الكتاب: سير السلف الصالحين لإسماعيل بن محمد الأصبهاني المؤلف: إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي الطليحي التيمي الأصبهاني، أبو القاسم، الملقب بقوام السنة (المتوفى: 535هـ) تحقيق: د. كرم بن حلمي بن فرحات بن أحمد الناشر: دار الراية للنشر والتوزيع، الرياض عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهوضمن خدمة التراجم] ---------- سير السلف الصالحين لإسماعيل بن محمد الأصبهاني إسماعيل الأصبهاني الكتاب: سير السلف الصالحين لإسماعيل بن محمد الأصبهاني المؤلف: إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي الطليحي التيمي الأصبهاني، أبو القاسم، الملقب بقوام السنة (المتوفى: 535هـ) تحقيق: د. كرم بن حلمي بن فرحات بن أحمد الناشر: دار الراية للنشر والتوزيع، الرياض عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهوضمن خدمة التراجم] الْعَشَرَةُ الْمُبَشَّرُونَ بِالْجَنَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: نَبْدَأُ بِذِكْرِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَمِنَ الصَّحَابَةِ بِذِكْرِ الْعَشَرَةِ، فَأَوَّلُهُمْ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِنِّي جَالِسَةٌ ذَاتَ يَوْمٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فِي فِنَاءِ الْبَيْتِ، إِذْ أَقْبَلَ أَبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنَّ اسْمَهُ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ حِينَ مَوْلِدِهِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَتِيقِ. فَصْلٌ فِي ذِكْرِ صِفَتِهِ وَمَوْلِدِهِ وَوَفَاتِهِ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، كَأَنَّ لِحْيَتَهُ لَهَبُ الْعَرْفَجِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 عَلَى نَاقَةٍ لَهُ أَدْمَاءَ أَبْيَضَ خَفِيفًا. وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يَخْتَضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ثَلَاثَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَصْبَحُ قُرَيْشٍ وُجُوهًا، وَأَحْسَنُهَا أَحْلَامًا، وَأَثْبَتُهَا حَيَاءً، إِنْ حَدَّثُوكَ لَمْ يَكْذِبُوكَ، وَإِنْ حَدَّثْتَهُمْ لَمْ يُكَذِّبُوكَ، أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: اسْتَكَمَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِخِلَافَتِهِ سِنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: تَذَاكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِيلَادَيْهِمَا عِنْدِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْبَرَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِسَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ، الَّذِي عَاشَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَصْحَابُ التَّوَارِيخِ: تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشَرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ، لِثَلَاثٍ بَقَيْنَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ سَنَتَيْنِ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَقِيلَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 سَنَتَيْنِ وَنِصْفَ، وَغَسَّلَتْهُ زَوْجَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، بِوَصِيَّتِهِ إِلَيْهَا، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَدَفَنَهُ لَيْلًا، وَنَزَلَ قَبْرَهُ عُمَرُ وَطَلْحَةُ وَعُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ. دُفِنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَرَأْسُهُ بَيْنَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَصْحَابُ التَّوَارِيخِ: كَانَ أَبْيَضَ نَحِيفًا، خَفِيفَ الْعَارِضَيْنِ، نَقْشُ خَاتَمِهِ: نِعْمَ الْقَادِرُ اللَّهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 فَصْلٌ فِي ذِكْرِ إِسْلَامِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ النَّاسِ إِسْلَامًا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا رَأَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَثَاقُلَ النَّاسِ، قَالَ «أَلَسْتُ أَوَّلَ مِنْ أَسْلَمَ» ؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، مَنْ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ؟ ، فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا سمعت قَوْلَ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ: إِذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوًا مِنْ أَخِي ثِقَةٍ ... فَاذْكُرْ أَخَاكَ أَبَا بَكْرٍ بِمَا فَعَلَا خَيْرُ الْبَرِيَّةِ أَتْقَاهَا وَأَعْدَلُهَا ... بَعْدَ النَّبِيِّ، وَأَوْفَاهَا بِمَا حِمَلَا الثَّانِيَ التَّالِيَ الْمَحْمُودُ مَشْهَدُهُ ... وَأَوَّلُ النَّاسِ مِنْهُمْ صَدَّقَ الرُّسُلَا وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ أَبُو بَكْرٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 فَصْلٌ فِي وَرَعِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَمْلُوكٌ يَغُلُّ عَلَيْهِ، فَأَتَاهُ لَيْلَةً بِطَعَامٍ، فَتَنَاوَلَ مِنْهُ لُقْمَةً، فَقَالَ لَهُ الْمَمْلُوكُ: مَالَكَ كُنْتَ تَسْأَلُنِي كُلَّ لَيْلَةٍ وَلَمْ تَسْأَلْنِي اللَّيْلَةَ؟ قَالَ «حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ الْجُوعُ. مِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهَذَا» ؟ قَالَ: مَرَرْتُ بِقَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَرَقِيتُ لَهُمْ، فَوَعَدُونِي، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمَ مَرَرْتُ بِهِمْ، فَإِذَا عُرْسٌ لَهُمْ، فَأَعْطُونِي. قَالَ: «أُفٍّ لَكَ، كِدْتَ أَنْ تُهْلِكَنِي» ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي حَلْقِهِ، فَجَعَلَ يَتَقَيَّأُ، وَجَعَلَتْ لَا تَخْرُجُ، فَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ لَا تَخْرُجُ إِلَّا بِالْمَاءِ، فَدَعَا بِعَسٍّ مِنْ مَاءٍ، وَجَعَلَ يَشْرَبُ وَيَتَقَيَّأُ، حَتَّى رَمَى بِهَا، فَقِيلَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، كُلُّ هَذَا مِنْ أَجْلِ هَذِهِ اللُّقْمَةِ، قَالَ: " لَوْ لَمْ تَخْرُجْ إِلَّا مَعَ نَفْسِي لَأَخْرَجْتُهَا، سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ، فَخَشِيتُ أَنْ يَنْبُتَ شَيْءٌ مِنْ جَسَدِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 بِهَذِهِ اللُّقْمَةِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 فَصْلٌ فِي زُهْدِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، اسْتَسْقَى فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَعَسَلٌ، فَلَمَّا أُدْنِيَ مِنْ فِيهِ بَكَى، وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَسَكَتَ وَمَا سَكَتُوا، ثُمَّ عَادَ فَبَكَى، حَتَّى ظَنُّوا أَنْ لَا يَقْدِرُوا عَلَى مَسْأَلَتِهِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ فَأَفَاقَ، فَقَالُوا: مَا أَهَاجَكَ عَلَى هَذَا الْبُكَاءِ؟ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَدْفَعُ عَنْهُ شَيْئًا: «إِلَيْكِ عَنِّي، إِلَيْكِ عَنِّي» ، وَلَمْ أَرَ مَعَهُ أَحَدًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَاكَ تَدْفَعُ عَنْكَ شَيْئًا وَلَمْ أَرَ مَعَكَ أَحَدًا! ، قَالَ: " هَذِهِ الدُّنْيَا تَمَثَّلَتْ لِي بِمَا فِيهَا، فَقُلْتُ لَهَا: إِلَيْكِ عَنِّي، فَتَنَحَّتْ "، وَقَالَتْ: أَمَا وَاللَّهِ إِنْ أفَلتَّ مِنِّي لَا يُفْلِتْ مِنِّي مَنْ بَعْدَكَ، فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ قَدْ لَحِقَتْ بِي، فَذَاكَ الَّذِي أَبْكَانِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا لَقِيَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَذًى رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: أَتَى الصَّرِيخُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقِيلَ لَهُ: أَدْرِكْ صَاحِبَكَ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِنَا وَإِنَّ لَهُ غَدَائِرَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَهُوَ يَقُولُ: " وَيْلَكُمْ {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 28] "، قَالَتْ: فَلَهَوْا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْبَلُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَرَجَعَ إِلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ لَا يَمَسُّ شَيْئًا مِنْ غَدَائِرِهِ إِلَّا جَاءَ مَعَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: «تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 فَصْلٌ فِي ذِكْرِ إِنْفَاقِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَصَدَقَتِهِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ، وَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا. قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟» فَقُلْتُ: مِثْلَهُ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَبْقيْتَ لِأَهْلِكَ؟» قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقُلْتُ: لَا أُسَابِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 فَصْلٌ فِي كَوْنِهِ فِي الْغَارِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوِقَايَتِهِ إِيَّاهُ بِنَفْسِهِ وَدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْغَارِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ لِأَدْخُلَ قَبْلَكَ، فَإِنْ كَانَتْ حَيَّةٌ أَوْ شَيْءٌ كَانَتْ بِي قَبْلَكَ. قَالَ: «ادْخُلْ» ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَجَعَلَ يَلْتَمِسُ بِيَدِهِ، فَكُلَّمَا رَأَى جُحْرًا مَالَ بِثَوْبِهِ فَشَقَّهُ ثُمَّ أَلْقَمَهُ الْجُحْرَ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ بِثَوْبِهِ أَجْمَعَ فَبَقِيَ جُحْرٌ فَوَضَعَ عَقَبِهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ ثَوْبُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟» فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي صَنَعَ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَبَا بَكْرٍ مَعِيَ فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدِ اسْتَجَابَ لَكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 فَصْلٌ فِي ذِكْرِ خُطَبِهِ وَمَوَاعِظِهِ وَكَلَامِهِ رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ «أَيْنَ الْوُضَاةُ الْحَسَنَةُ وُجُوهُهُمْ، الْمُعْجَبُونَ بِشَبَابِهِمْ؟ أَيْنَ الْمُلُوكُ الَّذِينَ بَنَوْا الْمَدَائِنَ وَحَصَّنُوهَا بِالْحِيطَانِ؟ أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يُعْطَوْنَ الْغَلَبَةَ فِي مَوَاطِنِ الْحَرْبِ؟ قَدْ تَضَعْضَعَ بِهِمُ الدَّهْرُ، فَأَصْبَحُوا فِي ظُلُمَاتِ الْقُبُورِ. الْوَحَا الْوَحَا، النَّجَاةَ النَّجَاةَ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وَعَنْ أَبِي السَّفْرِ، قَالَ: مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَادُوهُ، فَقَالُوا: أَلَا نَدْعُو لَكَ بِالطَّبِيبِ؟ قَالَ: «قَدْ رَآنِي» ، فَقَالُوا: أَيُّ شَيْءٍ قَالَ لَكَ؟ قَالَ: " قَالَ: إنِّي فَعَّالٌ لِمَا أُرِيدُ ". وَعَنْ أَسْلَمَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَجْذِبُ لِسَانَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَهْ. غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، قَالَ: «إنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ» . وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «طُوبَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 لِمَنْ مَاتَ فِي النَّأْنَأَةِ» . قِيلَ: وَمَا النَّأْنَأَةِ. قَالَ: «جِدَّةُ الْإِسْلَامِ» . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «وَاللَّهِ لَأَنْ يُقَدَّمَ أَحَدُكُمْ فَيُضْرَبُ عُنُقُهُ فِي غَيْرِ حَدٍّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْبَحَ فِي غَمْرَةِ الدُّنْيَا» . وَقِيلَ لَهُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تَسْتَعْمِلَ أَهْلَ بَدْرٍ؟ قَالَ: «إِنِّي أَرَى مَكَانَهُمْ، وَلَكِنْ أَكْرَهُ أَنْ أُدَنِّسَهُمْ بِالدُّنْيَا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وَعَنْ قَيْسٍ، قَالَ: " اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِلَالًا بِخَمْسِ أَوَاقٍ ذَهَبًا، فَقَالُوا لَهُ: لَوْ أَبَيْتَ إِلَّا أُوقِيَّةً لَبِعْنَاكَهُ، قَالَ: لَوْ أَبَيْتُمْ إِلَّا مِائَةَ أُوقِيَّةٍ لَأَخَذْتُهُ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَجْمَعٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ شَرِبْتَ خَمْرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ، قِيلَ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَصُونُ عِرْضِي وَأَحْفَظُ مُرُوءَتِي، لِأَنَّهُ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ كَانَ لِعِرْضِهِ وَمُرُوءَتِهِ بِهِ مُضَيِّعًا. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «صَدَقَ أَبُو بَكْرٍ، صَدَقَ أَبُو بَكْرٍ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، قَالَ: " لَمَّا حَضَرَ أَبَا بَكْرٍ الْمَوْتُ ذَكَرَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عُمَرَ عَلَى النَّاسِ فَأَتَاهُ نَاسٌ، فَقَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا تَقُولُ لِرَبِّكَ غَدًا إِذَا لَقِيتُهُ وَقَدِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا عُمَرَ وَقَدْ عَرَفْتَ شِدَّتَهُ وَفَظَاظَتَهُ، فَقَالَ: أَبِاللَّهِ تُخَوِّفُونِي؟ أَقُولُ: يَا رَبِّ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ، ثُمَّ دَعَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عُمَرُ إِذَا وُلِّيتَ عَلَى النَّاسِ غَدًا، وَاعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَمَلًا بِالنَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَعَمَلًا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ نَافِلَةً حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ، وَإِنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْحَقَّ فِي الدُّنْيَا، وَثِقَلِهِ عَلَيْهِمْ. وَحُقَّ لِمِيزَانٍ أَنْ يُوضَعَ فِيهِ الْحَقُّ غَدًا أَنْ يَكُونَ ثَقِيلًا، وَإِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ فِي الدُّنْيَا وَخِفَّتِهِ عَلَيْهِمْ وَحُقَّ لِمِيزَانٍ أَنْ يُوضَعَ فِيهِ الْبَاطِلُ غَدًا، أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَذَكَرَهُمْ بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ، وَتَجَاوَزَ عَنْ سَيِّئِهِمْ، فَإِذَا ذَكَرْتُهُمْ قُلْتُ: إِنِّي أَخَافُ أَلَّا أَلْحَقَ بِهِمْ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ أَهْلَ النَّارِ فَذَكَرَهُمْ بِأَسْوَءِ أَعْمَالِهِمْ، وَرَدَّ أَعْمَالَهُمْ جَهَنَّمَ، فَإِذَا ذَكَرْتُهُمْ قُلْتُ: إِنِّي أَرْجُو أَلَّا أَكُونَ مَعَ هَؤُلَاءِ، لِيَكُنِ الْعَبْدُ رَاغِبًا رَاهِبًا لَا يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ وَلَا يَقْنَطُ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 رَحْمَتِهِ فَإِنْ أَنْتَ حَفِظْتَ وَصِيَّتِي، فَلَا يَكُ غَائِبٌ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ، وَهُوَ آتِيكَ، وَإِنْ ضَيَّعْتَ وَصِيَّتِي فَلَا يَكُ غَائِبٌ أبَغْضَ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ وَلَسْتَ بِمُعْجِزِهِ ". فَصْلٌ فِي إِشَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ رُوِيَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ تُكَلِّمُهُ فِي شَيْءٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ جِئْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ، تَعْنِي الْمَوْتَ، قَالَ: «فَأْتِ أَبَا بَكْرٍ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لِأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ: هَلُمَّ أُبَايِعْكَ فَإِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّكَ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ» ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ؛ أُصَلِّي بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّنَا حَتَّى قُبِضَ وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَقَدْ هَمَمْتَ أَوْ - أَرَدْتَ - أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَآتِيهِ، فَأَعْهَدُ؛ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُوُنَ، أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ ". وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أُرِيَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نِيطَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنِيطَ بِأَبِي بَكْرٍ عُمَرُ، وَنِيطَ بِعُمَرَ عُثْمَانُ» فَلَمَّا قُمْنَا مِنْ عَنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْنَا: أَمَّا الرَّجُلُ الصَّالِحُ، فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا ذِكْرُ نَوْطِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فَهُمْ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي ابْتَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وَعَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَمَّا بَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ، جَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، فَقَالَ: " هَؤُلَاءِ وُلَاةُ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 فَصْلٌ رُوِيَ أنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ يَذْكُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ جَمْعًا: ثَلَاثَةٌ بَرَزُوا بِفَضْلِهِمُ ... نَضَّرَهُمْ رَبُّنَا إِذِ انْتَشَرُوا فَلَيْسَ مِنْ مُؤْمِنٍ لَهُ بَصَرٌ ... يُنْكِرُ تَفَضِيلَهُمْ إِذَا ذُكِرُوا سَارُوا بِلَا فُرْقَةٍ حَيَاتَهُمُ ... فَاجْتَمَعُوا فِي الْمَمَاتِ إِذْ قُبِرُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: قَالَ لِي هَارُونَ الرَّشِيدُ: كَيْفَ كَانَتْ مَنْزِلَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِمَا؟ قُلْتُ: كَمَنْزِلَتِهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا، قَالَ: يَا مَالِكُ شَفَيْتَنِي. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8] إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8] فَهَؤُلَاءِ سَمَّوْهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ سُفْيَانُ: مَنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَدْ أَزْرَى عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 فَصْلٌ فِي إِعْتَاقِ أَبِي بَكْرٍ الْمُعَذَّبِينَ فِي اللَّهِ رُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ يَمُرُّ بِبِلَالٍ، وَهُوَ يُعَذَّبُ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ، فَيَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ يَا بِلَالُ. ثُمَّ يُقْبِلُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَيَقُولُ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ عَلَى هَذَا لَأَتَّخِذَنَّهُ حَنَانًا: أَيْ ذَا حَنَانٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 وَالْحَنَانُ الرَّحْمَةُ حَتَّى مَرَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَوْمًا، وَهُمْ يَصْنَعُونَ بِهِ ذَلِكَ، وَكَانَ دَارُ أَبِي بَكْرٍ فِي بَنِي جُمَحٍ، فَقَالَ لِأُمَيَّةَ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذَا الْمِسْكِينِ؟ حَتَّى مَتَى؟ قَالَ: أَنْتَ أَفْسَدْتَهُ فَأَنْقِذْهُ مِمَّا تَرَى، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَفْعَلُ. عِنْدِي غُلَامٌ أَسْوَدٌ، أَجْلَدُ مِنْهُ وَأَقْوَى، عَلَى دِينِكَ، أُعْطِيكَهُ، قَالَ: قَدْ قَبِلْتُ، قَالَ: هُوَ لَكَ، فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ غُلَامَهُ ذَلِكَ وَأَخَذَ بِلَالًا فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَ مَعَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ مِنْ مَكَّةَ سِتَّ رِقَابٍ، بِلَالٌ سَابِعُهُمْ: عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا، وَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا، وَأُمُّ عُمَيْسٍ وَزُبَيْرَةَ فَأُصِيبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 بَصَرُهَا حِينَ أَعْتَقَهَا فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا أَذْهَبَ بَصَرَهَا إِلَّا اللَّاتُ وَالْعُزَّى فَقَالَتْ: كَذَبُوا، وَبَيْتِ اللَّهِ، مَا يَضُرُّ اللَّاتُ وَالْعُزَّى، وَلَا يَنْفَعَانِ، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهَا بَصَرَهَا، وَأَعْتَقَ النَّهْدِيَّةَ وَابْنَتَهَا وَكَانَتَا لِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَمَرَّ بِهِمَا وَقَدْ بَعَثَتْهُمَا سَيِّدَتُهُمَا يَطْحَنَانِ لَهَا وَهِيَ تَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أُعْتِقُكُمَا أَبَدًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حِلًّا يَا أُمَّ فُلَانٍ. قَالَتْ: أَحِلًّا؟ أَنْتَ أَفْسَدْتُهُمَا فَأَعْتِقْهُمَا. قَالَ: فَبِكَمْ هُمَا؟ قَالَتْ: بِكَذَا وَكَذَا. قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُمَا، وَهُمَا حُرَّتَانِ، أَرْجِعَا إِلَيْهَا طَحِينَهَا، وَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ بِجَارِيَةٍ مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ، وَكَانَتْ مُسْلِمَةً، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُعَذِّبُهَا لِتَتْرُكَ الْإِسْلَامَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، وَهُوَ يَضْرِبُهَا حَتَّى إِذَا مَلَّ فَابْتَاعَهَا أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَهُوَ يَذْكُرُ بِلَالًا، وَمَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ، وَإِعْتَاقِ أَبِي بَكْرٍ إِيَّاهُمْ وَكَانَ اسْمُ أَبِي بَكْرٍ عَتِيقًا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 جَزَى اللَّهُ خَيْرًا عَنْ بِلَالٍ وَصَحْبِهِ ... عَتِيقًا وَأَخْزَى فَاكِهًا وَأَبَا جَهْلِ عَشِيَّةَ هَمَّا فِي بِلَالٍ بِسَوْأَةٍ ... وَلَمْ يَحْذَرَا مَا يَحْذَرُ الْمَرْءُ ذُو الْعَقْلِ بِتَوْحِيدِهِ رَبَّ الْأَنَامِ وَقَوْلِهِ ... شَهِدْتُ بِأَنَّ اللَّهَ رَبِّي عَلَى مَهْلِ فَإِنْ تَقْتُلُونِي تَقْتُلونِي وَلَمْ أَكُنْ ... لِأُشْرِكَ بِالرَّحْمَنِ مِنْ خِيفَةِ الْقَتْلِ فَيَارَبَّ إِبْرَاهِيمَ وَالْعَبْدِ يُونُسَ ... وَمُوسَى وَعِيسَى نَجِّنِي ثُمَّ لَا تُمْلِي لِمَنْ ظَلَّ يَهْوَى الْغَيَّ مِنْ آلِ غَالِبٍ ... عَلَى غَيْرِ بِرٍّ كَانَ مِنْهُ وَلَا عدْلِ قَوْلُهُ: لَأَتَّخِذَنَّهُ حَنَانًا: أَيْ ذَا حَنَانٍ، وَالْحَنَانُ الرَّحْمَةُ، أَيْ أَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ وَأَدْعُو لَهُ. وَقَوْلُهُ: حِلًّا: أَيْ قَوْلُهُ: إِنَّ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: تَحَلَّلَ: أَيْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 فَصْلٌ عَنْ أَبِي الْعَطُوفِ الْجَزَرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ: «مَا قُلْتَ فِي أَبِي بَكْرٍ، فقُلْ وَأَنَا أَسْمَعُ» ، فَقَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وَثَانِيَ اثْنَيْنِ فِي الْغَارِ الْمُنِيفِ وَقَدْ ... طَافَ الْعَدُوُّ بِهِ إِذْ صَعَّدُوا الْجَبَلَا وَكَانَ حِبَّ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ عَلِمُوا ... مِنَ الْبَرِيَّةِ لَمْ يَعْدِلْ بِهِ رَجُلَا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: «صَدَقْتَ يَا حَسَّانُ، هُوَ كَمَا قُلْتَ» فَصْلٌ فِي إِسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَقِيَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ فُقِدْتَ مِنْ