأصل فيه الإباحة هداية، (وإذا وجدا حرم التفاضل والنساء) لوجود العلة (وإن وجدا أحدهما) : أي القدر وحده، أو الجنس وحده (وعدم الآخر حل التفاضل، وحرم النساء) ولو مع التساوي، واستثنى في المجمع والدار إسلام النقود في موزون؛ لئلا ينسد أكثر أبواب السلم؛ وحرر شيخنا تبعاً لغيره أن المراد بالقدر المحرم القدر المتفق؛ بخلاف النقود المقدرة بالصنجات مع المقدرة بالأمنان والأرطال (وكل شيء نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريم التفاضل فيه كيلا فهو مكيل أبدا) ؛ أي (وإن ترك الناس الكيل فيه؛ مثل) الأشياء الأربعة المنصوص عليها (الحنطة والشعير والثمن والملح) . لأن النص أقوى من العرف، والأقوى لا يترك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 وكل ما نص على تحريم التفاضل فيه وزناً فهو موزونٌ أبداً، مثل الذهب والفضة، وما لم ينص عليه فهو محمول على عادات الناس. وعقد الصرف ما وقع على جنس الأثمان يعتبر فيه قبض عوضيه في المجلس، وما سواه مما فيه الربا يعتبر فيه التعيين، ولا يعتبر فيه التقابض،   بالأدنى، فلو باع شيئاً من هذه الأربعة بجنسها متساوياً وزناً لا يجوز وإن تعورف ذلك، لعدم تحقق المساواة فيما هو مقدور فيه وكل ما نص على تحريم التفاضل فيه وزناً فهو موزون أبداً) : أي وإن ترك الناس الوزن فيه (مثل) الإثنين الآخرين (الذهب والفضة) فلو باع أحدهما بجنسه متساوياً كيلا لا يجوز وإن تعورف؛ كما مر (وما لم ينص عليه) كغير الأشياء الستة المذكورة (فهو محلول على عادات الناس) ، لأنها دلالة ظاهرة، وعن الثاني اعتبار العرف مطلقاً، لأن النص على ذلك لمكان العادة، وكذا قال العلامة البركوي في أواخر الطريقة: إنه لا حيلة فيه إلا لتمسك بالرواية الضعيفة عن أبي يوسف، لكن ذكر شارحها العارف سيدي عبد الغني ما حاصله: أن العمل بالضعيف مع وجود الصحيح لا يجوز، ولكن لقول: إذا كان الذهب والفضة مضروبين فذكر العدد كتابة عن الوزن اصطلاحا، لأن لهما وزناً مخصوصا، ولذا نقش وضبط؛ والنقصان الحاصل بالقطع أمر جزئي لا يبلغ المعيار. اهـ. وتمامه هناك. (وعقد الصرف) وهو (ما وقع على جنس الأثمان) من ذهب، وفضة (يعتبر) : أي يشترط (فيه) : أي في صحته (قبض عوضيه في المجلس) : أي قبل الافتراق بالأبدان، وإن اختلف المجلس، حتى لو عقدا عقد الصرف ومشيا فرسخاً ثم تقابضا وافترقا صح فتح (وما سواه) : أي سوى جنس الأثمان (مما) يثبت (فيه الربا يعتبر فيه التعيين، ولا يعتبر) : أي لا يشترط (فيه التقابض) لتعينه، لأن غير الأثمان يتعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 ولا يجوز بيع الحنطة بالدقيق ولا بالسويق. ويجوز بيع اللحم بالحيوان عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمدٌ: لا يجوز، إلا أن يكون اللحم الذي في الحيوان أقل مما هو المعقود عليه، ويجوز بيع الرطب بالتمر مثلاً بمثلٍ والعنب بالزبيب، ولا يجوز بيع الزيتون بالزيت والسمسم   بالتعيين (ولا يجوز بيع الحنطة بالدقيق) من الحنطة (ولا بالسويق) منها، وهو المجروش، ولا بيع الدقيق بالسويق، ولا الحنطة المقلية بغيرها؛ بوجه من الوجوه، لعدم التسوية، لأن المعيار في كل من الحنطة والدقيق والسويق الكيل، وهو لا يوجب التسوية بينهما، لأنها - بعارض التكسير - صارت أجزاؤها متكثرة في الكيل، والقمح ليس كذلك، فلا تتحقق المساواة؛ فيصير كسبع الجزاف، ويجوز بيع الدقيق بالدقيق والسويق بالسويق إذا تساويا نعومة وكيلا. (ويجوز بيع اللحم بالحيوان) ولو من جنسه (عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ، لأنه بيع الموزون بما ليس بموزون، فيجوز كيف كان بشرط التعيين لاتحاد الجنس. وشرط محمد زيادة اللحم؛ ليكون الزائد بمقابلة السقط؛ كالزيت بالزيتون قال في التصحيح: وشرط محمد زيادة اللحم؛ ليكون الزائد بمقابلة السقط؛ كالزيت بالزيتون قال في التصحيح: قال الإسبيجاني: الصحيح قولهما، ومشى عليه النسفي والمحبوبي وصدر الشريعة (ويجوز بيع الرطب بالتمر) وبالرطب (مثلا بمثل) كيلا عند أبي حنيفة، لأن الرطب تمر، وبيع التمر بمثله جائز، قال في التصحيح: قال الإسبيجاني: وقالا لا يجوز، والصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده النسفي، والمحبوبي وصدر الشريعة (و) يجوز بيع (العنب بالزبيب) وكذا كل ثمرة تجف كتين ونحوه: يباع رطبها برطبها وبيابسها؛ قال في العناية: كل تفاوت خلقي كالرطب والتمر والجيد والردئ فهو ساقط الاعتبار، وكل تفاوت بصنع العباد كالحنطة بالدقيق والحنطة المقلية بغيرها يفسد. اهـ (ولا يجوز بيع الزيتون بالزيت والسمسم) بكسر السينين (بالشيرج) ويقال له حل، بالمهملة (حتى يكون الزيت والشيرج أكثر مما في الزيتون والسمسم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 بالشيرج حتى يكون الزيت والشيرج أكثر مما في الزيتون والسمسم، فيكون الدهن بمثله والزيادة بالثجير، ويجوز بيع اللحمان المختلفة بعضها ببعضٍ متفاضلاً، وكذلك ألباني البقر والغنم، وخل الدقل بخل العنب، ويجوز بيع الخبز بالحنطة والدقيق متفاضلاً. ولا رباً بين المولى وعبده، ولا بين المسلم والحربي في دار الحرب.   فيكون الدهن بمثله والزيادة بالثجير) بفتح المثلثة وبكسر الجيم - النقل. وكذا كل ما لتفله قيمة كجوز بدهنه ولبن بسمنه (ويجوز بيع اللحمان) بضم اللام - جمع لحم. مصباح (المختلفة بعضها ببعض متفضلا) والمراد لحم البقر والإبل والغنم، فأما البقر والجواميس فجنس واحد، وكذا المعز والضأن، والعراب والبخاتي. هداية. (وكذلك ألبان البقر والغنم، وخل الدقل) بفتحتين - ردئ التمر (بخل العنب) متفاضلا، للاختلاف في الأصول؛ وكذا في الأجزاء باختلاف الأجزاء والمقاصد (ويجوز بيع الخبر) ولو من البر (بالحنطة والدقيق متفاضلا) لأن الخبز صار عدديا أو موزونا، والحنطة مكيلة، وعن أبي حنيفة: لا خير فيه، والفتوى على الأول، ولا خير في استقراضه عدداً أو وزنا عند أبي حنيفة، لأنه يتفاوت بالخبز والخباز والتنور والتقدم والتأخر. وعند محمد: يجوز بهما؛ للتعامل. وعند أبي يوسف: يجوز وزناً، ولا يجوز عدداً؛ للتفاوت في آحاده. هداية قال في الدر: والفتوى على قول محمد. ابن ملك، واختاره في الاختيار؛ واستحسنه الكمال، واختاره المصنف تيسيراً. اهـ. باختصار. (ولا ربا بين المولى وعبده) : لأن العبد وما في يده ملك لمولاه فلا يتحقق الربا، (ولا بين المسلم والحربي في دار الحرب) ، لأن مالهم مباح في دارهم؛ فبأي طريق أخذه المسلم مالا مباحاً إذا لم يكن فيه غدر. بخلاف المستأمن منهم، لأن ماله صار محظوراً بعقد الأمان. هداية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 باب السلم. - السلم جائزٌ (1) في المكيلات والموزونات والمعدودات التي لا تتفاوت كالجوز والبيض، وفي المذروعات، ولا يجوز السلم في الحيوان، ولا في أطرافه، ولا في الجلود عدداً، ولا في الحطب حزماً، ولا في الرطبة جرزاً. ولا يجوز السلم حتى يكون المسلم فيه موجوداً من حين العقد إلى حين المحل،   باب السلم (السلم) لغة: السلف، وزناً ومعنى، وشرعاً؛ بيع آجل بعاجل. وركنه ركن البيع؛ ويسمى صاحب الثمن رب السلم، واآخر المسلم إليه، والمبيع المسلم فيه. وهو (جائز في) الذي يمكن ضبط صفته كجودته ورداءته ومعرفة مقداره، بالكيل في (المكيلات، و) الوزن في (الموزونات، و) العد في (المعدودات التي لا تتفاوت) آحادها (كالجوز والبيض) ونحوهما (و) كذا يجوز (في المذروعات) ، لا مكان ضبطها بذكر الذراع والصفة والصنعة، ولابد منها لترتفع الجهالة فيتحقق شرط صحة السلم. هداية (ولا يجوز السلم في الحيوان) للتفاوت في المالية باعتبار المعاني الباطنة (ولا في أطرافه) كالرءوس والأكارع (ولا في الجلود عدداً) ، لأنها لا تضبط بالصفة ولا توزن عادة، ولكنها تباع عدداً، وهي عددى متفاوت (ولا في الحطب حزماً ولا في الرطبة جرزاً) للتفاوت، إلا إذا عرف ذلك بأن يبين طول ما يشد به الحزمة أنه شبر أو ذراع، فحينئذ يجوز إذا كان على وجه لا تتفاوت. هداية. (ولا يجوز السلم حتى يكون المسلم فيه موجودا من حين العقد إلى حين المحل) حتى لو كان منقطعا~ً عند العقد موجوداً عند المحل، أو على العكس، أو منقطعاً فيما   (1) وجوازه بالكتاب وهو آية المداينة على ما قال ابن عباس أشهر أن السلفا المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في الكتاب وأذن فيه قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} الآية وبالسنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم وقوله صلى الله عليه وسلم: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) وقال كثير من الحنفية أنه على خلاف القياس لأنه بيع المعدوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 ولا يصح السلم إلا مؤجلا، ولا يجوز إلا بأجلٍ معلومٍ، ولا يجوز السلم بمكيال رجلٍ بعينه، ولا بذراع رجلٍ بعينه، ولا في طعام قريةٍ بعينها، ولا في ثمرة نخلةٍ بعينها. ولا يصح السلم عند أبي حنيفة إلا بسبع شرائط تذكر في العقد: جنسٍ معلومٍ، ونوعٍ معلومٍ، وصفةٍ معلومةٍ، ومقدارٍ معلومٍ، وأجلٍ معلومٍ، ومعرفة مقدار رأس المال إذا كان مما يتعلق العقد على   بين ذلك - لا يجوز. هداية. ولو انقطع بعد الاستحقاق خير رب السلم بين انتظار وجوده والفسخ وأخذ رأس ماله. در (ولا يصح السلم إلا مؤجلا) ، لأنه شرع رخصة دفعاً لحاجة المفاليس، ولو كان قادرا على التسليم لم يوجد المرخص والأجل أدناه شهر، وقيل: ثلاثة أيام؛ وقيل: أكثر من نصف يوم؛ والأول أصح. هداية (ولا يصح إلا بأجل معلوم) ؛ لأن الجهالة فيه مفضية إلى المنازعة كما في البيع (ولا يصح السلم بمكيال رجل بعينه ولا بذراع رجل بعينه) إذا لم يعرف مقداره؛ لأنه يتأخر فيه التسليم فربما يضيع فيؤدي إلى المنازعة. ولابد من أن يكون المكيال مما لا ينقبض ولا ينبسط كالصاع مثلا؛ فإن كان مما يتكلبس بالكبس كالزنبيل والجراب لا يجوز للمنازعة، إلا في قرب الماء التعامل فيه، كذا عن أبي يوسف. هداية (ولا في طعام قرية بعينها أو تمرة بعينها) ؛ لأنه ربما يعتريه آفة فتنتفي قدرة التسليم، إلا أن تكون النسبة لبيان الصفة لا لتعيين الخارج، فتنبه. (ولا يصح التسليم عند أبي حنيفة إلا بسبع شرائط تذكر في العقد) وهي: (جنس معلوم) كحنطة أو شعير (ونوع معلوم) كحوراني أو بلدي (وصفة معلومة) كجيد أو ردئ (ومقدار معلوم) ككذا كيلا أو وزناً (وأجل معلوم) وتقدم أن أدناه شهر (ومعرفة مقدار رأس المال إذا كان) رأس المال (مما يتعلق العقد على) معرفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 قدره، كالمكيل والموزون والمعدود، وتسمية المكان الذي يوافيه فيه إذا كان له حملٌ ومؤنةٌ. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يحتاج إلى تسمية رأس المال إذا كان معيناً ولا إلى مكان التسليم، ويسلمه في موضع العقد. ولا يصح السلم حتى يقبض رأس المال قبل أن يفارقه. ولا يجوز التصرف في رأس المال ولا في المسلم فيه قبل قبضه،   (قدره) وذلك (كالمكيل والموزون والمعدود) بخلاف الثوب والحيوان فإنه يصير معلوما بالإشارة اتفاقا (و) السابع (تسمية المكان الذي يوافيه فيه إذا كان له) : أي المسلم فيه (حمل ومؤنة) وأما ما لا حمل له ولا مؤنة فلا، ويسلمه حيث لقيه. (وقال أبو يوسف ومحمد: لا يحتاج إلى تسمية رأس المال إذا كان معيناً) بالإشارة إليه، لأن المقصود يحصل بالإشارة فأشبه الثمن والأجرة وصار كالثوب (ولا) يحتاج أيضاً (إلى) تعيين (مكان التسليم) وإن كان له حمل ومؤنة (ويسلمه في موضع العقد) لتعينه للإيفاء؛ لوجود العقد فيه الموجب للتسليم فيه، ما لم يصرفاه باشتراط مكان غيره. فتح. قال في التصحيح: واعتمد قول الإمام النسفي وبرهان الشريعة والمحبوبي وصدر الشريعة وأبو الفضل الموصلي. اهـ. قال الإسبيجاني في شرحه: وههنا شروط أخر أغمض عنها صاحب الكتاب، وهو: أن لا يشتمل البدلان على أحد وصفي علة الربا؛ لأنه يتضمن ربا النساء فيكون فاسدا، وأن يكون المسلم فيه مما يتعين بالتعين، حتى لا يجوز السلم في الدراهم والدنانير، وأن يكون العقد باتا ليس فيه خيار شرط لهما أو لأحدهما. اهـ. وتقدم في الربا أن القدر المحرم إنما هو القدر المتفق عليه، فتنبه. (ولا يصح السلم حتى يقبضه) المسلم إليه (رأس المال قبل أن يفارقه) رب السلم ببدنة، وإن ناما في مجلسهما أو أغمي عليهما أو سارا زماناً لم يبطل كما يأتي في الصرف. (ولا يجوز التصرف في رأس المال ولا في السلم فيه قبل قبضه) أما الأولى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 ولا تجوز الشركة ولا التولية في المسلم فيه قبل قبضه. ويجوز السلم في الثياب إذا سمى طولاً وعرضاً ورقعةً، ولا يجوز السلم في الجواهر ولا في الخرز، ولا بأس في السلم في اللبن والآجر إذا سمى ملبناً معلوماً. وكل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه، وما لا يمكن ضبط صفته، ولا يعرف مقداره لا يجوز السلم فيه.   فلما فيه من تفويت القبض المستحق بالعقد، وأما الثاني فلأن المسلم فيه مبيع والتصرف قبل القبض لا يجوز. هداية. (ولا تجوز الشركة ولا التولية) ولا المرابحة ولا الوضعية (في المسلم فيه قبل قبضه) ؛ لأنه تصرف فيه قبل قبضه. (ويجوز السلم في الثياب) والبسط ونحوهما (إذا سمى طولا وعرضا ورقعة) بالقاف كبقعة وزناً ومعنى - قال في المغرب: يقال رقعة هذا الثوب جيدة، يراد غلظه وثخانته مجازاً. اهـ. لأنه أسلم في معلوم مقدور التسليم. هداية. (ولا يجوز السلم في الجواهر ولا في الخرز) ؛ لأن آحادها تتفاوت فاحشاً، حتى لو كانت اللآلئ صغاراً تباع بالوزن يصح السلم فيها (ولا بأس في السلم باللبن) بكسر الباء - الطوب الغير المحرق (والآجر) الطوب المحرق (إذا سمى ملبناً) بكسر الباء (معلوماً) ؛ لأنه عددي يمكن ضبطه، وإنما يصير معلوما إذا ذكر طوله وعرضه وسمكه. (و) الأصل في ذلك أنه (كل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره) بكيل أو وزن أو عدد في متحد الآحاد (جاز السلم فيه) ، لأنه لا يفضي إلى المنازعة (وما لا تضبط صفته ولا يعرف مقداره) لكونه غير مكيل وموزون وآحاده متفاوتة (لا يجوز السلم فيه) لأنه مجهول يفضي إلى المنازعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 ويجوز بيع الكلب والفهد والسباع، ولا يجوز بيع الخمر والخنزير، ولا يجوز بيع دود القز إلا أن يكون مع القز، ولا النحل إلا مع الكوارات. وأهل الذمة في البياعات كالمسلمين إلا في الخمر والخنزير خاصةً، فإن عقدهم على الخمر كعقد المسلم على العصير، وعقدهم على الخنزير كعقد المسلم على الشاة.   (ويجوز بيع الكلب) ولو عقواراً (والفهد) والقرد (و) سائر (السباع) سوى الخنزير؛ للانتفاع بها وبجلدها، والتمسخر بالقرد - وإن كان حراما - لا يمنع بيعه، بل يكرهه كبيع العصير. در شرح الوهبانية (ولا يجوز بيع الخمر والخنزير) لنجاستهما وعدم حل الانتفاع بهما (ولا يجوز بيع دود القز إلا أن يكون مع القز) قال في الينابيع: المذكور إنما هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقوله "إلا أن يكون مع القز" يريد أن يظهر فيه القز. وقال محمد: يجوز كيف كان. اهـ. قال في الخلاصة: وفي بيع دود القز الفتوى على قول محمد إنه يجوز، وأما بيع بزر القز فجائز عندهما وعليه الفتوى، وكذا قال الصدر الشهيد في واقعاته، وتبعه النسفي، وكذا في المحيط. كذا في التصحيح (ولا) بيع (النحل) إلا مع الكوارات. قال الإسبيجاني: وعن محمد أنه يجوز إذا كان مجموعا، والصحيح جواب ظاهر الرواية؛ لأنه من الهوام، وقال في الينابيع: ولا يجوز بيع النحل، وعن محمد أنه يجوز بشرط أن يكون محرزاً، وإن كان مع الكوارات أو مع العسل جاز بالإجماع، وبقولهما أخذ قاضيخان والمحبوبي والنسفي. تصحيح. (وأهل الذمة في البياعات كالمسلمين) لأنهم مكلفون محتاجون كالمسلمين (إلا في الخمر والخنزير خاصة) ومثله الميتة بخنق أو ذبح نحو مجوسي (فإن عقدهم على الخمر كعقد المسلم على العصير، وعقدهم على الخنزير) والميتة (كعقد المسلم على الشاة) لأنها أموال في اعتقادهم، ونحن أمرنا بتركهم وما يدينون. هداية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 كتاب الصرف. - الصرف هو البيع إذا كان كل واحدٍ من العوضين من جنس الأثمان، فإن باع فضة بفضةٍ أو ذهباً بذهبٍ لم يجز إلا مثلاً بمثلٍ وإن اختلفا في الجودة والصياغة، ولابد من قبض العوضين قبل الافتراق (1) ، وإذا باع الذهب بالفضة جاز التفاضل ووجب التقابض، وإن افترقا في الصرف قبل قبض العوضين أو أحدهما بطل العقد.   كتاب الصرف لما كان البيع بالنظر إلى المبيع أربعة أنواع: بيع العين بالعين، والعين بالدين، والدين بالعين والدين بالدين، وبين الثلاثة الأول - شرع في بيان الرابع، فقال: (الصرف هو البيع إذا كان كل واحد من عوضيه من جنس الأثمان) الذهب والفضة (فإن باع فضة بفضة أو ذهبا بذهب لم يجز إلا مثلا بمثل) : أي متساوياً وزناً (وإن اختلفا في الجودة والصياغة) لما مر في الربا من أن الجودة إذا لاقت جنسها فيما يثبت فيه الربا لا قيمة لها (ولابد) لبقائه على الصحة (من قبض العوضين قبل الافتراق) بالأبدان، حتى لو ذهبا عن المجلس يمشيان معا في جهة واحدة أو ناما في المجلس أو أغمي عليهما لا يبطل الصرف. هداية (وإذا باع الذهب بالفضة جاز التفاضل) لاختلاف الجنس (ووجب التقابض) لحرمة النساء (وإن افترقا في الصرف قبل قبض العوضين أو أحدهما بطل العقد) لفوات شرط الصحة - وهو القبض قبل الافتراق - ولهذا لا يصح شرط الخيار فيه؛ لأنه لا يبقى القبض مستحقا، ولا الأجل، لفوات القبض. فإن أسقط الخيار أو الأجل من هو له قبل الافتراق عاد جائزاً؛ لارتفاعه قبل تقرر الفساد، بخلافه بعد الافتراق؛ لتقرره.   (1) هذا ثابت بإجماع الفقهاء ودليله ما ورد في حديث الذهب والفضة من قوله يدا بيد وروى مالك في الموطأ عن عمر قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تبيعوا الورق بالذهب أحدهما غائب والآخر ناجز وإن اسنتظرك أن يلج بينه فلا تنظره إلا يداً بيد وهاك وهاك إني أخشى عليكم الربا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 ولا يجوز التصرف في ثمن الصرف قبل قبضه. ويجوز بيع الذهب بالفضة مجازفةً. ومن باع سيفاً محلى بمائة درهمٍ وحليته خمسون درهماً فدفع من ثمنه خمسين جاز البيع، وكان المقبوض حصة الفضة وإن لم يبين ذلك، وكذلك إن قال: خذ هذه الخمسين من ثمنهما، فإن لم يتقابضا حتى افترقا بطل العقد في الحلية والسيف إن كان لا يتخلص إلا بضررٍ، وإن كان يتخلص بغير ضررٍ جاز البيع في السيف   (ولا يجوز التصرف في ثمن الصرف قبل قبضه) ؛ لما مر أن القبض شرط لبقائه على الصحة، وفي جواز التصرف فيه قبل قبضه فواته. (ويجوز بيع الذهب بالفضة مجازفة) ، لأن المساواة فيه غير مشروطة، لكن بشرط التقابض في المجلس. (ومن باع سيفاً محلى) بفضة (بمائة درهم) فضة (وحليته خمسون درهماً فدفع) المشتري (من ثمنه خمسين) درهماً (جاز البيع وكان المقبوض حصة الفضة) التي هي الحلية (وإن لم يبين) المشتري (ذلك) ؛ لأن قبض حصتها في المجلس واجب لكونه بدل الصرف، والظاهر من حاله أنه يأتي بالواجب (وكذلك إن قال: خذ هذه الخمسين من ثمنهما) تحريا للجواز؛ لأنه يذكر الاثنان ويراد به الواحد كما في قوله تعالى: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان (1) } (الآية 22 من سورة الرحمن) . وكذا لو قال: هذا المعجل حصة السيف؛ لأنه اسم للحلية أيضاً لدخولها في بيعه تبعاً، ولو زاده "خاصة" فسد البيع؛ لإزالة الاحتمال، كما في الهداية. (فإن لم يتقابضا حتى افترقا بطل العقد في الحلية) ؛ لأنه صرف؛ وشرطه التقابض قبل الافتراق (و) كذا في (السيف إذا كان لا يتخلص إلا بضرر) ؛ لأنه لا يمكن تسليمه بدون الضرر؛ ولهذا لا يجوز إفراده بالعقد كالجذع في السقف (وإن كان يتخلص بدون ضرر جاز البيع في السيف) ؛ لأنه أمكن إفراده بالبيع فصار كالطوق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 وبطل في الحلية، ومن باع إناء فضةٍ ثم افترقا وقد قبض بعض ثمنه بطل العقد فيما لم يقبض، وصح فيما قبض وكان الإناء مشتركاً بينهما، وإن استحق بعض الإناء كان المشتري بالخيار: إن شاء أخذ الباقي بحصته من الثمن، وإن شاء رده، ومن باع قطعة نقرةٍ فاستحق بعضها أخذ ما بقي بحصته، ولا خيار له، ومن باع درهمين وديناراً بدينارين ودرهم جاز البيع وجعل كل واحدٍ من الجنسين بالجنس الآخر، ومن باع أحد عشر درهماً   والجارية، وهذا إذا كانت الفضة المفروزة أزيد من الحلية، فإن كانت مثلها أو أقل أو لا يدري لا يجوز البيع (وبطل في الحلية) ؛ لعدم التقابض الواجب، والأصل في ذلك أنه من بيع عقد مع غيره كمفضض ومزركش بنقد من جنسه يشترط زيادة الثمن والتقابض، وإن بغير جنسه شرط التقابض فقط (ومن باع إناء فضة ثم افترقا وقد قبض) البائع (بعض ثمنه بطل العقد فيما لم يقبض) فقط (وصح فيما قبض وكان الإناء شركة بينهما) ؛ لأن الإناء كله صرف؛ فصح فيما وجد شرطه، وبطل فيما لم يوجد، والفساد طارئ، لأنه يصح ثم يبطل بالافتراق فلا يشيع. هداية (وإن استحق بعض الإناء) بالبرهان (كان المشتري بالخيار: إن شاء أخذ الباقي بحصته، وإن شاء رده) لتعيبه بغير صنعه؛ لأن الشركة عيب، والفرق بين هذه والتي قبلها أن الشركة في الأولى من جهة المشتري، وهنا كانت موجودة مقارنة للعقد. عيني. (وإن باع قطعة نقرة) : أي فضة غير مضروبة (فاستحق بعضها أخذ ما بقي بحصته ولا خيار له) ؛ لأنها لا يضرها التبعيض (ومن باع درهمين وديناراً بدينارين ودرهم) أو كر بر وكر شعير بكرى بر وكري شعير (جاز البيع وجعل كل واحد من الجنسين بالجنس الآخر) ؛ لأنه طريق متعين للصحة فيحمل عليه تصحيحا لتصرفه، والأصل؛ أن العقد إذا كان له وجهان أحدهما يصححه والآخر يفسده حمل على ما يصححه. جوهرة (ومن باع أحد عشر درهما) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 بعشرة دراهم ودينارٍ جاز البيع وكانت العشرة بمثلها، والدينار بدرهمٍ، ويجوز بيع درهمين صحيحين ودرهمٍ غلةً بدرهمٍ صحيحٍ ودرهمين غلةً، وإذا كان الغالب على الدراهم الفضة فهي فضةٌ، وإن كان الغالب على الدنانير الذهب فهي ذهبٌ، ويعتبر فيهما من تحريم التفاضل ما يعتبر في الجياد، وإن كان الغالب عليهما الغش فليسا في حكم الدراهم والدنانير، فإذا بيعت بجنسها متفاضلاً جاز،   فضة (بعشرة دراهم) فضة (ودينار) ذهبا (جاز البيع وكانت العشرة بمثلها والدينار بدرهم) ، لأن شرط البيع في الدراهم التماثل، فالظاهر أنه أراد به ذلك، فيبقى الدرهم بالدينار، وهما جنسان لا يعتبر التساوي فيهما. ولو تبايعا فضة بفضة أو ذهبا بذهب وأحدهما أقل ومع أقلهما شيء آخر تبلغ قيمته باقي الفضة جاز البيع من غير كراهة، وإن لم تبلغ فمع الكراهة، وإن لم تكن له قيمة كالتراب لا يجوز البيع؛ لتحقق الربا، إذا الزيادة لا يقابلها عوض. هداية. (ويجوز بيع درهمين صحيحين ودرهم غلة) - بفتح أوله وتشديد ثانيه - فضة رديئة بردها بيت المال ويقبلها التجار (بدرهم صحيح ودرهمين غلة) للمساواة وزنا وعدم اعتبار الجودة (وإذا كان الغالب على الدراهم) المغشوشة (الفضة فهي) كلها (فضة) حكما (و) كذا (إذا كان الغالب على الدنانير) المغشوشة (الذهب فهي) كلها (ذهب) حكما (و) كذا (يعتبر فيهما من تحريم التفاضل ما يعتبر في الجياد) ، لأن النقود لا تخلو عن قليل غش خلقه أو عادة لأجل الانطباع، فإنها بدونه تتفتت، وحيث كان كذلك اعتبر الغالب، لأن المغلوب في حكم المستهلك (وإن كان الغالب عليهما الغش فليسا في حكم الدراهم والدنانير) اعتباراً للغالب (فإذا) اشترى بها فضة خالصة فهي على الوجوه التي ذكرت في حلية السيف، وإذا (بيعت بجنسها متفاضلا جاز) بصرف الجنس لخلافه؛ لأن الغش الذي بها معتبر لكونه غالبا، والذهب والفضة معتبر أيضاً، فكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 وإذا اشترى بها سلعةً ثم كسدت وترك الناس المعاملة بها بطل البيع عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: عليه قيمتها يوم البيع، وقال محمدٌ: عليه قيمتها آخر ما تعامل الناس بها. ويجوز البيع بالفلوس النافقة وإن لم تتعين، وإن كانت كاسدةً لم يجز البيع بها حتى يعينها، وإذا باع بالفلوس النافقة ثم كسدت بطل البيع عند أبي حنيفة.   لكل واحد منهما حكم نفسه، بشرط التقابض لوجود القدر، (وإذا اشترى بها) : أي بالدراهم الغالبة الغش وهي نافقة (سلعة ثم كسدت) تلك الدراهم قبل التسليم إلى البائع (فترك الناس المعاملة) بها في جميع البلاد، فلو راجت في بعضها لم يبطل البيع، ولكن يخير البائع لتعيبها، أو انقطعت عن أيدي الناس (بطل البيع عند أبي حنيفة) ، لأن الثمينة بالاصطلاح، ولم يبقى، فبقي البيع بلا ثمن فيبطل، وإذا بطل وجب رد المبيع إن كان قائما وقيمته إن كان هالكا كما في البيع الفاسد. فيض (وقال أبو يوسف: عليه قيمتها يوم البيع) لأن العقد قد صح، إلا أنه تعذر التسليم بالكساد، وهو لا يوجب الفساد وإذا بقي العقد بها تجب القيمة يوم البيع، لأن الضمان به (وقال محمد: عليه قيمتها آخر ما تعامل الناس بها) لأنه أوان الانتقال إلى القيمة، وبه يفتي كما في الخانية والخلاصة والفتاوى الصغرى والكبرى والحقائق عن المحيط والتتمة، وعزاه في الذخيرة إلى الصدر الشهيد، وكثير من المشايخ قيد بالكساد، لأنها إذا غلت أو رخصت قبل القبض كان المبيع على حاله إجماعا، ولا خيار لواحد منهما، ويطالب بنقد ذلك المعيار الذي كان وقت البيع، كما في الفتح. (ويجوز البيع بالفلوس) مطلقاً، لأنها مال معلوم، لكن (النافقة) يجوز البيع بها (وإن لم تتعين) لأنها أثمان بالاصطلاح. فلا فائدة في تعينها (وإن كانت كاسدة لم يجز البيع بها حتى يعينها) بالإشارة إليها، لأنها سلع فلابد من تعينها (وإذا باع بالفلوس النافقة ثم كسدت) أو انقطعت (بطل البيع عند أبي حنيفة) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 ومن اشترى شيئاً بنصف درهمٍ فلوساً جاز البيع وعليه ما يباع بنصف درهمٍ من الفلوس، ومن أعطى الصيرفي درهماً وقال:   خلافاً لهما، وهو نظير الخلاف الذي بيناه. هداية، وفيها: لو استقرض فلوساً فكسدت عند أبي حنيفة عليه مثلها، لأنه إعارة وموجبها رد العين معنى، والثمينة فيه، إذ القرض لا يختص به، وعندهما يجب قيمتها، لأنه بطل وصف الثمينة تعذر ردها كما قبض، فيجب رد القيمة، كما إذا استقرض مثلياً فانقطع، لكن عند أبي يوسف يوم القبض وعند محمد يوم الكساد على ما مر من قبل، اهـ. قال شيخنا في رسالته: اعلم أن الظاهر من كلامهم أن جميع ما مر إنما هو في الفلوس والدراهم التي غلب غشها كما يظهر بالتأمل، ويدل عليه اقتصارهم في بعض المواضع على الفلوس؛ وفي بعضها ذكر العدالي معها، فإن العدالي كما في البحر - الدراهم المنسوبة إلى العدل، وكأنه اسم ملك ينسب إليه درهم فيه غش، ولم يظهر حكم النقود الخالصة أو المغلوبة الغش، وكأنهم لم يتعرضوا لها لندرة انقطاعها أو كسادها، لكن يكثر في زماننا غلاؤها ورخصها فيحتاج إلى بيان الحكم فيها، ولم أر من نبه عليها، نعم يفهم من التقييد أن الخالصة أو المغلوبة لبس حكمها كذلك، والذي يغلب على الظن ويميل إليه القلب أن الدراهم المغلوبة الغش أو الخالصة إذا غلت أو رخصت لا يفسد البيع قطعاً؛ ولا يجب إلا ما وقع عليه العهد من النوع المذكور فيه، فإنها أثمان عرفاً وخلقة؛ والغش المغلوب كالعدم، ولا يجري في ذلك خلاف أبي يوسف، على أنه ذكر بعض الفضلاء أن خلاف أبي يوسف إنما هو الفلوس فقط، وأما الدراهم التي غلب غشها فلا خلاف له فيها، وبهذا يحصل التوفيق بين حكاية الخلاف تارة والإجماع تارة أخرى، كما تدل عليه عباراتهم، فحيث كان الواجب ما وقع عليه العقد في الدراهم التي غلب غشها إجماعا ففي الخالصة ونحوها أولى، وتمامه فيها (ومن اشترى شيئاً بنصف درهم) مثلا (فلوساً جاز البيع) بلا بيان عددها (وعليه) : أي البائع (ما يباع بنصف درهم من الفلوس) ، لأنه عبارة عن مقدار معلوم منها (ومن أعطى الصيرفي درهما فقال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 أعطني نصفه فلوساً وبنصفه نصفاً إلا حبةً فسد البيع في الجميع عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: جاز البيع في الفلوس، وبطل فيما بقي، ولو قال (أعطني نصف درهم فلوساً ونصفاً إلا حبةً) جاز البيع وكانت الفلوس والنصف إلا حبةً بدرهمٍ.   أعطني بنصفه فلوسا وبنصفه) الآخر (نصفا إلا حبة فسد البيع في الجميع عند أبي حنيفة) لأن الصفقة متحدة فيشيع الفساد (وقالا: جاز البيع في الفلوس؛ وبطل فيما بقي) لأن بيع نصف درهم بالفلوس جائز، وبيع النصف بنصف إلا حبة ربا فلا يجوز، ولو كرر لفظ الإعطاء كان جوابه كجوابهما، وهو الصحيح؛ لأنهما بيعان. هداية (ولو قال أعطني) به (نصف درهم فلوساً ونصفاً إلا حبة جاز وكانت الفلوس والنصف إلا حبة بدرهم) ؛ لأنه قابل الدرهم بما يباع من الفلوس بنصف درهم وبنصف درهم إلا حبة، فيكون نصف درهم إلا حبة بمثله وما وراءه بإزاء الفلوس. هداية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 كتاب الرهن. - الرهن ينعقد بالإيجاب والقبول، ويتم بالقبض، فإذا قبض المرتهن الرهن محوزاً   كتاب الرهن مناسبته للبيع ظاهرة، لأن الغالب أنه يكون بعده. (الرهن) لغةً: الحبس (1) ، وشرعاً: حبس شيء بحق يمكن استيفاؤه منه، و (ينعقد بالإيجاب والقبول) اعتباراً بسائر العقود، غير أنه لا يتم بمجرد ذلك (و) إنما (يتم) ويلزم (بالقبض) وهذا إشارة إلى أن القبض شرط لزومه كما في الهبة، وهو خلاف ما صححه في المجتبى من "أنه شرط الجواز، قال في الهداية: ثم يكتفى به بالتخلية في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف أنه لا يثبت في المنقول إلا بالنقل، والأول أصح، اهـ. (فإذا قبض المرتهن الرهن) حال كونه (محوزاً) : أي مجموعا، احترز به عن المتفرق، كالثمر على رؤوس النخل والزرع في الأرض بدون النخل والأرض، كما في المجتبى (مفرغاً) : أي غير مشغول بحق الراهن، احترازاً عن النخل المشغول بالثمرة والأرض المشغولة بالزرع بدون الثمر والزرع (مميزاً) : أي غير مشاع كما في المجتبى وغاية البيان، وهذه المعاني هي المناسبة لهذه الألفاظ، لا ما قيل: إن الأول احتراز عن المشاع، والثالث عن الثمر على الشجر دون الشجر، كما لا يخفى على أهل النظر. كذا في الدرر   (1) وفي القرآن الكريم {كل نفس بما كسبت رهينة} أي محبوسة، وقد يطلق الرهن لغة على نفس الشيء المرهون من باب تسمية المفعول بالمصدر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 مفرغاً مميزاً تم العقد فيه، وما لم يقبضه فالراهن بالخيار: إن شاء سلمه، وإن شاء رجع عن الرهن، فإذا سلمه إليه وقبضه دخل في ضمانه، ولا يصح الرهن إلا بدين مضمونٍ، وهو مضمونٌ بالأقل من قيمته ومن الدين، فإذا هلك في يد المرتهن وقيمته والدين سواءٌ صار المرتهن مستوفياً لدينه حكماً، وإن كانت قيمة الرهن أكثر من الدين فالفضل أمانة في يده، وإن كانت أقل سقط من الدين بقدرها ورجع المرتهن بالفضل،   (تم العقد فيه (1)) ولزم، لحصول الشرط. (وما لم يقبضه) المرتهن (فالراهن بالخيار: إن شاء سلمه، وإن شاء رجع عن الرهن) كما في الهبة (فإذا سلمه إليه) : أي إلى المرتهن (وقبضه دخل في ضمانه) لتمامه بالقبض. (ولا يصح الرهن إلا بدين مضمون) لأنه شرع استيثاقا للدين، والاستيثاق فيما ليس بمضمون لغوٌ. (وهو) : أي الرهن الذي دخل في ضمانه (مضمون بالأقل) : أي بما هو أقل (من قيمته ومن الدين) فإن كان الدين أقل من القيمة فهو مضمون بالدين، وإن كانت القيمة أقل من الدين فهو مضمون بالقيمة، فتكون "من" لبيان الأقل الذي هو القيمة تارة والدين أخرى، صدر الشريعة (فإذا هلك) الرهن (في يد المرتهن وقيمته) يوم الرهن (والدين سواء صار المرتهن مستوفياً لدينه حكماً) لتعلق قيمة الرهن بذمته، وهي مثل دينه الذي على الراهن، فتقاصا (و) كذلك (إن كانت قيمة الرهن أكثر فالفضل أمانة في يده) : أي غير مضمون، ما لم يتعد، قنية (وإن كانت) القيمة (أقل سقط من الدين بقدرها ورجع المرتهن بالفضل) على الراهن؛ لأن الاستيفاء بقدر المالية.   (1) وعند مالك رضي الله عنه يتم الرهن ويلزم بمجرد العقد، ويؤيد ما ذهبنا إليه قوله تعالى {فرهن مقبوضة} فقد علقه سبحانه بالقبض فلا يتم إلا به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 ولا يجوز رهن المشاع، ولا رهن ثمرةٍ على رؤوس النخل دون النخل، ولا زرعٍ في الأرض دون الأرض، ولا يجوز رهن الأرض والنخل دونهما، ولا يصح الرهن بالأمانات كالودائع والمضاربات ومال الشركة، ويصح الرهن برأس مال السلم وثمن الصرف والمسلم فيه، فإن هلك في مجلس العقد تم الصرف والسلم وصار المرتهن مستوفياً لدينه. وإذا اتفقا على وضع الرهن على يد عدلٍ جاز، وليس   (ولا يجوز رهن المشاع) سواء كان يحتمل القسمة أو لا، من شريكه أو غيره، ثم الصحيح أنه فاسد يضمن بالقبض، كما في الدر (ولا) يجوز (رهن ثمرة على رؤوس النخل دون النخل، ولا) رهن (زرع في أرض دون الأرض) ؛ لما مر من أنه غير محوز، ولأن المرهون متصل بما ليس بمرهون خلقةً؛ فكان المعنى المشاع، (و) كذا (لا يجوز) العكس، وهو (رهن النخل والأرض دونهما) أي الثمر والزرع؛ لأن الاتصال من الطرفين (ولا يصح الرهن بالأمانات كالودائع والمضاربات ومال الشركة) ؛ لكونها غير مضمونة، فللراهن أن يأخذه، ولو هلك في يد المرتهن قبل الطلب هلك بلا شيء، كما في صدر الشريعة (ويصح الرهن برأس مال السلم، وثمن الصرف، والمسلم فيه) ؛ لأن المقصود ضمان المال، والمجانسة ثابتة في المالية، فيثبت الاستيفاء (فإن هلك) أي الرهن بثمن الصرف والسلم (في مجلس العقد) : أي قبل الافتراق (ثم الصرف والسلم، وصار المرتهن مستوفياً لدينه) حكماً؛ لتحقق القبض، وإن افترقا قبل هلاك الرهن بطلا؛ لفوات القبض حقيقة وحكماً، وإن هلك الرهن بالمسلم فيه بطل السلم بهلاكه، لأنه يصير مستوفياً للمسلم فيه؛ فلم يبق السلم؛ ولو تفاسخا السلم وبالمسلم فيه رهن يكون ذلك رهناً برأس المال؛ لأنه بدله. (وإذا اتفقا) : أي الراهن والمرتهن (على وضع الرهن على يد عدل) سمى به لعدالته في زعمهما (جاز) ؛ لأن المرتهن رضي بإسقاط حقه (وليس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 للمرتهن ولا للراهن أهذه من يده، فإن هلك في يده هلك من ضمان المرتهن. ويجوز رهن الدراهم والدنانير والمكيل والموزون، فإن رهنت بجنسها وهلكت هلكت بمثلها من الدين، وإن اختلفا في الجودة والصناعة. ومن كان له دينٌ على غيره فأخذ منه مثل دينه فأنفقه ثم علم أنه كان زيوفاً فلا شيء له عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يرد مثل الزبوف ويرجع بالجياد،   للمرتهن ولا للراهن أخذه من يده) ؛ لتعلق حق الراهن في الحفظ بيده وأمانته، وتعلق حق المرتهن به استيفاء، فلا يملك أحدهما إبطال حق الآخر (فإن هلك) الرهن (في يده) : أي العدل (هلك من ضمان المرتهن) ؛ لأن يده في حق المالية يد المرتهن، وهي مضمونة. هداية. (ويجوز رهن الدراهم والدنانير والمكيل والموزون) لأنها محل للاستيفاء (فإن رهنت) المذكورات (بجنسها وهلكت هلكت بمثلها من الدين، وإن اختلفا) : أي الرهن والدين (في الجودة والصناعة) ؛ لأنه لا عبرة بالجودة عند المقابلة بالجنس، وهذا عند الإمام، وعندهما يضمن القيمة من خلاف جنسها، وإن رهنت بخلاف جنسها هلكت بقيمتها كسائر الأموال. (ومن كان له دين على غيره فأخذ منه مثل دينه فأنفقه) على زعم أنه جياد (ثم علم) بعد ما أنفقه (أنه كان زيوفاً فلا شيء له عند أبي حنيفة) لأنه وصل إليه مثل حقه قدراً، والدراهم لا تخلو عن زيف، والجودة لا قيمة لها (وقال أبو يوسف ومحمد: يرد مثل الزيوف ويرجع بالجياد) اعتباراً للمعادلة، قال الإسبيجاني: وذكر في الجامع الصغير قول محمد مع أبي حنيفة، وهو الصحيح، واعتمده النسفي، لكن قال فخر الإسلام: قولهما قياس، وقول أبي يوسف استحسان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 ومن رهن عبدين بألف درهمٍ فقضى حصة أحدهما لم يكن له أن يقبضه حتى يؤدي باقي الدين. وإذا وكل الراهن المرتهن أو العدل أو غيرهما ببيع الرهن عند حلول الدين فالوكالة جائزةٌ، فإن شرطت في عقد الرهن فليس للراهن عزله عنها، فإن عزله لم ينعزل، وإن مات الراهن لم ينعزل. وللمرتهن أن يطالب الراهن بدينه ويحبسه به، وإن كان الرهن في يده فليس عليه أن يمكنه من بيعه حتى يقضيه الدين من ثمنه، فإن قضاه الدين قيل له: سلم الرهن إليه، وإذا باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن فالبيع موقوفٌ، فإن أجازه المرتهن جاز، وإن قضاه الراهن دينه جاز البيع، وإن أعتق الراهن عبد الرهن نفذ عتقه، فإن كان الدين حالاً طولب بأداء الدين، وإن كان مؤجلاً أخذ منه قيمة العبد فجعلت رهناً مكانه حتى يحل الدين،   وقال في العيون: ما قاله أبو يوسف حسن وأدفع للضرر فاخترناه للفتوى، تصحيح. (ومن رهن عبدين) جملة (بألف درهم) مثلا، ولم يسم لكل واحد قدراً من المال (فقضى حصة أحدهما لم يكن له أن يقبضه حتى يؤدي باقي الدين) ؛ لأن الرهن محبوس بكل الدين؛ فيكون محبوساً بكل جزء من أجزائه، مبالغة في حمله على قضائه، فإن سمى لكل واحد منهما شيئا وقضاه كان له أن يقبضه على الأصح، كما في الدر. (وإذا وكل الراهن المرتهن أو العدل) الذي وضع الرهن على يديه (أو غيرهما) كالأجنبي (ببيع الرهن عند حلول الدين فالوكالة جائزة) ؛ لأنه توكيل ببيع ماله (فإن شرطت) الوكالة (في عقد الرهن فليس للراهن عزله عنها، فإن عزله لم ينعزل) ؛ لأنها لما شرطت في ضمن عقد الرهن صارت وصفا من أوصافه وحقاً من حقوقه، ولو وكله بالبيع مطلقاً ثم نهاه عن البيع نسيئة لم يعمل نهيه؛ لأنه لازم بأصله فكذا بوصفه، وكذا إذا عزله المرتهن لم ينعزل، لأنه لم يوكله، وإنما وكله غيره، هداية (و) كذا (إن مات الراهن) أو المرتهن (لم ينعزل) فهي تخالف الوكالة المفردة من وجوه: منها ما تقدم، ومنها أن الوكيل هنا يجبر على البيع عند الامتناع؛ ومنها أنه يملك بيع الولد والأرش، ومنها إذا باع بخلاف جنس الدين كان له أن يضرفه إلى جنسه. (وللمرتهن أن يطالب الراهن بدينه) إذا حل الأجل؛ لأن الرهن وثيقة فلا يمنع المطالبة كالكفالة (ويحبسه به) إذا مطله لظلمه؛ لأن الحبس جزاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 وإن كان الراهن معسراً استسعى العبد في قيمته فقضى بها دينه، وكذلك إذا استهلك الراهن الرهن، وإن استهلكه أجنبيٌ فالمرتهن هو الخصم في تضمينه،   حق المرتهن من الوثيقة - ولا يمكن استدراك حقه إلا بالتضمين - لزمت قيمته فكانت رهنا مكانه، فإذا حل الدين اقتضاه بحقه إذا كان من جنس حقه ورد الفضل. (وإن كان الراهن معسرا استسعى) بالبناء للمفعول (العبد في) الأقل من (قيمته) ومن الدين (فقضى به دينه) ؛ لأنه لما تعذر الوصول إلى حقه من جهة المعتق يرجع إلى من ينتفع بعتقه - وهو العبد - لأن الخراج بالضمان (1) ، ثم يرجع بما يسعى على مولاه إذا أيسر؛ لأنه قضى دينه وهو مضطر فيه. هداية (وكذلك) الحكم (إذا استهلك الراهن الرهن) : أي كالحكم المار في إعتاق الراهن العبد المرهون، إلا في السعاية؛ لاستحالة سعاية المستهلك (وإن استهلكه أجنبي فالمرتهن هو الخصم في تضمينه) لأنه أحق بعين الرهن حال قيامه، فكذا في استرداد ما قام مقامه، والواجب على هذا المستهلك قيمته يوم هلك   (1) "الخراج بالضمان" هذه قاعدة من قواعد الفقه تجري في أبواب كثيرة، ومعناها أن الغرم بالغنم، والمراد أن من يكون له أن يغنم بمقتضى تصرف من التصرفات فعليه أن يغرم ما يقتضيه هذا التصرف من المغارم، وإنما لزمت العبد السعاية لأن الدين متعلق برقبته، وقد صارت رقبته بمقتضى هذا العتق سالمة له، فهذا هو الغنم الذي ترتب على تصرف الراهن بالعتق وقد تعذر استيفاء الدين من الرهن الذي هو العبد لأنه لا يصح بيعه، فكان عليه أن يغرمه، وإنما قلنا "يستسعى العبد في الأقل من قيمته ومن الدين"، لأنه لا يخلو من أن يكون الدين أقل من قيمته أو أكثر منها، فإن كان الدين أقل من القيمة فإن مولى العبد الذي أعتقه - وهو الراهن - ما كان يجب عليه أن يؤدي للمرتهن إلا الدين فكذا العبد، وإن كان الدين أكثر من قيمة العبد فإنا لا نلزمه بالزيادة؛ لأنه إنما سلمت له رقبته وهي لا تساوي إلا القيمة، فلكي يكون الغرم على قدر الغنم لا تكلفه الزيادة: هذا كله إذا أعتقه الراهن بغير إذن المرتهن، فإن أعتقه بإذنه فلا سعاية على العبد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59   الظلم، فإذا ظهر ظلمه حبسه القاضي به وإن كان به رهن (وإن كان الرهن في يده) : أي يد المرتهن (فليس عليه أن يمكنه من بيعه) : أي الرهن (حتى) أي لأجل أن (يقضيه الدين من ثمنه) لأن حكم الرهن الحبس الدائم إلى قضاء الدين لأجل الوثيقة، وهذا يؤدي إلى إبطاله (فإذا قضاه الدين قيل له) أي للمرتهن: (سلم الرهن إليه) أي إلى الراهن، لزوال المانع من التسليم - وهو الدين - فإن هلك في يده قبل أن يرده هلك بالدين؛ لأنه صار مستوفياً عند الهلاك بالقبض السابق، فيكون الثاني استيفاء ثانياً فيجب رده، جوهرة (وإذا باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن فالبيع موقوف) لتعلق حق الغير به (فإن أجازه المرتهن جاز البيع) وصار ثمنه رهنا مكانه، لأن البدل له حكم المبدل (وإن قضاه الرهن دينه جاز البيع) أيضا؛ لزوال المانع من النفوذ، وإلا بقي موقوفا، وكان المشتري بالخيار: إن شاء صبر إلى فك الرهن، أو رفع الأمر إلى القاضي ليفسخ البيع (وإن أعتق الراهن عبد الرهن نفذ عتقه) وخرج من الرهن؛ لأنه صار حرا (فإن كان الدين حالا) والراهن موسرا (طولب بأداء الدين) ؛ لأنه لو طولب بأداء القيمة تقع المقاصة بقدر الدين فلا تحصل فائدة (وإن كان مؤجلا أخذ منه قيمة العبد فجعلت رهنا مكانه حتى يحل الدين) وذلك لأنه لما بطل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 ويأخذ القيمة فتكون رهناً في يده، وجناية الراهن على الرهن مضمونةٌ، وجناية المرتهن عليه تسقط من دينه بقدرها، وجناية الرهن على الراهن وعلى المرتهن وعلى مالهما هدرٌ. وأجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن على المرتهن، وأجرة الراعي ونفقة الرهن على الراهن،   (ويأخذ) المرتهن (القيمة فتكون رهنا في يده) ؛ لأنها قائمة مقام العين. (وجناية الراهن على الرهن مضمونة) لأنها تفويت حق لازم محترم، وتعلق مثله بالمال يجعل المالك كالأجنبي في حق الضمان (وجناية المرتهن عليه) أي الرهن (تسقط من الدين بقدرها) : أي الجناية: لأنه أتلف ملك غيره فلزمه ضمانه، وإذا لزمه وقد حل الدين سقط بقدره، وهذا إذا كان الدين من جنس الضمان، وإلا لم يسقط منه شيء، والجناية على المرتهن، وللمرتهن أن يستوفي دينه (وجناية الرهن على الراهن وعلى المرتهن وعلى مالهما هدرٌ) : أما كون جنايته على الرهن هدراً فلأنها جناية المملوك على مالكه، وهي فيما يوجب المال هدر؛ لأنه المستحق، وأما كون جنايته على المرتهن هدراً فلأن هذه الجناية لو اعتبرناها للمرتهن كان عليه نظيرها لأنها حصلت في ضمانه، فلا يفيد وجوب الضمان مع وجوب التخلص عليه. درر. والمراد بالجناية على النفس ما يوجب المال، وأما ما يوجب القصاص فهو معتبر بالإجماع، نهاية. (وأجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن) وأجرة حافظه (على المرتهن) ؛ لأنه مؤنة الحفظ وهي عليه (وأجرة الراعي) لو الرهن حيواناً (ونفقة الرهن) لو إنساناً وعشره أو خراجه لو ضياعا (على الراهن) والأصل فيه: أن كل ما يحتاج إليه لمصلحة الرهن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 ونماؤه للراهن، فيكون رهناً مع الأصل، فإن هلك هلك بغير شيء وإن هلك الأصل وبقي النماء افتكه الراهن بحصته، ويقسم الدين على قيمة الرهن يوم القبض وقيمة النماء يوم الفكاك، فما أصاب الأصل سقط من الدين، وما أصاب النماء افتكه الراهن به. وتجوز الزيادة في الرهن، ولا تجوز   بنفسه وتبقيته فعلى الراهن، لأنه ملكه. وكل ما كان لحفظه فعلى المرتهن، لأن حبسه له (ونماؤه) : أي الرهن، كالولد والثمر واللبن والصوف (للراهن) ؛ لأنه نماء ملكه (فيكون رهنا مع الأصل) ؛ لأنه تبع له لكونه متولدا منه، بخلاف ما هو بدل عن المنفعة كالكسب والأجرة، وكذا الهبة والصدقة فإنها غير داخلة في الرهن، وتكون للراهن، والأصل: أن كل ما يتولد من عين الرهن يسري إليه حكم الرهن، وما لا فلا، مجمع الفتاوى (فإن هلك) النماء (هلك بغير شيء) لأن الأتباع لا قسط لها مما يقابل بالأصل، لأنها لم تدخل تحت العقد مقصوداً، إذ اللفظ لا يتناولها (وإن هلك الأصل وبقي النماء افتكه الراهن بحصته) من الدين لأنه صار مقصودا بالفكاك، والتبع يقابله حصة إذا كان مقصودا، وحينئذ (يقسم الدين على قيمة الرهن يوم القبض) ؛ لأنه يصير مضموناً بالقبض (وقيمة النماء يوم الفكاك) ، لأنها تصير مقصودة بالفكاك إذا بقي إلى وقته (فما أصاب الأصل سقط من الدين) بقدره؛ لأنه يقابله الأصل مقصوداً (وما أصاب النماء افتكه الراهن به) : أي بما أصابه، كما لو كان الدين عشرة، وقيمة الأصل يوم القبض عشرة، وقيمة النماء يوم الفك خمسة، فثلثا العشرة حصة الأصل فيسقط، وثلث العشرة حصة النماء فيفك به. (وتجوز الزيادة في الرهن) كأن يرهن ثوباً بعشرة ثم يزيد الراهن ثوباً آخر ليكون مع الأول رهناً بالعشرة، وتعتبر قيمتها يوم القبض أيضا (ولا تجوز) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 في الدين عند أبي حنيفة ومحمدٍ، ولا يصير الرهن رهناً بهما، وقال أبو يوسف: تجوز الزيادة في الدين أيضاً، وإذا رهن عيناً واحدةً عند رجلين بدينٍ لكل واحد منهما جاز وجميعها رهنٌ عند كل واحدٍ منهما؛ والمضمون على كل واحدٍ منهما حصة دينه منها، فإن قضى أحدهما دينه كانت كلها   الزيادة (في الدين عند أبي حنيفة ومحمد) كأن يقول: أقرضني خمسة أخرى على أن يكون الثوب الذي عندك رهناً بخمسة عشر؛ فلا يلتحق بأصل العقد (ولا يصير الرهن رهنا بهما) ؛ لأن الزيادة في الدين توجب الشيوع في الرهن، وهو غير مشروع عندنا، والزيادة في الرهن توجب الشيوع في الدين، وهو غير مانع من صحة الرهن؛ هداية (وقال أبو يوسف: تجوز الزيادة في الدين أيضا) قال في التصحيح: واعتمد قولهما النسفي وبرهان الأئمة المحبوبي كما هو الرسم. (وإذا رهن عينا واحدة عند رجلين) ولو غير شريكين (بدين لكل واحد منهما جاز، وجميعها رهن عند كل واحد منهما) ؛ لأن الرهن أضيف إلى جميع العين بصفقة واحدة، ولا شيوع فيه، وموجبه الحبس بالدين، وهو لا يتجزأ، فصار محبوساً بكل منهما، بخلاف الهبة من رجلين حيث لا تجوز عند أبي حنيفة لأن المقصود منها الملك، والعين الواحدة لا يتصور كونها ملكا لكل منهما كملاً فلابد من الانقسام، وهو ينافي المقصود، درر، ثم إن تهايآ (1) فكل واحد منهما في نوبته كالعدل في حق الآخر، وهذا إذا كان مما لا يتجزأ، وإلا فعلى كل حبس النصف، فلو دفع له كله ضمنه عنده، خلافا لهما، وأصله مسألة الوديعة. در عن الزيلعي (والمضمون على كل واحد منهما) أي المرتهنين (حصة دينه منها) : أي العين؛ لأنه عند الهلاك يصير كل منهما مستوفياً حصته، لأن الاستيفاء يتجزأ (فإن قضى) الراهن (أحدهما) أي المرتهنين (دينه كانت) العين (كلها   (1) أي اتفقا على أن يأخذ كل واحد منهما العين عنده مدة معلومة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 رهناً في يد اخر حتى يستوفي دينه؛ ومن باع عبداً على أن يرهنه المشتري بالثمن شيئاً بعينه، فإن امتنع المشتري من تسليم الرهن لم يجبر عليه، وكان البائع بالخيار: إن شاء رضي بترك الرهن، وإن شاء فسخ البيع، إلا أن يدفع المشتري الثمن حالاً أو يدفع قيمة الرهن رهناً مكانه، وللمرتهن أن يحفظ الرهن بنفسه وزوجته وولده وخادمه الذي في عياله،   رهناً في يد الآخر حتى يستوفي دينه) ، لما مر أن العين كلها رهن في يد كل منهما بلا تفرق. (ومن باع عبداً على أن يرهنه المشتري بالثمن شيئاً بعينه) أو يعطي كفيلا كذلك حاضرا في المجلس جاز؛ لأنه شرط ملائم للعقد، لأن الكفالة والرهن للاستيثاق وهو يلائم الوجوب، لكن لا يلزم الوفاء به؛ لعدم لزومه (فإن امتنع المشتري من تسليم الرهن) المشروط (لم يجبر عليه) : أي على تسليمه؛ لعدم تمام الرهن؛ لما مر من أن تمامه بالقبض (وكان البائع بالخيار: إن شاء رضي بترك الرهن، وإن شاء فسخ البيع) لفوات الوصف المرغوب فيه (إلا أن يدفع المشتري الثمن حالا) لحصول المقصود (أو يدفع قيمة الرهن رهناً مكانه) ، لأن يد الاستيفاء ثبتت على المعين وهو القيمة. قيد بالمعين لأنه إذا لم يكن المشروط رهنه وكفالته معيناً يفسد البيع، وقيدنا بحضور الكفيل بالمجلس لأنه إذا كان غائبا حتى افترقا فسد البيع. وتمامه في البحر. (وللمرتهن أن يحفظ الرهن بنفسه وزوجته وولده) الكبير الذي في عياله (وخادمه الذي في عياله) لأنه "إنما يحفظ عادة بهؤلاء، وهذا لأن عينه أمانة في يده، فصار كالوديعة. هداية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 وإن حفظه بغير من في عياله أو أودعه ضمن، وإذا تعدى المرتهن في الرهن ضمنه ضمان الغصب بجميع قيمته، وإذا أعار المرتهن الرهن للراهن فقبضه خرج من ضمان المرتهن، فإن هلك في يد الراهن هلك بغير شيء، وللمرتهن أن يسترجعه إلى يده، فإذا أخذه عاد الضمان، وإذا مات الراهن باع وصيه الرهن وقضى الدين، فإن لم يكن له وصيٌ نصب القاضي له وصياً وأمره ببيعه،   (وإن حفظه بغير من في عياله) ولو ابنه أو أجيره (1) ، (أو أودعه) أو أعاره أو آجره (ضمن) ؛ لأن يده غير أيديهم، فكان في الدفع إليهم متعدياً. (وإذا تعدى المرتهن في الرهن ضمنه ضمان الغصب بجميع قيمته) لأنه بالتعدي صار غاصباً (وإذا أعار المرتهن الرهن للراهن فقبضه) الراهن (خرج) الرهن (من ضمان المرتهن) ؛ لأنه باستعارته وقبضه انتقض القبض الموجب للضمان (فإن هلك) الرهن (في يد الراهن هلك بغير شيء) لتلفه في يد مالكه (وللمرتهن أن يسترجعه إلى يده) ؛ لأن المرتهن بمنزلة المالك في حق الحبس، ولو مات الراهن والرهن في يده عارية فالمرتهن أحق به من سائر الغرماء (فإذا أخذه) المرتهن (عاد الضمان) لعود سببه وهو القبض (2) . (وإذا مات الراهن باع وصيه الرهن) لقيامه مقامه (وقضى) به (الدين، فإن لم يكن له وصي نصب القاضي له وصيا وأمره ببيعه) ؛ لأن القاضي نصب ناظراً لحقوق المسلمين إذا عجزوا عن النظر لأنفسهم، والنظر في نصب الوصي ليؤدي ما عليه ويستوفي ماله. هداية.   (1) الأجير الخاص - وهو الذي استأجره مشاهرة أو مسانهة - كولده الذي في عياله. (2) مما يجب أن تعلمه أنه لا يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن استخداما إن كان مما يستخدم كالرقيق، أو لبسا إن كان مما يلبس كالثياب، أو إجارة إن كان مما يستأجر كالعقار والضياع، وذلك لأن مقتضى الرهن الحبس للاستيفاء، فلا يتضمن الانتفاع إلا بتسليط صاحبه وإذنه، فإن انتفع فتلف كان متعديا ووجب عليه الضمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 كتاب الحجر. - الأسباب الموجبة للحجر ثلاثةٌ: الصغر، والرق، والجنون، ولا يجوز تصرف الصغير إلا بإذن وليه، ولا تصرف العبد إلا بإذن سيده، ولا يجوز تصرف المجنون المغلوب على عقله بحال،   كتاب الحجر هو لغةً: المنع، وشرعا: منع من نفاذ تصرف قولي (1) و (الأسباب الموجبة للحجر ثلاثة: الصغر) لأنه إن كان غير مميز كان عديم العقل، وإن كان مميزاً فعقله ناقص (والرق) لأنه وإن كان فيه أهلية لكنه يحجر عليه رعاية لحق المولى، كيلا تبطل منافع عبده بإيجاره نفسه (والجنون) ، لأنه إن كان عديم الإفاقة كان عديم العقل كالصبي الغير المميز، وإن وجدت في بعض الأوقات كان ناقص العقل. (ولا يجوز تصرف الصغير) الغير المميز مطلقا، ولا المميز (إلا بإذن وليه) فإن أذن له وليه جاز تصرفه، لأن إذن الولي آية أهليته، ولولا أهليته لم يأذن له (ولا) يجوز (تصرف العبد إلا بإذن سيده) لأن منعه لحق المولى، فإذا أذن له فقد رضي بإسقاط حقه، فيتصرف بأهليته إن كان بالغا عاقلا، وإن كان صغيراً كان بمنزلة الحر الصغير (ولا يجوز تصرف المجنون المغلوب على عقله بحال) : أي في جميع الأحوال، سواء كان بإذن الولي أو لا، وأراد بالمغلوب الذي لا يفيق؛   (1) الحجر - بفتح الحاء وسكون الجيم - المنع، وفعله من باب دخل، وهذه المادة على اختلاف ضبطها تدل لغة على المنع، فالعقل سمى حجرا - بكسر الحاء وسكون الجيم - لأنه يمنع صاحبه من ارتكاب المفاسد، والحطيم سمى حجرا لأنه منع من أن يدخل في الحرم، وهكذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 ومن باع من هؤلاء شيئاً أو اشتراه وهو يعقل البيع ويقصده فالولي بالخيار: إن شاء أجازه إذا كان فيه مصلحةٌ، وإن شاء فسخه. وهذه المعاني الثلاثة توجب الحجر في الأقوال دون الأفعال؛ فالصبي والمجنون لا تصح عقودهما، ولا إقرارهما، ولا يقع طلاقهما ولا عتاقهما، وإن أتلفا شيئاً لزمهما ضمانه. وأما العبد فأقواله نافذةٌ في حق نفسه غير نافذةٍ في حق مولاه.   وأما الذي يجن ويفيق فحكمه كمميز، نهاية (ومن باع من هؤلاء شيئاً) الإشارة إلى الصبي والعبد بطريق إطلاق الجمع على ما فوق الواحد، أو إلى الثلاث ويراد المجنون الذي يجن ويفيق؛ بدليل قوله "وهو يعقل البيع" فإنه كالمميز كما مر (أو اشتراه وهو يعقل البيع) بأن يعلم أن البيع سالب والشراء جالب (ويقصده) بأن يكون غير هازل (فالولي بالخيار: إن شاء أجازه إذا كان فيه مصلحة، وإن شاء فسخه) ؛ لأن عقدهم ينعقد موقوفاً لاحتمال الضرر، فإذا أجازه من له الإجازة فقد تعينت جهة المصلحة فنفذ. (وهذه المعاني الثلاثة) المذكورة إنما (توجب الحجر في الأقوال دون الأفعال) ؛ لأنها لا مرد لها لوجودها حسا ومشاهدة، بخلاف الأقوال لأن اعتبارها موجودة بالشرع، والقصد من شرطه، إلا إذا كان فعلا يتعلق به حكم يندرئ بالشبهات كالحدود والقصاص، فيجعل عدم القصد في ذلك شبهة في حق الصبي والمجنون، هداية. (فالصبي والمجنون لا تصح عقودهما، ولا إقرارهما ولا يقع طلاقهما ولا عتاقهما) لعدم اعتبار أقوالهما (وإن أتلفا شيئاً لزمهما ضمانه) لوجود الإتلاف حقيقة، وعدم افتقاره إلى القصد، كما في النائم إذا انقلب على مال فأتلفه لزمه الضمان. (وأما العبد فأقواله نافذة في حق نفسه) لقيام أهليته (غير نافذة في حق مولاه) رعاية لجانبه، لأن نفاذه لا يعرى عن تعلق الدين برقبته أو كسبه، وفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 فإن أقر بمالٍ لزمه بعد الحرية، ولم يلزمه في الحال، وإن أقر بحدٍ أو قصاصٍ لزمه في الحال، وينفذ طلاقه. وقال أبو حنيفة: لا يحجر على السفيه إذا كان بالغاً عاقلاً حراً، وتصرفه في ماله جائزٌ، وإن كان مبذراً مفسداً يتلف ماله فيما لا غرض له فيه ولا مصلحة، إلا أنه قال: إذا بلغ الغلام غير رشيد لم يسلم إليه ماله حتى يبلغ خمساً وعشرين سنةً.   ذلك إتلاف لمال المولى (فأن أقر بمال لزمه بعد الحرية) لوجود الأهلية وانتفاء المانع (ولم يلزمه في الحال) ، لوجود المانع (وإذا أقر) العبد (بحد أو قصاص لزمه في الحال) ، لأنه مبقى على أصل الحرية في حق الدم، حتى لا يصح إقرار المولى عليه بذلك (وينفذ طلاقه) ، لأنه أهل له، وليس فيه إبطال ملك المولى ولا تفويت منافعه، فينفذ. (وقال أبو حنيفة: لا يحجر على السفيه) : أي الخفيف العقل المتلف لماله فيما لا غرض له فيه ولا مصلحة (إذا كان) خاليا عما يوجب الحجر، بأن كان (بالغاً عاقلا حرا، وتصرفه في ماله جائز) ، لوجود الأهلية (وإن كان مبذراً مفسداً يتلف ماله فيما لا غرض له فيه ولا مصلحة) ، لأن في سلب ولايته إهدار آدميته وإلحاقه بالبهائم، وهو أشد ضرراً من التبذير، فلا يتحمل الأعلى لدفع الأدنى، حتى لو كان في الحجر دفع ضرر عام كالحجر على الطبيب الجاهل والمفتي الماجن والمكاري المفلس جاز، إذ هو دفع الأعلى بالأدنى. هداية (إلا أنه قال) الإمام: (إذا بلغ الغلام غير رشيد) لإصلاح ماله (لم يسلم إليه ماله) أوائل بلوغه، بل (حتى يبلغ خمساً وعشرين سنة) ، لأن المنع باعتبار أثر الصبا وهو في أوائل البلوغ، وينقطع بتطاول الزمان، وهذا بالإجماع كما في الكفاية، وإنما الخلاف في تسليمه له بعد خمس وعشرين كما يأتي، فلو بلغ مفسداً وحجر عليه أولا فسلمه إليه فضاع ضمنه الوصي، ولو دفعه إليه وهو صبي مصلح وأذن له في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 فإن تصرف فيه قبل ذلك نفذ تصرفه، فإذا بلغ خمساً وعشرين سنةً سلم إليه ماله وإن لم يؤنس منه الرشد. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يحجر على السفيه ويمنع من التصرف في ماله، فإن باع لم ينفذ بيعه، فإن كان فيه مصلحةٌ أجازه الحاكم، وإن أعتق   التجارة فضاع في يده لم ضمن كما في المنح عن الخانية، وفي الولوالجية: كما يضمن بالدفع إليه وهو مفسد فكذا قبل ظهور رشده بعد الإدراك. اهـ. وفي فتاوى ابن شلبي وخير الدين الرملي: لا يثبت الرشد إلا بحجة شرعية. اهـ (وإن تصرف فيه) : أي في ماله (قبل ذلك) المقدار المذكور من المدة (نفذ تصرفه) لوجود الأهلية (وإذا بلغ خمساً وعشرين سنة سلم إليه ماله، وإن لم يؤنس منه الرشد) ، لأن المنع عنه بطريق التأديب، ولا يتأدب بعد هذا غالبا، ألا يرى أنه قد يصير جداً في هذا السن؟ فلا فائدة في المنع، فلزم الدفع، قال في التصحيح: واعتمد قوله المحبوبي وصدر الشريعة وغيرهم. (وقالا: يحجر على السفيه، ويمنع من التصرف في ماله) نظراً إليه اعتباراً بالصبا، بل أولى، لأن الثابت في حق الصبي احتمال التبذير وفي حقه حقيقته، ولهذا منع عنه المال، ثم هو لا يفيد بدون الحجر، لأنه يتلف بلسانه ما منع من يده، هداية. قال القاضي في كتاب الحيطان: والفتوى على قولهما: قلت: هذا صريح، وهو أقوى من الالتزام. اهـ، تصحيح. قال شيخنا: ومراده أن ما وقع في المتون من القول بعدم الحجر تصحيح بالالتزام، وما وقع في قاضيخان من التصريح بأن الفتوى على قولهما تصريح بالتصحيح، فيكون هو المعتمد. اهـ. وفي حاشية الشيخ صالح ما نصه: وقد صرح في كثير من المعتبرات بأن الفتوى على قولهما، اهـ. وفي القهستاني عن التوضيح: أنه المختار، قال في المنح: وأفتى به البلخي وأبو القاسم، وجعل عليه الفتوى مولانا في بحره. اهـ (فإن باع) بعد الحجر (لم ينفذ بيعه) لوجود الحجر (وإن كان فيه) : أي بيعه (مصلحة أجازه الحاكم) نظراً له (وإن أعتق) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 عبداً نفذ عتقه وكان على العبد أن يسعى في قيمته، وإن تزوج امرأةً جاز نكاحه، فإن سمى لها مهراً جاز منه مقدار مهر مثلها وبطل الفضل. وقالا فيمن بلغ غير رشيدٍ: لا يدفع إليه ماله أبداً حتى يؤنس منه الرشد، ولا يجوز تصرفه فيه، وتخرج الزكاة من مال السفيه، وينفق منه على أولاده وزوجته ومن تجب نفقته عليه من ذوي أرحامه، فإن أراد حجة الإسلام لم يمنع منها   المحجور عليه (عبداً) له (نفذ عتقه) ، لأن الأصل عندهما: أن كل تصرف يؤثر فيه الهزل يؤثر فيه الحجر، وما لا فلا، والعتق مما لا يؤثر فيه الهزل، فيصح (وكان على العبد أن يسعى في قيمته) لأن الحجر لأجل النظر، وذلك في رد العتق، إلا أنه متعذر، فيجب رده برد قيمته (وإن تزوج امرأة جاز نكاحه) ، لأنه لا يؤثر فيه الهزل، ولأنه من حوائجه الأصلية (فإن سمى لها مهراً جاز منه مقدار مهر مثلها) ؛ لأنه من ضرورات النكاح (ويبطل الفضل) لأنه لا ضرورة فيه، ولو طلقها قبل الدخول وجب لها النصف، لأن التسمية صحيحة إلى مقدار مهر المثل، وكذا إذا تزوج بأربع نسوة، هداية (وقالا) أيضاً (فيمن بلغ غير رشيد: لا يدفع إليه ماله أبداً) وإن بلغ خمسا وعشرين (حتى يؤنس منه الرشد) لأن علة المنع السفه فيبقى ما بقيت العلة كالصبا (ولا يجوز تصرفه فيه) : أي في ماله، توفيراً لفائدة الحجر عليه، إلا أن يكون فيه مصلحة فيجيزه الحاكم (وتخرج الزكاة من مال السفيه) ، لأنها واجبة بإيجاب الله تعالى كالصوم، إلا أن القاضي يدفع قدر الزكاة إليه ليصرفها إلى مصرفها، لأنه لابد من نيته لكونها عبدة، لكن يبعث معه أميناً كيلا يصرفه في غير وجهه. هداية. (وينفق منه على أولاده وزوجته و) كل (من تجب عليه نفقته من ذوي أرحامه) ، لأن إحياء ولده وزوجته من حوائجه، والإنفاق على ذوي الرحم واجب عليه حقا لقرابته، والسفه لا يبطل حقوق الخلق (فإن أراد) أن يحج (حجة الإسلام لم يمنع منها) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 ولكن لا يسلم القاضي النفقة إليه، ويسلمها إلى ثقةٍ من الحاج ينفقها عليه في طريق الحج، فإن مرض وأوصى بوصايا في القرب وأبواب الخير جاز ذلك في ثلث ماله. وبلوغ الغلام بالاحتلام والإحبال والإنزال إذا وطئ، فإن لم يوجد ذلك فحتى يتم له ثماني عشرة سنةً عند أبي حنيفة، وبلوغ الجارية بالحيض والاحتلام والحبل، فإن لم يوجد ذلك فحتى يتم لها سبعة عشرة سنةً، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: إذا تم للغلام والجارية خمس عشرة سنةً فقد بلغا،   لأنه واجب عليه بإيجاب الله تعالى من غير صنعه (ولكن لا يسلم القاضي النفقة إليه، و) إنما (يسلمها إلى ثقة من الحاج ينفقها عليه في طريق الحج) كيلا يتلفها في غير هذا الوجه (فإن مرض وأوصى بوصايا في القرب وأبواب الخير جاز ذلك في ثلث ماله) ؛ لأن الوصية مأمور بها فلا يمنع منها، ولأن الحجر كان نظراً له حال حياته، والنظر في اعتبار وصيته حال وفاته. (وبلوغ الغلام بالاحتلام) في النوم مع رؤية الماء (والإحبال، والإنزال) في اليقظة (إذا وطئ) والأصل هو الإنزال، والإحبال دليله (فإن لم يوجد ذلك) المذكور (فحتى يتم له ثمان عشرة سنة) ويطعن في التاسعة عشرة (عند أبي حنيفة. وبلوغ الجارية بالحيض، والاحتلام، والحبل) والإنزال، ولم يذكره صريحا لأنه قل ما يعلم منها. والأصل هو الإنزال والحيض والحبل دليله (فإن لم يوجد ذلك) المذكور (فحتى يتم لها سبع عشرة سنة) وتطعن في الثامنة عشرة، عند أبي حنيفة أيضا (وقال أبو يوسف ومحمد: إذا تم للغلام والجارية خمس عشر سنة فقد بلغا) لأن العادة الفاشية أن البلوغ لا يتأخر عن هذه المدة، قال الإمام برهان الأئمة البرهاني والإمام النسفي وصدر الشريعة: وبه يفتي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 وإذا راهق الغلام والجارية وأشكل أمرهما في البلوغ وقالا "قد بلغنا" فالقول قولهما، وأحكامهما أحكام البالغين. وقال أبو حنيفة: لا أحجر في الدين. وإذا وجبت الديون على رجل وطلب غرماؤه حبسه والحجر عليه لم أحجر عليه، وإن كان له مالٌ لم يتصرف فيه الحاكم، ولكن يحبسه أبداً حتى يبيعه في دينه، فإن كان له دراهم ودينه دراهم قضاها القاضي بغير أمره،   وقال الإمام أبو العباس أحمد بن علي البعلبكي في شرحه: وقولهما رواية عن أبي حنيفة، وعليه الفتوى، تصحيح (وإذا راهق الغلام والجارية) أي قاربا البلوغ (وأشكل أمرهما في البلوغ) وعدمه (فقالا: قد بلغنا، فالقول قولهما) لأنه معنى لا يعرف إلا من جهتهما؛ فإذا أخبرا به ولم يكذبهما الظاهر قبل قولهما فيه كما يقبل قول المرأة في الحيض، هداية. (وأحكامهما) بعد إقرارهما بالبلوغ (أحكام البالغين) قال أبو الفضل الموصلي: وأدنى مدة يصدق فيها الغلام على البلوغ اثنتا عشرة سنة، والجارية تسع سنين، وقيل غير ذلك، وهذا هو المختار. تصحيح. (وقال أبو حنيفة: لا أحجر) على المفلس (في الدين) : أي بسبب الدين (وإذا وجبت الديون على رجل وطلب غرماؤه حبسه) : أي حبس المديون (والحجر عليه) عن البيع والشراء (لم أحجر عليه) ؛ لأن في الحجر عليه إهدار أهليته؛ فلا يجوز لدفع ضرر خاص، أعني ضرر الدائن، واعترض بالحجر على العبد لأجل المولى، وأجيب بأن العبد أهدرت آدميته بسبب الكفر (وإن كان له مال لم يتصرف فيه الحاكم) لأنه نوع حجر، ولأنه تجارة لا عن تراضٍ فيكون باطلا بالنص (ولكن يحبسه) الحاكم (أبداً حتى يبيعه) بنفسه (في دينه) : أي لأجل قضاء دينه؛ لأن قضاء الدين واجب عليه، والمماطلة ظلم؛ فحبسه الحاكم دفعاً لظلمه، وإيصالا للحق إلى مستحقه (فإن كان له دراهم ودينه دراهم قضاها القاضي بغير أمره) ؛ لأن من له دين إذا وجد جنس حقه له أخذه من غير رضاه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 وإن كان دينه دراهم وله دنانير باعها القاضي في دينه، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: إذا طلب غرماء المفلس الحجر عليه حجر القاضي عليه ومنعه من البيع والتصرف والإقرار حتى لا يضر بالغرماء، وباع ماله إن امتنع من بيعه، وقسمه بين غرمائه بالحصص، فإن أقر في حال الحجر بإقرارٍ لزمه ذلك بعد قضاء الديون، وينفق على المفلس من ماله، وعلى زوجته وأولاده الصغار وذوي أرحامه، وإن لم يعرف للمفلس مالٌ وطلب غرماؤه حبسه وهو يقول لا مال لي حبسه الحاكم في كل دينٍ التزمه بدلاً عن مال حصل   فدفع القاضي أولى (وإن كان دينه دراهم وله دنانير) أو بالعكس (باعها القاضي في) : أي لأجل قضاء (دينه) وقضاها بغير أمره؛ لأن الدراهم والدنانير متحدان جنساً في الثمينة والمالية حتى يضم أحدهما للآخر في الزكاة (وقالا) أي أبو يوسف ومحمد: (إذا طلب غرماء المفلس الحجر عليه حجر عليه القاضي ومنعه من البيع) أي بأقل من ثمن المثل (والتصرف) بماله (والإقرار حتى لا يضر بالغرماء، وباع) القاضي (ماله إن امتنع) المفلس (من بيعه) بنفسه (وقسمه بين غرمائه بالحصص) على قدر ديونهم، ويباع في الدين: النقود، ثم العروض، ثم العقار، ويبدأ بالأيسر فالأيسر؛ لما فيه من المسارعة إلى قضاء الدين، ويترك عليه دستٌ من ثياب بدنه، ويباع الباقي؛ لأن به كفاية، وقيل: دستان؛ لأنه إذا غسل ثيابه لابد له من ملبس. هداية (فإن أقر في حاله الحجر بإقرار) لأحدٍ (لزمه ذلك) الإقرار (بعد قضاء الديون) ؛ لأنه تعلق بهذا المال حق الأولين؛ فلا يتمكن من إبطاله بالإقرار لغيرهم، وإن استفاد مالا بعد الحجر نفذ إقراره فيه؛ لأن حقهم لم يتعلق به. جوهرة (وينفق على المفلس من ماله، وعلى زوجته وأولاده الصغار وذوي أرحامه) ؛ لأن حاجته الأصلية مقدمة على حق الغرماء، (وإذا لم يعرف للمفلس مال وطلب غرماؤه حبسه وهو) : أي المفلس (يقول لا مال لي حبسه الحاكم) ولم يصدق في قوله ذلك (في كل دين التزمه بدلا عن مال حصل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 في يده كثمن مبيعٍ وبدل القرض، وفي كل دينٍ التزمه بعقدٍ كالمهر والكفالة، ولم يحبسه فيما سوى ذلك كعوض المصوب وأرش الجنايات إلا أن تقوم البينة أن له مالاً، وإذا حبسه القاضي شهرين أو ثلاثة سأل القاضي عن حاله: فإن لم ينكشف له مالٌ خلى سبيله، وكذلك إذا أقام البينة أنه لا مال له، ولا يحول بينه وبين غرمائه بعد خروجه من الحبس، ويلازمونه ولا يمنعونه من التصرف والسفر   في يده) وذلك (كثمن مبيع وبدل القرض) لأن حصول ذلك في يده يدل على غناه؛ فكان ظالما بالمطل (و) كذلك (في كل دين التزمه بعقد كالمهر والكفالة) لأن التزام ذلك دليلٌ على ثروته وقدرته على أدائه (ولم يحبسه) ويصدق في دعوى الفقر (فيما سوى ذلك) وذلك (كعوض المغصوب وأرش الجنايات) ؛ لأن الأصل هو الإعسار، فما لم يثبت خلافه لم يثبت ظلمه، وما لم يثبت ظلمه لا يجوز حبسه، ولذا قال: (إلا أن تقوم البينة أن له مالا) فحينئذ يحبسه؛ لإثبات البينة خلاف ما ادعاه (وإذا حبسه القاضي شهرين أو ثلاثة) أو أقل أو أكثر بحسب ما يراه الحاكم، قال في التصحيح والهداية والمحيط والجواهر والاختيار وغيرها: الصحيح أن التقدير مفوض إلى رأى القاضي؛ لاختلاف أحوال الناس فيه (سأل القاضي عن حاله) من جيرانه العارفين به (فإن لم ينكشف) : أي لم يظهر (له) أي للمحبوس (مال) وغلب على ظن القاضي أنه لو كان مال لظهر (خلى سبيله) لوجوب النظرة إلى ميسرة (وكذلك إذا أقام) المفلس (البينة) بعد حبسه (أنه لا مال له) قبلت بينته رواية واحدة وخلى سبيله، وإن أقامها قبل الحبس ففيها روايتان، وعامة المشايخ على عدم القبول. جوهرة (ولا يحول) القاضي إذا خلى سبيل المديون (بينه وبين غرمائه بعد خروجه من الحبس، ويلازمونه) كيلا يختفي (و) لكن (لا يمنعونه من التصرف) في البيع والشراء (والسفر) ولا يدخلون معه إذا دخل داره لحاجته، بل يجلسون على بابه حتى يخرج، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 ويأخذون منه فضل كسبه فيقسم بينهم بالحصص، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: إذا فلسه الحاكم حال بينه وبين غرمائه إلا أن يقيموا البينة أنه قد حصل له مالٌ. ولا يحجر على الفاسق إذا كان مصلحاً لماله، والفسق الأصلي والطارئ سواءٌ، ومن أفلس وعنده متاعٌ لرجلٍ بعينه ابتاعه منه فصاحب المتاع أسوة الغرماء فيه.   ولو اختار المطلوب الحبس والطالب الملازمة فالخيار للطالب. هداية (ويأخذون فضل كسبه، ويقسم بينهم بالحصص) ؛ لاستواء حقوقهم في القوة (وقالا) أي أبو يوسف ومحمد: (إذا فلسه الحاكم حال بينه) : أي بين المديون (وبين غرمائه) لأن القضاء بالإفلاس عندهما يصح؛ فتثبت العسرة، ويستحق النظرة، وعنده لا يتحقق القضاء بالإفلاس؛ لأن المال غادٍ ورائح، ولأن وقوف الشهود على المال لا يتحقق إلا ظاهراً فيصلح للدفع، لا لإبطال الحق في الملازمة (إلا أن يقيموا) أي الغرماء (البينة أنه قد حصل له مال) لأن بينة اليسار تترجح على بينة الإعسار؛ لأنها أكثر إثباتاً؛ إذ الأصل العسرة. (ولا يحجر على الفاسق إذا كان مصلحا لماله) لأن الحجر شرع لدفع الإسراف والتبذير؛ والمفروض أنه مصلح لماله (والفسق الأصلي) بأن بلغ فاسقاً (والطارئ) بعد البلوغ (سواء) في عدم جواز الحجر. (ومن أفلس) أو مات (وعنده متاع لرجل بعينه) كان (ابتاعه منه وتسلمه) منه (فصاحب المتاع أسوة) لبقية (الغرماء فيه) لأن حقه في ذمته كسائر الغرماء، وإن كان قبل قبضه كان صاحبه أحق به وحبسه بثمنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 كتاب الإقرار. - إذا أقر الحر البالغ العاقل بحقٍ لزمه إقراره، مجهولاً كان ما أقر به أو معلوماً، ويقال له: بين المجهول، فإن قال "لفلانٍ علي شيءٌ" لزمه أن يبين ماله قيمةٌ، والقول فيه قوله مع يمينه إن ادعى المقر له أكثر من ذلك   كتاب الإقرار هو لغة: الاعتراف، وشرعا: الإخبار بحق عليه، وهو حجة قاصرة على المقر. (إذا أقر الحر) قيد به ليصح إقراره مطلقاً؛ فإن العبد المحجور عليه يتأخر إقراره بالمال إلى ما بعد العتق، وكذا المأذون فيما ليس من باب التجارة (البالغ العاقل) ؛ لأن إقرار الصبي والمجنون غير لازم؛ لانعدام أهلية الالتزام، إلا إذا كان الصبي مأذوناً؛ لأنه ملحق بالبالغ بحكم الإذن (بحق لزمه إقراره) ؛ لثبوت ولايته (مجهولا كان ما أقر به أو معلوما) ؛ لأن جهالة المقر به لا تمنع صحة الإقرار لأن الحق قد يلزمه مجهولا: بأن أتلف مالا لا يدري قيمته، أو بجرح جراحة لا يعلم أرشها، أو تبقى عليه بقية حساب لا يحيط به علمه. والإقرار إخبار عن ثبوت الحق فيصح به، بخلاف الجهالة في المقر له؛ لأن المجهول لا يصلح مستحقاً (ويقال له) : أي للمقر (بين) ذلك (المجهول) ليتمكن من استيفائه، فإن لم يبين أجبره القاضي على البيان؛ لأنه لزمه الخروج عما لزمه بصحيح إقراره، وذلك بالبيان. (فإن قال لفلان علي شيء) أو حق (لزمه أن يبين ما له قيمه) ؛ لأنه أخبر عن الوجوب في ذمته، وما لا قيمة له لا يجب في الذمة، فإن بين غير ذلك يكون رجوعا، وليس له ذلك (والقول فيه) : أي في البيان (قوله مه يمينه إن ادعى المقر له أكثر من ذلك) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 وإن قال "له علي مالٌ" فالمرجع في بيانه إليه، ويقبل قوله في القليل والكثير، فإن قال "له علي مالٌ عظيمٌ" لم يصدق في أقل من مائتي درهمٍ، وإن قال "دراهم كثيرةٌ" لم يصدق في أقل من عشرة دراهم، وإن قال "دراهم" فهي ثلاثةٌ إلى أن يبين أكثر منها، وإن قال "له علي كذا كذا درهماً" لم يصدق في أقل من أحد عشر درهماً، وإن قال "كذا وكذا درهماً" لم يصدق في أقل من أحدٍ وعشرين درهماً،   الذي بينه؛ لإنكاره الزائد (وإذا قال له علي مال فالمرجع في بيانه إليه) ؛ لأنه هو المجمل (ويقبل قوله) في البيان (في القليل والكثير) ؛ لأن اسم المال ينطلق عليهما، فإنه اسم لما يتمول، إلا أنه لا يصدق في أقل من درهم؛ لأنه لا يعد مالا عرفا (فإن قال) في إقراره (له علي مال عظيم لم يصدق في أقل من مائتي درهم) لأنه أقر بمال موصوف؛ فلا يجوز إلغاء الوصف، والنصاب عظيم حتى اعتبر صاحبه غنيا. هداية (وإن قال) له علي (دراهم كثيرة لم يصدق في أقل من عشرة دراهم) ؛ لأنها أقصى ما ينتهي إليه اسم الجمع، يقال: عشرة دراهم، ثم يقال: أحد عشر درهما، فيكون هو الأكثر من حيث اللفظ فيصرف إليه، وهذا عند أبي حنيفة، وعندهما لم يصدق في أقل من مائتين، وقال في التصحيح: واعتمد قول الإمام النسفي والمحبوبي وصدر الشريعة (وإن قال) له علي (دراهم فهي ثلاثة) اعتبارا لأدنى الجمع (إلا أن يبين أكثر منها) لأن اللفظ يحتمله (وإن قال) له علي (كذا كذا درهما لم يصدق في أقل من أحد عشر درهما) لذكره عددين مجهولين ليس بينهما حرف العطف، وأقل ذلك من المفسر أحد عشر (وإن قال كذا وكذا درهما) لم يصدق في أقل من أحد وعشرين درهما) ؛ لذكره عددين مجهولين بينهما حرف العطف، وأقل ذلك من المفسر أحد وعشرون؛ فيحمل كل وجهٍ على نظيره. ولو قال كذا درهما فهو درهم، لأنه تفسير للمبهم. ولو ثلث "كذا" بغير الواو فأحد عشر؛ لأنه لا نظير له، وإن ثلث بالواو فمائة وأحد وعشرون، وإن ربع يزاد عليهما ألف، لأن ذلك نظيره. هداية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 وإن قال "له علي أو قبلي" فقد أقر بدين، وإن قال "عندي" أو "معي" فهو إقرارٌ بأمانةٍ في يده، وإن قال له رجلٌ لي عليك ألفٌ فقال أنزنها أو انتقدها أو أجلني بها أو قد قضيتكها فهو إقرارٌ، ومن أقر بدينٍ مؤجلٍ فصدقه المقر له في الدين وكذبه في التأجيل لزمه الدين حالاً، ويستحلف المقر له في الأجل، ومن أقر واستثنى متصلاً بإقراره صح الاستثناء، ولزمه الباقي، سواءٌ استثنى الأقل أو الأكثر،   (وإن قال) المقر: (له علي أو قبلي فقد أقر بدين) ؛ لأن "علي" صيغة إيجاب و "قبلي" ينبئ عن الضمان ويصدق إن وصل به "هو وديعة"، لأنه يحتمله مجازاً، وإن فصل لا يصدق، لتقرره بالسكوت. (وإن قال) : له عندي، أو معي) أو قال "في بيتي" أو "في كيسي" أو "في صندوق" (فهو إقرار بأمانة في يده) ؛ لأن كل ذلك إقرار بكون الشيء في يده، وذلك يتنوع إلى مضمون وأمانة، فيثبت أقلهما، وهو الأمانة (وإذا قال له رجل: لي عليك ألف) درهم، مثلا (فقال) المخاطب: (اتزنها أو انتقدها، أو أجلني بها، أو قد قضيتكها؛ فهو إقرار) له بها؛ لرجوع الضمير إليها، فكأنه قال: اتزن الألف التي لك علي، وكذا انتقدها، وأجلني بها، وقضيتكها؛ لأن التأجيل إنما يكون في حق واحب، والقضاء يتلو الوجوب ولو لم يذكر الضمير لا يكون إقراراً؛ لعدم انصرافه إلى المذكور، فكان كلاما مبتدأ، كما في الهداية. (ومن أقر بدين مؤجل فصدقه المقر له في الدين وكذبه في) دعوى (التأجيل لزمه الدين) الذي أقر به (حالا) ولم يصدق في دعوى التأجيل (و) لكن (يستحلف المقر له في الأجل) لأنه منكر حقا عليه، واليمين على المنكر. (ومن أقر) بشيء (واستثى) منه بعضه (متصلا بإقراره صح الاستثناء ولزمه الباقي) ؛ لأن الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا، ولكن لابد من الاتصال لكونه مغايراً (وسواء استثنى الأقل أو الأكثر) قال في الينابيع: والمذكور هو قول الإمام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 فإن استثنى الجميع لزمه الإقرار وبطل الاستثناء، وإن قال "له علي مائة درهم إلا ديناراً" أو "إلا قفيز حنطةٍ" لزمه مائة درهم إلا قيمة الدينار أو القفيز، وإن قال "له علي مائةٌ ودرهم" فالمائةٌ كلها دراهم، وإن قال "له علي مائةٌ وثوبٌ" لزمه ثوبٌ واحدٌ، والمرجع في تفسير المائة إليه ومن أقر بحق وقال "إن شاء الله" متصلاً بإقراره لم يلزمه الإقرار، ومن أقر وشرط الخيار لزمه الإقرار وبطل الخيار، ومن أقر بدار واستثنى بناءها لنفسه   وعندهما إن استثنى الأكثر بطل استثناؤه ولزمه جميع ما أقر به، وقال في المحيط: هو رواية عن أبي يوسف، ولذلك كان المعتمد ما في الكتاب عند الكل، تصحيح (فإن استثنى الجميع لزمه الإقرار وبطل الاستثناء) ؛ لأن استثناء الجميع رجوع، فلا يقبل منه بعد الإقرار (وإن قال له علي مائة درهم إلا دينارا، أو إلا قفيز حنطة لزمه مائة درهم إلا قيمة) ما استثناه من (الدينار أو القفيز) قال الإسبيجاني: وهذا استحسان أخذ به أبو حنيفة وأبو يوسف، والقياس أن لا يصح الاستثناء وهو قول محمد وزفر، والصحيح جواب الاستحسان، واعتمده المحبوبي والنسفي. كذا في التصحيح. (وإن قال له علي مائة ودرهم فالمائة كلها دراهم) ؛ لأن الدراهم بيان للمائة عادة، لأن الناس استثقلوا تكرار الدرهم واكتفوا بذكره مرة، وهذا فيما يكثر استعماله بكثرة أسبابه، وذا في المقدرات كالمكيلات والموزونات لأنها تثبت ديناً في الذمة سلماً وقرضاً وثمناً، بخلاف الثياب وما لا يكال ولا يوزن، ولذا قال: (وإن قال "له علي مائة وثوب" لزمه ثوب واحد، والمرجع في تفسير المائة إليه) لعطفه مفسراً على مبهم، والعطف لم يوضع للبيان، فبقيت المائة مبهمة، فيرجع في البيان إليه لأنه المبهم. (ومن أقر بحق وقال إن شاء الله متصلا بإقراره لم يلزمه الإقرار) ؛ لأن التعليق بمشيئة الله تعالى إبطال عند محمد، وتعليق بشرط لا يوقف عليه عند أبي يوسف؛ فكان إعداما من الأصل (ومن أقر بشرط الخيار لزمه الإقرار) لصحة إقراره (وبطل الخيار) ؛ لأنه للفسخ، والإقرار لا يقبله (ومن أقر بدار واستثنى بناءها لنفسه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 فللمقر له الدار والبناء، وإن قال "بناء هذه الدار لي والعرصة لفلان" فهو كما قال، ومن أقر بتمرٍ في قوصرة لزمه التمر والقوصرة، ومن أقر بدابة في إصطبلٍ لزمه الدابة خاصةً، وإن قال "غصبت ثوباً في منديل" لزماه جميعاً، وإن قال "له علي ثوبٌ في ثوبٍ" لزماه وإن قال "له علي ثوبٌ في عشرة أثوابٍ" لم يلزمه عند أبي حنيفة وأبي يوسف إلا ثوبٌ واحدٌ.   فللمقر له الدار والبناء) جميعاً؛ لأن البناء داخل فيه معنى لا لفظاً، والاستثناء إنما يكون بما يتناوله الكلام نصا؛ لأنه تصرف لفظي. والفص في الخاتم والنخلة في البستان نظير البناء في الدار؛ لأنه يدخل تبعاً لا لفظاً، بخلاف ما إذا قال: إلا ثلثها، أو إلا بيتاً منها، لأنه داخل فيه لفظاً. هداية. (وإن قال بناء هذه الدار لي والعرصة لفلان فهو كما قال) لأن العرصة عبارة عن البقعة دون البناء؛ فكأنه قال بياض هذه الأرض دون البناء لفلان، بخلاف ما إذا قال "مكان العرصة أرضاً" حيث يكون البناء للمقر له؛ لأن الإقرار بالأرض إقرار بالبناء كالإقرار بالدار؛ لأن البناء تبع للأرض (ومن أقر بتمر في قوصرة) بتشديد الراء وتخفيفها - وعاء التمر يتخذ من القصب، وإنما يسمى قوصرة ما دام فيها التمر، وإلا فهي زنبيل (لزمه التمر والقوصرة) وفسره في الأصل بقوله "غصبت تمراً في قوصرة" ووجهه أن القوصرة وعاء له وظرف له، وغصب الشيء وهو مظروف لا يتحقق بدون الظرف؛ فيلزمانه. وكذا الطعام في السفينة، والحنطة في الجوالق، بخلاف ما إذا قال "غصبت تمراً من قوصرة" لأن كلمة "من" للانتزاع؛ فيكون إقرارا بغصب المنزوع. هداية (ومن أقر بدابة في إسطبل لزمه الدابة خاصة) لأن الإصطبل غير مضمون بالغصب عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعلى قياس قول محمد يضمنهما، ومثله الطعام في البيت. هداية (وإن قال غصبت ثوبا في منديل لزماه جميعاً) ؛ لأنه ظرف له، لأن الثوب يلف به، وكذا لو قال "ثوب في ثوب" (وإن قال له علي ثوب في ثوب لزماه، وإن قال له علي ثوب في عشرة أثواب لم يلزمه عند أبي حنيفة وأبي يوسف إلا ثوب واحد) لأن العشرة لا تكون ظرفا لواحد عادة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 وقال محمدٌ: يلزمه أحد عشر ثوباً، ومن أقر بغصب ثوبٍ وجاء بثوبٍ معيب فالقول قوله فيه مع يمينه، وكذلك لو أقر بدراهم وقال: هي زيوفٌ، وإن قال "له علي خمسةٌ في خمسةٍ" يريد الضرب والحساب لزمه خمسةٌ واحدةٌ، وإن قال: أردت خمسةً مع خمسةٍ؛ لزمه عشرةٌ، وإن قال "له علي درهمٍ إلى عشرةٍ" لزمه تسعةٌ عند أبي حنيفة فيلزمه الابتداء وما بعده وتسقط الغاية، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يلزمه العشرة كلها وإذا قال "له علي ألف درهمٍ من ثمن عبدٍ اشتريته منه ولم أقبضه"   والممتنع عادة كالممتنع حقيقة. (وقال محمد: يلزمه أحد عشر ثوباً) ؛ لأن النفيس من الثياب قد يلف في عشرة، فأمكن جعله ظرفا، أو يحمل على التقديم والتأخير، فكأنه قال "عشرة أثواب في ثوب" والثوب الواحد يكون وعاء للعشرة. والصحيح قولهما، وهو المعول عليه عند النسفي والمحبوبي وغيرهما، كما في التصحيح (ومن أقر بغصب ثوب وجاء بثوب معيب) يقول: إنه الذي غصبته (فالقول قوله فيه مع يمينه) ؛ لأن الغصب لا يختص بالسليم (وكذلك) القول قوله (لو أقر بدراهم) أنه اغتصبها أو أودعها (وقال) متصلا أو منفصلا: (هي زيوف) ، لأن الإنسان يغصب ما يجد ويودع ما يملك؛ فلا مقتصى له في الجياد ولا تعامل؛ فيكون بيانا للنوع. وعن أبي يوسف أنه لا يصدق مفصولا اعتباراً بالثمن، كما يأتي قريبا (وإن قال: له علي خمسةو في خمسة يريد الضرب والحساب لزمه خمسة واحدة) ، لأن الضرب لا بكثر المال، وإنما يكثر الأجزاء (وإن قال: أردت خمسة مع خمسة لزمه عشرة) لأن اللفظ يحتمله، لأن كلمة "في" تستعمل بمعنى "مع" (وإن قال له علي من درهم إلى عشرة) أو "ما بين درهم إلى عشرة" (لزمه تسعة عند أبي حنيفة فيلزمه الابتداء وما بعده وتسقط الغاية) وهذا أصح الأقاويل عند المحبوبي والنسفي. تصحيح (وقالا: يلزمه العشرة كلها) لدخول الغاية، وقال زفر: تلزمه ثمانية، ولا تدخل الغايتان. (وإذا قال: له علي ألف درهم من ثمن عبد اشتريته منه ولم أقبضه) موصولا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 فإن ذكر عبداً بعينه قيل للمقر له: إن شئت فسلم العبد وخذ الألف، وإلا فلا شيء لك، وإن قال "له علي ألفٌ من ثمن عبدٍ" ولم يعينه لزمه الألف في قول أبي حنيفة [ولو قال "له علي ألفٌ من ثمن هذا العبد" لم يلزمه حتى يسلم العبد، فإن سلم العبد لزمه الألف، وإن لم يسلمه لم تلزمه] ولو قال "له علي ألفٌ من ثمن خمرٍ أو خنزيرٍ" لزمه الألف ولم يقبل تفسيره، ولو قال "له علي ألفٌ من ثمن متاعٍ وهي زيوفٌ" وقال المقر له "جيادٌ" لزمه الجياد في قول أبي حنيفة، ومن أقر لغيره   بإقراره كما في الحاوي (فإن ذكر عبداً بعينه) وهو بيد المقر له (قيل للمقر له: إن شئت فسلم العبد) إلى المقر (وخذ الألف) التي أقر بها؛ لتصادقهما على البيع، والثابت بالتصادق كالثابت بالمعاينة (وإلا فلا شيء لك) ؛ لأنه ما أقر بالمال إلا عضاً عن العبد؛ فلا يلزمه دونه (وإن قال من ثمن عبد ولم يعينه لزمه الألف في قول أبي حنيفة) ولا يصدق في قوله "ما قبضت" وصل أم فصل، لأنه رجوع ولا يملكه، وقالا: إن وصل صدق وإن فصل لم يصدق، واعتمد قوله البرهاني والنسفي وصدر الشريعة وأبو الفضل الموصلي. تصحيح (ولو قال له على ألف من ثمن خمر أو خنزير) أو حر أو ميتة أو مال قمار (لزمه الألف) المقر بها (ولم يقبل تفسيره) عند أبي حنيفة، وصل أم فصل؛ لأنه رجوع؛ لأن ثمن الخمر وما عطف عليه لا يكون واجبا، وأول كلامه للوجوب. وقالا: إذا وصل لا يلزمه شيء، لأنه بين بآخر كلامه أنه ما أراد الإيجاب، قال في التصحيح: واعتمد قوله المذكورون قبله (ولو قال له على ألف من ثمن متاع) أو قرض (وهي زيوف، وقال المقر له: جياد، لزمه الجياد في قول أبي حنيفة) ؛ لأن هذا رجوع، لأن مطلق العقد يقتضي السلامة عن العيب، والزيافة عيب، ودعوى العيب رجوع عن بعض موجبه، وصار كما إذا قال "بعتكه معيباً" وقال المشتري "سليماً" فالقول للمشتري، وقالا: إن قال موصولاً صدق، وإن مفصولاً لا يصدق. قال في التصحيح: واعتمد قوله المذكورون قبله (ومن أقر لغيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 بخاتمٍ فله الحلقة والفص، وإن أقر له بسيفٍ فله النصل والجفن والحمائل، وإن أقر بحجلةٍ فله العيدان والكسوة، وإن قال "لحمل فلانة علي ألفٌ" فإن قال أوصى به له فلانٌ أو مات أبوه فورثه فالإقرار صحيحٌ، وإن أبهم الإقرار لم يصح عند أبي يوسف،   بخاتم فله الحلقة والفص) بالفتح ويكسر - لأن اسم الخاتم يتناولهما (وإن أقر له بسيف فله النصل) أي: الحديدة (والجفن) القراب (والحمائل) جمع حمالة - بالكسر - العلاقة؛ لأن اسم السيف ينطوي على الكل (وإن أقر) له (بحجلة) بحاء فجيم مفتوحتين - بيت يبنى للعروس يزين بالثياب والأسرة والستور (فله) أي: المقر له (العيدان) التي تبنى بها الحجلة (والكسوة) التي توضع على العيدان؛ لأن اسم الحجلة يتناولهما. (وإن قال: لحمل فلانة علي ألف) درهم (فإن) بين سبباً صالحاً بأن (قال: أوصي له به فلان، أو مات أبوه فورثه) منه (فالإقرار صحيح) اتفاقا، ثم إن جاءت به في مدة يعلم أنه كان قائماً وقت الإقرار لزمه، فإن جاءت به ميتاً فالمال للموصي والمروث، لأنه إقرار في الحقيقة لهما، وإنما ينتقل إلى الجنين بعد الولادة، ولم ينتقل، ولو جاءت بولدين حيين فالمال بينهما، وإن بين سبباً مستحيلا - بأن قال: باعني، أو أقرضني - فالإقرار باطل اتفاقا أيضا (وإن أبهم الإقرار) ولم يبين سببه (لم يصح عند أبي يوسف) وفي نسخة "أبي حنيفة" بدل "أبي يوسف" وقال محمد: يصح؛ لأن الإقرار من الحجج فيجب إعماله، وقد أمكن بالحمل على السبب الصالح، ولأبي يوسف أن الإقرار مطلقه ينصرف إلى الإقرار بسبب التجارة، فيصير كأنه صرح به، هداية. قال في التصحيح: وفي الهداية والأسرار وشرح الإسبيجاني والاختيار والتقريب ونظم الخلافيات ذكر الخلاف بين أبي يوسف ومحمد، وذكر في النافع الخلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف، وذكر في الينابيع قول أبي حنيفة مع أبي يوسف، فقال: قال أبو حنيفة وأبو يوسف في هذه المسألة: إن بين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 وإذا أقر بحمل جاريةٍ أو حمل شاةٍ لرجلٍ صح الإقرار ولزمه، وإذا أقر الرجل في مرض موته بديونٍ وعليه ديونٌ في صحته وديونٌ لزمته في مرضه بأسبابٍ معلومةٍ فدين الصحة والدين المعروف بالأسباب مقدمٌ على غيره،   المقر جهة صالحةً كالإرث والوصية رجح إقراره ولزمه، وإلا فلا، وقال محمد: صح إقراره سواء بين جهة صالحة أو أبهم ويحمل إقراره على أنه أوصى به رجل أو مات مورثه وتركه ميراثاً، واعتمد قول أبي يوسف الإمام البرهاني والنسفي وأبو الفضل الموصلي وغيرهم، وعلل الكل لمحمد بالحمل على سبب صحيح وإن لم يذكره، فليحفظ هذا فإنه يقع إقرارات مطلقة عن السبب لا يتصور أن يكون لها سبب صحيح شرعا. اهـ. (ولو أقر بحمل جارية أو حمل شاة لرجل صح الإقرار ولزمه) المقر به، سواء بين سبباً صالحاً أو أبهم؛ لأن له وجهاً صحيحاً - وهو الوصية من جهة غيره - فيحمل عليه، وهذا إذا علم وجوده وقت الوصية. جوهرة. (وإذا أقر الرجل في مرض موته بديون) وحده سيأتي في الوصايا (1) (وعليه ديون) لزمته (في صحته) سواء علم سببه أو بإقراره (و) عليه أيضا (ديون لزمته في مرضه) لكن (بأسباب معلومة) كبدل ما ملكه أو أهلكه أو مهر مثل امرأة نكحها (فدين الصحة والدين المعروف بالأسباب مقدم) على ما أقر به في مرضه؛ لأن الإقرار لا يعتبر دليلا إذا كان فيه إبطال حق الغير، وفي إقرار المريض ذلك، لأن حق غرماء الصحة تعلق بهذا المال استيفاء، ولهذا منه من التبرع والمحاباة إلا بقدر الثلث، وإنما تقدم   (1) حد مرض الموت الذي تطبق عليه هذه الأحكام ونحوها مما يأتي في مباحث الطلاق ومباحث الوصايا وغيرها: أن يكون مما يمنع صاحبه من القيام بحاجاته كما يعتاده الأصحاء، وأن يكون نفس المرض مما يخاف منه الهلاك غالبا، وأن يتصل به الموت فعلا، فهذه ثلاث صفات لابد من تحققها كلها، بحيث لو لم تتحقق واحدة منهن لم يعتبر المرض مرض موت؛ فلو كان المرض يسيراً لا يمنع صاحبه من القيام بشؤون نفسه كما يعتاده الصحيح، أو كان مما تغلب النجاة منه عادة ولو مات منه فعلا، أو كان مما يخاف منه الهلاك غالبا ولكنه لم يمت فعلا؛ فإنه لا يعد مرض موت، ومتى لم يعتبر مرض موت فإن تصرف المريض فيه كتصرف الصحيح في الصحة والنفاذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 فإذا قضيت وفضل شيءٌ كان فيما أقر به في حال المرض، وإن لم يكن عليه ديونٌ في صحته جاز إقراره وكان المقر له أولى من الورثة، وإقرار المريض لوارثه باطلٌ إلا أن يصدقه فيه بقية الورثة، ومن أقر لأجنبيٍ في مرضه ثم قال هو ابني ثبت نسبه وبطل إقراره له، ولو أقر لأجنبيةٍ ثم تزوجها لم يبطل إقراره لها، ومن طلق زوجته في مرضه ثلاثاً ثم أقر لها بدين ومات فلها الأقل من الدين ومن ميراثها منه،   المعروفة الأسباب لأنه لا تهمة في ثبوتها، لأن المعاين لا مرد له، ولا يجوز للمريض أن يقضي دين بعض الغرماء دون البعض؛ لأن في إيثار البعض إبطال حق الباقين إلا إذا قضى ما استقرضه في مرضه أو نقد ثمن ما اشتراه فيه (فإذا قضيت) : أي ديون الصحة والديون المعروفة الأسباب (وفضل شيء) عنها (كان) ذلك الفاضل مصروفاً (فيما أقر به حال المرض) ؛ لأن الإقرار في ذاته صحيح، وإنما رد في حق غرماء الصحة، فإذا لم يبق لهم حق ظهرت صحته (وإن لم يكن عليه ديون في صحته جاز إقراره) لأنه لم يتضمن إبطال حق الغير (وكان المقر له أولى من الورثة) ؛ لأن قضاء الدين من الحوائج الأصلية، وحق الورثة يتعلق بالتركة بشرط الفراغ (وإقرار المريض لوارثه) بدين أو عين (باطل) لتعلق حق الورثة بماله في مرضه، وفي تخصيص البعض به إبطال حق الباقين (إلا أن يصدقه فيه بقية الورثة) ؛ لأن المانع تعلق حقهم في التركة، فإذا صدقوه زال المانع (ومن أقر لأجنبي في مرضه ثم قال: هو ابني) وصدقه المقر له، وكان بحيث يولد لمثله، كما يأتي قريباً (ثبت نسبه) منه وبطل إقراره له، لأن دعوى النسب تستند إلى وقت العلوق، فتبين أنه أقر لابنه فلا يصح (ولو أقر لأجنبية ثم تزوجها لم يبطل إقراره لها) لأن الزوجية تقتصر على زمان التزوج؛ فبقي إقراره لأجنبية (ومن طلق زوجته في مرضه ثلاثاً) أو أقل بسؤالها (ثم أقر لها بدين ومات) وهي في العدة (فلها الأقل من الدين) الذي أقر به (ومن ميراثها منه) لأنهما متهمان في ذلك، لجواز أن يكون توصلا بالطلاق إلى تصحيح الإقرار، فيثبت أقل الأمرين. قيدنا بسؤالها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 ومن أقر لغلامٍ يولد مثله لمثله وليس له نسبٌ معروفٌ أنه ابنه وصدقه الغلام ثبت نسبه منه وإن كان مريضاً، ويشارك الورثة في الميراث؛ ويجوز إقرار الرجل بالوالدين والولد والزوجة والمولى، ويقبل إقرار المرأة بالوالدين والزوج والمولى، ولا يقبل بالولد إلا أن يصدقها الزوج أو تشهد بولادتها قابلةٌ،   ودوام عدتها لأنه بغير سؤالها يكون فارا فلها الميراث بالغاً ما بلغ ويبطل الإقرار، وإذا انقضت عدتها قبل موته ثبت إقراره ولا ميراث لها. (ومن أقر بغلام) يعبر عن نفسه، و (يولد مثله لمثله، وليس له) أي الغلام (نسب معروف أنه ابنه وصدقه الغلام) في دعواه (ثبت نسبه، وإن كان) المقر (مريضاً، ويشارك) الغلام المقر له (الورثة في الميراث) لأنه بثبوت نسبه صار كالمعروف النسب، فيشاركهم. وشرط كونه يولد مثله لمثله كيلا يكون مكذبا ظاهراً، وأن لا يكون معروف النسب لأن معروف النسب يمتنع ثبوته من غيره، وشرط تصديقه لأنه في يد نفسه إذ المسألة في غلام يعبر عن نفسه، حتى لو كان صغيراً لا يعبر عن نفسه لم يعتبر تصديقه. (ويجوز إقرار الرجل بالوالدين والولد والزوجة والمولى) ، لأنه إقرار بما يلزمه، وليس فيه تحميل النسب على الغير (ويقبل إقرار المرأة بالوالدين والزوج والمولى) لما بينا (ولا يقبل) إقرارها إذا كانت ذات زوجٍ أو معتدة منه (بالولد) لأن فيه تحميل النسب على الغير وهو الزوج؛ لأن النسب منه (إلا أن يصدقها الزوج) لأن الحق له (أو تشهد بولادتها) امرأة (قابلة) أو غيرها، لأن قول المرأة الواحدة في الولادة مقبول، قال الأقطع: فتثبت الولادة بشهادتها، ويلتحق النسب بالفراش. اهـ قيدنا بذات الزوج أو المعتدة منه لأنها إذا لم تكن كذلك صح مطلقاً، وكذا إذا كانت كذلك وادعت أنه من غيره، قال في الهداية: ولابد من تصديق هؤلاء، يعني الوالدين والولد والزوج والزوجة والمولى؛ لما مر أنهم في أيدي أنفسهم، فيتوقف نفاذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 ومن أقر بنسبٍ من غير الوالدين والولد والزوج والزوجة والمولى - مثل الأخ والعم - لم يقبل إقراره في النسب، فإن كان له وارثٌ معروفٌ قريبٌ أو بعيدٌ فهو أولى بالميراث من المقر له، وإن لم يكن له وارثٌ استحق المقر له ميراثه، ومن مات أبوه فأقر بأخٍ له لم يثبت نسب أخيه ويشاركه في الميراث. كتاب الإجارة. - الإجارة   الإقرار على تصديقهم، وقدمنا أن هذا في غير الولد الذي لا يعبر عن نفسه، لأنه بمنزلة المتاع فلا يعتبر تصديقه. (ومن أقر بنسب من غير) هؤلاء المذكورين من (الوالدين والولد والزوج والزوجة والمولى، مثل الأخ والعم) والجد وابن الابن (لم يقبل إقراره في النسب) وإن صدقه المقر له، لأن فيه حمل النسب على الغير (فإن كان له) : أي المقر (وارث معروف) نسبه (قريب أو بعيد فهو أولى بالميراث من المقر له) ؛ لأنه لما لم يثبت نسبه منه لم يزاحم الوارث المعروف النسب (وإن لم يكن له وارث) معروف (استحق المقر له ميراثه) ، لأن له ولاية التصرف في مال نفسه عند عدم الوارث، فيستحق جميع المال وإن لم يثبت نسبه (ومن مات أبوه فأقر بأخ لم يثبت نسب أخيه) وإن صدقه (و) لكنه (يشاركه في الميراث) لأن إقراره تضمن شيئين: حمل النسب على الغير، ولا ولاية له عليه فلا يثبت، والاشتراك في المال، وله فيه ولاية فيثبت. كتاب الإجارة (الإجارة) لغة: اسم للأجرة، وهي كراء الأجير. وقد أجره، إذا أعطاه أجرته، من بابي طلب وضرب، فهو آجرٌ، وذاك مأجور، وتمامه في المغرب، واصطلاحات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 عقدٌ على المنافع بعوض، ولا تصح حتى تكون المنافع معلومة والأجرة معلومة، وما جاز أن يكون ثمناً في البيع جاز أن يكون أجرة في الإجارة، والمنافع تارةً تصير معلومةً بالمدة كاستئجار الدورلا للسكنى والأرضين للزراعة؛ فيصح العقد على مدةٍ معلومةٍ أي مدةٍ كانت، وتارةً تصير معلومة بالعمل والتسمية كمن استأجر رجلاً على صبغ ثوبٍ أو خياطته،   (عقد على المنافع بعوض) وتنعقد ساعة فساعة، على حسب حدوث المنفعة، وأقيمت العين مقام المنفعة في حق إضافة العقد إليها ليرتبط الإيجاب بالقبول، ثم عمله يظهر في حق المنفعة. (ولا تصح) الإجارة (حتى تكون المنافع معلومة والأجرة) أيضاً (معلومة) لأن الجهالة في المعقود عليه وبدله تفضي إلى المنازعة، كجهالة الثمن والمثمن في البيع. (و) كل (ما جاز أن يكون ثمناً) : أي بدلا (في البيع جاز أن يكون أجرة في الإجارة) ، لأن الأجرة ثمن المنفعة فيعتبر بثمن المبيع، ولا ينعكس، لجواز إجارة المنفعة بالمنفعة إذا اختلفا كما يأتي. (والمنافع تارة تصير معلومة بالمدة) : أي ببيان مدة الاستئجار (كاستئجار الدور) مدة معلومة (للسكنى، و) استئجار (الأرضين للزراعة؛ فيصح العقد على مدة معلومة أي مدة كانت) : أي طالت أو قصرت، لأن المدة إذا كانت معلومة كان قدر المنفعة فيها معلوما، إلا في الأوقاف، فلا تجوز الإجارة الطويلة في المختار كيلا يدعى المستأجر ملكها - وهي ما زاد على ثلاث سنين في الضياع، وعلى سنة في غيرها - وعلى هذا أرض اليتيم. جوهرة (وتارة تصير) المنفعة (معلومة بالعمل) أي ببيان العمل المعقود عليه (والتسمية، كمن استأجر رجلا على صبغ ثوب أو خياطته) وبين الثوب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 أو استأجر دابةً ليحمل عليها مقداراً معلوماً أو يركبها مسافة سماها، وتارةً تصير معلومةً بالتعيين والإشارة كمن استأجر رجلاً لينقل له هذا الطعام إلى موضعٍ معلومٍ، ويجوز استئجار الدور والحوانيت للسكنى، وإن لم يبين ما يعمل فيها، وله أن يعمل كل شيءٍ إلا الحداد والقصار والطحان، ويجوز استئجار الأراضي للزراعة ولا يصح العقد حتى يسمي ما يزرع فيها أو يقول: على أن يزرع فيها ما شاء، ويجوز أن يستأجر الساحة ليبني فيها أو يغرس فيها نخلاً أو شجراً، فإذا.   ولون الصبغ وجنس الخياطة (أو استأجر دابة ليحمل عليها مقداراً معلوماً) قدره وجنسه (أو يركبها مسافة سماها) ببيان الوقت أو الموضع، فلو خلا عنهما فهي فاسدة. بزازية (وتارة تصير) المنفعة (معلومة بالتعيين) للمعقود عليه (والإشارة) إليه (كمن استأجر رجلا على أن ينقل له هذا الطعام إلى موضع معلوم) ، لأنه إذا أراه ما ينقله والموضع الذي يحمل إليه كانت المنفعة معلومة. (ويجوز استئجار الدور) جمع دار، وهي معلومة (والحوانيت) جمع حانوت، وهي الدكان، المعدة (للسكنى وإن لم يبين ما يعمل فيها) ، لأن العمل المتعارف فيها السكنى فينصرف إليه (وله أن يعمل كل شيء) مما لا يضر بالبناء كما أشار إليه بقوله: (إلا الحداد والقصار والطحان) ، لأن في ذلك ضرراً ظاهراً، لأنه يوهن البناء ويضر به؛ فلا يملكه إلا بالتسمية (ويجوز استئجار الأراضي للزراعة) ، لأنها منفعة مقصودة معهودة فيها (و) لكن (لا يصح العقد حتى يسمي ما يزرع فيها) لأن ما يزرع فيها متفاوت، وبعضه يضر بالأرض، فلابد من التعيين كيلا تقع المنازعة (أو يقول: على أن يزرع فيها ما شاء) ؛ لأنه بالتفويض إليه ارتفعت الجهالة المفضية إلى المنازعة (ويجوز أن يستأجر الساحة) بالحاء المهملة - وهي الأرض الخالية من البناء والغرس (ليبني فيها) بناء (أو يغرس فيها نخلا أو شجرا) ، لأنها منفعة تقصد بالأراضي كالزراعة (فإذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 انقضت مدة الإجارة لزمه أن يقلع البناء والغرس ويسلمها فارغةً، إلا أن يختار صاحب الأرض أن يغرم له قيمة ذلك مقلوعاً فيملكه أو يرضى بتركه على حاله فيكون البناء لهذا والأرض لهذا، ويجوز استئجار الدواب للركوب والحمل، فإن أطلق الركوب جاز له أن يركبها من شاء، وكذلك إن استأجر ثوباً للبس وأطلق، فإن قال: على أن يركبها فلانٌ، أو يلبس الثوب فلانٌ، فأركبها غيره أو ألبسه غيره؛ كان ضامناً إن عطبت الدابة أو تلف الثوب؛   انقضت مدة الإجارة لزمه) أي المستأجر (أن يقلع البناء) الذي بناه (والغراس الذي غرسه، إن لم يرض المؤجر بتركها (ويسلمها) لصاحبها (فارغة لأنه لا نهاية لهما وفي إبقائهما إضراراً بصاحب الأرضص، بخلاف ما إذا انقضت المدة والزرع بقلٌ حيث يترك بأجر المثل إلى إدراكه، لأن له نهاية معلومة فأمكن رعاية الجانبين (إلا أن يختار صاحب الأرض أن يغرم له) : أي للباني والغارس (قيمة ذلك) البناء والغراس (مقلوعا فيملكه) وهذا برضا صاحب البناء والغرس، إلا إذا كانت تنقص الأرض بالقلع، فحينئذ يتملكها بعير رضاه. هداية (أو يرضى بتركه على حاله فيكون البناء لهذا والأرض لهذا) ، لأن الحق له، فله أن لا يستوفيه، والرطبة كالشجر لأنها لا نهاية لهما (ويجوز استئجار الدواب للركوب والحمل) لأنها منفعة معهودة (فإن أطلق الركوب) بأن قال "يركب من شاء" - وهو المراد بالإطلاق، لا أنه يستأجر الدابة للركوب ويطلقه فإنه لا يجوز كما في مسكين نقلا عن الذخيرة والمغنى وشرح الطحاوي - (جاز له أن يركبها من شاء) عملا بالإطلاق، ولكن إذا ركب بنفسه أو أركب واحداً ليس له أن يركب غيره، لأنه تعين مراداً من الأصل، والناس يتفاوتون في الركوب، فصار كأنه نص على ركوبه (وكذلك) الحكم (إن استأجر ثوباً للبس وأطلق) لتفاوت الناس في اللبس أيضا (فإن) قيد: بأن (قال على أن يركبها فلان أو يلبس الثوب فلان) فخالف (فأركبها غيره أو ألبسه غيره) : أي غير المشروط (كان ضامناً إن عطبت الدابة أو تلف الثوب) ، لأن الناس يتفاوتون في الركوب واللبس، فصح التعيين، وليس له أن يتعداه، ولا أجر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 وكذلك كل ما يختلف باختلاف المستعمل، وأما العقار وما لا يختلف باختلاف المستعمل فلا يعتبر تقييده، فإذا شرط سكنى واحدٍ فله أن يسكن غيره، وإن سمى نوعاً أو قدراً يحمله على الدابة مثل أن يقول "خمسة أقفزة حنطةٍ" فله أن يحمل ما هو مثل الحنطة في الضرر أو أقل كالشعير والسمسم، وليس له أن يحمل ما هو أضر من الحنطة كالملح والحديد، وإن استأجرها ليحمل عليها قطناً سماه فليس له أن يحمل مثل وزنه حديداً، وإن استأجرها ليركبها فأردف معه رجلا فعطبت ضمن نصف قيمتها، ولا يعتبر بالثقل،   يلزمه لأنه لا يجتمع مع الضمان. (وكذلك كل ما يختلف باختلاف المستعمل) لما تقدم (أما العقار ومالا يختلف باختلاف المستعمل فلا يعتبر تقييده؛ فإذا شرط) في العقار (سكنى واحد) بعينه (فله أن يسكن غيره) ، لأن التقييد غير مفيد، لعدم التفاوت، والذي يضر بالبناء خارج على ما تقدم (وإن سمى) المستأجر (نوعا وقدرا يحمله على الدابة مثل أن يقول) لأحمل عليها (خمسة أقفزة حنطة فله أن يحمل ما هو مثل الحنطة في الضرر) كالعدس والماش، لعدم التفاوت (أو أقل) ضررا (كالشعير والسمسم، لكونه خيراً من المشروط (وليس له أن يحمل ما هو أضر من الحنطة كالملح والحديد) لانعدام الرضا به، والأصل: أن من استحق منفعةً مقدرة بالعقد فاستوفاها أو مثلها أو دونها جاز، لدخوله تحت الإذن، ولو أكثر لم يجز، لعدم دخوله تحته (وإن استأجرها) أي الدابة (ليحمل عليها قطناً سماه) : أي سمى قدره (فليس له أن يحمل مثل وزنه حديدا) ونحوه؛ لأنه ربما يكون أضر على الدابة، فإن الحديد يجتمع في موضع في ظهره، والقطن ينبسط عليه (وإن استأجرها) : أي الدابة (ليركبها فأردف معه رجلا) بحيث يستمسك بنفسه والدابة تطيق ذلك (فعطبت) الدابة (ضمن نصف قيمتها) ، لأنها تلفت بركوبهما وأحدهما مأذون له دون الآخر (ولا يعتبر بالثقل) ، لأي الرجال لا توزن، والدابة ربما يعقرها جهل الراكب الخفيف ويخف عليها ركوب الثقيل، فاعتبر عدد الراكب، ولم يعين الضامن؛ لأن المالك بالخيار في تضمين أيهما شاء، ثم إن ضمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 وإن استأجرها ليحمل عليها مقداراً من الحنطة فحمل أكثر منه فعطبت ضمن ما زاد الثقل، وإذا كبح الدابة بلجامها أو ضربها فعطبت ضمن عند أبي حنيفة.   الراكب فلا رجوع له على الرديف، وإن ضمن الرديف يرجع بما ضمن على الراكب إن كان مستأجراً منه، وإلا لا، ولم يتعرض لوجوب الأجر، والمنقول في النهاية والمحيط أنه يجب جميع الأجر إذا هلكت بعد بلوغ المقصد مع تضمين النصف، لأن الضمان لركوب غيره، والأجر لركوبه، وقيد بكونها عطبت لأنها لو سلمت لا يلزمه غير المسمى كما في غاية البيان، وقيد بالإرداف ليكون كالتابع، لأنه لو أقعده في السرج صار غاصباً ولم يجب عليه شيء من الأجر، لأنه لا بجامع الضمان كما في غاية البيان، وكذا لو حمله على عاتقه، لكونه يجتمع في محل واحد فيشق على الدابة وإن كانت تطيق حملهما كما في النهاية، وقيد بالرجل لأنه لو ركبها وحمل عليها شيئا ضمن قدر الزيادة، وهذا إذا لم يركب فوق الحمل، أما لو ركب فوق الحمل ضمن جميع القيمة كما ذكره جواهر زاده، وقيدنا بكونه يستمسك بنفسه لأن ما لا يستمسك بنفسه بمنزلة المتاع يضمن بقدر ثقله كما في الزيلعي، وبكونها تطيق ذلك لأنها إذا لم تطق يضمن جميع القيمة كما في النسفي (وإن استأجرها ليحمل عليها مقداراً من الحنطة) مثلا (فحمل أكثر منه) من جنسه (فعطبت) الدابة (ضمن ما زاد الثقل) ؛ لأنها عطبت بما هو مأذون فيه وغير مأذون فيه، والسبب الثقل، فانقسم عليهما، إلا إذا كان حملا لا تطيقه مثل تلك الدابة فحينئذ يضمن كل قيمتها، لعدم الإذن فيها أصلا لخروجه عن المعتاد، هداية، قيدنا بأنها من جنس المسمى، لأنه لو حمل جنساً غير المسمى ضمن جميع القيمة كما في البحر (وإذا كبح الدابة) أي جذبها إليه (بلجامها أو ضربها) كبحاً وضرباً متعارفاً (فعطبت ضمن عند أبي حنيفة) ، لأن الإذن مقيد بشرط السلامة، إذ يتحقق السوق بدونهما، وإنما هما للمبالغة، فيتقيد بوصف السلامة. هداية. وفي الجوهرة: وعليه الفتوى، وقالا: لا يضمن إذا فعل فعلا متعارفاً؛ لأن المتعارف مما يدخل تحت مطلق العقد، فكان حاصلا بإذنه فلا يضمنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 والأجراء على ضربين: أجيرٌ مشتركٌ، وأجيرٌ خاصٌ، فالمشترك: من لا يستحق الأجرة حتى يعمل كالصباغ والقصار، والمتاع أمانةٌ في يده: إن هلك لم يضمن شيئاً عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يضمنه، وما تلف بعمله كتخريق الثوب من دقه وزلق الحمال وانقطاع الحبل الذي يشد به المكاري الحمل وغرق السفينة من مدها مضمونٌ   قال في التصحيح: واعتمد قوله الإمام المحبوبي والنسفي، لكن صرح الإسبيجاني والزوزني أن قوله قياسٌ وقولهما استحسانٌ، اهـ. قيدنا بالكبح والضرب لأنه لا يضمن بالسوق اتفاقا، وقيدنا بكونه متعارفا لأنه بغير المتعارف يضمن اتفاقا. (والأجراء على ضربين) أي نوعين (أجير مشترك، وأجير خاص، فالمشترك من) يعمل لا لواحد، أو لواحد من غير توقيب، ومن أحكامه أنه (لا يستحق الأجرة حتى يعمل) المعقود عليه، وذلك (كالصباغ والقصار) ونحوهما (والمتاع أمانة في يده: إن هلك لم يضمن شيئاً، عند أبي حنيفة) وإن شرط عليه الضمان؛ لأن شرط الضمان في الأمانة مخالف لقضية الشرع، فيكون باطلا كما في الذخيرة نقلا عن الطحاوي، وقالا: يضمنه إلا من شيء غالب كالحريق الغالب والعدو المكابر، ونقل في التصحيح الإفتاء بقول الإمام عن عامة المعتبرات، وقال: واعتمده المحبوبي والنسفي، وبه جزم أصحاب المتون فكان هو المذهب، اهـ. لكن قال في الدر: وأفتى المتأخرون بالصلح على نصف القيمة، وقيل: إن كان الأجير مصلحا لا يضمن، وإن بخلافه يضمن، وإن مستور الحال يؤمر بالصلح، عمادية. قلت: وهل يجبر عليه؟ حرر في تنوير البصائر نعم، كمن تمت مدته في وسط البحر أو البرية تبقى الإجارة بالجبر. اهـ (وما تلف بعمله كتخريق الثوب من دقه وزلق الحمال وانقطاع الحبل الذي يشد به المكارى الحمل وغرق السفينة من مدها) : أي أجرائها (مضمون) عليه؛ لأن المأذون فيه ما هو داخل تحت العقد، وهو العمل الصالح، فلم يكن المفسد مأذوناً فيه فيكون مضمونا عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 إلا أنه لا يضمن به بني آدم ممن غرق في السفينة أو سقط من الدابة لم يضمنه، وإذا فصد الفصاد أو بزغ البزاغ ولم يتجاوز الموضع المعتاد فلا ضمان عليه فيما عطب من ذلك. والأجير الخاص: الذي يستحق الأجرة بتسليم نفسه في المدة، وإن لم يعمل، كمن استؤجر شهراً للخدمة أو لرعي الغنم.   (إلا أنه لا يضمن به بني آدم ممن غرق في السفينة أو سقط من الدابة) وإن كان بسوقه أو قوده؛ لأن ضمان الآدمي لا يجب بالعقد، بل بالجناية، وهذا ليس بجناية لكونه مأذونا فيه (وإذا فصد الفصاد) بإذن المفصود (أو بزغ البزاغ) أي البيطار بإذن رب الدابة (ولم يتجاوز الموضع المعتاد فلا ضمان عليه فيما عطب من ذلك) لأنه لا يمكن الاحتراز عن السراية؛ لأنه يبتنى على قوة الطباع وضعفها، ولا يعرف ذلك بنفسه، فلا يمكن تقييده بالسلامة، فسقط اعتباره، إلا إذا جاوز المعتاد فيضمن الزائد كله إذا لم يهلك، وإذا هلك ضمن نصف الدية، لأنه هلك بمأذون فيه وغير مأذون فيه، فيضمن بحسابه - وهو النصف - حتى إن الختان لو قطع الحشفة وبرئ المقطوع تجب عليه دية كاملة، لأن الزائل هو الحشفة، وهو عضو كامل، فتجب دية كاملة، وإن مات يجب عليه نصف الدية. وهي من الغرائب، حيث يجب الأكثر بالبرء والأقل بالهلاك. درر عن الزيلعي. قيدنا الفصد والبزغ بالإذن، لأنه لو بغير الإذن ضمن مطلقا. (والأجير الخاص) - ويسمى أجير واحدٍ أيضا - هو (الذي) يعمل لواحد عملا موقتا بالتخصيص، ومن أحكامه أنه (يستحق الأجرة بتسليم نفسه في المدة) المعقود عليها (وإن لم يعمل) وذلك (كمن استؤجر شهراً للخدمة أو لرعي الغنم) ؛ لأن المعقود عليه تسليم نفسه، لا عمله، كالدار المستأجرة للسكنى، والأجر مقابل بها، فيستحقه ما لم يمنع من العمل مانع كمرض ومطر ونحوهما مما يمنع التمكن من العمل. ثم الأجير للخدمة أو لرعي الغنم إنما يكون خاصا إذا شرط عليه أن لا يخدم غيره ولا يرعى لغيره أو ذكر المدة أو لا، كأن يستأجره شهراً ليرعى له غنما مسماة بأجر معلوم فإنه أجير خاص بأول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 ولا ضمان على الأجير الخاص فيما تلف في يده ولا ما تلف من عمله. والإجارة تفسدها الشروط كما تفسد البيع، ومن استأجر عبداً للخدمة فليس له أن يسافر به إلا أن يشترط ذلك، ومن استأجر جملاً ليحمل عليه محملاً وراكبين إلى مكة جاز، وله المحمل المعتاد، وإن شاهد الجمال المحمل فهو أجود، وإن استأجر   الكلام، وتمامه في الدرر، ولبس للخاص أن يعمل لغيره، ولو عمل نقص من أجرته بقدر ما عمل، فتاوى النوازل (ولا ضمان على الأجير الخاص فيما تلف في يده) بأن سرق منه أو غصب لأنه أمانة في يده، لأنه قبضه بإذنه (ولا ما تلف من عمله) العمل المعتاد: كتخريق للثوب من دقه، لأن منافعه صارت مملوكة للمستأجر، فإذا أمره بالصرف إلى ملكه صح وصار نائبا منابه فصار فعله منقولا إليه كأنه فعله بنفسه، قيدنا العمل بالمعتاد لأنه لو كان غير معتاد بأن تعمد الفساد ضمن كالمودع. (والإجارة تفسدها الشروط) المخالفة لمقتضى العقد (كما تفسد البيع) بذلك، لأن الإجارة بمنزلة البيع لأنها بيع المنافع. (ومن استأجر عبدا للخدمة) وهو مقيم، ولم يكن معروفا بالسفر (فليس له أن يسافر به، إلا أن يشترط ذلك) في عقد الإجارة، لأن خدمة السفر أشق فلا تلزم إلا بالتزامه، قيدنا بكونه مقيما لأنه إذا كان مسافرا له السفر به، كما في الجوهرة، وبكونه غير معروف بالسفر لأنه إذا كان معروفا بالسفر له السفر به، لأن المعروف كالمشروط (ومن استأجر جملا ليحمل عليه محملا) ولو غير معين (وراكبين) معينين أو يقول: على أن أركب من أشاء (إلى مكة جاز) العقد استحساناً (وله المحمل المعتاد) لأن المقصود هو الراكب وهو معلوم، والمحمل تابع، وما فيه من الجهالة يرتفع بالصرف إلى المعتاد، ويجعل المعقود عليه جملا في ذمة المكاري؛ والإبل آلة، وجهالة الآلة لا تفسد (وإن شاهد الجمال المحمل فهو أجود) ، لأنه أنفى للجهالة (وإن استأجر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 بعيراً ليحمل عليه مقداراً من الزاد فأكل منه في الطريق جاز له أن يرد عوض ما أكل، والأجرة لا تجب بالعقد، وتستحق بأحد معانٍ ثلاثةٍ: إما بشرط التعجيل. أو بالتعجيل من غير شرطٍ، أو باستيفاء المعقود عليه، ومن استأجر داراً فللمؤجر أن يطالبه بأجرة كل يومٍ إلا أن يبين وقت الاستحقاق بالعقد، ومن استأجر بعيراً إلى مكة فللجمال أن يطالبه بأجرة كل مرحلةٍ، وليس للقصار والخياط أن يطالب بالأجرة حتى يفرغ   بعيراً ليحمل عليه مقداراً من الزاد فأكل منه في الطريق جاز له أن يرد عوض ما أكل) من زاد ونحوه، لأنه يستحق عليه حملا مسمى في جميع الطريق؛ فله أن يستوفيه. (والأجرة لا تجب بالعقد) فلا يجب تسليمها به (و) إنما (تستحق بأحد معان ثلاثة: إما بشرط التعجيل) وقت العقد، لأنه شرط لازم (أو بالتعجيل من غير شرط) بأن يعطيه حالا، فإنه يكون هو الواجب، حتى لا يكون له الاسترداد (أو باستيفاء المعقود عليه) ، لأنها عقد معاوضة، فإذا استوفى المنفعة استحق عليه البدل. (ومن استأجر دارا) سنة مثلا بقدر معلوم من غير بيان وقت الاستحقاق (فللمؤجر أن يطالبه بأجرة كل يوم) لأنهما منفعة مقصودة (إلا أن يبين وقت الاستحقاق في العقد) لأنه بمنزلة التأجيل (و) كذا (من استأجر بعيرا إلى مكة) بقدر معلوم فللجمال أن يطالبه بأجرة كل مرحلة) ، لأن سير كل مرحلة منفعة مقصودة، وكان الإمام أولا يقول: لا يجب الأجر إلا بعد انقضاء المدة وانتهاء السفر، لأن المعقود عليه جملة المنافع في المدة فلا يتوزع الأجر على أجزائها، كما إذا كان المعقود عليه العمل، ووجه المرجوع إليه أن القياس يقتضي استحقاق الأجرة ساعة فساعة لتتحقق المساواة، إلا أن المطالبة في كل ساعة تفضي إلى أن لا يتفرغ لغيره فيتضرر به، فقدر بما ذكرناه، هداية. (وليس للقصار والخياط) ونحوهما (أن يطالب بالأجرة) أو بعضها (حتى يفرغ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 من العمل إلا أن يشترط التعجيل، ومن استأجر خبازاً ليخبز له في بيته قفيز دقيق بدرهمٍ لم يستحق الأجرة حتى يخرج الخبز من التنور، ومن استأجر طباخاً ليطبخ له طعاماً للويمة فالغرف عليه، ومن استأجر رجلاً ليضرب له لبناً استحق الأجرة إذا أقامه عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يستحقها حتى يشرجه، وإذا قال للخياط: إن خطت هذا الثوب فارسياً فبدرهمٍ، وإن خطته رومياً فبدرهمين، جاز، وأي العملين عمل استحق الأجرة،   من العمل) المعقود عليه، لأن العمل في البعض غير منتفع به فلا يستوجب به الأجر. (إلا أن يشترط التعجيل) ، لما مر أن الشرط فيه لازم (ومن استأجر خبازاً ليخبز له في بيته) : أي بيت المستأجر (قفيز دقيق) مثلا (بدرهم لم يستحق الأجرة حتى يخرج الخبز من التنور) ، لأن تمامه بالإخراج، فلو احترق أو سقط من يده قبل الإخراج فلا أجرة له للهلاك قبل التسليم، وإن أخرجه ثم احترق من غير فعله فله الأجر ولا ضمان عليه. هداية. (ومن استأجر طباخاً ليطبخ له طعاما للوليمة فالغرف عليه) : أي على الأجير، لجريان العرف بذلك (ومن استأجر رجلا ليضرب له لبناً) بكسر الباء (استحق الأجرة إذا أقامه) أي صار لبناً (عند أبي حنيفة) ؛ لأن العمل قد تم والتشريج عمل زائد كالنقل، ألا يرى أن ينتفع به قبل التشريج بالنقل إلى موضع العمل، بخلاف ما قبل الإقامة، لأنه طين منتشر. هداية (وقالا: لا يستحقها) : أي الأجرة (حتى يشرجه) أي يركب بعضه على بعض، لأنه من تمام عمله، إذ لا يؤمن الفساد قبله، فصار كإخراج الخبز من التنور، ولأن الأجير هو الذي يتولاه عرفا، وهو المعتبر فيما لم ينص عليه، قال في التصحيح: وقد اعتمد قول الإمام المحبوبي والنسفي، وقال في العيون: والفتوى على قولهما، قلت: كأنه لاتحاد العرف فيراعى إن اتحد. انتهى. (وإذا قال للخياط: إن خطت هذا الثوب فارسيا فبدرهم، وإن خطته روميا فبدرهمين، جاز) الشرطان (وأي العملين عمل استحق الأجرة) المشروطة، وكذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 وإن قال: إن خطته اليوم فبدرهمٍ، وإن خطته غداً فبنصف درهمٍ، فإن خاطه اليوم فله درهمٌ، وإن خاطه غداً فله أجر مثله عند أبي حنيفة ولا يتجاوز به نصف درهمٍ، وإن قال: إن سكنت في هذا الدكان عطاراً فبدرهمٍ في الشهر، وإن سكنته حداداً فبدرهمين، جاز، وأي الأمرين فعل استحق المسمى فيه عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: الإجارة فاسدةٌ، ومن استأجر داراً كل شهرٍ بدرهمٍ فالعقد صحيحٌ في شهرٍ واحدٍ فاسدٌ في بقية الشهور.   إذا خيره بين ثلاثة أشياء، وإن خيره بين أربعة لم يجز، اعتباراً بالبيع، فإنه إذا اشترى ثوبين على أن يأخذ أيهما شاء جاز، وكذا إذا خيره بين ثلاثة أثواب، ولا يجوز في الأربعة فكذا في الإجارة. نهاية. (وإن قال: إن خطته اليوم فبدرهم، وإن خطته غداً فبنصف درهم، فإن خاطه اليوم فله درهم، وإن خاطه غدا) أو بعده (فله أجر مثله عند أبي حنيفة) ؛ لأن ذكر اليوم للتعجيل، بخلاف الغد فإنه للتعليق حقيقة، وإذا كان كذلك يجتمع في الغد تسميتان الوقت والعمل، دون اليوم، فيصح الأول ويجب المسمى في اليوم، ويفسد الثاني ويجب أجر المثل، كما في الهداية (ولا يتجاوز به نصف درهم) لأنه هو المسمى في اليوم الثاني وقد رضى به، وهذا عند أبي حنيفة (وقال أبو يوسف ومحمد: الشرطان جائزان) وقال زفر: الشرطان فاسدان، قال في التصحيح: واعتمد قول الإمام في الخلافيات المذكورة المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة وأبو الفضل (وإن قال: إن سكنت في هذه الدكان عطاراً فبدرهم في الشهر، وإن سكنت حداداً فبدرهمين جاز) الشرطان (وأي الأمرين فعل استحق المسمى فيه عند أبي حنيفة) ، لأنه خيره بين عقدين صحيحين مختلفين فيصح كما في مسألة الرومية والفارسية (وقالا: الإجارة فاسدة) لجهالة الأجرة، لأنه لا يعلم أي العملين يعمل، وتقدم في التصحيح أن المعتمد في الخلافيات المذكورة قول الإمام (ومن استأجر داراً كل شهر بدرهم فالعقد صحيح في شهر واحد) لكونه معلوما (فاسدة في بقية الشهور) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 إلا أن يسمي جملةً شهورٍ معلومةٍ، فإن سكن ساعةً من الشهر الثاني صح العقد فيه [ولزمه ذلك الشهر] ولم يكن للمؤجر أن يخرجه منها إلى أن ينقضي، وكذلك كل شهرٍ يسكن في أوله، وإذا استأجر داراً سنةً بعشرة دراهم جاز، وإن لم يسم قسط كل شهرٍ من الأجرة، ويجوز أخذ أجرة الحمام   لجهالتها، والأصل أن كلمة "كل" إذا دخلت فيما لا نهاية له ينصرف إلى الواحد؛ لتعذر العمل بالعموم، فكان الشهر الواحد معلوما فصح العقد فيه، فإذا تم كان لكل واحد منهما أن ينقض الإجارة لانتهاء مدة العقد الصحيح (إلا أن يسمى جملة شهور) جملةً (معلومة) فيجوز، لزوال المانع لأن المدة صارت معلومة (فإن سكن ساعة من الشهر الثاني صح العقد فيه) : أي الشهر الثاني (ولم يكن للمؤجر أن يخرجه منها إلى أن ينقضي) الشهر (وكذلك) حكم (كل شهر يسكن في أوله) ساعةً، لأنه تم العقد بتراضيهما بالسكنى في الشهر الثاني، إلا أن الذي ذكره في الكتاب هو القياس، وقد مال إليه بعض المشايخ، وظاهر الرواية أن يبقى الخيار لكل واحد منهما في الليلة الأولى من الشهر ويومها، لأن في اعتبار الأول بعض الحرج، هداية. وفي التصحيح: قال في الجوهرة والتبيين: هذا قول البعض، أما ظاهر الرواية لكل واحد منهما الخيار في الليلة الأولى من الشهر ويومها، وبه يفتى، قال القاضي: وإليه أشار في ظاهر الرواية، وعليه الفتوى. اهـ (وإذا استأجر داراً سنةً بعشرة دراهم) مثلا (جاز) وتقسط على الأشهر بالسوية (وإن لم يسم قسط كل شهر من الأجرة) ، لأن المدة معلومة بدون التقسيم. ثم يعتبر ابتداء المدة مما سمى، وإن لم يسم فمن وقت العقد، ثم إن كان العقد حين يهل الهلال فشهور السنة كلها بالأهلة، لأنها الأصل، وإن كان في أثناء الشهر فالكل بالأيام عند الإمام، وقال محمد: الشهر الأول بالأيام، والباقي بالأهلة، وعن أبي يوسف روايتان. (ويجوز أخذ أجرة الحمام) لتعارف الناس، ولم يعتبر الجهالة لإجماع المسلمين: وقال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 والحجام، ولا يجوز أخذ أجرة عسب التيس، ولا يجوز الاستئجار على الأذان والإقامة والحج والغناء والنوح، ولا تجوز إجارة المشاع عند أبي حنيفة إلا من الشريك. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: إجارة المشاع جائزةٌ.   النبي صلى الله عليه وسلم: "ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن" هداية. (والحجام) لما روي أنه عليه الصلاة والسلام "احتجم وأعطى الحجام الأجر" ولأنه استأجر على عمل معلوم بأجر معلوم، هداية (ولا يجوز أخذ أجرة عسب التيس) أي ضرابه (ولا يجوز الاستئجار على) الطاعات، مثل (الأذان والإقامة والحج) والإمامة وتعليم القرآن والفقه، قال في التصحيح: وهذا جواب المتقدمين، وأجازه المتأخرون، فقال في الهداية: وبعض مشايخنا استحسنوا الاستئجار على تعليم القرآن، وعليه الفتوى، واعتمده النسفي، وقال في المحيط: ولا يجوز الاستئجار على الطاعات كتعليم القرآن والفقه والإمامة والحج عنه، وبعض أصحابنا المتأخرين جوزوا ذلك؛ لكسل الناس، ولحاجتهم. وفي الذخيرة: ومشايخ بلخ جوزوا الاستئجار لتعليم القرآن إذا ضرب لذلك مدة، وأفتوا بوجوب المسمى، وإذا كان بدون ذكر المدة أفتوا بوجوب أجرة المثل، وكذلك يفتى بجواز الاستئجار على تعليم الفقه، وقال صدر الشريعة: ولم يصح للعبادات كالأذان والإقامة وتعليم القرآن، ونفتي اليوم بصحتها. اهـ (و) لا على المعاصي، مثل (الغناء والنوح) وكذا سائر الملاهي؛ لأنه استئجار على المعصية، والمعصية لا تستحق بالعقد. (ولا تجوز إجارة المشاع) الأصلي، سواء كان يقبل القسمة أو لا (عند أبي حنيفة) لعدم القدرة على التسليم؛ لأن تسليم الشائع وحده لا يتصور (إلا من الشريك) ؛ لحدوث المنفعة كلها على ملكه فلا شيوع، والاختلاف في النسبة لا يضر، هداية. وفي جامع الكرخي: نص أبو حنيفة أنه إذا آجر بعض ملكه أو آجر أحد الشريكين نصيبه من أجنبي فهو فاسد، سواء فيما يقسم ومالا يقسم، اهـ. وكذا من أحد الشريكين كما في العمادية (وقالا: إجارة المشاع جائزة) ؛ لأن له منفعة، ولهذا يجب أجر المثل، والتسليم ممكن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 ويجوز استئجار الظئر بأجرةٍ معلومةٍ، ويجوز بطعامها وكسوتها، وليس للمستأجر أن يمنع زوجها من وطئها، فإن حبلت كان لهم أن يفسخوا الإجارة إذا خافوا على الصبي من لبنها، وعليها أن تصلح طعام الصبي، وإن أرضعته في المدة بلبن شاةٍ فلا أجر لها، وكل صنعٍ لعمله أثرٌ في العين كالقصار   بالتخلية أو بالتهايؤ، فصار كما إذا أجر من شريكه أو من رجلين، قال في التصحيح: وفي الفتاوى الصغرى وتتمة الفتاوى والحقائق: الفتوى على قول أبي حنيفة، واعتمده النسفي والمحبوبي وصدر الشريعة، قال في شرح الكنز: وفي المغني: الفتوى في إجارة المشاع على قولهما، قلت: هو شاذ مجهول القائل، فلا يعارض ما ذكرناه. اهـ. قيدنا الشيوع بالأصلي لأن الشيوع الطارئ لا يفسد اتفاقا، وذلك كأن آجر الكل ثم فسخ في البعض، أو آجر لواحد فمات أحدهما، أو بالعكس. (ويجوز استئجار الظئر) بالكسر والهمزة - المرضعة (بأجرة معلومة) لتعامل الناس، بخلاف بقية الحيوانات، لعدم التعارف (ويجوز) أيضاً (بطعامها وكسوتها) استحساناً عند أبي حنيفة، وقالا: لا يجوز، لأن الأجرة مجهولة، وله أن الجهالة لا تفضي إلى المنازعة؛ لأن العادة التوسعة على الآظآر شفقة على الأولاد (وليس للمستأجر أن يمنع زوجها من وطئها) لأن ذلك حقه (فإن حبلت كان لهم) : أي أولياء الصغير (أن يفسخوا الإجارة إذا خافوا على الصبي من لبنها) لأن لبن الحامل يفسد الصبي، ولهذا كان لهم الفسخ إذا مرضت أيضاً (وعليها) أي الظئر (أن تصلح طعام الصبي) ، لأن العمل عليها. والحاصل أنه يعتبر فيما لا ينص عليه العرف في مثل هذا الباب؛ فما جرى عليه العرف من غسل ثياب الصبي وإصلاح الطعام وغير ذلك على الظئر هداية. (وإن أرضعته في المدة بلبن شاة فلا أجر لها) ؛ لأنها لم تأت بالعمل المستحق عليها - وهو الإرضاع - لأن إرضاعه بلبن الشاة إيجار وليس بإرضاع، فاختلف العمل، فلم يجب الأجر كما في الهداية. (وكل صانع لعمله أثر) بحيث يرى ويعاين (في العين) وذلك (كالقصار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 والصباغ فله أن يحبس العين بعد الفراغ من عمله حتى يستوفي الأجرة، ومن ليس لعمله أثرٌ فليس له أن يحبس العين بالأجرة كالحمال والملاح، وإذا شرط على الصانع أن يعمل بنفسه فليس له أن يستعمل غيره، فإن أطلق له العمل فله أن يستأجر من يعمله، وإذا اختلف الخياط وصاحب الثوب فقال صاحب الثوب: أمرتك أن تعمله قباء، وقال الخياط: قميصاً، أو قال صاحب الثوب للصباغ: أمرتك أن تصبغه أحمر فصبغته أصفر   والصباغ فله أن يحبس العين بعد الفراغ من عمله حتى يستوفي الأجرة) المشروطة؛ لأن المعقود عليه وصف قائم في الثوب فله حق الحبس لاستيفاء البدل، كما في البيع، ولو حبسه فضاع لا ضمان عليه عند الإمام؛ لأنه غير متعدٍ في الحبس، فبقي أمانة كما كان عنده، ولا أجر له؛ لهلاك المعقود عليه قبل التسليم (ومن لس لعمله أثر) في العين (فليس له أن يحبس العين) لأجل الأجرة، وذلك (كالحمال) على ظهره أو دابة (والملاح) صاحب السفينة، لأن المعقود عليه نفس العمل، وهو غير قائم في العين؛ فلا يتصور حبسه، فليس له ولاية الحبس، وغسل الثوب نظير الحل، هداية. قال في المجتبى: أي لتطهيره لا لتحسينه فليحفظ. (وإذا اشترط) المستأجر (على الصانع أن يعمل بنفسه فليس له) : أي الصانع (أن يستعمل غيره) ؛ لأنه لم يرض بعمل غيره (وإن أطلق له العمل فله أن يستأجر من يعمله) ؛ لأن المستحق عملٌ في ذمته، ويمكن إيفاؤه بنفسه وبالاستعانة بغيره، بمنزلة إيفاء الدين، والعادة جارية أن الصناع يعملون بأنفسهم وبأجرائهم. (وإذا اختلف الخياط وصاحب الثوب) في صفة الصنعة المستأجر عليها أو في قدر الأجرة (فقال صاحب الثوب: أمرتك أن تعمله قباء) بالفتح (وقال الخياط) : أمرتني أن أعمله (قميصا) مثلا (أو قال صاحب الثوب للصباغ: أمرتك أن تصبغه أحمر فصبغته أصفر) وهو خلاف ما أمرتك، وقال الصباغ: بل أمرتني بهذا الأصفر، أو قال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 فالقول قول صاحب الثوب مع يمينه، فإن حلف فالخياط ضامنٌ، وإذا قال صاحب الثوب: عملته لي بغير أجرةٍ~، وقال الصانع: بأجرةٍ، فالقول قول صاحب الثوب مع يمينه عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: إن كان حريفاً له فله الأجرة، وإن لم يكن حريفً له فلا أجرة له، وقال محمدٌ: إن كان الصانع عروفاً بهذه الصنعة أن يعمل بالأجرة فالقول قوله إنه عمله بأجرةٍ، والواجب في الإجارة الفاسدة أجر المثل لا يتجاوز به المسمى.   صاحب الثوب: الأجرة عشرة، وقال الأجير: عشرون (فالقول قول صاحب الثوب مع يمينه) لأن الإذن مستفاد من جهته، ألا يرى أنه لو أنكر أصل الإذن كان القول قوله، فكذا إذا أنكر صفته، لكن يحلف؛ لأنه أنكر شيئاً لو أقر به لزمه. هداية. (وإذا حلف فالخياط ضامن) ؛ لتصرفه في ملك الغير بغير إذنه، لكن صاحب الثوب بالخيار: إن شاء ضمنه، وإن شاء أخذه وأعطاه أجر مثله (وإذا قال صاحب الثوب: عملته لي بغير أجرة، وقال الصانع) : عملته (بأجرة، فالقول قول صاحب الثوب) أيضاً (مع يمينه عند أبي حنيفة) ؛ لأنه ينكر الضمان، والصانع يدعيه، والقول قول المنكر (وقال أبو يوسف: إن كان) صاحب الثوب (حريفاً) أي معاملا (له) : أي للصانع، بأن كان بينهما معاملة من أخذٍ وإعطاء (فله الأجرة) ؛ لأن سبق ما بينهما من المعاملة يعين جهة الطلب بأجر جريا على معتادهما، هداية (وإن لم يكن حريفاً) له (فلا أجرة له. وقال محمد: إن كان الصانع معروفاً بهذه الصنعة أن يعمل بالأجرة) وقيام حاله بها (فالقول قوله بأنه عمله بأجرة) عملا بشهادة الظاهر، قال في التصحيح: ورجح دليل الإمام في الهداية، وأجاب على دليلهما، واعتمده الإمام المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة، وجعل جواهر زاده الفتوى على قول محمد. اهـ، ونقله في الدر عن الزيلعي. (والواجب في الإجارة الفاسدة أجر المثل لا يتجاوز به المسمى) لرضاهما به، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 وإذا قبض المستأجر الدار فعليه الأجرة وإن لم يسكنها، فإن غصبها غاصبٌ من يده سطت الأجرة، وإن وجد بها عيباً يضر بالسكنى فله الفسخ، وإذا خربت الدار أو انقطع شرب الضيعة أو انقطع الماء عن الرحى انفسخت الإجارة،   وينقص عنه؛ لفساد التسمية، وهذا هو الفساد لشرطٍ فاسدٍ أو شيوع مع العلم بالمسمى، وإن لجهالة المسمى أو عدم التسمية أصلا أو [كان] المسمى خمراً أو خنزيراً وجب أجر المثل بالغاً ما بلغ، لعدم ما يرجع إليه. (وإن قبض المستأجر الدار فعليه الأجرة وإن لم يسكنها) ؛ لأن تسليم عين المنفعة لا يتصور؛ فأقيم تسليم المحل مقامه؛ إذ التمكن من الانتفاع يثبت به، وهذا لو الإجارة صحيحة، أما في الفاسدة فلا تجب الأجرة إلا بحقيقة الانتفاع كما في العمادية (فإن غصبها غاصب من يده سقطت الأجرة) لأن تسليم المحل إنما أقيم مقام تسليمه المنفعة للتمكن من الانتفاع، فإذا فات التمكن فات التسليم وانفسخ العقد فيسقط الأجر، وإن وجد الغصب في بعض المدة يسقط بقدره؛ إذا الانفساخ في بعضها. هداية (وإن وجد) المستأجر (بها) أي الدار المستأجرة (عيباً يضر بالسكنى) بحيث لا تفوت به المنفعة كترك تطيينها وإصلاح منافعها (فله الفسخ) ؛ لأن المعقود عليه المنافع، وإنها توجد شيئاً فشيئاً، فكان هذا عيباً حادثاً قبل القبض؛ فيوجب الخيار كما في البيع، ثم المستأجر إذا استوفى المنفعة فقد رضي بالعيب فيلزمه جميع البدل كما في البيع، وإن أزال المؤجر العيب بطل خيار المستأجر، لزوال سببه (فإن) فاتت المنفعة بالكلية: بأن (خربت الدار) كلها (أو انقطع شرب الضيعة) : أي الأرض كله (أو انقطع) الماء جميعه (عن الرحى انفسخت الإجارة) لأن المعقود عليه قد فات قبل القبض، فشابه فوت المبيع قبل القبض وموت العبد المستأجر، ومن أصحابنا من قال: إن العقد لا ينفسخ، لأن المنافع فاتت على وجه يتصور عودها، فأشبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 وإذا مات أحد المتعاقدين وقد عقد الإجارة لنفسه انفسخت الإجارة، وإن عقدها لغيره لم تنفسخ، ويصح شرط الخيار في الإجارة، وتنفسخ الإجارة بالأعذار، كمن استأجر دكاناً في السوق ليتجر فيه فذهب ماله وكمن أجر داراً أو دكاناً ثم أفلس ولزمته ديونٌ لا يقدر على قضائها إلا من ثمن ما آجر فسخ القاضي العقد وباعها في الدين،   الإباق في البيع، هداية. ومثله في شرح الأقطع، ثم قال: والصحيح هو الأول، وتبعه في الجوهرة، لكن عامة المشايخ على الثاني، وهو الصحيح كما في الذخيرة والتتار خانية والاختيار وغيرها، وفي الغاية للاتقاني نقلا عن إجارات شمس الأئمة: إذا انهدمت الدار كلها فالصحيح أنه لا تنفسخ، لكن سقط الأجر فسخ أولا. (وإذا مات أحد المتعاقدين) عقد الإجارة (وقد) كان (عقد الإجارة لنفسه انفسخت الإجارة) ؛ لأنها لو بقيت تصير المنفعة المملوكة أو الأجرة المملوكة لغير العاقد مستحقة بالعقد لانتقالها إلى الوارث، وهو لا يجوز. درر (وإن) كان (عقدها لغيره) بأن كان وكيلا أو وصيا أو متوليا (لم تنفسخ الإجارة) لبقاء المستحق، حتى لو مات المعقود له بطلت، وتنفسخ بموت أحد المستأجرين أو المؤجرين في حصته فقط، وتبقى في حصة الحي. (ويصح شرط الخيار في الإجارة) ؛ لأنه عقد معاوضة لا يلزم فيه القبض في المجلس؛ فجاز اشتراط الخيار كالبيع. (وتنفسخ الإجارة بالأعذار) الموجبة ضرراً لم يستحق بالعقد، وذلك (كمن استأجر دكاناً في السوق ليتجر فيه فذهب ماله) أو طباخا ليطبخ للوليمة فاختلعت منه الزوجة؛ لأن في المضي عليه إلزام ضرر زائد لم يستحق بالعقد (وكمن آجر داراً أو دكاناً ثم أفلس ولزمته ديون) بعيان أو برهان، وكان (لا يقدر على قضائها إلا من ثمن ما آجر فسخ القاضي العقد) بينهما (وباعها في الدين) أي: لأجل قضائه، وفي قوله "فسخ القاضي" إشارة إلى أنه يفتقر إلى قضاء القاضي في النقض، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 وكمن استأجر دابةً ليسافر عليها ثم بدا له من السفر فهو عذرٌ، وإن بدا للمكاري من السفر فليس ذلك بعذر. كتاب الشفعة. - الشفعة واجبةٌ للخيط في نفس المبيع، ثم للخليط في حق المبيع، كالشرب والطريق، ثم للجار، وليس للشريك في الطريق والشرب والجار   وهكذا ذكر في الزيادات في عذر الدين، وقال في الجامع الصغير: وكل ما ذكرنا أنه عذر فإن الإجارة فيه تنتقض، وهذا يدل على أنه لا يحتاج فيه إلى قضاء القاضي، ومنهم من فرق فقال: إذا كان العذر ظاهراً لا يحتاج إلى القضاء لظهور العذر، وإن كان غير ظاهر كالدين يحتاج إلى القضاء لظهور العذر (1) . هداية. (وكمن استأجر دابة ليسافر عليها ثم بدا له من السفر فهو عذر) ؛ لأنه لو مضى على موجب العقد يلزمه ضرر زائد؛ لأنه ربما يريد الحج فيفوت وقته، أو طلب غريم فيحضر، أو التجارة فيفتقر (وإن بدا للمكارى من السفر فليس ذلك بعذر) ؛ لأن خروجه غير مستحق عليه، ويمكنه أن يقعد ويبعث الدواب على يد أجيره، ولو مرض المؤجر فقعد فكذا الجواب على رواية الأصل، وروى الكرخي أنه عذر؛ لأنه لا يعرى عن ضرر؛ فيدفع عنه عند الضرورة دون الاختيار، هداية. قال في الدر: وبالأول يفتي. كتاب الشفعة (الشفعة) لغةً: الضم، وشرعا: تملك العقار جبراً على المشتري بما قام عليه. وهي (واجبة) أي ثابتة (للخليط) أي الشريك (في نفس المبيع ثم) إذا لم يكن، أو كان وسلم - تثبت (للخليط في حق المبيع كالشرب) أي: النصيب من الماء (والطريق) الخاصين (ثم) إذا لم يكونا، أو كانا وسلما - تثبت (للجار) الملاصق، ولو بابه في سكة أخرى (وليس للشريك في الطريق والشرب والجار   (1) أي لكي يظهر العذر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 شفعةٌ مع الخليط، فإن سلم فالشفعة للشريك في الطريق، فإن سلم أخذها الجار. والشفعة تجب بعقد البيع وتستقر بالإشهاد، وتملك بالأخذ إذا سلمها المشتري أو حكم بها حاكمٌ، وإذا علم الشفيع بالبيع أشهد في مجلسه ذلك على المطالبة   شفعة مع الخليط) في نفس المبيع؛ لأن الاتصال بالشركة أقوى؛ لأنه في كل جزء (فإن سلم) الخليط في نفس المبيع (فالشفعة للشريك في) حق الميع: من (الطريق) والشرب، وليس للجار شفعة معه؛ لأنه شريك في المرافق (فإن سلم) الشريك في حق المبيع (أخذها الجار) تقديماً للأخص فالأخص؛ قيدنا الشرب والطريق بالخاصين لما في الهداية، ثم لابد أن يكون الطريق أو الشرب خاصا، حتى يستحق الشفعة بالشركة؛ فالطريق الخاص: أن لا يكون نافذاً، والشرب الخاص: أن لا يكون تجري فيه السفن، وما تجري فيه السفن فهو عام، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وعن أبي يوسف: الخاص أن يكون نهرا يسقي منه قراحان أو ثلاثة، وما زاد على ذلك فهو عام، فإن كانت سكة غير نافذة يتشعب منها سكة غير نافذة وهي مستطيلة فبيعت دار في السفلى فلأهلها الشفعة خاصة دون أهل العليا، وإن بيعت في العليا فلأهل السكتين، ولو كان نهر صغير يأخذ منه نهر أصغر منه فهو على قياس الطريق. اهـ. لكن قال شيخنا: وعامة المشايخ على أن الشركاء في النهر إن كانوا يحصون فصغير، وإلا فكبير، كما في الكفاية. (والشفعة تجب بعقد البيع) : أي بعده؛ لأنه هو السبب (وتستقر بالإشهاد) ولابد من طلب المواثبة، لأنها حق ضعيف يبطل بالإعراض، ولابد من الإشهاد والطلب، ليعلم بذلك رغبته فيه دون إعراضه عنه، ولأنه يحتاج إلى إثبات طلبه عند القاضي، ولا يمكنه إلا بالإشهاد، هداية. (وتملك بالأخذ إذا سلمها المشتري) بالتراضي (أو حكم بها حاكم) ، لأن الملك للمشتري قد تم؛ فلا تنتقل إلى الشفيع إلا بالتراضي أو قضاء القاضي. (وإذا علم الشفيع بالبيع) من المشتري أو رسوله أو عدلٍ أو عددٍ (أشهد في مجلسه ذلك على المطالبة) وهو طلب المواثبة، والإشهاد فيه ليس بلازم؛ وإنما هو لنفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 ثم ينهض منه فيشهد على البائع إن كان المبيع في يده أو على المبتاع أو عند العقار، فإذا فعل ذلك استقرت شفعته ولم تسقط بالتأخير عند أبي حنيفة، وقال محمدٌ: إن تركها شهراً بعد الإشهاد بطلت شفعته.   التجاحد، والتقييد بالمجلس إشارة إلى ما اختاره الكرخي، قال في الهداية: اعلم أن الطلب على ثلاثة أوجه: طلب المواثبة، وهو أن يطلبها كما علم، حتى لو بلغه البيع، ولم يطلب بطلت شفعته، حتى لو أخبر بكتاب والشفعة في أوله أو في وسطه فقرأ الكتاب إلى آخره بطلت شفعته، وعلى هذا عامة المشايخ، وهو رواية عن محمد، وعنه أن له مجلس العلم، والروايتان في النوادر، وبالثانية أخذ الكرخي؛ لأنه لما ثبت له خيار التملك لابد من زمان التأمل كما في المخيرة، اهـ. قال في الحقائق: والطلب على الفور، وهكذا روى عن أبي حنيفة، وهو ظاهر المذهب، وهو الصحيح، تصحيح، لكن ظاهر المتون وكافي الحاكم أن له مجلس العلم، ولذا قال في الإيضاح: إنه الأصح، فتنبه (ثم ينهض منه) : أي مجلسه بعد طلب المواثبة (فيشهد على البائع إن كان المبيع في يده) : أي لم يسلم إلى المشتري (أو) يشهد (على المبتاع) أي المشتري وإن لم يكن ذايد لأنه مالك (أو عند العقار) ؛ لأن الحق متعلق به، قيد الشهادة على البائع بما إذا كان العقار في يده لأنه إذا لم يكن ذايد لم يصح اشهاد عليه لخروجه عن أن يكون خصما إذ لا يد له ولا ملك، فصار كالأجنبي. وصورة هذا الطلب أن يقول: إن فلاناً اشترى هذه الدار وأنا شفيعها، وقد كنت طلبت الشفعة وأطلبها الآن، فاشهدوا على ذلك (فإذا فعل ذلك) المذكور (استقرت شفعته ولم تسقط) بعده (بالتأخير عند أبي حنيفة) وهو رواية عن أبي يوسف؛ لأن الحق متى ثبت واستقر لا يسقط إلا بالإسقاط: وهو التصريح بلسانه كما في سائر الحقوق، وهو ظاهر المذهب وعليه الفتوى، هداية. قال في العزمية: وقد رأيت فتوى المولى أبي السعود على هذا القول (وقال محمد: إن تركها شهراً بعد الإشهاد) من غير عذر (بطلت شفعته) ؛ لأنه لو لم تسقط بتأخير الخصومة أبداً يتضر به المشتري؛ لأن لا يمكنه التصرف حذر نقضه من جهة الشفيع، فقدرناه بشهر؛ لأنه آجل وما دونه عاجل. هداية. قال في التصحيح - بعدما نقل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 والشفعة واجبةٌ في العقار، وإن كان مما لا يقسم، ولا شفعة في العروض والسفن   عبارة الهداية من أن قول أبي حنيفة هو ظاهر المذهب وعليه الفتوى - قلت: واعتمده النسفي كذلك، لكن صاحب الهداية خالف هذا في مختارات النوازل، فقال: وعن محمد إذا تركها شهراً بعد الإشهاد بطلت شفعته، وهو قول زفر، والفتوى على قوله، اهـ. قلت: وقد وقع نظير ذلك للحسام الشهيد فقال في الواقعات: لا تبطل أبداً، وبه نأخذ، وقال في الصغرى: والفتوى اليوم على قولهما، فيحمل على الرجوع إلى هذا، والله أعلم. ثم نقل الإفتاء به عن قاضيخان والذخيرة وشيخ الإسلام والخلاصة والمحيط والاختيار والتتمة والتحفة والمحبوبي وصدر الشريعة، اهـ. وفي الجوهرة: وقال في المستصفى: والفتوى على قول محمد، اهـ. وفي الشرنبلالية عن البرهان: إنه أصح ما يفتى به، ثم قال: يعني به أصح من تصحيح الهداية والكافي، وتمامه فيها، وعزاه في القهستاني إلى المشاهير كالمحيط والخلاصة والمضمرات وغيرها، ثم قال: فقد أشكل ما في الهداية والكافي. اهـ. وقال في شرح المجمع: وفي الجامع الخاني: والفتوى اليوم على قول محمد؛ لتغير أحوال الناس في قصد الإضرار، اهـ وقد سمعت ما مر عن الحسام الشهيد من قوله: والفتوى اليوم على قولهما، وقال العلامة قاسم: فيحمل على الرجوع إلى هذا، وبه ظهر أن إفتاءهم بخلاف ظاهر الرواية لتغير الزمن فيترجح على ظاهر الرواية؛ وإن كان مصححاً أيضا كما هو مقرر. (والشفعة واجبة في العقار) وما في حكمه كالعلو وإن لم يكن طريقه في السفل؛ لأنه التحق بالعقار بماله من حق. درر (وإن كان) العقار (مما لا يقسم) لوجود سببها، وهو الاتصال في الملك، والحكمة دفع ضرر سوء الجوار، وهو ينتظم القسمين (ولا شفعة في) المنقول مثل (العروض والسفن) ؛ لأنها إنما وجبت لدفع ضرر سوء الجوار، وهو على الدوام، والملك المنقول لا يدوم حسب دوامه في العقار، فلا يلحق به. هداية، ثم قال: وفي بعض نسخ الختصر "ولا شفعة في البناء، والنخل إذا بيعت دون العرصة" وهو صحيح مذكور في الأصل، لأنه لا قرار له فكان نقليا، وهذا بخلاف العلو، حيث يستحق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 والمسلم والذمي في الشفعة سواءٌ، وإذا ملك العقار بعوضٍ هو مالٌ وجبت فيه الشفعة، ولا شفعة في الدار التي يتزوج الرجل عليها أو يخالع المرأة بها أو يستأجر بها داراً أو يصالح بها عن دم عمدٍ أو يعتق عليها عبدا أو يصالح عنها بإنكارٍ أو سكوت، فإن صالح عنها بإقرار وجبت فيها الشفعة   بالشفعة، ويستحق به الشفعة في السفل إذا لم يكن طريق العلو فيه، لأنه بما له من حق القرار التحق بالعقار. اهـ. قيدنا إذا لم يكن طريق العلو فيه لأنه إذا كان طريق العلو فيه يكون شريكا في الطريق. (والمسلم والذمي في) استحقاق (الشفعة سواء) ؛ لأنهما مستويان في السبب والحكمة؛ فيستويان في الاستحقاق. (وإذا ملك العقار بعوض هو مال وجبت فيه الشفعة) لأنه أمكن مراعاة شرط الشرع فيه، وهو التملك بمثل ما تملك المشتري صورة أو قيمة، هداية. وعبر بالملك دون البيع ليعم الهبة بشرط العوض لأنها مبادلة مال بمال، ولما كان التعبير بالملك يعم الأعواض المالية وغيرها احترز عن الأعواض التي ليست بمال فقال: (ولا شفعة في الدار) (التي يتزوج الرجل عليها، أو) الدار التي (يخالع المرأة بها، أو يستأجر بها داراً) أو غيرها (ويصالح بها عن دم عمد، أو يعتق عليها عبداً) ؛ لأن الشفعة إنما تجب في مبادلة المال بالمال، وهذه الأعواض ليست بمال؛ فإيجاب الشفعة فيها خلاف المشروع وقلب الموضوع، قيد الصلح عن الدم بالعمد لأن الخطأ عوضه مال فتجب فيه الشفعة (أو يصالح عليها بإنكار أو سكوت) قال في الهداية: هكذا ذكر في أكثر نسخ المختصر، والصحيح "عنها" مكان "عليها" لأنه إذا صالح عنها بإنكار يزعم أنها لم تزل عن ملكه وإنما افتدى يمينه (فإن صالح عنها بإقرار وجبت فيها الشفعة) ؛ لأنه معترف بالملك للمدعى وإنما استفاده بالصلح، وهو مبادلة مالية، أما إذا صالح عليها بإقرار أو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 وإذا تقدم الشفيع إلى القاضي فأدعى الشراء وطلب الشفعة سأل القاضي المدعى عليه، فإن اعترف بملكه الذي يشفع به، وإلا كلفه إقامة البينة، فإن عجز عن البينة استحلف المشتري بالله ما نعلم أنه مالكٌ للذي ذكره مما يشفع به، فإن نكل أو قامت للشفيع بينةٌ سأله القاضي: هل ابتاع أم لا؟ فإن أنكر الابتياع قيل للشفيع: أقم البينة، فإن عجز عنها استحلف المشتري بالله ما ابتاع أو بالله ما يستحق علي في هذه الدار شفعةً من الوجه الذي ذكره،   سكوت أو إنكار وجبت الشفعة في جميع ذلك؛ لأنه أخذها عوضاً عن حقه في زعمه إذا لم يكن من جنسه؛ فيعامل بزعمه، هداية. (وإذا تقدم الشفيع إلى القاضي) ليأخذ بالشفعة (فادعى الشراء) للدار المشفوعة (وطلب الشفعة) أي: أخذها بالشفعة (سأل القاضي المدعى عليه) عن مالكية الشفيع لما يشفع به (فإن اعترف بملكه الذي يشفع به) فبها (وإلا) أي: وإن لم يعترف له بملكه الذي يشفع به (كلفه) القاضي (إقامة البينة على ملكه) ؛ لأن ظاهر اليد لا يكفي لإثبات الاستحقاق (فإن عجز عن البينة استحلف المشتري بالله ما تعلم أنه مالك للذي ذكره مما يشفع به) ؛ لأنه ادعى عليه معنى لو أقر به لزمه، ثم هو استحلاف على ما في يد غيره فيحلف على العلم. هداية. (فإن نكل) المشتري عن اليمين (أو قامت للشفيع بينة) ثبت ملكه في الدار التي يشفع بها، وثبت حق الشفعة؛ فبعد ذلك (سأله القاضي) أي: سأل المدعى عليه أيضاً (هل ابتاع) أي: هل اشترى الدار المشفوعة (أم لا؟ فإن) أقر فبها، وإن (أنكر الابتياع قيل للشفيع: أقم البينة) على شرائه؛ لأن الشفعة لا تثبت إلا بعد ثبوت البيع، وثبوته بالحجة (فإن عجز عنها استحلف المشتري بالله ما ابتاع هذه الدار، أو بالله ما يستحق علي في هذه الدار شفعة من الوجه الذي ذكره) فيحلف على البتات؛ لأنه استحلاف على فعل نفسه وما في يده أصالة، وفي مثله يحلف على البتات، هداية. فإن نكل عن اليمين أو أقر وبرهن الشفيع قضى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 وتجوز المنازعة في الشفعة، وإن لم يحضر الشفيع الثمن إلى مجلس القاضي، فإذا قضى القاضي له بالشفعة لزمه إحضار الثمن، وللشفيع أن يرد الدار بخيار العيب والرؤية، فإن أحضر الشفيع البائع والمبيع في يده فله أن يخاصمه في الشفعة، ولا يسمع القاضي البينة حتى يحضر المشتري، فيفسخ البيع بمشهدٍ منه، ويقضي بالشفعة على البائع، ويجعل العهدة عليه، وإذا ترك الشفيع الإشهاد حين علم وهو يقدر على ذلك   بالشفعة إن لم ينكر المشتري طلب الشفيع الشفعة؛ فإن أنكر فالقول له بيمينه در عن ابن الكمال. (وتجوز المنازعة في الشفعة وإن لم يحضر الشفيع الثمن إلى مجلس القاضي) ؛ لأنه لا ثمن له عليه قبل القضاء، ولهذا لا يشترط تسليمه؛ فكذا لا يشترط إحضاره (وإذا قضى القاضي له بالشفعة لزمه إحضار الثمن) هذا ظاهر رواية الأصل، وعن محمد أنه لا يقضي حتى يحضر الشفيع الثمن، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة. هداية. قال في التصحيح: واعتمد ظاهر الرواية المصنفون، واختاروه للفتوى. (وللشفيع أن يرد الدار) المأخوذة بالشفعة (بخيار العيب، و) خيار (الرؤية) لأن الأخذ بالشفعة بمنزلة الشراء؛ فيثبت فيها الخياران كما في الشراء. (وإن أحضر الشفيع البائع والمبيع في يده) لم يسلمه للمشتري (فله) : أي الشفيع (أن يخاصمه) : أي البائع (في الشفعة) لأن اليد له (و) لكن (لا يسمع القاضي البينة حتى يحضر المشتري فيفسخ البيع بمشهد منه) أي: المشتري، لأنه المالك (ويقضي بالشفعة على البائع) حتى يجب عليه تسليم الدار (ويجعل العهدة عليه) أي: على البائع، عند الاستحقاق، وهذا بخلاف ما إذا قبض المشتري المبيع فأخذه الشفيع من يده، حيث تكون العهدة عليه، لأنه تم ملكه بالقبض. هداية. (وإذا ترك الشفيع الإشهاد حين علم) بالبيع (وهو يقدر على ذلك) الإشهاد، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 بطلت شفعته، وكذلك إن أشهد في المجلس ولم يشهد على أحد المتبايعين ولا عند العقار، وإن صالح من شفعته على عوض أخذه بطلت شفعته، وبرد العوض، وإذا مات الشفيع بطلت شفعته، وإن مات المشتري لم تسقط، وإن باع الشفيع ما يشفع به قبل أن يقضى له بالشفعة بطلت شفعته، ووكيل البائع إذا باع وكان هو الشفيع فلا شفعة له، وكذلك إن ضمن الدرك عن البائع الشفيع، ووكيل المشتري إذا ابتاع فله الشفعة،   بخلاف ما إذا أخذ على فمه أو كان في صلاة (بطلت شفعته) لإعراضه عن الطلب، وهو إنما يتحقق حالة الاختيار، وهو عند القدرة (وكذلك إن أشهد في المجلس ولم يشهد على أحد المتبايعين ولا عند العقار) كما مر (وإن صالح من) حق (شفعته على عوض أخذه) أو باعه إياه (بطلت الشفعة) لوجود الإعراض (ويرد العوض) ؛ لبطلان الصلح والبيع؛ لأنها مجرد حق التملك فلا يصح الاعتياض عنه؛ لأنه رشوة. (وإذا مات الشفيع) بعد بيع المشفوع وقبل القضاء بالشفعة (بطلت شفعته) ، لأن بالموت يزول ملكه عن داره، ويثبت الملك للوارث بعد البيع، وقيام الملك من وقت البيع إلى وقت القضاء شرط فتبطل بدونه، قيدنا موتع بما بعد البيع وقبل القضاء لأن البيع إذا كان بعد الموت ثبتت الشفعة للوارث ابتداء، وإن كان الموت بعد القضاء ولو قبل نقد الثمن فالبيع لازم للورثة (وإن مات المشتري لم تسقط) الشفعة، لأن الحق لا يبطل بموت من عليه كالأجل (فإن باع الشفيع ما) أي ملكه الذي (يشفع به) من غير خيار له (قبل أن يقضى له بالشفعة بطلت شفعته) ، لأن سبب الأخذ بها - وهو الجوار - قد زال. قيدنا بعدم الخيار له لأنه لو باع بشرط الخيار له لا تبطل؛ لبقاء السبب (ووكيل البائع إذا باع وكان هو الشفيع فلا شفعة له، وكذلك إن ضمن الدرك عن البائع الشفيع) ؛ لأنه يسعى في نقض ما تم من جهته (ووكيل المشتري إذا ابتاع) أي: اشترى لموكله (فله الشفعة) ، لأنه لا ينتقض شراؤه بالأخذ بها، لأنها مثل الشراء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 ومن باع بشرط الخيار فلا شفعة للشفيع، فإن أسقط الخيار وجبت الشفعة، ومن اشترى بشرط الخيار وجبت الشفعة، ومن ابتاع داراً شراءً فاسداً فلا شفعة فيها، فإن سقط الفسخ وجبت الشفعة، وإذا اشترى ذميٌ داراً بخمرٍ أو خنزيرٍ وشفيعها ذميٌ أخذها بمثل الخمر وقيمة الخنزير، وإن كان شفيعها مسلماً أخذها بقيمة الخمر والخنزير، ولا شفعة في الهبة إلا أن تكون بعوضٍ مشروطٍ.   (ومن باع بشرط الخيار) له) فلا شفعة للشفيع؛ لأنه يمنع زوال الملك (فإن أسقط) البائع (الخيار وجبت الشفعة) ؛ لزوال المانع عن الزوال، ويشترط الطلب عند سقوط الخيار في الصحيح؛ لأن البيع يصير سببا لزوال الملك عند ذلك، هداية (ومن اشترى بشرط الخيار) له (وجبت الشفعة) ؛ لأنه لا يمنع زوال الملك عن البائع بالاتفاق، والشفعة تبتنى عليه كما مر. (ومن ابتاع) أي: اشترى (داراً شراء فاسداً فلا شفعة فيها) أما قبل القبض فلعدم زوال ملك البائع، وبعد القبض لاحتمال الفسخ، وحق الفسخ ثابت بالشرع لدفع الفساد، وفي إثبات حق الشفعة تقرير الفساد، فلا يجوز (فإن سقط الفسخ) بوجه من الوجوه (وجبت الشفعة) لزوال المانع. (وإذا اشترى ذمي) من ذمي (داراً بخمر أو خنزير وشفيعها ذمي أخذها الشفيع بمثل الخمر وقيمة الخنزير) ؛ لصحة هذا البيع فيما بينهم، وحق الشفعة يضم المسلم والذمي، والخمر لهم كالخل لنا، والخنزير كالشاة، قيدنا الشراء بكونه من ذمي لأنه لو كان من مسلم كان البيع فاسداً، فلا تثبت به الشفعة (وإن كان شفيعها مسلما أخذها بقيمة الخمر والخنزير) أما الخنزير فظاهر، أما الخمر فلمنع المسلم عن التصرف فيه، فالتحق بغير المثلي. (ولا شفعة في الهبة) ؛ لأنها ليست بمعاوضة مالٍ بمالٍ (إلا أن تكون بعوض مشروط) ؛ لأنه بيع انتهاء، ولابد من القبض من الجانبين، وأن لا يكون الموهوب ولا عوضه شائعاً؛ لأنه هبة ابتداء كما سيجئ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 وإذا اختلف الشفيع والمشتري في الثمن فالقول قول المشتري، فإن أقاما البينة فالبينة بينة الشفيع عند أبي حنيفة ومحمدٍ، وإذا ادعى المشتري ثمناً أكثر وادعى البائع أقل منه ولم يقبض الثمن أخذها الشفيع بما قال البائع، وكان ذلك حطاً عن المشتري. وإن كان قبض الثمن أخذها بما قال المشتري، ولم يلتفت إلى قول البائع، وإذا حط البائع عن المشتري بعض الثمن سقط ذلك عن الشفيع، وإن   (وإذا اختلف الشفيع والمشتري في) مقدار (الثمن فالقول قول المشتري) ، لأن الشفيع يدعي استحقاق الدار عليه عند نقد الأهل، والمشتري ينكر، والقول قول المنكر مع يمينه، ثم الشفيع بالخيار: إن شاء أخذ بما قال المشتري، وإن شاء ترك، وهذا إذا لم تقم للشفيع بينة، فإن أقام بينة قضي له بها (فإن أقاما) أي: كل من الشفيع والمشتري (البينة) على دعواه (فالبينة) المقبولة (بينة الشفيع) أيضاً (عند أبي حنيفة ومحمد) لأن بينته ملزمة، وبينة المشتري غير ملزمة، والبينات للإلزام، وقال أبو يوسف: البينة للمشتري، لأنها أكثر إثباتا، قال في التصحيح: ورجح دليلهما في الشروح، واعتمده المحبوبي والنسفي وأبو الفضل الموصلي وصدر الشريعة (وإذا ادعى المشتري ثمناً أكثر وادعى البائع) ثمنا (أقل منه) أي من الثمن الذي ادعاه المشتري (و) كان البائع (لم يقبض الثمن أخذها الشفيع بما قال البائع) لأن القول قوله في مقدار الثمن ما بقيت مطالبته (وكان ذلك حطا عن المشتري) وهو يظهر في حق الشفيع كما يأتي قريباً (وإن كان) البائع (قبض الثمن أخذها) الشفيع (بما قال المشتري) أو ترك (ولم يلتفت إلى قول البائع) ؛ لأنه لما استوفى الثمن انتهى حكم العقد وخرج هو من البين، وصار كالأجنبي، وبقي الاختلاف بين الشفيع والمشتري، وقد مر (وإذا حط البائع عن المشتري بعض الثمن سقط ذلك) المحطوط (عن الشفيع) ؛ لأن حط البعض يلتحق بأصل العقد فيظهر في حق الشفيع، لأن الثمن ما بقي، وكذا إذا حط بعد ما أخذها الشفيع بالثمن يحط عن الشفيع حتى يرجع عليه بذلك القدر. هداية (وإن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 حط جميع الثمن لم يسقط عن الشفيع، وإذا زاد المشتري البائع في الثمن لم تلزم الزيادة الشفيع، وإذا اجتمع الشفعاء فالشفعة بينهم على عدد رؤوسهم، ولا يعتبر اختلاف الأملاك، ومن اشترى داراً بعوضٍ أخذها الشفيع بقيمته، وإن اشتراها بمكيلٍ أو موزونٍ أخذها بمثله، وإذا باع عقاراً بعقارٍ أخذ الشفيع كل واحدٍ منهما بقيمة الآخر   حط) البائع عن المشتري (جميع الثمن لم يسقط عن الشفيع) منه شيء؛ لأن حط الكل لا يلتحق بأصل العقد؛ لعدم بقاء ما يكون ثمناً كما مر في البيع. (وإذا زاد المشتري البائع في الثمن لم تلزم) تلك (الزيادة الشفيع) لأن في اعتبار الزيادة ضرراً بالشفيع، لاستحقاقه الأخذ بما دونها، بخلاف الحط؛ لأن فيه منفعة له، ونظير الزيادة إذا جدد العقد بأكثر من الثمن الأول لم يلزم الشفيع، حتى كان له أن يأخذها بالثمن الأول. هداية. (وإذا اجتمع الشفعاء) وتساووا في سبب الاستحقاق (فالشفعة بينهم على عدد رؤوسهم) ؛ لاستوائهم في سبب الاستحقاق فيستوون في الاستحقاق، ولذا لو انفرد واحد منهم استحق كل الشفعة (ولا يعتبر اختلاف الأملاك) لزيادة والنقصان، ولو أسقط البعض حقه - ولو للبعض - فهي للباقين، ولو كان البعض غائبا يقضي بها بين الحضور؛ لأن الغائب لعله لا يطلب؛ وإن قضى للحاضر ثم حضر الغائب يقضي له باستحقاقه، فلو سلم الحاضر بعد ما قضي له بالجميع لا يأخذ القادم إلا النصف؛ لأن قضاء القاضي بالكل للحاضر قطع حق الغائب عن النصف، بخلاف ما قبل القضاء. هداية. (ومن اشترى دارا بعرض) أي بشيء من ذوات القيم (أخذها الشفيع بقيمته) لأنه من ذوات القيم (وإن اشتراها بمكيل أو موزون) أو عددي متقارب (أخذها بمثله) لأنه من ذوات الأمثال (وإن باع عقارا بعقار) وكان شفيعهما واحداً (أخذ الشفيع كل واحد منهما) أي العقارين (بقيمة الآخر) لأنه بدله، وهو من ذوات القيم، فيأخذه بقيمته، وإن اختلف شفيعهما يأخذ شفيع كل منهما ماله فيه الشفعة بقيمة الآخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 وإذا بلغ الشفيع أنها بيعت بألفٍ فسلم ثم علم أنها بيعت بأقل أو بحنطةٍ أو شعيرٍ قيمتها ألفٌ أو أكثر فتسليمه باطلٌ وله الشفعة، وإن بان أنها بيعت بدنانير قيمتها ألفٌ فلا شفعة له، وإذا قيل له إن المشتري فلانٌ فسلم الشفعة ثم علم أنه غيره فله الشفعة، ومن اشترى داراً لغيره فهو الخصم في الشفعة، إلا أن يسلمها إلى الموكل، وإذا باع داراً إلا مقدار ذراع في طول الحد الذي بلى الشفيع فلا شفعة له، وإن ابتاع   (وإذا بلغ الشفيع أنها) : أي الدار (بيعت بألف) مثلا (فسلم ثم علم أنها بيعت بأقل) مما بلغه (أو بحنطة أو شعير) أو نحوهما من المثليات ولو (قيمتها) أي: الحنطة أو الشعير (ألف أو أكثر فتسليمه باطل، وله الشفعة) ، لأنه إنما سلم لاستكثار الثمن أو لتعذر الجنس الذي بلغه، بخلاف ما إذا علم أنها بيعت بعرض قيمته ألف أو أكثر، لأن الواجب فيه القيمة وهي دراهم أو دنانير. هداية (وإن بان أنها بيعت بدنانير قيمتها ألف) أو أكثر (فلا شفعة له) ، لأن الجنس متحد في حق الثمنية (وإذا قيل له إن المشتري فلان، فسلم، ثم علم أنه غيره فله الشفعة) لتفاوت الجوار، ولو علم أن المشتري هو مع غيره فله أن يأخذ نصيب غيره، لأن التسليم لم يوجد في حقه، ولو بلغه شراء النصف فسلم ثم ظهر شراء الجميع فله الشفعة، لأن التسليم لضرر الشركة، ولا شركة، وفي عكسه لا شفعة في ظاهر الرواية، لأن التسليم في الكل تسليم في أبعاضه. هداية. (ومن اشترى داراً لغيره فهو الخصم) للشفيع (في الشفعة) لأنه هو العاقد، والأخذ بالشفعة من حقوق العقد فيتوجه عليه (إلا أن يسلمها إلى الموكل) ؛ لأنه لم يبق له يد ولا ملك؛ فيكون الخصم هو الموكل. (وإذا باع داراً إلا مقدار ذراع) مثلا (في طول الحد الذي يلي الشفيع فلا شفعة له) في المبيع، لانقطاع الجوار، وهذه حيلة، وكذا قوله (وإن ابتاع) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 منها سهماً بثمنٍ ثم ابتاع بقيتها فالشفعة للجار في السهم الأول دون الثاني، وإذا ابتاعها بثمنٍ ثم دفع إليه ثوباً عنه فالشفعة بالثمن دون الثوب، ولا تكره الحيلة في إسقاط الشفعة عند أبي يوسف، وتكره عند محمدٍ، وإذا بنى المشتري أو غرس ثم قضى للشفيع بالشفعة فهو بالخيار: إن شاء أخذها بالثمن وقيمة البناء والغرس مقلوعاً، وإن شاء كلف المشتري قلعه،   أي: اشترى (منها شهماً بثمن، ثم ابتاع بقيتها فالشفعة للجار في السهم الأول) فقط (دون الثاني) ، لأن المشتري صار شريكا في السهم الثاني، فكان أولى من الجار، وكذا قوله. (وإذا ابتاعها بثمن) ضعف قيمتها مثلا (ثم دفع إليه ثوباً) عوضاً (عنه) بقدر قيمتها (فالشفعة) تكون (بالثمن) المسمى في البيع (دون الثوب) المدفوع عوضاً عنه، لأنه عقد آخر. قال في الهداية: وهذه الحيلة تعم الجوار والشركة؛ فيباع بأضعاف قيمته ويعطى بها ثوب بقدر قيمته، إلا أنه إذ استحقت المشفوعة يبقى كل الثمن على مشتري الثوب، لقيام البيع الثاني فيتضرر به، والأوجه أن يباع بالدراهم الثمن دينارٌ حتى إذا استحق المشفوع يبطل الصرف، فيجب الدينار لا غير. اهـ. (ولا تكره الحيلة في إسقاط الشفعة) قبل ثبوتها (عند أبي يوسف) ؛ لأنها منع عن إثبات الحق فلا يعد ضرراً، وقيده في السراجية بما إذا كان الجار غير محتاج إليه (وتكره عند محمد) ؛ لأنها إنما وجبت لدفع الضرر، ولو أبحنا الحيلة ما دفعناه. وقيدنا بما قبل ثبوتها لأنه بعد ثبوتها مكروه اتفاقا كما في الواقعات وفي التصحيح: قيل الاختلاف قبل البيع، أما بعده فهو مكروه بالإجماع، وظاهر الهداية اختيار قول أبي يوسف، وقد صرح به قاضيخان، فقال: والمشايخ في حيلة الاستبراء والزكاة بقول محمد، وفي الشفعة بقول أبي يوسف، اهـ. (وإذا بنى المشتري) فيما اشتراه (أو غرس، ثم قضى للشفيع بالشفعة فهو) أي الشفيع (بالخيار: إن شاء أخذها بالثمن وقيمة البناء والغرس مقلوعاً) أي مستحق القلع (وإن شاء كلف المشتري قلعه) لأنه وضعه في محل تعلق به حق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 وإذا أخذها الشفيع فبنى أو غرس ثم استحقت رجع بالثمن ولا يرجع بقيمة البناء والغرس، وإذا انهدمت الدار أو احترق بناؤها أو جف شجر البستان بغير فعل أحدٍ، فالشفيع بالخيار: إن شاء أخذها بجميع الثمن، وإن شاء ترك، وإن نقض المشتري البناء قيل للشفيع: إن شئت فخذ العرصة بحصتها، وإن شئت فدع، وليس له أن يأخذ النقض، ومن ابتاع أرضاً وعلى نخلها ثمرٌ أخذها الشفيع بثمرها   متأكد للغير من غير تسليط من جهته (وإذا أخذها الشفيع) بالشفعة (فبنى) بها (أو غرس ثم استحقت رجع) الشفيع على المشتري إن أخذ منه أو البائع على ما مر (بالثمن) لأنه تبين أنه أخذه بغير حق (ولا يرجع بقيمة البناء والغرس) على أحد، بخلاف المشتري، فإنه مغرور من جهة البائع ومسلط عليه، ولا غرر ولا تسليط في حق الشفيع من المشتري، لأنه مجبور عليه. هداية (وإذا انهدمت الدار) في يد المشتري (أو احترق بناؤها أو جف شجر البستان) وكان ذلك (بغير فعل أحد فالشفيع بالخيار: إن شاء أخذها بجميع الثمن) ، لأن البناء والغرس تابع حتى دخلا في البيع من غير ذكر فلا يقابلهما شيء من الثمن، ما لم يصر مقصوداً، ولهذا يبيعها مرابحة بكل الثمن في هذه الصورة، بخلاف ما إذا غرق نصف الأرض حيث يأخذ الباقي بحصته، لأن الفائت بعض الأصل. هداية (وإن شاء ترك) لأن له أن يمتنع عن التملك (وإن نقض المشتري البناء قيل للشفيع) : أنت بالخيار (إن شئت فخذ العرصة) أي أرض الدار (بحصتها) من الثمن (وإن شئت فدع) ، لأنه صار مفصولا بالإتلاف فيقابلها شيء من الثمن، بخلاف الأول، لأن الهلاك بآفة سماوية (وليس له) أي الشفيع (أن يأخذ النقض) بالكسر - أي المنقوض، لأنه صار مفصولا فلم يبق تبعاً (ومن ابتاع) أي اشترى (أرضا وعلى نخلها ثمر أخذها الشفيع بثمرها) قال في الهداية: ومعناه إذا ذكر الثمن في البيع، لأنه لا يدخل من غير ذكر، وهذا الذي ذكره استحسان، وفي القياس لا يأخذه، لأنه ليس بتبع، ألا يرى أنه لا يدخل في البيع من غير ذكر؛ فأشبه المتاع في الدار، وجه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 فإن أخذه المشتري سقط عن الشفيع حصته، وإذا قضى للشفيع بالدار وإن لم يكن رآها فله خيار الرؤية، وإن وجد بها عيباً فله أن يردها به وإن كان المشتري شرط البراءة منه، وإذا ابتاع بثمنٍ مؤجلٍ فالشفيع بالخيار: إن شاء أخذها بثمنٍ حال، وإن شاء صبر حتى ينقضي الأجل ثم يأخذها، وإذا قسم الشركاء العقار فلا شفعة لجارهم بالقسمة، وإذا اشترى داراً فسلم الشفيع الشفعة ثم ردها المشتري بخيار رؤيةٍ أو شرطٍ أو عيبٍ بقضاء قاضٍ فلا شفعة للشفيع   الاستحسان أنه باعتبار الاتصال صار تبعاً للعقار كالبناء في الدار، وما كان مركباً فيه، فيأخذه الشفيع، اهـ (فإن أخذه المشتري سقط عن الشفيع حصته) لدخوله في البيع مقصوداً (وإذا قضى للشفيع بالدار ولم يكن رآها) قبل (فله خيار الرؤية) وإن كان المشتري قد رآها (و) كذا (إن وجد بها عيبا) لم يطلع عليه فله أن يردها به (وإن كان المشتري شرط البراءة منه) لأن الأخذ بالشفعة بمنزلة الشراء، فيثبت به الخياران كما في الشراء، ولا يسقط بشرط البراءة من المشتري، ولا برؤيته، لأنه ليس بنائب عنه، فلا يملك إسقاطه، هداية. (وإذا ابتاع) المشتري (بثمن مؤجل فالشفيع بالخيار: إن شاء أخذها بثمن حال، وإن شاء صبر) عن الأخذ بعد استقرارها بالإشهاد (حتى ينقضي الأجل ثم يأخذها) وليس له أن يأخذها في الحال بثمن مؤجل، لأنه إنما يثبت بالشرط ولا شرط منه، وليس الرضا به في حق المشتري رضاء به في حق الشفيع، لتفاوت الناس (وإذا اقتسم الشركاء العقار) المشترك بينهم (فلا شفعة لجارهم بالقسمة) ، لأنها ليست بمعاوضة مطلقاً، ولأن الشريك أولى من الجار (وإذا اشترى داراً فسلم الشفيع الشفعة ثم ردها المشتري بخيار رؤية أو) بخيار (شرط) مطلقاً خلافا لما في الدرر (أو عيب بقضاء قاض، فلا شفعة للشفيع) لأنه فسخ من كل وجه فعاد لقديم ملكه، والشفعة في إنشاء العقد، ولا فرق في هذا بين القبض وعدمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 وإن ردها بغير قضاء أو تقايلا فللشفيع الشفعة. كتاب الشركة. - الشركة على ضربين: شركة أملاكٍ، وشركة عقودٍ. فشركة الأملاك: العين يرثها رجلان أو يشتريانها فلا يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الآخر إلا بإذنه، وكل واحدٍ منهما في نصيب صاحبه كالأجنبي.   هداية. (وإن ردها) بالعيب، هداية. (بغير قضاء أو تقايلا) البيع (فللشفيع الشفعة) ، لأنه فسخ في حقهما لولايتهما على أنفسهما، وقد قصد الفسخ، وهو بيع جديد في حق ثالث، لوجود حد البيع - وهو: مبادلة المال بالمال بالتراضي - والشفيع ثالث، ومراده الرد بالعيب بعد القبض، لأنه قبله فسخ من الأصل وإن كان بغير قضاء على ما عرف، هداية. (وإن أرضعته في المدة بلبن شاة فلا أجر لها) ؛ لأنها لم تأت بالعمل المستحق عليها - وهو الإرضاع - لأن إرضاعه بلبن الشاة إيجار وليس بإرضاع، فاختلف العمل، فلم يجب الأجر كما في الهداية. كتاب الشركة (الشركة) لغةً: الخلطة، وشرعا - كما في القهستاني عن المضمرات -: اختصاص اثنين أو أكثر بمحل واحد. وهي (على ضربين: شركة أملاك، وشركة عقود، فشركة الأملاك) هي: (العين) التي (يرثها رجلان) فأكثر (أو يشتريانها) أو تصل إليهما بأي سبب كان، جبريا كان أو اختياريا، كما إذا اتهب الرجلان عينا، أو ملكاها بالاستيلاء، أو اختلط مالهما من غير صنع، أو بخلطهما، خلطاً يمنع التمييز رأساً أو إلا بحرجٍ. وحكمها أن كلا منهما أجنبي في حصة الآخر (فلا يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الآخر إلا بإذنه) كما في الأجانب، كما صرح بذلك في قوله: (وكل واحد منهما في نصيب الآخر كالأجنبي) في الامتناع عن التصرف إلا بوكالة أو ولاية؛ لعد تضمنها الولاية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 والضرب الثاني: شركة العقود، وهي على أربعة أوجهٍ: مفاوضةٍ، وعنان، وشركة الصنائع، وشركة الوجوه. فأما شركة المفاوضة فهي: أن يشترك الرجلان فيستويان في مالهما وتصرفها ودينهما، فتجوز بين الحرين المسلمين العاقلين البالغين، ولا تجوز بين الحر والمملوك، ولا بين الصبي والبالغ، ولا بين المسلم والكافر،   (والضرب الثاني: شركة العقود) وهي الحاصلة بسبب العقد، وركنها الإيجاب والقبول، وشرطها: أن يكون التصرف المعقود عليه قابلا للوكالة، ليكون ما يستفاد بالتصرف مشتركا بينهما (وهي) : أي شركة العقود (على أربعة أوجه: مفاوضة، وعنان) بالكسر وتفتح (وشركة وجوه، وشركة الصنايع) : (فأما) الأولى - وهي (شركة المفاوضة - فهي: أن يشترك الرجلان) مثلا (فيستويان في مالهما وتصرفهما ودينهما) لأنها شركة عامة في جميع التجارات يفوض كل منهما أمر الشركة إلى صاحبه على الإطلاق؛ إذ هي من المساواة. قال قائلهم: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم (1) ، أي متساوين. ولابد من تحقيق المساواة ابتداء وانتهاء، وذلك في المال، والمراد به ما يصح الشركة فيه، ولا يعتبر التفاضل فيما لا تصح فيه الشركة، وكذا في التصرف، لأنه لو ملك أحدهما تصرفاً لا يملكه الآخر فات التساوي، وكذا في الدين، لفوات التساوي في التصرف بفواته (فتجوز بين الحرين المسلمين) أو الذميين (البالغين العاقلين) لتحقق التساوي، (ولا تجوز بين الحر والمملوك) ولو مكاتباً أو مأذوناً (ولا بين الصبي والبالغ) لعدم التساوي؛ لأن الحر البالغ يملك التصرف والكفالة، والمملوك لا يملك واحداً منهما إلا بإذن المولى، والصبي لا يملك الكفالة مطلقا، ولا التصرف إلا بإذن الولي (ولا بين المسلم والكافر) وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، لأن الذمي يملك من التصرف ما لا يملكه المسلم. وقال أبو يوسف: يجوز، للتساوي بينها في الوكالة والكفالة، ولا معتبر بزيادة   (1) هذا صدر بيت للأفوه الأودي، وعجزه قوله: ولا سراة إذا جهالهم سادوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 وتنعقد على الوكالة والكفالة، وما يشتريه كل واحدٍ منهما يكون على الشركة إلا طعام أهله وكسوتهم، وما يلزم كل واحدٍ منهما من الديون بدلاً عما يصح فيه الاشتراك فالآخر ضامنٌ له، فإن ورث أحدهما مالاً تصح فيه الشركة أو وهب له ووصل إلى يده   يملكها أحدهما كالمفاوضة بين شافعي المذهب والحنفي فإنها جائزة، ويتفاوتان في التصرف في متروك التسية، إلا أنه يكره: لأن الذمي لا يهتدي إلى الجائز من العقود. قال في التصحيح: والمعتمد قولهما عند الكل كما نطقت به المصنفات للفتوى وغيرها. اهـ. ولا تجوز بين العبدين ولا الصبيين ولا المكاتبين، لانعدام الكفالة، وفي كل موضع لم تصح المفاوضة لفقد شرط ولا يشترط ذلك في العنان كان عناناً، لاستجماع شرائط العنان. هداية (وتنعقد على الوكالة والكفالة) فالوكالة لتحقق المقصود، وهو الشركة، والكفالة لتحقق المساواة فيما هو من موجبات التجارة، وهو توجه لمطالبة نحوهما، ولا تصح إلا بلفظ المفاوضة وإن لم يعرفا معناها. سراج. أو بيان جميع مقتضياتها؛ لأن المعتبر هو المعنى (وما يشتري كل واحد منهما) : أي المتفاوضين (يكون على الشركة) لأن مقتضى العقد المساواة، وكل واحد منهما قائم مقام صاحبه في التصرف، فكان شراء أحدهما كشرائهما، إلا ما استثناه بقوله: (إلا طعام أهله وكسوتهم) وطعامه وكسوته ونحو ذلك من حوائجه الأصلية استحساناً، لأنه مستثنى بدلالة الحال للضرورة، فإن الحاجة الراتبة معلومة الوقوع، ولا يمكن إيجابه على صاحبه ولا الصرف من ماله، ولابد من الشراء فيختص به ضرورة، وللبائع مطالبة أيهما شاء بثمن ذلك: فالمشتري بالأصالة، والآخر بالكفالة، ويرجع الكفيل على المشتري (وما يلزم كل واحد منهما من الديون بدلا عما يصح فيه الاشتراك) كالبيع والشراء والاستئجار والاستقراض (فالآخر ضامن له) تحقيقاً للمساواة. قيد بما يصح فيه الاشتراك لإخراج نحو دين الجناية والنكاح والخلع والنفقة؛ فإن الآخر فيه ليس بضامن (فإن ورث أحدهما مالا) مما (تصح فيه الشركة) مما يأتي (أو وهب له ووصل إلى يده) : أي الوارث والموهوب له، وإنما لم يثن الفعل لأنه معطوف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 بطلت المفاوضة وصارت الشركة عناناً. ولا تنعقد الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة، ولا تجوز بما سوى ذلك إلا أن يتعامل الناس بها كالتبر والنقرة فتصح الشركة بهما،   بأو، فيشترط قبض كل كما في شرح الطحاوي والنظم قاضيخان والمستصفى والنتف وغيرها. قهستاني (بطلت المفاوضة) لفوات المساواة بقاء، وهي شرط كالابتداء (وصارت الشركة عناناً) للامكان، فإن المساواة ليست بشرط فيها. (ولا تنعقد الشركة) أعم من أن تكون مفاوضة أو عناناً (إلا بالدراهم) : أي الفضة المضروبة (والدنانير) : أي الذهب المضروب، لأنهما أثمان الأشياء، ولا تتعين بالعقود، فيصير المشتري مشترياً بأمثالهما في الذمة، والمشتري ضامن لما في ذمته، فيصير الربح المقصود له، لأنه ربح ما ضمنه كما في الجوهرة، والشريك يشتري للشركة فالضمان عليهما والربح لها، فما يستحقه كل واحد منهما من الربح ربح ما ضمن، بخلاف العروض، فإنها مثمنات، فإذا بيعت وتفاضل الثمنان فما يستحقه أحدهما من الزيادة في مال صاحبه ربح ما لم يملك ولم يضمن (والفلوس النافقة) ، لأنها تروج رواج الأثمان فالتحقت بها، قال في التصحيح: لم يذكر المصنف في هذا خلافا، وكذلك الحاكم الشهيد في الكافي، وذكر الكرخي الجواز على قولهما، وقال في الينابيع: وأما الفلوس إن كانت نافقة فكذلك عند محمد، وقال أبو حنيفة: لا تصح الشركة بالفلوس، وهو المشهور، وروى الحسن عن أبي حنيفة وأبي يوسف أن الشركة بالفلوس جائزة، وأبو يوسف مع أبي حنيفة في بعض النسخ، وفي بعضها مع محمد، وقال الإسبيجاني في مبسوطه: الصحيح أن عقد الشركة يجوز على قول الكل؛ لأنها صارت ثمنا بالاصطلاح، واعتمده المحبوبي والنسفي وأبو الفضل الموصلي وصدر الشريعة (ولا تجوز) الشركة (بما سوى ذلك) المذكور (إلا أن يتعامل الناس بها كالتبر) : أي الذهب الغير المضروب (والنقرة) : أي الفضة الغير المضروبة (فتصح الشركة فيهما) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 وإذا أرادا الشركة بالعروض باع كل واحدٍ منهما نصف ماله بنصف مال الآخر ثم عقدا الشركة. وأما شركة العنان فتنعقد على الوكالة دون الكفالة؛ ويصح التفاضل في المال، ويصح أن يتساويا في المال ويتفاضلا في الربح، ويجوز أن يعقدها كل واحدٍ منهما ببعض ماله دون بعضٍ.   للتعامل، ففي كل بلدة جرى التعامل بالمبايعة بالتبر والنقرة فهي كالنقود لا تتعين بالعقود وتصح الشركة فيه، ونزل التعامل باستعماله ثمناً منزلة الضرب الخصوص، وفي كل بلدة لم يجز التعامل بها فهي كالعروض تتعين في العقود ولا تصح به الشركة. درر عن الكافي. (وإذا أرادا) أي الشريكان (الشركة بالعروض باع كل واحد منهما) قال في الجوهرة: صوابه أحدهما (نصف ماله بنصف مال الآخر) فيصيران شريكي ملك، حتى لا يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الآخر (ثم) إذا (عقدا الشركة) صارا شريكي عقد، حتى جاز لكل منهما أن يتصرف في نصيب صاحبه، وهذا إن تساويا قيمة، وإن تفاوتا باع صاحب الأقل بقدر ما تثبت به الشركة. (وأما شركة العنان فتنعقد على الوكالة) لأنها من ضرويات التصرف (دون الكفالة) لأنها ليست من ضرورياته، وانعقادها في المفاوضة لاقتضاء اللفظ التساوي، بخلاف العنان. (ويصح التفاضل في المال) مع التساوي في الربح لأنها لا تقتضي المساواة (و) كذا (يصح) العكس، وهو: أن (يتساويا في المال ويتفاضلا في الربح) لأن الربح كما يستحق بالمال يستحق بالعمل كما في المضاربة، وقد يكون أحدهما أحذق وأهدى أو أكثر عملا وأقوى فلا يرضى بالمساواة فمست الحاجة إلى التفاضل (ويجوز أن يعقدها كل واحد منهما) : أي شريكي العنان (ببعض ماله دون بعض) ؛ لأن المساواة في المال ليست بشرط فيها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 ولا تصح إلا بما بينا أن المفاوضة تصح به، ويجوز أن يشتركا ومن جهة أحدهما دراهم ومن جهة الآخر دنانير، وما اشتراه كل واحدٍ منهما للشركة طولب بثمنه دون الآخر ثم يرجع على شريكه بحصته منه، وإذا هلك مال الشركة أو أحد المالين قبل أن يشتريا شيئاً بطلت الشركة، وإن اشترى أحدهما بماله وهلك مال الآخر قبل الشراء فالمشري بينهما على ما شرطا.   (ولا تصح) شركة العنان (إلا بما بينا) قريباً (أن المفاوضة تصح به) وهي الأثمان (ويجوز أن يشترا) مع اختلاف جنس ماليهما (و) ذلك بأن يكون (من جهة أحدهما دراهم ومن جهة الآخر دنانير) وكذا مع اختلاف الوصف، بأن يكون من أحدهما دراهم بيض ومن الآخر سود، لأنهما وإن كانا جنسين فقد أجرى عليهما التعامل حكم الجنس الواحد، كما في كثير من الأحكام، فكان العقد عليهما كالعقد على الجنس الواحد (وما اشتراه كل واحد منهما للشركة طولب بثمنه دون الآخر) لما مر أنها تتضمن الوكالة دون الكفالة، والوكيل هو الأصل في الحقوق (ثم يرجع) الشريك (على شريكه بحصته منه) إن أدى من ماله، لأنه وكيل من جهته في حصته، فإذا نقد من ماله رجع عليه. (وإذا هلك مال الشركة) جميعه (أو أحد المالين قبل أن يشتريا شيئا بطلت الشركة) لأنها تعينت بهذين المالين، فإذا هلكا فات المحل، وبهلاك أحدهما بطل في الهالك لعدمه، وفي الآخر لأن صاحبه لم يرض أن يعطيه شيئاً من ربح ماله (وإن اشترى أحدهما بماله وهلك) بعده (مال الآخر قبل الشراء فالمشتري) بالفتح (بينهما على ما شرطا) ؛ لأن الملك حين وقع وقع مشتركا بينهما لقيام الشركة وقت الشراء فلا يتغير الحكم بهلاك المال الآخر بعد ذلك، قال في التصحيح: والشركة شركة عقد حتى إن أيهما باع جاز بيعه، وقال الحسن ابن زياد: شركة أملاك، والمعتمد قول محمد على ما مشى عليه في المبسوط. اه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 ويرجع على شريكه بحصته من ثمنه، وتجوز الشركة وإن لم يخلطا المالين، ولا تصح الشركة إذا شرطا لأحدهما دراهم مسماةً من الربح. ولكل واحدٍ من المتفاوضين وشريكي العنان أن يبضع المال ويدفعه مضاربةً، ويوكل من يتصرف فيه، ويده في المال يد أمانةٍ. وأما شركة   (ويرجع) الشريك (على شريكه بحصته من ثمنه) ؛ لأنه اشترى حصته بالوكالة ونقد المال من مال نفسه. (وتجوز الشركة وإن لم يخلطا المالين) ؛ لأن الشركة مستندة إلى العقد دون المال؛ فلم يكن الخلط شرطاً. هداية. لكن الهالك قبل الخلط بعد العقد على صاحبه سواء ملك في يده أو يد الآخر، وبعد الخلط عليهما (ولا تصح الشركة، إذا شرطا لأحدهما دراهم مسماة من الربح) لأنه شرط يوجب انقطاع الشركة، فعسى ألا يخرج إلا قدر المسمى، وإذا لم تصح كان الربح بقدر الملك حتى لو كان المال نصفين، وشرطا الربح أثلاثا فالشرط باطل ويكون الربح نصفين. (ولكل واحد من المتفاوضين وشريكي العنان أن يبضع المال) : أي يدفعه بضاعة، وهو: أن يدفع المتاع إلى الغير ليبيعه ويرد ثمنه وربحه؛ لأنه معتاد في عقد الشركة (ويدفعه مضاربة) لأنها دون الشركة فتتضمنها، وعن أبي حنيفة أنه ليس له ذلك؛ لأنه نوع شركة، والأول الأصح، وهو رواية الأصل، هداية. (ويوكل من يتصرف فيه) لأن التوكل بالبيع والشراء من توابع التجارة، والشركة انعقدت للتجارة، وكذلك له أن يودع ويعير لأنه معتاد ولابد له منه، ويبيع بالنقد والنسيئة إلا أن ينهاه عنها (ويده) : أي الشريك (في المال يد أمانة) فلو هلك بلا تعد لم يضمنه. (وأما شركة الصنائع) وتسمى التقبل، والأعمال، والأبدان (فالخياطين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 الصنائع فالخياطان والصباغان يشتركان على أن يتقبلا الأعمال ويكون الكسب بينهما، فيجوز ذلك، وما يتقبله كل واحدٍ منهما من العمل يلزمه ويلزم شريكه، فإن عمل أحدهما دون الآخر فالكسب بينهما نصفان. وأما شركة الوجوه فالرجلان يشتركان ولا مال لهما على أن يشتريا بوجوههما ويبيعا، فتصح الشركة على هذا، وكل واحدٍ منهما وكيل الآخر فيما يشتريه، فإن شرطا أن يكون المشتري بينهما نصفين فالربح كذلك، ولا يجوز أن يتفاضلا فيه،   والصباغان) مثلا، أو خياط وصباغ (يشتركان على أن يتقبلا الأعمال ويكون الكسب) الحاصل (بينهما، فيجوز ذلك) ؛ لأن المقصود منه التحصيل، وهو ممكن بالتوكيل، لأنه لما كان وكيلا في النصف أصيلا في النصف تحققت الشركة في المال المستفاد، ولا يشترط فيه اتحاد العمل والمكان، ولو شرطا العمل نصفين والمال أثلاثا جاز، لأن ما يأخذه ليس بربح، بل بدل عمل، فصح تقويمه، وتمامه في الهداية (وما يتقبله كل واحد منهما من العمل يلزمه ويلزم شريكه) حتى أن كل واحد منهما يطالب بالعمل، ويطالب بالأجر، ويبرأ الدافع بالدفع إليه، وهذا ظاهر في المفاوضة، وفي غيرها استحسان. هداية (فإن عمل أحدهما دون الآخر فالكسب بينهما نصفان) إن كان الشرط كذلك، وإلا فكما شرطا. (وأما شركة الوجوه) سميت بذلك لأنه لا يشتري إلا من له وجاهة عند الناس (فالرجلان يشتركان ولا مال لهما على أن يشتريا) نوعا أو أكثر (بوجوهها) نسيئة (ويبيعا) فما حصل بالبيع يدفعان منه ثمن ما اشتريا، وما بقي بينهما (فتصح الشركة على هذا) المنوال (وكل واحد منهما وكيل الآخر فيما يشتريه) لأن التصرف على الغير لا يجوز إلا بوكالة أو ولاية؛ ولا ولاية فتتعين الأولى (فإن شرطا أن يكون المشتري بينهما نصفين فالربح كذلك) بحسب الملك (ولا يجوز أن يتفاضلا فيه) أي الربح مع التساوي في الملك؛ لأن الربح في شركة الوجوه بالضمان، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 وإن شرطا أن يكون المشتري بينهما أثلاثاً فالربح كذلك. ولا تجوز الشركة في الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد، وما اصطاده كل واحدٍ منهما أو احتطبه فهو له دون صاحبه، وإذا اشتركا ولأحدهما بغلٌ وللآخر روايةٌ يستقي عليها الماء والكسب بينهما لم تصح الشركة، والكسب كله للذي استقى، وعليه أجر مثل الرواية إن كان صاحب البغل، وإن كان صاحب الرواية فعليه أجر مثل البغل،   والضمان بقدر الملك في المشتري؛ فكان الربح الزائد عليه ربح ما لم يضمن، فلا يصح اشتراطه (وإن شرطا أن يكون المشترى بينهما أثلاثاً فالربح كذلك) لما قلناه. (ولا تجوز الشركة في) تحصيل الأشياء المباحة مثل (الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد) وكل مباح، لأن الشركة متضمنة معنى الوكالة، والتوكيل في أخذ المباح باطل، لأن أمر الموكل به غير صحيح، والوكيل يملكه بغير أمره فلا يصلح نائبا عنه (وما اصطاده كل واحد منهما أو احتطبه) أو احتشه (فهو له دون صاحبه) ؛ لثبوت الملك في المباح بالأخذ، فإن أخذاه معاً فهو بينهما نصفين؛ لاستوائهما في سبب الاستحقاق، وإن أخذه أحدهما ولم يعمل الآخر شيئاً فهو للعامل، وإن عمل أحدهما وأعانه الآخر بأن حمله معه أو حرسه له فللمعين أجر مثله لا يجاوز به نصف ثمن ذلك عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد بالغاً ما بلغ. (وإذا اشتركا ولأحدهما بغل) مثلا (وللآخر راوية) وهي المزادة من ثلاثة جلود، وأصلها بعير السقاء؛ لأنه يروى الماء أي يحمله، مغرب (يستقي عليها الماء، والكسب بينهما لم تصح الشركة) ؛ لانعقادها على إحراز المباح وهو الماء، (والكسب) الحاصل (كله للذي استقى) الماء؛ لأنه بدل ما ملكه بالإحراز (وعليه مثل أجر الراوية إن كان) المستقى (صاحب البغل، وإن كان) المستقى (صاحب الراوية فعليه أجر مثل البغل) لاستيفائه منافع ملك الغير - وهو البغل أو الراوية - بعقد فاسد؛ فيلزمه أجره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 وكل شركةٍ فاسدةٍ فالربح فيها على قدر المال، ويبطل شرط التفاضل وإذا مات أحد الشريكين أو ارتد ولحق بدار الحرب بطلت الشركة، وليس لواحدٍ من الشريكين أن يؤدي زكاة مال الآخر إلا بإذنه. فإن أذن كل واحدٍ منهما لصاحبه أن يؤدي زكاته فأدى كل واحدٍ منهما فالثاني ضامنٌ، علم بأداء الأول أو لم يعلم.   (وكل شركة فاسدة فالربح فيها على قدر المال، ويبطل شرط التفاضل) لأن الربح تابع للمال كالريع، ولم يعدل عنه إلا عند صحة التسمية، ولم تصح الشركة؛ فلم تصح التسمية. (وإذا مات أحد الشريكين أو ارتد ولحق بدار الحرب) وحكم بلحاقه: لأنه بمنزلة الموت (بطلت الشركة) لأنها تتضمن الوكالة، ولابد منها لتحقق الشركة، والوكالة تبطل بالموت وكذا بالالتحاق مرتداً، وإذا بطلت الوكالة بطلت الشركة، ولا فرق بين ما إذا علم الشريك بموته وردته أو لم يعلم؛ لأنه عزل حكمي، بخلاف ما إذا فسخ أحد الشريكين الشركة حيث يتوقف على علم الآخر، لأنه عزل قصدي. قيدنا بالحكم بلحاقه لأنه إذا رجع مسلماً قبل أن يقضي بلحاقه لم تبطل الشركة. (وليس لواحد من الشريكين أن يؤدي زكاة مال لآخر إلا بإذنه) ؛ لأنه ليس من جنس التجارة (فإن أذن كل واحد منهما لصاحبه أن يؤدي) عنه (زكاته فأدى كل واحد منهما) على التعاقب (فالثاني ضامن) ؛ لأدائه غير المأمور به؛ لأنه مأمور بأداء الزكاة، والمؤدى لم يقع زكاة، فصار مخالفاً فيضمن، سواء (علم بالأداء الأول أو لم يعلم) ، لأنه معزول حكما؛ لفوات المحل، وذا لا يختلف بالعلم والجهل، كالوكيل يبيع العبد إذا أعتقه الموكل، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: لا يضمن إذا لم يعلم، قال في التصحيح: ورجح في الأسرار دليل الإمام واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما. اهـ، قيدنا بأن الأداء على التعاقب لأنه لو أديا معاً أو جهل ضمن كل نصيب صاحبه وتقاصا أو رجع بالزيادة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 كتاب المضاربة. - المضاربة: عقدٌ على الشركة بمالٍ من أحد الشريكين وعمل من الآخر، ولا تصح المضاربة إلا بالمال الذي بينا أن الشركة تصح به،   كتاب المضاربة أوردها بعد الشركة لأنها كالمقدمة للمضاربة؛ لاشتمالها عليها. (المضاربة) لغةً: مشتقة من الضرب (1) في الأرض، سمى به لأن المضارب يستحق الربح بسعيه وعمله، وشرعاً: (عقد) بإيجاب وقبول (على الشركة) في الربح (بمال من أحد الشريكين) وعمل من الآخر، كما في بعض النسخ، ولا مضاربة بدون ذلك؛ لأنها بشرط الربح لرب المال بضاعة، وللمضارب قرض، وإذا كان المال منهما تكون شركة عقد. وهي مشروعة للحاجة إليها؛ فإن الناس بين غني بالمال غبي عن التصرف فيه، وبين مهتد في التصرف صفر اليد عنه؛ فمست الحاجة إلى شرع هذا النوع من التصرف؛ لينتظم مصلحة الغبي والذكي، والفقير والغني، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم والناس يباشرونه فقررهم عليه، وتعاملت به الصحابة رضي الله تعالى عنهم. هداية. وركنها: العقد، وحكمها إبداع أو لا، وتوكيل عند عمله، وغصب إن خالف، وإجارة فاسدة: إن فسدت، فله أجر عمله بلا زيادة على المشروط. وشرط صحتها غير واحد، منها ما عبر عنه بقوله: (ولا تصح المضاربة إلا بالمال الذي بينا أن الشركة تصح به) وقد تقدم بيانه، ولو دفع إليه عرضاً وقال: بعه واعمل مضاربة بثمنه، أو اقبض مالي على فلان واعمل به مضاربة - جاز، لأنه عقد يقبل الإضافة من حيث إنه توكيل، ولا مانع من الصحة، بخلاف ما إذا قال: "اعمل بالدين الذي عندك" حيث لا يصح، وتمامه في الهداية.   (1) الضرب في الأرض: السفر، ومنه قوله تعالى: {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} أي يسافرون لطلب رزق الله، وقوله "سمى به" يريد سمى العقد المذكور بهذا الاسم الذي هو المضاربة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 ومن شرطها أن يكون الربح بينهما مشاعاً لا يستحق أحدهما منه دراهم مسماةً، ولابد أن يكون المال مسلماً إلى المضارب، ولا يد لرب المال فيه، فإذا صحت المضاربة مطلقةً جاز للمضارب أن يشتري ويبيع ويسافر ويبضع ويوكل، وليس له أن يدفع المال مضاربةً إلا أن يأذن له رب المال في ذلك، وإن خص له رب المال التصرف في بلد بعينه أو في سلعة بعينها لم يجز له أن يتجاوز ذلك.   ومنها قوله: (ومن شرطها أن يكون الربح بينهما مشاعاً) بحيث (لا يستحق أحدهما منه) أي الربح (دراهم مسماة) لأن ذلك يقطع الشركة بينهما؛ لاحتمال أن لا يحصل من الربح إلا قدر ما شرطه له كما مر، ومنها قوله: (ولابد أن يكون المال مسلماً إلى المضارب) ليتمكن من التصرف (و) منها أن يكون (لا يد لرب المال فيه) بأن لا يشترط عمل رب المال؛ لأنه يمنع خلوص يد المضارب، ومنها كون رأس المال معلوماً بالتسمية أو الإشارة إليه. (فإذا صحت المضاربة) باستيفاء شرائطها، وكانت (مطلقة) غير مقيدة بزمان أو مكان أو نوع (جاز للمضارب أن يشتري ويبيع) بنقد ونسيئة متعارفة و (يسافر) برا وبحراً (ويبضع ويوكل) ويودع ويرهن ويرتهن ويؤجر ويستأجر، ويحيل ويحتال؛ لإطلاق العقد، والمقصود منه الاسترباح، ولا يتحصل إلا بالتجارة؛ فينتظم العقد صنوف التجارة وما هو من صنيع التجار، والمذكور كله من صنيع التجار (وليس له) أي المضارب (أن يدفع المال مضاربة) لأن الشيء لا يتضمن مثله (إلا) بالتنصيص عليه، مثل (أن يأذن له رب المال في ذلك) به أو التفويض المطلق إليه، بأن يقول له: اعمل برأيك، ولا يملك الإقراض ولا الاستدانة وإن قيل له "اعمل برأيك" ما لم ينص عليهما. (وإن خص له رب المال التصرف في بلد بعينه أو في سلعة بعينها لم يجز له) أي المضارب (أن يتجاوز ذلك) المعين؛ لأن المضاربة تقبل التقييد؛ لأنها توكيل، وفي التخصيص فائدة فيتخصص، فإن اشترى غير المعين أو في البلد المعين كان ضامناً للمال، وكان المشتري له، وله ربحه؛ وإن خرج بالمال لبلد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 وكذلك إن وقت للمضاربة مدةً بعينها جاز وبطل العد بمضيها، وليس للمضارب أن يشتري أبا رب المال ولا ابنه ولا من يعتق عليه، فإن اشتراهم كان مشترياً لنفسه دون المضاربة، وإن كان في المال ربحٌ فليس له أن يشتري من يعتق عليه، فإن اشتراهم ضمن مال المضاربة، وإن لم يكن في المال ربحٌ جاز أن يشتريهم، فإن زادت قيمتهم عتق نصيبه منهم، ولم يضمن لرب المال شيئاً، ويسعى المعتق لرب المال في قيمة نصيبه منه، وإذا دفع المضارب المال مضاربةً ولم يأذن له   غير المعين ثم رده إلى البلد المعين قبل أن يشتري برئ من الضمان ورجع المال مضاربة على حاله؛ لبقائه في يده بالعقد السابق، وكذا لو عاد في البعض؛ اعتبارا للجزء بالكل. (وكذلك إن وقت للمضاربة مدة بعينها جاز) التقييد (وبطل العقد بمضيها) ؛ لأن الحكم الموقت ينتهي بمضي الوقت. (وليس للمضارب أن يشتري أبا رب المال ولا ابنه ولا من يعتق عليه) : أي على رب المال، لأن عقد المضاربة وضع لتحصيل الربح، وهو إنما يكون بشراء ما يمكن بيعه، وهذا ليس كذلك (فإن اشتراهم كان مشتريا لنفسه دون المضاربة) لأن الشراء متى وجد نفاذا على المشتري نفذ عليه، كالوكيل بالشراء إذا خالف (وإن كان في المال ربح فليس له) : أي المضارب (أن يشتري من يعتق عليه) ، لأنه يعتق عليه نصيبه ويفسد نصيب رب المال (فإذا اشتراهم ضمن مال المضاربة) لأنه يصير مشتريا لنفسه، فيضمن بالنقد من مال المضاربة (وإن لم يكن في المال ربح جاز أن يشتريهم) ، لأنه لا مانع من التصرف؛ إذ لا شركة فيه ليعتق عليه (فإن زادت قيمتهم) بعد الشراء (عتق نصيبه منهم) لملكه بعض قريبه (ولم يضمن لرب المال شيئاً) ، لأنه لا صنع من جهته في زيادة القيمة ولا في ملكه الزيادة؛ لأن هذا شيء يثبت من طريق الحكم فصار كما إذا ورثه مع غيره (ويسعى المعتق لرب المال في قيمة نصيبه) أي رب المال (منه) : أي المعتق، لاحتباس ماليته عنده (وإذا دفع المضارب المال) لآخر (مضاربة ولم يأذن له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 رب المال في ذلك لم يضمن بالدفع ولا يتصرف المضارب الثاني حتى يربح، فإذا ربح ضمن المضارب الأول المال، وإذا دفع إليه المال مضاربةً بالنصف وأذن له أن يدفعها مضاربةً فدفعها بالثلث؛ فإن كان رب المال قال له على أن ما رزق الله بيننا نصفان فلرب المال نصف الربح، وللمضارب الثاني ثلث الربح، وللأول السدس، وإن قال على أن ما رزقك الله بيننا نصفان فللمضارب الثاني الثلث، وما بقي بين رب المال والمضارب الأول نصفان   رب المال في ذلك لم يضمن) المضارب الأول (إلى المضارب الثاني (ولا يتصرف المضارب الثاني) من غير أن يربح، بل (حتى يربح) ، لأنه مالم يربح بمنزلة الوكيل وللمضارب التوكيل (فإذا ربح) المضارب الثاني (ضمن المضارب الأول المال) لرب المال، قال في الهداية: وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة، وقالا: إذا عمل به ضمن ربح أو لم يربح، وهو ظاهر الرواية، قال الإسبيجاني: قال صاحب الكتاب "ضمن المضارب الأول" والمشهور من المذهب أن رب المال بالخيار: إن شاء ضمن الأول، وإن شاء ضمن الثاني في قولهم جميعاً، اهـ تصحيح (وإذا دفع) رب المال (إليه المال مضاربة بالنصف وأذن له أن يدفعها) إلى غيره (مضاربة فدفعها) إلى غيره (بالثلث) جاز، لوجود الإذن من المالك (فإن كان رب المال قال له) في اشتراط الربح (على أن ما رزق الله تعالى) أو ما كان من فضل فهو (بيننا نصفان فلرب المال نصف الربح) عملا بشرطه (وللمضارب الثاني ثلث الربح) لأنه المشروط له (و) للمضارب (الأول) الباقي، وهو (السدس) لأن رب المال شرط لنفسه نصف جميع ما رزق الله تعالى، فلم يبقى للأول إلال النصف، فينصرف تصرفه إلى نصيبه، وقد جعل من ذلك بقدر ثلث الجميع للثاني فيأخذه، فلم يبق للأول إلا السدس (وإن كان قال) رب المال للمضارب الأول (على أن ما رزقك الله تعالى) : أي ما حصل لك من الربح فهو (بينا نصفان فللمضارب الثاي الثلث) لما مر (وما بقي) وهو الثلثان (بين رب المال والمضارب الأول نصفان) ، لأنه فوض إليه التصرف، وجعل لنفسه نصف ما رزق الأول، وقد رزق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 فإن قال له على أن ما رزق الله فلي نصفه فدفع المال إلى آخر مضاربةً بالنصف فللمضارب الثاني نصف الربح ولرب المال النصف، ولا شيء للمضارب الأول، فإن شرط للمضارب الثاني ثلثي الربح فلرب المال نصف الربح وللمضارب الثاني نصف الربح، ويضمن الأول للمضارب الثاني سدس الربح من ماله. وإذا مات رب المال أو المضارب بطلت المضاربة، وإن ارتد رب المال عن الإسلام ولحق بدار الحرب بطلت المضاربة، وإذا عزل رب المال المضارب ولم يعلم بعزله حتى اشترى وباع فتصرفه جائزٌ،   الأول الثلثين فيكون بينهما (فإن) كان (قال على أن ما رزق الله تعالى فلي نصفه) أو ما كان من فضل فبيني وبينك نصفان (فدفع المال إلى آخر مضاربة بالنصف فللثاني نصف الربح) لأنه المشروط له (ولرب المال النصف، ولا شيء للمضارب الأول) ؛ لأنه شرط للثاني النصف فيستحقه، وقد جعل رب المال لنفسه نصف مطلق الربح، فلم يبق للأول شيء (فإن) كان (شرط) المضارب الأول (للمضارب الثاني ثلثي الربح فلرب المال نصف الربح) لما مر (وللمضارب الثاني) الباقي، وهو (نصف الربح، ويضمن المضارب الأول للمضارب الثاني سدس الربح) : أي مثله (من ماله) ؛ لأنه شرط للثاني شيئاً هو مستحقٌ لرب المال فلم ينفذ في حقه لما فيه من الإبطال، والتسمية في نفسها صحيحة، فيلزم الوفاء بأداء المثل. (وإذا مات رب المال أو المضارب بطلت المضاربة) ؛ لأنها توكيل على ما مر وموت الموكل أو الوكيل يبطل الوكالة (وإن ارتد رب المال عن الإسلام) والعياذ بالله تعالى (ولحق بدار الحرب) وحكم بلحوقه (بطلت المضاربة) أيضاً؛ لزوال ملكه وانتقاله لورثته فكان كالموت، وما لم يحكم بلحوقه فهي موقوفة، فإن رجع مسلماً لم تبطل، قيد برب المال لأنه لو كان المضارب هو المرتد فالمضاربة على حالها؛ لأن عبارته صحيحة، ولا توقف في ملك رب المال. (وإن عزل رب المال المضارب) عن المضاربة (ولم يعلم) المضارب (بعزله) : أي عزل نفسه (حتى اشترى وباع فتصرفه) الصادر قبل العلم (جائز) ؛ لأنه توكيل من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 وإن علم بعزله والمال عروضٌ فله أن يبيعها ولا يمنعه العزل من ذلك، ثم لا يجوز أن يشتري بثمنها شيئاً آخر، وإن عزله ورأس المال دراهم أو دنانير قد نضت فليس له أن يتصرف فيه. وإذا افترقا وفي المال ديون وقد ربح المضارب فيه أجبره الحاكم على اقتضاء الديون، وإن لم يكن له ربح لم يلزمه الاقتضاء، ويقال له: وكل رب المال في الاقتضاء،   جهته، وعزل الوكيل قصداً يتوقف على علمه (وإن علم بعزله والمال عروض) هو هنا: ما كان خلاف جنس رأس المال، فالدراهم والدنانير هنا جنسان (فله أن يبيعها ولا يمنعه العزل من ذلك) البيع؛ لأن له حقا في الربح، ولا يظهر ذلك إلا بالعقد فيثبت له حق البيع ليظهر ذلك (ثم لا يجوز) له (أن يشتري بثمنها شيئاً آخر) ؛ لأن العزل إنما يعمل والمال عروض ضرورة معرفة رأس المال، وقد اندفعت بصيرورته نقداً فعمل العزل (وإن عزله ورأس المال دراهم أو دنانير قد نضت) أي: تحولت عيناً بعد أن كانت متاعا، صحاح (فليس له أن يتصرف فيها) لما قلنا، قال في الهداية: وهذا الذي ذكره إذا كان من جنس رأس المال، فإن لم يكن - بأن كان دراهم ورأس المال دنانير، أو على العكس - له أن يبيعها بجنس رأس المال استحساناً؛ لأن الربح لا يظهر إلا به وصار كالعروض. اهـ. وقد أشرنا إليه. (وإذا افترقا وفي المال ديون و) كان (قد ربح المضارب فيه) : أي المال (أجبره الحاكم على اقتضاء الديون) ؛ لأنه بمنزلة الأجير، فإن الربح كالأجر له (وإن لم يكن) في المال (ربح لم يلزمه الاقتضاء) ؛ لأنه وكيل محض، وهو متبرع، والمتبرع لا يجبر على إيفاء ما تبرع به (و) لكن (يقال له) : أي للمضارب (وكل رب المال في الاقتضاء) ؛ لأن حقوق العقد تتعلق بالعاقد، والمالك ليس بعاقد، فلا يتمكن من الطلب إلا بتوكيله، فيؤمر بالتوكيل كيلا يضيع حقه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 وما هلك من مال المضاربة فهو من الربح دون رأس المال، فإن زاد الهالك على الربح فلا ضمان على المضارب فيه، وإن كانا قد اقتسما الربح والمضاربة بحالها ثم هلك المال أو بعضه ترادا الربح حتى يستوفي رب المال رأس المال، فإن فضل شيءٌ كان بينهما، وإن عجز عن رأس المال لم يضمن المضارب، وإن كانا قد اقتسما الربح وفسخا المضاربة ثم عقداها فهلك المال لم يترادا الربح الأول. ويجوز للمضارب أن يبيع بالنقد والنسيئة، ولا يزوج عبداً ولا أمةً من مال المضاربة.   (وما هلك من مال المضاربة فهو من الربح دون رأس المال) لأن الربح اسم للزيادة على رأس المال؛ فلابد من تعيين رأس المال حتى تظهر الزيادة (وإذا زاد الهالك على الربح فلا ضمان على المضارب فيه) ؛ لأنه أمين (وإذا كانا) : أي المضاربان (قد اقتسما الربح و) بقيت (المضاربة بحالها) : أي لم تفسخ (ثم هلك المال) كله (أو بعضه ترادا الربح حتى يستوفي رب المال رأس المال) ؛ لأن قسمة الربح قبل استيفاء رأس المال لا تصح؛ لأنه هو الأصل، فإذا هلك ما في يد المضارب أمانة تبين أن ما أخذه من رأس المال؛ فوجب رده (فإن فضل شيء) بعد استيفاء رأس المال (كان بينهما) ؛ لأنه ربح (وإن عجز) الربح المردود: أي نقص (عن) إكمال (رأس المال لم يضمن المضارب) لما مر من أنه أمين (وإن كانا قد اقتسما الربح وفسخا المضاربة) الأولى والمال في يد المضارب (ثم عقداها) ثانياً (فهلك المال لم يترادا الربح الأول) لأن الأولى قد انتهت بالفسخ. والثانية عقد جديد لا تعلق لها بالأولى. (ويجوز للمضارب أن يبيع بالنقد والنسيئة) المتعارفة؛ لأنها من صنيع التجار قيدنا بالمتعارفة لأنه إذا باع إلى أجل غير متعارف لا يصح؛ لأن له الأمر العام المعروف بين الناس (ولا يزوج عبداً) اتفاقا (ولا أمة) عند أبي حنيفة ومحمد (من مال المضاربة) لأنه ليس بتجارة والعقد لا يتضمن إلا التوكيل بالتجارة، أو ما هو من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 كتاب الوكالة. - كل عقدٍ جاز أن يعقده الإنسان بنفسه جاز أن يوكل به غيره، ويجوز التوكيل بالخصومة في سائر الحقوق، وبإثباتها، ويجوز التوكيل   ضرورياتها، والتزويج ليس كذلك، وقاس أبو يوسف تزويج الأمة على إجارتها لأنه من باب الاكتساب؛ لأنه يستفيد به لمهر وسقوط النفقة، قال في التصحيح: والمعتمد قولهما عند الكل، كما اعتمده المحبوبي والنسفي والموصلي وغيرهم. اهـ. تتمة - إذا عمل المضارب في المصر فنفقته في ماله، وإن سافر فطعامه وشرابه وكسوته وركوبه في مال المضاربة، هداية. كتاب الوكالة وجه المناسبة بينها وبين المضاربة ظاهر؛ لأن الوكالة من أحكامها. وهي لغة: اسم من التوكيل، وهو التفويض. وشرعاً: إقامة الغير مقام نفسه في تصرف معلوم، جوهرة. (1) وقد صدر المصنف بضابط ما يصح فيه التوكيل؛ فقال: (كل عقد جاز أن يعقده الإنسان بنفسه جاز أن يوكل به غيره) لأنه ربما يعجز عن المباشرة بنفسه على اعتبار بعض الأحوال؛ فيحتاج أن يوكل غيره؛ فيكون بسبيل منه دفعاً لحاجته (ويجوز التوكيل بالخصومة) من غير استيفاء (في سائر الحقوق، و) كذا (بإثباتها) أي: إثبات سائر الحقوق، تمكينا له من استيفاء حقوقه، قال الإسبيجاني: وهذا قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: لا يجوز في إثبات الحد والقصاص والخصومة فيه، وقول محمد مضطرب والأظهر أنه مع أبي حنيفة، والصحيح قولهما، تصحيح (ويجوز التوكيل) أيضا   (1) الذي ذكره صاحب الجوهرة من معاني الوكالة اللغوية الحفظ، لا التفويض الذي ذكره الشارح، قال: (الوكالة في اللغة هي الحفظ، ومنه قولهم: {حسبنا الله ونعم الوكيل} ) أي: نعم الحافظ) اهـ. والذي نقله الشارح عنه هو المعنى الشرعي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 بالاستيفاء إلا في الحدود والقصاص فإن الوكالة لا تصح باستيفائهما مع غيبة الموكل عن المجلس، وقال أبو حنيفة: لا يجوز التوكيل بالخصومة إلا برضا الخصم، إلا أن يكون الموكل مريضاً أو غائباً مسيرة ثلاثة أيامٍ فصاعداً. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يجوز التوكيل بغير رضا الخصم. ومن شرط الوكالة: أن يكون الموكل ممن يملك التصرف وتلزمه الأحكام   (بالاستيفاء) والإيفاء لسائر الحقوق (إلا في الحدود والقصاص؛ فإن الوكالة لا تصح باستيفائهما مع غيبة الموكل عن المجلس) ؛ لأنها تندرئ بالشبهات، وشبهة العفو ثابتة حال غيبته، بخلاف حالة الحضرة لانتفاء الشبهة (وقال أبو حنيفة لا يجوز) : أي لا يلزم (التوكيل بالخصومة) سواء كان من قبل الطالب أو المطلوب (إلا برضا الخصم) ويستوي فيه الشريف والوضيع، والرجل والمرأة، والبكر والثيب (إلا أن يكون الموكل مريضاً) لا يمكنه حضور مجلس الحكم بقدميه، ابن كمال (أو غائباً مسيرة ثلاثة أيام فصاعداً) أو مريداً سفرا، أو مخدرة لم تجر عادتها بالبروز وحضور مجلس الحكم. هداية. قال في التصحيح: واختار قوله المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة وأبو الفضل الموصلي، ورجح دليله في كل صنف. اهـ (وقالا: يجوز التوكيل بغير رضا الخصم) وبه أخذ أبو القاسم الصفار وأبو الليث، وفي فتاوى العتابي أنه المختار، وفي مختارات النوازل لصاحب الهداية: والمختار في هذه المسألة أن القاضي إذا علم التعنت من الآبى يقبل توكيله من غير رضاه، وإذا علم أن الموكل قصد إضرار خصمه لا يقبل، اهـ. ومثله في قاضيخان عن شمس الأئمة السرخسي وشمس الأئمة الحلواني، وفي الحقائق: وإليه مال الأوزجندي، كذا في التصحيح ملخصا. وفي الدرر: وعليه فتوى المتأخرين. (ومن شرط) صحة (الوكالة: أن يكون الموكل ممن يملك التصرف) ؛ لأن الوكيل إنما يملك التصرف من جهته؛ فلابد من كونه مالكا لما يملكه لغيره (وتلزمه الأحكام) قال في العناية: يحتمل أحكام ذلك التصرف وجنس الأحكام؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 والوكيل ممن يعقل العقد ويقصده. وإذا وكل الحر البالغ أو المأذون مثلهما جاز، وإن وكلا صبياً محجوراً يعقل البيع والشراء أو عبداً محجوراً جاز، ولا تتعلق بهما الحقوق وتتعلق بموكليهما. والعقود التي يعقدها الوكلاء على ضربين؛   فالأول احتراز عن الوكيل إذا وكل فإنه يملك ذلك التصرف دون التوكيل به؛ لأنه لم تلزمه الأحكام وهي الملك، وعلى هذا يكون في الكلام شرطان، والثاني احتراز عن الصبي والمجنون، ويكون ملك التصرف ولزوم الأحكام شرطاً واحداً، وهذا أصح؛ لأن الوكيل إذا أذن له بالتوكيل صح ولم تلزمه أحكام ذلك التصرف (و) أن يكون (الوكيل ممن يعقل العقد) : أي يعقل معناه من أنه سالبٌ بالنسبة إلى كل من المتعاقدين وجالب له؛ فيسلب عن البائع ملك المبيع ويجلب له ملك البدل، وفي المشتري العكس (و) أن يكون بحيث (يقصده) لفائدته من السلب والجلب، حتى لو كان صبيا لا يعقل أو مجنوناً كان التوكيل باطلا، وما قيل من أن قوله "ويقصده" احتراز عن الهازل رده ابن الهمام. (ثم فرع على ما أصله بقوله: (وإذا وكل الحر البالغ أو المأذون) عبداً كان أو صغيراً (مثلهما جاز) ؛ لأن الموكل مالك للتصرف، والوكيل من أهل العبارة (وإن وكلا) : أي الحر البالغ أو المأذون (صبيا محجوراً) وهو (يعقل البيع والشراء أو عبداً محجوراً جاز) أيضاً لما قلناه (و) لكن (لا تتعلق بهما الحقوق) ؛ لأنه لا يصح منهما التزام العهدة، لقصور أهلية الصبي وحق سيد العبد (و) إنما (تتعلق بموكليها) ، لأنه لما تعذر رجوعها إلى العاقد رجعت إلى أقرب الناس إلى هذا التصرف، وهو الموكل، إلا أن الحقوق تلزم العبد بعد العتق، لأن المانع حق المولى وقد زال، ولا يلزم الصبي بعد البلوغ، لأن المانع حقه، وحق الصبي لا يبطل بالبلوغ، كذا في الفيض. (والعقود التي يعقدها الوكلاء على ضربين) وفي بعض النسخ "والعقد الذي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 فكل عقدٍ يضيفه الوكيل إلى نفسه - مثل البيع والإجارة - فحقوق ذلك العقد تتعلق بالوكيل دون الموكل، فيسلم المبيع، ويقبض الثمن، ويطالب بالثمن، إذا اشترى، ويقبض المبيع، ويخاصم بالعيب، وكل عقدٍ يضيفه إلى موكله - كالنكاح والخلع والصلح من دم العمد - فإن حقوقه تتعلق بالموكل دون الوكيل، فلا يطالب وكيل الزوج بالمهر، ولا يلزم وكيل المرأة تسليمها، وإذا طالب الموكل المشتري بالثمن فله أن يمنعه إياه،   يعقده الوكلاء" أي جنس العقد، كذا في غاية البيان، لأن الوكيل يضيف بعض العقود إلى نفسه، وبعضها إلى موكله (فكل عقد يضيفه الوكيل إلى نفسه) : أي يصح إضافته إلى نفسه ويستغني عن إضافته إلى الموكل (مثل البيع والإجارة) ونحوهما (فحقوق ذلك العقد تتعلق بالوكيل دون الموكل) ، لأن الوكيل في هذا الضرب هو العاقد: حقيقة، لأن العقد يقوم بكلامه، وحكما، لأنه يستغني عن إضافة العقد إلى موكله، وحيث كان كذلك كان أصيلا في الحقوق فتتعلق به (فيسلم المبيع، ويقبض الثمن) إذا باع (ويطالب بالثمن إذا اشترى، ويقبض المبيع) ، لأن ذلك من الحقوق، والملك يثبت للموكل خلافةً عنه اعتباراً للتوكيل السابق (و) كذا (يخاصم بالعيب) إن كان المبيع في يده، أما بعد التسليم إلى الموكل فلا يملك رده إلا بإذنه (وكل عقد يضيفه) الوكيل (إلى موكله) : أي لا يستغني عن الإضافة إلى موكله، حتى لو أضافه إلى نفسه لا يصح، كذا في المجتبى، وذلك (كالنكاح والخلع والصلح من دم العمد) ونحو ذلك (فإن حقوقه تتعلق بالموكل) لإضافة العقد إليه (دون الوكيل) ، لأنه في هذا الضرب سفير محض، ولذا لا يستغني عن إضافة العقد إلى الموكل، فكان كالرسول، وفرع على كونه سفيراً محضاً بقوله: (فلا يطالب وكيل الزوج بالمهر، ولا يلزم وكيل المرأة تسليمها) للزوج، لما قلنا من أنه سفير (وإذا طالب الموكل) بالبيع (المشتري بالثمن فله) : أي المشتري (أن يمنعه إياه) ، لأنه أجنبي عن العقد وحقوقه، لأن الحقوق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 فإن دفعه إليه جاز ولم يكن للوكيل أن يطالبه به ثانياً. ومن وكل رجلاً بشراء شيء فلابد من تسمية جنسه وصفته أو جنسه ومبلغ ثمنه، إلا أن يوكله وكالةً عامةً فيقول: ابتع لي ما رأيت، وإذا اشترى الوكيل وقبض المبيع ثم اطلع على عيبٍ فله أن يرده بالعيب ما دام المبيع في يده، وإن سلمه إلى الموكل لم يرده إلا بإذنه.   إلى العاقد (فإن دفعه) : أي دفع المشتري الثمن (إليه) أي الموكل (جاز) ، لأن نفس الثمن المقبوض حقه (ولم يكن للوكيل أن يطالبه به ثانياً) لعدم الفائدة، لأنه لو أخذ منه لوجب الإعادة. (ومن وكل رجلا بشراء شيء فلابد) لصحة وكالته (من تسمية جنسه) : أي جنس ما وكله به كالجارية والعبد (وصفته) أي نوعه كالتركي والحبشي (أو جنسه ومبلغ ثمنه) ، ليصير الفعل الموكل به معلوما فيمكنه الائتمار (إلا أن يوكله وكالة عامة فيقول: ابتع لي ما رأيت) لأنه فوض الأمر إلى رأيه فأي شيء يشتريه يكون ممتثلا، والأصل أن الجهالة اليسيرة تتحمل في الوكالة كجهالة الوصف استحساناً، لأن مبنى التوكيل على التوسعة لأنه استعانة فتتحمل الجهالة اليسيرة. هداية. ثم الجهالة في التوكيل ثلاثة أنواع: فاحشة، وهي جهالة الجنس كالثوب والدابة والرقيق، وهي تمنع صحة الوكالة وإن بين الثمن؛ لأن الوكيل لا يقدر على الامتثال، لأن بذلك الثمن يوجد من كل جنس، وجهالة يسيرة، وهي جهالة النوع كالحمار والفرس والثوب الهروي، وهي لا تمنع صحة الوكالة وإن لم يبين الثمن، وجهالة متوسطة بين الجنس والنوع كالعبد والأمة والدار، فإن بين الثمن أو النوع تصح وتلحق بجهالة النوع، و"إن لم يبين واحداً منها فلا تصح وتلحق بجهالة الجنس، فيض عن الكافي. ويؤخذ من كلام المصنف (وإذا اشترى الوكيل) ما وكل بشرائه (وقيض المبيع) أي المشتري (ثم اطلع على عيب) فيه (فله) : أي للوكيل (أن يرده بالعيب ما دام المبيع في يده) لتعلق الحقوق به (فإن سلمه إلى الموكل لم يرده إلا بإذنه) ، لانتهاء حكم الوكالة بالتسليم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 ويجوز التوكيل بعقد الصرف والسلم، فإن فارق الوكيل صاحبه قبل القبض بطل العقد، ولا تعتبر مفارقة الموكل، وإذا دفع الوكيل بالشراء الثمن من ماله وقبض المبيع فله أن يرجع به على الموكل، فإن هلك المبيع في يده قبل حبسه هلك من مال الموكل ولم يسقط الثمن، وله أن يحبسه حتى يستوفي الثمن، فإن حبسه فهلك كان مضموناً ضمان الرهن عند أبي يوسف وضمان المبيع عند محمدٍ،   (ويجوز التوكيل بعقد الصرف والسلم) لأنه عقد يملكه بنفسه فيملك التوكيل به على ما مر، ومراده التوكيل بالإسلام دون قبول السلم؛ فإن ذلك لا يجوز؛ فإن الوكيل يبيع طعاما في ذمته على أن يكون الثمن لغيره، وهذا لا يجوز. هداية. ثم العبرة بمفارقة الوكيل (فإن فارق الوكيل صاحبه قبل القبض) لبدله (بطل العقد) ؛ لوجود الافتراق من غير قبض (ولا تعتبر مفارقة الموكل) ولو حاضراً كما في البحر، خلافا للعيني؛ لأنه ليس بعاقد. (وإذا دفع الوكيل بالشراء الثمن من ماله) من غير صريح إذن الموكل (وقبض المبيع، فله أن يرجع به على الموكل) لوجود الإذن دلالة؛ لأن الحقوق لما كانت إلى العاقد وقد علمه الموكل يكون راضياً بدفعه (فإن هلك المبيع في يده) : أي الوكيل (قبل حبسه هلك من مال الموكل ولم يسقط الثمن) ؛ لأن يده كيد الموكل (وله) : أي للوكيل بالشراء (أن يحبسه) : أي المبيع (حتى يستوفي الثمن) وإن لم يكن دفعه؛ لأنه مع الموكل بمنزلة البائع (فإن حبسه) لاستيفاء الثمن (فهلك) في يده (كان مضموناً) عليه (ضمان الرهن عند أبي يوسف) فيضمن الأقل من قيمته ومن الثمن، وضمان الغصب عند زفر فيجب مثله أو قيمته بالغة ما بلغت (وضمان المبيع عند محمد) وهو قول أبي حنيفة أيضاً، فيسقط الثمن قليلا كان أو كثيراً، قال في التصحيح: ورجح دليلهما في الهداية، واعتمده المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 وإذا وكل رجلين فليس لأحدهما أن يتصرف فيما وكلا فيه دون الآخر، إلا أن يوكلهما بالخصومة أو بطلاق زوجته بغير عوضٍ أو برد وديعةٍ عنده أو بقضاء دينٍ عليه. وليس للوكيل أن يوكل فيما وكل به، إلا أن يأذن له الموكل أو يقول له: اعمل برأيك   (وإذا وكل) موكل (رجلين) معاً بأن قال "وكلتكما" سواء كان الثمن مسمى أو لا (فليس لأحدهما أن يتصرف فيما وكلا فيه دون الآخر) قال في الهداية: وهذا في تصرف يحتاج فيه إلى الرأي كالبيع والخلع وغيرهما؛ لأن الموكل رضي برأيهما لا برأي أحدهما، والبدل وإن كان مقدراً ولكن التقدير لا يمنع استعمال الرأي في الزيادة واختيار المشتري. اهـ. وأشار المصنف إلى ذلك بقوله: (إلا أن يوكلهما بالخصومة) ؛ لأن الاجتماع فيها متعذر للإفضاء إلى الشغب في مجلس القضاء، والرأي يحتاج إليه سابقاً لتقويم الخصومة (أو بطلاق زوجته بغير عوض، [أو بعتق عبده بغير عوض] ، أو برد وديعة عنده، أو بقضاء دين عليه) ؛ لأن هذه الأشياء لا يحتاج فيها إلى الرأي، بل هو تعبير محض، وعبارة المثنى والواحد سواء. هداية. قيدنا بالمعية لأنه لو وكلهما على التعاقب جاز لكل منهما الانفراد؛ لأنه رضي برأي كل واحد منهما على الانفراد وقت توكيله، فلا يتغير بعد ذلك. منح. وقيد الطلاق والعتق بغير عوض لأنه لو كان بعوض لا ينفرد أحدهما به؛ لأنه يحتاج إلى الرأي. درر. وقيد برد الوديعة لأنه بقبضها لا ينفرد كما في الذخيرة؛ لأن حفظ الاثنين أنفع؛ فلو قبض أحدهما بدون إذن الآخر ضمن. وقيد بقضاء الدين لأنه باقتضاء الدين لأنه باقتضائه لا ينفرد كما في الجوهرة لاحتياج الاستيفاء إلى الرأي. (وليس للوكيل أن يوكل) غيره (فيما وكل به) ؛ لأنه فوض إليه التصرف دون التوكيل به؛ لأنه إنما رضي برأيه، والناس يتفاوتون في الآراء فلا يكون راضيا بغيره (إلا أن يأذن له الموكل) بالتوكيل (أو) يفوض له، بأن (يقول له: اعمل برأيك) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 فإن وكل بغير إذن موكله فعقد وكيله بحضرته جاز، وإن عقد بغير حضرته فأجازه الوكيل الأول جاز، وللموكل أن يعزل الوكيل عن الوكالة، فإن لم يبلغه العزل فهو على وكالته وتصرفه جائزٌ حتى يعلم. وتبطل الوكالة بموت الموكل، وجنونه جنوناً مطبقاً، ولحاقه بدار الحرب مرتداً، وإذا وكل المكاتب ثم عجز أو المأذون فحجر عليه أو الشريكان فافترقا، فهذه الوجوه تبطل الوكالة علم الوكيل أو لم يعلم.   أو اصنع ما شئت، لإطلاق التفويض إلى رأيه، وإذا جاز في هذا الوجه - يعني الذي جاز التوكيل فيه - يكون الثاني وكيلا عن الموكل، حتى لا يملك الأول عزله، ولا ينعزل بموته، وينعزلان بموت الأول. هداية (فإن وكل بغير إذن موكله فعقد وكيله) أي الوكيل (بحضرته) أي الوكيل الأول (جاز) لانعقاده برأيه. (و) كذا (إن عقد بغير حضرته فأجازه الوكيل الأول جاز) أيضاً، لنفوذه برأيه (وللموكل أن يعزل الوكيل عن الوكالة) متى شاء، لأن الوكالة حقه؛ فله أن يبطله، إلا إذا تعلق به حق الغير، بأن كان وكيلا بالخصومة بطلب من جهة الطالب، لما فيه من إبطال حق الغير، هداية. ثم إنما ينعزل الوكيل إذا بلغه ذلك (فإن لم يبلغه العزل فهو) : أي الوكيل (على وكالته، وتصرفه جائز حتى يعلم) ، لأن في العزل إضراراً به من حيث إبطال ولايته، أو من حيث رجوع الحق إليه، فيتضرر به، ويستوي الوكيل بالنكاح وغيره للوجه الأول، وقد ذكرنا اشتراط العدد والعدالة في المخبر فلا نعيده. هداية. (وتبطل الوكالة بموت الموكل، وجنونه جنوناً مطبقاً) بضم الميم وكسر الباء وفتحها (ولحاقه بدار الحرب مرتدا) إذا حكم به (و) كذا (إذا وكل المكاتب ثم عجز) وعاد إلى رقه (أو المأذون) عبداً كان أو صغيراً (فحجر عليه، أو الشريكان فافترقا) : أي تفاسخا الشركة (فهذه الوجوه) المذكورة (تبطل الوكالة) سواء (علم الوكيل) بذلك (أو لم يعلم) ، لأنه عزل حكمي، لأن بقاء الوكالة يعتمد قيام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 وإذا مات الوكيل أو جن جنوناً مطبقاً بطلت وكالته، وإن لحق بدار الحرب مرتداً لم يجز له التصرف إلا أن يعود مسلماً، ومن وكل آخر بشيء ثم تصرف فيما وكل به بطلت الوكالة، والوكيل بالبيع والشراء لا يجوز أن يعقد عند أبي حنيفة   الأمر، وقد بطل بهذه العوارض. قيد الجنون بالمطبق لأن قليله بمنزلة الإغماء، وحد المطبق شهرٌ عند أبي يوسف اعتباراً بما يسقط به الصوم، قال في الشرنبلالية معزيا إلى المضمرات: وبه يفتي، ومثله في القهستاني والباقلاني، وجعله قاضيخان في فصل ما يقضي به في المجتهدات قول أبي حنيفة وأن عليه الفتوى، فيحتفط، كذا في الدرر. وقال محمد: حول؛ لأنه يسقط به جميع العبادات، وقال في التصحيح: قال في الاختيار: وهو الصحيح، اهـ. وقيد باللحاق لأنه قبله لا يبطل توكيله اتفاقا وقيدنا اللحوق بالحكم به لأنه لا يثبت إلا به، كما في الفيض وغيره، ثم هذا كله فيما إذا كانت الوكالة غير لازمة بحيث يملك عزله، بخلاف اللازمة؛ فإنها لا تبطل بهذه العوارض كالوكالة ببيع الرهن والأمر باليد. (وإذا مات الوكيل أو جن جنوناً مطبقاً بطلت وكالته) ؛ لبطلان أهليته (وإن لحق بدار الحرب مرتداً لم يجز له التصرف) لسقوط أهليته (إلا أن يعود مسلماً) قبل الحكم بلحاقه لعود الأهلية، قال في النهاية نقلا عن مبسوط شيخ الإسلام: وإن لحق الوكيل بدار الحرب مرتدا فإنه لا يخرج عن الوكالة عندهم جميعاً ما لم يقض القاضي بلحاقه. اهـ. قال في التصحيح: قالوا: هذا قول أبي حنيفة واعتمده النسفي والمحبوبي. اهـ. وعند أبي يوسف: لا تعود بعوده؛ لأنه باللحاق التحق بالأموات؛ فبطلت ولايته ولا تعود بعوده. (ومن وكل) غيره (بشيء) من شراء أو بيع أو طلاق أو عتق (ثم تصرف) الموكل (فيما وكل به) بنفسه أو وكيل آخر (بطلت الوكالة) لأنه لما تصرف فيه تعذر على الوكيل التصرف؛ فبطلت وكالته. (والوكيل بالبيع والشراء لا يجوز) له: أي لا يصح (أن يعقد عند أبي حنيفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 مع أبيه وجده وولده وولد ولده وزوجته وعبده ومكاتبه. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يجوز بيعه منهم بمثل القيمة إلا في عبده ومكاتبه. والوكيل بالبيع يجوز بيعه بالقليل والكثير عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يجوز بيعه بنقصانٍ لا يتغابن الناس في مثله. والوكيل بالشراء يجوز عقده بمثل القيمة وزيادةٍ يتغابن الناس في مثلها،   مع) من ترد شهادته له، مثل (أبيه) وأمه (وجده) وجدته وإن عليا (وولده وولد ولده) وإن سفل (وزوجته وعبده ومكاتبه) للتهمة، ولدا ترد شهادتهم له، ولأن المنافع بينهم متصلة؛ فصار بيعا من نفسه من وجه (وقالا: يجوز بيعه منهم بمثل القيمة) ؛ لأن التوكيل مطلق والأملاك متباينة (إلا في عبده ومكاتبه) ؛ لأنه يبيع من نفسه؛ لأن ما في يد العبد للمولى، وكذا له حق في كسب المكاتب وينقلب حقيقة بالعجز، قال في التصحيح: وقد رجحوا دليله، واعتمده المحبوبي والنسفي (والوكيل بالبيع يجوز بيعه بالقليل والكثير) والعرض والنقد (عند أبي حنيفة) لإطلاق الأمر (وقالا: لا يجوز بيعه) أي الوكيل (بنقصان) فاحش، بحيث (لا يتغابن الناس) أي لا يتحملون الغبن (في مثله) أي مثل هذا النقصان، ولا بالعرض؛ لأن مطلق الأمر يتقيد بالمتعارف، والمتعارف البيع بثمن المثل والنقد، قال في البزازية: وعليه الفتوى، لكن في التصحيح: ورجح قول الإمام، وهو المعول عليه عند النسفي، وهو أصح الأقاويل والاختيار عند المحبوبي، ووافقه الموصلي وصدر الشريعة. اهـ. وعليه أصحاب المتون الموضوعة لنقل المذهب بما هو ظاهر الرواية، وفي التصحيح أيضاً: قال القاضي: واختلفت الوايات في الأجل، والصحيح يجوز على كل حال، وعن أبي يوسف: إن كان التوكيل بالبيع للحاجة إلى النفقة وقضاء الدين ليس له أن يبيع بالنسيئة، وعليه الفتوى، اهـ (والوكيل بالشراء يجوز عقده بمثل القيمة وزيادة) يسيرة، بحيث (يتغابن الناس في مثلها) ، إذا لم يكن له قيمة معروفة كالدار والفرس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 ولا يجوز بما لا يتغابن الناس في مثله، والذي لا يتغابن الناس فيه، ما لا يدخل تحت تقويم المقومين، وإذا ضمن الوكيل بالبيع الثمن عن المبتاع فضمانه باطلٌ، وإذا وكل ببيع عبده فباع نصفه جاز عند أبي حنيفة، وإن وكله بشراء عبدٍ فاشترى نصفه فالشراء موقوفٌ، فإن اشترى باقيه لزم الموكل، وإذا وكله بشراء عشرة أرطال لحمٍ بدرهمٍ فاشترى عشرين رطلاً بدرهمٍ من لحمٍ   ونحوهما، أما ما له قيمة معروفة وسعر مخصوص كالخبز واللحم ونحوهما فزاد فيه الوكيل لا ينفذ على الموكل، وإن كانت الزيادة شيئا قليلا كالفلس ونحوه. نهاية (ولا يجوز بما لا يتغابن الناس في مثله) اتفاقا (والذي لا يتغابن الناس فيه) هو (ما لا يدخل تحت تقويم) جملة (المقومين) ومقابله - وهو ما يدخل تحت تقويم البعض - يتغابن فيه، قال في الذخيرة: وتكلموا في الحد الفاصل بين الغبن اليسير والفاحش، والصحيح ما روى عن الإمام محمد في النوادر أن كل غبن يدخل تحت تقويم المقومين فهو يسير، وما لا يدخل تحت تقويم المقومين فهو فاحش، ثم قال: وإليه أشار في الجامع. اهـ (وإذا ضمن الوكيل بالبيع الثمن عن المبتاع فضمانه باطل) ؛ لأن حكم الوكيل أن يكون الثمن أمانة في يده؛ فلا يجوز نفي موجبه بجعله ضامناً له، فصار كما لو شرط على المودع ضمان الوديعة؛ فلا يجوز (وإذا وكله ببيع عبده فباع نصفه جاز عند أبي حنيفة) ؛ لإطلاق التوكيل، وقالا: لا يجوز، لأنه غير متعارف؛ لما فيه من ضرر الشركة، إلا أن يبيع النصف الآخر قبل أن يختصما، قال في التصحيح: واختار قول الإمام البرهاني والنسفي وصدر الشريعة (وإن وكله بشراء عبد فاشترى نصفه فالشراء موقوف) اتفاقا (فإن اشترى باقيه) قبل الخصومة (لزم الموكل) ؛ لأن شراء البعض قد يقع وسيلة إلى الامتثال بأن كان موروثاً بين جماعة فيحتاج إلى شرائه شقصاً شقصاً؛ فإن اشترى الباقي قبل رد الآمر البيع تعين أنه وسيلة فينفذ على الآمر، وهذا بالاتفاق. هداية (وإذا وكله بشراء عشرة أرطال لحم) مثلا (بدرهم) واحد (فاشترى عشرين) رطلا (بدرهم من لحم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 يباع مثله عشرةٌ بدرهمٍ لزم الموكل منه عشرة أرطالٍ بنصف درهمٍ عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يلزمه العشرون، وإذا وكله بشراء شيء بعينه فليس له أن يشتريه لنفسه، وإن وكله بشراء عبدٍ بغير عينه فاشترى عبداً فهو للوكيل، إلا أن يقول: نويت الشراء للموكل، أو يشتريه بمال الموكل؛   يباع مثله عشرة بدرهم لزم الموكل منه عشرة أرطال بنصف درهم عند أبي حنيفة) ؛ لأنه أمره بشراء العشرة، ولم يأمره بالزيادة، فينفذ شراؤها عليه، وبشراء العشرة على الموكل (وقالا: يلزمه العشرون) لأنه أمره بصرف الدرهم، وظن أنه سعر عشرة أرطال، فإذا اشترى عشرين فقد زاد خيرا، قال في التصحيح: قال في الهداية: وذكر في بعض النسخ قول محمد مع أبي حنيفة، ومحمد لم يذكر الخلاف في الأصل، وقد مشى على قول الإمام النسفي والبرهاني وغيرهما (وإذا وكله بشراء شيء بعينه فليس له) أي الوكيل (أن يشتريه لنفسه) لأنه يؤدي إلى تغرير الآمر حيث اعتمد عليه، ولأن فيه عزل نفسه، ولا يملكه - على ما قيل - إلا بمحضر من الموكل؛ فلو كان الثمن مسمى فاشترى بخلاف جنسه، أو لم يكن مسمى فاشترى بغير النقود، أو وكل وكيلا بشرائه فاشترى الثاني بغيبة الأول - ثبت الملك للوكيل الأول في هذه الوجوه، لأنه خالف أمر الآمر فينفذ عليه، ولو اشترى الثاني بحضرة الأول نفذ على الموكل الأول؛ لأنه حضره رأيه فلم يكن مخالفا. هداية (وإن كلفه بشراء عبد بغير عينه فاشترى) الوكيل (عبدا) من غير نية الشراء للموكل ولا إضافته إلى دراهمه (فهو للوكيل) ؛ لأنه الأصل (إلا أن يقول: نويت الشراء للموكل، أو يشتريه بمال الموكل) قال في الهداية: وهذه المسألة على وجوه: إن أضاف العقد إلى دراهم الآمر كان للآمر، وهو المراد عندي بقوله "أو يشتريه بمال الموكل" وهذا بالإجماع، وإن أضافه إلى دراهم نفسه كان لنفسه، وإن أضافه إلى دراهم مطلقة فإن نواها للآمر فهو للآمر، وإن نواها لنفسه فلنفسه، وإن تكاذبا في النية يحكم النقد بالإجماع؛ لأنه دلالة ظاهرة، وإن توافقا على أنه لم تحضره النية، قال محمد: هو للعاقد، لأن الأصل أن كل أحد يعمل لنفسه، إلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 والوكيل بالخصومة وكيلٌ بالقبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمدٍ، والوكيل يقبض الدين وكيلٌ بالخصومة فيه عند أبي حنيفة.   إذا ثبت جعله لغيره، ولم يثبت، وعن أبي يوسف يحكم النقد؛ لأن ما أوقعه مطلقا يحتمل وجهين، فيبقى موقوفا، فمن أي المالين نقد فقد فعل ذلك المحتمل لصاحبه، اهـ باختصار. (والوكيل بالخصومة وكيل بالقبض عند) أئمتنا الثلاثة (أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد) خلافاً لزفر، هو يقول: رضي بخصومته، والقبض غير الخصومة ولم يرض به، ولنا أن من ملك شيئاً ملك تمامه، وتمام الخصومة بالقبض، والفتوى اليوم على قول زفر؛ لظهور الخيانة في الوكلاء، وقد يؤتمن على الخصومة من لا يؤتمن على المال، ونظيره الوكيل بالتقاضي: يملك القبض على أصل الرواية؛ لأنه في معناه وضعا، إلا أن العرف بخلافه، وهو قاضٍ على الوضع، والفتوى على أن لا يملك هداية. ونقل في التصحيح نحوه عن الإسبيجاني والينابيع والذخيرة والواقعات وغيرها، ثم قال: وفي الصغرى التوكيل بالتقاضي يعتمد العرف، إن كان في بلدة العرف بين التجار أن المتقاضي هو الذي يقبض الدين كان التوكيل بالتقاضي توكيلا بالقبض، وإلا فلا، وهذا اللفظ في التتمة، ونقل مثله عن محمد بن الفضل. اهـ. (والوكيل بقبض الدين وكيل بالخصومة عند أبي حنيفة) حتى لو أقيمت عليه البينة على استيفاء الموكل أو إبرائه يقبل، لأنه وكله بالتملك؛ لأن الديون تقضى بأمثالها، وهو يقتضي حقوقا، وهو أصيل فيها، فيكون خصما، وقالا: لا يكون خصما، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، لأنه ليس كل من يؤتمن على المال يهتدي للخصومة، فلم يكن الرضا بالقبض رضاً بالخصومة، قال في التصحيح: وعلى قول الإمام مشى المحبوبي في أصح الأقاويل والاختيارات والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، ثم قال: وقيد بقبض الدين لأن الوكيل بقبض العين لا يكون وكيلا بالخصومة فيها بالإجماع، قاله في الاختيار وغيره، اه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 وإذا أقر الوكيل بالخصومة على موكله عند القاضي جاز إقراره، ولا يجوز إقراره عليه عند غير القاضي عند أبي حنيفة ومحمدٍ إلا أنه يخرج من الخصومة. وقال أبو يوسف: يجوز إقراره عليه عند غير القاضي، ومن ادعى أنه وكيل الغائب في قبض دينه فصدقه الغريم أمر بتسليم الدين إليه، فإن حضر الغائب فصدقه وإلا دفع إليه الغريم الدين ثانياً ورجع به على الوكيل إن كان باقياً في يده،   (وإذا أقر الوكيل بالخصومة) سواء كان وكيل المدعي أو المدعى عليه (على موكله عند القاضي جاز إقراره) لأنه مأمور بالجواب، والإقرار نوعي الجواب (ولا يجوز إقراره عليه عند غير القاضي عند أبي حنيفة ومحمد) ؛ لأن الإقرار إنما يكون جوبا عند القاضي؛ لأنه في مقابلة الخصومة، فيختص به، فلو أقيمت بينة على إقراره في غير مجلس القضاء لا ينفذ إقراره على الموكل (إلا أنه يخرج) المقر بذلك (من الخصومة) : أي الوكالة، حتى لا يدفع إليه المال، ولو ادعى المدعي ذلك الوكالة وأقام بينة لم تسمع؛ لأنه زعم أنه مبطل في دعواه (وقال أبو يوسف: يجوز إقراره عليه) ولو (عند غير القاضي) ؛ لأنه قائم مقام الموكل، وإقراره يختص بمجلس القضاء؛ فكذا إقرار نائبه، قال في التصحيح: قال الإسبيجاني: والصحيح قولهما. (ومن ادعى أنه وكيل) فلان (الغائب في قبض دينه فصدقه الغريم) بدعواه (أمر بتسليم الدين إليه) ؛ لإقراره باستحقاق القبض له من غير إسقاط حق الغائب (فإن حضر الغائب فصدقه) فيها (وإلا) أي: وإن لم يصدقه (دفع إليه الغريم الدين ثانياً) لأنه لم يثبت الاستيفاء حيث أنكر الوكالة، والقول في ذلك قوله مع يمينه، فيفسد الأداء (ورجع به) أي بما دفعه ثانياً (على الوكيل) أي الذي ادعى الوكالة، وهذا (إن كان) المال (باقيا في يده ولو حكما، فإن استهلكه فإنه يضمن مثله، خلاصة. وإن ضاع في يده لم يرجع عليه، إلا أن يكون ضمنه عند الدفع، ولو لم يصدقه ودفع إليه على ادعائه فإن رجع صاحب المال على الغريم رجع الغريم على الوكيل؛ لأنه لم يصدقه في الوكالة، وإنما دفع إليه على رجاء الإجازة، فإذا انقطع رجاؤه رجع عليه، هداية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 وإن قال "إني وكيلٌ بقبض الوديعة" فصدقه المودع لم يؤمر بالتسليم إليه. كتاب الكفالة. - الكفالة ضربان: كفالةٌ بالنفس، وكفالةٌ بالمال. فالكفالة بالنفس جائزةٌ، والمضمون بها إحضار المكفول به، وتنعقد إذا قال "تكفلت بنفس فلانٍ، أو برقبته، أو بروحه، أو بجسده، أو برأسه، أو بنصفه، أو بثلثه"،   (وإن قال) المدعى (إني وكيل) فلان الغائب (بقبض الوديعة) التي عندك (فصدقه المودع) في دعواه (لم يؤمر بالتسليم إليه) ؛ لأنه أقر له بمال الغير، بخلاف الدين، ولو ادعى أنه مات أبوه وترك الوديعة ميراثاً له ولا وارث له غيره وصدقه المودع أمر بالدفع إليه؛ لأنه لا يبقى ماله بعد موته؛ فقد اتفقا على أنه مال الوارث، ولو ادعى على أنه اشترى الوديعة من صاحبها وصدقه المودع لم يؤمر بالدفع إليه؛ لأنه ما دام حيا كان إقراراً بملك الغير، هداية. كتاب الكفالة وجه المناسبة بينها وبين الوكالة أن كلا منهما استعانة بالغير. (الكفالة) لغة: الضم، وشرعاً: ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة (1) . وهي (ضربان: كفالة بالنفس، وكفالة بالمال) وتكون بهما معاً، كما يأتي. (فالكفالة بالنفس جائزة) ؛ لإطلاق قوله عليه الصلاة والسلام "لزعيم غارم) (2) ، (والمضمون بها إحضار المكفول به) ؛ لأن الحضور لازم على الأصيل؛ فجاز أن يلتزم الكفيل إحضاره كما في المال (وتنعقد) كفالة النفس (إذا قال: تكفلت بنفس فلان، أو برقبته، أو بروحه، أو بجسده، أو برأسه) أو ببدنه، أو بوجهه أو نحو ذلك مما يعبر به عن الكل، حقيقة أو عرفا، على ما مر في الطلاق. هداية. (أو) قال: كفلت (بنصفه أو بثلثه) أو بجزء شائع منه، لأن النفس الواحدة   (1) يدل على أن الكفالة في اللغة الضم مطلقا قوله تعالى حكاية عن مريم {وكفلها زكريا} أي ضمها إلى نفسه للقيام بأمرها. (2) الزعيم: هو الكفيل، وفي القرآن الكريم {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 وكذلك إن قال "ضمنته، أو هو علي، أو إلي، أو أنا زعيمٌ به، أو قبيلٌ"، فإن شرط في الكفالة تسليم المكفول به في وقتٍ بعينه لزمه إحضاره إذا طالبه به في ذلك الوقت، فإن أحضره وإلا حبسه الحاكم حتى يحضره، وإذا أحضر وسلمه في مكانٍ يقدر المكفول له على محاكمته برئ الكفيل من الكفالة، وإذا تكفل به على أن يسلمه في مجلس القاضي فسلمه في السوق برئ، وإن سلمه في بريةٍ لم يبرأ،   في حق الكفالة لا تتجزأ؛ فكان ذكر بعضها شائعا كذكر كلها (وكذلك إن قال: ضمنته، أو هو علي، أو إلي) أو عندي؛ لأنها صيغ الالتزام (أو أنابه زعيم) أي كفيل (أو قبيل) هو بمعنى الزعيم، بخلاف ما إذا قال: أنا ضامن بمعرفته؛ لأنه التزم المعرفة دون المطالبة. هداية (فإن شرط) الأصيل (في الكفالة تسليم المكفول به في وقت بعينه لزمه) أي لزم الكفيل (إحضاره) أي إحضار المكفول به (إذا طالبه به) الأصيل (في ذلك الوقت) وفاء بما التزمه كالدين المؤجل إذا حل (فإن أحضره) فيها، لأنه وفى ما عليه (وإلا) أي: وإلا يحضره (حبسه الحاكم) لامتناعه عن إيفاء حق مستحق، ولكن لا يحبسه أول مرة لعله لم يدر لماذا دعي، ولو غاب المكفول بنفسه أمهله الحاكم مدة ذهابه وإيابه، فإن مضت ولم يحضره حبسه، لتحقق الامتناع عن إيفاء الحق. هداية. (وإن أحضره وسلمه في مكان يقدر المكفول له على محاكمته) كالمصر، سواء قبله أو لم يقبله (برئ من الكفالة) لأنه أتى بما التزمه، إذ لم يلتزم التسليم إلا مرة واحدة (وإذا تكفل به على أن يسلمه في مجلس القاضي فسلمه في السوق برئ) أيضاً، لحصول المقصود، لأن المقصود من شرط التسليم في مجلس القاضي إمكان الخصومة وإثبات الحق، وهذا حاصل متى سلمه في المصر، لأن الناس يعاونونه على إحضاره إلى القاضي، فلا فائدة في التقييد، وقيل: لا يبرأ في زماننا، لأن الظاهر المعاونة على الامتناع، لا على الإحضار، فكان تقييده مفيداً. هداية. وفي الدر عن ابن ملك: وبه يفتى في زماننا، لتهاون الناس. اهـ (وإن سلمه في برية لم يبرأ) ، لأنه لا يقدر على المخاصمة فيها، فلم يحصل المقصود، وكذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 وإن مات المكفول به برئ الكفيل بالنفس من الكفالة، فإن تكفل بنفسه على أنه إن لم يواف به في وقت كذا فهو ضامنٌ لما عليه وهو ألفٌ ولم يحضره في ذلك الوقت لزمه ضمان المال ولم يبرأ من الكفالة بالنفس. ولا تجوز الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص عند أبي حنيفة، وقالا: يجوز. وأما الكفالة بالمال فجائزةٌ معلوماً كان المال المكفول به أو مجهولاً   إذا سلمه في سواد، لعدم قاض يفصل الحكم فيه، ولو سلم في مصر آخر غير المصر الذي كفل به برئ عند أبي حنيفة، للقدرة على المخاصمة فيه؛ وعندهما لا يبرأ، لأنه قد يكون شهوده فيما عينه، ولو سلمه في السجن وقد حبسه غير الطالب لا يبرأ، لأنه لا يقدر على المحاكمة فيه. هداية. (وإذا مات المكفول به برئ الكفيل بالنفس من الكفالة) ؛ لأنه سقط الحضور عن الأصيل فيسقط الإحضار عن الكفيل، وكذا إذا مات الكفيل؛ لأنه لم يبق قادراً على تسليم المكفول به بنفسه، وماله لا يصلح لإيفاء هذا الواجب، بخلاف الكفيل بالمال، ولو مات المكفول له فللوصي أن يطالب الكفيل، وإن لم يكن فلوارثه لقيامه مقام الميت. هداية. (وإن تكفل بنفسه على أنه إن لم يواف به في وقت كذا فهو ضامن لما عليه وهو ألف) مثلا (فلم يحضره في) ذلك (الوقت) المعين (لزمه ضمان المال) لأنه علق الكفالة بالمال بشرط متعارف فصح (ولم يبرأ من الكفالة بالنفس) لعدم التنافي. (ولا تجوز الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص عند أبي حنيفة) قال في الهداية: معناه لا يجبر عليها عنده، وقالا: يجبر في حد القذف، لأن فيه حق العبد، بخلاف الحدود الخالصة لله تعالى. اهـ. قال في التصحيح - بعد ما ذكر عبارة الهداية - فسره بذلك الإسبيجاني قال: المشهور من قول علمائنا أن الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص جائزة في اختيار المطلوب، أما القاضي لا يجبره على إعطاء الكفيل، وقال أبو يوسف ومحمد: يؤخذ منه الكفيل، ابتداء، واختار قول الإمام النسفي والمحبوبي وغيرهما. اهـ. (وأما الكفالة بالمال فجائزة، معلوما كان المال المكفول به أو مجهولا) ؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 إذا كان ديناً صحيحاً، مثل أن يقول: تكفلت عنه بألفٍ، أو بما لك عليه، أو بما يدركك في هذا البيع، والمكفول له بالخيار: إن شاء طالب الذي عليه الأصل، وإن شاء طالب كفيله. ويجوز تعليق الكفالة بالشرط مثل أن يقول: ما بايعت فلاناً فعلي، أو ما ذاب لك عليه فعلي، أو ما غصبك فعلي،   لأن معنى الكفالة على التوسع؛ فتتحمل فيها الجهالة (إذا كان) المكفول به (ديناً صحيحاً) وهو: الذي لا يسقط إلا بأداء أو الإبراء، واحترز به عن بدل الكتابة، وسيأتي، وذلك (مثل أن يقول: تكفلت عنه بألف) مثال المعلوم، ومثال المجهول قوله: (أو بمالك عليه، أو بما يدركك في هذا البيع) ويسمى هذا ضمان الدرك (والمكفول له بالخيار) في المطالبة: (إن شاء طالب الذي عليه الأصل) ويسمى الأصيل، (وإن شاء طالب كفيله) ؛ لأن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة، كما مر، وذلك يقتضي قيام الأول، لا البراءة عنه؛ إلا إذا شرط فيه البراءة؛ فحينئذ ينعقد حوالةً اعتباراً للمعنى، كما أن الحوالة بشرط أن لا يبرأ بها المحيل تكون كفالة، ولو طالب أحدهما له أن يطالب الآخر، وله أن يطالبهما. هداية. (ويجوز تعليق الكفالة بالشرط) الملائم لها، وذلك بأن يكون سبباً لثبوت الحق (مثل أن يقول: ما) بمعنى إن، أو موصولة والعائد محذوف، أي أن (بايعت) أو الذي بايعت به (فلانا فعلي، أو ما ذاب) أي ثبت (لك عليه فعلي، أو ما غصبك فعلي) وكذا قوله لإمرأة الغير: كفلت لك بالنفقة أبداً ما دامت الزوجية. خانية. أو يكون شرطاً لإمكان الاستيفاء، مثل: إن قدم فلان فعلي ما عليه من الدين، أو شرطا لتعذره، نحو: إن غاب عن المصر؛ فهذه جملة الشروط التي يجوز تعليق الكفالة بها، ولا يصح تعليقها بغير الملائم - نحو: إن هبت الريح، أو جاء المطر - فتبطل الكفالة به، لأنه تعليق بالخطر، وما في الجوهرة تبعا للهداية من أنه تصح الكفالة ويجب المال حالا، قال الزيلعي: هذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 وإذا قال: تكفلت بما لك عليه، فقامت البينة بألفٍ عليه ضمنه الكفيل، فإن لم تقم البينة فالقول قول الكفيل مع يمينه في مقدار ما يعترف به، فإن اعترف المكفول عنه بأكثر من ذلك لم يصدق على كفيله. وتجوز الكفالة بأمر المكفول عنه وبغير أمره، فإن كفل بأمره رجع بما يؤدى عليه، وإن كفل بغير أمره لم يرجع بما يؤديه   سهو، فإن الحكم فيه أن التعليق لا يصح ولا يلزمه؛ لأن الشرط غير ملائم، فصار كما لو علقه بدخول الدار ونحوه مما ليس بملائم، ذكره قاضيخان وغيره. هـ. وكذا حقق المحقق ابن الهمام. (وإذا قال) الكفيل: (تكفلت بما لك عليه، فقامت البينة بألف عليه ضمنه الكفيل) لأن الثابت بالبينة كالثابت معاينةً فيتحقق ما عليه، فصح الضمان به (وإن لم تقم البينة فالقول قول الكفيل مع يمينه في مقدار ما يعترف به) ، لأنه منكر للزيادة، والقول قول المنكر بيمينه (فإن اعترف المكفول عنه بأكثر من ذلك) الذي اعترف به الكفيل (لم يصدق على كفيله) لأنه إقرار على الغير، ولا ولاية له عليه، ويصدق في حق نفسه، لولايته عليها. (وتجوز الكفالة بأمر المكفول عنه، وبغير أمره) لأنه التزام المطالبة، وهو تصرف في حق نفسه، وفيه نفع للطالب، ولا ضرر فيه على المطلوب بثبوت الرجوع إذ هو عند أمره (فإن) كان (كفل بأمره رجع) الكفيل (بما يؤدى عليه) : أي على الأصيل؛ لأنه قضى دينه بأمره، وهذا إذا أدى مثل الذي ضمنه قدراً وصفة، أما إذا أدى خلافه رجع بما ضمن لا بما أدى، كما إذا تكفل بصحاح أو جياد فأدى مكسرة أو زيوفاً وتجوز بها الطالب، أو أعطاه دنانير أو مكيلا أو موزوناً رجع بما ضمن: أي بالصحاح أو الجياد، لأنه ملك الدين بالأداء، بخلاف المأمور بقضاء الدين حيث يرجع بما أدى، لأنه لم يجب عليه شيء حتى يملك الدين بالأداء، جوهرة (وإن) كان (كفل بغير أمره لم يرجع بما يؤديه) ؛ لأنه متبرع بأدائه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 وليس للكفيل أن يطالب المكفول عنه بالمال قبل أن يؤدي عنه، فإن لوزم بالمال كان له أن يلازم المكفول عنه حتى يخلصه، وإذا أبرأ الطالب المكفول عنه أو استوفى منه برئ الكفيل، وإن أبرأ الكفيل لم يبرأ المكفول عنه، ولا يجوز تعليق البراءة من الكفالة بشرطٍ، وكل حقٍ لا يمكن استيفاؤه من الكفيل لا تصح الكفالة به كالحدود والقصاص، وإذا تكفل عن المشتري بالثمن جاز، وإن   (وليس للكفيل أن يطالب المكفول عنه بالمال) الذي كفله عنه (قبل أن يؤديه عنه) ، لأنه لا يملكه قبل الأداء، بخلاف الوكيل بالشراء حيث يرجع قبل الأداء كما مر (فإن لوزم) الكفيل (بالمال) المكفول به (كان له أن يلازم المكفول عنه) وإن حبس به كان له أن يحبسه (حتى يخلصه) ، لأنه لم يلحقه ما لحقه إلا من جهته فيجازى بمثله (وإذا أبرأ الطالب المكفول عنه أو استوفى منه برئ الكفيل) ، لأن براءة الأصيل توجب براءة الكفيل (وإن أبرأ) الطالب (الكفيل لم يبرأ المكفول عنه) ، لبقاء الدين عليه، وكذا إذا أخر الطالب عن الأصيل تأخر عن الكفيل، ولو أخر عن الكفيل لم يتأخر عن الأصيل، هداية. (ولا يجوز تعليق البراءة من الكفالة بشرط) كإذا جاء غد فأنت برئ منها، لأن في الإبراء معنى التمليك كالإبراء عن الدين، قال في الهداية: ويروى أنه يصح، لأن عليه المطالبة دون الدين في الصحيح، فكان إسقاطاً محضاً كالطلاق، ولهذا لا يرتد إبراء الكفيل بالرد، بخلاف براءة الأصيل. اهـ. (وكل حق لا يمكن استيفاؤه من الكفيل لا تصح الكفالة به كالحدود والقصاص) قال في الهداية: مهناه بنفس الحد، لا بنفس من عليه الحد، لأنه يتعذر إيجابه عليه، لأن العقوبة لا تجري فيها النيابة. اهـ. (وإذا تكفل عن المشتري بالثمن جاز) ، لأنه دين كسائر الديون (وإن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 تكفل عن البائع بالمبيع لم يصح، ومن استأجر دابةً للحمل فإن كانت بعينها لم تصح الكفالة بالحمل، وإن كانت بغير عينها جازت الكفالة، ولا تصح الكفالة إلا بقبول المكفول له في مجلس العقد، إلا في مسألةٍ واحدةٍ، وهي أن يقول المريض لوارثه: تكفل عني بما علي من الدين فتكفل به مع غيبة الغرماء، وإذا كان الدين على اثنين وكل واحدٍ منهما كفيلٌ ضامنٌ عن اخر فما أدى أحدهما لم يرجع به على شريكه حتى   تكفل عن البائع بالمبيع لم يصح) ، لأنه مضمون بغيره - وهو الثمن - والكفالة بالأعيان المضمونة إنما تصح إذا كانت مضمونة بنفسها كالمبيع فاسداً والمقبوض على سوم الشراء والمغصوب. (ومن استأجر دابة ليحمل عليها) أو عبداً للخدمة (فإن كانت الإجارة) لدابة (بعيها) أو عبد بعينه (لم تصح الكفالة بالحمل) عليها والخدمة بنفسه، لأن الكفيل يعجز عن ذلك عند تعذره بالموت ونحوه (وإن كانت) لدابة (بغير عينها) وعبد بغير عينه (جازت الكفالة) ، لأن المستحق حينئذ مقدور للكفيل. (ولا تصح الكفالة) بنوعيها (إلا بقبول المكفول له في مجلس العقد) قال في التصحيح: وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: يجوز إذا بلغه فأجاز، والمختار قولهما عند المحبوبي والنسفي وغيرهما (إلا في مسألة واحدة، وهي أن يقول المريض) الملئ (لوارثه: تكفل عني بما علي من الدين، فتكفل به) الوارث (مع غيبة الغرماء) فإنه يصح اتفاقاً، استحساناً؛ لأن ذلك في الحقيقة وصية، ولذا يصح وإن لم يسم المكفول لهم، وشرط أن يكون مليئا قال في الهداية: ولو قال المريض ذلك لأجنبي اختلف المشايخ فيه. اهـ. قال في الفتح: والصحة أوجه. (وإذا كان الدين على اثنين كل واحد منهما كفيل ضامن عن الآخر) بأمره (فما أدى أحدهما) من الدين الذي عليهما (لم يرجع به على شريكه حتى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 يزيد ما يؤديه على النصف فيرجع بالزيادة، وإذا تكفل اثنان عن رجل بألفٍ على أن كل واحدٍ منهما كفيلٌ عن صاحبه فما أداه أحدهما يرجع بنصفه على شريكه، قليلاً كان أو كثيراً، ولا تجوز الكفالة بمال الكتابة، حرٌ تكفل به أو عبدٌ، وإذا مات الرجل وعليه ديونٌ ولم يترك شيئاً فتكفل رجلٌ عنه للغرماء لم تصح الكفالة عند أبي حنيفة، وقالا: تصح.   يزيد ما يؤديه على النصف) لتحقق النيابة (فيرجع بالزيادة) ، لأن الأداء إلى النصف قد تعارض فيه جهة الأصالة وجهة الكفالة، والإيقاع عن الأصالة أولى؛ لما فيه من إسقاط الدين والمطالبة جميعاً، بخلاف الكفالة فإنه لا دين على الكفيل (وإذا تكفل اثنان عن رجل بألف على أن كل واحد منهما كفيل عن صاحبه) الآخر (فما أداه أحدهما يرجع بنصفه على شريكه، قليلا كان) ما أداه (أو كثيراً) قال في الهداية: ومعنى المسألة في الصحيح أن تكون كفالة بالكل عن الأصيل، وبالكل عن الشريك؛ لأن ما أداه أحدهما وقع شائعاً عنهما، إذ الكل كفالة فلا ترجيح للبعض على البعض، بخلاف ما تقدم. اهـ. (ولا تجوز الكفالة بمال الكتابة، حر تكفل به أو عبد) لما مر من أن شرط صحة الكفالة بالمال أن يكون ديناً صحيحاً، وهو: ما لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء، والمكاتب لو عجز سقط دينه. (وإذا مات الرجل وعليه ديون ولم يترك شيئاً فتكفل رجل) وارثا كان أو غيره (عنه للغرماء) بما عليه من الديون (لم تصح الكفالة عند أبي حنيفة) ؛ لأن الدين سقط بموته مفلساً، فصار كما لو دفع المال ثم كفل به إنسان (وقالا: تصح) الكفالة؛ لأنه كفل بدين ثابت ولم يوجد المسقط، ولهذا يبقى في الآخرة ولو تبرع به إنسان يصح، قال في التصحيح: واعتمد قول الإمام المحبوبي والنسفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 كتاب الحوالة. - الحوالة جائزةٌ بالديون، وتصح برضا المحيل والمحتال له والمحال عليه وإذا تمت الحوالة برئ المحيل من الدين،   وصدر الشريعة وأبو الفضل الموصلي وغيرهم. اهـ. قيد بكونه لم يترك شيئاً لأنه لو ترك ما يفي ببعض الدين صح بقدره كما في ابن ملك. كتاب الحوالة مناسبتها للكفالة من حيث إن كلا منهما التزام بما على الأصيل، ويستعمل كل منهما موضع الآخر، كما مر. (الحوالة) لغة: النقل، وشرعاً: نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. وهي (جائزة بالديون) دون الأعيان؛ لأنها تنبئ عن النقل، والتحويل في الدين لا في العين. هداية (وتصح) الحوالة (برضا المحيل) وهو المديون؛ لأن ذوي المروءات قد يستنكفون عن تحمل ما عليهم من الدين (والمحتال له) وهو الدائن؛ لأن فيه انتقال حقه إلى ذمة أخرى، والذمم متفاوتة (والمحال عليه) وهو من يقبل الحوالة؛ لأن فيها إلزام الدين، ولا إلزام بلا التزام. ولا خلاف إلا في الأول، قال في الزيادات: الحوالة تصح بلا رضا المحيل؛ لأن التزام الدين من المحتال عليه تصرف في حق نفسه، والمحيل لا يتضرر، بل فيه منفعة؛ لأن المحتال عليه لا يرجع إذا لم يكن بأمره. درر. (وإذا تمت الحوالة) باستيفاء ما ذكر (برئ المحيل من الدين) على المختار وقال زفر: لا يبرأ، اعتباراً بالكفالة؛ لأن كل واحد منهما عقد توثق، ولأئمتنا أن الحوالة للنقل لغةً، والدين متى انتقل من الذمة لا يبقى فيها، بخلاف الكفالة فإنها للضم، والأحكام الشرعية وفاق المعاني اللغوية؛ والتوثق باختيار الأملأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 ولم يرجع المحتال على المحيل إلا أن يتوى حقه، والتوى عند أبي حنيفة حد أمرين: إما أن يجحد الحوالة ويحلف ولا بينة عليه، أو يموت مفلساً. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: هذان ووجهٌ ثالثٌ، وهو أن يحكم الحاكم بإفلاسه في حال حياته، وإذا طالب المحال عليه المحيل بمثل مال الحوالة فقال المحيل "أحلت بدين لي عليك" لم يقبل قوله، وكان عليه مثل الدين، وإن طالب المحيل المحتال بما أحاله به   والأحسن قضاء (ولم يرجع المحتال على المحيل إلا أن يتوى) بالقصر - يهلك (حقه) ؛ لأن براءته مقيدة بسلامة حقه؛ إذ هو المقصود (والتوى عند أبي حنيفة أحد أمرين) فقط: (إما أن يجحد) المحال عليه (الحوالة ويحلف) على ذلك (ولا بينة) للمحتال ولا للمحيل لإثباتها (عليه، أو) بأن (يموت مفلساً) ؛ لأن العجز عن الوصول إلى حقه يتحقق بكل منهما، وهو التوى حقيقة (وقالا: هذان) الأمران (ووجه ثالث، وهو: أن يحكم الحاكم بإفلاسه حال حياته) لعجزه عن الأخذ منه وقطعه عن ملازمته، ولأبي حنيفة أن الدين ثابت في ذمته، وتعذر الاستيفاء لا يوجب الرجوع، كما لو تعذر بغيبته، بخلاف موته؛ لخراب الذمة قال في التصحيح: ومشى على قوله النسفي ورجح دليله. اهـ. قال شيخنا: وظاهر كلامهم متوناً وشروحاً تصحيح قول الإمام، ولم أر من صحح قولهما. اهـ. (وإذا طالب المحال عليه المحيل بمثل مال الحوالة) الذي أحال به عليه ودفعه إلى المحتال (فقال المحيل) : إنما (أحلت بدين) كان (لي عليك؛ لم يقبل قوله) : أي قول المحيل في دعوى الدين السابق (وكان عليه مثل الدين) الذي كان أحال به؛ لأن سبب الرجوع قد تحقق - وهو قضاء دينه بأمره - والحوالة ليست بإقرار بالدين نصحتها بدونه، غير أن المحيل يدعي عليه ديناً وهو منكر، والقول قول المنكر (وإن طالب المحيل المحتال بما) كان (أحاله به) مدعياً وكالته بقبضه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 فقال: إنما أحلتك لتقبضه لي، وقال المحتال: بل أحلتني بدين لي عليك، فالقول قول المحيل. ويكره السفاتج، وهو: قرضٌ استفاد به المقرض أمن خطر الطريق. كتاب الصلح. - الصلح   (فقال: إنما أحلتك) أي وكلتك بالدين الذي عليه (لتقبضه لي، وقال المحتال: بل أحلتني بدين) كان (لي عليك، فالقول قول المحيل) لأن المحتال يدعي عليه الدين وهو ينكر، ولفظ الحوالة مستعمل في الوكالة فيكون القول قوله بيمينه، هداية. (ويكره السفاتج، وهو قرض (1) استفاد به المقرض أمن خطر الطريق) . وصورته كما في الدرر: أن يدفع إلى تاجر مبلغا قرضا ليدفعه إلى صديقه في بلد آخر ليستفيد به سقوط الطريق، اهـ. قال في الهداية: وهذا نوع نفع استفيد به؛ وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قرض جر نفعاً. اهـ. كتاب الصلح وجه المناسبة لما قبله هو أن في كل من الوكالة والكفالة والحوالة مساعدة لقضاء الحاجة، وكذا الصلح، فتناسبا. (الصلح) لغة: اسم المصالحة، بمعنى المسالمة بعد المخالفة، وشرعا: عقد يرفع النزاع   (1) السفاتج: جمع سفتجة - بضم السين وفتح التاء بينهما فاء ساكنة - وهي الروقة قال في الجوهرة: "وصورته أن يقول التاجر: أقرضتك هذه الدراهم بشرط أن تكتب إلي كتابا إلى وكيلك ببلد كذا، فيجيبه إلى ذلك، وأما إذا أعطاه من غير شرط وسأله ذلك ففعل فلا بأس به. وإنما يكره إذا كان أمن خطر الطريق مشروطا؛ لأنه نوع نفع استفيد بالقرض. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قرض جر منفعة" اهـ. وفي الفتاوى الصغرى وغيرها "إن كان السفتج مشروطاً في القرض فهو حرام، والقرض بهذا الشرط فاسد، وإلا جاز، وصورة الشرط - كما في الواقعات - رجل أقرض رجلا مالاً على أن يكتب له به إلى بلد كذا فإنه لا يجوز، وإن أقرضه بلا شرط وكتب جاز" اهـ ومن هذا تفهم أن شرط الكراهة أو عدم الجواز شيئان: الأول: أن يدفع المال في بلده قرضا لمن يكتب له؛ فلو دفعه إليه أمانة لم يكره ولم يفسد. والثاني: أن يشترط عليه في عقد القرض أن يكتب له به إلى البلد الأخرى؛ فلو لم يشترط ذلك لم يكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 على ثلاثة أضربٍ: صلحٌ مع إقرارٍ، وصلحٌ مع سكوتٍ وهو أن لا يقر المدعى عليه ولا ينكره، وصلحٌ مع إنكار، وكل ذلك جائزٌ. فإن وقع الصلح عن إقرارٍ اعتبر فيه ما يعتبر في البياعات إن وقع عن مال بمالٍ، وإن وقع عن مالٍ بمنافع فيعتبر بالإجارات. والصلح عن السكوت والإنكار في حق المدعى   ويقطع الخصومة. وركنه: الإيجاب والقبول، وشرطه: العقل، وكذا البلوغ والحرية إلا مع الإذن والنفع، وكون المصالح عليه معلوما إن كان يحتاج إلى قبضه، وكون المصالح عنه حقا يجوز الاعتياض عنه: مالا كان أو غيره، معلوما كان أو مجهولا. وهو (على ثلاثة أضرب) أي أنواع؛ لأنه إما (صلح مع إقرار) من المدعى عليه (و) إما (صلح مع سكوت) منه (وهو أن لا يقر المدعى عليه) بالمدعى به (ولا ينكره، و) إما (صلح مع إنكار) له (وكل ذلك) المذكور (جائز) بحيث يثبت الملك للمدعى في بدل الصلح، وينقطع حق الاسترداد للمدعى عليه؛ لأنه سبب لرفع التنازع المحظور، قال تعالى: {ولا تنازعوا} فكان مشروعا. (فإن وقع الصلح عن إقرار) من المدعى عليه (اعتبر فيه) : أي الصلح (ما يعتبر في البياعات إن وقع) الصلح (عن مال بمال) لوجود معنى البيع - وهو مبادلة المال بالمال - في حق المتعاقدين بتراضيهما؛ فتجري فيه الشفعة إذا كان عقارا، ويرد بالعيب، ويثبت فيه خيار الشرط، ويفسده جهالة البدل؛ لأنهما هي المفضية إلى المنازعة، دون جهالة المصالح عنه؛ لأنه يسقط، ويشترط القدرة على تسليم البدل. هداية (وإن وقع) الصلح (عن مال بمنافع) كخدمة عبد وسكنى دار، وكذا لو وقع عن منفعة بمال أو بمنفعة من جنس آخر (فيعتبر) فيه ما يعتبر (بالإجارات) لوجود معنى الإجارة - وهو تمليك المنافع بمال - والاعتبار في العقود لمعانيها؛ فيشترط التوقيت فيها، ويبطل بموت أحدهما في المدة؛ لأنه إجارة. هداية. (و) أما (الصلح) الواقع (عن السكوت والإنكار) فهو (في حق المدعى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 عليه لافتداء اليمين وقطع الخصومة، وفي حق المدعى بمعنى المعاوضة، وإذا صالح عن دار لم تجب فيها شفعةٌ، وإذا صالح على دارٍ وجبت فيها الشفعة، وإذا كان الصلح عن إقرارٍ فاستحق بعض المصالح عنه رجع المدعى عليه بحصة ذلك من العوض، وإن وقع الصلح عن سكوتٍ أو إنكارٍ فاستحق المتنازع فيه رجع المدعى بالخصومة ورد العوض، وإن استحق بعض ذلك رد حصته ورجع بالخصومة فيه، وإن ادعى حقاً في دارٍ لم يبينه فصولح من ذلك على شيء ثم استحق بعض الدار لم يرد شيئاً من العوض، لأن دعواه يجوز أن تكون فيما بقي.   عليه لافتداء اليمين وقطع الخصومة) ؛ لأنه في زعمه أنه مالك لما في يده (وفي حق المدعى بمعنى المعاوضة) ؛ لأنه في زعمه يأخذ عوضا من حقه؛ فيعامل كل على معتقده ويجوز أن يختلف العقد بالنسبة كما في الإقالة وقد مر (وإذا صالح) المدعى عليه (عن دار) بإنكار أو سكوت (لم تجب فيها شفعة) لأنه يزعم أنه لم يملكها بالصلح، وقول المدعى لا ينفذ عليه (وإذا صالح) عما ادعى عليه به (على دار) له (وجبت فيها الشفعة) لأنه الآخذ يزعم أنه ملكها بعوض فتلزمه الشفعة بإقراره وإن كان المدعى عليه يكذبه. (وإذا كان الصلح عن إقرار فاستحق بعض) المدعى به (المصالح عنه رجع المدعى عليه بحصة ذلك) المستحق (من العوض) المصالح به؛ لما مر أن الصلح مع الإقرار كالبيع، وحكم الاستحقاق في البيع كذلك (وإن وقع الصلح عن سكوت أو إنكار فاستحق المتنازع فيه) كله (رجع المدعى بالخصومة) على المستحق (ورد العوض) المصالح به؛ لأن المدعى عليه ما بذل تعوض للمدعى إلا ليدفع خصومته عن نفسه. فإذا ظهر الاستحقاق تبين أنه لا خصومة له، فيبقى العوض في يده غير مشتمل على غرضه فيسترده (وإن استحق بعض ذلك) المتنازع فيه (رد حصته ورجع بالخصومة فيه) على المستحق؛ اعتباراً للبعض بالكل (وإن ادعى) المدعي (حقاً في دار لم يبينه) بنسبة إلى جزء شائع، أو إلى جهة مخصوصة، أو مكان معين منها (فصولح من ذلك) أي عن ذلك الحق (على شيء. ثم استحق بعض الدار) المدعى فيها الحق (لم يرد شيئا من العوض) المصالح به؛ (لأن دعواه يجوز أن تكون فيما بقي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 والصلح جائز في معنى الأموال والمنافع وجناية العمد والخطأ ولا يجوز من دعوى حدٍ. وإذا ادعى رجلٌ على امرأةٍ نكاحاً وهي تجحد فصالحته على مال بذلته حتى يترك الدعوى جاز وكان معنى الخلع، وإن ادعت امرأةٌ نكاحاً على رجلٍ فصالحها على مالٍ بذله لها لم يجز، وإن ادعى على رجلٍ أنه عبده فصالحه على مالٍ أعطاه جاز، وكان في حق المدعى في معنى العتق على مالٍ   بخلاف ما إذا استحق كله؛ لأنه يعرى العوض عما يقابله. (والصلح جائز من دعوى الأموال) ، لأنه في معنى البيع كما مر (والمنافع) لأنها تملك بالإجارة فكذا بالصلح (وجناية العمد والخطأ) في النفس وما دونها أما الأول فلأنه حق ثابت في المحل؛ فجاز أخذ العوض عنه، وأما الثاني فلأن موجبه المال، فيصير بمنزلة البيع، إلا أنه لا تصح الزيادة على قدر الدية، لأنه مقدر شرعا، فلا يجوز إبطاله، فترد الزيادة، بخلاف الأول حيث تجوز الزيادة على قدر الدية، لأن القصاص ليس بمال، وإنما يقوم بالعقد (ولا يجوز) الصلح (من دعوى حد) ؛ لأنه حق الله تعالى، ولا يجوز الاعتياض عن حق غيره. (وإذا ادعى رجل على امرأة نكاحاً وهي تجحد) دعواه (فصالحته على مال بذلته) له (حتى يترك الدعوى جاز) الصلح (وكان) ذلك (في معنى الخلع) في جانبه، لزعمه أن النكاح قائم، ولدفع الخصومة في جانبها (وإن ادعت امرأة نكاحاً على رجل) وهو يجحد (فصالحها على مال بذله) لها (لم يجز) الصلح، لأنه بذل لها المال لتترك الدعوى، فإن جعل فرقة فالزوج لا يعطى العوض في الفرقة وإن لم يجعل فرقة فالحال على ما كان قبل الدعوى؛ وعلى كل لا شيء يقابله العوض فلم يصح، وفي بعض النسخ "جاز" ووجهه أن يجعل زيادة في مهرها، كذا في الهداية، قال في التصحيح نقلا عن الاختيار: الأول أصح (وإن ادعى على رجل أنه عبده فصالحه) المدعى عليه (على مال أعطاه) إياه (جاز، وكان) ذلك الصلح (في حق المدعى في معنى العتق على مال) ، لزعمه أنه ملكه، وكذا في حق المدعى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 وكل شيء وقع عليه الصلح وهو مستحقٌ بعقد المداينة لم يحمل على المعاوضة وإنما يحمل على أنه استوفى بعض حقه وأسقط باقيه، كمن له على رجلٍ ألف درهمٍ جيادٌ فصالحه على خمسمائة زيوفٍ جاز وصار كأنه أبرأه عن بعض حقه وأخذ باقيه، ولو صالحه على ألفٍ مؤجلٍ جاز وصار كأنه أجل نفس الحق، ولو صالحه على دنانير إلى شهرٍ لم يجز، ولو كان له ألفٌ مؤجلة فصالحه على خمسمائةٍ حالةٍ لم يجز، ولو كان له ألفٌ سودٌ فصالحه على خمسمائةٍ بيضٍ لم يجز.   عليه إن كان الصلح عن إقرار، ويثبت الولاء، وإلا كان لدفع الخصومة لزعمه الحرية، ولا يثبت الولاء إلا أن يقيم المدعى البينة فتقبل ويثبت الولاء. (وكل شيء وقع عليه) أي عنه (الصلح وهو مستحق بعقد المداينة) الني يدعيها المدعى، وكان بدل الصلح من جنس ما يدعيه (لم يحمل) فيه الصلح (على المعاوضة) لإفضائه إلى الربا الموجب لفساد الصلح (وإنما يحمل على أنه استوفى بعض حقه وأسقط باقيه) تحرياً لتصحيحه بقدر الإمكان، وذلك (كمن له على رجل ألف درهم جياد فصالحه على خمسمائة زيوف جاز) الصلح (و) صار كأنه أبرأه عن بعض حقه واستوفى بعضه، وتجوز في قبض الزيوف عن الجياد (و) كذلك (لو صالحه على ألف مؤجلة جاز) أيضاً (وصار كأنه أجل نفس الحق) ، لأنه لا يمكن جعله معاوضة، لأن بيع الدراهم بمثلها نسيئة لا يجوز، فحملناه لى التأخير (ولو صالحه على دنانير) مؤخرة (إلى شهر لم يجز) ، لأن الدنانير غير مستحقة بعقد المداينة فلا يمكن حمله على التأخير، ولا وجه له سوى المعاوضة، وبيع الدراهم بالدنانير نسيئة لا يجوز وإنما خص المداينة مع أن الحكم في الغصب كذلك حملا لأمر المسلم على الصلاح (ولو كان له ألف مؤجلة فصالحه) عنها (على خمسمائة حالة لم يجز) ، لأن المعجل خير من المؤجل، وهو غير مستحق بالعقد؛ فيكون التعجيل بإزاء ما حط عنه وذلك اعتياض عن الأجل، فلم يجز (و) كذا (لو كان له ألف سود فصالحه) عنها (على خمسمائة بيض لم يجز) أيضاً، لما مر أنه معاوضة، بخلاف العكس، لأنه إسقاط قدر أو صف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 ومن وكل رجلا بالصلح عنه فصالحه لم يلزم الوكيل ما صالح عليه إلا أن يضمنه والمال لازمٌ للموكل. فإن صالح عنه على شيء بغير أمره فهو على أربعة أوجهٍ: إن صالح بمال وضمنه تم الصلح، وكذلك لو قال "صالحتك على ألفي هذه" تم الصلح ولزمه تسليمها، وكذلك لو قال "صالحتك على ألفٍ" وسلمها، وإن قال "صالحتك على ألفٍ" ولم يسلمها فالعقد موقوفٌ: فإن أجازه المدعى عليه جاز ولزمه الألف، وإن لم يجزه بطل.   (ومن وكل رجلا بالصلح عنه) عن دم العمد أو عن دين على بعضه ليكون إسقاطاً (فصالحه) أي صالح الوكيل المدعى كذلك (لم يلزم الوكيل ما صالح عليه) . لأن الصلح إذا كان إسقاطاً كان الوكيل فيه سفيراً ومعبراً، والسفير لا ضمان عليه، كما مر (إلا أن يضمنه) ؛ لأنه حينئذ مواخذٌ بعقد الضمان لا بعقد الصلح (والمال) المصالح عليه (لازم للموكل) ؛ لأن العقد يضاف إليه. قيدنا الصلح بدم العمد أو دينٍ ببعضه لأنه إذا كان عن مال بمال فهو بمنزلة البيع؛ فترجع الحقوق إلى الوكيل، فيكون المطالب بالمال هو الوكيل دون الموكل. هداية. (فإن صالح عنه) أي عن المدعى عليه، فضوليٌ (على شيء بغير أمره فهو) يقع (على أربعة أوجه) يتم في ثلاثة منها، ويتوقف على إجازة الأصيل في واحد، وقد بين ذلك بقوله: (إن صالح بمال وضمنه تم الصلح) ، لأن الحاصل للمدعى عليه ليس إلا البراءة، ويكون الفضولي متبرعاً على المدعى عليه، كما لو تبرع بقضاء الدين (وكذلك إن قال: صالحتك) عنه (على ألفي هذه، تم الصلح ولزمه تسليمها) ؛ لأنه لما أضافه إلى مال نفسه فقد التزم تسليمه، فصح الصلح (وكذلك لو قال: صالحتك) عنه (على ألف) من غير نسبة (وسلمها) إليه؛ لأن المقصود - وهو سلامة البدل - قد حصل؛ فصح الصلح (وإن قال: صالحتك) عنه (على ألفٍ) من غير نسبة ولا تسليم (ولم يسلمه؛ فالعقد موقوف) على الإجازة؛ لأنه عقد فضولي (فإن أجازه) الأصيل وهو (المدعى عليه جاز ولزمه الألف) المصالح بها (وإن لم يجزه بطل) لأن الصلح حاصل له، إلا أن الفضولي يصير أصيلا بواسطة إضافة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 وإذا كان الدين بين شريكين فصالح أحدهما من نصيبه على ثوبٍ فشريكه بالخيار: إن شاء اتبع الذي عليه الدين بنصفه، وإن شاء أخذ نصف الثوب، إلا أن يضمن له شريكه ربع الدين، ولو استوفى نصف نصيبه من الدين كان لشريكه أن يشركه فيما قبض، ثم يرجعان على الغريم بالباقي، ولو اشترى أحدهما بنصيبه من الدين سلعةً كان لشريكه أن يضمنه ربع الدين،   الضمان إلى نفسه، فإذا لم يضفه بقي عاقداً عن الأصيل؛ فيتوقف على إجازته. (وإذا كان الدين بين شريكين) بسبب متحد كثمن مبيع صفقة واحدة، وثمن المال المشترك، والموروث بينهما، وقيمة المستهلك المشترك. هداية (فصالح أحدهما من نصيبه على ثوب فشريكه) الساكت (بالخيار: إن شاء اتبع الذي عليه الدين بنصفه) الباقي عنده؛ لأن نصيبه باقٍ في ذمته؛ لأن القابض قبض نصيبه، لكن له حق المشاركة (وإن شاء أخذ نصف الثوب) المصالح به، لأن الصلح وقع على نصف الدين وهو مشاع، لأن قسمة الدين حالة كونه في الذمة لا يصح، وحق الشريك متعلق بكل جزء من الدين، فيتوقف على إجازته، وأخذه النصف دليل على إجازته العقد (إلا أن يضمن له) أي للشريك الساكت (شريكه) المصالح (ربع الدين) ؛ لأن حقه في ذلك (ولو استوفى) أحد الشريكين (نصف نصيبه من الذين كان لشريكه) الساكت (أن يشركه فيما قبض) ؛ لأنه لما قبضه ملكه مشاعا كأصله، فلصاحبه أن يشاركه فيه، ولكنه قبل المشاركة باق على ملك القابض، لأن العين غير الدين حقيقة، وقد قبضه بدلا عن حقه فيملكه حتى ينفذ تصرفه فيه، ويضمن لشريكه حصته (ثم يرجعان) جميعاً (على الغريم بالباقي) ؛ لأنهما لما اشتركا في المقبوض بقي الباقي على الشركة (ولو اشترى أحدهما بنصيبه من الدين) المشترك (سلعة كان لشريكه أن يضمنه ربع الدين) ، لأنه صار قابضاً حقه بالمقاصة كاملا؛ لأن مبنى البيع على المماكسة، بخلاف الصلح، لأن مبناه على الإغماض والحطيطة، فلو ألزمناه دفع الدين يتضرر به، فيخير القابض كما مر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 وإذا كان السلم بين شريكين فصالح أحدهما من نصيبه على رأس المال لم يجز عند أبي حنيفة ومحمدٍ، وقال أبو يوسف: يجوز الصلح. وإذا كانت التركة بين ورثةٍ فأخرجوا أحدهم منها بمالٍ أعطوه إياه والتركة عقارٌ أو عروضٌ جاز، قليلاً كان ما أعطوه أو كثيراً، وإن كانت التركة فضة فأعطوه ذهباً. أو كانت ذهباً فأعطوه فضةً، فهو كذلك،   (وإذا كان السلم بين شريكين فصالح أحدهما من نصيبه على) ما دفع من (رأس المال) فإن أجازه الآخر جاز اتفاقا، وكان المقبوض من رأس المال مشتركا بينهما، وما بقي من السلم كذلك، وإن لم يجزه (لم يجز) الصلح (عند أبي حنيفة ومحمد) ؛ لأنه لو جاز في نصيب أحدهما خاصة يكون قسمة الدين قبل القبض، ولو جاز في نصيبهما لابد من إجازة الآخر؛ لأن فيه فسخ العقد على شريكه بغير إذنه، وهو لا يملك ذلك (وقال أبو يوسف: يجوز الصلح) اعتباراً بسائر الديون، قال في التصحيح: وهكذا ذكر الحاكم قول محمد مع أبي حنيفة، وهكذا في الهداية، وفي الإسبيجاني: وقالا يجوز الصلح، وقول أبي حنيفة هو أصح الأقاويل عند المحبوبي، وهو المختار للفتوى على ما هو رسم المفتى عند القاضي وصاحب المحيط، وهو المعول عليه عند النسفي. (وإذا كانت التركة بين ورثة فأخرجوا أحدهم منها بمالٍ أعطوه إياه والتركة عقاراً وعروض جاز) ذلك (قليلا كان ما أعطوه أو كثيرا) ؛ لأنه أمكن تصحيحه بيعاً، وفيه أثر عثمان رضي الله عنه؛ فإنه صالح تماضر الأشجعية امرأة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عن ربع ثمنها على ثمانين ألف دينار. هداية. (وإن كانت التركة فضة فأعطوه ذهباً، أو) بالعكس، بأن كانت (ذهباً فأعطوه فضة فهو كذلك) جائز، سواء كان ما أعطوه قليلا أو كثيراً؛ لأن بيع الجنس بخلاف الجنس، فلا يعتبر التساوي، ولكن يعتبر تقابض البدلين في المجلس، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 وإن كانت التركة ذهباً وفضةً وغير ذلك فصالحوه على فضةٍ أو ذهبٍ فلابد أن يكون ما أعطوه أكثر من نصيبه من ذلك الجنس حتى يكون نصيبه بمثله والزيادة بحقه من بقية الميراث، وإن كان في التركة دينٌ على الناس فأدخلوه في الصلح على أن يخرجوا المصالح عنه ويكون الدين لهم فالصلح باطلٌ، فإن شرطوا أن يبرئ الغرماء منه ولا يرجع عليهم بنصيب المصالح فالصلح جائزٌ. كتاب الهبة.   لأنه صرف (وإن كانت التركة ذهباً وفضة وغير ذلك) من عروض أو عقار (فصالحوه على فضة أو ذهب فلابد) من (أن يكون ما أعطوه) من الذهب والفضة (أكثر من نصيبه) من التركة (من ذلك الجنس) للدفوع إليه (حتى يكون نصيبه بمثله) من المدفوع إليه (والزيادة بحقه) أي بمقابلة حقه (من بقية الميراث) احترازاً عن الربا، ولابد من التقابض فيما يقابل نصيبه، لأنه صرف في هذا القدر (وإذا كان في التركة دين على الناس فأدخلوه) : أي الدين (في الصلح على أن يخرجوا المصالح عنه ويكون الدين) كله كبقية التركة (لهم فالصلح باطل) في الدين والعين معاً؛ لأن فيه تمليك لدين من غير من عليه الدين، وهو باطل، وإذا بطل في حصة الدين بطل في الكل؛ لأن الصفقة واحدة، وقد ذكر لصحته حيلة فقال: (فإن شرطوا) يعني المصالحين (أن يبرئ) المخرج (الغرماء منه) أي من حصته من الدين (ولا يرجع) بالبناء للمجهول (عليهم) أي على الغرماء (بنصيب المصالح فالصلح جائز) ، لأنه إسقاط، أو هو تمليك الدين ممن عليه الدين، وهو جائز. هداية. ثم قال: وهذه حيلة الجواز، والأخرى أن يعجلوا قضاء نصيبه متبرعين، وفي الوجهين ضرر ببقية الورثة؛ فالأوجه أن يقرضوا المصالح مقدار نصيبه، ويصالحوا عما وراء الدين، ويحيلهم على استيفاء نصيبه من الغرماء، اهـ. كتاب الهبة وجه المناسبة لما قبله مر من أن في الصلح مساعدة لقضاء الحاجة وكذا في الهبة فتناسبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 - الهبة تصح بالإيجاب والقبول، وتتم بالقبض، فإذا قبض الموهوب له في المجلس بغير أمر الواهب جاز، وإن قبض بعد الافتراق لم تصح، إلا أن يأذن له الواهب في القبض. وتنعقد الهبة بقوله: وهبت، ونحلت، وأعطيت، وأطعمتك هذا الطعام   (الهبة) لغة: التبرع والتفضل بما ينفع الموهوب مطلقاً، وشرعا: تمليك عين بلا عوض، و (تصح بالإيجاب والقبول) ، لأنها عقد كسائر العقود، إلا أن الإيجاب من الواهب ركن، والقبول ليس بركن استحساناً، خلافا لزفر كما في الفيض، وفي الدرر: قال الإمام حميد الدين: ركن الهبة الإيجاب في حق الواهب، لأنه تبرع فيتم من جهة المتبرع، أما في حق الموهوب له فلا تتم إلا بالقبول اهـ. وفي الجوهرة: وإنما عبر هنا بتصح وفي البيع بينعقد لأن الهبة تتم بالإيجاب وحده، ولهذا لو حلف لا يهب فوهب ولم يقبل الموهوب له حنث، أما البيع فلا يتم إلا بهما جميعاً. اهـ. ثم لا ينفذ ملك الموهوب له (وتتم) الهبة له إلا (بالقبض) الكامل الممكن في الموهوب، فالقبض الكامل في المنقول ما يناسبه، وكذا العقار كقبض المفتاح أو التخلية، وفيما يحتمل السمة بالقسمة، وفيما لا يحتملها بتبعية الكل، وتمامه في الدرر (فإن قبض الموهوب له) الهبة (في المجلس بغير أمر الواهب) ولم ينهه (جاز) استحساناً، لأن الإيجاب إذنٌ له بالقبض دلالة (وإن قبض بعد الافتراق لم تصح) الهبة؛ لأن القض في الهبة منزل منزلة القبول، والقبول مختص بالمجلس، فكذا ما هو بمنزلته بالأولى (إلا أن يأذن له الواهب في القبض) لأنه بمنزلة عقد مستأنف. قيدنا بعدم نهيه لأنه لو نهاه عن القبض لم يصح قبضه، سواء كان في المجلس أو بعده، لأن الصريح أقوى من الدلالة. (وتنعقد الهبة بقوله: وهبت، ونحلت، وأعطيت) ، لأن الأول صريح في ذلك، والثاني والثالث مستعملان فيه (و) كذا (أطعمتك هذا الطعام) ، لأن الإطعام إذا أضيف إلى ما يطعم عينه يراد تمليك العين، بخلاف ما إذا قال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 وجعلت هذا الثوب لك، وأعمرتك هذا الشيء، وحملتك على هذه الدابة، إذا نوى بالحملان الهبة. ولا تجوز الهبة فيما يقسم إلا محوزةً مقسومةً. وهبة المشاع فيما لا يقسم جائزةٌ. ومن وهب شقصاً مشاعاً فالهبة فاسدةٌ، فإن قسمه وسلمه جاز. ولو وهب دقيقاً في حنطةٍ أو دهناً في سمسمٍ فالهبة فاسدةٌ، فإن طحن وسلم   "أطعمتك هذه الأرض" حيث تكون عارية، لأن عينها لا تطعم (وجعلت هذا الثوب لك) لأن اللام للتمليك (وأعمرتك هذا الشيء) وكذا "جعلت هذا الشيء لك عمري" وسيأتي بيانه (وحملتك على هذه الدابة، إذا نوى بالحملان) عليها (الهبة) ؛ لأنه ليس بصريح فيها، إذ هو الإركاب حقيقة، فيكون عارية، لكنه يحتمل الهبة فيحمل عليه عند نيته. (ولا تجوز الهبة فيما يقسم) أي يمكن قسمه ويبقى منتفعاً به بعد القسمة من جنس الانتفاع الذي كان قبل القسمة ولو من الشريك (إلا محوزة) : أي مجموعة مفرغة عن ملك الواهب وحقوقه، واحترز به عما إذا وهب التمر على النخل دونه، والزرع في الأرض دونها (مقسومة) ؛ لأن القبض الكامل ممكن فيه بالقسمة؛ فلا يكتفي بالقاصر. (وهبة المشاع فيما لا يقسم) : أي لا يبقى به بعد القسمة أصلا كعبد ودابة، أو لا يبقى منتفعاً به من جنس الانتفاع الذي كان قبل القسمة كالحمام الصغير والرحى (جائزة) ؛ لأن القبض القاصر هو الممكن فيكتفي به. (ومن وهب شقصا) أي جزءا (مشاعا) فيما يحتمل القسمة (فالهبة فاسدة) ؛ لما مر (فإن قسمه) أي قسم الشقص الموهوب (وسلمه) إلى الموهوب له (جاز) ذلك؛ لأن تمامه بالقبض، وعنده لا شيوع. (ولو وهب دقيقاً في حنطة أو دناً في سمسم) أو سمنا في لبن (فالهبة فاسدة) أب باطلة؛ ولذا قال: (فإن طحن) الحنطة (وسلم) الدقيق، أو أخرج الدهن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 لم يجز. وإذا كانت العين في يد الموهوب له ملكها بالهبة، وإن لم يجدد فيها قبضاً، وإذا وهب الأب لابنه الصغير هبةً ملكها الابن بالعقد، فإن وهب له أجنبيٌ هبةً تمت بقبض الأب، وإذا وهب   من السمسم، أو السمن من اللبن، وسلم للموهوب له (لم يجز) ذلك؛ لأن الموهوب معدوم، والمعدوم ليس محلا للملك، فوقع العقد باطلا، فلا ينعقد إلا بالتحديد، بخلاف ما تقدم؛ لأن المشاع محل للتمليك، وهبة اللبن في الضرع، والصوف على ظهر الغنم، والزرع والنخل في الأرض، والتمر في النخل - بمنزلة المشاع؛ لأن امتناع الجواز للاتصال، وذلك يمنع القبض كالشائع. هداية. (وإذا كانت العين) الموهوبة (في يد الموهوب له ملكها بالهبة) : أي بقبولها (وإن لم يجدد فيها قبضا) جديداً؛ لأن العين في قبضته، والقبض هو الشرط، بخلاف ما إذا باعه منه؛ لأن القبض في البيع مضمون؛ فلا ينوب عنه قبض الأمانة، أما قبض الهبة غير مضمون فينوب عنه، هداية. قال في الينابيع: يريد به إذا كانت العين في يده وديعة أو عارية أو مغصوبة أو مقبوضة بالعقد الفاسد، أما لو كانت في يده رهناً فيحتاج إلى تجديد القبض، قال الإسبيجاني: بأن يرجع إلى الموضع الذي فيه العين ويمضي وقت يتمكن فيه من قبضها، كذا في التصحيح (وإذا وهب الأب لابنه الصغير هبة) معلومة (ملكها الابن) الموهوب له (بالعقد) لأنه في قبض الأب؛ فينوب عن قبض الهبة، ولا فرق بين ما إذا كان في يده أو يد مودعه، لأن يده كيده، بخلاف ما إذا كان مرهوناً أو مغصوبا أو مبيعا فاسداً، لأنه في يد غيره أو في ملك غيره، والصدقة في هذا مثل الهبة، وكذا إذا وهبت له أمه وهو في عيالها والأب ميت ولا وصي له، وكذلك كل من يعوله، هداية (فإن وهب له) أي الصغير (أجنبي هبة تمت بقبض الأب) ؛ لأنه يملك عليه الدائر بين النفع والضرر، فملكه النافع أولى (وإذا وهب) بالبناء للمجهول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 لليتيم هبةٌ فقبضها له وليه جاز، فإن كان في حجر أمه فقبضها له جائزةٌ، وكذلك إن كان في حجر أجنبيٍ يربيه فقبضه له جائزٌ. وإن قبض الصبي الهبة بنفسه له جاز. وإن وهب اثنان من واحدٍ داراً جاز، وإن وهب واحدٌ من اثنين داراً لم يصح عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يصح.   (لليتيم هبة فقبضها وليه) وهو أحد أربعة: الأب، ثم وصيه، ثم الجد، ثم وصيه (له) أي للصغير (جاز) القبض وتمت الهبة، وإن لم يكن اليتيم في حجرهم، وعند عدم هؤلاء تتم بقبض من هو في حجره، كما ذكره بقوله: (فإن كان) اليتيم (في حجر أمه) أو أخيه أو عمه (فقبضها) أي الأم ونحوها (له جائز) ، لأن لهؤلاء الولاية فيما يرجع إلى حفظه وحفظ ماله، وهذا من باب الحفظ، لأنه لا يبقى إلا بالمال (وكذلك إن كان) اليتيم (في حجر أجنبي يربيه) ولو ملتقطاً (فقبضه له جائز) ، لأن له عليه يداً معتبرة، ألا يرى أنه لا يتمكن أجنبي آخر أن ينزعه من يده؛ فيملك ما يتمحض نفعاً كم حقه. (وإن قبض الصبي الهبة بنفسه جاز) إذا كان مميزاً، لأنه في النافع المحض كالبالغ، قال في الهداية: ويملكه مع حضرة الأب، بخلاف الأم ونحوها حيث لا يملكونه إلا بعد موت الأب أو غيبته غيبة منقطعة في الصحيح؛ لأن تصرف. هؤلاء للضرورة، ومع حضرة الأب لا ضرورة. اهـ. (وإن وهب اثنان من واحد داراً) أو نحوها مما يقسم (جاز) ؛ لأنهما سلماه جملة وهو قبضها جملة؛ فلا شيوع (وإن وهب واحد من اثنين لم يصح عند أبي حنيفة) ؛ لأنهما هبة النصف من كل واحد منهما، فيلزم الشيوع (وقال أبو يوسف ومحمد: يصح) لأنهما هبة الجملة منهما، إذ التمليك واحد فلا يتحقق الشيوع، قال في التصحيح: وقد اتفقوا على ترجيح دليل الإمام، واختار قوله أبو الفضل الموصلي وبرهان الأئمة والمحبوبي وأبو البركات النسفي. اهـ. قيدنا بالهبة لأن الإجارة الرهن والصدقة للاثنين تصح اتفاقا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 وإذا وهب هبةً لأجنبيٍ فله الرجوع فيها، إلا أن يعوضه عنها، أو تزيد زيادةً متصلةٌ، أو يموت أحد المتعاقدين، أو تخرج الهبة من ملك الموهوب له، وإن وهب هبة لذي رحمٍ محرمٍ منه فلا رجوع فيها،   (وإذا وهب هبة لأجنبي) وقبضها الموهوب له (فله) أي للواهب (الرجوع فيها) لأن المقصود بها التعويض للعادة، فيثبت ولاية الفسخ عند فواته، إذ العقد يقبله. هداية، ثم قال: وقوله "فله الرجوع" لبيان الحكم، أما الكراهة فلازمة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "العائد في هبته كالعائد في قيئه". اهـ. (ثم ذكر المصنف للرجوع موانع فقال: (إلا أن يعوضه) الموهوب له (عنها) ويقبضه الواهب، لحصول المقصود، لكن بشرط أن يذكر لفظا يعلم الواهب أنه عوض عن كل هبته كما يأتي قريبا (أو تزيد) العين الموهوبة بنفسها (زيادة متصلة) موجبة لزيادة القيمة كالبناء والغرس والسمن ونحو ذلك، لأنه لا وجه للرجوع فيها دون الزيادة لعدم الإمكان، ولا معها لعدم دخولها تحت العقد. قيد بالزيادة لأن النقصان لا يمنع، وبالمتصلة لأن المنفصلة كالولد والأرش لا تمنع فيرجع بالأصل دون الزيادة، وقيدنا الزيادة بنفسها لأنها لو كانت بالقيمة لا تمنع، لأنها للرغبة إذ العين بحالها، وبالموجبة لزيادة القيمة، لأنه لو كانت غير موجبة لزيادة القيمة لا تمنع، لأنها قد توجب نقصا (أو يموت أحد المتعاقدين) ، لأن بموت الموهوب له ينتقل الملك إلى الورثة، فصار كما إذا انتقل في حال حياته، وإذا مات الواهب فوارثه أجنبي عن العقد، إذ هو ما أوجبه. هداية (أو تخرج الهبة من ملك الموهوب له) ، لأنه حصل بتسليط الواهب، فلا يكون له نقضه، لأن نقض الإنسان ما تم من جهته مردود، ولأن تبدل الملك كتبدل العين، وقد تبدل الملك بتجدد السبب، وفي المحيط: لو رده المشتري بعيب إلى الموهوب له ليس للواهب الرجوع، ولو وهبه لآخر ثم رجع فللأول الرجوع، لو وهب دارا فقبضها الموهوب له ثم باع نصفها فللواهب الرجوع في الباقي لخلوه من مانع الرجوع، كذا في الفيض (وإن وهب هبة لذي رحم محرم منه) نسباً (فلا رجوع فيها) ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 وكذلك ما وهب أحد الزوجين للآخر. وإذا قال الموهوب له للواهب: خذ هذا عوضاً عن هبتك، أو بدلاً عنها، أو في مقابلتها، فقبضه الواهب سقط الرجوع، وإن عوضه أجنبيٌ عن الموهوب له متبرعاً فقبض الواهب العوض سقط الرجوع. وإذا استحق نصف الهبة رجع بنصف العوض، وإن استحق نصف العوض لم يرجع في الهبة.   لأن المقصود فيها صلة الرحم، وقد حصل. قيدنا بالمحرم نسباً لأنه لو كان محرما من الرضاع كأخيه رضاعا أو المصاهرة كربيبته وأم امرأته كان له الرجوع (وكذلك) حكم (ما وهب أحد الزوجين للآخر) ؛ لأن المقصود فيها الصلة كما في القرابة، وإنما ينظر إلى هذا وقت العقد، حتى لو تزوجها بعدما وهب لها فله الرجوع، ولو أبانها بعد ما وهب لها فلا رجوع، هداية. (وإذا قال الموهوب له للواهب: خذ هذا) الشيء، سواء كان قليلا أو كثيراً من جنس الموهوب أولا؛ لأنها ليست بمعاوضة محضة (عوضاً عن هبتك، أو بدلا عنها، أو في مقابلتها أو نحو ذلك مما هو صريح في أنه عوض عن جميع هبته (فقبضه الواهب سقط الرجوع) ؛ لحصول المقصود، ولو لم يذكر أنه عوض كان هبة مبتدأة، ولكل منهما الرجوع بهبته، ولهذا يشترط فيها شرائط الهبة من القبض والإفراز وعدم الشيوع (وإن عوضه أجنبي عن الموهوب له متبرعا) ؛ وكذا بأمر الموهوب له بالأولى (فقبض الواهب العوض سقط الرجوع) ؛ لأن العوض لإسقاط الحق فيصح من الأجنبي، كبدل الخلع والصلح. (وإذا استحق نصف الهبة) المعوض عنها (رجع) المعوض (بنصف العوض) لأنه لم يسلم له ما يقابل نصفه (وإن استحق نصف العوض لم يرجع) الواهب (في الهبة) بشيء منها؛ لأن الباقي يصلح عوضا للكل في الابتداء، وبالاستحقاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 إلا أن يرد ما بقي من العوض ثم يرجع. ولا يصح الرجوع إلا بتراضيهما، أو بحكم الحاكم. وإذا تلفت العين الموهوبة فاستحقها مستحقٌ فضمن الموهوب له لم يرجع على الواهب بشيء. وإذا وهب بشرط العوض اعتبر التقابض في العوضين، وإذا تقابضا صح العقد وصار في حكم البيع: يرد بالعيب، وخيار الرؤية، وتجب فيه الشفعة.   ظهر أنه لا عوض إلا هو (إلا) أنه يتخير، لأنه ما أسقط حقه في الرجوع إلا ليسلم له كل العوض، ولم يسلم له، فكان له (أن يرد ما بقي من العوض ثم يرجع) في هبته لبقائها بغير عوض. (ولا يصح الرجوع) في الهبة (إلا بتراضيهما، أو بحكم الحاكم) للاختلاف فيه، فيضمن بمنعه بعد القضاء، لا قبله. (وإذا تلفت العين الموهوبة) في يد الموهوب له (فاستحقها مستحق فضمن) المستحق (الموهوب له لم يرجع) الموهوب له (على الواهب بشيء) ، لأنه عقد تبرع، فلا يستحق فيه السلامة. (وإذا وهب بشرط العوض) المعين (اعتبر) فيه شروط الهبة، وهي (التقابض في العوضين) والتمييز وعدم الشيوع، لأنه هبة ابتداء باعتبار التسمية (فإذا تقابضا) العوضين (صح العقد، وكان في حكم البيع) انتهاء لوجود المعاوضة، فهو (يرد بالعيب وخيار الرؤية وتجب فيه الشفعة) وهذا إذا قال: وهبتك على أن تعوضني كذا أما لو قال: وهبتك بكذا - بالباء - كان بيعاً ابتداء وانتهاء كما في الدر والدرر. قيدنا العوض بالمعين لأنه لو كان مجهولا يبطل اشتراطه، فيكون هبة ابتداء وانتهاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 والعمرى جائزةٌ للمعتمر في حال حياته، ولورثته من بعده. والرقبى باطلةٌ عند أبي حنيفة ومحمدٍ، وقال أبو يوسف: جائزةٌ. ومن وهب جاريةً إلا حملها صحت الهبة، وبطل الاستثناء. والصدقة كالهبة: لا تصح إلا بالقبض، ولا تجوز في مشاعٍ يحتمل القسمة، وإذا تصدق على فقيرين بشيءٍ جاز، ولا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض.   (والعمرى) وهي: أن يجعل داره له عمره، وإذا مات ترد عليه، وهي (جائزة للمعمر) له (حال حياته، ولورثته من بعده) ، لصحة التمليك، وبطلان الشرط، لأن الهبة لا تبطل بالشرط الفاسد. (والرقبى) وهي أن يقول له: أرقبتك هذه الدار، أو هذه الدار لك رقبى، ومعناه إن مت قبلك فهي لك، وإن مت قبلي عادت إلي، وهي (باطلة عند أبي حنيفة) ومحمد لأنه تعليق التمليك بالخطر، فإذا سلمها إليه على هذا تكون عارية، له أخذها متى شاء (وقال أبو يوسف) : هي (جائزة) ، لأن قوله "داري لك" تمليك، وقوله "رقبى" شرط فاسد فيبطل كالعمرى، قال في التصحيح: قال الإسبيجاني: والصحيح قولهما. (ومن وهب جارية إلا حملها) أو على أن يردها عليه، أو يعتقها، أو يستولدها (صحت الهبة) ، لأنها لا تبطل بالشروط الفاسدة (وبطل الاستثناء) في الحمل، لأنه إنما يعمل في المحل الذي يعمل فيه العقد؛ وهبة الحمل لا تجوز، فلا يجوز استثناؤه، وكذا يبطل الشرط، لمخالفته مقتضى العقد، وهو ثبوت الملك مطلقاً. (والصدقة) على الفقير (كالهبة) لجامع التبرع؛ ولذا (لا تصح إلا بالقبض) لأنها تبرع كالهبة (ولا تجوز في مشاع يحتمل القسمة) لما مر (و) لكن (إذا تصدق على فقيرين بشيء) يحتمل القسمة (جاز) ، لأن المقصود في الصدقة هو الله تعالى وهو واحد، والفقير نائب عنه في القبض كالساعي في الزكاة (ولا يصح الرجوع في الصدقة) ولو على غنى استحسانا. هداية (بعد القبض) ؛ لأن المقصود هو الثواب وقد حصل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 ومن نذر أن يتصدق بماله لزمه أن يتصدق بجنس ما تجب فيه الزكاة، ومن نذر أن يتصدق بملكه لزمه أن يتصدق بالجميع، ويقال له: أمسك منه مقدار ما تنفقه على نفسك وعيالك إلى أن تكسب مالاً، فإذا اكتسبت مالاً تصدق بمثل ما أمسكت. كتاب الوقف.   (ومن نذر أن يتصدق بماله تصدق) أي: لزمه أن يتصدق (بجنس ما تجب فيه الزكاة) استحساناً؛ والقياس أن يلزمه التصدق بجميع ماله، لأن المال اسم لما يتمول وهو شامل لما تجب فيه الزكاة وغيره، وجه الاستحسان أن إيجاب العبد يعتبر بإيجاب الله تعالى فينصرف إيجابه إلى ما أوجب الشارع فيه الصدقة من المال، ولأن الظاهر التزام الصدقة من فاضل ماله، وهو مال الزكاة. هداية (ومن نذر أن يتصدق بملكه لزمه أن يتصدق بالجميع) ، لأنه أعم من لفظ المال، لأن المال مقيد بإيجاب الشارع ولا تخصيص في لفظ الملك، فبقي على العموم، والصحيح أنهما سواء لأن الملتزم باللفظين الفاضل عن الحاجة على ما مر، هداية. (و) إذا لم يكن له مال سوى ما دخل تحت الإيجاب (يقال له: أمسك منه) أي من المال الذي وجب التصدق به (ما) : أي شيئا (تنفقه على نفسك وعيالك إلى أن تكتسب مالا) غيره (فإذا اكتسبت مالا تصدق بمثل ما أمسكت) ؛ لأن حاجته مقدمة لئلا يقع في الضرر، ولم تقدر لاختلاف أحوال الناس وقيل: المحترف يمسك قوته ليوم، وصاحب الغلة لشهر، وصاحب الضياع لسنة، على حسب التفاوت في مدة وصولهم إلى المال، وعلى هذا صاحب التجارة يمسك بقدر ما يرجع إليه ماله. هداية. كتاب الوقف مناسبته للهبة من حيث إن كلا منهما تبرع بالملك، وقدمت الهبة لأنها تبرع بالعين والمنفعة جميعاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 - لا يزول ملك الواقف عن الوقف عند أبي حنيفة إلا أن يحكم به الحاكم أو يعلقه بموته فيقول: إذا مت فقد وقفت داري على كذا. وقال أبو يوسف: يزول الملك بمجرد القول. وقال محمدٌ: لا يزول الملك حتى يجعل للوقف ولياً ويسلمه إليه.   وهو لغة: الحبس، وشرعاً: حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة عند الإمام، وعندهما هو: حبسها على حكم ملك الله تعالى. هداية. (لا يزول ملك الواقف عن الوقف عند أبي حنيفة) : أي لا يلزم، فيصح الرجوع عنه، ويجوز بيعه، كما في التصحيح عن الجواهر (إلا) بأحد أمرين: (أن يحكم به الحاكم) المولى، لأنه مجتهد فيه، وصورة الحكم: أن يسلم الواقف وقفه إلى المتولى ثم يريد أن يرجع بعلة عدم اللزوم فيختصمان إلى القاضي فيقضي باللزوم كما في الفيض. قيدنا بالمولى لأن المحكم بتحكيم الخصمين لا يرفع الخلاف على الصحيح، (أو يعلقه بموته) فيقول: إذا مت فقد وقفت داري مثلا على كذا، فالصحيح أنه كوصيه يلزم من الثلث بالموت لا قبله، كما في الدر (وقال أبو يوسف: يزول الملك بمجرد القول) في المشاع وغيره، سلم إلى المتولي أو لا، ذكر جهة لا تنقطع أولا، كما في التصحيح عن الجواهر (وقال محمد: لا يزول الملك حتى) يستوفي أربعة شرائط، وهي: أن (يجعل للوقف وليا) أي متولياً (ويسلمه إليه) ، وأن يكون مفرزاً، وأن لا يشترط لنفسه شيئاً من منافع الوقف، وأن يكون مؤبداً، بأن يجعل آخره للفقراء كما في التصحيح عن التحفة والاختيار، ثم قال: قلت: الثالث ليس فيه رواية ظاهرة عنه، وسيأتي، اهـ. ثم نقل أن الفتوى على قولهما في جواز الوقف عن الفتاوى الصغرى والحقائق والتتمة والعيون ومختارات النوازل والخلاصة ومنية المفتي وغيرها. ثم قال: ثم إن مشايخ بلخ اختاروا قول أبي يوسف، ومشايخ بخارى اختاروا قول محمد، وقد صح كلا القولين وأفتى به طائفة ممن يعول على تصحيحهم وإفتائهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 وإذا الوقف - على اختلافهم - خرج عن ملك الواقف، ولم يدخل في ملك الموقوف عليه. ووقف المشاع جائزٌ عند أبي يوسف. وقال محمدٌ: لا يجوز.   (فإذا استحق) بالبناء المجهول - أي ثبت، وفي بعض النسخ "صح" (الوقف على اختلافهم المار في صحته (خرج) الوقف (من ملك الواقف) وصار خبيساً على حكم ملك الله تعالى (ولم يدخل في ملك الموقوف عليه) ؛ لأنه لو ملكه لما انتقل عنه بشرط الواقف كسائر أملاكه، مع أنه ينتقل بالإجماع، وقال في الهداية: وقوله "خرج من ملك الواقف" يجب أن يكون قولهما على الوجه الذي سبق تقريره، اهـ. (ووقف المشاع) القابل للقسمة (جائز عند أبي يوسف) ؛ لأن القسمة من تمام القبض، والقبض عنده ليس بشرط؛ فكذا تتمته (وقال محمد: يجوز) لأن أصل القبض عنده شرط فكذا ما يتم به. قيدنا بالقابل للقسمة لأن ما لا يحتمل القسمة يجوز مع الشيوع عند محمد أيضاً؛ لأنه يعتبره بالهبة، قال في التصحيح: وأكثر المشايخ أخذوا بقول محمد، وفي الفتح عن المنية: الفتوى على قول أبي يوسف، وفيه عن المبسوط: وكان القاضي أبو عاصم يقول: قول أبي يوسف من حيث المعنى أقوى، إلا أن قول محمد أقرب إلى موافقة الآثار، اهـ. ولما كثر المصحح من الطرفين، وكان قول أبي يوسف فيه ترغيب للناس في الوقف وهو جهة بر - أطبق المتأخرون من أهل المذهب على أن القاضي الحنفي والمقلد يخير بين أن يحكم بصحته وبطلانه، وإذا كان الأكثر على ترجيح قول محمد، وبأيها حكم صح حكمه ونفذ، فلا يسوغ له ولا لقاض غيره أن يحكم بخلافه كما صرح به غير واحد، وقال في البحر: وصح وقف المشاع إذا قضى بصحته؛ لأنه قضاء في مجتهد فيه، ثم قال: أطلق القاضي فشمل الحنفي وغيره؛ فإن للحنفي المقلد أن يحكم بصحة وقف المشاع وبطلانه؛ لاختلاف الترجيح، وإذا كان في المسألة قولان مصححان فإنه يجوز القضاء والإفتاء بأحدهما كما صرحوا به، اهـ ونحوه في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 ولا يتم الوقف عند أبي حنيفة ومحمدٍ حتى يجعل آخره لجهةٍ لا تنقطع أبداً. وقال أبو يوسف: إذا سمى فيه جهةً تنقطع جاز، وصار بعدها للفقراء، وإن لم يسمهم. ويصح وقف العقار، ولا يجوز وقف ما ينقل ويحول. وقال أبو يوسف: إذا وقف ضيعةً ببقرها أو أكرتها وهم عبيده جاز.   النهر والمنح والدر وغيرها، لكن صرح بعضهم بأنه ينبغي للقاضي - حيث كان مخبراً - أن يميل إلى قول أبي يوسف وبحكم بالصحة؛ أخذاً من قولهم: يختار في الوقف ما هو الأنفع والأصلح للوقف، ومن أحب مزيد الاطلاع فعليه برسالتنا "لذة الأسماع، في حكم وقف المشاع" (ولا يتم الوقف عند أبي حنيفة ومحمد حتى يجعل آخره لجهة لا تنقطع أبداً) بأن يجعل آخره للفقراء؛ لأن شرط جوازه عندهما أن يكون مؤبداً؛ فإذا عين جهة تنقطع صار مؤقتاً معنى؛ فلا يجوز (وقال أبو يوسف: إذ سمى فيه جهة تنقطع جاز، وصار) وقفاً مؤبداً، وإن لم يذكر التأبيد؛ لأن لفظ الوقف والصدقة منبئ عنه، فيصرف إلى الجهة التي سماها مدة دوامها، ويصرف (بعدها للفقراء وإن لم يسمهم) ولذا قال في الهداية: وقيل: إن التأييد شرط بالإجماع، إلا أن عند أبي يوسف لا يشترط ذكر التأبيد؛ لأن لفظة الصدقة والوقف منبئة عنه، ثم قال: ولهذا قال في الكتاب في بيان قوله "وصار بعدها للفقراء وإن لم يسمهم"، وهذا هو الصحيح، وعند محمد ذكر التأبيد شرط، اهـ. (ويصح وقف العقار) اتفاقا، لأنه متأبد (ولا يجوز وقف ما ينقل ويحول) ؛ لأنه لا يبقى؛ فكان توقيتاً معنى، وقد ذكرنا أن شرط صحته التأبيد، قال في الهداية: وهذا على الإرسال - أي الإطلاق - قول أبي حنيفة (وقال أبو يوسف: إذا وقف ضيعة ببقرها وأكرتها) جمع أكار - بالتشديد - الفلاح: أي عمالها (وهم) أي الأكرة (عبيده جاز) وكذا سائر آلات الحراسة؛ لأنه تبع للأرض في تحصيل ما هو المقصود، وقد يثبت من الحكم تبعاً ما لا يثبت مقصوداً كالشرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 وقال محمدٌ: يجوز حبس الكراع والسلاح،   في البيع والبناء في الوقف، ومحمد معه فيه؛ لأنه لما جاز إفراد بعض المنقول عنده بالوقف فلأن يجوز الوقف تبعاً أولى، هداية. (وقال محمد: يجوز حبس الكراع) أي الخيل كما في الغاية عن ديوان الأدب (والسلاح) قال في الهداية: وأبو يوسف معه فيه على ما قالوا، وهذا استحسان، ووجهه الآثار المشهورة (1) فيه. قال في الجواهر: تخصيص أبي يوسف في الضيعة ببقرها ومحمد في الكراع باعتبار أن الرواية جاءت عن أبي يوسف في الضيعة وعن محمد في الكراع نصا   (1) الآثار الواردة في وقف المنقول كثيرة، منها ما رواه الشيخان عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الصدقات (أي ليجمع الزكاة) فمنع ابن جبل وخالد بن الوليد والعباس بن عبد المطلب (أي أنهم امتنعوا عن دفع زكاتهم إلى عمر) فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، وقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، وأما العباس عم رسول الله فهي علي ومثلها) . وروى الطبراني وابن كثير في تاريخه عن أبي وائل قال: لما حضرت خالد بن الوليد الوفاة قال: لقد طلبت القتل فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عمل أرجى عندي بعد لا إله إلا الله من ليلة بتها وأنا مفترش أنتظر الصبح حتى نغير على الكفار، ثم قال: إذا أنا مت فانظروا سلاحي وفرسي فاجعلوه عدة في سبيل الله. ويدخل في حكم الكراع الإبل، لأن العرب يغزون عليها، وقد ورد النص على جواز وقفها، فقد روى أن أم معقل جاءت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبا معقل جاء ناضحه (هو الجمل يستقي عليه) في سبيل الله، وإني أريد الحج، أفأركبه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "إركبيه فإن الحج والعمرة من سبيل الله" قال في الفتح: والحاصل أن وقف المنقول تبعا للعقار يجوز، وأما وقفه مقصودا: إن كان كراعا أو سلاحا جاز، وفيما سوى ذلك: إن كان مما لم يجز التعامل بوقفه كالثياب والحيوان ونحوه والذهب والفضة لا يجوز عندنا، وإن كان متعارفا - كالجنازة (السرير الذي يحمل عليه الميت) والفأس والقدوم وثياب الجنازة وما يحتاج إليه من الأواني والقدور في غسل الموتى والمصاحف - قال أبو يوسف: لا يجوز، وقال محمد: يجوز، وإليه ذهب عامة المشايخ منهم الإمام السرخسي، اه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 وإذا صح الوقف لم يجز بيعه، ولا تمليكه، إلا أن يكون مشاعاً عند أبي يوسف فيطلب الشريك القسمة فتصح مقاسمته. والواجب: أن يبدأ من ريع الوقف بعمارته، شرط الواقف ذلك أو لم يشرط. وإن وقف دارا على سكنى ولده فالعمارة على من له السكنى،   لا أن ذكر أبي يوسف لأجل خلاف محمد وذكر محمد لأجل خلاف أبي يوسف اهـ. (وإذا صح الوقف لم يجز بيعه ولا تمليكه) ؛ لخروجه عن ملكه (إلا أن يكون) الوقف (مشاعاً) لجوازه (عند أبي يوسف) كما مر (فيطلب الشريك) فيه (القسمة فتصح مقاسمته) ؛ لأنها تمييز وإفراز، غاية الأمر أن الغالب في غير المكيل والموزون معنى المبادلة، إلا أنا في الوقف جعلنا الغالب معنى الإفراز نظرا للوقف؛ فلم يكن بيعاً ولا تمليكا، ثم إن وقف نصيبه من عقار مشترك فهو الذي يقاسم شريكه؛ لأن الولاية إلى الواقف، وبعد الموت إلى وصيه، وإن وقف نصف عقار خالص له فالذي يقاسمه القاضي، أو يبيع نصيبه الباقي من رجل ثم يقاسم المشتري، ثم يشرى ذلك منه؛ لأن الواحد لا يجوز أن يكون مقاسما ومقاسما، ولو كان في القسمة فضل دراهم إن أعطى الواقف لا يجوز، لامتناع بيع الوقف، وإن أعطى جاز، ويكون بقدر الدراهم شراء، هداية. (والواجب أن يبدأ من ريع الوقف) : أي غلته (بعمارته) بقدر ما يبقى على الصفة التي وقف عليها، وإن خرب بنى على ذلك، سواء (شرط الواقف ذلك أو لم يشرط) ، لأن قصد الواقف صرف الغلة مؤبداً، ولا تبقى دائمة إلا بالعمارة فيثبت شرط العمارة اقتضاء. (وإذا وقف داراً على سكنى ولده فالعمارة على من له السكنى) من ماله؛ لأن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 فإن امتنع من ذلك أو كان فقيراً أجرها الحاكم وعمرها بأجرتها، فإذا عمرت ردها إلى من له السكنى. وما انهدم من بناء الوقف وآلته صرفه الحاكم في عمارة الوقف إن احتاج إليه، وإن استغنى عنه أمسكه حتى يحتاج إلى عمارته فيصرفه فيها، ولا يجوز أن يقسمه بين مستحقي الوقف. وإذا جعل الواقف غلة الوقف لنفسه أو جعل الولاية   الغرم بالغنم (فإن امتنع) من له السكنى (من ذلك، أو) عجز بأن (كان فقيراً أجرها الحاكم) من الموقوف عليه أو غيره (وعمرها بأجرتها) كعمارة الواقف، ولم يزد في الأصح إلا برضا من له السكنى، زيلعي. ولا يجبر الآتي على العمارة، ولا تصح إجارة من له السكنى، بل المتولي أو القاضي كما في الدر (فإذا عمرت) وانقضت مدة إجارتها (ردها إلى من له السكنى) ؛ لأن في ذلك رعاية الحقين حق الواقف بدوام صدقته، وصاحب السكنى بدوام سكناه؛ لأنه لو لم يعمرها تفوت السكنى أصلا، وبالإجارة تتأخر، وتأخير الحق أولى من فواته. (وما انهدم من بناء الوقف وآلته) وهي الأداة التي يعمل بها كآلة الحراثة في ضيعة الوقف (صرفه الحاكم) أي أعاده (في عمارة الوقف إن احتاج) الوقف (إليه، وإن استغنى عنه أمسكه حتى يحتاج إلى عمارته فيصرفه فيها) حتى لا يتعذر عليه ذلك أو أن الحاجة فيبطل المقصود، وإن تعذر إعادة عينه بيع وصرف ثمنه إلى المرمة، صرفاً للبدل إلى مصرف البدل. (ولا يجوز أن يقسمه) أي المنهدمك وكذا بدله (بين مستحقي الوقف) ؛ لأنه جزء من العين، ولا حق لهم فيها، إنما حقهم في المنفعة؛ فلا يصرف لهم غير حقهم. (وإذا جعل الواقف غلة الوقف) أو بعضها (لنفسه أو جعل الولاية) على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 إليه جاز عند أبي يوسف. وإذا بنى مسجداً لم يزل ملكه عنه حتى يفرزه عن ملكه بطريقه ويأذن للناس بالصلاة فيه، فإذا صلى فيه واحدٌ زال ملكه عنه عند أبي حنيفة ومحمدٍ،   الوقف (إليه) أي نفسه (جاز عند أبي يوسف) أما الأول فهو جائز عند أبي يوسف، ولا يجوز على قياس قول محمد، وهو قول هلال الرازي، قال الإمام قاضيخان نقلا عن الفقيه أبي جعفر: وليس في هذا عن محمد رواية ظاهرة، ثم قال: ومشايخ بلخ أخذوا بقول أبي يوسف، وقالوا: يجوز الوقف والشرط جميعاً، وذكر الصدر الشهيد أن الفتوى عليه ترغيباً للناس في الوقف، ومثله في الفتاوى الصغرى نقلا عن شيخ الإسلام، واعتمده النسفي وأبو الفضل الموصلي. وأما الثاني فقال في الهداية: هو قول هلال أيضاً، وهو ظاهر المذهب، واستدل له دون مقابله، وكذا لو لم يشترط الولاية لأحد فالولاية له عند أبي يوسف، ثم لوصيه إن كان، وإلا فللحاكم كما في فتاوى قارئ الهداية، تصحيح ملخصاً. (وإذا بنى مسجداً لم يزل ملكه عنه حتى يفرزه) الواقف: أي يميزه (عن ملكه بطريقه) ، لأنه لا يخلص لله تعالى إلا به (ويأذن للناس بالصلاة فيه) ، لأنه من التسليم عند أبي حنيفة ومحمد، وتسليم كل شيء بحبسه، وذلك في المسجد بالصلاة فيه، لتعذر القبض فيه، فقام تحقق المقصود مقامه (فإذا صلى فيه واحد زال ملكه عند أبي حنيفة ومحمد) في رواية، وفي الأخرى - وهي الأشهر - يشترط الصلاة بالجماعة، لأن المسجد يبنى لذلك، وقال الإمام قاضيخان: وعن أبي حنيفة فيه روايتان في رواية الحسن عنه يشترط أداء الصلاة بالجماعة اثنان فصاعدا كما قال محمد، وفي رواية عنه إذا صلى واحد فإذنه يصير مسجداً! إلا أن بعضهم قال: إذا صلى فيه واحد بأذان وإقامة، وفي ظاهر الرواية لم يذكر هذه الزيادة، والصحيح رواية الحسن عنه، لأن قبض كل شيء وتسليمه يكون بحسب ما يليق به، وذلك في المسجد بأداء الصلاة بالجماعة، أما الواحد فإنه يصلي في كل مكان، قال في التصحيح: واستفدنا منه أن ما عن محمد هو رواية عن أبي حنيفة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 وقال أبو يوسف: يزول ملكه عنه بقوله "جعلته مسجداً" ومن بنى سقايةً للمسلمين أو خاناً يسكنه بنو السبيل أو رباطاً أو جعل أرضه مقبرةً لم يزل ملكه عن ذلك عند أبي حنيفة حتى يحكم به حاكمٌ. وقال أبو يوسف: يزول ملكه بالقول. وقال محمدٌ: إذا استقى الناس من السقاية وسكنوا الخان والرباط ودفنوا في المقبرة زال الملك.   هو الصحيح، اهـ. (وقال أبو يوسف: يزول ملكه عنه) أي المسجد (بقوله: جعلته مسجداً) لأن التسليم عنده ليس بشرط، لأنه إسقاط لملكه فيصير خالصاً لله تعالى بسقوط حقه. (ومن بنى سقاية للمسلمين أو خانا يسكنه بنو السبيل) أي المسافرون (أو رباطا) يسكنه الفقراء (أو جعل أرضه مقبرة) لدفن الموتى (لم يزل ملكه عن ذلك عند أبي حنيفة حتى يحكم به حاكم) ؛ لأنه لم ينقطع عن حقد العمد، ألا يرى أن له أن ينتفع به فيسكن وينزل في الرباط ويشرب من السقاية ويدفن في المقبرة، فيشترط حكم الحاكم أو الإضافة إلى ما بعد الموت كما في الوقف على الفقراء، بخلاف المسجد، لأنه لم يبق له حق الانتفاع به، فخلص لله تعالى من غير حكم الحاكم، هداية (وقال أبو يوسف: يزول ملكه بالقول) كما هو أصله، إذ التسليم عنده ليس بشرط (وقال محمد: إذا استقى الناس من السقاية وسكنوا الخان والرباط ودفنوا في المقبرة زال الملك) لأن التسليم عنده شرط، والشرط تسليم نوعه، وذلك بما ذكرناه، ويكتفى بالواحد، لتعذر فعل الجنس كله، وعلى هذا البئر والحوض، ولو سلم إلى المتولي صح التسليم في هذه الوجوه، لأنه نائب عن الموقوف عليه، وفعل النائب كفعل المنوب عنه، وأما في المسجد فقد قيل: لا يكون تسليما، لأنه لا تدبير للمتولي فيه، وقيل: يكون تسليما، لأنه يحتاج إلى من يكنسه ويغلق بابه، فإذا سلم صح تسليمه إليه، والمقبرة في هذا بمنزلة المسجد على ما قيل، لأنه لا متولي له عرفا، وقد قيل: هي بمنزلة السقاية والخان، فيصح التسليم إلى المتولي، لأنه لو نصب المتولي صح وإن كان بخلاف العادة؛ هداية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 كتاب الغصب. - ومن غصب شيئاً مما له مثلٌ فهلك في يده فعليه ضمان مثله، وإن كان مما لا مثل له فعليه قيمته يوم الغصب، وعلى الغاصب رد العين المغصوبة؛ فإن ادعى هلاكها حبسه الحاكم حتى يعلم أنها لو كانت باقية لأظهرها، ثم   كتاب الغصب مناسبته للوقف من حيث إن في كل منهما رفع يد المالك وحبس الملك، إلا أن الأول شرعي فقدم، والثاني غير شرعي فأخر. وهو لغة: أخذ الشيء من الغير على سبيل التغلب، وشرعا: أخذ مال متقوم محترم بغير إذا المالك على وجه يزيل يده، حتى كان استخدام العبد وحمل الدابة غصباً، دون الجلوس على البساط، هداية. (ومن عصب شيئاً مما له مثل فهلك في يده فعليه ضمان مثله) ؛ لما فيه من مراعاة الصورة بالجنس والمعنى بالمالية؛ فكان أدفع للضرر، وإن انقطع المثل بأن لا يوجد في السوق الذي يباع فيه فعليه قيمته: يوم الخصومة عند الإمام، ويوم الغصب عند أبي يوسف، ويوم الانقطاع عند محمد، والأصح قول الإمام، لأن النقل لا يثبت بمجرد الانقطاع، ولذا لو صبر إلى أن يوجد جنسه له ذلك، وإنما ينتقل بقضاء القاضي فتعتبر قيمته حينئذ (وإن كان) المغصوب (مما لا مثل له فعليه قيمته) يوم الغصب اتفاقا لأنه لما تعذر مراعاة الصورة بتفاوت الآحاد وجب مراعاة المعنى فقط - وهو المالية - دفعاً للضرر بقدر الإمكان، والمثلى المخلوط بخلاف جنسه كبر مخلوط بشعير قيمي لأنه لا مثل له (و) الواجب (على الغاصب رد العين المغصوبة) في مكان غصبها ما دامت قائمة، سواء كانت مثلية أو قيمية (فإن ادعى) الغاصب (هلاكها) أي العين المغصوبة لم يصدق بمجرد قوله، بل (حبسه الحاكم حتى يعلم) صدقه ويغلب على ظنه (أنها لو كانت باقية) عنده لكان (أظهرها) مبالغة في الاحتيال إلى إيصال الحق إلى المستحق (ثم) بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 قضى عليه ببدلها. والغصب فيما ينقل ويحول، وإذا غصب عقاراً فهلك في يده لم يضمنه عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمدٌ: يضمنه، ومن نقص منه بفعله كهدمه وسكناه ضمنه في قولهم جميعاً. وإذا هلك المغصوب في يد الغاصب بفعله أو بغير فعله فعليه ضمانه،   ذلك (قضى عليه ببدلها) من مثل أو قيمة؛ لتعذر رد العين. (والغصب) إنما يتحقق (فيما ينقل ويحول) ؛ لأن الغصب إنما يتحقق فيه دون غيره؛ لأن إزالة اليد بالنقل (وإذا غصب عقاراً فهلك في يده) بآفة سماوية كغلبة سيلٍ (لم يضمنه عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ؛ لعدم تحقق الغصب بإزالة اليد؛ لأن العقار في محله بلا نقل، والتبعيد للمالك عنه فعل فيه لا في العقار؛ فكان كما إذا بعد المالك عن المواشي (وقال محمد: يضمنه) ؛ لتحقق إثبات اليد، ومن ضرورته زوال يد المالك؛ لاستحالة اجتماع اليدين على محل واحد في حالة واحدة، قال في التصحيح: والصحيح قولهما، واعتمده النسفي والمحبوبي وصدر الشريعة والموصلي، اهـ. لكن في القهستاني: والصحيح الأول في غير الوقف، والثاني في الوقف كما في العمادي وغيره، وفي الدر: وبه يفتى في الوقف، ذكره العيني، اهـ قيدنا كون الهلاك بآفة سماوية لأنه لو كان بفعله يضمن اتفاقا، كما يشير لذلك قوله (وما نقص منه) أي العقار (بفعله) أي الغاصب (كهدمه) لبنائه (وسكناه) الموهنة لبنائه (ضمنه في قولهم جميعاً) ؛ لأنه إتلاف، والعقار يضمن به، كما إذا نقل ترابه؛ لأنه فعلٌ في العين، ويدخل فيما قاله إذا انهدمت الدار بسكناه وعمله، هداية. (وإذا هلك المغصوب) النقلي (في يد الغاصب بفعله أو بغير فعله فعليه ضمانه) ؛ لدخوله في ضمانه بالغصب السابق، وعند العجز عن رده تجب قيمته، ثم إن كان بفعل غيره رجع عليه بما ضمن، لأنه قرر عليه ضمانا كان يمكنه أن يتخلص منه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 وإن نص في يده فعليه ضمان النقصان. ومن ذبح شاة غيره فمالكها بالخيار: إن شاء ضمنه وسلمها إليه، وإن شاء ضمنه نقصانها، ومن خرق ثوب غيره خرقاً يسيراً ضمن نقصانه، وإن خرقه خرقاً كثيراً يبطل عامة منفعته فلمالكه أن يضمنه جميع قيمته،   برد العين. جوهرة (وإن نقص في يده فعليه ضمان النقصان) ؛ لدخوله في ضمانه بجميع أجزائه، فما تعذر رد عينه منها يجب رد قيمته. قيد بالنقصان لأنه لو تراجع السعر لا يضمن، لأنه عبارة عن فتور الرغبات دون فوت الجزء، وإذا وجب ضمان النقصان قومت العين صحيحة يوم غصبها ثم تقوم ناقصة فيغرم ما بينهما، قال في الهداية: ومراده غير الربوى، أما في الربويات لا يمكنه تضمين النقصان مع استرداد الأصل؛ لأنه يؤدي إلى الربا، اهـ. (ومن ذبح شاة غيره) أو بقرته ونحوها من كل دابة مأكولة اللحم (فمالكها بالخيار: إن شاء ضمنه قيمتها وسلمها إليه) ؛ لأن ذلك إتلاف من وجه باعتبار فوت بعض الأغراض من الحمل والدر والنسل (وإن شاء ضمنه نقصانها) لبقاء بعضها - وهو اللحم - ولو كانت الدابة غير مأكولة اللحم فذبحها الغاصب أو قطع طرفها ضمن جميع قيمتها، لوجود الاستهلاك من كل وجه، بخلاف قطع طرف المملوك حيث يأخذه مع الأرش، لأن الآدمي يبقى منتفعاً به بعد القطع (ومن خرق ثوب غيره خرقاً يسيراً ضمن نقصانه) والثوب لمالكه، لقيام العين من كل وجه، وإنما دخله عيب قيضمنه (وإن خرق) الثوب (خرقاً كثيراً) بحيث (يبطل عامة منفعته فلمالكه أن يضمنه جميع قيمته (لأنه استهلاك من هذا الوجه، وله أخذه وتضمينه النقصان، لأنه تعيب من وجه، لبقاء اتلعين وبعض المنافع. قال في الهداية: ثم إشارة الكتاب إلى أن الفاحش ما يبطل به عامة المنافع، والصحيح أن الفاحش ما يفوت بعض العين وجنس المنفعة ويبقى بعض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 وإذا تغيرت العين المغصوبة بفعل الغاصب حتى زال اسمها وأعظم منافعها زال ملك المغصوب منه عنها، وملكها الغاصب، وضمنها، ولم يحل له الانتفاع بها حتى يؤدي بدلها، وهذا كمن غصب شاةً فذبحها وشواها أو طبخها، أو غصب حنطةً فطحنها، أو حديداً فاتخذه سيفاً، أو صفراً فعمله آنيةً،   العين وبعض المنفعة، واليسير ما لا يفوت به شيء من المنفعة، وإنما يدخل فيه النقصان، لأن محمدا جعل في الأصل قطع الثوب نقصانا فاحشا والفائت بعض المنافع، اهـ. (وإذا تغيرت العين المغصوبة بفعل الغاصب) احترز به عما إذا تغيرت بنفسها كأن صار العنب زبيباً بنفسه أو الرطب تمراً فإن المالك فيه بالخيار: إن شاء أخذه، وإن شاء تركه وضمنه (حتى زال اسمها وأعظم منافعها) أي: أكثر مقاصدها، احترز عن الدراهم إذا سبكها بلا ضرب، فإنه وإن زال اسمها لكن بقي أعظم منافعها، ولذا لا ينقطع حق المالك عنها كما في المحيط (زال ملك المغصوب منه عنها) : أي العين المغصوبة (وملكها الغاصب وضمنها) : أي ضمن بدلها لمالكها (و) لكن (لم يحل له الانتفاع بها حتى يؤدي بدلها) استحساناً، لأن في إباحة الانتفاع قبل أداء البدل فتح باب الغصب، فيحرم الانتفاع قبل إرضاء المالك بأداء البدل أو إبرائه، حسماً لمادة الفساد (وهذا) : أي زوال اسمها وأعظم منافعها مثاله (كمن غصب شاة فذبحها وشواها أو طبخها أو) غصب (حنطة فطحنها، أو) غصب (حديداً فاتخذه سيفاً، أو) عصب (صفراً) بالضم - ما يعمل منه الأواني (فعمله آنية) لحدوث صنعة متقومة صيرت حق المالك هالكا من وجه بحيث تبدل الاسم وفات معظم المقاصد، وحق الغاصب في الصنعة قائم من كل وجه، فيترجح على الأصل الذي هو فائت من وجه، ولا نجعله سبباً للملك من حيث إنه محظور، بل من حيث إنه إحداث صنعة، بخلاف الشاة لأن اسمها باق بعد الذبح والسلخ. هداية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 وإن غصب فضةً أو ذهباً فضربها دنانير أو دراهم أو آنيةً لم يزل ملك مالكها عنها ولزم الغاصب قيمتها. ومن غصب أرضاً فغرس فيها أو بنى، قيل له: اقلع الغرس والبناء وردها فارغةً،   (وإن غصب فضة) نقرة (أو ذهباً) تبراً (فضربها دراهم أو دنانير، أو) عملها (آنية لم يزل ملك مالكها عنها عند أبي حنيفة) قال في الهداية: فيأخذهما ولا شيء للغاصب؛ وقالا: يملكها الغاصب وعليه مثلهما، وأخر دليل الإمام وضمنه جواب دليلهما، واختاره المحبوبي والنسفي وأبو الفضل الموصلي وصدر الشريعة، كذا في التصحيح (ومن غصب ساجة) بالجيم - شجر عظيم جداً، ولا ينبت إلا ببلاد الهند (فبنى عليها) بناء قيمته أكثر من قيمتها (زال ملك مالكها عنها، ولزم الغاصب قيمتها) لصيرورتها شيئاً آخر، وفي القلع ضرر ظاهر لصاحب البناء من غير فائدة تعود للمالك، وضرر المالك ينجبر بالضمان. قال في الهداية: ثم قال الكرخي والفقيه أبو جعفر: إنما لا ينقض إذا بنى حول الساجة، أما إذا بنى على نفس الساجة ينقض. وجواب الكتاب يرد ذلك وهو الأصح، اهـ. (ومن غصب أرضاً فغرس فيها أو بنى قيل له) أي الغاصب: (اقلع الغرس والبناء وردها) إلى صاحبها (فارغة) كما كانت؛ لأن الأرض لا تغصب حقيقة فيبقى فيها حق المالك كما كان، والغاصب جعلها مشغولة فيؤمر بتفريغها. درر. وقيد ذلك في المنح بما إذا كانت قيمة الأرض أكثر، ثم قال: وإن كانت قيمة البناء أكثر فللغاصب أن يضمن له قيمة الأرض ويأخذها، ذكره في النهاية، وفي القهستاني عند قول الماتن "أمر بالقلع والرد" ما نصه: أي رد الأرض فارغة إلى المالك ولو كانت القيمة أكثر من قيمة الأرض، وقال الكرخي: إنه لا يؤمر حينئذ ويضمن القيمة، وهذا أوفق لمسائل الباب كما في النهاية، وبه أفتى بعض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 فإن كانت الأرض تنقص بقلع ذلك فللمالك أن يضمن له قيمة البناء والغرس مقلوعاً فيكون له. ومن غصب ثوباً فصبغه أحمر أو سويقاً فلته بسمنٍ فصاحبه بالخيار: إن شاء ضمنه قيمة ثوبه أبيض ومثل السويق وسلمهما للغاصب، وإن شاء أخذهما وضمن ما زاد الصبغ والسمن فيهما. ومن غصب عيناً فغيبها فضمنه المالك قيمتها ملكها الغاصب.   المتأخرين كصدر الإسلام، وإنه حسن، ولكن نحن نفتي بجواب الكتاب اتباعا لأشياخنا كما في العمادي، اهـ (فإن كانت الأرض تنقص بقلع ذلك) منها (فللمالك أن يضمن له) أي للغاصب (قيمة البناء والغرس مقلوعاً فيكون) ذلك مع الأرض (له) أي للمالك؛ لأن في ذلك نظراً لهما ودفع الضرر عنهما. قال في الهداية: وقوله "قيمته مقلوعاً" معناه قيمة بناء أو شجر يؤمر بقلعه؛ لأن حقه فيه إذا لا قرار له؛ فتقوم الأرض بدون الشجر والبناء، وتقوم وبها شجر وبناء لصاحب الأرض أن يأمره بقلعه؛ فيضمن فضل ما بينهما، اهـ. (ومن غصب ثوباً فصبغه أحمر) أو غيره مما تزيد به قيمة الثوب، فلا عبرة للألوان، بل لحقيقة الزيادة والنقصان (أو) غصب (سويقاً) : أي دقيقاً (فلته) أي خلطه (بسمن، فصاحبه بالخيار: إن شاء ضمنه) أي ضمن الغاصب (قيمة ثوب أبيض) ؛ لأن الثوب قيميٌ (ومثل السويق) لأنه مثلي (وسلمهما) أي الثوب والسويق (للغاصب، وإن شاء أخذهما) المالك (وضمن) للغاصب (ما زاد الصبغ والسمن فيهما) ؛ لأن في ذلك رعاية للجانبين، والخيرة لصاحب الثوب؛ لكونه صاحب الأصل، بخلاف الساجة يبنى فيها؛ لأن النقض له بعد النقض (1) فيتلاشى، هداية. (ومن غصب عيناً فغيبها) بالمعجمة: أي أخفاها (فضمنه المالك قيمتها ملكها الغاصب) ؛ لأن المالك ملك البدل بكماله، والمبدل قابل للنقل فيملكه   (1) النقض - بكسر النون وسكون القاف - أي الأشياء المنقوضة، ونظيره "طحن" بمعنى مطحون، و "هدم" أي مهدوم، و "قطف" أي مقطوف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 والقول في القيمة قول الغاصب مع يمينه، إلا أن يقيم المالك البينة بأكثر من ذلك، فإن ظهرت العين وقيمتها أكثر مما ضمن وقد ضمنها بقول المالك أو ببينةٍ أقامها أو بنكول الغاصب عن اليمين فلا خيار للمالك، وإن كان ضمنها بقول الغاصب مع يمينه فالمالك بالخيار: إن شاء أمضى الضمان، وإن شاء أخذ العين ورد العوض. وولد المغصوبة ونماؤها وثمرة البستان المغصوب أمانةٌ في يد الغاصب، فإن هلك فلا ضمان   الغاصب؛ لئلا يجتمع البدلان في ملك شخص واحد. (والقول في القيمة) إذا اختلفا فيها (قول الغاصب) ؛ لإنكاره الزيادة، والقول قول المنكر (مع يمينه) كما مر (إلا أن يقيم المالك البينة بأكثر من ذلك) لإثباته بالحجة (فإن ظهرت العين) بعد ذلك (وقيمتها أكثر مما) كان (ضمن وقد) كان (ضمنها بقول المالك أو ببينة أقامها) المالك (أو بنكول الغاصب عن اليمين فلا خيار للمالك) وهي للغاصب؛ لأنه تم له الملك بسببٍ اتصل به رضا المالك حيث ادعى هذا المقدار (وإن كان ضمنها بقول الغاصب مع يمينه فالمالك بالخيار: إن شاء أمضى الضمان) ولا خيار للغاصب ولو قيمته أقل؛ للزومه بإقراره (وإن شاء أخذ العين ورد العوض) ؛ لأنه لم يتم رضاه بهذا المقدار حيث يدعى الزيادة، وأخذه دونها لعدم الحجة، ولو ظهرت العين وقيمتها مثل ما ضمنه أو دونه في هذا الفصل الأخير فكذا الجواب في ظاهر الرواية، وهو الأصح، خلافا لما قال الكرخي؛ لأنه لم يتم رضاه حيث لم يعط ما يدعيه، والخيار لفوت الرضا. هداية. (وولد) العين (المغصوبة ونماؤها) المتصل كالسمن والحسن والمنفصل كالدر (وثمرة البستان المغصوب) قبل بدو الثمرة (أمانة في يد الغاصب) ؛ لأن الغصب إثبات اليد على مال الغير على وجه يزيل يد المالك كما مر، ويد المالك ما كانت ثابتة على هذه الزيادة حتى يزيلها الغاصب (فإن هلك) : أي الولد وما عطف عليه (فلا ضمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 عليه، إلا أن يتعدى فيها؛ أو يطلبها مالكها فيمنعها إياه، وما نقصت الجارية بالولادة في ضمان الغاصب، فإن كان في قيمة الولد وفاءٌ به جبر النقصان بالولد، وسقط ضمانه عن الغاصب، ولا يضمن الغاصب منافع ما غصبه إلا أن ينقص باستعماله فيغرم النقصان. وإذا استهلك المسلم خمر الذمي أو خنزيره ضمن قيمتهما،   عليه) أي الغاصب (إلا أن يتعدى فيها) أي الزيادة - بأن أتلفها، أو أكلها، أو باعها - (أو) أن (يطلبها) : أي الزيادة (مالكها فيمنعها إياه) ؛ لأنه بالمنع والتعدي صار غاصباً. (ما نقصت الجارية) أي انتقصت؛ لأن نقص يجئ لازما ومتعديا، وهو هنا لازم كما في ابن ملك (بالولادة) فهو (في ضمان الغاصب) ؛ لأنه حصل في ضمانه (فإن كان في قيمة الولد وفاء به) : أي بالنقصان (جبر النقصان بالولد، وسقط ضمانه عن الغاصب) ؛ لأن سبب الزيادة والنقصان واحد، وهو الولادة، وإن لم يكن فيه وفاء سقط بحسابه، ولو ماتت وبالولد وفاء كفى، هو الصحيح. اختيار. (ولا يضمن الغاصب منافع ما غصبه) من ركوب الدابة، وسكنى الدار، وخدمة العبد؛ لأنها حصلت على ملك الغاصب؛ لحدوثها في يده، والإنسان لا يضمن ما حدث في ملكه، سواء استوفاها أو عطلها، وهذا فيما عدا ثلاثة مواضع فيجب فيها أجر المثل على اختيار المتأخرين وعليه الفتوى، وهي: أن يكون وقفاً، أو ليتيم، أو معداً للاستغلال بأن بناه أو اشتراه لذلك؛ إلا إذا سكن المعد للاستغلال بتأويل ملك كسكنى أحد الشريكين أو عقدٍ كسكنى المرتهن (إلا أن ينقص) المغصوب (باستعماله) : أي الغاصب (فيغرم النقصان) لاستهلاكه بعض أجزاء العين. (وإذا استهلك المسلم خمر الذمي أو خنزيره ضمن قيمتهما) ؛ لأنهما مال في حقه؛ إذا الخمر عند أهل الذمة كالخل عندنا، والخنزير عندهم كالشاة عندنا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 وإن استهلكهما المسلم على المسلم لم يضمن. كتاب الوديعة. - الوديعة أمانةٌ في يد المودع، إذا هلكت لم يضمنها، وللمودع أن يحفظها بنفسه وبمن في عياله، فإن حفظها بغيرهم أو أودعها ضمن   ونحن أمرنا بتركهم وما يدينون، ولهذا أقروا على بيعهما، إلا أنه يجب قيمة الخمر وإن كان من ذوات الأمثال؛ لأن المسلم ممنوع من تملكه (وإن استهلكهما) : أي الخمر والخنزير، وهما (لمسلم) بأن أسلم وهما في يده (لم يضمن) المستهلك، سواء كان مسلماً أو ذمياً؛ لأنهما ليسا بمال في حقه، وهو مأمور بإتلافهما، وممنوع عن تملكهما، وتجب في كسر المعازف قيمتها لغير لهو، كما في المختار. كتاب الوديعة مناسبتها للغصب أنها تنقلب إليه عند المخالفة أو التعدي. وهي لغةً: الترك، وشرعا: تسليط الغير على حفظ ماله، وهي اسم أيضاً لما يحفظه المودع، كما عبر بذلك المصنف بقوله: (الوديعة) فعلية بمعنى مفعولة - بتاء النقل إلى الاسمية كما في نهاية ابن الأثير - (أمانة في يد المودع) بالفتح (إذا هلكت) من غير تعد (لم يضمنها) ؛ لأن بالناس حاجة إلى الاستيداع، فلو ضمناه يمتنع الناس عن قبول الودائع؛ فتتعطل مصالحهم، هداية (وللمودع أن يحفظها) : أي الوديعة (بنفسه وبمن في عياله) ؛ لأن الظاهر أنه يلتزم حفظ مال غيره على الوجه الذي يحفظ به مال نفسه، ولأنه لا يجد بدا من الدفع إلى عياله؛ لأنه لا يمكنه ملازمة بيته، ولا استصحاب الوديعة في خروجه، الذي في عياله هو الذي يسكن معه، وتجري عليه نفقته: من امرأته، وولده، وأجيره، وعبده، وفي الفتاوى: هو ومن يساكنه، سواء كان في نفقته أو لا، جوهرة (فإن حفها بغيرهم) : أي غير من في عياله (أو أودعها) غيرهم (ضمن) ؛ لأن المالك رضي بيده لا بيد غيره، والأيدي تختلف في الأمانة، ولأن الشيء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 إلا أن يقع في داره حريقٌ فيسلمها إلى جاره، أو يكون في سفينةٍ يخاف الغرق فيلقيها إلى سفينةٍ أخرى، وإن خلطها المودع بماله حتى لا تتميز ضمنها، فإن طلبها صاحبها فحبسها عنه وهو يقدر على تسليمها ضمنها، وإن اختلطت بماله من غير فعله   لا يتضمن مثله كالوكيل لا يوكل غيره (إلا أن يقع في داره حريق فيسلمها إلى جاره، أو يكون) المودع (في سفينة) وهاجت الريح، وصار بحيث (يخاف الغرق، فيلقيها إلى سفينة أخرى) ؛ لأنه تعين طريقا للحفظ في هذه الحالة فيرتضيها المالك، ولا يصدق على ذلك إلا ببينة، لأنه يدعي ضرورة مسقطة للضمان بعد تحقق السبب، فصار كما لو ادعى الإذن في الإيداع، هداية. قال في المنتقى: هذا إذا لم يكن الحريق عاماً مشهوراً عند الناس، حتى لو كان مشهوراً لا يحتاج إلى البينة، اهـ (وإن خلطها المودع بماله حتى) صارت بحيث (لا تتميز ضمنها) ولا سبيل للمودع عليها عند أبي حنيفة؛ لاستهلاكها من كل وجه؛ لتعذر الوصول إلى عين حقه، وقالا: إذا خلطها بجنسها شركه إن شاء؛ لأنه وإن لم يمكنه الوصول إلى عين حقه صورة يمكنه معنى بالقسمة، فكان استهلاكا من وجه دون وجه، فيميل إلى أيهما شاء. هداية. قال في التصحيح: واختار قول الإمام المحبوبي والنسفي وأبو الفضل الموصلي وصدر الشريعة (فإن طلبها صاحبها) بنفسه أو وكيله (فحبسها عنه وهو يقدر على تسليمها) ثم هلكت (ضمنها) لتعديه بالمنع فيصير غاصباً. قيد بكونه قادراً على تسليمها لأنه لو حبسها عجزاً أو خوفا على نفسه أو ماله لم يضمن، وفي القهستاني عن المحيط: لو طلبها فقال "لم أقدر أن أحضرها تلك الساعة" فتركها فهلكت لم يضمن، لأنه بالترك صار مودعا ابتداء، ولو طلبها فقال "اطلبها غدا" فلما كان الغد قال "هلكت" لم يضمن ولو قال في السر "من أخبرك بعلامة كذا فادفعها إليه" ثم جاء رجل بتلك العلامة ولم يدفعها إليه حتى هلكت لم يضمن، اهـ (وإن اختلطت) الوديعة (بماله من غير فعله) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 فهو شريكٌ لصاحبها، وإن أنفق المودع بعضها ثم رد مثله فخلطه بالباقي ضمن الجميع، وإذا تعدى المودع في الوديعة - بأن كانت دابةً فركبها أو ثوباً فلبسه، أو عبداً فاستخدمه، أو أودعها عند غيره - ثم أزال التعدي وردها إلى يده زال الضمان، فإن طلبها صاحبها فحجدها إياه فهلكت ضمنها، فإن عاد إلى الاعتراف لم يبرأ من الضمان. وللمودع أن يسافر بالوديعة وإن كان لها حملٌ ومؤنةٌ،   كأن انشق الظرفان وانصب أحدهما على الآخر (فهو) : أي المودع (شريك لصاحبها) اتفاقا؛ لاختلاطها من غير جناية (وإن أنفق المودع بعضها) أي الوديعة (ثم رد مثله) أي مثل ما أنفقه (فخلطه) : أي المردود (بالباقي) ثم هلكت (ضمن الجميع) أي جميع الوديعة، من الذي كان بقي منها والذي رده إليها عوضاً عما أنفقه؛ لخلطه الوديعة بماله فيكون استهلاكا على الوجه الذي تقدم (وإذا تعدى المودع في الوديعة - بأن كانت دابة فركبها، أو ثوباً فلبسه، أو عبدا فاستخدمه، أو أودعها عند غيره) ممن ليس في عياله (ثم أزال التعدي وردها إلى يده زال الضمان) لزوال سببه - وهو التعدي - وبقاء الأمر بالحفظ، فكانت يده كيد المالك حكما؛ لأنه عاملٌ له بالحفظ، فبإزالة التعدي ارتدت إلى يد صاحبها حكما (فإن طلبها صاحبها فجحدها إياه) فهلكت (ضمنها) ؛ لأنه لما طالبه بالرد فقد عزله عن الحفظ، فيبقى بعده بالإمساك غاصباً، فيضمن (فإن عاد) بعد جحوده (إلى الاعتراف) بها (لم يبرأ من الضمان) ؛ لارتفاع العقد، لأن المطالبة بالرد رفع من جهة المالك، والجحود فسخ من جهة المودع، فتم رفع العقد منهما، وإذا ارتفع لا يعود إلا بالتجديد، فلم يوجد الرد إلى نائبه، بخلاف المخالفة، ثم العود إلى الوفاق لبقاء الأمر؛ فكان الرد إلى نائبه كما ي الهداية. (وللمودع أن يسافر بالوديعة وإن كان لها حمل) أي ثقل (ومؤنة) أي أجرة عند أبي حنيفة، لإطلاق الأمر، وقالا: ليس له ذلك إذا كان له حمل ومؤنة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 وإن أودع رجلان عند رجل وديعةً ثم حضر أحدهما فطلب نصيبه منها لم يدفع إليه شيئاً حتى يحضر الآخر، عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يدفع إليه نصيبه. وإن أودع رجلٌ عند رجلين شيئاً مما يقسم لم يجز أن يدفعه أحدهما إلى الآخر ولكنهما يقتسمانه فيحفظ كل واحدٍ منهما نصفه، وإن كان مما لا يقسم جاز أن يحفظه أحدهما بإذن الآخر.   لأن المالك تلزمه مؤنة الرد في ذلك، فالظاهر أنه لا يرضى به فيتقيد، وظاهر الهداية ترجيح قولهما بتأخير دليلهما. (وإن أودع رجلان عند رجل) وديعة من ذوات الأمثال (ثم حضر أحدهما) دون صاحبه (فطلب نصيبه منها لم يدفع إليه) : أي إلى الحاضر (شيئا) منها (حتى يحضر) صاحبه (الآخر عند أبي حنيفة) ، لأنه يطالبه بمفرزٍ، وحقه في مشاع ولا يفرز إلا بالقسمة، وليس للمودع ولايتها (وقالا: يدفع إليه نصيبه) ؛ لأنه يطالبه بدفع نصيبه الذي سلمه إليه، قال في التصحيح: واعتمد قول الإمام المحبوبي والنسفي وأبو الفضل الموصلي وصدر الشريعة اهـ. قيدنا بذوات الأمثال لأنها لو كانت من القيميات لا يدفع إليه اتفاقا، على الصحيح، كما في الهداية والفيض. (وإن أودع رجل عند رجلين شيئاً مما يقسم) مثليا كان أو قيميا (لم يجز أن يدفعه أحدهما إلى الآخر) ، لأن المالك لم يرض بحفظ أحدهما لكله (ولكنهما يقتسمانه فيحفظ كل واحد منهما نصفه) ، لأنه لما أودعهما مع علمه أنهما لا يقدران على ترك أعمالهما واجتماعهما أبداً في مكان واحد للحفظ كان راضياً بقسمتها وحفظ كل واحد للنصف دلالةً، والثابت دلالةً كالثابت بالنص (وإن كان مما لا يقسم جاز أن يحفظه أحدهما بإذن الآخر) ، لأن المالك يرضى بيد كل منهما على كله، لعلمه أنهما لا يجتمعان عليه أبداً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 وإذا قال صاحب الوديعة للمودع "لا تسلمها إلى زوجتك" فسلمها إليها لم يضمن. وإن قال له "احفظها في هذا البيت" فحفظها في بيتٍ آخر من الدار لم يضمن، وإن حفظها في دارٍ أخرى ضمن. كتاب العارية. - العارية جائزةٌ   (وإذا قال صاحب الوديعة للمودع لا تسلمها إلى زوجتك فسلمها) المودع (إليها) أي إلى زوجته وهلكت (لم يضمن) ؛ لأنه لا يجد بداً من ذلك، فإنه إذا خرج كان البيت وما فيه مسلما إليها، فلا يمكنه إقامة العمل مع مراعاة هذا الشرط وإن كان مفيداً، لكن في شرح الإسبيجاني: وهذا إذا كان لا يجد بدا من ذلك، لأن الشرط - وإن كان مفيداً - لكن العمل به غير ممكن، أما إذا كان يجد بداً منه يلزمه مراعاة شرطه بقدر الإمكان، لتمكنه من حفظها على الوجه المأمور به. فإذا خالف ضمن، اهـ ملخصاً (وإن قال له: احفظها في هذا البيت) لبيت معين من الدار (فحفظها في بيت آخر من) تلك (الدار) وهلكت (لم يضمن) ، لأن الشرط غير مفيد، فإن البيتين في دار واحدةٍ لا يتفاوتان في الحرز (وإن حفظها في) بيت من (دار أخرى ضمن) ، لأن الدارين يتفاوتان في الحرز، فكان مفيداً، فيصح التقييد، ولو كان التفاوت بين البيتين ظاهراً - بأن كانت الدار التي فيها البيتان عظيمة، وللبيت الذي نهاه عن الحفظ فيه عورة ظاهرة - صح الشرط. هداية. كتاب العارية مناسبتها للوديعة ظاهرة، من حيث اشتراكهما في الأمانة. (العارية) بالتشديد، وتخفف (جائزة) ، لأنها نوع إحسان، وقد استعار النبي صلى الله عليه وسلم دروعا من صفوان. (1) هداية.   (1) (روى أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار مائة درع من صفوان بن أمية يوم الفتح وأن صفوان قال له: أغصب يا محمد؟ فقال: (لا، بل عارية مضمونة) . (وروى أن أهل المدينة سمعوا ضجة فظنوا عدوا أغار عليهم؛ فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا من أبي طلحة فركبها عريا وخرج يعدو به إلى الصحراء فلم يجد شيئاً، ثم رجع فوجد القوم خارجين، فقال لهم: (لن تراعوا) ثم قال عن فرس أبي طلحة: (إن وجدناه لبحرا) ، ومن العلماء من يستدل على جواز العارية بقوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} ومنهم من يستدل عليها بقوله جل شأنه: {ويمنعون الماعون} فقد فسره جمهرة المفسرين بما يستعيره الجيران بعضهم من بعض كالدلو والفأس والإبرة. ثم اعلم أنه قد تكتنف العارية ظروف تجعلها مكروهة أو حراما أو واجبة؛ فلو أن إنسانا لا ثوب له وقد اشتد الحر والبرد حتى خيف عليه الهلاك فإنه يجب على من يجد ثوبا فاضلا عن حاجاته الأصلية أن يعيره هذا الثوب فيدفع به الهلاك عن نفسه. وتحرم إعارة جارية وضيئة لأجنبي، وتكره إعارة العبد المسلم للذمي لما فيه من امتهان المسلم، ونحو هذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 وهي: تمليك المنافع بغير عوضٍ، وتصح بقوله: أعرتك، وأطعمتك هذه الأرض   (وهي) لغة: إعارة الشيء كما في القاموس، وشرعا: تمليك المنافع بغير عوض، أفاد (1) بالتمليك لزوم الإيجاب والقبول ولو فعلا (وتصح بقوله: أعرتك،) لأنه صريح فيها (وأطعمتك هذه الأرض) أي غلتها، لأن الأرض لا تطعم،   (1) هذا الذي ذكره المصنف من أن الإعارة تمليك المنافع بغير عوض هو ما ذهب إليه عامة علماء المذهب ومنهم أبو بكر الرازي، وكان الكرخي رحمه الله يرى أن الإعارة عبارة عن إباحة المنافع، ووجه ما ذهب إليه الكرخي ثلاثة أشياء: أولها أنها تنعقد بلفظ الإباحة، وثانيها أنه لا يشترط فيها ضرب المدة؛ فيجوز إطلاقها عن المدة، ويجوز تقييدها بمدة معينة، ومع جهالة المدة لا يصح التمليك، وثالثها أن المستعير لا يملك تأجير العارية من غيره كما ستقف عليه، والجواب عن هذا الكلام: أما عن الوجه الأول فإن لفظ الإباحة مستعار من هذا الموضع للدلالة على التمليك، وآية ذلك أن الإجارة تنعقد هي أيضاً بلفظ الإباحة مع أن الإجارة تمليك اتفاقا، وأيضاً فإن الإعارة تنعقد بلفظ التمليك فكان لابد من حمل أحد اللفظين الإباحة والتمليك على الآخر؛ فحملنا لفظ الإباحة على التمليك، وأما عن الوجه الثاني فإن عدم اشتراط التوقيت بمدة له سبب وجيه، وهو أنها غير لازمة، بل لصاحبها أن يستردها متى شاء، فلا تفضي جهالة المدة إلى المنازعة، وأما عن الثالث فإنا لم نملك المستعير تأجير العارية دفعاً لزيادة الضرر عن مالك العين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 ومنحتك هذا الثوب، وحملتك على هذه الدابة، إذا لم يرد به الهبة، وأخدمتك هذا العبد، وداري لك سكنى، وداري لك عمرى سكنى، وللمعير أن يرجع في العارية متى شاء. والعارية أمانةٌ: إن هلكت من غير تعد لم يضمن شيئاً. وليس للمستعير أن يؤاجر ملا استعاره ولا أن يرهنه، وله أن يعيره إذا كان مما لا يختلف باختلاف المستعمل،   فينصرف إلى ما يؤخذ منها، على سبيل المجاز، من إطلاق اسم المحل على الحال. (ومنحتك) : أي أعطيتك (هذا الثوب) أو هذا العبد (وحملتك على هذه الدابة، إذا لم يرد به) أي بقوله أعطيتك وحملتك (الهبة) لأن اللفظ صالح لتمليك العين والمنفعة، والمنفعة أدنى؛ فيحمل عليها عند عدم النية (وأخدمتك هذا العبد) ، لأنه إذن له في الاستخدام (وداري لك سكنى) ، لأن معناه سكناها لك (وداري لك عمرى سكنى) ، لأن اللام وإن كان للتمليك لكن لما أردفه بالتمييز بلفظ السكنى المحكم في إرادة المنفعة الصرف عنه إفادة الملك. (وللمعير أن يرجع في العارية متى شاء) لأنها عقد تبرع. (والعارية) : أي حكمها أنها (أمانة) في يد المستعير: (إن هلكت من غير تعد لم يضمن) ولو بشرط الضمان، قهستاني. (وليس للمستعير أن يؤاجر ما استعاره، ولا أن يرهنه) ، لأن الشيء لا يتضمن ما فوقه (وله أن يعيره إن كان مما لا يختلف باختلاف المستعمل) لأنه ملك المنافع ومن ملك شيئاً جاز له أن يملكه على حسب ما ملك، ولذا شرط أن لا يختلف باختلاف المستعمل، فلو كان يختلف باختلاف المستعمل لا يجوز له ذلك، لأنه رضي باستعماله لا باستعمال غيره، قال في الهداية: وهذا إذا كانت الإعارة مطلقة، وهي على أربعة أوجه: أن تكون مطلقة في الوقت والانتفاع، وللمستعير فيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 وعارية الدراهم والدنانير والمكيل والموزون قرض. وإذا استعار أرضاً ليبني فيها أو يغرس نخلاً جاز، وللمعير أن يرجع فيها ويكلفه قلع البناء والغرس، فإن لم يكن وقت العارية فلا ضمان عليه، وإن كان وقت العارية فرجع قبل الوقت ضمن المعير ما نقص البناء والغرس بالقلع،   أن ينتفع به في أي نوع شاء، وفي أي وقت شاء، عملا بالإطلاق، والثاني أن تكون مقيدة فيهما، وليس له أن يجاوز ما سماه، عملا بالتقييد، إلا إذا كان خلافا إلى مثل ذلك أو خير منه، والثالث: أن تكون مقيدة في حق الوقت مطلقة في حق الانتفاع، والرابع عكسه، وليس له أن يتعدى ما سماه. اهـ. (وعارية الدراهم والدنانير والمكيل والموزون) والمعدود المتقارب عند الإطلاق (قرض) ، لأن الإعارة تمليك المنافع، ولا يمكن الانتفاع بها إلا باستهلاك عينها، فاقتضى تمليك العين ضرورة، وذلك بالهبة أو القرض، والقرض أدناهما فيثبت، ولأن من قضية الإعارة الانتفاع ورد العين فأقيم رد المثل مقامه، هداية. وإنما قلت "عند الإطلاق" لأنه لو عين الجهة - بأن استعار دراهم ليعاير بها ميزاناً أو يزين بها دكاناً - لم يكن قرضاً، ولا يكون له إلا المنفعة المسماة، كما في الهداية. (وإذا استعار أرضاً ليبني فيها أو يغرس نخلا جاز) لأنها نوع منفعة كالسكنى تملك بالإجارة فكذا بالإعارة (وللمعير أن يرجع فيها متى شاء) ، لما مر أنها عقد غير لازم (ويكلفه قلع البناء والغرس) لشغله أرضه فيكلفه تفريغها، وهذا حيث لم يكن في القلع مضرة بالأرض، وإلا فيتركان بالقيمة مقلوعين، لئلا تتلف أرضه (فإن لم يكن وقت العارية فلا ضمان عليه) أي على المعير فيما نقص البناء والغرس بالقلع، لأن المستعير مغتر غير مغرور، حيث اعتمد إطلاق العقد، من غير أن يسبق منه الوعد، هداية (وإن كان وقت العارية) بوقت (فرجع قبل الوقت ضمن المعير) للمستعير (ما نقص البناء والغرس) ، لأنه مغرور من جهته حيث وقت له، والظاهر هو الوفاء بالعهد، فيرجع دفعاً للضرر، هداية. ثم قال: وذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 وأجرة رد العارية على المستعير، وأجرة رد العين المستأجرة على المؤجر، وأجرة رد العين المغصوبة على الغاصب. وإذا استعار دابةً فردها إلى إصطبل مالكها لم يضمن، وإن استعار عيناً فردها إلى دار مالكها ولم يسلمها إليه ضمن، وإن رد الوديعة إلى دار المالك ولم يسلمها إليه ضمن.   الحاكم الشهيد أنه يضمن رب الأرض للمستعير قيمة غرسه وبنائه، ويكونان له إلا أن يشاء المستعير أن يرفعهما ولا يضمنه قيمتهما فيكون له ذلك لأنه ملكه، قالوا: إذا كان بالقلع ضرر بالأرض فالخيار إلى رب الأرض، لأنه صاحب أصل، والمستعير صاحب تبع، والترجيح بالأصل، اهـ. قيد بالبناء والغرس لأنه لو استعارها ليزرعها لم تؤخذ منه حتى يحصد الزرع، سواء وقت أم لا، لأن له نهاية معلومة فيترك بأجر المثل مراعاة للحقين، كما في الهداية وغيرها. (وأجرة رد العارية على المستعير) ، لأن الرد واجب عليه، لأنه قبضها لمنفعة نفسه، والأجرة مؤنة الرد فتكون عليه (وأجرة رد العين المستأجرة على المؤجر) لأن الواجب على المستأجر التمكين والتخلية دون الرد (وأجرة رد العين المغصوبة على الغاصب) ، لأن الرد واجب عليه دفعاً للضرر عن المالك، فتكون مؤنته عليه (وإذا استعار دابة فردها إلى إصطبل مالكها) فهلكت (لم يضمن) وهذا استحسان، لأنه أتى بالتسليم المعتاد المتعارف، لأنه لو ردها إلى المالك لردها إلى المربط كما في الهداية (وإن استعار عينا) نفيسة (فردها إلى دار المالك ولم يسلمها إليه ضمن) قال في الجوهرة: وفي نسخة "لم يضمن" وكذا هو في شرحه، غير أنه بعد ذلك أشار إلى أنه في آلات المنزل، اهـ. أي: بخلاف الأعيان النفيسة فلا ترد إلا إلى المعير، وتمامه في الهداية (وإن رد الوديعة) أو العين المغصوبة (إلى دار المالك ولم يسلمها إليه ضمن) لأن الواجب على الغاصب فسخ فعله، وذلك بالرد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 كتاب اللقيط. - اللقيط: حر مسلمٌ، ونفقته من بيت المال. فإن التقطه رجلٌ لم يكن لغيره أن يأخذه من يده، فإن ادعى مدعٍ أنه ابنه فالقول قوله، وإن ادعاه اثنان ووصف أحدهما علامة في جسده فهو أولى به.   إلى المالك دون غيره، والوديعة لا يرضى المالك بالرد إلى الدار، ولا إلى يد من في العيال، لأنه لو ارتضاه لما أودعها، هداية. كتاب اللقيط مناسبته للوديعة من حيث لزوم الحفظ في كل منهما. (اللقيط) لغة: ما يلقط، أي يرفع من الأرض، فقيل بمعنى مفعول، ثم غلب على الصبي المنبوذ، باعتبار مآله لأنه يلقط، وشرعا: مولود طرحه أهله خوفا من العيلة وفراراً من التهمة، وهو (حر مسلم) تبعا للدار (ونفقته من بيت المال) ، لأنه مسلم عاجز عن التكسب ولا مال له ولا قرابة، ولأن ميراثه لبيت المال، والخراج بالضمان، والملتقط متبرع في الإنفاق عليه لعدم الولاية، إلا أن يأمره القاضي به؛ ليكون دينا عليه، لعموم ولايته. (فإن التقطه) ملتقط (رجل) أو امرأة (لم يكن لغيره أن يأخذه من يده) لثبوت حق الحفظ له بسبق يده (فإن ادعى مدع) مسلم أو ذمي (أنه ابنه فالقول قوله) استحسانا؛ لأنه إقرار له بما ينفعه؛ لأنه يتشرف بالنسب ويعير بعدمه، وهذا إذا لم يدع الملتقط نسبه، وإلا فهو أولى من الخارج ولو ذميا مع مسلم (وإن ادعاه اثنان ووصف أحدهما علامة في جسده فهو أولى به) ؛ لأن الظاهر شاهد له لموافقة العلامة كلامه، وإن لم يصف أحدهما علامة فهو ابنهما؛ لاستوائهما في السبب، وإن سبقت دعوى أحدهما فهو ابنه، لأنه ثبت حقه في زمان لا ينازع فيه، إلا إذا أقام الآخر البينة، لأن البينة أقوى، هداية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 وإن وجد في مصرٍ من أمصار المسلمين أو في قريةٍ من قراهم فادعى ذميٌ أنه ابنه ثبت نسبه منه وكان مسلماً، وإن وجد في قريةٍ من قرى أهل الذمة أو في بيعةٍ أو كنيسةٍ كان ذمياً. ومن ادعى أن اللقيط عبده لم يقبل منه، فإن ادعى عبدٌ أنه ابنه ثبت نسبه منه، وكان حراً. وإن وجد مع اللقيط مالٌ مشدودٌ عليه فهو له.   (وإذا وجد) اللقيط (في مصر من أمصار المسلمين أو في قرية من قراهم) : أي قرى المسلمين (فادعى ذمي أنه ابنه ثبت نسبه منه وكان مسلماً) تبعاً للدار، وهذا استحسان، لأن دعواه تضمن النسب وإبطال الإسلام الثابت بالدار، والأول نافع للصغير، والثاني ضار، فصحت دعواه فيما ينفعه دون ما يضره (وإن وجد) اللقيط (في قرية من قرى أهل الذمة أو في بيعة) بالكسر - معبد اليهود (أو كنيسة) معبد النصارى (كان ذمياً) وهذا الجواب فيما إذا كان الواجد ذميا رواية واحدة، قال في الدر: والمسألة رباعية، لأنه إما أن يجده مسلم في مكاننا فمسلم، أو كافر في مكانهم فكافر، أو كافر في مكاننا أو عكسه فظاهر الرواية اعتبار المكان لسبقه، اهـ اختيار. (ومن ادعى أن اللقيط عبده لم يقبل منه) إلا بالبينة؛ لأنه حر ظاهراً (فإن ادعى عبد أنه ابنه ثبت نسبه منه) ، لأنه ينفعه (وكان حرا) لأن المملوك قد تلد له الحرة، فلا تبطل الحرية الظاهرة بالشك، والحر في دعوته اللقيط أولى من العبد، والمسلم من الذمي؛ ترجيحاً لما هو الأنظر في حقه. هداية. (وإن وجد مع اللقيط مال مشدود عليه فهو له) اعتباراً للظاهر، وكذا إذا كان مشدوداً على دابة هو عليها لما ذكرنا، ثم يصرفه الواجد له بأمر القاضي، لأنه مال ضائع وللقاضي ولاية صرف مثله إليه، وقيل: يصرفه بغير أمر القاضي، لأنه اللقيط ظاهراً، وله ولاية الإنفاق وشراء مالا بد منه كالطعام والكسوة لأنه من الإنفاق، هداية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 ولا يجوز تزويج الملتقط ولا تصرفه في مال اللقيط، ويجوز أن يقبض له الهبة ويسلمه في صناعةٍ ويؤاجره. كتاب اللقطة. - اللقطة: أمانةٌ، إذا أشهد الملتقط أنه يأخذها ليحفظها ويردها على صاحبها،   (ولا يجوز تزويج الملتقط) ؛ لانعدام سبب الولاية (ولا تصرفه في مال اللقيط) لأجل تنميته؛ لأن ولايته ضعيفة بمنزلة ولاية الأم (ويجوز أن يقبض له الهبة) لأنه نفع محض، ولهذا يملكه الصغير بنفسه إذا كان عاقلا، وتملكه الأم ووصيها، هداية (ويسلمه في صناعة) ؛ لأنه من باب تأديبه وحفظ حاله (ويؤاجره) قال في الهداية: وفي الجامع الصغير: لا يجوز أن يؤاجره، ذكره في الكراهية، وهو الأصح اهـ، وفي التصحيح: قال المحبوبي: لا يملك إيجاره في الأصح، ومشى عليه النسفي وصدر الشريعة. كتاب اللقطة مناسبتها للقيط ظاهرة؛ لوجود معنى اللقطة فيهما، إلا أن اللقيط اختص بالآدمي، واللقطة بالمال. (اللقطة) بفتح القاف وتسكن - اسم للمال الملتقط، وهي (أمانة) في يد الملتقط (إذا أشهد الملتقط أنه يأخذها ليحفظها ويردها على صاحبها) ويكفيه أن يقول: من سمعتموه ينشد ضالةً فدلوه علي، قال في الهداية: لأن الأخذ لى هذا الوجه مأذون فيه شرعا، بل هو الأفضل عند عامة العلماء، وهو الواجب إذا خاف الضياع على ما قالوا، وإذا كان كذلك لا تكون مضمونة عليه، وكذلك إذا تصادقا أنه أخذها للمالك؛ لأن تصادقهما حجة في حقهما، وصار كالبينة، ولو أقر أنه أخذها لنفسه يضمن بالإجماع، وإن لم يشهد وقال "أخذتها للمالك" وكذبه المالك يضمن عند أبي حنيفة ومحمد؛ وقال أبو يوسف: لا يضمن والقول قوله، اهـ. باختصار، وفي التصحيح: قال الإسبيجاني: والصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده البرهاني والنسفي وصدر الشريعة، اه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 فإن كانت أقل من عشرة دراهم عرفها أياماً، وإن كانت عشرةً فصاعداً عرفها حولاً، فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها، فإن جاء صاحبها فهو بالخيار: إن شاء أمضى الصدقة، وإن شاء ضمن الملتقط،   (فإن كانت) اللقطة (أقل من عشرة دراهم عرفها) : أي نادى عليها حيث وجدها، وفي المجامع (أياما) على حسب رأى الملتقط، بحيث يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعدها (وإن كانت عشرة فصاعداً عرفها حولا) قال في الهداية: وهذه رواية عن أبي حنيفة، وقدر محمد في الأصل بالحول من غير تفصيل بين القليل والكثير، ثم قال: وقيل: الصحيح أن شيئا من هذه المقادير ليس بلازم، ويفوض إلى رأى الملتقط، يعرفها إلى أن يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك، اهـ. ومثله في شرح الأقطع قائلا: وهذا اختيار شمس الأئمة، وفي الينابيع: وعليه الفتوى، ومثله في الجواهر ومختارات النوازل والمضمرات كما في التصحيح. وإن كانت اللقطة شيئاً لا يبقى عرفه إلى أن يخاف عليه الفساد، وإن كانت شيئاً يعلم أن صاحبها لا يطلبها كالنورة وقشور الرمان جاز الانتفاع به من غير تعريف، ولكنه مبقي على ملك مالكه؛ لأن التمليك من المجهول لا يصح، كذا في الهداية، وفي الجوهرة: قال بعض المشايخ: التقاط السنابل في أيام الحصاد إن كان قليلا يغلب على الظن أنه لا يشق على صاحبه لا بأس بأخذه من غير تعريف، وإلا فلا. اهـ. (فإن جاء صاحبها) ردها إليه (وإلا تصدق بها) على الفقراء (فإن جاء صاحبها) بعد التصدق بها (فهو بالخيار: إن شاء أمضى الصدقة) وله ثوابها، وتصير إجازته اللاحقة بمنزلة الإذن السابق (وإن شاء ضمن الملتقط) ؛ لأنه سلم ماله إلى غيره بغير إذنه، وإن شاء ضمن المسكين إن هلك في يده؛ لأنه قبض ماله بغير إذنه، وإن كان قائماً أخذه؛ لأنه وجد عين ماله كما في الهداية، وأيهما ضمن لا يرجع به على الآخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 ويجوز الالتقاط في الشاة والبقرة والبعير. فإن أنفق الملتقط عليها بغير إذن الحاكم فهو متبرعٌ، وإن أنفق بأمره كان ذلك ديناً على مالكها. وإذا رفع ذلك إلى الحاكم نظر فيه، فإن كان للبهيمة منفعةٌ آجرها وأنفق عليها من أجرتها، وإن لم يكن لها منفعةٌ وخاف أن تستغرق النفقة قيمتها باعها وأمره بحفظ ثمنها، وإن كان الأصلح الإنفاق عليها أذن له في   (ويجوز الالتقاط في الشاة) اتفاقا (والبقرة والبعير) خلافا للأئمة الثلاثة، ثم قيل: الخلاف في الأولوية، فعندهم الترك أولى، لأنها تدفع السباع عن نفسها فلا يخشى عليها، وفيه احتمال عدم رضا المالك، فكره الأخذ، ولنا أنه إذا لم يخش عليها من السباع لم يؤمن عليها من يد خائنة، فندب أخذها صيانة لها، وما لها من القوة ربما يكون سبباً للضياع كما هو سبب الصيانة عن السباع، فتعارضا، فالتحقت بالشاة، كذا في الفيض، فإن قيل: قد جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ضالة الإبل قال: "مالك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها، دعها حتى يجدها ربها". قيل: في الحديث إشارة إلى أنه يجوز التقاطها إذا خيف عليها. (فإن أنفق الملتقط عليها بغير إذن الحاكم فهو متبرع) لقصور ولايته (وإن أنفق بأمره كان ذلك دينا على صاحبها) لأن للقاضي ولاية في مال الغائب نظراً له. (وإذا رفع) الملتقط (ذلك) أي الذي التقطه (إلى الحاكم) ليأمره بالإنفاق عليه (نظر فيه) أي في المرفوع إليه (فإن كان للبهيمة منفعة آجرها وأنفق عليها من أجرتها) لأن فيه إبقاء العين على ملكه من غير إلزام الدين عليه، وكذلك يفعل بالعبد الآبق (وإن لم يكن لها منفعة وخاف أن تستغرق النفقة قيمتها باعها وأمره بحفظ ثمنها) إبقاء له معنى عند تعذر إبقائه صورة (وإن كان الأصلح الإنفاق عليها أذن له في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 ذلك وجعل النفقة ديناً على مالكها. فإذا حضر مالكها فللملتقط أن يمنعه منها حتى يأخذ النفقة. ولقطة الحل والحرم سواءً،   ذلك وجعل النفقة دينا على مالكها) ، لأنه نصب ناظراً من الجانبين، وفي قوله "جعل النفقة ديناً على صاحبها" إشارة إلى أنه يرجع على المالك إذا شرط القاضي الرجوع على المالك، وهو الأصح كما في الهداية. (وإذا حضر) المالك وطلب اللقطة، وكان الملتقط قد أنفق عليها (فللملتقط أن يمنعه منها حتى يأخذ النفقة) التي أنفقها عليها، لأنها حييت بنفقته، فصار كأنه استفاد الملك من جهته، فأشبه المبيع. ثم لا يسقط دين النفقة بهلاك اللقطة في يد الملتقط قبل الحبس، وتسقط إذا هلكت بعده، لأنها تصير بالحبس بمنزلة الرهن كما في الهداية. (ولقطة الحل والحرم سواء) ، لأنها لقطة، وفي التصدق بعد مدة التعريف إبقاء ملك المالك من وجه فيملكه كما في سائرها، وتأويل ما روى (1) أنه لا يحل   (1) ذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل إلى أن حكم اللقطة واحد، سواء أكان قد التقطها الملتقط من الحل أم كان قد التقطها من الحرم، ويروى مثل ذلك القول عن الشافعي رضي الله تعالى عنه، والمشهور من مذهبه أنه لا يحل الالتقاط من حرم مكة إلا للحفظ، وأنه يجب على من التقط شيئاً من الحرم تعريف ما التقطه حتى يجد صاحبه، وأنه تلزمه الإقامة بمكة لتعريفها؛ فإن أراد الخروج سلمها للحاكم، طالت المدة أو قصرت قالوا: والسر في ذلك أن الله تعالى قد جعل مكة مثابة للناس يعودون إليها المرة بعد المرة فربما عاد صاحبها من أجلها أو أرسل من يطلبها له، وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرمه الله تعالى، لا يلتقط لقطته إلا من عرفها" وفي رواية الصحيحين عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قام في الناس بعد أن فتح الله عليه مكة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إن الله قد حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لا تحل لأحد قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لا تحل لأحد بعدي: لا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد" وقد استدل الأئمة الثلاثة على ما ذهبوا إليه بأنه عليه الصلاة والسلام قال في شأن اللقطة: "اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة". ولم يفرق بين لقطة الحل ولقطة الحرم؛ فكان الأمر فيهما سواء. وأيضاً فإن التصدق باللقطة بعد انقضاء مدة التعريف فيه إبقاء ملك المالك من وجه، حيث يحصل له ثواب الصدقة. وأجابوا عما تمسك به الشافعي في المشهور من مذهبه بأن الالتقاط لا يحل إلا للتعريف، ولما كان الالتقاط من مكة مظنة أن يسقط التعريف لأنها مكان الغرباء يأتون إليها من كل فج عميق، ثم يتفرقون، فلا يظن عودهم إليها، والظاهر أن ما وجده الملتقط من أملاك هؤلاء الغرباء الذين تفرقوا؛ فلا فائدة من التعريف حينئذٍ؛ فأزال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوهم بقوله: "لا تحل لقطتها إلا لمنشد" يريد أن حكمها كحكم سائر البلاد، فافهم ذلك والله يرشدك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 وإذا حضر الرجل فادعى أن اللقطة له لم تدفع إليه حتى يقيم البينة، فإن أعطى علامتها حل للملتقط أن يدفعها إليه، ولا يجبر على ذلك في القضاء. ولا يتصدق باللقطة على غني، وإن كان الملتقط غنياً لم يجز له أن ينتفع بها، وإن كان فقيراً فلا بأس أن ينتفع بها، ويجوز أن يتصدق بها إذا كان غنياً على أبيه وابنه وزوجته إذا كانوا فقراء؛ والله أعلم.   الالتقاط إلا للتعريف، والتخصيص بالحرم لبيان أنه لا يسقط التعريف فيه لمكان أنه للغرباء ظاهراً، هداية. (وإذا حضر رجل فادعى أن اللقطة له لم تدفع إليه) بمجرد دعواه، (حتى يقيم البينة) اعتباراً بسائر الدعاوى (فإن أعطى علامتها حل للملتقط أن يدفعها إليه) ، لأن الظاهر أنها له (ولا يجبر على ذلك في القضاء) ، لأن غير المالك قد يعرف وصفها. (ولا يتصدق) الملتقط (باللقطة على غني) ، لأن المأمور به هو التصدق، والصدقة لا تكون على غني (وإن كان الملتقط غنيا لم يجز له أن ينتفع بها) لأنه ليس بمحل للصدقة (وإن كان فقيراً فلا بأس أن ينتفع بها) في خاجة نفسه، لأنه محل لها، ولأن صرفها إلى فقير آخر كان للثواب، وهو مثله، وفيه نظر للجانبين (ويجوز) للملتقط (أن يتصدق بها إذا كان غنيا على أبيه وابنه وزوجته إذا كانوا فقراء) ، لأنهم محل للصدقة، وفيه نظر للجانبين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 كتاب الخنثى. - إذا كان للمولود فرجٌ وذكرٌ فهو خنثى، فإن كان يبول من الذكر فهو غلامٌ، وإن كان يبول من الفرج فهو أنثى، وإن كان يبول منهما والبول يسبق من أحدهما نسب إلى الأسبق، فإن كانا في السبق سواءً فلا عبرة بالكثرة عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: ينسب إلى أكثرهما. وإذا بلغ الخنثى وخرجت له لحيةٌ أو وصل إلى النساء فهو رجلٌ، وإن ظهر له ثديٌ   كتاب الخنثى مناسبته للقطة أنه يتوقف بعض أحكامه حتى يتضح حاله، واللقطة يتوقف عن التصرف بها حتى يغلب على الظن ترك طلبها. (إذا كان للمولود فرج وذكر) أو كان عاريا عنهما، بأن كان له ثقبة لا تشبههما (فهو خنثى: فإن كان يبول من الذكر فهو غلام، وإن كان يبول من الفرج فهو أنثى) ، لأن البول من أي عضو كان فهو دلالة على أنه هو العضو الأصلي الصحيح، والآخر بمنزلة العيب. هداية (وإن كان يبول منهما والبول يسبق من أحدهما نسب) الحكم (إلى الأسبق) ، لأن السبق يدل على أنه المجرى الأصلي وغيره عارض (وإن كانا في السبق سواء فلا عبرة بالكثرة عند أبي حنيفة) ، لأنه قد يكون لاتساع أحدهما وضيق الآخر (وقال أبو يوسف ومحمد: ينسب) الحكم (إلى أكثرهما) بولاً، لأنها علامة قوة العضو، ولأن للأكثر حكم الكل في كثير من الأحكام، قال في التصحيح: ورجح دليل الإمام في الهداية والشروح، واعتمده المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة. (وإذا بلغ الخنثى وخرجت له لحية أو وصل إلى النساء) أو احتلم كما يحتلم الرجال أو كان له ثدي مستو. هداية (فهو رجل) ، لأنها علامات الرجال (وإن ظهر له ثدي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 كثدي المرأة أو نزل له لبنٌ في ثديه أو حاض أو حبل أو أمكن الوصول إليه من الفرج فهو امرأةٌ، فإن لم تظهر إحدى هذه العلامات فهو خنثى مشكلٌ، وإذا وقف خلف الإمام قام بين صف الرجال والنساء وتبتاع له أمةٌ تختنه إن كان له مالٌ، فإن لم يكن له مالٌ ابتاع له الإمام من بيت المال، فإذا ختنته باعها ورد ثمنها إلى بيت المال، وإذا مات أبوه وخلف ابناً وخنثى فالمال بينهما عند أبي حنيفة على ثلاثة أسهمٍ: للابن سهمان، وللخنثى سهمٌ، وهو أنثى عنده في الميراث إلا أن يثبت غير ذلك فيتبع.   كثدي المرأة، أو نزل له لبن في ثديه، أو حاض، أو حبل، أو أمكن الوصول إليه من الفرج، فهو امرأة) ، لأنها علامات النساء (فإن لم تظهر له إحدى هذه العلامات) أو تعارضت فيه (فهو خنثى مشكل) له أحكام مخصوصة؛ قال في الهداية: والأصل فيه أن يؤخذ فيه بالأحوط والأوثق في أمور الدين، وأن لا يحكم بثبوت حكم وقع الشك في ثبوته، اهـ. وهذا إجمال ما قال المصنف بقوله: (وإذا وقف) الخنثى (خلف الإمام) لصلاة الجماعة (قام بين صف الرجال و) صف (النساء، و) إذا بلغ حد الشهوة (تباع له أمة تختنه) لإباحة نظر مملوكته إلى عورته، رجلا كان أو امرأة (إذا كان له مال؛ فإن لم يكن له مال ابتاع) أي اشترى (له الإمام) أمة (من) مال (بيت المال) ؛ لأنه أعد لنوائب المسلمين (فإذا ختنته باعها) الإمام (ورد ثمنها إلى بيت المال، وإذا مات أبوه وخلف ابنا وخنثى فالمال بينهما عند أبي حنيفة على ثلاثة أسهم: للابن سهمان، وللخنثى سهم، وهو) في هذا المثال المذكور (أنثى عنده في الميراث) ، لأن ذلك ثابت بيقين، والزيادة مشكوك فيها؛ فلا يحكم بالشك (إلا أن يتبين غير ذلك فيتبع) والأصل عنده أن له أسوأ الحالين من الذكورة والأنوثة، ويتصور في ذلك أربع صور؛ الأولى: أن يكون إرثه في حال الأنوثة أقل، فينزل أنثى كما في مسألة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 وقال أبو يوسف ومحمدٌ: للخنثى نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى،   المتن (1) . والثانية: أن يكون في حال الذكورة أقل كزوج وأم وخنثى شقيق أو لأب فينزل (2) ذكراً. والثالثة: أن يكون محرماً في حال الأنوثة كشقيقتين وخنثى لأب فيحرم (3) . والرابعة: أن يكون محروماً في حال الذكورة كزوج وشقيقة وخنثى لأب فيحرم أيضا (4) . (وقالا: للخنثى نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى) : أي يجمع بين نصيبه على تقدير أنوثته وذكوريته ويعطى نصف المجموع   (1) صورة المتن هي: مات رجل وترك ولدين أحدهما ذكر بين الذكورة وثانيهما خنثى، فلو فرضنا الخنثى ذكرا لاستحق نصف التركة، لو فرضنا الخنثى أنثى لاستحق ثلث التركة. إذ أن الذكرين عصبة من جهة واحدة وفي قوة واحدة والمال المتروك يقسم بينهما بالسوية، والذكر والأنثى من جهة واحدة، وفي قوة واحدة، وهما عصبة، فيعطى للذكر مثل حظ الأنثيين. (2) لو فرضنا الخنثى في هذه المسألة ذكرا لكان أخا شقيقا للميت أو أخا لأب فيكون عصبة فيأخذ ما بقي من أصحاب الفروض، فللزوج النصف، وللأم الثلث، والباقي هو السدس يأخذه الخنثى المفروض ذكرا، ولو فرضنا الخنثى أنثى في هذه المسألة لكان أختا شقيقة أو أختا لأب، فيكون من أصحاب الفروض، ونصيب الأخت الشقيقة أو الأخت لأب نصف التركة إذا لم تكن محجوبة، ولا شك أن الخنثى على هذا الفرض أحسن حالا من فرض كونه ذكرا. (3) لو فرضنا الخنثى في هذه المسألة ذكرا لكان أخا لأب فيكون عصبة، فيأخذ ما بقي بعد أصحاب الفروض، وأصحاب الفروض في هذه المسألة الأختان الشقيقتان، وفرضهما الثلثان، فيأخذ الخنثى - على فرض ذكورته - الثلث الباقي، ولو فرضنا الخنثى أنثى لما أخذ شيئا، لأنه حينئذ يكون أختا لأب، والأخت لأب لا تأخذ مع وجود الأختين الشقيقتين شيئا إلا أن يكون معها من يعصبها وهو الأخ لأب، ولا وجود لهذا المعصب في المسألة؛ فهذا معنى كون الخنثى محروما من التركة على فرض أنه أنثى. (4) لو فرضنا الخنثى في هذه المسألة أنثى لكان أختا لأب؛ فيكون من أصحاب الفروض، فيأخذ الزوج النصف، وتأخذ الأخت الشقيقة النصف، وتأخذ الأخت لأب السدس، وتعول المسألة، لأن الأخت لأب تأخذ السدس مع الأخت الشقيقة الواحدة تكملة الثلثين اللذين هما نصيب الأخوات، ولو فرضنا الخنثى ذكرا لكان أخا لأب فيكون عصبة، والعصبة يأخذون ما بقي بعد أصحاب الفروض إن بقي لهم شيء، وأصحاب الفروض هنا الزوج ونصيبه نصف التركة، والأخت الشقيقة ونصيبها النصف أيضاً، فلا يبقى للعاصب شيء، وهذا معنى كون الخثى محرما من الميراث على فرض أنه ذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 وهو قول الشعبي، واختلفا في قياس قوله، قال أبو يوسف: المال بينهما على سبعة أسهمٍ: للابن أربعةٌ، وللخنثى ثلاثةٌ، وقال محمدٌ: المال بينهما على اثني عشر سهماً: للابن سبعةٌ، وللخنثى خمسةٌ. كتاب المفقود. - إذا غاب الرجل، ولم يعرف له موضعٌ، ولا يعلم أحيٌ هو أم ميتٌ، نصب القاضي من يحفظ ماله ويقوم عليه   (وهو قول الإمام) عامر (الشعبي، واختلفا) : أي الإمامان (في قياس) : أي في تخريج (قوله: قال أبو يوسف: المال بينهما على سبعة أسهم) ؛ لأن الخنثى بتقدير ذكوريته له سهم، وبتقدير أنوثته نصف، ومجموعهما سهم ونصف، ونصف مجموعهما ثلاثة أرباع، وللابن سهم كامل؛ فتصح من سبعة (للابن أربعة، وللخنثى ثلاثة، وقال محمد: المال بينهما على اثني عشر سهماً) ؛ لأن الخنثى يستحق النصف إن كان ذكراً، والثلث إن كان أنثى، والنصف والثلث خمسة من ستة، فله نصف ذلك وهو اثنان ونصف من ستة، ووقع الكسر بالنصف فضربت الستة في اثنين صار اثني عشر؛ فكان (للابن سبعة) قائمة من ضرب ثلاثة ونصف في الاثنين (وللخنثى خمسة) قائمة من ضرب اثنين ونصف في الاثنين، قال في التصحيح: قال الإسبيجاني: وقول محمد مضطرب، والأظهر أنه مع أبي حنيفة، والصحيح قول أبي حنيفة، ومشى عليه برهان الشريعة والنسفي وصدر الشريعة. اهـ. كتاب المفقود. مناسبته للخنثى ظاهرة، من حيث وقف الأحكام إلى البيان. وهو لغة: المعدوم، وشرعاً: غائب انقطع خبره، ولا يعلم حياته ولا موته، كما أشار إلى ذلك بقوله: (إذا غاب الرجل، ولم يعرف له موضع) ليستطلع عليه (ولا يعلم أحي هو أم ميت؛ نصب القاضي من يحفظ ماله ويقوم عليه) : أي على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 ويستوفي حقوقه، وينفق على زوجته وأولاده من ماله، ولا يفرق بينه وبين امرأته، فإذا تم له مائةٌ وعشرون سنةً من يوم ولد حكمنا بموته   ماله بالحفظ من عقاره وضياعه وجمع ثماره ويبيع ما يخاف فساده (ويستوفي حقوقه) كقبض غلاته والدين الذي أقر به غريمٌ من غرمائه؛ لأن القاضي نصب ناظراً لكل عاجز عن النظر لنفسه، والمفقود بهذه الصفة، وفي نصب الحافظ لماله والقائم عليه نظر له. هداية (وينفق على زوجته وأولاده) وإن سفلوا، ووالديه وإن علوا قال في الهداية: والأصل أن كل من يستحق النفقة في ماله حال حضرته بغير قضاء القاضي ينفق عليه من ماله عند غيبته؛ لأن القضاء حينئذ يكون إعانة، وكل من لا يستحقها في حضرته إلا بالقضاء لا ينفق عليه من ماله في غيبته؛ لأن النفقة حينئذ تجب بالقضاء، والقضاء على الغائب ممتنع؛ فمن الأول الأولاد الصغار والإناث من الكبار والزمنى من الذكور والكبار، ومن الثاني الأخ والأخت والخال والخالة. اهـ (من ماله) إن كان ماله دراهم أو دنانير أو تبراً، وكان في يد القاضي أو يد مودعٍ أو مديون مقرين بهما وبالنكاح أو القرابة إذا لم يكونا ظاهرين عند القاضي، فإن كانا ظاهرين عند القاضي لا حاجة إلى الإقرار، وإن دفع المودع بنفسه أو المديون بغير أمر القاضي يضمن المودع ولا يبرأ المديون، كذا في الهداية. (ولا يفرق بينه) : أي بين المفقود (وبين امرأته) ؛ لأن الغيبة لا توجب الفرقة (فإذا تم له مائة وعشرون سنة من يوم ولد حكمنا بموته) ؛ لأن الظاهر أنه لا يعيش أكثر منها، قال في التصحيح: قال الإمام الإسبيجاني: وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة، وذكر محمد في الأصل موت الأقران، وهو ظاهر المذهب، وهكذا في الهداية، قال في الذخيرة: ويشترط جميع الأقران، فما بقي واحد من أقرانه لا يحكم بموته، ثم إن بعض مشايخنا قالوا: يعتبر موت أقرانه من جميع البلدان، وقال بعضهم: أقرانه ن أهل بلده؛ قال شيخ الإسلام جواهر زاده: وهذا القول أصح، قال الشيخ محمد بن حامد: قدره بتسعين سنة، وعليه الفتوى، وهكذا مشى الإمام برهان الأئمة المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة. اه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 واعتدت امرأته، وقسم ماله بين ورثته الموجودين في ذلك الوقت، ومن مات منهم قبل ذلك لم يرث منه، ولا يرث المفقود من أحدٍ مات في حال فقده. كتاب الإباق. - إذا أبق مملوكٌ فرده رجلٌ على مولاه من مسيرة ثلاثة أيام فصاعداً فله عليه الجعل أربعون درهماً، وإن رده لأقل من ذلك فبحسابه، وإن كانت قيمته أقل من أربعين درهماً قضى له بقيمته إلا درهماً،   (و) إذا حكم بموت المفقود (اعتدت امرأته) عدة الوفاة (وقسم ماله بين ورثته الموجودين في ذلك الوقت) : أي وقت الحكم بموته (ومن مات منهم) أي من ورثته (قبل ذلك) الوقت (لم يرث منه) : أي من المفقود؛ لعدم تحقق موته (ولا يرث المفقود من أحد مات في حال فقده) ؛ لعدم تحقق حياته، ومن شرط الإرث تحقق موت الموروث وحياة الوارث. كتاب الإباق مناسبته للمفقود أن كلا منهما ترك الأهل والوطن، وصار في عرضية التلف والمحن. قال ي الجوهرة: هو التمرد والانطلاق، وهو سوء الأخلاق، ورداءة الأعراق، ورده إلى مولاه إحسان، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟. اهـ. (إذا أبق مملوك فرده رجل على مولاه من) مدة السفر (مسيرة ثلاثة أيام فصاعداً) : أي فأكثر (فله عليه الجعل) تماما، وهو (أربعون درهما، وإن رده لأقل من ذلك) المقدار (فبحسابه) اعتباراً للأقل بالأكثر؛ فيجب في رده من يومين ثلثاها، ومن يوم ثلثها، ومن رده من أقل منه أو وجده في المصر يرضخ له، وعن أبي حنيفة لا شيء له في المصر، كذا في الفيض عن الأصل (وإن كانت قيمته) : أي الآبق المردود من مدة سفر (أقل من أربعين درهما قضى له) : أي للذي رده (بقيمته إلا درهما) ليسلم للمالك شيء تحقيقا للفائدة، قال في التصحيح: قال الإسبيجاني: وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، واعتمده المحبوبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 وإن أبق من الذي رده فلا شيء عليه، وينبغي أن يشهد إذا أخذه أنه يأخذه ليرده، فإن كان العبد الآبق رهناً فالجعل على المرتهن. كتاب إحياء الموات. - الموات: ما لا ينتفع به من الأرض لانقطاع الماء عنه   والنسفي وصدر الشريعة. اهـ (وإن أبق من) يد (الذي رده فلا شيء عليه) قال في الهداية: لكن هذا إذا أشهد، وقد ذكرناه في اللقطة، ثم قال: وفي بعض النسخ "لا شيء له" وهو صحيح أيضا؛ لأنه في معنى البائع من المالك، ولهذا كان له أن يحبس الآبق حتى يستوفي الجعل، بمنزلة البائع بحبس المبيع لاستيفاتء الثمن، اهـ. (وينبغي) للراد للآبق (أن يشهد إذا أخذه أنه يأخذه ليرده) على مالكه قال في الهداية: والإشهاد حتم على قول أبي حنيفة ومحمد، حتى لو رده من لم يشهد وقت الأخذ لا جعل له عندهما؛ لأن ترك الإشهاد أمارة على أنه أخذه لنفسه. اهـ. (فإن كان العبد الآبق رهناً فالجعل على المرتهن) ؛ لأن اليد له، وهذا إذا كانت قيمته مثل الدين أو أقل؛ فإن كانت أكثر فحصة الدين عليه والباقي على الراهن؛ لأن حقه بالقدر المضمون كما في الفيض. كتاب إحياء الموات مناسبته للآبق من حيث الإحياء في كل منهما؛ لما مر أن رد الآبق إحياء له. والإحياء لغة: جعل الشيء حياً، أي ذا قوة حساسة أو نامية. وشرعاً: إصلاح الأرض الموات بالبناء أو الغرس أو الكراب أو غير ذلك كما في القهستاني. و (المارت) كسحاب وغراب - ما لا روح فيه، أو أرض لا مالك لها. قاموس. وفي المغرب: هو الأرض الخراب، خلافه العامر. اهـ، وشرعا: (ما لا ينتفع به من الأرض لانقطاع الماء عنه) بارتفاعه عنه، أو ارتدام مجراه، أو غير ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 أو لغلبة الماء عليه، أو ما أشبه ذلك مما يمنع الزراعة، فما كان منها عادياً لا مالك له، أو كان مملوكاً في الإسلام لا يعرف له مالكٌ بعينه وهو بعيد من القربة بحيث إذا وقف إنسانٌ في أقصى العامر فصاح لم يسمع الصوت فيه؛ فهو مواتٌ: من أحياه بإذن الإمام ملكه، وإن أحياه بغير إذنه لم يملكه عند أبي حنيفة.   (أو لغلبة الماء عليه، أو ما أشبه ذلك مما يمنع الزراعة) كغلبة الرمال أو الأحجار أو صيرورتها سبخة، سميت به تشبيها بالحيوان إذا مات ولم يبق منتفعاً به (فما كان منها) : أي الأرض (عادياً) : أي قديم الخراب بحيث لم يملك في الإسلام، كما أشار إليه بقوله (لا مالك له) : أي في الإسلام، فكأنها خربت من عهد عادٍ؛ بدليل المقابلة بقوله (أو كان مملوكا في الإسلام) ولكن لطول تركه وعدم الانتفاع به (لا يعرف له مالك بعينه، وهو بعيد من القرية بحيث إذا وقف إنسان) جهوري الصوت (في أقصى العامر) من دور القرية كما في القهستاني عن التجنيس (فصاح) بأعلى صوته (لم يسمع الصوت فيه) : أي في المكان الغير المنتفع به (فهو موات) عند أبي يوسف؛ وعند محمد: إن ملكت في الإسلام لا تكون مواتاً، وإذا لم يعرف مالكها تكون لجماعة المسلمين، واعتبر في غير المملوكة عدم الارتفاق سواء قربت أو بعدت، وهي ظاهر الرواية، وبها يفتي كما في القهستاني عن الكبرى والبرجندي عن المنصورية عن قاضيخان، كذا في الدرر، وقال الزيلعي: وجعل القدوري المملوك في الإسلام إذا لم يعرف مالكه من الموات؛ لأن حكمه كالموات حيث يتصرف فيه الإمام كما يتصرف في الموات؛ لا أنه موات حقيقة. اهـ. وظاهره عدم الخلاف في الحقيقة تأمل. ثم (من أحياه) أي الموات (بإذن الإمام ملكه) اتفاقا (وإن أحياه بغير إذنه لم يملكه عند أبي حنيفة) ؛ لأنه مغنوم للمسلمين؛ لوصوله إلى يدهم بإيجاف الخيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يملكه. ويملك الذمي بالإحياء كما يملك المسلم. ومن حجر أرضاً ولم يعمرها ثلاث سنين أخذها الإمام ودفعها إلى غيره، ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر   والركاب؛ فليس لأحد أن يختص به دون الإمام، كما في سائر الغنائم (وقالا: يملكه) ولو بدون إذن الإمام؛ لأنه مباح سبقت إليه يده فيملكه كما في الحطب والصيد، قال في التصحيح: واختار قول الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما. اهـ. وفي الجوهرة: ثم إذا لم يملكها عند أبي حنيفة بالإحياء وملكه إياها الإمام تصير ملكا له، والأولى للإمام أن يجعلها له ولا يستردها منه، وهذا إذا ترك الاستئذان جهلا، أما إذا تركه تهاوناً بالإمام كان له أن يستردها زجراً له، اهـ. وفي الهداية: ويجب فيه العشر؛ لأن ابتداء توظيف الخراج على المسلم لا يجوز، إلا إذا سقاه بماء الخراج، لأنه حينئذ يكون إبقاء الخراج على المسلم على اعتبار الماء، فلو أحياها ثم تركها فزرعها غيره فقد قيل: الثاني أحق بها؛ لأن الأول ملك استغلالها لا رقبتها، فإذا تركها كان الثاني أحق بها، والأصح أن الأول ينزعها من الثاني؛ لأنه ملكها بالإحياء كما نطق به الحديث، اهـ. (ويملك الذمي) الموات (بالإحياء كما يملك المسلم) ، لأن الإحياء سبب الملك فيستويان فيه كسائر الأسباب، إلا أنه لا يملكه بدون إذن الإام اتفاقا كما في القهستاني، قيد بالذمي لأن المستأمن لا يملكه مطلقاً اتفاقا كما في النظم. (ومن حجر أرضاً) : أي علمها بوضع الأحجار حولها، أو منع غيره منها بوضع علامة من حجر أو غيره (ولم يعمرها) : أي لم يحيها (ثلاث سنين أخذها الإمام) من المحجر (ودفعها إلى غيره) ، لأن التحجير ليس بالإحياء، ولأن الإمام إنما دفعها له لتحصل المنفعة للمسلمين من حيث العشر أو الخراج، فإذا لم يحصل يدفعها إلى غيره تحصيلا للمقصود. (ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر) لأنه تبع له، لأنه من مرافقه كما صرح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 ويترك مرعىً لأهل القرية ومطرحاً لحصائدهم. ومن حفر بئراً في بريةٍ فله حريمها، فإن كانت البئر للعطن فحريمها أربعون ذراعاً، وإن كانت للناضح فستون ذراعاً، وإن كانت عيناً فحريمها ثلاثائة ذراعٍ،   به بقوله: (ويترك مرعى لأهل القرية ومطرحا لحصائدهم) ، لتحقق حاجتهم إليها فلا يكون مواتاً لتعلق حقهم بها، بمنزلة الطريق والنهر، وعلى هذا قالوا: لا يجوز أن يقطع الإمام ما لا غنى للمسلمين عنه كالملح والآبار التي يستقي الناس منها لما ذكرناه، هداية. وإذا أحاط الإحياء بجوانب ما أحياه الأربعة على التعاقب فطريقه في الرابعة كما في الدرر وغيرها. (ومن حفر بئرا في برية) بإذن الإمام عنده، ومطلقاً عندهما على ما مر، لأن حفر البئر إحياء (فله حريمها) من جوانبها الأربع، لأن تمام الانتفاع لا يكون إلا به (فإن كانت البئر للعطن) : أي مناخ الإبل، وهي التي يناخ حولها الإبل ويستقي لها باليد (فحريمها أربعون ذراعاً) ثم قيل: الأربعون من كل الجوانب، والصحيح أنه من كل جانب؛ لأن في الأراضي رخوة يتحول الماء إلى ما حفر دونها، هداية (وإن كانت) البئر (للناضح) وهي التي يستخرج ماؤها بسير الإبل ونحوها (فستون ذراعاً) وهذا عندهما، وعند أبي حنيفة أربعون أيضاً، ورجح دليله واعتمده واختاره المحبوبي والنسفي وغيرهما، كذا في التصحيح. وفيه عن مختارات النوازل: من حفر بئراً في برية موات فله حريمها على قدر الحاجة من كل الجوانب، وهو الصحيح. اهـ. (وإن كانت) المستخرجة بالحفر (عيناً) جارية (فحريمها ثلاثمائة ذراع) من كل جانب، قال في الينابيع: وذكر الطحاوي خمسمائة ذراع، وهذا التقدير ليس بلازم، بل هو موكول إلى رأي الناس واجتهادهم، اهـ. وفي الهداية: والأصح أنه خمسمائة ذراع من كل جانب، اهـ. ثم قال: وقيل: إن التقدير في العين والبئر بما ذكرنا في أراضيهم لصلابتها، وفي أرضينا رخاوة فيزداد كيلا يتحول الماء إلى الثاني فيتعطل الأول، اهـ. ثم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 ومن أراد أن يحفر في حريمها منع منه. وما ترك الفرات أو الدجلة وعدل عنه، فإن كان يجوز عوده إليه لم يجز إحياؤه؛ وإن كان لا يجوز أن يعود إليه فهو كالموات، إذا لم يكن حريماً لعامرٍ يملكه من أحياه بإذن الإمام عند الإمام. ومن كان له نهرٌ في أرض غيره فليس له حريمه عند أبي حنيفة إلا أن   المراد بالذراع ذراع العامة، وهي ست قبضات، ويعبر عنها بالمكسرة؛ لأن ذراع الملك كان سبع قبضات فكسر منه قبضة (فمن أراد أن يحفر في حريمها) أي حريم المذكورات (منع منه) كيلا يؤدي إلى تفويت حقه أو الإخلال به، لأنه بالحفر ملك الحريم ضرورة تمكنه من الانتفاع به، فليس لغيره أن يتصرف في ملكه، فإن احتفر آخر بئراً في حريم الأول فللأول كبسه (1) أو تضمينه، وتمامه في الهداية. (وما ترك الفرات أو الدجلة وعدل) ماؤه (عنه) : أي عن المتروك (و) لكن (يجوز عوده) : أي الماء (إليه) : أي إلى ذلك المكان الذي تركه (لم يجز إحياؤه) ولو بإذن الإمام، لحاجة العامة إلى مونه نهراً (وإن كان لا يجوز) : أي غير محتمل (أن يعود إليه فهو كالموات) : أي لأنه ليس في ملك أحد، وهذا (إذا لم يكن حريماً لـ) محل (عامر) فإن كان حريماً لعامر كان تبعاً له، لأنه من مرافقه، وإذا لم يكن حريماً لعامر فإنه (يملكه من أحياه) إن كان (بإذن الإمام عند الإمام) وإلا فلا، خلافا لهما كما تقدم. (ومن كان له نهر) يجري (في أرض غيره فليس له) أي لصاحب النهر (حريمه) بمجرد دعواه أنه له (عند أبي حنيفة) ، لأن الظاهر لا يشهد له، بل لصاحب الأرض، لأنه من جنس أرضه، والقول لمن يشهد له الظاهر (إلا أن   (1) كبسه: أراد ردمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 يقيم بينةً على ذلك. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: له مسناةٌ (1) يمشي عليها ويلقي عليها طينه. كتاب المأذون. - إذا أذن المولى لعبده في التجارة إذناً عاماً جاز تصرفه في سائر التجارات: يشتري، ويبيع، ويرهن، ويسترهن. وإن أذن له في نوعٍ منها دون   يقيم البينة على ذلك) ، لأنها لإثبات خلاف الظاهر (وقالا: له مسناة يمشي عليها، ويلقي عليها طينه) ، لأن النهر لابد له من ذلك، فكان الظاهر أنه له، قال في التصحيح: واختار قول الإمام المحبوبي والنسفي، قال: وهذا إذا لم تكن مشغولة بغرس لأحدهما أو طين، فإن كان فهي لصاحب الشغل بالاتفاق. اهـ. وفي الهداية: ولو كان عليه غرس لا يدري من غرسه فهو من مواضع الخلاف أيضاً وثمرة الخلاف أن ولاية الغرس لصاحب الأرض عنده، وعندهما لصاحب النهر، اهـ. كتاب المأذون مناسبته لإحياء الموات أن في الإذن للعبد والصغير إحياء له معنى. وهو لغة: الإعلام، وشرعاً: فك الحجر وإسقاط الحق، كما في الهداية. (إذا أذن المولى لعبده في التجارة إذناً عاما) كأن يقول له: أذنت لك في التجارة، من غير تقييد بنوع مخصوص (جاز تصرفه في سائر التجارات) اتفاقا لأن اسم التجارة عام يتناول الجنس، وإذا جاز تصرفه (يشتري) ما أراد (ويبيع) ؛ لأنهما أصل التجارة (ويرهن، ويسترهن) ويؤجر ويستأجر؛ لأنها من صنيع التجار. (و) كذا (إذا أذن له) المولى (في نوع منها) : أي من أنواع التجارة (دون   (1) المسناة - بضم الميم وفتح السين وتشديد النون - ما يبنى في وجه السيل لحبس الماء وفي أساس البلاغة للزمخشري "عقدوا مسناة ومسنيات لحبس الماء". اهـ. ويراد من المسناة هنا ما يكون كالجسر للنهر: يمشي عليه المالك، ويلقى عليه طينه عند الكرى (أي الحفر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 غيره فهو مأذونٌ في جميعها. وإن أذن له في شيءٍ بعينه فليس بمأذونٍ. وإقرار المأذون بالديون والغصوب جائزٌ، وليس له أن يتزوج، ولا أن يزوج مماليكه، ولا يكاتب، ولا يعتق على مالٍ، ولا يهب بعوضٍ ولا بغير عوضٍ، إلا أن يهدي اليسير من الطعام أو يضيف من يطعمه.   غيره) : أي غير ذلك النوع، كأن يقول له: أذنت لك في التجارة في البر فقط (فهو مأذون في جميعها) ؛ لما تقدم أنه إسقاط الحق وفك الحجر؛ فتظهر مالكية العبد؛ فلا يتخصص بنوع دون نوع. (وإن أذن له في شيء بعينه) كشراء ثوب للكسوة وطعام للأكل (فليس بمأذون) ؛ لأنه استخدام، فلو صار به مأذوناً يفسد عليه باب الاستخدام. (وإقرار المأذون بالديون والغصوب جائز) وكذا بالودائع؛ لأن الإقرار من توابع التجارة؛ إذ لو لم يصح لاجتنب الناس مبايعته ومعاملته، ولا فرق بين ما إذا كان عليه دين أو لم يكن، إذا كان الإقرار في صحته، فإن كان في مرضه يقدم دين الصحة كما في الحر، هداية (وليس له) : أي للمأذون (أن يتزوج) ؛ لأنه ليس بتجارة (ولا أن يزوج مماليكه) قال في التصحيح: هذا على إطلاقه قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف: له أن يزوج أمته، واختار قوله المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، ورجح دليلهما، اهـ (ولا يكاتب) عبداً (ولا يعتق على مال) وعلى غير مال بالأولى (ولا يهب بعوض ولا بغير عوض) ؛ لأن كل ذلك تبرع ابتداء وانتهاء أو ابتداء، فلا يدخل تحت الإذن بالتجارة، هداية (إلا أن يهدي اليسير من الطعام أو يضيف من يطعمه) أي يضيفه، وكذا من لم يطعمه كما في القهستاني عن الذخيرة لأن ذلك من ضروريات التجارة استجلاباً لقلوب معامليه وأهل حرفته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 وديونه متعلقةٌ برقبته: يباع للغرماء، إلا أن يفديه المولي، ويقسم ثمنه بينهم بالحصص، فإن فضل من ديونه شيءٌ طولب به بعد الحرية. وإن حجر عليه لم يصر محجوراً عليه حتى يظهر الحجر بين أهل سوقه. فإن مات المولى أو جن أو لحق بدار الحرب مرتداً صار المأذون محجوراً عليه، وإن أبق العبد صار   (وديونه) : أي المأذون (متعلقة برقبته: يباع) فيها (للغرماء) أي لأجلهم أي يبيع القاضي المأذون في ذلك الدين بطلب الغرماء، وهذا إذا كان السيد حاضراً فإن غاب لا يبيعه: لأن الخصم في رقبته هو السيد، وبيعه ليس بحتم، فإن لهم استسعاءه كما في الذخيرة (إلا أن يفديه المولى) بدفع ما عليه من الدين؛ لأنه لا يبقى في رقبته شيء (ويقسم ثمنه) إذا بيع (بينهم) : أي الغرماء (بالحصص) لتعلق حقهم بالرقبة، فصار كتعلقها بالتركة (فإن فضل من ديونه شيء طولب به بعد الحرية) لتقرر الدين في ذمته وعدم وفاء الرقبة به، ولا يباع ثانيا دفعا للضرر عن المشتري. (وإن حجر عليه) المولى (لم يصر محجوراً عليه) بمجرد حجره، بل (حتى) يعلم المأذون به، و (يظهر حجره بين) أكثر (أهل سوقه) حتى لو حجر عليه في السوق وليس فيه إلا رجل أو رجلان لا ينحجر، إذ المعتبر اشتهار الحجر وشيوعه، فقام ذلك مقام الظهور عند الكل. هذا إذا كان الإذن شائعا، أما إذا كان لم يعلم به إلا العبد ثم حجر عليه بمعرفته ينحجر، لانتفاء الضرر، كذا في الدرر، وهذا في الحجر القصدي، أما إذا ثبت الحجر ضمنا فلا يشترط العلم كما صرح بذلك بقوله: (فإن مات المولى أو جن أو لحق بدار الحرب مرتداً) وحكم بلحاقه (صار المأذون محجوراً عليه) ولو لم يعلم المأذون ولا أهل سوقه، لأن الإذن غير لازم، وما لا يكون لازما من التصرف يعطى لدوامه حكم الابتداء فلابد من قيام أهلية الإذن في حالة البقاء، وهي تنعدم بالموت والجنون، وكذا باللحوق لأنه موت حكما حتى قسم ماله بين ورثته. هداية (وإذا أبق العبد) المأذون (صار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 محجوراً عليه. وإذا حجر عليه فإقراره جائزٌ فيما في يده من المال عند أبي حنيفة، وإن لزمته ديونٌ تحيط بماله ورقبته لم يملك المولى ما في يده، فإن أعتق عبيده لم يعتقوا عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يملك ما في يده، وإذا باع من المولى شيئاً بمثل قيمته جاز، فإن باعه بنقصانٍ   محجوراً عليه) دلالة، لأن المولى لا يرضى بإسقاط حقه حال تمرده. (وإذا حجر) بالبناء للمجهول (عليه) : أي المأذون (فإقراره) بعده (جائز فيما في يده من المال) أي أمانة لغيره، أو غصب منه، أو دين له عليه (عند أبي حنيفة) لأن يده باقية حقيقة، وشرط بطلانها بالحجر حكما فراغها عن حاجته، وإقراره دليل تحققها، وقالا: لا يجوز إقراره بعده، لأن المصحح لإقراره إن كان الإذن فقد زال بالحجر، وإن كان اليد فالحجر أبطلها، لأن يد المحجور غير معتبرة وصنيع الهداية صريح في ترجيح الأول. (وإذا لزمته) : أي المأذون (ديون تحيط بماله ورقبته لم يملك المولى ما في يده) من أكسابه، لتعلق حق الغرماء فيها، وحق الغرماء مقدمٌ على حق المولى ولذا كان لهم بيعه، فصار كالتركة المستغرقة بالدين (فإن أعتق) المولى (عبيده) أي عبيد المأذون (لم يعتقوا عند أبي حنيفة) لصدوره من غير مالك (وقالا: يملك) المولى (ما في يده) من أكسابه، فينفذ إعتاقه لعبيده ويغرم القيمة، لوجود سبب الملك في كسبه وهو ملك رقبته، ولهذا يملك إعتاقه، قال في الينابيع: يريد به لم يعتقوا في حق الغرماء، فلهم أن يبيعوهم ويستوفوا ديونهم، أما في المولى فهم أحرار بالإجماع، اهـ. قال في التصحيح: واختار قول الإمام المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة (وإذا باع) المأذون المديون (من المولى شيئا بمثل قيمته) أو أكثر (جاز) البيع، لعدم التهمة (فإن باعه بنقصان) ولو يسيرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 لم يجز، فإن باعه المولى شيئاً بمثل القيمة جاز البيع، فإن سلمه إليه قبل قبض الثمن بطل الثمن، وإن أمسكه في يده حتى يستوفي الثمن جاز، وإن أعتق المولى المأذون وعليه ديونٌ فعتقه جائزٌ، والمولى ضامنٌ لقيمته للغرماء، وما بقي من الديون يطالب به المعتق، وإذا ولدت المأذونة من مولاها فذلك حجرٌ عليها. وإن أذن ولي الصبي   (لم يجز) لبيع، لتمكن التهمة (وإن باعه المولى شيئا بمثل القيمة) أو أقل (جاز البيع) لعدم التهمة وظهور النفع (فإن سلمه) : أي سلم المولى المبيع (إليه) : أي المأذون (قبل قبض الثمن) منه والثمن دينٌ (بطل الثمن) لأنه بالتسليم بطلت يد المولى في العين ولا يجب للمولى على عبده دين. قيدنا بكن الثمن دينا لأنه لو كان عرضاً لا يبطل وكان المولى أحق به من الغرماء؛ لتعلق حقه بالعين (وإن أمسكه) : أي أمسك المولى المبيع (في يده حتى يستوفي الثمن جاز) ؛ لأن البائع له حق الحبس في المبيع، وجاز أن يكون للمولى حق في الدين إذا كان يتعلق بالعين، هداية. (وإن أعتق المولى) العبد (المأذون و) كان (عليه) : أي المأذون (دين) ولو محيطا برقبته (فعتقه جائز) ؛ لأن ملكه فيه باقٍ (والمولى ضامن لقيمته للغرماء) ؛ لأنه أتلف ما تعلق به حقهم بيعا واستيفاء من ثمنه (وما بقي من الديون يطالب به) المأذون (المعتق) ؛ لأن الدين في ذمته؛ وما لزم المولى إلا بقدر ما أتلف ضمانا، فبقي الباقي عليه كما كان، فإن كان الدين أقل من قيمته ضمن الدين لا غير، لأن حقهم بقدره (وإذا ولدت) الأمة (المأذونة من مولاها فذلك حجر عليها) بدلالة الظاهر؛ لأن الظاهر أنه يحصنها بعد الولادة ولا يرضى ببروزها ومخالطتها الرجال، بخلاف ابتداء الإذن؛ لأن الدلالة لا معتبر بها عند وجود التصريح بخلافها. (وإذا أذن ولي الصبي) وهو: الأب، ثم وصيه، ثم الجد، ثم وصيه، ثم القاضي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 للصبي في التجارة فهو في الشراء والبيع كالعبد المأذون، إذا كان يعقل البيع والشراء. كتاب المزارعة. - قال أبو حنيفة رحمه الله: المزارعة بالثلث والربع باطلةٌ، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: جائزةٌ،   كما سيأتي (للصبي في التجارة فهو في) الدائر بين النفع والضر، مثل (الشراء والبيع كالعبد المأذون، إذا كان يعقل البيع والشراء) ؛ لأن الصبي العاقل يشبه البالغ من حيث أنه مميز، ويشبه الطفل الذي لا عقل له من حيث إنه لم يتوجه عليه الخطاب، وفي عقله قصور، وللغير عليه ولاية، فألحق بالبالغ في النافع المحض، وبالطفل في الضار المحض، وفي الدائر بينهما بالطفل عند عدم الإذن وبالبالغ عند الإذن؛ لرجحان جهة النفع على الضرر بدلالة الإذن، ولكن قبل الإذن يكون منعقداً موقوفاً على إجازة الولي؛ لأن فيه منفعة؛ لصيرورته مهتدياً إلى وجوه التجارات كذا في الدرر. كتاب المزارعة. مناسبته للمأذون أن كلا من العبد المأذون والمزارع عامل في ملك الغير. والمزارعة - وتسمى المخابرة، والمحاقلة - لغة: مفاعلة من الزرع، وفي الشريعة: عقد على الزرع ببعض الخارج كما في الهداية. (قال) الإمام (أبو حنيفة: المزارعة بالثلث والربع) والأقل والأكثر (باطلة) : لما روى أنه عليه الصلاة والسلام (نهى عن المخابرة) ولأنها استئجار ببعض الخارج، فيكون في معنى قفيز الطحان، ولأن الأجر مجهول أو معدوم، وكل ذلك مفسد، ومعاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر كان خراج مقاسمة كما في الهداية. وتقييد المصنف بالثلث والربع باعتبار العادة في ذلك (وقال أبو يوسف ومحمد) هي (جائزة) لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (عامل أهل خيبر على نصف ما يخرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 وهي عندهما على أربعة أوجهٍ: إذا كانت الأرض والبذر لواحدٍ والعمل والبقر لواحدٍ جازت المزارعة، وإن كانت الأرض لواحدٍ والعمل والبقر والبذر لآخر جازت، وإن كانت الأرض والبقر والبذر لواحدٍ والعمل لآخر جازت وإن كانت الأرض والبقر لواحدٍ والبذر والعمل لآخر فهي باطلةٌ   من تمر أو زرع) ولأنه عقد شركة بين المال والعمل، فيجوز اعتبار بالمضاربة، والفتوى على قولهما كما في قاضيخان والخلاصة ومختارات النوازل والحقائق والصغرى والتتمة والكبرى والهداية والمحبوبي، ومشى عليه النسفي كما في التصحيح، وفي الهداية والفتوى على قولهما، لحاجة الناس إليها، ولظهور تعامل الأمة بها، والقياس يترك بالتعامل كما في الاستصناع. اهـ. ولما كان العمل والفتوى على قولهما فوع عليه المصنف فقال: (وهي عندهما على أربعة أوجه) تصح في ثلاثة منها وتبطل في واحد، لأنه (إذا كانت الأرض والبذر لواحد، والعمل والبقر من آخر، جازت المزارعة) وصار صاحب الأرض والبذر مستأجراً للعامل، والبقر تبعا له، لأن البقر آلة العمل (و) كذا (إذا كانت الأرض لواحد والعمل والبقر والبذر لواحد جازت) أيضاً، وصار العامل مستأجراً للأرض ببعض الخارج (و) كذا (إذا كانت الأرض والبقر والبذر لواحد والعمل لواحد جازت) أيضاً، وصار رب الأرض مستأجراً للعامل ببعض الخارج، وقد نظم شيخنا هذه الثلاث الجائزة في بيت فقال: أرض وبذر، كذا أرض، كذا عمل * من واحد، ذي ثلاث كلها قبلت (وإذا كانت الأرض والبقر لواحد والبذر والعمل لآخر فهي باطلة) ، لأنه لو قدر إجارة للأرض فاشتراط البقر على صاحبها مفسد للإجارة، إذ لا يمكن جعل البقر تبعا للأرض، لاختلاف المنفعة، لأن الأرض للإنبات والبقر للشق، ولو قدر إجارة للعامل فاشتراط البذر عليه مفسد، لأنه ليس تبعاً له. وبقي ثلاثة أوجه لم يذكرها المصنف، وهي باطلة أيضا؛ أحدها: أن يكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 ولا تصح المزارعة إلا على مدةٍ معلومةٍ، ومن شرائطها: أن يكون الخارج مشاعاً بينهما، فإن شرطا لأحدهما قفزاناً مسماةً فهي باطلةٌ، وكذلك إن شرطا ما على الماذيانات والسواقي،   البقر والبذر لأحدهما والآخران للآخر، لأنها استئجار الأرض وشرط العمل، والثاني: أن يكون لأحدهما البقر والباقي للآخر، لأنه استئجار للبقر ببعض الخارج، والثالث أن يكون لأحدهما البذر والباقي للآخر، لأنه شراء للبذر ببعض الخارج، وقد نظم شيخنا هذه الثلاث مع مسألة المتن فقال: والبذر مع بقر، أولا، كذا بقر * لا غير، أو مع أرض، أربع بطلت. (ولا تصح المزارعة) عند من يجيزها (إلا) بشروط صرح المصنف ببعضها وهي: أن تكون (على مدة معلومة) متعارفة، لأنها عقد على منافع الأرض، أو منافع العامل، والمنفعة لا يعرف مقدارها إلا ببيان المدة، قيدنا المدة بالمتعارفة لأنها لو لم تكن متعارفة - بأن كانت لا يتمكن فيها من المزارعة، أو مدة لا يعيش إلى مثلها - فسدت كما في الذخيرة، قال في الدرر: وقيل: في بلادنا تصح بلا بيان مدة، ويقع على أول زرع واحد، وعليه الفتوى، مجتبى وبزازية. اهـ قال في البزازية: وأخذ به الفقيه، لكن في الخانية: والفتوى على جواب الكتاب، قال في الشرنبلالية: فقد تعارض ما عليه الفتوى. (ومن شرائطها: أن يكون الخارج) بالمزارعة (مشاعا بينهما) تحقيقا للشركة، ثم فرع على هذا الشرط فقال: (فإن شرطا لأحدهما قفزانا) بالضم: جمع قفيز (مسماة) أي معينة، أو شرط صاحب البذر أن يرفع بقدر بذره (فهي) أي المزارعة (باطلة) لأنه يؤدي إلى انقطاع الشركة، لجواز ألا يخرج إلا ذلك القدر (وكذلك إن شرطا ما على الماذيانات) بفتح الميم وسكون الذال - جمع ماذيان، وهو أصغر من النهر وأعظم من الجدول، فارسي معرب؛ وقيل: ما يجتمع فيه ماء السي ثم يسقى منه الأرض. مغرب (والسواقي) جمع ساقية، وهي النهر الصغير، لإفضائه إلى قطع الشركة؛ لاحتمال أن لا يخرج إلا من ذلك الموضع؛ وكذا إذا شرط لأحدهما التبن وللآخر الحب؛ لأنه عسى نصيبه آفة فلا ينعقد الحب ولا يخرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 وإذا صحت المزارعة فالخارج بينهما على الشرط، فإن لم تخرج الأرض شيئاً فلا شيء للعامل. وإذا فسدت المزارعة فالخارج لصاحب البذر، فإن كان البذر من قبل رب الأرض فللعامل أجر مثله، لا يزاد على مقدار ما شرط له من الخارج، وإن كان البذر من قبل العامل فلصاحب الأرض أجر مثلها.   إلا التبن، وكذا إذا شرط التبن نصفين والحب لأحدهما، لأنه يؤدي إلى قطع الشركة فيما هو المقصود، ولو شرط الحب نصفين ولم يتعرضا للتبن صحت، لاشتراطهما الشركة فيما هو المقصود، ثم التبن يكون لصاحب البذر، لأنه نماء بذره، وقال مشايخ بلخ: التبن بينهما أيضا، اعتباراً للعرف فيما لم ينص عليه المتعاقدان، ولأنه تبع للحب، والتبع يقوم بشرط الأصل، وإن شرط التبن لغير رب البذر فسدت، لإفضائه إلى قطع الشركة بأن لا يخرج إلا التبن. ومن شروط صحتها: أن تكون الأرض صالحة للزراعة، والتخلية بين الأرض والعامل. وتمامه في الهداية. (وإذا صحت المزارعة) على ما تقدم (فالخارج) بها مشترك (بينهما على الشرط) السابق منهما لصحة التزامهما (فإن لم تخرج الأرض شيئاً فلا شيء للعامل) لأنه مستأجر ببعض الخارج، ولم يوجد. (وإذا فسدت المزارعة فالخارج لصاحب البذر) ، لأنه نماء ملكه (فإن كان البذر من قبل رب الأرض فللعامل أجر مثله) ، لأن رب الأرض استوفى منفعته بعقد فاسد، ولكن (لا يزاد على مقدار ما شرط له من الخارج) ، لرضائه بسقوط الزيادة، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: له أجر مثله بالغا ما بلغ، لأنه استوفى منافعه بعقد فاسد، فيجب عليه قيمتها، إذ لا مثل لها. هداية. قال في التصحيح: ومشى على قولهما المحبوبي والنسفي. اهـ (وإن كان البذر من قبل العامل فلصاحب الأرض أجر مثلها) ؛ لاستيفاء العامل منفعة أرضه بعقد فاسد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 وإذا عقدت المزارعة فامتنع صاخب البذر من العمل لم يجبر عليه، وإن امتنع الذي ليس من قبله البذر أجبره الحاكم على العمل. وإذا مات أحد المتعاقدين بطلت المزارعة، وإذا انقضت مدة المزارعة والزرع لم يدرك كان على المزارع أجر مثل نصيبه من الأرض إلى أن يستحصد، والنفقة على الزرع عليهما على مقدار حقوقهما، وأجرة الحصاد والرفاع والدياس والتذرية   (وإذا عقدت المزارعة) بشروطها المتقدمة (فامتنع صاحب البذر من العمل) قبل إلقاء بذره (لم يجبر عليه) ؛ لأنه لا يمكنه المضي إلا بضرر يلزمه - وهو استهلاك البذر - فصار كما إذا استأجر أجيراً ليهدم داره ثم بدا له لم يجبر على ذلك. قيدنا بكونه قبل إلقاء البذر لأنه لو أبى بعد إلقائه يجبر لانتفاء العلة كما في الكفاية. (وإن امتنع الذي ليس من قبله البذر أجبره الحاكم على العمل) لأنه لا يلحقه بالوفاء بالعقد ضرر، والعقد لازم بمنزلة الإجارة إلا إذا كان عذر تفسخ به الإجارة فتفسخ به المزارعة، هداية. وفيها: وإن امتنع رب الأرلاض والبذر من قبله وقد كرب المزارع الأرض فلا شيء له في عمل الكراب، قيل: هذا في الحكم، أما فيما بينه وبين الله تعالى يلزمه استرضاء العامل. اهـ. (وإذا مات أحد المتعاقدين بطلت المزارعة) اعتباراً بالإجارة (وإذا انقضت مدة المزارعة والزرع لم يدرك) بعد (كان على المزارع أجر مثل نصيبه من الأرض إلى أن يستحصد) الزرع؛ رعاية للجانبين بقدر الإمكان كما في الإجارة (والنفقة على الزرع) بعد انقضاء مدة المزارعة (عليهما) : أي المتعاقدين (على مقدار حقوقهما) ؛ لانتهاء العقد بانقضاء المدة، وهذا عمل في المال المشترك. قيدنا بانقضاء المدة لأنه قبل انقضائها على العامل خاصة (وأجرة الحصاد) : أي قطع الزرع وجمعه (والرفاع) أي نقله إلى البيدر (والدياس) أي تنعيمه (والتذرية) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 عليهما بالحصص، فإن شرطاه في المزارعة على العامل فسدت. كتاب المساقاة. - قال أبو حنيفة: المساقاة بجزء من الثمرة باطلةٌ. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: جائزةٌ إذا ذكرا مدةً معلومةً.   أي تمييز حبه من تبنه، وكذا أجرة الحفظ ونحوه (عليهما بالحصص) سواء انقضت المدة أو لا؛ لأن العقد تناهى بتناهي الزرع لحصول المقصود، وصار مالاً مشتركا بينهما؛ فتجب المؤنة عليهما (فإن شرطاه) أي العمل المذكور الذي يكون بعد انتهاء الزرع من الحصاد ونحوه (على العامل) وحده (فسدت) المزارعة، لأنه شرط لا يقتضيه العقد، وفيه منفعة لأحدهما، قال في التصحيح: وهذا ظاهر الرواية، وأفتى به الحسام الشهيد في الكبرى، وقال: وعن الحسن عن أبي حنيفة أنه جائز، وهكذا عن أبي يوسف، قال في الهداية: وعن أبي يوسف أنه يجوز إذا شرط ذلك على العامل؛ للتعامل اعتباراً بالاستصناع، وهو اختيار مشايخ بلخ، قال شمس الأئمة السرخسي: هذا هو الأصح في ديارنا، قال الخاصي: ومثله عن الفضل، وفي الينابيع وهو اختيار مشايخ خراسان، قال الفقيه: وبه نأخذ، وقال الإسبيجاني: وهو اختيار مشايخ العراق اتباعا للتعامل، وقال في مختارات النوازل: وهو اختيار مشايخ بلخ وبخارى للعرف بينهم، اهـ. كتاب المساقاة المناسبة بينهما ظاهرة، وتسمى المعاملة. وهي لغةً: مفاعلة من السقي، وشرعاً دفع الشجر إلى من يصلحه بجزء من ثمره. وهي كالمزارعة حكما وخلافا وشروطا، كما أشار إلى ذلك المصنف بقوله: (قال أبو حنيفة: المساقاة بجزء من الثمرة باطلة، وقالا: جائزة) والفتوى على قولهما كما تقدم في المزارعة (إذا ذكرا) في العقد (مدة معلومة) متعارفة، قال في الهداية: وشرط المدة قياس فيه؛ لأنه إجارة معنى كما في المزارعة، وفي الاستحسان إذا لم يبين المدة يجوز ويقع على أول ثمرة تخرج، لأن الثمرة لإدراكها وقت معلوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 وسميا جزءاً من الثمرة مشاعاً. وتجوز المساقاة في النخل والشجر والكرم والرطاب وأصول الباذنجان، فإن دفع نخلاً فيه ثمرةٌ مساقاةً والثمرة تزيد بالعمل جاز، وإن كانت قد انتهت لم يجز، وإذا فسدت المساقاة فللعامل أجر مثله، وتبطل المساقاة بالموت، وتفسخ بالأعذار كما تفسخ الإجارة.   وقل ما يتفاوت. اهـ. قيدنا بالمتعارفة لما مر في المزارعة (وسميا جزءاً) معلوماً (من الثمرة مشاعاً) تحقيقا للشركة، إذ شرط جزء معين يقطع الشركة (وتجوز المساقاة في النخل والشجر والكرم والرطاب) بكسر الراء، كقصاع: جمع رطبة بالفتح كقصعة - القضيب ما دام رطبا كما في الصحاح، وهي المسماة في بلادنا بالقصة، والمراد هنا جميع البقول كما في الدر (وأصول الباذنجان) ، لأن الجواز للحاجة وهي تعم الجميع (فإن دفع) المالك (نخلا فيه ثمرة مساقاةً، و) كانت (الثمرة) بحيث (نزيد بالعمل) أو زرعا وهو بقل (جاز) لاحتياجه للعمل (وإن كانت) الثمرة (قد انتهت) والزرع قد استحصد (لم يجز) لأن العامل إنما يستحق بالعمل، ولا أثر للعمل بعد التناهي والإدراك (وإذا فسدت المساقاة فللعامل أجر مثله) ، لأنها في معنى الإجارة الفاسدة (وتبطل المساقاة بالموت) لأحد المتعاقدين، لأنها في معنى الإجارة، ثم إن مات صاحب الأرض فللعامل القيام عليه وإن أبى ورثة صاحب الأرض، وإن مات العامل فلورثه القيام عليه وإن أبى صاحب الأرض، وإن ماتا فالخيار لورثة العامل، لقيامهم مقامه، وتمامه في الدرر (وتفسخ) المساقاة والمزارعة (بالأعذار) المارة في الإجارة (كما تفسخ الإجارة) قال في الهداية: ومن جملتها أن يكون العامل سارقا يخاف عليه سرقة السعف والثمر قبل الإدراك، لأنه يلزم صاحب الأرض ضرر لم يلتزمه، فيفسخ فيه، ومنها مرض العامل إذا كان يضعفه عن العمل، لأن في إلزامه استئجار الأجراء زيادة ضرر عليه ولم يلتزمه، فيجعل عذراً، وفيها: ومن دفع أرضاً بيضاء إلى رجل سنين معلومةً يغرس فيها شجراً على أن تكون الأرض والشجر بين رب الأرض والغارس نصفين لم يجز ذلك؛ لاشتراطه الشركة فيما كان حاصلا قبل الشركة لا بعمله، وجميع الثمر والغرس لرب الأرض، وللغارس قيمة غرسه وأجرة مثله فيما عمل. اه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 الجزء الثالث كتاب النكاح بسم الله الرحمن الرحيم - النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول، بلفظين يعبر بهما عن الماضي، أو يعبر بأحدهما عن الماضي وبالآخر عن المستقبل، مثل أن يقول زوجني فيقول زوجتك. ولا ينقعد نكاح المسلمين إلا بحضور شاهدين حرين بالغين عاقلين مسلمين أو رجلٍ وامرأتين، عدولاً كانوا أو غير عدولٍ، أو محدودين في قذفٍ،   كتاب النكاح (مناسبة النكاح للمسافاة أن المطلوب في كل منهما الثمرة) . (النكاح) لغة: الضم والجمع كما اختاره صاحب المحيط وتبعه صاحب الكافي وسائر المحققين كما في الدرر، وشرعا: عقد يفيده ملك المتعة قصداً. وهو (ينعقد بالإيجاب) من أحد المتعاقدين (والقبول) من الآخر (بلفظين يعبر بهما عن الماضي) مثل أن يقول: زوجتك، فيقول الآخر: تزوجت؛ لأن الصيغة وإن كانت للأخبار وضعاً فقد جعلت للإنشاء شرعا، دفعاً للحاجة (أو) بلفظين (يعبر بأحدهما عن الماضي و) يعبر (بالآخر عن المستقبل) وذلك (مثل أن يقول) الزوج للمخاطب: (زوجني) ابنتك، مثلا (فيقول: زوجتك) ، لأن هذا توكيل بالنكاح، والواحد يتولى طرفي النكاح على ما نبينه، هداية. (ولا ينعقد نكاح المسلمين) بصيغة المثنى (إلا بحضور شاهدين حرين بالغين عاقلين مسلمين) سامعين معاً قولهما فاهمين كلامهما على المذهب كما في البحر (أو رجل وامرأتين، عدولا كانوا) أي الشهود (أو غير عدول أو محدودين في قذف) أو أعمين أو ابني الزوجين أو ابني أحدهما، لأن كل منهم أهل للولاية ليكون أهلاً للشهادة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 فإن تزوج مسلمٌ ذمية بشهادة ذميين جاز عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمدٌ: لا يجوز. ولا يحل للرجل أن يتزوج بأمه، ولا بجداته من قبل الرجال والنساء، ولا ببنته، ولا ببنت ولده وإن سفلت، ولا بأخته، ولا ببنات أخته، ولا ببنات أخيه، ولا بعمته، ولا بخالته، ولا بأم امرأته دخل بابنتها أو لم يدخل، ولا ببنت امرأته التي دخل بها سواءٌ كانت في حجره أو في حجر غيره،   تحملا، وإنما الفائت ثمرة الأداء؛ فلا يبالي بفواته. (فإن تزوج مسلم ذمية بشهادة ذميين جاز عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ولن لا يثبت عند جحوده (وقال محمد: لا يجوز) أصلا، قال الإسبيجاني: الصحيح قولهما، ومشى عليه المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، كذا في التصحيح. (ولا يحل للرجل أن يتزوج بأمه، ولا بجداته) مطلقاً (من قبل الرجال والنساء) وإن علون (ولا ببنته، ولا ببنت ولده) مطلقاً (وإن سفلت، ولا بأخته) مطلقاً (ولا ببنات أخته) مطلقاً وإن سفلن (ولا ببنات أخيه) مطلقاً (ولا بعمته ولا بخالته) مطلقاً وإن سفلن (ولا بأم امرأته) وجدتها مطلقاً وإن علت (دخل ببنتها أو لم يدخل) لما تقرر أن وطء الأمهات يحرم البنات، ونكاح البنات يحرم الأمهات (ولا ببنت امرأته التي دخل بها) وإن سفلت (سواء كانت في حجره) أي عائلته (أو في حجر غيره) ، لأن ذكر الحجر خرج محرج العادة (الدليل على حرمة بنت الزوجة المدخول بها قوله تعالى في ذكر المحرمات: {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} . والربائب: جمع ربيبة، وهي بنت الزوجة، والحجور: جمع حجر، والمراد به هنا البيت. وظاهر هذه الآية الكريمة أنه سبحانه قد قيد تحريم الربيبة على زوج أمها بقيدين: أحدهما أن تكون الربيبة في حجر زوج الأم: أي في بيته وتربيته، وثانيهما أن يكون الرجل قد دخل بالأم، ويؤخذ من مفهوم هذين القيدين أن الربيبة لو كانت تعيش في غير بيت زوج أمها لم يحرم عليه تزوجها، وأن الرجل إذا لم يكن قد دخل بالمرأة لم تحرم عليه بنتها. ولكن هذا الظاهر غير مراد بشقيه جميعاً عند جمهرة علماء هذه الأمة، قالوا: إن قيد دخول الرجل بالمرأة معتبر، وهو شرط في التحريم، فلو لم يدخل بها لم تحرم عليه بنتها، وأما كون البنت في حجر زوج أمها فليس معتبراً، ولا هو شرط في التحريم، بل متى دخل الرجل بالمرأة حرمت عليه بنتها سواء أكانت تعيش معه في عائلته وتربيته أم كانت تعيش خارج عائلته، وذكر الحجور في الآية الكريمة خرج مخرج العادة؛ لأن العادة جارية بأن تكون البنات مع أمهاتهن في بيت أزواج الأمهات. وأظهر ما يدل على صحة هذا النظر أنه سبحانه حين أراد أن يبين متى تحل بنت الزوجة قال بعد ما تلونا: {فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} ولم يذكر مفهوم القيد الأول، فدل على أنه لم يخرج مخرج الشرط؛ إذ لو خرج مخرج الشرط وكان التحريم مقيداً به لقال: فإن لم يكن في حجوركم أو لم تكونوا قد دخلتم بأمهاتهن فلا جناح عليكم، وقد ذهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى أن الكون في حجر زوج الأم شرط في تحريم بنت الزوجة، وكان ابن مسعود يذهب هذا المذهب ثم رجع عنه إلى مذهب جمهور الصحابة. وما ذهب إليه علي رضي الله عنه مردود بما ذكرناه) لا مخرج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 ولا بامرأة أبيه وأجداده، ولا بامرأة ابنه وبني أولاده، ولا بأمه من الرضاعة، ولا بأخته من الرضاعة، ولا يجمع بين أختين بنكاحٍ ولا بملك يمين وطئا، ولا يجمع بين المرأة وبين عمتها وخالتها ولا ابنة أخيها ولا ابنة أختها،   الشرط. (ولا بامرأة أبيه) سواء دخل بها أو لا (وأجداده) مطلقاً وإن علون (ولا بامرأة ابنه وبني أولاده) مطلقاً وإن نزلن (ولا بأمه ومن الرضاعة) وكذا جميع من ذكر نسباً ومصاهرة، إلا ما استثنى، كما يأتي في بابه، وإنما خص الأم والأخت اقتداء بقوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم، وأخواتكم من الرضاعة} (ولا يجمع بين أختين) مطلقاً، سواء كانت حرتين أو أمتين أو مختلفتين (بنكاح ولا بملك يمين وطئاً) قيد به لأنه لا يحرم الجمع ملكاً، فإن تزوج أخت أمته الموطوءة صح النكاح، ولم يطأ واحدة منهما حتى يحرم الموطوءة على نفسه (ولا يجمع بين المرأة وعمتها ولا خالتها ولا ابنة أخيها ولا ابنة أختها) ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، ولا على ابنة أخيها، ولا على ابنة أختها) وهذا مشهور تجوز الزيادة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 ولا يجمع بين امرأتين لو كانت كل واحدةٍ منهما رجلاً لم يجز له أن يتزوج بالأخرى، ولا بأس أن يجمع بين امرأةٍ وابنة زوج كان لها من قبل. ومن زنى بامرأةٍ حرمت عليه أمها وابنتها. وإذا طلق الرجل امرأته طلاقاً بائناً لم يجز له أن يتزوج بأختها حتى تنقضي عدتها،   على الكتاب بمثله. هداية. (ولا يجمع بين امرأتين لو كانت) أي لو فرضت (كل واحدة منهما رجلا لم يجز له أن يتزوج بالأخرى) ، لأن الجمع بينهما يفضي إلى القطيعة، ثم فرع على مفهوم الأصل المذكور بقوله: (ولا بأس أن يجمع) الرجل (بين امرأة وابنة زوج كان لها من قبل) لأن امرأة الأب لو صورت ذكراً جاز له التزوج بهذه البنت. (ومن زنى بامرأة) أو مسها أو مسته أو نظر إلى فرجها أو نظرت إلى فرجه بشهوة (حرمت عليه أمها وابنتها) (وذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه إلى أن زنا الرجل بامرأة لا يحرم عليه أمها ولا بنتها ووجه ما ذهب إليه أن المصاهرة نعمة، لكونها تلحق الأجنبيات بالمحارم، وكل ما هو نعمة لا ينال بسبب محظور شرعا، والزنا من أكبر المحظورات، فلا تنال به هذه النعمة العظيمة، وعندنا تحرم أم المزني بها وبنتها على الزاني، وتحرم المزني بها على آباء الزاني وأبنائه) وإن بعدتا، وحرمت على أبيه وابنه وإن بعدا، وحد الشهوة في الشباب انتشار الآلة أو زيادته، وفي الشيخ والعنين ميل القلب أو زيادته، على ما حكى عن أصحابنا كما في المحيط، ثم الشهوة من أحدهما كافية إذا كان الآخر محل الشهوة كما في المضمرات. قهستاني. (إذا طلق الرجل امرأته طلاقاً بائناً لم يجز له أن يتزوج بأختها) ونحوها مما لا يجوز الجمع بينهما (حتى تنقضي عدتها) ؛ لبقاء أثر النكاح المانع من العقد، قيد بالبائن لأنه محل الخلاف، بخلاف الرجعي فإنه لا يرفع النكاح اتفاقاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 ولا يجوز أن يتزوج المولى أمته ولا المرأة عبدها. ويجوز تزوج الكتابيات، ولا يجوز تزوج المجوسيات ولا الوثنيات، ويجوز تزوج الصابئيات إذا كانوا يؤمنون بنبيٍ ويقرون بكتابٍ، وإن كانوا يعبدون الكواكب ولا كتاب لهم لم تجز مناكحتهم. ويجوز للمحرم والمحرمة أن يتزوجا في حال الإحرام.   (ولا يجوز أن يتزوج المولى أمته ولا المرأة عبدها) ؛ للإجماع على بطلانهما، نعم لو فعله المولى احتياطاً كان حسنا. (ويجوز تزوج الكتابيات) مطلقاً، إسرائيلية أولا، حرة أو أمة (ولا يجوز تزوج المجوسيات) عباد النار (ولا الوثنيات) عباد الأصنام؛ لأنه لا كتاب لهم، وقال صلى الله عليه وسلم في مجوس هجر: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم) (ويجوز تزوج الصابئيات إذا كانوا يؤمنون بنبي ويقرون بكتاب) ؛ لأنهم من أهل الكتاب (وإن كانوا يعبدون الكواكب ولا كتاب لهم لم تجز مناكحتهم) ؛ لأنهم مشركون، قال في الغاية: وهذا الذي ذكره هو الصحيح من المذهب، أما رواية الخلاف بين الإمام وصاحبيه فذاك بناء على اشتباه حال الصابئة؛ فوقع عند الإمام أنهم من أهل الكتاب يقرأون الزبور ولا يعبدون الكواكب، ولكنهم يعظمونها تعظيمنا للقبلة في الاستقبال إليها، ووقع عندهما أنهم يعبدون الكواكب ولا كتاب لهم فصاروا كعبدة الأوثان، ولا خلاف في الحقيقة بينهم؛ لأنهم إن كانوا كما قال الإمام يجوز مناكحتهم اتفاقاً، وإن كانوا كما قال فلا يجوز اتفاقاً، وحكم ذبائحهم على ذلك. اهـ. (ويجوز للمحرم والمحرمة) بالحج أو العمرة أو بهما (أن يتزوجا في حال الإحرام (المراد بالتزوج هنا العقد) . لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (تزوج ميمونة وهو محرم) وما روى من قوله صلى الله عليه وسلم (لا ينكح المحرم ولا ينكح) محمول على الوطء كما في الهداية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 وينعقد نكاح المرأة الحرة البالغة العاقلة برضاها وإن لم يعقد عليها وليٌ عند أبي حنيفة، بكراً كانت أو ثيباً. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا ينعقد إلا بوليٍ. ولا يجوز للولي إجبار البكر البالغة على النكاح، وإذا استأذنها فسكتت أو ضحكت فذلك إذنٌ منها،   (وينعقد نكاح) المرأة (الحرة البالغة العاقلة برضاها) فقط، سواء باشرته بنفسها أو وكلت غيرها (وإن لم يعقد عليها ولي) ولم يأذن به (عند أبي حنيفة: بكراً كانت أو ثيباً) ، لتصرفها في خالص حقها وهي من أهله، ولهذا كان لها التصرف في المال (وقالا: لا ينعقد) نكاح المرأة (إلا بولي) قال الإسبيجاني: وعن أبي يوسف أنه رجع إلى قول أبي حنيفة وهو الصحيح، وصرح في الهداية بأنه ظاهر الرواية، ثم قال: ويروى رجوع محمد إلى قولهما، واختاره المحبوبي والنسفي، اهـ تصحيح. وقال في الهداية: ثم في ظاهر الرواية لا فرق بين الكفء وغيره، لكن للولي الاعتراض في غير الكفء، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لا يجوز في غير الكفء، لأن كم من واقع لا يدفع. اهـ، وقال في المبسوط: روى الحسن عن أبي حنيفة إن كان الزوج كفئاً لها جاز النكاح، وإن لم يكن كفئاً لها لا يجوز النكاح. اهـ، وهذا قول مختار صاحب خلاصة الفتاوى، وقال: هكذا كان يفتي شمس الأئمة السرخسي، كذا في غاية البيان، وهو المختار للفتوى كما في الدر. (ولا يجوز للولي) مطلقا (إجبار البكر البالغة على النكاح) ؛ لانقطاع الولاية بالبلوغ (وإذا استأذنها) الولي الأقرب وهي تعلم الزوج (فسكتت أو ضحكت) غير مستهزئة (فذلك إذن منها) دلالة، لأنها تستحي من إظهار الرغبة، لا من إظهار الرد، والضحك أدل على الرضا من السكوت، لأنه يدل على الفرح والسرور. قيدنا الضحك بغير المستهزئة لأنها إذا ضحكت مستهزئة بما سمعت لا يكون رضاً، قال في الغاية: وذلك معروف بين الناس، فلا يقدح في ضحك الفرح. اهـ، وقيدنا الاستئذان بالولي وبالأقرب لأنه لو استأذنها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 وإن أبت لم يزوجها، وإذا استأذن الثيب فلا بد من رضاها بالقول، وإذا زالت بكارتها بوثبةٍ أو حيضةٍ أو جراحةٍ فهي في حكم الأبكار وإن زالت بزناً فهي كذلك عند أبي حنيفة، وإذا قال الزوج: بلغك النكاح فسكت، وقالت: بل رددت، فالقول قولها ولا يمين عليها، ولا يستحلف في النكاح عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يستحلف فيه.   أجنبي أو ولي غيره أولى منه لم يكن رضا حتى تتكلم كما في الهداية. وقيدنا بكونها تعلم الزوج لأنها لو لم تعلم الزوج لا يكون سكوتها رضا كما في الدرر، ولو زوجها فبلغها الخبر فهو على ما ذكرنا، لأن وجه الدلالة في السكوت لا يختلف، ثم المخبر إن كان فضوليا يشترط فيه العدد أو العدالة عند أبي حنيفة، خلافاً لهما، ولو كان رسولا لا يشترط بالإجماع. هداية. (وإن أبت لم يزوجها) : أي لم يجز له أن يزوجها؛ لعدم رضاها (وإذا استأذن) الولي ولو الأقرب (الثيب فلابد من رضاها بالقول) ؛ لأنها جربت الأمور ومارست الرجال؛ فلا مانع من النطق في حقها (وإذا زالت بكارتها بوثبةٍ) أي نطة (أو حيضة) قوية (أو) حصول (جراحة) أو تعنيس (فهي في حكم الأبكار) في أن سكوتها رضاً، لأنها بكر حقيقة (وإن زالت) بكارتها (بزناً فهي كذلك) أي في حكم الأبكار (عند أبي حنيفة) فيكتفي بسكوتها، لأن الناس يعرفونها. بكرا فيعيبونها بالنطق فتمتنع عنه كيلا تتعطل عليها مصالحها، وقالا: لا يكتفي بسكوتها؛ لأنها ثيب حقيقة، قال الإسبيجاني: والصحيح قول الإمام، واعتمده النسفي والمحبوبي، قال في الحقائق: والخلاف فيما إذا لم يصر الفجور عادة لها، ولم يقم عليها الحد، حتى إذا اعتادت ذلك أو أقيم عليها الحد يشترط نطقها بالاتفاق، وهو الصحيح. اهـ، تصحيح (وإذا قال الزوج) للمرأة البكر (بلغك النكاح فسكت، وقالت) المرأة (بل رددت، فالقول قولها) ؛ لإنكارها لزوم العقد، خلافاً لزفر (ولا يمين عليها، ولا يستحلف في النكاح عند أبي حنيفة، وقالا: يستحلف فيه) قال في الحقائق: والفتوى على قولهما، لعموم البلوى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 وينعقد النكاح بلفظ النكاح والتزويج والتمليك والهبة والصدقة، ولا ينعقد بلفظ الإجارة والإباحة. ويجوز نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولي، بكراً كانت الصغيرة أو ثيباً، والولي هو العصبة، فإن زوجهما الأب أو الجد فلا خيار لهما بعد بلوغهما، وإن زوجهما غير الأب والجد فلكل واحدٍ منهما الخيار إذا بلغ: إن شاء أقام على النكاح، وإن شاء فسخ.   كما في التتمة وفتاوى قاضيخان. اهـ. (وينعقد النكاح بلفظ النكاح والتزويج) من غير نيةٍ ولا دلالة حال، لأنهما صريحان فيه، وما عداهما كناية، وهو: كل لفظ وضع لتمليك العين في الحال (و) ذلك كلفظ (التمليك، والهبة، والصدقة) والبيع، والشراء، فيشترط النية أو قرينة، وقال في التتار خانية: إن كل لفظ موضوع لتمليك العين ينعقد به النكاح إن ذكر المهر، وإلا فبالنية. اهـ. (ولا ينعقد) النكاح (بلفظ الإجارة، و) لا بلفظ (الإباحة) والإعارة؛ لأنها ليست لتمليك العين، ولا بلفظ الوصية؛ لأنها توجب الملك مضافاً إلى ما بعد الموت، هداية. (ويجوز نكاح الصغير والصغيرة) جبراً (إذا زوجهما الولي) الآتي ذكره (بكراً كانت الصغيرة أو ثيباً) ؛ لوجود شرط الولاية، وهو العجز بالصغر. (والولي) في النكاح (هو العصبة) بنفسه على ترتيب الإرث والحجب؛ فيقدم ابن المجنونة على أبيها لأنه يحجبه حجب نقصان (فإن زوجهما) أي الصغير والصغيرة (الأب أو الجد فلا خيار لهما بعد بلوغهما) ولو كان بغبن فاحش أو من غير كفء، إن لم يعرف منهما سوء الاختيار؛ لأنهما كاملا الرأي وافرا الشفقة فيلزم بمباشرتهما، كما إذا باشرها برضاها بعد البلوغ (وإن زوجهما غير الأب والجد) من كفء وبمهر المثل (فلكل واحد منهما الخيار إذا بلغ) ولو بعد الدخول: (إن شاء أقام على النكاح، وإن شاء فسخ) ؛ لأن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 ولا ولاية لعبدٍ، ولا صغيرٍ، ولا مجنونٍ، ولا كافرٍ على مسلمةٍ. وقال أبو حنيفة: يجوز لغير العصبات من الأقارب التزويج. ومن لا ولي لهما إذا زوجها مولاها الذي أعتقها جاز،   ولاية غيرهما قاصرة لقصور شفقته، فربما يتطرق خلل؛ فيتدارك بخيار الإدراك، قال في الهداية: وإطلاق الجواب في غير الأب والجد يتناول الأم والقاضي، وهو الصحيح من الرواية؛ لقصور الرأي في أحدهما ونقصان الشفقة في الآخر. انتهى. قيدنا بالكفء ومهر المثل لأنه لو كان في غير كفء أو بغبن فاحش لا يصح أصلا كما في التنوير وغيره. (ولا ولاية لعبد، ولا صغير، ولا مجنون) ؛ لعدم ولايتهم على أنفسهم، فبالأولى أن تثبت على غيرهم (ولا كافر على مسلمة) ولا مسلم على كافرة، إلا أن يكون سيداً أو سلطانا، وللكافر ولاية على مثله اتفاقا (وقال أبو حنيفة: يجوز لغير العصبات من الأقارب) كالأم والجدة والأخت والعمة والخال والخالة وغيرهم من ذوي الأرحام (التزويج) قال في الهداية: معناه عند عدم العصبات، وهذا استحسان، وقال محمد: لا يثبت، وهو القياس، وهو رواية عن أبي حنيفة. وقول أبي يوسف في ذلك مضطرب، والأشهر أنه محمد، قلت: قال في الكافي: الجمهور على أن أبا يوسف مع أبي حنيفة، وقال في التبيين: وأبو يوسف مع أبي حنيفة في أكثر الروايات، وعلى الاستحسان مشى المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة، اهـ تصحيح. (ومن لا ولى لها) عصبة من جهة النسب (إذا زوجها مولاها الذي أعتقها جاز) ، لأنه عصبة من جهة السبب، وهو آخر العصبات، وإذا عدم الأولياء فالولاية للإمام؛ لأنه ولي من لا ولي له الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 وإذا غاب الولي الأقرب غيبةً منقطعةً جاز لمن هو أبعد منه أن يزوج، والغيبة المنقطعة: أن يكون في بلدٍ لا تصل إليه القوافل في السنة إلا مرةً واحدةً. والكفاءة في النكاح معتبرةٌ، فإذا تزوجت المرأة غير كفء فللأولياء أن يفرقوا بينهما.   (وإذا غاب الولي الأقرب غيبة منقطعة جاز لمن هو أبعد منه أن يزوج) ؛ لأن هذه ولاية نظرية، وليس من النظر التفويض إلى من لا ينتفع برأيه ففوضنا إلى الأبعد وهو مقدم على السلطان، كما إذا مات الأقرب، ولو زوجها حيث هو نفذ، فأيهما عقد أولا نفذ، لأنهما بمنزلة وليين متساويين (والغيبة المنقطعة: أن يكون) الولي (في بلد لا تصل إليه القوافل في السنة إلا مرة واحدة) قال في التصحيح: ذكره في الينابيع عن أبي شجاع وصححه، وقال الإسبيجاني: ومنهم من قدره بمدة سفر، وهو الذي عليه الفتوى وفي الصغرى ذكر الفضلى أنه يفتي بالشهور، والصحيح بثلاثة أيام، وفي الهداية: وهو اختيار بعض المتأخرين، وفي التبيين: أكثرلا المتأخرين، منهم القاضي أبو علي النسفي، وسعد بن معاذ المروزي، ومحمد بن مقاتل الرازي، وأبو علي السعدي، وأبو اليسر البزدوي، والصدر الشهيد، وتبعهم النسفي، وقيل: إن كان بحال يفوت الكفء الخاطب باستطلاع رأيه، وهذا أقرب إلى الفقه، ونسب هذا في الينابيع لمحمد بن الفضل، قال: قيل: هو أقرب للصواب، وقال السرخسي في المبسوط: وهو الأصح، قال الإمام المحبوبي: وعليه الأكثر، وصدر به صدر الشريعة، قلت: وهذا أصح من تصحيح الينابيع. اهـ. (والكفاءة في النكاح معتبرة) من جانب الرجل، لأن الشريفة تأبى أن تكون مستفرشة للخسيس، فلابد من اعتبارها، بخلاف جانب المرأة، لأن الزوج مستفرش فلا يغيظه دناءة الفراش (فإذا تزوجت المرأة غير كفء) لها (فللأولياء) وهم هنا العصبة كما في التصحيح عن الخلاصة (أن يفرقوا بينهما) دفعاً لضرر العار عن أنفسهم، قال في التصحيح: وهذا مالم تلد، وهذا على ظاهر الرواية، وعلى ما اختاره السرخسي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 والكفاءة تعتبر في النسب والدين والمال، وهو: أن يكون مالكاً للمهر والنفقة، وتعتبر في الصنائع،   لا يصح العقد أصلا، قال الإسبيجاني: وإذا زوجها أحد الأولياء من غير كفء لم يكن للباقين حق الاعتراض عند أبي حنيفة، وقالا: لهم ذلك، والصحيح قول أبي حنيفة اهـ. (والكفاءة تعتبر في النسب) ، لوقوع التفاخر به، فقريش بعضهم أكفاء لبعض، وبقية العرب بعضهم أكفاء لبعض، وليسوا بأكفاء لقريش، والعجم ليسوا بأكفاء للعرب، وهم أكفاء لبعضهم، والمعتبر فيهم الحرية والإسلام: فمسلم بنفسه أو معتق ليس بكفء لمن أبوها مسلم أو حر، ومن أبوه مسلم أو حر غير كفء لذات أبوين، وأبوان فيهما كالآباء لتمام النسب بالجد (و) يعتبر أيضاً في (الدين) فليس الفاسق بكفء للصالحة أو بنت الصالح، قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وهو الصحيح، لأنه من أعلى المفاخر، والمرأة تعير بفسق الزوج فوق ما تعير بضعة نسبه. اهـ تصحيح (و) تعتبر أيضاً في (المال، وهو: أن يكون مالكا للمهر والنفقة) قال في الهداية: وهذا هو المعتبر في ظاهر الرواية، والمراد من المهر قدر ما تعارفوا تعجيله، وعن أبي حنيفة أنه اعتبر القدرة على النفقة دون المهر، وأما الكفاءة في الغنى فمعتبرة في قول أبي حنيفة ومحمد، قلت: وهذا خلاف ظاهر الرواية، قال الإمام المحبوبي: والقادر عليهما كفء لذات أموال عظيمة وهو الصحيح، اهـ تصحيح (وتعتبر) الكفاءة أيضاً (في الصنائع) قال في الهداية: وهذا عند أبي يوسف ومحمد، وعن أبي حنيفة روايتان، وعن أبي يوسف: لا يعتبر إلا أن يفحش كالحجام والحائك، وقال الزاهدي: وعن أبي يوسف وأظهر الروايتين عن أبي حنيفة لا يعتبر إلا أن يفحش؛ وذكر في شرح الطحاوي أن أرباب الصناعات المتقاربة أكفاء؛ بخلاف المتباعدة؛ وهذا مختار المحبوبي، قال: وحرفة حائك أو حجام أو كناس أو دباغ ليست بكفء لعطار أو بزاز أو صراف، وبه يفتي، اهـ تصحيح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 وإذا تزوجت المرأة ونقصت من مهرها فللأولياء الاعتراض عليها عند أبي حنيفة حتى يتم لها مهر مثلها أو يفارقها. وإذا زوج الأب ابنته الصغيرة ونقص من مهرها أو ابنه الصغير وزاد في مهر امرأته جاز ذلك عليهما، ولا يجوز ذلك لغير الأب والجد. ويصح النكاح إذا سمى فيه مهراً، ويصح وإن لم يسم فيه مهراً. وأقل المهر عشرة دراهم، فإن سمى أقل من عشرةٍ فلها العشرة،   (وإذاتزوجت المرأة) من كفء (ونقصت من مهرها) أي مهر مثلها (فللأولياء الاعتراض عليها عند أبي حنيفة حتى يتم) الزوج (لها مهر مثلها أو يفارقها) وقالا: ليس لهم ذلك، ورجح دليله، واعتمد الأئمة المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، تصحيح. (وإذا زوج الأب) أو الجد عند فقد الأب (ابنته الصغيرة ونقص من مهرها أو ابنه الصغير وزاد في مهر امرأته) أي من مهر أمثالها (جاز ذلك عليهما) ، لأن الأب كامل الرأي والشفقة، فالظاهر أنه لم يحط من مهر ولم يزد إلا لمنفعة تربو على ذلك، وكذلك الجد، قال الإسبيجاني: وهذا قول أبي حنيفة، وقالا: لا يجوز، والصحيح قول الإمام، واختاره المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم، اهـ تصحيح (ولا يجوز ذلك) العقد (لغير الأب والجد) أب الأب لنقصان الشفقة في غيرهما، فولايتهم مقيدة بشرط النظر، فعند فواته يبطل العقد. (ويصح النكاح إذا سمى فيه مهراً) ويلزم المسمى إذا كان عشرة فأكثر، (ويصح) النكاح أيضاً (وإن لم يسم فيه مهراً) ، لأنه واجب شرعاً إظهار لشرف المحل، فلا يحتاج إلى ذكره في صحة النكاح؛ وكذا بشرط أن لا مهر لها؛ لما بينا هداية. (وأقل المهر عشرة دراهم) وزن سبعة مثاقيل؛ سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة، أو ما قيمته عشرة دراهم يوم العقد (فإن سمى أقل من عشرة فلها العشرة) بالوطء، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 ومن سمى مهراً عشرةً فما زاد فعليه المسمى إن دخل بها أو مات عنها، وإن طلقها قبل الدخول والخلوة فلها نصف المسمى، وإن تزوجها ولم يسم لها مهراً أو تزوجها على أن لا مهر لها فلها مهر مثلها إن دخل بها أو مات عنها، وإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة وهي ثلاثة أثوابٍ من كسوة مثلها،   أو الموت، وخمسة بالطلاق قبل الدخول. (ومن سمى مهراً عشرة فما زاد) أي فأكثر (فعليه المسمى إن دخل) أو خلا (بها) خلوة صحيحة (أو مات عنها) أو ماتت عنه لأنه بالدخول يتحقق تسليم المبدل، وبه يتأكد البدل، وبالموت ينتهي النكاح والشيء بانتهائه يتأكد ويتقرر بجميع مواجبه (وإن طلقها قبل الدخول والخلوة فلها نصف المسمى) إن كان المسمى عشرة فأكثر، وإلا كان لها خمسة كما مر (فإن تزوجها ولم يسم لها مهراً) أي سكت عن ذكر المهر (أو تزوجها على أن لا مهر لها) أي بشرط أن لا مهر لها وهي مسألة المفوضة (فلها مهر مثلها إن دخل) أو خلا (بها أو مات عنها) أو ماتت عنه كما مر، لأن المهر ابتداءً حق الشرع، فلا تملك نفيه، وإنما يصير حقها حالة البقاء، فتملك الإبراء عنه (وإن طلقها قبل الدخول) والخلوة (بها فلها المتعة وهي ثلاثة أثواب) درع وخمار وملحفة (من كسوة مثلها) لكن لا تزيد على نصف مهر مثلها ولا تنقص عن خمسة دراهم، قال في الينابيع: وهي على اعتبار حال المرأة في اليسار والإعسار، هذا هو الأصح، وقال في الهداية: قوله " من كسوة مثلها" أشار إلى أنه يعتبر حالها، وهو قول الكرخي في المتعة الواجبة، لقيامها مقام مهر المثل، والصحيح أنه يعتبر حاله، عملا بالنص، وهو قوله تعالى: {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} ومثله في التحفة والمجتبي، قلت: تصحيح الينابيع أولى، لإشارة الكتاب، ولاتفاقهم على أن المتعة لا تزاد على نصف مهر المثل، لأنها خلفه، ولا تنقص عن خمسة دراهم، ولو اعتبر حاله لناقض هذا، والنص الذي ذكره في المتعة قيل: إنه في المستحبة، لظواهر النصوص، وتمامه في التصحيح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 وإن تزوج المسلم على خمرٍ أو خنزيرٍ فالنكاح جائز ولها مهر مثلها. وإن تزوجها ولم يسم لها مهراً ثم تراضيا على تسمية مهرٍ فهو لها إن دخل بها أو مات عنها، وإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة. وإن زادها في المهر بعد العقد لزمته الزيادة، وتسقط بالطلاق قبل الدخول، وإن حطت عنه من مهرها صح الحط، وإذا خلا الزوج بامرأته وليس هناك مانعٌ من الوطء ثم طلقها فلها كمال المهر، وإن كان   (وإن تزوج المسلم على خمر أو خنزير فالنكاح جائز) لما مر أنه سصح من غير تسميو، فمع فسادها أولى (ولها مهر مثلها) ؛ لأنه لما سمى ماليس بمالٍ صار كأنه سكت عن التسمية. (وإن تزوجها ولم يسم لها مهراً ثم تراضيا على تسمية مهر) بعد العقد، أو فرضها القاضي (فهو لها إن دخل بها أو مات عنها) ؛ لصحة التسمية باتفاقهما على تعيين ما وجب بالعقد؛ فتستقر بهذه الأشياء (وإن طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة) ؛ لأن ما تراضيا عليه تعين للواجب بالعقد، وهو مهر المثل، ومهر المثل لا يتنصف؛ فكذا ما نزل منزلته (وإن زادها في المهر بعد العقد) وقبلت المرأة (لزمته الزيادة) لتراضيهما (وتسقط) الزيادة (بالطلاق قبل الدخول) ؛ لأنها لم تكن مسماة في أصل العقد والتنصيف مختص بالمفروض في العقد، وقال أبو يوسف: تتنصف مع الأصل؛ لأنها تلتحق بأصل العقد. (وإن حطت) المرأة (عنه) أي الزوج (من مهرها) المسمى في العقد ولو كله (صح الحط) ؛ لأنه حقا بقاء كما مر، سواء قبل الزوج أو لا، ويرتد بالرد كما في البحر. (وإذا خلا الزوج بامرأته وليس هناك مانع من الوطء) حسي أو شرعي (ثم طلقها فلها كمال المهر) ؛ لأنها سلمت المبدل حيث رفعت الموانع، وذلك وسعها؛ فيتأكد حقها في البدل، اعتباراً بالبيع، هداية (وإن كان) مانع حسي: بأن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 أحدهما مريضاً أو صائماً في رمضان أو محرماً بفرضٍ أو نفلٍ بحجٍ أو عمرةٍ أو كانت حائضاً فليست بخلوةٍ صحيحةٍ، وإذا خلا المجبوب بامرأته ثم طلقها فلها كمال المهر عند أبي حنيفة. وتستحب المتعة لكل مطلقةٍ إلا لمطلقةٍ واحدةٍ، وهي: التي طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهراً،   كان (أحدهما مريضاً) مرضاً يمنع الوطء، أو صغيراً لا يمكن معه الجماع، أو كان بينهما ثالث ولو نائما أو أعمى، إلا أن يكون صغيراً لا يعقل الجماع، أو كانت رتقاء، أو قرناء أو ذات عضلة (أو) كان مانع شرعي: بأن كان أحدهما (صائما في رمضان) خرج صوم غيره، وهذا هو الأصح، نص عليه في زاد الفقهاء والينابيع والهداية. تصحيح (أو محرما بفرض أو نفل بحج أو عمرة) ؛ لما يلزمه من الدم وفساد النسك والقضاء (أو كانت حائضا فليست بخلوة صحيحة) ؛ لوجود أحد الموانع المذكورة (وإذا خلا المجبوب) وهو الذي استؤصل ذكره وخصيتاه (بامرأته ثم طلقها) من غير مانع (فلها كمال المهر عند أبي حنيفة) ؛ لأنها أتت بأقصى ما في وسعها، وليس في هذا العقد تسليم يرجى أكمل من هذا؛ فكان هو المستحق، وقالا: لها نصف المهر؛ لأن عذره فوق عذر المريض، قال في التصحيح: والصحيح قوله، ومشى عليه المحبوبي والنسفي وغيرهما. اهـ قيد بالمجبوب لأن خلوة الخصي والعنين توجب كمال المهر اتفاقا. (وتستحب المتعة لكل مطلقة) دفعاً لوحشة الفراق عنها (إلا لمطلقة واحدة، وهي: التي طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهراً) وهي المفوضة؛ فإن متعتها واجبة؛ لأنها بدل عن نصف مهر المثل كما مر، وفي بعض النسخ "وقد سمى لها مهراً" قال في التصحيح: هكذا وجد في كثير من النسخ، ويتكلف في الجواب عنه، وقال نجم الأئمة: المكتوب في النسخ " ولم يسم لها مهراً" قال في الدراية: ضبطه كذلك غير واحد، وقد صححه ركن الأئمة الصباغي في شرحه لهذا الكتاب، وكتب فوقه وتحته وقدامه " صح" ثلاث مرات، وأشار إلى أن هذا من النساخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 وإذا زوج الرجل ابنته على أن يزوجه الرجل أخته أو ابنته ليكون أحد العقدين عوضاً عن الآخر فالعقدان جائزان، ولكل واحدةٍ منهما مهر مثلها. وإن تزوج حرٌ امرأةً على خدمته سنة أو على تعليم القرآن فلها مهر مثلها، وإن تزوج عبدٌ حرةً بإذن مولاه على خدمتها سنةً جاز،   وقال في الينابيع: المذكور في الكتاب غلط من الناسخ، وقد زعم صحة هذه النسخة شيخ الإسلام ركن الأئمة الدامغاني ونجم الأئمة الحفصي؛ فكتب إليهما أبو الرجاء " إن هذه خلاف المذكورة في التفسير والأصول والشروح؛ فإنه ذكر في الكشاف وتفسير الحاكم وغيرهما أن المتعة مستحبة للتي طلقها قبل الدخول، وقد سمى لها مهرا، وذكر في الأصل والإسبيجاني في موضعين وزاد الفقهاء وغيرها أنها يستحب لها المتعة، فلا يصح استثناؤها من الاستحباب، بخلاف المفوضة فإنها مستثناة من الاستحباب بالوجوب" فاستصوبا ذلك، واتفقوا على أن المستثناة هي التي طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهراً. اهـ. (وإذا زوج الرجل ابنته) أو أخته (على أن يزوجه الرجل) الآخر (أخته أو ابنته؛ ليكون) أي على أن يكون (أحد العقدين عوضاً عن) العقد (الآخر فالعقدان جائزان) ؛ لأن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد، (لكل واحدة منهما مهر مثلها) ؛ لفساد التسمية بما لا يصلح صداقا، كما إذا سمى الخمر والخنزير ويسمى هذا نكاح الشغار، لخلوه عن المهر. (وإذا تزوج حر امرأة) حرة أو أمة (على خدمته) لها (سنة) مثلا (أو على تعليم القرآن فلها مهر مثلها) ؛ لعدم صحة التسمية بما ليس بمال، ولأن خدمة الزوج الحر لا يجوز استحقاقها بعقد النكاح؛ لما فيه من قلب الموضوع (وإن تزوج عبد حرة بإذن مولاه على خدمتها سنة) مثلا (جاز) ؛ لأن خدمة العبد مال، لتضمنه تسليم رقبته، بخلاف الحر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 وإذا اجتمع في المجنونة أبوها وابنها فالولي في نكاحها ابنها عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمدٌ: أبوها. ولا يجوز نكاح العبد والأمة إلا بإذن مولاهما، وإذا تزوج العبد بإذن مولاه فالمهر دينٌ في رقبته يباع فيه، وإذا زوج المولى أمته فليس عليه أن يبوئها بيت الزوج، ولكنها تخدم المولى، ويقال للزوج: متى ظفرت بها وطئتها. وإذا تزوج امرأةً على ألف على أن لا يخرجها من البلد، أو على أن لا يتزوج عليها، فإن وفى بالشرط فلها المسمى، وإن تزوج عليها   (وإذا اجتمع في المجنونة أبوها وابنها فالولي في نكاحها ابنها عند أبي حنيفة وأبي يوسف) لأنه هو المقدم في العصوبة، وهذه الولاية مبنية عليها (وقال محمد: أبوها) ؛ لأنه أوفر شفقة من الابن، قال في التصحيح: واعتمد قولهما المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة. اهـ. (ولا يجوز نكاح العبد والأمة إلا بإذن مولاهما) لأن في تنفيذ نكاحهما نعيبهما؛ إذا النكاح عيب فيهما، فلا يملكانه بدون إذن المولى (وإذا تزوج العبد بإذن مولاه فالمهر دين في رقبته يباع فيه) : أي المهر، مرة واحدة، فإن لم يف به لم يبع ثانياً، وإنما يطالب به بعد العتق (وإذا زوج المولى أمته فليس عليه أن يبوئها بيت الزوج) أي يخلى بينه وبينها في بيته، وإن شرطه في العقد (ولكنها تخدم المولى، ويقال للزوج: متى ظفرت بها وطئتها) ولكن لا نفقة لها إلا بها، فإن بوأها ثم رجع صح وسقطت النفقة. (وإذا تزوج امرأة على ألف درهم على) : أي بشرط (أن لا يخرجها من البلد، أو على أن لا يتزوج عليها) أو على ألف إن أقام بها وعلى ألفين إن أخرجها (فإن وفى بالشرط فلها المسمى) وهو الألف؛ لرضاها به (وإن) لم يف بالشرط: بأن (تزوج عليها) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 أو أخرجها من البلد فلها مهر مثلها. وإذا تزوجها على حيوانٍ غير موصوفٍ صحت التسمية، ولها الوسط منه، والزوج مخيرٌ: إن شاء أعطاها ذلك، وإن شاء أعطاها قيمته. ولو تزوجها على ثوبٍ غير موصوفٍ فلها مهر مثلها. ونكاح المتعة والنكاح المؤقت باطلٌ،   أخرى. (أو أخرجها من البلد فلها مهر مثلها) ؛ لأنه سمى مالها فيه نفع، فعند فواته ينعدم رضاها بالألف، لكن لا ينقص عن الألف، ولا يزاد على ألفين في المسألة التي زدناها على المتن؛ لاتفاقهما على ذلك، ولو طلقها قبل الدخول تنصف المسمى في المسألتين، لسقوط الشرط، كما في الدر. (وإذا تزوجها على حيوان غير موصوف) قال في الهداية: معنى هذه المسألة أن يسمي جنس الحيوان، دون الوصف: بأن يتزوجها على فرس، أو حمار، أما إذا لم يسم الجنس: بأن تزوجها على دابة - لا تجوز التسمية، ويجب مهر المثل. اهـ. (صحت التسمية، ولها الوسط منه) أي من الجنس المسمى (والزوج مخير: إن شاء أعطاها ذلك) الوسط (وإن شاء أعطاها قيمته) ؛ لأن الوسط لا يعرف إلا بالقيمة، فصارت القيمة أصلا في حق الإيفاء، والوسط أصلٌ تسميةً؛ فيتخير بينهما، هداية. (ولو تزوجها على ثوب غير موصوف فلها مهر مثلها) قال في الهداية: معناه ذكر الثوب، ولم يزد عليه، ووجهه أن هذه جهالة الجنس؛ إذ الثياب أجناس، ولو سمى جنساً بأن قال "هروى" تصح التسمية، ويخير الزوج؛ لما بينا، وكذا إذا سمى مكيلا أو موزوناً وسمى جنسه دون صفته، وإن سمى جنسه وصفته لا يخير؛ لأن الموصوف منها ثبت في الذمة ثبوتا صحيحا، اهـ. (ونكاح المتعة) وهو أن يقول لامرأة: أتمتع بك كذا مدة بكذا من المال (و) النكاح (المؤقت) وهو: أن يتزوج امرأة عشرة أيام مثلا (باطل) أما الأول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 وتزويج العبد والأمة بغير إذن مولاهما موقوفٌ: فإن أجازه المولى جاز، وإن رده بطل، وكذلك لو زوج رجلٌ امرأةً بغير رضاها أو رجلاً بغير رضاه. ويجوز لابن العم أن يزوج بنت عمه من نفسه، وإذا أذنت المرأة لرجلٍ أن يزوجها من نفسه فعقد بحضرة شاهدين جاز.   فبالإجماع، وأما الثاني فقال زفر: هو صحيح لازم؛ لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة، ولنا أنه أتى بمعنى المتعة، والعبرة في العقود للمعاني، ولا فرق بين ما إذا طالت مدة التوقيت أو قصرت؛ لأن التوقيت هو المعين لجهة المتعة وقد وجد، هداية. (يتبع ... ) (وتزويج العبد والأمة) أي تزويج الفضولي لهما (بغير إذن مولاهما موقوف) على إجازته (فإن أجازه المولى جاز) العقد (وإن رده بطل) وليس هذا بتكرار لقوله " ولا يجوز نكاح العبد والأمة إلا بإذن مولاهما" المار؛ لأن ذاك فيما إذا باشرا العقد بأنفسهما، وهنا بمباشرة الفضولي؛ كما يدل لذلك قوله (وكذلك) : أي يكون التزويج موقوفاً على رضا الأصيل (لو زوج رجل) فضولي (امرأة بغير رضاها) أي إذنها (أو) زوج (رجلا بغير رضاه) ؛ لأنه تصرف في حق الغير، فلا ينفذ إلا برضاه، وقد مر في البيوع توقف عقوده كلها إن كان لها مجيز وقت العقد وإلا تبطل. (ويجوز لابن العم أن يزوج بنت عمه) الصغيرة (من نفسه) إذا كانت الولاية له، فيكون أصيلا من جانب وليا من آخر، وكذا لو كانت كبيرة وأذنت له أن يزوجها من نفسه (وإذا أذنت المرأة لرجل أن يزوجها من نفسه) أو ممن يتولى تزويجه أو ممن وكله أن يزوجه منها (فعقد) الرجل عقدها حسبما أذنت له (بحضرة شاهدين جاز) العقد، ويكون وكيلا من جانب وأصيلا أوولياً أو وكيلا من آخر، وقد يكون وليا من الجانبين: كأن يزوج بنته من ابن أخيه، قال في الهداية: إذا تولى طرفيه فقوله "زوجت" يتضمن الشطرين، ولا يحتاج إلى القبول. اه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 وإذا ضمن الولي المهر صح ضمانه، وللمرأة الخيار في مطالبة زوجها أو وليها. وإذا فرق القاضي بين الزوجين في النكاح الفاسد قبل الدخول فلا مهر لها، وكذلك بعد الخلوة، وإن دخل بها فلها مهر مثلها لا يزاد على المسمى، وعليها العدة، ويثبت نسب ولدها. ومهر مثلها يعتبر بأخواتها وعماتها وبنات عمها،   (وإذا ضمن الولي) : أي ولي الزوجة، وكذا وكيها (المهر) لها (صح ضمانه) لأنه من أهل الالتزام، والولي والوكيل في النكاح سفير ومعبر، ولذا ترجع حقوقه إلى الأصيل (وللمرأة الخيار في مطالبة زوجها أو وليها) اعتباراً بسائر الكفالات، ويرجع الولي إذا أدى على الزوج إن كان بأمره كما هو الرسم في الكفالة، هداية. (وإذا فرق القاضي بين الزوجين في النكاح الفاسد) وهو: الذي فقد شرطاً من شروط الصحة كعدم الشهود، وكان التفريق (قبل الدخول) بها فلا مهر لها) ؛ لأن النكاح الفاسد لا حكم له قبل الدخول (وكذلك بعد الخلوة) ؛ لفسادها بفساد النكاح؛ لأن الخلوة فيه لا يثبت بها التمكين فلا يقام مقام الوطء (وإن دخل بها فلها مهر مثلها) ؛ لأن الوطء في دار الإسلام؛ فلا يخلو عن عقر - بالفتح - أي حد زاجر، أو عقر - بالضم - أي مهر جابر، وقد سقط الحد بشبهة العقد، فيجب مهر المثل، ولكن (لا يزاد على المسمى) لرضاها به (وعليها العدة) إلحاقاً للشبهة بالحقيقة في موضع الاحتياط، وتحرزاً عن اشتباه النسب، ويعتبر ابتداؤها من وقت التفريق لا من آخر الوطآت، وهو الصحيح؛ لأنها تجب باعتبار شبهة النكاح ورفعها بالتفريق. هداية (ويثبت نسب ولدها منه) ؛ لأن النسب يحتاط في إثباته صيانة للولد عن الضياع، قال في الهداية: وتعتبر مدة النسب من وقت الدخول عند محمد، وعليه الفتوى، اهـ ومثله قاضيخان. (ومهر مثلها يعتبر بأخواتها وعماتها وبنات عمها) ، لأنهم قوم أبيها، والإنسان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 ولا يعتبر بأمها وخالتها إذا لم يكونا من قبيلتها، ويعتبر في مهر المثل: أن تتساوى المرأتان في السن، والجمال، والعفة، والمال، والعقل، والدين، والبلد، والعصر. ويجوز تزويج الأمة مسلمةً كانت أو كتابيةً، ولا يجوز أن يتزوج أمةً على حرة، ويجوز تزويج الحرة عليها. وللحر أن يتزوج أربعاً من الحرائر والإماء، وليس له أن يتزوج أكثر من ذلك، ولا يتزوج العبد أكثر من اثنتين، فإن طلق الحر إحدى الأربع طلاقاً بائناً لم يجز له أن يتزوج رابعةً حتى تنقضي عدتها.   من جنس قوم أبيه. (ولا يعتبر بأمها وخالتها إذا لم يكونا من قبيلتها) ، لأن المهر يختلف بشرف النسب، والنسب يعتبر من جانب الأب، فإن كانت الأم من قوم الأب بأن كانت بنت عمه اعتبر بمهرها، لأنها من قوم أبيها (ويعتبر في مهر المثل: أن تتساوى المرأتان في السن والجمال والعفة والمال والعقل والدين والبلد والعصر) وبكارة وثيوبة، وعلماً، وأدباً، وحسن خلق؛ لأن مهر المثل يختلف باختلاف هذه الأوصاف، وهذا في الحرة، وأما الأمة فبقدر الرغبة فيها كما في الفتح (ويجوز) للحر (تزويج الأمة) الرقيقة (مسلمة كانت أو كتابية) ولو مع طول الحرة (ولا يجوز أن يتزوج أمةً على حرة) ولو برضاها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح الأمة على الحرة) هداية، وكذا في عدتها، ولو من بائن (ويجوز تزويج الحرة عليها) : أي الأمة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (وتنكح الحرة على الأمة) ، ولأنها من المحللات في جميع الحالات، هداية. (وللحر أن يتزوج أربعاً من الحرائر والإماء، وليس له أن يتزوج أكثر من ذلك) وله التسري بما شاء من الإماء (ولا يتزوج العبد أكثر من اثنتين) مطلقاً، لأن الرق منصف، ويمتنع عليه التسري، لأنه لا يملك (فإن طلق الحر إحدى الأربع) ولو (طلاقاً بائناً لم يجز له أن يتزوج رابعة حتى تنقضي عدتها) ؛ لأن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 وإذا زوج الأمة مولاها ثم أعتقت فلها الخيار، حراً كان زوجها أو عبداً، وكذلك المكاتبة. وإن تزوجت أمةٌ بغير إذن مولاها ثم أعتقت صح النكاح ولا خيار لها ومن تزوج امرأتين في عقدٍ واحدٍ إحداهما لا يحل له نكاحها صح نكاح التي يحل له نكاحها وبطل نكاح الأخرى. وإن كان بالزوجة عيبٌ فلا خيار لزوجها، وإذا كان بالزوج جنونٌ أو جذامٌ أو برصٌ فلا خيار   نكاحها باقٍ من وجه ببقاء بعض الأحكام، بخلاف ما إذا ماتت، فإنه يجوز له، لانقطاع النكاح بالكلية. (وإذا زوج الأمة مولاها) أو تزوجت بإذنه (ثم أعتقت فلها الخيار) بين القرار والفرار (حراً كان زوجها أو عبداً) دفعاً لزيادة الملك عليها بطلقة ثالثة (وكذلك) حكم (المكاتبة) ، لوجود العلة فيها، وهي زيادة الملك عليها، ويقتصر خيارها على مجلس علمها بالعتق إذا كانت تعلم أن لها الخيار، فإن علمت بالعتق لم تعلم بالخيار ثم علمت به في مجلس آخر فلها الخيار في ذلك المجلس. (وإن تزوجت أمة بغير إذن مولاها ثم أعتقت صح النكاح) ؛ لأنها من أهل العبارة، وامتناع النفوذ لحق المولى وقد زال (ولا خيار لها) ، لأن النفوذ بعد العتق، فلا يتحقق زيادة الملك عليها. (ومن تزوج امرأتين في عقد واحدة) وكانت (إحداهما لا يحل له نكاحها) بأن كانت محرما له، أو ذات زوج، أو وثنية (صح نكاح التي يحل له نكاحها وبطل نكاح الأخرى) ، لأن المبطل في إحداهما، فيقتصر عليها، بخلاف ما إذا جمع بين حر وعبد في البيع، لأنه يبطل بالشروط الفاسدة، بخلاف النكاح، ثم جميع المسمى للتي تحل له عند أبي حنيفة، وعندهما يقسم على مهر مثليهما، هداية. (وإن كان بالزوجة عيب) كجنون أو جذام أو برص أو رتق أو قرن (فلا خيار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 للمرأة عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمدٌ: لها الخيار، فإن كان عنيناً أجله الحاكم حولاً، فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما إن طلبت المرأة ذلك والفرقة تطليقةٌ بائنةٌ، ولها كمال المهر إن كان قد خلا بها، وإن كان مجبوباً فرق القاضي بينهما في الحال ولم يؤجله،   لزوجها) ؛ لما فيه من الضرر بها بإبطال حقها، ودفع ضرر الزوج ممكن بالطلاق أو بنكاح أخرى (و) كذا (إذا كان بالزوج) عيب (جنون أو جذام أو برص فلا خيار للمرأة عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ؛ لأن المستحق على الزوج تصحيح مهرها بوطئه إياها، وهذا موجود (وقال محمد: لها الخيار) دفعاً للضرر عنها كما في الجب والعنة، قال في التصحيح: والصحيح قول أبي حنيفة وأبي يوسف، ومشى عليه الإمام المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة. اهـ (وإن كان) الزوج (عنينا) وهو: من لا يصل إلى النساء، أو يصل إلى الثيب دون الأبكار، أو يصل إلى بعض النساء دون بعض، فهو عنين في حق من لا يصل إليها، فإذا رفعته إلى الحاكم (أجله الحاكم) المولى (حولا) تاما؛ لاشتماله على الفصول الأربعة (فإن وصل إليها) مرة في ذلك الحول فبها (وإلا فرق) القاضي (بينهما إن طلبت المرأة ذلك) وأبى الزوج الطلاق، قال في التصحيح: فلو مرض إحداهما مرضا لا يستطاع معه الجماع عن محمد لا يحسب الشهر وما دونه يحسب، وهو أصح الأقاويل. ولو تزوج امرأة تعلم حاله مع التي قبلها، الصحيح أن لها حق الخصومة اهـ (و) هذه (الفرقة تطليقة) ؛ لأنها بسببٍ من جهة الزوج (بائنة) ؛ لأن مشروعيتها لتملك نفسها، ولا تملك نفسها بالرجعة (ولها كمال المهر إن كان قد خلا بها) خلوة صحيحة؛ لأن حلوة العنين صحيحة تجب بها العدة، وإن تزوجها بعد ذلك أو تزوجته وهي تعلم أنه عنين فلا خيار لها وإن كان عنينا وهي رتقاء لم يكن لها خيار كما في الجوهرة (وإن كان) الزوج (مجبوبا) أي مقطوع الذكر فقط وطلبت المرأة الفرقة (فرق القاضي بينهما في الحال ولم يؤجله) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 والخصي يؤجل كما يؤجل العنين، وإذا أسلمت المرأة وزوجها كافرٌ عرض عليه القاضي الإسلام، فإن أسلم فهي امرأته، وإن أبى عن الإسلام فرق بينهما، وكان ذلك طلاقاً بائناً عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: هي فرقةٌ بغير طلاقٍ. فإن أسلم الزوج وتحته مجوسيةٌ عرض عليها الإسلام، فإن أسلمت فهي امرأته، وإن أبت فرق القاضي بينهما، ولم تكن هذه الفرقة طلاقاً، فإن كان قد دخل بها فلها المهر، وإن لم يكن دخل بها فلا مهر لها،   لعدم الفائدة فيه. (والخصى) والذي سلت خصيتاه وبقيت آلته، إذا كانت لا تنتشر آلته (يؤجل كما يؤجل العنين) ؛ لاحتمال الانتشار والوصول. (وإذا أسلمت المرأة وزوجها كافر) وهو يعقل الإسلام (عرض عليه القاضي الإسلام؛ فإن أسلم فهي امرأته) ؛ لعدم المنافي (وإن أبى عن الإسلام فرق) القاضي (بينهما) ؛ لعدم جواز بقاء المسلمة تحت الكافر (وكان ذلك) التفريق (طلاقاً بائناً عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: هي فرقة من غير طلاق) والصحيح قولهما، ومشى عليه المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة. اهـ تصحيح. قيدنا بالذي يعقل الإسلام لأنه لو لم يعقل لصغره أو جنونه عرض الإسلام على أبويه فإن أسلم أحدهما وإلا فرق بينهما. (وإن أسلم الزوج وتحته مجوسية عرض) القاضي (عليها الإسلام، فإن أسلمت فهي امرأته، وإن أبت) عن الإسلام (فرق القاضي بينهما) ، لأن نكاح المجوسية حرام ابتداء وبقاء (ولم تكن هذه الفرقة طلاقا) لأن الفرقة بسبب من قبلها والمرأة ليست بأهل للطلاق (فإن كان) الزوج (قد دخل بها فلها المهر) المسمى، لتأكده بالدخول، فلا يسقط بعد بالفرقة (وإن لم يكن دخل بها فلا مهر لها) لأن الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول بها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 وإذا أسلمت المرأة في دار الحرب لم تقع الفرقة عليها حتى تحيض ثلاث حيضٍ، فإذا حاضت بانت من زوجها. وإذا أسلم زوج الكتابية فهما على نكاحهما. وإذا خرج أحد الزوجين إلينا من دار الحرب مسلماً وقعت البينونة بينهما، وإن شبى أحدهما وقعت البينونة بينهما، وإن سبيا معاً لم تقع البينونة، وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرةً جاز لها أن تتزوج، ولا عدة عليها عند أبي حنيفة،   (وإذا أسلمت المرأة في دار الحرب لم تقع الفرقة عليها) بمجرد الإسلام، بل (حتى) تنقضي عدتها: بأن (تحيض ثلاث حيض) إن كانت من ذوات الحيض، أو تمضي ثلاثة أشهر إن كانت من ذوات الأشهر، أو تضع حملها إن كانت حاملا، وذلك عدتها؛ لأن إسلامه مرجوٌ، والعرض عليه متعذر، فنزل منزلة الطلاق الرجعي (فإذا) انقضت عدتها بأن (حاضت) ثلاث حيض، أو مضت أشهرها، أو وضعت حملها (بانت من زوجها) ولا فرق في ذلك بين المدخولة وغيرها، ثم إن كانت الفرقة قبل الدخول فلا عدة عليها اتقافاً، وإن كانت بعده فكذلك عند أبي حنيفة، وعندهما لابد لها من عدة أخرى، وتمامه في معراج الدراية. (وإذا أسلم زوج الكتابية فهما على نكاحهما) ، لأنه يصح النكاح بينهما ابتداء، فبقاء أولى. (وإذا خرج أحد الزوجين إلينا) أي إلى دار الإسلام (من دار الحرب مسلماً وقعت البينونة بينهما) لتباين الدار (و) كذلك (إن سبى أحدهما وقعت البينونة بينهما) لما قلنا (وإن سبيا معاً لم تقع البينونة) بينهما؛ لعدم تباين الدار، وإنما حدث الرق، وهو غير منافٍ للنكاح (وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرة) من دار الكفر (جاز لها أن تتزوج) حالاً (ولا عدة عليها عند أبي حنيفة) لقوله تعالى: {ولا تمسكوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 فإن كانت حاملاً لم تتزوج حتى تضع حملها، وإذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام وقعت الفرقة بينهما بغير طلاقٍ، فإن كان الزوج هو المرتد وقد دخل بها فلها كمال المهر، وإن كان لم يدخل بها فلها نصف المهر، وإن كانت المرأة هي المرتدة قبل الدخول فلا مهر لها، وإن كانت الردة بعد الدخول فلها المهر، وإن ارتدا معاً وأسلما فهما على نكاحهما،   بعصم الكوافر} وفي لزوم العدة عليها تمسك بعصمته، وقالا: عليها العدة لأن الفرقة وقعت بعد الدخول بدار الإسلام، قال في التصحيح: والصحيح قوله، واعتمده المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة. اهـ (وإن كانت) المهاجرة (حاملا لم تتزوج حتى تضع حملها) ، لأن الحمل ثابت النسب فيمنع صحة النكاح، قال في الهداية: وعن أبي حنيفة أنه يصح النكاح، ولا يقربها زوجها حتى تضع كما في الحبلى من الزنا، قال الإسبيجاني: والصحيح الأول. (وإذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام) والعياذ بالله تعالى (وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق) قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: إن كانت الردة من الزوج فهي فرقة طلاقٍ، واعتمد قولهما المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، اهـ (فإن كان الزوج هو المرتد و) كان (قد دخل بها فلها كمال المهر) ؛ لأنه قد استقر بالدخول (وإن كان لم يدخل بها) بعد (فلها نصف المهر) ؛ لأنهما فرقة حصلت من الزوج قبل الدخول، وهي منصقةٌ (وإن كانت المرأة هي المرتدة) وكانت الردة (قبل الدخول فلا مهر لها) ؛ لأنها منعت المعقود عليه بالارتداد، فصارت كالبائع إذا أتلف المبيع قبل القبض (وإن كانت الردة بعد الدخول) بها (فلها المهر) كاملا؛ لما مر أن الدخول في دار الإسلام لا يخلو عن عقر أو عقر (وإن ارتدا معاً) أو لم يعلم السبق (وأسلما معاً) كذلك (فهما على نكاحهما) استحساناً؛ لعدم اختلاف دينهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 ولا يجوز أن يتزوج المرتد مسلمةً ولا كافرةً ولا مرتدةً، وكذلك المرتدة لا يتزوجها مسلمٌ ولا كافرٌ ولا مرتدٌ، وإذا كان أحد الزوجين مسلماً فالولد على دينه، وكذلك إن أسلم أحدهما وله ولدٌ صغيرٌ صار ولده مسلماً بإسلامه، وإن كان أحد الأبوين كتابيا والآخر مجوسياً فالولد كتابيٌ. وإذا تزوج الكافر بغير شهودٍ أو في عدة الكافر وذلك في دينهم جائزٌ ثم أسلما أقرا عليه، وإذا تزوج المجوسي أمه أو ابنته ثم أسلما فرق بينهما،   (ولا يجوز أن يتزوج) الرجل (المرتد) امرأة (مسلمة ولا كافرة ولا مرتدة) لأنه مستحق للقتل، والإمهال إنما هو ضرورة التأمل (وكذلك المرتدة لا يتزوجها) أي لا يجوز أن يتزوجها (مسلم ولا كافر ولا مرتد) لأنها محبوسة للتأمل. (وإن كان أحد الزوجين مسلما فالولد على دينه) ؛ لأن في ذلك نظراً للولد، والإسلام يعلو ولا يعلى عليه (وكذلك إن أسلم أحدهما وله ولد صغير) أو مجنون (صار ولده مسلماً بإسلامه) لما قلنا (وإن كان أحد الأبوين كتابيا و) كان (الآخر مجوسياً) أو وثنيا ونحوه (فالولد كتابي) ؛ لأن فيه نوع نظر؛ لأنه أقرب إلى الإسلام في الأحكام، كحل منالحته وذبيحته. (وإن تزوج الكافر بغير شهود أو في عدة كافر، وذلك في دينهم جائز، ثم أسلما أقرا عليه) قال في زاد الفقهاء: أما قوله "في عدة الكافر" فهو قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد وزفر: لا يقران عليه، والصحيح قول الإمام، واعتمده المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة. اهـ تصحيح. قيد بعدة الكافر لأنه لو كانت من مسلم فرق بينهما؛ لأن المسلم يعتقد العدة بخلاف الكافر (وإذا تزوج المجوسي أمه أو ابنته) أو غيرهما ممن لا يحل نكاحها (ثم أسلما) أو أحدهما أو ترافعا إلينا وهما على الكفر (فرق بينهما) ؛ لعدم المحلية؛ للمحرمية، وما يرجع إلى المحل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 وإذا كانت للرجل امرأتان حرتان فعليه أن يعدل بينهما في القسم، بكرين كانت أو ثيبتين أو إحداهما بكراً والأخرى ثيباً، وإن كانت إحداهما حرةً والأخرى أمةً فللحرة الثلثان من القسم وللأمة الثلث، ولا حق لهن في القسم حالة السفر، ويسافر الزوج بمن شاء منهن، والأولى أن يقرع بينهن فيسافر بمن خرجت قرعتها، وإن رضيت إحدى الزوجات بترك قسمها.   يستوي فيه الابتداء والبقاء، بخلاف ما مر. درر. (وإذا كان لرجل امرأتان حرتان) أو أمتان (فعليه أن يعدل بينهما في القسم) في البيتوتة والملبوس والمأكول والصحبة (بكرين كانت أو ثيبتين أو) كانت (إحداهما بكراً والأخرى ثيبا) لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان ومال إلى أحدهما في القسم جاء يوم القيامة وشقه مائل) ولا فصل فيما رويناه، والقديمة والجديدة سواء؛ لإطلاق ما رويناه، ولأن القسم من حقوق النكاح، ولا تفاوت بينهن في ذلك، والاختيار في مقدار الدور إلى الزوج؛ لأن المستحق هو التسوية دون طريقها، والتسوية المستحقة في البيتوتة، لا في المجامعة؛ لأنها تبنى على النشاط هداية (وإن كانت إحداهما حرة و) كانت (الأخرى أمة فللحرة) : أي كان عليه للحرة (الثلثان من القسم، و) كان (للأمة الثلث) بذلك ورد الأثر، ولأن حق الأمة أنقص من حق الحرة، فلابد من إظهار النقصان في الحقوق. والمكاتبة والمدبرة وأم الولد بمنزلة الأمة، لأن الرق فيه قائم (ولا حق لهن) أي الزوجات (في القسم حالة السفر) دفعاً للحرج (فيسافر الزوج بمن شاء منهن) ، لأن له أن يستصحب واحدة منهن، فكان له أن يسافر بواحدة منهن (و) لكن (الأولى أن يقرع بينهن) تطييباً لخاطرهن (فيسافر بمن خرجت قرعتها) ولا يحسب عليها ليالي سفرها، ولكن يستقبل العدل بينهن (وإذا رضيت إحدى الزوجات بترك قسمها) بالكسر - نوبتها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 لصاحبتها جاز ولها أن ترجع في ذلك. كتاب الرضاع. - قليل الرضاع وكثيره سواء، إذا حصل في مدة الرضاع تعلق به التحريم، ومدة الرضاع عند أبي حنيفة ثلاثون شهراً، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: سنتان،   (لصاحبتها جاز) ، لأنه حقها (ولها أن ترجع في ذلك) ؛ لأنها أسقطت حقاً لم يجب بعد، فلا يسقط، هداية. كتاب الرضاع مناسبته للنكاح ظاهرة. وهو بالفتح والكسر لغة: المص، وشرعا: مص لبن آدمية في وقت مخصوص و (قليل الرضاع وكثيره) في الحكم (سواء، إذا حصل) ذلك (في مدة الرضاع تعلق به التحريم) ؛ لقوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم - الآية} ، وقوله عليه الصلاة والسلام: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) من غير فصل هداية (ومدة الرضاع عند أبي حنيفة ثلاثون شهراً) لأن الله تعالى ذكر شيئين (يشير إلى قوله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً} ) . وضرب لهما مدة، فكانت لكل واحدة منهما بكمالها كالأجل المضروب للدينين، إلا أنه قام المنقص في أحدهما، فبقي الثاني على ظاهره. هداية، ومشى على قوله المحبوبي والنسفي كما في التصحيح، وفي الجوهرة: وعليه الفتوى (وقالا: سنتان) لأن أدنى مدة الحمل ستة أشهر، فيقي للفصال حولان، قال في الفتح: وهو الأصح، وفي التصحيح عن العيون: وبقولهما نأخذ للفتوى، وهذا أولى، لأنه أجيب في شرح الهداية عما يستدل به على الزيادة على سنتين، وبعد الجواب قال: فكان الأصح قولهما، وهو مختار الطحاوي. اهـ. ثم الخلاف في التحريم، أما لزوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 فإذا مضت مدة الرضاع لم يتعلق بالرضاع تحريمٌ. ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، إلا أم أخته من الرضاع؛ فإنه يجوز أن يتزوجها. ولا يجوز أن يتزوج أم أخته من النسب، وأخت ابنه من الرضاع يجوز أن يتزوجها ولا يجوز أن يتزوج أخت ابنه من النسب، وامرأة ابنه من الرضاع لا يجوز أن يتزوجها، كما لا يجوز أن يتزوج امرأة ابنه من النسب، وامرأة أبيه من الرضاع لا يجوز أن يتزوجها، كما لا يجوز أن يتزوج امرأة أبيه من النسب ولبن الفحل يتعلق به التحريم، وهو: أن ترضع المرأة ضبية فتحرم هذه الصبية على زوجها   أجرة الرضاع للمطلقة فمقدر بالحولين بالإجماع كما في الدر. (فإذا مضت مدة الرضاع) على الخلاف (لم يتعلق بالرضاع تحريم) ولو لم يفطم، كما أنه يثبت في المدة ولو بعد الفطام والاستغناء بالطعام على المذهب كما في البحر، وفي الهداية: ولا يعتبر الفطام قبل المدة إلا في رواية عن الإمام إذا استغنى عنه، اهـ. (ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) للحديث المار (إلا أم أخته) أو أخيه (من الرضاع، فإنه يجوز أن يتزوجها، ولا يجوز) له (أن يتزوج أم أخته) أو أخيه (من النسب) ، لأنها تكون أمه، أو موطوءة أبيه، بخلاف الرضاع (و) إلا (أخت ابنه من الرضاع) ، فإنه (يجوز) له (أن يتزوجها، ولا يجوز) له (أن يتزوج أخت ابنه من النسب؛ لأنها تكون بنته أو ربيبته، بخلاف الرضاع) (وامرأة ابنه من الرضاع لا يجوز) له (أن يتزوجها كما لا يجوز) له (أن يتزوج امرأة ابنه من النسب) وذكر الأصلاب في النص (هو قوله تعالى كلمته: {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} ) لإسقاط اعتبار التبني. (ولبن الفحل) أي الرجل من زوجته المرضعة إذا كان لبنها منه (يتعلق به التحريم، وهو: أن ترضع المرأة صبية فتحرم هذه الصبية على زوجها) أي زوج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 وعلى آبائه وأبنائه، ويصير الزوج الذي نزل منه اللبن أباً للمرضعة. ويجوز أن يتزوج الرجل بأخت أخيه من الرضاع، كما يجوز أن يتزوج بأخت أخيه من النسب، وذلك مثل الأخ من الأب إذا كان له أختٌ من أمه جاز لأخيه من أبيه أن يتزوجها. وكل صبيتين اجتمعتا على ثدي واحدٍ لم يجز لأحدهما أن يتزوج بالآخر، ولا يجوز أن تتزوج المرضعة أحداً من ولد التي أرضعتها ولا ولد ولدها، ولا يتزوج الصبي المرضع أخت زوج المرضعة لأنها عمته من الرضاع.   المرضعة (وعلى آبائه وآبنائه، ويصير الزوج الذي نزل منه اللبن) وذلك بالولادة منه (أبا للمرضعة) بالفتح - أي الصبية، كما أن المرضعة - بالكسر - أم لها. قيد بالذي نزل منه اللبن لأنه إذا لم يكن اللبن منه بأن تزوجت ذات لبنٍ رجلا فأرضعت صبيا فإنه لا يكون ولداً له من الرضاع، بل يكون ربيباً له من الرضاع، وابنا لصاحب اللبن. (ويجوز أن يتزوج الرجل بأخت أخيه من الرضاع، كما يجوز أن يتزوج بأخت أخيه من النسب، وذلك مثل الأخ من الأب إذا كان له أخت من أمه جاز لأخيه من أبيه أن يتزوجها) لأنه لا قرابة بينهما. (وكل صبيتين اجتمعا على ثدي واحد) بأن رضعا منه وإن اختلف الزمن والأب (لم يجز لأحدهما أن يتزوج بالآخر) ، لأنهما أخوان (ولا يجوز أن تتزوج المرضعة) بفتح الضاد والرفع على الفاعلية - أي الصبية (أحداً) بالنصب على المفعولية وفي بعض النسخ "يتزوج المرضعة أحدا" بالرفع (من ولد التي أرضعتها) ؛ لأنهم أخواتها (ولا ولد ولدها) ، لأنهم أولاد إخوتها، وقد اختلف في إعراب قوله " ولد ولدها" فبعضهم رفعه، وبعضهم نصبه، وكان شيخ الإسلام الحارثي يقول: يجوز فيه الحركات الثلاث: أما الرفع فعطفا على "أحد" وأما النصب فعطفا على "المرضعة" وأما الجر فعطفا على "ولد" والرفع أظهر، كذا في التصحيح (ولا يتزوج الصبي المرضع أخت الزوج) أي زوج المرضعة (لأنها) أي أخت الزوج (عمته من الرضاع) لأن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 وإذا اختلط اللبن بالماء واللبن هو الغالب تعلق به التحريم، وإن غلب الماء لم يتعلق به التحريم، وإذا اختلط بالطعام لم يتعلق به التحريم، وإن كان اللبن غالباً عند أبي حنيفة، وإذا اختلط بالدواء وهو الغالب تعلق به التحريم. وإذا حلب اللبن من المرأة بعد موتها فأوجر به الصبي تعلق به التحريم، وإذا اختلط اللبن بلبن شاةٍ واللبن هو الغالب تعلق به التحريم، وإن غلب لبن الشاة لم يتعلق به التحريم،   الزوج أبوه من الرضاع كما مر. (وإذا اختلط اللبن بالماء واللبن هو الغالب) على الماء (تعلق به التحريم وإن غلب الماء) على اللبن (لم يتعلق به التحريم) ؛ لأن المغلوب غير موجود حكما (وإذا اختلط) اللبن (بالطعام لم يتعلق به التحريم، وإن كان اللبن غالبا) على الطعام (عند أبي حنيفة) قال في الهداية: وقالا: إذا كان اللبن غالباً تعلق به التحريم، وقولهما فيما إذا لم يصبه النار، حتى لو طبخ بها لا يتعلق به التحريم في قولهما جميعاً، ولا يعتبر بتقاطر اللبن من الطعام عنده، وهو الصحيح، وقال قاضيخان: إنه الأصح، وهذا احتراز عن قول من قال من المشايخ: إن عدم إثبات الحرمة عنده إذا لم يكن متقاطراً عند رفع اللقمة، أما معه فيحرم اتفاقا، وقد رجحوا دليل الإمام، ومشى على قوله المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة، كذا في التصحيح (وإذا اختلط) اللبن (بالدواء و) كان اللبن (هو الغالب تعلق به التحريم) ، لأن اللبن يبقى مقصوداً فيه، إذ الدواء لتقويته على الوصول، هداية. (وإذا حلب اللبن من المرأة بعد موتها فأوجر به الصبي) أي صب في حلقه ووصل إلى جوفه (تعلق به التحريم) ، لحصول معنى الرضاع، لأن اللبن بعد الموت على ما كان قبله (وإذا اختلط اللبن) من المرأة (بلبن الشاة واللبن) من المرأة (هو الغالب تعلق به التحريم، وإن غلب لبن الشاة لم يتعلق به التحريم) اعتباراً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 وإذا اختلط لبن امرأتين تعلق التحريم بأكثرهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمدٌ: يتعلق بهما. وإذا نزل للبكر لبنٌ فأرضعت به صبيا تعلق به التحريم، وإذا نزل للرجل لبنٌ فأرضع به صبياً لم يتعلق به التحريم. وإذا شرب صبيان من لبن شاةٍ فلا رضاع بينهما،   للغالب كما في الماء. (وإذا اختلط لبن امرأتين تعلق التحريم بأكثرهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف) لأن الكل صار شيئاً واحداً، فيجعل الأقل تبعاً للأكثر في بناء الحكم عليه (وقال محمد: يتعلق بهما) لأن الجنس لا يغلب الجنس، فإن الشيء لا يصير مستهلكا في جنسه، لاتحاد المقصود، قال في الهداية: وعن أبي حنيفة في هذا روايتان، ومشى على قول أبي يوسف الإمام المحبوبي والنسفي، ورجح قول محمد الطحاوي، وفي شرح الهداية: ويميل كلام المصنف إلى ما قال محمد حيث أخر دليله، فإنه الظاهر من تأخر كلامه في المناظرة لأنه قاطع للآخر، وأصله أن السكوت ظاهر في الانقطاع، ورجح بعض المشايخ قول محمد أيضاً، وهو ظاهر. قلت: وقوله أحوط في باب المحرمات، كذا في التصحيح. (وإذا نزل للبكر لبن فأرضعت صبيا تعلق به التحريم) ؛ لإطلاق النص؛ ولأنه سبب النشو، فيثبت به شبهة البعضية. هداية (وإذا نزل للرجل لبن فأرضع به صبيا لم يتعلق به التحريم) لأنه ليس بلبن على الحقيقة؛ لأن اللبن إنما يتصور ممن تتصور منه الولادة، وإذا نزل للخنثى لبن، فإن علم أنه امرأة تعلق به التحريم وإن علم أنه رجل لم يتعلق به التحريم، وإن أشكل: إن قال النساء إنه لا يكون على غزارته إلا لامرأة تعلق به التحريم، احتياطا، وإن لم يقلن ذلك لا يتعلق به التحريم، وإذا جبن لبن امرأة وأطعم الصبي تعلق به التحريم، كذا في الجوهرة. (وإذا شرب صبيان من لبن شاة فلا رضاع بينهما) لأنه لا جزئية بين الآدمي والبهائم، والحرمة باعتبارها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 وإذا تزوج الرجل صغيرةً وكبيرةً فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمتا على الزوج، فإن كان لم يدخل بالكبيرة فلا مهر لها، وللصغيرة نصف المهر، ويرجع به الزوج على الكبيرة إن كانت تعمدت به الفساد، وإن لم تتعمد فلا شيء عليها. ولا تقبل في الرضاع شهادة النساء منفرداتٍ، وإنما يثبت بشهادة رجلين أو رجلٍ وامرأتين.   (وإذا تزوج الرجل صغيرة وكبيرة فأرضعت) الزوجة (الكبيرة الصغيرة حرمتا) كلتاهما (على الزوج) أبدا إن كان دخل بالكبيرة، وإلا جاز له تزوج الصغيرة ثانياً، ثم (فإن كان لم يدخل بالكبيرة فلا مهر لها) ؛ لأن الفرقة جاءت من قبلها (و) كان على الزوج (للصغيرة نصف المهر) لأن الفرقة وقعت لا من جهتها؛ والارتضاع وإن كان فعلا منها لكن فعلها غير معتبر في إسقاط حقها كما إذا قتلت مورثها، هداية (ويرجع به الزوج على الكبيرة إن كانت تعمدت به الفساد) : بأن كانت عاقلة طائعة متيقظة عالمة بالنكاح وبإفساد الإرضاع، ولم تقصد دفع جوع أو هلاك كما في الدرر (وإن لم تتعمد فلا شيء عليها) ؛ لأن السبب يشترط فيه التعدي، والقول لها إن لم يظهر منها تعمد الفساد. در عن المعراج. (ولا تقبل في الرضاع شهادة النساء منفردات) لأن شهادة النساء ضرورية فيما لا إطلاع للرجال عليه، والرضاع ليس كذلك (وإنما يثبت) بما يثبت به المال، وذلك (بشهادة رجلين) عدلين أو مستورين (أو رجل وامرأتين) كذلك، لما فيه من إبطال الملك، وهو لا يثبت إلا بحجة، فإذا قامت الحجة فرق بينهما، ولا تقع الفرقة إلا بتفريق القاضي، لتضمنها إبطال حق العبد، ثم إن كانت الفرقة قبل الدخول فلا مهر لها، وإن بعده كان لها الأقل من المسمى ومهر المثل، وليس لها في العدة نفقة ولا سكنى، كما في الجوهرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 كتاب الطلاق. - الطلاق على ثلاثة أوجه: أحسن الطلاق، وطلاق السنة، وطلاق البدعة؛ فأحسن الطلاق: أن يطلق الرجل امرأته تطليقةً واحدةً في طهرٍ لم يجامعها فيه ويتركها حتى تنقضي عدتها. وطلاق السنة: أن يطلق المدخول بها ثلاثاً في ثلاثة أطهار، وطلاق البدعة: أن يطلقها ثلاثاً بكلمةٍ واحدةٍ، أو ثلاثاً في طهرٍ واحدٍ.   كتاب الطلاق مناسبته للرضاع هو أن كلا منهما محرمٌ. وهو لغة: رفع القيد، لكن جعلوه في المرأة طلاقاً، وفي غيرها إطلاقاً، ولذا كان "أنت مطلقة" بالتشديد صريحاً، و"مطلقة" بالتخفيف كناية. وشرعاً: رفع قيد النكاح في الحال أو المآل بلفظ مخصوص. وأقسامه ثلاثة كما صرح به المصنف بقوله: (الطلاق على ثلاثة أوجه: أحسن الطلاق، وطلاق السنة، وطلاق البدعة) وجعله الكرخي على ضربين: طلاق السنة، وطلاق البدعة (فأحسن الطلاق) بالنسبة إلى بقية أقسامه (أن يطلق الرجل امرأته تطليقة واحدة) رجعية كما في ظاهر الرواية، وفي زيادات الزيادات: البائن والرجعي سواء، كذا في التصحيح (في طهر لم يجامعها فيه ويتركها حتى تنقضي عدتها) لأنه أبعد من الندامة؛ لتمكنه من التدارك، وأقل ضرراً بالمرأة (وطلاق السنة: أن يطلق المدخول بها ثلاثاً في ثلاثة أطهار) في كل طهر تطليقة، ثم قيل: الأولى أن يؤخر الإيقاع إلى آخر الطهر، احترازاً عن تطويل العدة، والأظهر أن يطلقها كما طهرت، لأنه لو أخر ربما يجامعها، ومن قصده التطليق، فيبتلى بالإيقاع عقب الوقاع. هداية (وطلاق البدعة: أن يطلقها ثلاثاً) أو اثنتين (بكلمة واحدة، أو) يطلقها (ثلاثا) أو اثنتين (في طهر واحد) ، لأن الأصل في الطلاق الحظر، لما فيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 فإذا فعل ذلك وقع الطلاق، وبانت منه، وكان عاصياً. والسنة في الطلاق وجهين: سنةٌ في الوقت، وسنة في العدد، فالسنة في العدد يستوي فيها للمدخول بها وغير المدخول بها، والسنة في الوقت تثبت في المدخول بها خاصةً، وهو: أن يطلقها في طهرٍ لم يجامعها فيه، وغير المدخول بها يطلقها في حال الطهر والحيض، وإذا كانت المرأة لا تحيض من صغرٍ أو كبرٍ فأراد أن يطلقها للسنة طلقها واحدةً، فإذا مضى شهرٌ طلقها أخرى، فإذا مضى شهرٌ آخر طلقها أخرى،   من قطع النكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية، والإباحة إنما هي للحاجة إلى الخلاص، ولا حاجة إلى الجمع بين الثلاث أو في طهر واحد؛ لأن الحاجة تندفع بالواحدة، وتمام الخلاص في المفرق على الأطهار، فالزيادة إسراف، فكان بدعة] . (فإذا فعل ذلك وقع الطلاق، وبانت) المرأة (منه، وكان عاصياً) ، لأن النهي لمعنى في غيره، فلا يعدم المشروعية (والسنة في الطلاق من وجهين: سنة في الوقت) بأن تكون طاهرة (وسنة في العدد) بأن تكون واحدة (فالسنة في العدد يستوي فيها المدخول بها وغير المدخول بها) ، لأن الطلاق الثلاث في كلمة واحدة إنما منع منه خوفا من الندم، وهو موجود في غير المدخول بها (والسنة في الوقت تثبت في المدخول بها خاصة، وهو: أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه) ، لأن المراعي دليل الحاجة، وهو الإقدام على الطلاق في زمان تجدد الرغبة وهو الطهر الخالي عن الجماع، أما زمان الحيض فزمان النقرة، وبالجماع مرة في الطهر تفتر الرغبة (وغير المدخول بها يطلقها في حال الطهر والحيض) ، لأن الرغبة بها صدقة في كل حال، ولا عدة عليها فتتضرر بطولها (وإذا كانت المرأة لا تحيض من صغر أو كبر فأراد أن يطلقها للسنة طلقها واحدة) وتركها حتى يمضي شهر (فإذا مضى شهر طلقها) طلقة (أخرى) وتركها أيضاً حتى يمضي شهر آخر (فإذا مضى شهر آخر طلقها) طلقة (أخرى) فتصير ثلاث طلقات في ثلاثة أشهر؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 ويجوز أن يطلقها ولا يفصل بين وطئها وطلاقها بزمانٍ. وطلاق الحامل يجوز عقيب الجماع، ويطلقها للسنة ثلاثاً يفصل بين كل تطليقتين بشهرٍ عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمدٌ: لا يطلقها للسنة إلا واحدةً، وإذا طلق الرجل امرأته في حال الحيض وقع الطلاق، ويستحب له أن يراجعها، وإن شاء أمسكها،   لأن الشهر في حقها قائم مقام الحيض، ثم إن كان الطلاق في أول الشهر تعتبر الشهور بالأهلة، وإن كان في وسطه فبالأيام في حق التفريق، وفي حق العدة كذلك عند أبي حنيفة، وعندهما يكمل الأول بالأخير، والمتوسطان بالأهلة وهي مسألة الإجارات. هداية. (ويجوز أن يطلقها) : أي من لا تحيض (ولا يفصل بين وطئها وطلاقها بزمان) لأن الكراهية فيمن تحيض لتوهم الحبل، وهو مفقود هنا (وطلاق الحامل يجوز عقيب الجماع) لأنه لا يؤدي إلى اشتباه وجه العدة، وزمان الحبل زمان الرغبة في الوطء (ويطلقها) : أي الحامل (للسنة ثلاثاً) في ثلاثة أشهر، كما في ذوات الأشهر (يفصل بين كل تطليقتين بشهر عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ، لأن الإباحة لعلة الحاجة، والشهر دليلها كما في حق الآيسة والصغيرة (وقال محمد) وزفر: (لا يطلقها للسنة إلا واحدة) ، لأن الأصل في الطلاق الحظر، وقد ورد الشرع بالتفريق على فصول العدة، والشهر في حق الحامل ليس من فصولها، فصارت كالممتد طهرها، واعتمد قول الأولين المحبوبي والنسفي والموصلي وغيرهم كما هو الرسم اهـ تصحيح. (وإذا طلق الرجل امرأته في حال الحيض وقع الطلاق) ؛ لأن النهي عنه لمعنى في غيره، فلا تنعدم مشروعيتة (و) لكن (يستحب له أن يراجعها) قال نجم الأئمة في الشرح: استحباب المراجعة قول بعض المشايخ، والأصح أنه واجب عملا بحقيقة الأمر (هو قوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب في شأن ابنه "مره فليراجعها") ورفعا للمعصية بالقدر الممكن، ومثله في الهداية، وقال برهان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 فإذا طهرت وحاضت وطهرت فهو مخيرٌ: إن شاء طلقها، وإن شاء أمسكها. ويقع الطلاق كل زوج إذا كان عاقلاً بالغاً، ولا يقع طلاق الصبي والمجنون والنائم، وإذا تزوج العبد ثم طلق وقع طلاقه، ولا يقع طلاق مولاه على امرأته. والطلاق على ضربين: صريحٍ، وكنايةٍ، فالصريح قوله: أنت طالقٌ، ومطلقةٌ، وطلقتك، فهذا يقع به الطلاق الرجعي   الأئمة المحبوبي: وتجب رجعتها في الأصح، كذا في التصحيح. (فإذا طهرت) من حيضها الذي طلقها وراجعها فيه (وحاضت) حيضا آخر (وطهرت) منه (فهو) : أي الزوج (مخير: إن شاء طلقها) ثانيا (وإن شاء أمسكها) قال في الهداية: وهكذا ذكر في الأصل، وذكر الطحاوي أنه يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة، قال أبو الحسن الكرخي: ما ذكره الطحاوي قول أبي حنيفة، وما ذكر في الأصل قولهما. اهـ. وفي التصحيح: قال الكرخي: هذا قولهما، وقول أبي حنيفة له أن يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي طلقها وراجعها فيه، وقال في الكافي: المذكور في الكتاب ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، والذي ذكره الكرخي رواية عن أبي حنيفة. اهـ. (ويقع طلاق كل زوج إذا كان بالغاً عاقلا) ولو مكرها أو سكران بمحظور (ولا يقع طلاق الصبي) ولو مراهقا أو أجازه بعد البلوغ، أما لو قال " أوقعته" وقع لأنه ابتداء إيقاع (و) لا طلاق (المجنون) إلا إذا علق عاقلا ثم جن فوجد الشرط، أو كان عنيناً أو مجبوبا وأسلمت امرأته وهو كافر وأبى أبواه الإسلام كما في الأشباه (و) لا طلاق (النائم) لعدم الاختيار، وكذا المغمى عليه، ولو استيقظ وقال "أجزت ذلك الطلاق" أو "أوقعته" لا يقع، لأنه أعاد الضمير إلى غير معتبر. جوهرة (وإذا تزوج العبد وطلق وقع طلاقه) لأن ملك النكاح حقه فيكون الإسقاط إليه (ولا يقع طلاق مولاه على امرأته) : أي امرأة العبد، لأنه لا حق له في نكاحه. (والطلاق على ضربين: صريح، وكناية، فالصريح) مالم يستعمل إلا فيه وهو (قوله: أنت طالق، ومطلقة) بتشديد اللام (وقد طلقتك، فهذا) المذكور (يقع به بالطلاق الرجعي) لأن هذه الألفاظ تستعمل في الطلاق، ولا تستعمل في غيره فكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 ولا يقع به إلا واحدةٌ وإن نوى أكثر من ذلك، ولا يفتقر إلى النية. وقوله: أنت الطلاق، أو أنت طالقٌ الطلاق، أو أنت طالقٌ طلاقاً، فإن لم تكن له نيةٌ فهي واحدةٌ رجعيةٌ، وإن نوى به ثلاثاً كان ثلاثاً. والضرب الثاني: الكنايات، ولا يقع بها الطلاق إلا بنيةٍ أو دلالةٍ حالٍ. وهي على ضربين منها ثلاثة ألفاظٍ يقع بها الطلاق الرجعي ولا يقع بها إلا واحدةٌ، وهي قوله: اعتدى، واستبرئي رحمك،   صريحاً، وإنه يعقب الرجعة بالنص، ولا يفتقر إلى النية لأنه صريح فيه لغلبة الاستعمال هداية. (ولا يقع به إلا واحدة) رجعية (وإن نوى أكثر من ذلك) أي: أكثر من الواحدة الرجعية؛ فيشمل الواحدة البائنة، والأكثر من الواحدة، لأنه نعت فرد حتى قيل للمثنى: طالقان، وللثلاث: طوالق، فلا يحتمل العدد، لأنه ضده، والعدد الذي يقرن به نعت لمصدر محذوف معناه طلاقاً ثلاثاً، هداية. ومجرد النية من غير لفظ دال لا عبرة بها (ولا يفتقر إلى النية) لأن النية لتعيين المحتمل، وهذا مستعمل في خاص (وقوله أنت الطلاق) أو طلاق (أو أنت طالق الطلاق، أو أنت طالق طلاقاً، فإن لم تكن له نية) أو نوى واحدة أو اثنتين (فهي واحدة رجعية) ، لأنه مصدر صريح لا يحتمل العدد (وإن نوى به ثلاثاً كان ثلاثا) ، لأن المصدر يحتمل العموم والكثرة، فيتناول الأدنى مع احتمال الكل، ويتعين بالنية. (والضرب الثاني الكنايات) وهي: مالم يوضع له واحتمله وغيره (ولا يقع بها الطلاق إلا بنية أو دلالة حال) من مذاكرة الطلاق، أو وجود الغضب لأنها غير موضوعة للطلاق، بل تحتمله وغيره، فلابد من التعيين أو دلالته، لأن الطلاق لا يقع بالاحتمال (وهي) : أي ألفاظ الكنايات (على ضربين: منها ثلاثة ألفاظ يقع بها الطلاق الرجعي) إذا نوى الطلاق (ولا يقع بها إلا طلقة واحدة، وهي: قوله اعتدى) لاحتمال أنه أراد اعتدى نعم الله تعالى، أو نعمى عليك، أو اعتدى من النكاح فإذا نوى الاعتداد من النكاح زال الإبهام ووجب بها الطلاق اقتضاء، كأنه قال: طلقتك، أو أنت طالق فاعتدى (و) كذا (استبرئي رحمك) ، فإنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 وأنت واحدةٌ، وبقية الكنايات إذا نوى بها الطلاق كانت واحدةً بائنةً، وإن نوى بها ثلاثاً كانت ثلاثاً، وإن نوى اثنتين كانت واحدةً، وهذا   يستعمل بمعنى الاعتداد؛ لأنه تصريح بما هو المقصود بالعدة، فكان بمنزلته، ويحتمل الاستبراء ليطلقها حال فراغ رحمها. أي تعرفي رحمك لأطلقك. (وأنت واحدة) لاحتمال أنه أراد أنت واحدة عند قومك أو منفردة عندي ليس لي معك غيرك أو نعتاً لمصدر محذوف: أي أنت طالق تطليقة واحدة، فإذا نواه جعل كأنه قاله، قال في الهداية: ولما احتملت هذه الألفاظ الطلاق وغيره تحتاج فيه إلى النية، ولا يقع إلا واحدة لأن قوله "أنت طالق" فيها مقتضى مضمر ولو كان مظهراً لا يقع به إلا واحدة فإذا كان مضمر أولى، ثم قال: ولا معتبر بإعراب الواحدة عند عامة المشايخ، وهو الصحيح لأن العوام لا يميزون بين وجوه الإعراب اهـ، وقوله "فيها مقتضى أو مضمر" يعني أن ثبوت الطلاق بهذه الألفاظ إما بطريق الاقتضاء كما في "اعتدي واستبرئي رحمك" لأن الطلاق ثبت شرعاً لا لغة، وإما بطريق الإضمار كما في قوله " أنت واحدة"؛ لأنه لما زال الإبهام بنية الطلاق ثبت الطلاق لغة على أنه مضمر فيه بحذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، وهذا سائغ في كلامهم، وقوله "ولا معتبر بإعراب الواحدة - الخ" احتراز عما قبل إن رفع واحدة لا يقع به شيء، لأنه صفة للمرأة، وإن نصبها وقعت واحدة لأنها صفة للمصدر، وإن سكن اعتبرت نيته كما في غاية البيان، وتمامه فيها (وبقية الكنايات) أي ما سوى الألفاظ الثلاثة المذكورة (إذا نوى بها الطلاق كانت) طلقة (واحدة بائنة) لأنها ليست كناية عن مجرد الطلاق، بل عن الطلاق على وجه البينونة؛ لأنها عوامل في حقائقها، واشترط النية لتعيين أحد نوعي البينونة دون الطلاق (وإن نوى) طلاقا (ثلاثاً كانت ثلاثاً) ؛ لأن البينونة نوعان: مغلظة وهي الثلاث، ومخففة وهي الواحدة، فأيهما نوى وقعت لاحتمال اللفظ (وإن نوى اثنتين كانت) طلقة (واحدة) لأن الثنتين عدد محض، ولا دلالة عليه؛ فيثبت أدنى البينونتين وهي الواحدة (وهذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 مثل قوله: أنت بائنٌ، وبتةٌ، وبتلةٌ، وحرامٌ، وحبلك على غاربك، والحقي بأهلك، وخليةٌ، وبريةٌ، ووهبتك لأهلك، وسرحتك، وفارقتك، وأنت حرةٌ، وتقنعي، وتخمري، واستتري، واعزبي، واغربي، وابتغي الأزواج، فإن لم يكن له نية لم يقع بهذه الألفاظ طلاقٌ، إلا أن يكونا في مذاكرة الطلاق، فيقع بها الطلاق في القضاء، ولا يقع فيما بينه وبين الله تعالى إلا أن ينويه، وإن لم يكونا في مذاكرة الطلاق وكانا في غضبٍ أو خصومةٍ وقع الطلاق بكل لفظٍ لا يقصد به السب والشتيمة، ولم يقع بما يقصد به السب والشتيمة إلا أن ينويه،   مثل قوله) لامرأته: (أنت بائن) أو (وبتة) أو (وبتلة) أو (وحرام) أو (وحبلك على غاربك) أو (والحقي) بالوصل والقطع (بأهلك) أو (وخلية) أو (وبرية) أو (وهبتك لأهلك) أو (وسرحتك) أو (وفارقتك) أو (وأنت حرة) أو (وتقنعي) أو (وتخمري) أو (واستتري) أو (واغربي) بمعجمة فمهملة، من الغربة وهي البعد، أو (واعزبي) بمهملة فمعجمة، من العزوبة وهي عدم الزواج، أو اخرجي، أو اذهبي، أو قومي، أو (وابتغي الأزواج) أو نحو ذلك (فإن لم تكن له نية لم يقع بهذه الألفاظ طلاق) ؛ لأنها تحتمله وغيره، والطلاق لا يقع بالاحتمال (إلا أن يكونا) : أي الزوجان (في مذاكرة الطلاق فيقع بها الطلاق) أي ببعضها، وهو: كل لفظ لا يصلح رداً لقولها وهذا (في القضاء) ؛ لأن الظاهر أن مراده الطلاق، والقاضي إنما يقضي بالظاهر (ولا يقع) فيما يصلح ردا لقولها، لاحتمال إرادة الرد وهو الأدنى فيحمل عليه، ولا (فيما بينه وبين الله تعالى) في الجميع (لا أن ينويه) ؛ لأنه يحتمل غيره (وإن لم يكونا في مذاكرة الطلاق، و) لكن (كانا في غضب أو خصومة وقع الطلاق) قضاء أيضا (بكل لفظ لا يقصد به السب والشتيمة) ، لأن الغضب يدل على إرادة الطلاق (ولم يقع بما يقصد به السب والشتيمة إلا أن ينويه) ، لأن الحال يدل على إرادة السب والشتيمة، وبيان ذلك أن الأحوال ثلاثة: حال مطلقة وهي حالة الرضا، وحالة مذاكرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 وإذا وصف الطلاق بضرب من الزيادة والشدة كان بائناً، مثل أن يقول: أنت طالقٌ بائنٌ، أو طالقٌ أشد الطلاق، أو أفحش الطلاق، أو طلاق الشيطان والبدعة، وكالجبل، وملء البيت. وإذا أضاف الطلاق إلى جملتها أو إلى ما يعبر به عن الجملة وقع الطلاق   الطلاق، وحالة الغضب، والكنايات ثلاثة أقسام: قسم منها يصلح جوابا ولا يصلح رداً ولا شتما، وهي ثلاثة ألفاظ: أمرك بيدك، اختاري، اعتدي، ومرادفها، وقسم يصلح جوابا وشتما ولا يصلح رداً، وهي خمسة ألفاظ: خلية، برية، بتة، بائن، حرام، ومرادفها، وقسم يصلح جوابا ورداً ولا يصلح سباً وشتما؛ وهي خمسة أيضا: اخرجي، اذهبي، اغربي، قومي، تقنعي، ومرادفها، ففي حالة الرضا لا يقع الطلاق بشيء منها إلا بالنية، والقول قوله في عدم النية، وفي حالة مذاكرة الطلاق يقع بكل لفظ لا يصلح للرد وهو القسم الأول والثاني، وفي حالة الغضب لا يقع بكل لفظ يصلح للسب والرد وهو القسم الثاني والثالث، ويقع بكل لفظ لا يصلح لهما بل للجواب فقط وهو القسم الأول. كما في الإيضاح. (وإذا وصف الطلاق بضرب من الزيادة والشدة كان) الطلاق (بائناً) ، لأن الطلاق يقع بمجرد اللفظ، فإذا وصفه بزيادة وشدة أفاد معنى ليس في لفظه، وذلك (مثل أن يقول: أنت طالق بائن؛ أو طالق أشد الطلاق) أو (أفحش الطلاق) أو أشره أو أخبثه أو (وطلاق الشيطان) أو (البدعة) أو (كالجبل) أو (ملء البيت) أو عريضة، أو طويلة. لأن الطلاق إنما يوصف بهذه الصفة باعتبار أثره، وهي البينونة في الحال، فتقع واحدة بائنة إذا لم يكن له نية، أو نوى ثنتين في غير الأمة، أما إذا نوى الثلاث فثلاث، لما مر من قبل، ولو عنى بقوله "أنت طالق" واحدة، وبقوله "بائن" أو "البتة" أخرى يقع تطليقتان بائنتان، لأن هذا الوصف يصلح لابتداء الإيقاع، هداية. (وإذا أضاف الطلاق إلى جملتها أو إلى ما يعبر به عن الجملة وقع الطلاق) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 مثل أن يقول: أنت طالق، أو رقبتك طالقٌ، أو عنقك طالقٌ، أو روحك طالقٌ، أو بدنك، أو جسدك، أو فرجك، أو وجهك. وكذلك إن طلق جزءاً شائعاً منها، مثل أن يقول: نصفك، أو ثلثك وإن قال: يدك - أو رجلك - طالقٌ؛ لم يقع الطلاق. وإن طلقها نصف تطليقةٍ أو ثلث تطليقةٍ كانت طلقةً واحدةً. وطلاق المكره والسكران واقعٌ،   وذلك (مثل أن يقول) لها: (أنت طالق، أو رقبتك طالق، أو عنقك طالق، أو روحك طالق، أو جسدك، أو بدنك، أو فرجك، أو وجهك) أو رأسك، لأن هذه الأشياء يعبر بها عن الجملة؛ فكان بمنزلة قوله أنت طالق (وكذلك إن طلق جزءا شائعاً) منها، وذلك (مثل أن يقول) لها: (نصفك أو ثلثك طالق) ، لأن الجزء الشائع محل لسائر التصرفات كالبيع وغيره، فكذا يكون محلا للطلاق، إلا أنه لا يتجزأ في حق الطلاق فيثبت في الكل ضرورة (وإن قال: يدك أو رجلك طالق لم يقع الطلاق) ، لإضافته إلى غير محله؛ فيلغو كما إذا أضافه إلى ريقها أو إلى ظفرها، واختلفوا في البطن والظهر، والأظهر أنه لا يعبر بهما عن جميع البدن، هداية. (وإن طلقها نصف تطليقة أو ثلث تطليقة كانت طلقة واحدة) ، لأن الطلاق لا يتجزأ، وذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر الكل. (وطلاق المكره والسكران واقع) قال في الينابيع: يريد بالسكران الذي سكر بالخمر أو بالنبيذ أما إذا سكر بالبنج أو من الدواء لا يقع طلاقه بالإجماع، قال في الجوهرة: وفي هذا الزمان إذا سكر بالبنج يقع طلاقه زجراً عليه، وعليه الفتوى، ثم الطلاق بالسكر من الخمر واقع سواء شربها طوعا أو كرهاً أو مضطرا، قاله الزاهدي، كذا في التصحيح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 ويقع طلاق الأخرس بالإشارة. وإذا أضاف الطلاق إلى النكاح وقع عقيب النكاح، مثل أن يقول: إن تزوجتك فأنت طالقٌ، أو كل امرأة أتزوجها فهي طالقٌ، وإن أضافه إلى شرطٍ وقع عقيب الشرط، مثل أن يقول لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالقٌ. ولا يصح إضافة الطلاق إلا أن يكون الحالف مالكاً أو يضيفه إلى ملكٍ وإن قال لأجنبيةٍ " إن دخلت الدار فأنت طالقٌ" ثم تزوجها فدخلت الدار لم تطلق.   (ويقع طلاق الأخرس بالإشارة) المعهودة له، لأنها قائمة مقام عبارته دفعاً للحاجة، (وإذا أضاف الطلاق إلى النكاح وقع) الطلاق (عقيب النكاح) وذلك (مثل أن يقول) لأجنبية: (إن تزوجتك فأنت طالق، أو) يقول: (كل امرأة أتزوجها فهي طالق) فإذا تزوجها طلقت، ووجب لها نصف المهر، فإن دخل بها وجب لها مهر مثلها، ولا يجب الحد، لوجود الشبهة، ثم إذا تزوجها لا تطلق ثانياً لأن "إن" لا توجب التكرار، وأما " كل" فإنها توجب تكرار الأفراد دون الأفعال، حتى لو تزوج امرأة أخرى تطلق (وإذا أضافه) أي الطلاق (إلى) وجود (شرط وقع عقيب) وجود (الشرط) وذلك (مثل أن يقول لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق) ، وهذا بالاتفاق، لأن الملك قائم في الحال، والظاهر بقاؤه إلى وقت الشرط، ويصير عند وجود الشرط كالمتكلم بالطلاق في ذلك الوقت. (ولا يصح إضافة الطلاق) أي تعليقه (إلا أن يكون الحالف مالكا) للطلاق حين الحلف، كقوله لمنكوحته: إن دخلت الدار فأنت طالق (أو يضيفه إلى ملك) ، كقوله الأجنبية: إن نكحتك فأنت طالق (وإن) لم يكن مالكا للطلاق حين الحلف ولم يضفه إلى ملك بأن (قال لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم تزوجها فدخلت الدار لم تطلق) ، لعدم الملك حين الحلف والإضافة إليه، ولابد من واحد منهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 وألفاظ الشرط: إن، وإذا، وكل، وكلما، ومتى، ومتى ما، ففي كل هذه الشروط إذا وجد الشرط انحلت اليمين، إلا في كلما، فإن الطلاق يتكرر بتكرار الشرط حتى يقع ثلاث تطليقاتٍ، فإن تزوجها بعد ذلك وتكرر الشرط لم يقع شيءٌ، وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها. فإن وجد في ملكه انحلت اليمين ووقع الطلاق. وإن وجد في غير ملكه انحلت اليمين ولم يقع شيء، وإذا اختلفا في وجود الشرط فالقول قول الزوج فيه، إلا أن تقيم   (وألفاظ الشرط: إن) بكسر الهمزة (وإذا، وإذ ما، وكل) وهذا ليس بشرط حقيقة، لأن ما يليها اسم، والشرط ما يتعلق به الجزاء، والأجزية تتعلق بالأفعال، لكنه ألحق بالشرط لتعلق الفعل بالاسم الذي يليها، كقولك: كل امرأة أتزوجها فكذا، درر (وكلما، ومتى، ومتى ما) ونحو ذلك، كلو، نحو: أنت كذا لو دخلت الدار (ففي كل هذه الشروط إذا وجد الشرط انحلت اليمين) ، لأنها غير مقتضية للعموم والتكرار، فبوجود الفعل مرة يتم الشرط، ولا بقاء لليمين بدونه (إلا في كلما فإن الطلاق يتكرر بتكرار الشرط) لأنها تقتضي تعميم الأفعال، ومن ضرورة التعميم التكرار (حتى يقع ثلاث تطليقات) ، وينتهي الحل بزوال المحلية (فإن تزوجها بعد ذلك وتكرر الشرط لم يقع شيء) ، لأن باستيفاء الطلقات الثلاث المملوكات في هذا النكاح لم يبق الجزاء وبقاء اليمين به وبالشرط، وفيه خلاف زفر. هداية (وزوال الملك) بطلقة أو اثنتين (بعد اليمين لا يبطلها) : أي لا يبطل اليمين، لأنه لا يوجد الشرط فبقي، والجزاء باق لبقاء محله، فبقي اليمين. قيدنا زوال الملك بالطلقة أو الثنتين لأنه إذا زال بثلاث طلقات فإنه يبطل اليمين، لزوال المحلية (فإن وجد الشرط في ملكه انحلت اليمين) لوجود الشرط (ووقع الطلاق) لوجود المحلية (وإن وجد) الشرط (في غير ملكه انحلت اليمين) أيضاً، لوجود الشرط (ولم يقع شيء) لعدم المحلية (وإذا اختلفا) : أي الزوجان (في وجود الشرط) وعدمه (فالقول قول الزوج فيه) لتمسكه بالأصل، وهو عدم الشرط (إلا أن تقيم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 البينة فإن كان الشرط لا يعلم إلا من جهتها فالقول قولها في حق نفسها مثل أن يقول: إن حضت فأنت طالقٌ، فقالت: قد حضت، طلقت. وإذا قال: إذا حضت فأنت طالقٌ وفلانة، فقالت: قد حضت، طلقت هي ولم تطلق فلانة، وإذا قال لها: إذا حضت فأنت طالقٌ، فرأت الدم لم يقع الطلاق حتى يستمر ثلاثة أيام، فإذا تمت ثلاثة أيامٍ حكمنا بوقوع الطلاق من حين حاضت، وإذا قال لها: إذا حضت حيضةً فأنت طالقٌ، لم تطلق حتى تطهر من حيضها. وطلاق الأمة تطليقتان، حرا كان زوجها أو عبداً، وطلاق الحرة ثلاثٌ، حراً كان زوجها أو عبداً.   المرأة (البينة) لأنها مدعية. (فإن كان الشرط) لا يطلع عليه غيرها و (لا يعلم إلا من جهتها فالقول) فيه (قولها) لكن (في حق نفسها) فقط وذلك (مثل أن يقول) لها: (إن حضت فأنت طالق، فقالت: قد حضت: طلقت) استحساناً، لأنها أمينة في حق نفسها حيث لا يوقف عليه إلا من جهتها كما في انقضاء العدة (وإذا قال) لها (إن حضت فأنت طالق وفلانة، فقالت: قد حضت، طلقت هي) فقط (ولم تطلق فلانة) لأنها في حق الغير كالمدعية، فصارت كأحد الورثة إذا أقر بدين على الميت قبل قوله في حصته ولم يقبل في حق بقية الورثة (وإذا قال لها) أي لزوجته: (إن حضت فأنت طالق فرأت الدم لم يقع الطلاق) عليها حالا، بل (حتى يستمر ثلاثة أيام) ، لاحتمال انقطاعه دونها فلا يكون حيضاً (فإذا تمت لها ثلاثة أيام حكمنا بوقوع الطلاق من حين حاضت) لأنه بالامتداد عرف أنه من الرحم فكان حيضاً من الابتداء (وإذا قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر من حيضها) ؛ لأن الحيضة بالهاء هي الكاملة منها، ولهذا حمل عليه حديث الاستبراء، وكما لها بانتهائها، وذلك بالطهر، هداية. (وطلاق الأمة تطليقتان، حرا كان زوجها أو عبداً، وطلاق الحرة ثلاث، حرا كان زوجها أو عبداً) والأصل في هذا الطلاق والعدة عندنا معتبران بالنساء، لأن حل المحلية نعمة في حقها، والرق أثر في تصنيف النعم، إلا أن العقدة لا تتجزأ فتكاملت عقدين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 وإذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول بها ثلاثاً وقعن عليها، فإن فرق الطلاق بانت بالأولى ولم تقع الثانية، وإذا قال لها أنت طالقٌ واحدةً وواحدةً وقعت عليها واحدةٌ. وإن قال لها أنت طالقٌ واحدةً قبل واحدةٍ وقعت واحدةٌ، وإن قال لها واحدةً قبلها واحدةٌ وقعت ثنتان.   (وإذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول بها) والخلوة (ثلاثاً) جملة (وقعن عليها) ؛ لأن الواقع مصدر محذوف، لأن معناه طلاقا ثلاثا على ما بينا فلم يكن قوله أنت طالق إيقاعا على حدةٍ فيقعن جملة، هداية (فإن فرق الطلاق) كأن يقول لها: أنت طالق طالق طالق (بانت بالأولى ولم تقع الثانية) ، لأن كل واحدة إيقاع على حدة، وليس عليها عدة، فإذا بانت بالأولى صادفها الثاني وهي أجنبية (وإن قال لها أنت طالق واحدة وواحدة وقعت عليها) طلقة (واحدة) لما ذكرنا أنها بانت بالأولى، فلم تقع الثانية (وإن قال لها أنت طالق واحدة قبل واحدة وقعت) عليها (واحدة) والأصل في ذلك أن الملفوظ به أولا إن كان موقعاً أولاً وقعت واحدة، وإن كان الملفوظ به أولا موقعاً آخرا وقعت ثنتان، لأن الإيقاع في الماضي إيقاع في الحال، لأن الإسناد ليس في وسعه فيقترنان فإذا ثبت هذا فقوله: " أنت طالق واحدة قبل واحدة" الملفوظ به أولا موقع أولا، فتقع الأولى لا غير، لأنه أوقع واحدة وأخبر أنها قبل أخرى ستقع، وقد بانت بهذه، فلعنت الثانية (و) كذا (إن قال لها واحدة بعدها واحدة وقعت واحدة) أيضا، لأن الملفوظ به أولا موقع أولا فتقع الأولى لا غير، لأنه أوقع واحدة، وأخبر أن بعدها أخرى ستقع (وإن قال لها) : أنت طالق (واحدة قبلها واحدة وقعت ثنتان) لأن الملفوظ به أولا موقع آخراً، لأنه أوقع واحدة وأخبر أن قبلها واحدة سابقة؛ فوقعتا معاً، لما تقدم أن الإيقاع في الماضي إيقاع في الحال (و) كذا (إن قال واحدة بعد واحدة، أو مع واحدة، أو معها واحدة - وقعت ثنتان) أيضا، لأنه في الأولى أوقع واحدة وأخبر أنها بعد واحدة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 وإن قال واحدةً بعدها واحدةٌ وقعت واحدةٌ، وإن قال لها واحدةً بعد واحدةٍ أو مع واحدةٍ أو معها واحدةٌ وقعت ثنتان، وإذا قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالقٌ واحدةً وواحدةً، فدخلت الدار وقعت عليها واحدةٌ عند أبي حنيفة. وإذا قال لها أنت طالقٌ بمكة فهي طالقٌ في كل البلاد. وكذلك إذا قال أنت طالقٌ في الدار، وإن قال لها أنت طالقٌ إذا دخلت مكة لم تطلق حتى تدخل مكة، وإن قال لها أنت طالقٌ غداً وقع الطلاق عليها بطلوع الفجر. وإذا قال لامرأته " اختاري نفسك" ينوي بذلك الطلاق، أو قال لها " طلقي نفسك" فلها أن تطلق نفسها   سابقة فاقترنتا، وفي الثانية والثالثة " مع" للمقارنة، فكأنه قرن بينهما فوقعتا. (وإن قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة وواحدة) بتقديم الشرط (فدخلت الدار وقعت عليها واحدة عند أبي حنيفة) وعندهما ثنتان، وإن أخر الشرط يقع ثنتان اتفاقا؛ لأن الشرط إذا تأخر بغير صدر الكلام فيتوقف عليه فيقعن جملة، ولا مغير فيما إذا تقدم الشرط فلم يتوقف ولو عطف بحرف الفاء فهو على هذا الخلاف فيما ذكر الكرخي، وذكر الفقيه أبو الليث أنه يقع واحدة بالاتفاق، لأن الفاء للتعقيب، وهو الأصح، هداية (وإذا قال لها أنت طالق بمكة) أو في مكة (فهي طالق) في الحال (في كل البلاد،) كذلك (إذا قال أنت طالق في الدار) ؛ لأن الطلاق لا يتخصص بمكان دون مكان، وإن عنى به إذا أتيت مكة يصدق ديانة لا قضاء؛ لأنه نوى الإضمار، وهو خلاف الظاهر، هداية (وإن قال أنت طالق إذا دخلت مكة لم تطلق حتى تدخل مكة) ؛ لأنه علقه بالدخول، ولو قال "في دخولك الدار) يتعلق بالفعل؛ لمقاربة بين الشرط والظرف فحمل عليه عند تعذر الظرف هداية (وإن قال لها أنت طالق غداً وقع الطلاق عليها بطلوع الفجر) ؛ لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد، وذلك بوقوعه في أول جزء منه، ولو نوى آخر النهار صدق ديانة لا قضاء؛ لأنه نوى التخصيص في العموم، وهو يحتمله مخالفاً للظاهر. هداية. (وإن قال لامرأته اختاري نفسك ينوي بذلك الطلاق) قيد بنية الطلاق لأنه من الكنايات؛ فلا يعمل إلا بالنية (أو قال لها طلقي نفسك؛ فلها أن تطلق نفسها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 ما دامت في مجلسها ذلك، فإن قامت منه أو أخذت في عملٍ آخر خرج الأمر من يدها، وإن اختارت نفسها في قوله "اختاري" كانت واحدةً بائنةً ولا يكون ثلاثاً وإن نوى الزوج ذلك، ولابد من ذكر النفس في كلامه أو في كلامها، وإن طلقت نفسها في قوله " طلقي نفسك" فهي واحدةٌ رجعيةٌ، وإن طلقت نفسها ثلاثاً وقد أراد الزوج ذلك وقعن عليها، وإن قال لها "طلقي نفسك متى شئت" فلها أن تطلق نفسها في المجلس وبعده وإذا قال لرجلٍ "طلق امرأتي" فله أن يطلقها في المجلس وبعده،   ما دامت في مجلسها ذلك) ولا اعتبار بمجلس الرجل، حتى لو قام عن مجلسه وهي في مجلسها كانت على خيارها. (فإن قامت منه) : أي المجلس (أو أخذت في عمل آخر خرج الأمر من يدها) ؛ لأن المخيرة لها المجلس بإجماع الصحابة، ولأنه تمليك الفعل منها، والتمليكات تقتضي جوابا في المجلس كما في البيع، لأن ساعات المجلس اعتبرت ساعة واحدة إلا أن المجلس تارة يتبدل بالذهاب عنه، ومرة بالاشتغال بعمل آخر؛ إذ مجلس الأكل غير مجلس المناظرة، ومجلس القتال غيرهما. هداية. (وإن ختارت نفسها في قوله "اختاري" كانت) طلقة (واحدة بائنة) لأن اختيارها نفسها بثبوت اختصاصها بها، وذلك بالبائن؛ إذ بالرجعي يتمكن الزوج من رجعتها بدون رضاها (ولا يكون ثلاثاً وإن نوى الزوج ذلك) لأن الاختيار لا يتنوع لأنه ينبئ عن الخلوص وهو غير متنوع إلى الغلظة والخفة، بخلاف البينونة (ولابد من ذكر النفس في كلامه أو في كلامها) فلو قال لها " اختاري" فقالت " اخترت" كان لغواً، لأن قولهما " اخترت" من غير ذكر النفس في أحد كلاميهما محتمل لاختيار نفسها أو زوجها؛ فلا تطلق بالشك (وإن طلقت نفسها في قوله " طلقي نفسك" فهي) طلقة (واحدة رجعية) لأنه صريح (وإن طلقت نفسها ثلاثاً) جملة أو متفرقاً (وقد أراد الزوج ذلك وقعن عليها) ، لأن الأمر يحتمل العدد وإن لم يقتضيه، فإذا نواه صحت نيته (وإن قال لها " طلقي نفسك متى شئت" فلها أن تطلق نفسها في المجلس وبعده) لأن كلمة " متى" لعموم الأوقات، ولها المشيئة مرة واحدة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 وإن قال "طلقها إن شئت" فله أن يطلقها في المجلس خاصةً، وإن قال لها "إن كنت تحبيني أو تبغضيني فأنت طالقٌ" فقالت: أنا أحبك أو أبغضك وقع الطلاق وإن كان في قلبها خلاف ما أظهرت، وإذا طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقاً بائناً فمات وهي في العدة ورثت منه، وإن مات بعد انقضاء عدتها فلا ميراث لها.   لأنها لا تقتضي التكرار فإذا شاءت مرة وقع الطلاق، ولم يبق لها مشيئة، فلو راجعها فشاءت بعد ذلك كان لغواً، ولو قال " كلما شئت" كان لها ذلك أبداً حتى تكمل الثلاث؛ لأن " كلما" تقتضي التكرار، فكلما شاءت وقع عليها الطلاق حتى تكمل الثلاث، فإن عادت إليه بعد زوج آخر سقطت مشيئتها لزوال المحلية، وليس لها أن تطلق نفسها ثلاثاً بكلمة واحدة لأنها توجب عموم الانفراد لا عموم الاجتماع، وإن قال لها " إن شئت" فذلك مقصور على المجلس، وتمامه في الجوهرة] . (وإن قال لرجل طلق امرأتي فله) : أي للرجل المخاطب (أن يطلقها في المجلس وبعده) ؛ لأنها وكالة، وهي لا تتقيد بالمجلس (وإن قال) له: طلقها (إن شئت، فله أن يطلقها في المجلس خاصة) لأن التعليق بالمشيئة تمليك لا توكيل (وإن قال لها) أي لزوجته (إن كنت تحبينني أو) قال لها: إن كنت (تبغضيني فأنت طالق، فقالت) له: (أنا أحبك أو أبغضك وقع الطلاق) عليها (وإن كان في قلبها خلاف ما أظهرت) ، لأنه لما تعذر الوقوف على الحقيقة جعل السبب الظاهر - وهو الإخبار - دليلا عليه. (وإن طلق الرجل امرأته في مرض موته) وهو الذي يعجز به عن إقامة مصالحه خارج البيت، هو الأصح درر (طلاقاً بائناً) من غير سؤال منها ولا رضاها (فمات) فيه (وهي في العدة ورثت منه، وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها) ، لأنه لم يبق بينهما علاقة وصارت كالأجانب قيد بالبائن لأن الرجعي لا يقطع الميراث في العدة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 وإذا قال الزوج لامرأته " أنت طالقٌ إن شاء الله" متصلا لم يقع الطلاق عليها. وإن قال لها " أنت طالقٌ ثلاثاً إلا واحدةً" طلقت اثنتين، وإن قال " ثلاثاً إلا اثنتين" طلقت واحدةً. وإذا ملك الزوج امرأته أو شقصاً منها أو ملكت المرأة زوجها أو شقصاً منه وقعت الفرقة بينهما. كتاب الرجعة   لأنه لا يزيل النكاح. وقيدنا بعدم السؤال والرضا لأنه إذا سألته ذلك وخالعها أو قال لها " اختاري" فاختارت نفسها لم ترث، لأنها رضيت بإبطال حقها. وقيدنا بالموت لأنه لو صح منه ثم مرض ومات في العدة لم ترث، ومثل المريض من قدم ليقتل، ومن انكسرت به السفينة وبقي على لوح، ومن افترسه السبع وصار في فمه، ونحو ذلك] . (وإذا قال الزوج لامرأته " أنت طالق إن شاء الله" متصلا لم يقع الطلاق عليها) لأن التعليق بشرط لا يعلم وجوده مغير لصدر الكلام، ولهذا اشترط. اتصاله. (وإن قال لها "أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة" طلقت اثنتين، وإن قال " ثلاثاً إلا ثنتين" طلقت واحدة) والأصل أن الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا، فشرط صحته أن يبقى وراء المستثنى شيء ليصير متكلما به، حتى لو قال "أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا" تطلق ثلاثا، لأنه استثنى جميع ما تكلم به، فلم يبق بعد الاستثناء شيء ليتكلم به. (وإذا ملك الزوج امرأته أو شقصاً) : أي جزءاً (منها أو ملكت المرأة زوجها أو شقصاً منه وقعت الفرقة بينهما) بغير طلاق، للمنافاة بين ملك النكاح وملك الرقبة، إلا أن يشتري المأذون أو المدبر أو المكاتب زوجته، لأن لهم حقا لا ملكا تاما جوهرة. كتاب الرجعة بالفتح وتكسر، وهي عبارة عن استدامة الملك القائم في العدة بنحو (راجعتك) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 - إذا طلق الرجل امرأته تطليقةً رجعيةً أو تطليقتين فله أن يراجعها في عدتها، رضيت بذلك أو لم ترض. والرجعة أن يقول: راجعتك، أو راجعت امرأتي، أو يطأها، أو يقبلها، أو يلمسها بشهوةٍ، أو أن ينظر إلى فرجها بشهوةٍ. ويستحب أن يشهد على الرجعة شاهدين، فإن لم يشهد صحت الرجعة   وبما يوجب حرمة المصاهرة، كما أشار إلى ذلك بقوله: (إذا طلق الرجل امرأته تطليقة رجعية) وهي الطلاق بصريح الطلاق بعد الدخول من غير مقابلة عوض قبل استيفاء عدد طلاقها (أو طلقتين) رجعيتين (فله أن يراجعها في عدتها) أي عدة امرأته المدخول بها حقيقة، إذ لا رجعة في عدة الخلوة، ابن كمال. وفي البزازية: ادعى الوطء بعد الدخول وأنكرت فله الرجعة، لا في عكسه (رضيت بذلك أو لم ترض) ؛ لأنها باقية على الزوجية، بدليل جواز الظهار عليها والإيلاء واللعان والتوارث والطلاق ما دامت في العدة بالإجماع، وقد دل على ذلك قوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن} سماه بعلا وهذا يقتضي بقاء الزوجية بينهما. جوهرة (والرجعة) إما أن تكون بالقول مثل (أن يقول: راجعتك) إذا كانت حاضرة، أو رددتك، أو أمسكتك (أو راجعت امرأتي) إذا كانت غائبة، ولا يحتاج في ذلك إلى نية؛ لأنه صريح (أو) بالفعل؛ مثل أن (يطأها، أو يقبلها، أو يلمسها بشهوة، أو ينظر إلى فرجها) الداخل (بشهوة) وكذا بكل ما يوجب حرمة المصاهرة؛ إلا أنه يكره ذلك، ويستحب أن يراجعها بعده بالقول. (ويستحب) له (أن يشهد على الرجعة شاهدين، فإن لم يشهد صحت الرجعة) لما مر أنها استدامة للنكاح القائم، والشهادة ليست شرطاً فيه حالة البقاء، كما في الفيء في الإيلاء، إلا أنها تستحب لزيادة الاحتياط؛ كيلا يجري التناكر فيها ويستحب له أن يعلمها كيلا تقع في المعصية. هداية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 وإذا انقضت المدة فقال: "قد كنت راجعتها في العدة" فصدقته فهي رجعةٌ، وإن كذبته فالقول قولها ولا يمين عليها عند أبي حنيفة وإذا قال الزوج "قد راجعتك" فقالت مجيبة له "قد انقضت عدتي" لم تصح الرجعة عند أبي حنيفة، وإذا قال زوج الأمه بعد انقضاء عدتها. "قد كنت راجعتها في العدة" فصدقه المولى وكذبته الامة فالقول قولها.   (وإذا انقضت العدة فقال) الزوج: (قد كنت راجعتها في العدة فصدقته فهي رجعة) بالتصادق (وإن كذبته فالقول قولها) ؛ لدعواه مالا يملك إنشاءه في الحال؛ فلا يصدق إلا بالبرهان (ولا يمين عليها عند أبي حنيفة) وقالا: عليها اليمين، وهي إحدى مسائل الاستحلاف الستة، قال في التصحيح: قد تقدم أن الفتوى على قولهما، قال الإمام قاضيخان في شرح الجامع الصغير في كتاب الفضاء في باب القضاء في الإيمان: المنكر يستحلف في الأشياء الستة عندهما، فإذا نكل حبس حتى يقر أو يحلف، والفتوى على هذا، قال الإمام السديدي الزوزني: وهو المختار عندي، وبه كنت أعمل بالري وأصبهان اهـ. (وإذا قال الزوج قد راجعتك فقالت) الزوجة مجيبة له (قد انقضت عدتي لم تصح الرجعة عند أبي حنيفة) وقالا: تصح، قال الإسبيجاني: والصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما؛ كذا في التصحيح (وإذا قال زوج الأمة بعد انقضاء عدتها قد كنت راجعتها في العدة فصدقه المولى) : أي مولى الأمة (وكذبته الأمة) ولا بينة (فالقول قولها) عند أبي حنيفة، وقالا: القول قول المولى لأن بضعها مملوك له، فقد أقر بما هو خالص حقه للزوج، فشابه الإقرار عليها بالنكاح، وهو يقول بأن حكم الرجعة يبتنى على العدة، والقول في العدة قولها، فكذا فيما يبتنى عليها. هداية. قال في التصحيح قول الإمام، ومشى عليه المحبوبي والنسفي وغيرهما، ولو كان على القلب فعندهما القول قول المولى، وكذا عنده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 وإذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة لعشرة أيامٍ انقطعت الرجعة وإن لم تغتسل، وإن انقطع لأقل من عشرة أيامٍ لم تنقطع الرجعة حتى تغتسل، أو يمضي عليها وقت صلاةٍ، أو تيمم وتصلي عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمدٌ: إذا تيممت انقطعت الرجعة، وإن لم تصل، وإن اغتسلت ونسيت شيئاً من بدنها لم يصبه الماء، فإن كان   في الصحيح، ونص عليه في الهداية، احترازا عما حكى في الينابيع من أنه على الخلاف. اهـ. (وإذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة) في الحرة والحيضة الثانية في الأمة (لعشرة أيام انقطعت الرجعة وإن لم تغتسل) ؛ لأن الحيض لا مزيد له على العشرة؛ فبمجرد الانقطاع خرجت من الحيض بيقين، فانقضت العدة وانقطعت الرجعة (وإن انقطع لأقل من عشرة أيام) وكانت الزوجة مسلمة (لم تنقطع الرجعة حتى تغتسل) لأن عود الدم محتمل؛ فيكون حيضاً لبقاء المدة، فلابد أن يعتضد الانقطاع بحقيقة الاغتسال (أو) بلزوم حكم من أحكام الطاهرات: بأن (يمضي عليها وقت الصلاة) فتصير ديناً في ذمتها، وهي لا تجب إلا على الطاهرات (أو تتيمم) للعذر (وتصلي) فيه ولو نفلا (عند أبي حنيفة وأبي يوسف) وهذا استحسان. هداية (وقال محمد: إذا تيممت) للعذر (انقطعت الرجعة وإن لم تصل) وهذا قياس، لأن التيمم حال عدم الماء طهارة مطلقة حتى يثبت به من الأحكام ما يثبت بالاغتسال فكان بمنزلته، ولهما أنه ملوث غير مطهر وإنما اعتبر طهارة ضرورة أن لا تتضاعف الواجبات، وهذه الضرورة تتحقق حال أداء الصلاة لا فيما قبلها من الأوقات هداية، قال الإمام بهاء الدين في شرحه لهذا الكتاب: والصحيح قولهما، واختاره المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة اهـ. تصحيح. قيدنا بالمسلمة احترازا عن الكتابية فإنه تنقطع بمجرد الانقطاع لعدم توقع أمارة زائدة في حقها كما في الهداية وغيرها (وإن اغتسلت ونسيت شيئاً من بدنها لم يصبه الماء؛ فإن كان) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 عضواً فما فوقه لم تنقطع الرجعة، وإن كان أقل من عضوٍ انقطعت. والمطلقة الرجعية تتشوف وتتزين ويستحب لزوجها أن لا يدخل عليها حتى يستأذنها أو يسمعها خفق نعليه. والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء، وإذا كان الطلاق بائناً دون الثلاث فله أن يتزوجها في عدتها وبعد انقضاء عدتها،   المنسي (عضواً) كاملا (فما فوقه لم تنقطع الرجعة، وإن كان أقل من ذلك انقطعت) قال في الهداية: وهذا استحسان، والقياس فيما دون العضو أن تبقى، لأن حكم الجنابة والحيض لا يتجزأ، ووجه الاستحسان - وهو الفرق - أن ما دون العضو يتسارع إليه الجفاف لقلته فلا يتيقن بعدم وصول الماء إليه فقلنا: إنه تنقطع الرجعة، ولا يحل لها التزوج؛ أخذاً بالاحتياط فيهما، بخلاف العضو الكامل، لأنه لا يتسارع إليه الجفاف ولا يغفل عنه عادة فافترقا. اهـ. (والمطلقة) الطلقة (الرجعية) يستحب لها أنها (تتشوف) أي تتراءى لزوجها (وتتزين) له؛ لأن الزوجية قائمة والرجعة مستحبة، والتزين داع لها (ويستحب لزوجها أن لا يدخل عليها حتى يستأذنها) بالتنحنح ونحوه (أو يسمعها خفق نعله) إن لم يكن قصد المراجعة، لأنها ربما تكون متجردة فيقع بصره على موضع يصير به مراجعاً ثم يطلقها فتطول عليها العدة. (والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء) ، لأنه لا يزيل الملك، ولا يرفع العقد، بدليل أن له مراجعتها من غير رضاها، ويلحقها الظهار والإيلاء واللعان، ولذا لو قال (نسائي طوالق) دخلت في جملتهن وإن لم ينوها، جوهرة (وإذا كان الطلاق بائناً دون الثلاث فله أن يتزوجها في عدتها وبعد انقضاء عدتها) لأن حل المحلية باقٍ، لأن زواله معلق بالطلقة الثالثة فينعدم قبله، ومنع الغير في العدة لاشتباه النسب، ولا اشتباه في إباحته له الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 وإن كان الطلاق ثلاثاً في الحرة أو اثنتين في الأمة لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً ويدخل بها ثم يطلقها أو يموت عنها. والصبي المراهق في التحليل كالبالغ، ووطء المولى لا يحللها، وإذا تزوجها بشرط التحليل فالنكاح مكروهٌ، فإن وطئها حلت للاور، وإذا طلق الحرة تطليقةً أو تطليقتين وانقضت عدتها وتزوجت بزوج آخر ثم عادت إلى   (وإذا كان الطلاق ثلاثاً في الحرة أو اثنتين في الأمة) ولو قبل الدخول (لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحا ويدخل بها) أي يطأها (ثم يطلقها أو يموت عنها) وتنقضي عدتها منه، قيد بالنكاح الصحيح احترازا عن الفاسد والموقوف، فلو نكحها عبد بلا إذن السيد ووطئها قبل الإجازة لا يحلها حتى يطأها بعدها كما في الدرر (والصبي المراهق) وهو الذي تتحرك آلته وتشتهي وقدره شمس الإسلام بعشر سنين (في التحليل كالبالغ) لوجود الوطء في نكاح صحيح، وهو الشرط، وإنما عدم منه الإنزال وهو ليس بشرط فكان بمنزلة المسلول والفحل الذي لا ينزل (ووطء المولى لا يحللها) لاشتراط الزوج بالنص (وإذا تزوجها بشرط التحليل) ولو صريحاً بأن قال: تزوجتك على أن أحلك (فالنكاح) صحيح ولكنه (مكروه) تحريماً؛ لحديث (لعن الله المحلل والمحلل له) (فإن وطئها حلت للأول) ، لوجوه الدخول في نكاح صحيح؛ إذ النكاح لا يبطل بالشرط، هداية. وقال الإسبيجاني إذا تزوجها بشرط التحليل بالقلب ولم يقل باللسان تحل للأول في قولهم جميعاً، أما إذا شرط الإحلال بالقول فالنكاح صحيح عند أبي حنيفة وزفر، ويكره للثاني، وتحل للأول، وقال أبو يوسف: النكاح الثاني فاسد، والوطء فيه لا يحلها للأول، وقال محمد: النكاح الثاني صحيح، ولا تحل للأول، والصحيح قول أبي حنيفة وزفر، واعتمده المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، كذا في التصحيح (وإذا طلق) الرجل امرأته (الحرة تطليقة أو تطليقتين وانقضت عدتها) منه (وتزوجت بزوج آخر) ودخل بها، ثم طلقها الآخر (ثم عادت إلى) زوجها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 الأول عادت بثلاث تطليقاتٍ، ويهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث من الطلاق كما يهدم الثلاث. وقال محمدٌ: لا يهدم ما دون الثلاث. وإذا طلقها ثلاثاً فقالت "قد انقضت عدتي وتزوجت ودخل بي وطلقني وانقضت عدتي" والمدة تحتمل ذلك جاز للزوج أن يصدقها إذا كان في غالب ظنه أنها صادقةٌ. كتاب الإيلاء   (الأول عادت) إليه بحل جديد: أي (بثلاث تطليقات، ويهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث من الطلاق) عند أبي حنيفة وأبي يوسف (كما يهدم الثلاث) بالإجماع، لأنه إذا كان يهدم الثلاث فما دونها أولى (وقال محمد: لا يهدم ما دون الثلاث) قال الإمام أبو المعالي: والصحيح قول الإمام وصاحبه، ومشى عليه المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة. اهـ تصحيح. قيدنا بدخول الثاني لأنه لو لم يدخل لم يهدم اتفاقاً. قنية. (وإذا طلقها ثلاثاً) ومضت عليها مدة (فقالت قد انقضت عدتي) منك (وتزوجت) آخر (ودخل بي) الزوج الآخر (وطلقنيو) قد (انقضت عدتي) منه (و) كانت المدة تحتمل ذلك جاز للزوج) الأول (أن يصدقها) وينكحها (إذا كان غالب ظنه أنها صادقة) قال في الجوهرة: إنما ذكره مطولا لأنها لو قالت (حللت لك) فتزوجها ثم قالت (إن الثاني لم يدخل بي) إن كانت عالمة بشرط الحل للأول لم تصدق، وإن لم تكن عالمة به صدقت، وأما إذا ذكرته مطولا كما ذكر الشيخ فإنها لا تصدق على كل حال، وفي المبسوط: لو قالت (حللت) لا تحل له حتى يستفسرها، وإن تزوجها ولم يسألها ولم تخبره بشيء ثم قالت (لم أتزوج زوجاً آخر) أو (تزوجت ولم يدخل) فالقول قولها ويفسد النكاح. اهـ. كتاب الإيلاء منسبته البينونة مآلا. وهو لغة: الحلف مطلقاً. وشرعاً: الحلف على ترك قربان زوجته مدة مخصوصة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 - إذا قال الرجل لامرأته "والله لا أقربك، أو لا أقربك أربعة أشهرٍ" فهو مولٍ، فإن وطئها في الأربعة الأشهر حنث في يمينه، ولزمته الكفارة، وسقط الإيلاء، وإن لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت منه بتطليقةٍ، فإن كان حلف على أربعة أشهرٍ فقد سقطت اليمين، وإن كان حلف على الأبد فاليمين باقية، فإن عاد فتزوجها عاد الإيلاء، فإن وطئها لزمته الكفارة، وإلا وقعت بمضي أربعة أشهرٍ   وشرطه: محلية المرأة، بأن تكون منكوحة وقت تنجيز الإيلاء وأهلية الزوج للطلاق وحكمه، وقوع طلقة بائنة إن بر في حلفه، والكفارة والجزاء المعلق إن حنث، كما صرح بذلك بقوله (إذا قال الرجل لامرأته والله لا أقربك) أو (لا أجامعك) أو (لا أطؤك) أو (لا أغسل منك من جنابة) وكذا كل ما ينعقد به اليمين (أو) قال (لا أقربك أربعة أشهر) أو قال (إن قربتك فعلى حج أو عبدي حر، أو أنت طالق) ؛ (فهو مول) لقوله تعالى {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} الآية (فإن وطئها في الأربعة أشهر حنث في يمينه) لفعله المحلوف عليه (ولزمته الكفارة) في عقد اليمين والجزاء المعلق، أو الكفارة في التعليق على الصحيح الذي رجع إليه الإمام، كما في الشرنبلالية (وسقط الإيلاء) لانتهاء اليمين بالحنث (وإن لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت منه بتطليقة) ؛ لأنه ظلمها بمنع حقها، فجازاه الشرع بزوال نعمة النكاح عند مضي هذه المدة، وهو المأثور عن عثمان وعلي والعبادلة الثلاثة وزيد بن ثابت، رضي الله عنهم، وكفى بهم قدوة (فإن كان حلف على) مدة الإيلاء فقط (أربعة أشهر فقد سقطت اليمين) ؛ لأنها كانت موقنة بوقت، فترتفع بمضيه (وإن كان حلف على الأبد فاليمين باقية) بعد البينونة؛ لعدم الحنث (فإن عاد) إليها (فتزوجها ثانياً عاد الإيلاء) ؛ لما مر أن زوال الملك بعد اليمين لا يبطلها، إلا أنه لا يتكرر الطلاق قبل التزوج؛ لعدم منع الحق بعد البينونة (فإن وطئها) حنث في يمينه و (لزمته الكفارة) وسقط الإيلاء؛ لأنه يرتفع بالحنث (وإلا) يطأها (وقعت بمضي أربعة أشهر) أخرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 تطليقةٌ أخرى، فإن تزوجها عاد الإيلاء ووقع بمضي أربعة أشهرٍ تطليقةٌ أخرى، فإن تزوجها بعد زوجٍ آخر لم يقع بذلك الإيلاء طلاقٌ، واليمين باقيةٌ، فإن وطئها كفر عن يمينه. وإذا حلف على أقل من أربعة أشهرٍ لم يكن مولياً، وإن حلف بحجٍ أو صومٍ أو صدقةٍ أو عتقٍ أو طلاقٍ فهو مولٍ. وإن آلى من المطلقة الرجعية كان مولياً، وإن آلى من البائنة لم يكن مولياً   (تطليقة أخرى) أيضاً لأن بالتزوج ثبت حقها، فيتحقق الظلم، فيعتبر ابتداء هذا الإيلاء من وقت التزوج. هداية (فإن) عاد إليها و (تزوجها) ثالثاً (عاد الإيلاء ووقع بمضي أربعة أشهر) أخرى (تطليقة أخرى) ؛ لبقاء طلاق ذلك الملك ببقاء المحلية (فإن) عاد إليها و (تزوجها) رابعاً (بعد) حلها بتزوج (زوج آخر لم يقع بذلك الإيلاء طلاق) ؛ لزوال طلاق ذلك الملك بزوال المحلية (و) لكن (اليمين باقية) لعدم الحنث (وإن وطئها كفر عن يمينه) لوجود الحنث. (وإن حلف على أقل من أربعة أشهر لم يكن مولياً) ؛ لأنه يصل إلى جماعها في تلك المدة من غير يلزمه (وإن حلف بحج أو صوم أو صدقة أو عتق أو طلاق فهو مول) ؛ لتحقق المنع باليمين، وهو ذكر الشرط والجزاء؛ وهذه الأجزية مانعة، لما فيها من المشقة، وصورة الحلف بالعتق أن يعلق بقربانها عتق عبد، وفيه خلاف أبي يوسف؛ فإنه يقول: يمكنه البيع ثم القربان فلا يلزمه، وهما يقولان: البيع موهوم فلا يمنع المانعية فيه، هداية، قال في التصحيح: ومشى على قولهما الأئمة؛ حتى إن غالبهم لا يحكي الخلاف. اهـ. (وإن آلى من المطلقة الرجعية كان مولياً) ، لبقاء الزوجية، فإن انقضت عدتها قبل انقضاء مدة الإيلاء يسقط الإيلاء لفوات المحلية. جوهرة (وإن آلى من) المطلقة (البائنة لم يكن مولياً) ، لعدم بقاء الزوجية؛ إذ لا حق لها في الوطء؛ فلم يكن مانعاً حقها؛ بخلاف الرجعية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 ومندة إيلاء الأمة شهران. وإن كان المولى مريضاً لا يقدر على الجماع أو كانت المرأة مريضة أو كان بينهما مسافةٌ لا يقدر أن يصل إليها في مدة الإيلاء ففيئه أن يقول بلسانه: فئت إليها، فإن قال ذلك سقط الإيلاء، وإن صح في المدة بطل ذلك الفيء وصار فيئه بالجماع. وإذا قال لامرأته "أنت علي حرامٌ" سئل عن نيته، فإن قال أردت الكذب فهو كما قال،   (ومدة إيلاء الأمة شهران) ؛ لأنها مدة ضربت أجلاً للبينونة فتنصف في الرق كمدة العدة. (فإن كان المولى مريضاً) بحيث (لا يقدر على الجماع، أو كانت المرأة مريضة) أو رتقاء أو صغيرة لا تجامع (أو كان بينهما مسافة) بعيدة، بحيث (لا يقدر أن يصل إليها في مدة الإيلاء) أو محبوسة أو ناشزة لا يصل إليها (ففيئه أن يقول بلسانه: فئت إليها) ؛ أو أبطلت الإيلاء، أو رجعت عما قلت، أو نحو ذلك (فإذا قال ذلك سقط الإيلاء) لأنه آذاها بذكر المنع فيكون إرضاؤها بالوعد، وإذا ارتفع الظلم لا يجازى بالطلاق (وإن صح) من مرضه أو زال المانع (في المدة بطل ذلك الفيء) الذي ذكره بلسانه (وصار فيئه بالجماع) ؛ لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود؛ فيبطل الخلف، كالتيمم. (وإذا قال) الرجل (لامرأته أنت علي حرام) أو أنت معي في الحرام، أو نحو ذلك (سئل عن نيته: فإن قال أردت الكذب فهو كما قال) ، لأنه نوى حقيقة كلامه، قال في التصحيح: هذا ظاهر الرواية، ومشى عليه الحلواني، وقال السرخسي: لا يصدق في القضاء، حتى قال في الينابيع: في قول القدوري (فهو كما قال) يريد فيما بينه وبين الله تعالى، أما في القضاء فلا يصدق بذلك، ويكون يميناً، ومثله في شرح الإسبيجاني، وفي شرح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 وإن قال أردت الطلاق فهي تطليقةٌ بائنةٌ، إلا أن ينوي الثلاث، وإن قال أردت الظهار فهو ظهارٌ، وإن قال أردت التحريم أو لم أرد به شيئاً فهو يمينٌ يصير بها مولياً.   الهداية: وهذا هو الصواب وعليه العمل والفتوى، اهـ (وإن قال أردت الطلاق فهي تطليقة بائنة) ؛ لأنه كناية (إلا أن ينوي الثلاث) فيكون الثلاث اعتباراً بسائر الكنايات (وإن قال أردت الظهار فهو ظهار) ، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: ليس بظهار لانعدام التشبيه بالمحرمة، وهو الركن فيه، ولهما أنه أطلق الحرمة، وفي الظهار نوع حرمة، والمطلق يحتمل المقيد. هداية. قال الإسبيجاني: والصحيح قولهما، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما. تصحيح (وإن قال أردت التحريم أو لم أرد به شيئاً فهو يمين يصير به مولياً) ؛ لأن الأصل في تحريم الحلال إنما هو اليمين عندنا،، فإذا قال (أردت التحريم) فقد أراد اليمين، وإن قال (لم أرد شيئاً) لم يصدق في القضاء؛ لأن ظاهخر ذلك اليمين، وإذا ثبت أنه يمين كان به مولياً. جوهرة. قال في الهداية: ومن المشايخ من يصرف لفظ التحريم إلى الطلاق من غير نية لحكم العرف، قال الإمام المحبوبي: وبه يفتى، وقال نجم الأئمة في شرحه لهذا الكتاب: قال أصحابنا المتأخرون: الحلال علي حرام، أو أنت علي حرام، أو حلال الله علي حرام، أو كل حلال علي حرام - طلاق بائن، ولا يفتقر إلى النية؛ للعرف. حتى قالوا في قول محمد (إن نوى يميناً فهو يمين، ولا تدخل امرأته إلا بالنية، وهو على المأكول والمشروب) : إنما أجاب به على عرف ديارهم، أما في عرف بلادنا فيريدون تحريم المنكوحة فيحمل عليه. اهـ. وفي مختارات النوازل: وقد قال المتأخرون: يقع به الطلاق من غير نية، لغلبة الاستعمال بالعرف، وعليه الفتوى، ولهذا لا يحلف به إلا الرجال، قلت: ومن الألفاظ المستعملة في مصرنا وريفنا (الطلاق يلزمني) و (الحرام يلزمني) و (علي الطلاق) و (علي الحرام) كذا في التصحيح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 كتاب الخلع. - إذا تشاق الزوجان وخافا أن لا يقيما حدود الله فلا بأس أن تفتدي نفسها منه بمالٍ يخلعها به، فإذا فعل ذلك وقع بالخلع بالخلع تطليقةٌ بائنةٌ، ولزمها المال وإن كان النشوز من قبله كره له أن يأخذ منها عوضاً. وإن كان النشوز من قبلها كره له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، فإذا فعل ذلك جاز في القضاء،   كتاب الخلع بضم الخاء وفتحها، واستعمل في إزالة الزوجية بالضم، وفي غيره بالفتح. وهو لغةً: الإزالة، وشرعاً - كما في البحر - إزالة ملك لنكاح المتوقفة على قبولها، بلفظ الخلع أو ما في معناه. اهـ. ولا بأس به عند الحاجة، كما أشار إلى ذلك بقوله: (إذا تشاق الزوجان) : أي اختلفا ووقع بينهما العداوة والمنازعة (وخافا أن لا يقيما حدود الله) أي ما يلزمهما من موجبات النكاح مما يجب له عليها وعليه لها (فلا بأس أن تفتدي) المرأة (نفسها منه بمال يخلعها به) ؛ لقوله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} الآية (فإذا) قبل الزوج و (فعل ذلك) المطلوب منه (وقع بالخلع تطليقة بائنة) ، لأنه من الكنايات إلا أن ذكر المال أغنى عن النية ههنا، ولأنها لا تبذل له المال إلا لتسلم لها نفسها، وذلك بالبينونة (ولزمها المال) الذي افتدت به نفسها، لقبولها ذلك. (وإن كان النشوز) أي النفرة والجفاء (من قبله) : أي الزوج (كره له أن يأخذ منها عوضاً) ، لأنه أوحشها بالاستبدال؛ فلا يزيد في وحشتها بأخذ المال (وإن كان النشوز من قبلها) أي الزوجة (كره له أن يأخذ) منها عوضاً (أكثر مما أعطاها) من المهر، دون نفقة وغيرها وفي الجامع الصغير: يطيب له الفضل أيضاً (فإن فعل ذلك) بأن أخذ أكثر مما أعطاها (جاز في القضاء) ؛ لإطلاق قوله تعالى: {فلا جناح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 وإن طلقها على مالٍ فقبلت وقع الطلاق، ولزمها المال، وكان الطلاق بائناً، وإذا بطل العوض في الخلع مثل أن تخالع المرأة المسلمة على خمرٍ أو خنزيرٍ فلا شيء للزوج، والفرقة بائنة، وإن بطل العوض في الطلاق كان رجعياً، وما جاز أن يكون مهراً جاز أن يكون بدلاً في الخلع. فإن قالت له "خالعني على ما في يدي" فخالعها ولم يكن في يدها شيءٌ فلا شيء له عليها، وإن قالت: خالعني على ما في يدي   عليهما فيما افتدت به} وكذلك إذا أخذ والنشوز منه. هداية. (وإن طلقها على مال) بأن قال لها: أنت طالق بألف، أو على ألف (فقبلت) في المجلس (وقع الطلاق، ولزمها المال) ؛ لأن الزوج يستبد بالطلاق تنجيزاً وتعليقاً وقد علقه بقبولها، والمرأة تملك التزام المال، لولايتها على نفسها، وملك النكاح مما يجوز الاعتياض عنه، وإن لم يكن مالا كالقصاص. هداية (وكان الطلاق بائناً) ، لأن بذل المال إنما كان لتسلم لها نفسها، وذلك بالبينونة. (وإذا بطل العوض في الخلع) وذلك (مثل أن تخالع المرأة المسلمة على خمر أو خنزير) أو ميتة أو دم (فلا شيء للزوج) عليها، لأنها لم تسم له متقوما حتى تصير غارة له، بخلاف ما إذا خالع على خل بعينه فظهر خمراً، لأنها سمت مالا فصار مغروراً (والفرقة) فيه (بائنة) ، لأنه لما بطل العوض كان العامل فيه لفظ الخلع، وهو كناية (وإن بطل العوض في الطلاق كان) الطلاق (رجعياً) ، لأن العامل فيه لفظ الطلاق، وهو صريح، والصريح يعقب الرجعة. (وما جاز أن يكون مهراً) في النكاح (جاز أن يكون بدلا في الخلع) لأن ما يصلح أن يكون بدلا للمتقوم أولى أن يصلح لغيره. (فإن قالت له خالعني على ما في يدي) الحسية (فخالعها ولم يكن في يدها شيء فلا شيء له عليها) ، لأنها لم تغره بتسمية المال (وإن قالت) له (خالعني على ما في يدي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 من مالٍ ولم يكن في يدها شيءٌ ردت عليه مهرها، وإن قالت خالعني على ما في يدي من دراهم فخالعها ولم يكن في يدها شيءٌ فعليها ثلاثة دراهم، وإن قالت طلقني ثلاثاً بألفٍ فطلقها واحدةً فعليها ثلاث الألف، وإن قالت طلقني ثلاثاً على ألفٍ فطلقها واحدةً فلا شيء عليها عند أبي حنيفة، ولو قال الزوج طلقي نفسك ثلاثاً بألفٍ أو على ألفٍ فطلقت نفسها بواحدةً لم يقع عليها شيءٌ والمبارأة كالخلع.   من مال ولم يكن في يدها شيء ردت عليه مهرها) لأنها لم سمت مالا لم يكن الزوج راضياً بالزوال إلا بالعوض، ولا وجه إلى إيجاب المسمى وقيمته للجهالة، ولا إلى قيمة البض - أعني مهر المثل - لأنه غير متقوم حالة الخروج؛ فتعين إيجاب ما قام به على الزوج؛ دفعاً للضرر. هداية (وإن قالت) له (خالعني على ما في يدي من دراهم فخالعها ولم يكن في يدها شيء) أو كان في يدها أقل من ثلاثة دراهم (فعليها ثلاثة دراهم) ؛ لأنها سمت الجمع، وأقله ثلاثة (وإن قالت) له (طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة فعليها ثلث الألف) لأنها لما طلبت الثلاث بألف فقد طلبت كل واحدة بثلث الألف، وهذا لأن حرف الباء يصحب الأعواض، والعوض ينقسم على المعوض، والطلاق بائن لوجوب المال (وإن قالت طلقني ثلاثاً على ألف فطلقها واحدة فلا شيء عليها عند أبي حنيفة) وتقع رجعية، وقالا: عليها ثلاث الألف وتقع بائنة؛ لأن كلمة (على) بمنزلة الباء في المعاوضات، وله أن كلمة (على) للشرط، والمشروط لا يتوزع على أجزاء الشرط، بخلاف الباء؛ لأنه للعوض على ما مر، قال الإسبيجاني: والصحيح قوله، واعتمده البرهاني والنسفي وغيرهما تصحيح (ولو قال الزوج) لزوجته: (طلقي نفسك ثلاثاً بألف أو على ألف فطلقت نفسها واحدة لم يقع عليها شيء) ؛ لأن الزوج ما رضي بالبينونة إلا لتسلم الألف له كلها، بخلاف قولها (طلقني ثلاثاً بألف) ؛ لأنها لما رضيت بالبينونة بألف كانت ببعضها أرضى. (والمبارأة) مثل أن يقول لها: برئت من نكاحك على ألف فقبلت (كالخلع) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 والخلع والمبارأة يسقطان كل حقٍ لكل واحدٍ من الزوجين على الآخر مما يتعلق بالنكاح عند أبي حنيفة. كتاب الظهار. - إذا قال الزوج لامرأته "أنت علي كظهر أمي" فقد حرمت عليه لا يحل له وطؤها ولا لمسها ولا تقبيلها حتى يكفر عن ظهاره،   قال في المختارات: أي يقع بها الطلاق البائن بلا نية كما مر في الخلع. (والخلع والمبارأة يسقطان كل حق لكل واحد من الزوجين على الآخر مما يتعلق بالنكاح) كالمهر: مقبوضاً أو غير مقبوض، قبل الدخول وبعده، والنفقة الماضية، وأما نفقة العدة فلا تسقط إلا بالذكر، وهذا (عند أبي حنيفة) وقال أبو يوسف في المبارأة مثل ذلك، وفي الخلع لا يسقط إلا ما سميا، وقال محمد: لا يسقط فيهما إلا ما سميا، والصحيح قول أبي حنيفة، ومشى عليه المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، تصحيح. قيد بما يتعلق بالنكاح لأنه لا يسقط ما لا يتعلق به كالقرض ونحوه، قال في البزازية: اختلعت على أن لا دعوى لكل على صاحبه ثم ادعى أن له كذا من القطن صح؛ لاختصاص البراءة بحقوق النكاح. اهـ. كتاب الظهار هو لغة: مصدر ظاهر امرأته، إذا قال لها: أنت علي كظهر أمي، كما في الصحاح والمغرب. وفي الدرر: هو لغة مقابلة الظهر بالظهر؛ فإن الشخصين إذا كان بينهما عداوة يجعل كل منهما ظهره إلى ظهر الآخر، اهـ. وشرعاً: تشبيه المسلم زوجته أو ما يعبر به عنها أو جزءا شائعاً منها بمحرمة عليه تأبيداً، كما أشار إلى ذلك بقوله: (إذا قال الزوج لامرأته أنت علي كظهر أمي) وكذلك لو حذف (علي) كما في النهر (فقد حرمت عليه: لا يحل له وطؤها ولا لمسها ولا تقبيلها) وكذلك يحرم عليها تمكينه من ذلك (حتى يكفر عن ظهاره) وهذا جناية، لأنه منكر من القول وزورٌ، فيناسب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 فإن وطئها قبل أن يكفر استغفر الله تعالى، ولا شيء عليه غير الكفارة الأولى، ولا يعاودها حتى يكفر، والعود الذي تجب به الكفارة أن يعزم على وطئها. وإذا قال (أنت علي كبطن أمي، أو كفخذها، أو كفرجها) فهو مظاهرٌ وكذلك إن شبهها بمن لا يحل له النظر إليها على التأبيد من محارمه مثل أخته أو عمته أو أمه من الرضاعة، وكذلك إن قال: رأسك علي كظهر أمي، أو فرجك، أو وجهك، أو رقبتك، أو نصفك، أو   المجازاة عليها بالحرمة، وارتفاعها بالكفارة، ثم الوطء إذا حرم حرم بدواعيه، كيلا يقع فيه كما في الإحرام، بخلاف الحائض والصائم، لأنه يكثر وجودهما، فلو حرم الدواعي لأفضى إلى الحرج، ولا كذلك الظهار والإحرام، هداية (فإن وطئها قبل أن يكفر استغفر الله تعالى) من ارتكاب هذا المأثم (ولا شيء عليه غير الكفارة الأولى) وقيل: عليه أخرى للوطء كما في الدرر (ولا يعاودها حتى يكفر) لقوله صلى الله عليه وسلم للذي واقع في ظهاره قبل الكفارة: (استغفر الله ولا تعد حتى تكفر) ولو كان شيئاً واجباً لنبه عليه، هداية (والعود الذي تجب فيه الكفارة) في قوله تعالى: {ثم يعودون لما قالوا} (أن يعزم على وطئها) قال في الجوهرة: يعني أن الكفارة إنما تجب عليه إذا قصد وطأها بعد الظهار، فإن رضي أن تكون محرمة عليه ولم يعزم على وطئها لا تجب عليه، ويجبر على التكفير دفعاً للضرر عنها. اهـ. (وإذا قال أنت علي كبطن أمي أو كفخذها أو كفرجها فهو مظاهر) ، لأن الظهار ليس إلا تشبيه المحللة بالمحرمة، وهذا المعنى يتحقق في عضو لا يجوز النظر إليه، هداية (وكذلك) الحكم (إن شبهها بمن لا يحل له النظر إليها) نظر الزوج للزوجة (على التأبيد من محارمه) نسباً أو رضاعاً، وذلك (مثل أخته أو عمته أو أمه من الرضاعة) ، لأنهن في التحريم المؤبد كأم نسباً (وكذلك) الحكم (إن قال: رأسك علي كظهر أمي أو فرجك أو وجهك أو رقبتك) ؛ لأنه يعبر بها عن جميع البدن (أو نصفك أو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 ثلثك، وإن قال (أنت علي مثل أمي) رجع إلى نيته، فإن قال أردت الكرامة فهو كما قال، وإن قال أردت الظهار فهو ظهارٌ، وإن قال أردت الطلاق فهو طلاقٌ بائنٌ، وإن لم يكن له نيةٌ فليس بشيءٍ. ولا يكون الظهار إلا من زوجته، فإن ظاهر من أمته لم يكن مظاهر ومن قال لنسائه "أنتن علي كظهر أمي" كان مظاهراً من جماعتهن، وعليه لكل واحدةٍ منهن كفارةٌ.   ثلثك) ؛ لأنه يثبت الحكم في الشائع ثم يتعدى إلى الكل كما مر في الطلاق (وإن قال أنت علي مثل أمي) أو كأمي، وكذا لو حذف (على) خانية (رجع إلى نيته) لينكشف حكمه (فإن قال أردت الكرامة فهو كما قال) ، لأن التكريم في التشبيه فاشٍ في الكلام (وإن قال أردت الظهار فهو ظهار) ، لأنه تشبيه بجميعها، وفيه تشبيه بالعضو، لكنه ليس بصريح فيفتقر إلى النية (وإن قال أردت الطلاق فهو طلاق بائن) لأنه تشبيه بالأم في الحرمة؛ فكأنه قال (أنت علي حرام) ونوى الطلاق (وإن لم تكن له فيه نية) أو حذف الكاف كما في الدار (فليس بشيء) لاحتمال الحمل على الكرامة، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد: يكون ظهاراً، قال جمال الإسلام في شرحه: الصحيح قول أبي حنيفة وأبي يوسف، واعتمده البرهان والنسفي وغيرهما. تصحيح. (ولا يكون الظهار إلا من زوجته) ، لقوله تعالى: {من نسائهم} (فإن ظاهر من أمته لم يكن مظاهراً) ؛ لأن الظهار منقول عن الطلاق، ولا طلاق في المملوكة (ومن قال لنسائه) المتعددات (أنتن علي كظهر أمي كان مظاهراً من جماعتهن) لأنه أضاف الظهار إليهن، فصار كما إذا أضاف الطلاق (وعليه لكل واحدة كفارة) لأن الحرمة تثبت في كل واحدة. والكفارة لإنهاء الحرمة، فيتعدد بتعددها، بخلاف الإيلاء منهن، لأن الكفارة فيه لصيانة حرمة الإسم - يعني اسم الله تعالى - ولم يتعدد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 وكفارة الظهار: عتق رقبةٍ؛ فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً؛ كل ذلك قبل المسيس؛ ويجزئ في ذلك عتق الرقبة الكافرة، والمسلمة، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير، ولا تجزئ العمياء، ولا المقطوعة اليدين أو الرجلين، ويجوز الأصم، والمقطوع إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خلافٍ، ولا يجوز مقطوع إبهامي اليدين، ولا المجنون الذي لا يعقل، ولا يجوز عتق المدبر، وأم الولد والمكاتب الذي أدى بعض المال،   ذكر الاسم، هداية. (وكفارة الظهار عتق رقبة) أي إعتاقها بنية الكفارة (فإن لم يجد) ما يعتقه (فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع) الصيام (فإطعام ستين مسكينا) للنص الوزارد فيه؛ فإنه يفيد الكفارة على هذا الترتيب (وكل ذلك) يجب العزم (قبل المسيس) لأنها منهبة للحرمة، فلا يدمن تقديمها على الوطء، ليكون الوطء حلالا (ويجزئ في ذلك) التكفير (عتق الرقبة الكافرة والمسلمة والذكر والأنثى والصغير والكبير) ، لأن اسم الرقبة ينطلق على هؤلاء، إذ هي عبارة عن الذات المرقوقة المملوكة من كل وجه وليست بفائتة المنفعة (ولا تجوز العمياء ولا المقطوعة اليدين أو الرجلين) ، لأنه فائت جنس المنفعة فكان هالكا حكما (ويجوز الأصم والمقطوع إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خلاف) والمقطوع الأذنين والأنف والأعور والأعمش والخصي والمجبوب، لأنه ليس بفائت جنس المنفعة، بل مختلها، وهو لا يمنع (ولا يجوز مقطوع إبهام اليدين) ؛ لأن قوة البطش بهما، فبقولها يفوت جنس المنفعة (ولا المجنون الذي لا يعقل) ؛ لأن الانتفاع بالجوارح لا يكون إلا بالعقل، فكان فائت المنافع، والذي يجن ويفيق يجزئه؛ لأن الاختلال غير مانع (ولا يجوز عتق المدبر وأم الولد) ، لاستحقاقهما الحرية بتلك الجهة، فكان الرق فيهما ناقصاً (و) كذا (المكاتب الذي أدى بعض المال) ولم يعجز نفسه؛ لأنه إعتاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 فإن أعتق مكاتباً لم يؤد شيئاً جاز، فإن اشترى أباه أو ابنه ينوي بالشراء الكفارة جاز عنها، وإن أعتق نصف عبدٍ مشركٍ عن الكفارة وضمن قيمة باقيه فأعتقه لم يجز عند أبي حنيفة، وإن أعتق نصف عبده عن كفارته ثم أعتق باقيه عنها جاز؛ وإن أعتق نصف عبده عن كفارته ثم جامع التي ظاهر منها ثم أعتق باقيه لم يجز عند أبي حنيفة،   ببدل (فإن أعتق مكاتباً لم يؤد شيئا) وعجز نفسه (جاز) ، لقيام الرق من كل وجه (وإن اشترى) المظاهر (أباه أو ابنه ينوي بالشراء الكفارة جاز عنها) ؛ لثبوت العتق اقتضاء بالنية، بخلاف مالو ورثه، لأنه لا صنع له فيه (وإن أعتق) المظاهر (نصف عبد مشترك عن الكفارة) وهو موسر (وضمن قيمة باقية فأعتقه لم يجز عند أبي حنيفة) ويجوز عندهما، لأنه يملك نصيب صاحبه بالضمان، فصار معتقا الكل وهو ملكه، ولأبي حنيفة أن نصيب صاحبه ينتقص على ملكه ثم يتحول إليه بالضمان، ومثله يمنع الكفارة. هداية. قال في التصحيح: وهذه من فروع تجزؤ العتق، قال الإسبيجاني فيه: الصحيح قول أبي حنيفة، وعلى هذا مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما. قيدنا بالموسر لأنه إذا كان معسراً لم يجز اتفاقاً؛ لأنه وجب عليه السعاية في نصيب الشريك، فيكون إعتاقاً بعوض (وإن أعتق نصف عبده عن كفارته ثم أعتق باقيه عنها جاز) ، لأنه أعتقه بكلامين، والنقصان حصل على ملكه بجهة الكفارة ومثله غير مانع، كمن أضجع شاة للأضحية فأصابت السكين عينها، بخلاف ما تقدم؛ لأن النقصان تمكن على ملك الشريك، وهذا على أصل أبي حنيفة، أما عندهما فالإعتاق لا يتجزأ؛ فإعتاق النصف إعتاق الكل، فلا يكون إعتاقاً بكلامين. هداية (وإن أعتق نصف عبده عن كفارته ثم جامع التي ظاهر منها أعتق باقيه لم يجز عند أبي حنيفة) ، لأن الإعتاق يتجزأ عنده، وشرط الإعتاق أن يكون قبل المسيس بالنص، وإعتاق النصف حصل بعده. وعندهما إعتاق النصف إعتاق الكل، فحصل الكل قبل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 وإذا لم يجد المظاهر ما يعتق فكفارته صوم شهرين متتابعين ليس فيهما شهر رمضان ولا يوم الفطر ولا يوم النحر ولا أيام التشريق، فإن جامع التي ظاهر منها في خلال الشهرين ليلاً عامداً أو نهاراً ناسياً استأنف الصوم عند أبي حنيفة ومحمدٍ، وإن أفطر يوماً منهما بعذرٍ أو بغير عذر استأنف،   المسيس. هداية. وقدمنا تصحيح الإسبيجاني لقول الإمام في تجزؤ الإعتاق، وعليه مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما. تصحيح (وإذا لم يجد المظاهر ما يعتق) ولو محتاجاً إليه لخدمته أو قضاء دينه؛ لأنه واجد حقيقة. بدائع (فكفارته صوم شهرين) بالأهلة، وإن كان كل واحد منهما تسعة وعشرين يوماً، وإلا فستين يوماً، فإن صام بالأيام وأفطر لتسعة وخمسين فعليه الاستقبال كما في المحيط، ولو صام تسعة وعشرين يوما بالهلال وثلاثين بالأيام جاز كما في النظم، ولو قدر على التحرير ولو في آخر اليوم الأخير لزمه العتق، وأتم يومه ندباً (متتابعين) للنص عليه (ليس فيهما شهر رمضان) لأنه لا يقع عن الظهار؛ لما فيه من إبطال ما أوجبه الله تعالى (ولا يوم لبفطر ولا يوم النحر ولا أيام التشريق) ؛ لأن الصوم في هذه الأيام منهى عنه، فلا ينوب عن الواجب الكامل، هداية (فإن جامع التي ظاهر منها في خلال الشهرين ليلا عامداً أو نهاراً ناسياً استأنف الصوم عند أبي حنيفة ومحمد) وقال أبو يوسف: لا يستأنف؛ لأنه لا يمنع التتابع، إذ لا يفسد به الصوم وهو الشرط، ولهما أن الشرط في الصوم أن يكون قبل المسيس، وأن يكون خالياً عنه ضرورة بالنص، وهذا الشرط بنعدم بالجماع في خلال الصوم، فيستأنف كما في الهداية، قال في زاد الفقهاء: والصحيح قول أبي حنيفة ومحمد، ومشى عليه البرهاني والنسفي وصدر الشريعة. تصحيح (وإن أفطر يوماً منهما) أي الشهرين (بعذر) كسفر ومرض ونفاس، بخلاف الحيض لتعذر الخلو عنه (أو بغير عذر استأنف) أيضاً، لفوات التتابع وهو قادر عليه عادة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 وإن ظاهر العبد لم يجزه في الكفارة إلا الصوم، فإن أعتق المولى عنه أو أطعم لم يجزه، وإذا لم يستطع المظاهر الصيام أطعم ستين مسكيناً كل مسكينٍ نصف صاع من بر أو صاعاً من تمرٍ أو شعيرٍ أو قيمة ذلك، فإن غداهم وعشاهم جاز، قليلاً ما أكلوا أو كثيراً، فإن أعطى مسكيناً واحداً ستين يوماً أجزأه، وإن أعطاه في يومٍ واحدٍ لم يجزه إلا عن يومه، وإن قرب التي ظاهر منها   (وإن ظاهر العبد) ولو مكاتباً (لم يجزه في الكفارة إلا الصوم) لأنه لا ملك له، فلم يكن من أهل التكفير بالمال (فإن أعتق المولى عنه أو أطعم لم يجزه) لأنه ليس من أهل الملك، فلا يصير مالكا بتمليكه. (وإن لم يستطع المظاهر الصيام) لمرض لا يرجى برؤه أو كبر سن (أطعم) هو أو نائبه (ستين مسكينا) التقيد به انفاقي، لجواز صرفه إلى غيره من مصارف الزكاة، ولا يجزئ غير المراهق، بدائع (كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير) كالفطرة قدراً ومصرفاً (أو قيمة ذلك) لأن المقصود سد الخلة ودفع الحاجة ويوجد ذلك في القيمة (فإن غداهم وعشاهم جاز، قليلا) كان (ما أكلوا أو كثيراً) : لأن المنصوص عليه هو الإطعام، وهو حقيقة في التمكين من الطعم، وفي الإباحة ذلك كما في التمليك، بخلاف الواجب في الزكاة وصدقة الفطر، فإنه الإيتاء والأداء، وهما للتمليك حقيقة، ولابد من الإدام في خبز الشعير، ليمكنه الاستيفاء إلى الشبع، وفي خبز الحنطة لا يشترط الإدام كما في الهداية (فإن أعطى مسكينا واحداً ستين يوما أجزأه) ، لأن المقصود سد خلة المحتاج، والحاجة تتجدد في كل يوم، فالدفع إليه في اليوم الثاني كالدفع إلى غيره (وإن أعطاه في يوم واحد) ولو بدفعاتٍ على الأصح، زيلعى (لم يجزه إلا عن يومه) ذلك، لفقد التعدد حقيقة وحكما (وإن قرب التي ظاهر منها) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 في خلال الإطعام لم يستأنف. ومن وجب عليه كفارتا ظهارٍ فأعتق رقبتين لا ينوي عن أحداهما بعينها جاز عنهما، وكذلك إن صام أربعة أشهرٍ أو أطعم مائةً وعشرين مسكيناً جاز، وإن أعتق رقبةً واحدةُ أو صام شهرين كان له أن يجعل ذلك عن أيتهما شاء. كتاب اللعان - إذا قذف الرجل امرأته بالزنا وهما من أهل الشهادة، والمرأة ممن يحد قاذفها، أو نفى نسب   أي جامعها (في خلال الإطعام لم يستأنف) ، لأن النص فيه مطلق، إلا أنه يمنع من المسيس قبله، لأنه ربما يقدر على الإعتاق أو الصوم فيقعان بعد المسيس، والمنع لمعنى في غيره لا يعدم المشروعية في نفسه. (ومن وجب عليه كفارتا ظهار) من امرأة أو امرأتين (فأعتق رقبتين لا ينوي عن إحداهما بعينها جاز عنهما، وكذلك إذا صام أربعة أشهر، أو أطعم مائة وعشرين مسكيناً) لأن الجنس متحد، فلا حاجة إلى نية معينة (وإن أعتق رقبة واحدة أو صام شهرين) عن كفارتي ظهار (كان له أن يجعل ذلك عن أيتهما شاء) ، لأن النية معتبرة عند اختلاف الجنس. كتاب اللعان هو لغة: مصدر لاعن كقاتل، ومن اللعن وهو الطرد والإبعاد، سمى به لا بالغضب - للعنه نفسه أولا، والسبق من أسباب الترجيح، وشرعاً: شهادات مؤكدات بالأيمان مقرونة باللعن من جهة وبالغضب من أخرى، قائمة مقام حد القذف في حقه، ومقام حد الزنا في حقها؛ كما أشار إلى ذلك بقوله: (إذا قذف الرجل امرأته بالزنا) صريحا (وهما) أي الزوجان (من أهل الشهادات) على المسلم (و) كانت (المرأة ممن يحد قاذفها) لأنه قائم في حقه مقام حد القذف فلابد من إحصانها (أو نفى نسب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 ولدها وطالبته بموجب القذف فعليه اللعان، فإن امتنع منه حبسه الحاكم حتى يلاعن أو يكذب نفسه فيحد، وإن لاعن وجب عليها اللعان؛ فإن امتنعت حبسها الحاكم حتى تلاعن أو تصدقه. وإذا كان الزوج عبداً أو كافراً أو محدوداً في قذفٍ فقذف امرأته فعليه الحد،   ولدها) منه أو من غيره، لأنه إذا نفى نسب ولدها صار قاذفا لها ظاهراً (وطالبته بموجب القذف) لأنه حقها، فلابد من طلبها كسائر الحقوق، فلو لم تطالبه وسكنت لا يبطل حقها، ولو طالت المدة، لأن طول المدة لا يبطل حقوق العباد (فعليه اللعان) إن عجز عن البرهان (فإن امتنع منه حبسه الحاكم حتى يلاعن) فيبرأ (أو يكذب نفسه فيحد) لأن اللعان خلف عن الحد، فإذا لم يأت بالخلف وجب عليه الأصل (فإن لاعن) الزوج (وجب عليها اللعان) بعده؛ لأنه المدعي فيطلب منه الحجة أولا، فلو بدأ بلعانها أعادت بعده، فلو فرق قبل الإعادة صح، لحصول المقصود كما في الدر (فإن امتنعت) المرأة (حبسها الحاكم حتى تلاعن أو تصدقه) قال الزيلعي: وفي بعض نسخ القدوري (أو تصدقه فتحد) وهو غلط، لأن الحد لا يجب بالإقرار مرة، فكيف يجب بالتصديق مرة؟ وهو لا يجب بالتصديق أربع مرات، لأن التصديق ليس بإقرار قصداً، فلا يعتبر في حق وجوب الحد، ويعتبر في درئه، فيندفع به اللعان، ولا يجب به الحد، وينتفي النسب، لأنه إنما ينقطع حكما باللعان، ولم يوجد، وهو حق الولد، فلا يصدقان في إبطاله وبه يظهر عدم صحة قول صدر الشريعة (فينتفي نسب ولدها) درر. قال شيخنا: وقد يجاب بأن مراد القدوري بالتصديق الإقرار بالزنا، لا مجرد قولها (صدقت) واكتفى عن ذكر التكرار اعتمادا على ما ذكره في بابه. اهـ. (وإذا كان الزوج) غير أهل للشهادة: بأن كان (عبداً أو كافراً أو محدوداً في قذف) وكان أهلا للقذف بأن كان بالغاً عاقلاً ناطقاً (فقذف امرأته فعليه الحد) والأصل أن اللعان إذا سقط لمعنى من جهته فلو قذف صحيحاً حد، وإلا فلا حد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 وإن كان من أهل الشهادة وهي أمةٌ أو كافرة أو محدودةٌ في قذفٍ أو كانت ممن لا يحد قاذفها فلا حد عليه في قذفها ولا لعان. وصفة اللعان: أن يبتدئ القاضي بالزوج فيشهد أربع مرات يقول في كل مرةٍ: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، ثم يقول في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا ويشير إليها في جميع ذلك، ثم تشهد المرأة أربع مراتٍ تقول في كل مرةٍ أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة: إن غضب الله عليها.   ولا لعان، كما في الدر. (وإن كان) الزوج (من أهل الشهادة وهي) غير أهلٍ لها، لأنها (أمة أو كافرة أو محدودة في قذف) أو صبية أو مجنونة (أو كانت ممن لا يحد قاذفها) بأن كانت زانية أو موطوءة بشبهة أو نكاحٍ فاسدٍ (فلا حد عليه في قذفها) كما لو قذفها أجنبي (ولا لعان) ، لأن خلفه، ولكنه يعزر، حسما لهذا الباب. (وصفة اللعان) ما نطق به القرآن، وحاصله (أن يبتدئ القاضي بالزوج فيشهد) على نفسه (أربع مرات يقول في كل مرة: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا) وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يأتي بلفظ المواجهة، فيقول: فيما رميتك به، لأنه أقطع للاحتمال، وجه ما ذكره في الكتاب - وهو ظاهر الرواية - أن لفظ الغائب إذا انضمت إليه الإشارة انقطع الاحتمال، كما في الهداية (ثم يقول في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا) إن قذفها به، أو نفى الولد إن نفاه وفي النظم يقول له القاضي: اتق الله فإنها موجبة (ويشير) الزوج (إليها في جميع ذلك، ثم تشهد المرأة) بعده على نفسها (أربع مرات) أيضاً (تقول في كل مرة: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة: إن غضب الله عليها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا. فإذا التعنا فرق القاضي بينهما، وكانت الفرقة تطليقةً بائنةً عند أبي حنيفة ومحمدٍ، وقال أبو يوسف: تحريمٌ مؤبدٌ، وإن كان القذف بولدٍ نفى القاضي نسبه وألحقه بأمه،   إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا) ، وإنما خص الغضب في جانبها لأن النساء يتجاسرن باللعن، فإنهن يستعملن اللعن في كلامهن كثيراً، كما ورد به الحديث، فاختير الغضب لتتقي ولا تقدم عليه. (فإذا التعنا فرق القاضي بينهما) ولا تقع الفرقة حتى يقضي بها على الزوج فيفارقها بالطلاق، وإن امتنع من ذلك فرق القاضي بينهما، ومالم يقض بالفرقة فالزوجية قائمة: فيلحقها الطلاق، والظهار، والإيلاء، ويجري بينهما التوارث، كما في الجوهرة (وكانت الفرقة تطليقة بائنة عند أبي حنيفة ومحمد) لأنها بتفريق القاضي كما في العنين، ولها النفقة والسكنى في عدتها، ويثبت نسب ولدها إلى سنتين إن كانت معتدة، وإن لم تكن معتدة فإلى ستة أشهر. جوهرة (وقال أبو يوسف) : يقع (تحريم مؤبد) ، لقوله عليه الصلاة والسلام: (المتلاعنان لا يجتمعان أبداً) ولهما أن الإكذاب رجوع، والشهادة بعد الرجوع لا حكم لها، ولا يجتمعان ما كانا متلاعنين، ولم يبق التلاعن ولا حكمه بعد الإكذاب فيجتمعان. هداية، قال الإسبيجاني: والصحيح قولهما تصحيح (وإن كان القذف) من الزوج (بولد) أي بنفي نسب ولدها (نفى القاضي نسبه) عن أبيه (وألحقه بأمه) ويشترط في نفي الولد: أن تكون المرأة من أهل الشهادة من حين العلوق إلى حين الوضع، حتى لو كانت حين الوضع (1) كتابية أو أمة ثم أسلمت أو عتقت لا ينتفي ولدها، لأنها لما علقت وليست من أهل اللعان ثبت نسب ولدها ثبوتاً لا يلحقه الفسخ، فلا يتغير بعد ذلك بتغير حالها كما في الجوهرة   (1) كذا، ولعله (لو كانت حين العلوق) ليتفق مع قوله: لأنها لما علقت - الخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 فإن عاد الزوج فأكذب نفسه حده القاضي وحل له أن يتزوجها، وكذلك إن قذف غيرها فحد أو زنت فحدت. وإذا قذف امرأته وهي صغيرةٌ أو مجنونة فلا لعان بينهما، وقذف الأخرس لا يتعلق به اللعان، وإذا قال الزوج "ليس حملك مني" فلا لعان بينهما، وإن قال: "زنيت وهذا الحمل من الزنا" تلاعنا ولم ينف القاضي الحمل.   (فإن عاد الزوج فأكذب نفسه) ولو دلالة: بأن مات الولد المنفى عن مال فادعى نسبه (حده القاضي) حد القذف؛ لإقراره بوجوبه عليه (وحل له أن يتزوجها) ؛ لأنه لما حد لم يبق أهلا للعان، فارتفع حكمه المنوط به، وهو التحريم (وكذلك) أي يجوز له أن يتزوجها (إن قذف غيرها فحد) لما بينا (أو زنت) هي أو قذفت (فحدت) لانتفاء أهلية اللعان من جانبها، والحاصل أن له تزوجها إذا خرجا أو أحدهما عن أهلية اللعان كما في الدر. (وإذا قذف) الرجل (امرأته وهي صغيرة أو مجنونة فلا لعان بينهما) ، لأنه لا يحد قاذفها لو كان أجنبيا، فكذا لا يلاعن الزوج، لقيامه مقامه (وقذف الأخرس لا يتعلق به اللعان) ، لأنه يتعلق بالتصريح كحد القذف، وقذفه لا يعرى عن شبهة، والحدود تندرئ بالشبهة (وإذا قال الزوج) لامرأته الحامل (ليس حملك مني فلا لعان) وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر، وهذا قول أبي حنيفة وزفر، لأنه لا يتيقن بقيام الحمل فلم يصر قاذفاً، وقال أبو يوسف ومحمد: يجب اللعان إذا جاءت به لأقل من ستة أشها، لتيقن الحمل عنده فيتحقق القذف، وأجيب بأنه إذا لم يكن قاذفاً في الحال يصير كالمعلق، والقذف لا يصح تعليقه بالشرط، ومشى على قول الإمام البرهاني والنسفي والموصلي وصدر الشريعة. تصحيح (وإذا قال) الزوج لامرأته الحامل: (زنيت وهذا الحمل من الزنا تلاعنا) لوجود القذف بصريح الزنا (ولم ينف القاضي الحمل) عن القاذف، لأن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 وإذا نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولادة، أو في الحال التي تقبل التهنئة أو تبتاع له آلة الولادة صح نفيه ولاعن به، وإن نفاه بعد ذلك لاعن وثبت النسب. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يصح نفيه في مدة النفاس، وإذا ولدت ولدين في بطنٍ واحدٍ فنفى الأول واعترف بالثاني ثبت نسبهما وحد الزوج، وإن اعترف بالأول ونفى الثاني ثبت نسبهما ولاعن.   تلاعنهما بسبب قوله (زنيت) لا بنفي الحمل، على أن الحمل لا تترتب عليه الأحكام إلا بعد الولادة. (وإذا نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولادة أو في الحال) أي المدة (التي تقبل) فيها (التهنئة) ومدتها سبعة أيام عادة كما في النهاية (أو تبتاع له) أي تشترى فيها (آلة الولادة صح نفيه) ؛ لاحتياجه إلى نفي ولد غيره عن نفسه، ولم يوجد منه الاعتراف صريحاً ولا دلالة (ولاعن به) لأنه بالنفي صار قاذفاً (وإن نفاه بعد ذلك لاعن وثبت النسب) ؛ لأنه ثبت نسبه بوجود الاعتراف منه دلالة، وهو السكوت وقبول التهنئة؛ فلا ينتفي بعد ذلك، وهذا عند أبي حنيفة (وقال أبو يوسف ومحمد: يصح نفيه في مدة النفاس) ؛ لأن النفي يصح في مدة قصيرة، ولا يصح في مدة طويلة، ففصلنا بينهما بمدة النفاس؛ لأنه أثر الولادة، وله أنه لا معنى للتقدير؛ لأن الزمان للتأمل، وأحوال الناس فيه مختلفة، فاعتبرنا ما يدل عليه، وهو قبول التهنئة، أو سكوته عندها، أو ابتياعه متاع الولادة أو مضى ذلك الوقت، هداية. قال الإمام أبو المعالي: والصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، تصحيح ولو كان الزوج غائباً فحالة علمه كحالة ولادتها (وإذا ولدت) المرأة (ولدين في بطن واحد) وهو أن يكون بينهما أقل من ستة أشهر (فنفى) الزوج الولد (الأول واعترف بالثاني ثبت نسبهما) ، لأنهما توأمان خلقا من ماء واحد (وحد الزوج) ؛ لأنه أكذب نفسه بدعوى الثاني (وإن اعترف بالأول ونفى الثاني ثبت نسبهما) لما تقدم (ولاعن) ، لأنه صار قاذفاً بنفي الثاني، والإقرار بالعفة سابق على القذف، فصار كأنه أقر بعفتها ثم قذفها بالزنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 كتاب العدة - إذا طلق الرجل امرأته طلاقاً بائناً أو رجعياً أو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاقٍ وهي حرةٌ ممن تحيض فعدتها ثلاثة أقراءٍ، والأقراء: الحيض، وإن كانت لا تحيض من صغرٍ أو كبرٍ فعدتها ثلاثة أشهرٍ، وإن كانت حاملاً فعدتها أن تضع حملها، وإن كانت أمةً فعدتها حيضتان، وإن كانت لا تحيض فعدتها شهرٌ ونصفٌ،   كتاب العدة هي لغة: الإحصاء، وشرعاً: تربصٌ يلزم المرأة عند زوال النكاح أو شبهته، وسمى التربص (عدة) لأن المرأة تحصي الأيام المضروبة عليها وتنتظر الفرج الموعود لها (إذا طلق الرجل امرأته) المدخول بها سواء كان (طلاقاً بائناً أو رجعياً أو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق) كأن حرمت عليه بوجه من الوجوه السابقة: كتمكين ابن الزوج، ونحو ذلك مما يوجب الفرقة (وهي حرة) و (ممن تحيض فعدتها ثلاثة أقراء) كوامل من وقت الطلاق أو الفرقة، فلو طلقت في الحيض لم بعد من العدة (والأقراء) هي (الحيض) عندنا، لأن الحيض معرف لبراءة الرحم، وهو المقصود (وإن كانت) ممن (لا تحيض من صغر) أو بلوغ بالسن (أو كبر) بأن بلغت سن الإياس (فعدتها ثلاثة أشهر) قيدنا الكبر ببلوغ سن الإياس لأنه إذا كانت ممن تحيض فامتد طهرها فإن عدتها بالحيض مالم تدخل في حد الإياس. جوهرة (وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها) وهذا إذا كانت حرة (وإن كانت أمة فعدتها) إذا كانت ممن تحيض (حيضتان) لأن الرق منصفٌ، والحيضة لا تتجزأ، فكملت فصارت حيضتين (وإن كانت) ممن (لا تحيض فعدتها شهر ونصف) ، لأن الشهر متجزئ فأمكن تنصيفه عملا بالرق، وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها كالحرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 وإذا مات الرجل عن امرأته الحرة فعدتها أربعة أشهرٍ وعشرٌ، وإن كانت أمةً فعدتها شهران وخمسة أيامٍ، وإن كانت حاملاً فعدتها أن تضع حملها، وإذا ورثت المطلقة في المرض فعدتها أبعد الأجلين. فإن أعتقت الأمة في عدتها من طلاقٍ رجعيٍ انتقلت عدتها إلى عدة الحرائر، وإن أعتقت وهي مبتوتةٌ أو متوفى عنها زوجها لم تنتقل عدتها، وإن كانت آيسةً فاعتدت بالشهور ثم رأت الدم انتقض   (وإذا مات الرجل عن امرأته الحرة) دخل بها أولا، صغيرة كانت أو كبيرة، مسلمة أو كتابية، حاضت في المدة أو لم تحض، كما في خزانة المفتين (فعدتها أربعة أشهر وعشرة) أيام، لقوله تعالى {ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً} ، (وإن كانت أمة فعدتها شهران وخمسة أيام) ؛ لأن الرق منصف كما مر (وإن كانت) امرأة الميت (حاملا فعدتها أن تضع حملها) أيضاً، لإطلاق قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} ، (وإذا ورثت المطلقة) بائناً (في المرض) بأن كان الطلاق فراراً من إرثها ومات وهي في العدة (فعدتها أبعد الأجلين) من عدة الوفاة وعدة الطلاق احتياطاً: بأن تتربص أربعة أشهرٍ وعشراً من وقت الموت، فإن لم تر فيها حيضاً تعتد بعدها بثلاث حيض، حتى لو امتد طهرها تبقى عدتها حتى تبلغ الإياس كما في الفتح، قال كمال الإسلام في شرحه: وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: عدتها ثلاث حيض، والصحيح قولهما، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما. تصحيح، قيدنا الطلاق بالبائن لأنه إذا كان رجعيا فعليها عدة الوفاة إجماعاً كما في الهداية. (فإن أعتقت الأمة في عدتها من طلاق رجعي انتقلت عدتها) من عدة الإماء (إلى عدة الحرائر) لأن الزوجية باقية (وإن أعتقت وهي مبتوتة أو متوفى عنها زوجها لم تنتقل عدتها) ؛ لزوال النكاح بالبينونة والموت (وإن كانت) المرأة (آيسة فاعتدت بالشهور ثم رأت الدم) على جاري عادتها أو حبلت من زوج آخر (انتقض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 ما مضى من عدتها وكان عليها أن تستأنف العدة بالحيض، والمنكوحة نكاحاً فاسداً والموطوءة بشبهةٍ عدتها الحيض في الفرقة والموت. وإذا مات مولى أم الولد عنها أو أعتقها فعدتها ثلاث حيضٍ.   ما مضى من عدتها) وفسد نكاحها (وكان عليها أن تستأنف العدة بالحيض) قال في الهداية: ومعناه إذا رأت الدم على العادة، لأن عودها يبطل الإياس، وهو الصحيح، قال في التصحيح: يحترز بهذا الصحيح عما فصله في زاد الفقهاء فقال: المختار عندنا أنها إذا رأت الدم قبل الاعتداد بالأشهر يبطل الاعتداد بالأشهر، وإذا رأت بعد الاعتداد بالأشهر لا يبطل، قال نجم الأمة: هذا هو الأصح والمختار للفتوى، قال في الذخيرة: وكان الصدر الشهيد حسام الدين يفتي بأنها لو رأت الدم بعد ذلك على أي صفة رأت يكون حيضاً، ويفتي ببطلان الاعتداد بالأشهر إن كانت رأت الدم قبل الاعتداد بالأشهر، ولا يفتي ببطلان الاعتداد بالأشهر بعد تمام الاعتداد بها، قضي بجواز الأنكحة أم لا، قال في مجموع النوازل: هو الأصح، قلت، وهذا التصحيح أولى من تصحيح فخر الدين في الهداية، وقد حقق وجهه في فتح القدير. اهـ. (والمنكوحة نكاحاً فاسداً) المدخول بها (والموطوءة بشبهة عدتها الحيض) إن كانت ممن تحيض، والأشهر إن كانت ممن لا تحيض (في الفرقة والموت) ؛ لأنها للتعرف عن براءة الرحم، لا قضاء حق النكاح، والحيض هو المعرف، والأشهر قائمة مقام الحيض. (وإذا مات مولى أم الولد عنها أو أعتقها) ولم تكن تحت زوج ولا معتدة (فعدتها ثلاث حيض) إن كانت من ذوات الحيض، وثلاثة أشهر إن كانت من ذوات الأشهر؛ لأنها وجبت بالوطء لا بالنكاح، ووجبت وهي حرة، فتكون ثلاث حيض أو ما يقوم مقامها كما في الوطء بشبهة. قيد بأم الولد لأن القنة والمدبرة إذا أعتقها المولى أو مات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 وإذا مات الصغير عن امرأته وبها حبلٌ فعدتها أن تضع حملها، وإن حدث الحبل بعد الموت فعدتها أربعة أشهرٍ وعشرٌ. وإذا طلق الرجل امرأته في حال الحيض لم تعتد بالحيضة التي وقع فيها الطلاق، وإذ وطئت المعتدة بشبهةٍ فعليها عدةٌ أخرى، وتداخلت العدتان، فيكون ما تراه من الحيض محتسباً به منهما جميعاً،   عنهما لا عدة عليهما؛ لعدم الفراش، وقيدنا بأن لا تكون متزوجة ولا معتدة؛ لأنها إذا كانت متزوجة أو معتدة ومات مولاها أو أعتقها فلا عدة عليها؛ لأنها ليست فراشا له. (وإذا مات الصغير) الذي لا يتأتى منه الإحبال (عن امرأته وبها حبل) محقق وذلك بأن تضع لدون ستة أشهر من موته (فعدتها أن تضع حملها) لإطلاق قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: عدتها أربعة أشهر وعشر؛ لأن الحمل ليس بثابت النسب منه، فصار كالحادث بعد الموت. اهـ. قال جمال الإسلام: الصحيح قولهما، واعتمده البرهاني والنسفي وغيرهما. تصحيح. قيدنا الحبل بالمحقق لأنه إذا كان محتملا - بأن ولدت لأكثر من ستة أشهر - فعليها عدة الوفاة اتفاقا كما في التصحيح (فإن حدث الحبل بعد الموت فعدتها أربعة أشهر وعشر) ؛ لأنها وجبت عند الموت كذلك، فلا تتغير بعده، ولا يثبت نسب الولد في الوجهين، لأن الصبي لا ماء له، فلا يتصور منه العلوق، والنكاح يقام مقامه في موضع التصور، هداية. (وإذا طلق الرجل امرأته في حال الحيض لم تعتد) المرأة (بالحيضة التي وقع فيها الطلاق) ؛ لأنه انقضى بعضها، ولا يقع الاعتداد إلا بالكاملة (وإذا وطئت المعتدة بشبهة) ولو من المطلق (فعليها عدة أخرى) لتجدد السبب (وتداخلت العدتان فيكون ما تراه من الحيض) في تلك المدة (محتسباً به منهما جميعاً) ، لأن المقصود هو التعرف عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 وإذا انقضت العدة الأولى ولم تكمل الثانية فإن عليها تمام العدة الثانية. وابتداء العدة في الطلاق عقيب الطلاق، وفي الوفاة عقيب الوفاة، فإن لم تعلم بالطلاق أو الوفاة حتى مضت مدة العدة فقد انقضت عدتها والعدة في النكاح الفاسد عقيب التفريق بينهما، أو عزم الواطئ على ترك وطئها،   فراغ الرحم، وقد حصل (وإذا انقضت العدة الأولى ولم تكمل) العدة (الثانية فإن عليها تمام العدة الثانية) فإذا كان الوطء الثاني بعدما رأت حيضة كانت الأولى من العدة الأولى والثنتان بعدها من العدتين، وتجب رابعة لتتم الثانية، وإن كان الوطء قبل رؤية الحيض فلا شيء عليها إلا ثلاث حيض، وهي تنوب عن ست حيض، كما في الدرر. (وابتداء العدة في الطلاق عقيب الطلاق، وفي الوفاة عقيب الوفاة) ، لأنهما السبب في وجوبهما، فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السبب) فإن لم تعلم بالطلاق والوفاة حتى مضت مدة العدة فقد انقضت عدتها) ، لأن العدة هي مضي الزمان، فإذا مضت المدة انقضت العدة، قال في الهداية: ومشايخنا يفتون في الطلاق أن ابتداءها من وقت الإقرار، نفيا لتهمة المواضعة، اهـ قال في التصحيح: يعني أن مشايخ بخارى وسمرقند يفتون أن من أقر بطلاق سابق وصدقته الزوجة وهما من مظان التهمة لا يصدق في الإسناد، ويكون ابتداء العدة من وقت الإقرار، ولا نفقة ولا سكنى للزوجة لتصديقها، قال الإمام أبو علي السندي: ما ذكر محمد من أن ابتداء العدة من وقت الطلاق محمول على ما إذا كانا متفرقين من الوقت الذي أسند الطلاق إليه، أما إذا كانا مجتمعين فالكذب في كلامهما ظاهر، فلا يصدقان في الإسناد. اهـ (والعدة في النكاح الفاسد) ابتداؤها (عقيب التفريق) من القاضي (بينهما أو) إظهار (عزم الواطئ على ترك وطئها) بأن يقول بلسانه: تركت وطئها، أو تركتها، أو خليت سبيلها، ونحوه، ومنه الطلاق، أما مجرد العزم فلا عبرة به، وهذا في المدخولة، أما غيرها فيكفي تفرق الأبدان، والخلوة في النكاح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 وعلى المبتوتة، والمتوفى عنها زوجها - إذا كانت بالغةً مسلمةً - الإحداد، وهو: ترك الطيب والزينة والدهن والكحل إلا من عذر، ولا تختضب بالحناء، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً بعصفرٍ ولا بزعفرانٍ، ولا إحداد على كافرةٍ، ولا صغيرةٍ، وعلى الأمة الإحداد، وليس في عدة النكاح الفاسد ولا في عدة أم الولد إحدادٌ. ولا ينبغي أن تخطب المعتدة، ولا بأس بالتعريض في الخطبة.   الفاسد لا توجب العدة، والطلاق فيه لا ينقص العدد، لأنه فسخ، جوهرة. (و) يجب (على المبتوتة والمتوفى عنها زوجها إذا كانت بالغة مسلمة) ولو أمة (الإحداد) وإن أمرها المطلق أو الميت بتركه، لأنه حق الشرع، إظهاراً للتأسف على فوات نعمة النكاح، وذلك (بترك الطيب والزينة) بحلي أو حرير (والدهن) ولو بلا طيب كزيت خالص (والكحل، إلا من عذر) راجع الجميع، إذ الضرورات تبيح المحظورات (ولا تختضب بالحناء ولا تلبس ثوباً مصبوغاً بعصفر ولا زعفران) ولا ورس لأن هذه الأشياء دواعي الرغبة فيها، وهي ممنوعة، فتجنبها كيلا تصير ذريعة الوقوع في المحرم (ولا إحداد على كافرة) لأنها غير مخاطبة بحقوق الشرع (ولا) على (صغيرة) لأن الخطاب موضوع عنها (وعلى الأمة الإحداد) لأنها مخاطبة بحقوق الله تعالى فيما ليس فيه إبطال حق المولى، بخلاف المنع من الخروج، لأن فيه إبطال حقه، وحق العبد مقدم لحاجته (وليس في عدة النكاح الفاسد ولا في عدة أم الولد إحداد) ، لأنه لإظهار التأسف على فوات نعمة النكاح، ولم يفتهما ذلك. (ولا ينبغي) بل يحرم (أن تخطب المعتدة) أي معتدة كانت (ولا بأس بالتعريض في الخطبة) لقوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء} إلى أن قال {ولكن لا تواعدوهن سراً، إلا أن تقولوا قولً معروفا} قال عليه الصلاة والسلام: (السر النكاح) وقال ابن عباس رضي الله عنهما: التعريض أن يقول: إني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 ولا يجوز للمطلقة الرجعية والمبتوتة الخروج من بيتها ليلاً ولا نهاراً، والمتوفى عنها زوجها تخرج نهاراً وبعض الليل، ولا تبيت في غير منزلها، وعلى المعتدة أن تعتد في المنزل الذي يضاف إليها بالسكنى حال وقوع الفرقة، فإن كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها وأخرجها الورثة من نصيبهم انتقلت،   أريد أن أتزوج، وعن سعيد بن جبير في القول المعروف: إني فيك لراغب، وإني أريد أن نجتمع. هداية. (ولا يجوز للمطلقة الرجعية والمبتوتة) الحرة (الخروج من بيتها ليلا ولا نهاراً) ؛ لأن نفقتها واجبة على الزوج، فلا حاجة إلى الخروج، كالزوجة، حتى لو اختلعت على أن لا نفقة لها، قيل: تخرج نهاراً لمعاشها، وقيل: لا، وهو الأصح، لأنها هي التي اختارت إسقاط نفقتها، كالمختلعة على أن لا سكنى لها، ولا يجوز لها الخروج اختياراً، فيلزمها أن تكتري بيت الزوج، معراج، قيدنا بالحرة لأن الأمة تخرج في حاجة المولى كما مر (والمتوفى عنها زوجها تخرج نهاراً وبعض الليل) ، لأنه لا نفقة لها، فتضطر إلى الخروج لإصلاح معاشها، وربما يمتد ذلك إلى الليل، حتى لو كان عندها كفايتها صارت كالمطلقة فلا يحل لها الخروج، فتح (ولا تبيت في غير منزلها) لعدم الاضطرار إليه (و) يجب (على المعتدة أن تعتد في المنزل الذي يضاف إليها بالسكنى حال وقوع الفرقة) حتى لو طلقت وهي في غير منزلها عادت إليه فوراً فتعتد يه (فإن كان نصيبها من دار) زوجها (الميت لا يكفيها) لضيقه (فأخرجها الورثة من نصيبهم انتقلت) إلى حيث شاءت، لأن هذا الانتقال بعذر، والعبادات تؤثر فيها الأعذار، وصار كما إذا خافت على متاعها، أو خافت سقوط المنزل، أو كانت فيه بأجر ولا تجد ما تؤديه. ثم إن وقعت الفرقة بطلاق بائن أو ثلاث لابد من سترة بينهما، ثم لا بأس به مع السترة، لأنه معترف بالحرمة، إلا أن يكون فاسقاً يخاف عليها منه، فحينئذ تخرج، لأنه عذر، ولا تخرج عما انتقلت إليه، والأولى أن يخرج هو ويتركها، وإن جعلا بينهما امرأة ثقة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 ولا يجوز أن يسافر الزوج بالمطلقة الرجعية. وإذا طلق الرجل امرأته طلاقاً بائناً ثم تزوجها في عدتها وطلقها قبل أن يدخل بها فعليه مهرٌ، كاملٌ وعليها عدةٌ مستقبلةٌ. وقال محمدٌ: لها نصف المهر وعليها إتمام العدة الأولى، ويثبت نسب ولد المطلقة الرجعية إذا جاءت به لسنتين أو أكثر   تقدر على الحيلولة فحسن. هداية. (ولا يجوز أن يسافر الزوج بالمطلقة الرجعية) ، لعموم قوله تعالى: {ولا تخرجوهن من بيوتهن} فيتناول الزوج وغيره، وقال زفر: له ذلك، بناء على أن السفر عنده رجعة إذ لا يسافر بها إلا وهو يريد إمساكها، فلا يكون إخراجا للمعتدة، قيدنا بالرجعية لأن المبانة لا يجوز السفر بها اتفاقاً، وإن أبانها أو طلقها في سفر وبينها وبين مصرها أقل من ثلاثة أيام رجعت إلى مصرها، وإن كان ثلاثة أيام خيرت، والعود أفضل إلا أن تكون في مصر فإنها لا تخرج حتى تعتد كما في الهداية. (وإذا طلق الرجل امرأته طلاقاً بائناً ثم تزوجها في عدتها) منه (وطلقها) ثانيا (قبل أن يدخل) أو يختلي (بها فعليه مهر كامل، وعليها عدة مستقبلة) لأنها مقبوضة بيده بالوطأة الأوللا، وبقي أثره - وهو العدة - فإذا جدد النكاح وهي مقبوضة ناب ذلك القبض عن القبض الواجب في النكاح، فيكون طلاقاً بعد الدخول. درر. وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف (وقال محمد: لها نصف المهر، وعليها إتمام العدة الأولى) ؛ لأنه طلاق قبل المسيس، فلا يوجب كمال المهر ولا استئناف العدة، وإكمال العدة الأولى إنما وجب بالطلاق الأول، هداية. قال الإسبيجاني: الصحيح قولهما، واختاره المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح. (ويثبت نسب ولد المطلقة الرجعية إذا جاءت به) أي الولد (لسنتين أو أكثر) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 مالم تقر بانقضاء عدتها، فإذا جاءت به لأقل من سنتين بانت منه، وإن جاءت به لأكثر من سنتين ثبت نسبه وكانت رجعةً. والمبتوتة يثبت نسب ولدها إذا جاءت به لأقل من سنتين، فإن جاءت به لتمام سنتين من يوم الفرقة لم يثبت نسبه إلا أن يدعيه.   ولو طالت المدة، لاحتمال امتداد طهرها وعلوقها في العدة (مالم تقر بانقضاء عدتها) والمدة تحتمله (وإن جاءت به لأقل من سنتين بانت منه) أي من زوجها بانقضاء العدة وثبت نسبه لوجود العلوق في النكاح أو في العدة؛ ولا يصير مراجعة، لأنه يحتمل العلوق قبل الطلاق ويحتمل بعده فلا يصير مراجعاً بالشك، هداية (وإن جاءت به لأكثر من سنتين ثبت نسبه وكانت مراجعة) : لأن العلوق بعد الطلاق، إذ الحمل لا يبقى أكثر من سنتين، والظاهر أنه منه لانتفاء الزنا من المسلم، فحمل أمره على أنه وطئها في العدة فيصير مراجعاً. (والمبتوتة يثبت نسب ولدها) بلا دعوى، مالم تقر بانقضاء العدة كما مر (إذا جاءت به لأقل من سنتين) لأنه يحتمل أن يكون الولد قائما وقت الطلاق، فلا يتيقن بزوال الفراش قبل العلوق، قيثبت نسبه احتياطا (وإن جاءت به لتمام سنتين من يوم الفرقة لم يثبت نسبه) من الزوج، لأنه حادث بعد الطلاق، فلا يكون منه، لأن وطأها حرام (إلا أن يدعيه) الزوج، لأنه التزمه، وله وجه بأن وطئها بشبهة في العدة، قال في الهداية: فإن كانت المبتوتة صغيرة يجامع مثلها فجاءت بولد لتسعة أشهر لم يلزمه حتى تأتي به لأقل من تسعة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: يثبت النسب منه إلى سنتين، لأنها معتدة يحتمل أن تكون حاملا ولم تقر بانقضاء العدة، فأشبهت الكبيرة، ولهما أن لانقضاء عدتها جهة متعينة - وهي الأشهر - وبمضيها يحكم الشرع بالانقضاء، وهو بالدلالة فوق إقرارها لأنه لا يحتمل الخلاف. اه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 ويثبت نسب ولد المتوفى عنها زوجها ما بين الوفاة وبين سنتين. وإذا اعترفت المعتدة بانقضاء عدتها ثم جاءت بولدٍ لأقل من ستة أشهرٍ ثبت نسبه، وإن جاءت به لستة أشهرٍ لم يثبت نسبه. وإذا ولدت المعتدة ولداً لم يثبت نسبه عند أبي حنيفة إلا أن يشهد بولادتها رجلان أو رجلٌ وامرأتان، إلا أن يكون هناك حبلٌ ظاهرٌ أو اعترافٌ من قبل الزوج، فيثبت النسب من غير شهادةٍ.   (ويثبت نسب ولد المتوفى عنها زوجها) ولو غير مدخول بها، إذا لم تقر بانقضاء عدتها (ما بين الوفاة وبين سنتين) وقال زفر: إذا جاءت به بعد انقضاء عدة الوفاة لستة أشهر لا يثبت النسب؛ لأن الشرع حكم بانقضاء عدتها بالشهور لتعين الجهة فصار كما إذا أقرت بالإنقضاء كما بينا في الصغيرة، إلا أنا نقول: لانقضاء عدتها جهة أخرى، وهو وضع الحمل، بخلاف الصغيرة؛ لأن الأصل فيها عدم الحمل؛ لأنها ليست بمحل قبل البلوغ. هداية. (وإذا اعترفت المعتدة) مطلقاً (بانقضاء عدتها) والمدة المحتملة (ثم جاءت ولد لأقل من ستة أشهر) من وقت الإقرار (يثبت نسبه) ؛ لظهور كذبها بيقين، فبطل الإقرار (وإن جاءت به لستة أشهر) فأكثر (لم يثبت نسبه) ؛ لأنه علم بالإقرار أنه حدث بعده، لأنها أمينة في الإخبار، وقول الأمين مقبول إلا إذا تحقق كذبه. (وإذا ولدت المعتدة ولداً) وجحدت ولادتها (لم يثبت نسبه عند أبي حنيفة إلا) بحجة تامة، وهي (أن يشهد بولادتها رجلان أو رجل وامرأتان) ؛ لأنه محقق مقصود فلا يثبت إلا بحجة كاملة، وتصور اطلاع الرجال عليه مع جوازه للضرورة كافٍ في اعتباره (إلا أن يكون هناك حبل ظاهر) وهل تكفي الشهادة لأنه بكونه ظاهراً؟ في البحر بحثا نعم (أو اعترف من قبل الزوج) بالحبل (فيثبت النسب من غير شهادة) يعني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يثبت في الجميع بشهادة امرأةٍ واحدةٍ. وإذا تزوج امرأةً فجاءت بولدٍ لأقل من ستة أشهرٍ منذ يوم تزوجها لم يثبت نسبه، وإن جاءت به لستة أشهرٍ فصاعداً ثبت نسبه إن اعترف به الزوج أو سكت، وإن جحد الولادة ثبت بشهادة امرأةٍ واحدةٍ تشهد بالولادة. وأكثر مدة الحمل سنتان، وأقله ستة أشهرٍ. وإذا طلق الذمي الذمية فلا عدة عليها.   تامة لأنه إذا كان هناك حمل ظاهر وأنكر الزوج الولادة فلابد أن تشهد بولادتها القابلة لجواز أن تكون ولدت ولداً ميتاً وأرادت إلزامه ولداً غيره، جوهرة (قالا: يثبت في الجميع بشهادة امرأة واحدة) لأن الفراش قائم بقيام العدة، وهو ملزم للنسب، والحاجة إلى تعيين الولد، فيتعين بشهادتهما كما في حال قيام النكاح، هداية. قال في التصحيح: واعتمد قول الإمام المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة. (وإذا تزوج) الرجل (امرأة فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم تزوجها لم يثبت نسبه) لتحقق سبق العلوق على النكاح (وإن جاءت به لستة أشهر فصاعداً يثبت نسبه إن اعترف به الزوج أو سكت) ، لأن الفراش قائم، والمدة تامة (وإن جحد) الزوج (الولادة يثبت) نسبه (بشهادة امرأة واحدة تشهد بالولادة) ، لأن النسب ثابت بالفراش، والحاجة إلى تعيين الولد، وهو يتعين بشهادة المرأة كما مر. (وأكثر مدة الحمل سنتان) ، لقوال عائشة رضي الله عنها: (الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين، ولو بظل مغزل) والظاهر أنها قالته سماعاً، إذ العقل لا يهتدي إليه. هداية (وأقله ستة أشهر) لقوله تعالى {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) ثم قال: {وفصاله في عامين) فبقي للحمل ستة أشهر. (وإذا طلق الذمي الذمية) أو مات عنها (فلا عدة عليها) عند أبي حنيفة، إذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 وإذا تزوجت الحامل من الزنا جاز النكاح، ولا يطؤها حتى تضع حملها، والله أعلم. كتاب النفقات - النفقة واجبةٌ للزوجة على زوجها، مسلمةً كانت أو كافرةً، إذا سلمت نفسها في منزله   كان ذلك في دينهم، لأنها إنما تجب لحق الله تعالى وحق الزوج، وهي غير مخاطبة بحقوق الله تعالى كالصلاة والصوم، والزوج قد أسقط حقه، لعدم اعتقاده حقيتها كما في الجوهرة، قال جمال الإسلام في شرحه: وقال أبو يوسف ومحمد: عليها العدة، والصحيح قوله، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما. تصحيح. (وإن تزوجت الحامل من الزنا جاز النكاح) لأن ماء الزاني لا حرمة له (و) لكن (لا يطؤها حتى تضع حملها) لئلا يسقي ماءه زرع غيره، إلا أن يكون هو الزاني. قال الإسبيجاني: وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو سيف: لا يجوز، والصحيح قوله، ومشى عليه الأئمة المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة. تصحيح. كتاب النفقات جمع نفقة، وهي لغةً: ما ينفقه الإنسان على عياله، وشرعاً - كما قال هشام: سألت الإمام محمداً عن النفقة، فقال: هي الطعام والكسوة والسكنى. وتجب بأسباب ثلاثة: زوجية، وقرابة، وملكٍ. ولما كانت الزوجية أصل النسب، والنسب أقوى من الملك - بدأ بالزوجية فقال: (والنفقة واجبة للزوجة على زوجها) ولو صغيراً، أو فقيراً (مسلمة كانت) الزوجة (أو كافرة) فقيرة أو غنية، موطوءة أو لا، ولو رتقاء أو قرناء أو معتوهة أو كبيرة لا توطأ أو صغيرة لا تطيق الوطء ولا تصلح للخدمة أو للاستئناس (إذا سلمت نفسها) للزوج (في منزله) قال في التصحيح: هذه رواية عن أبي يوسف، وظاهر الرواية ما في المبسوط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 فعليه نفقتها وكسوتها وسكناها. يعتبر ذلك بحالهما جميعاً، موسراً كان الزوج أو معسراً. فإن امتنعت من تسليم نفسها حتى يعطيها مهرها فلها النفقة. وإن نشزت فلا نفقة لها حتى تعود إلى منزله.   والمحيط من أنها تجب لها قبل الدخول والتحول إذا لم تمتنع عن المقام معه اهـ (فعليه نفقتها) أي العرفية، وهي: المأكول، والمشروب (وكسوتها وسكناها) وإنما فسرنا النفقة بالعرفية لأن النفقة الشرعية تشمل الكل كما مر. (يعتبر ذلك بحالهما) أي الزوجين (جميعاً، موسراً كان الزوج أو معسراً) قال في الهداية: وهذا اختيار الخصاف، وعليه الفتوى. اهـ. وهذا خلاف ظاهر الرواية، وظاهر الرواية - وهو اختيار الكرخي - يعتبر حال الزوج، وفي شرح الإسبيجاني: الصحيح ما ذكره الخصاف، وفي الجواهر: والفتوى على قول الخصاف، وفي شرح الزاهدي: وعليه الفتوى، وعليه مشى المحبوبي والنسفي كما في التصحيح، وحاصله أنه إن كانا موسرين نفقة اليسار، وإن كانا معسرين فنفقة الإعسار، وإن كانا مختلفين فعلى ظاهر الرواية يعتبر حال الزوج، وعلى ما اختاره صاحب الهداية فبين الحالين، إلا أنه إذا كان هو المعسر يطالب بقدر وسعه والباقي دين عليه إلا الميسرة كما في الدرر. فإذا امتنعت الزوجة (من تسليم نفسها) ولو بعد الدخول بها (حتى يعطيها مهرها) المعجل (فلها النفقة) ؛ لأنها منع بحق؛ فكان فوت الإحتباس بمعنى من قبله، فيجعل كلا فائت، هداية قيدنا بالمعجل لأنه إذا كان مؤجلا ولو كله أو بعضه واستوفت الحال ليس لها أن تمنع نفسها عندهما، خلافاً للثاني، وكذا لو أجلته بعد العقد كما في الجوهرة. (وإن نشزت) أي: خرجت من بيته بلا إذنه بغير حق ولو بعد سفره (فلا نفقة لها حتى تعود إلى منزله) ؛ لأن فوت الاحتباس منها، وإذا عادت جاء الاحتباس فتجب النفقة، بخلاف ما إذا امتنعت من التمكين في بيت الزوج؛ لأن الاحتباس قائم؛ والزوج يقدر على الوطء كرها، هداية. وإذا كان الزوج معها في بيتها فمنعته من الدخول عليها كانت ناشزة، إلا أن تسأله التحول عنه كما في الجوهرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 وإن كانت صغيرةً لا يستمتع بها فلا نفقة عليها، وإن سلمت نفسها إليه. وإن كان الزوج صغيراً لا يقدر على الوطء والمرأة كبيرةً فلها النفقة من ماله. وإذا طلق الرجل امرأته فلها النفقة والسكنى في عدتها، رجعياً كان أو بائناً. ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها، وكل فرقةٍ جاءت من قبل المرأة بمعصيةٍ فلا نفقة لها.   (وإذا كانت) الزوجة (صغيرة لا يستمتع بها) ولو للخدمة والاستئناس كما مر. (فلا نفقة لها وإن سلمت نفسها إليه) ؛ لأن النفقة مقابلة باحتباسها له؛ والاحتباس له بكونها منتفعاً بها. قيد بالنفقة لأن المهر يجب بمجرد العقد وإن كانت لا يتمتع بها كما في الجوهرة. (وإذا كان الزوج صغيراً) بحيث (لا يقدر على الوطء والمرأة كبيرة) بحيث يستمتع بها (فلما النفقة من ماله) ؛ لأن التسليم محقق منها، وإنما العجز من قبله، فصار كالمجبوب والعنين قيد بالكبيرة لأنها لو كانت صغيرة أيضا تجب لها النفقة؛ لأن المنع جاء من قبلها، فغاية ما في الباب أن يجعل المنع من قبله كالمعدوم، فالمنع من قبلها قائم، ومع قيامه من قبلها لا تستحق النفقة كما في الدرر عن النهاية. (وإذا طلق الرجل امرأته فلها) عليه (النفقة والسكنى في) مدة (عدتها، رجعيا كان) الطلاق (أو بائنا) أما الرجعي فلأن النكاح بعده قائم لاسيما عندنا؛ فإنه يحل له الوطء، وأما البائن فلأن النفقة جزاء الاحتباس كما مر، والاحتباس قائم في حق حكم المقصود بالنكاح - وهو الولد - إذ العدة واجبة لصيانة الولد فتجب النفقة، ولهذا كان لها السكنى بالإجماع كما في الهداية. (ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها) ، لأنها تجب في ماله شيئاً فشيئاً، ولا مال له بعد الموت، ولا يمكن إيجابها على الورثة كما في الدرر (وكل فرقة جاءت من قبل المرأة بمعصية) كالردة وتقبيل ابن الزوج (فلا نفقة لها) ؛ لأنها صارت حابسة نفسها بغير حق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 وإن طلقها ثم ارتدت سقطت نفقتها، وإن أمكنت ابن زوجها من نفسها: إن كان بعد الطلاق فلها النفقة، وإن كان قبل الطلاق فلا نفقة لها، وإن حبست المرأة في دينٍ أو غصبها رجلٌ كرهاً فذهب بها أو حجت مع محرمٍ فلا نفقة لها.   فصارت كأنها ناشزة. قيد بالمعصية لأنها إذا كانت بسبب مباح كما إذا اختارت نفسها للادراك أو العتق أوز لعدم الكفاءة فلها النفقة كما في الجوهرة. (وإن طلقها) الزوج ولو ثلاثاً (ثم ارتدت سقطت نفقتها، وإن مكنت ابن زوجها من نفسها: إن كان) ذلك (بعد الطلاق فلها النفقة) لأن الفرقة تثبت بالطلاق، ولا عمل فيها للردة والتمكين، إلا أن المرتدة تحبس حتى تتوب، ولا نفقة للمحبوسة، والممكنة لا تحبس؛ فلها النفقة كما في الدرر. (وإن كان قبل الطلاق فلا نفقة لها) ؛ لثبوت الفرقة بالتمكين (وإذا حبست المرأة في دين، أو غصبها رجل كرها فذهب بها، أو حجت) ولو (مع محرم فلا نفقة لها) لفاوت الاحتباس، إلا أن تكون مع الزوج فتجب لها نفقة الحضر، وعن أبي يوسف أن المغصوبة والحاجة مع المحرم لهما النفقة، قال في التصحيح: والمعتمد الأول، ومشى عليه المحبوبي والنسفي وغيرهما. (وإن مرضت) الزوجة (في منزل الزوج فلها النفقة) استحساناً؛ لأن الاحتباس قائم؛ فإنه يستأنس بها ولا يمسها وتحفظ البيت؛ والمانع إنما هو لعارض فأشبه الحيض، وعن أبي يوسف: إذا سلمت نفسها ثم مرضت فلها النفقة؛ لتحقق التسليم، وإن مرضت ثم سلمت لا تجب؛ لأن التسليم لم يصح، وهو حسن، وفي كلام المصنف ما يشير إليه حيث قال: (وإن مرضت في منزل الزوج) احترازاً عما إذا مرضت في بيت أبيها كما في الجوهرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 وإن مرضت في منزل الزوج فلها النفقة. وتفرض على الزوج نفقة خادمها إذا كان موسراً، ولا تفرض لأكثر من خادمٍ واحدٍ. وعليه أن يسكنها في دارٍ منفردةٍ ليس فيها أحدٌ من أهله، إلا أن تختار ذلك، وإن كان له ولدٌ من غيرها فليس له أن يسكنه معها. وللزوج أن يمنع والديها وولدها من غيره وأهلها من الدخول   (وتفرض على الزوج نفقة خادمها إذا كان) الزوج (موسراً) وهي حرة كما في الجوهرة. قال في الهداية: وقوله في الكتاب {إذا كان موسراً} إشارة إلى أنه لا تجب نفقة الخادم عند إعساره، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، وهو الأصح خلافاً لما قاله محمد؛ لأن الواجب على المعسر أدنى الكفاية، وهي قد تكتفي بخدمة نفسها. اهـ. وفي قاضيخان: فإن لم يكن لها خادم لا تستحق نفقة الخادم في ظاهر الرواية، موسراً كان الزوج أو معسراً، ثم قال: والصحيح أن الزوج لا يملك إخراج خادم المرأة. اهـ. (ولا تفرض) النفقة (لأكثر من خادم واحد) قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: تفرض لخادمين، قال الإسبيجاني: والصحيح قولهما، ومشى عليه المحبوبي والنسفي. تصحيح. (وعليه) أي على الزوج (أن يسكنها في دار منفردة) بحسب حالهما، كالطعام والكسوة (ليس فيها أحد من أهله) سوى طفله الذي لا يفهم الجماع وأمته وأم ولده كما في الدر (إلا أن تختار) المرأة (ذلك) لرضاها بانتقاص حقها (وإن كان له ولد من غيرها) بحيث يفهم الجماع (فليس له أن يسكنه معها) ؛ لأن السكنى واجبة لها، فليس له أن يشرك غيرها، لأنها تتضرر به، فإنها لا تأمن على متاعها ويمنعها من المعاشرة مع زوجها. (وللزوج أن يمنع والديها وولدها من غيره وأهلها) أي محارمها (من الدخول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 عليها، ولا يمنعهم من النظر إليها وكلامها أي وقتٍ اختاروا. ومن أعسر بنفقة امرأته لم يفرق بينهما، ويقال لها: استديني عليه. وإذا غاب الرجل وله مالٌ في يد رجلٍ وهو يعترف به وبالزوجية فرض القاضي في ذلك المال نفقة زوجة الغائب وأولاده الصغار ووالديه، ويأخذ منها كفيلاً بها،   عليها؛ لأن المنزل ملكه، فله حق المنع من دخوله (ولا يمنعهم من النظر إليها وكلامها في أي وقت اختاروا) لما فيه من قطيعة الرحم، وليس له في ذلك ضرر، وقيل: لا يمنعهم من الدخول والكلام، وإنما يمنعهم من القرار، وقيل: لا يمنعها من الخروج إليهما ولا يمنعهما من الدخول عليها في كل جمعة، وغيرهما من المحارم التقدير بسنةٍ، وهو الصحيح كما في الهداية. (ومن أعسر بنفقة امرأته لم يفرق بينهما) بل يفرض القاضي النفقة (ويقال لها: استديني عليه) ، لأن في التفريق إبطال حقه من كل وجه، وفي الاستدانة تأخير حقها مع إبقاء حقه، فكان أولى، لكونه أقل ضرراً، قال في الهداية: وفائدة الأمر بالاستدانة مع الفرض أن يمكنها إحالة الغريم على الزوج، فأما إذا كانت الاستدانة بغير أمر القاضي كانت المطالية عليها دون الزوج. (وإذا غاب الرجل وله مال في يد رجل) أو عنده (وهو يعترف به) أي بما في يده أو عنده من المال (وبالزوجية) وكذا إذا علم القاضي ذلك، هداية (فرض القاضي في ذلك المال نفقة زوجة الغائب وولده) بضم فسكون - جمع ولد كأسد جمع أسد (الصغار ووالديه) إذا كان المال من جنس حقهم: أي دراهم أو دنانير، أو طعام أو كسوة من جنس حقهم، بخلاف ما إذا كان من خلاف جنسه، لأنه يحتاج إلى البيع، ولا يباع مال الغائب بالاتفاق، درر (ويأخذ منها) القاضي (كفيلا بها) أي بالنفقة، ويحلفها باللهما أعطاها النفقة، نظراً للغائب، لأنها ربما استوفت النفقة، أو طلقها الزوج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 ولا يقضى بنفقةٍ في مال الغائب إلا لهؤلاء. وإذا قضى القاضي لها بنفقة الإعسار ثم أيسر فخاصمته تمم لها نفقة الموسر. وإذا مضت مدةٌ لم ينفق الزوج عليها وطالبته بذلك فلا شيء لها، إلا أن يكون القاضي فرض لها النفقة، أو صالحت الزوج على مقدارها، فيقضي لها بنفقة ما مضى.   وانقضت عدتها، وكذا كل آخذ نفقته. (ولا يقضى بنفقة في مال الغائب إلا لهؤلاء) لأن نفقة هؤلاء واجبة قبل قضاء القاضي، ولهذا كان لهم أخذها بأنفسهم؛ فكان قضاء القاضي إعانة لهم، أما غيرهم من المحارم إنما تجب نفقتهم بالقضاء، والقضاء على الغائب لا يجوز، قال في النهاية: ولو لم يعلم القاضي بذلك ولم يكن مقراً به فأقامت البينة على الزوجية، أو لم يخلف مالا فأقامت البينة ليفرض القاضي نفقتها على الغائب ويأمرها بالاستدانة - لا يقضي القاضي بذلك؛ لأن في ذلك قضاء على الغائب، وقال زفر: يقضي؛ لأن فيه نظراً لها، ولا ضرر فيه على الغائب، إلى أن قال: وعمل القضاة اليوم على هذا. اهـ. قال في الدرر عازيا إلى البحر: وهذه من الست التي يفتى بها بقول زفر، وعليه فلو غاب وله زوجة وصغار تقبل بينتها على النكاح إن لم يكن عالماً به، ثم يفرض لهم، ويأمرها بالإنفاق أو الاستدانة لترجع. اهـ. (وإذا قضى القاضي لها بنفقة الإعسار ثم أيسر) الزوج (فخاصمته تمم) القاضي (لها نفقة الموسر) ؛ لأن النفقة تختلف باختلاف اليسار والإعسار، فإذا تبدل حاله لها المطالبة بتمام حقها. (وإذا مضت مدة لم ينفق الزوج) فيها (عليها فطالبته) الزوجة (بذلك فلا شيء لها) ، لأن النفقة فيها معنى الصلة، فلا يستحكم الوجوب وتصير دينا (إلا) القضاء، وهو (أن يكون القاضي فرض لها النفقة) عليه (أو) الرضا، بأن تكون الزوجة قد (صالحت الزوج على مقدارها) ففرض لها على نفسه قدراً معلوما ولم ينفق عليها حتى مضت مدة (فيقضي لها بنفقة ما مضى) لأن فرضه على نفسه آكد من فرض القاضي، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 وإذا مات الزوج بعد ما قضي عليه بالنفقة ومضت شهورٌ سقطت النفقة. وإن أسلفها نفقةً سنةٍ ثم مات لم يسترجع منها شيءٌ، وقال محمدٌ: يحتسب لها نفقة ما مضى وما بقي للزوج. وإذا تزوج العبد حرةً فنفقتها دينٌ عليه يباع فيها.   لأن ولايته على نفسه أقوى من ولاية الغير عليه، وإذا صارت النفقة ديناً عليه لم تسقط بطول الزمان، إلا إذا مات أحدهما، أو وقعت الفرقة كما صرح به المصنف بقوله:] . (وإذا مات الزوج) أو الزوجة (بعد ما قضي عليه بالنفقة ومضت شهور) ولم ينفق عليها (سقطت النفقة) المتجمدة عليه، لما مر أن فيها معنى الصلة، والصلات تسقط بالموت قبل القبض. (وإن أسلفها) الزوج (نفقة) جميع (السنة ثم مات) هو أو هي (لم يسترجع) بالبناء للمجهول (منها) أي النفقة المسلفة (شيء) ؛ لأنها صلة وقد اتصل بها القبض، ولا رجوع في الصلات بعد الموت؛ لانتهاء حكمها كما في الهبة. وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف (وقال محمد: يحتسب لها نفقة ما مضى، وما بقي) يسترد (للزوج) قال في زاد الفقهاء والتحفة: الصحيح قولهما، وفي فتح القدير: الفتوى على قولهما، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما. تصحيح. (وإذا تزوج العبد حرة) بإذن مولاه (فنفقتها) المفروضة (دين عليه) ، للزومها بعقد باشره بإذن المولى، فيظهر في حقه كسائر الديون (يباع فيها) إذا لم يفده المولى. ذخيرة. وهكذا مرة بعد أخرى إذا تجدد عليه نفقة أخرى بهد ما اشتراه من علم به أو لم يعلم ثم علم فرضي، وإنما قيدت بالمفروضة لأنها بدون فرض تسقط بالمضي، كنفقة زوجة الحر كما في النهر، قال في الفتح: وينبغي أن لا يصح فرضها بتراضيهما لحجر العبد عن التصرف، ولاتهامه بقصد الزيادة لإضرار المولى: اه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 وإذا تزوج الرجل أمةً فبوأها مولاه معه منزلاً فعليه النفقة، وإن لم يبوئها فلا نفقة لها. ونفقة الأولاد الصغار على الأب، لا يشاركه فيها أحدٌ، كما لا يشاركه في نفقة الزوجة أحدٌ. فإن كان الصغير رضيعاً فليس على أمه أن ترضعه.   (وإذا تزوج الرجل أمةً) قنةً أو مدبرة أو أم ولد (فبوأها) أي خلاها (مولاها معه) أي مع الزوج (منزلا) أي في منزل الزوج، بأن بعثها إلى منزله وترك استخدامها (فعليه) أي الزوج (النفقة) لتحقق الاحتباس (وإن لم يبوئها) مولاها منزل الزوج أو لم يترك استخدامها (فلا نفقة لها) عليه لعدم الاحتباس، قال في الهداية: ولو استخدمها بعد التبوئة سقطت النفقة؛ لأنه فات الاحتباس، ولو خدمته أحياناً من غير أن يستخدمها لا تسقط النفقة؛ لأنه لم يستخدمها ليكون استرداداً. اهـ. (ونفقة الأولاد الصغار) الفقراء الأحرار (على الأب، لا يشاركه فيها أحد) موسراً كان الأب أو معسراً، غير أنه إذا كان معسراً والأم موسة تؤمر الأم بالإنفاق ويكون ديناً على الأب كما في الجوهرة، قيدنا بالفقراء الأحرار لأن نفقة الأغنياء في مالهم والأرقاء على مالكهم (كما) أنه (لا يشاركه) أي الأب (في نفقة الزوجة أحد) ما لم يكن معسراً فيلحق بالميت، فتجب على غيره بلا رجوع عليه على الصحيح من المذهب، إلا الأم موسرة. بحر، قال: وعليه فلابد من إصلاح المتون اهـ. قال شيخنا: لأن قول المتون (إن الأب لا يشاركه في نفقة ولده أحد) يقتضي أنه لو كان معسراً وأمر غيره بالإنفاق يرجع، سواء كان أما أو جداً أو غيرهما، إذ لو لم يرجع عليه لحصلت المشاركة، وأجاب المقدسي بحمل ما في المتون على حالة اليسار اهـ. (فإن كان الصغير رضيعاً فليس على أمه أن ترضعه) قضاء، لأن إرضاعه يجري مجرى النفقة، ونفقته على الأب كما مر، ولكن تؤمر بد ديانة؛ لأنه من باب الاستخدام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 ويستأجر له الأب من ترضعه عندها، فإن استأجرها وهي زوجته أو معتدته لترضع ولدها لم يجز، وإن انقضت عدتها فاستأجرها على إرضاعه جاز، فإن قال الأب لا أستأجرها وجاء بغيرها فرضيت الأم بمثل أجر الأجنبية كانت الأم أحق به، وإن التمست زيادةً لم يجبر الزوج عليها.   ككنس البيت والطبخ والخبز، فإنها تؤمر بذلك ديانة، ولا يجبرها القاضي عليها لأن المستحق عليها بعد النكاح تسليم النفس للاستمتاع لا غير، ثم هذا حيث لم تتعين، فإن تعينت لذلك - بأن كان لا يأخذ ثدي غيرها - فإنها تجبر على إرضاعه صيانة له على الهلاك. جوهرة (ويستأجر له الأب من ترضعه عندها) ؛ لأن الحضانة لها (فإن استأجرها) أي استأجر الأب أم الصغير (وهي زوجته أو معتدته) من طلاق رجعي (لترضع ولدها لم يجز) ذلك الاستئجار لأن الإرضاع مستحق عليها ديانة، إلا أنها عذرت لاحتمال عجزها، فإذا أقدمت عليه بالأجر ظهرت قدرتها، فكان الفعل واجباً عليها، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه. هداية قيد بولدها لأنه لو استأجرها لإرضاع ولده من غيرها جاز، لأنه غير مستحق عليها، وقيدنا المعتدة بالرجعي لأن المعتدة من البائن فيها روايتان، والصحيحة منهما أنه يجوز، لأن النكاح قد زال فهي كالأجنبية كما في الجوهرة (وإن انقضت عدتها فاستأجرها على إرضاعه) أي الولد (جاز) لأن النكاح قد زال بالكلية وصارت كالأجنبية (وإن قال الأب لا أستأجرها) أي الأم (وجاء بغيرها) لترضعه عندها (فرضيت الأم بمثل أجرة) تلك (الأجنبية كانت الأم أحق به) ، لأنها أشفق، فكان نظراً للصبي في الدفع إليها، هداية (فإن التمست زيادة) عن الأجنبية ولو بدون أجر المثل أو متبرعة. زيلعي (لم يجبر الزوج عليها) دفعاً للضرر عنه، وإليه الإشارة في قوله تعالى: {لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده} أي بإلزامه أكثر من أجرة الأجنبية. هداية. قيد بأجرة لإرضاع لأن الحضانة تبقى للأم فترضعه الأجنبية كما صرح في البدائع، ولا تكون الأجنبية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 ونفقة الصغير واجبةٌ على أبيه وإن خالفه في دينه، كما تجب نفقة الزوجة على الزوج وإن خالفته في دينه. كتاب الحضانة - وإذا وقعت الفرقة بين الزوجين فالأم أحق بالولد، فإن لم تكن الأم فأم الأم أولى من أم الأب، فإن لم تكن فأم الأب أولى من الأخوات، فإن لم تكن جدةٌ فالأخوات أولى من العمات والخالات وتقدم الأخت   المتبرعة بالحضانة أولى منها إذا طلبته بأجر المثل، نعم تبرعت العمة بحضانته من غير أن تمنع الأم عنه والأب معسر، فالصحيح أن يقال للأم: إما أن تمسكيه بلا أجر أو تدفعيه إليها، قال شيخنا: وبه ظهر الفرق بين الحضانة والإرضاع، وهو أن الإرضاع إلى غير الأم لا يتوقف على طلب الأم أكثر من أجر المثل، ولا بإعسار الأب ولا بكون المتبرعة عمة أو نحوها من الأقارب. اهـ. (ونفقة الصغير واجبة على أبيه وإن خالفه في دينه) ؛ لإطلاق قوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن} ولأنه جزؤه، فيكون في معنى نفسه. هداية (كما تجب نفقة الزوجة على الزوج وإن خالفته في دينه) ؛ لأن نفقتها بمقابلة الاحتباس الثابت بالعقد، وقد صح العقد بين المسلم والكافرة، فوجبت النفقة. كتاب الحضانة (وإذا وقعت الفرقة بين الزوجين فالأم) ولو كتابية (أحق بالولد) لما مر أنها أشفق عليه وأعرف بتربيته (فإن لم تكن أم فأم الأم) وإن بعدت (أولى من أم الأب) ؛ لأن هذه الولاية تستفاد من قبل الأمهات (فإن لم تكن) أم الأم (فأم الأب وإن بعدت أيضاً (أولى من الأخوات) مطلقاً لأنها أكثر شفقة منهن لأن قرابتها قرابة ولاد (فإن لم تكن جدة) مطلقا (فالأخوات) مطلقاً أولى (من العمات والخالات) مطلقا لأنهن أقرب، ولأنهن أولاد الأبوين، ولهذا قدمن في الميراث (وتقدم الأخت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 من الأم والأب، ثم الأخت من الأم، ثم الأخت من الأب، ثم الخالات أولى من العمات، وينزلن كذلك، ثم العمات ينزلن كذلك، وكل من تزوجت من هؤلاء سقط حقها إلا الجدة إذا كان زوجها الجد، وإن لم تكن للصبي امرأةٌ من أهله واختصم فيه الرجال فأولاهم به أقربهم تعصيباً.   من الأب والأم) لأنها ذات قرابتين (ثم الأخت من الأم) ، لأن الحق من قبلها (ثم الأخت من الأب) ثم بنات الأخت لأبوين، ثم لأم (ثم الخالات أولى من العمات) ومن بنات الأخت لأب، ترجيحاً لقرابة الأم، و (ينزلن كما ينزلن الأخوات) فترجح ذات القرابتين، ثم قرابة الأم، ثم بنت الأخت لأب، قال في الخانية: اختلفت الرواية في بنت الأخت لأب مع الخالة، والصحيح أن الخالة أولى. اهـ (ثم العمات) و (ينزلن كذلك) ثم خالة الأم كذلك، ثم خالة الأب كذلك، ثم عمة الأم كذلك، ثم عمة الأب كذلك، بهذا الترتيب (وكل من تزوجت من هؤلاء) المذكورات بأجنبي من الصغير (سقط حقها) من الحضانة، لأن الأجنبي يعطيه نزراً، وينظر إليه شزراً، فر نظر في ذلك للصغير، بخلاف ما إذا كان الزوج ذا رحم محرم من الصغير كما يصرح بذلك بقوله: (إلا الجدة إذا كان زوجها الجد) أي فلا يسقط حقها، لأنه قام مقام أبيه فينظر إليه، وكذا كل زوج هو ذو رحم محرم منه، لقيام الشفقة نظراً إلى القرابة القريبة، هداية. وتعود الحضانة بالفرقة، لزوال المانع، والقول لها في نفي الزوج وكذا في تطليقه أن أبهمته لا إن عينته كما في الدر (فإن لم تكن للصبي امرأة من أهله) تستحق الحضانة (فاختصم فيها الرجال فأولاهم به أقربهم تعصيبا) لأن الولاية للأقرب، وقد عرف الترتيب في موضعه، غير أن الصغيرة لا تدفع عصبة غير محرم كمولى العتاقة وابن العم تحرزا عن الفتنة. هداية. ثم إذا لم يكن عصبة فلذوي الأرحام، فإن استووا فأصلحهم، ثم أورعهم، ثم أكبرهم ولا حق لولد عم وعمة وخال وخالة، لعدم المحرمية كما في الدر] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 والأم والجدة أحق بالغلام حتى يأكل وحده ويلبس وحده ويستنجي وحده، وبالجارية حتى تحيض، ومن سوى الأم والجدة أحق بالجارية حتى تبلغ حداً تشتهى. والأمة إذا أعتقها مولاها وأم الولد إذا أعتقت في الولد كالحرة، وليس للأمة وأم الولد قبل العتق حقٌ في الولد، والذمية أحق بولدها المسلم مالم يعقل الأديان ويخاف أن يألف الكفر.   (والأم والجدة أحق بالغلام حتى) يستغني، بأن (يأكل وحده) ويشرب وحده (ويلبس وحده، ويستنجي وحده) ، لأن تمام الاستغناء بالقدرة على الاستنجاء، قال في الهداية: ووجهه أنه إذا استغنى يحتاج إلى التأديب والتخلق بآداب الرجال وأخلاقهم والأب أقدر على التأديب والتثقيف. والخصاف قدر الاستغناء بسبع سنين اعتباراً للغالب. اهـ. (و) هما أحق (بالجارية حتى تحيض) أي تبلغ، لأن بعد الاستغناء تحتاج إلى معرفة آداب النساء، والمرأة على ذلك أقدر، وبعد البلوغ تحتاج إلى التحصين والحفظ، والأب فيه أقوى وأهدى. هداية (ومن سوى الأم والجدة) ممن لها الحصانة (أحق بالجارية حتى تبلغ حداً تشتهى) وقدر بتسع، وبه يفتى كما في الدر، وفي التنوير: وعن محمد أن الحكم في الأم والجدة كذلك، وبه يفتى. اهـ. وفي المنح قال مولانا صاحب البحر: والحاصل أن الفتوى على خلاف ظاهر الرواية؛ فقد صرح في التجنيس بأن ظاهر الرواية أنها أحق بها حتى تحيض، واختلف في حد الشهوة، فقدره أبو الليث بتسع سنين، وعليه الفتوى، كذا في تبيين الكنز اهـ. (والأم إذا أعتقها مولاها وأم الولد إذا أعتقت في) ثبوت حق حضانة (الولد كالحرة) ، لأنهما حرتان أو أن ثبوت الحق (وليس للأمة وأم الولد قبل العتق حق في الولد) لعجزهما عن الحضانة بالاشتغال بخدمة المولى (والذمية أحق بولدها المسلم سواء كان ذكراً أو أنثى (ما لم يعقل الأديان ويخاف عليه أن يألف الكفر) للنظر قبل ذلك، واحتمال الضرر بعده. هداية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 وإذا أرادت المطلقة أن تخرج بولدها من المصر فليس لها ذلك إلا أن تخرجه إلى وطنها وقد كان الزوج قد تزوجها فيه. وعلى الرجل أن ينفق على أبويه وأجداده وجداته إذا كانوا فقراء وإن خالفوه في دينه،   (وإذا أرادت المطلقة أن تخرج بولدها من المصر) إلى مصر آخر، وبينهما تفاوت بحيث لا يمكنه أن يبصر ولده ثم يرجع في نهاره (فليس لها ذلك) لما فيه من الإضرار بالأب، لعجزه عن مطالعة ولده (إلا أن تخرجه إلى وطنها وقد كان الزوج تزوجها) أي عقد عليها (فيه) أي وطنها ولو قرية في الأصح كما في الدر؛ لأنه التزم ذلك عادة، لأن من تزوج في بلد يقصد المقام به غالبا. قال في الهداية: وإذا أرادت الخروج إلى مصر غير وطنها وقد كان التزويج فيه أشار في الكتب إلى أنه ليس لها ذلك، وذكر في الجامع الصغير أن لها ذلك. وجه الأول أن التزوج في دار الغربة ليس الزاماً للمكث فيه عرفاً، وهذا أصح. فالحاصل أنه لابد من الأمرين جميعاً: الوطن، ووجود النكاح، وهذا كله إذا كان بين المصرين تفاوت، أما إذا تقاربا بحيث يمكن للوالد أن يطالع ولده ويبيت في بيته فلا بأس، وكذا الجواب في القريتين، ولو انتقلت من قرية المصر إلى المصر لا بأس به، لأن فيه نظراً للصغير حيث يتخلق بأخلاق أهل المصر، وليس فيه ضرر بالأب، وفي عكسه ضرر بالصغير لتخلقه بأخلاق بأخلاق أهل السواد، فليس لها ذلك (و) يجب (على الرجل) الموسر يسار القطرة (أن ينفق على أبويه وأجداده وجداته) سواء كانوا من قبل الأب أو الأم (إذا كانوا فقراء) ولو قادرين على الكسب، والقول لمنكر اليسار، والبينة لمدعيه كما في الدر، وفي الخلاصة المختار أن الكسوب يدخل أبويه في نفقته. اهـ، وعليه الفتوى (وإن خالفوه في دينه) أما الأبوان فلقوله تعالى {وصاحبهما في الدنيا معروفاً} نزلت في الأبوين الكافرين، وليس من المعروف أن يعيش في نعم الله تعالى ويتركهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة والأبوين والأجداد والجدات والولد وولد الولد، ولا يشارك الولد في نفقة أبويه أحدٌ. والنفقة لكل ذي رحمٍ محرمٍ إذا كان صغيراً فقيراً، أو كانت امرأةً بالغةً فقيرةً، أو كان ذكراً زمناً أو أعمى فقيراً،   يموتان جوعاً، وأما الأجداد والجدات فلأنهم من الآباء والأمهات، ولهذا يقوم الجد مقام الأب عند عدمه. هداية. (ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة والأبوين والأجداد والجدات والولد وولد الولد) لما مر أن نفقة الزوجة بمقابلة الاحتباس، وأما غيرها فلثبوت الجزئية، وجزء المرء في معنى نفسه، فكما لا تمتنع نفقة نفسه بكفر لا تمتنع نفقة جزئه، إلا أنهم إذا كانوا حربيين لا تجب نفقتهم على المسلم، ولو مستأمنين، لنهينا عن بر من يقاتلنا في الدين كما في الهداية (ولا يشارك الولد في نفقة أبويه أحد) ، لأن لهما تأويلاً في مال الولد بالنص، ولأنه أقرب الناس إليهما. بحر. وهي على الذكور والإناث بالسوية في ظاهر الرواية، وهو الصحيح، لأن المعنى يشملهما، هداية. قال في التصحيح: وهو أظهر الروايتين عن أبي حنيفة، وبه أخذ الفقيه أبو الليث، وبه يفتي، واحترز به عن رواية الحسن عن أبي حنيفة أنها بين الذكور والإناث ثلاثا. اهـ. (والنفقة) تجب (لكل ذي رحم محرم) منه (إذا كان صغيراً فقيراً، أو كانت امرأة) ولو (بالغة) إذا كانت (فقيرة أو كان) ذو الرحم (ذكراً زمناً أو أعمى) وكان (فقيراً) لأن الصلة في القرابة القريبة واجبة دون البعيدة، والفاصل أن يكون ذا رحم محرم، وقد قال اللهتعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك} وفي قراءة ابن مسعود (وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك) ثم لابد من الحاجة والصغر والأنوثة، والزمانة والعمى أمارة الحاجة لنحقق العجز، فإن القادر على الكسب غني بكسبه، بخلاف الأبوين لأنهما يلحقهما تعب الكسب والولد مأمور بدفع الضرر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 ويجب ذلك على مقدار الميراث. وتجب نفقة الابنة البالغة والابن الزمن على أبويه أثلاثاً: على الأب الثلثان، وعلى الأم الثلث.   عنهما، فتجب نفقتهما مع قدرتهما على الكسب. هداية. قيد بالمحرم لأن الرحم غير المحرم لا تجب نفقته كابن العم، وإن كان وارثاً، ولابد أن تكون المحرمية بجهة القرابة، ولذا قيدنا بالمحرمية بقولنا (منه) أي الرحم، فلو كان قريباً محرماً من غير جهة الرحم كابن العم إذا كان أخاً من الرضاع فإنه لا نفقة له كما في البحر عن شرح الطحاوي، (ويجب ذلك) عليهم (على قدر الميراث) لأن التنصيص على الوارث تنبيه على اعتبار المقدار، ولأن الغرم بالغنم. هداية. (وتجب نفقة الابنة البالغة والابن الزمن) والأعمى، إذا كانوا فقراء (على أبويه أثلاثاً) على قدر ميراثهما (على الأب الثلثان، وعلى الأم الثلث) ، لأن الميراث لهما على هذا، قال في الهداية: وهذا الذي ذكره رواية الخصاف والحسن، وفي ظاهر الرواية كل النفقة على الأب، قال المحبوبي: وبه يفتي، ومشى عليه صدر الشريعة والنسفي. تصحيح. واعلم أن مسائل هذا الباب مما تحير فيه أولو الألباب، وقد اقتحم شيخنا له ضابطا لم يسبق إليه، ولم يحم أحد قبله عليه، مأخوذ من كلامهم تصريحاً أو تلويحاً، جامعا لفروعهم جمعا صحيحا، بحيث لا يخرج عنه شاذة، ولا يغادر منها فاذة. وحاصله أنه لا يخلو: إما أن يكون الموجود من قرابة الولاد واحدا أو أكثر والأول ظاهر، وهو أنه تجب النفقة عليه، والثاني: إما أن يكونوا فروعا فقط، أو فروعا وحواشي، أو فروعا وأصولا، أو فروعا وأصولا وحواشي، أو أصولا فقط، أو أصولا وحواشي، فهذه ستة أقسام؛ وبقي قسم سابع تتمة الأقسام العقلية وهو الحواشي فقط نذكره تتميما للأقسام وإن لم يكن من قرابة الولاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   القسم الأول والثاني: الفروع فقط والفروع مع الحواشي، والمعتبر فيهم القرب والجزئية دون الميراث، ففي ولدين لمسلم - ولو أحدهما نصرانيا أو أنثى - عليهما سوية، وفي بنت وابن ابن على البنت فقط، وفي بنت وأخت شقيقة على البنت فقط، وفي ابن نصراني وأخ مسلم على الابن فقط، وفي ولد بنت وأخ شقيق على ولد البنت؛ لترجحها بالجزئية مع التساوي في القرب، لإدلاء كل منهما بواسطة. القسم الثالث والرابع: الفروع مع الأصول، والفروع مع الأصول والحواشي، والمعتبر فيهم الأقرب جزئية، فإن لم يوجد فالترجيح، فإن لم يوجد فالإرث، ففي أب وابن على الابن لترجحه بأنت ومالك لأبيك، وكذا الأم مع الابن. وفي جد وابن وابن على قدر الميراث أسداساً، للتساوي وعدم المرجح، والحواشي تسقط بالفروع لترجحهم بالقرب والجزئية، فكأنه لم يوجد سوى الفروع والأصول. القسم الخامس: الأصول فقط، فإن كان فيهم أب فعليه فقط، وإلا فإما أن يكون البعض وارثا والبعض غير وارث، أو كلهم وارثين، ففي الأول يعتبر الأقرب جزئية، فإن تساووا في القرب ترجح الوارث، ففي جد لأم وجد لأب على الجد لأب فقط، لترجحه بالإرث، وفي الثاني - أعني لو كان الكل وارثين - فكلا إرث، ففي أم وجد لأب عليهما أثلاثاً في ظاهر الرواية. خانية. القسم السادس: الأصول مع الحواشي، فإن كان أحد الصنفين غير وارث اعتبر الأصول وحدهم، فيقدم الأصل وإن كان غير الوارث، ففي جد لأم وعم على الجد، وإن كان كل منهما وارثاً اعتبر الإرث، ففي أم وأخ عصبي على الأم الثلث وعلى الأخ الثلثان، وإذا تعددت الأصول في هذا القسم بنوعيه يعتبر فيهم ما اعتبر في القسم الخامس. القسم السابع: الحواشي فقط، والمعتبر فيهم الإرث بعد كونه ذا رحم محرم وتمامه في رسالته في النفقات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 ولا تجب نفقتهم مع اختلاف الدين، ولا تجب على الفقير. وإذا كان للابن الغائب مالٌ قضي عيه بنفقة أبويه، وإن باع أبوه متاعه في نفقته جاز عند أبي حنيفة، وإن باع العقار لم يجز. وإن كان للابن الغائب مالٌ في يد أبويه فأنفقا منه لم يضمنا.   (ولا تجب نفقتهم) أي ذوي الأرحام (مع اختلاف الدين) ؛ لبطلان أهلية الإرث (ولا تجب) النفقة (على الفقير) ، لأنها تجب صلة، وهو يستحقها على غيره، فكيف تستحق عليه؟ بخلاف نفقة الزوجة وولده الصغير، لأنه التزمها بالإقدام على العقد إذ المقاصد لا تنتظم دونها، ولا يعمل في مثلها الإعسار، هداية. قال في مختارات النوازل: إن حد اليسار هنا مقدر بالنصاب الذي تجب به صدقة الفطر، وعن محمد ما يفضل عن نفسه ونفقة عياله شهراً، والفتوى على الأول، وهكذا في الهداية، وفي الصغرى: أنه الصحيح، وبه يفتي، وعليه مشى المحبوبي. اهـ. تصحيح. (وإذا كان للابن الغائب مال) عند مودعٍ أو مضارب أو مديون كما مر (قضي عليه) بالبناء للمجهول (بنفقة أبويه) وولده الصغير وزوجته كما مر قريباً، وبينا وجهه. (وإن باع أبوه متاعه في نفقته جاز عند أبي حنيفة) استحسانا (وإن باع العقار لم يجز) والقياس أن لا يجوز له بيع شيء، وهو قولهما، لأنه لا ولاية له، لانقطاعها بالبلوغ، ولهذا لا يملك حال حضرته، ولا يملك البيع في دين له سوى النفقة، ولأبي حنيفة أن للأب ولاية الحفظ في مال الغائب، وبيع المنقول من باب الحفظ، ولا كذلك العقار، لأنها محصنة بنفسها، قيد بالأب لأن الأم وسائر الأقارب ليس لهم بيع شيء اتفاقا، لأنهم لا ولاية لهم أصل في التصرف حالة الصغر، ولا في الحفظ بعد الكبر كما في الهداية. (وإن كان للابن الغائب مال في يد أبويع فأنفقا منه) على أنفسهما (لم يضمنا) ما أنفقاه، لأنهما استوفيا حقهما، لأن نفقتهما واجبة قبل القضاء على ما مر، وقد أخذا جنس الحق. هداية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 وإن كان له مالٌ في يد أجنبي فأنفق عليهما بغير إذن القاضي ضمن. وإذا قضى القاضي للولد والوالدين وذوي الأرحام بالنفقة فمضت مدةٌ سقطت، إلا أن يأذن القاضي في الاستدانة عليه. وعلى المولى أن ينفق على عبده وأمته، فإن امتنع وكان لهما كسبٌ اكتسبا وأنفقات على أنفسهما،   (وإن كان له) : أي للابن (مال في يد أجنبي فأنفق) الأجنبي (عليهما) : أي الأبوين (بغير إذن القاضي ضمن) ، لأنه تصرف في مال الغير بغير ولاية، لأنه نائب في الحفظ لا غير، بخلاف ما إذا أمره القاضي، لأن أمره ملزم لعموم ولايته، وإذا ضمن لا يرجع على القابض، لأنه ملكه بالضمان، فظهر أنه كان متبرعا فيه. هداية. (وإذا قضى القاضي للولد والوالدين وذوي الأرحام بالنفقة فمضت مدة) وطالت شهراً فأكثر (سقطت) نفقة تلك المدة، لأن نفقة هؤلاء تجب كفاية للحاجة، حتى لا تجب مع اليسار، وقد حصلت الكفاية بمضي المدة، بخلاف نفقة الزوجة إذا قضى بها القاضي، لأنها تجب مع يسارها، فلا تسقط بحصول الاستغناء فيما مضى. هداية. قيدنا المدة بشهر فأكثر لما في الفتح: هذا حيث طالت المدة، فأما إذا قصرت فلا تسقط، وما دون الشهر قصيرة، فلا تسقط، قيل: وكيف لا تصير القصيرة ديناً والقاضي مأمور بالقضاء، ولو لم تصر دينا لم يكن للأمر بالقضاء بالنفقة فائدة؟ لأن كل ما مضى يسقط، فلا يمكن استيفاء شيء، اهـ (إلا أن يأذن القاضي) بعد فرض النفقة (في الاستدانة عليه) أي: على المفروض عليه؛ لأن القاضي له ولاية عامة، فصار إذنه كأمر الغائب فيصير دينا في ذمته، فلا يسقط بمضي المدة. هداية. (و) يجب (على المولى أن ينفق على عبده وأمته) سواء في ذلك القن والمدبر وأم الولد والصغير والكبير (فإن امتنع) المولى من الإنفاق (وكان لهما كسب اكتسبا وأنفقا على أنفسهما) لأن فيه نظراً للجانبين: ببقاء حياة المملوك، وبقاء ملك المالك، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 وإن لم يكن لهما كسبٌ أجبر المولى على بيعهما.   (وإن لم يكن لهما كسب) بأن كانا عبدا زمناً أو جارية لا يؤاجر مثلها (أجبر المولى على بيعهما) إن كانا محلا للبيع، لأنهما من أهل الاستحقاق، وفي البيع إيفاء حقهما وإيفاء حق المولى بالخلف، بخلاف نفقة الزوجة، لأنها تصير ديناً، فكان تأخيراً على ما ذكرناه، ونفقة المملوك لا تصير ديناً، فيكون إبطالا، وبخلاف سائر الحيوانات، لأنها ليست من أهل الاستحقاق، فلا يجبر على نفقتها، إلا أنه يؤمر فيما بينه وبين اللهتعالى، هداية. قيدنا بكونهما محلا للبيع، لأنهما إذا لم يكونا محلا له كمدبر وأم ولد ألزم بالإنفاق لا غير، كما في الدر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 كتاب العتق - العتق يقع من الحر البالغ العاقل في ملكه، فإذا قال لعبده أو أمته (أنت حرٌ، أو معتقٌ، أو عتيقٌ، أو محررٌ، أو قد حررتك، أو أعتقتك) فقد عتق، نوى المولى العتق أو لم ينو،   كتاب العتق ذكره عقب الطلاق لأن كلا منهما إسقاط الحق ولا يقبل الفسخ. وقدم الطلاق لمناسبته للنكاح مع أن الإعتاق أقل وقوعاً. (العتق) لغةً: القوة مطلقاً، يقال عتق الفرخ، إذا قوي وطار. وشرعاً: عبارة عن إسقاط المولى حقه عن مملوكه بوجه يصير المملوك به من الأحرار. (ويقع) العتق (من الحر) ؛ لأن العتق لا يصلح إلا في الملك، ولا ملك للمملوك (البالغ) ، لأن الصبي ليس من أهله، لكونه ضرراً ظاهراً، ولهذا لا يملكه الولي عليه. (العاقل) لأن المجنون ليس بأهل للتصرف، ويشترط أن يكون المملوك (في ملكه) أو يضيفه إليه، كإن ملكتك فأنت حر، فلو أعتق عبد غيره لا ينفذ، وإن ملكه بعده، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا عتق فيما لا يملك ابن آدم) . (فإذا قال) المولى (لعبده أو أمته: أنت حر، أو) عتق، أو (معتق أو عتيق، أو محرر، أو قد حررتك، أو أعتقتك، فقد عتق) العبد، سواء (نوى المولى أو لم ينو) ، لأن هذه الألفاظ صريح فيه، لأنها مستعملة فيه شرعا وعرفا، فأغنى ذلك عن النية، لأنها إنما تشترط إذا اشتبه مراد المتكلم، وهذا لا اشتباه فيه، فلا تشترط فيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 وكذلك إذا قال "رأسك حرٌ، أو وجهك، أو رقبتك، أو بدنك" أو قال لأمته "فرجك حرٌ" ولو قال "لا ملك لي عليك" ونوى به الحرية عتق، وإن لم ينو لم يعتق، وكذلك كنايات العتق، وإن قال "لا سلطان لي عليك" ونوى به العتق لم يعتق، وإن قال: "هذا ابني" وثبت على ذلك.   النية. (وكذلك) الحكم (إذا قال: رأسك حر، أو وجهك، أو رقبتك، أو بدنك) حر (أو قال لأمته: فرجك حر) ، لأن هذه الألفاظ يعبر بها عن جميع البدن، وقد مر في الطلاق، وإن إضافة إلى جزء معين لا يعبر به عن الجملة كاليد والرجل لا يقع عندنا، والكلام فيه كالكلام في الطلاق، وقد بينا، هداية. (ولو قال لا ملك لي عليك ونوى به الحرية عتق، وإن لم ينو لم يعتق) لأنه كناية؛ لأنه يحتمل أنه أراد لا ملك لي عليك لأني بعتك، ويحتمل لأني أعتقتك؛ فلا يتعين أحدهما مرادا إلا بالنية (وكذلك كنايات العتق) وهي: ما احتمله وغيره كقوله: خرجت من ملكي، ولا سبيل لي عليك، ولا رق لي عليك، وقد خليت سبيلك، لاحتمال نفي هذه الأشياء بالبيع أو الكتابة، كاحتماله بالعتق، فلا يتعين إلا بالنية. (وإن قال لا سلطان لي عليك ونوى به العتق لم يعتق) ، لأن السلطان عبارة عن اليد، وسمى به السلطان لقيام يده، وقد يبقى الملك دون اليد كما في المكاتب، بخلاف قوله (لا سبيل لي عليك) لأن نفيه مطلقا بانتفاء الملك، لأن للمولى على المكاتب سبيلا، فلهذا يحتمل العتق، هداية. (وإن قال) لعبده: (هذا ابني) أو لأمته: هذه بنتي، وكان بحيث يولد مثله لمثله، بدليل ما بعده (وثبت على ذلك) قال في الفتح: قيل: هذا قيد اتفاقي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 أو قال "هذا مولاي"، أو "يا مولاي" عتق، وإن قال "يا ابني" أو "يا أخي" لم يعتق، وإن قال لغلام لا يولد مثله لمثله "هذا ابني" عتق عليه عند أبي حنيفة، وإذا قال لأمته "أنت طالقٌ" ينوي به الحرية لم تعتق،   لا معتبر به، ولذا لم يذكره في المبسوط، وفي أصول فخر الإسلام: الثبات على ذلك شرط لثبوت النسب، لا العتق، ويوافقه ما في المحيط وجامع شمس الأئمة والمجتبي: هذا ليس بقيد؛ حتى لو قال بعد ذلك أوهمت أو أخطأت يعتق ولا يصدق، اهـ. (أو قال هذا مولاي أو) ناداه (يا مولاي عتق) ، لأن لفظ (المولى) مشترك أحد معانيه المعتق، وفي العبد لا يليق إلا هذا المعنى، فيعتق بلا نية، لأنه التحق بالصريح كقوله (يا حر) و (يا عتيق) كما في الدر، ثم في دعوى البنوة إذا لم يكن للعبد نسب معروف يثبت منه، وإذا ثبت النسب عتق، لأنه يستند إلى وقت العلوق، وإن كان له نسب معروف لا يثبت نسبه للتعذر ويعتق إعمالا للفظ في مجازه عند تعذر الحقيقة. (وإن قال يا ابني، أو يا أخي، لم يعتق) ، لأن هذا اللفظ في العادة يستعمل للإكرام والشفقة، ولا يراد به التحقيق، قال في التصحيح: وهذا ظاهر الرواية، وفي رواية شاذة عن الإمام أنه يعتق، والاعتماد على ظاهر الرواية، قاله في شرح نجم الأئمة، ومثله في الهداية، اهـ (وإن قال لغلام له) كبير بحيث (لا يولد مثله) أي الغلام (لمثله) أي المولى: (هذا ابني، عتق عليه عند أبي حنيفة) عملا بالمجاز عند تعذر الحقيقة كما مر، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يعتق، لأنه كلام محال فيلغو ويرد، قال الإسبيجاني في شرحه: الصحيح قول أبي حنيفة، واختاره المحبوبي وغيره. تصحيح (وإذا قال المولى لأمته: أنت طالق) أو بائن (ينوي) بذلك (الحرية لم يعتق) وكذا سائر ألفاظ صريح الطلاق وكناياته، وذلك لأن ملك اليمين أقوى من ملك النكاح، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 وإن قال لعبده "أنت مثل الحر" لم يعتق، وإن قال "ما أنت إلا حرٌ" عتق. وإذا ملك الرجل ذا رحمٍ محرمٍ منه عتق عليه. وإذا أعتق المولى بعض عبده عتق ذلك البعض، وسعى في بقية قيمته لمولاه،   وما يكون مزيلا للأضعف لا يلزم أن يكون مزيلا للأقوى، بخلاف العكس، كا سبق في كنايات الطلاق، ولأن صريح الطلاق وكناياته مستعملة لحرمة الوطء، وحرمة الوطء لا تنافي المملوكية، فلا يقع كناية عنه، كما في الاختيار (وإن قال لعبده: أنت مثل الحر لم يعتق) ، لأن (مثل) تستعمل للمشاركة في بعض المعاني عرفا، فوقع الشك في الحرية، فلم تثبت (وإن قال له ما أنت إلا حر عتق) ، لأن الاستثناء من النفي إثبات على وجه التأكيد، كما في كلمة التوحيد. (وإذا ملك الرجل ذا رحم) ولاداً أو غيره (محرم منه) أي الرحم كما مر (عتق عليه) قال في الهداية: وهذا اللفظ مروي عن رسول اللهصلى الله عليه وسلم، واللفظ بعمومه ينتظم كل قرابة مؤبدة بالمحرمية ولادا أو غيره، اهـ. ثم لا فرق بين كون الملك بشراء أو إرث أو غيرهما، ولا بين كون المالك صغيراً أو كبيراً، مجنونا أو عاقلا، ذمياً أو مسلماً؛ لأنه عتق بسبب الملك، وملكهم صحيح كما في الجوهرة. (وإذا أعتق المولى بعض عبده عتق ذلك البعض) الذي نص عليه فقط (وسعى في بقية فيمته لمولاه) لاحتباس مالية البعض الباقي عند العبد، فله أن يضمنه كما إذا هبت الريح في ثوب إنسان وألقته في صبغ غيره حتى انصبغ به؛ فعلى صاحب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يعتق كله. وإذا كان العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه عتق، فإن كان المعتق موسراً فشريكه بالخيار: إن شاء أعتق، وإن شاء ضمن شريكه قيمة نصيبه، وإن شاء استسعى العبد،   الثوب قيمة صبغ الآخر، موسراً كان أم معسراً، لما قلنا، فكذا هنا، إلا أن العبد فقير فيستسعيه ويصير بمنزلة المكاتب، غير أنه إذا عجز لا يرد إلى الرق، لأنه إسقاط لا إلى أحد فلا يقبل الفسخ، بخلاف الكتابة المقصودة؛ لأنها عقد يقال ويفسخ كما في الهداية. وهذا (عند أبي حنيفة) لتجزئ الإعتاق عنده، فيقتصر على ما أعتق (وقال أبو يوسف ومحمد: يعتق كله) لعدم تجزيه عندهما، فإضافة العتق إلى البعض كإضافته إلى الكل؛ فيعتق كله، قال في زاد الفقهاء: الصحيح قول الإمام، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح (وإن كان العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه) منه (عتق) عليه نصيبه، ثم لا يخلو المعتق من أن يكون موسراً أو معسراً (فإن كان المعتق موسراً) وهو: أن يكون مالكاً يوم الإعتاق قدر قيمة نصيب الآخر سوى ملبوسه وقوت يومه في الأصح كما في الدر عن المجتبي، وفي التصحيح: وعليه عامة المشايخ، وهو ظاهر الرواية، اهـ (فشريكه بالخيار) بين ثلاثة أشياء، وهي أنه (إن شاء أعتق) كما أعتق شريكه، لقيام ملكه في الباقي، ويكون الولاء لهما، لصدور العتق منهما (وإن شاء ضمن شريكه قيمة نصيبه) ، لأنه جانٍ عليه بإفساد نصيبه حيث امتنع عليه البيع والهبة وغير ذلك مما سوى الإعتاق وتوابعه والاستسعاء، ويرجع المعتق بما ضمن على العبد والولاء للمعتق في هذا الوجه، لأن العتق كله من جهته حيث ملكه بالضمان (وإن شاء استسعى العبد) لما بينا، ويكون الولاء بينهما، لصدور العتق منهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 وإن كان معسراً فالشريك بالخيار: إن شاء أعتق، وإن شاء استسعى العبد، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: ليس له إلا الضمان مع اليسار، والسعاية مع الإعسار، وإذا اشترى رجلان ابن أحدهما عتق نصيب الأب، ولا ضمان عليه، وكذلك إذا ورثاه فالشريك بالخيار: إن شاء أعتق نصيبه، وإن شاء استسعى، وإذا شهد،   (وإن كان) المعتق (معسراً فالشريك بالخيار) بين شيئين: (إن شاء أعتق) لبقاء ملكه (وإن شاء استسعى العبد) لما بينا، والولاء بينهما في الوجهين، وليس له تضمين المعتق لأنه صفر اليدين، وهذا عند أبي حنيفة (وقال أبو يوسف ومحمد: ليس له إلا الضمان) للمعتق (مع اليسار والسعاية) للعبد (مع الإعسار) قال في الهداية: وهه المسألة تبتنى على حرفين: أحدهما تجزؤ الإعتاق وعدمه، على ما بيناه، والثاني في أن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده وعندهما يمنع، اهـ. قال جمال الإسلام في شرحه: الصحيح قول أبي حنيفة، ومشى عليه البرهاني والنسفي وغيرهما. تصحيح (وإذا اشترى رجلان ابن أحدهما عتق) من الابن (نصيب الأب) لأنه ملك شقص قريبه (ولا ضمان عليه) : أي الأب؛ لأن الشراء حصل بقولهما جميعاً، فصار الشريك راضياً بالعتق؛ لأن شراء القريب إعتاق، فصار كما لو أذن له بإعتاق نصيبه صريحاً حيث شاركه فيما هو علة العتق وهو الشراء، ولا يختلف الجواب بين العلم وعدمه، وهو ظاهر الرواية عنه؛ لأن الحكم يدار على السبب كما في الهداية (وكذلك) الحكم (إذا ورثاه) لأنه لم يوجد منه فعل أصلا (فالشريك بالخيار) بين شيئين: (إن شاء أعتق نصيبه، وإن شاء استسعى) العبد، والولاء بينهما في الوجهين كما مر، وهذا عند أبي حنيفة أيضاً، وقالا في الشراء: يضمن الأب نصف قيمته إن كان موسراً، وإن كان معسراً سعى الابن في نصف قيمته لشريك الأب، وعلى هذا الخلاف إذا ملكاه بهبة أو صدقة أو وصية، وقد علمت أن الصحيح قول الإمام (وإذا شهد) : الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 كل واحدٍ من الشريكين على الآخر بالحرية عتق كله، وسعى العبد لكل واحدٍ منهما في نصيبه، موسرين كانا أو معسرين عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: إن كانا موسرين فلا سعاية عليه، وإن كانا معسرين سعى لهما، وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً سعى للموسر ولم يسع للمعسر، ومن أعتق عبده لوجه اللهتعالى أو للشيطان أو للصنم عتق.   أي أخبر، لعدم قبولها وإن تعددوا لجرهم مغنماً، در عن البدائع (كل واحد من الشريكين على شريكه (الآخر بالحرية) في نصيبه وأنكر الآخر (سعى العبد لكل واحد منهما في نصيبه، موسرين كانا أو معسرين) أو مختلفين (عند أبي حنيفة) ، لأن كل واحد منهما يزعم أن صاحبه أعتق نصيبه، وأن له التضمين أو السعاية، وقد تعذر التضمين لإنكار الشريك، فتعين الاستسعاء، والولاء لهما؛ لأن كلا منهما يقول: عتق نصيب صاحبي عليه بإعتاقه وولاؤه له وعتق نصيبي بالسعاية وولاؤه لي (وقال أبو يوسف ومحمد: إن كانا موسرين فلا سعاية عليه) ، لأن من أصلهما أن السعاية لا تثبت مع اليسار، فوجود اليسار من كل منهما إبراء للعبد من السعاية (وإن كانا معسرين سعى لهما) ، لأن في زعمهما أن الواجب هو السعاية دون الضمان للعسرة، فلم يكن إبراء للعبد من السعاية، فيسعى لهما (وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً سعى للموسر ولم يسع للمعسر) ، لما علمت. قال الإمام أبو المعالي في شرحه: الصحيح قول الإمام، واختاره المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة. تصحيح. (ومن أعتق عبده لوجه اللهأو للشيطان أو للصنم عتق) عليه، لصدور الإعتاق من أهله مضافا إلى محله فيقع ويلغو قوله بعده (للصنم) أو (للشيطان) ويكون آثما به، بل إن قصد التعظيم كفر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 وعتق المكره والسكران واقعٌ، وإذا أضاف العتق إلى ملكٍ أو شرطٍ كما يصح في الطلاق، وإذا خرج عبدٌ من دار الحرب إلينا مسلماً عتق، وإذا أعتق جاريةً حاملاً عتق حملها، وإن أعتق الحمل خاصةً عتق ولم تعتق الأم.   (وعتق المكره والسكران) بسبب محظور (واقع) لصدوره من أهله في محله كما مر في الطلاق، قيدنا السكر بسبب محظور، لأن غير المحظور كسكر المضطر بمنزلة الإغماء لا يصح معه التصرف، سواء كان طلاقاً أو عتاقاً أو غيرهما كما في البحر عن التحرير. (وإذا أضاف العتق إلى ملك) كإن ملكتك فأنت حر (أو) إلى وجود (شرط) كإن دخلت الدار فأنت حر (صح) لأنه إسقاط؛ فيجري فيه التعليق (كما يصح) ذلك (في الطلاق) وقد سبق بيانه. (وإذا خرج عبد من دار الحرب إلينا مسلماً عتق) ، لأنه لما دخل دار الإسلام ظهرت يده وهو مسلم فلا يسترق. (وإذا أعتق) المولى (جارية حاملا عتق حملها) معها، لأنه بمنزلة عضو من أعضائها، ولو استثناه لا يصح كاستثناء جزء منها، كما في البحر. أطلق في عتق لحمل فشمل ما إذا ولدته بعد عتقها لستة أشهر أو أقل، لكن إن ولدته لأقل فإنه يعتق مقصوداً، لا بطريق التبعية، فحينئذٍ لا ينجر ولاؤه إلى موالى الأب كما في البحر (وإن أعتق الحمل خاصة عتق ولم تعتق الأم) معه، لأنه لا وجه إلى إعتاقها مقصوداً لعدم الإضافة ولا تبعاً لما فيه من قلب الموضوع، هداية. وهذا إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر، لتحقق وجوده؛ وإلا لم يعتق، لجواز أن تكون حملت به بعد القول فلا يعتق بالشك، إلا أن تكون معتدة من الزوج وجاءت به لدون سنتين، وإن جاءت بولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر عتقا جميعاً لأنهما حمل واحد كما في الجوهرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 وإذا أعتق عبد على مالٍ فقبل العبد عتق ولزمه المال، ولو قال "إن أديت إلي ألفاً فأنت حرٌ" صح وصار مأذوناً، فإن أحضر المال أجبر الحاكم المولى على قبضه وعتق العبد. وولد الأمة من مولاها حرٌ، وولدها من زوجها مملوكٌ لسيدها. وولد الحرة من العبد حرٌ.   (وإذا أعتق عبده على مال) كأنت حر على ألف درهم، أو بألف درهم، (فقبل العبد) في المجلس صح و (عتق) العبد في الحال (ولزمه المال) المشروط فيصير ديناً في ذمته. وإطلاق لفظ المال ينتظم أنواعه من النقد والعرض والحيوان وإن كان بغير عينه، لأنه معاوضة بغير المال فشابه النكاح، وكذا الطعام والمكيل والموزون إذا كان معلوم الجنس، ولا تضر جهالة الوصف لأنها يسيرة، وأما إذا كثرت الجهالة بأن قال (أنت حر على ثوب) فقبل عتق وعليه قيمة نفسه، جوهرة (ولو) علق عتقه بأداء المال بأن (قال: إن أديت إلي ألفاً فأنت حر - صح) التعليق. (وصار) العبد (مأذوناً) ، لأن الأداء لا يحصل إلا بالكسب والكسب بالتجارة فكان إذناً له دلالة (فإن أحضر) العبد (المال) المشروط عليه (أجبر الحاكم المولى على قبضه وعتق العبد) قال في الهداية: ومعنى الإجبار فيه وفي سائر الحقوق أنه ينزل قابضاً بالتخلية. اهـ. (وولد الأمة من مولاها الحر) ، لأنه مخلوق من مائه فيعتق عليه، وهذا إذا ادعاه المولى (وولدها من زوجها) سواء كان حراً أو مملوكاً (مملوك لسيدها) لأن الولد تابع للأم في الملك والرق، إلا ولد المغرور (وولد الحرة من العبد حر) تبعاً لأمه كما تبعها في الملك والرق وأمية الولد والكتابة، كما في الهداية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 باب التدبير - إذا قال المولى لمملوكه "إذا مت فأنت حرٌ، أو أنت حرٌ عن دبرٍ مني، أو أنت مدبرٌ، أو قد دبرتك" فقد صار مدبراً: لا يجوز بيعه، ولا هبته، وللمولى أن يستخدمه ويؤاجره، وإن كانت أمةً وطئها، وله أن يزوجها، فإذا مات المولى عتق المدبر من ثلث ماله إن خرج من الثلث، وإن لم يكن له مالٌ غيره سعى   باب التدبير هو لغة: النظر إلى عاقبة الأمر؛ وشرعاً: تعليق العتق بموته؛ كما أشار إلى ذلك بقوله: (إذا قال المولى لمملوكه: إذا مت فأنت حر، أو أنت حر عن دبر مني، أو أنت مدبر، أو دبرتك) أو أنت حر بعد موتي؛ أو أعتقتك بعد موتي، أو مع موتي، أو عند موتي، أو في موتي (فقد صار) العبد (مدبراً) لأن هذه الألفاظ صريحة في التدبير. وإذا صار مدبراً (فلا يجوز) لمولاه (بيعه، ولا هبته) ولا إخراجه عن ملكه إلا إلى الحرية، كما في الكتابة، هداية (و) يجوز (للمولى أن يستخدمه ويؤاجره، وإن كانت) المدبرة (أمة وطئها وله أن يزوجها) جبراً؛ لأن الملك ثابت له، وبه يستفاد ولاية هذه التصرفات. (فإذا مات المولى عتق المدبر من ثلث ماله إن خرج من الثلث) وإلا فبحسابه لأن التدبير وصية، لأنه تبرع مضاف إلى وقت الموت، والحكم غير ثابت في الحال فينفذ من الثلث، هداية (وإن لم يكن له مال غيره سعى) المدبر للورثة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 في ثلثي قيمته، وإن كان على المولى دينٌ سعى في جميع قيمته لغرمائه، وولد المدبرة مدبرٌ، فإن علق التدبير بموته على صفةٍ - مثل أن يقول: إن مت من مرضي هذا، أو سفري هذا، أو من مرض كذاً - فليس بمدبرٍ، ويجوز بيعه، فإن مات المولى على الصفة التي ذكرها عتق كما يعتق المدبر.   (في ثلثي قيمته) لأن عتقه من الثلث، فيعتق ثلثه ويسعى في ثلثيه (فإن كان على المولى دين) يستغرق رقبة المدبر (سعى في جميع قيمته للغرماء) ، لتقدم الدين على الوصية، ولا يمكن نقض العتق، فيجب رد قيمته، وهو حينئذٍ كمكاتب عند الإمام، وقالا: حر مديون (وولد) الأمة (المدبرة مدبر) تبعاً لأمه. (فإن علق التدبير بموته على صفة) وذلك (مثل أن يقول: إن مت من مرضي هذا أو سفري) هذا (أو من مرض كذا) أو مات فلان (فأنت مدبر فليس بمدبر) حالا، لأن الموت على تلك الحالة ليس كائنا لا محالة، فلم ينعقد سبباً في الحال، وإذا انتفى معنى السببية لتردده بين الثبوت والعدم بقي تعليقاً كسائر التعليقات لا يمنع التصرف فيه، (و) لذا (يجوز بيعه) ورهنه وهبته (فإن مات المولى على الصفة التي ذكرها) وعلق تدبيره على وجودها - بأن مات من سفره أو مرضه - (عتق كما يعتق المدبر) المطلق، لأن الصفة لما صارت معينة في آخر جزء من أجزاء الحياة أخذ حكم المدبر المطلق لوجود الإضافة إلى الموت وزوال التردد، درر] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 باب الاستيلاد - إذا ولدت الأمة من مولاها فقد صارت أم ولدٍ له، لا يجوز بيعها، ولا تمليكها، وله وطؤها واستخدامها وإجارتها وتزويجها، ولا يثبت نسب ولدها إلا أن يعترف به المولى، فإن جاءت بعد ذلك بولدٍ ثبت نسبه بغيؤر إقرار، وإن نفاه انتفى بقوله، وإن زوجها   باب الاستيلاد هو لغةً: طلب الولد، وشرعاً: طلب المولى الولد من أمةٍ بالوطء. درر. (إذا ولدت الأمة) ولو مدبرة (من مولاها فقد صارت أم ولد له) وحكمها حكم المدبرة: (لا يجوز بيعها، ولا تمليكها) ولا رهنها (وله وطؤها واستخدامها وإجارتها وتزويجها) جبراً، لأن الملك فيها قائم كما في المدبر (ولا يثبت نسب ولدها) من مولاها (إلا أن يعترف به المولى) ، لأن وطء الأمة يقصد به قضاء الشهوة دون الولد، فلابد من الدعوى، بخلاف العقد، لأن الولد يتعين مقصوداً منه فلا حاجة إلى الدعوى، كما في الهداية (فإن جاءت بعد ذلك) : أي بعد اعترافه بولدها الأول (بوله) آخر (يثبت نسبه منه بغير إقرار) ، لأنه بدعوى الأول تعين الولد مقصوداً منها، فصارت فراشه كالمعقودة (و) لكنه (إن نفاه انتفى ب) مجرد (قوله) : أي من غير لعان، لأن فراشها ضعيف، حتى يملك نقله بالتزويج بخلاف المنكوحة حتى لا ينتفي الولد بنفيه إلا باللعان لتأكيد الفراش، حتى لا يملك إبطاله بالتزويج، هداية. وفيها: وهذا الذي ذكرناه حكم، وأما الديانة فإن كان وطئها وحصنها ولم يعزل عنها فيلزمه أن يعترف به ويدعي، لأن الظاهر أن الولد منه، وإن عزل عنها أو لم يحصنها جاز له أن ينفيه، لأن هذا الظاهر يقابله ظاهر آخر، وكذا روى عن أبي حنيفة، وفيه روايتان أخريان عن أبي يوسف ومحمد ذكرناهما في كفاية المنتهى، اهـ (وإن زوجها) : الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 فجاءت بولدٍ فهو في حكم أمه، وإذا مات المولي عتقت من جميع المال، ولا تلزمها السعاية للغرماء إن كان على المولى دينٌ، وإذا وطئ الرجل أمة غيره بنكاحٍ فولدت منه ثم ملكها صارت أم ولدٍ له، وإذا وطئ الأب جارية ابنه فجاءت بولدٍ فادعاه ثبت نسبه وصارت أم ولدٍ له.   أي زوج المولى أم ولده (فجاءت بولد) من زوجها (فهو في حكم أمه) لأن حق الحرية يسري إلى الولد. (وإذا مات المولى عتقت) أم ولده (من جميع المال) لأن الحاجة إلى الولد أصلية، فيقدم على حق الورثة والدين كالتكفين، بخلاف التدبير، لأنه وصية بما هو من زوائد الحوائج (ولا تلزمها) أي أم الولد (السعاية للغرماء إن كان على المولى دين) لما قلنا، ولأنها ليست بمال متقوم. حتى لا يضمن بالغضب عند أبي حنيفة، فلا يتعلق بها حق الغرماء. (وإذا وطئ الرجل أمة غيره بنكاح فولدت منه ثم) بعد ذلك (ملكها) بوجه من وجوه الملك (صارت أم ولد له) ، لأن السبب هو الجزئية، والجزئية إنما تثبت بينهما بنسبة الولد الواحد إلى كل منهما كملا، وقد ثبت النسب، فتثبت الجزئية بهذه الواسطة، وقد كان المانع حين الولادة ملك الغير، وقد زال. قيد بالنكاح لأنه لو كان الوطء بالزنا لا تصير أو ولد له، لأنه لا نسبة لولد الزنا من الزاني، وإنما يعتق عليه إذا ما ملكه لأنه جزؤه حقيقة، وتمامه في البحر. (وإذا وطئ الأب جارية ابنه فجاءت بولد فادعاه) الأب (ثبت نسبه منه، وصارت أم ولد له) سواء صدقه الابن أو كذبه، ادعى الأب شبهة أو لم يدع لأن للأب أن يتملك مال ابنه للحاجة إلى البقاء للأكل والشرب، فله أن يتملك جاريته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 وعليه قيمتها، وليس عليه عقرها ولا قيمة ولدها، وإن وطئ أب الأب مع بقاء الأب لم يثبت النسب، فإن كان الأب ميتاً يثبت النسب من الجد كما يثبت من الأب، وإذا كانت الجارية بين شريكين فجاءت بولدٍ فادعاه أحدهما ثبت نسبه منه، وصارت أم ولدٍ، وعليه نصف عقرها   للحاجة إلى صيانة مائه وبقاء نسله، لأن كفاية الأب على ابنه كما مر، إلا أن الحاجة إلى صيانة مائه دون الحاجة إلى بقاء نفسه، ولذا قالوا (يتملك الطعام بلا قيمة والجارية بقيمتها) كما صرح به بقوله. (وعليه قيمتها) : أي الجارية يوم العلوق؛ لأنها انتقلت إليه حينئذ، ويستوي فيه الموسر والمعسر؛ لأنه ضمان تملك (وليس عليه عقرها) لثبوت الملك مسنداً لما قبل العلوق ضرورة صحة الاستيلاد، وإذا صح الاستيلاد في ملكه لا يلزمه عقرها (ولا قيمة ولدها) لعلوقه حر الأصل، عبر بالجارية ليفيد أنها محل التملك، حتى لو كانت أم ولد الابن أو مدبرته لا تصح دعوى الأب ولا يثبت النسب، ويلزم الأب العقر كما في الجوهرة (وإن وطئ) الجد (أب الأب) جارية ابن ابنه (مع بقاء) ابنه (الأب لم يثبت النسب) ، لأنه لا ولاية للجد حال قيام الأب (وإن كان الأب ميتاً يثبت النسب من الجد) وصارت أم ولد له (كما يثبت من الأب) لظهور ولايته عند فقد الأب، وكفر الأب ورقه بمنزلة موته، لأنه قاطع للولاية، هداية. (وإذا كانت الجارية بين شريكين فجاءت بولد فادعاه أحدهما ثبت نسبه منه) ، لأنه لما ثبت في نصيبه لمصادفته ملكه ثبت في الباقي ضرورة أنه لا يتجزأ، لما أن سببه - وهو العلوق - لا يتجزأ، لأن الولد الواحد لا ينعلق من ماءين (وصارت أم ولد له) اتفاقاً: أما عندهما فظاهر، لأن الاستيلاد لا يتجزأ؛ وأما عنده فيصير نصيبه أم ولد ثم يتملك نصيب صاحبه إذ هو قابل للملك فتكمل له (و) وجب (عليه) لشريكه (نصف عقرها) ، لأنه وطئ جارية مشتركة، إذ الملك يثبت حكما للاستيلاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 ونصف قيمتها، وليس عليه شيءٌ من قيمة ولدها، وإذا ادعياه معاً ثبت نسبه منهما، وكانت الأم أم ولدٍ لهما، وعلى كل واحدٍ منهما نصف العقر قصاصاً بماله على الآخر، ويرث الابن من كل واحدٍ منهما ميراث ابن كاملٍ، وهما يرثان منه ميراث أبٍ واحدٍ،   فيتعقبه الملك في نصيب صاحبه، بخلاف الأب إذا استولد جارية ابنه؛ لأن الملك هنالك يثبت شرطا للاستيلاد فيتقدمه، فيصير واطئاً ملك نفسه (و) كذا (نصف قيمتها) لأنه تملك نصيب صاحبه حين استكمل الاستيلاد؛ وتعتبر قيمتها يوم العلوق لأن أمومية الولد تثبت من ذلك الوقت، ويستوي فيه المعسر والموسر لأنه ضمان تمليك كما مر (وليس عليه شيء من قيمة ولدها) لأن النسب يثبت مستنداً إلى وقت العلوق، فلم يتعلق شيء منه على ملك الشريك، هداية (فإن ادعياه) : أي الشريكان (معاً) وكان الحبل في ملكهما (ثبت نسبه منهما) لاستوائهما في سبب الاستحقاق فيستويان فيه، والنسب وإن كان لا يتجزأ، ولكن يتعلق به أحكام متجزئة: فما يقبل التجزئة يثبت في حقهما على التجزئة، ومالا يقبل يثبت في حق كل كملا كأنه ليس معه غيره، إلا إذا كان أحد الشريكين أب الآخر، أو كان مسلماً والآخر ذمياً، لوجود المرجح في حق المسلم وهو الإسلام وفي حق الأب وهو ماله عليه من الحق، هداية (وكانت الأم أم ولد لهما) ، لثبوت نسب ولدها منهما (و) وجب (على كل واحد منهما نصف العقر) لصاحبه، لأن كل واحد منهما واطئ لنصيب شريكه فإذا سقط الحد لزمه العقر، ويكون ذلك (قصاصاً بما) وجب (له على الآخر) لأن كل واحد منهما وجب له على صاحبه مثل ما وجب عليه، فلا فائدة في قبضه ورده (ويرث الابن من كل واحد منهما ميراث ابن كامل) لأنه أقر له بميراثه كله وهو حجة في حقه (وهما) : أي المدعيان بنوته (يرثان منه ميراث أب واحد) لاستوائهما في السبب قيدنا بكون الحبل في ملكهما لأنه لو اشترياها وهي حبلى بأن جاءت به لدون ستة أشهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 وإذا وطئ المولى جارية مكاتبه فجاءت بولدٍ فادعاه: فإن صدقه المكاتب ثبت نسب الولد منه، وكان عليه عقرها وقيمة ولدها، ولا تصير أم ولدٍ له، وإن كذبه في النسب لم يثبت.   أو اشترياها بعد الولادة فادعياه لا تكون أم ولد لهما، لأن هذه دعوى عتق، لا دعوى استيلاد، فإن شرطها كون العلوق في الملك، فيعتق الولد مقتصراً على وقت الدعوى كما في الفتح. وفي الجوهرة: ولو اشترياها وهي حامل فولدت فادعياه فهو ابنهما ولا عقر لأحد منهما على صاحبه، لأن وطء كل منهما في غير ملك الآخر، اهـ. (وإذا وطئ المولى جارية مكاتبه فجاءت بولد فادعاه) المولى (فإن صدقه المكاتب ثبت نسب الولد منه) ، لوجود سبب الملك - وهو رق المكاتب - وهذا كاف في ثبوت النسب، لأنه يحتاط في إثباته (وكان عليه) لمكاتبه (عقرها) لأنه لا يتقدمه الملك، لأن ماله من الحق كاف لصحة الاستيلاد (و) كذا (قيمة ولدها) لأنه في معنى الغرور حيث اعتد دليلا، وهو أنه كسب كسبه فلم يرض برقه فيكون حراً بالقيمة ثابت النسب منه، هداية (و) لكن (لا تصير) الجارية (أم ولد له) لأنه لا ملك له فيها حقيقة كما في ولد المغرور، هداية (وإن كذبه) المكاتب (في) دعوى (النسب لم يثبت) ، لأن فيه إبطال ملك المكاتب، فلا يثبت إلا بتصديقه، وهذا ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف: لا يعتبر تصديقه، اعتباراً بالأب يدعي جارية ابنه، ووجه ظاهر الرواية - وهو الفرق - أن المولى لا يملك التصرف في أكساب مكاتبه حتى لا يتملكه، والأب يملك تملكه، فلا معتبر بتصديق الابن، هداية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 كتاب المكاتب - وإذا كاتب المولى عبده أو أمته على مالٍ شرطع عليه وقبل العبد ذلك صار مكاتباً، ويجوز أن يشترط المال حالاً ومؤجلاً ومنجماً وتجوز كتابة العبد الصغير إذا كان يعقل البيع والشراء. وإذا صحت الكتابة خرج المكاتب من يد المولى.   كتاب المكاتب أورده هنا لأن الكتابة من توابع العتق كالتدبير والاستيلاد. وهي لغة: الضم والجمع، ومنه الكتيبة للجيش العظيم، والكتب لجمع الحروف في الخط. وشرعاً: تحرير المملوك يداً حالاً ورقبة مآلا، أي: عند أداء البدل. وركنها: الإيجاب والقبول، وشرطها: كون البدل معلوماً، كما أشار إلى ذلك بقوله: (إذا كاتب المولى عبده أو أمته على مال) معلوم (شرطه عليه، وقبل العبد ذلك؛ صار) العبد (مكاتباً) لوجود الركن والشرط، والأمر في قوله تعالى: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً} للندب على الصحيح، والمراد بالخير أن لا يضر بالمسلمين بعد العتق، فلو يضر بهم فالأفضل تركه، وإن كان يصح لو فعله، كما في الهداية. (ويجوز أن يشترط) المولى (المال) كله (حالا، و) يجوز أن يشترطه كله (مؤجلا) إلى أجل معلوم (و) يجوز (منجماً) أي مقسطاً على أزمنة معينة، لأنه عقد معاوضة؛ فأشبه الثمن في البيع (ويجوز كتابة العبد الصغير إذا كان يعقل البيع والشراء) إذ العاقل من أهل القبول، والتصرف نافع في حقه، فيجوز. (وإذا صحت الكتابة) بوجود ركنها وشرطها (خرج المكاتب من يد المولى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 ولم يخرج من ملكه، فيجوز له البيع والشراء والسفر، ولا يجوز له التزوج إلا بإذن المولى، ولا يهب ولا يتصدق إلا بالشيء اليسير، ولا يتكفل، فإن له ولدٌ من أمةٍ له دخل في كتابته، وكا حكمه كحكمه، وكسبه له، وإن زوج المولى عبده من أمته ثم كاتبها فولدت منه   لتحقيق مقصد الكتابة، وهو أداء البدل] . (ولم يخرج من ملكه) : أي المولى؛ لأنه عقد معاوضة فيقتضي المساواة بين المتعاقدين؛ وينعدم ذلك بتنجيز العتق، ويتحقق بتأخره، فيثبت للمكاتب نوع مالكية، وللمولى البدل في زمنه، فإن أعتقه عتق بعتقه لأنه مالك لرقبته، وسقط عنه بدل الكتابة. كما في الهداية (فيجوز له البيع والشراء والسفر) ؛ لأن موجب الكتابة أن يصير حراً يداً بمالكيه التصرف مستبداً به تصرفا يوصله إلى المقصود وهو نيل الحرية بأداء البدل، والبيع والشراء من هذا القبيل، وكذلك السفر، لأن التجارة ربما لا تتفق في الحضر فيحتاج إلى المسافرة، ويملك البيع بالمحاباة؛ لأنه من صنيع التجار، فإن التاجر قد يحابي في صفقة ليربح في الأخرى، هداية. (ولا يجوز له التزوج إلا بإذن المولى) ، لأن الكتابة فك الحجر مع قيام ضرورة التوصل إلى المطلوب؛ والتزوج ليس وسيلة إليه. ويجوز بإذن المولى لأن الملك له، هداية (ولا يهب) المكاتب (ولا يتصدق) لأنه تبرع وهو لا يملكه (إلا) أن يكون (بالشيء اليسير) ، لأنه من ضرورة التجارة، ومن ملك شيئاً ملك ما هو من ضروراته وتوابعه (ولا يتكفل) لأنه تبرع محض، وليس من ضروريات التجارة والاكتساب (فإن ولد له ولد من أمة له) فادعاه ثبت نسبه منه، وإن كان لا يجوز له الاستيلاد، و (دخل) الولد (في الكتابة) لأن المكاتب من أهل أن يكاتب وإن لم يكن من أهل الإعتاق، فيجعل مكاتباً تحقيقاً للصلة بقدر الإمكان (وكان حكمه) : أي الولد (كحكمه) أي الأب (وكسبه له) ، لأن كسب الولد كسبه، وكذا إذا ولدت المكاتبة من زوجها (وإن زوج المولى عبده من أمته ثم كاتبهما فولدت منه) : الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 ولداً دخل في كتابتها وكان كسبه لها، وإن وطئ المولى مكاتبته لزمه العقر، وإن جنى عليها أو على ولدها لزمته الجناية، وإن أتلف مالاً لها غرمه وإذا اشترى المكاتب أباه أو ابنه دخل في كتابته، وإن اشترى أم ولده دخل ولدها في الكتابة ولم يجز بيعها، وإن اشترى ذا رحمٍ محرمٍ منه لا ولاد له لم يدخل في كتابته عند أبي حنيفة،   أي من زوجها المكاتب (ولداً دخل) الولد (في كتابتها) : أي الأمة (وكان كسبه لها) لأن تبعية الأم أرجح، ولهذا يتبعها في الرق والحرية (وإن وطئ المولى مكاتبته لزمه العقر) ؛ لأنها صارت أحق بأجزائها، ومنافع البضع ملحقة بالأجزاء والأعيان (وإن جنى عليها أو على ولدها) جناية خطأ (لزمته الجناية) لما بيناه، قيدنا الجناية بالخطأ لأن جناية العمد تسقط للشبهة، كما في الجوهرة (وإن أتلف مالا لها غرمه) لأن المولى كالأجنبي في حق أكسابها (وإذا اشترى المكاتب أباه) وإن علا (أو ابنه) وإن سفل (دخل في كتابته) ؛ لما مر من أنه أهل أن يكاتب وإن لم يكن من أهل الإعتاق، فيجعل مكاتباً تحقيقاً للصلة بقدر الإمكان، ألا يرى أن الحر متى كان يملك الإعتاق يعتق عليه، كما في الهداية (وإن اشترى أم ولده) مع ولدها منه (دخل ولدها في الكتابة) ؛ لأنه ولده، ولم تدخل هي (و) لكن (لم يجز له بيعها) لأنها أم ولده، وإن لم يكن معها ولد فكذلك الجواب عندهما، خلافاً لأبي حنيفة، قال الإسبيجاني: الصحيح قوله، ومشى عليه المحبوبي، تصحيح (وإن اشترى) المكاتب (ذا رحم محرم منه لا ولاد له لم يدخل في كتابته عند أبي حنيفة) ؛ لأن المكاتب له كسب لا ملك، والكسب يكفي للصلة في الولاد دون غيره، حتى إن القادر على الكسب يخاطب بنفقة قرابة الولاد دون غيرها، لأنها على الموسر كما مر، وقالا: يدخل، اعتباراً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 وإذا عجز المكاتب عن نجمٍ نظر الحاكم في حاله، فإن كان له دينٌ يقتضيه، أو مالٌ يقدم إليه، لم يعجل بتعجيزه، وانتظر عليه اليومين والثلاثة، وإن لم يكن له وجهٌ وطلب المولى تعجيزه عجزه وفسخ الكتابة، وقال أبو يوسف: لا يعجزه حتى يتوالى عليه نجمان؛ وإذا عجز المكاتب عاد إلى أحكام الرق، وكان ما في يده من الأكساب لمولاه، وإن مات المكاتب وله مالٌ لم تنفسخ الكتابة وقضيت كتابته من أكيابه وحكم بعتقه في آخر جزء   بقرابة الولاد، لأو وجوب الصلة ينتظمها، ولهذا لا يفترقان في الحر في حق الحرية قال في التصحيح: وجعل الإسبيجاني قوله استحساناً: واختاره المحبوبي والنسفي وغيرهما، اهـ. (وإذا عجز المكاتب عن) أداء (نجم نظر الحاكم في حاله) بالسؤال منه، (فإن كان له دينٌ يقتضيه، أو مال) في يد غائب (يقدم) عليه (لم يعجل بتعجيزه وانتظر عليه اليومين والثلاثة) نظراً للجانبين. والثلاثة هي المدة التي ضربت لإبلاء العذر: كإمهال الخصم للدفع، والمديون للقضاء، فلا يزاد عليه، هداية (وإن لم يكن له وجه، وطلب المولى تعجيزه عجزه) الحاكم (وفسخ الكتابة) لتبين عجزه، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد (وقال أبو يوسف: لا يعجزه حتى يتوالى عليه نجمان) قال جمال الإسلام في شرحه: الصحيح قول أبي حنيفة ومحمد، واعتمده البرهاني والنسفي وغيرهما، تصحيح. (وإذا عجز المكاتب) بالقضاء أو الرضا (عاد إلى أحكام الرق) لانفساخ الكتابة (وكان ما في يده من الأكساب للمولى) ؛ لأنه ظهر أنه كسب عبده لأنه كان موقوفاً عليه أو على مولاه، وقد زال التوقف (وإن مات المكاتب وله مال) يفي ببدله (لم تنفسخ الكتابة وقضيت كتابته من أكسابه) حالا (وحكم بعتقه في آخر جزء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 من أجزاء حياته، وإن لم يترك وفاءً وترك ولداً مولوداً في الكتابة سعى في كتابة أبيه على نجومه، وإذا أدى حكمنا بعتق أبيه قبل موته وعتق الولد، وإن ترك ولداً مشترى في الكتابة قيل له: إما أن تؤدي الكتابة حالاً، وإلا رددت في الرق. وإذا كاتب المسلم عبده على خمرٍ أو خنزيرٍ أو على قيمة نفسه فالكتابة فاسدةٌ، فإن أدى الخمر عتق ولزمه أن يسعى في قيمته   من أجزاء حياته) وما بقي فهو ميراث لورثته. وتعتق أولاده تبعاً له (وإن لم يترك وفاءً وترك ولداً مولوداً في الكتابة سعى) الولد (في كتابة أبيه على نجومه) المنجمة عليه (فإذا أدى) ما على أبيه (حكمنا بعتق أبيه قبل موته، وعتق الولد) الآن؛ لأن الولد داخل في كتابته، وكسبه ككسبه، فيخلفه في الأداء، وصار كما إذا ترك وفاه (وإن ترك ولداً مشترى قيل له) أي للولد: (إما أن تؤدي الكتابة حالا، وإلا رددت في الرق) ؛ لأنه لم يدخل تحت العقد لعدم الإضافة إليه، ولا يسري إليه حكمه لانفصاله، بخلاف المولود في الكتابة، لأنه متصل به وقت الكتابة فيسري الحكم إليه، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: هو كالمولود في الكتابة، لأنه يكاتب تبعاً فاستويا كما في الاختيار] . (وإذا كاتب المسلم عبده على خمر أو خنزير أو على قيمة نفسه فالكتابة فاسدة) ، لأن الخمر والخنزير ليسا بمال في حق المسلم فتسميتهما تفسد العقد، وكذلك القيمة، لأنها مجهولة (فإن أدى) ما كوتب عليه، أعني (الخمر) أو الخنزير (عتق) المكاتب بالأداء؛ لأنهما مال في الجملة (ولزمه أن يسعى في قيمته) : أي قيمة نفسه، لأنه وجب عليه رد رقبته لفساد العقد، وقد تعذر ذلك بالعتق؛ فيجب رد قيمته، كما في البيع الفاسد إذا تلف المبيع، وأما فيما إن كاتبه على قيمة نفسه فإنه يعتق بأداء القيمة، لأنه هوالبدل، بخلاف ما كان كاتبه على ثوب حيث لا يعتق بأداء ثوب، لأنه لا يوقف فيه على مراد العاقد؛ لاختلاف أجناسه، فلا يثبت العتق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 ولا ينقص من المسمى ويزاد عليه، وإن كاتبه على حيوانٍ غير موصوفٍ فالكتابة جائزةٌ، وإذا كاتب عبديه كتابةً واحدةً بألف درهمٍ: إن أديا عتقا، وإن عجزا ردا إلى الرق، وإن كاتبهما على أن كل واحدٍ منهما ضامنٌ عن الآخر جازت الكتابة، وأيهما أدى عتقا   بدون إرادته كما في الهداية. واعلم أنه متى سمى مالا وفسدت الكتابة بوجه من الوجوه وجبت قيمته (و) لكن (لا ينقص من المسمى ويزاد عليه) وذلك كمن كاتب عبده على ألف رطل من خمر فأدى ذلك عتق ووجبت عليه قيمة نفسه إن كانت أكثر من الألف، وإن كانت أقل لا يسترد الفضل، وتمامه في التصحيح، قال في المبسوط: إذا كاتب عبده بألف على أن يخدمه أبداً فالكتابة فاسدة، فتجب القيمة، فإن كانت ناقصة عن الألف لا ينتقص، وإن كانت زائدة زيدت عليه، اهـ. (وإن كاتبه على حيوان غير موصوف فالكتابة جائزة) قال في الهداية: ومعناه أن يبين الجنس ولا يبين النوع والصفة، وينصرف إلى الوسط، ويجبر على قبول القيمة، وقد مر في النكاح، أما إذا لم يبين الجنس مثل أن يقول (دابة) لا يجوز، لأنه يشمل أجناساً فتتفاحش الجهالة، وإذا بين الجنس كالعبد فالجهالة يسيرة، ومثلها يتحمل في الكتابة، اهـ. (وإن كاتب عبديه كتابة واحدة بألف درهم) مثلا جاز، ثم (إن أديا) الألف (عتقا) ، لحصول الشرط (وإن عجزا ردا إلى الرق) ولا يعتقان إلا بأداء الجميع، لأن الكتابة واحدة فكانا كشخص واحد (وإن كاتبهما على أن كل واحد منهما ضامن عن الآخر) حصته (جازت الكتابة، وأيهما أدى) البدل (عتقا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 ويرجع على شريكه بنصف ما أدي؛ وإذا أعتق المولى مكاتبه عتق بعتقه، وسقط عنه مال الكتابة، وإذا مات مولى المكاتب لم تنفسخ الكتابة، وقيل له: أد المال إلي ورثة المولى على نجومه، فإن أعتقه أحد الورثة لم ينفذ عتقه، وإن أعتقوه جميعاً عتق، وسقط عنه مال الكتابة،   جميعاً (ويرجع) الذي أدى (على شريكه بنصف ما أدى) ويشترط في ذلك قبولهما جميعاً؛ فإن قبل أحدهما ولم يقبل الآخر بطل؛ لأنهما صفقة واحدة، وللمولى أن يطالب كل واحد منهما بالجميع نصفه بحق الأصالة ونصفه بحق الكفالة، وأيهما أدى شيئاً رجع على صاحبه بنصفه: قليلا كان أو كثيراً؛ لأنهما مستويان في ضمان المال، فإن أعتق المولى أحدهما عتق وسقطت حصته عن الآخر، ويكون مكاتباً بما بقي، ويطال المكاتب بأداء حصته بطريق الأصالة، والمعتق بطريق الكفالة، فإن أداها المعتق رجع بها على صاحبه، وإن أداها المكاتب لم يرجع بشيء، لأنها مستحقة عليه، جوهرة. (وإذا أعتق المولى مكاتبه عتق بعتقه) لقيام ملكه (وسقط عنه مال الكتابة) مع سلامة الأكساب والأولاد له. (وإذا مات مولى المكاتب لم تنفسخ الكتابة) كيلا يؤدي إلى إبطال حق المكاتب؛ إذ الكتابة سبب الحرية، وسبب حق المرء حقه (وقيل له) أي المكاتب: (أد المال) المعين عليك (إلى ورثة المولى على نجومه) ، لأنه استحق الحرية على هذا الوجه، والسبب انعقد كذلك، فيبقى بهذه الصفة، ولا يتغير، إلا أن الورثة يخلفونه في الاستيفاء (فإن أعتقه أحد الورثة لم ينفذ عتقه) لأنه لم يملكه، لأن المكاتب لا يملك بسائر أسباب الملك فكذا الوراثة، هداية. وإنما ينتقل إلى الورثة ما في ذمته من المال (وإن أعتقوه) : أي الورثة (جميعاً عتق) مجاناً استحساناً (وسقط عنه مال الكتابة) ، لأنه يصير إبراءً من بدل الكتابة، وبراءته منه توجب عتقه، وويعتق من جهة الميت، حتى إن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 وإذا كاتب المولى أم ولده جاز، وإن مات المولى سقط عنها مال الكتابة، وإن ولدت مكاتبته منه بالخيار: إن شاءت مضت على الكتابة، وإن شاءت عجزت نفسها وصارت أم ولدٍ له، وإذا كاتب مدبرته جاز، فإن مات المولى ولا مال له كانت بالخيار بين أن تسعى في ثلثي قيمتها أو جميع مال الكتابة، وإن دبر مكاتبته صح التدبير   الولاء يكون للذكور من عصبته دون الإناث، ولا يشبه هذا ما إذا أعتقه بعضهم، لأن إبراءه إنما يصادف حصته، ولو برئ من حصته بالأداء لم يعتق، فكذا هذا كما في الجوهرة. (وإذا كاتب المولى أم ولد جاز) لبقاء ملكه فيها (فإن مات المولى) قبل الأداء (سقط عنها مال الكتابة) لعتقها بالاستيلاد، فيبطل حكم الكتابة وتسلم لها الأكساب والأولاد (وإن ولدت مكاتبته) : أي المولى (منه فهي بالخيار: إن شاءت مضت على الكتابة) وأخذت العقر من مولاها (وإن شاءت عجزت نفسها وصارت أم ولد له) لأنه تلقتها جهتا حرية: عاجل ببدل، وآجل بغير بدل، فتخير بينهما، ونسب ولدها ثابت من المولى (وإذا كاتب) المولى (مدبرته جاز) لحاجتها إلى تعجيل الحرية (فإن مات المولى) قبل أداء البدل (ولا مال له) غيرها (كانت بالخيار بين أن تسعى) للورثة (في ثلثي قيمتها أو جميع مال الكتابة) قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: تسعى في الأقل منهما، وقال محمد: تسعى في الأقل من ثلثي قيمتها وثلثي بدل الكتابة، فالخلاف في الخيار والمقدار: فأبو يوسف مع أبي حنيفة في المقدار، ومع محمد في نفي الخيار، قال الإسبيجاني: والصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح (وإن دبر مكاتبته صح التدبير) ؛ لما مر من أنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 ولها الخيار: إن شاءت مضت على الكتابة، وإن شاءت عجزت نفسها وصارت مدبرةً، وإن مضت على كتابتها فمات المولى ولا مال له فهي بالخيار: إن شاءت سعت في ثلثي مال الكتابة أو ثلثي قيمتها عند أبي حنيفة، وإذا أعتق المكاتب عبده على مالٍ لم يجز، وإن وهب على عوضٍ لم يصح، وإن كاتب عبده جاز، فإن أدى الثاني قبل أن يعتق الأول فولاوه للمولى، وإن أدى بعد عتق المكاتب الأول فولاوه له.   تلقتها جهتا حرية (ولها الخيار: إن شاءت مضت على الكتابة) تعجيلا للحرية (وإن شاءت عجزت نفسها وصارت مدبرة) لأن الكتابة ليست بلازمة في جانب المملوك (فإن مضت على كتابتها فمات المولى ولا مال له) غيرها (فهي بالخيار: إن شاءت سعت) للورثة (في ثلثي مال الكتابة أو ثلثي قيمتها عند أبي حنيفة) وقالا: تسعى في الأقل منهما، فالخلاف في هذا الفصل بناء على ما ذكرنا، أما المقدار فمتفق عليه، هداية. والذي ذكره هو تجزؤ الإعتاق، وقد تقدم مراراً أن الفتوى فيه على قول الإمام كما نقلته عن الأئمة الأعلام، وعلى هذا مشى الإمام المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، تصحيح (وإذا أعتق المكاتب عبده على مال لم يجز) ، لأنه ليس من الكسب ولا من توابعه؛ لأنه إسقاط الملك عن رقبته وإثبات الدين في ذمة المفلس، وكذلك تزويجه، لأنه تعييب له بشغل رقبته بالمهر والنفقة، بخلاف تزويج الأمة؛ لأنه اكتساب باستفادة المهر، كما في الهداية (و) وكذا (إذا وهب على عوض لم يصح) ، لأنها تبرع ابتداء (وإن كاتب) المكاتب (عبده جاز) استحساناً، لأنه عقد اكتساب، وقد يكون أنفع من البيع؛ لأنه لا يزيل الملك إلا بعد وصول البدل إليه (فإن أدى الثاني) البدل (قبل أن يعتق الأول فولاؤه للمولى) لأن فيه نوع الملك فيصح إضافة الإعتاق إليه في الجملة، فإذا تعذر إضافته إلى مباشر العقد لعدم الأهلية أضيف إليه (وإن أدى بعد عتق المكاتب الأول فولاؤه له) لأن العاقد من أهل ثبوت الولاء وهو الأصل قيثبت له، هداية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 كتاب الولاء - إذا أعتق الرجل مملوكه فولاه له، وكذلك المرأة تعتق، فإن شرط أنه سائبةٌ فالشرط باطلٌ والولاء لمن أعتق. وإذا أدى المكاتب عتق وولاؤه للمولى. وكذلك إن عتق بعد موت المولى فولاؤه لورثة المولى، فإن مات المولى عتق مدبره وأمهات أولاده   كتاب الولاء هو لغة: النصرة والمحبة، وشرعا: عبارة عن التناصر بولاء العتاقة أو بولاء الموالاة كما في الزيلعي. وفي الهداية: الولاء نوعان: ولاء عتاقة، ويسمى ولاء نعمة، وسببه العتق على ملكه في الصحيح، حتى لو عتق قريبه عليه بالوراثة كان الولاء له، وولاء موالاة، وسببه العقد، ولهذا يقال: ولاء العتاقة، وولاء الموالاة، والحكم يضاف إلى سببه. اهـ. (إذا أعتق الرجل مملوكه فولاؤه له) ، لأنه أحياه بإزالة الرق عنه، فيرثه إذا مات ويعقل عنه إذا جنى، ويصير كالولاد؛ لأن الغنم بالغرم (وكذلك المرأة تعتق) مملوكها، فيكون ولاؤه لها لما بينا (فإن شرط) المولى (أنه) أي العبد (سائبة) لا يرثه إذا مات، ولا يعقل عنه إذا جنى (فالشرط باطل) لمخالفته للنص (والولاء لمن أعتق) كما هو نص الحديث (وإذا أدى المكاتب) بدل الكتابة ومولاه حي (عتق، و) كان (ولاؤه للمولى) ، لعتقه على ملكه (وكذا إن عتق بعد موت المولى) لأن العتق من جهته وإن تأخر بمنزلة المدبر وقد مر أنه لا يورث، وإنما ينتقل إليهم ما تقرر في ذمته، وكذا العبد الموصى بعتقه أو بشرائه وعتقه بعد موته؛ لأن فعل الوصي بعد موته كفعله، والتركة على حكم ملكه، هداية (فإن مات الولي عتق مدبره وأمهلت أولاده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 وولاؤهم له، ومن ملك ذا رحمٍ محرمٍ منه عتق عليه وولاؤه له، وإذا تزوج عبد رجل أمةً لآخر فأعتق مولى الأمة الأمة وهي حاملٌ من العبد عتقت وعتق حملها، وولاء الحمل لمولى الأم لا ينتقل عنه أبداً، فإن ولدت بعد عتفها لأكثر من ستة أشهرٍ ولداً فولاؤه لمولي الأم فإن أعتق العبد جر ولاء ابنه، وانتقل عن مولى الأم إلى مولى الأب. ومن تزوج من العجم.   وولاؤهم له) لعتقهم باستيلاده وتدبيره (ومن ملك ذا رحمٍ محرمٍ منه عتق عليه وولاؤه له) لوجود السبب، وهو العتق عليه (وإذا تزوج عبد رجل أمة لآخر فأعتق مولى الأمة الأمة وهي حامل من العبد عتقت) الأمة (وعتق حملها) تبعاً لها (وولاء الحمل لمولى الأم لا ينتقل عنه) : أي عن مولى الأم (أبداً) لأنه عتق بعتق الأم مقصوداً إذ هو جزء منها يقبل الإعتاق مقصوداً، فلا ينتقل ولاؤه عنه، وهذا إذا ولدته لأقل من ستة أشهر؛ للتيقن بقيام الحمل وقت الإعتاق، وكذا لو ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر، لأنهما توأما حمل واحد كما في الهداية (فإن ولدت بعد عتقها لأكثر من ستة أشهر ولداً فولاؤه لمولى الأم) أيضا، لأنه عتق تبعاً للأم لاتصاله بها فتبعها في الولاء، ولكن لما لم يكن محقق الوجود وقت الإعتاق لم يكن عتقه مقصوداً (فإن أعتق العبد جر ولاء ابنه) إلى مواليه (وانتقل) الولاء (عن مولى الأم إلى مولى الأب) ، لأن الولاء بمنزلة النسب، والنسب إلى الآباء، فكذلك الولاء، وإنما صار أولا لموالي الأم لأنه ضرورة لعدم أهليه الأب، فإذا صار الأب أهلاً عاد الولاء إليه. (ومن تزوج من العجم) جمع العجمي، وهو خلاف العربي وإن كان فصيحاً كما في المغرب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 بمعتقةٍ من العرب فولدت له أولاداً فولاء أولاده لمواليها عند أبي حنيفة. وولاء العتاقة تعصيبٌ، فإن كان للمعتق عصبةٌ من النسب فهو أولى منه، وإن لم يكن له عصبةً من النسب فميراثه للمعتق، فإن مات المولى ثم مات المعتق فميراثه لبني المولى دون بناته.   (بمعتقة من العرب فولدت له أولاداً فولاء ولدها لمواليها عند أبي حنيفة) قال في الهداية: وهو قول محمد، وقال أبو يوسف: حكمه حكم أبيه، لأن النسب إلى الأب كما إذا كان الأب عربيا، بخلاف ما إذا كان عبداً، لأنه هالك معنى، ولهما أن ولاء العتاقة قوي معتب في حق الأحكام، حتى اعتبرت الكفاءة فيه؛ والنسب في حق العجم ضعيف، فإنهم ضيعوا أنسابهم، ولهذا لم تعتبر الكفاءة فيما بينهم بالنسب، والقوي لا يعارضه الضعيف، بخلاف ما إذا كان الأب عربياً، لأن أنساب العرب قوية معتبرة في حكم الكفاءة والعقل، كما أن تناصرهم بها، فأغنت عن الولاء، اهـ. قال جمال الإسلام في شرحه: الصحيح قولهما، ومشى عليه المحبوبي والنسفي وغيرهما كما في التصحيح (وولاء العتاقة تعصيب) : أي موجب للعصوبة (فإن كان للمعتق) بالبناء للمفعول (عصبة من النسب فهو أولى منه) لأن عصوبة المعتق سببية (وإن لم يكب له) : أي المعتق (عصبة من النسب فميراثه للمعتق) يعني إذا لم يكن هناك صاحب فرض في حال أما إذا كان فله الباقي بعد فرضه لأنه عصبة، ومعنى قولنا (في حال) أي حالة واحدة كالبنت، بخلاف الأب فإن له حال فرض وحال تعصيب، فلا يرث المعتق في هذه الحالة كما الجوهرة، وهو مقدم على الرد وذوي الأرحام، قال في زاد الفقهاء: ثم عندنا المولى الأسفل لا يرث من الأعلى؛ لأن المعتق أنعم عليه بالعتق: وهذا لا يوجد في المعتق، اهـ (فإن مات المولى) أولا (ثم مات) بعده (المعتق فميراثه لبني المولى دون بناته) لأن الولاء تعصيب، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 وليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن، أو أعتق من أعتقن، أو كاتبن، أو كاتب من كاتبن، وإذا ترك المولى ابناً وأولاد ابنٍ آخر فميراث المعتق للابن دون بني الابن، والولاء للكبر. وإذا أسلم رجلٌ على يد رجلٍ ووالاه على أن يرثه ويعقل عنه؛ أو أسلم على يد غيره ووالاه، فالولاء صحيحٌ، وعقله على مولاه،   ولا تعصيب للنساء إلا ما ذكر المصنف بقوله: (وليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن) قال في الهداية: بهذا اللفظ ورد الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي آخر (أو جر ولاء معتقهن) ولأن ثبوت الماليكة والقوة في المعتق من جهتها، فينتسب بالولاء إليها، وينسب إليها من ينسب إلى مولاها، بخلاف النسب، لأن سببه الفراش، وصاحب الفراش إنما هو الزوج، وليس حكم ميراث المعتق مقصوراً على بني المولى، بل هو لعصبته الأقرب، اهـ باختصار (وإذا ترك المولى ابناً وأولاد ابن آخر فميراث المعتق للابن) لأنه أقرب (دون بني الابن) لأنهم أبعد (والولاء) حيث اجتمعت العصبة (للكبر) قال في الصحاح: يقال (هو كبر قومه) أي هو أقعدهم نسباً، اهـ. والمراد هنا أقربهم. (وإذا أسلم رجل) حر مكلف مجهول النسب (على يد رجل ووالاه) أي عقد معه عند الموالاة، وهو أن يتعاقد معه (على أن يرثه) إذا مات (ويعقل عنه) إذا جنى (أو أسلم على يد غيره ووالاه) كذلك (فالولاء صحيح، وعقله على مولاه) قال أبو نصر الأقطع في شرحه. قالوا: وإنما يصح الولاء بشرائط؛ أحدها: أن لا يكون الموالي من العرب، لأن تفاخر العرب بالقبائل أقوى، والثاني: أن لا يكون عتيقاً؛ لأن ولاء العتق أقوى، والثالث: أن لا يكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 فإن مات ولا وارث له فميراثه للمولى، وإن كان له وارث فهو أولى منه، وللمولى أن ينتقل عنه بولائه إلى غيره مالم يعقل عنه، فإذا عقل عنه لم يكن له أن يتحول بولائه إلى غيره، وليس لمولى العتاقة أن يوالي أحداً. كتاب الجنايات   عقل عنه غيره؛ لتأكد ذلك؛ الرابع: أن يشترط العقل والإرث. اهـ (فإن مات) المولى الأسفل (ولا وارث له فميراثه للمولى) الأعلى، لأن ماله حقه فيصرفه إلى حيث شاء، والصرف إلى بيت المال ضرورة عدم المستحق، لا أنه مستحق، هداية (وإن كان له وارث فهو أولى منه) ؛ لأنه وارث شرعاً فلا يملكان إبطاله (وللمولى) الأسفل (أن ينتقل عنه) : أي عن المولى الأعلى (بولائه إلى غيره) ، لأنه عقد غير لازم بمنزلة الوصية، وكذا للأعلى أن يتبرأ عن ولائه، لعدم اللزوم؛ إلا أنه يشترط في هذا أن يكون بمحضر من الآخر كما في عزل الوكيل قصداً، بخلاف ما إذا عقد الأسفل مع غيره بغير محضر من الأول، لأنه فسخ حكمي بمنزلة العزل الحكمي في الوكالة، هداية. وهذا (مالم يعقل عنه؛ فإذا عقل عنه لم يكن له أن يتحول بولائه إلى غيره) ؛ لأنه تعلق به حق الغير، وكذا لا يتحول ولد، وكذا إذا عقل عن ولده، كما في الهداية (وليس لمولى العتاقة أن يوالي أحداً) ؛ لأنه لازم، ومع بقائه لا يظهر الأدنى، هداية. كتاب الجنايات وجه المناسبة بينه وبين العتق أن في مشروعية كل منهما إحياء معنويا. والجنايات: جمع جناية، وهي لغة: التعدي، وشرعاً: عبارة عن التعدي الواقع في النفس والأطراف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 - القتل على خمسة أوجهٍ: عمدٍ، وشبه عمد، وخطأٍ، وما أجري مجرى الخطأ، والقتل بسببٍ. فالعمد: ما تعمد ضربه بسلاح، أو ما أجري مجرى السلاح في تفريق الأجزاء، كالمحدد من الخشب والحجر والنار، وموجب ذلك المأثم والقود، إلا أن يعفو الأولياء، ولا كفارة فيه. وشبه العمد عند أبي حنيفة: أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاحٍ، ولا ما أجري   (القتل) الذي تتعلق به الأحكام الآتية (على خمسة أوجه) وإلا فأنواعه كثيرة كرجم وصلب وغيرهما، وهي: (عمد، وشبه عمد، وخطأ، وما أجري مجرى الخطأ، والقتل بسبب) ثم أخذ في بيانها على الترتيب فقال: (فالعمد: ما) أي آدمى (تعمد) بالبناء للمجهول (ضربه بسلاح أو ما أجرى مجرى السلاح في تفريق الأجزاء) وذلك (كالمحدد) أي الذي له حد يفرق الأجزاء (من الخشب والحجر والنار) ، لأن العمد هو القصد، ولا يوقف عليه إلا بدليله - وهو استعمال الآلة القاتلة - فأقيم الاستعمال مقام القصد، كما أقيم السفر مقام المشقة، وفي حديث غير محدد روايتان: أظهرهما أنه عمد كما في الدرر عن البرهان (وموجب ذلك) : أي القتل العمد (المأثم) ، لأنه من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله (والقود) : أي القصاص (إلا أن يعفو الأولياء) أو يصالحوا، لأن الحق لهم، ثم هو واجب عيناً، وليس للولي أخذ الدية إلا برضاء القاتل، هداية (ولا كفارة فيه) ؛ لأنه كبيرة محضة، وفي الكفارة معنى العبادة، فلا يناط بها، ومن حكمه حرمان الإرث، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ميرات لقاتل) كما في الهداية. (وشبه العمد عند أبي حنيفة: أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 مجرى السلاح، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: إذا ضربه بحجرٍ عظيمٍ، أو خشبةٍ عظيمةٍ، فهو عمدٌ، وشبه العمد: أن يتعمد ضربه بمالا لا يقتل غالباً، وموجب ذلك على القولين المأثم والكفارة، ولا قود، وفيه ديةٌ مغلظةٌ على العاقلة. والخطأ على وجهين: خطأ في القصد، وهو: أن يرمي شخصاً يظنه صيداً فإذا هو آدميٌ، وخطأ في القتل، وهو:   مجرى السلاح) مما مر؛ لتقاصر معنة العمدية باستعماله آلة لا يقتل بها غالباً ويقصد بها غير كالتأديب ونحوه، فكان شبه العمد (وقال أبو يوسف ومحمد: إذا ضربه بحجر عظيم، أو خشبة عظيمة) مما يقتل به غالباً (فهو عمد) لأنه لما كان يقتل غالباً صار بمنزلة الآلة الموضوعة له (وشبه العمد: أن يتعمد ضربه بما لا يقتل غالباً) قال الإمام الإسبيجاني في شرحه: الصحيح قول الإمام، وفي الكبرى: الفتوى في شبه العمد على ما قال أبو حنيفة، واختاره المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح (وموجب ذلك) : أي شبه العمد (على) اختلاف (القولين: المأثم) ، لأنه قاتل وهو قاصد في الضرب (والكفارة) لشبة بالخطأ (ولا قود) ، لأنه ليس بعمد (وفيه دية مغلظة على العاقلة) والأصل في ذلك: أن كل دية وجبت بالقتل ابتداء لا لمعنى يحدث من بعد فهي على العاقلة اعتباراً بالخطأ. ويتعلق به حرمان الإرث لأنه جزاء القتل، والشبهة تؤثر في إسقاط القصاص دون حرمان الإرث، كما في الهداية. (والخطأ على وجهين: خطأ في القصد) أي قصد الفاعل (وهو: أن يرمي شخصا يظنه صيداً فإذا هو آدمي) أو يظنه حربيا فإذا هو مسلم (وخطأ في) نفس (الفعل وهو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 أن يرمي غرضاً فيصيب آدمياً، وموجب ذلك: الكفارة، والدية على العاقلة، ولا مأثم فيه، وما أجري مجرى الخطأ مثل النائم ينقلب على رجلٍ فيقتله، فحكمه حكم الخطأ، وأما القتل بسببٍ: كحافر البئر، وواضع الحجر في غير ملكه، وموجبه إذا تلف فيه آدميٌ: الدية على العاقلة، ولا كفارة فيه. والقصاص واجبٌ بقتل كل محقون الدم على التأبيد   أن يرمي غرضا) أو صيداً (فيصيب آدميا، وموجب ذلك) في الوجهين (الكفارة والدية على العاقلة) لفوله تعالى: {فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) الآية (ولا مأثم فيه) في الوجهين، قال في الهداية: قالوا: المراد إثم القتل، وأما في نفسه فلا يعرى عن الإثم، من حيث ترك العزيمة والمبالغة في التثبت في حال الرمي، إذ شرع الكفارة يؤذن باعتبار هذا المعنى، ويحرم من الميراث، لأن فيه إثما فيصح تعليق الحرمان به، اهـ. (وما أجري مجرى الخطأ مثل النائم ينقلب على رجل فيقتله) لأنه معذور كالمخطأ (فحكمه حكم الخطأ) من وجوب الكفارة والدية وحرمان الإرث. (وأما القتل بسبب كحافر البئر، وواضع الحجر في غير ملكه) بغير إذن من السلطان. در عن ابن كمال (وموجبه) أي القتل بسبب (إذا أتلف في آدمي الدية على العاقلة، ولا كفارة فيه) ولا إثم، ولا يتعلق به حرمان الميراث، لأن القتل معدوم منه حقيقة، وألحق به حق الضمان؛ فبقي في حق غيره على الأصل كما في الهداية. (والقصاص واجب بقتل كل محقون الدم على التأبيد) وهو المسلم والذمي بخلاف الحربي والمستأمن، لأن الأول غير محقون الدم، والثاني، وإن كان محقون الدم في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 إذا قتل عمداً، ويقتل الحر بالحر، والحر بالعبد، والمسلم بالمستأمن؛ ويقتل الرجل بالمرأة، والكبير بالصغير، والصحيح بالأعمى والزمن، ولا يقتل الرجل بابنه، ولا بعبده، ولا مدبره، ولا مكاتبه، ولا بعبد ولده، ومن ورث قصاصاً على أبيه   دارنا لكن لا على التأبيد، لأنه إذا رجع صار مباح الدم (إذا قتل) بالبناء للمجهول (عمداً) بشرط كون القاتل مكلفاً، وانتفاء الشبهة بينهما (ويقتل الحر بالحر، والحر بالعبد) لإطلاق قوله تعالى: {أن النفس بالنفس} فإنه ناسخ لقوله تعالى: {الحر بالحر} ، ولأن القصاص يعتمد المساواة في العصمة، وهي بالدينم أو بالدار وهما مستويان فيهما (والمسلم بالذمي) لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قتل مسلما بذمي، ولأن المساواة في العصمة ثابتة بالدار، والمبيح كفر المحارب دون المسالم (ولا يقتل المسلم بالمستأمن) لأنه غير محقون الدم على التأبيد؛ لأنه على قصد الرجوع ولا يقتل الذمي بالمستأمن، لما بينا، ويقتل المستأمن بالمستأمن قياسا للمساواة، ولا يقتل استحسانا، لقيام المبيح كما في الهداية (ويقتل الرجل بالمرأة، والكبير بالصغير، والصحيح بالأعمى والزمن) وناقص الأطراف والمجنون، للعمومات، ولأن في اعتبار التفاوت فيما وراء العصمة امتناع القصاص كما في الهداية. (ولا يقتل الرجل بابنه) ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقاد الوالد بولده) ولأنه سبب إحيائه فمن المحال أن يستحق له إفناؤه، والجد من قبل الرجال والنساء وإن علا في هذا بمنزلة الأب، وكذا الوالدة والجدة من قبل الأب أو الأم قربت أو بعدت، لما بينا. ويقتل الرجل بالوالد لعدم المسقط كما في الهداية (ولا بعبده ولا مدبره ولا مكاتبه ولا بعبد ولده) لأنه لا يستوجب لنفسه على نفسه القصاص ولا ولده عليه وكذا لا يقتل بعبد ملك بعضه؛ لأن القصاص لا يتجزأ، هداية (ومن ورث قصاصا على أبيه) أي أصله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 سقط، ولا يستوفى القصاص إلا بالسيف، وإذا قتل المكاتب عمداً وليس له وارثٌ إلا المولي وترك وفاءً فله القصاص؛ فإن ترك وفاءً ووارثه غير المولي فلا قصاص لهم، وإن اجتمعوا مع المولي،   (سقط) عنه، (لأن الفرع لا يستوجب العقوبة على أصله. وصورة المسألة فيما إذا قتل الأب أب امرأته مثلا ولا وارث له غيرها، ثم ماتت المرأة؛ فإن ابنها منه يرث القود الواجب على أبيه، فسقط لما ذكرناه، وأما تصوير صدر الشريعة فثبوته فيه للابن ابتداء لا إرثاً عند أبي حنيفة وإن اتحد الحكم كما لا يخفى، در. (ولا يستوفي القصاص إلا بالسيف) وإن قتل بغيره، لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا قود إلا بالسيف) والمراد به السلاح، هداية] . (وإذا قتل) بالبناء للمجهول (المكاتب عمداً) وترك وفاء (وليس له وارث إلا المولي وترك وفاء فله القصاص) عند أبي حنيفة وأبي يوسف، لأن حق الاستيفاء له بيقين على التقديرين، وقال محمد: لا أرى فيه قصاصا، لأنه اشتبه فيه بسبب الاستيفاء، فإنه الولاء إن مات حراً، والملك إن مات عبداً، وقال الإسبيجاني: وهو قول زفر ورواية عن أبي يوسف، والصحيح قول أبي حنيفة، اهـ. قيدنا بكونه ترك وفاء لأنه إذا لم يترك وفاء فللمولى القصاص إجماعا، لأنه مات على ملكه، كما في الجوهرة (فإن ترك) المكاتب (وفاء ووارثه غير المولى فلا قصاص لهم) أي للورثة (وإن اجتمعوا مع المولى) ؛ لأنه اشتبه من له الحق، لأنه المولى إن مات عبداً، والوارث إن مات حراً، إذ ظهر الاختلاف بين الصحابة رضي الله عنهم في موته على نعت الحرية أو الرق، بخلاف الأولى، لأن المولي متعين فيها. هداية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 وإذا قتل عبد الرهن لم يجب القصاص حتى يجتمع الراهن والمرتهن. ومن جرح رجلاً عمداً فلم يزل صاحب فراشٍ حتى مات فعليه القصاص، ومن قطع يد غيره عمداً من المفصل قطعت يده، وكذلك الرجل، ومارن الأنف، والأذن، ومن ضرب عين رجلٍ فقلعها فلا قصاص عليه، وإن كانت قائمةً فذهب ضوءها فعليه القصاص: تحمى له المرآة، ويجعل على وجهه قطنٌ.   (وإذا قتل عبد الرهن لم يجب القصاص حتى يجتمع الراهن والمرتهن) ، لأن المرتهن لا ملك له فلا يليه، والراهن لو تولاه لبطل حق المرتهن في الدين، فيشترط اجتماعهما ليسقط حق المرتهن برضاه، هداية. (ومن جرح رجلاً عمداً فلم يزل) المجروح (صاحب فراش حتى مات فعليه القصاص) لوجود السبب، وعدم ما يبطل حكمه في الظاهر، فأضيف إليه، هداية. (ومن قطع يد غيره عمداً من المفصل قطعت يده) ولو كانت أكبر من يد المقطوع، لقوله تعالى: {والجروح قصاص} وهو ينبئ عن المماثلة، وكل ما أمكن رعايتها فيه يجب فيه القصاص، وما لا فلا، وقد أمكن من القطع من المفصل فاعتبر؛ ولا معتبر بكبر اليد وصغرها، لأن منفعة اليد لا تختلف بذلك، هداية. فلو القطع من الساعد لم يقد، لامتناع حفظ المماثلة وهي الأصل في جريان القصاق (وكذلك الرجل ومارن الأنف والأذن) ، لإمكان رعاية المماثلة (ومن ضرب عين رجل فقلعها فلا قصاص عليه) لامتناع المماثلة (و) لكن (إن كانت قائمةً) غير منخسفة (فذهب ضوءها) فقط (فعليه القصاص) لإمكان المماثلة حينئذ كما قال (تحمى له المرآة، ويجعل على وجهه) وعينه الأخرى (قطن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 رطبٌ، وتقابل عينه بالمرآة حتى يذهب ضوءها، وفي السن القصاص، وفي كل شجةٍ يمكن فيها المماثلة القصاص، ولا قصاص في عظمٍ إلا في السن، وليس فيما دون النفس شبه عمدٍ، إنما هو عمدٌ أو خطأٌ، ولا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس، ولا بين الحر والعبد، ولا بين العبدين.   رطب) أي مبلول (وتقابل عينه بالمرآة حتى يذهب ضوءها) وهو مأثور عن الصحابة رضي الله عنهم (وفي السن القصاص) لقوله تعالى: {والسن بالسن} فتقلع إن قلعت، وقيل: تبرد إلى اللحم، ويسقط ما سواه لتعذر الممائلة؛ إذ ربما تفسد لهاته، وبه أخذ صاحب الكافي، وفي المجتبى: وبه يفتي، وفيه: وتؤخذ الثنية بالثنية والناب بالناب، ولا يؤخذ الأعلى بالأسفل ولا الأسفل بالأعلى، اهـ. والحاصل أنه لا يؤخذ عضو إلا بمثله (وفي كل شجةٍ يمكن فيها المماثلة القصاص) ، لما تلونا. (ولا قصاص في عظم إلا في السن) وهذا اللفظ مروي عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما، ولأن اعتبار المماثلة في غير السن متعذر، لاحتمال الزيادة والنقصان، بخلاف السن، لأنه يبرد بالمبرد، كما في الهداية. (وليس فيما دون النفس شبه عمد، إنما هو عمد أو خطأ) ، لأن شبه العمد يعود إلى الآلة، والقتل هو الذي يختلف باختلافها، بخلاف ما دون النفس، لأنه لا يختلف إتلافه باختلاف الآلة، فلم يبق إلا العمد والخطأ، كما في الهداية. (ولا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس، ولا بين الحر والعبد ولا بين العبدين) ، لأن الأطراف يسلك فيها مسلك الأموال فينعدم التماثل بالتفاوت في القيمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 ويجب القصاص في الأطراف بين المسلم والكافر، ومن قطع يد رجلٍ من نصف الساعد، أو جرحه جائفةً فبرأ منها فلا قصاص عليه، وإذا كانت يد المقطوع صحيحةً ويد القاطع شلاء أو ناقصة الأصابع فالمقطوع بالخيار: إن شاء قطع اليد المعيبة، ولا شيء له غيرها، وإن شاء أخذ الأرش كاملاً، ومن شج رجلا فاستوعبت الشجة ما بين قرنيه، وهي لا تستوعب ما بين قرني الشاج، فالمشجوج بالخيار: إن شاء اقتص   (ويجب القصاص في الأطراف) فيما (بين المسلم والكافر) ، للتساوي بينهما في الأرش. (ومن قطع يد رجل من نصف الساعد أو جرحه جائفةً) وهي التي وصلت إلى جوفه (فبرأ منها فلا قصاص عليه) لتعذر المماثلة، لأن الساعد عظم، ولا قصاص في عظم كما مر، والبرء من الجائفة نادر، على يمكن أن يجرح الجاني على وجه يبرأ منه، فيكون إهلاكا فلا يجوز، وأما إذا لم تبرأ فإن سرت وجب القود، وإلا فلا يقاد إلا أن يظهر الحال من البرء أو السراية كما في الدر (وإذا كانت يد المقطوع صحيحة و) كانت (يد القاطع شلاء أو ناقصة الأصابع فالمقطوع بالخيار: إن شاء قطع اليد المعيبة، ولا شيء له غيرها، وإن شاء أخذ الأرش كاملا) ؛ لأن استيفاء حقه كاملا متعذر؛ فله أن يتجوز بدون حقه، وله أن يعدل إلى العوض، كمن أتلف مثليا فانقطع عن أيدي الناس ولم يبق إلا الردئ يخير المالك بين أخذ الموجود وبين القيمة (ومن شج رجلا) : أي جرحه في رأسه (فاستوعبت الشجة ما بين قرنيه) أي طرفي رأسه (وهي) إذا أريد استيفاؤها (لا تستوعب ما بين قرني الشاج) لكون رأسه أكبر من رأس المشجوج (فالمشجوج بالخيار: إن شاء اقتص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 بمقدار شجته، يبتدئ من أي الجانبين شاء، وإن شاء أخذ الأرش، ولا قصاص في اللسان، ولا في الذكر، إلا أن تقطع الحشفة، وإذا اصطلح القاتل وأولياء المقتول على مالٍ سقط القصاص، ووجب المال، قليلاً كان أو كثيراً،   بمقدار الشجة يبتدئ من أي الجانبين شاء، وإن شاء أخذ الأرش) ، لأن في استيفائه ما بين قرني الشاج زيادة على ما فعل، وفي استيفائه قدر حقه لا يلحق الشاج من الشين ما لحقه فينتقص حقه، فيخير كما في اليد الشلاء. (ولا قصاص في اللسان، ولا في الذكر) ولو القطع من أصلهما، قال في الهداية: وعن أبي يوسف أنه إذا قطع من أصله يجب، لأنه يمكن اعتبار المساواة ولنا أنه ينقبض وينبسط فلا يمكن اعتبار المساواة. اهـ، ومثله في شرح جمال الإسلام ثم قال: والصحيح ظاهر الرواية كما في التصحيح (إلا أن تقطع الحشفة) ، لأن موضع القطع معلوم كالمفصل، ولو قطع بعض الحشفة أو بعض الذكر فلا قصاص فيه، لأن البعض لا يعلم مقداره، بخلاف الأذن إذا قطع كله أو بعضه، لأنه لا ينقبض ولا ينبسط، وله حد يعرف، فيمكن اعتبار المساواة، والشفة إن استقصاها بالقطع يجب القصاص، لإمكان اعتبار المساواة، بخلاف ما إذا قطع بعضها لأنه يتعذر اعتبارها، هداية. (وإذا اصطلح القاتل وأولياء المقتول على مال) معلوم (سقط القصاص ووجب المال) المصالح عليه (قليلا كان) المال (أو كثيرا) لأنه حق ثابت للورثة يجري فيه الإسقاط عفواً، فكذا تعويضاً، لاشتماله على إحسان الأولياء وإحياء القاتل فيجوز بالتراضي، والقليل والكثير فيه سواء، لأنه ليس لهم فيه نص مقدر، فيفوض إلى اصطلاحهما كالخلع وغيره، وإن لم يذكروا حالا ولا مؤجلا فهو حال، كما في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 فإن عفا أحد الشركاء أو صالح من نصيبه على عوضٍ، سقط حق الباقين من القصاص، وكان لهم نصيبهم من الدية، وإذا قتل جماعةٌ واحداً عمداً اقتص من جميعهم، وإذا قتل واحدٌ جماعةً فحضر أولياء المقتولين قتل بجماعتهم، ولا شيء لهم غير ذلك، فإن حضر واحدٌ قتل له وسقط حق الباقين، ومن وجب عليه القصاص فمات سقط القصاص،   الهداية. (فإن عفا أحد الشركاء أو صالح من نصيبه على عوض سقط حق الباقين من القصاص؛ وكان لهم نصيبهم من الدية) في مال القاتل في ثلاث سنين، لا على العاقلة، ووقع في المختار ومجمع البحرين (وتجب بقيتها على العاقلة) وهذا ليس من مذهب علمائنا، ولا أعلمه قولا لأحد مطلقا، كذا في التصحيح. (وإذا قتل جماعة واحداً اقتص من جميعهم) ، لقول عمر رضي الله عنه (ولو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم) ولأن القصاص مزجرة السفاء، فيجب تحقيقا لحكمة الإحياء، وفي التصحيح: قال في الفوائد: وتشترط المباشرة من الكل بأن جرح كل واحد جرحا ساريا، اهـ. وهذا إذا كان القتل عمداً، وأما إذا كان خطأ فالواجب عليهم دية واحدة (وإذا قتل واحد جماعة) عمداً (فحضر أولياء المقتولين) جميعهم (قتل بجماعتهم) اكتفاء به (ولا شيء لهم غير ذلك) لأنهم اجتمعوا على قتله، وزهوق الروح لا يتبعض، فصار كل واحد مستوفياً جميع حقه (فإن حضر واحد) من الأولياء (قتل له) : أي للولي الحاضر، وفي بعض النسخ (به) أي بسببه (وسقط حق الباقين) ، لأن حقهم من القصاص، وقد فات، فصار كما إذا مات القاتل. (ومن وجب عليه القصاص فمات سقط القصاص) ، لفوات محل الاستيفاء] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 وإذا قطع رجلان يد رجلٍ فلا قصاص على واحدٍ منهما، وعليها نصف الدية، وإن قطع واحدٌ يميني رجلين فحضرا، فلها أن يقطعا يده، ويأخذا منه نصف الدية، ويقتسمانه نصفين، وإن حضر واحدٌ منهما فقطع يده فللآخر عليه نصف الدية، وإذا أقر العبد بقتل العمد لزمه القود، ومن رمي رجلاً عمداً فنفذ السهم منه إلى آخر فماتا، فعليه القصاص للأول، والدية للثاني على عاقلته.   (وإذا قطع رجلان يد رجل واحد) أو رجله أو قلعا سنه أو نحو ذلك مما دون النفس (فلا قصاص على واحد منهما) لأن كل واحد منهما قاطع بعض اليد لأن الانقطاع حصل باعتمادها، والمحل متجزئ؛ فيضاف إلى كل واحد منهما البعض فلا مماثلة، بخلاف النفس، لأن الانزهاق لا يتجزأ (و) يجب (عليهما نصف الدية) بالسوية؛ لأنها دية اليد الواحدة (وإن قطع واحد يميني رجلين فحضرا فلهما أن يقطعا يده ويأخذا منه نصف الدية ويقتسمانه) بينهما (نصفين) سواء قطعهما معاً أو على التعاقب، لأنهما استويا في سبب الاستحقاق فيستويان في حكمه كالغريمين في التركة (وإن حضر واحد منهما فقطع يده فللآخر عليه نصف الدية) لأن للحاضر أن يستوفي، لثبوت حقه، فإذا استوفى لم يبق محل لاستيفاء الآخر؛ فيتعين حقه في الدية لأن حقه لا يسقط إلا بالعوض أو العفو. (وإذا أقر العبد بقتل العمد لزمه القود) لأنه لا تهمة في إقراره بالعقوبة على نفسه، بخلاف المال. (ومن رمى رجلاً عمداً فنفذ السهم منه إلى آخر فماتا فعليه القصاص للأول) لأنه عمد (و) عليه (الدية للثاني على عاقلته) لأنه أحد نوعي الخطأ فكأنه رمى صيداً فأصاب آدميا، والفعل يتعدد بتعدد الأثر كما في الهداية] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 كتاب الديات. - إذا قتل رجل رجلاً شبه عمدٍ فعلى عاقلته ديةٌ مغلظةٌ، وعليه كفارةٌ، ودية شبه العمد عند أبي حنيفة وأبي يوسف مائةٌ من الإبل أرباعاً: خمسٌ وعشرون بنت مخاضٍ، وخمسٌ وعشرون بنت لبونٍ، وخمسٌ وعشرون حقةٌ، وخمسٌ وعشرون جذعةً، ولا يثبت التغليظ إلا في الإبل خاصة، فإن قضي بالدية من غير الإبل لم تتغلظ،   كتاب الديات مناسبتها للجنايات وتأخيرها عنها ظاهر. والديات جمع دية؛ وهي في الشرع: اسم للمال الذي هو بدل النفس، لا تسمية للمفعول بالمصدر؛ لأنه من المنقولات الشرعة، والأرش: اسم للواجب فيما دون النفس، كما في الدر. (إذا قتل رجل رجلا شبه عمد) كما تقدم (فعلى عاقلته دية مغلظة، وعليه) أيضاً (كفارة) وسيأتي أنها عتق رقبة مؤمنة، وإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين (ودية شبه العمد) المعبر عنها بالغلظة (عند أبي حنيفة وأبي يوسف مائة من الإبل أرباعاً) وهي (خمس وعشرون بنت مخاض) وتقدم في الزكاة أنها التي طعنت في السنة الثانية (وخمس وعشرون بنت لبون) وهي التي طعنت في الثالثة (وخمس وعشرون حقة) وهي التي طعنت في الرابعة (وخمس وعشرون جذعة) وهي التي طعنت في الخامسة وقال محمد: ثلاثون جذعة، وثلاثون حقة، وأربعون ثنية، كلها خلفات في بطونها أولادها، قال الإسبيجاني: والصحيح قول الإمام، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما كما في التصحيح (ولا يثبت التغليظ إلا في الإبل خاصة) لأن التوقيف فيه (فإن قضى بالدية من غير الإبل لم تتغلظ) لأنه باب المقدرات، فيقف على التوقيف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 وقتل الخطأ تجب به الدية على العاقلة، والكفارة على القاتل، والدية في الخطأ مائةٌ من الإبل أخماساً: عشرون بنت مخاضٍ، وعشرون ابن مخاضٍ، وعشرون بنت لبونٍ، وعشرون حقةً، وعشرون جذعةً، ومن العين ألف دينارٍ، ومن الورق عشرة آلاف درهمٍ، ولا تثبت الدية إلا من هذه الأنواع الثلاثة عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: من البقر مائتا بقرةٍ، ومن الغنم ألفا شاةٍ، ومن الحلل مائتا حلة، كل حلةٍ ثوبانٍ،   (وقتل الخطأ تجب به الدية على العاقلة، والكفارة على القاتل) ؛ لما بينا أول الجنايات. (والدية في الخطأ) غير مغلظة، وهي (مائة من الإبل أخماساً: عشون بنت مخاض، وعشرون ابن مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة) ، لأنها أليق بحالة الخطأ، لأن الخاطئ معذور. (و) الدية (من العين) : أي الذهب (ألف دينار، ومن الورق) : أي الفضة (عشرة آلاف درهم) وزن سبعة. (ولا تثبت الدية إلا من هذه الأنواع الثلاثة) المذكورة (عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد) : تثبت أيضا (من البقر مائتا بقرة، ومن الغنم ألفا شاة، ومن الحلل مائتا حلة كل حلة ثوبان) ؛ لأن عمر رضي الله هكذا جعل على أهل كل مال منها، قال جمال الإسلام في شرحه: الصحيح قول أبي حنيفة، واختاره البرهاني والنسفي وغيرهما، تصحيح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 ودية المسلم والذمي سواءٌ، وفي النفس الدية، وفي المارن الدية، وفي اللسان الدية، وفي الذكر الدية، وفي العقل إذا ضرب رأسه فذهب عقله الدية،   (ودية المسلم والذمي سواء) ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار) وبه قضى أبو بكر وعمر كما في الدرر، ولا دية للمستأمن، هو الصحيح، وأما المرأة فديتها نصف الدية كما في الجوهرة. (وفي النفس الدية) والمراد نفس الحر، يستوي فيه الصغير والكبير، والوضيع والشريف، والمسلم والذمي، لاستوائهم في الحرمة والعصمة وكمال الأحوال في الأحكام الدنيوية، اختيار. (وفي المارن) وهو ملان من الألف، ويسمى الأرنبة (الدية) ، لفوات منقعة الجمال، والأصل: أن كل ما يفوت به جنس المنفعة تجب به دية كاملة، لأن البدن يصير هالكا بالنسبة إلى تلك المنفعة، ولو قطع من القصبة لا يزاد على دية واحدة، لأنه عضو واحد. (وفي اللسان) الفصيح إذا منع النطق أو أداء الحروف (الدية) قيدنا بالفصيح لأن في لسان الأخرس حكومة عدل، وبمنع النطق أو أداء أكثر الحروف لأنه إذا منع أقلها قسمت الدية على عدد حروف الهجاء الثمانية والعشرين، أو حروف اللسان، تصحيحان: فما أصاب الفائت بلزمه كما في الدر، وتمامه في شرح الوهبانية (وفي الذكر) الصحيح (الدية) أما ذكر العنين والخصي والخنثى ففيه حكومة (وفي العقل إذا ضرب رأسه فذهب) منه (عقله الدية) ، لأنه بذهاب العقل تتلف منفعة الأعضاء، فصار كتلف النفس؛ وكذا إذا ذهب سمعه أو بصره أو شمه أو ذوقه أو كلامه، كما في الجوهرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 وفي اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية، وفي شعر الرأس الدية، وفي الحاجبين الدية، وفي العينين الدية، وفغي اليدين الدية، وفي الرجلين الدية، وفي الأذنين الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الأنثيين الدية، وفي ثديي المرأة الدية، وفي كل واحدٍ من هذه الأشياء نصف الدية، وفي أشفار العينين الدية، وفي أحدها ربع الدية، وفي كل إصبعٍ من أصبع اليدين   (وفي اللحية) من الرجل (إذا حلقت فلم تنبت الدية) أما لحية المرأة فلا شيء فيها، لأنها نقص، وفي شرح الإسبيجاني: قال الفقيه أبو جعفر الهنداوني: هذا إذا كانت اللحية كاملة يتجمل بها، فإن كانت طاقات متفرقة لا يتجمل بها فلا شيء فيها، فإن كانت غير متفرقة إلا أنه لا يقع بها جمال كامل ففيها حكومة عدل اهـ. وفي الهداية: وفي الشارب حكومة عدل، وهو الصحيح. اهـ. (وفي شعر الرأس) من الرجل والمرأة إذا حلقه أو نتفه ولم ينبت (الدية، وفي الحاجبين) كذلك (الدية، وفي العينين الدية، وفي اليدين الدية، وفي الرجلين الدية، وفي الأذنين الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الأنثيين) : أي الخصيتين (الدية، وفي ثديي المرأة) وحلمتيها (الدية) أي دية المرأة. قيد بالمرأة لأن في ثديي الرجل حكومة كما في الجوهرة (وفي كل واحد من هذه الأشياء) المزدوجة (نصف الدية) ؛ لأن تفويت الاثنين منها تفويت جنس المنفعة أو كمال الجمال فيجب كمال الدية، وفي أحدهما تفويت النصف فيجب نصف الدية. (وفي أشفار العينين) الأربعة إذا لم تنبت (الدية) وفي الاثنين منها نصف الدية (وفي أحدها ربع الدية) ، لما بينا (وفي كل إصبع من أصابع اليدين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 والرجلين عشر الدية، والأصابع كلها سواءٌ، وكل إصبعٍ فيها ثلاثة مفاصل، ففي أحدها ثلث دية الإصبع، وما فيها مفصلان ففهي أحدهما نصف دية الإصبع، وفي كل سنٍ خمسٌ من الإبل، والأسنان والأضراس كلها سواءٌ، ومن ضرب عضواً فأذهب منفعته ففيه ديةٌ كاملةٌ، كما لو قطعه، كاليد إذا شلت، والعين إذا ذهب ضوءها.   والرجلين عشر الدية) لقوله صلى الله عليه وسلم (في كل إصبع عشر من الإبل) (والأصابع كلها) أي صغيرها وكبيرها (سواء) لاستوائها في المنفعة (وكل إصبع فيها ثلاث مفاصل ففي أحدها) أي أحد المفاصل (ثلث دية الإصبع) ؛ لأنه ثلثها (وما فيها مفصلان ففي أحدها نصف دية الإصبع) ؛ لأنه نصفها، توزيعاً للبدل على المبدل (وفي كل سن) من الرجل نصف عشر الدية، وهي (خمس من الإبل) أو خمسون ديناراً، أو خمسمائة درهم، وحينئذ تزيد دية الأسنان كلها على دية النفس بثلاثة أخماسها، لأنها في الغالب اثنان وثلاثون: عشون ضرساٍ، وأربعة أنياب؛ وأربعة ثنايا، وأربعة ضواحك، ولا بأس في ذلك، لثبوته بالنص على خلاف القياس كما في الغاية؛ وفي العناية: وليس في البدن ما يجب بتفويته أكثر من قدر الدية سوى الأسنان. اهـ. قيدنا بسن الرجل لأن دية سن المرأة نصف دية سن الرجل، كما في الجوهرة (والأسنان والأضراس كلها سواء) لاستوائها في المعنى، لأن الطواحن وإن كان فيها منفعة الطحن ففي الضواحك زينة تساوي ذلك كما في الجوهرة. (ومن ضرب عضواً فأذهب منفعته ففيه دية كاملة) أي دية ذلك العضو وإن بقي قائما، ويصير (كما لو قطعه) وذلك (كاليد إذا شلت والعين إذا ذهب ضوءها) ، لأن المقصود من العضو منفعته، فذهاب منفعته كذهاب عينه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 والشجاج عشرةٌ: الحارصة، والدامعة، والدامية، والباضعة، والمتلاحمة، والسمحاق، والموضحة، والهاشمة، والمنقلة، والآمة، ففي الموضحة القصاص إن كانت عمداً.   (الشجاج) وهو: ما يكون في الوجه والرأس من الجراحة (عشرة) وهي (الحارصة) بمهملات - وهي: التي تحرص الجلد: أي تخدشه (والدامعة) بمهملات أيضا - وهي: التي تظهر الدم كالدمع ولا تسيله (والدامية) وهي: التي تسيل الدم (والباضعة) وهي: التي تبضع اللحم: أي تقطعه (والمتلاحمة) وهي: التي تأخذ في اللحم ولا تبلغ السمحاق (والسمحاق) وهي: التي: تصل السمحاق، وهي جلدة رقيقة بين اللحم وعظم الرأس (والموضحة) وهي التي توضح العظم: أي تظهره (والهاشمة) وهي: التي تهشم العظم: أي تكسره (والمنقلة) وهي: التي تنقل العظم عن موضعه بعد كسره (والآمة) وهي: التي تصل إلى أم الدماغ، وهي الجلدة التي فيها الدماغ، وبعدها الدامغة - بغين معجمة - وهي التي تخرج الدماغ، ولم يذكرها محمد للموت بعدها عادة فتكون قتلا، لا شجاجا، فعلم بالاستقراء بحسب الآثار أنها لا تزيد على العشرة؛ در. (ففي الموضحة القصاص إن كانت) الشجة (عمداً) ، لإمكان المماثلة فيها بالقطع إلى العظم فيتساويان؛ ثم ما فوقها لا قصاص فيه بالإجماع، لتعذر المماثلة؛ وأما ما قبلها ففيه خلاف: روى الحسن عن أبي حنيفة لا قصاص فيها، وذكر محمد في الأصل - وهي ظاهر الرواية - أن فيه القصاص إلا في السمحاق فإنه لا قصاص فيه إجماعاً، لتعذر المماثلة، إذ لا يمكن أن ينشق حتى ينتهي إلى جلدة رقيقة فوق العظم، بخلاف ما قبلها، لإمكانه بعمل حديدة بقدر ذلك وتنفذ في اللحم إلى آخرها فيستوفي منه كما في الجوهرة، ومثله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 ولا قصاص في بقية الشجاج، وما دون الموضحة ففيه حكومة عدلٍ، وفي الموضحة إن كانت خطأ نصف عشر الدية، وفي الهاشمة عشر الدية، وفي المنقلة عشر ونصف عشر الدية، وفي الآمة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، فإن نفذت فهي جائفتان ففيها ثلثا الدية. وفي أصابع اليد نصف الدية.   في الهداية وشرح الإسبيجاني. (ولا قصاص في بقية الشجاج) هذا بعمومه إنما هو رواية الحسن عن أبي حنيفة، وأما على ذكره محمد في الأصل فمحمول على ما فوق الموضحة، جوهرة. ثم ما لا قصاص فيه يستوي فيه العمد والخطأ (وما دون الموضحة) من الستة السابقة (ففيه حكومة عدل) وهي كما قال الطحاوي: أن يقوم مملوكا بغير هذا الأثر، ثم معه، فقدر التفاوت بين الثمنين يجب بحسابه من دية الحر، فإن كان نصف عشر الثمنين وجب نصف عشر الدية، وهكذا، وبه يفتى، كما في الدر تبعاً للوقاية والنقاية والمتلقي والخانية وغيرها. (و) يجب (في الموضحة إن كانت خطأ نصف عشر الدية) وذلك من الدراهم خمسمائة درهم في الرجل، ومائتان وخمسون في المرأة، وهي على العاقلة، ولا تعقل العاقلة ما دونها كما يأتي (وفي الهاشمة عشر الدية، وفي المنقلة عشر ونصف عشر الدية، وفي الآمة ثلث الدية، وفي الجائفة) وهي من الجراحة لا من الشجاج وهي التي تصل إلى الجوف (ثلث الدية) أيضاً، لأنها بمنزلة الآمة، وكل ذلك ثبت بالحديث (فإن نفذت) الجائفة (فهي جائفتان، ففيها ثلثا الدية) في كل جائفة ثلثها، كما قضى بذلك أبو بكر رضي الله عنه. (و) يحب (في) قطع (أصابع اليد) كلها (نصف الدية) لأن في كل إصبع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 وإن قطعها مع الكف ففيها نصف الدية، وإن قطعها مع نصف الساعد، ففي الكف نصف الدية، وفي الزيادة حكومة عدلٍ، وفي الإصبع الزائدة حكومة عدلٍ، وفي عين الصبي وذكره ولسانه إذا لم تعلم صحته حكومة عدلٍ، ومن شج رجلاً موضحةً فذهب عقله أو شعر رأسه دخل أرش الموضحة في الدية، وإن ذهب سمعه أو بصره أو كلامه فعليه أرش الموضحة مع الدية، ومن قطع إصبع رجلٍ فشلت   عشر الدية كما مر. (و) كذا الحكم (إن قطعها مع الكف ففيها) أي الأصابع مع الكف (نصف الدية) ، لأن الكف تبع للأصابع (وإن قطعها) : أي الأصابع (مع نصف الساعد ففي الكف نصف الدية، وفي الزيادة حكومة عدل) قال جمال الإسلام: وهذا قول أبي حنيفة ومحمد؛ وعند أبي يوسف لا يجب فيهما إلا أرش اليد والصحيح قولهما، واعتمده المحبوبي والنسفي، تصحيح (و) يجب (في الإصبع الزائدة حكومة عدل) تشريفاً للآدي، لأنها جزء من يده لكن لا منفعة فيها ولا زينة، وكذا السن الزائدة، جوهرة (و) كذا (في عين الصبي وذكره ولسانه إذا لم تعلم صحته) : أي صحة ذلك العضو بنظر في العين وحركة في الذكر وكلام في اللسان (حكومة عدل) : لأن منفعته غير معلومة (ومن شج رجل موضحة فذهب) بسببها (عقله أو شعر رأسه) كله فلم ينبت (دخل أرش الموضحة في الدية) ، لدخول الجزء في الكل، كمن قطع إصبعا فشلت اليد. قيدنا بالكل لأنه إذا تناثر بعضه ينظر إلى أرش الموضحة وإلى الحكومة في الشعر، فإن كانا سواء يجب أرش الموضحة، وإن كان أحدهما أكثر من الآخر دخل الأقل في الأكثر، كما في الجوهرة (وإن ذهب) بسببها (سمعه أو بصره أو كلامه فعليه أرش الموضحة مع الدية) ولا يدخل فيها، لأنه كأعضاء مختلفة، بخلاف العقل، لعود نفعه للكل (ومن قطع إصبع رجل فشلت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 أخرى إلى جنبها ففيهما الأرش ولا قصاص فيه عند أبي حنيفة، ومن قلع سن رجلٍ فنبتت مكانها أخرى سقط الأرش، ومن شج رجلاً فالتحمت لم يبق لها أثرٌ ونبت الشعر سقط الأرش عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: عليه أرش الألم، وقال محمدٌ: عليه أجرة الطبيب، ومن جرح رجلا جراحةً لم يقتص منه حتى يبرأ،   أخرى إلى جنبها ففيهما الأرش، ولا قصاص فيه عند أبي حنيفة) وعندهما عليه القصاص في الأولى، والأرش في الأخرى، قال الإسبيجاني: والصحيح قول أبي حنيفة، وعليه مشى البرهاني والنسفي وغيرهما، تصحيح (ومن قلع سن رجل فنبتت مكانها أخرى سقط الأرش) لأن حقه قد أنجبر بعود المنفعة والزينة (ومن شج رجلا فالتحمت) الشجة (ولم يبق لها أثر ونبت الشعر) كعادته (سقط الأرش عند أبي حنيفة) ؛ لزوال الشين الموجب له؛ ولم يبق سوى مجرد الألم؛ وهو لا يوجب الأرش (وقال أبو يوسف: عليه أرش الألم) وهي حكومة عدل؛ هداية (وقال محمد: عليه أجرة الطبيب) وثمن الدواء؛ لأنه إنما لزمه ذلك من فعله؛ وفي الدر عن شرح الطحاوي: فسر قول أبي يوسف أرش الألم بأجرة الطبيب وثمن الدواء؛ فعليه لا حلاف بينهما، اهـ. وفي التصحيح: وعلى قول الإمام اعتمد الأئمة المحبوبي والنسفي وغيرهما؛ لكن قال في العيون: لا يجب عليع شيء قياساً. وقالا: يستحسن أن تجب عليه حكومة عدل مثل أجرة الطبيب وثمن الدواء؛ وهكذا كل جراحة برئت، زجراً للجناية وجبراً للضرر، اهـ. (ومن جرح رجلا جراحة لم يقتص منه) حالاً؛ بل (حتى يبرأ) منه؛ لأن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 ومن قطع يد رجلٍ خطأ، ثم قتله قبل البرء، فعليه الدية وسقط أرش اليد. وكل عمدٍ سقط فيه القصاص بشبهةٍ فالدية في مال القاتل، وكل أرش وجب بالصلح فهو في مال القاتل. وإذا قتل الأب ابنه عمداً فالدية في ماله ثلاث سنين.   الجرح معتبر بما يؤول إليه، لاحتمال السراية إلى النفس فيظهر أنه قتل، وإنما يستقر الأمر بالبرء. (ومن قطع يد رجل خطأ ثم قتله) خطأ أيضا (قبل البرء) منها (فعليه اليدة وسقط أرش اليد) ، لاتحاد جنس الجناية. وهذه ثمانية مسائل؛ لأن القطع إما عمد أو خطأ، والقتل كذلك، فصارت أربعة، ثم إما أن يكون بينهما برء أو لا، صارت ثمانية، فإن كان كل منهما عمدا وبرئ بينهما يقتص بالقطع ثم بالقتل، وإن لم يبرأ فكذلك عند الإمام خلافاً لهما، وإن كان كل منهما خطأ فإن برئ بينهما أخذ بهما: فيجب دية النفس واليد، وإن لم يبرأ بينهما كفت دية القتل، وهي مسألة الكتاب، وإن قطع عمداً ثم قتل خطأ أو بالعكس - سواء برئ بينهما أو لم يبرأ - أخذ بهما؛ لاختلاف الجنايتين، وتمامه في صدر الشريعة. (وكل عمد سقط فيه القصاص بشبهة) ككون القاتل أبا، أو من له القصاص ولداً للجاني، أو كان في القاتلين صغير، أو عفا أحد الأولياء (فالدية في مال القاتل) في ثلاث سنين (وكل أرش وجب بالصلح فهو في مال القاتل) أيضا، وتجب حالا، لأنه استحق بالعقد، وما يستحق بالعقد فهو حال إلا إذا اشترط فيه الأجل كأثمان المبيعات كما في الجوهرة. (وإذا قتل الأب ابنه عمداً فالدية في ماله في ثلاث سنين) وكذا لو شاركه في قتله أجنبي فالدية عليهما، وسقط عنه القصاص، وإذا اشترك عامدان في قتل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 وكل جناية اعترف بها الجاني فهي في ماله، ولا يصدق على عاقلته وعمد الصبي والمجنون خطأ، وفيه الدية على العاقلة. ومن حفر بئراً في طريق المسلمين، أو وضع حجراً، فتلف بذلك إنسانٌ فديته على عاقلته، وإن تلف فيه بهيمةٌ فضمانها في ماله، وإن أشرع في الطريق روشناً أو ميزاباً فسقط على إنسانٍ فعطب فالدية على عاقلته،   رجل فعفي عن أحدهما فالمشهور أن الآخر يجب عليه القصاص، وعن أبي يوسف لا قصاص عليه، لأنه لما سقط عن أحدهما صار كأن جميع النفس مستوفاة بفعله، كذا في الكرخي، جوهرة. (وكل جناية اعترف بها الجاني فهي في ماله، ولا يصدق على عاقلته) ويجب حالا، لأنه التزمه بإقراره. (وعمد الصبي والمجنون خطأ) ، لأنه ليس لهما قصد صحيح؛ ولذا لم يأثما (و) يجب (فيه الدية على العاقلة) ولا يحرم الميراث، لأنه للعقوبة، وهما ليسا من أهل العقوبة. (ومن حفر بئرا في طريق المسلمين أو وضع حجراً) أو خشبة أو تربا (فتلف بذلك إنسان فديته على عاقلته) ، لوجوبها بتسببه (وإن تلف فيها بهيمة فضمانها في ماله) لأنه ضمان مال، وضمان المال لا تحمله العاقلة (وإن أشرع) : أي أخرج (في الطريق روشنا) كظلة وجزع وممر علو (أو ميزابا) أو نحو ذلك (فسقط على إنسان فعطب) : أي هلك (فالدية على عاقلته) ، لوجوبها بتسببه، هذا إن أصابه الطرف الخارج؛ أما لو أصابه الطرف الداخل الذي هو في حائطه فلا ضمان عليه، لعدم تعديه، لأنه موضوع في ملكه، وإن أصابه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 ولا كفارة على حافر البئر وواضع الحجر، ومن حفر بئراً في ملكه فعطب به إنسانٌ لم يضمن، والراكب ضامنٌ لما وطئت الدابة، وما أصابت بيدها أو كدمت، ولا يضمن ما نفخت برجلها أو ذنبها، فإن   الطرفان جميعا ضمن النصف، وإن لم يعلم أي الطرفين أصابه فالقياس أن لا يضمن للشك، وفي الاستحسان يضمن النصف كما في الجوهرة، ثم هو جائز إن لم يضر بالعامة، ولكل واحد من أهل الخصومة منعه ومطالبته بقضه إذا بنى لنفسه من غير إذن الإمام، وإن بنى للمسلمين كمسجد ونحوه أو بإذن الإمام لا ينقض، وأما إذا كان يضر بالعامة فلا يجوز مطلقاً، والجلوس في الطريق للبيع والشراء على هذا، وهذا كله في الطريق العام، أما غير النافذ فلا يجوز إحداث شيء فيه مطلقاً إلا بإذنهم، لأنه بمنزلة الملك الخاص بهم (ولا كفارة على حافر البئر وواضع الحجر) ، لأنها تتعلق بحقيقة القتل، والمتسبب ليس بقاتل حقيقة؛ لأنه قد يقع بعد موته، ويستحيل أن يكون الميت قاتلاً، ولا يحرم الميراث؛ لما بينا كما مر (ومن حفر بئراً في ملكه فعطب بها إنسان لم يضمن) ؛ لأنه غير متعدٍ في فعله؛ فلا يلزمه ضمان ما تولد منه. (والراكب) في طريق العامة (ضامن لما وطئت الدابة وما أصابت بيدها) أو رجلها أو صدمته برأسها (أو كدمت) : أي عضت بفمها؛ لإمكان التحرز عنه (ولا يضمن ما نفخت) : أي ضربت (برجلها أو ذنبها) والأصل: أن المرور في طريق المسلمين مباح، لكنه مقيد بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه، دون مالا يمكن؛ لما فيه من المنع من التصرف وسد بابه، والاحتراز عن الوطء وما يضاهيه ممكن، فإنه ليس من ضرورات التسيير، فقيد بشرط السلامة عنه، والنفخة بالرجل والذنب ليس يمكنه الاحتراز عنه فلم يتقيد به كما في الهداية (فإن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 راثت أو بالت في الطريق فعطب به إنسانٌ لم يضمن، والسائق ضامن لما أصابت بيدها أو برجلها، والقائد ضامنٌ لما أصابت بيدها دون رجلها، ومن قاد قطاراً فهو ضامن لما وطئ، فإن كان معه سائقٌ فالضمان عليهما؛   راثت) الدابة (أو بالت في الطريق) وهي تسير (فعطب به إنسان لم يضمن) لأنه من ضرورات السير؛ فلا يمكنه الاحتراز عنه، وكذا إذا أوقفها لذلك، لأن من الدواب م لا يفعل ذلك إلا بالإيقاف، وإن أوقفها لغير ذلك فعطب إنسان بروثها أو بولها ضمن؛ لأنه متعد في هذا الإيقاف، لأنه ليس من ضرورات السير، هداية (والسائق) للدابة (ضامن لما أصابت بيدها أو رجلها، والقائد) لها (ضامن لما أصابت بيدها دون رجلها) قال الزاهدي في شرحه وصاحب الهداية فيها وفي محموع النوازل: هكذا ذكره القدوري في مختصره، وبذلك أخذ بعض المشايخ، وأكثر المشايخ على أن السائق لا يضمن النفخة لأنه لا يمكنه دفعها عنها، وإن كانت ترى منه، وهو الأصح، تصحيح. وقال في الهداية: وفي الجامع: وكل شيء ضمنه الراكب يضمنه السائق والقائد، لأنهما متسببان بمباشرتهما شرط التلف وهو تقريب الدابة إلى مكان الجناية فيتقيد بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه كالراكب، إلا أن على الراكب الكفارة فيما وطئت ولا كفارة عليهما، وتمامه فيها (ومن قاد قطاراً فهو ضامن لما وطئ) ، لأن عليه حفظه كالسائق فيصير متعديا بالتقصير فيه، والتسبب بوصف التعدي سبب الضمان، إلا أن ضمان النفس على العاقلة وضمان المال في ماله كما في الهداية (فإن كان معه) : أي مع القائد (سائق فالضمان عليهما) لاشتراكهما في ذلك، لأن قائد الواحد قائد للكل، وكذا السائق لاتصاله الأزمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 وإذا جنى العبد جنايةً خطأً قيل لمولاه: إما أن تدفعه بها أو تفديه، فإن دفعه ملكه ولي الجناية، وإن فداه فداه بأرشها، فإن عاد فجنى كان حكم الجناية الثانية حكم الأولى، فإن جنى جنايتين قيل للمولى: إما أن تدفعه إلي ولي الجنايتين يقتسمان على قدر حقيهما، وإما أن تفديه بأرش كل واحدةٍ منهما،   (وإذا جنى العبد جناية خطأ) على حر أو عبد، في النفس وما دونها، قل أرشها أو كثر (قيل لمولاه) : أنت بالخيار (إما أن تدفعه بها) ، إلى ولي الجناية (أو تفديه) بأرشها حالا. قيد بالخطأ لأنه في العمد يجب عليه القصاص، وإنما يفيد في النفس فقط، وأما فيما دونها فلا يفيد، لاستواء خطئه وعمده فيما دونها (فإن دفعه) مولاه بها (ملكه ولي الجناية) ولا شيء له غيره (وإن فداه فداه بأرشها) وكل ذلك يلزمه حالا، أما الأول فلأن التأجيل في الأعيان باطل، وأما الثاني فلأنه جعل بدلا عن العبد فقام مقامه وأخذ حكمه، وأيهما اختاره وفعله لا شيء لولي الجناية سواه، فإن لم يختر شيئاً حتى مات العبد بطل حق المحني عليه، لفوات محل حقه، وإن مات بعدما اختار الفداء لم يبرأ، لتحول الحق إلى ذمة المولى كما في الهداية (فإن عاد) العبد (فجنى) جناية أخرى بعدما فداه المولى (كان حكم اتلجناية الثانية حكم الأولى) ، لأنه لما خرج من الجناية الأولى صار كأنه لم يجن غير الجناية الثانية (فإن جنى جنايتين) متواليتين: أي من غير تخلل فدائه (قيل للمولى) : أنت بالخيار (إما أن تدفعه إلى ولي الجنايتين يقتسمانه) بينهما (على قدر حقيهما) من أرش جنايتهما، (وإما أن تفديه بأرش كل واحدة منهما) : أي الجنايتين، لأن تعلق الأولى برقبته لا يمنع تعلق الثانية بها كالديون المتلاحقة، ألا يرى أن ملك المولى لم يمنع تعلق الجناية برقبته، فحق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 وإن أعتقه المولى، وهو لا يعلم بالجناية، ضمن الأقل من قيمتها ومن أرشها، وإن باعه المولى أو أعتقه بعد العلم بالجناية وجب عليه الأرش، وإذا جنى المدبر أو أم الولد جنايةً خطأ ضمن المولى الأقل من قيمته ومن أرشها، فإن جنى أخرى وقد دفع المولى القيمة إلى ولي الأولى بقضاء فلا شيء عليه ويتبع ولي   ولي الجناية الأولى أولى أن لا يمنع كما في الهداية. (وإن أعتقه المولى) أو باعه أو وهبه أو دبره أو استولدها (وهو لا يعلم بالجناية ضمن الأقل من قيمته ومن أرشها) ، لأنه لما لم يعلم لم يكن مختاراً للفداء، إذ لا اختيار بدون علم، إلا أنه استهلك رقبة تعلق بها حق ولي الجناية فلزمه الضمان، وإنما لزمه الأقل لأن الأرش إن كان أقل فليس عليه سواه، وإن كانت القيمة أقل لم يكن متلفاً سواها (وإن باعه المولى أو أعتقه) أو تصرف به تصرفا يمنعه عن الدفع مما ذكرنا قبله (بعد العلم بالجناية وجب عليه الأرش) فقط، لأنه لما تصرف به تصرفا منعه من الدفع بالجناية بعد علمه بها صار مختاراً للفداء لأن المخير بين شيئين إذا فعل ما يمنع من اختيار أحدهما تعين الآخر عليه (وإذا جنى المدبر أو أم الولد جناية) خطأ (ضمن المولى الأقل من قيمته) : أي المدبر أو أم الولد، وذلك في أم الولد ثلث قيمتها، وفي المدبر الثلثان، وتعتبر القيمة يوم الجناية لا يوم التدبير الاستيلاد (ومن أرشها) : أي الجناية؛ لأنه صار مانعاً بذلك للدفع من غير اختيار، فصار كما لو أعتق العبد قبل العلم بالجناية (فإن جنى) المدبر أو أم الولد جناية (أخرى وقد) كان (دفع المولى القيمة إلى) الولي (الأول بقضاء) من القاضي (فلا شيء عليه) سواها، لأنه لم يتلف إلا قيمة واحدة وقد أجبر على دفعها (و) لكن (يتبع ولي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 الجناية الثانية ولي الجناية الأولى فيشاركه فيما أخذ، وإن كان المولى دفع القيمة بغير قضاء فالولي بالخيار: إن شاء اتبع المولى، وإن شاء اتبع ولي الجناية الأولى. وإذا مال الحائط إلى طريق المسلمين فطولب صاحبه بنقضه وأشهد عليه فلم ينقض في مدةٍ يقدر على نقضه حتى سقط ضمن ما تلف به من نفسٍ أو مال.   الجناية الثانية ولي الجناية الأولى فيشاركه فيما أخذ) ، لأنه قبض ما تعلق به حقه، فصار بمنزلة الوصي إذا دفع التركة إلى الغرماء ثم ظهر غريم آخر (وإن كان المولى دفع القيمة) إلى ولي الجناية الأولى (بغير قضاء فالولي) أي ولي الجناية الثانية (بالخيار: إن شاء اتبع المولى) ، لدفعه ما تعلق به حقه إلى الغير باختياره ثم يرجع المولى على الأول (وإن شاء اتبع ولي الجناية الأولى) لأنه قبض حقه ظلماً، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: لا شيء على المولى؛ سواء دفع بقضاء أو بدونه لأنه دفع إلى الأول ولا حق للثاني، فلم يكن متعديا بالدفع، ولأبي حنيفة أن الجنايات استند ضمانها إلى التدبير الذي صار به المولى مانعاً؛ فكأنه دبر بعد الجنايات، فيتعلق حق جماعتهم بالقيمة، فإذا دفعها بقضاء فقد زالت يده عنها بغير اختياره؛ فلا يلزمه ضمانها، وإن دفعها بغير قضاء فقد سلم إلى الأول ما تعلق به حق الثاني باختياره، فللثاني أن يضمن أيهما شاء. (وإذا مال الحائط إلى طريق المسلمين فطولب صاحبه بنقضه وأشهد عليه) بذلك (فلم ينقض) الحائط (في مدة يقدر) فيها (على نقضه حتى سقط) الحائط (ضمن ما تلف به من نفس أو مال) إلا أن ما تلف به من النفوس فعلى العاقلة، ومن الأموال فعليه. قيد بالطلب لأنه لو لم يطالب حتى تلف إنسان أو مال لم يضمن، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 ويستوي أن يطالبه بنقضه مسلمٌ أو ذميٌ، وإن مال إلى دار رجلٍ؛ فالمطالبة إلى مالك الدار خاصةً، وإذا اصطدم فارسان فماتا، فعلى عاقلة كل واحدٍ منهما دية الآخر، وإذا قتل رجلٌ عبداً خطأ فعليه قيمته لا يزاد على عشرة   وهذا إذا كان بناؤه ابتداء مستويا، لأنه بناه في ملكه فلك يكن متعديا، والميل حصل بغير فعله، بخلاف ما إذا بناه مائلا من الابتداء، فإنه يضمن ما تلف بسقوطه، سواء طولب أو لا، لتعديه بالبناء، وقيد بصاحبه - أي مالكه - لأنه لو طولب غيره كالمرتهن والمستأجر والمستعير كان باطلا، ولا يلزمهم شيء؛ لأنهم لا يملكون نقضه كما في الجوهرة. (ويستوي) في الطلب (أن يطالبه بنقضه) أحد من أهل الخصومة (مسلم أو ذمي) أو مكاتب، وكذا الصغير والرقيق المأذون لهما؛ لاستوائهم في حق المرور (وإن مال) الحائط (إلى دار رجل فالمطالبة إلى مالك الدار خاصة) ؛ لأن الحق له خاصة، وإن كان فيهم سكان فلهم أن يطالبوه، سواء كانوا بإجارة أو إعارة. (وإذا اصطدم فارسان) حران خطأ (فماتا) منه (فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر) ؛ لأن قتل كل واحد منهما مضاف إلى فعل الآخر. قيدنا بالحرين لأنهما لو كانا عبدين فهما هدر سواء كان خطأ أو عمداً، أما الأول فلأن الجنايات تعلقت برقبة كل منهما دفعاً وفداء، وقد فات بغير فعل المولى، وأما الثاني فلأن كل واحد منهما هلك بعدما جنى فيسقط. وقيدنا بالخطأ لأنه لو كان عامدين ضمن كل واحد منهما نصف الدية، لأن فعل كل واحد منهما محظور، وأضيف التلف إلى فعلهما كما في الاختيار. (وإذا قتل رجل عبداً خطأ فعليه قيمته) لكن (لا يزاد) بها (على عشرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 آلاف درهمٍ، فإن كانت قيمته عشرة آلافٍ أو أكثر، قضى عليه بعشرة آلافٍ إلا عشرةً، وفي الأمة إذا زادت قيمتها على الدية خمسة آلافٍ إلى عشرةٍ، وفي يد العبد نصف القيمة، لا يزاد على خمسة آلافٍ إلا خمسة.   آلاف درهم) ؛ لأنها جناية على آدمي فلا تزاد على دية الحر؛ لأن المعاني التي في العبد موجودة في الحر، وفي الحر زيادة الحرية؛ فإذا لم يجب فيه أكثر فلأن لا يجب في العبد مع نقصانه أولى. (فإن كانت قيمته عشرة آلاف) درهم (فأكثر قضي عليه بعشرة آلاف إلا عشرة) إظهاراً لانحطاط رتبته (وفي الأمة إذا زادت قيمتها على الدية) أي دية المرأة الحرة (خمسة آلاف إلى عشرة) اعتباراً بالحرية، فإن ديتها على النصف من الرجل، وينقص العشرة إظهاراً لانحطاط الرق كما في العبد، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: تجب القيمة بالغة ما بلغت، قال في التصحيح: وعلى قول أبي حنيفة ومحمد اعتمد الأئمة البرهاني والنسفي والموصلي وغيرهم، وقال الزاهدي: وما وقع في بعض نسخ المختصر (وفي الأمة خمسة آلاف إلا خمسة) غير ظاهر الرواية، وفي عامة الأصول والشروح التي ظفرت بها (إلا عشرة) وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يجب خمسة آلاف إلا خمسة، والصحيح ما ذكرناه، وفي الينابيع: والرواية المشهورة هي الأولى، وهي الصحيحة في النسخ، اهـ. (وفي يد العبد) إذا قطعت (نصف قيمته) لكن (لا يزاد) فيها (على خمسة آلاف) درهم (إلا خمسة) ؛ لأن اليد من الآدمي نصفه، فيعتبر بكله، فينقص هذا القدر إظهاراً لانحطاط رتبته، هداية، لكن قال في التصحيح: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 وكل ما يقدر من دية الحر فهو مقدرٌ من قيمة العبد. وإذا ضرب بطن امرأةٍ فألقت جنيناً ميتاً فعليه غرةٌ، وهي نصف عشر الدية، فإن ألقته حياً ثم مات فعليه ديةٌ كاملةٌ، وإن ألقته ميتاً ثم ماتت الأم فعليه ديةٌ وغرةٌ، وإن ماتت الأم ثم ألقته ميتاً فعليه ديةٌ في الأم، ولا شئ في الجنين، وما يجب في الجنين موروثٌ عنه،   المذكور في الكتاب رواية عن محمد، والصحيح تجب القيمة بالغة ما بلغت، اهـ. (وكل ما يقدر من دية الحر فهو مقجدر من قيمة العبد) فما وجب فيه في الحر نصف الدية مثلا ففيه من العبد نصف القيمة، وهكذا؛ لأن القيمة في العبد كالدية في الحر، لأنه بدل الدم، ثم الجناية في العبد فيما دون النفس على الجاني في ماله، لأنه أجري مجرى ضمان الأموال، وفي النفس على العاقلة عند أبي حنيفة ومحمد، خلافاً لأبي يوسف كما في الجوهرة. (وإذا ضرب) رجل (بطن امرأة فألقت جنيناً) حراً (ميتاً فعليه) : أي الضارب، وتتحمله عاقلته (غرة) في سنة واحدة (وهي نصف عشر الدية) : أي دية الرجل لو الجنين ذكراً، وعشر دية المرأة لو أنثى، وكل منهما خمسمائة درهم (فإن ألقته حياً ثم مات فعليه دية كاملة) ، لأنه أتلف حياً بالضرب السابق (وإن ألقته ميتاً ثم ماتت الأم فعليه دية) للأم (وغرة) للجنين، لما تقرر أن الفعل يتعدد بتعدد أثره، وصرح في الذخيرة بتعدد الغرة لو ميتين فأكثر كما في الدر (وإن ماتت الأم) أولا (ثم ألقته ميتاً فعليه دية في الأم) فقط (ولا شيء في الجنين) ، لأن موت الأم سبب لموته ظاهراً فأحيل إليه، وإن ألقته حياً ومات فعليه ديتان (وما يجب في الجنين) من الغرة أو الدية (موروث عنه) لورثته؛ لأنه بدل نفسه، والبدل عن المقتول لورثته، إلا أن الضارب إذا كان من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 وفي جنين الأمة إذا كان ذكراً نصف عشر قيمته لو كان حياً، وعشر قيمته إن كان أنثى، ولا كفارة في الجنين. والكفارة في شبه العمد والخطأ: عتق رقبةٍ مؤمنةٍ، فإن لم يوجد فصيام شهرين متتابعين، ولا يجزئ فيها الإطعام. باب القسامة   الورثة لا يرث، لأن القاتل لا يرث. قيد بالمرأة لأن في الجنين البهيمة ما نقصت الأم إن نقصت، وإلا فلا يجب شيء، وقيدنا بالحر لما ذكره بقوله (وفي جنين الأمة) حيث كان رقيقاً (إذا كان ذكراً نصف عشر قيمته لو كان حياً، وعشر قيمته إن كان أنثى) ، لما مر أن دية الرقيق قيمته، وإنما قلنا (حيث كان رقيقاً) لأنه لا يلزم من رقية الأم رقية الجنين، فالعالق من السيد أو المغرور حر وفيه الغرة، وإن كانت أمه رقيقة كما في الدر عن الزيلعي (ولا كفارة في الجنين) وجوبا، بل ندبا، در عن الزيلعي، لأنها إنما تجب في القتل، والجنين لا تعلم حياته. (والكفارة) الواجبة (في شبه العمد والخطأ: عتق رقبة مؤمنة) لقوله تعالى: {فتحرير رقبة مؤمنة} الآية (فإن لم بجد) ما يعتقه (فصيام شهرين متتابعين) بهذا ورد النص (ولا يجزئ فيها الإطعام) لأنه لم يرد به نص، والمقادير تعرف بالتوقيف، وإثبات الأبدال بالرأي لا يجوز، ويجزئه عتق رضيع أحد أبويه مسلم، لأنه مسلم به، والظاهر سلامة أطرافه، ولا يجزئه ما في البطن، لأنه لم تعرف حياته ولا سلامته كما في الهداية. باب القسامة هي لغة: بمعنى القسم، وهو اليمين مطلقاً، وشرعا: اليمين بعدد مخصوص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 - وإذا وجد القتيل في محلةٍ ولا يعلم من قتله استحلف خمسون رجلاً منهم يتخيرهم الولي: بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً؛ فإذا حلفوا قضي على أهل المحلة بالدية، ولا يستحلف الولي، ولا يقضى له بالجناية.   وسبب مخصوص على وجه مخصوص، كما بينه بقوله: (وإذا وجد القتيل في محلة ولا يعلم من قتله استحلف خمسون رجلا منهم) أي: من أهل المحلة (يتخيرهم الولي) ؛ لأن اليمين حقه، والظاهر أنه يختار من يتهمه بالقتل أو الصالحين منهم لتباعدهم عن اليمين الكاذبة فيظهر القاتل (بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا) أي: يحلف كل واحد منهم بالله ما قتلته ولا علمت له قاتلا. (فإذا حلفوا قضي على أهل المحلة بالدية) في مالهم إن كانت الدعوى بالعمد، وعلى عواقلهم إن كان بالخطأ كما في شرح المجمع معزياً للذخيرة والخانية، ونقل ابن كمال عن المبسوط أن في ظاهر الرواية القسامة على أهل المحلة، والدية على عواقلهم في ثلاث سنين، وكذا قيمة القن تؤخذ في ثلاث سنين، شر نبلانية كذا في الدر. (ولا يستحلف الولي) وإن كان من أهل المحلة، لأنه غير مشروع (ولا يقضى له) أي للولي (بالجناية) بيمينه، لأن اليمن شرعت للدفع، لا للاستحقاق، وإنما وجهت الدية بالقتل الموجود منهم ظاهراً لوجود القتيل بين أظهرهم، أو بتقصيرهم في النمحافظة كما في قتل الخطأ والقسامة لم تشرع لتجب الدية إذا نكلوا، وإنما شرعت ليظهر القصاص بتحرزهم عن اليمين الكاذبة فيقرون بالقتل، فإذا حلفوا حصلت البراءة عن القصاص، وثبتت الدية لئلا يهدر دمه، ثم من نكل منهم حبس حتى يحلف، لأن اليمين فيه مستحقة لذاتها تعظيماً لأمر الدم، ولهذا يجمع بينه وبين الدية، بخلاف النكول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 وإن لم يكمل أهل المحلة كررت الأيمان عليم حتى يتم خمسون، ولا يدخل في القسامة صبيٌ ولا مجنونٌ ولا امرأةٌ ولا عبدٌ، وإن وجد ميتٌ لا أثر به فلا قسامة ولا دية، وكذلك إن كان الدم يسيل من أنفه أو من دبره أو من فمه، فإن كان يخرج من عينيه أو من أذنه فهو قتيلٌ.   في الأموال، لأن الحلف فيها بدلٌ عن أصل حقه، ولهذا يسقط ببذل المدعى به، وهذا لا يسقط ببذل الدية، كما في الدرر. (وإن لم يكمل أهل المحلة) خمسين رجلا (كررت الأيمان عليهم حتى يتم خمسون) يمينا؛ لأنها واجبة بالسنة، فيجب إتمامها ما أمكن، ولا يطلب فيه الوقوف على الفائدة لثبوتها بالسنة، فإن كان العدد كاملا فأراد الولي أن يكرر على أحدهم فليس له ذلك لأن المصير إلى التكرار ضرورة عدم الإكمال، هداية. (ولا يدخل في القسامة صبي ولا مجنون) ؛ لأنهما ليسا من أهل القول الصحيح، (ولا امرأة ولا عبد) لأنهما ليسا من أهل النصرة، واليمين على أهلها. (وإن وجد) في المحلة (ميت لا أثر به) من جراحة أو أثر ضرب أو خنق، (فلا قسامة) فيه (ولا دية) لأنه ليس بقتيل، إذ القتيل في العرف من فاتت حياته بسبب مباشرة الحي، وهذا ميت حتف أنفه حيث لا أثر يستدل به على كونه قتيلا. (وكذلك) الحكم (إذا كان الدم يسيل من أنفه أو من دبره) أو قبله (أو من فمه) لأن الدم يخرج منها عادة بلا فعل أحد (وإن كان) الدم (يخرج من عينه أو من أذنه فهو قتيل) ، لأنه لا يخرج منها إلا بفعل من جهة الحي عادة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 وإذا وجد القتيل على دابةٍ يسوقها رجلٌ فالدية على عاقلته دون أهل المحلة، وإن وجد القتيل في دار إنسانٍ فالقسامة عليه والدية على عاقلته، ولا يدخل السكان في القسامة مع الملاك عند أبي حنيفة، وهي على أهل الخطة دون المشترين،   (وإذا وجد القتيل على دابة يسوقها رجل ف) القسامة عليه، و (الدية على عاقلته دون أهل المحلة) لأنه في يده، فصار كما إذا صار في داره، وكذا إذا كان قائدها أو راكبها؛ فإن اجتمعوا فعليهم؛ لأن القتيل في أيديهم، فصار كما إذا وجد في دارهم هداية. وفي القهستاني: ثم من المشايخ من قال: إن هذا أعم من أن يكون للدابة مالك معروف أو لم يكن؛ ومنه إطلاق الكتاب، ومنهم من قال: إن كان لها مالك فعليه القسامة والدية، ثم قال: وإنما قال: (يسوقها رجل) إشارة إلى أنه لو لم يكن معها أحد كانت على أهل المحلة كما في الذخيرة، اهـ (وإن وجد القتيل في دار إنسان فالقسامة عليه) ، لأن الدار في يده (والدية على عاقلته) لأن نصرته منهم وقوته بهم. (ولا يدخل السكان في القسامة مع الملاك عند أبي حنيفة) وهو قول محمد، وذلك لأن المالك هو المختص بنصرة البقعة دون السكان، لأن سكنى الملاك ألزم وقرارهم أدوم، فكانت ولاية التدبير إليهم، فيتحقق التقصير منهم، وقال أبو يوسف: هي عليهم جميعاً، لأن ولاية التدبير تكون بالسكنى كما تكون بالملك (وهي) أي القسامة (على أهل الخطة) وهي: ما اختط للبناء، والمراد ما خطه الإمام حين فتح البلدة وقسمها بين الغانمين (دون المشترين) منهم؛ لأن صاحب الخطة هو الأصيل، والمشتري دخيل، وولاية التدبير خلصت للأصيل، فلا يزاحمهم الدخيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 ولو بقي منهم واحدٌ، وإن وجد القتيل في سفينةٍ فالقسامة على من فيها من الركاب والملاحين، وإن وجد القتيل في مسجد محلةٍ فالقسامة على أهلها، وإن وجد في الجامع أو الشارع الأعظم فلا قسامة فيه، والدية على بيت المال، وإن وجد في بريةٍ ليس بقربها عمارةٌ فهو هدرٌ وإن وجد بين قريتين كان على أقربهما،   (ولو بقي منهم) أي من أهل الخطة (واحد) لما قلنا، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد أيضاً، وقال أبو يوسف: الكل مشتركون، لأن الضمان إنما يجب بترك الحفظ ممن له ولاية الحفظ، والولاية باعتبار الملك، وقد استووا فيه، قال في التصحيح: وعلى قول أبي حنيفة ومحمد مشى الأئمة منهم البرهاني والنسفي وغيرهما، اهـ، وإن باعوا كلهم كانت على المشترين اتفاقاً، لأن الولاية انتقلت إليهم، لزوال من يتقدمهم كما في الهداية. (وإن وجد القتيل في سفينة فالقسامة على من) كان (فيها من الركاب والملاحين) ؛ لأنهم في أيديهم، وكذا العجلة، وذلك لأن كلا منهما ينقل ويحول فيعتبر فيها اليد دون الملك كالدابة، بخلاف المحلة والدار. (وإن وجد القتيل في مسجد محلة فالقسامة على أهلها) ؛ لأن تدبيره عليهم، لأنهم أخص به (وإن وجد في) المسجد (الجامع أو الشارع) : أي الطريق (الأعظم فلا قسامة فيه) ، لأنه لا يختص به أحد دون غيره (والدية على بيت المال) ، لأنه معد لنوائب المسلمين (وإن وجد في برية ليس بقربها عمارة) بحيث يسمع منها الصوت (فهو هدر) ، لأنه إذا كان بهذه الحالة لا يلحقه الغوث من غيره، فلا يوصف بالتقصير، وهذا إذا لم تكن مملوكة لأحد، فإن كانت مملوكة لأحد فالقسامة عليه. (وإن وجد بين قريتين كان) كل من القسامة والدية (على أقربهما) إليه، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 وإن وجد في وسط الفرات يمر به الماء فهو هدر، فإن كان محتبساً بالشاطئ فهو على أقرب القرى من ذلك المكان، وإن ادعى الولي على واحدٍ من أهل المحلة بعينه لم تسقط القسامة عنهم، وإن ادعي على واحدٍ من غيرهم سقطت عنهم القسامة،   قال في الهداية، قيل: هذا محمول على ما إذا كانت بحيث يبلغ أهله الصوت؛ لأنه إذا كان بهذه الصفة يلحقه الغوث فيمكنهم النصرة وقد قصروا، اهـ. (وإن وجد في وسط) نهر (الفرات) ونحوه من الأنهار العظام التي ليست بمملوكة لأحد (يمر به الماء فهو هدر) ؛ لأنه ليس في يد أحد ولا في ملكه (فإن كان) القتيل (محتبسا بالشاطئ) : أي جانب النهر (فهو على أقرب القرى من ذلك المكان) إذا كانوا يسمعون الصوت، لأنهم أخص بنصرة هذا الموضع، فهو كالموضوع على الشط، والشط في يد من هو أقرب إليه، لأنه موردهم ومورد دوابهم. قيدنا بالنهر العظيم الذي لا ملك فيه، لأن النهر المملوك الذي تستحق به الشفعة تكون فيه القسامة، والدية على أهله، لأنه في أيديهم، لقيام ملكهم كما في الهداية. (وإن ادعى الولي على واحد من أهل المحلة بعينه لم تسقط القسامة عنهم) ، لأنه لم يتجاوزهم بالدعوى، وتعيينه واحداً منهم لا ينافي (وإن ادعى على واحد من غيرهم سقطت عنهم) ، لدعواه أن القاتل ليس منهم، وهم إنما يغرمون إذا كان القاتل منهم، لكونهم قتلةً تقديراً حيث لم يأخذوا على يد الظالم، ولأنهم لا يغرمون بمجرد ظهور القتيل بين أظهرهم، بل بدعوة الولي، فإذا ادعى على غيرهم امتنع دعواه عليهم، قال جمال الإسلام: وعن أبي حنيفة ومحمد أن القسامة تسقط في الوجه الأول أيضاً، والصحيح الأول، تصحيح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 وإذا قال المستحلف "قتله فلانٌ" استحلف بالله ما قتلت ولا عرفت له قاتلاً غير فلان. وإذا شهد اثنان من أهل المحلة على رجلٍ من غيرهم أنه قتله لم تقبل شهادتهما. كتاب المعاقل - الدية في شبه العمد والخطأ، وكل ديةٍ وجبت بنفس القتل على   (وإذا قال المستحلف) بالبناء المجهول (1) يريد أنه اسم مفعول. (قتله فلان) لم يقبل قوله، لأنه يريد إسقاط الخصومة عن نفسه. و (استحلف بالله ما قتلت ولا عرفت له قاتلا غير فلان) ؛ لأنه لما أقر بالقتل على واحد صار مستثنى عن اليمين، فبقي حكم من سواه فيحلف عليه. (وإذا شهد إثنان من أهل المحلة) التي وجد فيها القتيل (على رجل) منهم أو (من غيرهم أنه قتله لم تقبل شهادتهما) لوجود التهمة في دفع القسامة والدية عنهما، وهذا عند أبي حنيفة، وقال: تقبل؛ لأنهم كانوا بعرضية أن يصيروا خصماء، وقد بطلت بدعوى الولي القتل على غيرهم، فتقبل شهادتهم؛ كالوكيل بالخصومة إذا عزل قبل الخصومة، قال جمال الإسلام في شرحه: والصحيح قول الإمام، وعليه اعتمد المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح. كتاب المعاقل جمع معقلة - بفتح الميم، وضم القاف - بمعنى العقل: أي الدية، سميت به لأنها تعقل الدماء من أن تسفك، ومن العقل، لأنه يمنع القبائح، درر. (الدية في شبه العمد والخطأ، وكل دية وجبت بنفس القتل) واجبة (على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 العاقلة، والعاقلة: أهل الديوان إن كان القاتل من أهل الديوان، يؤخذ من عطاياهم في ثلاث سنين.   العاقلة) لأن الخاطئ معذور، وكذا الذي تولى شبه العمد نظراً إلى الآلة، وفي إيجاب مال عظيم إجحافه واستئصاله، فيضم إليه العاقلة تخفيفاً عليه، وإنما خصوا بالضم لأنهم أنصاره وقوته؛ واحترز بالواجبة بنفس القتل عما وجبت بالشبهة كالواجبة بقتل الأب ابنه أو الإقرار والصلح، فإن هناك الواجب القصاص، لكنه سقط لحرمة الأبوة فوجبت الدية صيانة للدم عن الهدر، لا بنفس القتل، وفي الإقرار والصلح وجبت بهما لا بالقتل كما في المستصفى (والعاقلة أهل الديوان وهم الجيش الذين كتبت أساميهم في الديوان، وهو جريدة الحساب؛ وهو معرب، والأصل دوان فأبدل من أحد المضعفين ياء للتخفيف، ولهذا يرد في الجمع إلى أصله، فيقال: دواوين، ويقال: إن عمر رضي الله عنه أول من دون الدواوين في العرب: أي رتب الجرائد للعمال كما في المصباح (إن كان القاتل من أهل الديوان) لقضية عمر رضي الله عنه، فإنه لما دون الدواوين جعل العقل على أهل الديوان بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم من غير نكير منهم، فكان إجماعاً، وليس ذلك بنسخ، بل هو تقرير معنى، لأن العقل كان على أهل النصرة، وقد كانت بأنواع: بالقرابة، والحلف، والولاء، والعقد، وفي عهد عمر رضي الله عنه قد صارت بالديوان، فجعلها على أهله اتباعا للمعنى، ولهذا قالوا: لو كان اليوم قوم تناصرهم بالحرف فعاقلتهم أهل الحرفة كما في الهداية (يؤخذ) ذلك (من عطاياهم) جمع عطاء، وهو اسم لما يخرج للجندي من بيت المال في السنة مرة أو مرتين، والرزق: ما يخرج لهم في كل شهر، وقيل: يوما بيوم، جوهرة؛ لأن إيجابها فيما هو صلة - وهو العطاء - أولى من إيجابها في أصول أموالهم، لأنها أخف، وما تحملت العاقلة إلا للتخفيف، وتؤخذ (في ثلاث سنين) من وقت القضاء بها، والتقدير بذلك مرويٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومحكي عن عمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 فإن خرجت العطايا في أكثر من ثلاث سنين أو أقل أخذت منها، ومن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته، تقسط عليهم في ثلاث سنين، لا يزاد الواحد على أربعة دراهم في كل سنةٍ وينقص منها، فإن لم تتسع القبيلة لذلك ضم إليهم أقرب القبائل من غيرهم؛ ويدخل القاتل مع العاقلة، فيكون فيما يؤدي مثل أحدهم، وعاقلة المعتق قبيلة مولاه، ومولى الموالاة يعقل عنه مولاه وقبيلته،   رضي الله عنه، هداية] . (فإن خرجت العطايا في أكثر من ثلاث سنين أو أقل أخذت منها) ، لحصول المقصود؛ وهو التفريق على العطايا (ومن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته) ؛ لأن نصرته بهم (تقسط عليهم) أيضاً (في ثلاث سنين) في كل سنة ثلثها (لا يزاد الواحد) منهم (على أربعة دراهم في كل سنة) إذا قلت العاقلة (وينقص منها) إذا كثرت، قال في الهداية: وهذا إشارة إلى أنه يزاد على أربعة من جميع الدية، وقد نص محمد على أنه لا يزاد على كل واحد من جميع الدية في ثلاث سنين على ثلاثة أو أربعة، فلا يؤخذ من كل واحد في كل سنة إلا درهم وثلث، وهو الأصح. اهـ. ومثله في شرح الزاهدي (فإن لم تتسع القبيلة لذلك) التوزيع (ضم إليهم أقرب القبائل) إليهم نسباً (من غيرهم) ويضم الأقرب فالأقرب على ترتيب العصبات (ويدخل القاتل مع العاقلة فيكون فيما يؤدي مثل أحدهم) لأنه هو الفاعل؛ فلا معنى لإخراجه ومؤاخذة غيره. (وعاقلة المعتق قبيلة مولاه) ، لأن النصرة بهم، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إن مولى القوم منهم) (ومولى الموالاة يعقل عنه مولاه) الذي والاه (وقبيلته) : أي قبيلة مولاه، لأنه ولاء يتناصر به فأشبه ولاء العتاقة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 ولا تتحمل العاقلة أقل من نصف عشر الدية، وتتحمل نصف العشر فصاعداً، وما نقص من ذلك فهو في مال الجاني، ولا تعقل العاقلة جناية العبد، ولا تعقل الجناية التي اعترف بها الجاني إلا أن يصدقوه، ولا تعقل ما لزم بالصلح. وإذا جنى الحر على العبد جنايةً خطأً كانت على عاقلته.   (ولا تتحمل العاقلة أقل من نصف عشر الدية) ، لأن تحمل العاقلة للتحرز عن الإجحاف بالجاني بتحمل المال العظيم، فإذا كان خفيفاً فلا إجحاف عليه بتحمله (وتتحمل نصف العشر فصاعداً) قال في الهداية: والأصل فيه حديث ابن عباس رضي الله عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تعقل العواقل عمداً ولا عبداً ولا صلحاً ولا اعترافاً ولا مادون أرش الموضحة) وأرش الموضحة نصف عشر مال النفس، ولأن التحمل للتحرز عن الإجحاف، ولا إجحاف في القليل، وإنما هو في الكثير؛ والتقدير الفاصل عرف بالسمع. اهـ (وما نقص من ذلك) : أي من نصف العشر (فهو في مال الجاني) دون العاقلة، لما بينا (ولا تعقل العاقلة جناية العبد) على الحر أو غيره، وإنما هي رقبته، والمولى مخير بين دفعه بالجناية أو فدائه بأرشها كما مر (ولا تعقل الجناية التي اعترف بها الجاني) على نفسه، لأن إقراره قاصر على نفسه، فلا يتعدى إلى العاقلة (إلا أن يصدقوه) لثبوته بتصادقهم، والامتناع كان لحقهم، ولهم ولاية على أنفسهم (ولا تعقل) أيضاً (ما لزم بالصلح) عن دم العمد، لأن الواجب فيه القصاص، فإذا صالح عنه كان بدله في ماله. (وإذا جنى الحر على العبد جناية خطأ كانت) الدية (على عاقلته) : أي عاقلة الجاني، لأنه فداء النفس، وأما ما دون النفس من العبد فلا تتحمله العاقلة، لأنه يسلك به مسلك الأموال، هداية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 كتاب الحدود - الزنا يثبت بالبينة والإقرار. فالبينة: أن تشهد أربعةٌ من الشهود على رجلٍ أو امرأةٍ بالزنا،   وإذا لم يكن للقاتل عاقلة فالدية في بيت المال في ظاهر الرواية، وعليه الفتوى، درر وبزازية، وعن أبي حنيفة رواية شاذة أن الدية في ماله، ووجهه أن الأصل أن تجب الدية على القاتل؛ لأنه بدل متلف، والإتلاف منه، إلا أن العاقلة تتحملها تحقيقاً للتخفيف على ما مر، فإذا لم تكن له عاقلة عاد الحكم إلى الأصل، هداية. كتاب الحدود وجه المناسبة بين الحدود والجنايات وتوابعها من القصاص وغيره ظاهر من حيث اشتمال كل منهما على المحظور والزاجر عنه. والحدود: جمع حد، وهو لغة: المنع، ومن الحداد للبواب، وفي الشريعة هو: العقوبة المقدرة حقاً لله تعالى، حتى لا يسمى القصاص حداً، لما أنه حق للعبد، ولا التعزير لعدم التقدير. والمقصد الأصلي من شرعه الانزجار عما يتضرر به العباد، والطهرة ليست فيه أصلية، بدليل شرعه في حق الكافر كما في الهداية. (الزنا يثبت بالبينة والإقرار) لأن البينة دليل ظاهر، وكذا الإقرار، ولاسيما فيما يتعلق بثبوته مضرة ومعرة، والوصول إلى العلم الحقيقي متعذر، فيكتفي بالظاهر، (فالبينة: أن تشهد أربعة من الشهود) لرجال الأحرار العدول في مجلس واحد (على رجل أو امرأة بالزنا) متعلق بتشهد، لأنه الدال على الفعل الحرام، دون الوطء والجماع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 فيسألهم الإمام عن الزنا ما هو؟ وكيف هو؟ وأين زنى؟ وبمن زنى؟ ومتى زنى؟ فإذا بينوا ذلك وقالوا: رأيناه وطئها في فرجها كالميل في المكحلة، وسأل القاضي عنهم، فعدلوا في السر والعلانية، حكم بشهادتهم. والإقرار: أن يقر البالغ العاقل على نفسه بالزنا، أربع مراتٍ، في أربعة مجالس من مجالس المقر، كلما أقر رده القاضي،   أو غيره، وإلا لم يحد الشاهد ولا المشهود عليه كما في النهاية (فيسألهم الإمام) بعد الشهادة (عن الزنا ما هو) فإنه قد يطلق على كل وطء حرام، وأطلقه الشارع على غير هذا الفعل نحو (العينان تزنيان) (وكيف هو) فإنه قد يطلق على مجرد تماس الفرجين وعلى ما يكون بالإكراه (وأين زنى) لاحتمال أنه في دار الحرب (وبمن زنى) ؛ لاحتمال أنها ممن تحل له؛ أو له فيها شبهة لا يعرفها الشهود (ومتى زنى) لاحتمال أن يكون متقادما، وكل ذلك يسقط الحد؛ فيستقصى ذلك احتيالا للدرء (فإذا بينوا ذلك) كله (وقالوا رأيناه وطئها) بذكره (في فرجها) بحيث صار فيه (كالميل في المكحلة) بضمتين، أو القلم في المحبرة (وسأل القاضي عنهم) : أي عن حالهم (فعدلوا في السر والعلانية) ، فلا يكتفى بظاهر العدالة هنا اتفاقاً، بخلاف سائر الحقوق كما في الهداية (حكم بشهادتهم) وجوبا لتوجه الحكم عليه، وترك الشهادة أولى مالم تتهتك فالشهادة أولى كما مر في النهر. (والإقرار: أن يقر البالغ العاقل) ؛ لأن قول الصبي والمجنون غير معتبر (على نفسه بالزنا أربع مرات في أربعة مجالس من مجالس المقر) لأن الإقرار قائم به، فيعتبر اتحاد مجلسه دون القاضي، قال في الينابيع: وقال بعضهم: يعتبر مجلس القاضي، والأول أصح (كلما أقر) مرة (رده القاضي) وزجره عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 فإذا أتم إقراره أربع مراتٍ سأله الإمام عن الزنا: ما هو؟ وكيف هو؟ وأين زنى؟ وبمن زنى؟ فإذا بين ذلك لزمه الحد. فإن كان الزاني محصناً رجمه بالحجارة حتى يموت، يخرجه إلى أرض فضاء، يبتدئ الشهود برجمه، ثم الإمام، ثم الناس، فإن امتنع الشهود من الابتداء سقط الحد.   إقراره، وأظهر كراهته لذلك، وأمر بتنحيته عنه وطرده بحيث لا يراه، فإن عاد ثالثاً فعل به كذلك (فإذا تم إقراره أربع مرات) على ما بينا (سأله القاضي عن الزنا: ما هو؟ وكيف هو؟ وأين زنى؟ وبمن زنى؟) كما في الشهود، للاحتمالات المارة، قال في الهداية: ولم يذكر السؤال عن الزمان وذكره في الشهادة؛ لأن تقادم العهد يمنع الشهادة دون الإقرار، وقيل: لو سأله جاز، لجواز أنه زنى في صباه، اهـ (فإذا بين ذلك) كله (لزمه الحد) لتمام الحجة. (فإن كان الزاني محصناً رجمه) : أي أمر الإمام برجمه (بالحجارة حتى يموت) كما فعله صلى الله عليه وسلم (يخرجه إلى أرض فضاء) لأنه أمكن لرجمه؛ ولئلا يصيب بعضهم بعضاً، ولذا قالوا: يصفون لرجمه كصفوف الصلاة، وكلما رجم صف تنحوا وتقدم آخر، ولا يحفر للرجل ولا يربط، وأما المرأة فإن شاء الإمام حفر لها لأنه أستر مخافة التكشف، وإن شاء أقامها من غير حفر كالرجل؛ لأنه يتوقع منها الرجوع بالهرب كما في الجوهرة (يبتدئ الشهود برجمه) إن كان ثبوته بالبينة، امتحاناً لهم، لأن الشاهد قد يتجاسر على الأداء، ثم يستعظم المباشرة فيرجع، فكان في بدايته احتيال للدرء، (ثم الإمام) إن حضر تعظيما له، وحضوره ليس بلازم كما في الإيضاح (ثم الناس) الذين عاينوا أداء الشهادة أو أذن لهم القاضي بالرجم، وعن محمد: لا يسعهم أن يرجموه إذا لم يعاينوا أداء الشهادة، قهستاني (فإن امتنع الشهود من الابتداء) برجمه (سقط الحد) لأنه دلالة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 وإن كان مقراً ابتداء الإمام ثم الناس، ويغسل ويكفن ويصلى عليه وإن لم يكن محصناً وكان حراً فحده مائة جلدةٍ، يأمر الإمام بضربه بسوطٍ لا ثمرةً له ضرباً متوسطاً تنزع عنه ثيابه ويفرق الضرب على أعضائه إلا رأسه ووجهه وفرجه.   الرجوع، وكذا إذا غابوا أو ماتوا في ظاهر الرواية؛ لفوات الشرط، هداية. (وإن كان) الذي أريد رجمه (مقراً) على نفسه (ابتدأ الإمام ثم الناس) قال في الدر: ومقتضاه أنه لو امتنع لم يحل للقوم رجمه، وإن أمرهم، لفوت شرطه، فتح، لكن سيجئ أنه لو قال قاضٍ عدلٍ (قضيت على هذا بالرجم) وسعك رجمه وإن لم تعاين الحجة، اهـ. (ويغسل) المرجوم (ويكفن ويصلى عليه) لأنه قتل بحق، فلا يسقط الغسل كالمقتول قصاصاً، وصح أنه صلى الله عليه وسلم على الغامدية كما في الدر. (وإن لم يكن) الزاني (محصناً، وكان حراً فحده مائة جلدة) ، لقوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} إلا أنه انتسخ في حق المحصن، فبقي في حق غير معمولا به، هداية (يأمر الإمام بضربه بسوط لا ثمرة له) أي لا عقد في طرفه كما في الصحاح (ضرباً متوسطاً) بين المبرح وغير المؤلم، لإفضاء الأول إلى الهلاك، وخلو الثاني عن المقصود وهو الانزجار، و (تنزع عنه ثيابه) دون الإزار لستر عورته (ويفرق الضرب على أعضائه) ، لأن الجمع في عضو واحد قد يفضي إلى التلف (إلا رأسه) لأنه مجمع الحواس (ووجهه) لأنه مجمع المحاسن فلا يشوه (وفرجه) لأنه مقتل، قال في الهداية: ويضرب في الحدود كلها قائماً غير ممدود، لأن مبنى إقامة الحد على التشهير، والقيام أبلغ فيه، ثم قوله (غير ممدود) فقد قيل: المد أن يلقى على الأرض ويمد كما يفعل في زماننا، وقيل: أن يمد السوط فيرفعه الضارب فوق رأسه، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 وإن كان عبداً جلده خمسين كذلك. فإن رجع المقر عن إقراره قبل إقامة الحد عليه، أو في وسطه، قبل رجوعه وخلى سبيله. ويستحب للإمام أن يلقن المقر الرجوع، ويقول له: لعلك لمست أو قبلت. والرجل والمرأة في ذلك سواءٌ، غير أن المرأة لا تنزع عنها ثيابها إلا الفرو والحشو.   وقيل: أن يمده بعد الضرب، وذلك كله لا يفعل؛ لأنه زيادة على المستحق. اهـ. (وإن كان عبداً جلده خمسين) جلدة (كذلك) أي كما مر في جلد الحر؛ لأن الرق منصف للنعمة ومنقص للعقوبة. (فإن رجع المقر عن إقراره قبل إقامة الحد عليه أو في وسطه قبل رجوعه وخلى سبيله) ؛ لأن الرجوع خبر محتمل للصدق كإقرار، وليس أحد يكذبه، فتتحقق الشبهة في الإقرار، بخلاف ما فيه حق العبد كالقصاص وحد القذف، لوجود من يكذبه، ولا كذلك خالص حق الشرع، هداية. (ويستحب للإمام أن يلقن المقر الرجوع) عن إقراره (ويقول له: لعلك لمست أو قبلت) ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لماعز: (لعلك لمستها، أو قبلتها) قال في الأصل: وينبغي أن يقول له الإمام: لعلك تزوجتها، أو وطئتها بشبهة، وهذا قريب من الأول، هداية. (والرجل والمرأة في ذلك سواء) ، لأن النصوص تشملهما (غير أن المرأة لا تنزع عنها ثيابها) تحرزاً عن كشف العورة لأنها عورة (إلا الفرو والحشو) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 وإن حفر لها في الرجم جاز. ولا يقيم المولى الحد على عبده إلا بإذن الإمام. وإذا رجع أحد الشهود بعد الحكم وقبل الرجم ضربوا الحد وسقط الرجم، فإن رجع بعد الرجم حد الراجع وحده وضمن ربع الدية، وإن نقص عدد الشهود عن أربعة حدوا.   لأنهما يمنعان وصول الألم إلى المضروب، والستر حاصل بدونهما، وتضرب الحد جالسة لأنه أستر لها. (وإن حفر لها في الرجم جاز) وهو أحسن، لأنه أستر لها، وإن تركه لا يضر، لأنها مستورة بثيابها كما في الهداية. (ولا يقيم المولى الحد على عبده إلا بإذن الإمام) ، لأن الحد حق الله تعالى، لأن المقصد منه إخلاء العالم عن الفساد، ولهذا لا يسقط بإسقاط العبد، فيستوفيه من هو نائب عن الشرع، وهو الإمام أو نائبه كما في الهداية. (وإذا رجع أحد الشهود بعد الحكم وقبل الرجم ضربوا) أي الشهود كلهم الراجع والباقي (الحد) أي حد القذف، لصيرورتهم قذفه بنقصان العدد قبل إقامة الحد كما قبل الحكم (وسقط الرجم) عن المحكوم عليه، لنقصان العدد قبل إقامة الحد، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: يحد الراجع فقط، وعلى قولهما اعتمد الأئمة، تصحيح (فإن رجع) أحدهم (بعد الرجم حد الراجع وحده) ، لأن الشهادة تأكدت بإقامة الحد، والراجع صار قاذفاً في الحال بالشهادة السابقة (وضمن ربع الدية) ، لأن ربع النفس تلف بشهادته. (وإن نقص عدد الشهود عن أربعة حدوا) لأنهم قذفة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 وشرط إحصان الرجم: أن يكون حراً، بالغاً، عاقلاً، مسلماً، قد تزوج امرأة نكاحاً صحيحاً، ودخل بها وهما على صفة الإحصان. ولا يجمع في المحصن بين الجلد والرجم، ولا يجمع في البكر بين الجلد والنفي، إلا أن يرى الإمام ذلك مصلحةً فيغربه   (و) شرط (الإحصان: أن يكون حراً، بالغاً، عاقلاً، مسلماً، قد تزوج امرأة نكاحا صحيحاً ودخل بها وهما) أي الزوجان (على صفة الإحصان) قال في الهداية: فالعقل والبلوغ شرط لأهلية العقوبة؛ إذ لا خطاب دونهما، وماوراهما يشترط لتكامل الجناية بواسطة تكامل النعمة، إذ كفران النعمة يتغلظ عند تكثرها، وهذه الأشياء من جلائل النعم، وقد شرع الرجم بالزنا عند استجماعها فيناط به، ثم قال: والمعتبر في الدخول الإيلاج في القبل على وجه يوجب الغسل، وشرط صفة الإحصان فيهما عند الدخول حتى لو دخل بالمنكوحة الكافرة أو المملوكة أو المجنونة أو الصبية لا يكون محصنا، وكذا إذا كان الزوج موصوفا بإحدى هذه الصفات وهي حرة مسلمة عاقلة بالغة، وتمامه فيها. (ولا يجمع في المحصن بين الجلد والرجم) ، لأن الجلد يعرى عن المقصود مع الرجم، لأن زجر غيره يحصل بالرجم، إذ هو في العقوبة أقصاها، وزجره لا يحصل بعد هلاكه (ولا يجمع في البكر بين الجلد والنفي) ، لأنه زيادة على النص، والحديث منسوخ كشطره، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة (هذا الذي ذكره الشارح هو جزء من حديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن عبادة بن الصامت، وهو بتمامه: (خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام. والثيب بالثيب جلد مائة ورمي بالحجارة) والمراد بالبكر غير المحصن لأن من شرط الإحصان التزوج كما عرفت، والمراد بالثيب المحصن، وقد تضمن الحديث مسألتين: أولاهما أن حد الرجل المحصن والمرأة المحصنة أن يجلد كل واحد منهما مائة جلدة ثم يرجم، وقد أجمع الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في أشهر الروايات عنه أن حكم هذا الحديث في هذه المسألة منسوخ بما تظافرت رواياته من الأحاديث الناطقة بأنه صلى الله عليه وسلم لم يجمع على المحصن والمحصنة بين الجلد والرجم؛ فقد روى أهل الحديث أنه رجم ماعزا والغامدية ولم يجلدهما، ورووا أنه عليه الصلاة والسلام أمر في العسيف - بعد أن سأله عن الإحصان ولقنه الرجوع - برجمه فقال: اذهبوا به فارجموه) ولم يزد في صاحبته عن ذلك حيث قال (اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) ولو كان الجلد واجبا لقال (فإن اعترفت فاجلدها ثم ارجمها) وذهب أهل الظاهر إلى أنه يجمع بين الجلد والرجم في الثيب وهي رواية عن أحمد بن حنبل، وهم محجوجون بما ذكرنا. وأما المسألة الثانية التي تضمنها الحديث فهي أن حد الرجل غير المحصن والمرأة غير المحصنة أن يجلد كل واحد منهما مائة جلدة ويغرب عاما، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يجمع بين الجلد والتغريب حدا، وذهب الشافعي وأحمد والثوري والأوزاعي إلى أنه يجمع بينهما حدا، تمسكا بهذا الحديث. ولأن في بقاء الزاني والزانية ببلدهما إشاعة للفاحشة وفي تغريبهما حسما لمادة الزنا، لأن كلا منهما يغرب إلى بلد لا يعرفه فيها أحد أو يقل من يعرفه فيها، وأما أبو حنيفة وأصحابه فقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بالآية الكريمة: وهي قول الله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائسة جلدة} وجه الاستدلال من الآية على ما ذكرنا أنه سبحانه قد جعل كل الحد جلد كل واحد منها مائة جلدة، فلا تجوز الزيادة عليه، وأما الحديث الذي تمسك فيه الشافعي فهو منسوخ الحكم في هذه المسألة كما أنه منسوخ الحكم في المسألة الأولى بالإجماع من الطرفين، وأما استدلالهم بما ذكرنا عنهم من العلة فهو معارض بأن التغريب قد يكون فتحا لباب الزنا، وذلك لأن المرأة إذا تغربت ولا مادة لها فقد تتخذ الزنا مكسبة، وهذا أشنع وجوه الزنا، ويؤكد ذلك قول علي ابن أبي طالب: "كفى بالنفي فتنة" كما في الهداية (إلا أن يرى الإمام ذلك مصلحة فيغربه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 على قدر ما يراه.   على قدر ما يراه) من المصلحة، وذلك تعزيز وسياسة، لأنه قد يفيد في بعض الأحوال، فيكون الرأي فيه للإمام، وعليه يحمل النفي المروي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، هداية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 وإذا زنى المريض وحده الرجم رجم، وإن كان حده الجلد لم يجلد حتى يبرأ، وإذا زنت الحامل لم تحد حتى تضع حملها، فإن كان حدها الجلد فحتى تتعالى من نفاسها، وإذا كان حدها الرجم رجمت. وإذا شهد الشهود بحدٍ متقادمٍ لم يقطعهم عن إقامته بعدهم عن الإمام لم تقبل شهادتهم، إلا في حد القذف خاصةً.   (وإذا زنى المريض وحده) الواجب عليه (الرجم رجم) لأن الإتلاف مستحق، فلا يمتنع بسبب المرض (وإن كان حده الجلد لم يجلد حتى يبرأ) تحرزاً عن التلف (وإذا زنت الحامل) ووجب عليها الحد (لم تحد حتى تضع حملها) تحرزاً عن إهلاك الولد، لأنه نفس محتومة (فإن كان حدها الجلد فحتى تتعالى) أي ترتفع وتخرج (من نفاسها) ؛ لأنه نوع مرض فيؤخر إلى البرء (وإن كان حدها الرجم رجمت) بمجرد وضع الحمل، لأن التأخير لأجل الولد وقد انفصل، وعن أبي حنيفة أنها تؤخر إلى أن يستغني الولد عنها إذا لم يكن أحد يقوم بتربيته، لأن في التأخير صيانة الولد عن الضياع كما في الهداية. (وإذا شهد الشهود بحد متقادم لم يقطعهم عن إقامته بعدهم عن الإمام) أو مرضهم أو خوف طريقهم (لم تقبل شهادتهم) للتهمة، لأن التأخير إن كان لاختيار الستر فالإقدام على الأداء بعد ذلك لضغينة هيجته أو لعداوة حركته فيتهم فيها وإن كان لغير الستر يصير فاسقاً آثماً فتيقنا بالمانع (إلا في حد القذف خاصة) : أي فتقبل؛ لأن فيه حق العبد، لما فيه من دفع العار عنه، والتقادم غير مانع في حقوق العباد، ولأن الدعوى فيه شرط فيحمل تأخيرهم على انعدام الدعوى فلا يوجب تفسيقهم، قال في الهداية: واختلفوا في حد التقادم، وأشار في الجامع الصغير إلى ستة أشهر، فإنه قال: بعد حين، وهكذا أشار الطحاوي، وأبو حنيفة لم يقدر في ذلك، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 ومن وطئ أجنبيةً فيما دون الفرج عرر. ولا حد على من وطئ جارية ولده وولد ولده، وإن قال "علمت أنها علي حرامٌ"، وإذا وطئ جارية أبيه أو أمه أو زوجته، أو وطئ العبد جارية مولاه، وقال "علمت أنها علي حرامٌ" حد، وإن قال "ظننت أنها تحل لي" لم يحد. ومن وطئ جارية أخيه، أو عمه، وقال "ظننت أنها حلالٌ" حد،   وفوضه إلى رأي القاضي في كل عصر، وعن محمد أنه قدره بشهر، لأن ما دونه عاجل وهو رواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف، وهو الأصح، اهـ، وقال قاضيخان: والشهر وما فوقه متقادم فيمنع قبول الشهادة، وعليه الاعتماد، اهـ. (ومن وطئ أجنبية فيما دون الفرج) كتفخيذ وتبطين (عزر) ، لأنه منكر ليس فيه شيء مقدر، وشمل قوله (فيما دون الفرج) الدبر، وهو قول الإمام، لأنه ليس بزنا كما يأتي قريباً. (ولا حد على من وطئ جارية ولده وولد ولده) وإن سفل، ولو ولده حيا، فتح (وإن قال علمت أنها علي حرام) لأن الشبهة حكمية لأنها نشأت عن دليل هو قوله صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك) والأبوة قائمة في حق الجد. هداية (وإذا وطئ جارية أبيه أو أمه) وإن عليا (أو زوجته أو وطئ العبد جارية مولاه وقال علمت أنهل تحل لي لم يحد) لأن بين هؤلاء انبساطا في الانتفاع، فظنه في الاستمتاع محتمل، فكان شبهة اشتباه، وكذا لو قالت الجارية (ظننت أنه يحل لي) والفحل لم يدع الحل، لأن الفعل واحد كما في الجوهرة (ومن وطئ جارية أخيه أو عمه قال ظننت أنها حلال حد) لأنه لا انبساط في المال فيما بينهما، وكذا سائر المحارم سوى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 ومن زفت إليه غير امرأته وقالت النساء "إنها زوجتك" فوطئها، فلا حد عليه، وعليه المهر. ومن وجد امرأةً على فراشه فوطئها فعليه الحد، ومن تزوج امرأةً لا يحل له نكاحها فوطئها لم يجب عليه الحد، ومن أتى امرأةً في الموضع المكروه أو عمل عمل قوم لوطٍ فلا حد عليه عند أبي حنيفة ويعزر،   الولاد لما بينا، هداية. (ومن زفت إليه غير امرأته وقالت النساء إنها زوجتك فوطئها فلا حد عليه) لأنه اعتمد دليلا - وهو الإخبار - في موضع الاشتباه، إذ الإنسان لا يميز بين امرأته وبين غيرها في أول الوهلة، فصار كالمغرور (وعليه المهر) ؛ لما تقرر أن الوطء في دار الإسلام لا يخلو عن عقر أو عقر، وقد سقط الحد بالشبهة فيجب المهر (ومن وجد امرأة) نائمة (على فراشه فوطئها فعليه الحد) لأنه لا اشتباه بعد طول الصحبة، فلم يكن الظن مستنداً إلى دليل، وهذا لأنه قد ينام على فراشها غيرها من المحارم التي في بيتها، وكذا إذا كان أعمى، لأنه يمكنه التمييز بالسؤال أو غيره، إلا إذا دعاها فأجابته وقالت (أنا زوجتك) لأن الإخبار دليل هداية. (ومن تزوج امر أة لا يحل له نكاحها فوطئها لم يجب عليه الحد) ، لشبهة العقد، قال الإسبيجاني: وهذا قول أبي حنيفة وزفر، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا تزوج محرمة وعلم أنها حرام فليس ذلك بشبهة وعليه الحد إذا وطئ، وإن كان لا يعلم فلا حد عليه، والصحيح قول أبي حنيفة وزفر، وعليه مشى النسفي والمحبوبي وغيرهما، تصحيح. (ومن أتى امرأة في الموضع المكروه) : أي الدبر (أو عمل عمل قوم لوط) أي أتى ذكراً في دبره (فلا حد عليه عند أبي حنيفة، ويعزر) زاد في الجامع الصغير: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 وقال أبو يوسف ومحمد: هو كالزنا، ومن وطئ بهيمةً فلا حد عليه، ومن زنى في دار الحرب أو دار البغي ثم خرج إلينا لم نقم عليه الحد. باب حد الشرب - ومن شرب الخمر فأخذ وريحها موجودٌ   ويودع في السجن اهـ، لأنه ليس بزنا، لاختلاف الصحابة رضي الله عنهم في موجبه من الإحراق بالنار، وهدم الجدار، والتنكبس من مكان مرتفع، وإتباع الأحجار وغير ذلك، ولا هو في معنى الزنا، لأنه ليس فيه إضاعة الولد واشتباه الأنساب، إلا أنه يعزر، لأنه أمر منكر ليس فيه شيء مقدر (وقال أبو يوسف ومحمد: هو كالزنا) لأنه في معنى الزنا، قال جمال الإسلام في شرحه: الصحيح قول أبي حنيفة وعليه مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح. (ومن وطئ بهيمة) له أو غيره (فلا حد عليه) ، لأنه ليس في معنى الزنا إلا أنه يعزر، لأنه منكر كما مر، قال في الهداية: والذي يروي أنها تذبح وتحرق فذلك لقطع التحدث، وليس بواجب، اهـ. (ومن زنى في دار الحرب أو دار البغي ثم خرج إلينا لم نقم عليه الحد) ، لأن المقصود هو الانزجار، وولاية الإمام منقطعة فيها فيعرى عن الفائدة، ولا تقام بعدما خرج لأنها لم تنعقد موجبة فلا تنقلب موجبة، ولو غزا من له ولاية الإقامة بنفسه كالخليفة وأمير المصر يقيم الحد على من زنى في معسكره، لأنه تحت أمره، بخلاف أمير العسكر والسرية، لأنه لم يفوض إليهم الإقامة كما في الهداية. باب حد الشرب المحرم (ومن شرب الخمر) طوعا، ولو قطرة (فأخذ وريحها موجود) أو جاءوا به سكران الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 فشهد الشهود بذلك عليه أو أقر فعليه الحد، وإن أقر بعد ذهاب رائحتها لم يحد، ومن سكر من النبيذ حد، ولا حد على من وجد منه رائحة الخمر أو تقيأها، ولا يحد السكران حتى يعلم أنه سكر من النبيذ وشربه طوعاً   (فشهد الشهود بذلك عليه أو أقر) به (فعليه الحد) سواء سكر أم لا، لأن جناية الشرب قد ظهرت، ولم يتقادم العهد (وإن أقر) بذلك (بعد ذهاب ريحها لم يحد) عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: يحد، وكذلك إذا شهدوا عليه بعدما ذهب ريحها، إلا أن يتقادم الزمان كما في الزنا، فالتقادم يمنع قبول الشهادة بالاتفاق، غير أنه مقدر بالزمان عنده اعتبارا بحد الزنا، وعندهما بزوال الرائحة. وأما الإقرار فالتقادم لا يبطله عنده كما في حد الزنا، وعندهما لا يقام إلا عند قيام الرائحة، قال الإسبيجاني والصحيح قولهما، واعتمده المحبوبي والنسفي، تصحيح. وإن أخذه الشهود وريحها يوجد منه أو سكران فذهبوا به من مصر إلى مصر فيه الإمام فانقطع ذلك قبل أن ينتهوا به حد في قولهم جميعاً، لأن هذا عذر كبعد المسافة في حد الزنا، هداية. (ومن سكر من النبيذ) أي نبيذ كان (حد) قيد بالسكر من النبيذ لأنه لا يحد بشربه إذا لم يسكر اتفاقا، وإن اختلف في الحل والحرمة في شرب دون المسكر إذا كان كثيره يسكر، للشبهة. والسكران عند أبي حنيفة: من لا يعرف الرجل من المرأة والأرض من السماء، وقالا: هو الذي يخلط كلامه ويهذي، لأنه هو المتعارف بين الناس، وهو اختيار أكثر المشايخ كما في الاختيار، وقال قاضيخان: والفتوى على قولهما، اهـ. (ولا حد على من وجد منه رائحة الخمر أو تقيأها) ، لأن الرائحة محتملة، وكذا الشرب قد يقع عن إكراه واضطرار (ولا يحد السكران) بمجرد وجدانه سكران بل (حتى يعلم أنه سكر من النبيذ) أو الخمر (وشربه طوعا) لاحتمال سكره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 ولا يحد حتى يزول عنه السكر. وحد الخمر والسكر، في الحر ثمانون سوطاً، يفرق على بدنه كما ذكرنا في الزنا، وإن كان عبداً فحده أربعون سوطاً. ومن أقر بشرب الخمر أو السكر ثم رجع لم يحد. ويثبت الشرب بشهادة شاهدين، وبإقراره مرةً واحدةً، ولا تقبل فيه شهادة النساء مع الرجال.   بما لا يوجب الحد كالبنج ولبن الرماك (الرماك: جمع رمكة - بوزن قصبة - وهي الفرس أو البرذرنة تتخذ للنسل) والشرب مكرهاً أو مضطراً. (ولا يحد) السكران حال سكره؛ بل (حتى يزول عنه السكر) ، تحصيلا للمقصود - وهو الانزجار - بوجدان الألم، والسكران زائل العقل كالمجنون لا يعقل الألم] . (وحد الخمر والسكر في الحر ثمانون سوطاً) : لإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم (يفرق) ذلك (على بدنه كما ذكرنا في) حد (الزنا، وإن كان) الشارب (عبداً فحده أربعون سوطاً) ، لأن الرق منصف على ما عرف. (ومن أقر) على نفسه (بشرب الخمر أو السكر ثم رجع لم يحد) لأنه خالص حق الله تعالى، فيقبل فيه الرجوع، كما مر في حد الزنا. (ويثبت الشرب بشهادة شاهدين) كسائر الحدود سوى الزنا لثبوته بالنص (وبإقراره مرة واحدة) قال الإسبيجاني: هو قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف وزفر: يشترط الإقرار مرتين، والصحيح قول الإمام، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح (ولا تقبل فيه شهادة النساء مع الرجال) لأنه حد، ولا مدخل لشهادة النساء في الحدود، جوهرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 باب حد القذف - إذا قذف رجلٌ رجلا محصناً أو امرأةً محصنةً بصريح الزنا، وطالب المقذوف بالحد حده الحاكم ثمانين سوطاً إن كان حراً يفرق على أعضائه، ولا يجرد عن ثيابه، غير أنه ينزع عنه الفرو والحشو، وإن كان عبداً جلده أربعين. والإحصان: أن يكون المقذوف حراً، عاقلاً، بالغاً،   باب حد القذف هو لغة: الرمي، وشرعا: الرمي بالزنا، وهو من الكبائر بالإجماع؛ فتح. (إذا قذف رجل) أو امرأة (رجلا محصناً أو امرأةً محصنة) بصريح الزنا كزنيت أو يا زانية (وطالب المقذوف بالحد حده الحاكم ثمانين سوطاً إن كان) القاذف (حراً) لقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} والمراد الرمي بالزنا بالإجماع. هداية. قيد بمطالبة المقذوف لأن فيه حقه من حيث دفع العار عنه، وبإصحانه لما تلونا، وبالحر لأن العبد على النصف كما يأتي (يفرق) ذلك الضرب (على أعضائه) كما سبق (ولا يجرد من ثيابه) ؛ لأنه أخف الحدود، لأن سببه غير مقطوع به، لاحتمال صدقه (غير أنه ينزع عنه الحشو والفرو) لأنه يمنع إيصال الألم إليه (وإن كان) القاذف (عبداً جلده) الحاكم (أربعين سوطا) لمكان الرق كما سبق. ولما كان معنى الإحصان هنا مغايراً لمعنى الإحصان في الزنا فسره بقوله: (والإحصان أن يكون المقذوف حراً) لإطلاق اسم الإحصان عليه في قوله تعالى: {فعليهن نصف ما على المحصنات} أي الحرائر (عاقلا بالغا) لأن المحنون والصبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 مسلماً، عفيفاً عن فعل الزنا. ومن نفى نسب غيره فقال (لست لأبيك) ، أو (يا ابن الزانية) وأمه ميتةٌ محصنةٌ وطالب الابن بالحد حد القاذف، ولا يطالب بحد القذف للميت إلا من يقع القدح في نسبه بقذفه، وإن كان المقذوف محصناً جاز لابنه الكافر والعبد أن يطالب بالحد.   لا يلحقهما عار، لعدم تحقق فعل الزنا منهما (مسلماً) لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أشرك بالله فليس بمحصن) (عفيفاً عن فعل الزنا) لأن غير العفيف لا يلحقه العار، والقاذف صادق فيه. (ومن نفى نسب غيره فقال: لست) بابن (لأبيك) فإنه يحد، وهذا إذا كانت أمه محصنة، لأنه في الحقيقة قذف لأمه، لأن النسب إنما ينفى عن الزاني لا عن غيره (أو) قال له (يا ابن الزانية، وأمه ميتة محصنة، وطالب الابن بالحد، حد القاذف) لأنه قذف محصنة بعد موتها، فلكل من يقع القدح في نسبه المطالبة، كما صرح به بقوله: (ولا يطالب بحد القذف للميت إلا من يقع القدح في نسبه بقذفه) وهو الوالد والولد: أي الأصول والفروع، لأن العار يلتحق بهم، لمكان الجزئية، فيكون القذف متناولا لهم معنى، قيد بموت الأم إذا كانت حية فالمطالبة لها، وكذا لو كانت غائبة لجواز أن تصدقه، والتقييد بالأم اتفاقي، فإنه لو قذف رجلا ميتا فلأصله وفرعه المطالبة، ولذا أطلقه فيما بعده حيث قال: (ولا يطالب بحد القذف للميت إلخ) (وإذا كان المقذوف محصنا جاز لابنه) ولو غير محصن كابنه (الكافر أو العبد أن يطلب بالحد) ، "لأنه عيره بقذف محصن، وهو من أهل الاستحقاق، لأن عدم الإحصان لا ينافي أهلية الاستحقاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 وليس للعبد أن يطالب مولاه بقذف أمه الحرة. وإن أقر بالقذف ثم رجع لم يقبل رجوعه. ومن قال لعربيٍ "يا نبطي" لم يحد، ومن قال لرجلٍ "يا ابن ماء السماء" فليس بقاذفٍ، وإذا نسبه إلى عمه أو خاله أو زوج أمه فليس بقاذف.   (وليس للعبد أن يطالب مولاه) ولا للابن أن يطالب أباه (بقذف أمه الحرة) المحصنة، لأن المولى لا يعاقب بسبب عبده، وكذا الأب بسبب ابنه، ولهذا لا يقاد الوالد بولده ولا السيد بعبده. (وإن أقر بالقذف ثم رجع لم يقبل رجوعه) ، لأن للمقذوف فيه حقاً فيكذبه في الرجوع، بخلاف ما هو خالص حق الله تعالى، لأنه لا مكذب له فيه. (ومن قال لعربي يا نبطي) نسبة إلى النبط - بفتحتين - جيل من العرب ينزلون البطائح في سواد العراق (لم يحد) لأنه يراد به التشبيه في الأخلاق أو عدم الفصاحة، وكذا إذا قال (لست بعربي) لما قلنا، هداية (ومن قال لرجل يا ابن ماء السماء فليس بقاذف) لأنه يحتمل المدح بحسن الخلق والكرم والصفاء، لأن ابن ماء السماء لقب لجد النعمان بن المنذر، لقب به لصفائه وسخائه كما في الجوهرة (وإذا نسبه إلى عمه أو خاله أو زوج أمه فليس بقاذف) لأن كل واحد من هؤلاء يسمى أبا: أما الأول فلقوله تعالى: {وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} وإسماعيل كان عما له، والثاني بقوله صلى الله عليه وسلم: (الخال أب) والثالث للتربية، هداية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 ومن وطئ وطئاً حراماً في غير ملكه لم يحد قاذفه، والملاعنة بولدٍ لا يحد قاذفها. ومن قذف عبداً أو أمةً أو كافراً بالزنا، أو قذف مسلماً بغير الزنا، فقال: يا فاسق، أو يا كافر، أو يا خبيث، عزر، وإن قال يا حمار أو يا خنزير لم يعزر. والتعزير: أكثره تسعةٌ وثلاثون سوطاً، وأقله ثلاث جلدات،   (ومن وطئ وطئا حراما في غير ملكه) ، ولو بشبهة كالوطء بنكاح فاسد (لم يحد قاذفه) لعدم الإحصان (والملاعنة بولد لا يحد قاذفها) ، لأن ولدها غير ثابت النسب؛ وهو أمارة الزنا، فسقط إحصانها، وإن كانت الملاعنة بغير ولد حد قاذفها. ومن قذف أمة أو عبداً أو كافراً) أو صغيراً (بالزنا) عزر، لأنه آذاه وألحق به الشين، ولا يحد به، لعدم إحصانه، ولا مدخل للقياس في الحدود، فوجب التعزير إلا أنه يبلغ بع غايته، لأنه من جنس ما يجب فيه الحد، وكذا لو قذف من ذكر (أو قذف مسلما) محصنا (بغير الزنا فقال) له (يا فاسق أو يا كافر أو يا خبيث) أو يا سارق، أو يا فاجر، أو يا آكل الربا، أو نحو ذلك (عزر) لما قلنا، إلا أن هذا أخف من الأول، لأنه ليس من جنس ما يجب فيه الحد، فالرأي فيه للإمام كما في الهداية (وإن قال) له (يا حمار أو يا خنزير) أو يا كلب أو يا تس (لم يعزر) لأنه ما ألحق به الشين، للتيقن بنفيه، وقيل: في عرفنا يعزر، لأنه تلحقهم الوحشة بذلك، وإن كان من العامة لا يعزر، وهو الأحسن، هداية. (والتعزير) لغة: التأديب، وشرعا: تأديب دون الحد؛ كما أشار إليه بقوله (أكثره تسعة وثلاثون سوطا، وأقله ثلاث جلدات) ، لأن حد الرقيق في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 وقال أبو يوسف: يبلغ بالتعزير خمسةً وسبعين سوطاً، فإن رأى الإمام أن يضم إلى الضرب في التعزير الحبس فعل. وأشد الضرب التعزير، ثم حد الزنا، ثم حد الشرب، ثم حد القذف.   القذف أربعون فينقص منه سوطا لئلا يبلغ الحد، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد (وقال أبو يوسف: يبلغ بالتعزير خمسة وسبعين سوطا) قال في الهداية: والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين) فأبو حنيفة ومحمد نظرا إلى أن أدنى الحد وهو حد العبد في القذف أربعون فنقصا منه سوطا، وأبو يوسف اعتبر أقل الحد في الأحرار إذ الأصل هو الحرية، ثم نقص سوطا في رواية عنه، وهو قول زفر، وهو القياس، وفي هذه الرواية نقص خمسة، وهو مأثور عن علي رضي الله عنه، فقلده، ثم قدر الأدنى في الكتاب بثلاث جلدات، لأن ما دونها لا يقع به الزجر، وذكر مشايخنا أن أدناه على ما يراه الإمام يقدره بقدر ما يعلم أنه ينزجر، لأنه يختلف باختلاف الناس، هداية. وفي المجتبى: ويكون بالحبس، وبالصفع على العنق، وفرك الأذن، وبالكلام العنيف، وبنظر القاضي له بوجه عبوس، ويشتم غير القذف، ثم قال: وعن السرخسي لا يباح بالصفع؛ لأنه من أعلى ما يكون من الاستخفاف فيصان عنه أهل القبلة، اهـ (وإن رأى الإمام أن يضم إلى الضرب في التعزير الحبس فعل) ، لأن المقصود الزجر والتأديب، فإذا رأى الإمام حصوله بالضرب اكتفى به، وإلا ضم إليه ما يراه من الحبس والنفي كما مر. (وأشد الضرب التعزير) ، لأنه خفف من حيث العدد فيغلظ من حيث الوصف لئلا يؤدي إلى فوت المقصود، ولهذا لم يخفف من حيث التفريق على الأعضاء كما في الهداية (ثم حد الزنا) ، لأنه أعظم جناية حتى شرع فيه الرجم (ثم حد الشرب) لأن سببه متيقن (ثم حد القذف) ، لأن سببه محتمل لاحتمال صدقه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 ومن حده الإمام أو عزره فمات فدمه هدرٌ، وإذا حد المسلم في القذف سقطت شهادته، وإن تاب، وإن حد الكافر في القذف ثم أسلم قبلت شهادته، والله أعلم. كتاب السرقة - إذا سرق العاقل البالغ عشرة دراهم، أو ما قيمته عشرة دراهم، مضروبةً   (ومن حده الإمام أو عزره فمات) منه (فدمه هدر) لأنه فعل ما فعل بأمر الشرع، وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة كالفصاد والبزاغ، بخلاف الزوج إذا عزر زوجته، لأنه مطلق فيه والإطرقات تتقيد بشرط السلامة كالمرور في الطريق، هداية. (وإذا حد المسلم في القذف سقطت شهادته وإن تاب) لقوله تعالى: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا} والاستثناء في الآية عائد إلى ما يليه، وتمامه في الهداية في الشهادات (وإن حد الكافر في القذف ثم أسلم قبلت شهادته) لأن هذه الشهادة استفادها بعد الإسلام فلم تدخل تحت الرد، بخلاف العبد إذا حد حد القذف، ثم أعتق لا تقبل شهادته، لأنه لا شهادة له أصلا في حال الرق، فكان رد شهادته بعد العتق من تمام حده، هداية. كتاب السرقة وهي في اللغة: أخذ الشيء من الغير على الخفية والاستسرار، ومنه استراق السمع، وقد زيدت عليه أوصاف في الشريعة على ما يأتيك بيانه، هداية. (إذا سرق البالغ العاقل) الناطق البصير (عشرة دراهم) حيادا (أو ما) أي شيئا مما لا يتسارع إليه الفساد (قيمته عشرة دراهم) سواء كانت الدراهم (مضروبة أو غير مضروبة من حرز) وهو ما يمنع وصول يد الغير، سواء كان بناء أو حافظا (لا شبهة فيه) ولا تأويل، بمرة واحدة، اتحد المالك أم تعدد (وجب عليه القطع) ، والأصل فيه قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} الآية، ولا يد من اعتبار العقل والبلوغ، لأن القطع جزاء الجناية، وهي لا تتحقق بدونهما. قيدنا بالنطق لأن الأخرس لا يقطع؛ لاحتمال نطقه بشبهة، وبالبصير لأن الأعمى لا يقطع للشبهة وبالاشتباه عليه، وقيد بعشرة دراهم لأن النص الوارد في حق السرقة مجمل في حق القيمة، وقد ورد في السنة بيانه في الجملة بثمن لمجن، وقال أصحابنا: المجن الذي قطعت فيه اليد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان يساوي عشرة دراهم، وعمم في الدراهم بقوله (مضروبة أو غير مضروبة) وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، ولكن ظاهر الرواية يشترط المضروب، وبه قال أبو يوسف ومحمد، وهو الأصح؛ لأن اسم الدرهم يطلق على المضروب عرفا، وظاهر كلام الهداية يدل على أن عبارة المصنف مقيدة بالمضروبة حيث قال: وقد تأيد ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم (لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم) واسم الدراهم يطلق على المضروبة، فهذا يبين لك اشتراط المضروب كما قال في الكتاب، وهو ظاهر الرواية وهو الأصح رعاية لكمال الجناية، حتى لو سرق عشرة تبراً قيمتها أنقص من عشرة مضروبة لا يجب القطع، اهـ. وتبعه في هذا الكمال في الفتح قائلا: كما ذكره القدوري، لكن في غاية البيان بعد نقله كلام الهداية: وهذا صحيح، لكن في نقله عن القدوري نظر، لأن الشيخ أبا نصر الأقطع ذكر في الشرح - وهو تلميذ القدوري - رواية المختصر، ولم يقيد بالمضروبة؛ بل أثبت الرواية بقوله (مضروبة أو غير مضروبة) ثم قال: أما قول صاحب الكتاب (عشرة دراهم مضروبة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 أو غير مضروبةٍ، من حرزٍ لا شبهة فيه، وجب عليه القطع،   أو غير مضروبة) فهو قول أبي حنيفة، ثم قال: وروى بشر عن أبي يوسف وابن سماعة عن محمد فيمن سرق عشرة دراهم تبراً لا يقطع، اهـ، وقوله (أو ما يبلغ قيمته عشرة دراهم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 والعبد والحر في القطع سواءٌ. ويجب القطع بإقراره مرةً واحدةً، أو بشهادة شاهدين. وإذا اشترك جماعةٌ في سرقةٍ فأصاب كل واحدٍ منهم عشرة دراهم قطع، وإن أصابه أقل من ذلك لم يقطع،   إشارة إلى أن غير الدرهم يعبر قيمته بها وإن كان ذهباً، كما في الهداية. وقيد بالحرز، لأن الاستسرار لا يتحقق دونه، ويشترط أن يكون الحرز واحدا، فلو سرق نصابا من حرزين مختلفين لا يقطع، وشرط عدم الشبهة لأن الشبهة دارئة للحد، وكذا التأويل كما يأتي، وقيدنا بمرة واحدة، لأنه لو سرق نصابا واحدا من حرز واحد بمرتين فأكثر لا يقطع (والعبد والحر في القطع سواء) ؛ لأن التصنيف متعذر فيتكامل الجزاء، صيانة لأموال الناس. (ويجب القطع بإقراره مرة واحدة) قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: لا يقطع إلا بإقرار مرتين، ويروى عنه أنهما في مجلسين مختلفين، اهـ. قال في التصحيح: وتقدم تصحيح الإسبيجاني لقولهما، وعليه اعتمد الأئمة كما هو الرسم (أو بشهادة شاهدين) لتحقق الظهور كما في سائر الحقوق، ويسألهما الإمام: كيف هي؟ وما هي؟ ومتى هي؟ وأين هي؟ وكم هي؟ وممن سرق؟ لزيادة الاحتياط، واحتيالا للدرء كما مر في الحدود، وكذا يسأل المقر عن الكل إلا الزمان، وما في الفتح (إلا المكان) تحريف كما في النهر. (وإذا اشترك جماعة في سرقة فأصاب كل واحد منهم) بالقسمة على السوية (عشرة دراهم) أو ما تبلغ قيمته ذلك (قطع) الجميع، وإن كان الآخذ بعضهم، لوجود الأخذ من الكل معنى، لأن المعتاد أن يتولى الأخذ بعضهم ويستعد الباقون للدفع (وإن أصابه) : أي كل واحد منهم (أقل من ذلك لم يقطع) واحد منهم، "لأن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 ولا يقطع فيما يوجد تافهاً مباحاً في دار الإسلام، كالخشب، والقصب؛ والحشيش، والسمك، والصيد، وكذلك فيما يسرع إليه الفساد، كالفواكه الرطبة، واللبن، واللحم، والبطيخ، والفاكهة على الشجر، والزرع الذي لم يحصد، ولا قطع في الأشربة المطربة، ولا في الطنبور، ولا في سرقة المصحف وإن كان عليه حلية ولا في   الموجب له سرقة النصاب، ويجب القطع على كل واحد بجنايته، فيعتبر كمال النصاب في حقه. (ولا يقطع فيما يوجد تافها) : أي حقيراً، ويوجد جنسه (مباحا في دار الإسلام) وذلك (كالخشب والقصب والحشيش والسمك والطير والصيد) والمغرة والنورة والزرنيخ ونحو ذلك، لأن ما يوجد في الأصل مباحا بصورته تقل الرغبات فيه والطباع لا تضن به، فقلما يوجد أخذه على كره من المالك، فلا حاجة إلى شرع الزاجر؛ ولهذا لم يجب القطع بما دون النصاب، ولأن الحرز فيه ناقص (وكذلك) : أي لا قطع (فيما يسرع إليه الفساد) بأن لا يبقى سنة كما في القهستاني عن المفسرات (كالفواكه الرطبة واللحم واللبن والبطيخ) ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا قطع في الطعام) قالوا: معناه ما يتسارع إليه الفساد، لأنه يقطع في الحبوب والسكر إجماعا كما في الاختيار (ولا في الزرع الذي لم يحصد) والثمر على الشجر، لعدم الإحراز (ولا قعط في الأشربة المطربة) لاحتمال أنه تناولها للإراقة، ولأن بعضها ليس بمال وفي مالية بعضها اختلاف، فتتحقق شبهة عدم المالية (ولا في الطنبور) وجميع آلات اللهو، لاحتمال تناوله للكسر نهياً عن المنكر (ولا في سرقة المصحف) لأنه يتأول في أخذه للقراءة والنظر فيه (وإن كان عليه حلية) تبلغ نصابا، لأنها تبع، ولا معتبر بالتبع، كمن سرق آنية وفيها خمر وقيمة الآنية تزيد على النصاب (ولا في) سرقة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 الصليب الذهب، ولا في الشطرنج ولا النرد، ولا قطع على سارق الصبي الحر وإن كان عليه حليٌ، ولا قطع في سرقة العبد الكبير، ويقطع في سرقة العبد الصغير، ولا قطع في الدفاتر كلها إلا في دفاتر الحساب، ولا قطع في سرقة كلبٍ، ولا فهدٍ، ولا دفٍ، ولا طبلٍ، ولا مزمارٍ، ويقطع في الساج والقنا والآبنوس والصندل، وإذا اتخذ من الخشب أوانٍ أو أبوابٌ قطع فيها،   (الصليب) أو الصنم (الذهب) أو الفضة، لأنه مأذون في كسره (ولا في) سرقة (الشطرنج ولا النرد) لأنها من الملاهي كما مر (ولا قطع على سارق الصبي الحر وإن كان عليه حلى) يبلغ النصاب، لأن الحر ليس بمال، والحلية تبع له (ولا قطع في سرقة العبد الكبير) ، لأنه غصب أو خداع، لأنه في يد نفسه (ويقطع في سرقة العبد الصغير) الذي لا يعبر عن نفسه لأنه مال، ولا يد له على نفسه كالبهيمة، وإذا كان يعبر عن نفسه فهو والبالغ سواء (ولا قطع في) سرقة (الدفاتر كلها) لأنها لو شرعية ككتب تفسير وحديث وفقه فكمصحف وإلا فكطنبور كما في الدر (إلا في دفاتر الحساب) ، لأن المقصود ورقها فيقطع بها إن بلغت نصابا (ولا قطع في سرقة كلب ولا فهد) ونحوه، ولو عليه طوق من ذهب، لأن من جنسها مباح الأصل، وما عليها تبع لها (ولا) في سرقة (دف ولا طبل ولا مزمار) لأنها من آلات اللهو (ويقطع في) سرقة خشب (الساج) قال الزمخشري: هو خشب أسود رزين يجلب من الهند، ولا تكاد الأرض تبليه (والقنا) جمع قناة، وهي الرمح (والآبنوس) خشب معروف أشد سواداً من الساج (والصندل) شجر طيب الرائحة وكذا العود، لأنها أموال محرزة عزيزة عند الناس، ولا توجد بصورتها مباحة في دار الإسلام (وإذا اتخذ من الخشب) الذي لا يقطع به (أوان) كصندوق وقصعة (أو أبواب قطع فيه) إذا كانت محرزة، لأنها بالصنعة التحقت بالأموال النفيسة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 ولا قطع على خائنٍ ولا خائنةٍ، ولا نباشٍ، ولا منتهبٍ، ولا مختلسٍ. ولا يقطع السارق في بيت المال، ولا من مالٍ للسارق فيه شركةٌ، ومن سرق من أبويه أو ولده أو ذي رحمٍ محرمٍ منه لم يقطع، وكذلك إ سرق أحد الزوجين من الآخر، أو العبد من سيده، أو من امرأة سيده، أو زوج سيدته،   (ولا قطع على خائن) لما ائتمن عليه كمودع (ولا خائنة) لقصور الحرز (ولا) على (نباش) للقبر، سواء كان في الصحراء أو في البيت ولو مقفلا، للشبهة في الملك، لأنه لا ملك للميت حقيقة، ولا للوارث لتقدم حاجة الميت. قال الإسبيجاني: وهذا أقول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: عليه القطع، والصحيح قولهما، واعتمده الأئمة المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح (ولا) على (منتهب) وهو الآخذ قهراً (ولا مختلس) وهو الآخذ من اليد بسرعة على غفلة، لأن كلا منهما يجاهر بفعله، فلم يتحقق معنى السرقة. (ولا يقطع السارق من بيت المال) ، لأنه مال العامة وهو منهم (ولا من مال للسارق فيه شركة) لأن له فيه حقا، ومن له على آخر دراهم فسرق مثلها لم يقطع، لأنه استيفاء لحقه، والحال والمؤجل فيه سواء، لأن التأجيل لتأخير المطالبة، وكذا إذا سرق زيادة على حقه؛ لأنه بمقدار حقه يصير شريكا فيه، وإن سرق منه عروضاً قطع؛ لأنه ليس له ولاية الاستيفاء منه إلا بيعاً بالتراضي، وعن أبي يوسف أنه لا يقطع، لأن له أن يأخذه عند بعض العلماء قضاء من حقه أو رهنا به، هداية (ومن سرق من أبويه أو ولده أو ذي رجحم محرم منه لم يقطع) فالأول - وهو الولاد - للبسوطة في المال، وفي الدخول في الحرز، والثاني للمعنى الثاني؛ فلو سرق من بيت ذي الرحم المحرم متاع غيره ينبغي أن لا يقطع، ولو سرق ماله من بيت غيره قطع، اعتباراً للحرز وعدمه كما في الهداية (وكذلك) : أي لا يقطع (إذا سرق أحد الزوجين من الآخر أو العبد من سيده، أو من امرأة سيده، أو) من (زوج سيدته) ، لوجود الإذن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 والمولى من مكاتبه، والسارق من المغنم. والحرز على ضربين حرز لمعنىً فيه، كالبيوت والدور، وحرزٍ بالحافظ فمن سرق شيئاً من حرزٍ أو غير حرزٍ وصاحبه عنده يحفظه وجب عليه القطع، ولا قطع على من سرق من حمامٍ أو من بيتٍ أذن للناس في   بالدخول عادة (و) كذا إذا سرق (المولى من مكاتبه) ، لأن له في أكسابه حقاً (و) كذا (السارق من المغنم) إذا كان له نصيب في الأربعة أخماس أو في الخمس كالغانمين؛ لأن لهم فيه نصيبا، أما غيرهم فينبغي أن يقطع، إلا أن يقال: إنه مباح الأصل، وهو بعد على صورته التي كان عليها ولم يتغير، فصار بقاؤه شبهة، فسقط القطع كما في غاية البيان. (والحرز على ضربين: حرز لمعنى فيه) وهو المكان المعد للاحراز، وذلك (كالبيوت والدور) والحانوت والصندوق والفسطاط، وهو الحرز حقيقة (وحرز بالحافظ) كمن جلس في الطريق أو المسجد وعنده متاعه فهو محرز به فيكون حرزا معنى (فمن سرق شيئاً من حرز) وإن لم يكن صاحبه عنده أو لم يكن له باب أوله وهو مفتوح (أو) من (غير حرز و) لكن (صاحبه عنده يحفظه) سواء كان مستيقظاً أو نائما والمتاع تحته أو عنده، وهو الصحيح؛ لأنه يعد النائم عند متاعه حافظا له في العادة، هداية (وجب عليه القطع) ؛ لأنه سرق مالا محرزاً بأحد الحرزين (ولا قطع على من سرق من حمام) في وقتٍ جرت العادة بدخوله فيه، وكذا حوانيت التجار والخانات؛ لوجود الإذن عادة، فلو سرق في غير وقت الإذن المعتاد قطع، لأنها بنيت للاحراز، وإنما الإذن مختص في وقت العادة (أو من بيت أذن للناس في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 دخوله ومن سرق من المسجد متاعاً وصاحبه عنده قطع، ولا قطع على الضيف إذا سرق ممن أضافه، وإذا نقب اللص البيت، فدخل، فأخذ المال وناوله آخر خارج البيت فلا قطع عليهما، وإن ألقاه في الطريق ثم خرج فأخذه قطع، وكذا إن حمله على حمارٍ فساقه فأخرجه، وإذا دخل الحرز جماعةٌ فتولى بعضهم الأخذ   دخوله) ؛ لوجود الإذن حقيقة (ومن سرق من المسجد متاعاً وصاحبه عنده قطع) لأنه محرر بالحافظ؛ لأن المسجد ما بني لإحراز الأموال، فلم يكن المال محرزا بالمكان، بخلاف الحمام والبيت الذي أذن للناس في دخوله حيث لا يقطع؛ لأنه بني للاحراز؛ فكان حرزاً؛ فلا يعتبر معه الإحراز بالحافظ لأنه أقوى كما في الهداية (ولا قطع على الضيف إذا سرق ممن أضافه) ، لأن البيت لم يبق حرزاً في حقه، لكونه مأذونا في دخوله، ولأنه بمنزلة أهل الدار، فيكون فعله خيانة، لا سرقة (وإذا نقب اللص البيت ودخل فأخذ المال وناوله آخر خارج البيت فلا قطع عليهما) ؛ لأن الأول لم يوجد منه الإخراج لاعتراض يد معتبرة على المال قبل خروجه، والثاني لم يوجد منه هتك الحرز، فلم تتم السرقة من كل واحد. قال جمال الإسلام: وهذا قول أبي حنيفة، وعليه مشى الأئمة المحبوبي والنسفي والموصلي وغيرهم. تصحيح (وإن ألقاه) أي ألقى اللص المتاع (في الطريق) قبل أن يخرج (ثم خرج فأخذه قطع) ، لأن الرمي حيلة يعتاد السراق لتعذر الخروج مع المتاع أو ليتفرغ لقتال صاحب الدار أو للفرار، ولم يعترض عليه يد معتبرة، فاعتبر الكل فعلا واحدا، وإذا خرج ولم يأخذه فهو مضيع لا سارق. هداية (وكذلك) : أي قطع (إن حمله) : أي المتاع (على حمار فساقه فأخرجه) لأن سيره مضاف إليه لسوقه (وإذا دخل الحرز جماعة فتولى بعضهم الأخذ) دون البعض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 قطعوا جميعاً. ومن نقب البيت فأدخل يده فيه فأخذ شيئاً لم يقطع، وإذا أدخل يده في صندوق الصيرفي، أو في كم غيره، فأخذ المال، قطع. وتقطع يمين السارق من الزند وتحسم، فإن سرق ثانياً قطعت رجله اليسرى، فإن سرق ثالثاً لم يقطع وخلد في السجن حتى يتوب؛   (قطعوا جميعاً) لأن الإخراج من الكل معنى للمعاونة، وهذا لأن المعتاد فيما بينهم أن يحمل البعض المتاع ويتشمر الباقون للدفع، فلم امتنع القطع أدى إلى سد باب الحد. (ومن نقب البيت وأدخل يده فيه) من غير أن يدخل (فأخذ شيئاً) يبلغ النصاب (لم يقطع) ، لأن هتك الحرز بالخول فيه، ولم يوجد، قال بهاء الدين في شرحه: وعن أبي يوسف أنه يقطع، والصحيح قولنا، واعتمده البرهاني وغيره، تصحيح (وإن أدخل يده في صندوق الصيرفي أو في كم غيره فأخذ المال قطع) ، لتحقق هتك الحرز، لأنه لا يمكن هتك مثل هذا الحرز إلا على الصفة (ويقطع يمين السارق من الزند) وهو المفصل بين الذراع والكف (وتحسم) وجوبا؛ لأنه لو لم تحسم يفضي إلى التلف، والحد زاجر لا متلف، وصورة الحسم: أن تجعل يده بعد القطع في دهن قد أغلي بالنار لينقطع الدم، قال في الذخيرة: والأجرة وثمن الدهن على السارق، لأن منه سبب ذلك وهو السرقة، جوهرة. (فإن سرق ثانياً قطعت رجله اليسرى) من الكعب، وهو المفصل بين الساق والقدم، وتحسم أيضاً (فإن سرق ثالثاً لم يقطع) ولكن عزر (وخلد في السجن حتى يتوب) لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: إني لأستحي من الله أن لا أدع له يداً يأكل بها ويستنجي بها، ورجلا يمشي عليها، وبهذا حاج بقية الصحابة فحجهم، فانعقد إجماعاً، هداية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 وإذا كان السارق أشل اليد اليسرى، أو أقطع، أو مقطوع الرجل اليمنى، لم يقطع. ولا يقطع السارق إلا أن يحضر المسروق منه فيطالب بالسرقة، فإن وهبها من السارق، أو باعها إياه، أو نقصت قيمتها من النصاب، لم يقطع. ومن سرق عيناً فقطع فيها وردها ثم عاد فسرقها وهي بحالها، لم يقطع، فإن تغيرت عن حالها، مثل   (وإذا كان السارق أشل اليد اليسرى أو أقطع) : أي مقطوعها (أو مقطوع الرجل اليمنى) أو أشلها (لم يقطع) ، لأن في ذلك تفويت جنس المنفعة: بطشاً فيما إذا كان أشل اليد اليسرى أو أقطع، ومشياً فيما إذا كان مقطوع الرجل اليمنى أو أشل، وتفويت ذلك إهلاك معنى، فلا يقام الحد، لئلا يفضي إلى الإهلاك. (ولا يقطع السارق إلا أن يحضر المسروق منه فيطالب بالسرقة) ؛ لأن الخصومة شرط لظهورها، ولا فرق بين الشهادة والإقرار؛ لأن الجناية على مال الغير لا تظهر إلا بالخصومة، وكذا إذا غاب عند القطع؛ لأن الاستيفاء من القضاء في باب الحدود، هداية (فإن وهبها) : أي السرقة (من السارق، أو باعها إياه، أو نقصت قيمتها من النصاب) ولو بعد القضاء بها (لم يقطع) ؛ لأن الإمضاء في هذا الباب من القضاء، فيشترط قيام الخصومة عند الاستيفاء، فصار كما إذا حصلت قبل القضاء، وتمامه في الهداية. (ومن سرق عيناً فقطع فيها وردها) لمالكها (ثم عاد فسرقها) ثانياً (وهي) بعد (بحالها) لم تتغير (لم يقطع) بها ثانياً؛ لأنه وجب لهتك حرمة العين؛ فتكراره فيها لا يوجب تكرار الحد (فإن تغيرت عن حالها) الأول (مثل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 أن كان غزلا فسرقه فقطع فيه فرده ثم نسج فعاد فسرقه - قطع، وإذا قطع السارق والعين قائمةٌ في يده ردها، وإن كانت هالكةً لم يضمن، وإذا ادعى السارق أن العين المسروقة ملكه سقط القطع عنه وإن لم يقم بينةً. وإذا خرج جماعةٌ ممتنعين، أو واحدٌ يقدر على الامتناع،   أن) لو (كان) المسروق (غزلا فسرقه فقطع فيه فرده) لمالكه (ثم نسج) ذلك الغزل وصار كرباساً (فعاد) السارق (فسرقه) ثانياً (قطع، وإذا قطع السارق والعين) المسروقة (قائمة في يده ردها) على مالكها، لبقائها على ملكه (وإن كانت) العين (هالكة) أو مستهلكة على المشهور (لم يضمن) ، لأنه لا يجتمع القطع والضمان عندنا، سواء كان الاستهلاك قبل القطع أو بعده، مجتبى. وفيه: لو استهلكه المشتري منه أو الموهوب له فللمالك تضمينه. (وإذا ادعى السارق أن العين المسروقة ملكه سقط القطع عنه وإن لم يقم بينة) لوجود الشبهة باحتمال الصدق. (ولما أنهى الكلام عن السرقة الصغرى أخذ في الكلام على السرقة الكبرى فقال: (وإذا خرج جماعة ممتنعين) : أي قادرين على أن يمنعوا على أنفسهم تعرض الغير، (أو واحد يقدر على الامتناع) بنفسه، قال في غاية البيان: وإطلاق اسم الجماعة يتناول المسلم والذمي والكافر، والحر والعبد، والمراد من الامتناع: أن يكون قاطع الطريق بحيث يمكن له أن يدفع عن نفسه بقوته وشجاعته تعرض الغير، قال الإمام الإسبيجاني في شرح الطحاوي: اعلم أن قاطع الطريق إنما يكون بعد أن تستجمع فيه شرائط، وهي: أن يكون لهم قوة وشوكة ينقطع الطريق بهم، وأن لا يكون بين قريتين ولا بين مصرين ولا مدينتين، وأن يكون بينهم وبين المصر مسيرة سفر؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 فقصدوا قطع الطريق فأخذوا قبل أن يأخذوا مالاً ولا قتلوا نفساً حبسهم الإمام حتى يحدثوا توبةً، وإن أخذوا مال مسلمٍ أو ذميٍ والمأخوذ إذا قسم على جماعتهم أصاب كل واحدٍ منهم عشرة دراهم فصاعداً أو ما قيمته ذلك قطع الإمام أيديهم وأرجلهم من خلافٍ، وإن قتلوا ولم يأخذوا مالاً قتلهم الإمام حداً، فإن عفا الأولياء عنهم لم يلتفت إلى عفوهم، وإن قتلوا وأخذوا المال.   فإذا وجدت هذه الأشياء يكون قاطعاً للطريق، وإلا فلا، هكذا ذكر في ظاهر الرواية، وروى عن أبي يوسف أنه قال: إن كان أقل من مسيرة سفر أو كان في المصر ليلا فإنه يجري عليهم حكم قطاع الطريق، وهو: أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى والفتوى هنا على قول أبي يوسف، اهـ. ونقل مثله في التصحيح عن الينابيع وشرح الطحاوي (فقصدوا قطع الطريق، فأخذوا قبل أن يأخذوا مالا ولا قتلوا نفساً حبسهم الإمام) وهو المراد بالنفي في الآية؛ إذ المراد توزيع الأجزية على الأحوال كما هو مقرر في الأصول (حتى يحدثوا توبة) لا بمجرد القول، بل بظهور سيماء الصالحين أو الموت (وإن أخذوا مال مسلم أو ذمي والمأخوذ إذا قسم على جماعتهم) بالسوية (أصاب كل واحد منهم عشرة دراهم) فضة فصاعداً (أو ما قيمته ذلك) من غيرها (قطع الإمام أيديهم وأرجلهم من خلاف) أي قطع من كل واحد يده اليمنى ورجله اليسرى، وهذا إذا كان صحيح الأطراف كما مر، وهذه حالة ثانية (وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلهم الإمام حدا) لا قصاصاً، ولذا لا يشترط فيه أن يكون موجباً للقصاص بأن يكون بمحدد، ولا يجوز العفو عنه كما صرح بقوله: (فإن عفا الأولياء عنهم لم يلتفت إلى عفوهم) ، لأن الحدود وجبت حقاً لله تعالى لا حق للعباد فيها، وهذه حالة ثالثة (وإن قتلوا وأخذوا المال) وهي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 فالإمام بالخيار: إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ وقتلهم وصلبهم، وإن شاء قتلهم، وإن شاء صلبهم: يصلب حياً، ويبعج بطنه بالرمح إلى أن يموت، ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيامٍ، فإن كان فيهم صبيٌ أو مجنونٌ، أو ذو رحمٍ من المقطوع عليه سقط الحد عن الباقين.   الحالة الرابعة. (فالإمام بالخيار: إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) جزاء على أخذ المال (و) بعد ذلك (قتلهم وصلبهم) جزاء على القتل (وإن شاء قتلهم) فقط (وإن شاء صلبهم) فقط؛ لما في كل منهما من الإهلاك، وفي كفاية في الزجر قال الإمام الإسبيجاني: وهذا الذي ذكره قول أبي حنيفو وزفر، وقال أبو يوسف: لا أعفيه من الصلب، وقال محمد: لا يقطع، ولكن يقتل ويصلب، والصحيح قول أبي حنيفة، وفي الهداية والتجنيس: أنه ظاهر الرواية، واختاره المحبوبي والموصلي وغيرهما، تصحيح، (ويصلب) من يراد صلبه (حيا) وكيفيته: أن تغرز خشبة ويوقف عليها وفوقها خشبة أخرى ويربط عليها يديه (ويبعج بطنه بالرمح) من تحت ثديه الأيسر، ويخضخض بطنه (إلى أن يموت) وروى الطحاوي أنه يقتل أولا ثم يصلب بعد القتل؛ لأن الصلب حيا مثلة؛ ولأنه يؤدي إلى التعذيب، والأول أصح لأن صلبه حيا أبلغ في الزجر والردع كما في الجوهرة (ولا يصلب) : أي لا يبقى مصلوبا (أكثر من ثلاثة أيام) وهو ظاهر الرواية، كذا قال الصدر الشهيد في شرح الجامع الضغير، وعن أبي يوسف أنه يترك على خشبته حتى ينقطع فيسقط ليحصل الاعتبار لغيره، وجه الظاهر أن الاعتبار يحصل بالثلاثة فيعدها يتغير فيتأذى الناس فيخلى بينه وبين أهله ليدفن، غاية (فإن كان فيهم) : أي القطاع (صبي أو مجنون أو ذي رحم محرم من المقطوع عليهم) الطريق (سقط الحد عن الباقين) ؛ لأن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 وصار القتل إلى الأولياء: إن شاؤا قتلوا، وإن شاؤا عفوا، وإن باشر الفعل واحدٌ منهم أجري الحد على جماعتهم. كتاب الأشربة - الأشربة المحرمة أربعةٌ: الخمر، وهي: عصير العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد، والعصير إذا طبخ حتى ذهب أقل من ثلثيه،   الجناية واحدة قامت بالجميع، فإذا لم يكن قعل بعضهم موجباً صار في فعل الباقين بعض العلة فلا يترتب عليه الحكم، قال في الغاية: وهذا الذي ذكره القدوري ظاهر الرواية عن أصحابنا، وهو قول زفر، اهـ (و) إذا سقط الحد (صار القتل إلى الأولياء) ؛ لظهور حق العبد، وحينئذ (إن شاؤا قتلوا) قصاصا؛ فيعتبر فيه وجبه من القصاص أو الدية (وإن شاءوا عفوا) ؛ لأنه صار خالص حقهم (وإن باشر الفعل الواحد منهم) دون الباقين (أجري الحد على جماعتهم) ؛ لأنه إنما يأخذه بقوة الباقين. ومن قطع الطريق فلم يقدر عليه حتى جاء تائبا سقط عنه الحد بالتوبة قبل القدرة، ودفع إلى أولياء المقتول: إن كان قتل اقتص منه، وإن كان أخذ المال رده إن كان قائماً وضمنه إن كان هالكاً، لأن التوبة لا تسقط حق الآدمي، كما في الجوهرة. كتاب الأشربة والأشربة: جمع شراب، وهو لغة: كل ما يشرب، وخص شرعا بالمسكر. (الأشربة المحرمة أربعة) : أحدها (الخمر، وهي عصير العنب) النئ (إذا) ترك حتى (غلى) : أي صار يفور (واشتد) : أي قوي وصار مسكراً (وقذف) : أي رمي (بالزبد) : أي الرغوة، بحيث لا يبقى شيء منها فيصفو ويرق، وهذا قول أبي حنيفة، وعندهما إذا اشتد بحيث صار مسكراً وإن لم يقذف (و) الثاني (العصير) المذكور (إذا طبخ حتى ذهب أقل من ثلثيه) ويسمى الباذق والطلاء أيضاً، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 ونقيع التمر والزبيب إذا اشتد، ونبيذ التمر والزبيب إذا طبخ كل واحدٍ منهما أدنى طبخٍ حلالٌ، وإن اشتد، إذا شرب منه ما يغلب في ظنه أنه لا يسكره من غير لهوٍ ولا طربٍ،   وقيل: الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه كما في المحيط، وقيل: إذا ذهب ثلثه فهو الطلاء وإن ذهب نصفه فهو المنصف، وإن طبخ أدنى طبخ فالباذق، والكل حرام إذا غلى واشتد وقذف بالزبد على الاختلاف كما في الاختيار، وقال قاضيخان: ماء العنب إذا طبخ - وهو الباذق - يحل شربه ما دام حلواً عند الكل، وإذا غلى واشتد وقذف بالزبد يحرم قليله وكثيره، ولا يفسق شاربه، ولا يكفر مستحله، ولا يحد شاربه مالم يسكر منه، اهـ (و) الثالث (نقيع التمر و) الرابع نقيع (الزبيب) النيء (إذا اشتد) وقذف بالزبد على الاختلاف، والنقيع: اسم مفعول، قال في المغرب: يقال أنقع الزبيب في الخابية ونقعه إذا ألقاه فيها ليبتل وتخرج منه الحلاوة، وزبيب منقع بالفتح مخففاً، واسم الشراب نقيع، اهـ قال في الهداية: وهو حرام إذا اشتد وغلى؛ لأنه رقيق ملذ مطرب، إلا أن حرمة هذه الأشربة دون حرمة الخمر، حتى لا يكفر مستحلها، ولا يجب الحد بشربها حتى يسكر، ونجاستها خفيفة في رواية غليظة في أخرى، بخلاف الخمر، اهـ مختصرا. (ونبيذ التمر) هو اسم جنس فيتناول اليابس والرطب والبسر، ويتحد حكم الكل كما في الزاهدي، والنبيذ: شراب يتخذ من التمر أو الزبيب أو العسل أو البر أو غيره، بأن يلقى في الماء ويترك حتى يستخرج منه، مشتق من النبذ وهو الإلقاء كما أشار إليه في الطلبة وغيره، قهستاني (و) نبيذ (الزبيب إذا طبخ كل واحد منهما أدنى طبخ) . قال في الهداية: إذا ذهب أقل من ثلثيه فهو المطبوخ أدنى طبخ، اهـ (حلال وإن) غلى و (اشتد) وقذف بالزبد، قهستاني، قال العيني: ولم يذكر القذف اكتفاء بما سبق (إذا شرب منه ما يغلب على ظنه أنه لا يسكره) وكان شربه للتقوي ونحوه (من غير لهو ولا طرب) قال القهستاني: فالفرق بينه وبين النقيع بالطبخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 ولا بأس بالخليطين ونبيذ العسل والتين والحنطة والشعير والذرة حلالٌ وإن لم يطبخ.   وعدمه كما في النظم، قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد حرام، ومثله في الينابيع، ثم قال: والصحيح قولهما، واعتمده الأئمة المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، تصحيح؛ لكن يأتي قريبا أن الفتوى على قول محمد فتنبه. قيد بعدم اللهو والطرب، لأنه مع ذلك لا يحل بالاتفاق. (ولا بأس بالخليطين) : أي ماء الزبيب والتمر أو الرطب أو البسر المجتمعين المطبوخين أدنى طبخ كما في المعراج والعناية وغيرهما، والمفهوم من عبارة الملتقى عدم اشتراط الطبخ، ثم هذا إذا لم يكن أحد الخليطين ماء العنب، وإلا فلابد من ذهاب الثلثين كما في الكافئ. (ونبيذ العسل) ويسمى البتع. قال في المغرب: البتع - بكسر الباء وسكون التاء - شراب مسكر يتخذ من العسل باليمن (و) نبيذ (التينو) نبيذ (الحنطة) ويسمى بالمزر - بكسر الميم، كما في المغرب - (و) نبيذ (الشعير) ويسمى بالحقة - بكسر الحاء - كما في القهستاني (و) نبيذ (الذرة) بالذال العجمة - ويسمى بالسكركة - بضم السين والكاف وسكون الراء، كما في المغرب (حلال) شربه للتقوي واستمراء الطعام (وإن لم يطبخ) وإن اشتد وقذف بالزبد، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد حرام، قال في التصحيح: واعتمد قولهما البرهاني والنسفي وصدر الشريعة، اهـ وفي القهستاني: وحاصله أن شرب نبيذ الحبوب والحلاوات بشرطه حلال عند الشيخين؛ فلا يحد السكران منه، ولا يقع طلاقه وحرام عند محمد فيحد ويقع كما في الكافي، وعليه الفتوى كما في الكفاية وغيره، اهـ. ومثله في التنوير والملتقى والمواهب والنهاية والمعراج وشرح المجمع وشرح درر البحار والعيني حيث قالوا الفتوى في زماننا بقول محمد، لغلبة الفساد، وفي النوازل لأبي الليث ولو اتخذ شيئا من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 وعصير العنب إذا طبخ حتى ذهب منه ثلثاه وبقي ثلثه حلالٌ وإن اشتد، ولا بأس بالانتباذ في الدباء والحنتم والمزفت والنقير، وإذا تخللت الخمر حلت، سواءٌ صارت خلاً بنفسها أو بشيء طرح فيها،   الشعير أو الذرة أو التفاح أو العسل فاشتد وهو مطبوخ أو غير مطبوخ فإنه يجوز شربه ما دون السكر عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد: لا يجوز شربه، وبه نأخذ اهـ. (وعصير العنب إذا طبخ) بالنار أو الشمس (حتى ذهب منه ثلثاه وبقي ثلثه حلال) شربه حيث وجد شرطه (وإن) غلى و (اشتد) وقذف بالزبد كما سبق، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف أيضا، خلافا لمحمد، والخلاف فيه كالخلاف في سابقه، وقد علمت أن فتوى المتأخرين على قول محمد لفساد الزمان، وفي التصحيح: ولو طبخ حتى ذهب ثلثه ثم زيد عليه وأعيد إلى النار: إن أعيد قبل أن يغلي لا بأس به لأنه تم الطبخ قبل ثبوت الحرمة، وأن أعيد بعدما غلى الصحيح لا يحل شربه، اهـ. (ولا بأس بالانتباذ) : أي اتخاذ النبيذ (في الدباء) بضم الفاء وتشديد العين والمد - القرع، الواحدة دباءة، مصباح (والحنتم) الخزف الأخضر، أو كل خزف وعن أبي عبيدة: هي جرار خمر تحمل فيها الخمر إلى المدينة، الواحدة حنتمة، مغرب (والمزفت) الوعاء المطلي بالزفت، وهو القار، وهذا مما يحدث التغير في الشراب سريعا مغرب (والنقير) خشبة تنقر وينبذ فيها مصباح، وما ورد من النهي عن ذلك منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث فيه طول بعد ذكر هذه الأشياء: (فاشربوا في كل ظرف؛ فإن الظرف لا يحل شيئاً ولا يحرمه، ولا تشربوا المسكر) . وقاله بعد ما أخبر عن النهي عنه، فكان ناسخا له، هداية. (وإذا تخللت الخمر حلت) ، لزوال الوصف المفسد (سواء صارت خلا بنفسها أو بشيء طرح فيها) كالملح والخل والماء الحار، لأن التخليل يزبل الوصف المفسد، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 ولا يكره تخليلها. كتاب الصيد والذبائح - يجوز الاصطياد بالكلب المعلم، والفهد، والبازي، وسائر الجوارح المعلمة.   وإذا زال الوصف المفسد الموجب للحرمة حلت، كما إذا تخللت بنفسها، وإذا تخللت طهر الإناء أيضا؛ لأن جميع ما فيه من أجزاء الخمر يتخلل، إلا ما كان منه خاليا عن الخل، فقيل: يطهر تبعاً، وقيل: يغسل بالخل ليطهر؛ لأنه يتخلل من ساعته، وكذا لو صب منه الخمر فملئ خلا طهر من ساعته كما في الاختيار (ولا يكره تخليلها) ، لأنه إصلاح والإصلاح مباح. ولا يجوز أكل البنج والحشيش والأفيون، وذلك كله حرام، لأنه يفسد العقل ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، لكن تحريم ذلك دون تحريم الخمر، فإن أكل شيئا من ذلك لا حد عليه، وإن سكر منه، بل يعزر بما دون الحد كما في الجوهرة. كتاب الصيد والذبائح مناسبة الصيد للأشربة أن كلاً منهما يورث الغفلة واللهو، ومناسبة الصيد للذبائح جلية، أولأن الصيد والذبائح للأطعمة، ومناسبتها للأشربة غير خفية. والصيد لغة: مصدر (صاده) إذا أخذه، فهو صائد، وذاك مصيدٌ، ويسمى المصيد صيداً، فيجمع صيوداً، وهو: كل ممتنع متوحش طبعاًلا يمكن أخذه إلا بحيلة، مغرب. وزيد عليه أحكام شرعاً كما يأتي بيانها. (يجوز الأصطياد بالكلب المعلم والفهد والبازي وسائر الجوارح المعلمة) وهي: كل ذي ناب من السباع أو ذي مخلب من الطير، وعن أبي حنيفة أنه استثنى من ذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 وتعليم الكلب: أن يترك الأكل ثلاث مرات. وتعليم البازي: أن يرجع إذا دعوته. فإذا أرسل كلبه المعلم، أو بازيه، أو صقره، وذكر اسم الله تعالى عليه عند إرسال، فأخذ الصيد وجرحه فمات حل أكله، وإن أكل منه الكلب لم يؤكل، وإن أكل منه البازي أكل، وإذا أدرك المرسل   الأسد والدب؛ لأنهما لا يعملان لغيرهما: الأسد لعلو همته، والدب لخساسته، وألحق بعضهم الحدأة لخساستها، والخنزير مستثنى؛ لأنه نجس العين، ولا يجوز الأنتفاع به، هداية. (وتعليم الكلب) ونحوه من السباع (أن يترك الأكل) مما يصيده (ثلاث مرات) قيد بالأكل؛ لأنه لو شرب الدم لا يضر؛ لأنه من غاية علمه (وتعليم البازي) ونحوه من الطير (ان يرجع إذ دعوته) ، لأن آية التعليم ترك ما هو مألوف عادة، والبازي متوحش متنفر، فكانت الإجابة آية تعليمه؛ اما الكلب فهو الوف يعتاد الانتهاب فكان آية تعليمه ترك مألوفه وهو الأكل. (فإذا أرسل) مريد الصيد (كلبه المعلم أو بازيه أو صقره) المعلم (وذكر اسم الله عليه عند إرساله) ولو حكما بأن نسيها، فالشرط عدم تركها عنداً (فأخذ) المرسل (الصيد وجرحه) في أي موضع كان (فمات) الصيد من جرحه (حل أكله) قيد بالجرح لأنه إذا لم يجرحه ومات لم يؤكل في ظاهر الرواية كما يأتي قريباً (وإن أكل منه الكلب) ونحوه من السباع بعد ثبوت تعلمه (لم يؤكل) هذا الصيد، لأنه علامة الجهل، وكذا كا يصيده بعده حتى يصير معلماً، وأما ما صاده قبله فما أكل منها لا تظهر فيه الحرمة لعدم المحلية، ومالم يأكل يحرم عنده، خلافا لهما، وتمامه في الهداية (وإن أكل منه البازي أكل) لأن الترك ليس شرطاً في علمه (وإن أدرك المرسل) أو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 الصيد حياً وجب عليه أن يذكيه، فإن ترك تذكيته حتى مات لم يؤكل وإن خنقه الكلب ولم يجرحه لم يؤكل، وإن شاركه كلبٌ غير معلم   الرامي كما يأتي (الصيد حياً وجب عليه أن يذكيه) لأنه قدر على الذكاة الاختيارية فلا تجزئ الاضطرارية لعدم الضرورة (فإن ترك التذكية حتى مات) وكان فيه حياة فوق حياة المذبوح بأن يعيش مدة كاليوم أو نصفه كما في البدائع (لم يؤكل) لأنه مقدور على ذبحه ولم يذبح، فصار كالميتة. أطلق الإدراك فشمل ما إذا لم يتمكن من ذبحه لفقد آلة أو ضيق الوقت كما هو ظاهر الرواية، قال في الهداية: إذا وقع الصيد في يده ولم يتمكن من ذبحه، وفيه من الحياة فوق ما يكون في المذبوح، لم يؤكل في ظاهر الرواية، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يحل، اهـ. ومثله في الينابيع، وزاد: وروي عن أصحابنا الثلاثة أنه يؤكل استحسانا، وقيل: هذا أصح، اهـ. وقيدنا بما فوق حياة المذبوح، لأنه إذا أدرك به حياة مثل حياة المذبوح لا تلزم تذكيته، لأنه ميت حكماً، ولهذا لو وقع في الماء في هذه الحالة لا يحرم، كما إذا وقع وهو ميت، وقيل: هذا قولهما، أما عند أبي حنيفة لا يؤكل أيضاً؛ لأنه وقع حياً فلا يحل إلا بذكاة الاختيار كما في الهداية والاختيار (وإن خنقه الكلب) أو صدمه بصدره أو جبهته فقتله (ولم يجرحه لم يؤكل) في ظاهر الرواية، لأن الجرح شرط. قال الإسبيجاني: وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يؤكل، وهو رواية عن أبي يوسف، والصحيح ظاهر المذهب، اهـ. وفي العناية والمعراج وغيرهما: والفتوى على ظاهر الرواية اهـ. قال في الهداية: وهذا يدلك على أنه لا يحل بالكسر، وعن أبي حنيفة إذا كسر عضواً فقتله لا بأس بأكله لأنه جراحة باطنة، فهي كالجراحة الظاهرة، وجه الأول أن المعتبر جرح ينتهض سبباً لإنهار الدم، ولا يحصل ذلك بالكسر؛ فأشبه التخنيق، اهـ. (وإن شاركه) : أي شارك الكلب المعلم المرسل ممن تؤكل ذبيحته المصحوب بالتسمية (كلب غير معلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 أو كلب مجوسيٍ أو كلبٌ لم يذكر اسم الله تعالى عليه لم يؤكل. وإذا رمى الرجل سهماً إلى صيدٍ فسمى عند الرمي أكل ما أصاب إذا جرحه السهم فمات، وإن أدركه حياً ذكاه، وإن ترك تذكيته حتى مات لم يؤكل، وإن وقع السهم فتحامل حتى غاب عنه ولم يزل في طلبه حتى أصابه ميتاً أكل، وإن قعد عن طلبه ثم أصابه ميتاً لم يؤكل، وإذا رمى صيداً فوقع في الماء فمات لم يؤكل،   أو كلب مجوسي لم يذكر اسم الله عليه) عمداً (لم يؤكل) ، لأنه اجتمع المبيح والمحرم، فتغلب جهة المحرم احتياطا كما في الاختيار] . (وإذا رمى الرجل سهماً إلى صيد فسمى عند الرمى أكل ما أصاب) السهم (إذا جرحه السهم فمات) ؛ لأنه ذبح بالرمي، لكون السهم آلة له، فتشترط التسمية عنده، وجميع البدن محل لهذا النوع من الذكاة، ولابد من الجراحة، ليتحقق معنى الذكاة على ما بينا، هداية (وإن أدركه حياً ذكاه، وإن ترك تذكيته حتى مات لم يؤكل) كما تقدم آنفا (وإذا وقع السهم) بالصيد (فتحامل) : أي ذهب بالجرح، قال في الغرب: التحامل بالشيء أن يتكلفه على مشقة وإعياء، يقال: تحاملت في المشي، ومنه ضربه ضربا يقدر على التحامل معه، أي على المشي مع التكلف، ومنه ربما يتحامل الصيد ويطير، أي يتكلف الطيران، اهـ (حتى غاب) الصيد (عنه و) لكن (لم يزل) الرامي (في طلبه حتى أصابه ميتاً) وليس به إلا أثر سهمه (أكل) ؛ لأنه غير مفرط، وقد ذكاه الذكاة الضرورية؛ فيحال الموت إليها (وإن كان قعد عن طلبه ثم أصابه ميتاً لم يؤكل) ؛ لاحتمال موته بسبب آخره، والموهوم في هذا الباب كالمحقق، إلا أنه سقط اعتباره ما دام في طلبه ضرورة أنه لا يعرى الاصطياد عنه، ولا ضرورة فيما إذا قعد عن طلبه. قيدنا بأن ليس به إلا أثر سهمه، لأنه لو وجد به جراحا أخرى حرم، لاحتمال موته منها، والجواب في إرسال الكلب في هذا كالجواب في الرمي في جميع ما ذكرنا كما في الهداية (وإذا رمى صيداً فوقع في الماء فمات لم يؤكل) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 وكذلك إن وقع على سطحٍ أو جبلٍ ثم تردى منه إلى الأرض لم يؤكل، وإن وقع على الأرض ابتداءً أكل. وما أصاب المعراض بعرضه لم يؤكل، وإن جرحه أكل، ولا يؤكل ما أصابته البندقة إذا مات منها.   لاحتمال موته بالغرق (وكذلك إن وقع على سطح أو جبل ثم تردى منه إلى الأرض) ؛ لاحتمال موته من التردي (وإن وقع) الصيد (على الأرض ابتداء أكل) لأنه لا يمكن الاحتراز عنه، وفي اعتباره محرما سد باب الاصطياد، بخلاف ما تقدم، لأنه يمكن الاحتراز عنه، فصار الأصل: أن سبب الحرمة والحل إذا اجتمعا وأمكن التحرز عما هو سبب الحرمة ترجح جهة الحرمة احتياطاً، وإن كان مما لا يمكن التحرز عنه جرى وجوده مجرى عدمه، لأن التكليف بحسب الوسع. هداية. (وما أصاب المعراض بعرضه لم يؤكل) لأنه لا يجرح، والجرح لابد منه ليتحقق معنى الذكاة على ما قدمناه (وإن) أصاب بحده و (جرحه أكل) لتحقق معنى الذكاة. قيدنا بالجرح بالحد لأنه لو جرحه بعرضه فمات لم يؤكل، لقتله بثقله. والمعراض هو: سهم لا ريش له كما في المغرب، وفي الجوهرة: المعراض عصا. محددة الرأس، وقيل: هو السهم المنحوت من الطرفين (ولا يؤكل ما أصابته البندقة) بضم الباء. والدال طينة مدورة يرمي بها، مغرب (إذا مات منها) ، لأنها تدق وتكسر ولا تجرح، فصارت كالمعراض إذا لم يجرح، وكذلك إذا رماه بحجر، قال في الهداية: وكذلك إن جرحه إذا كان ثقيلا ولو به حدة لاحتمال أنه قتله بثقله، وإن كان خفيفا وبه حدة يحل، لتيقن الموت بالجرح، ثم قال: والأصل في هذه المسائل أن الموت إن كان مضافا إلى الجرح بيقين كان الصيد حلالا، وإذا كان مضافاً إلى الثقل بيقين كان حراماً، وإن وقع الشك كان حراماً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 وإذا رمى إلى صيدٍ فقطع عضواً منه أكل، ولا يؤكل العضو، وإن قطعه أثرثاً والأكثر مما يلي العجز أكل، وإن كان الأكثر مما يلي الرأس أكل الأكثر، ولا يؤكل الأقل، ولا يؤكل صيد المجوسي والمرتد والوثني. ومن رمى صيداً فأصابه ولم يثخنه ولم يخرجه من حيز الامتناع فرماه آخر فقتله فهو للثاني، ويؤكل،   احتياطاً، والحديد وغيره سواء، اهـ مع بعض تغيير] . (وإذا رمى إلى صيد فقطع عضواً منه أكل) ذلك الصيد؛ لوجود الجرح (ولا يؤكل العضو) المقطوع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (ما أبين من الحي فهو ميت) والعضو بهذه الصفة؛ لأن المبان منه حي حقيقة لقيام الحياة، وكذا حكما لأنه يتوهم سلامته بعد هذه الجراحة، جوهرة (وإن قطعه أثرثا و) كان (الأكثر مما يلي العجز) أوقده نصفين، أو قطع نصف رأسه أو أكثره (أكل) الكل؛ لأن في هذه الصور لا يمكن فيه حياة فوق حياة المذبوح، فلم يتناوله الحديث المذكور، بخلاف ما إذا كان الأكثر مما يلي الرأس لإمكان الحياة فوق حياة المذبوح؛ فيحل ما مع الرأس ويحرم العجز؛ لأنه مبان من الحي كما ذكر. (ولا يؤكل صيد المجوسي والمرتد ة والوثني) ، لأنهم ليسوا من أهل الذكاة كما يأتي، وذكاة الاضطرار كذكاة الاختيار. (ومن رمى صيداً فأصابه ولم يثخنه) : أي لم يوهنه (ولم يخرجه من حيز الامتناع) عن الأخذ (فرماه آخر فقتله) أو أثخنه وأخرجه عن حيز الامتناع (فهو للثاني) ؛ لأنه الآخذ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (الصيد لمن أخذه) ، هداية (ويؤكل) : أي ذلك الصيد، لأنه مالم يخرج عن حيز الامتناع فدكاته ضرورية، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 وإن كان الأول أثخنه فرماه الثاني فقتله لم يؤكل، والثاني ضامنٌ لقيمته للأول غير ما نقصته جراحته. ويجوز اصطياد ما يؤكل لحمه من الحيوان وما لا يؤكل. وذبيحة المسلم والكتابي حلالٌ، ولا تؤكل ذبيحة المجوسي   وقد حصلت، قال في الهداية: وهذا إذا كانت الرمية الأولى بحال ينجو منه الصيد، لأنه حينئذ يكون الموت مضافا إلى الرامي الثاني، اهـ. (وإن كان) الرامي (الأول أثخنه) بحيث أخرجه عن حيز الامتناع (فرماه الثاني فقتله لم يؤكل) لاحتمال الموت بالثاني وهذا ليس بذكاة، للقدرة على ذكاة الاختيار، بخلاف الوجه الأول، هداية (و) الرامي (الثاني ضامن لقيمته للأول) ؛ لأنه بالرمي أتلف صيداً مملوكاً للغير، لأن الأول ملكه بالرمي المثخن (غير ما نقصته جراحته) ، لأنه أتلفه وهو جريح، وقيمة المتلف تعتبر يوم الإتلاف. (ويجوز اصطياد ما يؤكل لحمه من الحيوان) ، لأنه سبب للإنتفاع بلحمه، وبقية أجزائه (و) كذا (مالا يؤكل) ، لأنه سبب للإنتفاع بجلده أو شعره أو قرنه أو لاستدفاع شره. (وذبيحة المسلم والكتابي) إذا كان يعقل التسمية والذبح ويضبطه، وإن كان صبياً أو مجنونا أو امرأة كما في الهداية (حلال) ، لوجود شرطه، وهو: كون الذابح صاحب ملة التوحيد: إما اعتقاداً كالمسلم، أو دعوى كالكتابي، هداية. (ولا تؤكل ذبيحة المجوسي) لقوله صلى الله عليه وسلم: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم) ، ولأنه لا يدعي التوحيد، فانعدمت الملة اعتقاداً ودعوى، هداية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 والمرتد والوثني والمحرم، وإن ترك الذابح التسمية عمداً فالذبيحة ميتةٌ لا تؤكل، وإن تركها ناسياً أكلت.   (والمرتد) لأنه لا ملة له (والوثني) لأنه لا يعتقد الملة (والمحرم) بأحد النسكين، قال في الهداية: يعني من الصيد، وكذا لا يؤكل ما ذبح في الحرم من الصيد، والإطلاق في المحرم ينتظم الحل والحرم، والذبح في الحرم يستوي فيه الحلال والمحرم، وهذا لأن الذكاة فعل مشروع، وهذا الصنيع محرم، فلم تكن ذكاة. اهـ. (وإن ترك الذابح التسمية عمداً) مسلماً كان أو كتابيا (فذبيحته ميتة لا تؤكل) لقوله تعالى {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} الآية (وإن تركها ناسياً أكلت) ، لأن في تحريمه حرجاً عظيماً، لأن الإنسان قلما يخلو عن النسيان، فكان في اعتباره حرج، والحرج مدفوع، ولأن الناسي غير مخاطب بما نسيه بالحديث (هو قوله صلى الله عليه وسلم "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان") ، فلم يترك فرضا عليع عند الذبح، بخلاف العامد كما في الاختيار. قال في الهداية: ثم التسمية في ذكاة الاختيار تشترط عند الذبح، وهي على المذبوح، وفي الصيد عند الإرسال والرمي، وهي على الآلة، لأن المقدور له في الأول الذبح، وفي الثاني الرمي والإرسال دون الإصابة، فتشترط عند فعل ما يقدر عليه، حتى إذا أضجع شاة وسمى فذبح غيرها بتلك التسمية لا يجوز، ولو رمى الصيد وسمى وأصاب غيره حل، وكذا في الإرسال، ولو أضجع شاة وسمى ثم رمى بالشفرة وذبح بأخرى أكل، ولو سمى على سهم ثم رمى بغيره صيداً لا يؤكل، اهـ. وفيها أيضاً: والشرط في التسمية هو الذكر الخالص المجرد، فلو قال عند الذبح (اللهم اغفر لي) لا يحل؛ لأنه دعاء وسؤال، ولو قال (الحمد لله) أو (سبحان الله) يريد التسمية حل؛ ولو عطس عند الذبح فقال (الحمد لله) لا يحل في أصح الروايتين؛ لأنه يريد الحمد لله على نعمة العطاس دون التسمية، وما تداولته الألسن عند الذبح - وهو (بسم الله والله أكبر) - منقول عن ابن عباس، اه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 ولا تجزئ مقطوعة الأذن، والذنب، ولا التي ذب أكثر أذنها فإن بقي الأكثر من الأذن والذنب جاز ويجوز أن يضحى بالجماء والخصي والجرباء والثولاء والأضحية من الإبل والبقر والغنم يجزئ من ذلك كله الثنى فصاعداً، إلا الضأن فإن الجذع منه يجزئ   لا مخ في عظامها (ولا تجزئ مقطوعة الأذن، و) لا مقطوعة (الذنب، ولا التي ذب أكثر أذنها) أو ذنبها (فإن بقي الأكثر من الأذن والذنب جاز) ؛ لأن للأكثر حكم الكل بقاء وذهابا، ولأن العيب اليسير لا يمكن التحرز عنه فجعل عفواً. (ويجوز أن يضحى بالجماء) وهي التي لا قرن لها، لأن القرن لا يتعلق به مقصود، وكذا مكسورة القرن لما قلنا، هداية (والخصي) لأن لحمه أطيب (والجرباء) السمينة، لأن الجرب يكون في جلدها، ولا نقصان في لحمها، بخلاف المهزولة، لأن الهزال يكون في لحمها (والثولاء) وهي المجنونة؛ وقيل: هذا إذا كانت تعتلف، لأنه لا يخل بالمقصود، أما إذا كانت لا تعتلف لا تجزئه، هداية. ثم قال: وهذا الذي ذكرناه إذا كانت هذه العيوب قائمة وقت الشراء، ولو اشتراها سليمة ثم تعيبت بعيب مانع: إن كان غنياً غيرها وإن كان فقيراً تجزئه، وتمامه فيها. (والأضحية) إنما تكون (من الإبل والبقر والغنم) فقط، لأنها عرفت شرعاٍ ولم تنقل التضحية بغيرها من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من الصحابة رضي الله عنهم، هداية (يجزئ من ذلك كله الثنى) وهو ابن خمس من الإبل، وحولين من البقر والجاموس، وحول من الضأن والمعز (فصاعداً، إلا الضأن فإن الجذع) وهو ابن ستة أشهر (منه يجزئ) قالوا: وهذا إذا كانت عظيمة بحيث لو خلط بالثنايا يشتبه على الناظر من بعيد، هداية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 والعروق التي تقطع في الذكاة أربعةٌ: الحلقوم، والمرئ، والودجان، فإذا قطعها حل الأكل، وإن قطع أكثرها فكذلك عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لابد من قطع الحلقوم والمرئ وأحد الودجين.   إن كان الذبح فوق العقدة قطع ثلاثة من العروق، فالحق ما قاله شراح الهداية تبعاً للرستغنى وإلا فالحق خلافه، إذ لم يوجد شرط الحل باتفاق أهل المذهب، ويظهر ذلك بالمشاهدة أو سؤال أهل الخبرة، فاغتنم هذا المقال، ودع عنك الجدال، اهـ (والعروق التي تقطع في الذكاة أربعة: الحلقوم) بفتح الحاء - أصله (الحلق) زيد الواو والميم كما في المقاييس مجرى النفس لا غير، قهستاني (والمرئ) وزان كريم - رأس المعدة والكرش اللازق بالحلقوم، يجري فيه الطعام والشراب، ومنه يدخل في المعدة، وهو مهموز، وجمعه مرؤ - بضمتين - مثل بريد وبردٍ، وحكى الأزهري الهمز والإبدال والإدغام مصباح. (والودجان) تثنية ودج - بفتحتين - عرقان عظيمان في جانبي قدام العنق بينهما الحلقوم والمرئ، قهستاني (فإن قطعها) : أي العروق الأربعة (حل الأكل) اتفاقاً، (وإن قطع أكثرها) يعني ثلاثة منها أي ثلاثة كانت (فكذلك) : أي حل الأكل (عند أبي حنيفة، وقالا: لابد من قطع الحلقوم والمرئ وأحد الودجين) قال في الجوهرة: والمشهور في كتب أصحابنا أن هذا قول أبي يوسف وحده، اهـ وكذا قال الزاهدي وصاحب الهداية، ثم قال: وعن محمد أنه يعتبر أكثر كل فرد، وهو رواية عن الإمام لأن كل فرد منها أصل بنفسه لانفصاله عن غيره، ولورود الأمر بفريه فيعتبر أكثر كل واحد منها، اهـ، قال في زاد الفقهاء: والصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده الإمام المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 ويجوز الذبح بالليطة والمروة، وبكل شيء أنهر الدم إلا السن القائم والظفر القائم. ويستحب أن يحد الذابح شفرته، ومن بلغ بالسكين النخاع، أو قطع الرأس كره له ذلك، وتؤكل ذبيحته، وإن ذبح الشاة من قفاها، فإن بقيت حيةً حتى قطع العروق جاز ويكره.   (ويجوز الذبح بالليطة) بكسر اللام وسكون الياء - وهي قشر القصب اللازق كما في حاشية الحموي (والمروة) بفتح الميم - كما في المنح عن أخي زاده، قال في الجوهرة: والمروة واحدة المرو، وهي حجارة بيض براقة تقدح منها النار، اهـ (وبكل شيء) له حدة تذبح به بحيث إذا ذبح به فرى الأوداج (أنهر) أي أسال (الدم) ؛ لأن ذلك حقيقة الذبح (إلا السن القائم) : أي غير المنزوع (والظفر القائم) فإنه لا يحل - وإن فرى الأوداج وأنهر الدم - بالإجماع؛ للنص، ولأنه يقتل بالثقل، لأنه يعتمد عليه. قيد بالقائم لأن المنزوع إذا عمل عمل السكين حل عندنا وإن كره قهستاني. (ويستحب أن يحد الذابح شفرته) بالفتح - السكين العظيم، وأن يكون قبل الإضجاع، وكره بعده (ومن بلغ بالسكين النخاع) بتثليث النون - هو خيط أبيض في جوف الفقار، يقال: ذبحه فنخعه، أي جاوز منتهى الذبح إلى النخاع كما في الصحاح (أو قطع الرأس) قبل أن تسكن (كره له ذلك) لما فيه من زيادة تعذيب الحيوان بلا فائدة، وهو منهيٌ عنه (وتؤكل ذبيحته) ؛ لأن كراهة الفعل لا توجب التحريم (وإن ذبح الشاة من قفاها فإن بقيت حية حتى قطع العروق) اللازم قطعها (جاز) وحلت، لتحقق الموت بما هو ذكاة (و) لكن (يكره) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 وإن ماتت قبل قطع العروق لم تؤكل. وما استأنس من الصيد فذكاته الذبح، وما توحش من النعم فذكاته العقر والجرح. والمستحب في الإبل النحر، فإن ذبحها جاز ويكره. والمستحب في البقر والغنم الذبح، فإن نحرهما جاز ويكره. ومن نحر ناقةً أو ذبح بقرةً أو شاةً، فوجد في بطنها جنيناً ميتاً لم يؤكل أشعر أو لم يشعر.   ذلك، لما فيه من زيادة التعذيب من غير حاجة كما مر. (وإن ماتت) الشاة (قبل قطع العروق لم تؤكل) لوجود الموت بما ليس بذكاة. (وما استأنس من الصيد) وصار مقدورا عليه (فذكاته الذبح) لأن ذكاة الاضطرار إنما يصار إليها عند العجز عن ذكاة الاختيار، ولا عجز إذا استأنس وصار مقدوراً عليه (وما توحش من النعم) وصار ممتنعاً لا يقدر عليه (فذكاته) ذكاة الضرورة (العقر والجرح) لتحقق العجز. (والمستحب في الإبل النحر) في اللبة، وهو موضع القلادة من الصدر، لموافقة السنة المتوارثة، ولاجتماع العروق فيها في النحر (فإن ذبحها) من الأعلى جاز، و) لكن (يكره) لمخالفته السنة (والمستحب في البقر والغنم الذبح) من أعلى العنق، لأنه المتوارث، ولاجتماع العروق فيهما في الذبح (فإن نحرهما) من أسفل العنق (جاز، و) لكن (يكره) لمخالفة السنة. (ومن نحر ناقة أو ذبح بقرة أو شاة فوجد في بطنها جنيناً ميتاً لم يؤكل) سواء كان (أشعر أو لم يشعر) يعني تم خلقه أو لم يتم، لأنه لا يشعر إلا بعد تمام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 ولا يجوز أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلبٍ من الطير، ولا بأس بغراب الزرع، ولا يؤكل الأبقع الذي يأكل الجيف،   الخلق، قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة، وهو قول زفر والحسن بن زياد، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا تم خلقه أكل. اهـ. قال في التصحيح: واختار قول أبي حنيفة الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما، اهـ. (ولا يجوز أكل كل ذي ناب) يصيد به (من السباع) بيان لذي ناب، والسباع: جمع سبع، وهو: كل حيوان مختطف منتهب جارح قاتل عادٍ عادة، هداية، (ولا كل ذي مخلب) بكسر الميم - يصيد به، والمخلب: ظفر كل سبع من الماشي والطائر كما في القاموس (من الطير) بيان لذي مخلب (ولا بأس بغراب الزرع) وهو المعروف بالزاغ؛ لأنه يأكل الحب، وليس من سباع الطير، وكذا الذي يخلط بين أكل الحب والجيف كالعقعق وهو المعروف بالقاق، على الأصح، كما في العناية وغيرها، وفي الهداية: لا بأس بأكل العقعق، لأنه يخلط فأشبه الدجاجة، وعن أبي يوسف أنه يكره؛ لأن غالب أكله الجيف (ولا يؤكل) الغراب (الأبقع الذي يأكل الجيف) جمع جيفة، جثة الميت إذا أراح (تقول "أراح اللحم" إذا انتن، ويقال أيضا "أراح الماء" وربما قيل "أروح الماء واللحم" بوزن أكرم من غير قلب على الأصل) كما في الصحاح، قال القهستاني: أي لا يأكل إلا الجيفة وجثة الميت، وفيه إشعار بأنه لو أكل من الثلاثة الجيفة والجثة والحب جميعا حل ولم يكره، وقالا: يكره والأول أصح، اهـ. وفي العناية الغراب ثلاثة أنواع: نوع يلتقط الحب ولا يأكل الجيف، وليس بمكروه، ونوع لا يأكل إلا الجيف، وهو الذي سماه المصنف الأبقع، وإنه مكروه، ونوع يخلط يأكل الحب مرة والجيف أخرى، ولم يذكره في الكتاب، وهو غير مكروه عنده مكروه عند أبي يوسف، اه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 ويكره أكل الضبع والضب والحشرات كلها. ولا يجوز أكل لحم الحمر الأهلية والبغال، ويكره لحم الفرس عند أبي حنيفة، ولا بأس بأكل الأرنب. وإذا ذبح ما لا يؤكل لحمه طهر لحمه وجلده.   (ويكره) أي لا يحل (أكل الضبع) لأن له ناباً (والضب) دابة تشبه الجرذون لورود النهي عنه، ولأنه من الحشرات (والحشرات) وهي صغار دواب الأرض (كلها) : أي المائي والبري كالضفدع والسلحفاة والسرطان والفأر والوزغ والحيات لأنها من الخبائث، ولهذا لا يجب على المحرم بقتلها شيء. (ولا يجوز أكل لحم الحمر) بضمتين (الأهلية) ، لورود النهي عنها (والبغال) ، لأنها متولدة من الحمر فكانت مثلها. قيد بالأهلية، لأن الوحشية حلال وإن صارت أهلية، وإن نزا أحدهما على الآخر فالحكم للأم كما في النظم، قهستاني (ويكره أكل لحم الفرس عند أبي حنيفة) قال الإمام الإسبيجاني: الصحيح أنها كراهة تنزيه، وفي الهداية وشرح الزاهدي: ثم قيل: الكراهة عنده كراهة تحريم، وقيل: كراهة تنزيه، والأول أصح، وقالا: لا بأس بأكله، ورجحوا دليل الإمام، واختاره المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، تصحيح (ولا بأس بأكل الأرنب) ، لأنه ليس من السباع، ولا من آكلة الجيف، فأشبه الظبي. (وإذا ذبح مالا يؤكل لحمه طهر) بفتح الهاء وضمها (لحمه وجلده) ، لأن الذكاة تؤثر في إزالة الرطوبات والدماء السيالة، وهي النجسة دون الجلد واللحم، فإذا زالت طهرت كما في الدباغ، هداية. قال في التصحيح: وهذا مختار صاحب الهداية أيضاً، وقال كثير من المشايخ: يطهر جلده لا لحمه، وهو الأصح كما في الكافي والغاية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 إلا الآدمي والخنزير، فإن الذكاة لا تعمل فيهما. ولا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك، ويكره أكل الطافي منه ولا بأس بأكل الجريث والمار ما هي. ويجوز أكل الجراد، ولا ذكاة له.   والنهاية وغيرها، اهـ. (إلا الآدمي والخنزير، فإن الذكاة لا تعمل فيهما) : الآدمي لكرامته وحرمته، والخنزير لنجاسة عينه وإهانته كما في الدباغ. (ولا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك) لقوله تعالى {ويحرم عليهم الخبائث} وما سوى السمك خبيث (ويكره أهل الطافي منه) على وجه الماء الذي مات حتف أنفه، وهو ما بطنه من فوق، فلو ظهره من فوق فليس بطاف فيؤكل كما يؤكل ما في بطن الطافي، وما مات بحر الماء وبرده وبربطه فيه أو إلقاء شيء فموته بآفة، در عن الوهبانية. (ولا بأس بأكل) السمك (الجريث) بكسر الجيم وتشديد الراء - ويقال له الجرى: ضرب من السمك مدور (والمار ما هي) ضرب من السمك في صورة الحية، قال في الدرر: وخصها بالذكر إشارة إلى ضعف ما نقل في المغرب عن محمد أن جميع السمك حلال غير الجريث والمار ماهي. اهـ. (ويجوز أكل الجراد، ولا ذكاة له) ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أحلت لنا ميتتان: السمك والجراد) . وسئل الإمام علي رضي اللهتعالى عنه عن الجراد يأخذه الرجل وفيه الميت فقال: كله كله، وهذا عد من فصاحته، هداية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 كتاب الأضحية. - الأضحية واجبةٌ على كل حرٍ مسلمٍ مقيمٍ موسرٍ، في يوم الأضحى عن نفسه وولده الصغار، يذبح عن كل واحدٍ منهم شاةً أو يذبح بدنةً أو بقرةً عن سبعةٍ.   كتاب الأضحية (من ذكر الخاص بعد العام، وفيها لغات؛ ضم الهمزة في الأكثر، وهي في تقدير أفعولة، وكسرها إتباعاً لكسرة الحاء؛ والجمع أضاحي، والثالثة ضحية، والجمع ضحايا، مثل عطية وعطايا، والرابعة أضحاة بفتح الهمزة - والجمع أضحى، مثل أرطأة وأرطى، ومنه عيد الأضحى، كذا في المصباح. (الأضحية) لغة: اسم لما يذبح وقت الضحى، ثم كثر حتى صار أسماً لما يذبح في أي وقت كان من أيام الأضحى، من تسمية الشيء باسم وقته. وشرعاً: ذبح حيوان مخصوص في وقت مخصوص بنية القربة، وهي (واجبة) قال في التصحيح: وهذا قول أبي حنيفة ومحمد والحسن وزفر، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف، وعنه أنها سنة، وذكر الطحاوي أنه على قول أبي حنيفة واجبة، وعلى قول أبي يوسف ومحمد سنة مؤكدة، وهكذا ذكر بعض المشايخ الاختلاف، وعلى قول أبي حنيفة اعتمد المصححون كالمحبوبي والنسفي وغيرهما، اهـ (على كل حر مسلم مقيم) بمصر أو قرية أو بادية كما في الجوهرة (موسر) يسار الفطرة (في يوم الأضحى) أي يوم من أيامها الثلاثة الآتية، لأنها مختصة بها (عن نفسه، و) عن كل واحد من (ولده) بضم الواو - جمع ولد (الصغار) اعتباراً بالفطرة (يذبح عن كل واحد منهم شاة أو يذبح بدنة) من الإبل (أو بقرة عن سبعة) وكذا ما دونهم بالأولى، فلو عن أكثر لم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 وليس على الفقير والمسافر أضحيةٌ، ووقت الأضحية يدخل بطلوع الفجر من يوم النحر؛ إلا أنه لا يجوز لأهل الأمصار الذبح حتى يصلي الإمام صلاة العيد، فأما أهل السواد فيذبحون بعد الفجر،   تجز عن أحد منهم، قال في التصحيح: وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة، قال في شرح الزاهدي: ويروى عنه أنه لا يجب عن ولده، وهو ظاهر الرواية، ومثله في الهداية. وقال الإسبيجاني: وهو الأظهر، وإن كان للصغير مال اختلف المشايخ على قول أبي حنيفة، والأصح أنه لا يجب، وهكذا ذكر شمس الأئمة السرخسي، وجعله صدر الشهيد ظاهر الرواية. وقال القدوري - وتبعه صاحب الهداية -: والأصح أنه يضحي من ماله، ويأكل منه ما أمكنه، ويبتاع بما بقي ما ينتفع بعينه، اهـ. (وليس على الفقير والمسافر أضحية) واجبة، دفعاً للحرج؛ أما الفقير فظاهر، وأما المسافر فلان أداءها يختص بأسباب تشق على المسافر وتفوت بمضي الوقت. (ووقت الأضحية) لأهل الأمصار والقرى (يدخل بطلوع الفجر من يوم النحر، إلا أنه لا يجوز لأهل الأمصار الذبح) في اليوم الأول (حتى يصلي الإمام صلاة العيد) أو يخرج وقتها بالزوال، لأنه يشترط في حقهم تقديم صلاة العيد على الأضحية أو خروج وقتها، فإذا لم يوجد أحدهما لا تجوز الأضحية، لفقد الشرط (فأما أهل السواد) أي القرى (فيذبحون بعد الفجر) لوجود الوقت وعدم اشتراط الصلاة لأنه لا صلاة عليهم، وما عبر به بعضهم - من أن أول وقتها بعد صلاة العيد إن ذبح في مصر، وبعد طلوع الفجر إن ذبح في غيره - قال القهستاني: فيه تسامح، إذ التضحية عبادة لا يختص وقتها بالمصر وغيره، بل شرطها، فأول وقتها في حق المصري والقروي طلوع الفجر، إلا أنه شرط لأهل المصر تقديم الصلاة عليها، فعدم الجواز لفقد الشرط، لا لعدم الوقت كما في المبسوط، وإليه أشير في الهداية وغيرها، اهـ. ثم المعتبر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 وهي جائزةٌ في ثلاثة أيامٍ: يوم النحر، ويومان بعده. ولا يضحى بالعمياء والعوراء والعرجاء، التي لا تمشي إلى المنسك، ولا العجفاء.   في ذلك مكان الأضحية، حتى لو كانت في السواد والمضحي في المصر تجوز كما انشق الفجر، وفي العكس لا يجوز إلا بعد الصلاة، هداية. قيدنا باليوم الأول لأنه في غير اليوم الأول لا يشترط تقديم الصلاة، وإن صليت فيه، قال في البدائع: وإن أخر الإمام صلاة العيد فلا ذبح حتى ينتصف النهار، فإن اشتغل الإمام فلم يصل أو ترك عمداً حتى زالت الشمس فقد حل الذبح بغير صلاة في الأيام كلها، لأنه لما زالت الشمس فقد فات وقت الصلاة، وإنما يخرج الإمام في اليوم الثاني والثالث على وجه القضاء، والترتيب شرط في الأداء لا في القضاء، كذا ذكره القدوري، اهـ. وذكر نحوه الزيلعي عن المحيط. (وهي جائزة في ثلاثة أيام) وهي (يوم النحر، ويومان بعده) ، لما روى عن عمر وعلي وابن عباس رضي اللهعنهم، قالوا: أيام النحر ثلاثة أفضلها أولها، وقد قالوه سماعا لأن الرأي لا يهتدي إلى المقادير، وفي الأخبار تعارض فأخذنا بالمتيقن وهو الأقل، وأفضلها أولها كما قالوا، ولأن فيه مسارعة إلى أداء القربة وهو الأصل إلا لمعارض، ويجوز الذبح في لياليها، إلا أنه يكره، لاحتمال الغلط في ظلمة الليل، وأيام النحر ثلاثة، وأيام التشريق ثلاثة، والكل يمضي بأربعة، أولها نحر لا غير، وآخرها تشريق لا غير، والمتوسطان نحر وتشريق، هداية. (ولا يضحى بالعمياء) الذاهبة العينين (والعوراء) الذاهبة إحداهما (والعرجاء العاطلة إحدى القوائم، إذا كانت بينة العرج، وهي (التي لا تمشي إلى المنسك) بفتح العين وكسرها - الموضع الذي تذبح فيه النسائك (ولا العجفاء) أي المهزولة التي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 ولا تجزئ مقطوعة الأذن والذنب، ولا التي ذهب أكثر أذنها، فإن بقي الأكثر من الأذن والذنب جاز. ويجوز أن يضحى بالجماء والخصى والجرباء والثولاء. والأضحية من الإبل والبقر والغنم، يجزئ من ذلك كله الثنى فصاعداً إلا الضأن فإن الجذع منه يجزئ.   (والذبح) الاختياري (في الحلق) وهو في الأصل الحلقوم كما في القاموس (واللبة) بالفتح والتشديد، بوزن حبة - المنحر: أي من العقدة إلى مبدأ الصدر، وكلام التحفة والكافي وغيرهما يدل على أن الحلق يستعمل في العنق بعلاقة الجزئية، فالمعنى مبدأ الحلق: أي أصل العنق كما في القهستاني، فكلام المصنف محتمل للروايتين الآتيتين عن الجامع والمبسوط، قال في الهداية: وفي الجامع الصغير: لا بأس بالذبح في الحلق كله وسطه وأعلاه وأسفله، اهـ. وعبارة المبسوط: الذبح ما بين اللبة واللحيين كالحديث اهـ، قال في النهاية: وبينهما اختلاف من حيث الظاهر؛ لأن رواية المبسوط تقتضي الحل فيما إذا وقع الذبح قبل العقدة، لأنه بين اللبة واللحيين، ورواية الجامع تقتضي عدمه، لأنه إذا وقع قبلها لم يكن الحلق محل الذبح؛ فكانت رواية الجامع مقيدة لإطلاق رواية المبسوط، وقد صرح في الذخيرة بأن الذبح إذا وقع أعلى من الحلقوم لا يحل؛ لأن المذبح هو الحلقوم، ولكن رواية الإمام الرستغنى تخالف هذه حيث قال: هذا قول العوام وليس بمعتبر، فتحل سواء بقيت العقدة مما يلي الرأس أو الصدر، لأن المعتبر عندنا قطع أكثر الأوداج وقد وجد، وكان شيخي يفتي بهذه الرواية، ويقول: الرستغنى إمام معتمد في القول والعمل اهـ. وأيد الإتقاني هذه الرواية في غاية البيان وشنع على من خالفها غاية التشنيع. وقال: ألا ترى قول محمد في الجامع (أو أعلاه) فإذا ذبح في الأعلى لابد أن تبقى العقدة تحت، ولم يلتفت إلى العقدة في كلام الله تعالى ولا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل الذكاة بين اللبة واللحيين بالحديث، وقد حصلت لاسيما على قول الإمام من الاكتفاء بثلاثة من الأربع أيا كانت، ويجوز ترك الحلقوم أصلا. فبالأولى إذا قطع من أعلاه وبقيت العقدة أسفل، اهـ. ومثله في المنح عن البزازية، وبه جزم صاحب الدرر والملتقى والعيني وغيرهم، ولكن جزم في النقاية والمواهب والإصلاح بأنه لابد أن تكون العقدة مما يلي الرأس، وإليه مال الزيلعي، قال شيخنا: والتحرير للمقام أن يقال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 ويأكل من لحم الأضحية، ويطعم الأغنياء والفقراء، ويدخر. ويستحب أن لا ينقص الصدقة من الثلث، ويتصدق بجلدها أو يعمل منه آلة تستعمل في البيت. والأفضل أن يذبح أضحيته بيده إن كان يحسن الذبح، ويكره أن يذبحها الكتابي.   (ويأكل) المضحي (من لحم الأضحية، ويطعم الأغنياء والفقراء، ويدخر) لقوله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن أكل لحوم الأضاحي، فكلوا وادخروا) ولا يعطى أجر الجزار منها، للنهي عنه كما في الهداية. (ويستحب) له (أن لا ينقص الصدقة من الثلث) لأن الجهات ثلاثة: الأكل، والادخار، لما روينا، والإطعام؛ لقوله تعالى: {وأطعموا القانع والمعتر} فانقسم عليها أثلاثاً، هداية. (ويتصدق بجلدها) لأنه جزء منها (أو يعمل منه آلة) كنطع وجراب وغربال ونحوها (تستعمل في البيت) قال في الهداية: ولا بأس بأن يشتري به ما ينتفع في البيت مع بقائه، استحساناً، لأن للبدل حكم المبدل، اهـ. (والأفضل أن يذبح أضحيته بيده، إن كان يحسن الذبح) ، لأنه عبادة، وفعلها بنفسه أفضل، وإن كان لا يحسن الذبح استعان بغيره وشهدها بنفسه، لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي اللهعنها (قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة من دمها كل ذنب) كما في الهداية. (ويكره أن يذبحها الكتابي) لأنها عمل هو قربة، وهو ليس من أهلها، ولو أمره فذبح جاز، لأنه من أهل الذكاة، والقربة أقيمت بإنابته ونيته، بخلاف ما إذا أمر المجوسي، لأنه ليس من أهل الذكاة فكان إفساداً، هداية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 وإذا غلط رجلان فذبح كل واحدٍ منهما أضحية الآخر أجزأ عنهما ولا ضمان عليهما.   (وإذا غلط رجلان فذبح كل واحد منهما أضحية الآخر أجزأ عنهما) استحساناً، لأنها تعينت للذبح، فصار المالك مستعيناً بكل من كان أهلا للذبح إذناً له دلالة، فيأخذ كل واحد منهما مسلوخه من صاحبه (ولا ضمان عليهما) ، لأن كل واحد منهما وكيل عن صاحبه فيما فعل دلالة، فإن كانا قد أكلا ثم علما فليحلل كل واحد منهما صاحبه، ويجزئهما؛ لأنه لو أطعمه في الابتداء يجوز، وإن كان غنياً، فكذا له أن يحللهفي الانتهاء، وإن تشاحا فلكل واحد منهما أن يضمن صاحبه قيمة لحمه ثم يتصدق بتلك القيمة؛ لأنها بدل من اللحم، فصار كما لو باع أضحيته، وهذا لأن التضحية لما وقعت من صاحبه كان اللحم له، ومن أتلف أضحية غيره كان الحكم ما ذكرناه، هداية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 الجزء الرابع. كتاب الأيمان. - الأيمان على ثلاثة أضربٍ: يمينٌ غموسٌ، ويمينٌ منعقدةٌ، ويمينٌ لغوٌ. فاليمين الغموس هي: الحلف على أمرٍ ماضٍ، يتعمد الكذب فيه؛ فهذه اليمين يأثم بها صاحبها، ولا كفارة فيها إلا الاستغفار.   كتاب الأيمان (الأيمان) : جمع يمين، وهو لغة: القوة، وشرعا: عبارة عن عقد قوي به عزم الحالف على الفعل أو الترك. وهي (على ثلاثة أضرب) : الأول (يمين غموس) بالتنكير - صفة ليمين، من الغمس وهو الإدخال في الماء، سميت به لأنها تدخل صاحبها في الإثم ثم في النار، وفي بعض النسخ "الغموس" بالتعريف على الإضافة إليه، فيكون من إضافة الجنس إلى نوعه؛ لكن قال في المغرب: إن الإضافة خطأ لغة وسماعا (و) الثاني (يمين منعقدة) سميت به لعقد الحالف على البر بالقصد والنية (و) الثالث (يمين لغو) سميت به لأنها ساقطة لا مؤاخذة فيها إلا في ثلاث: طلاق، وعتاق، ونذر، كما في الأشباه. (فاليمين الغموس) وتسمى الفاجرة (هي الحلف على أمر ماض يتعمد الكذب فيه) مثل أن يحلف على شيء قد فعله ما فعله أو بالعكس، مع علمه بذلك، وقد يقع على الحال، مثل أن يحلف ما لهذا على دين، وهو كاذب، فالتقييد بالماضي اتفاقي أو أكثري (فهذه اليمين يأثم بها صاحبها) لقوله صلى الله عليه وسلم (من حلف كاذباً أدخله الله النار) (ولا كفارة فيها إلا الاستغفار) مع التوبة، لأنها ليست يميناً حقيقية، لأن اليمين عقد مشروع، وهذه كبيرة، فلا تكون مشروعة، وتسميتها يميناً مجاز، لوجود صورة اليمين، كما نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الحر، سماه بيعاً مجازاً كما في الاختيار وغيره، وفي المحيط: الغموس يأثم صاحبها به، ولا يرفعه إلا التوبة النصوح والاستغفار؛ لأنه أعظم من أن ترفعه الكفارة، اه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 واليمين المنعقدة: هي الحلف على الأمر المستقبل أن يفعله، أو لا يفعله، فإذا حنث في ذلك لزمته الكفارة. واليمين اللغو: أن يحلف على أمرٍ ماضٍ، وهو يظن أنه كما قال، والأمر بخلافه، فهذه نرجو أن لا يؤاخذ الله بها صاحبها. والقاصد في اليمين والمكره والناسي سواءٌ. ومن فعل المحلوف عليه مكرهاً أو ناسياً سواءٌ.   (واليمين المنعقدة هي الحلف على الأمر المستقبل أن يفعله أو لا يفعله، فإذا حنث في ذلك لزمته الكفارة) لقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} : (واليمين اللغو: أن يحلف على أمر ماض) مثل أن يحلف على شيء أنه فعله أو لم يفعله (وهو يظن أنه كما قال، و) كان (الأمر بخلافه) وقد يقع على الحال مثل أن يحلف أنه زيد وإنما هو عمرو، فالفارق بينه وبين الغموس تعمد الكذب، قال في الاختيار: وحكى محمد عن أبي حنيفة أن اللغو ما يجري بين الناس من قولهم: (لا والله، وبلى والله، اهـ. (فهذه) اليمين (نرجو أن لا يؤاخذ الله بها صاحبها) وتعليق عدم المؤاخذة بالرجاء - وقد قال الله تعالى: {لا يؤاخذكم الله في اللغو في أيمانكم} - للاختلاف في تفسيره أو تواضعاً. (والقاصد في اليمين والمكره) عليه (والناسي) أي المخطئ، كما إذا أراد أن يقول "اسقني" فقال: والله لا أشرب (سواء) في الحكم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق، والنكاح، واليمين) هداية. (ومن فعل المحلوف عليه قاصداً أو مكرهاً) على فعله (أو ناسياً) لحلفه (سواء) في الحكم أيضاً؛ لأن الفعل حقيقي لا يعدمه الإكراه والنسيان، وكذا الإغماء والجنون، فتجب الكفارة بالحنث كيف ما كان؛ لوجود الشرط حقيقة، وإن لم يتحقق الذنب؛ لأن الحكم يدار على دليله - وهو الحنث - لا على حقيقة الذنب كما في الهداية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 واليمين بالله تعالى، أو باسم من أسمائه، كالرحمن والرحيم، أو بصفةٍ من صفاته، كعزة الله وجلاله وكبريائه، إلا قوله "وعلم الله" فإنه لا يكون يميناً، وإن حلف بصفةٍ من صفات الفعل، كغضب الله وسخطه لم يكن حالفاً. ومن حلف بغير الله لم يكن حالفاً، كالنبي، والقرآن، والكعبة.   (واليمين) إنما يكون (بالله تعالى) أي بهذا الاسم المعروف باسم الذات (أو باسم) آخر (من أسمائه) تعالى؛ سواء تعورف الحلف به أو لا على المذهب، وذلك (كالرحمن والرحيم) والعليم والحليم (أو بصفة من صفات ذاته) تعالى، وهي التي لا يوصف بضدها إذا تعورف الحلف بها، وذلك (كعزة الله وجلاله وكبريائه) وملكوته وجبروته وعظمته وقدرته، لأن الحلف بها متعارف، ومعنى اليمين - وهو القوة - حاصل، لأنه يعتقد تعظيم الله تعالى وصفاته، فصلح ذكره حاملا ومانعاً، هداية. (إلا قوله وعلم الله فإنه لا يكون يميناً) وإن كان من صفات ذاته تعالى؛ لأنه غير متعارف، ولأنه يذكر ويراد به المعلوم، يقال "اغفر لنا علمك فينا" أي معلومك، هداية. أي: ومعلوم الله تعالى غيره، فلا يكون يمينا، قالوا، إلا أن يريد به الصفة فإنه يكون يمينا، لزوال الاحتمال. جوهرة (وإن حلف بصفة من صفات الفعل) وهي التي يوصف بها وبضدها إذا لم يتعارف الحلف بها (كغضب الله وسخطه) ورضائه ورحمته (لم يكن حالفاً) لأن الحلف بها غير متعارف، ولأن هذه الصفات قد يراد بها أثرها. والحاصل أن الحلف بالصفة سواء كانت صفة ذات أو صفة فعل إن تعورف الحلف بها فيمين، وإلا فلا؛ لأن الأيمان مبنية على العرف (ومن حلف بغير الله) تعالى (لم يكن حالفاً) لقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان منكم حالفاً فليحلف بالله أو ليذر) وذلك (كالنبي والقرآن والكعبة) قال في الهداية: لأنه غير متعارف، ثم قال: معناه أن يقول: والنبي، والقرآن، أما لو قال "أنا برئ منه" يكون يمينا؛ لأن التبرئ منها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 والحلف بحروف القسم، وحروف القسم: الواو كقوله: والله، والباء كقوله: بالله، والتاء كقوله: تالله، وقد تضمر الحروف فيكون حالفاً، كقوله "الله لا أفعل كذا" وقال أبو حنيفة: إذ قال "وحق الله" فليس بحالفٍ. وإذا قال "أقسم" أو "أقسم بالله" أو "أحلف" أو "أحلف بالله"   كفر، اهـ: قال الكمال: ولا يخفى أن الحلف بالقرآن الآن متعارف فيكون يميناً، وأما الحلف بكلام الله تعالى فيدور مع العرف. اهـ. (والحلف) إنما يكون (بحروف القسم، وحروف القسم) ثلاثة، وهي: (الواو كقوله والله، والباء كقوله بالله، والتاء كقوله تالله) ؛ لأن كل ذلك معهود في الأيمان مذكور في القرآن (وقد تضمر) هذه (الحروف فيكون حالفاً) وذلك (كقوله: الله لا أفعل كذا) لأن حذف حرف الجر من عادة العرب إيجازاً، ثم قيل: ينصب لانتزاع حرف الخفض، وقيل: يخفض فتكون الكسرة دالة على المحذوف، درر. (وقال أبو حنيفة: إذا قال) مريد الحلف (وحق الله فليس بحالف) وهو قول محمد وإحدى الروايتين عن أبي يوسف، وعنه رواية أخرى أنه يكون يميناً؛ لأن الحق من صفات الله، وهو حقيقة، فصار كأنه قال والله الحق، والحلف به متعارف، ولهما أنه يراد به طاعة الله؛ إذ الطاعات حقوقه، فيكون حلفاً بغير الله، هداية. قال الإسبيجاني: والصحيح قول أبي حنيفة، وعليه مشى الأئمة كما هو الرسم، تصحيح. (وإذا قال أقسم أو أقسم بالله أو أحلف أو أحلف بالله) أو أعزم، أو أعزم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 أو "أشهد" أو "أشهد بالله" فهو حالفٌ، وكذلك قوله "وعهد الله، وميثاقه، وعلي نذرٌ، أو نذرٌ لله، وإن فعلت كذا فأنا يهوديٌ أو نصرانيٌ أو كافرٌ" فهو يمينٌ. وإن قال "علي غضب الله، أو سخطه، أو أنا زانٍ، أو شارب خمرٍ، أو آكل رباً" فليس بحالف.   بالله (أو أشهد أو أشهد بالله فهو حالف) ؛ لأن هذه الألفاظ مستعملة في الحلف، وهذه الصيغة للحال حقيقة، وتستعمل للاستقبال بقرينة؛ فجعل حالفاً في الحال، هداية. (وكذلك قوله وعهد الله، وميثاقه) ؛ لأن العهد يمين، قال تعالى {وأوفوا بعهد الله} والميثاق عبارة عن العهد (و) قوله (على نذر أو) على (نذر لله) لقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن نذر نذراً ولم يسم فعليه كفارة يمين) ، هداية. (أو إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو كافر فهو يمين) ، لأنه لما جعل الشرط علماً على الكفر فقد اعتقده واجب الامتناع، وقد أمكن القول بوجوبه لغيره بجعله يميناً كما نقول في تحريم الحلال، ولو قال ذلك لشيء قد فعله فهو الغموس، ولا يكفر اعتباراً بالمستقبل، وقيل: يكفر، لأنه تنجيز معنى، فصار كما إذا قال: هو يهودي، والصحيح أنه لا يكفر فيهما إن كان يعلم أنه يمين، وإن كان عنده أنه يكفر بالحلف يكفر فيهما، لأنه رضي بالكفر حيث أقدم على الفعل، هداية. وفي شرح السرخسي: والفتوى على أنه إن اعتقد الكفر به يكفر، وإلا فلا، وصححه قاضيخان. (وإن قال) : إن فعلت كذا (فعلي غضب الله أو سخطه أو أنا زان أو شارب خمر أو آكل ربا فليس بحالف) ، لأنه غير متعارف، فلو تعورف هل يكون يميناً؟ ظاهر كلامهم: نعم، وظاهر كلام الكمال: لا، وتمامه في النهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 وكفارة اليمين: عتق رقبةٍ، يجزئ فيها ما يجزئ في الظهار، وإن شاء كسا عشرة مساكين كل واحدٍ ثوباً فما زاد، وأدناه ما تجزئ فيه الصلاة، وإن شاء أطعم عشرة مساكين، كالإطعام في كفارة الظهار، فإن لم يقدر على أحد الأشياء الثلاثة صام ثلاثة أيامٍ متتابعاتٍ؛ فإن قدم الكفارة على الحنث لم يجزه.   (وكفارة اليمين: عتق رقبة، يجزئ فيها ما يجزئ في) كفارة (الظهار) أي رقبة مطلقة، سواء كانت كافرة أو مسلمة صغيرة أو كبيرة، كما مر (وإن شاء كسا عشرة مساكين كل واحد ثوباً) يصلح للأوساط وينتفع به فوق ثلاثة أشهر (فما زاد) عليه (وأدناه) أي: أدنى ما يكفي في الكفارة (ما تجزئ فيه الصلاة) قال في الهداية وشرح الزاهدي: المذكور في الكتاب مروي عن محمد، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف أن أدناه ما يستر عامة بدنه، حتى لا يجوز السراويل، وهو الصحيح؛ لأن لابسه يسمى عرياناً في العرف، لكن ما لا يجزئه عن الكسوة يجزئه عن الإطعام باعتبار القيمة، اهـ. (وإن شاء أطعم عشرة مساكين) كل مسكين نصف صاع من برأ ودقيقه أو صاعاً من شعير أو تمر أو أكلتين مشبعتين (كالإطعام) المار (في كفارة الظهار) والأصل فيه قوله تعالى: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} الآية، وكلمة "أو" للتخيير؛ فكان الواجب أحد الأشياءؤ الثلاثة، هداية (فإن لم يقدر على أحد الأشياء الثلاثة) المذكورة (صام ثلاثة أيام متتابعات) ، لقوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام} وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه "متتابعات" وهي كالخبر المشهور كما في الهداية، ويشترط استمرار العجز إلى الفراغ من الصوم، فلو صام المعسر يومين ثم أيسر لا يجوز، ويستأنف بالمال، كما في الخانية. (وإن قدم الكفارة على الحنث لم يجزه) ذلك؛ لعدم وجوبها بعد، لأنها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 ومن حلف على معصية، مثل أن لا يصلي، أو لا يكلم أباه، أو ليقتلن فلاناً، فينبغي أن يحنث ويكفر عن يمينه. وإذا حلف الكافر ثم حنث في حال الكفر، أو بعد إسلامه، فلا حنث عليه. ومن حرم على نفسه شيئاً مما يملكه لم يصر محرماً لعينه، وعليه إن استباحه كفارة يمينٍ،   إنما تجب بالحنث، ثم لا يسترد من المسكين، لوقوعه صدقة. (ومن حلف على معصية) وذلك (مثل) حلفه على (أن لا يصلي، أو لا يكلم أباه، أو ليقتلن فلانا) اليوم، مثلا (فينبغي) بل يجب عليه (أن يحنث) نفسه (ويكفر عن يمينه) ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن حلف على يمين ورأى غيرها خيراً منها فليأت بالذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه) ، ولأن في ذلك تفويت البر إلى جابر، وهو الكفارة، ولا جابر للمعصية في ضده، وإنما قيدنا باليوم لأن وجوب الحنث لا يتأتى إلا في اليمين المؤقتة، أما المطلقة فحنثه في آخر حياته، فيوصي بالكفارة بموت الحالف، ويكفر عن يمينه بهلاك المحلوف عليه، غاية. (وإذا حلف الكافر ثم حنث في حال الكفر أو بعد إسلامه فلا حنث عليه) ؛ لأنه ليس بأهل لليمين؛ لأنها تعقد لتعظيم الله تعالى، ومع الكفر لا يكون معظما، ولا هو أهل للكفارة؛ لأنها عبادة، هداية. (ومن حرم على نفسه شيئاً مما يملكه) وذلك أن يقول: هذا الطعام علي حرام، أو حرام علي أكله (لم يصر محرماً لعينه، وعليه إن استباحه كفارة يمين) ؛ لأن اللفظ ينبئ عن إثبات الحرمة، وقد أمكن إعماله بثبوت الحرمة لغيره بإثبات موجب اليمين؛ فيصار إليه، هداية. وكذا لو كان حراماً أو ملك غيره كقوله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 فإن قال "كل حلالٍ علي حرام" فهو على الطعام والشراب، إلا أن ينوي غير ذلك. ومن نذر نذراً مطلقاً فعليه الوفاء به، وإن علق نذره بشرط فوجد الشرط فعليه الوفاء بنفس الذنر. وروى أن أبا حنيفة رجع عن ذلك وقال: إذا قال "إن فعلت كذا فعلي حجةٌ، أو صوم سنةٍ، أو صدقة ما أملكه"، أجزأه من ذلك كفارة يمينٍ، وهو قول محمدٍ.   الخمر أو مال فلان علي حرام، ما لم يرد الإخبار، خانية (فإن قال كل حلال) أو حلال الله، أو حلال المسلمين (علي حرام؛ فهو على الطعام والشراب، إلا أن ينوي غير ذلك) قال في الهداية وشرح الزاهدي: وهذا كله جواب ظاهر الرواية، ومشايخنا قالوا: يقع به الطلاق من غير نية؛ لغلبة الاستعمال، وعليه الفتوى، اهـ. وفي الينابيع: ولو له أربع نسوة يقع على كل واحدة منهن طلقة، فإن لم يكن له امرأة كانت يميناً وعليه كفارة يمين، اهـ. (ومن نذر نذراً مطلقاً) أي غير معلق بشرط، وهو عبادة مقصودة، وكا من جنسه واجبٌ (فعليه الوفاء به) أي: بما نذره، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى) ، هداية (وإن علق نذره بشرط) فوجد الشرط المعلق عليه (فعليه الوفاء بنفس النذر) الذي سماه لإطلاق الحديث، ولأن المعلق بالشرط كالمنجز عنده (وروى أن أبا حنيفة رجع عن ذلك، وقال) : (إذا قال) الناذر: (إن فعلت كذا فعلي حجة أو صوم سنة أو صدقة ما أملكه) أو نحو ذلك (أجزأه من ذلك كفارة يمين، وهو قول محمد) ويخرج عن العهدة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 ومن حلف لا يدخل بيتاً فدخل الكعبة، أو المسجد، أو البيعة، أو الكنيسة لم يحنث. ومن حلف لا يتكلم فقرأ في الصلاة لم يحنث. ومن حلف لا يلبس ثوباً وهو لابسه فنزعه في الحال لم يحنث، وكذا إذا حلف لا يركب هذه الدابة وهو راكبها فنزل في الحال   بالوفاء بما سمى أيضاً، قال في الهداية: وهذا إذا كان شرطاً لا يريد كونه؛ لأن فيه معنى اليمين، وهو بظاهره نذر، فيتخير ويميل إلى أي الجهتين شاء، بخلاف ما إذا كان شرطا يريد كونه، كقوله: إن شفى الله مريضي؛ لانعدام معنى اليمين به، وهذا التفصيل هو الصحيح، اهـ. وفي شرح الزاهدي: وهذا التفصيل أصح. (ومن حلف لا يدخل بيتا فدخل الكعبة أو المسجد أو البيعة أو الكنيسة لم يحنث) ؛ لأن البيت ما أعد للبيتوتة، وهذه البقاع ما بنيت لها، وكذا الدهليز والظلة التي على الباب إذا لم يصلحا للبيتوتة، بحر. (ومن حلف لا يتكلم فقرأ في الصلاة لم يحنث) اتفاقا، وإن قرأ في غير الصلاة حنث، وعلى هذا التسبيح والتهليل والتكبير؛ لأنه في الصلاة ليس بكلام عرفا ولا شرعا، وقيل: في عرفنا لا يحنث مطلقاً؛ لأنه لا يسمى متكلما، بل قارئاً ومسبحاً كما في الهداية، ورجح هذا القول في الفتح للعرف، وعليه الدرر والملتقي، وقواه في الشرنبلالية قائل: ولا عليك من أكثرية التصحيح له مع محالفة العرف. (ومن حلف لا يبلس ثوباً معيناً وهو لابسه فنزعه في الحال) من غير تراخ (لم يحنث) ؛ لوجود البر بحسب الوسع؛ لأن ما ليس في وسعه مستثنى عرفا؛ إذ اليمين تعقد للبر لا للحنث (وكذلك إذا حلف لا يركب هذه الدابة وهو راكبها فنزل في الحال) لم يحنث، أو لا يسكن هذه الدار وهو ساكنها فأخذ في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 وإن لبث ساعةً حنث، وإن حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها لم يحنث بالقعود، حتى يخرج ثم يدخل. ومن حلف لا يدخل داراً فدخل دارا خراباً لم يحنث. ومن حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها بعد ما انهدمت وصارت صحراءً حنث، ولو حلف لا يدخل هذا البيت فدخله بعد ما انهدم لم يحنث.   النقلة من ساعته (وإن لبث) على حاله (ساعة حنث) ، لأن هذه الأفعال لها دوام بحدوث أمثالها، ولذا يضرب لها المدة، فيقال: ركبت الدابة يوما، ولبست الثوب يوما، وسكنت الدار شهرا، ولو نوى الابتداء الخالص يصدق به؛ لأنه محتمل كلامه كما في الهداية، ولو خرج من الدار وبقي متاعه وأهله فيها حنث، لأنه يعد ساكنا ببقاء أهله ومتاعه، واعتبر محمد نقل ما تقوم به السكنى، وهو أرفق، وعليه الفتوى كما في الدر عن العيني. (ومن حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها لم يحنث بالقعود) بل (حتى يخرج ثم يدخل) ، لأن الدخول لا دوام له، لأنه انفصال من الخارج إلى الداخل. (ومن حلف لا يدخل داراً) بالتنكير (فدخل دارا خراباً لم يحنث) في يمينه، لأنه لما لم يعينها كان المعتبر في يمينه داراً معتاداً دخولها؛ لأن الأيمان مبنية على العادة والعرف، ولذا لو حلف لا يلبس قميصاً فارتدى به لم يحنث، لأن المقصود اللبس المعتاد (ومن حلف لا يدخل هذه الدار) بالتعريف (فدخل بعد ما انهدمت وصارت صحراء حنث) لأنها لما عينها تعلق ذلك ببقاء اسمها، والاسم فيها باق، ولذا يقال: دار غامرة (ولو حلف لا يدخل هذا البيت فدخله بعد ما انهدم) وصار صحراء (لم يحنث) ، لزوال اسم البيت عنه، فإنه لا يبات فيه، قيدنا بصيرورته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 ومن حلف لا يكلم زوجة فلانٍ فطلقها فلانٌ ثم كلمها حنث، ولو حلف لا يكلم عبد فلانٍ، أو لا يدخل دار فلانٍ، فباع عبده وداره ثم كلم العبد ودخل الدار لم يحنث؛ وإن حلف لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباعه ثم كلمه حنث، وكذلك إن حلف لا يكلم هذا الشاب فكلمه بعد ما صار شيخاً حنث، أو لا يأكل لحم هذا الحمل فصار كبشاً فأكله حنث، وإن حلف لا يأكل من هذه   صحراء؛ لأنه لو سقط السقف وبقي الحيطان يحنث لأنه يبات فيه كما في الهداية. (ومن حلف لا يكلم زوجة فلان) المعينة (فطلقها فلان) بائناً (ثم كلمها) الحالف (حنث) ، لأن الحر يصد بالهجران، فكانت الإضافة للتعريف المحض، بخلاف غير المعينة حيث لا يحنث، لعقد اليمين على فعل واقع في محل مضاف إلى فلان ولم يوجد. قيدنا بالبائن لأن الرجعي لا يرفع الزوجية (وإن حلف لا يكلم عبد فلان أو لا يدخل دار فلان فباع) فلان (عبده وداره ثم كلم) الحالف (العهد ودخل الدار لم يحنث) لأن العبد والدار لا يقصدان بالهجران لذواتهما، بل للنسبة إلى ملاكهما، واليمين ينعقد على مقصود الحالف إذا احتمله اللفظ، فصار كأنه قال: ما دام لفلان (وإن حلف لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباعه ثم كلمه حنث) ؛ لأن هذه الإضافة لا تحتمل إلا التعريف؛ لأن الإنسان لا يعادى لمعنى في الطيلسان؛ فصار كما إذا أشار إليه (وكذلك إن حلف لا يكلم هذا الشاب فكلمه بعد ما صار شيخاً، أو حلف لا يأكل لحم هذا الحمل) بمهملات - ولد الضأن في السنة الأولى (فصار) الحمل (كبشا فأكله حنث) ، لأن المنع كان لعينهما لا لاتصافهما بهذا الوصف، لأنه ليس بداع لليمين (وإن حلف لا يأكل من هذه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 النخلة فهو على ثمرها، وإن حلف لا يأكل من هذا البسر فصار رطباً فأكله لم يحنث، وإن حلف لا يأكل بسراً فأكل رطباً لم يحنث. ومن حلف لا يأكل رطباً فأكل بسراً مذنباً حنث عند أبي حنيفة. ومن حلف لا يأكل لحماً فأكل السمك لم يحنث.   النخلة فهو على ثمرها) ، لأنه أضاف اليمين إلى ما لا يؤكل فينصرف إلى ما يخرج منه لأنه سبب له فيصلح مجازاً عنه، لكن الشرط أن لا يتغير بصنعة جديدة، حتى لا يحنث بالنبيذ والخل والدبس المطبوخ، هداية (وإن حلف لا يأكل من هذا البسر) بضم الموحدة وسكون المهملة - ثمر النخل قبل أن يصير رطباً (فصار رطباً) أو من هذا الرطب فصار تمراً (فأكله لم يحنث) ، لأن هذه الأوصاف داعية إلى اليمين فيتقيد اليمين بها (و) كذا (إن حلف لا يأكل بسراً) بالتنكير (فأكل رطباً لم يحنث) ، لأنه ليس ببسر (ومن حلف لا يأكل رطباً) أو بسراً، أو لا يأكل رطباً ولا بسراً (فأكل بسراً مذنباً) أو رطباً مذنباً (حنث عند أبي حنيفة) ، لأن البسر المذنب ما يكون في ذنبه قليل الرطب، والرطب المذنب على عكسه، فيكون آكله آكل البسر والرطب، وكل واحد مقصود في الأكل. قال جمال الإسلام: وهو قول محمد، وقال أبو يوسف: لا يحنث، والصحيح قولهما، واعتمده الأئمة المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح. (ومن حلف لا يأكل لحماً فأكل السمك لم يحنث) لأن إطلاق اسم اللحم لا يتناوله في العرف والعادة، ولا يرد تسميته لحماً في القرآن، لأن الأيمان مبنية على العرف والعادة، لا على ألفاظ القرآن، ولذا لو حلف لا يخرب بيتا فخرب بيت العنكبوت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 ومن حلف لا يشرب من دجلة فشرب منها بإناءٍ لم يحنث حتى يكرع منها كرعاً في قول أبي حنيفة، ومن حلف لا يشرب من ماء دجلة فشرب منها بإناءٍ حنث. ومن حلف لا يأكل من هذه الحنطة فأكل من خبزها لم يحنث، ولو حلف لا يأكل من هذا الدقيق فأكل من خبزه   لا يحنث، وإن سمى في القرآن بيتاً، كما في الجوهرة، قال الإسبيجاني: والقياس أن يحنث وهو رواية عن أبي يوسف: والصحيح ظاهر الرواية، وهو المعتمد عند الأئمة المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح. (ومن حلف لا يشرب من) شيء يمكن فيه الكرع نحو (دجلة فشرب منها بإناء لم يحنث) ، لعدم وجود حقيقة المحلوف عليه، فلا يحنث (حتى يكرع منها كرعا) وذلك (في قول أبي حنيفة) ، لأن الحيقة مستعملة، ولهذا يحنث بالكرع إجماعاً، فمنعت المصير إلى المجاز، وإن كان متعارفا، قال العلامة بهاء الدين في شرحه: وقال أبو يوسف ومحمد: يحنث، والصحيح قول أبي حنيفة، ومشى عليه الأئمة، تصحيح. قيدنا بما يمكن فيه الكرع لأن ما لا يمكن فيه ذلك كالبئر يحنث مطلقا، بل لو تكلف الكرع لا يحنث في الأصح لهجر الحقيقة وتعين المجاز (ومن حلف لا يشرب من ماء دجلة فشرب منها بإناء حنث) لأن يمينه انعقد على الماء المنسوب إليه، وبعد الاغتراف بقي منسوبا إليه. (ومن حلف لا يأكل من هذه الحنطة فأكل من خبزها لم يحنث) عند أبي حنيفة، لأن له حقيقة مستعملة فإنها تغلى وتقلى وتؤكل قضما، والحقيقة راجحة على المجاز المتعارف على ما هو الأصل عنده، قال العلامة بهاء الدين في شرحه: وقال أبو يوسف ومحمد: يحنث، والصحيح قول أبي حنيفة، ومشى عليه الأئمة المحبوبي والنسفي وغيرهما، ولو قضمها حنث عندهما في الصحيح، قاله قاضيخان، تصحيح (ولو حلف لا يأكل من هذا الدقيق فأكل من خبزه) ونحوه مما يتخذ منه كعصيدة وحلوى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 حنث، ولو استفه كما هو لم يحنث، ولو حلف لا يكلم فلاناً فكلمه وهو بحيث يسمع إلا أنه نائمٌ حنث، وإن حلف لا يكلمه إلا بإذنه فأذن له ولم يعلم بالإذن حتى كلمه حنث. وإذا استحلف الوالي رجلاً ليعلمه بكل داعرٍ دخل البلد، فهذا على حال ولايته خاصةً. ومن حلف لا يركب دابة فلانٍ فركب دابة عبده   (حنث) ؛ لأن عينه غير مأكول؛ لعدم جريان العادة باستعماله كذلك؛ فينصرف إلى ما يتخذ منه (ولو استفه كما هو لم يحنث) قال قاضيخان وصاحب الهداية والزاهدي: هو الصحيح؛ لتعين المجاز مراداً، تصحيح. (وإن حلف لا يكلم فلاناً فكلمه وهو بحيث يسمع) كلامه (إلا أنه نائم حنث) ؛ لأنه قد كلمه ووصل إلى سمعه، لكنه لم يفهم لنومه، فصار كما إذا ناداه من بعيد وهو بحيث يسمع لكنه لم يفهم لتغافله، وفي بعض روايات المبسوط شرط أن يوقظه، وعليه مشايخنا، لأنه إذا لم ينتبه كان كما إذا ناداه من بعيد وهو بحيث لا يسمع صوته، هداية، ومثله في المجتبى (وإن حلف لا يكلمه إلا بإذنه فأذن له) المحلوف عليه بكلامه (و) لكن (لم يعلم) الحالف (بالإذن حتى كلمه حنث) ، لأن الإذن مشتق من الأذان الذي هو الإعلام أو من الوقوع في الأذن، وكل ذلك لا يتحقق إلا بالسماع، وقال أبو يوسف: لا يحنث، لأن الأذن هو الإطلاق، وإنه يتم بالإذن كالرضا، قلنا: الرضا من أعمال القلب، ولا كذلك على ما مر، هداية. (وإذا استحلف الوالي رجلا ليعلمه بكل داعر) أي مفسد (دخل البلد فهذا) الحلف مقصور (على حال ولايته خاصة) ، لأن مقصود الوالي دفع شر داعر بزجره، وهذا إنما يكون حال ولايته، فإذا مات أو عزل زالت اليمين، ولم تعد بعوده، كما في الجوهرة. (ومن حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبده) لمأذون له سواء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 لم يحنث. ومن حلف لا يدخل هذه الدار فوقف على سطحها، أو دخل دهليزها حنث، وإن وقف في طاق الباب بحيث إذا أغلق الباب كان خارجاً لم يحنث. ومن حلف لا يأكل الشواء، فهو على اللحم دون الباذنجان والجزر. ومن حلف لا يأكل الطبيخ فهو على ما يطبخ من اللحم.   كان مديونا أو لا (لم يحنث) عند أبي حنيفة، إلا أنه إذا كان عليه دين مستغرق لا يحنث وإن نوى؛ لأنه لا ملك للمولى فيه عنده، وإن كان الدين غير مستغرق أو لم يكن عليه دين لا يحنث ما لم ينوه؛ لأن الملك فيه للمولى، لكنه يضاف إلى العبد عرفا وشرعا، وقال أبو يوسف في الوجوه كلها: يحنث إذا نواه، لاختلال الإضافة، وقال محمد: يحنث وإن لم ينو، لاعتبار حقيقة الملك، إذ الدين لا يمنع وقوعه للسيد عندهما كما في الهداية، قال في التصحيح: وعلى قول أبي حنيفة مشى الأئمة المصححون. اهـ. (ومن حلف لا يدخل هذه الدار فوقف على سطحها أو دخل دهليزها حنث) ، لأن السطح من الدار، ألا ترى أن المعتكف لا يفسد اعتكافه بالخروج إلى سطح المسجد، وقيل: في عرفنا لا يحنث، هداية، ووفق الكمال بحمل الحنث على سطح له ساتر وعدمه على مقابله، وفي البحر: والظاهر عدم الحنث في الكل، لأنه لا يسمى داخلا عرفا، (وإن وقف في طاق الباب) وكان (بحيث إذا أغلق الباب كان خارجا) عنه (لم يحنث) ، لأن الباب لإحراز الدار وما فيها، فلم يكن الخارج من الدار. (ومن حلف لا يأكل الشواء فهو) أي حلفه (على اللحم) المشوي (دون) غيره مما يشوى، مثل (الباذنجان والجزر) ونحوه، لأنه المراد عند الإطلاق، إلا أن ينوي مطلق ما يشوى، لمكان الحقيقة (ومن حلف لا يأكل الطبيخ فهو على ما يطبخ من اللحم) استحسانا اعتبارا للعرف، وهذا لأن التعميم متعذر فيصرف إلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 ومن حلف لا يأكل الرءوس، فيمينه على ما يكبس في التنابير، ويباع في المصر. ومن حلف لا يأكل الخبز فيمينه على ما يعتاد أهل البلد أكله خبزاً، فإن أكل خبز القطائف أو خبز الأرز بالعراق لم يحنث. ومن حلف لا يبيع أو لا يشتري أو لا يؤاجر فوكل بذلك لم يحنث.   خاص هو متعارف وهو اللحم المطبوخ بالماء، إلا إذا نوى غير ذلك؛ لأن فيه تشديداً على نفسه كما في الهداية (ومن حلف لا يأكل الرءوس فيمينه) مقصورة (على ما يكبس) أي يدخل (في التنانير ويباع في) ذلك (المصر) أي مصر الحالف؛ لأنه لا يمكن حمله على العموم؛ إذ الإنسان لا يقصد بيمينه رءوس الجراد والعصافير ونحو ذلك؛ فكان المراد منه المتعارف، قال في الهداية: وفي الجامع الصغير: لو حلف لا يأكل رأسا فهو على رأس البقر والغنم عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد: على الغنم خاصة، وهذا اختلاف عصر وزمان، كان العرف في زمنه فيهما، وفي زمنهما في الغنم خاصة، وفي زماننا بقي على حساب العادة كما هو المذكور في المختصر، اهـ (ومن حلف لا يأكل الخبز فيمينه) مقصورة (على ما يعتاد أهل) ذلك (البلد) أي بلد الحالف (أكله خبزاً) ، لما مر من أن العرف هو المعتبر (فإن أكل خبز القطائف أو خبز الأرز بالعراق لم يحنث) ، لأن القطائف لا يسمى خبزاً مطلقا؛ إلا إذا نواه؛ لأنه يحتمله، وخبز الأرز غير معتاد عند أهل العراق، حتى لو كان في بلدة طعامهم ذلك يحنث. (ومن حلف لا يبيع ولا يشتري أو لا يؤاجر فوكل) الحالف غيره (بذلك) الفعل (لم يحنث) ؛ لأن حقوق هذه العقود ترجع إلى العاقد، فلم يوجد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 ومن حلف لا يتزوج، أو لا يطلق، أو لا يعتق، فوكل بذلك حنث. ومن حلف لا يجلس على الأرض فجلس على بساطٍ أو حصيرٍ، لم يحنث. ومن حلف لا يجلس على سريرٍ، فجلس على سريرٍ فوقه بساطٌ حنث، وإن جعل فوقه سريراً آخر فجلس عليه لم يحنث.   ما هو الشرط، وهو العقد من الآمر الثابت له حكم العقد، إلا أن ينوي ذلك؛ لأن فيه تشديداً على نفسه، أو يكون الحالف ذا سلطان لا يتولى العقد بنفسه؛ لأنه يمنع نفسه عما يعتاده، حتى لو كان الوكيل هو الحالف يحنث كما في الهداية. (ومن حلف لا يتزوج أو لا يطلق أو لا يعتق فوكل) غيره (بذلك) الفعل (حنث) ؛ لأن الوكيل في هذه العقود سفير ومعبر، ولهذا لا يضيفه إلى نفسه، بل إلى الآمر، وحقوق العقد ترجع إلى الآمر لا إليه، هداية. (ومن حلف لا يجلس على الأرض فجلس على بساط أو حصير لم يحنث) لأنه لا يسمى جالساً على الأرض، بخلاف ما إذا حال بينه وبينها لباسه لأنه تبع له، فلم يعتبر حائلا (ومن حلف لا يجلس على سرير) معين (فجلس على سرير) أي على السرير المحلوف عليه وكان (فوقه بساط) أو حصير (حنث) لأنه يعد عرفاً جالساً عليه (وإن جعل فوقه سريراً آخر فجلس عليه لم يحنث) ؛ لأنه لم يجلس على السرير المحلوف عليه، وإنما جلس على غيره، إذ لجلوس حينئذ ينسب إلى الثاني، ولذا قيدنا بالمعين، إذ لو كان يمينه على غير معين يحنث، لوجود الجلوس على سرير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 وإن حلف لا ينام على فراشٍ فنام عليه وفوقه قرامٌ حنث وإن جعل فوقه فراشاً آخر لم يحنث. ومن حلف بيمينٍ، وقال "إن شاء الله" متصلاً بيمينه، فلا حنث عليه، وإن حلف ليأتينه إن استطاع فهذا على استطاعة الصحة دون القدرة. وإن حلف لا يكلم فلاناً حيناً أو زماناً، أو الحين أو الزمان فهو على ستة أشهر،   (وإن حلف لا ينام على فراش) معين كما تقدم (فنام عليه وفوقه قرام) أي ستر (حنث) لأنه تبع للفراش؛ فيعد نائماً عليه (وإن جعل فوقه فراشاً آخر لم يحنث) ، لأن مثل الشيء لا يكون تبعاً له فقطعت النسبة عن الأول. (ومن حلف بيمين وقال: إن شاء الله) أو إلا أن يشاء الله (متصلا بيمينه) سواء كان مقدماً أو مؤخراً (فلا حنث عليه) ولابد من الاتصال؛ لأنه بعد الفراغ رجوع، في اليمين (وإن حلف ليأتينه) غداً مثلا (إن استطاع فهذا) الحلف (على استطاعة الصحة) وهي سلامة الآلات والأسباب مع عدم المانع؛ لأنه المتعارف، والأيمان مبنية على العرف (دون القدرة) الحقيقية المقارنة للفعل، لأنه غير متعارف، قال في الهداية: وهذا لأن حقيقة الاستطاعة فيما يقارن الفعل، ويطلق الاسم على سلامة الآلات وصحة الأسباب في المتعارف، فعند الإطلاق ينصرف إليه، ويصح نية الأول ديانة؛ لأنه حقيقة كلامه، ثم قيل: يصح قضاءه، لما بينا، وقيل: لا يصح، لأنه خلاف الظاهر، اهـ، قال في الفتح: وهو الأوجه. (وإن حلف لا يكلم فلاناً حينا أو زماناً) منكراً (أو لحين أو الزمان) معرفاً (فهو على ستة أشهر) من حين حلفه؛ لأنه الوسط فينصرف عند الإطلاق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 وكذلك الدهر عند أبي يوسف ومحمدٍ. ولو حلف لا يكلمه أياماً فهو على ثلاثة أيامٍ، ولو حلف لا يكلمه الأيام فهو على عشرة أيامٍ عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: على أيام الإسبوع، ولو حلف لا يكلمه الشهور فهو على عشرة أشهرٍ عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: على اثني عشر شهراً،   إليه، وإن نوى غيره من أحد معانيه فهو على ما نواه؛ لأنه حقيقة كلامه (وكذلك الدهر عند أبي يوسف ومحمد) قال الإسبيجاني في شرحه: وقال أبو حنيفة: لا أدري ما الدهر، فإن كانت له نية فهو على ما نوى، ومن أصحابنا من قال: الدهر بالألف واللام هو الأبد عندهم، وإنما الخلاف في المنكر، ومثله في الهداية وشرح الزاهدي بزيادة: وهو الصحيح، ثم قال الإسبيجاني: الصحيح قول أبي حنيفة؛ لأنه لم ينقل عن أهل اللغة فيه تقدير معلوم، فلم يجز إثباته، بل يرجع إلى نية الحالف، اهـ. واختاره الأئمة المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة، تصحيح. (ولو حلف لا يكلمه أياماً فهو على ثلاثة أيام) ؛ لأنه جمع ذكر منكراً فتناول أقل الجمع، وهو الثلاث (ولو حلف لا يكلمه الأيام فهو على عشرة أيام عند أبي حنيفة) لأنه جمع ذكر معرفاً فينصرف إلى أقصى ما يذكر بلفظ الجمع، وذلك عشرة. هداية (وقال أبو يوسف ومحمد: على أيام الإسبوع) ؛ لأن اللام للمعهود، وهو الأسبوع لأنه يدور عليها (ولو حلف لا يكلمه الشهور فهو على عشرة أشهر عند أبي حنيفة، وقالا: على اثني عشر شهرا) ؛ لما ذكرنا أن الجمع المعرف عنده ينصرف إلى أقصى ما ذكر بلفظ الجمع وهو العشرة، وعندهما ينصرف إلى المعهود وهو أشهر العام الاثنا عشر، لأنه يدور عليها، قال جمال الإسلام: الصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده الأئمة المذكورون قبله، تصحيح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 وإذا حلف لا يفعل كذا تركه أبداً، وإن حلف ليفعلن كذا ففعله مرةً واحدةً بر في يمينه. ومن حلف لا تخرج امرأته إلا بإذنه، فأذن لها مرةً فخرجت ثم خرجت مرةً أخرى بغير إذنه حنث، ولابد من إذن في كل خروجٍ، وإن قال "إلا أن آذن لك" فأذن لها مرةً ثم خرجت بعدها بغير إذنه لم يحنث. وإذا حلف لا يتغدى فالغداء الأكل   (وإذا حلف لا يفعل كذا تركه أبدا) ؛ لأن يمينه وقعت على النفي، والنفي لا يختص بزمان دون زمان، فحمل على التأبيد (وإن حلف ليفعلن كذا ففعله مرة واحدة بر في يمينه) ؛ لأن المقصود إيجاد الفعل، وقد أوجده، ولا يحنث إلا بوقوع اليأس منه، وذلك بموته أو بفوت محل الفعل. (ومن حلف لا تخرج امرأته إلا بإذنه) أو بأمره أو بعلمه (فأذن لها) أو أمرها (مرة فخرجت) ورجعت (ثم خرجت مرة أخرى بغير إذنه) أو أمره أو علمه (حنث) في حلفه (ولابد) لعدم الحنث (من إذن) أو أمر أو علم (في كل خروج) لأن المستثنى خروج مخصوص بالإذن، وما وراءه داخل في الحظر العام، ولو نوى الإذن مرة يصدق ديانة لا قضاء؛ لأنه محتمل كلامه، لكنه خلاف الظاهر، هداية. ولو قال "كلما خرجت فقد أذنت لك" سقط إذنه كما في الجوهرة. (وإن قال إلا أن) أو حتى (آذن لك) أو آمرك (فأذن لها) أو أمرها (مرة واحدة ثم خرجت بعدها بغير إذنه) أو أمره (لم يحنث) في حلفه؛ لأن ذلك للتوقيت، فإذا أذن مرة فقد انتهى الوقت وانتهى الحلف بانتهائه (وإذا حلف لا يتغدى فالغداء) هو (الأكل) الذي يقصد به الشبع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 من طلوع الفجر إلى الظهر، والعشاء من صلاة الظهر إلى نصف الليل، والسحور من نصف الليل إلى طلوع الفجر. وإن حلف ليقضين دينه إلى قريبٍ فهو ما دون الشهر، وإن قال "إلى بعيد" فهو أكثر من الشهر. ومن حلف لا يسكن هذه الدار فخرج منها بنفسه وترك فيها أهله ومتاعه حنث.   عادة؛ ويعتبر عادة كل بلد في حقهم، حتى لو شبع بشرب اللبن يحنث البدوي لا الحضري، زيلعي (من طلوع الفجر إلى الظهر) وفي البحر عن الخلاصة "طلوع الشمس" قال: وينبغي اعتماده للعرف، زاد في النهر: وأهل مصر يسمونه فطوراً إلى ارتفاع الضحى الأكبر، فيدخل وقت الغداء، فيعمل بعرفهم، قلت: وكذا أهل دمشق الشام. در (والعشاء من صلاة الظهر إلى نصف الليل) وفي البحر عن الإسبيجاني: وفي عرفنا وقت العشاء بعد صلاة العصر، قلت: وهو عرف مصر والشام، در (والسحور من نصف الليل إلى طلوع الفجر) لأنه مأخوذ من السحر، ويطلق على ما يقرب منه، وهو نصف الليل. (وإن حلف ليقضين دينه إلى قريب فهو ما دون الشهر) ؛ لأن ما دونه يعد قريباً عرفاً (وإن قال إلى بعيد فهو أكثر من الشهر) وكذا الشهر؛ لأن الشهر وما زاد عليه يعد بعيدا، ولهذا يقال عند بعد العهد: ما لقيتك منذ شهر، كما في الهداية. (ومن حلف لا يسكن هذه الدار) أو البيت، أو المحلة (فخرج منها بنفسه وترك فيها أهله ومتاعه حنث) ؛ لأنه يعد ساكنا ببقاء أهله ومتاعه فيها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 ومن حلف ليصعدن السماء أو ليقلبن هذا الحجر ذهباً انعقدت يمينه وحنث عقيبها. ومن حلف ليقضين فلاناً دينه اليوم فقضاه ثم وجد فلانٌ بعضه زيوفاً أو نبهرجةً، أو مستحقة - لم يحنث، وإن وجدها رصاصاً أو ستوقة حنث.   عرفا، فإن السوقي عامة النهار في السوق، ويقول: أسكن سكة كذا، ثم قال أبو حنيفة: لابد من نقل كل المتاع، حتى لو بقي وتد حنث، لأن السكنى ثبتت بالكل فتبقى ما بقي شيء منه، وقال أبو يوسف: يعتبر نقل الأكثر، لأن نقل الكل قد يتعذر، وقال محمد: يعتبر نقل ما تقوم به السكنى؛ لأن ما وراء ذلك ليس من السكنى، قالوا: هذا أحسن وأرفق بالناس، كذا في الهداية. وفي الدر عن العيني: وعليه الفتوى. (ومن حلف ليصعدن السماء، أو ليقلبن هذا الحجر ذهباً، انعقد يمينه) ؛ لإمكان البر حقيقة بإقدار الله تعالى، فينعقد يمينه (وحنث عقيبها) للعجز عادة، بخلاف ما إذا حلف: ليشربن ماء هذا الكوز ولا ماء فيه حيث لا يحنث لأن شرب مائه ولا ماء فيه لا يتصور، والأصل في ذلك: أن إمكان البر في المستقبل شرط انعقاد اليمين؛ إذ لابد من تصور الأصل لتنعقد في حق الحلف، وهو الكفارة. (ومن حلف ليقيضن فلاناً دينه اليوم) مثلا (فقضاه) إياه (ثم وجد فلان بعضه) أو كله (زيوفاً) وهي ما يقبله التجار ويرده بيت المال (أو نبهرجة) وهي ما يرده كل منهما (أو مستحقاً) للغير (لم يحنث) الحالف، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 ومن حلف لا يقبض دينه درهماً دون درهمٍ فقبض بعضه، لم يحنث حتى يقبض جميعه متفرقاً، وإن قبض دينه في وزنتين لم يتشاغل بينهما إلا بعمل الوزن لم يحنث، وليس ذلك بتفريقٍ.   لوجود الشرط، لأن الزيوف والنبهرجة من الدراهم، غير أنها معيبة، والعيب لا يعدم الجنس، ولذا لو تجوز بها صار مستوفيا، وقبض المستحقة صحيح فلا يرتفع برده البر المتحقق كما في الهداية. (وإن وجدها رصاصاً أو ستوقةً) بالفتح - أراد من النبهرجة. وعن الكرخي: الستوقة عندهم ما كان الصفر أو النحاس هو الغالب الأكثر فيه، مغرب. وقيل: ما كان داخله نحاس وخارجه فضة (حنث) في يمينه؛ لأنهما ليسا من جنس الدراهم، حتى لا يجوز التجوز بهما في الصرف والسلم، هداية. (ومن حلف لا يقبض دينه درهما دون درهم) أي متفرقاً (فقبض بعضه لم يحنث) بمجرد قبض البعض، بل (حتى يقبض جميعه متفرقاً) ، لأن الشرط قبض الكل، لكنه بوصف التفرق، لأنه أضاف القبض إلى دين معروف مضاف إليه فينصرف إلى كله، فلا يحنث إلا به، هداية. (وإن قبض دينه في وزنتين) أو أكثر، و (لم يتشاغل بينهما إلا بعمل الوزن لم يحنث، وليس ذلك بتفريق) ؛ لأنه قد يتعذر قبض الكل دفعة واحدة عادة، فيصير هذا القدر مستثنى عنه، هداية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 ومن حلف ليأتين البصرة فلم يأتها حتى مات، حنث في آخر جزء من أجزاء حياته. كتاب الدعوى. - المدعي: من لا يجبر على الخصومة إذا تركها. والمدعى عليه: من يجبر على الخصومة.   (ومن حلف ليأتين البصرة) مثلا (فلم يأتها حتى مات حنث في آخر جزء من أجزاء حياته) ؛ لأن يمينه انعقدت مطلقة غير مؤقتة، فتبقى ما دام البر موجودا، فإذا مات وقع اليأس، فيضاف الحنث إلى آخر جزء من أجزاء حياته، قال في الينابيع: حتى إذا حلف بطلاق امرأته فلا ميراث لها إذا لم يكن دخل بها، ولا عدة عليها، وإن كان دخل بها فلها الميراث وعليها العدة أبعد الأجلين بمنزلة الفار، ولو ماتت هي لم تطلق؛ لأن شرط البر يتعذر بموتها، جوهرة. كتاب الدعوى كفتوى، وألفها للتأنيث فلا تنون، وجمعها دعاوى كفتاوى، كما في الدرر، وجزم في المصباح بكسرها على الأصل، وبفتحها فيهما محافظة على ألف التأنيث. وهي لغة: قول يقصد به الإنسان إيجاب حق على غيره. وشرعا: إخبار بحق له على غيره عند الحاكم. ولما كانت مسائل الدعوى متوقفة على معرفة المدعى والمدعى عليه، ومعرفة الفرق بينهما من أهم ما تبتنى عليه - بدأ المصنف بتعريفهما، فقال: (المدعى: من لا يجبر على الخصومة إذا تركها) ؛ لأنه طالب (والمدعى عليه: من يجبر على الخصومة) ؛ لأنه مطلوب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 ولا تقبل الدعوى حتى يذكر شيئاً معلوماً في جنسه وقدره، فإن كان عيناً في يد المدعى عليه كلف إحضارها ليشير إليها بالدعوى، وإن لم تكن حاضرةً ذكر قيمتها.   قال في الهداية: وقد اختلفت عبارات المشايخ في الفرق بين المدعى والمدعى عليه فمنها ما قال في الكتاب، وهو حد تام صحيح، وقيل: المدعي من لا يستحق إلا بحجة كالخارج، والمدعى عليه من يكون مستحقا بقوله من غير حجة كذي اليد، وقيل: المدعي من يلتمس غير الظاهر، والمدعى عليه من يتمسك بالظاهر، وقال محمد في الأصل: المدعى عليه هو المنكر، وهذا صحيح، لكن الشأن في معرفته، والترجيح بالفقه عند الحذاق من أصحابنا؛ لأن الاعتبار للمعاني دون الصور؛ فإن المودع إذا قال "رددت الوديعة" فالقول له مع اليمين وإن كان مدعيا للرد صورة، لأنه ينكر الضمان، اهـ. (ولا تقبل الدعوى) من المدعي ويلزم بها حضور المدعى عليه والمدعى به والجواب (حتى يذكر) المدعي (شيئاً معلوماً في جنسه) كبر أو شعير أو ذهب أو فضة (وقدره) ككذا قفيز أو مثقالا أو درهما؛ لأن فائدة الدعوى الإلزام بواسطة إقامة الحجة، والإلزام في المجهول لا يتحقق. (فإن كان) المدعى به (عيناً في يد المدعى عليه كلف) المدعى عليه (إحضارها ليشير إليها) المدعي (بالدعوى) والشهود بالشهادة، والمدعى عليه بالاستحلاف؛ لأن الإعلام بأقصى ما يمكن شرط، وذلك بالإشارة في المنقولات، لأن النقل ممكن، والإشارة أبلغ في التعريف (وإن لم تكن) العين (حاضرة) بأن كانت هالكة، أو في نقلها مؤنة (ذكر قيمتها) ليصير المدعى به معلوما؛ لأن القيمة تعرفها معنى، هداية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 وإن ادعى عقاراً حدده، وذكر أنه في يد المدعى عليه، وأنه يطالبه به وإن كان حقاً في الذمة ذكر أنه يطالبه به، فإذا صحت الدعوى سأل القاضي المدعى عليه عنها، فإن اعترف قضى عليه بها.   (وإن ادعى عقاراً حدده) ؛ لأنه تعذر التعريف بالإشارة لتعذر النقل، فصار إلى التحديد؛ فإن العقار يعرف به، ويذكر الحدود الأربعة، وأسماء أصحابها وأنسابهم، ولابد من ذكر الجد في التصحيح، إلا أن يكون صاحب الحد مشهورا، فيكتفي بذكره، لحصول المقصود. وإن ذكر ثلاثة من الحدود يكتفي بها عندنا، خلافا لزفر، بخلاف ما إذا غلط في الرابع؛ لأنه يختلف به المدعي، ولا كذلك بتركها، وكما يشترط التحديد في الدعوى يشترط في الشهادة، هداية. (وذكر أنه في يد المدعى عليه) ، لأنه إنما ينتصب خصما إذا كان في يده، ولا يكفي تصديق المدعى عليه أنه في يده، بل لا تثبت اليد فيه إلا بالبينة أو علم القاضي، هو الصحيح نفياً لتهمة المواضعة، إذ العقار عساه في يد غيرهما، بخلاف المنقول، لأن اليد فيه مشاهدة، هداية (وأنه يطالبه به) لأن المطالبة حقه، فلابد من طلبه، ولأنه يحتمل أن يكون مرهونا في يده أو محبوساً بالثمن في يده، هداية. وبالمطالبة يزول هذا الاحتمال، وعن هذا قالوا في المنقول: يجب أن يقول "في يد بغير حق"، هداية. (وإن كان) المدعى به (حقا) أي ديناً (في الذمة ذكر أنه يطالبه به) لأن صاحب الذمة قد حضر، فلم يبق إلا المطالبة. (فإذا صحت الدعوى) من المدعي (سأل القاضي المدعى عليه عنها) لينكشف له وجه الحكم (فإن اعترف) بدعواه (قضى عليه بها) ؛ لأنه غير متهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 وإن أنكر سأل المدعي البينة، فإن أحضرها قضى بها، وإن عجز عن ذلك وطلب يمين خصمه استحلف عليها. فإن قال "لي بينةٌ حاضرةٌ" وطلب اليمين لم يستحلف عند أبي حنيفة. ولا ترد اليمين على المدعي، ولا تقبل بينة صاحب اليد في الملك المطلق،   في حق نفسه (وإن أنكر سأل المدعي البينة) ؛ لإثبات ما ادعاه (فإن أحضرها قضى بها) لظهور صدقها (وإن عجز عن ذلك وطلب يمين خصمه استحلف) القاضي (عليها) ولابد من طلبه؛ لأن اليمين حقه، وأجمعوا على التحليف بلا طلب في دعوى الدين على الميت، كما في الدر وغيره. (فإن قال المدعي: لي بينة حاضرة) يعني في المصر (وطلب اليمين لم يستحلف عند أبي حنيفة) وقال أبو يوسف: يستحلف، لأن اليمين حقه، فإذا طالبه به يجيبه. ولأبي حنيفة أن ثبوت الحق في اليمين مرتبٌ على العجز عن إقامة البينة، فلا يكون حقه دونه، كما إذا كانت البينة حاضرة في المجلس، ومحمد مع أبي يوسف فيما ذكر الخصاف، ومع أبي حنيفة فيما ذكر الطحاوي كما في الهداية، وفي التصحيح: قال جمال الإسلام: الصحيح قول أبي حنيفة، وعليه مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما، اهـ. قيد بحضورها لأنها لو كانت عائبة حلف اتفاقا، وقدر الغيبة في المجتبى بمسيرة السفر. (ولا ترد اليمين على المدعي) لحديث: (البينة على المدعي، واليمين على من أنكر) ، وحديث الشاهد واليمين ضعيف، بل رده ابن معين، بل أنكره الراوي كما في الدر عن العيني. (ولا تقبل بينة صاحب اليد في الملك المطلق) ؛ لأنها لا تفيد أكثر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 وإذا نكل المدعى عليه عن اليمين قضي عليه بالنكول، ولزمه ما ادعى عليه. وينبغي للقاضي أن يقول له: "إني أعرض اليمين عليك ثلاثاً، فإن حلفت وإلا قضيت عليك بما ادعاه" فإذا كرر العرض ثلاث مرات قضى عليه بالنكول،   مما تفيده اليد، فلو أقام الخارج البينة كانت بينته أولى؛ لأنها أكثر إثباتاً؛ لأنها تظهر الملك له، بخلاف ذي اليد فإن ظاهر الملك ثابت له باليد؛ فلم تثبت له شيئا زائداً. قيد بالملك المطلق احترازا عن المقيد بدعوى النتاج، وعن المقيد بما إذا ادعيا تلقى الملك من واحد وأحدهما قابض، أو ادعيا الشراء من اثنين، وأرخا وتأريخ ذي اليد أسبق؛ فإنه - في هذه الصور - تقبل بينة ذي اليد بالإجماع، وتمامه في العناية. (وإذا نكل المدعى عليه عن اليمين قضى عليه بالنكول ولزمه ما ادعى عليه) ؛ لأن النكول دل على كونه باذلا عنده أو مقرا عندهما؛ إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب ودفعاً للضرر عن نفسه، فيرجح هذا الجانب (و) لكن (ينبغي للقاضي أن) ينذر المدعى عليه؛ بأن (يقول له: إني أعرض عليك اليمين ثلاثاً، فإن حلفت) فيها (وإلا قضيت عليك بما ادعاه) خصمك، وهذا الإنذار لإعلامه بالحكم، إذ هو موضع الخفاء (فإذا كرر) القاضي (العرض) عليه (ثلاث مرات) وهو على نكوله (قضى عليه بالنكول) قال في الهداية: وهذا التكرار ذكره الخصاف لزيادة الاحتياط والمبالغة في إبلاء العذر؛ فأما المذهب فإنه لو قضى بالنكول بعد العرض مرة جاز لما قدمنا؛ هو الصحيح، والأول أولى؛ ثم النكول قد يكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 وإن كانت الدعوى نكاحاً لم يستحلف المنكر عند أبي حنيفة. ولا يستحلف في النكاح، والرجعة، والفيء في الإيلاء، والرق، والاستيلاد، والنسب، والولاء، والحدود. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يستحلف في ذلك كله، إلا في الحدود والقصاص.   حقيقياً، كقوله "لا أحلف" وقد يكون حكمياً بأن يسكت، وحكمه حكم الأول إذا علم أنه لا آفة به من طرش أو خرس، وهو الصحيح، اهـ. (وإن كانت الدعوى نكاحاً) منه أو منها، وأنكره الآخر (لم يستحلف المنكر) منهما (عند أبي حنيفة) ، لأن النكول عنده بذلٌ والبذل لا يجري في هذه الأشياء المذكورة بقوله: (ولا يستحلف في) إنكار (النكاح، والرجعة) بعد العدة (والفيء في الإيلاء) بعد المدة (والرق، والاستيلاد) إذا أنكره السيد، ولا يتأتى عكسه؛ لثبوته بإقراره (والولاء والنسب) عتاقة أو موالاة (والحدود، وقالا: يستحلف) المنكر (في ذلك كله، إلا في الحدود) ؛ لأن النكول عندهما إقرار، والإقرار يجري في هذه الأشياء، لكنه إقرار فيه شبهة، والحدود تندرئ بالشبهات، والفتوى على قولهما كما نقله في التصحيح عن قاضيخان والفتاوى الكبرى والتتمة والخلاصة ومختارات النوازل والزوزني في شرح المفظومة وفخر الإسلام عن البزدوي والنسفي في الكنز والزيلعي في شرحه، ثم قال: واختار المتأخرون من مشايخنا أن القاضي ينظر في حال المدعى عليه: فإن رآه متعنتاً يحلفه آخذاً بقولهما، وإن رآه مظلوما لا يحلفه آخذاً بقول الإمام، وهو نظير ما اختاره شمس الأئمة في التوكيل بالخصومة من غير رضاء الخصم، اه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 وإذا ادعى اثنان عيناً في يد آخر كل واحدٍ منهما يزعم أنها له وأقاما البينة، قضى بها بينهما، وإن ادعى كل واحدٍ منهما نكاح امرأةٍ وأقاما البينة لم يقض بواحدةٍ من البينتين، ويرجع إلى تصديق المرأة لأحدهما.   (وإذا ادعى اثنان عيناً في يد آخر) و (كل واحد منهما يزعم أنها له، وأقاما البينة قضى بها) : أي بالعين المدعى بها (بينهما) نصفين؛ لاستوائهما في سبب الاستحقاق وقبول المحل الاشتراك. (وإن ادعى كل واحد منهما نكاح امرأة) حية (وأقاما البينة) على ذلك (لم يقض بواحدة من البينتين) ؛ لعدم أولوية إحداهما، وتعذر الحكم بهما لعدم قبول المحل اشتراكهما (ورجع إلى تصديق المرأة لأحدهما) ، لأن النكاح مما يحكم به بتصادقهما، قال في الهداية: وهذا إذا لم توقت البينتان، فأما إذا وقتتا فصاحب الوقت الأول أولى، وإن أقرت لأحدهما قبل إقامة البينة فهي امرأته لتصادقهما، فإن أقام الآخر البينة قضى بها؛ لأن البينة أقوى من الإقرار؛ ولو تفرد أحدهما بالدعوى والمرأة تجحد فأقام البينة وقضى بها القاضي ثم ادعى الآخر وأقام البينة على مثل ذلك لا يحكم بها؛ لأن القضاء بالأول صح فلا ينقض بما هو مثله بل دونه، إلا أن يوقت شهود الثاني سابقاً، لأنه ظهر الخطأ في الأول بيقين، وكذا إذا كانت المرأة في يد الزوج ونكاحه ظاهر لا تقبل بينة الخارج إلا على وجه السبق، اهـ. قيدنا بحياة المرأة لأنها إذا كانت ميتة قضى به بينهما، لأن المقصود الميراث وهو يقبل الاشتراك، وعلى كل واحد نصف المهر، ويرثان ميراث زوج واحد، وتمامه في الخلاصة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 وإن ادعى اثنان كل واحدٍ منهما أنه اشترى منه هذا العبد وأقاما البينة فكل واحدٍ منهما بالخيار: إن شاء أخذ نصف العبد بنصف الثمن، وإن شاء ترك، فإن قضى القاضي بينهما به فقال أحدهما "لا أختار" لم يكن للآخر أن يأخذ جميعه، وإن ذكر كل واحدٍ منهما تاريخاً فهو للأول منهما، وإن لم يذكرا ومع أحدهما قبضٌ فهو أولى به.   (وإن ادعى اثنان) على ثالث ذي يد (كل واحد منهما أنه اشترى منه (أي من ذي اليد (هذا العبد) مثلا (وأقاما البينة) على ذلك قبلتا، وثبت لهما الخيار؛ لأنه لم يسلم لكل منهما سوى النصف (فكل واحد منهما بالخيار: إن شاء أخذ نصف العبد بنصف الثمن، وإن شاء ترك) لتفريق الصفقة عليه (فإن قضى به القاضي بينهما وقال أحدهما) بعد القضاء له (لا أختار) ذلك وتركه (لم يكن للآخر أن يأخذ جميعه) لأنه بالقضاء انفسخ عقد كل واحد في نصفه، فلا يعود إلا بعقد جديد، قيدنا بما بعد القضاء لأنه لو كان قبل القضاء كان للآخر أن يأخذ جميعه، لأنه يدعي الكل، والحجة قامت به، ولم ينفسخ سببه، وزال المانع وهو مزاحمة الآخر كما في الهداية (وإن ذكر كل واحد منهما تاريخاً) وكان تاريخ أحدهما أسبق (فهو للأول منهما) ، لأنه أثبت الشراء في زمان لا ينازعه فيه أحد، فاندفع الآخر به، ولو وقتت إحداهما ولم توقت الأخرى فهو لصاحب الوقت، لثبوت ملكه في ذلك الوقت، فاحتمل الآخر أن يكون قبله أو بعده، فلا يقضي له بالشك، هداية (وإن لم يذكرا تاريخاً) أو ذكرا تاريخاً واحداً، أو أرخ أحدهما دون الآخر (و) كان (مع أحدهما قبض فهو أولى به) ، لأن تمكنه من قبضه يدل على سبق شرائه، ولأنه قد استويا في الإثبات فلا تزول اليد الثابتة بالشك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 وإن ادعى أحدهما شراءً والآخر هبةً وقبضاً وأقاما البينة ولا تاريخ معهما فالشراء أولى. وإن ادعى أحدهما الشراء وادعت امرأةٌ أنه تزوجها عليه فهما سواءٌ. وإن ادعى أحدهما رهناً وقبضاً والآخر هبةً وقبضاً فالرهن أولى، وإن أقام الخارجان البينة على الملك والتاريخ فصاحب التاريخ الأبعد أولى، وإن ادعيا الشراء من واحدٍ   (وإن ادعى) اثنان على ثالث ذي يد (أحدهما شراء) منه (والآخر هبة وقبضاً وأقاما البينة) على ذلك (ولا تاريخ معهما فالشراء أولى) لأنه أقوى؛ لكونه معاوضة من الجانبين، ولأنه يثبت بنفسه، بخلاف الهبة؛ فإنه يتوقف على القبض. (وإن ادعى أحدهما الشراء وادعت امرأة أنه تزوجها عليه فهما سواء) لاستوائهما في القوة؛ لأن كلا منهما معاوضة من الجانبين، ويثبت الملك بنفسه. (وإن ادعى أحدهما رهناً وقبضاً والآخر هبة وقبضاً فالرهن أولى) . قال في الهداية: وهذا استحسان، وفي القياس الهبة أولى؛ لأنها تثبت الملك، والرهن لا يثبته، وجه الاستحسان أو المقبوض بحكم الرهن المضمون؛ وبحكم الهبة غير مضمون، وعقد الضمان أولى، اهـ. (وإن أقام) المدعيان (الخارجان البينة على الملك والتاريخ) المختلف (فصاحب التاريخ الأبعد) أي الأسبق تاريخاً (أولى) ؛ لأنه أثبت أنه أول المالكين؛ فلا يتلقى الملك إلا من جهته ولم يتلق الآخر منه. (وإن ادعيا الشراء من واحد) أي غير ذي يد لئلا يتكرر مع ما سبق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 وأقاما البينة على التاريخين فالأول أولى، وإن أقام كل واحدٍ منهما بينةً على الشراء من آخر وذكرا تاريخاً فهما سواء، وإن أقام الخارج البينة على ملكٍ مؤرخٍ وأقام صاحب اليد البينة على ملكٍ أقدم تاريخاً كان أولى، وإن أقام الخارج وصاحب اليد كل واحدٍ منهما بينةً بالنتاج فصاحب اليد أولى.   (وأقاما البينة على التاريخين) المختلفين (فالأول أولى) لما بينا أنه أثبته في وقتٍ لا منازع له فيه. (وإن أقام كل واحد منهما بينة على الشراء من آخر) بأن قال أحدهما: اشتريت من زيد، والآخر من عمرو (وذكرا تاريخاً) متفقاً أو مختلفاً (فهما سواء) لأنهما يثبتان الملك لبائعهما، فيصيران كأنهما أقاما البينة على الملك من غير تاريخ، فيخير كل منهما بين أخذ النصف بنصف الثمن وبين الترك. (وإن أقام الخارج البينة على ملك مؤرخ، و) أقام (صاحب اليد البينة على ملك أقدم تاريخاً كان) ذو اليد (أولى) ؛ لأن البينة مع التاريخ متضمنة معنى الدفع، قال في الهداية وشرح الزاهدي: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وهو رواية عن محمد، وعنه: لا تقبل بينة ذي اليد، وعلى قولهما اعتمد المحبوبي والنسفي وغيرهما كما هو الرسم، تصحيح. (وإن أقام الخارج وصاحب اليد كل واحد منهما بينة بالنتاج) من غير تاريخ أو أرخا تاريخاً واحداً، بدليل ما يأتي (فصاحب اليد أولى) ، لأن البينة قامت على ما لا تدل عليه اليد فاستويا، وترجحت بينة ذي اليد؛ فيقضي له، ولو تلقى كل واحد منهما الملك من رجل وأقام البينة على النتاج عنده فهو بمنزلة إقامتها على النتاج في يد نفسه؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 وكذلك النسج في الثياب التي لا تنسج إلا مرةً واحدةً، وكل سببٍ في الملك لا يتكرر فهو كذلك، وإن أقام الخارج البينة على الملك وصاحب اليد بينةً على الشراء منه كان أولى، وإن أقام كل واحدٍ منهما البينة على الشراء من الآخر ولا تاريخ معهما تهاترت البينتان.   لما ذكرنا، ولو أقام أحدهما البينة على الملك المطلق والآخر على النتاج فصاحب النتاج أولى أيهما كان؛ لأن البينة قامت على أولية الملك؛ فلا يثبت للآخر إلا بالتلقي من جهته، وكذا إذا كانت الدعوى بين خارجين فبينة النتاج عنده أولى، لما ذكرناه، ولو قضى بالنتاج لصاحب اليد ثم أقام ثالث البينة على النتاج يقضى له، إلا أن يعيدها دو اليد، لأن الثالث لم يصر مقضيا عليه بتلك القضية، وكذا المقضي عليه بالملك إذا أقام البينة على النتاج تقبل بينته وينقض القضاء؛ لأنه بمنزلة النص، هداية. (وكذلك) أي مثل النتاج (النسج في الثياب التي لا تنسج إلا مرة واحدة) كالكرباس (و) كذا (كل سبب في الملك لا يتكرر) كغزل القطن، وحلب لبن، وجز صوف، ونحو ذلك، لأنه في معنى النتاج، فإن كان يتكرر كالبناء والغرس قضى به للخارج بمنزلة الملك المطلق، وإن أشكل يرجع به إلى أهل الخبرة، فإن أشكل عليهم قضى به للخارج، وتمامه في الهداية (وإن أقام الخارج البينة على الملك) المطلق (وصاحب اليد بينة على الشراء منه كان) صاحب اليد (أولى) ؛ لأنه أثبت تلقي الملك منه؛ فصار كما إذا أقر بالملك له ثم ادعى الشراء منه (وإن أقام كل واحد منهما البينة على الشراء من الآخر ولا تاريخ معهما تهاترت البينتان) ويترك المدعى به في يد ذي اليد. قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: يقضي بالبينتين، ويكون للخارج، اهـ. قال في التصحيح: وعلى قولهما اعتمد المصححون، وقد رجحوا دليلهما قولا واحداً، اه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 وإن قام أحد المدعيين شاهدين والآخر أربعةً فهما سواء. ومن ادعى قصاصاً على غيره فجحد استحلف، فإن نكل عن اليمين فيما دون النفس لزمه القصاص، وإن نكل في النفس حبس حتى يقرأ أو يحلف، وقال أبو يوسف ومحمد: يلزمه الأرش فيهما. وإذا قال المدعي "لي بينةٌ حاضرةٌ" قيل لخصمه "أعطه كفيلا بنفسك ثلاثة أيامٍ".   (وإن أقام أحد المدعيين شاهدين، و) أقام (الآخر أربعة) أو أكثر (فهما سواء) لأن كل شهادة علةٌ تامة، وكذا لو كانت إحداهما أعدل من الأخرى، لأن العبرة لأصل العدالة، إذ لا حد للأعدلية كما في الدر. (ومن ادعى قصاصاً على غيره فجحده) المدعى عليه (استحلف) إجماعاً، لأنه منكر (فإن نكل عن اليمين فيما دون النفس لزمه القصاص، وإن نكل في النفس حبس حتى يقرأ أو يحلف) وهذا عند أبي حنيفة؛ لأن النكول عنده بذلٌ معنى، والأطراف ملحقة بالأموال، فيجري فيها البذل، ولهذا تستباح بالإباحة كقلع السن عند وجعه وقطع الطرف عند وقوع الآكلة، بخلاف النفس، فإن أمرها أعظم، ولا تستباح بحال، ولهذا لو قال له "اقتلني" فقتله تجب الدية (وقالا: يلزمه الأرش فيهما) ؛ لأن النكول عندهما إقرار فيه شبهة، فلا يثبت به القصاص، ويثبت به الأرش، قال في التصحيح: وعلى قول الإمام مشى المصححون. (وإذا قال المدعي: لي بينة حاضرة) في المصر (قيل لخصمه: أعطه كفيلا بنفسك ثلاثة أيام) ؛ لئلا يغيب نفسه فيضيع حقه، والكفالة بالنفس جائزة عندنا وأخذ الكفيل لمجرد الدعوى استحسان عندنا لأن فيه نظرا للمدعي، وليس فيه كثير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 فإن فعل وإلا أمر بملازمته، إلا أن يكون غريباً على الطريق فيلازمه مقدار مجلس القاضي. وإن قال المدعى عليه "هذا الشيء أودعنيه فلانٌ الغائب، أو رهنه عندي، أو غصبته منه" وأقام بينةً على ذلك فلا خصومة بينه وبين المدعي،   ضرر بالمدعى عليه، والتقدير بثلاثة أيام مرويٌ عن أبي حنيفة، وهو الصحيح، ولا فرق في الظاهر بين الخامل والوجيه والحقير من المال والخطير كما في الهداية (فإن فعل) أي أعطى كفيلا بنفسه فيها (وإلا أمر بملازمته) لئلا يذهب حقه (إلا أن يكون) المدعى عليه (غريباً) مسافراً (على الطريق فيلازمه مقدار مجلس القاضي) فقط، وكذا لا يكفل إلا إلى آخر المجلس؛ فالاستثناء منصرف إليهما؛ لأن في أخذ الكفيل والملازمة زيادة على ذلك إضراراً به يمنعه عن السفر، ولا ضرر في هذا المقدار ظاهراً، هداية. (وإذا قال المدعى عليه) في جواب مدعي الملك (هذا الشيء) المدعى به، منقولا كان أو عقاراً (أودعنيه فلان الغائب) أو أعارنيه، أو أجرنيه (أو رهنه عندي، أو غصبته منه) أي من الغائب (وأقام بينة على ذلك) وقال الشهود: نعرفه باسمه ونسبه أو بوجهه، وشرط محمد معرفته بوجهه أيضاً، قال في البزازية: وتعويل الأئمة على قول محمد، اهـ (فلا خصومة بينه وبين المدعي) ؛ لأنه أثبت ببينته أن يده ليست بيد خصومة، وقال أبو يوسف: إن كان الرجل صالحاً فالجواب كما قلنا، وإن كان معروفاً بالحيل لا تندفع عنه الخصومة، قال في الدر: وبه يؤخذ، واختاره في المختار، وهذه مخمسة كتاب الدعوى، لأن فيها أقوال خمسة علماء كما بسط في الدر، أو لأن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 وإن قال "ابتعته من الغائب" فهو خصمٌ. وإن قال المدعي "سرق مني" وأقام البينة، وقال صاحب اليد "أودعنيه فلانٌ" وأقام البينة لم تندفع الخصومة، وإن قال المدعي "ابتعته من فلانٍ" وقال صاحب اليد "أودعنيه فلانٌ ذلك" سقطت الخصومة بغير بينة.   صورها خمس، اهـ. قيدنا بدعوى الملك لأنه لو كان دعواه عليه الغصب أو السرقة لا تندفع الخصومة؛ لأنه يصير خصما بدعوى الفعل عليه، لا بيده، بخلاف دعوى الملك، وتمامه في الهداية. (وإن قال ابتعته من الغائب فهو خصم) ، لأنه لما زعم أن يده يد ملك اعترف بكونه خصما. (وإن قال المدعى سرق) بالبناء للمجهول (منى) هذا الشيء (وأقام البينة) على دعواه (وقال صاحب اليد أودعنيه فلان وأقام البينة) على دعواه (لم تندفع الخصومة) قال في الهداية: وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وهو استحسان، وقال محمد: تندفع؛ لأنه لم يدع الفعل عليه فصار كما إذا قال: غصب مني - على ما لم يسم فاعله - ولهما أن ذكر الفعل يستدعي الفاعل لا محالة، والظاهر أنه هو الذي في يده، إلا أنه لم يعينه درءاً للحد عنه شفقة عليه وإقامة لحسبة الستر، فصار كما إذا قال "سرقت" بخلاف الغصب؛ لأنه لا حد فيه فلا يحترز عن كشفه، اهـ. قال الإسبيجاني: والصحيح الاستحسان، وعليه اعتمد الأئمة المصححون، تصحيح. (وإذا قال المدعي ابتعته من فلان) الغائب (وقال صاحب اليد أودعنيه فلان سقطت الخصومة) عن المدعى عليه (بغير بينة) لتصادقهما على أن الملك لغير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 واليمين بالله تعالى دون غيره، ويؤكد بذكر أوصافه، ولا يستحلف بالطلاق، ولا بالعتاق، ويستحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى، والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، والمجوسي بالله الذي خلق النار،   ذي اليد؛ فلم تكن يده يد خصومة، إلا أن يقيم المدعي البينة أن فلاناً وكله بقبضه، لإثباته كونه أحق بإمساكه. (واليمين) إنما هي (بالله تعالى دون غيره) لقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان منكم حالفاً فليحلف بالله أو ليذر) (ويؤكد) أي يغلظ اليمين (بذكر أوصافه) تعالى المرهبة، كقوله قل: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية، وله أن يزيد على هذا أو ينقص، إلا أنه يجتنب العطف كيلا يتكرر اليمين، لأن المستحق عليه يمين واحدة، والاختيار فيه إلى القاضي، وقيل: لا يغلظ على المعروف بالصلاح، ويغلظ على غيره، وقيل: يغلظ في الخطير من المال دون الحقير، كما في الهداية. (ولا يستحلف بالطلاق، ولا بالعتاق) في ظاهر الرواية، قال قاضيخان: وبعضهم جوز ذلك في زماننا، والصحيح ظاهر الرواية، تصحيح. فلو حلف به فنكل لا يقضي عليه بالنكول؛ لنكوله عما هو منهي عنه شرعا. (ولا يستحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى، والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، والمجوسي بالله الذي خلق النار) فيغلظ على كل بمعتقده، فلو اكتفى بالله كفى كالمسلم، اختيار. قال في الهداية: هكذا ذكر محمد في الأصل، ويروى عن أبي حنيفة أنه لا يستحلف غير اليهودي والنصراني إلا بالله، وهو اختيار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 ولا يحلفون في بيوت عباداتهم. ولا يجب تغليظ اليمين على المسلم بزمانٍ ولا بمكانٍ. ومن ادعى أنه ابتاع من هذا عبده بألفٍ فجحد يستحلف بالله ما بينكما بيعٌ قائم فيه، ولا يستحلف بالله ما بعت، ويستحلف في الغصب بالله ما يستحق عليك   بعض مشايخنا؛ لأن في ذكر النار مع اسم الله تعالى تعظيمها، وما ينبغي أن تعظم. بخلاف الكتابين؛ لأن كتب الله تعالى معظمة، والوثني لا يحلف إلا بالله تعالى؛ لأن الكفرة بأسرهم يعتقدون الله، قال الله تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} . اهـ. (ولا يحلفون في بيوت عباداتهم) ، لكراهة دخولها، ولما فيه من إيهام تعظيمها. (ولا يجب تغليظ اليمين على المسلم بزمان) كيوم الجمعة بعد العصر (ولا بمكان) كبين الركن والمقام بمكة، وعند منبر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة؛ لأن المقصود تعظيم المقسم به، وهو حاصل بدون ذلك، وفي إيجاب ذلك تكليف القاضي حضورها، وهو مدفوع، هداية. (ومن ادعى أنه ابتاع) أي اشترى (من هذا) الحاضر (عبده بألف فجحده) المدعى عليه (استحلف بالله) تعالى (ما بينكما بيع قائم فيه) : أي في هذا العبد (ولا يستحلف بالله ما بعت) هذا العبد، لاحتمال أنه باع ثم فسخ أو أقال (ويستحلف) كذلك (من الغصب) بأن يقول له (بالله ما يستحق عليك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 رده، ولا يحلف بالله ما غصبت، وفي النكاح بالله ما بينكما نكاحٌ قائمٌ في الحال، وفي دعوى الطلاق بالله ما هي بائنٌ منك الساعة بما ذكرت، ولا يستحلف بالله ما طلقتها. وإذا كانت دارٌ في يد رجلٍ ادعاها اثنان أحدهما جميعها والآخر نصفها وأقاما البينة فلصاحب الجميع ثلاثة أرباعها ولصاحب النصف ربعها عند أبي حنيفة،   رده، ولا يحلف بالله ما غصبت) ؛ لاحتمال هبته أو أداء ضمانه (و) كذلك في النكاح، بأن يقول له: (بالله ما بينكما نكاح قائم في الحال) ؛ لاحتمال الطلاق البائن (وفي دعوى الطلاق بالله ما هي بائن منك الساعة بما ذكرت) أي بالوجه الذي ذكرته المدعية (ولا يستحلف بالله ما طلقتها) ، لاحتمال تجدد النكاح بعد الإبانة، فيحلف على الحاصل، وهو صورة إنكار المنكر؛ لأنه لو حلف على السبب يتضرر المدعى عليه، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: يحلف في الجميع على السبب إلا إذا عرض بما ذكر فيحلف على الحاصل، قال في الهداية: والحاصل هو الأصل عندهما، إذا كان سبباً يرتفع، وإن كان لا يرتفع فالتحليف على السبب بالإجماع، كالعبد المسلم إذا ادعى العتق على مولاه، وتمامه فيها. (وإذا كانت دار في يد رجل ادعاها) عليه (اثنان) فادعى (أحدهما جميعها) وادعى (الآخر نصفها وأقاما البينة) على ذلك (فلصاحب) دعوى (الجميع ثلاثة أرباعها، ولصاحب) دعوى (النصف ربعها عند أبي حنيفة) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 وقال أبو يوسف ومحمد: هي بينهما أثلاثاً، ولو كانت في أيديهما سلمت لصاحب الجميع: نصفها على وجه القضاء، ونصفها لا على وجه القضاء. وإذا تنازعا في دابةٍ وأقام كل واحدٍ منهما بينةً أنها نتجت عنده وذكرا تاريخاً وسن الدابة يوافق التاريخين فهو أولى، وإن أشكل ذلك كانت بينهما.   اعتباراً لطريق المنازعة، فإن صاحب النصف لا ينازع الآخر في النصف، فسلم له، واستوت منازعتهما في النصف الآخر؛ فيتنصف بينهما (وقالا: هي بينهما أثلاثا) اعتباراً لطريق العول؛ لأن في المسألة كلا ونصفاً، فالمسألة من اثنين، وتعول إلى ثلاثة؛ فتقسم بينهما أثلاثاً، قال في التصحيح: واختار قوله البرهاني والنسفي وغيرهما (ولو كانت) الدار (في أيديهما) أي المدعيين والمسألة بحالها (سلمت) الدار كلها (لصاحب) دعوى (الجميع) ولكن يسلم له (نصفها على وجه القضاء، ونصفها) الآخر (لا على وجه القضاء) ، لأنه خارج في النصف، فيقضي ببينته، والنصف الذي في يده لا يدعيه صاحبه، لأن مدعاه النصف، وهو في يده سالم له، ولو لم تنصرف إليه دعواه كان ظالما في إمساكه، ولا قضاء بدون الدعوى، فيترك في يده، هداية. (وإذا تنازعا في دابة) في يدهما، أو في يد أحدهما، أو غيرهما (وأقام كل واحد منهما بينة أنها نتجت) بالبناء للمجهول (عنده وذكرا تاريخاً) مختلفاً (وسن الدابة يوافق أحد التاريخين فهو) أي صاحب التاريخ الموافق لسنها (أولى) ، لأن الظاهر يشهد بصدق بينته فترجح (وإن أشكل ذلك) أي سنها (كانت بينهما) إن كانت في أيديهما، أو في يد غيرهما، وإن في يد أحدهما قضى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 وإذا تنازعا دابةً أحدهما راكبها والآخر متعلقٌ بلجامها فالراكب أولى، وكذلك إذا تنازعا بعيراً وعليه حملٌ لأحدهما فصاحب الحمل أولى، وكذلك إذا تنازعا قميصاً أحدهما لابسه والآخر متعلقٌ بكمه فاللابس أولى. وإذا اختلف المتبايعان في البيع فادعى أحدهما ثمناً وادعى البائع أكثر منه أو اعترف البائع بقدرٍ.   له بها، لأنه سقط التوقيت وصارا كأنهما لم يذكرا تاريخا، وإن خالف سن الدابة الوقتين بطلت البينتان، كذا ذكره الحاكم الشهيد، لأنه ظهر كذب الفريقين، فيترك في يد من كانت في يده، هداية. قيد بذكر التاريخ لأنه لو لم يؤرخا قضى بها لذي اليد، ولهما إن في أيديهما أو في يد ثالث. (وإذا تنازعا دابة أحدهما راكبها والآخر متعلق بلجامها، فالراكب أولى) ؛ لأن تصرفه أظهر، فإنه يختص بالملك، وكذا إذا كان أحدهما راكبا في السرج، والآخر رديفه؛ فالراكب في السرج أولى، لما ذكرنا، بخلاف ما إذا كانا راكبين حيث يكون بينهما، لاستوائهما في التصرف، هداية. (وكذلك) الحكم (إذا تنازعا بعيراً وعليه حمل لأحدهما) والآخر قائد له (فصاحب الحمل أولى) من القائد؛ لأنه هو المتصرف. (وإذا تنازعا قميصاً أحدهما لابسه والآخر متعلق بكمه فاللابس أولى) ، لأنه أظهرهما تصرفا. (وإذا اختلف المتبايعان في البيع) أي في ثمن المبيع (فادعى أحدهما) أي المشتري (ثمنا وادعى البائع أكثر منه، أو) في قدره، بأن (اعترف البائع بقدر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 من المبيع وادعى المشتري أكثر منه وأقام أحدهما البينة قضى له بها وإن أقام كل واحدٍ منهما البينة كانت البينة المثبتة للزيادة أولى، وإن لم تكن لكل واحدٍ منهما بينةٌ قيل للمشتري: إما أن ترضى بالثمن الذي ادعاه البائع وإلا فسخنا البيع، وقيل للبائع: إما أن تسلم ما ادعاه المشتري من المبيع وإلا فسخنا البيع، فإن لم يتراضيا استحلف الحاكم كل واحدٍ منهما على دعوى الآخر: يبتدئ بيمين المشتري،   من المبيع وادعى المشتري أكثر منه) أي: بأكثر من القدر الذي اعترف به البائع (وأقام أحدهما) أي: البائع والمشتري (البينة) على دعواه (قضى له بها) ، لأن في الجانب الآخر مجرد الدعوى، والبينة أقوى منها (وإن أقام كل واحد منهما البينة) على دعواه (كانت البينة المثبتة للزيادة أولى) ، لأنها أكثر بياناً وإثباتاً، فبينة البائع أولى لو الاختلاف في الثمن، وبينة المشتري لو في قدر المبيع، ولو اختلفا في الثمن والمبيع جميعاً فبينة البائع أولى في الثمن، وبينة المشتري في المبيع، نظراً إلى زيادة الإثبات (فإن لم يكن لكل واحد منهما بينة) تثبت مدعاه (قيل للمشتري: إما أن ترضى بالثمن الذي ادعاه البائع وإلا فسخنا البيع) بينكما (وقيل للبائع: إما أن تسلم ما) أي القدر الذي ادعاه المشتري من البيع وإلا فسخنا البيع) ؛ لأن المقصود قطع المنازعة، وهذا جهة فيه؛ لأنه ربما لا يرضيان بالفسخ، فإذا علما به يتراضيان (فإن لم يتراضيا) والمبيع قائم (استحلف الحاكم كل واحد منهما على دعوى الآخر) ؛ لأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه (يبتدئ) الحاكم (بيمين المشتري) قال في الهداية: وهذا قول محمد وأبي يوسف آخراً، وهو رواية عن أبي حنيفة، وهو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 فإذا حلفا فسخ القاضي البيع بينهما، وإن نكل أحدهما عن اليمين لزمه دعوى الآخر. وإن اختلفا في الأجل أو في شرط الخيار أو في استيفاء بعض الثمن فلا تحالف بينهما، والقول قول من ينكر الخيار والأجل مع يمينه.   الصحيح، اهـ. وقال الإسبيجاني: يبدأ بيمين المشتري، وفي رواية بيمين البائع، وهكذا ذكر أبو الحسن في جامعه، والصحيح الرواية الأولى، وعليه مشى الأئمة المصححون، تصحيح (فإذا حلفا فسخ القاضي البيع بينهما) ؛ لأنه إذا تحالفا بقي العقد بلا بدل معين فيفسد، قال في الهداية: وهذا يدل على أنه لا ينفسخ بنفس التحالف؛ لأنه لم يثبت ما ادعاه كل واحد منهما، فيبقى بيع مجهول فيفسخه القاضي قطعاً للمنازعة، أو يقال: إذا لم يثبت البدل يبقى بيعاً بلا بدل وهو فاسد، ولابد من الفسخ في فاسد البيع، اهـ (وإن نكل أحدهما عن اليمين لزمه دعوى الآخر) ، لأنه جعل باذلا فلم تبق دعواه معارضة لدعوى الاخر؛ فلزمه القول بثبوته، هداية. (وإن اختلفا في الأجل، أو في شرط الخيار، أو في استيفاء بعض الثمن - فلا تحالف بينهما) ؛ لأن هذا اختلاف في غير المعقود عليه والمعقود به، فأشبه الاختلاف في الحط والإبراء، وهذا لأن بانعدامه لا يختل ما به قوام العقد، بخلاف الاختلاف في وصف الثمن وجنسه حيث يكون بمنزلة الاختلاف في القدر في جريان التحالف، لأن ذلك يرجع إلى نفس الثمن، فإن الثمن دين، وهو يعرف بالوصف، ولا كذلك الأجل؛ لأنه ليس بوصف، ألا ترى أن الثمن موجود بعد مضيه، هداية (والقول قول من ينكر الخيار والأجل) والاستيفاء (مع يمينه) ؛ لأن القول قول المنكر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 وإن هلك المبيع ثم اختلفا لم يتحالفا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وجعل القول قول المشتري. وقال محمدٌ: يتحالفان، ويفسخ البيع على قيمة الهالك. وإن هلك أحد العبدين ثم اختلفا في الثمن لم يتحالفا عند أبي حنيفة إلا أن يرضى البائع أن يترك حصة الهالك، وقال أبو يوسف: يتحالفان ويفسخ البيع في الحي وقيمة الهالك.   (وإن هلك المبيع) أي بعد القبض قبل نقد الثمن، وكذا إذا خرج من ملكه أو صار بحال لا يقدر على رده بالعيب (ثم اختلفا) في ثمنه (لم يتحالفا عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ؛ لأن التحالف فيما إذا كانت السلعة قائمة عرف بالنص، والتحالف فيه يفضي إلى الفسخ، ولا كذلك بعد هلاكها، لارتفاع العقد؛ فلم يكن بمعناه (وجعل القول قول المشتري) بيمينه؛ لأنه منكرٌ لزيادة الثمن (وقال محمد: يتحالفان ويفسخ البيع على قيمة الهالك) ؛ لأنه اختلاف في ثمن عقد قائم بينهما، فأشبه حال بقاء السلعة، قال جمال الإسلام: والصحيح قولهما، وعليه مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما كما هو الرسم، تصحيح. (وإن) هلك بعض المبيع، كأن (هلك أحد العبدين) أو الثوبين، أو نحو ذلك (ثم اختلفا في الثمن لم يتحالفا عند أبي حنيفة) ؛ لما مر من أن التحالف ثبت على خلاف القياس حال قيام السلعة، وهي اسم لجميع أجزائها، فلا يبقى بفوات بعضها (إلا أن يرضى البائع أن يترك حصة الهالك) أصلا، لأنه حينئذ يكون الثمن كله بمقابله القائم ويخرج الهالك عن العقد؛ فيتحالفان. (وقال أبو يوسف: يتحالفان ويفسخ البيع في الحي وقيمة الهالك) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 وهو قول محمدٍ. وإذا اختلف الزوجان في المهر فادعى الزوج أنه تزوجها بألف وقالت "تزوجتني بألفين" فأيهما أقام البينة قبلت بينته، وإن أقاما البينة فالبينة بينة المرأة، وإن لم تكن لهما بينةٌ تحالفا عند أبي حنيفة ولم يفسخ النكاح، ولكن يحكم مهر المثل، فإن كان مثل   لأن امتناع التحالف للهلاك، فيتقدر بقدره (وهو قول محمد) . قال الإسبيجاني: هكذا ذكر هنا، وذكر في الجامع الصغير: أن القول قول المشتري في حصة الهالك، ويتحالفان على الباقي عند أبي يوسف، وعند محمد يتحالفان عليهما؛ ويرد القائم وقيمة الهالك، والصحيح قول أبي حنيفة، وعليه مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح. (وإن اختلف الزوجان في) قدر (المهر) أو في جنسه (فادعى الزوج أنه تزوجها بألف، وقالت) المرأة (تزوجتني بألفين) أو مائة مثقال (فأيهما أقام البينة قبلت بينته) ، لأنه نور دعواه بالحجة (وإن أقاما البينة فالبينة بينة المرأة) لأنها تثبت الزيادة. قال في الهداية: معناه إذا كان مهر مثلها أقل مما ادعته، اهـ. أما إذا كان مهر مثلها مثل ما ادعته أو أكثر كانت بينة الزوج أولى؛ لأنها تثبت الحط، وبينتها لا تثبت شيئاً، لأن ما ادعته ثابت لها بشهادة المثل، كما في الكفاية (وإن لم تكن لهما بينة تحالفا عند أبي حنيفة، ولم يفسخ النكاح) ؛ لأن أثر التحالف في انعدام التسمية، وهو لا يخل بصحة النكاح؛ لأن المهر تابع فيه، بخلاف البيع؛ لأن عدم التسمية يفسده على ما مر فيفسخ (ولكن) حيث انعدمت التسمية (يحكم مهر المثل، فإن كان) مهر مثلها (مثل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 ما اعترف به الزوج أو أقل قضى بما قال الزوج، وإن كان مثل ما ادعته المرأة أو أكثر قضى بما ادعته المرأة، وإن كان مهر المثل أكثر مما اعترف به الزوج وأقل مما ادعته المرأة قضى لها بمهر المثل. وإذا اختلفا في الإجارة قبل استيفاء المعقود عليه تحالفا وترادا، وإن اختلفا بعد الاستيفاء لم يتحالفا وكان القول قول المستأجر.   ما اعترف به الزوج أو أقل، قضى بما قال الزوج) ؛ لأن الظاهر شاهد له. (وإن كان مثل ما ادعته المرأة أو أكثر قضى بما ادعته المرأة) ؛ لأن الظاهر شاهد لها (وإن كان مهر المثل) بينهما بأن كان (أكثر مما اعترف به الزوج وأقل مما ادعته المرأة قضي لها بمهر المثل) ؛ لأنهما لما تحالفا لم تثبت الزيادة على مهر المثل ولا الحط عنه. (وإذا اختلفا في الإجارة) في البدل أو المبدل (قبل استيفاء المعقود عليه تحالفا وترادا) ، لأنه عقد معاوضة قابل للفسخ، فكان بمنزلة البيع، وبدأ بيمين المستأجر لو اختلفا في البدل، والمؤجر لو في المدة، وأن بر هنا فالبينة للمؤجر في البدل وللمستأجر في المدة كما في الدر (وإن اختلفا بعد الاستيفاء) لجميع المعقود عليه (لم يتحالفا، وكان القول قول المستأجر) قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف ظاهر، لأن هلاك المعقود عليه يمنع التحالف عندهما، وكذا على أصل محمد، لأن الهلاك إنما يمنع التحالف عنده في البيع، لما أنه له قيمة تقوم مقامه فيتحالفان عليها، ولو جرى التحالف ههنا وفسخ العقد فلا قيمة؛ لأن المنافع لا تتقوم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 وإن اختلفا بعد استيفاء بعض المعقود عليه تحالفا وفسخ العقد فيما بقي وكان القول في الماضي قول المستأجر. وإذا اختلف المولى والمكاتب في مال الكتابة لم يتحالفا عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يتحالفان وتفسخ الكتابة. وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت فما يصلح للرجال فهو للرجل، وما يصلح للنساء فهو للمرأة، وما يصلح لهما فهو للرجل.   بنفسها، بل بالعقد، وتبين حينئذ أنه لا عقد، وإذا امتنع التحالف فالقول للمستأجر مع يمينه؛ لأنه هو المستحق عليه، اهـ. (يتبع ... ) (وإن اختلفا بعد استيفاء بعض المعقود عليه تحالفا وفسخ العقد فيما بقي) اتفاقا؛ لأن العقد ينعقد ساعة فساعة؛ فيصير في كل جزء من المنفعة كأنه ابتدأ العقد عليها، بخلاف البيع؛ لأن العقد فيه دفعة واحدة، فإذا تعذر في البعض تعذر في الكل، هداية (وكان القول في الماضي قول المستأجر) ؛ لأنه منكر. (وإذا اختلف المولى والمكاتب في) قدر (مال الكتابة لم يتحالفا عند أبي حنيفة) لأن التحالف ورد في البيع على خلاف القياس، والكتابة ليست في معنى البيع؛ لأنه ليس بلازم في جانب المكاتب (وقالا: يتحالفان وتفسخ الكتابة) ؛ لأنه عقد معاوضة يقبل الفسخ، فأشبه البيع معنى، قال في التصحيح: وقوله هو المعول عليه عند النسفي، وهو أصح الأقاويل والاختيارات عند المحبوبي. (وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت) - وهو ما يكون فيه، ولو ذهبا أو فضة - (فما يصلح للرجال) فقط كالعمامة والقلنسوة (فهو للرجل، وما يصلح للنساء) فقط كالخمار والملحفة (فهو للمرأة) بشهادة الظاهر، إلا إذا كان كل منهما يفعل أو يبيع ما يصلح للآخر، فإنه بمنزلة الصالح لهما؛ لتعارض الظاهرين، (وما يصلح لهما) كالآنية والنقود (فهو للرجل) ؛ لأن المرأة وما في يدها في يد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 وإذا مات أحدهما واختلف ورثته مع الآخر، فما يصلح للرجال والنساء فهو للباقي منهما، وقال أبو يوسف: يدفع إلى المرأة ما يجهز به مثلها والباقي للزوج. وإذا باع الرجل الجارية فجاءت بولدٍ فادعاه البائع، فإن جاءت به لأقل من ستة أشهرٍ من يوم البيع فهو ابن البائع وأمه أم ولدٍ له.   الزوج، والقول في الدعاوى لصاحب اليد، بخلاف ما يختص بها، لأنه يعارضه ظاهر أقوى منه، ولا فرق بينهما إذا كان الاختلاف في حال قيام النكاح أو بعدما وقعت الفرقة، هداية. (فإن مات أحدهما واختلف ورثته) أي ورثة أحد الزوجين الميت (مع) الزوج (الآخر) الحي (فما يصلح للرجال والنساء فهو للباقي) أي الحي (منهما) سواء كان الرجل أو المرأة، لأن اليد للحي دون الميت، وهذا قول أبي حنيفة، (وقال أبو يوسف: يدفع إلى المرأة) سواء كانت حية أو ميتة (ما) أي مقدار (يجهز به مثلها، والباقي) بعده يكون (للزوج) مع يمينه؛ لأن الظاهر أن المرأة تأتي بالجهاز، وهذا أقوى، فيبطل به ظاهر الزوج، ثم في الباقي لا معارض لظاهره فيعتبر، والطلاق والموت سواء؛ لقيام الورثة مقام مورثهم، وقال محمد: ما كان للرجال فهو للرجل، وما كان للنساء فهو للمرأة، وما يكون لهما فهو للرجل أو لورثته، والطلاق والموت سواء، قال الإسبيجاني: والقول الصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده النسفي والمحبوبي وغيرهما، تصحيح. (وإذا باع الرجل جارية فجاءت بولد فادعاه البائع، فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم البيع فهو ابن البائع، وأمه أم ولد له) استحساناً؛ لأن اتصال العلوق في ملكه شهادة ظاهرة على كونه منه، ومبنى النسب على الخفاء فيعفى فيه التناقض، وإذا صحت الدعوى فاستندت إلى وقت العلوق تبين أنه باع أم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 فيفسخ البيع فيه ويرد الثمن، وإن ادعاه المشتري مع دعوى البائع أو بعده فدعوى البائع أولى، وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهرٍ لم تقبل دعوى البائع فيه، إلا أن يصدقه المشتري. وإن مات الولد فادعاه البائع وقد جاءت به لأقل من ستة أشهرٍ لم يثبت الاستيلاد في الأم، وإن ماتت   ولده (فيفسخ البيع فيه) ، لأن بيع أم الولد لا يجوز (ويرد) البائع (الثمن) الذي قبضه، لأنه قبضه بغير حق (وإن ادعى المشتري) الولد أيضاً، سواء كانت دعواه (مع دعوى البائع أو بعده فدعوى البائع أولى) ، لأنها تستند إلى وقت العلوق، فكانت أسبق، قال القهستاني: وفيه إشعار بأنه لو ادعاه المشتري قبل دعوى البائع ثبت نسبه منه وحمل على النكاح، اهـ. (وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر) ولدون الحولين (لم تقبل دعوى البائع فيه) ؛ لاحتمال حدوثه بعد البيع (إلا أن يصدقه المشتري) فيثبت النسب ويبطل البيع، والولد حرٌ، والأم أو ولد له، كما في المسألة الأولى؛ لتصادقهما واحتمال العلوق في الملك، هداية. وفي القهستاني: وفيه إشارة إلى أنه لو ادعياه اعتبر دعوى المشتري؛ لقيام الملك المحتمل للعلوق كما في الاختيار، اهـ. وإن جاءت به لأكثر من سنتين لم تصح دعوى البائع إلا إذا صدقه المشتري، فيثبت النسب، ويحمل على الاستيلاد بالنكاح، ولا يبطل البيع، وتمامه في الهداية. (وإن مات الولد فادعاه البائع وقد) كانت (جاءت به لأقل من ستة أشهر) من وقت البيع (لم يثبت الاستيلاد في الأم) ، لأنها تابعة للولد، ولم يثبت نسبه بعد الموت، لعدم حاجته إلى ذلك، فلا يتبعه استيلاد الأم (وإن ماتت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 الأم فادعى البائع الابن، وقد جاءت به لأقل من ستة أشهرٍ يثبت النسب منه في الولد، وأخذه البائع، ويرد الثمن كله في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يرد حصة الولد، ولا يرد حصة الأم. ومن ادعى نسب أحد التوأمين ثبت نسبهما منه؛ والله أعلم.   الأم) وبقي الولد (فادعاه البائع، وقد) كانت (جاءت به لأقل من ستة أشهر) مذ بيعت (يثبت النسب منه في الولد، وأخذه البائع) ؛ لأن الولد هو الأصل في النسب، فلا يضره فوات التبع (ويرد الثمن كله في قول أبي حنيفة) ؛ لأنه تبين أنه باع أم ولده، وماليتها غير متقومة عنده في العقد والغصب؛ فلا يضمنها المشتري (وقال أبو يوسف ومحمد: يرد حصة الولد، ولا يرد حصة الأم) بأن يقسم الثمن على الأم وقيمة الولد، فما أصاب الولد رده البائع، وما أصاب الأم سقط عنه، لأن الثمن كان مقابلا بهما، وماليتها متقومة عندهما، فيضمنها المشتري. قال في التصحيح: وعلى قول الإمام مشى الأئمة كالنسفي والمحبوبي والموصلي وصدر الشريعة. (ومن ادعى نسب أحد التوأمين) وهما ولدان بين ولادتهما أقل من ستة أشهر (ثبت نسبهما منه) ؛ لأنهما من ماء واحد، فمن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت نسب الآخر؛ إذ لا يتصور علوق الثاني حادثا؛ لأنه لأجل أقل من ستة أشهر، هداية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 كتاب الشهادات. - الشهادة: فرضٌ يلزم الشهود أداؤها، ولا يسعهم كتمانها إذا طالبهم المدعي. والشهادة في الحدود يخير فيها الشاهد بين الستر والإظهار، والستر أفضل،   كتاب الشهادات لا تخفى مناسبة الشهادة للدعوى وتأخيرها عنها. (الشهادة) لغة: خبر قاطع، وشرعا: أخبار صدق لإثبات حق، كما في الفتح. وشرطها: العقل الكامل، والضبط والولاية وركنها: لفظ "أشهد" وحكمها: وجوب الحكم على القاضي بموجبها إذا استوفت شرائطها. وأداؤها (فرض) على من علمها، بحيث (يلزم الشهود أداؤها، ولا يسعهم كتمانها) ، لقوله تعالى: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} ، وقوله تعالى: {ولا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} وهذا (إذا طالبهم المدعي) بها لأنها حقه، فتتوقف على طلبه كسائر الحقوق، إلا إذا لم يعلم بها ذو الحق وخاف فوته لزمه أن يشهد بلا طلب كما في الفتح، ويجب الأداء بلا طلب لو الشهادة في حقوق الله تعالى، وهي كثيرة عد منها في الأشباه أربعة عشر، قال: ومتى أخر شاهد الحسبة شهادته بلا عذر فسق فترد شهادته، اهـ. وهذا كله في غير الحدود (و) أما (الشهادة في الحدود) فإنه (يخير فيها الشاهد بين الستر والإظهار) ، لأنه بين حسبتين: إقامة الحد، والتوقي عن الهتك (و) لكن (الستر أفضل) لقوله صلى الله عليه وسلم للذي شهد عنده: (لو سترته بثوبك لكان خيراً لك) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 إلا أنه يجب أن يشهد بالمال في السرقة فيقول "أخذ" ولا يقول "سرق". والشهادة على مراتب: منها الشهادة في الزنا، يعتبر فيها أربعة من الرجال، ولا تقبل فيها شهادة النساء، ومنها الشهادة ببقية الحدود والقصاص، تقبل فيها شهادة رجلين، ولا تقبل فيها شهادة النساء.   وقال عليه الصلاة والسلام: (من ستر على مسلم ستر الله تعالى عليه في الدنيا والآخرة) ، وفيما نقل من تلقين الدرء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم دلالة ظاهرة على أفضلية الستر، هداية (إلا أنه يجب) عليه (أن يشهد بالمال في السرقة، فيقول: أخذ) المال، إحياء لحق المسروق منه (ولا يقول: سرق) صوناً ليد السارق عن القطع، فيكون جمعاً بين الستر والإظهار. (والشهادة على) أربع (مراتب) : الأولى: (منها الشهادة في الزنا، يعتبر فيها أربعة من الرجال) ، لقوله تعالى: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} ، وقوله تعالى: {ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} (ولا تقبل فيها شهادة النساء) ؛ لحديث الزهري: مضت السنة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده أن لا شهادة للنساء في الحدود والقصاص، هداية. (و) الثانية: (منها الشهادة ببقية الحدود والقصاص، تقبل فيها شهادة رجلين) لقوله تعالى: {فاستشهدوا شهيدين من رجالكم} (ولا تقبل فيها) أيضا (شهادة النساء) ، كما مر] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 وما سوى ذلك من الحقوق يقبل فيها شهادة رجلين أو رجلٍ وامرأتين، سواءٌ كان الحق مالا أو غير مالٍ مثل النكاح والطلاق والوكالة والوصية. وتقبل في الولادة والبكارة والعيوب بالنساء في موضعٍ لا يطلع عليه الرجال شهادة امرأةٍ واحدةٍ.   (و) الثالثة منها: (ما سوى ذلك) المذكور (من) بقية (الحقوق، تقبل فيها شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، سواء كان الحق) المشهود به (مالا أو غير مال) وذلك (مثل النكاح والطلاق والوكالة والوصية) ؛ لأن الأصل فيها القبول؛ لوجود ما يبتنى عليه أهلية الشهادة - وهو المشاهدة والضبط والأداء - إذ بالأول يحصل العلم للشاهد، وبالثاني يبقى، وبالثالث يحصل العلم للقاضي؛ ولهذا يقبل إخبارها في الأخبار، ونقصان الضبط بزيادة النسيان انجبر بضم الأخرى إليها، فلم يبق بعد ذلك إلا الشهادة؛ فلهذا لا تقبل فيما يندرئ بالشبهات، وهذه الحقوق تثبت مع الشبهات، وعدم قبول الأربع على خلاف القياس كيلا يكثر خروجهن، هداية. (و) الرابعة: الشهادة على مالا يطلع عليه الرجال، كما عبر بقوله: (وتقبل في الولادة والبكارة والعيوب) التي (بالنساء) إذا كانت (في موضع لا يطلع عليه الرجال شهادة امرأة واحدة) ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه) والجمع المحلى بالألف واللام يراد به الجنس فيتناول الأقل، ولأنه إنما سقطت الذكورة ليخف النظر؛ لأن نظر الجنس أخف، فكذا يسقط اعتبار العدد، إلا أن المثنى والثلاث أحوط؛ لما فيه من معنى الإلزام كما في الهداية، ثم قال: وأما شهادتهن على استهلال الصبي لا تقبل عند أبي حنيفة في حق الإرث؛ لأنه مما يطلع عليه الرجال، إلا في حق الصلاة؛ لأنه من أمور الدين، وعنده تقبل في حق الإرث أيضا؛ لأنه صوت عند الولادة، ولا يحضرها الرجال عادة، فصار كشهادتهن على نفس الولادة، اهـ. ورجحه في الفتح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 ولابد في ذلك كله من العدالة ولفظ الشهادة، فإن لم يذكر الشاهد لفظ الشهادة وقال أعلم أو أتيقن لم تقبل شهادته. وقال أبو حنيفة: يقتصر الحاكم على ظاهر عدالة المسلم، إلا في الحدود والقصاص، فإنه يسأل عن الشهود، وإن طعن الخصم فيهم   (ولابد في ذلك كله من العدالة) ، لقوله تعالى: {فأشهدوا ذوي عدلٍ منكم} ولقوله تعالى: {ممن ترضون من الشهداء} ولأن العدالة هي المعينة للصدق، لأن من يتعاطى غير الكذب قد يتعاطاه، وعن أبي يوسف أن الفاسق إذا كان وجيهاً في الناس ذا مروءة تقبل شهادته؛ لأنه لا يستأجر لوجاهته، ويمتنع عن الكذب بمروءته، والأول أصح إلا أن القاضي لو قضى بشهادة الفاسق يصح، والمسألة معروفة، هداية (ولفظ الشهادة) لأن النصوص نطقت باشتراطها؛ إذ الأمر بهذه اللفظة، ولأن فيها زيادة تأكيد فإن قوله "أشهد" من ألفاظ اليمين، فكان الامتناع عن الكذب بهذا اللفظ أشد (فإن لم يذكر الشاهد لفظ الشهادة، وقال) عوضاً عنها (أعلم أو أتيقن لم تقبل شهادته) ؛ لما قلنا، قال في الهداية: وقوله "في ذلك كله" إشارة إلى جميع ما تقدم، حتى تشترط العدالة ولفظ الشهادة في شهادة النساء في الولادة وغيرها، هو الصحيح؛ لأنه شهادة، لما فيه من معنى الإلزام، حتى اختص بمجلس القضاء، ويشترط فيه الحرية والإسلام، اهـ. (وقال أبو حنيفة: يقتصر الحاكم على ظاهر عدالة) الشاهد (المسلم) ولا يسأل عنه، إلا إذا طعن فيه الخصم، لقوله عليه الصلاة والسلام: "المسلمون عدولٌ بعضهم على بعض، إلا محدوداً في قذف" ولأن الظاهر الانزجار عما هو محرم في دينه، وبالظاهر كفاية، إذ لا وصول إلى القطع، هداية (إلا في الحدود والقصاص فإنه يسأل) فيها (عن الشهود) وإن لم يطعن الخصم؛ لأنه يحتال لإسقاطها فيشترط الاستقصاء فيها، لأن الشبهة فيها دارثة (وإن طعن الخصم فيهم) أي الشهود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 سأل عنهم، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لابد أن يسأل عنهم في السر والعلانية وما يتحمله الشاهد على ضربين: أحدهما: ما يثبت حكمه بنفسه، مثل البيع والإقرار والغصب والقتل، وحكم الحاكم، فإذا سمع ذلك الشاهد أو رآه   (سأل) القاضي (عنهم) ، لأنه تقابل الظاهران، فيسأل طلباً للترجيح، وهذا حيبث لم يعلم القاضي حالهم، أما إذا علمهم بجرح أو عدالة فلا يسأل عنهم، وتمامه في الملتقى (وقال أبو يوسف ومحمد: لابد) للقاضي من (أن يسأل عنهم في السر والعلانية) في سائر الحقوق، طعن الخصم فيهم أو لا، لأن الحكم إنما يجب بشهادة العدل، فوجب البحث عن العدالة، قال في الهداية: وقيل: هذا اختلاف عصر وزمان، والفتوى على قولهما في هذا الزمان، ومثله في الجواهر وشرح الإسبيجاني وشرح الزاهدي والينابيع، وقال الصدر الشهيد في الكبرى: والفتوى اليوم على قولهما، ومثله في شرح المنظومة للسديدي والحقائق وقاضيخان ومختار النوازل والاختيار والبرهاني وصدر الشريعة، وتمامه في التصحيح، وفي الهداية: ثم قيل: لابد أن يقول المعدل "هو عدل جائز الشهادة" لأن العبد قد يعدل، وقيل: يكتفي بقوله "هو عدل"، لأن الحرية ثابتة بأصل الدار، وهذا أصح. (وما يتحمله الشاهد على ضربين) : (أحدهما: ما يثبت حكمه بنفسه) وذلك (مثل البيع والإقرار والغصب والقتل وحكم الحاكم) ونحو ذلك مما يسمع أو يرى (فإذا سمع ذلك الشاهد) وهو مما يعرف بالسماع، مثل البيع والإقرار (أو رآه) فعله، وهو مما يعرف بالرؤية، كالغصب والقتل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 وسعه أن يشهد به، وإن لم يشهد عليه، ويقول: أشهد أنه باع، ولا يقول: أشهدني. ومنه ما لا يثبت حكمه بنفسه، مثل الشهادة على الشهادة، فإن سمع شاهداً يشهد بشيء لم يجز أن يشهد على شهادته إلا أن يشهده، وكذلك لو سمعه يشهد الشاهد على شهادته لم يسع السامع أن يشهد. ولا يحل للشاهد إذا رأى خطه أن يشهد إلا أن يذكر الشهادة.   (وسعه أن يشهد به، وإن لم يشهد عليه) أي يتحمل تلك الشهادة، لأنه علم ما هو الموجب بنفسه وهو الركن في الأداء (ويقول: أشهد أنه باع، ولا يقول: أشهدني) ؛ لأنه كذب، قال في الهداية: ولو سمع من وراء الحجاب لا يجوز له أن يشهد، ولو فسر القاضي لا يقبله؛ لأن النغمة تشبه النغمة، إلا إذا كان دخل البيت وعلم أنه ليس فيه أحد سواه ثم جلس على الباب وليس للبيت مسلك غيره فسمع إقرار الداخل ولا يراه، لأنه حصل العلم في هذه الصورة، اهـ. (و) الثاني (منه ما لا يثبت حكمه بنفسه) وذلك (مثل الشهادة على الشهادة) لأنها غير موجبة بنفسها، وإنما تصير موجبة بالنقل إلى مجلس القضاء، والنقل لابد له من تحمل؛ ليصير الفرع كالوكيل (فإذا سمع شاهداً يشهد بشيء لم يجز أن يشهد على شهادته) لعدم الإنابة (إلا أن يشهده) على شهادته ويأمره بأدائها ليكون نائباً عنه (وكذلك لو سمعه يشهد الشاهد على شهادته) ويأمره بأدائها (لم يسع السامع) له (أن يشهد) ، لأنه لم يحمله، وإنما حمل غيره. (ولا يحل للشاهد إذا رأى خطه أن يشهد إلا أن يذكر الشهادة) ، لأن الخط يشبه الخط، فلم يحصل العلم، وهذا قول الإمام، وعليه مشى الأئمة الملتزمون للتصحيح، اهـ، وفي الدر: وجوز له لو في حوزه، وبه نأخذ. بحر عن الملتقى اه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 ولا تقبل شهادة الأعمى، ولا المملوك، ولا المحدود في قذف وإن تاب، ولا شهادة الوالد لولده وولد ولده، ولا شهادة الولد لأبويه وأجداده. ولا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر.   (ولا تقبل شهادة الأعمى) ؛ لأن الأداء يفتقر إلى التمييز بالإشارة بين المشهود له والمشهود عليه، ولا يميز الأعمى إلا بالنغمة، والنغمة تشبه النغمة، ولو عمي بعد الأداء يمتنع القضاء عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن قيام الأهلية شرط وقت القضاء، لصيرورتها حجة عنده، وصار كما إذا خرس أو جن أو فسق، بخلاف ما إذا مات أو غاب؛ لأن الأهلية بالموت انتهت وبالغيبة ما بطلت كما في الهداية (ولا المملوك) لمالكه وغيره؛ لأن الشهادة من باب الولاية، وهو لا يلي نفسه، فأولى أن لا تثبت له الولاية على غيره (ولا المحدود في قذف وإن تاب) ؛ لأن رد شهادته من تمام حده بالنص، والاستثناء منصرف لما يليه، وهو: {وأولئك هم الفاسقون} . قال في الهداية: ولو حد الكافر في قذف ثم أسلم تقبل شهادته، لأن للكافر شهادة، فكان ردها من تمام الحد، وبالإسلام حدثت له شهادة أخرى، بخلاف العبد إذا حد ثم أعتق، لأنه لا شهادة للعبد أصلا، فتمام حده برد شهادته بعد العتق، اهـ. (ولا شهادة الوالد) وإن علا (لولده وولد ولده) وإن سفل (ولا شهادة الولد) وإن سفل (لأبويه وأجداده) وأن علوا؛ لأن المنافع بين الآباء والأولاد متصلة ولذا لا يجوز أداء الزكاة إليهم، فتكون شهادة لنفسه من وجه، ولتمكن التهمة. (ولا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر) ؛ لأن الانتفاع متصل عادة، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 ولا شهادة المولى لعبده ولا لمكاتبه، ولا شهادة الشريك لشريكه فيما هو من شركتهما. وتقبل شهادة الرجل لأخيه وعمه. ولا تقبل شهادة مخنث، ولا نائحة، ولا مغنيةٍ، ولا مدمن الشرب على اللهو، ولا من يلعب بالطيور   وهو المقصود، فيصير شاهداً لنفسه من وجه، ولوجود التهمة (ولا شهادة المولى لعبده) لأنه شهادة لنفسه من كل وجه إذا لم يكن على العبد دين، أو من وجه إذا كان عليه دين، لأن الحال موقوف مراعي، هداية (ولا لمكاتبه) لما قلنا (ولا شهادة الشريك لشريكه فيما هو من شركتهما) ، لأنها شهادة لنفسه من وجه لاشتراكهما، ولو شهد بما ليس من شركتهما تقبل لانتفاء التهمة. (وتقبل شهادة الرجل لأخيه وعمه) ، لانعدام التهمة، فإن الأملاك ومنافعها متباينة، ولا بسوطة لبعضهم في مال بعض. (ولا تقبل شهادة مخنث) بالفتح - من يفعل الردئ ويؤتى كالنساء، لأنه فاسق، فأما الذي في كلامه لين وفي أعضائه تكسر فهو مقبول الشهادة كما في الهداية، (ولا) شهادة (نائحة) في مصيبة غيرها بأجر، درر وفتح (ولا مغنية) ولو لنفسها لحرمة رفع صوتها، خصوصاً مع الغناء (ولا مدمن الشرب) لغير الخمر من الأشربة (على اللهو) لحرمة ذلك. قيد بالإدمان ليكون ذلك ظاهراً منه، لأنه لا يخرج عن العدالة إلا إذا كان يظهر منه ذلك، وقيد باللهو لأنه لو شرب للتداوي لا تسقط عدالته لشبهة الاختلاف كما في صدر الشريعة، وقيدنا بغير الخمر لأن شرب الخمر يسقط العدالة ولو قطرة ولو بغير لهو (ولا) شهادة (من يلعب بالطيور) ، لأنه يورث غفلة، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 ولا من يغني للناس، ولا من يأتي باباً من الكبائر التي يتعلق بها الحد، ولا من يدخل الحمام بغير إزار؛ أو يأكل الربا، ولا المقامر بالنرد والشطرنج، ولا من يفعل الأفعال المستخفة كالبول على الطريق، والأكل على الطريق.   ولأنه قد يقف على عورات النساء بصعود سطحه ليطير طيره، وفي بعض النسخ "ولا من يلعب بالطنبور" وهو المغني، هداية. (ولا من يغني للناس) ؛ لأنه يجمع الناس على ارتكاب كبيرة، هداية. وأما من يغني لنفسه لدفع وحشة فلا بأس به عند العامة، عناية، وصححه العيني وغيره (ولا من يأتي باباً من الكبائر التي يتعلق بها الحد) كالزنا والسرقة ونحوهما؛ لأنه يفسق (ولا من يدخل الحمام بغير إزار) ؛ لأن كشف العورة حرام إذا رآه غيره (و) لا (من يأكل الربا) قال في الهداية: وشرط في الأصل أن يكون مشهوراً به؛ لأن الإنسان قلما ينجو من مباشرة العقود الفاسدة، وكل ذلك رباً. (و) لا (المقامر بالنرد) ويقال: النردشير، ويعرف الآن بالزهر (والشطرنج) ؛ لأن كل ذلك من الكبائر. قال في صدر الشريعة: قيد المقامرة بالنرد وقع اتفاقاً، وفي الذخيرة: من يلعب بالنرد فهو مردود الشهادة على كل حال، اهـ. وفي القهستاني: لاعب النرد بلا قمار لم تقبل شهادته بلا خلاف، بخلاف لاعب الشطرنج؛ فإنه يقبل إلا إذا وجد واحد من ثلاثة: أي المقامرة، وفوت الصلاة، وبإكثار الحلف عليه بالكذب، اهـ؛ وزاد في الإشباه: أن يلعب به على الطريق؛ أو يذكر عليه فسقا. (ولا) تقبل أيضاً شهادة (من يفعل الأفعال المستخفة) مما يخل بالمروءة (كالبول على الطريق، والأكل على الطريق) ؛ لأنه تارك للمروءة، وإذا كان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 ولا تقبل شهادة من يظهر سب السلف، وتقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية، وتقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعضٍ وإن اختلفت مللهم، ولا تقبل شهادة الحربي على الذمي.   لا يستحي عن مثل ذلك لا يمتنع عن الكذب فيتهم، هداية. قال في الفتح: ومنه كشف عورته ليستنجي من جانب البركة والناس حضور؛ وقد كثر في زماننا، اهـ. (ولا تقبل شهادة من يظهر سب السلف) ؛ لظهور فسقه، بخلاف من يخفيه، لأنه فاسق مستور، عيني. قال في المنح: وإنما قيدنا بالسلف تبعاً لكلامهم. وإلا فالأولى أن يقال سب مسلم لسقوط العدالة بسب المسلم وإن لم يكن من السلف، كما في السراج والنهاية، اهـ. (وتقبل شهادة أهل الأهواء) : أي أصحاب بدع لا تكفر كجبر وقدر ورفض وخروج وتشبيه وتعطيل، وكل فرقة من هذه الفرق الستة اثنتا عشرة فرقة (إلا الخطابية) فرقة من الروافض يرون الشهادة لشيعتهم ولكل من حلف أنه محق. فردهم لا لبدعتهم بل لتهمة الكذب، ولم يبق لمذهبهم ذكر، بحر (وتقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض) إذا كانوا عدولا في دينهم، جوهرة؛ لأنهم من أهل الولاية على أنفسهم وأولادهم الصغار، فيكونون من أهل الشهادة على جنسهم (وإن اختلفت مللهم) كاليهود والنصارى، قال في الهداية: لأن ملل الكفر وإن اختلفت فلا قهر، فلا يحملهم الغيظ على التقول، اهـ. (ولا تقبل شهادة الحربي) المستأمن (على الذمي) ؛ لأنه لا ولاية له عليه، لأن الذمي من أهل ديارنا، وهو أعلى حالا منه، وتقبل شهادة الذمي عليه كشهادة المسلم عليه وعلى الذمي؛ وتقبل شهادة المستأمنين بعضهم على بعض إذا كانوا أهل دار واحدة، وتمامه في الهداية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 وإن كانت الحسنات أغلب من السيئات والرجل ممن يحتنب الكبائر قبلت شهادته وإن ألم بمعصيةٍ. وتقبل شهادة الأقلف، والخصي، وولد الزنا، وشهادة الخنثى جائزةٌ. وإذا وافقت الشهادة الدعوى قبلت، وإن خالفتها لم تقبل،   (وإن كانت الحسنات أغلب من السيئات) يعني الصغائر، جوهرة (والرجل ممن يجتنب الكبائر) ويتباعد عنها (قبلت شهادته) قال في الجوهرة: هذا هو العدالة المعتبرة؛ إذ لابد من توقي الكبائر كلها، وبعد توقيها يعتبر الغالب: فمن كثرت معاصيه أثر ذلك في شهادته. ومن ندرت منه المعصية قبلت شهادته؛ لأن في اعتبار اجتنابه الكل سد باب الشهادة، وهو مفتوح إحياء للحقوق. اهـ. وفي الهداية والمجتبى ومختارات النوازل: هذا هو الصحيح في حد العدالة المعتبرة (وإن ألم بمعصية) ؛ لأن كل واحد من سوى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يخلو من ارتكاب خطيئة، فلو وقفت الشهادة على من لا ذنب له أصلا لتعذر وجوده أصلا، فاعتبر الأغلب، وحاصله: أن من ارتكب كبيرة أو أصر على صغيرة سقطت عدالته، كما في الجوهرة. (وتقبل شهادة الأقلف) ؛ لأنه لا يخل بالعدالة؛ إلا إذا تركه استخفافاً بالدين؛ لأنه لم يبق بهذا الصنيع عدلا، هداية (والخصي) ؛ لأنه قطع عضو منه ظلماً، فصار كما إذا قطعت يده (وولد الزنا) إذا كان عدلا؛ لأن فسق الأبوين لا يوجب فسق الولد، (وشهادة الخنثى جائزة) ؛ لأنه رجل أو امرأة، وشهادة الجنسين مقبولة، إلا أنه كأنثى. (وإذا وافقت الشهادة الدعوى) لفظاً ومعنى، أو معنى فقط (قبلت) لذلك الشهادة (وإن خالفتها) : أي خالفت الشهادة الدعوى لفظاً ومعنى (لم تقبل) تلك الشهادة؛ لأن تقدم الدعوى في حقوق العباد شرط قبول الشهادة، وقد وجدت فيما يوافقها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 ويعتبر اتفاق الشاهدين في اللفظ والمعنى عند أبي حنيفة، فإن شهد أحدهما بألفٍ والآخر بألفين لم تقبل الشهادة، وإن شهد أحدهما بألفٍ والآخر بألف وخمسمائةٍ والمدعي يدعي ألفاً وخمسمائةٍ قبلت شهادتهما بألفٍ. وإذا شهد أحدهما بألفٍ وقال: قضاه منها   وانعدمت فيما يخالفها، هداية (ويعتبر) : أي يشترط (اتفاق الشاهدين في اللفظ والمعنى) جميعاً، بطريق الوضع لا التضمن (عند أبي حنيفة) وعندهما يكتفي بالموافقة المعنوية (فإن شهد أحدهما بألف والآخر بألفين) والمدعي يدعي الألفين (لم تقبل الشهادة) عنده، لاختلافهما لفظاً، وذلك يدل على اختلاف المعنى، لأنه يستفاد باللفظ وذلك لأن الألف لا يعبر به عن الألفين، بل هما جملتان متباينتان، فصار كما إذا اختلف جنس المال، وعندهما تقبل على الألف لأنهما اتفقا على الأصل، وتفرد أحدهما بالزيادة، فيثبت ما اجتمعا عليه فصار كالألف والألف والخمسمائة، وعلى هذا المائة والمائتان والطلقة والطلقتان، قال الإسبيجاني: والصحيح قول أبي حنيفة، وعليه مشى الأئمة المصححون، تصحيح. قيدنا بدعوى الألفين، لأنه إذا ادعى المدعي الألف لا تقبل الشهادة بالإجماع (وإن شهد أحدهما بألف والآخر بألف وخمسمائة والمدعي يدعي ألفاً وخمسمائة قبلت شهادتهما بألف) اتفاقاً، لاتفاق الشاهدين عليها لفظاً ومعنى، لأن الألف والخمسمائة جملتان عطفت إحداهما على الأخرى، والعطف يقرر الأول، ونظيره الطلقة والطلقة والنصف، والمائة والمائة والخمسون، بخلاف الخمسة والخمسة عشر، لأنه ليس بينهما حرف العطف فهو نظير الألف والألفين، هداية. (وإذا شهد أحدهما بألف وقال) في شهادته: لكنه قد (قضاه منها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 خمسمائة" قبلت شهادته بألفٍ، ولم يسمع قوله إنه قضاه إلا أن يشهد معه آخر، وينبغي للشاهد إذا علم ذلك أن لا يشهد بألفٍ حتى يقر المدعي أنه قبض خمسمائةٍ. وإذا شهد شاهدان أن زيداً قتل يوم النحر بمكة وشهد آخران أنه قتل يوم النحر بالكوفة واجتمعوا عند الحاكم لم يقبل الشهادتين، فإن سبقت إحداهما فقضي بها ثم حضرت الأخرى لم تقبل، ولا يسمع القاضي الشهادة على جرحٍ   خمسمائة قبلت شهادته بألف) لاتفاقهما عليه (ولم يسمع قوله إنه قضاه) ؛ لأنها شهادة فرد (إلا أن يشهد معه آخر) ليتم نصاب الشهادة (وينبغي للشاهد إذا علم ذلك) أي علم قضاء المديون وخشي إنكار المدعي لما قبضه (أن لا يشهد) له (بألف حتى يقر المدعي أنه قبض خمسمائة) كيلا يصير معيناً على الظلم. (وإذا شهد شاهدان أن زيدا قتل يوم النحر) من هذا العام مثلا (بمكة، وشهد) شاهدان (آخران أنه قتل يوم النحر) من هذا العام (بالكوفة واجتمعوا) : أي الشهود كلهم (عند الحاكم لم يقبل) الحاكم (الشهادتين) للتيقن بكذب إحداهما، وليست إحداهما بأولى من الأخرى. (فإن سبقت إحداهما وقضى بها ثم حضرت الأخرى لم تقبل) الثانية؛ لأن الأولى قد ترجحت باتصال القضاء بها؛ فلا تنتقض بالثانية. (ولا يسمع القاضي الشهادة على جرح) الشهود، بأن ادعى المدعى عليه أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 ولا يحكم بذلك. ولا يجوز للشاهد أن يشهد بشيءٍ لم يعاينه، إلا النسب والموت والنكاح والدخول وولاية القاضي، فإنه يسعه أن يشهد بهذه الأشياء إذا أخبره بها من يثق به.   شهود المدعي فسقة أو مستأجرون وأقام بينة على ذلك، فإن القاضي لا يلتفت إليها (ولا يحكم بذلك) ولكن يسأل عنهم سراً وعلانية، فإن ثبتت عدالتهم قبلت شهادتهم، وإلا لا. (ولا يجوز للشاهد أن يشهد بشيء لم يعاينه) ؛ لأن الشهادة مشتقة من المشاهدة، وذلك بالعلم، ولم يحصل (إلا النسب، والموت، والنكاح، والدخول، وولاية القاضي؛ فإنه يسعه أن يشهد بهذه الأشياء إذا أخبره بها من يثق به) استحساناً؛ لأن هذه الأمور يختص بمعاينة أسبابها الخواص من الناس، ويتعلق بها أحكام تبقى على انقضاء القرون والأعوام، فلو لم يقبل فيها الشهادة بالتسامع لأدى إلى الحرج وتعطيل الأحكام، قال في الهداية: وإنما يجوز للشاهد أن يشهد بالاشتهار، وذلك بالتواتر أو إخبار من يثق به، كما قال في الكتاب. ويشترط أن يخبره رجلان عدلان، أو رجل وامرأتان، ليحصل له نوع من العلم، وقيل في الموت: يكتفي بإخبار واحد أو واحدة، لأنه قل ما يشاهد حاله غير الواحد. ثم قال: وينبغي أن يطلق أداء الشهادة، أما إذا فسر للقاضي أنه يشهد بالتسامع لم تقبل شهادته، كما أن معاينة اليد في الأملاك تطلق فيه الشهادة ثم إذا فسر لا تقبل كذا هذا، ثم قصر الاستثناء في الكتاب على هذه الأشياء ينفي اعتبار التسامع في الولاء والوقف، وعن أبي يوسف آخرا أنه يجوز في الولاء، لأنه بمنزلة النسب، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 والشهادة على الشهادة جائزةٌ في كل حقٍ لا يسقط بالشبهة، ولا تقبل في الحدود والقصاص. وتجوز شهادة شاهدين على شهادة شاهدين، ولا تقبل شهادة واحدٍ على شهادة واحدٍ. وصفة الإشهاد أن يقول شاهد الأصل لشاهد الفرع: اشهد على شهادتي أني أشهد أن   وعن محمد يجوز في الوقف؛ لأنه يبقى على مر الأعصار، إلا أنا نقول: الولاء يبتنى على زوال الملك، ولابد فيه من المعاينة، فكذا فيما يبتنى عليه، وأما الوقف فالصحيح أنه تقبل الشهادة بالتسامع في أصله دون شرائطه؛ لأن أصله هو الذي يشتهر، اهـ. (والشهادة على الشهادة جائزة في كل حق لا يسقط بالشبهة) قال في الهداية: وهذا استحسان؛ لشدة الحاجة إليها؛ إذ شاهد الأصل قد يعجز عن أداء الشهادة لبعض العوارض، فلو لم تجز الشهادة على شهادته أدى إلى تواء الحقوق، ولهذا جوزنا الشهادة على الشهادة وإن كثرت، إلا أن فيها شبهة من حيث البدلية، أو من حيث إن فيها زيادة احتمال، وقد أمكن الاحتراز عنه بجنس الشهود (و) لذا (لا تقبل في الحدود والقصاص) لأنها تسقط بالشبهة. (وتجوز شهادة شاهدين) أو رجل وامرأتين (على شهادة شاهدين) ؛ لأن نقل الشهادة من جملة الحقوق، وقد شهدا بحق، ثم بحق آخر، فتقبل؛ لأن شهادة الشهادتين على حقفين جائزة (ولا تقبل شهادة واحد على شهادة واحد) ؛ لأن شهادة الفرد لا تثبت الحق. (وصفة الإشهاد أن يقول شاهد الأصل) مخاطبا (لشاهد الفرع: اشهد على شهادتي) لأن الفرع كالنائب عنه، فلابد من التحميل والتوكيل كما مر (أني أشهد أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 فلان ابن فلان أقر عندي بكذا وأشهدني على نفسه، وإن لم يقل أشهدني على نفسه جاز، ويقول شاهد الفرع عند الأداء: أشهد أن فلان ابن فلانٍ أشهدني على شهادته أنه يشهد أن فلاناً أقر عنده بكذا وقال لي: اشهد على شهادتي بذلك. ولا تقبل شهادة شهود الفرع إلا أن يموت شهود الأصل أو يغيبوا مسيرة ثلاثة أيامٍ فصاعداً   فلان ابن فلان) الفلاني (أقر عندي بكذا وأشهدني) به (على نفسه) ؛ لأنه لابد أن يشهد شاهد الأصل عند الفرع كما يشهد عند القاضي لينقله إلى مجلس القضاء (وإن لم يقل أشهدني على نفسه جاز) ، لأن من سمع إقرار غيره حل له الشهادة وإن لم يقل له اشهد (ويقول شاهد الفرع) عند الأداء لما تحمله: (أشهد أن فلاناً أشهدني على شهادته أنه يشهد أن فلاناً أقر عنده بكذا، وقال لي: اشهد على شهادتي بذلك) ، لأنه لابد من شهادته، وذكر شهادة الأصل، وذكر التحميل، ولها لفظ أطول من هذا وأقصر منه، وخير الأمور أوسطها، هداية. قال في الدر: والأقصر أن يقول الأصل: اشهد على شهادتي بكذا، ويقول الفرع: أشهد على شهادته بكذا، وعليه فتوى السرخسي وغيره، ابن كمال، وهو الأصح كما في القهستاني عن الزاهدي، اهـ. (ولا تقبل شهادة شهود الفرع إلا أن) يتعذر حضور شهود الأصل، وذلك بأن (يموت شهود الأصل) عند الأداء (أو يغيبوا مسيرة) سفر (ثلاثة أيام فصاعدا) قال في الدر: واكتفى الثاني بغيبته بحيث يتعذر أن يبيت بأهله، واستحسنه غير واحد، وفي القهستاني والسراجية: وعليه الفتوى، وأقره المصنف، اه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 أو يمرضوا مرضاً لا يستطيعون معه حضور مجلس الحاكم، وإن عدل شهود الأصل شهود الفرع جاز، وإن سكتوا عن تعديلهم جاز، وينظر القاضي في حالهم، وإن أنكر شهود الأصل الشهادة لم تقبل شهادة شهود الفرع. وقال أبو حنيفة في شاهد الزور: أشهره في السوق.   (أو يمرضوا مرضاً) قوياً، بحيث (لا يستطيعون معه حضور مجلس الحاكم) ؛ لأن جوازها للحاجة، وإنما تمس عند عجز الأصل، وبهذه الأشياء يتحقق العجز. (فإن عدل شهود الأصل) بالنصب على المفعولية (شهود الفرع) بالرفع فاعل "عدل" (جاز) ؛ لأنهم من أهل التزكية، وكذا إذا شهد شاهدان فعدل أحدهما الآخر صح، لما قلناه، هداية. (وإن سكتوا عن تعديلهم جاز) أيضا (وينظر القاضي في حالهم) أي حال الأصول، كما إذا حضروا بأنفسهم وشهدوا، قال في التصحيح: وهذا عند أبي يوسف، وعليه مشى الأئمة المصححون، وقال محمد: لا تقبل، اهـ. (وإن أنكر شهود الأصل الشهادة) بأن قالوا: مالنا شهادة على هذه الحادثة، وماتوا أو غابوا، ثم جاء الفروع يشهدون على شهادتهم كما في الكافي، وكذا لو أنكروا التحميل، بأن قالوا: لم نشهدهم على شهادتنا، وماتوا أو غابوا كما في الزيلعي (لم تقبل شهادة شهود الفرع) ، لأن التحميل شرط، وقد فات للتعارض بين الخبرين. (وقال أبو حنيفة في شاهد الزور: أشهره في السوق) بأن يبعثه إلى سوقه إن كان سوقيا، أو إلى قومه إن كان غيره سوقي، بعد العصر أجمع ما كانوا، ويقول المرسل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 ولا أعزره، وقال أبو يوسف ومحمد: نوجعه ضرباً ونحبسه. كتاب الرجوع عن الشهادة. - إذا رجع الشهود عن شهادتهم قبل الحكم بها سقطت، وإن حكم بشهادتهم ثم رجعوا لم يفسخ   معه: إن وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه وحذروه الناس، كما نقل عن القاضي شريح (ولا أعزره) بالضرب؛ لأن المقصود الانزجار، وهو يحصل بالتشهير، بل ربما يكون أعظم عند الناس من الضرب، فيكتفي به (وقال أبو يوسف ومحمد: نوجعه ضرباً ونحبسه) حتى يحدث توبة. قال في التصحيح: وعلى قول أبي حنيفة مشى النسفي والبرهاني وصدر الشريعة، اهـ. ثم شهد شاهد الزور هو المقر على نفسه بذلك؛ إذ لا طريق إلى إثباته بالبينة، لأنه نفي للشهادة، والبينات للإثبات، وقيل: هو أن يشهد بقتل رجل ثم يجئ المشهود بقتله حيا حتى يثبت كذبه بيقين، أما إذا قال: "أخطأت في الشهادة " أو "غلطت" لا يعزر، جوهرة. كتاب الرجوع عن الشهادة هو بمنزلة الباب من كتاب الشهادات؛ لأنه مندرج تحت أحكام الشهادات. (إذا رجع الشهود عن شهادتهم) بأن قالوا: رجعنا عما شهدنا به، ونحوه، بخلاف الإنكار؛ فإنه لا يكون رجوعاً، وكان ذلك (قبل الحكم بها) أي بالشهادة (سقطت) شهادتهم؛ لأن الحق إنما يثبت بالقضاء، والقاضي لا يقضي بكلام متناقض، ولا ضمان عليهما؛ لأنهما ما أتلفا شيئاً: لا على المدعي، ولا على المشهود عليه، هداية. (وإن) كان (حكم بشهادتهم ثم رجعوا، لم يفسخ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 الحكم، ووجب عليهم ضمان ما أتلفوه بشهادتهم، ولا يصح الرجوع إلا بحضرة الحاكم. وإذا شهد شاهدان بمالٍ فحكم الحاكم به ثم رجعا ضمنا المال المشهود عليه، وإن رجع أحدهما ضمن النصف، وإن شهد بالمال ثلاثةٌ فرجع أحدهم فلا ضمان عليه،   الحكم) ؛ لأن آخر كلامهم يناقض أوله، فلا ينقض الحكم بالمتناقض، ولأنه في الدلالة على الصدق مثل الأول، وقد ترجح الأول باتصال القضاء به (ووجب عليهم) أي الشهود (ضمان ما أتلفوه بشهادتهم) ؛ لإقرارهم على أنفسهم بسبب الضمان، لأن رجوعهم يتضمن دعوى بطلان القضاء، ودعوى إتلاف المال على المشهود عليه بشهادتهم؛ فلا يصدقون في حق القضاء، ويصدقون بسبب الضمان. (ولا يصح الرجوع إلا بحضرة الحاكم) ولو غير الأول؛ لأنه فسخ للشهادة، فيختص بما تختص به الشهادة من المجلس، وهو مجلس القاضي كما في الهداية. (وإذا شهد شاهدان بمال فحكم الحاكم به ثم رجعا) عن الشهادة عند الحاكم (ضمنا المال) المشهود به (للمشهود عليه) ؛ لأن السبب على وجه التعدي سبب الضمان كحافر البئر، وقد تسببا للاتلاف تعديا مع تعذر تضمين المباشر - وهو القاضي - لأنه كالملجأ إلى القضاء (وإن رجع أحدهما ضمن النصف) والأصل: أن المعتبر في هذا بقاء من بقي، لا رجوع من رجع، وقد بقي من يتقي بشهادته نصف الحق. (وإن شهد بالمال ثلاثة) من الرجال (فرجع أحدهم فلا ضمان عليه) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 فإن رجع آخر ضمن الراجعان نصف المال. وإن شهد رجلٌ وامرأتان فرجعت امرأةٌ ضمنت ربع الحق وإن رجعتا ضمنتا نصف الحق، وإن شهد رجلٌ وعشر نسوةٍ ثم رجع ثمان منهن فلا ضمانٌ عليهن، وإن رجعت أخرى كان على النسوة ربع الحق، فإن رجع الرجل والنساء فعلى الرجل سدس الحق، وعلى النسوة خمسة أسداس الحق عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: على الرجل النصف وعلى النسوة النصف.   لأنه بقي من يبقى بشهادته كل الحق (فإن رجع آخر ضمن الراجعان نصف المال) لأنه ببقاء أحدهم يبقى نصف الحق. (وإن شهد رجل وامرأتان، فرجعت امرأة ضمنت ربع الحق) لبقاء ثلاثة الأرباع ببقاء من بقي (وإن رجعتا) أي المرأتان (ضمنتا نصف الحق) ؛ لأن بشهادة الرجل الباقي يبقى نصف الحق. (وإن شهد رجل وعشر نسوة ثم رجع ثمان منهن، فلا ضمان عليهن) ، لأنه بقي من يبقى بشهادته كل الحق (فإن رجعت) امرأة (أخرى كان على النسوة) الراجعين (1) من حق العربية أن يقول "الراجعات" (ربع الحق) لأنه بقي النصف بشهادة الرجل، والربع بشهادة الباقية (فإن رجع الرجل والنساء) جميعاً (فعلى الرجل سدس الحق، وعلى النسوة خمسة أسداس الحق عند أبي حنيفة) ، لأن كل امرأتين قامتا مقام رجل واحد، فصار كما إذا شهد بذلك ستة رجال ثم رجعوا جميعاً، وقال أبو يوسف ومحمد: على الرجل النصف، وعلى النسوة النصف) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 وإن شهد شاهدان على امرأةٍ بالنكاح بمقدار مهر مثلها ثم رجعا فلا ضمان عليهما، وكذلك إن شهدا على رجلٍ بتزوج امرأةٍ بمقدار مهر مثلها وإن شهدا بأكثر من مهر المثل ثم رجعا ضمناً الزيادة. وإن شهدا ببيعٍ بمثل القيمة أو أكثر ثم رجعا لم يضمنا، وإن كان بأقل من القيمة ضمنا النقصان وإن شهدا على رجلٍ أنه طلق امرأته قبل الدخول ثم رجعا ضمنا نصف المهر   لأنهن - وإن كثرن - يقمن مقام رجل واحد؛ ولهذا لا تقبل شهادتهن إلا بانضمام رجل، قال في التصحيح: وعلى قول الإمام مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما] . (وإن شهد شاهدان على امرأة بالنكاح) على مهر (بمقدار مهر مثلها) أو أقل أو أكثر (ثم رجعا فلا ضمان عليهما) ؛ لأن منافع البضع غير متقومة عند الإتلاف؛ لأن التضمين يستدعي المماثلة، ولا مماثلة بين البضع والمال، وإنما تتقوم على الزوج عند التملك ضرورة الملك إظهارا لخطر المحل (وكذلك إن شهدا على رجل بتزوج امرأة بمقدار مهر مثلها) ، لأنه إتلاف بعوض، لأن البضع متقوم حالة الدخول في الملك كما سبق، والإتلاف بعوض كالإتلاف (فإن شهدا بأكثر من مهر المثل ثم رجعا ضمنا الزيادة) لإتلافها الزيادة من غير عوض. (وإن شهدا) على بائع (ببيع) شيء (بمثل القيمة أو أكثر، ثم رجعا لم يضمنا) ؛ لأنه ليس بإتلاف معنى نظرا إلى العوض (وإن كان) ما شهدا به (بأقل من القيمة ضمنا النقصان) لإتلافهما هذا الجزء بلا عوض. (وإن شهدا على رجل أنه طلق امرأته) وكان ذلك (قبل الدخول) بها (ثم رجعا ضمنا نصف المهر) ؛ لأنهما قررا عليه مالا كان على شرف السقوط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 فإن كان بعد الدخول لم يضمنا. وإن شهدا أنه أعتق عبده ثم رجعا ضمنا قيمته. وإن شهدا بقصاصٍ ثم رجعا بعد القتل ضمنا الدية، ولا يقتص منهما وإذا رجع شهود الفرع ضمنوا. وإن رجع شهود الأصل وقالوا "لم نشهد شهود الفرع على شهادتنا" فلا ضمان عليهم، وإن قالوا "أشهدناهم وغلطنا" ضمنوا،   بمجئ الفرقة من قبلها (وإن كان) ذلك (بعد الدخول) بها (لم يضمنا) شيئا؛ لأن المهر تأكد بالدخول، والبضع عند الخروج عن الملك لا قيمة له كما مر، فلا يلزم بمقابلته شيء. (وإن شهدا) على رجل (أنه أعتق عبده ثم رجعا ضمنا قيمته) ، لإتلافهما مالية العبد من غير عوض، والولاء للمعتق، لأن العتق لا يتحول إليهما بهذا الضمان، فلا يتحول الولاء، هداية. (وإن شهدا بقصاص ثم رجعا بعد القتل ضمنا الدية) في مالهما في ثلاث سنين؛ لأنهما معترفان، والعاقلة لا تعقل الاعتراف (ولا يقتص منهما) ، لأنهما لم يباشرا القتل ولم يحصل منهما إكراه عليه. (وإذا رجع شهود الفرع ضمنوا) ما أتلفوه بشهادتهم، لأن الشهادة في مجلس القضاء صدرت منهم، فكان التلف مضافا إليهم (وإن رجع شهود الأصل) بعد القضاء (وقالوا: لم نشهد شهود الفرع على شهادتنا، فلا ضمان عليهم) لأنهم أنكروا السبب، ولا يبطل القضاء، لتعارض الخبرين. أما إذا كان قبل القضاء فإنها تبطل شهادة الفرع، لإنكار شهود الأصل التحميل، ولابد منه (وإن قالوا: أشهدناهم و) لكن (غلطنا ضمنوا) قال في الهداية: وهذا عند محمد، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف: لا ضمان عليهم، لأن القضاء وقع بشهادة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 وإن قال شهود الفرع "كذب شهود الأصل" أو "غلطوا في شهادتهم" لم يلتفت إلى ذلك. وإذا شهد أربعةٌ بالزنا وشاهدان بالإحصان فرجع شهود الإحصان لم يضمنوا، وإذا رجع المزكون عن التزكية ضمنوا.   الفروع؛ لأن القاضي يقضي بما يعاين من الحجة، وهي شهادتهم، وله أن الفروع نقلوا شهادة الأصول، فصار كأنهم حضروا، اهـ. قال في الفتح: وقد أخر المصنف دليل محمد، وعادته أن يكون المرجح عنده ما أخره، اهـ. وفي الهداية: ولو رجع الأصول والفروع جميعا يجب الضمان عندهما على الفروع لا غير؛ لأن القضاء وقع بشهادتهم، وعند محمد المشهود عليه بالخيار: إن شاء ضمن الأصول، وإن شاء ضمن الفروع، وتمامه فيها (وإن قال شهود الفرع) بعد القضاء بشهادتهم: (كذب شهود الأصل، أو غلطوا في شهادتهم، لم يلتفت إلى ذلك) ، لأن ما أمضى من القضاء لا ينقض بقولهم، ولا يجب الضمان عليهم، لأنهم ما رجعوا عن شهادتهم، وإنما شهدوا بالرجوع على غيرهم. (وإذا شهد أربعة بالزنا وشاهدان بالإحصان، فرجع شهود الإحصان) عن شهادتهم (لم يضمنوا) ؛ لأن الحكم يضاف إلى السبب - وهو منا الزنا - بخلاف الإحصان، فإنه شرط كالبلوغ، والعقل والإسلام، وهذه المعاني لا يستحق عليهما العقاب، وإنما يستحق العقاب بالزنا، وتمامه في الجوهرة. (وإذا رجع المزكون عن التزكية ضمنوا) قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: لا يضمنون؛ لأنهم أثنوا على الشهود، فصاروا كشهود الإحصان؛ وله أن التزكية إعمال للشهادة، إذ القاضي لا يعمل بها إلا بالتزكية فصار في معنى علة العلة، بخلاف شهود الإحصان، لأنه شرط محض. قال جمال الإسلام في شرحه: والصحيح قول الإمام، واعتمده البرهاني، والنسفي، وصدر الشريعة، تصحيح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 وإذا شهد شاهدان باليمين وشاهدان بوجود الشرط ثم رجعوا فالضمان على شهود اليمين خاصة. كتاب أدب القاضي. - لا تصح ولاية القاضي حتى يجتمع في المولي شرائط الشهادة   (وإذا شهد شاهدان باليمين وشاهدان) آخران (بوجود الشرط، ثم رجعوا) جميعاً (فالضمان على شهود اليمين خاصة) ؛ لأنه هو السبب، والتلف يضاف إلى مثبتي السبب دون الشرط المحض، ألا يرى أن القاضي يقضي بشهادة اليمين دون شروط الشرط، ولو رجع شهود الشرط وحدهم اختلف المشايخ فيه، اهـ هداية. وفي العيني لا ضمان عليهم على الصحيح. كتاب أدب القاضي مناسبته للشهادات، وتعقيبه لهاظاهرة من حيث إن القضاء يتوقف على الشهادة غالبا، قال في الجوهرة: الأدب اسم يقع على كل رياضة محمودة، يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل. واعلم أن القضاء أمر من أمور الدين، ومصلحة من مصالح المسلمين، تجب العناية به، لأن بالناس إليه حاجة عظيمة، اهـ. (ولا تصح ولاية القاضي حتى يجتمع في المولى) بفتح اللام - اسم مفعول، وعدل عن الضمير إلى الظاهر ليكون فيه دلالة على تولية غيره له بدون طلبه، وهو الأولى للقاضي كما في الكفاية (شرائط الشهادة) لأن حكم القضاء يستقي من حكم الشهادة، لأن كل واحد منهما من باب الولاية، فكل من كان أهلا للشهادة يكون أهلا للقضاء، وما يشترط لأهلية الشهادة يشترط لأهلية القضاء، والفاسق أهل للقضاء حتى لو قلد يصح، إلا أنه ينبغي أن يقلد كما في حكم الشهادة، فإنه لا ينبغي للقاضي أن يقبل شهادته، ولو قبل جاز عندنا، ولو كان عدلا ففسق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 ويكون من أهل الاجتهاد، ولا بأس بالدخول في القضاء لمن يثق أنه يؤدي فرضه، ويكره الدخول فيه لمن يخاتف العجز عنه، ولا يأمن على نفسه الحيف فيه.   بأخذ الرشوة أو غيرها لا ينعزل ويستحق العزل، وهذا هو ظاهر المذهب، وعليه مشايخنا، وقال بعض المشايخ: إذا قلد الفاسق ابتداء يصح، ولو قلد وهو عدل ينعزل بالفسق؛ لأن المقلد اعتمد عدالته فلم يكن راضيا بتقليده دونها، هداية. (ويكون) بالنصب - عطفاً على "يجتمع" (من أهل الاجتهاد) قال في الهداية: والصحيح أن أهلية الاجتهاد شرط الأولوية، فأما تقليد الجاهل فصحيح عندنا، لأنه يمكنه أن يقضي بفتوى غيره، ومقصود القضاء يحصل به وهو إيصال الحق إلى مستحقه، ولكن ينبغي للمقلد أن يختار من هو الأقدر والأولى، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قلد إنساناً عملا وفي رعيته من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين) وفي حد الاجتهاد كلام عرف في أصول الفقه. وحاصله: أن يكون صاحب حديث له معرفة بالفقه، ليعرف معاني الآثار، أو صاحب فقه له معرفة بالحديث، لئلا يشتغل بالقياس في المنصوص عليه، وقيل: أن يكون مع ذلك صاحب قريحة يعرف بها عادات الناس، لأن من الأحكام ما يبتنى عليها، اهـ. (ولا بأس بالدخول في القضاء لمن يثق بنفسه) أي يعلم من نفسه (أنه يؤدي فرضه) وهو الحكم على قاعدة الشرع، قال في الجوهرة: وقد دخل فيه قوم صالحون، واجتنبه قوم صالحون، وترك الدخول فيه أحوط وأسلم للدين والدنيا؛ لما فيه من الخطر العظيم والأمر المخوف. (ويكره الدخول فيه لمن خاف العجز عنه) أي عن القيام به على الوجه المشروع (ولا يأمن على نفسه الحيف فيه) أي الظلم، قال في الهداية: وكره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 ولا ينبغي أن يطلب الولاية ولا يسألها. ومن قلد القضاء يسلم إليه ديوان القاضي الذي قبله، وينظر في حال المحبوسين، فمن اعترف   بعضهم الدخول فيه مختارا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من جعل على القضاء فكأنما ذبح بغير سكين) ، والصحيح أن الدخول فيه رخصة طمعاً في إقامة العدل، والترك عزيمة، فلعله يخطئ ظنه فلا يوفق له، أو لا يعينه غيره، ولابد من الإعانة، إلا إذا كان هو الأهل للقضاء دون غيره، فحينئذ يفترض عليه التقلد، صيانة لحقوق العباد، وإخلاء للعالم عن الفساد، اهـ. (ولا ينبغي) للإنسان (أن يطلب الولاية) بقلبه (ولا يسألها) بلسانه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من طلب القضاء وكل إلى نفسه، ومن أجبر عليه نزل عليه ملكٌ يسدده) . ثم يجوز التقليد من السلطان العادل والجائر ولو كان كافراً كما في الدر عن مسكين وغيره، إلا إذا كان لا يمكنه من القضاء بالحق؛ لأن المقصود لا يحصل بالتقليد] . (ومن قلد القضاء يسلم إليه ديوان القاضي الذي) كان (قبله) وهي الخرائط التي فيها السجلات وغيرها، لأنها وضعت فيها لتكون حجة عند الحاجة، فتجعل في يد من له ولاية القضاء، فيبعث أمينين ليقبضاها بحضرة المعزول أو أمينه، ويسألانه شيئاً فشيئاً، ويجعلان كل نوع منها في خريطة كيلا تشتبه على المولى، وهذا السؤال لكشف الحال، لا للالزام، هداية. (وينظر في حال المحبوسين) لأنه جعل ناظراً للمسلمين (فمن اعترف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 بحقٍ إلزمه إياه، ومن أنكر لم يقبل قول المعزول عليه إلا ببينةٍ، وإن لم تقم بينةٌ لم يعجل بتخليته حتى ينادي عليه ويستظهر في أمره. وينظر في الودائع وارتفاع الوقوف، فيعمل على ما تقوم به البينة أو يعترف به من هو في يده. ولا يقبل قول المعزول إلا أن يعترف الذي هو في يده أن المعزول سلمها إليه فيقبل قوله فيها. ويجلس الحاكم جلوساً ظاهراً في المسجد.   بحق ألزمه إياه) عملا بإقرار (ومن أنكر لم يقبل قول المعزول عليه إلا ببينة) لأنه بالعزل التحق بالرعايا، وشهادة الفرد ليست بحجة، ولاسيما إذا كان على فعل نفسه، هداية. (فإن لم تقم) عليه (بينة لم يعجل بتخليته) بل يتمهل (حتى ينادى عليه) بالمجامع والأسواق بقدر ما يرى (ويستظهر في أمره) ؛ لأن فعل المعزول حق ظاهر، فلا يعجل بتخليته، كيلا يؤدي إلى إبطال حق الغير. (وينظر في الودائع) التي وضعها المعزول في أيدي الأمناء (وارتفاع الوقوف) أي غلاتها (فيعمل على) حسب (ما تقوم به البينة أو يعترف به من هو في يده) لأن كل واحد منهما حجة (ولا يقبل) عليه (قول المعزول) لما مر (إلا أن يعترف الذي هو في يده أن) القاضي (المعزول سلمها) أي الودائع أو الغلات (إليه فيقبل قوله) أي المعزول (فيها) لأنه ثبت بإقرار ذي اليد أن اليد كانت للمعزول فيصح إقراره كأنه في يده في الحال. (ويجلس) القاضي (للحكم جلوساً ظاهراً في المسجد) ويختار مسجدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 ولا يقبل هديةً إلا من ذي رحمٍ محرمٍ، أو ممن جرت عادته قبل القضاء بمهاداته. ولا يحضر دعوةً إلا أن تكون عامةً، ويشهد الجنازة، ويعود المريض. ولا يضيف أحد الخصمين دون خصمه، وإذا حضرا سوى بينهما في الجلوس والإقبال،   في وسط البلد تيسيراً على الناس، والمسجد الجامع أولى، لأنه أشهر. (ولا يقبل هدية) من أحد (إلا من ذي رحم محرم، أو ممن جرت عادته قبل) تقلد (القضاء بمهاداته) قال في الهداية: لأن الأول صلة الرحم، والثاني ليس للقضاء، بل جريٌ على العادة، وفيما وراء ذلك يكون آكلا بقضائه حتى لو كانت للقريب خصومة لا يقبل هديته، وكذا إذا زاد المهدي على المعتاد أو كانت له خصومة؛ لأنه لأجل القضاء فيتحاماه، اهـ. (ولا يحضر دعوة إلا أن تكون) الدعوة (عامة) لأن الخاصة مظنة التهمة، بخلاف العامة (ويشهد الجنازة، ويعود المريض) لأن ذلك من حقوق المسلمين. (ولا يضيف أحد الخصمين دون خصمه) لما فيه من التهمة، وفي التقييد بأحد الخصمين إشارة إلى أنه لا بأس بإضافتهما معاً (وإذا حضرا) أي الخصمان (سوى) القاضي (بينهما في الجلوس) بين يديه (والإقبال) عليهما، والإشارة إليهما، يفعل ذلك مع الشريف والدنئ، والأب والابن، والخليفة والرعية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 ولا يسار أحدهما، ولا يشير إليه، ولا يلقنه حجةً. فإذا ثبت الحق عنده، وطلب صاحب الحق حبس غريمه، لم يعجل بحبسه، وأمره بدفع ما عليه، فإن امتنع حبسه في كل دين لزمه بدلا عن مالٍ حصل في يده، كثمن المبيع وبدل القرض، أو التزمه بعقدٍ، كالمهر والكفالة، ولا يحبسه فيما سوى ذلك إذا قال: إني فقير، إلا أن يثبت غريمه أن له مالاً، ويحبسه شهرين أو ثلاثةً   (ولا يسار أحدهما، ولا يشير إليه، ولا يلقنه حجة) ولا يضحك في وجهه؛ احترازاً عن التهمة، ولا يمازحهم ولا واحداً منهم؛ لأنه يذهب بمهابة القضاء. (فإذا) تمت الدعوى، و (ثبت الحق عنده) على أحدهما (وطلب صاحب الحق حبس غريمه لم يعجل) القاضي (بحبسه، و) لكن (أمره بدفع ما) ثبت (عليه) ؛ لأن الحبس جزاء المماطلة، فلابد من ظهورها، وهذا إذا ثبت الحق بإقراره، لأنه لم يعرف كونه مماطلا، بخلاف ما إذا ثبت بالبينة، فإنه يحبسه كما ثبت لظهور المطل بإنكاره كما في الهداية، قال في البحر: وهو المذهب عندنا، اهـ (فإن امتنع) عن دفعه (حبسه) - وإن تعلل بفقره - إلى ظهور عسره، وذلك (في كل دين لزمه بدلا عن مال حصل في يده كثمن مبيع) وبدل مستأجر، لأنه إذا حصل المال في يده ثبت غناه به (أو التزمه بعقد، كالمهر والكفالة) ، لأن إقدامه على التزامه باختياره دليل يساره، لأنه لا يلتزم إلا ما يقدر على أدائه (ولا يحبسه فيما سوى ذلك) كبدل خلع، ومغصوب، ومتلف، ونحو ذلك (إذا قال إني فقير) ، إذ الأصل العسرة (إلا أن يثبت غريمه أن له مالا، فيحبسه) حينئذ، لظهور المطل (شهرين أو ثلاثة) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 ثم يسأل عنه، فإن لم يظهر له مالٌ خلى سبيله، ولا يحول بينه وبين غرمائه. ويحبس الرجل في نفقة زوجته، ولا يحبس والدٌ في   أو أكثر أو أقل، بحسب ما يرى، بحيث يغلب على ظنه أنه لو كان له مال لأظهره. قال في الهداية: والصحيح أن التقدير مفوض إلى رأي القاضي، لاختلاف أحول الأشخاص فيه، ومثله في شرح الزاهدي والإسبيجاني وفتاوى قاضيخان كما في التصحيح. (ثم يسأل عنه) جيرانه وأقاربه ومن له خبرة به (فإن لم يظهر له مال خلى سبيله) لأنه استحق النظرة إلى الميسرة، فيكون حبسه بعد ذلك ظلما، وفي قوله "ثم يسأل عنه" إشارة إلى أنه لا تقبل بينة الإفلاس قبل الحبس. قال جمال الإسلام: وهذا قول الإمام، وهو المختار، وقال قاضيخان: إذا أقام البينة على الإفلاس قبل الحبس فيه روايتان، قال ابن الفضل: والصحيح أنه يقبل، وينبغي أن يكون ذلك مفوضاً إلى رأى القاضي، إن علم أنه وقح لا يقبل بينته قبل الحبس، وإن علم أنه لين قبل بينته، كذا في التصحيح، وفي النهر عن الخانية: ولو فقره ظاهراً سأل عنه عاجلا، وقبل بينته على إفلاسه وخلى سبيله، اهـ. (ولا يحول بينه وبين غرمائه) بعد خروجه من الحبس، فإذا دخل داره لا يتبعونه، بل ينتظرونه حتى يخرج، فإن كان الدين لرجل على امرأة لا يلازمها، ولكن يبعث امرأة أمينة تلازمها. (ويحبس الرجل في نفقة زوجته) لظلمه بامتناعه (ولا يحبس والد في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 دين ولده إلا إذا امتنع من الإنفاق عليه. ويجوز قضاء المرأة في كل شيء، إلا في الحدود والقصاص. ويقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحقوق إذا شهد به عنده، فإن شهدوا على خصم حكم بالشهادة، وكتب بحكمه، وإن شهدوا بغير حضرة خصمٍ لم يحكم، وكتب بالشهادة ليحكم   دين ولده) لأنه نوع عقوبة، فلا يستحقه الولد على والده (إلا إذا امتنع) والده (من الإنفاق عليه) دفعاً لهلاكه، واحترازاً عن سقوطها، فإنها تسقط بمضي الزمان. (ويجوز قضاء المرأة في كل شيء، إلا في الحدود والقصاص) اعتباراً بشهادتها. (وقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحقوق) التي لا تسقط بالشبهة (إذا شهد) بالبناء بالمجهول (به) أي الكتاب (عنده) أي القاضي المكتوب إليه أنه كتاب فلان القاضي وختمه (فإن) كان الشهداء (شهدوا) عند القاضي الكاتب (على خصم) حاضر (حكم بالشهادة) على قواعد مذهبه (وكتب بحكمه) إلى القاضي الآخر لينفذه، ويكون هذا في صورة الاستحقاق، فإن المدعى عليه إذا حكم عليه وأراد الرجوع على بائعه وهو في بلدة أخرى وطلب من القاضي أن يكتب بحكمه إلى قاضي تلك البلدة يكتبه له، ويسمى هذا الكتاب سجلا لتضمنه الحكم (وإن) كانوا (شهدوا بغير حضرة خصم لم يحكم) بتلك الشهادة، لما مر من أن القضاء على الغائب لا يصح (و) لكن (كتب بالشهادة ليحكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 بها المكتوب إليه. ولا يقبل الكتاب إلا بشهادة رجلين، أو رجلٍ وامرأتين، ويجب أن يقرأ الكتاب عليهم ليعرفوا ما فيه، ثم يختمه بحضرتهم ويسلمه إليهم،   بها المكتوب إليه) على قواعد مذهبه، ويسمى هذا الكتاب الحكمي، لأن المقصود به حكم المكتوب إليه، وهو في الحقيقة نقل الشهادة. (ولا يقبل) القاضي المكتوب إليه (الكتاب إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين) ؛ لاحتمال التزوير، وهذا عد إنكار الخصم أنه كتاب القاضي؛ وأما إذا أقر فلا حاجة إلى إقامة بينة. (ويجب) على القاضي الكاتب (أن يقرأ الكتاب عليهم) : أي على الشهود (ليعرفوا ما فيه) أو يعلمهم به، لأنه لا شهادة بدون العلم (ثم يختمه بحضرتهم ويسلمه إليهم) نفيا للشك والتردد من كل وجه. قال في الهداية وشرح الزاهدي أما الختم بحضرتهم، وكذا حفظ في ما في الكتاب؛ فشرطٌ عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف آخراً: ليس شيء من ذلك بشرط، والشرط أن يشهدهم أن هذا كتابه وختمه، وعنه أن الختم ليس بشرط أيضاً، فسهل في ذلك لما ابتلى بالقضاء، وليس الخبر كالمعاينة، وهذا مختار شمس الأئمة السرخسي. قال شيخنا في شرح الهداية: ولاشك عندي في صحته فإن الغرض إذا كان عدلة الشهود - وهم حملة الكتاب - فلا يضره كونه غير مختوم مع شهادتهم أنه كتابه، نعم إذا كان الكتاب مع المدعي ينبغي أن يشترط الختم، لاحتمال التغيير، إلا أن يشهدوا بما فيه حفظا، فالوجه إن كان الكتاب مع الشهود أن لا يشترط معرفتهم بما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 فإذا وصل إلى القاضي لم يقبله إلا بحضرة الخصم، فإذا سلمه الشهود إليه نظر إلى ختمه، فإن شهدوا أنه كتاب فلانٍ القاضي سلمه إلينا في مجلس حكمه وقرأه علينا وختمه، فضه القاضي، قرأه على الخصم، وألزمه ما فيه.   فيه، ولا الختم، بل تكفي شهادتهم أنه كتابه مع عدالتهم، وإن كان مع المدعي اشترط حفظهم لما فيه فقط، كذا في التصحيح. (فإذا وصل) الكتاب (إلى القاضي لم يقبله إلا بحضرة الخصم) ؛ لأنه بمنزلة أداء الشهادة، فلابد من حضوره (فإذا سلمه الشهود إليه) أي إلى القاضي بحضرة الخصم (نظر) القاضي (إلى ختمه) أولا ليتعرفه (فإن شهدوا أنه كتاب فلان القاضي سلمه إلينا في مجلس حكمه، وقرأه علينا، وختمه بختمه؛ فضه القاضي، وقرأه على الخصم، وألزمه ما فيه) قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: إذا شهدوا أنه كتابه وخاتمه قبله على ما مر، ولم يشترط في الكتاب ظهور العدالة للفتح، والصحيح أنه يفض الكتاب بعد ثبوت العدالة، كذا ذكره الخصاف، لأنه ربما يحتاج إلى زيادة الشهود، وإنما يمكنهم من أداء الشهادة بعد قفيام الختم، وإنما يقبله المكتوب إليه إذا كان الكاتب على القضاء، حتى لو عزل، أو مات، أو لم يبق أهلا للقضاء قبل وصول الكتاب - لا يقبله، لأنه التحق بواحد من الرعايا، وكذا لو مات المكتوب إليه، إلا إذا كتب " لى فلان بن فلان قاضي بلد كذا، وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين"، لأن غيره صار تبعاً له، وهو معرف، بخلاف ما إذا كتب ابتداء "إلى كل من يصل إليه" على ما عليه مشايخنا، لأنه غير معرف، ولو كان مات الخصم ينفذ الكتاب على وارثه لقيامه مقامه، اه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 ولا يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود والقصاص، وليس للقاضي أن يستخلف على القضاء إلا أن يفوض ذلك إليه، وإذا رفع إلى القاضي حكم حاكمٍ أمضاه   (ولا يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود والقصاص) ؛ لأن فيه شبهة البدلية عن الشهادة، فصار كالشهادة، ولأن مبناها على الإسقاط، وفي قبوله سعي في إثباتها. (وليس للقاضي أن يستخلف) نائباً عنه (على القضاء) ، لأنه قلد القضاء دون التقليد، فصار كتوكيل الوكيل، ولو قضى الثاني بمحضر من الأول أو قضى الثاني فأجاز الأول، جاز كما في الوكالة، لأنه حضره رأي الأول، وهو الشرط (إلا أن يفوض ذلك إليه) صريحاً، كول من شئت، أو دلالة، كجعلتك قاضي القضاة، والدلالة هنا أقوى من الصريح، لأنه في الصريح المذكور يملك الاستخلاف، لا العزل، وفي الدلالة يملكهما، فإن قاضي القضاة هو الذي يتصرف فيهم مطلقاً، تقليداً وعزلا. (وإذا رفع إلى القاضي حكم حاكم) مولى ولو بعد عزله أو موته إذا كان بعد دعوى صحيحة (أمضاه) أي: ألزم الحكم والعمل بمقتضاه، سواء وافق رأيه أو خالفه إذا كان مجتهداً فيه؛ لأن القضاء متى لاقى محلا مجتهداً فيه ينفذ ولا يرده غيره؛ لأن الاجتهاد الثاني كالاجتهاد الأول لتساويهما في الظن، وقد ترجح الأول باتصال القضاء به، فلا ينقض بما هو دونه. ولو قضى في المجتهد فيه مخالفاً لرأيه، ناسيا لمذهبه، نفذ عند أبي حنيفة، وإن كان عامداً فعنه روايتان، وعندهما لا ينفذ في الوجهين؛ لأنه قضى بما هو خطأ عنده، وعليه الفتوى كما في الهداية، والوقاية، والمجمع، والملتقي، قيدنا بالمولى لأن حكم المحكم لا يرفع الخلاف كما يأتي، وبكونه بعد دعوى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 إلا أن يخالف الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو يكون قولاً لا دليل عليه. ولا يقضي القاضي على غائبٍ إلا أن يحضر من يقوم مقامه. وإذا حكم رجلان رجلاً ليحكم بينهما ورضيا بحكمه جاز إذا كان بصفة الحاكم.   صحيحة - بأن تكون من خصم على خصم حاضر - لأنه إذا لم يكن كذلك يكون إفتاء فيحكم بمذهبه لا غير، كما في البحر، قال في الدر: وبه عرف أن تنافيذ زمامنا لا تعتبر لترك ما ذكر (إلا أن يخالف) حكم الأول (الكتاب) فيما لم يختلف في تأويله السلف كمتروك التسمية عمداً (أو السنة) المشهورة كالتحليل بلا وطء؛ لمخالفته حديث العسيلة المشهور (هو قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك") (أو الإجماع) كحل المتعة؛ لإجماع الصحابة على فساده (أو يكون قولا لا دليل عليه) كسقوط الدين بمضي السنين من غير مطالبة. (ولا يقضي القاضي على غائب) ولا له (إلا أن يحضر من يقوم مقامه) كوكيله ووصيه ومتولي الوقف، أو نائبه: شرعا كوصي القاضي، أو حكما بأن يكون ما يدعي على الغائب سبباً لما يدعى به على الحاضر، كأن يدعي دارا في يد رجل ويبرهن عليه أنه اشترى الدار من فلان الغائب فحكم الحاكم به على ذي اليد الحاضر كان حكما على الغائب أيضا، حتى لو حضر وأنكر لم يعتبر، لأن الشراء من المالك سبب الملكية، وله صور كثيرة، ذكر منها جملة في شرح الزاهدي. (وإذا حكم رجلان) متداعيان (رجلا ليحكم بينهما ورضيا بحكمه) فحكم بينهما (جاز) لأن لهما ولاية على أنفسهما، فصح تحكيمهما، وينفذ حكمه عليهما (إذا كان) المحكم (بصفة الحاكم) ؛ لأنه بمنزلة القاضي بينهما؛ فيشترط فيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 ولا يجوز تحكيم الكافر، والعبد، والذمي، والمحدود في القذف، والفاسق، والصبي. ولكل واحدٍ من المحكمين أن يرجع ما لم يحكم عليهما، فإذا حكم لزمهما، وإذا رفع حكمه إلى القاضي فوافق مذهبه أمضاه، وإن خالفه أبطله. ولا يجوز التحكيم في الحدود والقصاص،   ما يشترط في القاضي، وقد فرع على مفهوم ذلك بقوله: (ولا يجوز تحكيم الكافر) الحربي (والعبد) مطلقاً (والذمي) إلا أن يحكمه ذميان؛ لأنه من أهل الشهادة عليهم فهو من أهل الحكم عليهم (والمحدود في القذف) وإن تاب (والفاسق، والصبي) ؛ لانعدام أهلية القضاء منهم اعتباراً بأهلية الشهادة، قال في الهداية: والفاسق إذا حكم يجب أن يجوز عندنا كما مر في المولى. (ولكل واحدٍ من المحكمين) له (أن يرجع) عن تحكيمه، لأنه مقلد من جهتهما، فلا يحكم إلا برضاهما جميعاً، وذلك (ما لم يحكم عليهما، فإذا حكم) عليهما وهما على تحكيمهما (لزمهما) الحكم، لصدوره عن ولاية عليهما. (وإذا رفع حكمه) أي حكم المحكم (إلى القاضي فوافق مذهبه أمضاه) ؛ لأنه لا فائدة في نقضه، ثم إبرامه على هذا الوجه (وإن خالفه) أي خالف رأيه (أبطله) ، لأن حكمه لا يلزمه لعدم التحكيم منه؛ هداية، أي: لأن حكم المحكم لا يتعدى المحكمين. (ولا يجوز التحكيم في الحدود والقصاص) ؛ لأنه لا ولاية لهما على دمهما، ولهذا لا يملكان الإباحة، قالوا: وتخصيص الحدود والقصاص يدل على جواز التحكيم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 وإن حكما في دمٍ خطأٍ فقضى الحاكم على العاقلة بالدية لم ينفذ حكمه، ويجوز أن يسمع البينة، ويقضي بالنكول. وحكم الحاكم لأبويه وولده وزوجته باطلٌ.   في سائر المجتهدات، وهو صحيح، إلا أنه لا يفتى به، ويقال: يحتاج إلى حكم المولى دفعاً لتجاسر العوام، هداية. (وإن حكما) رجلا (في دم خطأ فقضى) المحكم (بالدية على العاقلة لم ينفذ حكمه) ، لأنه لا ولاية له عليهم، لأنه لا تحكيم من جهتهم، وقد سبق أن ولايته قاصرة على المحكم عليهم. (ويجوز) للمحكم (أن يسمع البينة، ويقضي بالنكول) والإقرار، لأنه حكم موافق للشرع. (وحكم الحاكم) مطلقا (لأبويه) وإن عليا (من حق العربية عليه أن يقول (وإن علوا) كما تقول عند الإسناد لألف الاثنين (دنوا) وسموا، ودعوا، وغزوا) . (وولده) وإن سفل (وزوجته باطل) ، لأنه لا تقبل شهادته لهؤلاء لمكان التهمة، فلا يصح القضاء لهم، بخلاف ما إذا حكم عليهم، لأنه تقبل شهادته عليهم، لانتفاء التهمة، فكذا القضاء، هداية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 كتاب القسمة. - ينبغي للإمام أن ينصب قاسماً يرزقه من بيت المال ليقسم بين الناس بغير أجرةٍ.   كتاب القسمة لا تخفى مناسبتها للقضاء، لأنها بالقضاء أكثر من الرضا. وهي لغةً: اسم للاقتسام. وشرعاً: جمع نصيب شائع في مكان مخصوص. وسببها: طلب الشركاء أو بعضهم للانتفاع بملكه على وجه الخصوص. وشرطها: عدم فوت المنفعة بالقسمة. ثم هي لا تعرى عن معنى المبادلة، لأن ما يجتمع لأحدهما بعضه كان له، وبعضه كان لصاحبه، فهو يأخذ عوضاً عما يبقى من حقه في نصيب صاحبه، فكان مبادلة من وجه، وإفرازاً من وجه. والإفراز هو الظاهر في المكيلات والموزونات لعدم التفاوت، حتى كان لأحدهما أن يأخذ نصيبه حال غيبة صاحبه، والمبادلة هي الظاهر في غيره للتفاوت، حتى لا يكون لأحدهما أخذ نصيبه عند غيبة صاحبه، إلا أنه إذا كانت من جنس واحد، أجبره القاضي على القسمة عند طلب أحدهم، لأن فيه معنى الإفراز لتقارب المقاصد، والمبادلة مما يجري فيه الجبر كما في قضاء الدين، وإن كانت أجناساً مختلفة لا يجبر القاضي على قسمتها، لتعذر المعادلة باعتبار فحش التفاوت في المقاصد، ولو تراضوا عليها جاز، لأن الحق لهم، وتمامه في الهداية. (ينبغي للإمام أن ينصب قاسماً يرزقه من بيت المال ليقسم بين الناس بغير أجرة) ، لأن القسمة من جنس عمل القضاء، من حيث إنه يتم به قطع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 فإن لم يفعل نصب قاسماً يقسم بالأجرة، ويجب أن يكون عدلاً، مأموناً، عالماً بالقسمة، ولا يجبر القاضي الناس على قاسمٍ واحدٍ، ولا يترك القسام يشتركون. وأجر القسمة على عدد الرءوس عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: على قدر   المنازعة، فأشبه رزق القاضي (فإن لم يفعل نصب قاسما يقسم بالأجرة) من مال المتقاسمين؛ لأن النفع لهم، وهي ليست بقضاء حقيقة، فجاز له أخذ الأجرة عليها، وإن لم يجز على القضاء كما في الدر عن أخي زاده، قال في الهداية: والأفضل أن يرزقه من بيت المال، لأنه أرفق بالناس وأبعد عن التهمة، اهـ. (ويجب أن يكون) المنصوب للقسمة (عدلا) ، لأنها من جنس عمل القضاء (مأموناً) ليعتمد على قوله (عالماً بالقسمة) ليقدر عليها، لأن من لا يعلمها لا يقدر عليها. (ولا يجبر القاضي الناس على قاسم واحد) قال في الهداية: معناه لا يجبرهم على أن يستأجروه، لأنه لا جبر على العقود، ولأنه لو تعين لتحكيم بالزيادة على أجر مثله، ولو اصطلحوا فاقتسموا جاز، إلا إذا كان فيهم صغير فيحتاج إلى أمر القاضي، لأنه لا ولاية لهم عليه، اهـ. (ولا يترك) القاضي (القسام يشتركون) كيلا يتواضعوا على مغالاة الأجر، فيحصل الإضرار بالناس. (وأجرة القسمة على عدد الرءوس عند أبي حنيفة) لأن الأجر مقابل بالتمييز، وإنه لا يتفاوت، وربما يصعب الحساب بالنظر إلى القليل، وقد ينعكس الحال، فتعذر اعتباره، فيتعلق الحكم بأصل التمييز (وقالا: على قدر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 الأنصباء. وإذا حضر الشركاء وفي أيديهم دارٌ أو ضيعةٌ ادعوا أنهم ورثوها عن فلانٍ لم يقسمها عند أبي حنيفة حتى يقيموا البينة على موته وعدد ورثته، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يقسمها باعترافهم، ويذكر في كتاب القسمة أنه قسمها بقولهم   الأنصباء) ، لأنه مؤونة الملك فيتقدر بقدره، قال في التصحيح: وعلى قول الإمام مشى في المغنى والمحبوبي وغيرهما. (وإذا حضر الشركاء عند القاضي وفي أيديهم دار أو ضيعة) أي أرض (ادعوا أنهم ورثوها عن) مورثهم (فلان لم يقسمها عند أبي حنيفة) ، لأن القسمة قضاء على الميت، إذ التركة مبقاة على ملكه قبل القسمة، بدليل ثبوت حقه في الزوائد، كأولاد ملكه وأرباحه، حتى تقضى ديونه منها وتنفذ وصاياه، وبالقسمة ينقطع حق الميت عن التركة، حتى لا يثبت حقه فيما يحدث بعده من الزوائد، فكانت قضاء على الميت، فلا يجابون إليها بمجرد الدعوى، بل (حتى يقيموا البينة على موته وعدد ورثته) ويصير البعض مدعياً والبعض الآخر خصما عن المورث، ولا يمتنع ذلك إقراره، كما في الوارث أو الوصي المقر بالدين فإنه تقبل البينة عليه مع إقراره (وقالا: يقسمها باعترافهم) لأن اليد دليل الملك، ولا منازع لهم، فيقسمها كما في المنقول والعقار المشترى (و) لكن (يذكر في كتاب القسمة أنه قسمها بقولهم) ليقتصر عليهم، ولا يكون قضاء على شريك آخر لهم. قال الإمام جمال الإسلام في شرحه: الصحيح قول الإمام، واعتمده المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم، كذا في التصحيح. (وإذا كان المشترك ما سوى العقار وادعوا أنه ميراث) أو مشترى أو ملك مطلق، وطلبوا قسمته (قسمة في قولهم جميعا) ؛ لأن في قسمة المنقول نظراً للحاجة إلى الحفظ (وإن ادعوا في العقار أنهم اشتروه) وطلبوا قسمته (قسمه بينهم) أيضاً؛ لأن المبيع يخرج من ملك البائع وإن لم يقسم، فلم تكن القسمة قضاء على الغير (وإن) ادعوا الملك المطلق، و (لم يذكروا كيف انتقل) إليهم (قسمه بينهم) أيضاً؛ لأنه ليس في القسمة قضاء على الغير؛ فإنهم ما أقروا بالملك لغيرهم، قال في التصحيح: هذه رواية كتاب القسمة، وفي رواية الجامع: لا يقسمها حتى يقيما البينة أنها لهما، قال في الهداية: ثم قيل هو قول أبي حنيفة خاصة، وقيل: هو قول الكل، وهو الأصح، وكذا نقل الزاهدي. (وإذا كان كل واحد من الشركاء ينتفع بنصيبه) بعد القسمة (قسم بطلب أحدهم) ؛ لأن في القسمة تكميل المنفعة؛ فكانت حقاً لازماً فيما يقبلها بعد طلب أحدهم (وإن كان أحدهم ينتفع) بالقسمة، لكثرة نصيبه (والآخر يستضر لقلة نصيبه، فإن طلب صاحب الكثير قسم) له؛ لأنه ينتفع بنصيبه، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 وإذا كان المشترك ما سوى العقار وادعوا أنه ميراثٌ قسمه في قولهم جميعاً، وإن ادعوا في العقار أنهم اشتروه قسمه بينهم، وإن ادعوا الملك ولم يذكروا كيف انتقل قسمه بينهم. وإذا كان كل واحدٍ من الشركاء ينتفع بنصيبه قسم بطلب أحدهم، وإن كان أحدهم ينتفع والآخر يستضر لقلة نصيبه، فإن طلب صاحب الكثير قسم،   فاعتبر طلبه؛ لأن الحق لا يبطل بتضرر الغير. (وإن طلب صاحب القليل لم يقسم) له؛ لأنه يستضر فكان متعنتاً في طلبه، فلم يعتبر طلبه، قال في التصحيح: وذكر الخصاف على قلب هذا، وذكر الحاكم في مختصره أن أيهما طلب القسمة يقسم القاضي، قال في الهداية وشرح الزاهدي: إن الأصح ما ذكر في الكتاب، وعليه مشى الإمام البرهاني، والنسفي، وصدر الشريعة، وغيرهم، اهـ (وإن كان كل واحد منهما يستضر) لقلته (لم يقسمها) القاضي (إلا بتراضيهما) ، لأن الجبر على القسمة لتكميل المنفعة، وفي هذا تفويتها، ويجوز بتراضيهما، لأن الحق لهما، وهما أعرف بشأنهما. (ويقسم العروض) جمع عرض - كفلس - خلاف العقار (إذا كانت من صنف واحد) لاتحاد المقاصد فيحصل التعديل في القسمة والتكميل في المنفعة، (ولا يقسم الجنسان بعضهما في بعض) ، لأنه لا اختلاط بين الجنسين، فلا تقع القسمة تمييزا، بل تقع معاوضة، وسبيلها التراضي دون جبر القاضي. (وقال أبو حنيفة: لا يقسم الرقيق ولا الجوهر لتفاوته) ، لأن التفاوت في الآدمي فاحش، لتفاوت المعاني الباطنة، فكان كالجنس المختلف، بخلاف الحيوانات، لأن التفاوت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 وإن طلب صاحب القليل لم يقسم، وإن كان كل واحدٍ يستضر لم يقسمها إلا بتراضيهما. ويقسم العروض إذا كانت من صنفٍ واحدٍ، ولا يقسم الجنسان بعضهما في بعض، وقال أبو حنيفة: لا يقسم الرقيق ولا الجوهر لتفاوته   فيها يقل عند اتحاد الجنس، وتفاوت الجواهر أفحش من تفاوت الرقيق (وقال أبو يوسف ومحمد: يقسم الرقيق) لاتحاد الجنس كما في الإبل والغنم، قال في الهداية: وأما الجواهر فقد قيل: إذا اختلف الجنس لا يقسم كما في اللآلئ واليواقيت، وقيل: لا يقسم الكبار منها لكثرة التفاوت، ويقسم الصغار لقلة التفاوت، وقيل: يجري الجوب على إطلاقه، لأن جهالة الجواهر أفحش من جهالة الرقيق، ألا ترى أنه لو تزوج على لؤلؤة، أو ياقوته، أو خالع عليهما لا تصح التسمية ويصح ذلك على عبد، فأولى أن لا يجبر على القسمة، اهـ. قال الإمام بهاء الدين في شرحه: الصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده المحبوبي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يقسم الرقيق. ولا يقسم حمامٌ ولا بئر ولا رحىً إلا أن يترضى الشركاء. وإذا حضر وارثان وأقاما البينة على الوفاة وعدد الورثة والدار في أيديهم ومعهم وارثٌ غائبٌ قسمها   والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم، كذا في التصحيح. (ولا يقسم حمام، ولا بئر، ولا رحى) ولا كل ما في قسمه ضرر لهم، كالحائط بين الدارين والكتب، لأنه يشتمل على الضرر في الطرفين، لأنه لا يبقى كل نصيب منتفعاً به انتفاعا مقصوداً، فلا يقسمه القاضي، بخلاف التراضي كما مر، ولذا قال: (إلا أن يتراضى الشركاء) ، لالتزامهم الضرر، وهذا إذا كانوا ممن يصح التزامهم، وإلا فلا. (وإذا حضر وارثان وأقاما البينة على الوفاة وعدد الورثة، والدار) أو العروض بالأولى (في أيديهما، ومعهما وارث غائب) أو صغير (قسمها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 القاضي بطلب الحاضرين، وينصب للغائب وكيلاً يقبض نصيبه، وإن كانوا مشترين لم يقسم مع غيبة أحدهم، وإن كان العقار في يد الوارث الغائب لم يقسم، وإن حضر وارثٌ واحدٌ لم يقسم.   القاضي بطلب الحاضرين، وينصب للغائب وكيلا) وللصغير وصيا (يقبض نصيبه) ، لأن في ذلك نظراً للغائب والصغير، ولابد من إقامة البينة على أصل الميراث في هذه الصورة عند أبي حنيفة أيضاً، لأن في هذه القسمة قضاء على الغائب والصغير بقولهم، خلافا لهما. (وإن كانوا مشترين لم يقسم مع غيبة أحدهم) والفرق أن ملك الوارث ملك خلافة، حتى يرد بالعيب ويرد عليه بالعيب فيما اشتروه المورث ويصير مغرورا بشراء المورث، فانتصب أحدهما خصما عن الميت فيما في يده والآخر عن نفسه، فصارت القسمة قضاء بحضرة المتخاصمين، أما الملك الثابت بالشراء فملك مبتدأ، ولهذا لا يرد بالعيب على بائع بائعه، فلا يصلح الحاضر خصما عن الغائب، فوضح الفرق، هداية. (وإن كان العقار) أو شيء منه (في يد الوارث الغائب) أو مودعه (لم يقسم) قال في الهداية: وكذا إذا كان في يد الصغير، لأن القسمة قضاء على الغائب والصغير باستحقاق يدهما من غير خصم حاضر عنهما، وأمين الخصم ليس بخصم عنه فيما يستحق عليه، والقضاء من غير خصم لا يجوز، ولا فرق في هذا الفصل بين إقامة البينة وعدمها، هو الصحيح كما أطلق في الكتاب، اهـ. (وإن حضر وارث واحد لم يقسم) وإن أقام البينة؛ لأنه لابد من حضور الخصمين، لأن الواحد لا يصلح مخاصماً ومخاصماً، وكذا مقاسما ومقاسما، بخلاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 وإذا كانت دورٌ مشتركةٌ في مصرٍ واحدٍ قسمت كل دارٍ على حدتها في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ:   ما إذا كان الحاضر اثنين على ما بينا، ولو كان الحاضر كبيراً وصغيراً نصب القاضي عن الصغير وصيا، وقسم إذا أقيمت البينة، وكذا إذا حضر وارث كبير وموصى له بالثلث فيها وطلبا القسمة وأقاما البينة على الميراث والوصية؛ لاجتماع الخصمين الكبير عن الميت والموصى له عن نفسه، وكذا الوصي عن الصبي كأنه حضر بنفسه بعد البلوغ لقيامه مقامه، هداية. فقوله فيما تقدم: "وكذا إذا كان في يد صغير" أي غائب، كما يدل له ما في البزازية: ونصه: وإن حضر الوارث ومعه صغير نصب وصيا وقسم بينهما كما مر، فإن كان الصغير غائبا وطلب من الحاكم نصب الوصي لا ينصب، إلى أن قال: والفرق بين الصغير الغائب والحاضر أن الدعوى لا تصح إلا على خصم حاضر، وجعل الغير خصما عن الغائب خلاف الحقيقة، فلا يصار إليه إلا عند العجز، والصغير عاجز عن الجواب، لا عن الحضور، فلم نجعل عنه غيره خصما في حق الحضور، وجعل خصما في الجواب، فإذا كان الصبي حاضرا وجد الدعوى على حاضر فينصب وصيا عنه في الجواب، وإن كان غائبا لم يوجد الدعوى على حاضر، فى ينصب وصيا عنه في الجواب؛ لعدم صحة الدعوى، اهـ. (وإذا كانت دور مشتركة في مصر واحد قسمت كل دار على حدتها في قول أبي حنيفة) ؛ لأن الدور أجناس مختلفة؛ لاختلاف المقاصد باختلاف المحال والجيران والقرب من المسجد والماء والسوق، فلا يمكن التعديل (وقالا) : الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 إن الأصلح لهم قسمة بعضها في بعضٍ قسمها. وإن كانت دارٌ وضيعةٌ، أو دارٌ وحانوت، قسم كل واحدٍ على حدته.   الرأي فيه إلى القاضي (إن كان الأصلح لهم سمة بعضها في بعض قسمها) كذلك، وإلا قسمها كل دار على حدتها، لأن القاضي مأمور بفعل الأصلح مع المحافظة على الحقوق. قال الإسبيجاني: الصحيح قول الإمام، وعليه مشى البرهاني والنسفي وغيرهما، تصحيح. قال في الهداية: وتقييد الكتاب بكونهما في مصر واحد، إشارة إلى أن الدارين إذا كانتا في مصرين لا يجمعان في القسمة عندهما، وهو رواية هلال عنهما، وعن محمد: أنه يقسم إحداهما في الأخرى، اهـ. (وإن كانت دار وضيعة) أي: أرض (أو دار وحانوت - قسم كل واحد على حدته مطلقاً) لاختلاف الجنس. قال في الدرر: ههنا أمور ثلاثة: الدور، والبيوت، والمنازل، فالدور - متلازقة كانت أو متفرقة - لا تقسم قسمة واحدة إلا بالتراضي، والبيوت تقسم مطلقا لتقاربها في معنى السكنى، والمنازل إن كانت مجتمعة في دار واحدة متلاصقة بعضها ببعض قسمت قسمة واحدة، وإلا فلا، لأن المنزل فوق البيت ودون الدار، فألحقت المنازل بالبيوت إذا كانت متلاصقة، وبالدور إذا كانت متباينة، وقالا في الفصول كلها: ينظر القاضي إلى أعدل الوجوه، ويمضي على ذلك، وأما الدور والضيعة والدور والحانوت، فيقسم كل منها وحدها، لاختلاف الجنس، اه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 وينبغي للقاسم: أن يصور ما يقسمه، ويعدله، ويذرعه، ويقوم البناء، ويفرز كل نصبٍ عن الباقي بطريقه وشربه حتى لا يكون لنصيبٍ بعضهم بنصيب الآخر تعلقٌ، ثم يلقب نصيباً بالأول، والذي يليه بالثاني والثالث، وعلى هذا، ثم يخرج القرعة فمن خرج اسمه أولاً فله السهم الأول، ومن خرج ثانياً فله السهم الثاني.   ولما فرغ من بيان القسمة، وبيان ما يقسم ومالا يقسم، شرع في بيان كيفية القسمة، فقال:. (وينبغي للقاسم أن يصور ما يقسمه) لى قرطاس؛ ليمكنه حفظه ورفعه للقاضي (ويعدله) يعني يسويه على سهام القسمة، ويروي "ويعزله" أي يقطعه بالقسمة عن غيره، هداية (ويذرعه) ليعرف قدره (ويقوم البناء) لأنه ربما يحتاجه آخراً (ويفرز كل نصيب عن الباقي بطريقه وشربه، حتى لا يكون لنصيب بعضهم بنصيب الآخر تعلق) ليتحقق معنى التمييز والإفراز تمام التحقق (ثم يلقب) الأنصباء (نصيبا بالأول، والذي يليه بالثاني، والثالث) بالثالث، (و) الرابع وما بعده (على هذا) المنوال، ويكتب أسماء المتقاسمين على قطع قرطاس. أو نحوه، وتوضع في كيس أو نحوه، ويجعلها قرعة (ثم يخرج القرعة) أي قطعة من تلك القطع المكتوبة فيها أسماء المتقاسمين (فمن خرج اسمه أولا فله السهم الأول) أي الملقب بالأول (ومن خرج) اسمه (ثانياً فله السهم الثاني) وهلم جرا، وهذا حيث اتحدت السهام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 ولا يدخل في القسمة الدراهم والدنانير إلا بتراضيهم.   فلو اختلفت السهام - بأن كانت بين ثلاثة مثلا، لأحدهم عشرة أسهم، ولآخر خمسة أسهم، ولآخر سهم - جعلها ستة عشر سهماً، وكتب أسماء الثلاثة، فإن خرج أولا اسم صاحب العشرة، أعطاه الأول وتسعة متصلة به، ليكون سهامه على الاتصال، وهكذا حتى يتم. قال في الهداية: وقوله في الكتاب "ويفرز كل نصيب بطريقة وشربه"بيان الأفضل، وإن لم يفعل أو لم يمكن جاز، على ما نذكره بتفصيله إن شاء الله تعالى، والقرعة: لتطييب القلوب وإزالة تهمة الميل، حتى لو عين لكل منهم من غير اقتراع جاز، لأنه في معنى القضاء فملك الإلزام، اهـ. (ولا يدخل) القسام (في القسمة الدراهم والدنانير) لأن القسمة تجري في المشترك، والمشترك بينهما العقار لا الدراهم والدنانير، فلو كان بينهما دار وأرادوا قسمتها وفي أحد الجانبين فضل بناء، فأراد أحدهما أن يكون عوض البناه دراهم وأراد الآخر أن يكون عوضه من الأرض فإنه يجعل عوضه من الأرض، ولا يكلف الذي وقع البناء في نصيبه أن يرد بإزائه دراهم (إلا بتراضيهم) ، لما في القسمة من معنى المبادلة، فيجوز دخول الدراهم فيها بالتراضي دون جبر القاضي، إلا إذا تعذر فحينئذ للقاضي ذلك. قال في الينابيع: قول القدوري "ولا يدخل في القسمة الدراهم والدنانير" يريد به إذا أمكنت القسمة بدونها، أما إذا لم تمكن عدل أضعف الأنصباء بالدراهم والدنانير، اهـ. قال في التصحيح: وفي بعض النسخ "ينبغي للقاضي أن لا يدخل في القسمة الدراهم والدنانير، فإن فعل جاز، وتركه أولى" اه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 وإن قسم بينهم ولأحدهم مسيلٌ في ملك لآخر، أو ريقٌ لم يشترط في القسمة: فإن أمكن صرف الطريق والمسيل عنه فليس له أن يستطرق ويسيل في نصيب الآخر، وإن لم يمكن فسخت القسمة. وإن كان سفلٌ لا علو له، وعلوٌ لا سفل له، وسفلٌ له علوٌ، قوم كل واحدٍ على حدته، وقسم بالقيمة، ولا معتبر بغير ذلك،   (فإن قسم بينهم ولأحدهم مسيل) ماء (في ملك الآخر، أو طريق) أو نحوه، والحال أنه (لم يشترط) ذلك (في القسمة، فإن أمكن صرف) ذلك (الطريق والمسيل عنه، فليس له أن يستطرق ويسيل في نصيب) الشريك (الآخر) ؛ لأنه أمكن تحقيق القسمة من غير ضرر (وإن لم يمكن) ذلك (فسخت القسمة) لأنها مختلة؛ لبقاء الاختلاط، فتستأنف. (وإذا كان) الذي يراد قسمته بعضه (سفل لا علو له) أي: ليس فوقه علو، أو فوقه علو للغير (و) بعضه (علو لا سفل له) بأن كان السفل للغير، (و) بعضه (سفل لا علو؛ قوم كل واحد على حدته، وقسم بالقيمة، ولا معتبر بغير ذلك) وهذا عند محمد، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يقسم بالذرع، ثم اختلفا في كيفية القسمة بالذرع، قال أبو حنيفة: ذراع من السفل بذراعين من العلو، وقال أبو يوسف: ذراع بذراع، ثم قيل: كل منهما على عادة أهل عصره، أو بلده، وقيل: اختلاف معنى، قال الإسبيجاني: والصحيح قول أبي حنيفة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 وإذا اختلف المتقاسمون فشهد القاسمان، قبلت شهادتهما. فإن ادعي أحدهما الغلط، وزعم أن مما أصابه شيئاً في يد صاحبه، وقد أشهد على نفسه بالاستيفاء، لم يصدق على ذلك إلا ببينةٍ.   قلت: هذا الصحيح بالنسبة إلى قول أبي يوسف، والمشايخ اختاروا قول محمد، بل قال في التحفة والبدائع: والعمل في هذه المسألة على قول محمد، وقال في الينابيع والهداية وشرح الزاهدي والمحيط: وعليه الفتوى اليوم، كذا في التصحيح. (وإذا اختلف المتقاسمون) في القسمة (فشهد القاسمان، قبلت شهادتهما) قال في الهداية: الذي ذكره قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: لا تقبل، وهو قول أبي يوسف أولا، وبه قال الشافعي، وذكر الخصاف قول محمد مع قولهما، وقاسم القاضي وغيره سواء، وقال جمال الإسلام: الصحيح قول أبي حنيفة، وعليه مشى البرهاني والنسفي، وغيرهما، تصحيح. (فإن ادعى أحدهما) أي المتقاسمين (الغلط) في القسمة (وزعم أن مما أصابه شيئا في يد صاحبه، وقد) كان (أشهد على نفسه بالاستيفاء، لم يصدق على ذلك) الذي يدعيه (إلا ببينة) ، لأنه يدعى فسخ القسمة بعد وقوعها، فلا يصدق إلا بحجة، فإن لم تقم له بينة استحلف الشركاء، فمن نكل منهم جمع بين نصيب الناكل والمدعي، فيقسم بينهما على قدر أنصبائهما، لأن النكول حجة في حقه خاصة، فيعاملان على زعمهما؛ وينبغي أن لا تقبل دعواه أصلا؛ لتناقضه، وإليه أشار من بعد، هداية، ومثله في كافي النسفي، وظاهر كلامهما أنه لم يوجد فيه رواية، لكن قال صدر الشريعة بعد نقله البحث المذكور: وفي المبسوط وفتاوى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   قاضيخان ما يؤيد هذا. ثم قال: وجه رواية المتن أنه اعتمد على فعل القاسم في إقراره باستيفاء حقه، ثم لما تأمل حق التأمل ظهر الخطأ في فعله، فلا يؤاخذ بذلك الإقرار عند ظهور الحق، اهـ. وقول الهداية "وإليه أشار من بعد" أي: أشار القدوري إلى ما بحثه من أنه ينبغي أن لا تقبل دعواه أصلا في الفرع الآتي بعد هذا حيث قال: "وإن قال أصابني إلى موضع كذا فلم تسلمه لي، ولم يشهد على نفسه بالاستيفاء، وكذبه شريكه تحالفا وفسخت القسمة" فإن مفهومه أنه لو شهد على نفسه بالاستيفاء قبل الدعوى لا يتحالفان، وما ذاك إلا لعدم صحة الدعوى؛ لأن التحالف مبنىٌ على صحة الدعوى، ولذا قال في الحواشي السعدية - بعد نقل ما ذكره صدر الشريعة المار - ما نصه: وفيه بحث، فإن مثل هذا الإقرار إن كان مانعاً من صحة الدعوى لا تسمع البينة، لابتناء سماعها على صحة الدعوى، وإن لم يكن مانعاً ينبغي أن يتحالفا، اهـ. قال شيخنا رحمه الله تعالى: وقد يجاب بأن قولهم هنا "قد أقر بالاستيفاء" صريح، وقولهم بعد: "قبل إقراره" مفهوم، والمصرح به أن الصريح مقدم على المفهوم، فيتأمل. اهـ. وأمره بالتأمل مشعر بنظره فيه، وهو كذلك كما لا يخفى على نبيه. وإذا أمعنت النظر في كلامهم، وتحققت في دقيق مرامهم - علمت أن ليس في هذا الفرع منافاة لما بعده، والتقييد فيه بكونه قبل الإقرار قيد لوجوب التحالف وحده، لا لصحة الدعوى، فإنها تصح سواء كانت قبل الإقرار أو بعده. والمعنى: إنه إن سبق منه إقرار بالاستيفاء لا يتحالفان وإن صحت الدعوى، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 وإن قال "استوفيت حقي" ثم قال "أخذت بعضه" فالقول قول خصمه مع يمينه. وإن قال "أصابني إلى موضع كذا فلم تسلمه إلي "ولم يشهد على نفسه بالاستيفاء، وكذبه شريكه تحالفا، وفسخت القسمة؛   وذلك لأن صحة الدعوى شرط لوجوب التحالف، وليس التحالف بشرط لصحة الدعوى كما هو مصرح به في باب التحالف. ومن أراد استيفاء المرام في هذا المقام، فعليه برسالتنا فقد أشبعنا فيها الكلام. (وإذا قال: استوفيت حقي، ثم قال: أخذت بعضه، فالقول قول خصمه مع يمينه) ؛ لأنه يدعي عليه الغصب، وهو منكر. (وإن قال: أصابني) في القسمة (إلى موضع كذا، فلم تسلمه إلي، ولم يشهد) قبل ذلك (على نفسه بالاستيفاء وكذبه شريكه) في دعواه (تحالفا وفسخت القسمة) ، لاختلافهما في نفس القسمة، فإنهما قد اختلفا في قدر ما حصل بالقسمة، فأشبه الاختلاف في قدر المبيع، فوجب التحالف، كذا في شرح الإسبيجاني، قيد بكونه لم يشهد على نفسه بالاستيفاء لأنه لو سبق منه ذلك لا يتحالفان، وإن صحت الدعوى، بل ببينته أو يمين خصمه. فإن قلت: إذا كانت الدعوى صحيحة، سواء كانت قبل الإشهاد أو بعده، فما وجه وجوب التحالف إذا كانت الدعوى قبل الإشهاد، وعدمه إذا كانت بعده؟. قلت: لأن وجوب التحالف في القسمة إنما يكون إذا ادعى الغلط على وجه لا يكون مدعيا الغصب، كما في الذخيرة وغيرها، وإذا كانت الدعوى بعد الإشهاد بالاستيفاء يكون مدعيا الغصب ضمناً، كأنه يقول: الذي أصابني إلى موضع كذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 وإن استحق بعض نصيب أحدهما بعينه لم تفسخ القسمة عند أبي حنيفة ورجع بحصة ذلك من نصيب شريكه، وقال أبو يوسف: تفسخ القسمة.   وأنت غاصب لبعضه، ولذا ساغت منه الدعوى بعد الإشهاد؛ لأن دعوى الغصب لا تناقض الإقرار بالاستيفاء. (وإذا استحق بعض نصيب أحدهما بعينه، لم تفسخ القسمة عند أبي حنيفة، ورجع بحصة ذلك) المستحق (من نصيب شريكه) لأنه أمكن جبر حقه بالمثل، فلا يصار إلى الفسخ (وقال أبو يوسف: تفسخ القسمة) ؛ لأنه تبين أن لهما شريكا ثالثاً، ولو كان كذلك لم تصح القسمة. قال في الهداية وشرح الزاهدي: ذكر المصنف الاختلاف في استحقاق بعضٍ بعينه، وهكذا ذكر في الأسرار، والصحيح أن الاختلاف في استحقاق بعض شائع من نصيب أحدهما. فأما في استحقاق بعض معين لا تفسخ القسمة بالإجماع، ولو استحق بعض شائع في الكل تفسخ بالاتفاق، فهذه ثلاثة أوجه، ولم يذكر قول محمد، وذكره أبو سليمان مع أبي يوسف، وأبو حفص مع أبي حنيفة، وهو الأصح، وهكذا ذكره الإسبيجاني، قال: والصحيح قولهما، وعليه مشى الإمام المحبوبي، والنسفي، وغيرهما، كذا في التصحيح. تتمة - المهايأة جائزة استحساناً، ولا تبطل بموتهما، ولا بموت أحدهما، ولو طلب أحدهما القسمة بطلت، ويجوز في دار واحدة: بأن يسكن كل منهما طائفة أو أحدهما العلو والآخر السفل، وله إجارته وأخذ غلته، ويجوز في عبد واحد: يخدم هذا يوما، وهذا يوما، وكذا في البيت الصغير، وفي العبدين يخدم كل واحد واحداً، فإن شرطا طعام العبد على من يخدمه جاز، وفي الكسوة لا يجوز، ولا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 كتاب الإكراه. - الإكراه يثبت حكمه إذا حصل ممن يقدر على إيقاع ما توعد به، سلطاناً كان أو لصاً.   يجوز في غلة عبد ولا عبدين، ولا في ثمرة الشجرة، ولا في لبن الغنم وأولادها، ولا في ركوب دابة ولا دابتين ولا استغلالهما، ويجوز في عبد ودار على السكنى والخدمة، وكذلك كل مختلفي المنفعة، كذا في المختار. كتاب الإكراه مناسبته للقسمة أن للقاضي إجبار الممتنع فيهما. وهو لغة: حمل الإنسان على أمرٍ يكرهه، وشرعا: حمل الغير على فعل بما يعدم رضاه دون اختياره، لكنه قد يفسده، وقد لا يفسده. قال في التنقيح: وهو إما ملجئ: بأن يكون بفوت النفس أو العضو، وهذا معدم للرضا مفسد للاختيار، وإما غير ملجئ: بأن يكون بحبس أو قيد أو ضرب، وهذا معدم للرضا غير مفسد للاختيار. والحاصل كما في الدرر: أن عدم الرضا معتبر في جميع صور الإكراه، وأصل الاختيار ثابت في جميع صوره، ولكن في بعض الصور يفسد الاختيار، وفي بعضها لا يفسده. وشرطه: قدرة المكره على إيقاع ما هدد به، وخوف المكره، وامتناعه عنه قبله كما أشار إليه بقوله (الإكراه يثبت حكمه) أي الآتي (إذا حصل ممن يقدر على إيقاع ما توعد به سلطاناً كان أو لصا) أو نحوه، إذا تحقق منه القدرة، لأنه إذا كان بهذه الصفة لم يقدر المكره على الامتناع، وهذا عندهما، وعند أبي حنيفة لا يتحقق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 وإذا أكره الرجل على بيع ماله، أو على شراء سلعةٍ، أو على أن يقر لرجلٍ بألفٍ، أو يؤاجر داره - وأكره على ذلك بالقتل أو بالضرب الشديد، أو بالحبس المديد - فباع أو اشترى، فهو بالخيار: إن شاء أمضى البيع، وإن شاء فسخه. وإن كان قبض الثمن طوعاً فقد أجاز البيع.   إلا من السلطان؛ لأن القدرة [بهذه الصفة] لا تكون بلا منعة، والمنعة للسلطان؛ قالوا: هذا اختلاف عصر وزمان، لا اختلاف حجة وبرهان؛ لأن في زمانه لم يكن لغير السلطان من القوة ما يتحقق به الإكراه، فأجاب بناء على ما شاهد، وفي زمانهما ظهر الفساد وصار الأمر إلى كل متغلب، فيتحقق الإكراه من الكل، والفتوى على قولهما، درر عن الخلاصة. (وإذا أكره الرجل على بيع ماله، أو) أكره (على شراء سلعة، أو على أن يقر لرجل بألف) من الدراهم مثلا (أو يؤاجر داره، وأكره على ذلك بالقتل، أو بالضرب الشديد، أو بالحبس المديد، فباع أو اشترى) خشية من ذلك (فهو بالخيار: إن شاء أمضى البيع، وإن شاء فسخه) ورجع بالمبيع؛ لأن من شرط صحة هذه العقود التراضي، والإكراه يعدم الرضا فيفسدها، بخلاف ما إذا أكره بضرب سوطٍ، أو حبس يوم، أو قيد يوم؛ لأنه لا يبالي به بالنظر إلى العادة، فلا يتحقق به الإكراه، إلا إذا كان الرجل صاحب منصب يعلم أنه يستضر به لفوات الرضا، هداية. (وإن كان قبض الثمن طوعاً فقد أجاز البيع) ، لأنه دلالة الإجازة كما في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 وإن كان قبضه مكرهاً فليس بإجازة، وعليه رده إن كان قائماً في يده، وإن هلك المبيع في يد المشتري وهو غير مكره ضمن قيمته. وللمكره أن يضمن المكره إن شاء.   البيع الموقوف، وكما إذا سلم طائعاً بأن كان الإكراه على البيع، لا على الدفع؛ لأنه دليل الإجازة (الضمير في "لأنه" يعود إلى التسليم مع الطواعية) ، هداية. (وإن كان قبضه مكرها فليس بإجازة) لعدم الرضا (وعليه رده إن كان قائماً في يده) لفساد العقد (وإن) كان قد (هلك المبيع في يد المشتري، وهو) أي المشتري (غير مكره) والبائع مكره (ضمن) المشتري (قيمته) للبائع؛ لتلف مال الغير في يده من غير عقد صحيح، فتلزمه القيمة. قيد بكونه المشتري غير مكره لأنه إذا كان مكرهاً أيضاً يكون الضمان على المكره دونه. (وللمكره) بالبناء المجهول (أن يضمن المكره) بالبناء للمعلوم (وإن شاء) لأنه آلة للاكراه فيما يرجع للاتلاف، فكأنه دفعه بنفسه إلى المشتري، فيكون مخيرا في تضمين أيهما شاء، كالغاصب وغاصب الغاصب، فلو ضمن المكره رجع على المشتري بالقيمة، وإن ضمن المشتري نفذ كل شراء كان بعد شرائه لو تناسخته العقود؛ لأنه تملكه بالضمان، فظهر أنه باع ملكه، ولا ينفذ ما كان قبله؛ لأن الاسناد إلى وقت قبضه، بخلاف ما إذا أجاز المالك المكره عقدا منها حيث يجوز ما قبله وما بعده؛ لأنه أسقط حقه وهو المانع، فعاد الكل إلى الجواز، هداية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 ومن أكره على أن يأكل الميتة أو يشرب الخمر - وأكره على ذلك بحبس، أو ضرب، أو قيدٍ - لم يحل له، إلا أن يكره بما يخاف منه على نفسه، أو على عضوٍ من أعضائه، فإذا خاف ذلك وسعه أن يقدم على ما أكره عليه، ولا يسعه أن يصبر على ما توعد به، فإن صبر حتى أوقعوا به ولم يأكل فهو آثمٌ. وإن أكره على الكفر بالله عز وجل، أو سب النبي عليه الصلاة والسلام: بقيدٍ، أو حبسٍ، أو ضربٍ، لم يكن ذلك إكراهاً   (ومن أكره على أن يأكل الميتة) أو الدم، أو لحم الخنزير (أو يشرب الخمر، وأكره على ذلك) بغير ملجئ: بأن كان (بحبس أو قيد أو ضرب) لا يخاف منه على تلف على النفس أو عضو من الأعضاء (لم يحل له) الإقدام؛ إذ لا ضرورة في إكراه غير ملجئ، إلا أنه لا يحد بالشرب للشبهة، ولا يحل له الإقدام (إلا أن يكره) بملجئ: أي (بما يخاف منه على) تلف (نفسه أو على) تلف (عضو من أعضائه، فإذا خاف ذلك وسعه أن يقدم على ما أكره عليه) بل يجب عليه؛ ولذا قال (ولا يسعه) أي لا يجوز له (أن يصبر على ما توعد به) حتى يواقعوا به الفعل (فإن صبر حتى أوقعوا به) فعلا (ولم يأكل فهو آثم) ؛ لأنه لما أبيح له ذلك كان بالامتناع معاوناً لغيره على إهلاك نفسه، فيأثم كما في حالة المخمصة. (وإن أكره على الكفر بالله) عز وجل (أو سب النبي صلى الله عليه وسلم بقيد أو حبس أو ضرب لم يكن ذلك إكراهاً) لأن الإكراه بهذه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 حتى يكره بأمرٍ يخاف منه على نفسه، أو على عضوٍ من أعضائه، فإذا خاف ذلك وسعه أن يظهر ما أمروه به، ويورى، فإذا أظهر ذلك وقلبه مطمئنٌ بالإيمان فلا إثم عليه، وإن صبر حتى قتل ولم يظهر الكفر كان مأجوراً. وإن أكره على إتلاف مال مسلمٍ بأمر يخاف منه على نفسه، أو على عضوٍ من أعضائه وسعه أن يفعل ذلك، ولصاحب المال أن يضمن المكره.   الأشياء ليس بإكراه في شرب الخمر كما مر، ففي الكفر أولى، بل (حتى يكره بأمر يخاف منه على نفسه، أو على عضو من أعضائه، فإذا خاف ذلك وسعه أن يظهر) على لسانه (ما أمروه به، ويورى) وهي أن يظهر خلاف ما يضمر (فإذا أظهر ذلك) على لسانه (وقلبه مطمئن بالإيمان، فلا إثم عليه) ؛ لأنه بإظهار ذلك لا يفوت الإيمان حقيقة لقيام التصديق، وفي الامتناع فوت النفس حقيقة، فيسعه الميل إلى إظهار ما طلبوه (وإن صبر) على ذلك (حتى قتلوه ولم يظهر الكفر كان مأجوراً) لأن الامتناع لإعزاز الدين عزيمة. (وإن أكره على إتلاف مال) امرئ (مسلم بأمر يخاف منه على نفسه، أو على عضو من أعضائه، وسعه أن يفعل ذلك) ، لأن مال الغير يستباح للضرورة، كما في حالة المخمصة، وقد تحققت الضرورة (ولصاحب المال أن يضمن المكره) بالكسر، لأن المكره بالفتح كالآلة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 وإن أكره بقتلٍ على قتل غيره لم يسعه أن يقدم عليه، ويصبر حتى يقتل، فإن قتله كان آثماً، والقصاص على الذي أكرهه إن كان القتل عمداً. وإن أكرهه على طلاق امرأته، أو عتق عبده ففعل، وقع ما أكره عليه، ويرجع على الذي أكرهه بقيمة العبد،   (وإن أكره بقتل على قتل غيره لم يسعه أن يقدم عليه، ويصبر حتى يقتل، فإن قتله كان آثما) ؛ لأن قتل المسلم مما لا يستباح لضرورة ما فكذا بهذه الضرورة، هداية (و) لكن (القصاص على الذي أكرهه إن كان القتل عمدا) قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال زفر: يجب على المكره، وقال أبو يوسف: لا يجب عليهما. قال الإسبيجاني: والصحيح قول أبي حنيفة، ومشى عليه الأئمة كما هو الرسم، تصحيح. (وإن أكرهه على طلاق امرأته) أو نكاح امرأة (أو عتق عبده ففعل وقع ما أكره عليه) لأنها تصح مع الإكراه كما تصح مع الهزل، كما مر في الطلاق (ويرجع) المكره (على الذي أكرهه بقيمة العبد) في الإعتاق؛ لأنه صلح آلة له فيه من حيث الإتلاف، فيضاف إليه (في نسخة "فلا يضاف إليه" ومن الممكن تصحيح كلتا النسختين، فتأمل) . فله أن يضمنه موسراً كان أو معسراً لكونه ضمان إتلاف كما مر، ولا يرجع الحامل على العبد بالضمان، لأنه مؤاخذ بإتلافه، درر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 وبنصف مهر المرأة إن كان الطلاق قبل الدخول. وإن أكرهه على الزنا وجب عليه الحد عند أبي حنيفة، إلا أن يكرهه السلطان، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يلزمه الحد.   (وبنصف مهر المرأة) في الطلاق (إن كان) الطلاق (قبل الدخول) وكان مهر مسمى في العقد؛ لأن ما عليه كان على شرف السقوط بوقوع الفرقة من جهتها، وقد تأكد ذلك بالطلاق، فكان تقريراً للمال من هذا الوجه، فيضاف تقريره إلى الحامل والتقرير كالإيجاب، درر. قيد بما إذا كان قبل الدخول لأنه لو كان دخل بها تقرر المهر بالدخول لا بالطلاق. وقيدنا بكون المهر مسمى في العقد لأنه لو لم يكن مسمى فيه إنما يرجع بما لزمه من المتعة، ولا يرجع في النكاح بشيء لأن المهر إن كان مهر المثل أو أقل كان العوض مثل ما أخرجه عن ملكه أو أكثر، وإن كان أكثر من مهر المثل فالزيادة باطلة، ويجب مقدار مهر المثل، ويصير كأنهما سميا ذلك المقدار، حتى إنه يتنصف بالطلاق قبل الدخول، جوهرة. وفيها عن الخجندي: الإكراه لا يعمل في الطلاق، والعتاق، والنكاح، والرجعة، والتدبير، والعفو عن دم العمد، واليمين، والنذر، والظهار، والإيلاء، والفئ فيه، والإسلام، اهـ. (وإن أكرهه على الزنا وجب عليه الحد عند أبي حنيفة، إلا أن يكرهه السلطان) لأن الإكراه عنده لا يتحقق من غيره (وقال أبو يوسف ومحمد: لا يلزمه الحد) ؛ لأن الإكراه يتحقق من غيره، وعليه الفتوى، قال قاضيخان: الإكراه لا يتحقق إلا من السلطان في قول الإمام، وفي قول صاحبيه يتحقق من كل متغلب يقدر على تحقيق ما هدد به، وعليه الفتوى، وفي الحقائق: والفتوى على قولهما، وعليه مشى الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما، تصحيح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 وإذا أكرهه على الردة لم تبن امرأته منه. كتاب السير. - الجهاد فرضٌ على الكفاية، إذا قام به   (وإذا أكره) الرجل (على الردة لم تبن امرأته منه) ؛ لأن الردة تتعلق بالاعتقاد، ألا ترى أنه لو كان قلبه مطمئناً بالإيمان لا يكفر، وفي اعتقاده الكفر شك، فلا تثبت البينونة بالشك، فإن قالت المرأة "قد بنت منك" وقال هو "قد أظهرت ذلك وقلبي مطمئن بالإيمان" فالقول قوله استحساناً؛ لأن اللفظ غير موضوع للفرقة، وهي بتبدل الاعتقاد، ومع الإكراه لا يدل على التهدل؛ فكان القول قوله، هداية. كتاب السير مناسبته للاكراه لا تخفى؛ فإن كلا منهما للزجر والرد إلى الوفاء، إلا أن الأول في المسلمين والكفار عام، بخلاف الثاني، فكان أولى بالاهتمام، والأول زاجر عن العصيان، والثاني عن الكفر والطغيان، فترقى من الأدنى إلى الأعلى كما في غاية البيان. والسير - بكسر السين وفتح الياء - جمع سيرة، وهي: الطريقة في الأمور، وفي الشرع يختص بسير النبي صلى الله عليه وسلم في مغازيه، هداية. وترجم له الكثير بالجهاد، وهو لغة: مصدر جاهد في سبيل الله، وشرعا: الدعاء إلى الدين الحق وقتال من لم يقبله، كما في الشمنى. (الجهاد فرض على الكفاية) ، لأنه لم يفرض لعينه، إذ هو إفساد في نفسه، (وإنما فرض لإعزاز دين الله ودفع الفساد عن العباد، وكل ما هو كذلك فهو فرض كفاية إذا حصل المقصود بالبعض، وإلا ففرض عين، كما صرح بذلك حيث قال: (إذا قام به الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 فريقٌ من الناس سقط عن الباقين، وإن لم يقم به أحدٌ أثم جميع الناس بتركه. وقتال الكفار واجبٌ وإن لم يبدءونا، ولا يجب الجهاد على صبي، ولا على عبدٍ، ولا امرأة، ولا أعمى، ولا مقعدٍ، ولا أقطع. وإن هجم العدو على بلدٍ وجب على جميع المسلمين الدفع: تخرج المرأة بغير إذن زوجها، والعبد بغير إذن المولى. وإذا دخل المسلمون دار حربٍ فحاصروا مدينةً أو حصناً دعوهم إلى الإسلام، فإن أجابوهم كفوا عن قتالهم،   فريق من الناس سقط) الإثم (عن الباقين) ؛ لحصول المقصود بذلك كصلاة الجنازة ودفنها ورد السلام، فإن كل واحد منها إذا حصل من بعض الجماعة يسقط الفرض عن الباقين، وهذا إذا كان بذلك الفريق كفاية، أما إذا لم يكن بهم كفاية فرض على الأقرب فالأقرب من العدو إلى أن تحصل الكفاية (وإن لم يقم به أحدا أثم جميع الناس بتركه) لتركهم فرضا عليهم. (وقتال الكفار واجب وإن لم يبدءونا) للنصوص العامة (ولا يجب الجهاد على صبي) لعدم التكليف (ولا عبد، ولا امرأة) لتقدم حق المولى والزوج (ولا أعمى، ولا مقعد، ولا أقطع) ؛ لأنهم عاجزون، والتكليف بالقدرة. (فإن هجم العدو على بلد وجب على جميع المسلمين الدفع) حتى (تخرج المرأة بغير إذن زوجها، والعبد بغير إذن المولى) لأنه صار فرض عين كالصلاة والصوم، وفرض العين مقدم على حق الزوج والمولى. (وإذا دخل المسلمون دار الحرب فحاصروا مدينة أو حصناً دعوهم) أولا (إلى الإسلام، فإن أجابوهم) إلى ذلك (كفوا عن قتالهم) لحصول المقصود، وقد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 وإن امتنعوا دعوهم إلى أداء الجزية، فإن بذلوها فلهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم. ولا يجوز أن بقاتل من لم تبلغه دعوة الإسلام، إلا بعد أن يدعوهم، ويستحب أن يدعو من بلغته الدعوة، ولا يجب ذلك، وإن أبوا استعانوا بالله تعالى عليهم وحاربوهم   قال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) الحديث. (وإن امتنعوا) عن الإسلام (دعوهم إلى أداء الجزية) إذا كانوا ممن تقبل منهم الجزية، بخلاف من لا تقبل منهم كالمرتدين وعبدة الأوثان من العرب، فإنه لا فائدة في دعائهم إلى قبول الجزية، لأنه لا يقبل منهم إلا الإسلام، قال الله تعالى {تقاتلونهم أو يسلمون} ، هداية (فإن بذلوها) أي قبلوا بذلها كانوا ذمة للمسلمين (فلهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم) لأنهم إنما بذلوها لذلك. (ولا يجوز) للإمام (أن يقاتل) أحداً من (من لم تبلغه دعوة الإسلام إلا بعد أن يدعوهم) إليه، لأنهم بالعدوة إليه يعلمون أنا نقاتلهم على الدين، لا على سلب الأموال وسبي الذراري، فلعلهم يجيبون، فنكفى مؤنة القتال، ولو قاتلهم قبل الدعوة أثم للنهي، ولا غرامة لعدم العاصم وهو الدين أو الإحراز بالدار فصار كقتل الصبيان والنسوان، هداية (ويستحب أن يدعو من بلغته الدعوة) أيضاً، مبالغة في الإنذار (و) لكن (لا يجب ذلك) عليه، لأن الدعوة قد بلغتهم وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون - أي غافلون - ونعمهم يستقي على الماء، جوهرة (وإن أبوا) أي امتنعوا عن الإسلام وبذل الجزية (استعانوا بالله تعالى عليهم وحاربوهم) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 ونصبوا عليهم المجانيق، وحرقوهم، وأرسلوا عليهم الماء، وقطعوا أشجارهم وأفسدوا زروعهم، ولا بأس برميهم وإن كان فيهم مسلمٌ أسيرٌ أو تاجرٌ.   لأنه تعالى هو الناصر لأوليائه والمدمر لأعدائه (ونصبوا عليهم المجانيق) جمع منجنيق، قال في الصحاح: وهي التي يرمي بها الحجارة، معربة، وأصلها بالفارسية سنجي نيك: أي ما أجودني! وهي مؤنثة، وجمعها منجنيقات ومجانيق، وتصغيره مجينيق (قال الجواليقي في المعرب: "اختلف أهل العربية في المنجنيق، فقال قوم: الميم زائدة وقال آخرون: بل هي أصلية. وأخبرنا ابن بندار عن ابن رزمة عن أبي سعيد عن ابن دريد قال: أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة، قال: سألت أعرابياً عن حروب كانت بينهم، فقال كانت بيننا حروب عون، تفقأ فيها العيون، مرة نجنق، وأخرى ترشق. فقوله "تجنق" دال على أن الميم زائدة، ولو كانت أصلية لقال "تمجنق" وكان المازني يقول: الميم من نفس الكلمة والنون زائدة، لقولهم "مجانيق" فسقوط النون في الجمع كسقوط الياء في "عيضموز" إذا قلت "عضاميز". ويقال: "منجنيق" و "مجنيق" بفتح الميم وكسرها وقيل: الميم والنون في أوله أصليتان، وقيل: الميم أصلية والنون زائدة، وهو أعجمي معرب وحكى الفراء "منجنوق" بالواو، وحكى غيره "منجليق" وقد جنق المنجنيق، ويقال "جنق" [بالتضعيف] ، وقال جرير: يلقى الزلازل أقوام دلفت لهم * بالمنجنيق وصبا بالملاطيس اهـ) ، اهـ. وقد نصبها النبي صلى الله عليه وسلم على الطائف (وحرقوهم) لأنه عليه الصلاة والسلام أحرق البويرة، وهي موضع بقرب المدينة (وأرسلوا عليهم الماء، وقطعوا شجرهم، وأفسدوا زورعهم) لأن في ذلك كسر شوكتهم وتفريق جمعهم. (ولا بأس برميهم وإن كان فيهم مسلم أسير أو تاجر) ؛ لأنه قل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 وإن تترسوا بصبيان المسلمين أو بالأسارى لم يكفوا عن رميهم ويقصدون بالرمي الكفار. ولا بأس بإخراج النساء والمصاحف مع المسلمين إذا كان عسكراً عظيماً يؤمن عليه، ويكره إخراج ذلك في سريةٍ لا يؤمن عليها.   ما يخلو حصن من مسلم؛ فلو امتنع باعتباره لانسد بابه. (وإن تترسوا بصبيان المسلمين أو بالأسارى لم يكفوا عن رميهم) ؛ لأنه يؤدي إلى أن يتخذوا ذلك ذريعة إلى إبطال قتالهم أصلا (و) لكن (يقصدون بالرمي الكفار) لأن المسلم لا يجوز اعتماد قتله؛ فإذا تعذر التمييز فعلا وأمكن قصداً التزم؛ لأن الطاعة بحسب الطاقة، وما أصابوه منهم لا دية عليهم ولا كفارة؛ لأن الجهاد فرض، والغرامات لا تقترن بالفروض كما في الهداية. (ولا بأس بإخراج النساء والمصاحف) وكتب الفقه والحديث، وكل ما يجب تعظيمه، ويحرم الاستخفاف به (مع المسلمين إذا كان عسكراً عظيما يؤمن عليه) ؛ لأن الغالب هو السلامة، والغالب كالمتحقق (ويكره إخراج ذلك في سرية لا يؤمن عليها) ؛ لأن فيه تعريضهن على الضياع والفضيحة، وتعريض المصاحف على الاستخفاف؛ لأنهم يستخفون بها مغايظة للمسلمين، وهو التأويل الصحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافروا بالقرآن في أرض العدو) ولو دخل مسلم إليهم بأمان لا بأس بأن يحمل معه المصحف إذا كانوا قوماً يوفون بالعهد، لأن الظاهر عدم التعرض، والعجائز يخرجن في العسكر العظيم لإقامة عمل يليق بهن، كالطبخ، والسقي، والمداواة. وأما الشواب فمقامهن في البيوت أدفع للفتنة، ولا يباشرن القتال، لأنه يستدل به على ضعف المسلمين، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 ولا تقاتل المرأة إلا بإذن زوجها، ولا العبد إلا بإذن سيده، إلا أن يهجم العدو. وينبغي للمسلمين أن لا يغدروا، ولا يغلوا، ولا يمثلوا، ولا يقتلوا امرأةً أو شيخاً فانياً ولا صبياً ولا أعمى ولا مقعداً، إلا أن يكون هؤلاء ممن له رأىٌ في الحرب.   إلا عند الضرورة، ولا يستحب إخراجهن للمباضعة والخدمة، فإن كانوا لابد مخرجين فبالإماء دون الحرائر، هداية. (ولا تقاتل المرأة إلا بإذن زوجها، ولا العبد إلا بإذن سيده) ، لما تقدم أن حق الزوج والمولى مقدم (إلا أن يهجم العدو) ، لصيرورته فرض عين كما سبق. (وينبغي للمسلمين أن لا يقدروا) أي يخونوا بنقض العهد (ولا يغلوا) أي: يسرقوا من الغنيمة (ولا يمثلوا) بالأعداء: بأن يشقوا أجوافهم ويرضخوا رءوسهم، ونحو ذلك، والمثلة المروية في قصة العرنيبن منسوخة بالنهي المتأخر، هو المنقول، هداية. قال في الجوهرة: وإنما تكره المثلة بعد الظفر بهم، أما قبله فلا بأس بها، اهـ (ولا يقتلوا امرأة، ولا شيخاً فانياً) وهو الذي فنيت قواه (ولا صبيا، ولا أعمى، ولا مقعداً) ؛ لأن هؤلاء ليسوا من أهل القتال، والمبيح للقتل عندنا المحاربة، فلو قاتل أحد منهم يقتل دفعاً لشره (إلا أن يكون أحد هؤلاء ممن له رأي في الحرب) فيقتل، لأن من له رأي يستعان برأيه أكثر مما يستعان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 أو تكون المرأة ملكةً، ولا يقتلوا مجنوناً. وإذا رأى الإمام أن يصالح أهل الحرب أو فريقاً منهم وكان في ذلك مصلحةٌ للمسلمين فلا بأس به، وإن صالحهم مدةٌ ثم رأى أن نقض الصلح أنفع نبذ إليهم وقاتلهم، وإن بدءوا بخيانة قاتلهم ولم ينبذ إليهم إذا كان ذلك باتفاقهم.   بمقاتلته (أو تكون المرأة ملكة) ، لأن في قتلها تفريقاً لجمعهم، وكذلك إذا كان ملكهم صبيا صغيراً وأحضروه معهم في الوقعة، وكان في قتله تفريق جمعهم - فلا بأس بقتله، جوهرة. (ولا يقتلوا مجنوناً) ، لأنه غير مخاطب، إلا يقاتل فيقتل دفعاً لشره، غير أن الصبي والمجنون يقتلان ما داما يقاتلان، وغيرهما لا بأس بقتله بعد الأسر، لأنه من أهل العقوبة، لتوجه الخطاب نحوه، هداية. (وإذا رأى الإمام أن يصالح أهل الحرب) على ترك القتال معهم (أو فريقاً منهم) مجاناً، أو على مال منا أو منهم (وكان في ذلك مصلحة للمسلمين فلا بأس به) لأن الموادعة جهاد معنى إذا كانت خيراً للمسلمين؛ لأن المقصود - وهو دفع الشر - حاصل به، بخلاف ما إذا لم يكن خيراً؛ لأنه ترك الجهاد صورة ومعنى، وتمامه في الهداية (فإن صالحهم مدة) معلومة (ثم رأى أن نقض الصلح أنفع للمسلمين نبذ إليهم) عهدهم (وقاتلهم) ؛ لأن المصلحة لما تبدلت كان النبذ جهاداً، وإيفاء العهد ترك للجهاد صورة ومعنى، ولابد من النبذ تحرزاً عن الغدر، ولابد من اعتبار مدة يبلغ خبر النبذ إلى جميعهم كما في الهداية. (وإن بدءوا بخيانة قاتلهم ولم ينبذ إليهم إذا كان ذلك باتفاقهم) ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 وإذا خرج عبيدهم إلى عسكر المسلمين فهم أحرارٌ. ولا بأس بأن يعلف العسكر في دار الحرب، ويأكلوا ما وجدوه من الطعام. ويستعملون الحطب، ويدهنون بالهدن، ويقاتلون بما يجدونه من السلاح بغير قسمة ذلك.   لأنهم صاروا ناقضين للعهد، فلا حاجة إلى نقضه، بخلاف ما إذا دخل جماعة منهم فقطعوا الطريق ولا منعة لهم، حيث لا يكون هذا نقضاً للعهد في حقهم، ولو كانت لهم منعة وقاتلوا المسلمين علانية يكون نقضاً للعهد في حقهم دون غيرهم؛ لأنه بغير إذن ملكهم؛ ففعلهم لا يلزم غيرهم، حتى لو كان بإذن ملكهم صاروا ناقضين للعهد، لأنه باتفاقهم معنى، هداية. (وإذا خرج عبيدهم إلى عسكر المسلمين فهم أحرار) لأنهم أحرزوا أنفسهم بالخروج إلينا مراغمين لمواليهم، وكذا إذا أسلموا هناك ولم يخرجوا إلينا وظهرنا على دارهم فهم أحرار، ولا يثبت الولاء عليهم لأحد؛ لأن هذا عتق حكمي، جوهرة. (ولا بأس أن يعلف العسكر في دار الحرب) دوابهم (ويأكلوا ما وجدوه من الطعام) كالخبز، واللحم، والسمن، والزيت: قال الزاهدي: وهذا عند الحاجة، وفي الإباحة من غير حاجة روايتان، اهـ. (ويستعملون الحطب) وفي بعض النسخ: "الطيب" هداية (ويدهنون بالدهن) لمساس الحاجة إلى ذلك (ويقاتلون بما يجدونه من السلاح) ، كل ذلك (بغير قسمة) يعني إذا احتاج إليه، بأن انقطع سيفه، أو انكسر رمحه، أو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 ولا يجوز أن يبيعوا من ذلك شيئاً ولا يتمولوه. ومن أسلم منهم أحرز بإسلامه نفسه وأولاده الصغار وكل مالٍ هو في يده أو وديعةٍ في يد مسلمٍ أو ذميٍ، فإن ظهرنا على الدار فعقاره فئ وزوجته فئٌ وحملها فئٌ، وأولاده الكبار فئٌ.   لم يكن له سلاح، وكذا إذا دعته حاجة إلى ركوب فرس من المغنم ليقاتل عليهم فلا بأس بذلك، فإذا زالت الحاجة ردت في الغنيمة، ولا ينبغي أن يستعمل من الدواب والثياب والسلاح شيئا لتبقى به دابته وثيابه وسلاحه، لأنه من الغلول؛ لاستعماله من غير حاجة، وتمامه في الجوهرة (ولا يجوز أن يبيعوا من ذلك) الطعام ونحوه (شيئاً، ولا يتمولوه) لأنه لم يملك بالأخذ، وإنما أبيح التناول للضرورة، فإذا باع أحدهم رد الثمن إلى المغنم. (ومن أسلم منهم) في دار الحرب قبل أخذه (أحرز بإسلامه نفسه) ، لأن الإسلام ينافي ابتداء الاسترقاق (أولاده الصغار) لأنهم مسلمون تبعا لإسلامه، (وكل مال هو في يده) لسبقها إليه (أو وديعة في يد) معصوم الدم (مسلم أو ذمي) لأنه في صحيحة محترمة، ويده كيده (فإن ظهرنا على الدار فعقاره فئ) لأنه في يد أهل الدار، إذ هو من جملة دار الحرب، فلم يكن في يده حقيقة، (و) كذا (زوجته فئ) ، لأنها كافرة حربية، لا تتبعه في الإسلام (و) كذا (حملها فئ) ، لأنه جزء منها، فيتبعها في الرق والحرية، وإن كان تبعاً للأب في الإسلام، لأن المسلم محل للتملك تبعاً لغيره، بخلاف المنفصل، فإنه حر؛ لعدم الجزئية عند ذلك (و) كذا (أولاده الكبار فئ) لأنهم كفار حربيون، ولا تبعية لهم، لأنهم على حكم أنفسهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 ولا ينبغي أن يباع السلاح من أهل الحرب، ولا يجهز إليهم، ولا يفادون بالأسارى عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يفادى بهم أسارى المسلمين، ولا يجوز المن عليهم. وإذا فتح الإمام بلداً عنوةً فهو بالخيار: إن شاء قسمه بين الغانمين،   (ولا ينبغي) بل يحرم، كما في الزيلعي (أن يباع السلاح) والكراع (من أهل الحرب) ؛ لما فيه من تقويتهم على قتال المسلمين، وكذا كل ما فيه تقوية لهم، كالحديد، والعبيد، ونحو ذلك (ولا يجهز) أي يتاجر بذلك (إليهم) قال في الغاية: أي لا يحمل إليهم التجار الجهاز، وهو المتاع، يعني هنا السلاح، اهـ. (ولا يفادون بالأسارى عند أبي حنيفة) لأن فيه معونة للكفرة، لأنه يعود حرباً علينا، ودفع شر حرابه خير من استنقاذ الأسير المسلم؛ لأنه إذا بقي في أيديهم كان ابتلاء في حقه غير مضاف إلينا، والأعانة بدفع أسيرهم مضاف إلينا، (وقالا: يفادى بهم أسارى المسلمين) لأن فيه تخليص المسلم، وهو أولى من قتل الكافر والانتفاع به. قال الإسبيجاني: والصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده المحبوبي، والنسفي، وغيرهما. قال الزاهدي: والمفاداة بالمال لا تجوز في ظاهر المذهب، كذا في التصحيح. وفي السير الكبير: أنه لا بأس به إذا كان بالمسلمين حاجة؛ استدلالا بأسارى بدر، ولو كان الأسير أسلم في أيدينا لا يفادى بمسلم أسير في أيديهم لأنه لا يفيد، إلا إذا طابت نفسه به وهو مأمون على إسلامه، هداية. (ولا يجوز المن عليهم) ، لما فيه من إبطال حق الغانمين. (وإذا فتح الإمام بلدة عنوة) أي قهراً (فهو) في العقار (بالخيار) بين أمرين: (إن شاء قسمه بين الغانمين) كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 وإن شاء أقر أهله عليه ووضع عليهم الخراج، وهو في الأسارى بالخيار: إن شاء قتلهم، وإن شاء استرقهم، وإن شاء تركهم أحراراً ذمةً للمسلمين. ولا يجوز أن يردهم إلى دار الحرب. وإذا أراد العود ومعهم مواش فلم يقدروا على نقلها إلى دار الإسلام ذبحوها وحرقوها ولا يعقرونها ولا يتركونها.   بخيبر (وإن شاء أقر أهله عليه، ووضع عليهم الخراج) كما فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق بموافقة الصحابة، رضوان الله تعالى عليهم، وفي كل من ذلك قدوة، فيتخير، وقيل: الأولى هو الأول عند حاجة الغانمين، والثاني عند عدم الحاجة، قيدنا بالعقار لأن المنقول لا يجوز المن فيه بالرد عليهم (وهو) أي الإمام (في الأسرى بالخيار) بين ثلاثة أمور: (إن شاء قتلهم) حسما لمادة الفساد (وإن شاء استرقهم) توفيراً لمنفعة الإسلام (وإن شاء تركهم أحراراً ذمة للمسلمين) إذا كانوا أهلا للذمة، كما فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق. قيدنا بكونهم أهل للذمة احترازا عن المرتدين ومشركي العرب كما سبق. (ولا يجوز) للإمام (أن يردهم إلى دار الحرب) لما فيه من تقويتهم على المسلمين كما مر. (وإذا أراد) الإمام (العود) إلى دار الإسلام (ومعه مواش فلم يقدر على نقلها إلى دار الإسلام ذبحها، و) بعده (حرقها) لأن ذبح الحيوان يجوز لغرض صحيح، ولا غرض أصح من كسر شوكة أعداء الله (ولا يعقرها) بأن يقطع قوائمها ويدعها حية؛ لما فيه من المثلة والتعذيب (ولا يتركها) لهم حية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 ولا يقسم غنيمةً في دار الحرب حتى يخرجها إلى دار الإسلام، والردء والمقاتل في العسكر سواء. وإذا لحقهم المدد في دار الحرب قبل أن يخرجوا الغنيمة إلى دار الإسلام شاركوهم فيها، ولا حق لأهل سوق العسكر في الغنيمة إلا أن يقاتلوا.   ولا معقورة، ولا من غير حرق، قطعاً لمنفعتهم بها. (ولا يقسم) الإمام (غنيمة في دار الحرب) ، بل (حتى يخرجها إلى دار الإسلام) ، لأن الملك لا يثبت للغانمين إلا بالإحراز في دار الإسلام. (والردء) أي المعين (والمقاتل في العسكر سواء) لاستوائهم في السبب وهو المجاوزة أو شهود الوقعة على ما عرف، وكذلك إذا لم يقاتل لمرض أو غيره، لما ذكرناه، هداية. (وإذا لحقهم المدد) - وهو ما يرسل إلى الجيش ليزدادوا - وفي الأصل: ما يزاد به الشيء ويكثر، قهستاني (في دار الحرب قبل أن يخرجوا الغنيمة إلى دار الإسلام) وقبل القسمة وبيع الغنيمة، ولو بعد انقضاء القتال (شاركوهم فيها) لوجود الجهاد منهم معنى قبل استقرار الملك العسكر، ولذا ينقطع حق المشاركة بالإحراز، أو بقسمة الإمام في دار الحرب، أو ببيعه المغانم فيها؛ لأن بكل منها يتم الملك، فينقطع حق شركه المدد. (ولا حق لأهل سوق العسكر في الغنيمة، إلا أن يقاتلوا) ؛ لأنهم لم يجاوزوا على قصد القتال؛ فانعدم السبب الظاهر، فيعتبر السبب الحقيقي - وهو قصد القتال - فيفيد الاستحقاق على حسب حاله، فارساً أو راجلا عند القتال، هداية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 وإذا أمن رجلٌ حرٌ أو امرأةٌ حرةٌ كافراً أو جماعةً أو أهل حصنٍ أو مدينةٍ صح أمانهم، ولم يجز لأحدٍ من المسلمين قتلهم إلا أن يكون في ذلك مفسدة فينبذ إليهم الإمام. ولا يجوز أمان ذمي، ولا أسيرٍ، ولا تاجرٍ يدخل عليهم. ولا يجوز أمان العبد عند أبي حنيفة   (وإذا أمن رجل حر، أو امرأة حرة كافراً) واحداً (أو جماعة) من الكفار (أو أهل حصن، أو مدينة، صح أمانهم) ، لأنه من أهل القتال؛ إذ هو من أهل المنعة، فيحقق منه الأمان، ثم يتعدى إلى غيره، ولأن سببه - وهو الإيمان - لا يتجزأ؛ فكذا الأمان، فيتكامل كولاية النكاح (و) حيث صح أمانهم (لم يجز لأحد من المسلمين قتلهم) ولا التعرض لما معهم، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون "يد على من سواهم" تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم) أي: أقلهم، وهو الواحد، هداية (إلا أن يكون في ذلم مفسدة) تلحق المسلمين (فينبذ الإمام إليهم) أمانهم، كما إذا كان الأمان منهم ثم رأى المصلحة في النبذ كما مر. (ولا يجوز أمان ذمي) ؛ لأنه متهم بهم، ولا ولاية له على المسلمين، (ولا أسير ولا تاجر يدخل عليهم) ؛ لأنهما مقهوران تحت أيديهم، فلا يخافونهما، والأمان يختص بمحل الخوف، ولأنهم كلما اشتد الأمر عليهم يجدون أسيرا أو تاجراً فيتخلصون بأمانه، فلا ينفتح باب الفتح، هداية. (ولا يجوز أمان العبد عند أبي حنيفة) ، لأن الأمان عنده من جملة العقود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 إلا أن يأذن له مولاه في القتال، وقال أبو يوسف ومحمد: يصح أمانه. وإذا غلب الترك على الروم فسبوهم وأخذوا أموالهم ملكوها، فإن غلبنا على الترك حل لنا ما نجده من ذلك، وإذا غلبوا على أموالنا فأحرزوها بدارهم ملكوها، فإن ظهر عليها المسلمون فوجدوها   والعبد محجور عليه، فلا يصح عقده (إلا أن يأذن له مولاه في القتال) ؛ لأنه يصير مأذوناً؛ فيصح عقد الأمان منه (وقال أبو يوسف ومحمد: يصح أمانه) لأنه مؤمن ذو قوة وامتناع يتحقق منه الخوف، والأمان مختص بمحل الخوف. قال جمال الإسلام في شرحه: وذكر الكرخي قول أبي يوسف مع أبي حنيفة وصح قول أبي حنيفة، ومشى عليه الأئمة البرهاني والنسفي وغيرهما، تصحيح. (وإذا غلب الترك) جمع تركي (على الروم) جمع رومي، والمراد كفار الترك وكفار الروم (فسبوهم وأخذوا أموالهم) وسبوا ذراريهم (ملكوها) لأن أموال أهل الحرب ورقابهم مباحة فتملك بالأخذ (فإن غلبنا على الترك) بعد ذلك (حل لنا ما نجده من ذلك) الذي أخذه من الروم، اعتباراً بسائر أموالهم (وإذا غلبوا) أي الكفار (على أموالنا) ولو عبيداً أو إماء مسلمين (فأحرزوها بدارهم ملكوها) لأن العصمة من جملة الأحكام الشرعية، والكفار غير مخاطبين بها؛ فبقي في حقهم مالا غير معصوم، فيملكونه كما حققه صاحب المجمع في شرحه. قيد بالإحراز لأنهم قبل الإحراز بها لا يملكون شيئاً حتى لو اشترى منهم تاجر شيئاً قبل الإحراز ووجده مالكه أخذه بلا شيء (فإن ظهر عليهم) أي على دارهم (المسلمون) بعد ذلك (فوجدوها) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 قبل القسمة فهي لهم بغير شيء، وإن وجدوها بعد القسمة أخذوها بالقيمة إن أحبوا، وإن دخل دار الحرب تاجرٌ فاشترى ذلك وأخرجه إلى دار الإسلام فمالكه بالخيار: إن شاء أخذه بالثمن الذي اشتراه به التاجر، وإن شاء ترك. ولا يملك علينا أهل الحرب بالغلبة مدبرينا ومكاتبينا وأمهات أولادنا وأحرارنا، ونملك عليهم جميع ذلك، وإذا أبق عبدٌ لمسلم فدخل إليهم   أي وجد المسلمون أموالهم (قبل القسمة) بين الغانمين (فهي لهم بغير شيء) ؛ لأ المالك القديم زال ملكه بغير رضاه؛ فكان له حق الأخذ نظرا له (وإن وجدوها بعد القسمة أخذوها بالقيمة إن أحبوا) لأن من وقع المال في نصيبه يتضرر بالأخذ منه مجانا؛ لأنه استحقه عوضاً عن سهمه في الغنيمة، فقلنا بحق الأخذ بالقيمة لما فيه من النظر للجانبين كما في الهداية (وإن دخل دار الحرب تاجر فاشترى ذلك) المال (وأخرجه إلى دار الإسلام فمالكه الأول بالخيار: إن شاء أخذه بالثمن الذي) كان (اشتراه به التاجر) من العدو، (وإن شاء ترك) لأنه يتضرر با"لأخذ مجاناً ألا يرى أنه دفع العوض بمقابلته فكان اعتدال النظر فيما قلنا، ولو اشتراه بعرض يأخذه بقيمة العرض، ولو وهبوه يأخذه بقيمته؛ لأنه ثبت له ملك خاص فلا يزال إلا بالقيمة، هداية. (ولا يملك علينا أهل الحرب بالغلبة) علينا (مدبرينا وأمهات أولادنا ومكاتبينا وأحرارنا) لأنهم أحرار من وجه، والحر معصوم بنفسه، فلا يملك (ونملك عليهم) إذا غلبنا عليهم (جميع ذلك) لعدم عصمتهم. (وإذا أبق عبد) من دارنا، سواء كان (لمسلم) أو ذمي (فدخل إليهم) أي إلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 فأخذوه لم يملكوه عند أبي حنيفة. وإن ند بعيرٌ إليهم فأخذوه ملكوه وإذا لم يكن للإمام حمولة يحمل عليها الغنائم قسمها بين الغانمين قسمة إيداعٍ ليحملوها إلى دار الإسلام ثم يرتجعها فيقسمها. ولا يجوز بيع الغنائم قبل القسمة،   دارهم (فأخذوه لم يملكوه عند أبي حنيفة) ؛ لظهور يده على نفسه بزوال يد مولاه فصار معصوما بنفسه، فلم يبق محلا للملك، وقالا: يملكونه، والصحيح قوله، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح. وإذا لم يثبت الملك لهم يأخذه المالك القديم بغير شيء، موهوباً كان أو مشترى أو مغنوماً، قبل القسمة وبعدها، إلا أن بعد القسمة يؤدي عوضه من بيت المال، لأنه لا يمكن إعادة القسمة. (وإن ند) منا (بعير) أو فرس (إليهم فأخذوه ملكوه) لتحقق الاستيلاء إذ لا يد للعجماء. (وإذا لم يكن للإمام حمولة) بفتح أوله - الإبل التي تحمل، وكذا كل ما احتمل عليه الحي من حمار أو غيره، سواء كانت عليه الأحمال أو لم تكن. صحاح. (يحمل عليها الغنائم قسمها بين الغانمين قسمة إيداع ليحملوها إلى دار الإسلام ثم) إذا رجعوا إلى دار الإسلام (يرتجعها منهم فيقسمها) قسمة تمليك بينهم، فإن أبوا أن يحملوها أجبرهم على ذلك بأجر المثل في رواية السير الكبير؛ لأنه دفع ضرر عام بتحمل ضرر خاص، ولا يجبرهم على رواية السير الصغير، وتمامه في الهداية والدرر. (ولا يجوز بيع الغنائم قبل القسمة) في دار الحرب؛ لأنها لا تملك قبلها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 ومن مات من الغانمين في دار الحرب فلا حق له في الغنيمة، ومن مات منهم بعد إخراجها إلى دار الإسلام فنصيبه لورثته. ولا بأس أن ينفل الإمام في حال القتال، ويحرض بالنفل على القتال فيقول: من قتل قتيلاً فله سلبه، أو يقول لسريةٍ: قد جعلت لكم الربع بعد الخمس، ولا ينفل بعد إحراز الغنيمة إلا من الخمس، وإذا لم يجعل السلب للقاتل فهو من جملة الغنيمة،   (ومن مات من الغانمين في دار الحرب) قبل القسمة وبيع الغنيمة (فلا حق له في الغنيمة) لأن الإرث يجري في الملك، ولا ملك قبل ما ذكر كما مر (ومن مات منهم) أي الغانمين (بعد إخراجها) أي الغنيمة (إلى دار الإسلام) أو بعد قسمتها أو بيعها وتوفي في دار الحرب (فنصيبه لورثته) لأن حقهم قد استقر بما ذكر، فينتقل إلى الورثة. (ولا بأس) بل يندب (بأن ينفل الإمام في حال القتال) وقبله بالأولى (ويحرض) أي يحث ويغرى (بالنفل على القتال) والنفل: إعطاء شيء زائد على سهم الغنيمة، وقد فسره بقوله (فيقول: من قتل قتيلا فله سلبه) وسيأتي معناه (أو يقول لسرية) وهي القطعة من الجيش (قد جعلت لكم الربع) أو النصف (بعد) رفع (الخمس) ؛ لما في ذلك من تقوية القلوب وإغراء المقاتلة على المخاطرة وإظهار الجلادة رغبةً في ذلك، وقد قال تعالى: {حرض المؤمنين على القتال} وهو نوع تحريض (ولا ينفل بعد إحراز الغنيمة) في دار الإسلام؛ لتأكد حق الغانمين بها، ولذا يورث عنهم (إلا من الخمس) ؛ لأن الرأي فيه إلى الإمام، ولا حق فيه للغانمين. (وإذا لم يجعل) الإمام (السلب للقاتل) نفلاً (فهو من جملة الغنيمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 والقاتل وغيره فيه سواء. والسلب: ما على المقتول من ثيابه وسلاحه ومركبه. وإذا خرج المسلمون من دار الحرب لم يجز أن يعلفوا من الغنيمة ولا يأكلوا منها. ومن فضل معه علفٌ أو طعامٌ رده إلى الغنيمة. ويقسم الإمام الغنيمة: فيخرج خمسها، ويقسم أربعة أخماسها بين الغانمين: للفارس سهمان، وللراجل سهمٌ عند أبي حنيفة، وقالا: للفارس ثلاثة أسهمٍ،   والقاتل وغيره فيه) أي في سلبه (سواء) ؛ لأنه مأخوذ بقوة الجيش؛ فيكون غنيمة لهم (والسلب) هو (ما على المقتول من ثيابه وسلاحه ومركبه) وكذا ما على مركبه من السرج والآلة، وكذا ما معه على الدابة من مال في حقيبة أو على وسطه، وما عدا ذلك فليس بسلب، وما كان مع غلامه على دابة أخرى فليس بسلبه، هداية. (وإذا خرج المسلمون من دار الحرب لم يجز) لهم (أن يعلفوا) دوابهم (من الغنيمة ولا يأكلوا منها) ؛ لأن حق الغانمين قد تأكد فيها كما مر (ومن فضل معه علف أو طعام رده إلى الغنيمة) إذا لم تقسم، وبعد القسمة تصدقوا به إن كانوا أغنياء وانتفعوا به إن كانوا محاويج؛ لأنه صار في حكم اللقطة لتعذر الرد، وتمامه في الهداية. (ويقسم الإمام الغنيمة) بعد الإحراز بدار الإسلام كما تقدم (فيخرج) أولا (خمسها) للأصناف الثلاثة الآتية (ويقسم أربعة أخماسها) الباقية (بين الغانمين للفارس) أي لصاحب الفرس (سهمان، وللراجل) ضد الفارس (سهم عند أبي حنيفة وقالا: للفارس ثلاثة أسهم) وللراجل سهم، قال الإمام بهاء الدين في شرحه: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 ولا يسهم إلا لفرسٍ واحدٍ، والبراذين والعتاق سواءٌ، ولا يسهم لراحلةٍ ولا بغلٍ. ومن دخل دار الحرب فارساً فنفق فرسه استحق سهم فارسٍ، ومن دخل راجلاً فاشترى فرساً استحق سهم لراجلٍ. ولا يسهم لمملوكٍ ولا امرأة ولا ذميٍ ولا صبيٍ، ولكن يرضخ لهم على حسب ما يراه الإمام.   الصحيح قول أبي حنيفة، واختاره الإمام البرهاني والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم تصحيح (ولا يسهم إلا لفرس واحد) لأن القتال لا يتحقق إلا على فرس واحد قال الإسبيجاني: هذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: يسهم للفرسين، والصحيح قولهما، وعليه مشى الأئمة المذكورون قبله، تصحيح (والبراذين) جمع برذون - التركي من الخيل (والعتاق) جمع عتيق - العربي منها (سواء) ؛ لأن اسم الخيل ينطلق على الكل، والإرهاب مضاف إليها، ولأن العربي إن كان في الطلب والهرب أقوى فالبرذون أصبر وألين عطفاً؛ فمن كل منهما منفعة معتبرة، فاستويا (ولا يسهم لراحلة) وهي المركب من الإبل ذكراً كان أو أنثى (ولا بغل) ولا حمار، فصاحب ما ذكر والراجل سواء، لأن المعنى الذي في الخيل معدوم فيهم (ومن دخل دار الحرب فارساً فنفق) أي هلك (فرسه) فشهد الوقعة راجلا (استحق سهم فارس، ومن دخل راجلا فاشترى) هناك (فرساً) فشهد الوقعة فارساً (استحق سهم راجل) لأن الوقوف على حقيقة القتال متعسر، وكذا شهود الوقعة؛ فتقام المجاوزة مقامه، لأنه السبب المفضي إليه ظاهراً إذا كان على قصد القتال، فيعتبر حال الشخص حالة المجاوزة فارساً أو راجلا (ولا يسهم لمملوك) ولا مكاتب (ولا امرأة ولا ذمي ولا صبي) ولا مجنون ولا معتوه (لكن يرضخ لهم) أي يعطيهم من الغنيمة (على حسب ما يراه الإمام) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 وأما الخمس فيقسم على ثلاثة أسهمٍ: سهمٍ لليتامى، وسهمٍ للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، ويدخل فقراء ذوي القربى فيهم، ويقدمون، ولا يدفع إلى أغنيائهم شيء. وأما ذكر الله تعالى في الخمس فإنما هو لافتتاح الكلام تبركاً باسمه وسهم النبي صلى الله عليه وسلم سقط بموته كما سقط الصفي، وسهم ذوي القربى كانوا يستحقونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم   قال في الهداية: ثم العبد إنما يرضخ له إذا قاتل؛ لأنه لخدمة المولى فصار كالتاجر، والمرأة يرضخ لها إذا كانت تداري الجرحى وتقوم على المرضى؛ لأنها عاجزة عن حقيقة القتال فيقام هذا النوع من الإعانة مقام القتال؛ والذمي إنما يرضخ له إذا قاتل أو دل على الطريق؛ لأن فيه منفعة للمسلمين، إلا أنه يزاد له على السهم في الدلالة إذا كانت فيه منفعة عظيمة. انتهى باختصار. (وأما الخمس فيقسم على ثلاثة أسهم: سهم لليتامى) الفقراء (وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل) وهم المنقطعون عن مالهم، ويجوز صرفه لصنف واحد كما في الفتح عن التحفة (ويدخل فقراء ذوي القربى) من بني هاشم (فيهم) أي في الأصناف الثلاثة (و) لكن (يقدمون) على غيرهم، لعدم جواز الصدقة عليهم (ولا يدفع إلى أغنيائهم) منه (شيء) ؛ لأنه إنما يستحق بالفقر والحاجة (فأما ذكر الله تعالى في الخمس) في قوله جل ذكره: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} (فإنما هو لافتتاح الكلام، تبركا باسمه تعالى، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم سقط بموته كما سقط الصفي) وهو شيء كان يصطفيه النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه: أي يختاره من الغنيمة، مثل درع، وسيف، وجارية (وسهم ذوي القربى كانوا يستحقونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 بالنصرة، وبعده بالفقر. وإذا دخل الواحد أو الاثنان إلى دار الحرب مغيرين بغير إذن الإمام فأخذوا شيئاً لم يخمس. وإن دخل جماعةٌ لها منعةٌ وأخذوا شيئاً خمس، وإن لم يأذن لهم الإمام وإذا دخل المسلم دار الحرب تاجراً فلا يحل له   بالنصرة) له، ألا يرى أنه علل فقال: (إنهم لن يزالوا معي هكذا في الجاهلية والإسلام) وشبك بين أصابعه (وبعده) أي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم (بالفقر) لانقطاع النصرة. (وإذا دخل الواحد) من المسلمين (أو الاثنان إلى دار الحرب مغيرين بغير إذن الإمام، فأخذوا شيئاً، لم يخمس) ، لأنه مال مباح أخذ على غير وجه الغنيمة لأنها مأخوذة قهراً وغلبة، لا اختلاساً وسرقة، والخمس وظيفة الغنيمة، قيد بكونه بغير إذا الإمام لأنه إذا كان بالإذن ففيه روايتان؛ والمشهور أنه يخمس؛ لأنه لما أذن لهم فقد التزم نصرتهم، كما في الهداية. (وإن دخل جماعة لهم منعة) أي قوة (فأخذوا شيئاً خمس) ما أخذوه (وإن لم يأذن لهم الإمام) ؛ لأنه غنيمة لأخذه على وجه القهر والغلبة، ولأنه يجب على الإمام نصرتهم؛ إذ لو خذلهم كان فيه وهنٌ على المسلمين، بخلاف الواحد والاثنين؛ لأنه لا تجب عليه نصرتهم، هداية. قيد بالمنعة لأنه لو دخل جماعة لا منعة لهم بغير إذن فأخذوا شيئا لا يخمس لأنه اختلاس لا غنيمة، كما في الجوهرة. (وإذا دخل المسلم دار الحرب) بأمان (تاجرا) أو نحوه (فلا يحل له الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 أن يتعرض لشيٍ من أموالهم ولا من دمائهم، وإن غدر بهم وأخذ شيئاً وخرج به ملكه ملكاً محظوراً، ويؤمر أن يتصدق به. وإذا دخل الحربي إلينا مستأمناً لم يمكن أن يقيم في دارنا سنةً، ويقول له الإمام: إن أقمت تمام السنة وضعت عليك الجزية،   أن يتعرض لشيء من أموالهم، ولا) لشيء (من دمائهم) أو فروجهم، لأن ذلك غدر بهم، والغدر حرام، إلا إذا صدر غدر من ملكهم، أو منهم بعلمه، ولم يأخذوا على يدهم؛ لأن النقض يكون من جهتهم. قيد بالتاجر لأن الأسير غير مستأمن؛ فيباح له التعرض لمالهم ودمائهم، كما في الهداية. (وإن) تعدى التاجر ونحوه، و (غدر بهم وأخذ شيئاً) من مالهم (وخرج به) عن دارهم (ملكه ملكا محظورا) لإباحة أموالهم، إلا أنه حصل بالغدر فكان خبيئاً؛ لأن المؤمنين عند شروطهم (ويؤمر أن يتصدق به) تفريغا لذمته وتداركا لجنايته. (وإذا دخل الحربي إلينا مستأمناً) أي: طالبا للأمان (لم يمكن أن يقيم في دارنا سنة) فما فوقها؛ لئلا يصير عيناً لهم، وعوناً علينا (ويقول له الإمام) إذا أمنه وأذن له في الدخول إلى دارنا: (إن أقمت) في دارنا (تمام السنة وضعت عليك الجزية) ، والأصل: أن الحربي لا يمكن من إقامة دائمة في دارنا إلا بالاسترقاق أو الجزية؛ لأنه يصير عينا لهم، ودعونا علينا، فتلتحق المضرة بالمسلمين، ويمكن من الإقامة اليسيرة، لأن في منعها قطع الميرة والجلب، وسد باب التجارة، ففصلنا بينهما بسنة، لأنها مدة تجب فيها الجزية، فتكون الإقامة لمصلحة الجزية، هداية. (يتبع ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 فإن أقام أخذ منه الجزية، وصار ذمياً. ولم يترك أن يرجع إلى دار الحرب، وإن عاد إلى دار الحرب وترك وديعةً عند مسلمٍ أو ذميٍ أو ديناً في ذمتهم فقد صار دمه مباحاً بالعود وما في دار الإسلام من ماله على خطرٍ، فإن أسو أو قتل سقطت ديونه وصارت الوديعة فيئاً. وما أوجف عليه المسلمون من أموال أهل الحرب بغير قتالٍ يصرف في مصالح المسلمين كما يصرف الخراج.   (فإن) رجع بعد ذلك قبل تمام السنة إلى وطنه فلا سبيل عليه، وإن (أقام) تمام السنة (أخذت منه الجزية، وصار ذميا) لالتزامه ذلك (ولم يترك) بعدها (أن يرجع إلى دار الحرب) ؛ لأن عقد الذمة لا ينقض. وللإمام أن يوقت في ذلك ما دون السنة كالشهر والشهرين كما في الهداية. (وإن عاد) المستأمن (إلى دار الحرب) ولو إلى غير داره (وترك وديعة عند) معصوم (مسلم، أو ذمي، أو) ترك (دينا في ذمتهم؛ فقد صار دمه مباحاً بالعود) لبطلان أمانه (وما) كان (في دار الإسلام من ماله) فهو (على خطر) أي موقوف، لأن يد المعصوم عليه باقية (فإن أسر أو قيل سقطت ديونه) ، لأن يد من عليه الدين أسبق إليه من يد العامة، فيختص به؛ فيسقط (وصارت الوديعة) وما عند شريكه ومضاربه وما في بيته في دارنا (فيئاً) ، لأنها في يده حكما، لأن يد المودع والشريك والمضارب كيده، فيصير فيئاً تبعاً لنفسه. (وما أوجف عليه المسلمون) أي أسرعوا إلى أخذه (من أموال أهل الحرب بغير قتال يصرف) جميعه (في مصالح المسلمين، كما يصرف الخراج) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 وأرض العرب كلها عشرٍ، وهي: ما بين العذيب إلى أقصى حجرٍ باليمن بمهرة إلى حد الشام، والسواد   والجزية؛ لأنه حصل بقوة المسلمين من غير قتال؛ فكان كالخراج والجزية. ولما أنهى الكلام على بيان ما يصير الحربي به ذميا، أخذ في بيان ما يؤخذ منه، وبيان العشر، تتميما للوظائف المالية، وقدم بيان العشر لما فيه من معنى العبادة، فقال:. (وأرض العرب كلها عشر) ، لأن الخراج لا يجب ابتداء إلا بعقد الذمة، وعقد الذمة من مشرك العرب لا يصح (وهي) أي أرض العرب، أي حدها، (ما بين العذيب) بضم العين المهملة وفتح الذال المعجمة - قرية من قرى الكوفة (إلى أقصى) أي آخر (حجر) بفتحتين - واحد الأحجار بمعنى الصخرة كما وقع التحديد به في غير موضع (باليمن بمهرة) بفتح الميم وسكون الهاء - اسم موضع باليمن يسمى [باسم] مهرة بن حيدان أبي قبيلة تنسب إليه الإبل المهرية، فيكون قوله: "بمهرة" بدلا من قوله: "باليمن" كما في النهاية (إلى حد الشام) وفي المغرب عن أبي يوسف في الأمالي: حدود أرض العرب ما وراء حدود أرض الكوفة إلى أقصى صخرة باليمن - وهو مهرة - وقال الكرخي: هي أرض الحجاز وتهامة، ومكة، والطائف، والبرية - يعني: البادية - وقال محمد: أرض العرب من العذيب إلى مكة وعدن أبين إلى أقصى حجر باليمن بمهرة، اهـ باختصار. وهذه العبارات متقاربة يفسر بعضها بعضا؛ وعدن: بفتحتين - بلدة باليمن تضاف إلى بانيها؛ فيقال: عدن أبين كما في المصباح. (والسواد) : أي سواد العراق، سمى سوادا لخضرة أشجاره وزروعه، وهو الذي فتح على عهد سيدنا عمر، فأقر أهله عليه، ووضع على رقابهم الجزية، وعلى أراضيهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 أرض خراجٍ، وهو: ما بين العذيب إلى عقبة حلوان، ومن العلث إلى عبادان. وأرض السواد مملوكةٌ لأهلها: يجوز بيعهم لها، وتصرفهم فيها. وكل أرضٍ أسلم أهلها عليها أو فتحت عنوةً وقسمت   الخراج (أرض الخراج) لأنه وظيفة أرض الكفار (وهي) أي أرض السواد، حدها عرضا (ما بين العذيب) المتقدمة (إلى عقبة حلوان) بضم الحاء المهملة، وسكون اللام - اسم بلدة مشهورة، بينها وبين بغداد نحو خمس مراحل، وهي طرف العراق من الشرق، سميت باسم بانيها، وهو حلوان بن عمران بن الحارث كما في المصباح (و) حدها طولا (من العلث) بفتح العين المهملة، وسكون اللام، وآخره ثاء مثلثة - قرية موقفة على العلوية، على شرق دجلة (إلى عبادان) بتشديد الباء الموحدة - حصن صغير على شط البحر، وقال في المغرب: حده طولا من حديثة الموصل إلى عبادان، وعرضا من العذيب إلى حلوان، اهـ. وقال في باب الحاء: حديثة الموصل: قرية، وهي أول حد السواد طولا، وحديثة الفرات: موضع آخر، وقال في باب الثاء: الثعلبية: من منازل البادية، ووصعها موضع العلث في حد السواد خطأ، اهـ. والظاهر من كلامه: أن كلا من العلث وحديثة الموصل حد للسواد، لكونهما متحاذيين: وأما التحديد بالثعلبية كما في بعض الكتب فخطأ، والله أعلم. (وأرض السواد مملوكة لأهلها: يجوز بيعها لهم، وتصرفهم فيها) ؛ لأن الإمام إذا فتح أرضاً عنوة وقهراً كان بالخيار بين أن يقسمها بين الغانمين وبين أن يمتن بها على أهلها ويضع عليهم الجزية، والخراج جباية للمسلمين كما مر. (وكل أرض أسلم أهلها) قبل أن يقدر عليها (أو فتحت عنوة وقسمت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 بين الغانمين فهي أرض عشرٍ. وكل أرضٍ فتحت عنوةً وأقر أهلها عليها فهي أرض خراجٍ. ومن أحيا أرضاً مواتاً فهي عند أبي يوسف معتبرة بحيزها: فإن كانت من حيز أرض الخراج فهي خراجيةٌ، وإن كانت من حيز أرض العشر فهي عشريةً، والبصرة عنده عشريةٌ بإجماع الصحابة رضي الله عنهم، وقال محمدٌ: إن أحيا ببئرٍ حفرها   بين الغانمين فهي أرض عشر) ، لأنها وظيفة أرض المسلمين؛ لما فيه من معنى العبادة. (وكل أرض فتحت عنوة وأقر أهلها عليها) وكذا إذا صالحهم الإمام (فهي أرض خراج) ؛ لما مر أنه وظيفة أرض الكفار، لما فيه من معنى العقوبة، قال في الهداية: ومكة مخصوصة من هذا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحها عنوة وتركها لأهلها، ولم يوظف الخراج، اهـ. (ومن أحيا) من المسلمين (أرضاً مواتاً) أي غير منتفع بها (فهي عند أبي يوسف معتبرة بحيزها) أي بما يقرب منها (فإن كانت من حيز أرض الخراج فهي خراجية، وإن كانت من حيز أرض العشر فهي عشرية) لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه (كفناء الدار له حكم الدار حتى يجوز لصاحبها الانتفاع به (والبصرة عنده) أي عنده أبي يوسف (عشرية بإجماع الصحابة) وكانت القياس أن تكون عنده خراجية، لأنها بحيز أرض الخراج، إلا أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وظفوا عليهم العشر؛ فترك القياس لإجماعهم، هداية (وقال محمد) تعتبر بشربها؛ إذ هو السبب للنماء (إن أحياها) بماء السماء أو (ببئر حفرها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 أو عينٍ استخرجها أو ماء دجلة أو الفرات أو الأنهار العظام التي لا يملكها أحدٌ فهي عشريةٌ، وإن أحياها بماء الأنهار التي احتفرها الأعاجم مثل نهر الملك ونهر بزدجرد فهي خراجيةٌ، والخراج الذي وضعه عمر رضي الله عنه على أهل السواد من كل جريبٍ يبلغه الماء قفيزٌ هاشميٌ وهو الصاع ودرهم، ومن جريب الرطبة خمسة   أو عين استخرجها، أو ماء دجلة أو الفرات، أو الأنهار العظام التي لا يملكها أحد) كسيحون وجيحون (فهي عشرية) لأنها مياه العشر (وإن أحياها بماء الأنهار التي احتفرها) أي شقها (الأعاجم) وذلك (مثل نهر الملك) كسرى أنوشروان، وهو نهر على طريق الكوفة من بغداد، وهو يستقي من الفرات، ومغرب (ونهر يزدجرد) بوزن بستعيب اسم ملك من ملوك العجم (فهي خراجية) قال في التصحيح: واختار قول أبي يوسف الإمام المحبوبي والنسفي، وصدر الشريعة، اهـ. (والخراج الذي وضعه) أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (على السواد) هو (من كل جريب) بفتح الجيم التحتية وكسر الراء - قطعة أرض طولها ستون ذراعا وعرضها كذلك، قالوا: والأصل فيه المكيال، ثم سمي به المبذر، مغرب (يبلغه الماء) ويصلح للزراعة (قفيز هاشمي) مما يزرع فيها كما في شرح الطحاوي، وقال الإمام ظهير الدين: من حنطة أو شعير (وهو) أي القفيز الهاشمي (الصاع) النبوي (ودرهم) عطف على "قفيز" من أجود النقود، زيلعي (ومن جريب الرطبة) بفتح الراء - قال العيني: هي البرسيم ومثلها البقول (خمسة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 دراهم، ومن جريب الكرم المتصل والنخل المتصل عشرة دراهم، وما سوى ذلك من الأصناف يوضع عليها بحسب الطاقة، فإن لم تطق ما وضع عليها نقصهم الإمام،   دراهم، ومن جريب الكرم) شجر العنب، ومثله غيره (المتصل) بعضه ببعض بحيث تكون الأرض مشغولة به (والنخل المتصل) كذلك (عشرة دراهم) هذا هو المنقول عن عمر رضي الله عنه، فإنه بعث عثمان بن حنيف رضي الله عنه حتى مسح سواد العراق، وجعل حذيفة عليه مشرفاً، فبلغ ستا وثلاثين ألف ألف جريب، ووضع ذلك على ما قلنا، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم من غير نكير؛ فكان ذلك إجماعا منهم، ولأن المؤن متفاوتة، والكرم أخفها مؤنة والمزارع أكثرها مؤنة؛ ولرطاب بينهما؛ والوظيفة تتفاوت بتفاوتها؛ فجعل الواجب في الكرم أعلاها، وفي الزرع أدناها، وفي الرطبة أوساطها؛ هداية. قيد بالاتصال لأنها إذا كانت متفرقة بجوانب الأرض ووسطها مزروع لا شيء فيها، وكذا لو غرس أشجاراً غير مثمرة كما في البحر (وما سوى ذلك من) بقية (الأصناف) مما ليس فيه توظيف الإمام عمر رضي الله عنه كالبستان - وهو كل أرض يحوطها حائط، وفيها أشجار متفرقة يمكن الزرع تحتها - فلو ملتفة، أي: متصلة لا يمكن زراعة أرضها، فهو كرم كما في الدر (يوضع عليها بحسب الطاقة) ؛ لأن الإمام رضي الله تعالى عنه إنما اعتبر فيما وظف الطاقة، فنعتبرها فيما لا توظيف فيه، وغاية الطاقة نصف الخارج، لأن التنصيف عين الإنصاف؛ فلا يزاد عليه وإن أطاقت، وتمامه في الكافي (فإن لم تطق ما وضع عليها) بأن لم يبلغ الخارج ضعف الخراج (نقصهم الإمام) إلى قدر الطاقة وجوباً، وينبغي أن لا يزاد على النصف، ولا ينقص عن الخمس، كما في الدر عن الحدادي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 وإن غلب الماء على أرض الخراج أو انقطع عنها أو اصطلم الزرع آفةٌ فلا خراج عليهم، وإن عطلها صاحبها فعليه الخراج. ومن أسلم من أهل الخراج أخذ منه الخراج على حاله. ويجوز أن شتري المسلم أرض الخراج من الذمي، ويؤخذ منه الخراج،   (وإن غلب الماء على أرض الخراج) حتى منع زراعتها (أو انقطع) الماء (عنها، أو اصطلم) أي استأصل (الزرع آفة) سماوية لا يمكن الاحتراز عنها كغرق وحرق وشدة برد (فلا خراج عليهم) لقوات التمكن من الزراعة، وهو النماء التقديري المعتبر في الخراج، حتى لو بقي من السنة ما يمكن الزرع فيه ثانياً وجب لوجود التمكن. قيدنا الآفة بالسماوية التي لا يمكن الاحتراز عنها لأنها إذا كانت غير سماوية ويمكن الاحتراز عنها كأكل القردة والسباع والأنعام لا يسقط، وقيد الاصطلام للزرع لأنه لو كان بعد الحصاد لا يسقط، وتمامه في البحر (وإن عطلها صاحبها) مع إمكان زراعتها (فعليه الخراج) لوجود التمكن، وهذا إذا كان الخراج موظفاً؛ أما إذا كان خراج مقاسمة فإنه لا يجب عليه شيء كما في الجوهرة عن الفوائد. (ومن أسلم من أهل الخراج، أخذ منه الخراج على حاله) ؛ لأن الأرض قد اتصفت بالخراج؛ فلا تتغير بتغير المسالك. (ويجوز أن يشتري المسلم أرض الخراج من الذمي) اعتبارا بسائر أملاكه (ويؤخذ منه) أي المسلم (الخراج) الذي عليها؛ لالتزامه ذلك دلالة، قال في الهداية: وقد صح أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم اشتروا أراضي الخراج، وكانوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 ولا عشر في الخارج من أرض الخراج. والجزية على ضربين: جزيةٌ توضع بالتراضي والصلح، فتقدر بحسب ما يقع عليه الاتفاق، وجزيةٌ يبتدئ الإمام وضعها إذا غلب على الكفار وأقرهم على أملاكهم، فيضع على الغني الظاهر الغنى في كل سنةٍ ثمانيةً وأربعين درهماً يأخذ منه في كل شهرٍ أربعة دراهم.   يؤدون خراجها؛ فدل ذلك على جواز الشراء وأخذ الخراج وأدائه للمسلم، من غير كراهة، اهـ. (ولا عشر في الخارج من أرض الخراج) ؛ لأن الخراج يجب في أرض فتحت عنوة وقهراً، والعشر في أرض أسلم أهلها طوعاً، والوصفان لا يجتمعان في أرض واحدة، وسبب الحقين واحد - وهو الأرض النامية - إلا أنه يعتبر في العشر تحقيقاً وفي الخراج تقديراً، ولهذا يضافان إلى الأرض، وتمامه في الهداية. (والجزية) بالكسر - وهي: اسم لما يؤخذ من أهل الذمة؛ لأنها تجزئ من القتل: أي تعصم، والجمع جزىً كلحية ولحىً (على ضربين) الضرب الأول (جزية توضع بالتراضي والصلح) قبل قهرهم والاستيلاء عليهم (فتقدر بحسب) أي بقدر (ما يقع عليه الاتفاق) ، لأن الموجب هو التراضي، فلا يجوز التعدي إلى غيره، تحرزاً عن الغدر بهم (و) الضرب الثاني (جزية يبتدئ الإمام وضعها إذا غلب) الإمام (على الكفار) واستولى عليهم (وأقرهم على أملاكهم) لما مر أنه مخير في عقارهم (فيضع على الغني الظاهر الغنى) وهو من يملك عشرة آلاف درهم فصاعدا (في كل سنة ثمانية وأربعين درهما) منجمة على الأشهر (يأخذ في كل شهر أربعة دراهم) وهذا لأجل التسهيل عليه، لا بيان للوجوب، لأنه بأول الحول كما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 وعلى المتوسط الحال أربعةً وعشرين درهماً في كل شهرٍ درهمين، وعلى الفقير المعتمل اثني عشر درهماً في كل شهرٍ درهماً. وتوضع الجزية على أهل الكتاب والمجوس وعبدة الأوثان من العجم، ولا توضع على عبدة الأوثان من العرب ولا على المرتدين،   في البحر عن الهداية (و) يضع (على المتوسط الحال) وهو من يملك مائتي درهم فصاعدا (أربعة وعشرين درهما) منجمة أيضا (في كل درهمين، و) يضع (على الفقير) وهو من يملك ما دون المائتين، أو لا يملك شيئاً (المعتمل اثني عشر درهما) منجمة أيضاً (في كل شهر درهما) قال في البحر: وظاهر كلامهم أن حد الغنى والتوسط والفقر لم يذكر في ظاهر الرواية، ولذا اختلف المشايخ فيه، وأحسن الأقوال ما اختاره في شرح الطحاوي، ثم ذكر عبارته بمثل ما ذكرناه. (وتوضع الجزية على أهل الكتاب) شامل اليهودي والنصراني، ويدخل في اليهود السامرية؛ لأنهم يدينون بشريعة موسى عليه الصلاة والسلام، إلا أنهم يخالفونهم في فروع، ويدخل في النصارى الفرنج والأرمن، وفي الخانية: وتؤخذ الجزية من الصابئة عند أبي حنيفة، خلافاً لهما، بحر (والمجوس) ولو من العرب لوضعه صلى الله عليه وسلم على مجوس هجر، والمجوس: جمع مجوسي، وهو من يعبد النار (وعبدة الأوثان) جمع وثن وهو الصنم، إذا كانوا (من العجم) لجواز استرقاقهم، فجاز ضرب الجزية عليهم. (ولا توضع على عبدة الأوثان من العرب) ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نشأ بين أظهرهم؛ ونزل القرآن بلغتهم، فكانت المعجزة أظهر في حقهم فلم يعذروا في كفرهم (ولا) على (المرتدين) ، لكفرهم بعد الهداية للإسلام فلا يقبل منهما إلا الإسلام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 ولا جزية على امرأةٍ، ولا صبيٍ، ولا زمنٍ، ولا أعمى، ولا فقيرٍ غير معتملٍ، ولا الرهبان الذين لا يخالطون الناس.   أو الحسام، وإذا ظهرنا عليهم فنساؤهم وذراريهم فئ؛ لأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه استرق نسوان بني حنيفة وصبيانهم لما ارتدوا وقسمهم بين الغانمين، هداية. (ولا جزية على امرأة ولا صبي) ولا مجنون ولا معتوه (ولا زمن، ولا أعمى) ولا مفلوج ولا شيخ كبير؛ لأنها وجبت بدلا عن القتال، وهم لا يقتلون ولا يقاتلون لعدم الأهلية (ولا فقير غير معتمل) أي مكتسب ولو بالسؤال، لعدم الطاقة، فلو قدر على ذلك وضع عليه، قهستاني (ولا على الرهبان الذين لا يخالطون الناس) ؛ لأنهم إذا لم يخالطوا الناس لا قتل عليهم، والأصل في ذلك: أن الجزية لإسقاط القتل، فمن لا يجب عليه القتل لا توضع عليه الجزية، وتمامه في الاختيار (قال في الاختيار: "ولا جزية على الرهبان المنعزلين، ولا على فقير غير معتمل، والمراد الرهبان الذين لا يقدرون على العمل والسياحين ونحوهم. أما إذا كانوا يقدرون على العمل فيجب عليهم وإن اعتزلوا وتركوا العمل؛ لأنهم يقدرون على العمل فصاروا كالمعتملين إذا تركوا العمل، فتؤخذ منهم الجزية، ونظيره تعطيل أرض الخراج" اهـ.) ، ولا توضع على المملوك، ولا المكاتب، ولا المدبر، ولا أم الولد، لعدم الملك، ولا يؤدى عنهم مواليهم، لتحملهم الزيادة بسببهم. والعبرة في الأهلية وعدمها وقت وضع الإمام، فمن أفاق أو أعتق أو بلغ أو برأ بعد وضع الإمام لم توضع عليه حتى تمضي تلك السنة، كما في الاختيار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 ومن أسلم وعليه جزيةٌ سقطت عنه، وإن اجتمع حولان تداخلت الجزية. ولا يجوز إحداث بيعةٍ ولا كنيسةٍ في دار الإسلام، وإذا انهدمت الكنائس   (قال: "ولو أدرك الصبي أو أفاق المجنون أو عتق العبد أو برأ المريض قبل وضع الإمام الجزية وضع عليهم، ولو بعد وضع الجزية لا توضع عليهم، لأن المعتبر أهليتهم عند الوضع لأن الإمام يحرج (يناله الحرج) في تعرف حالهم في كل وقت، ولم يكونوا أهلا وقت الوضع، بخلاف الفقير إذا أيسر بعد الوضع حيث يوضع عليه، لأن الفقير أهل الجزية، وإنما سقطت عنه للعجز وقد زال" اهـ.) . (ومن أسلم وعليه جزية) ولو بعد تمام الحول (سقطت عنه) ؛ لأنها تجب على وجه العقوبة فتسقط بالإسلام كالقتل، وكذا إذا مات؛ لأن شرع العقوبة في الدنيا لا يكون إلا لدفع الشر، وقد اندفع بالموت، وتمامه في الهداية (وإن اجتمع عليه) أي الذمي (حولان) فأكثر (تداخلت الجزية) ؛ لأنها عقوبة، والعقوبات إذا اجتمعت تداخلت كالحدود (تداخل الجزية - بحيث إذا اجتمع على من وجبت عليه جزية سنتين لم تؤخذ إلا لسنة واحدة - وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف ومحمد: تجب لجميع ما مضى، لأن مضي المدة لا تأثير له في إسقاط الواجب كالديون، ولأبي حنيفة ما أشار إليه الشارح، وحاصله أن الجزية عقوبة على الكفر، والأصل في العقوبات التداخل كالحدود، وأيضا فإنما شرعت الجزية لزجر الكفار، ولا يتصور الزجر عن الزمن الماضي. وقيل: خراج الأرض على هذا الخلاف، هداية.) ، (ولا يجوز إحداث بيعة) بكسر الباء (ولا كنيسة) ولا صومعة، ولا بيت نار ولا مقبرة (في دار الإسلام) قال في النهاية: يقال كنيسة اليهود والنصارى لمتعبدهم وكذلك البيعة كان مطلقاً في الأصل، ثم غلب استعمال الكنيسة لمتعبد اليهود، والبيعة لمتعبد النصارى، اهـ قال في الفتح: وفي ديار مصر لا يستعمل لفظ البيعة، بل الكنيسة لمتعبد الفريقين، ولفظ الدير للنصارى خاصة، اهـ. ومثله في الديار الشامية، ثم إطلاق دار الإسلام يشمل الأمصار والقرى، وهو المختار كما في الفتح (وإذا انهدمت الكنائس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 والبيع القديمة أعادوها. ويؤخذ أهل الذمة بالتميز عن المسلمين في زيهم ومراكبهم وسروجهم وقلانسهم، ولا يركبون الخيل، ولا يحملون السلاح. ومن امتنع من أداء الجزية، أو قتل مسلماً، أو سب النبي عليه الصلاة والسلام.   والبيع القديمة أعادوها) حكم ما كانت، من غير زيادة على البناء الأول، ولا يعدل عن النقض الأول إن كفى، وتمامه في شرح الوهبانية؛ لأن الأبنية لا تبقى دائماً، ولما أقرهم الإمام فقد عهد إليهم الإعادة، إلا أنهم لا يمكنون من نقلها، لأنها إحداث في الحقيقة، هداية. (ويؤخذ أهل الذمة) : أي يكلفون ويلزمون (بالتميز عن المسلمين في زيهم) بكسر أوله - لباسهم وهيآتهم (ومراكبها وسروجهم وقلانسهم) ولا يهانون ولا يبدءون بالسلام، ويضيق عليهم الطريق؛ فلو لم يكن له علامة مميزة فلعله يعامل معاملة المسلمين، وذلك لا يجوز (ولا يركبون الخيل، ولا يحملون) وفي بعض النسخ يتجملون (السلاح) أي لا يمكنون من ذلك، لأن في ذلك توسعة عليهم وتقوية لشوكتهم، وهو خلاف اللازم عليهم، ويمنعون من لبس العمائم وزنار الإبريسم والثياب الفاخرة والمختصة بأهل العلم والشرف، ويظهرون الكستيجات - بضم الكاف - جمع كستيج، فارسي معرب: الزنار من صوف أو شعر، بحيث يكون في غلظ أصبع فوق الثياب، ويجب أن تميز نساؤهم عن نسائنا في الطرقات والحمامات، ويجعل على دورهم علامات، وتمامه في الأشباه في أحكام الذمي. (ومن امتنع) من أهل الذمة (من أداء الجزية، أو قتل مسلماً) أو فتنة عن دينه أو قطع الطريق (أو سب النبي صلى الله عليه وسلم) أو القرآن، أو دين الإسلام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 أو زنى بمسلمةٍ لم ينقض عهده، ولا ينتقض العهد إلا بأن يلحق بدار الحرب، أو يغلبوا على موضعٍ فيحاربونا. وإذا ارتد المسلم عن الإسلام عرض عليه الإسلام، فإن كانت له شبهةٌ كشفت له، ويحبس ثلاثة أيامٍ، فإن أسلم.   (أو زنى بمسلمة لم ينقض عهده) ؛ لأن كفره المقارن لم يمنع العهد، فالطارئ لا يرفعه؛ فتؤخذ منه الجزية جبراً إذا امتنع من أداء الجزية، ويستوفي منه القصاص إذا قتل، ويقام عليه الحد إذا زنى، ويؤدب ويعاقب على السبل، حاوي وغيره. واختار بعض المتأخرين قتله، وتبعه ابن الهمام، وأفتى به الخير الرملي، قال في الدر: ورأيت في معروضات المفتي أبي السعود أنه ورد أمر سلطاني بالعمل بقول أئمتنا القائلين بقتله إن ظهر أنه معتاده، وبه أفتى، وتمامه فيه (ولا ينتقض العهد) أي: عهد أهل الذمة (إلا بأن يلحق) أحدهم (بدار الحرب، أو يغلبوا على موضع فيحاربونا) لأنهم صاروا حرباً علينا فيعرى عقد الذمة عن الإفادة، وهو دفع شر الحراب؛ فينقض عهدهم، ويصيرون كالمرتدين، إلا أنه أسر واحد منهم يسترق، والمرتد يقتل، ولا يجبر على قبول الذمة، والمرتد يجبر على الإسلام. ولما أنهى الكلام على الذمي أخذ في بيان أحكام المرتد، وهو الراجع عن الإسلام، فقال: (وإذا ارتد المسلم عن الإسلام) والعياذ بالله تعالى (عرض عليه الإسلام) استحبابا على المذهب؛ لبلوغه الدعوة، در (فإن كانت له شبهة كشفت له) بيان لثمرة العرض؛ إذ الظاهر أنه لا يرتد إلا من له شبهة، (ويحبس ثلاثة أيام) ندبا، وقيل: إن استمهل وجوبا، وإلا ندبا، ويعرض عليه الإسلام في كل يوم (فإن أسلم) فيها، وكذا لو ارتد ثانيا، لكنه يضرب، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 وإلا قتل، فإن قتله قاتلٌ قبل عرض الإسلام عليه كره له ذلك، ولا شيء على القاتل، فأما المرأة إذا ارتدت فلا تقتل، ولكن تحبس حتى تسلم. ويزول ملك المرتد عن أمواله بردته زوالاً مراعىً.   فإن عاد يضرب ويحبس حتى تظهر عليه التوبة، فإن عاد فكذلك، تتارخانية، قال في الهداية: وكيفية توبته أن يتبرأ عن الأديان كلها سوى الإسلام، ولو تبرأ عما انتقل إليه كفاه؛ لحصول المقصود، اهـ (وإلا) أي: وإن لم يسلم (قتل) لحديث: (من ترك دينه فاقتلوه) (فإن قتله قاتل قبل عرض الإسلام عليه كره له ذلك) تنزيهاً أو تحريما على ما مر من حكم العرض (ولا شيء على القاتل) ؛ لقتله مباح الدم. (وأما المرأة إذا ارتدت فلا تقتل) ؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء، من غير تفرقة بين الكافرة الأصلية والمرتدة (ولكن تحبس حتى تسلم) لإمتناعها عن إيفاء حق الله تعالى بعد الإقرار، فتجبر على الإيفاء بالحبس كما في حقوق العباد، هداية. (ويزول ملك المرتد عن أمواله بردته) ؛ لزوال عصمة دمه، فكذا عصمة ماله. قال جمال الإسلام: وهذا قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يزول، والصحيح قول الإمام، وعليه مشى الإمام البرهاني، والنسفي، وغيرهما، تصحيح. وإنما يزول ملكه عند أبي حنيفة (زوالا مراعى) أي موقوفا إلى أن يتبين حاله؛ لأن حاله متردد بين أن يسلم فيعود إلى العصمة. وبين أن يثبت على ردته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 فإن أسلم عادت على حالها، وإن مات أو قتل على ردته انتقل ما كان اكتسبه في حال الإسلام إلى ورثته المسلمين، وكان ما اكتسبه في حال ردته فيئاً، فإن لحق بدار الحرب مرتداً وحكم الحاكم بلحاقه عتق مدبروه وأمهات أولاده وحلت الديون التي عليه، ونقل ما اكتسبه في حال الإسلام إلى ورثته المسلمين،   فيقتل (فإن أسلم عادت) حرمة أمواله (على حالها) السابق، وصار كأنه لم يرتد (وإن مات، أو قتل على ردته) أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه (انتقل ما كان اكتسبه في حال إسلامه إلى ورثته المسلمين) ؛ لوجوده قبل الردة، فيستند الإرث إلى آخر جزء من أجزاء إسلامه؛ لأن ردته بمنزلة موته، فيكون توريث المسلم من المسلم (وكان ما اكتسبه في حال ردته فيئا) للمسلمين، فيوضع في بيت المال؛ لأن كسبه حال ردته كسب مباح الدم ليس فيه حق لأحد، فكان فيئا كمال الحربي. قال الزاهدي: وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: كلاهما لورثته، والصحيح قول الإمام، واختار قوله البرهاني، والنسفي، وصدر الشريعة، تصحيح. (وإن لحق بدار الإسلام مرتدا وحكم الحاكم بلحاقه عتق مدبروه) من ثلث ماله (وأمهات أولاده) من كل ماله، وأما مكاتبه فيؤدي مال الكتابة إلى ورثته ويكون ولاؤه للمرتد، كما يكون للميت، جوهرة (وحلت الديون التي عليه ونقل ما) كان (اكتسبه في حال الإسلام إلى ورثته المسلمين) ، لأنه باللحاق صار من أهل الحرب، وهم أموات في حق أحكام المسلمين؛ لانقطاع ولاية الإلزام، كما هي منقطعة عن الموتى، فصار كالموت، إلا أنه لا يستقر لحاقه إلا بقضاء القاضي لاحتمال العود إلينا، فلابد من القضاء، وإذا تقرر موته ثبتت الأحكام المتعلقة به، وهي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 وتقضى الديون التي لزمته في حال الإسلام مما اكتسبه في حال الإسلام، وما لزمه من الديون في حال ردته مما اكتسبه في حال ردته، وما باعه أو اشتراه أو تصرف فيه من أمواله في حال ردته موقوف: فإن أسلم صحت عقوده، وإن مات أو قتل أو لحق بدار الحرب بطلت   ما ذكرناها في الموت الحقيقي، ثم يعتبر كونه وارثا عند لحاقه في قول محمد، لأن اللحاق هو السبب، والقضاء لتقرره يقطع الاحتمال، وقال أبو يوسف: وقت القضاء؛ لأنه يصير موتا بالقضاء، والمرتدة إذا لحقت بدار الحرب فهي على هذا، هداية. (وتقضى الديون التي لزمته في حال الإسلام مما اكتسبه في حال الإسلام، وما لزمه من الديون في حال ردته) يقضى (مما اكتسبه في حال ردته) قال في الجوهرة: وهذه رواية عن أبي حنيفة، وهي قول زفر، وعن أبي حنيفة: أن ديونه كلها فيما اكتسبه في حال الردة خاصة، فإن لم يف به كان الباقي فيما اكتسبه في حال الإسلام، لأن كسب الإسلام حق الورثة، وكسب الردة خالص حقه، فكان قضاء الدين منه أولى، إلا إذا تعذر، بأن يف به، فحينئذ تقضي من كسب الإسلام، تقديماً لحقه، هداية. (وما باعه) المرتد (أو اشتراه) أو أعتقه أو رهنه (أو تصرف فيه من أمواله في حال ردته) فهو (موقوف) إلى أن يتبين حاله (فإن أسلم صحت عقوده) ، لما مر أنه يصير كأنه لم يرتد (وإن مات أو قتل) على ردته (أو لحق بدار الحرب) وحكم بلحقاقه (بطلت) عقوده كلها، لأن بطلان عصمته أوجب خللاً في الأهلية، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: يجوز ما صنع في الوجهين، لوجود الأهلية، لكونه مخاطباً، والملك لقيامه قبل موته، والصحيح قول الإمام كما سبق، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 وإن عاد المرتد بعد الحكم بلحاقه إلى دار الإسلام مسلماً، فما وجده في يد ورثته من ماله بعينه أخذه. والمرتدة إذا تصرفت في مالها في حال ردتها جاز تصرفها. ونصارى بني تغلب يؤخذ من أموالهم ضعف ما يؤخذ من المسلمين من الزكاة،   قال في الهداية: واعلم أن تصرفات المرتد على أقسام؛ نافذ بالاتفاق كالاستيلاد والطلاق؛ لأنه لا يفتقر إلى حقيقة الملك وتمام الولاية؛ وباطل بالاتفاق كالنكاح والذبيحة؛ لأنه يعتمد الملة ولا ملة له، وموقوف بالاتفاق كالمفاوضة؛ لأنها تعتمد المساواة ولا مساواة بين المسلم والمرتد ما لم يسلم؛ ومختلف في توقفه، وهو ما عددناه. اهـ. (وإن عاد المرتد بعد أن حكم بلحاقه إلى دار الإسلام مسلماً فما وجده في يد ورثته) أو في بيت المال (من ماله بعينه أخذه) لأن الوارث أو بيت المال إنما يخلفه لاستغنائه؛ فإذا عاد مسلماً احتاج إليه، فيقدم عليه لأنه ملك عليه بغير عوض، فصار كالهبة قيد بما بعد الحكم لأنه إذا عاد قبله فكأنه لم يرتد كما مر، وبالمال لأن أمهات أولاده ومدبريه لا يعودون إلى الرق، وبوجوده بعينه لأن الوارث إذا أزاله عن ملكه لا يرجع عليه؛ لأن القضاء قد صح بدليل مصحح فلا ينقض كما في الهداية. (والمرتدة إذا تصرفت في مالها في حال ردتها جاز تصرفها) ؛ لأن ردتها لا تزيل عصمتها في حق الدم، ففي حق المال بالأولى. (ونصارى بني تغلب) بن وائل، من العرب من ربيعة، تنصروا في الجاهلية وصاروا ذمة للمسلمين (يؤخذ من أموالهم ضعف ما يؤخذ من المسلمين من الزكاة) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 ويؤخذ من نسائهم، ولا يؤخذ من صبيانهم. وما جباه الإمام من الخراج ومن أموال بني تغلب وما أهداه أهل الحرب إلى الإمام والجزية تصرف في مصالح المسلمين: فتسد منها الثغور، وتبنى القناطر والجسور، ويعطى قضاة المسلمين وعمالهم وعلماؤهم منه ما يكفيهم، ويدفع منه أرزاق المقاتلة وذراريهم.   لأن الصلح وقع كذلك (ويؤخذ من نسائهم، ولا يؤخذ من صبيانهم) ؛ لأن الصلح على الصدقة المضاعفة، والصدقة تجب عليهن دون الصبيان؛ فكذا المضاعف. (وما جباه الإمام من الخراج ومن أموال بني تغلب) لأنه جزية (وما أهداه أهل الحرب إلى الإمام، والجزية) وما أخذ منهم من غير حرب، ومنه تركة ذمي (تصرف في مصالح المسلمين) العامة (فتسد منها الثغور) جمع ثغر - كفلس - وهو موضع المخافة من فروج البلدان، صحاح (وتبنى) منها (القناطر) جمع قنطرة: ما يعبر عليها النهر ولا ترفع (والجسور) جمع جسر - بكسر الجيم وفتحها - ما يعبر عليه ويرفع كما في البحر عن العناية (ويعطى قضاة المسلمين وعمالهم) كمفت، ومحتسب ومرابط (وعلماؤهم منه ما يكفيهم) وذراريهم (ويدفع منه) أيضا (أرزاق المقاتلة وذراريهم) ؛ لأن هذه الأموال حصلت بقوة المسلمين من غير قتال؛ فكانت لهم معدة لمصالحهم العامة، وهؤلاء عملتهم، ونفقة الذراري على الآباء، فلو لم يعطوا كفايتهم لاحتاجوا إلى الاكتساب؛ فلا يتفرغون لتلك الأعمال. ولما أنهى الكلام عن أحكام المرتدين أخذ في الكلام على أحكام البغاة. والبغاة: جمع باغ، من بغى على الناس، ظلم واعتدى، وفي عرف الفقهاء: الخارج عن طاعة الإمام الحق بغير حق، كما في التنوير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 باب البغاة. - وإذا تغلب قومٌ من المسلمين على بلدٍ وخرجوا عن طاعة الإمام دعاهم إلى العود إلى الجماعة، وكشف عن شبهتهم، ولا يبدؤهم بالقتال حتى يبدءوه، فإن بدءوا قاتلهم حتى يفرق جمعهم.   باب البغاة (وإذا تغلب قوم من المسلمين على بلد) قيد بالمسلمين لأن أهل الذمة إذا غلبوا على موضع للحراب صاروا أهل حرب كما مر (وخرجوا عن طاعة الإمام) أو طاعة نائبه، قال في الخانية من السير: قال علماؤنا: السلطان يصير سلطاناً بأمرين: بالمبايعة معه ويعتبر في المبايعة مبايعة أشرافهم وأعيانهم، والثاني: أن ينفذ حكمه في رعيته خوفا من قهره وجبروته، فإن بايع الناس ولم ينفذ حكمه فيهم لعجزه عن قهرهم لا يصير سلطاناً فإن صار سلطاناً بالمبايعة فجار: إن كان له قهر وغلبة لا ينعزل: لأنه لو انعزل يصير سلطانا بالقهر والغلبة فلا يفيد، وإن لم يكن له قهر وغلبة ينعزل. اهـ (دعاهم) أي الإمام أو نائبه استحباباً (إلى العود إلى الجماعة) والطاعة (وكشف عن شبهتهم) وإن أبدوا شبهة، لعل الشر يندفع به (ولا يبدؤهم بقتال حتى يبدءوه) إبلاء للعذر، وإقامة للحجة عليهم، ولذا بعث علي رضي الله عنه إلى أهل حروراء من يناظرهم قبل القتال (فإن بدءوا) بالقتال (قاتلهم حتى يفرق جمعهم) قال في الهداية: هكذا ذكر القدوري في مختصره، وذكر الإمام المعروف بخواهر زاده أن عندنا يجوز أن يبدأ بقتالهم إذا تعسكروا واجتمعوا لأن الحكم يدار مع الدليل وهو الاجتماع والامتناع، وهذا لأنه لو انتظر الإمام حقيقة قتالهم ربما لا يمكنه الدفع؛ فيدار على الدليل ضرورة دفع شرهم، وإذا بلغه أنهم يشترون السلاح ويتهيئون للقتال ينبغي أن يأخذهم ويحبسهم حتى يقلعوا عن ذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 فإن كانت لهم فئةٌ أجهز على جريحهم واتبع موليهم، وإن لم يكن لهم فئةٌ لم يجهز على جريحهم ولم يتبع موليهم، ولا تسبى لهم ذريةٌ، ولا يغنم لهم مالٌ. ولا بأس أن يقاتلوا بسلاحهم إن احتاج المسلمون إليه، ويحبس الإمام أموالهم، ولا يردها عليهم، ولا يقسمها حتى يتوبوا فيردها.   ويحدثوا توبة؛ دفعاً للشر بقدر الإمكان، والمروى عن أبي حنيفة من لزوم محمول على حال عدم الإمام، أما إعانة الإمام الحق فمن الواجب عند الغناء والقدرة، اهـ (فإن كانت) البغاة (لهم فئة) أي طائفة يلتحقون بها أو حصن يلتجئون إليه (أجهز على جريحهم) أي: تمم قتله، قال في الصحاح: أجهزت على الجريح، إذا أسرعت قتله وقد تممت عليه (واتبع موليهم) أي: هاربهم، دفعا لشرهم كيلا يلحقا بهم أي بفئتهم أو يلتجئا إلى حصنهم (وإن لم يكن لهم فئة) ولا حصن (لم يجهز على جريحهم ولم يتبع موليهم) ، لأن المقصود تفريق جمعهم وتبديد شملهم وقد حصل، فلا داعي لقتلهم. وفيه إشعار بأنه لو أسر أحد منهم لم يقتله إن لم يكن له فئة، وإلا قتله كما في المحيط، قهستاني (ولا تسبى لهم ذرية) ولا نساء (ولا يقسم لهم مال) لأنهم مسلمون والإسلام يعصم النفس والمال (ولا بأس أن يقاتلوا) بالبناء المجهول - أي البغاة (بسلاحهم) ويرتفق بكراعهم (إن احتاج المسلمون) أي المطيعون (إليه) لأن للإمام أن يفعل ذلك في مال العادل عند الحاجة، ففي مال الباغي "أولى (ويحبس الإمام أموالهم) دفعاً لشرهم باستعانتهم به على القتال، إلا أنه يبيع الكراع لأن حبس الثمن أنظر وأيسر، هداية (ولا يردها عليهم، ولا يقسمها) بين الغانمين، لما مر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 وما جباه أهل البغي من البلاد التي غلبوا عليها من الخراج والعشر لم يأخذه الإمام ثانياً، فإن كانوا صرفوه في حقه أجزأ من أخذ منه، وإن لم يكونوا صرفوه في حقه أفتى أهله فيما بيهم وبين الله تعالى أن يعيدوا ذلك. كتاب الحظر والإباحة.   أن أموالهم لا تغنم، ولكنها تحبس (حتى يتوبوا فيردها عليهم) لزوال بغيهم. (وما جباه أهل البغي من البلاد التي غلبوا عليها من الخراج والعشر لم يأخذه الإمام ثانياً) ، لأن ولاية الأخذ له باعتبار الحماية، ولم يحمهم (فإن كانوا) أي البغاة (صرفوه في حقه أجزأ من أخذ منه) لوصول الحق إلى مستحقه (وإن لم يكونوا صرفوه في حقه أفتى أهله) وفي بعض النسخ "فعلى أهله" (فيما بينهم وبين الله تعالى أن يعيدوا ذلك) ، لأنه لم يصل إلى مستحقه، قال في الهداية: قالوا: لا إعادة عليهم في الخراج؛ لأنهم مقاتلة فكانوا مصارف، وإن كانوا أغنياء، وفي العشر إن كانوا فقراء كذلك؛ لأنه حق الفقراء، وقد بيناه في الزكاة، وفي المستقبل يأخذه الإمام لأنه يحميهم فيه؛ لظهور ولايته، اهـ. كتاب الحظر والإباحة أخره عن العبادات والمعاملات لأن له مناسبة بالجميع؛ فيكون بمنزلة الاستدراك لما فاتها: وعنون له في الهداية وغيرها بالكراهة والاستحسان. والحظر لغة: المنع والحبس، وشرعا: ما منع من استعماله شرعا، والإباحة: ضد الحظر، والمباح: ما أجيز للمكلفين فعله وتركه، بلا استحقاق ثواب ولا عقاب. نعم يحاسب عليه حسابا يسيرا، اختيار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 - لا يحل للرجال لبس الحرير، ويحل للنساء، ولا بأس بتوسده عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يكره توسده. ولا بأس بلبس الديباج في الحرب عندهما، ويكره عند أبي حنيفة.   (لا يحل للرجال لبس الحرير) ولو بحائل بينه وبين بدنه، على المذهب، وعن الإمام إنما يحرم إذا مس الجلد، قال في القنية: وهي رخصة عظيمة في موضع عمت به البلوى، اهـ. إلا إذا كان قدر أربع أصابع كما في القنية وغيرها، وفيها: عمامة طرزها قدر أربع أصابع من إبريسم من أصابع عمر رضي الله تعالى عنه، وذلك قيس بشبرنا يرخص فيه، اهـ. وكذا الثوب المنسوج بذهب يحل إذا كان هذا المقدار، وإلا لا كما في الزيلعي وغيره (ويحل) أي الحرير (للنساء) لحديث "إن هذين" مشيراً لما في يديه، وكان في إحداهما ذهب والأخرى حرير "حرام على ذكور أمتي حل لإناثها" (ولا بأس بتوسده) أي: جعله وسادة، وهي المخدة، وكذا افتراشه والنوم عليه (عند أبي حنيفة) ؛ لأن ذلك استخفاف به فصار كالتصاوير على البساط فإنه يجوز الجلوس عليه ولا يجوز لبس التصاوير، اختيار (وقالا: يكره توسده) وافتراشه ونحو ذلك، لعموم النهي، ولأنه زي من لا خلاق له من الأعاجم، قال في الهداية: وفي الجامع الصغير: ذكر قول محمد وحده، ولم يذكر قول أبي يوسف، وإنما ذكره القدوري وغيره من المشايخ، وكذا الاختلاف في ستر الحرير وتعليقه على الأبواب، اهـ. واختار قول الإمام البرهاني والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم، تصحيح (ولا بأس بلبس الديباج) وهو ما سداه ولحمته إبرسيم، مصباح (في الحرب عندهما) لأن الحاجة ماسة إليه، فإنه يرد الحديد بقوته، ويكون رعباً في قلوب الأعداء؛ لكونه أهيب في أعينهم ببريقه ولمعانه، كافي (ويكره) لبسه (عند أبي حنيفة) لعموم النهي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 ولا بأس بلبس الملحم إذا كان سداه إبرسيما ولحمته قطناً أو خزاً. ولا يجوز للرجال التحلي بالذهب والفضة، إلا الخاتم والمنطقة، وحلية السيف من الفضة، ويجوز للنساء التحلي بالذهب والفضة. ويكره أن يلبس الصبي الذهب والحرير.   والضرورة تندفع بالمخلوط، واعتمد قوله المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح (ولا بأس بلبس الملحم) بغير إبريسم، في الحرب وغيره (إذا كان سداه إبريسما و) كانت (لحمته قطناً أو خزا) أو كتاناً أو نحوه؛ لأن الثوب إنما يصير ثوباً بالنسج، والنسج باللحمة، فكانت هي المعتبرة دون السدى، وأما إذا كانت لحمته حريراً وسداه غيره لا يحل لبسه في غير الحرب، ولا بأس به في الحرب إجماعا، كما ذكره الخجندس. (ولا يجوز للرجال التحلي) أي: التزين (بالذهب والفضة) مطلقاً (إلا الخاتم) بقدر مثقال فما دونه، وقيل: لا يبلغ المثقال كما في الجوهرة (والمنطقة) قال في القاموس: منطقة كمكنسة: ما ينتطق به الرجل، وشد وسطه بمنطقة، اهـ. (وحلية السيف) بشرط أن لا يضع يده على موضع الفضة إذا كان كل واحد منهما (من الفضة) ؛ لما جاء من الآثار في إباحة ذلك، كما في الهداية (ويجوز للنساء التحلي بالذهب والفضة) مطلقا، وإنما قيد بالتحلي لأنهن في استعمال آنية الذهب والفضة وأكل فيها والإدهان منها كالرجال كما يأتي. (ويكره) للولي (أن يلبس الصبي الذهب) والفضة (والحرير) ، لأن التحريم لما ثبت في حق الذكور وحرم اللبس حرم الإلباس كالخمر لما حرم شربه حرم سفيه، ولأنه يجب عليه أن يعود الصبي طريق الشريعة ليألفها كالصوم والصلاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 ولا يجوز الأكل، والشرب، والادهان، والتطيب في آنية الذهب والفضة للرجال والنساء. ولا بأس باستعمال آنية الزجاج والبلور والعقيق. ويجوز الشرب في الإناء المفضض عند أبي حنيفة، والركوب على السرج المفضض، والجلوس على السرير المفضض.   (ولا يجوز الأكل والشرب والأدهان والتطيب) وجميع أنواع الاستعمال (في آنية الذهب والفضة للرجال والنساء) ؛ لعموم النص، وكذا الأكل بملعقة ذهب وفضة، والاكتحال بميلهما، وما أشبه ذلك من الاستعمال، كمكحلة ومرآة وقلم ودواة ونحوها، يعني إذا استعملت ابتداء فيما صنعت له بحسب متعارف الناس، وإلا فلا كراهة، حتى لو نقل الطعام من إناء الذهب إلى موضع آخر أو صب الماء أو الدهن في كفه لا على رأسه ابتداء ثم استعمله لا بأس به، مجتبى وغيره. وهو ما حرره في الدرر فليحفظ، كذا في الدر. (ولا بأس باستعمال آنية الزجاج والبلور والعقيق) والياقوت والزبرجد ونحو ذلك؛ لأنها ليست في معنى الذهب والفضة. (ويجوز الشرب) والوضوء (في الإناء المفضض) المزين بالفضة (عند أبي حنيفة) (و) كذلك يجوز عنده (الركوب على السرج المفضض، والجلوس على السرير المفضض) قال في الهداية: إذا كان يتقي موضع الفضة، ومعناه يتقي موضع الفم، وقيل: هذا وموضع اليد في الأخذ، وفي السرير والسرج موضع الجلوس، وقال أبو يوسف: يكره ذلك، وقول محمد يروى مع أبي حنيفة ويروى مع أبي يوسف، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 ويكره التعشير في المصحف، والنقط. ولا بأس بتحلية المصحف، ونقش المسجد، وزخرفته بماء الذهب،   وعلى هذا الاختلاف الإناء المضبب بالذهب والفضة، والكرسي المضبب بهما، وكذا إذا جعل ذلك في السيف والمشحذ وحلقة المرآة أو جعل المصحف مذهباً أو مفضضاً، وكذا الاختلاف في اللجام والركاب والثفر إذا كان مفضضاً وكذا الثوب فيه كتابة بذهب أو فضة على هذا، وهذا الاختلاف فيما يخلص، فأما التمويه الذي لا يخلص فلا بأس به بالإجماع، واختار قول الإمام الأئمة المصححون كالمحبوبي والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم، تصحيح. (ويكره التعشير) : أي وضع علامات بين كل عشر آيات (في المصحف، و) كذا (النقط) أي إعجامه لإظهار إعرابه؛ لقول ابن مسعود رضي الله عنه: "جردوا القرآن" ويروى "جردوا المصحف" وفي التعشير والنقط ترك التجريد، ولأن التعشير يخل بحفظ الآي، والنقط بحفظ الإعراب اتكالا عليه، فيكره. قالوا: في زماننا لا بد للعجم من دلالته؛ فترك ذلك إخلال بالحفظ وهجران للقرآن، فيكون حسنا، هداية. قال في الدر: وعلى هذا لا بأس بكتابة أسامي السور وعد الآي، وعلامات الوقف ونحوها؛ فهي بدعة حسنة، درر وقنية، اهـ. (ولا بأس يتحلية المصحف) لما فيه من تعظيمه (ونقش المسجد) وتزيينه (وزخرفته بماء الذهب) إذا كان المقصود بذلك تعظيمه، ويكره إذا كان بقصد الرياء، ويضمن إذا كان من مال المسجد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 ويكره استخدام الخصيان. ولا بأس بخصاء البهائم، وإنزاء الحمير على الخيل. ويجوز أن يقبل في الهدية والإذن قول الصبي والعبد، ويقبل في المعاملات قول الفاسق، ولا يقبل في أخبار الديانات إلا العدل.   (ويكره استخدام الخصيان) ؛ لأن الرغبة في استخدامهم تحمل على هذا الصنيع، وهو مثلة محرمة (ولا بأس بخصاء البهائم) ؛ لأنه يفعل للنفع؛ لأن الدابة تسمن ويطيب لحمها بذلك (وإنزاء الحمير على الخيل) ؛ لما صح أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب البغلة؛ فلو كان هذا الفعل حراما لما ركبه؛ لما فيه من فتح بابه، هداية. (ويجوز أن يقبل في الهدية والإذن) في التجارة (قول الصبي والعبد) لأن العادة جارية ببعث الهدايا على يد هؤلاء، وكذا لا يمكنهم استصحاب الشهود على الإذن معهم إذا سافروا أو جلسوا في السوق، فلو لم يقبل قولهم لأدى إلى الحرج وهذا إذا غلب على ظنه صدقهم، وإلا لم يسعه ذلك. وفي الجامع الصغير: إذا قالت جارية لرجل: بعثني مولاي إليك بهدية وسعه أن يأخذها، لأنه لا فرق ما بين ما إذا أخبرت بإهداء المولى غيرها أو نفسها لما قلنا، هداية. (ويقبل في المعاملات قول الفاسق) والكافر؛ لكثرة وجودها بين أجناس الناس، فلو شرطنا شرطا زائداً لأدى إلى الحرج، فيقبل قول الواحد فيها؛ عدلا كان أو فاسقا، كافراً أو مسلما، عبداً أو حراً، ذكراً أو أنثى، دفعا للحرج، هداية. (ولا يقبل في أخبار الديانات إلا العدل) ؛ لعدم كثرة وقوعها حسب وقوع المعاملات، فجاز أن يشترط فيها زيادة؛ فلا يقبل إلا قول المسلم العدل؛ لأن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 ولا يجوز أن ينظر الرجل من الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها، وإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجةٍ. ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها، ولشاهد إذا أراد الشهادة عليها، النظر إلى وجهها، وإن خاف أن يشتهي.   الفاسق متهم، والكافر لا يلتزم الحكم، فليس له أن يلزم المسلم، هداية] . (ولا يجوز) للرجل (أن ينظر من الأجنبية) الحرة (إلا إلى وجهها وكفيها) ضرورة احتياجها إلى المعاملة مع الرجال أخذاً وإعطاء وغير ذلك، وهذا تنصيص على أنه لا يباح النظر إلى قدمها، وعن أبي حنيفة أنه يباح، لأن فيه بعض الضرورة، وعن أبي يوسف أنه يباح النظر إلى ذراعها أيضاً؛ لأنه قد يبدو منها عادة، هداية، وهذا إذا كان يأمن الشهوة (فإن كان لا يأمن) على نفسه (الشهوة لم ينظر إلى وجهها إلا لحاجة) ضرورية، لقوله عليه الصلاة والسلام: "من نظر إلى محاسن امرأة أجنبية عن شهوة صب في عينيه الآنك (الآنك: الرصاص المذاب، وهو حينئذ شديد الحرارة) يوم القيامة"، هداية. قال في الدر: فحل النظر مقيد بعدم الشهوة، وإلا فحرام، وهذا في زمانهم، وأما في زماننا فمنع من الشابة، قهستاني وغيره، اهـ. (ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها) أي المرأة (وللشاهد إذا أراد الشهادة عليها النظر إلى وجهها، وإن خاف أن يشتهي) للحاجة إلى إحياء حقوق الناس بواسطة القضاء وأداء الشهادة، ولكن ينبغي أن يقصد به أداء الشهادة أو الحكم عليها، لا قضاء الشهوة، تحرزاً عما يمكنه التحرز عنه، وهو قصد القبيح، وأما النظر لتحمل الشهادة إذا اشتهى قيل: يباح، والأصح أنه لا يباح، لأنه يوجد من لا يشتهي فلا ضرورة، بخلاف حالة الأداء، هداية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 ويجوز للطبيب أن ينظر إلى موضع المرض منها. وينظر الرجل من الرجل إلى جميع بدنه، إلا ما بين سرته إلى ركبته. ويجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلى ما ينظر الرجل إليه منه، وتنظر المرأة من المرأة إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه من الرجل،   (ويجوز) أيضاً (للطبيب أن ينظر إلى موضع المرض منها) ، وينبغي أن يعلم امرأة مداواتها؛ لأن نظر الجنس إلى الجنس أسهل، فإن لم يقدر يستر كل موضع منها سوى موضع المرض، ثن ينظر ويغمض بصره ما استطاع، لأن ما ثبت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة، وصار كنظر الخافضة والختان؛ هداية. (وينظر الرجل من الرجل) ولو أمرد صبيح الوجه إذا أمن الشهوة (إلى جميع بدنه، إلا ما بين سرته إلى) منتهى (ركبته) فالسرة ليست بعورة، والركبة عورة، وإنما قيدنا النظر إلى الأمرد بما إذا أمن الشهوة لما في الهندية: والغلام إذا بلغ مبلغ الرجال ولم يكن صبيحا فحكمه حكم النساء، وهو عورة من قرنه إلى قدمه لا يحل النظر إليه عن شهوة، فأما الخلوة والنظر إليه لا عن شهوة فلا بأس به ولذا يؤمر بالنقاب كذا في الملتقط، اهـ. (ويجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلى ما ينظر الرجل إليه منه) أي من الرجل، إذا أمنت الشهوة، لاستواء الرجل والمرأة في النظر إلى ما ليس بعورة كالثياب والدواب. هداية. (وتنظر المرأة من المرأة إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه من الرجل) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 وينظر الرجل من أمته التي تحل له وزوجته إلى فرجها. وينظر الرجل من ذوات محارمه إلى الوجه، والرأس، والصدر، والساقين، والعضدين، ولا ينظر إلى ظهرها وبطنها. ولا بأس أن يمس ما جاز أن ينظر إليه.   لوجود المجانسة وانعدام الشهوة غالبا؛ كما في نظر الرجل إلى الرجل، وكذا الضرورة قد تحققت إلى الانكشاف فيما بينهن، هداية. (وينظر الرجل من أمته التي تحل له) للوطء (و) من (زوجته إلى فرجها) وهذا إطلاق في النظر إلى سائر بدنها، عن شهوة وعن غير شهوة، والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (غض بصرك إلا عن أمتك وامرأتك) ، ولأن ما فوق ذلك من المسيس والغشيان مباح، والنظر أولى، إلا أن الأولى أن لا ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه، وتمامه في الهداية. (وينظر الرجل من ذوات محارمه) وهن من لا يحل له نكاحهن أبدا بنسب أو بسبب (إلى الوجه، والرأس، والصدر، والساقين) وحد الساق من الركبة إلى القدم (والعضدين) أي الساعدين، وحد الساعد من المرفق إلى الكتف كما في الصحاح (ولا ينظر إلى ظهرها وبطنها) ؛ لأن الله تعالى حرم المرأة إذا شبهها بظهر الأم، فلولا أن النظر إليه حرام لما حرمت المرأة بالتشبيه به، وإذا حرم النظر إلى الظهر فالبطن أولى؛ لأنه أدعى للشهوة. (ولا بأس) للرجل (أن يمس) من الأعضاء (ما جاز) له (أن ينظر إليه منها) أي من الأعضاء، من ذكر أو أنثى، إذا أمن الشهوة على نفسه وعليها، وإن لم يأمن ذلك أو شك لم يحل له المس ولا النظر كما في المجتبى وغيره، وهذا في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 وينظر الرجل من مملوكة غيره إلى ما يجوز أن ينظر إليه من ذوات محارمه، ولا بأس بأن يمس ذلك إذا أراد الشراء، وإن خاف أن يشتهي. والخصي في النظر إلى الأجنبية كالفحل.   غير الأجنبية الشابة، أما هي فلا يحل مس وجهها وكفيها وإن أمن الشهوة؛ لعدم الضرورة، بخلاف النظر. وقيدنا بالشابة لأن العجوز التي لا تشتهى لا بأس بمصافحتها ومس يدها لانعدام خوف الفتنة، وتمامه في الهداية. (وينظر الرجل من مملوكة غيره) ولو مدبرة، أو مكاتبة، أو أم ولد (إلى ما يجوز) له (أن ينظر إليه من ذوات محارمه) ، لأنها تخرج لحوائج مولاها وتخدم أضيافه وهي في ثياب مهنتها، فكانت الضرورة داعية إليه، وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى جارية منقبة علاها بالدرة، وقال: ألق عنك الخمار يا دفار، أتتشبهين بالحرائر؟ وأما الخلوة بها والمسافرة، فقد قيل: تباح كما في المحارم، وقيل: لا تباح؛ لعدم الضرورة، وإليه مال الحاكم الشهيد. (ولا بأس) عليه (بأن يمس ذلك) الموضع الذي يجوز النظر إليه من الأمة (إذا أراد الشراء، وإن خاف أن يشتهي) قال في الهداية: كذا ذكر في المختصر، وأطلق أيضا في الجامع الصغير ولم يفصل، وقال مشايخنا: يباح النظر في هذه الحالة وإن اشتهى للضرورة، ولا يباح المس إذا اشتهى، أو كان أكبر رأيه ذلك؛ لأنه نوع استمتاع، وفي غير حالة الشراء يباح النظر والمس بشرط عدم الشهوة، اهـ. (والخصي) والمجبوب، والمخنث (في النظر إلى الأجنبية كالفحل) ؛ لأنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 ولا يجوز للمملوك أن ينظرمن سيدته إلا إلى ما يجوز للأجنبي أن ينظر إليه منها. ويعزل عن أمته بغير إذنها، ولا يعزل عن زوجته إلا بإذنها. ويكره الاحتكار في أقوات الآدميين والبهائم، إذا كان ذلك في بلدٍ يضر الاحتكار بأهله، ومن احتكر غلة ضيعته، أو ما جلبه من بلد آخر، فليس بمحتكرٍ.   ذكر ذو شهوة داخل تحت عموم النص، والطفل الصغير مستثنى بالنص. (ولا يجوز للمملوك أن ينظر من سيدته إلا إلى ما يجوز للأجنبي النظر إليه منها) لأنه فحل غير محرم ولا زوج، والشهوة متحققة لجواز النكاح في الجملة، والحاجة قاصرة؛ لأنه يعمل خارج البيت، والمراد بالنص الإماء. قال سعيد والحسن وغيرهما: لا تغرنكم سورة النور؛ لأنها في الإناث دون الذكور، هداية. (ويعزل) السيد (عن أمته بغير إذنها) لأنها لا حق لها في الوطء (ولا يعزل) الزوج (عن زوجته) الحرة (إلا بإذنها) ؛ لأن لها حقاً في الوطء، ولذا تخير في الجب والعنة. قيدنا بالحرة لأن الزوجة إذا كانت أمة فالإذن لمولاها عند أبي حنيفة ومحمد، خلافا لأبي يوسف. (ويكره الاحتكار) والتلقي (في أقوات الآدميين) كبر وشعير وتمر وتين وزبيب (والبهائم) كتبن وقش (إذا كان ذلك في بلد يضر الاحتكار) والتلقي (بأهله) لحديث "الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون" وإن لم يضر لم يكره (ومن احتكر غلة ضيعته أو ما جلبه من بلد آخر فليس بمحتكر) أما الأول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 ولا ينبغي للسلطان أن يسعر على الناس. ويكره بيع السلاح في أيام الفتنة، ولا بأس ببيع العصير ممن يعلم أنه يتخذه خمراً. كتاب الوصايا.   فلأنه خالص حقه لم يتعلق به حق العامة، ألا يرى أن له أن لا يزرع، فكذلك له ألا يبيع، وأما الثاني فالمذكور قول أبي حنيفة؛ لأن حق العامة إنما يتعلق بما جمع في المصر وجلب إلى فنائها، وقال أبو يوسف: يكره؛ لإطلاق ما روينا، وقال محمد: كل ما يجلب منه إلى المصر في الغالب فهو بمنزلة فناء المصر محرم الاحتكار فيه، وعلى قول أبي حنيفة مشى الأئمة المصححون كما ذكره المصنف، تصحيح. (ولا ينبغي للسلطان أن يسعر على الناس) لأن الثمن حق العاقد فإليه تقديره؛ فلا ينبغي للحاكم أن يتعرض لحقه، إلا إذا تعلق به ضرر العامة، بأن كان أرباب الطعام يتحكمون ويتعدون عن القيمة تعدياً فاحشا، فحينئذ لا بأس به بمشورة أهل الرأي والبصر، وتمامه في الهداية. (ويكره بيع السلاح في أيام الفتنة) ممن يعرف أنه من أهل الفتنة؛ لأنه تسبب إلى المعصية. (ولا بأس ببيع العصير) ولو (ممن يعلم أنه يتخذه خمرا) لأن المعصية لا تقام بعينه، بل بعد تغيره، بخلاف بيع السلاح في أيام الفتنة، لأن المعصية تقوم بعينه، هداية. كتاب الوصايا وجه مناسبة الوصايا للحظر والإباحة ظاهرة من حيث إنها تعتريها تلك الأحكام وأراد بالوصايا ما يعم الوصية والإيصاء، يقال: "أوصي إلى فلان" أي جعله وصيا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 - الوصية غير واجبةٍ، وهي مستحبةٌ، ولا تجوز الوصية لوارثٍ إلا أن يجيزها الورثة. ولا تجوز الوصية بما زاد على الثلث، ولا للقاتل،   والاسم منه الوصاية، و "أوصى لفلان" بمعنى ملكه بطريق الوصية، والمصنف لم يتعرض للفرق بينهما وبيان كل واحد منهما بالاستقلال، بل ذكرهما في أثناء تقرير المسائل. ثم الوصية اسم بمعنى المصدر، ثم سمى به الموصى به، وهي: تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، وشرطها: كون الموصى أهلا للتمليك، وعدم استغراقه بالدين، والموصى له حيا وقتها، غير وارث ولا قاتل، والموصى به قابلا للتمليك بعد موت الموصى. ولما كان الأصل فيها الاستحباب قال: (الوصية غير واجبة) ؛ لأنها تبرع بمنزلة الهبة، والتبرعات ليست واجبة، وهذا إذا لم يكن مشغول الذمة بنحو زكاة وفدية صوم وصلاة فرط فيها، وإلا فواجبة (وهي مستحبة) ؛ لأنها تبرع على وجه الصدقة ولذا قال في المجتبى: إنها على الغني مباحة، وعلى أهل الفسق مكروهة (ولا تجوز الوصية لوارث) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه؛ فلا وصية لوارث". ويعتبر كونه وارثاً عند الموت لا عند الوصية: فمن كان وارثاً عند الوصية غير وارث عند الموت صحت له الوصية، وإن كان بالعكس لم تصح (إلا أن يجيزها الورثة) بعد موته وهم كبار؛ لأن الامتناع كان لحقهم، فتجوز بإجازتهم، وإن أجاز بعضهم دون بعض جاز على المجيز بقدر حصته (ولا تجوز) الوصية (بما زاد على الثلث) إلا أن يجيزها الورثة كما مر (ولا لقاتل) عمداً كان أو خطأ، بعد أن كان مباشراً ولو أجازتها الورثة جاز عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبي يوسف: لا تجوز، وعلى قولهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 ويجوز أن يوصي المسلم للكافر، والكافر للمسلم. وقبول الوصية بعد الموت، فإن قبلها الموصى له في حال الحياة أو ردها فذلك باطلٌ. ويستحب أن يوصي الإنسان بدون الثلث. وإذا أوصي إلى رجلٍ فقبل الوصي في وجه الموصي فردها في غير وجهه فليس بردٍ وإن ردها في وجهه فهو بردٌ.   مشى الأئمة كما هو الرسم، تصحيح. (ويجوز أن يوصي المسلم للكافر) أي الذمي (والكافر للمسلم) ، لأنهم بعقد الذمة ساووا المسلمين في المعاملات، ولهذا جاز التبرع من الجانبين في حالة الحياة، فكذا في حالة الممات، هداية. (وقبول الوصية) إنما يعتبر (بعد الموت) ، لأنه أوان ثبوتها، لإضافتها إلى ما بعده، فلا تعتبر قبله (فإن قبلها الموصى له في حال الحياة أو ردها فذلك باطل) لا عبرة به. (ويستحب أن يوصي الإنسان بدون الثلث) سواء كانت الورثة أغنياء أم فقراء؛ لأن في النتقيص صلة القريب بترك ماله عليهم، بخلاف استكمال الثلث؛ لأنه استيفاء تمام حقه، فلا صلة ولا منة، وتركها عند فقر الورثة وعدم استغنائهم بحصصهم أحب. (وإن أوصى إلى رجل) أي جعله وصيا على تنفيذ وصيته أو قضاء دينه أو على أولاده الصغار (فقبل الوصي في وجه الموصي) ثم بدا له (فردها في غير وجهه) في حياته أو بعد موته (فليس) ذلك (برد) أي لم يصح رده، لأن الميت مضى إلى سبيله معتمداً عليه، فلو صح رده في غير وجهه صار مغروراً من جهته فرد رده، هداية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 والموصى به يملك بالقبول إلا في مسألةٍ، وهي: أن يموت الموصي، ثم يموت الموصى له قبل القبول، فيدخل الموصى به في ملك ورثته. ومن أوصى إلى عبدٍ أو كافرٍ أو فاسقٍ أخرجهم القاضي من الوصية ونصب غيرهم.   (وإن ردها في وجهه فهو رد) ، لأنه ليس له إلزامه على قبولها، وإن لم يقبل ولم يرد حتى مات الموصي فهو بالخيار، فإن باع شيئاً من تركته فقد لزمته، لأنه دلالة القبول وهو معتبر بعد الموت، وسواء علم بالوصاية أو لم يعلم، وتمامه في الجوهرة. (والموصى به يملك بالقبول) ، لأن الوصية مثبته للملك، والقبول شرط للدخول فيه؛ بخلاف الإرث، فإنه خلافة فيثبت الملك من غير قبول (إلا في مسألة واحدة) فإن الموصى به فيها يملك من غير قبول (وهي أن يموت الموصي ثم يموت الموصى له قبل القبول) والرد (فيدخل الموصى به في ملك ورثته) ، لأن الوصية قد تمت من جانب الموصى بموته تماما لا يلحقه الفسخ من جهته، وإنما توقف لحق الموصى له، فإذا مات دخل في ملكه كما في البيع المشروط فيه الخيار للمشتري إذا مات قبل الإجازة. (ومن أوصى إلى عبد) لغيره (أو كافر أو فاسق أخرجهم القاضي من الوصية ونصب غيرهم) إتماماً للنظر، لأن العبد مملوك المنافع، والكافر معاداته الدينية باعثة على ترك النظر، والفاسق متهم بالخيانة، وتعبيره بإخراجهم يشير إلى صحة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 ومن أوصى إلى عبد نفسه وفي الورثة كبارٌ لم تصح الوصية. ومن أوصى إلى من يعجز عن القيام بالوصية ضم إليه القاضي غيره.   الوصية، لأن الإخراج بعدها، فلو تصرفوا قبل الإخراج جاز، سراجية. وفي شرح الإسبيجاني: هذا اللفظ يقتضي جواز الوصية، وذكر الشيخ أبو الحسن أنها باطلة، فيحتمل أن معنى ذلك أن للقاضي أن يبطلها، ويحتمل أنها باطلة، والأول أصح. اهـ] . (ومن أوصى إلى عبد نفسه وفي الورثة كبار لم تصح الوصية) ، لأنه يصير مولى عليه من جهتهم، فلا يكون واليا عليهم، ولا على غيرهم، لأن الوصية لا تتجزأ فلو كان الكل صغاراً جاز عند أبي حنيفة، وقالا: لا يجوز أيضا، وقيل: قول محمد مضطرب، وعلى قول الإمام اعتمد الأئمة الأعلام. تصحيح (ومن أوصى إلى من يعجز عن القيام بالوصية) حقيقة (ضم إليه القاضي غيره) رعاية لحق الموصي والورثة، وإنما قيدنا العجز بالحقيقة لأنه لو شكا إليه ذلك لا يجيبه حتى يعرف ذلك حقيقة، لأنه قد يكون كاذبا تخفيفا على نفسه، وإن ظهر للقاضي عجزه أصلا استبدل به غيره، ولو كان قادراً على التصرف أمينا فيه ليس للقاضي أن يخرجه، لأنه لو اختار غيره كان دونه، لما أنه مختار الميت ومرضيه، فإبقاؤه أولى، ولهذا قدم على أب الميت مع وفور شفقته، فأولى أن يقدم على غيره، وكذا إذا شكا الورثة أو بعضهم الوصي للقاضي، فإنه لا ينبغي أن يعزله حتى يبدو منه خيانة، لأنه استفاد لولاية من الميت، وتمامه في الهداية، وفي الجامع الفصولين من الفصل السابع والعشرين: الوصي من الميت لو عدلا كافيا ينبغي للقاضي أن يعزله، فلو عزله قيل: ينعزل، أقول: الصحيح عندي أنه لا ينعزل، لأن الموصي أشفق بنفسه من القاضي، فكيف يعزله؟ وينبغي أن يفتي به الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 ومن أوصى إلى اثنين لم يجز لأحدهما أن يتصرف عند أبي حنيفة ومحمدٍ دون صاحبه، إلا في شراء كفن الميت وتجهيزه، وطعام الصغار وكسوتهم، ورد وديعةٍ بعينها، وقضاء دين، وتنفيذ وصيةٍ بعينها، وعتق عبدٍ بعينه، والخصومة في حقوق الميت.   لفساد قضاة الزمان، اهـ. وفي البحر: فقد ترجح عدم صحة العزل للوصي، فكيف بالوظائف في الأوقاف، اهـ. (ومن أوصى إلى اثنين) معاً، أو على التعاقب (لم يجز لأحدهما أن يتصرف عند أبي حنيفة ومحمد دون صاحبه) ؛ لأن الولاية تثبت بالتفويض فيراعى وصفه - وهو وصف الاجتماع - إذ هو شرط مفيد (إلا في) أشياء ضرورية ليست من باب الولاية، وهي ما استثناها المصنف وأخواتها، وذلك مثل (شراء كفن الميت وتجهيزه) ، لأن في التأخير فساد الميت، ولهذا لا يملكه الجيران عند ذلك (وطعام الصغار وكسوتهم) خشية ضياعهم (ورد وديعة بعينها) ورد مغصوب ومشترى شراء فاسداً، وحفظ أموال (وقضاء دين عليه) ؛ لأنها ليست من باب الولاية، فإنه يملكه المالك وصاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه، فكان من باب الإعانة، هداية (وتنفيذ وصية بعينها، وعتق عبد بعينه) ، لأنه لا يحتاج فيه إلى الرأي (والخصومة في حقوق الميت) ؛ لأن الاجتماع فيها متعذر ولهذا ينفرد بها أحد الوكيلين، وزاد في الهداية قبول الهبة؛ لأن في التأخير خيفة الفوات ولأنه تملكه الأم والذي في حجره؛ فلم يكن من باب الولاية، وبيع ما يخشى عليه التوى والتلف؛ لأن فيه ضرورة لا تخفى، وجمع الأموال الضائعة؛ لن في التأخير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 ومن أوصى لرجلٍ بثلث ماله ولآخر بثلث ماله فلم تجز الورثة فالثلث بينهما نصفان، وإن أوصى لأحدهما بالثلث وللآخر بالسدس فالثلث بينهما أثلاثاً، وإن أوصى لأحدهما بجميع ماله وللآخر بثلث ماله فلم تجز الورثة فالثلث بينهما على أربعة أسهمٍ عند أبي يوسف ومحمدٍ، وقال أبو حنيفة: الثلث بينهما نصفان،   خشية الفوات؛ ولأنه يملكه كل من وقع في يده، فلم يكن من باب الولاية، اهـ. قال الإسبيجاني: وقال أبو يوسف: يجوز لكل واحد منهما ما صنع، والصحيح قولهما، واعتمده الأئمة المصححون كما هو الرسم، تصحيح. (ومن أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر) أيضا (بثلث ماله، ولم تجز الورثة) ذلك (فالثلث بينهما نصفان) اتفاقا، لتساويهما في سبب الاستحقاق فيستويان في الاستحقاق، والثلث يضيق عن حقهما، فيكون بينهما (وإن أوصى لأحدهما بالثلث وللآخر بالسدس) ولم تجز الورثة (فالثلث بينهما أثلاثاً) اتفاقا أيضا؛ لأن الثلث يضيق عن حقيهما، فيقتسمانه على قدر حقيهما كما في أصحاب الديون (وإن أوصى لأحدهما بجميع ماله وللآخر بثلث ماله ولم تجز الورثة) ذلك (فالثلث بينهما على أربعة أسهم عند أبي يوسف ومحمد) على طريق العول: لصاحب الجميع ثلاثة أرباع، ولصاحب الثلث ربع، لأن الموصى قصد شيئين: الاستحقاق والتفضيل، وامتنع الاستحقاق لحق الورثة، ولا مانع من التفضيل، فيثبت كما في المحاباة وأختيها (سيذكر المصنف أختيها. وهما السعاية والدراهم المرسلة، وسيبينهما الشارح) ، كما في الهداية. (وقال أبو حنيفة: الثلث بينهما نصفان) لأن الوصية وقعت بغير المشروع عند عدم الإجازة فتبطل أصلا، والتفضيل ثبت في ضمن الاستحقاق، فبطل ببطلانه، فتبقى الوصية لكل واحد منهما بالثلث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 ولا يضرب أبو حنيفة للموصى له بما زاد على الثلث إلا في المحاباة، والسعاية والدراهم المرسلة.   وإن أجازت الورثة: فعلى قولهما يكون بينهما أرباعا على طريق العول، وعلى قول الإمام أثلاثا على طريق المنازعة. قال الإمام جمال الإسلام في شرحه: والصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده الإمام البرهاني، والنسفي، وغيرهما، تصحيح. (ولا يضرب أبو حنيفة للموصى له بما زاد على الثلث إلا في) ثلاث مسائل (المحاباة، والسعاية، والدراهم المرسلة) : أي المطلقة عن التقييد أو ثلث أو نحوهما. وصورة المحاباة: أن يكون لرجل عبدان، قيمة أحدهما ثلاثون، والآخر ستون، ولا مال له سواهما، فأوصى بأن يباع الأول من زيد بعشرة والثاني من عمرو بعشرين، فالوصية في حق زيد بعشرين وفي حق عمرو بأربعين، فيقسم الثلث بينهما أثلاثا، فيباع الأول من زيد بعشرين والعشرة وصية له، ويباع الثاني من عمرو بالأربعين والعشرون وصية له، فيأخذ عمرو من الثلث بقدر وصيته، وإن كانت زائدة على الثلث. وصورة السعاية: أن يوصي بعتق عبدين له قيمتهما ما ذكر، ولا مال له سواهما فيعتق من الأول ثلثه بعشرة ويسعى بعشرين، ويعتق من الثاني ثلثه بعشرين، ويسعى بأربعين. وصورة الدراهم المرسلة: أن يوصي لزيد بعشرين، ولعمرو بأربعين، وهما ثلثا ماله، فالثلث بينهما أثلاثاً: لزيد عشرة، ولعمرو عشرون، اتفاقا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 ومن أوصى وعليه دينٌ يحيط بماله لم تجز الوصية، إلا أن تبرئ الغرماء من الدين. ومن أوصى بنصيب ابنه فالوصية باطلةٌ، وإن أوصى بمثل نصيب ابنه جاز، فإن كان له ابنان فللموصي له الثلث. ومن أعتق عبداً في مرضه، أو باع وحابى، أو وهب، فذلك كله جائز يعتبر من الثلث ويضرب به مع أصحاب الوصايا،   (ومن أوصى وعليه دين يحيط بماله لم تجز الوصية) ، لأن الدين مقدم عليها؛ لأنه فرض، وهي تبرع (إلا أن يبرئ الغرماء) الموصي (من الدين) الذي عليه، فتنفذ الوصية؛ لأنه لم يبق عليه دين. (ومن أوصى بنصيب ابنه) أو غيره من الورثة (فالوصية باطلة) ؛ لأنه وصية بمال الغير (وإن أوصى بمثل نصيب ابنه جازت) الوصية؛ لأن مثل الشيء غيره، غير أنه مقدر به (فإن كان له) أي الموصي (ابنان، فللموصي له الثلث) لأنه يصير بمنزلة ابن ثالث؛ فيكون المال بينهم أثلاثاً، فإن كان له ابن واحد كان للموصى له النصف إن أجازه الابن، وإلا كان له الثلث كما لو أوصى له بنصف ماله، والأصل: أنه متى أوصى بمثل نصيب بعض الورثة يزاد مثله على سهام الورثة، مجتبى. (ومن أعتق عبداً في مرضه) أي مرض موته (أو باع وحابى) في بيعه بأن باع شيئاً بأقل من قيمته (أو وهب فذلك) كله جائز، (وهو معتبر من الثلث، ويضرب به مع أصحاب الوصايا) . قال في الهداية: وفي بعض النسخ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 فإن حابى ثم أعتق فالمحاباة أولى عند أبي حنيفة. وإن أعتق ثم حابى فهما سواءٌ، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: العتق أولى في المسألتين. ومن أوصى بسهمٍ من ماله فله أخس سهام الورثة، إلا أن ينقص من السدس فيتمم له السدس،   "فهو وصية " مكان قوله "جائز"، والمراد الاعتبار من الثلث والضرب مع أصحاب الوصايا، لا حقيقة الوصية؛ لأنها إيجاب بعد الموت، وهذا منجز غير مضاف، واعتباره من الثلث لتعلق حق الورثة، اهـ (فإن حابى) المريض (ثم أعتق) وضاق الثلث عنهما (فالمحاباة أولى) من العتق (عند أبي حنيفة) ؛ لأنه عقد ضمان فأشبه الدين فكان أقوى، وبالسبق زاد قوة (وإن أعتق) أولا (ثم حابى، فهما سواء) عنده أيضا، لأن عقد المحاباة ترجح بالقوة، والعتق بالسبق، فاستويا (وقالا: العتق أولى في المسألتين) لأنه عقد لا يلحقه الفسخ بوجه، فكان أقوى من هذا الوجه، واختار قول الإمام البرهاني، والنسفي، وصدر الشريعة، وغيرهم، تصحيح. (ومن أوصى بسهم من ماله فله أخس سهام الورثة) للموصى (إلا أن ينقص) أخس سهامهم (من السدس؛ فيتم له) أي للموصى له (السدس) ولا يزاد عليه على رواية الجامع الصغير. قال في الاختيار: وحاصله أن له السدس، وعلى رواية كتاب الوصايا له أخس سهام الورثة ما لم يزد على السدس فله السدس، وكلاهما مروى عن أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: له أخس السهام إلا أن يزيد على الثلث فله الثلث، قال الإسبيجاني: والصحيح قول الإمام، وعليه مشى الأئمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 وإن أوصى بجزء من ماله قيل للورثة: أعطوه ما شئتم. ومن أوصى بوصايا من حقوق الله تعالى قدمت الفرائض منها قدمها الموصى أو أخرها، مثل الحج، والزكاة، والكفارات، وما ليس بواجبٍ قدم منه ما قدمه الموصي. ومن أوصى بحجة الإسلام أحجوا عنه رجلاً من بلده.   المصححون، تصحيح. قال في الهداية: قالوا: هذا في عرفهم، وفي عرفنا: السهم كالجزء، اهـ. ومشى عليه في الكنز والدرر والتنوير. وفي الوقاية: السهم السدس في عرفهم، وهو كالجزء في عرفنا، اهـ. (وإن أوصى بجزء من ماله قيل للورثة: أعطوه ما شئتم) ، لأنه مجهول يتناول القليل والكثير، غير أن الجهالة لا تمنع صحة الوصية، والورثة قائمون مقام الموصي، فإليهم البيان، هداية. (ومن أوصى بوصايا من حقوق الله تعالى) وضاق عنها الثلث (قدمت الفرائض منها) على غير الفرائض، سواء (قدمها الموصي) في الوصية (أو أخرها) لأن قضاءها أهم، وذلك (مثل الحج والزكاة والكفارة) وإن تساوت قوة بأن كانت فرائض أو واجبات بدئ بما قدمه؛ لأن الظاهر أنه يبتدئ بالأهم (وما ليس بواجب قدم منه ما قدمه الموصي) ؛ لأن تقديمه يدل على الاهتمام به، فكان كما إذا صرح بذلك. (ومن أوصى بحجة الإسلام أحجوا عنه رجلا من بلده) ؛ لأن الواجب الحج من بلده، ولهذا يعتبر فيه من المال ما يكفيه من بلده، والوصية لأداء ما كان واجباً عليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 يحج عنه راكباً، فإن لم تبلغ الوصية النفقة أحجوا عنه من حيث تبلغ. ومن خرج من بلده حاجاً فمات في الطريق وأوصى أن يحج عنه حج عنه من بلده عند أبي حنيفة. ولا تصح وصية الصبي، والمكاتب وإن ترك وفاءً. ويجوز للموصي الرجوع عن الوصية،   و (يحج عنه راكباً) ؛ لأنه لا يلزمه أن يحج ماشيا، فانصرف إليه على الوجه الذي وجب عليه، وهذا إن كفت النفقة ذلك (فإن لم تبلغ الوصية) تلك (النفقة أحجوا عنه) راكبا (من حيث تبلغ) تلك النفقة، تنفيذاً لها بقدر الإمكان. (ومن خرج من بلده حاجا فمات في الطريق) قبل أداء النسك (وأوصى أن يحج عنه من بلده) راكباً (عند أبي حنيفة) لأن الوصية تنصرف إلى الحج من بلده كما مر، وقالا: يحج عنه من حيث مات، لأن السفر بنية الحج وقع قربة، وسقط فرض قطع المسافة بقدره، فيبتدأ من ذلك المكان كأنه من أهله، قال جمال الإسلام: وعلى هذا إن مات الحاج عن غيره في الطريق حج عن الميت من بلده، والصحيح قوله، واختاره المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح. (ولا تصح وصية الصبي) مطلقاً: أي سواء كان مميزاً أو لا، مات قبل الإدراك أو بعده، أضافه إلى الإدراك أولا، في وجوه الخير أولا، لأنها تبرع، وهو ليس من أهل التبرع، فلا يملكها تنجيزاً ولا تعليقاً (و) لا (المكاتب وإن ترك وفاء) لأن ماله لا يقبل التبرع. (ويجوز للموصي الرجوع عن الوصية) ، لأنها تبرع لم يتم، فجاز الرجوع فيه كالهبة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 فإذا صرح بالرجوع، أو فعل ما يدل على الرجوع كان رجوعاً، ومن جحد الوصية لم يكن رجوعاً. ومن أوصى لجيرانه فهم الملاصقون عند أبي حنيفة. ومن أوصى لأصهاره فالوصية لكل ذي رحمٍ محرمٍ من امرأته.   (فإذا صرح بالرجوع) بأن قال رجعت عما أوصيت به أو أبطلته (أو فعل ما يدل على الرجوع) بأن أزاله عن ملكه، أو زاد به زيادة تمنع تسليمه إلا بها كلت السويق والبناء في الدار، أو فعل به فعلا لو فعله في المغصوب لانقطع عنه حق المالك (كان رجوعا) أما الصريح فظاهر، وكذا الدلالة، لأنها تعمل عمل الصريح فقام مقام قوله "قد أبطلت" وصار كالبيع بشرط الخيار، فإنه يبطل الخيار فيه بالدلالة، هداية. (ومن جحد الوصية لم يكن رجوعا) قال في الهداية: كذا ذكره محمد، وقال أبو يوسف: يكون رجوعا، ورجح قول محمد، واعتمده الإمام المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح. (ومن أوصى لجيرانه فهم الملاصقون) له (عند أبي حنيفة) ، لأن الجوار عبارة عن القرب، وحقيقة ذلك في الملاصق، وما بعده بعيد بالنسبة إليه، وقال أبو يوسف ومحمد: هم الملاصقون وغيرهم ممن يسكن محله الموصي ويجمعهم مسجد المحلة، وهذا استحسان، هداية. قال في التصحيح: والصحيح قول الإمام، واختاره المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم، اهـ. (ومن أوصى لأصهاره فالوصية لكل ذي رحم محرم من امرأته) كآبائها وأعمامها وأخوالها وأخواتها. قال الحلواني: هذا في عرفهم، وأما في عرفنا فيختص الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 ومن أوصى لأختانه فالختن زوج كل ذات رحمٍ محرمٍ منه. ومن أوصى لأقربائه فالوصية للأقرب فالأقرب من كل ذي رحمٍ محرمٍ منه، ولا يدخل فيهم الوالدان والولد، وتكون للاثنين فصاعداً، وإذا أوصى بذلك وله عمان وخالان، فالوصية لعميه عند أبي حنيفة، وإن كان له عمٌ وخالان، فللعم النصف، وللخالين النصف.   بأبويها، عناية وغيرها، وأقره القهستاني. قلت: لكن جزم في البرهان وغيره بالأول، وأقره في الشرنبلالية، كذا في الدرر. (ومن أوصى لأختانه فالختن زوج كل ذات رحم محرم منه) كأزواج بناته وأخواته وعماته وخالاته، قال القهستاني: وينبغي في ديارنا أن يختص الصهر بأبي الزوجة والختن بزوج البنت، لأنه المشهور، اهـ. (ومن أوصى لأقربائه) ، أو لذوي قرابته، أو لأرحامه، أو لأنسبائه (فالوصية للأقرب فالأقرب من كل ذي رحم محرم) منه (ولا يدخل فيهم الوالدان والولد) ، لأنهم لا يسمون أقارب، ومن سمى والده قريباً كان منه عقوقاً؛ لأن القريب من تقرب بوسيلة غيره، وتقرب الوالد والولد بنفسه لا بغيره، وتمامه في الهداية (وتكون) الوصية (للاثنين فصاعداً) ؛ لأنه ذكر بلفظ الجمع، وأقل الجمع في الوصية اثنان كما في الميراث (وإذا أوصى بذلك) أي لأقربائه ونحوه (وله) أي الوصي (عمان زخالان فالوصية) كلها (لعميه عند أبي حنيفة) اعتباراً للأقرب كما في الإرث (وإن كان له عم وخالان فللعم النصف وللخالين النصف) ؛ لأنه لابد من اعتبار معنى الجمع وهو الاثنان في الوصية كما في الميراث، ولو ترك عماً وخالا وخالة فالوصية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 وقال أبو يوسف ومحمدٌ: الوصية لكل من ينسب إلى أقصى أبٍ له في الإسلام. ومن أوصى لرجلٍ بثلث دراهمه أو ثلث غنمه، فهلك ثلثا ذلك وبقي ثلثه وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله فله جميع ما بقي، وإن أوصى بثلث ثيابه فهلك ثلثاها وبقي ثلثها وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله لم يستحق إلا ثلث ما بقي من الثياب.   للعم والعمة بينهما بالسوية؛ لاستواء قرابتهما، وتمامه في الهداية (وقالا) تكون (الوصية لكل من ينسب) إليه من قبل آبائه (إلى أقصى أب له في الإسلام) وهو أول أب أسلم، القريب والبعيد والذكر والأنثى فيه سواء، قال في زاد الفقهاء والزاهدي في شرحه: الصحيح قول أبي حنيفة، وعليه اعتمد المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح. (ومن أوصى لرجل بثلث دراهمه) المعينة (أو ثلث غنمه) المعينة (فهلك ثلثا ذلك، وبقي ثلثه، وهو) أي ثلث ذلك (يخرج من ثلث ما بقي من ماله، فله) أي الموصى له (جميع ما بقي) ؛ "لأن الوصية تعلقت بعينها؛ بدليل أنه لو قاسمه الورثة استحق ذلك، وما تعلقت الوصية بعينه يستحقه الموصى له إذا خرج من الثلث، كما لو أوصى بثلث شيء بعينه فاستحق ثلثاه. (وإن أوصى له بثلث ثيابه فهلك ثلثاها، وبقي ثلثها، وهو) أي الثلث الباقي (يخرج من ثلث ما بقي من ماله، لم يستحق) الموصى له (إلا ثلث ما بقي من الثياب) قال في الهداية: قالوا: هذا إذا كانت الثياب من أجناس مختلفة، ولو كانت من جنس واحد فهو بمنزلة الدراهم، اهـ. أي: لأن الوصية حيث كانت الثياب مختلفة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 ومن أوصى لرجلٍ بألف درهمٍ وله مالٌ عينٌ ودينٌ، فإن خرجت الألف من ثلث العين دفعت إلى الموصى له، وإن لم تخرج دفع إليه ثلث العين، وكلما خرج شيءٌ من الدين أخذ ثلثه حتى يستوفي الألف. وتجوز الوصية للحمل، وبالحمل، إذا وضع لأقل من ستة أشهرٍ من يوم الوصية. ومن أوصى لرجلٍ بجاريةٍ إلا حملها صحت الوصية والاستثناء.   لم تتعلق بعينها، ولذا لا يقسم بعضها في بعض، بخلاف ما إذا كانت متحدة فإنها يقسم بعضها في بعض بمنزلة الدراهم. (ومن أوصى لرجل بألف درهم) مثلا (وله) أي الموصي (مال عين ودين فإن خرجت الألف) الموصى بها (من ثلث العين دفعت) الألف الموصى بها (إلى الموصى له) ؛ لأنه أمكن إبقاء كل ذي حق حقه من غير بخس؛ فيصار إليه (وإن لم تخرج) الألف من الثلث العين (دفع إليه) أي الموصى له (ثلث العين، وكلما خرج شيء من الدين أخذ ثلثه، حتى يستوفي الألف) ؛ لأن الموصى له شريك الوارث، وفي تخصيصه بالعين بخس في حق الورثة؛ لأن للعين فضلا على الدين. (وتجوز الوصية للحمل، وبالحمل، إذا) تحقق وجوده وقت الوصية بأن (وضع لأقل من ستة أشهر من يوم الوصية) لو زوج الحامل حياً، ولو ميتاً وهي معتدة حين الوصية فلأقل من سنتين؛ بدليل ثبوت نسبه، اختيار وجوهرة. (ومن أوصى لرجل بجارية إلا حملها صحت الوصية والاستثناء) ؛ لأن ما جاز إيراد العقد عليه جاز استثناؤه منه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 ومن أوصى لرجلٍ بجاريةٍ فولدت بعد موت الموصي قبل أن يقبل الموصى له ولدا ثم قبل وهما يخرجان من الثلث فهما للموصى له، وإن لم يخرجا من الثلث ضرب بالثلث وأخذ ما يخصه منهما جميعاً في قول أبي يوسف ومحمدٍ، وقال أبو حنيفة: يأخذ ذلك من الأم، فإن فضل شيءٌ أخذه من الولد. وتجوز الوصية بخدمة عبده وسكنى داره، سنين معلومةً، وتجوز بذلك أبداً،   (ومن أوصى لرجل بجارية فولدت بعد موت الموصي) ولو (قبل أن يقبل الموصى له ولداً ثم قبل) الموصى له (وهما) : أي الجارية والولد (يخرجان من الثلث فهما للموصى له) ؛ لأن الولد نماء الأم؛ فكان تبعاً لها (وإن لم يخرج من الثلث ضرب) الموصى له (بالثلث، فأخذ ما يخصه منهما جميعاً في قول أبي يوسف ومحمد) ؛ لأن الولد لما دخل في الوصية صارا كأن الإيجاب ورد عليهما معاً فلا يقدم أحدهما على الآخر (وقال أبو حنيفة: يأخذ ذلك) أي الثلث (من الأم، فإن فضل) من الثلث (شيء أخذه من الولد) لأن الأم أصل في العقد، فكان في التنفيذ، واختار قول الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما، تصحيح. (وتجوز الوصية بخدمة عبده وسكنى داره سنين معلومة، وتجوز) أيضاً (بذلك أبداً) لأن المنافع يجوز تمليكها بعوض وبغير عوض، كالإجارة، والعارية، فكذلك بالوصية، ويكون محبوساً على ملك الميت في حق المنفعة، كما في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 فإن خرجت رقبة العبد من الثلث سلم إليه للخدمة، وإن كان لا مال له غيره خدم الورثة يومين والموصى له يوماً، فإن مات الموصى له عاد إلى الورثة، وإن مات الموصى له في حياة الموصى بطلت الوصية. وإذا أوصى لولد فلانٍ فالوصية بينهم: الذكر والأنثى فيه سواءٌ.   الوقف، وتمامه في الدر. (فإن خرجت رقبة العبد من الثلث سلم) العبد (إليه ليخدمه) إبقاء لحقه (وإن كان) الموصي (لا مال له غيره) أي غير العبد الموصى بخدمته (خدم الورثة يومين، و) خدم (الموصى له يوماً) ؛ لأن حقه في الثلث وحقهم في الثلثين، كما في الوصية بالعين؛ ولا يمكن قسمه، فعدل إلى المهايأة إيفاء للحقين، وأما الدار إذا لم يكن له غيرها فإنها تقسم أثلاثا للانتفاع، ولو اقتسموا مهايأة من حيث الزمان يجوز أيضاً؛ لأن الحق لهم، إلا أن الأول أولى، وليس للورثة أن يبيعوا ما في أيديهم من ثلثي الدار؛ وعن أبي يوسف لهم ذلك، وتمامه في الهداية (فإن مات الموصى له عاد) العبد الموصى به (إلى الورثة) لأن الموصي أوجب الحق للموصى له؛ ليستوفي المنافع على حكم ملكه؛ فلو انتقل إلى وارث الموصى له استحقها ابتداء من ملك الموصي بلا رضاه، وذلك لا يجوز، هداية (فإن مات الموصى له في حياة الموصي بطلت الوصية) ؛ لما تقدم أن الوصية إيجاب بعد الموت، وقد مات الموصى له قبل وجوب الحق له؛ فبطل. (وإذا أوصى لولد فلان فالوصية بينهم) أي بين جميع أولاده (الذكر والأنثى فيه سواء) ؛ لأن اسم الولد ينطلق عليهما على حد سواء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 ومن أوصى لورثة فلانٍ فالوصية بينهم: للذكر مثل حظ الأنثيين. ومن أوصى لزيدٍ وعمرو بثلث ماله، فإذا عمروٌ ميتٌ، فالثلث كله لزيدٍ وإن قال: "ثلث مالي بين زيد وعمروٍ" وزيدٌ ميتٌ كان لعمروٍ نصف الثلث. ومن أوصى بثلث ماله ولا ماله له ثم اكتسب مالا استحق الموصى له ثلث   (ومن أوصى لورثة فلان فالوصية بينهم) أي بين جميع ورثته (للذكر مثل حظ الأنثيين) ، لأن الإيجاب باسم الميراث يقتضي التفضيل، كما في الميراث. (ومن أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله) مثلا (فإذا عمرو ميت) قبل الوصية (فالثلث كله لزيد) ، لأن الميت ليس بأهل للوصية، فلا يزاحم الحي، فصار كما إذا أوصى لزيد وجدار، وعن أبي يوسف: أنه إذا لم يعلم بموته فله نصف الثلث، وعلى ما في الكتاب مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح. (وإن قال) الموصي (ثلث مالي بين زيد وعمرو، وزيد ميت) قبل الوصية (كان لعمرو نصف الثلث) ، لأن ابتداء الإيجاب لا يوجب له إلا النصف، لأن كلمة "بين" تقتضي الاشتراك. (ومن أوصى بثلث ماله ولا مال له) إذ ذاك، أو كان له مال وهلك، (ثم) بعد ذلك (اكتسب مالا) ومات (استحق الموصى له ثلث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 ما يملكه عند الموت، والله أعلم. كتاب الفرائض. - المجمع على توريثهم من الذكور.   ما يملكه) الموصي (عند الموت) لأن الوصية عقد استخلاف مضاف إلى ما بعد الموت، ويثبت حكمه بعده، فيشترط وجود المال عند الموت، لا قبله، هداية. كتاب الفرائض الفرائض، جمع فريضة، فعيلة من الفرض، وهو في اللغة: التقدير والقطع، وفي الشرع: ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه. وسمي هذا النوع من الفقه "فرائض" لأنه سهام مقدرة ثبتت بدليل قطعي لا شبهة فيه؛ فقد اشتمل على المعنى اللغوي والشرعي، وإنما خص بهذا الاسم لأن الله تعالى سماه به، فقال بعد القسمة: "فريضة من الله" وكذا النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "تعلموا الفرائض". والفرائض من العلوم الشريفة التي تجب العناية بها؛ لافتقار الناس إليها، ففي الحديث: "تعلموا الفرائض، وعلموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض، وتظهر الفتن، حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا يجدان من يقضي بينهما"، رواه الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد لكن في رواية الحاكم "من يقضي بها". قال رحمه الله تعالى: (المجمع على توريثهم من الذكور) فرضاً أو تعصيباً أو بهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 عشرةٌ: الابن، وابن الابن وإن سفل، والأب، والجد أب الأب وإن علا، والأخ، وابن الأخ؛ والعم، وابن العم، والزوج، ومولى النعمة. ومن الإناث سبعٌ: البنت، وبنت الابن، والأم، والجدة، والأخت، والزوجة، ومولاة النعمة.   بطريق الاختصار (عشرة: الابن، وابن الابن وإن سفل) بمحض الذكور (والأب، والجد أب الأب وإن علا) بمحض الذكور (والأخ) مطلقاً (وابن الأخ) الشقيق أو الأب وإن سفل بمحض الذكور (والعم) الشقيق أو لأب (وابن العم) كذلك وإن سفل بمحض الذكور (والزوج، ومولى النعمة) أي المعتق، أما بطريق البسط فخمسة عشر: الابن، وابنه وإن نزل، والأب، والجد وإن علا، والأخ الشقيق، والأخ للأب، والأخ للأم، وابن الأخ الشقيق، وابن الأخ للأب، والعم الشقيق، والعم للأب، وابن العم الشقيق، وابن العم للأب، والزوج، والمعتق. ومن عدا هؤلاء من الذكور فمن ذوي الأرحام. (و) المجمع على توريثهم (من الإناث) بطريق الاختصار أيضا (سبع: البنت، وبنت الابن) وإن سفلت بمحض الذكور (والأم، والجدة) لأم أو لأب وإن علت ما لم تدل بجد فاسد (والأخت) مطلقاً (والزوجة، ومولاة النعمة) أي المعتقة، وأما بطريق البسط فعشرة: البنت، وبنت الابن، والأم، والجدة من قبلها، والجدة من الأب، والأخت الشقيقة، والأخت للأب، والأخا للأم، والزوجة، والمعتقة، ومن عدا هؤلاء من الإناث فمن ذوي الأرحام] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 ولا يرث أربعةٌ: المملوك، والقاتل من المقتول، والمرتد، وأهل الملتين. والفروض المحددة في كتاب الله تعالى ستةٌ: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس. فالنصف فرض خمسةٍ: فرض البنت، وبنت الابن إذا لم تكن بنت الصلب، والأخت.   (ولا يرث أربعة: المملوك) مطلقاً؛ لأن الميراث نوع تمليك، والعبد لا يملك ولأن ملكه لسيده، ولا قرابة بين السيد والميت (والقاتل من المقتول) لاستعجاله ما أخره الله تعالى فعوقب بحرمانه، وهذا إذا كان قتلا يوجب القود أو الكفارة، وأما ما لا يتعلق به ذلك فلا يمنع، وقد مر في الجنايات (والمرتد) فلا يرث من مسلم ولا ذمي ولا مرتد؛ لأنه لا ملة له؛ بدليل أنه لا يقر على ما هو عليه (وأهل الملتين) فلا توارث بين مسلم وكافر، وكذا أهل الدارين: حقيقة كالذمي والحربي، أو حكما كالذمي والمستأمن، وحربيين من دارين مختلفين كتركي وهندي؛ لانقطاع العصبة فيما بينهم، بخلاف المسلمين كما في الدر. (والفروض المحدودة) أي المقدرة (في كتاب الله تعالى: النصف، و) نصفه وهو (الربع، و) نصف نصفه وهو (الثمن، والثلثان، و) نصفهما وهو (الثلث، و) نصف نصفهما وهو (السدس) ويقال غير ذلك من العبارت التي أخصرها قول ابن الهائم: ثلثٌ وربعٌ ونصف كلٍ وضعفه. (فالنصف فرض خمسة) أصناف (للبنت) عند انفرادها (وبنت الابن إذا كانت منفردة (ولم تكن بنت الصلب) ولا ابن فأكثر (والأخت) الشقيقة وهي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 من الأب والأم، والأخت من الأب إذا لم تكن أختٌ لأبٍ وأمٍ، والزوج إذا لم يكن للميت ولدٌ ولا ولد ابنٍ. والربع فرض الزوج مع الولد أو ولد الابن، والزوجات إذا لم يكن للميت ولدٌ ولا ولد ابن. والثمن فرض الزوجات مع الولد وولد الابن. والثلثان لكا اثنين فصاعداً ممن فرضه النصف إلا الزوج.   الأخت (من الأب والأم) عند انفرادها، وعدم الأولاد وأولاد الأبناء (والأخت من الأب إذا) كانت منفردة، و (لم تكن أخت) ولا أخ (لأب وأم) فأكثر، ولا من شرط فقده مع الشقيقة (وللزوج إذا لم يكن للميت ولد) مطلقا (ولا ولد ابن) . (والربع) فرض اثنين: (للزوج مع الولد) مطلقاً (أو ولد الابن، وللزوجات) تستقل به الواحدة إذا انفردت، ويشترك به الأكثر (إذا لم يكن، للميت ولد) مطلقاً (ولا ولد ابن) . (والثمن) فرض صنف واحد: أي (للزوجات مع الولد) مطلقاً (أو ولد الابن) تستقل به الواحدة إذا انفردت، ويشترك به الأكثر كما مر. (والثلثان) فرض أربعة أصناف عبر عنها بقوله: (لكل اثنين فصاعدا ممن فرضه النصف، إلا الزوج) وتقدم أنهم خمسة، فإذا خرج الزوج المستثنى بقي أربعة، وهن: البنات، وبنات الابن، والأخوات الأشقاء، والأخوات من الأب، ويشترط في حال تعددهن ما يشترط حال انفرادهن] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 والثلث للأم إذا لم يكن للميت ولدٌ، ولا ولد ابن، ولا اثنان من الإخوة والأخوات فصاعداً، ويفرض لها في مسألتين - وهما: زوجٌ وأبوان، وامرأةٌ وأبوان - ثلث ما يبقى بعد فرض الزوج أو الزوجة، وهو لكل اثنين فصاعداً من ولد الأم: ذكورهم وإناثهم فيه سواءٌ. والسدس فرض سبعةٍ: لكل واحدٍ من الأبوين مع الولد أو ولد الابن، وللأم مع   (والثلث) فرض صنفين: (للأم إذا لم يكن للميت ولد) مطلقاً (ولا ولد ابن، ولا اثنان) فأكثر (من الإخوة والأخوات) أشقاء أو لأب أو لأم، متحدين أو مختلفين (ويفرض لها) أي الأم (في مسألتين) فقط (وهما: زوج وأبوان، وامرأة) أي زوجة (وأبوان - ثلث ما يبقى بعد) رفع (فرض الزوج) في الأول (و) فرض (الزوجة) في الثانية، وكان الأصل - على ما سبق - أن يكون لها ثلث جميع المال، ولكن يلزم من ذلك تفضيل الأم على الأب، فأعطيت ثلث الباقي، ولو كان مكان الأب جد كان لها ثلث الجميع (وهو) أي الثلث لكل اثنين فصاعدا من ولد الأم، ذكورهم وإناثهم فيه) أي الثلث المفروض لهم (سواء) أي: من غير تفضيل ذكرهم على أنثاهم؛ لقوله تعالى: {فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث} والتشريك إذا أطلق يقتضي المساواة. (والسدس فرض سبعة) أصناف: (لكل واحد من الأبوين مع وجود الولد) مطلقا (أو ولد الابن) مطلقا (وللأم) أيضا (مع) اثنين فأكثر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 الإخوة والأخوات من أي جهةٍ كانوا، وللجدات، وللجد، مع الولد أو ولد الابن، ولبنات الابن مع البنت، وللأخوات لأبٍ مع الأخت لأبٍ وأمٍ، وللواحد من ولد الأم. وتسقط الجدات بالأم، والجد والإخوة والأخوات بالأب.   من (الإخوة والأخوات) مطلقا، مع الاتحاد أو الاختلاف، وارثين أو لا (وللجدات الصحيحات، وهن اللاتي لم يدلين بجد فاسد، تستقل به الواحدة إذا انفردت ويشترك به الأكثر إذا كثرن وتحاذين (وللجد) الصحيح، وهو الذي لم يدخل في نسبته إلى الميت أنثى (مع الولد) أو ولد الابن، وعدم الأب، لأنه يقوم مقامه (ولبنات الابن) إذا كن (مع البنت) إذا لم يكن معهن من يعصبهن، تستقل به الواحدة إذا انفردت، ويشترك به الأكثر (والأخوات لأب مع الأخت) الواحدة التي (لأب وأم) إذا لم يكن معهن من يعصبهن، تستقل به الواحدة إذا انفردت، ويشترك به الأكثر كما مر (وللواحد من ولد الأم) سواء كان ذكرا أو أنثى. ولما أنهى الكلام على أصحاب الفروض، شرع في ذكر الحجب، فقال: (وتسقط الجدات) مطلقاً (بالأم، و) يسقط (الجد والإخوة والأخوات) مطلقا (بالأب) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 ويسقط ولد الأم بأربعةٍ: بالولد، وولد الابن، والأب، والجد. وإذا استكمل البنات الثلثين سقطت بنات الابن؛ إلا أن يكون بإزائهن أو أسفل منهن ابن ابن فيعصبهن. وإذا استكمل الأخوات لأبٍ وأم الثلثين سقطت الأخوات لأب. إلا أن يكون معهن أخٌ لهن فيعصبهن.   (ويسقط ولد الأم) أي الأخ من الأم (بأربعة) أصناف (بالولد) مطلقاً (وولد الابن) مطلقا، وإن سفل بمحض الذكور (والأب، والجد) الصحيح وإن علا. (وإذا استكملت البنات الثلثين سقطت بنات الابن) ، لأنه لا حق للبنات وبنات الابن فيما وراء الثلثين فريضة (إلا أن يكون بإزائهن) أي بإزاء بنات الابن سواء كان أخا أو ابن عم (أو أسفل منهن) بدرجة أو أكثر (ابن ابن فيعصبهن) إلا أنه يعصب من فوقه إذا لم تكن ذات سهم، أما إذا كانت ذات سهم كما إذا كان بنت وبنت ابن وابن ابن ابنٍ، فإن البنت تأخذ النصف، وبنت الابن السدس، والباقي لابن ابن الابن، ولا تصير عصبة به. (وإذا استكملت الأخوات لأب وأم الثلثين سقطت الأخوات لأب) ؛ لأنه لا حق للأخوات فيما وراء الثلثين فريضة (إلا أن يكون معهن أخ لهن فيعصبهن) كما مر في بنات الابن مع البنات. وسيذكر تمام أحكام الحجب بعد إنهاء الكلام على العصبات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 باب أقرب العصبات. - وأقرب العصبات البنون، ثم بنوهم، ثم الأب، ثم الجد، ثم بنو الأب، وهم الأخوة، ثم بنو الجد، وهم الأعمام، ثم بنو أب الجد. وإذا استوى بنو أبٍ في الدرجة فأولاهم من كان لأبٍ وأمٍ   باب أقرب العصبات (وأقرب العصبات) جمع عصبة - وهو ذكر لم تدخل في نسبته إلى الميت أنثى - جزء الميت (جعل الشارع هذا خبر المبتدأ الذي هو قوله "أقرب العصبات") ، وهم (البنون، ثم بنوهم) وإن سفلوا بمحض الذكور (ثم) أصله، وهو (الأب، ثم الجد) وإن علا بمحض الذكور (ثم بنو الأب، وهم الإخوة) لأبويين، أو لأب عند عدم الإخوة لأبوين، ثم بنوهم كذلك وإن سفلوا بمحض الذكور (ثم بنو الجد، وهم الأعمام) لأبوين، أو لأب عند عدم الأعمام لأبوين، ثم بنوهم كذلك، وإن سفلوا بمحض الذكور (ثم بنو أب الجد) وهم أعمام أب الميت: لأبوين، أو لأب، ثم بنوهم كذلك وإن سفلوا، وهكذا؛ لأنهم في القرب والدرجة على هذا الترتيب؛ فيكونون في الميراث كذلك. (وإذا استوى بنو أب في درجة) وكانوا كلهم لأب وأم ولأب فقط اشتركوا في الميراث، وإن كان بعضهم لأب وأم وبعضهم لأب فقط (فأولاهم) بالميراث (من كان لأب وأم) ، لأن الانتساب إلى الأبوين أقوى؛ فيقع به الترجيح. ولما ذكر العصبة بنفسه أواد أن يتمم أنواع العصبة بذكر العصبة بغيره؛ فقال: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 والابن وابن الابن والإخوة يقاسمون أخواتهم، للذكر مثل حظ الأنثيين، ومن عداهم من العصبات ينفرد بالميراث ذكورهم دون إناثهم. وإذا لم يكن عصبةٌ من النسب فالعصبة هو المولى المعتق، ثم أقرب عصبة المولى.   (والابن وابن الابن والإخوة) لأبوين أو لأب كما مر (يقاسمون أخواتهم للذكر مثل حظ الانثيين) لأن أخواتهم يصرن عصبة بهم، أما البنات وبنات الابن فلقوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} وأما الأخوات فلقوله تعالى: {وإن كانوا إخوة رجالا ونساء للذكر مثل حظ الأنثيين} (ومن عداهم) أي: من عدا الابن وابن والابن والإخوة (من) بقية (العصبات) كالعم وابنه وابن الأخ (ينفرد بالميراث ذكورهم دون إناثهم) ؛ لأن أخواتهم لا يصرن عصبة بهم؛ لأنهن لم يكن لهن فرضٌ، بخلاف الأولين فإن أخواتهم لهن فرضٌ، وجعلوا عصبة بهم لئلا يكون نصيبهن مساوياً لنصيبهم أو أكثر، وههنا ليس كذلك. وبقي من العصبات النسبية العصبة مع الغير، وهم الأخوات لأبوين أو لأب مع البنات أو بنات الابن. ولما أنهى الكلام على العصبة النسبية أخذ في ذكر العصبة السببية، فقال (وإنا لم تكن) للميت (عصبة من النسب فالعصبة) له (المولى المعتق) سواء كان ذكراً أو أنثى (ثم) بعده (أقرب عصبة المولى) بنفسه، على الترتيب السابق. ولما لم يستوعب أحكام الحجب فيما سبق أخذ في تمام ذلك فقال: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 باب الحجب. - وتحجب الأم من الثلث إلى السدس بالولد، أو بأخوين. والفاضل عن فرض البنات لبني الابن وأخواتهم، للذكر مثل حظ الأنثيين. والفاضل عن فرض الأختين من الأب والأم للإخوة والأخوات من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين. وإذا ترك بنتاً وبنات ابنٍ وبني ابنٍ، فللبنت النصف، والباقي لبني الابن وأخواتهم للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك الفاضل عن فرض الأخت من   باب الحجب (وتحجب الأم من الثلث إلى السدس بالولد) أو ولد الابن (أو أخوين) مطلقاً كما مر آنفاً (والفاضل عن فرض البنات لبني الابن وأخواتهم للذكر مثل حظ الأنثيين) لما مر أنهن يصرن عصبة بهم (و) كذلك (الفاضل عن فرض الأختين من الأب والأم للأخوة والأخوات من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين) كما مر (وإذا ترك) الميت (بنتاً وبنات ابن) واحدة أو أكثر (وبني ابن) واحداً أو أكثر إخوةً لبنات الابن أو أولاد عم أو مختلفين (فللبنت النصف والباقي لبني الابن وأخواتهم) أو أولاد عمهم (للذكر مثل حظ الأنثيين) اعتباراً بما إذا لم يكن معهم ذو فرض (وكذلك الفاضل عن) النصف (فرض الأخت من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 الأب والأم لبني الأب وبنات الأب للذكر مثل حظ الأنثيين. ومن ترك ابني عمٍ أحدهما أخٌ لأمٍ فللأخ للأم السدس، والباقي بينهما. والمشركة: أن تترك المرأة زوجاً وأماً - أو جدةً - وأختين من أمٍ وأخا لأبٍ وأمٍ، فللزوج النصف، وللأم السدس، ولولد الأم الثلث، ولا شيء للإخوة من الأب والأم.   الأب والأم) يكون (لبني الأب وبنات الأب، للذكر مثل حظ الأنثيين) وقد مر آنفا. (ومن ترك ابني عم أحدهما أخ لأم فللأخ) من الأم (السدس) بالفرضية، (والباقي) بعد السدس (بينهما) نصفين بالعصوبة؛ لاستوائهما بها. (و) المسألة (المشركة) بفتح الراء كما ضبطها ابن الصلاح والنووي، أي المشرك فيها وبكسرها على نسبة التشريك إليها مجازا كما ضبطها ابن يونس: أي المشتهرة بذلك عند الفرضيين، وصورتها (أن تترك المرأة زوجا و) ذات سدس (أما أو جدة) صحيحة (وأختين من أم) فأكثر (وأخا لأب وأم) فأكثر (فللزوج النصف، وللأم السدس، ولولدي الأم الثلث) بالنصوص الواردة فيهم (ولا شيء للأخ من الأب والأم) لاستغراق التركة بالفروض. ولما أنهى الكلام على أحكام الحجب أخذ في أحكام الرد، فقال: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 باب الرد. - والفاضل عن فرض ذوي السهام إذا لم يكن عصبةٌ مردودٌ عليهم بمقدار سهامهم، إلا على الزوجين. ولا يرث القاتل من المقتول، والكفر كله ملةٌ واحدةٌ يتوارث به أهله. ولا يرث المسلم من الكافر، ولا الكافر من المسلم، ومال المرتد لورثته من المسلمين، وما اكتسبه في حال ردته فيٌ.   باب الرد (والفاضل عن فرض ذوي السهام - إذا لم يكن عصبة - مردود عليهم) أي على ذوي السهام (بمقدار سهامهم، إلا) أنه لا يرد (على الزوجين) ؛ لأن الرد إنما يستحق بالرحم، لقوله تعالى: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} ولا رحم بين الزوجين. (ولا يرث القاتل) إذا كان بالغاً عاقلاً (من المقتول) وقد مر (والكفر كله ملة واحدة يتوارث به أهله) إذا اتحدت الدار كما مر (ولا يرث المسلم من الكافر، ولا الكافر من المسلم) لاختلاف الملة. (ومال المرتد) الذي اكتسبه حالة إسلامه إذا مات أو قتل (لورثته من المسلمين) لاستناد زوال الملك لزمن الردة (وما اكتسبه في حال ردته فئ) ؛ لأنه مباح الدم؛ فيكون ما يكتسبه في تلك الحالة فيئا كما في الحربي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 وإذا غرق جماعةٌ أو سقط عليهم حائطٌ فلم يعلم من مات منهم أولاً فمال كل واحدٍ منهم للأحياء من ورثته. وإذا اجتمع في المجوسي قرابتان لو تفرقت في شخصين ورث أحدهما مع الآخر ورث بهما، ولا يرث المجوسي بالأنكحة الفاسدة التي يستحلونها في دينهم. وعصبة ولد الزنا وولد الملاعنة مولى أمهما.   (وإذا غرق جماعة) أو احترقوا (أو سقط عليهم حائط فلم يعلم من مات منهم أولا فمال كل واحد منهم) يكون (للأحياء من ورثته) ولا يرث بعضهم من بعض، لأنه لما لم يعلم حالهم جعلوا كأنهم ماتوا معاً، وإذا كاتوا معاً لا يرث بعضهم من بعض؛ لاشتراط تحقق حياة الوارث بعد موت المورث. (وإذا اجتمع في الموسي قرابتان) وكان بحيث (لو تفرقت) قرابتاه (في شخصين) لكان (ورث أحدهما) : أي أحد المفروضين (مع الآخر ورث بهما) اعتباراً بالمسلم إذا كان له قرابتان كابن العم إذا كان أخا لأم كما مر (ولا يرث المجوسي بالأنكحة الفاسدة التي يستحلونها في دينهم) ؛ لاستحقاقها النقض والفسخ، ولهذا لو رفع إلينا لا نقرهم عليه، والعقد الفاسد لا يوجب الاستحقاق. (وعصبة ولد الزنا وولد الملاعنة مولى أمهما) ؛ لأنه لا نسب لهما من قبل الأب؛ فيكون ولاؤهما لمولى الأم، والمراد بالمولى ما يعم المعتق والعصبة؛ ليتناول ما لو كانت حرة الأصل، قال في التصحيح نقلا عن الجواهر: يعني إذا كانت الأم حرة الأصل يكون الميراث لمواليها، وهم عصبتها، وإن كانت معتقة يكون الميراث لمعتقها أو عصبته فقوله "مولى أمهما" يتناول المعتق وغيره وهو عصبة أمهما. اه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 ومن مات وترك حملاً وقف ماله حتى تضع امرأته حملها في قول أبي حنيفة. والجد أولى بالميراث من الإخوة عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يقاسمهم، إلا أن تنقصه المقاسمة من الثلث. وإذا اجتمعت الجدات فالسدس لأقربهن،   (ومن مات وترك) ورثة و (حملا) يشارك بقية الورثة أو يحجبهم حجب نقصان (وقف ماله) أي مال الميت (حتى تضع امرأته عند أبي حنيفة) ؛ لئلا يحتاج إلى فسخ القسمة، فإن طلب الورثة حقوقهم دفع إليهم المتيقن، ويوقف ميراث أربع بنين في رواية ابن المبارك عن الإمام، وقال محمد: ميراث ابنين؛ وقال أبو يوسف: ميراث واحد، قال الزاهدي والإسبيجاني وصاحب الحقائق والمحيط وقاضيخان: وعليه الفتوى، وقال قاضيخان: وهو مختار الصدر الشهيد، وبه أفتى فخر الدين، وهو المختار، تصحيح. وإنما قيدت بما إذا كان يشارك بقية الورثة أو يحجبهم حجب نقصان؛ لأنه إذا كان يحجب حجب حرمان فإنه يوقف جميع التركة اتفاقاً. (والجد) الصحيح (أولى بالميراث من الإخوة) والأخوات (عند أبي حنيفة لأنه بمنزلة الأب عند فقده (وقالا: يقاسمهم إلا أن تنقصه المقاسمة من الثلث) فيكون له الثلث والباقي بين الإخوة والإخوات؛ قال الإسبيجاني: والصحيح قول أبي حنيفة، وقال في الحقائق: وبه يفتي، تصحيح. (وإذا اجتمعت الجدات) الصحيحات، وتفاوتن في الدرجة (فالسدس لأقربهن) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 ويحجب الجد أمه. ولا ترث أم أبي الأم بسهمٍ، وكل جدةٍ تحجب أمها. باب ذوي الأرحام. - وإذا لم يكن للميت عصبةٌ ولا ذو سهمٍ ورثه ذوو أرحامه، وهم عشرةٌ: ولد البنت، وولد الأخت، وابنة الأخ، وابنة العم، والخال، والخالة، وأب الأم، والعم من الأم، والعمة، وولد   من أي جهة كانت (ويحجب الجد أمه) لأنها تدلي به (ولا ترث أم لأبي الأم بسهم) أي بفرض؛ لإدلائها بغير الوارث؛ فهي من ذوي الأرحام (وكل جدة تحجب أمها) لأنهما يرثان بجهة واحدة؛ فكانت القربى أولى كالأم والجدة. ولما أنهى الكلام على الوارثين بالفرضية والعصوبة أخذ في الكلام على ذوي الأرحام فقال:. باب ذوي الأرحام (وإذا لم يكن للميت عصبة ولا ذو سهم ورثه ذوو أرحامه) ، لقوله تعالى: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} والأرحام: جمع رحم، وهو: قريب ليس بعصبة ولا ذي سهمٍ (وهم عشرة) أصناف: الأول (ولد البنت) مطلقاً (و) الثاني (ولد الأخت) مطلقاً (و) الثالث (ابنة الأخ) مطلقاً (و) الرابع (ابنة العم) مطلقا (و) الخامس (الخال) مطلقاً (و) السادس (الخالة) مطلقا (و) السابع (أب الأم، و) الثامن (العم) أخ الأب (من الأم، و) التاسع (العمة) مطلقا (و) العاشر (ولد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 الأخ من الأم، ومن أدلى بهم، وأولاهم ولد الميت، ثم ولد الأبوين، أو أحدهما، وهم بنات الإخوة وولد الأخوات، ثم ولد أبوي أبويه أو أحدهما، وهم الأخوال والخالات والعمات. وإذا استوى ولد أبٍ في درجةٍ فأولاهم من أدلى بوارثٍ، وأقربهم أولى من أبعدهم، وأب الأم أولى من ولد الأخ والأخت.   الأخ من الأم، و) كذلك (من أدلى بهم) ؛ لوجود القرابة والرحم. ولما كان توريث ذوي الأرحام كتوريث العصبة بحيث من انفرد منهم أحرز جميع المال، وإذا اجتمعوا يعتبر أو لأقرب القرابة. ثم قرب الدرجة، ثم قرب القوة بكون الأصل وارثاً - شرع في بيان ذلك، فقال: (وأولاهم) أي أقرب جهات ذوي الأرحام (من كان من ولد الميت) ؛ لأنه أقرب إليه من غيره وإن سفل، ثم الجد الفاسد؛ لأنه مقدم على ولد الأبوين بإجماع أصحابنا كما في التصحيح عن زاد الفقهاء، ونص عليه المصنف كما يأتي قريبا (ثم ولد الأبوين أو أحدهما وهم بنات الإخوة) مطلقا (وولد الأخوات) مطلقاً (ثم ولد أبوي أبويه أو أحدهما وهم الأخوال والخالات والعمات) مطلقاً (وإذا استوى ولد أب في درجة) وكان بعضهم يدلي بوارث وبعضهم بغير وارث (فأولاهم من أدلى) إليه (بوارث) ؛ لأن الإدلاء بالوارث أقوى، وذلك كبنت بنت البنت وبنت بنت الابن، فالمال كله لبنت بنت الابن، لما ذكر (و) إن تفاوتوا بالقرب كان (أقربهم) وإن أدلى بغير وارث (أولى من أبعدهم) وإن أدلى بوارث، وذلك كبنت العمة وبنت ابن العم لأبوين أو لأب فالمال كله لبنت العمة؛ لما مر من أن المعتبر هو القرب (وأب الأم) وإن علا (أولى من ولد الأخ والأخت) اعتبارا بالعصبات، قال الزاهدي والإسبيجاني: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 والمعتق أحق بالفاضل عن سهم ذوي السهام إذا لم تكن عصبةٌ سواه، ومولى الموالاة يرث. وإذا ترك المعتق أبا مولاه وابن مولاه فماله للابن، وقال أبو يوسف: للأب السدس والباقي للابن، فإن ترك جد مولاه وأخ مولاه فالمال للجد في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: هو بينهما. ولا يباع الولاء، ولا يوهب.   هذا عند أبي حنيفة، وقالا: ولد الأخ والأخت أولى؛ ورجحا دليل أبي حنيفة، واختاره النسفي وغيره، تصحيح. (والمعتق أحق) من ذوي الأرحام (بالفاضل عن سهم ذوي السهام إذا لم تكن عصبة سواه) وكذلك عصبته بعده كما مر. (ومولى الموالاة يرث) ممن والاه إذا لم يكن له وارث سواه. (وإذا ترك المعتق أب مولاه وابن مولاه فماله للابن) وحده عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن ولاء العتاقة تعصيب، والابن مقدم على الأب في التعصيب (وقال أبو يوسف: للأب السدس، والباقي للابن) اعتبارا بالإرث، قال الإسبيجاني: الصحيح قولهما، تصحيح (فإن ترك جد مولاه وأخ مولاه فالمال للجد في قول أبي حنيفة، وقالا: هو بينهما) قال الإسبيجاني والزاهدي: هذا بناء على اختلافهم في الميراث؛ وقد مر، قلت: وقد مر أن الفتوى على قول الإمام، تصحيح. (ولا يباع الولاء ولا يوهب) لحديث: "الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث" الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 حساب الفرائض. - إذا كان في المسألة نصفٌ ونصفٌ، أو نصفٌ وما بقي، فأصلها من اثنين، وإن كان   ولما أتم الكلام على أحكام الفرائض أخذ في الكلام على كيفية تقسيمها بين مستحقيها، فقال: حساب الفرائض وهذه ترجمة للأصول التي يحتاج إليها الفرضيون في تصحيح المسائل وقسمة الفروض على مستحقيها، وفي مخارج الفروض المذكورة في القرآن العظيم. واعلم أن مخرج كل فرض مفرد أقل عدد يكون ذلك الفرض منه واحداً صحيحاً، ومخرج الفرض المكرر هو مخرج الفرض المفرد؛ فالنصف من اثنين، والثلث من ثلاثة، وكذا الثلثان، وهكذا. ثم اعلم أن الفروض المقدرة نوعان: النصف، والثلثان، ونصفهما ونصف نصفهما كما سبق؛ فإن لم يختلط أحد النوعين في الآخر كان أصل المسألة من مخرج أدق فرض فيها، وإن اختلط أحد النوعين في الآخر؛ فإن اختلط النصف بالنوع الثاني كله أو بعضه، فالمسألة من ستة، وإن اختلط الربع كذلك فمن اثني عشر، وإن اختلط الثمن كذلك فمن أربعة وعشرين. وقد أخذ المصنف في بيان ذلك فقال: (إذا كان في المسألة نصف ونصف) كزوج وأخت شقيقة أو لأب (أو نصف وما بقي) كبنت وأخت شقيقة أو لأب (فأصلها من اثنين، وإن كان) في المسألة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 ثلثٌ وما بقي، أو ثلثان وما بقي فأصلها من ثلاثة، وإن كان ربعٌ وما بقي أو ربعٌ ونصفٌ فأصلها من أربعة، وإن كان ثمنٌ وما بقي، أو ثمنٌ ونصفٌ وما بقي فأصلها من ثمانية، وإذا كان سدسٌ وما بقي أو نصفٌ وثلثٌ أو سدس فأصلها من ستة، وتعول إلى سبعة وثمانية وتسعة وعشرة. وإن كان مع الربع ثلثٌ أو سدسٌ فأصلها من اثني عشر، وتعول إلى ثلاثة عشر   (ثلث وما بقي) كأم وأخ شقيق أو لأب، أو ثلث وثلثان كأخوين لأم وأختين لأبوين أو لأب (أو ثلثان وما بقي) كبنتين وعم (فأصلها من ثلاثة، وإن كان) في المسألة (ربع وما بقي) كزوج وعم (أو ربع ونصف) كزوج وبنت (فأصلها من أربعة، وإن كان) في المسألة (ثمن وما بقي) كزوجة وابن (أو ثمن ونصف وما بقي) كزوجة وبنت وعم (فأصلها من ثمانية، وإذا كان) في المسألة (سدس وما بقي) كجدة وعم أو سدس وثلث وما بقي كأم وولدي أم وعم، أو سدس ونصف وما بقي كجدة وزوج وعم (أو نصف وثلث) وما بقي كأم وأخت شقيقة أو لأب وعم (أو) نصف (وسدس) وما بقي كأم وبنت وعم (فأصلها من ستة، و) قد (تعول) الستة (إلى سبعة) كزوج وأختين لأب (و) إلى (ثمانية) كزوج وثلاث أخوات متفرقة (و) إلى (تسعة) كزوج وأختين لأب وأختين لأم (و) إلى (عشرة) كزوج وأم وأختين لأب وأختين لأم (وإن كان مع الربع ثلث) كزوجة وأم (أو) كان مع الربع (سدس) كزوجة وأخ لأم (فأصلها من اثني عشر، و) قد (تعول) الاثنا عشر (إلى ثلاثة عشر) كزوجة وثلاثة أخوات متفرقة (وخمسة عشر) كالمسألة السابقة يزيادة أخت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 وخمسة عشر وسبعة عشر. وإذا كان مع الثمن ثلثان أو سدسٌ فأصلها من أربعة وعشرين، وتعول إلى سبعة وعشرين. فإذا انقسمت المسألة على الورثة فقد صحت، وإن لم تنقسم سهام فريقٍ عليهم فاضرب عددهم في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلة، فما خرج فمنه تصح المسألة، كامرأة وأخوين: للمرأة الربع سهمٌ، وللأخوين ما بقي، وهي ثلاثة أسهمٍ لا تنقسم عليهما   أخرى من أم (وسبعة عشر) كما لو كان معهن أم أيضاً. (وإذا كان مع الثمن ثلثان) كزوجة وبنتين (أو) كان مع الثمن (سدس) كزوجة وأم وابن (فأصلها من أربعة وعشرين، وتعول إلى سبعة وعشرين) كزوجة وبنتين وأبوين. (فإن انقسمت المسألة) الحادثة (على الورثة) من غير كسر (فقد صحت المسألة) من أصلها؛ لحصول المقصود بحصول الانقسام من غير كسر في السهام (وإن لم ينقسم سهام فريق) من الورثة (عليهم) لتعدد ذلك الفريق (فاضرب عددهم) أي عد ذلك الفريق المنكسر عليه إذا لم يكن بينهما موافقة كما يأتي (في أصل المسألة) إن كانت عادلة (و) في (عولها إن كانت عائلة) ويسمى المضروب فيه عندهم جزء السهم (فما خرج فمنه تصح المسألة) ويسمى الحاصل بالضرب التصحيح، وذلك (كامرأة وأخوين) لأب وأم أو لأب، أصل المسألة من أربعة (للمرأة الربع سهم وللأخوين ما بقي وهو ثلاثة أسهم) وهي (لا تنقسم عليهما) قسمة صحيحة ولا موافقة بينهما (فاضرب اثنين) عدد رءوسهم (في أصل المسألة) وهو أربعة (يكون) الحاصل (ثمانية ومنها تصح) المسألة: للمرأة واحد في اثنين باثنين، وللأخوين ثلاثة في اثنين بستة لكل واحد ثلاثة، وكزوج وثلاث أخوات كذلك: أصلها من ستة، وعالت إلى سبعة، وقد انكسر سهام الأخوات عليهن، ولا موافقة بينهما، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 فاضرب اثنين في أصل المسألة فتكون ثمانية، ومنها تصح. وإن وافق سهامهم عددهم، فاضرب وفق عددهم في أصل المسألة، كامرأةٍ وستة أخوةٍ، للمرأة الربع سهمٌ، وللأخوة ثلاثةٌ، فاضرب وفق عددهم في أصل المسألة يكون ثمانيةً، ومنها تصح.   فاضرب عدد رءوسهن - وهي ثلاثة - في أصل المسألة مع عولها - وهو سبعة - تبلغ إحدى وعشرين؛ فمنها تصح للزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعة، وللأخوات أربعة في ثلاثة باثني عشر لكل واحدة أربعة (وإن وافق سهامهم) أي سهام الفريق المنكسر عليهم (عددهم فاضرب وفق عددهم في أصل المسألة) إن كانت عادلة وعولها إن كانت عائلة كما مر، وذلك (كامرأة وستة أخوة) لأب وأم أو لأب: أصل المسألة من أربعة (للمرأة الربع سهم، وللإخوة ثلاثة) وهي لا تنقسم عليهم (لكن بينهما موافقة بالثلث (فاضرب ثلث عددهم) وهو اثنان (في أصل المسألة) وهو أربعة يكن الحاصل ثمانية (ومنها تصح المسألة) للمرأة واحد في اثنين باثنين، وللإخوة ثلاثة في اثنين بستة لكل واحد منهم واحد، وكزوج وأبوين وست بنات، أصلها من اثني عشر، وتعول إلى خمسة عشر، وينكسر سهام البنات عليهن، وبينهما موافقة بالنصف، فاضرب وفق الرءوس - وهو ثلاثة - في أصل المسألة مع عولها يكن الحاصل خمسة وأربعين، ومنها تصح للزوج ثلاثة بتسعة، وللأبوين أربعة في ثلاث باثني عشر لكل واحد ستة، وللبنات ثمانية في ثلاثة بأربعة وعشرين لكل واحدة أربعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 وإن لم تنقسم سهام فريقين أو أكثر، فاضرب أحد الفريقين في الآخر ثم ما اجتمع في الفريق الثالث، ثم ما اجتمع في أصل المسألة، فإن تساوت الأعداد أجزأ أحدهما عن الآخر، كامرأتين وأخوين، فاضرب اثنين في أصل المسألة.   ولما فرغ من النظر بين السهام والرءوس أخذ في النظر بين الرءوس والرءوس على أربعة أصول؛ لأنه إما أن يتباينا أو يتماثلا أو يتداخلا أو يتوافقا، ونبه على الأول بقوله: (وإن لم تنقسم سهام الفريقين) : من الورثة (أو أكثر) وكان بين العددين مباينة (فاضرب أحد الفريقين) أي عدد رءوس أحد الفريقين (في) عدد رءوس (الآخر، ثم) اضرب (ما اجتمع) بالضرب (في الفريق الثالث) إن كان، ثم ما اجتمع في الرابع إن كان، وهذا غايته بالاستقراء (ثم) اضرب (ما اجتمع) بضرب رءوس الفرق، ويسمى السهم كما مر (في أصل المسألة) والحاصل هو التصحيح، ومثال من ذلك: ثلاث زوجات وأخوان، أصل المسألة من أربعة: للزوجات سهم لا ينقسم عليهن، وللأخوين ثلاثة لا تنقسم عليهما، وبين الثلاثة والاثنين تباين، فاضرب الاثنين في الثلاثة بستة، وهي في أصل المسألة؛ يكن الحاصل أربعة وعشرين؛ ومنها تصح؛ كان للزوجات واحد في ستة بستة لكل واحدة اثنان، وللأخوين ثلاثة في ستة بثمانية عشر لكل واحد تسعة. ونبه على الثاني بقوله: (فإن تساوت الأعداد) أي تماثلت (أجزأ أحدهما) أي ضرب أحد المتماثلين (عن) ضرب (الآخر) ، لأنه بضرب أحدهما ينبجبر الكسر فيهما، وذلك (كامرأتين وأخوين) لأب وأم أو لأب، أصل المسألة من أربعة للمرأتين سهم واحد لا ينقسم عليهما، وللأخوين ثلاثة لا تنقسم عليهما أيضا، وبين رءوس الفريقين مماثلة (فاضرب الاثنين) أحد رءوس الفريقين (في أصل المسألة) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 فإن كان أحد العددين جزءاً من الآخر أغنى الأكثر عن الأقل كأربع نسوةٍ وأخوين، إذا ضربت الأربعة أجزأك عن الأخوين. وإن وافق أحد العددين الآخر ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر، ثم ما اجتمع في أصل المسألة، كأربع نسوةٍ وأختٍ وستة أعمامٍ   وهو أربعة؛ يكن الحاصل ثمانية، ومنها تصح المسألة؛ كان للمرأتين واحد في اثنين باثنين لكل واحدة واحد، وكان للأخوين ثلاثة في اثنين بستة لكل واحد ثلاثة. ونبه على الثالث بقوله: (فإن كان أحد العددين) داخلا في الآخر، بأن كان -جزءا من الآخر أغنى الأكثر) أي ضرب الأكثر منهما (عن) ضرب (الأقل) ؛ لدخول الأقل في الأكثر، وذلك (كأربع نسوة وأخوين) لأب وأم أو لأب، أصل المسألة من أربعة: للنسوة سهم واحد لا ينقسم عليهن، وللأخوين ثلاثة أسهم لا تنقسم عليهما أيضاً، وعدد أحد الفريقين جزء من الآخر، فيغني ضرب الأكثر عن الأقل، ففي المثال المذكور (إذا ضربت الأربعة) عدد رءوس النسوة في أصل المسألة (أجزأك) ذلك (عن) ضربه في رءوس (الأخوين) ثم في المسألة، لحصول الانجبار مع الاختصار. ونبه على الرابع بقوله: (وإن وافق أحد العددين) العدد (الآخر) بجزء من الأجزاء (ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر، ثم) ضربت (ما اجتمع في أصل المسألة) يحصل التصحيح، وذلك (كأربعة نسوة وأخت) لأب وأم أو لأب وستة أعمام أصل المسألة من أربعة: للنسوة سهم لا ينقسم عليهن، وللأخت سهمان وللأعمام سهم لا ينقسم عليهم أيضاً، فيكون الرءوس المنكسرة عليها أربعة وستة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 فالستة توافق الأربعة بالنصف، فاضرب نصف أحدهما في جميع الآخر، ثم ما اجتمع في أصل المسألة، تكون ثمانيةً وأربعين، ومنها تصح. فإذا صحت المسألة فاضرب سهام كل وارثٍ في التركة ثم أقسم ما اجتمع على ما صحت منه الفريضة يخرج حق ذلك الوارث.   (فالستة توافق الأربعة بالنصف، فاضرب نصف أحدهما) أي الأربعة والستة (في جميع الآخر) يكن الحاصل اثني عشر (ثم) اضرب الحاصل (في أصل المسألة يكن) الحاصل (ثمانية وأربعين، ومنها تصح) المسألة؛ كان للنسوة واحد في اثني عشر باثني عشر لكل واحدة ثلاثة، وكان للأخت سهمان في اثني عشر بأربعة وعشرين، وكا للأعمام سهم في اثني عشر باثني عشر لكل واحد اثنان. (فإذا صحت المسألة) بالطرق المارة، وأردت معرفة ما يخص كل واحد من التركة حيث كانت درهم أو دنانير أو نحوهما (فاضرب سهام كل وارث) من التصحيح (في) جميع (التركة، ثم اقسم ما اجتمع) بالضرب (على ما صحت منه الفريضة) أي التصحيح (يخرج) بالقسمة (حق ذلك الوارث) ففي المسألة السابقة لو فرضنا التركة ستة وتسعين، وقد كان للزوجات من التصحيح لكل واحدة ثلاثة فاضرب الثلاثة في الستة والتسعين يكن الحاصل مائتين وثمانية وثمانين، اقسمها على ثمانية وأربعين يخرج ستة، فهي لها، وكذلك بقية الزوجات، وكان للأخت أربعة وعشرون اضربها في الستة والتسعين يكن الحاصل ألفين وثلاثمائة وأربعة، اقسمها على ثمانية وأربعين يخرج ثمانية وأربعون، فهي لها، وكان لكل واحد من الأعمام سهمان اضربهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 وإذا لم تقسم التركة حتى مات أحد الورثة، فإن كان ما يصيبه من الميت الأول ينقسم على ورثته فقد صحت المسألتان مما صحت الأولى، وإن لم ينقسم صححت فريضة الميت الثاني بالطريقة التي ذكرناها، ثم ضربت إحدى المسألتين في الأخرى إن لم يكن بين سهام الميت الثاني وما صحت منه فريضته موافقةٌ   في الستة والتسعين يكن الحاصل مائة واثنين وتسعين، اقسمها على ثمانية وأربعين يخرج أربعة، فهي له، ومثله بقية الأعمام، وجملة ذلك ستة وتسعون. ولما أنهى الكلام على حساب الفرائض أخذ في الكلام على كيفية عمل المناسخة فقال: (وإذا لم تقسم التركة حتى مات أحد الورثة) عمن في المسألة فقط، أو عن غيرهم فقط، أو عنهما، وأردت تصحيح مسألتهما معاً؛ فطريقه أن تصحح مسألة الميت الأول بالطرق المارة، وتنظر ما خص الميت الثاني من التصحيح (فإن كان ما يصيبه من الميت الأول ينقسم على عدد ورثته) أي ورثة الميت الثاني (فقد صحت المسألتان مما) أي من التصحيح الذي (صحت) منه المسألة (الأولى) فلا يحتاج إلى عمل آخر، وذلك كما إذا ترك ابناً وبنتاً، ثم مات الابن عن ابنين، المسألة الأولى من ثلاثة: للابن منها اثنان، وللبنت واحد، والذي أصابه الميت الثاني ينقسم على ورثته، فأصل المسألتين من ثلاثة (وإن لم ينقسم) ما يصيب الميت الثاني على عدد ورثته (صححت) أيضاً (فريضة) أي مسألة (الميت الثاني بالطريقة التي ذكرناها) آنفاً (ثم ضربت إحدى المسألتين في) المسألة (الأخرى، إن لم يكن بين سهام الميت الثاني) من فريضة الميت الأول (وما صحت منه فريضته) أي فريضة الميت الثاني (موافقة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 فإن كان بينهما موافقةٌ فاضرب المسألة الثانية في الأولى، فما اجتمع صحت منه المسألتان. وكل من له شيءٌ من المسألة الأولى مضروبٌ في وفق المسألة الثانية، ومن كان له شيءٌ من المسألة الثانية مضروبٌ في وفق تركة الميت الثاني.   فإن كان بينهما موافقة فاضرب المسألة الثانية) أي وفقها (في) جميع المسألة (الأولى) أو بالعكس (فما اجتمع) بالضرب (صحت منه المسألتان) ويسمى ذلك في اصطلاحهم الجامعة، فإن مات ثالث، فاجعل له مسألة أيضاً، واجعل الجامعة مكان التصحيح الأول: واجعل التصحيح الثالث مكان الثاني، وتمم العمل كما ذكر، وهكذا إن مات رابع، وهلم جرا، ومثال ذلك: زوج وابن أبوان، ثم مات الابن عن ابن وأبيه وجدته؛ فالأولى من اثني عشر: للزوج ثلاثة، وللأبوين أربعة، وللابن خمسة؛ ومسألة الثاني من ستة، وسهامه من الأول خمسة، وهي لا تنقسم على مسألته، وبينهما مباينة، فتضرب مصحح الثاني - وهو ستة - في مصحح الأولى - وهو اثنا عشر - يكن الحاصل اثنين وسبعين، ومنه تصح المسألتان. ثم ذكر كيفية أخذ كل من الورثة ما يخصه من الجامعة فقال: (وكل من له شيء من المسألة الأولى) فهو (مضروب) يعني يأخذه مضروباً (في وفق المسألة الثانية) عند الموافقة، أو في كلها عند المباينة (ومن كان له شيء من المسألة الثانية) فهو (مضروب في وفق تركة الميت الثاني) عند الموافقة، أو في كلها عند المباينة، ومن كان له شيء منهما أخذه مضروباً في وفقهما عند الموافقة، أو في كل منهما عند المباينة؛ ففي المسألة السابقة للزوج في الأولى ثلاثة في ستة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 وإذا صحت مسألة المناسخة، وأردت معرفة ما يصيب كل واحدٍ من حبات الدرهم قسمت ما صحت منه المسألة على ثمانية وأربعين، فما خرج أخذت له من سهام كل وارثٍ حبةً.   بثمانية عشر، ومن الثانية واحد في خمسة بخمسة، ومجموعه ثلاثة وعشرون، وللأب من الأولى فقط اثنان في ستة باثني عشر، وللأم من الأولى اثنان في ستة باثني عشر، ومن الثانية واحد في خمسة بخمسة، ومجموعها سبعة عشر، وللابن من الثانية فقط أربعة في خمسة بعشرين، ومجموع ذلك اثنان وسبعون، وعلى هذا فقس. (وقد جرت عادة الفرضيين إذا انتهوا من عمل المناسخة أو غيرها من المسائل أن يحولوا ذلك إلى القيراط أو الأدق منه، وهو الحبة؛ فذكر المصنف كيفية ذلك بقوله: (وإذا صحت المناسخة) بالطرق المارة، ومثلها وغيرها من المسائل (وأردت معرفة ما يصيب كل واحد) من الورثة (من حبات الدرهم) جمع حبة، وهي الشعيرة المتوسطة التي لم تقشر وقطع من طرفها ما دق وطال، ونسبتها إلى القيراط ثلث. واعلم أن القيراط في عرف أهل الحجاز واليمن ومصر والشام والمغرب عبارة عن جزء من أربعة وعشرين جزأ من الواحد، فحبات الواحد عندهم اثنان وسبعون حبة، وفي عرف أهل العراق ونواحيها عبارة عن جزء من عشرين جزأ من الواحد، وعلى هذا فرع كثير من المتقدمين كالموصلي وصاحب المختار في شرحه الاختيار وغيره، فحبات الواحد عندهم ستون حبة، وفي عرف آخرين عبارة عن جزء من ستة عشر جزأ من الواحد، فحبات الواحد عندهم ثمانية وأربعون حبة، وعليه فرع المصنف بقوله: (قسمت ما صحت منه المسألة على ثمانية وأربعين) التي هي مخرج الحبة (فما خرج) بالقسمة فهو الحبة؛ فإذا أردت معرفة مقدار حبات كل واحد من الورثة (أخذت له) أي لذلك الخارج بالقسمة وهو الحبة (من سهام كل وارث) بكل قدر ما يقابله (حبة) وذلك بأن تقسم ما لكل وارث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   من التصحيح على الخارج بالقسمة، أعني الحبة؛ فيكون كل واحد من الخارج بالقسمة عليه حبة؛ فجمعه الخارج بالقسمة هو حبات ذلك الوارث، ففي المسألة المتقدمة صحت من اثنين وسبعين، فإذا قسمنا ذلك على ثمانية وأربعين كان الخارج بالقسمو واحداً ونصفاً، وهو حبة، فاقسم ما لكل وارث عليه يكن الخارج جملة ما له من الحبات، فالزوج له ثلاثة وعشرون اقسمها على واحد ونصف يكن الخارج خمسة عشر وثلثاً، وللأب اثنا عشر اقسمها عليه يكن الخارج ثمانية، وللأم سبعة عشر اقسمها عليه يكن الخارج أحد عشر وثلثاً، وللابن عشرون اقسمها عليه يكن الخارج ثلاثة عشر وثلثاً، والله سبحانه وتعالى أعلم] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213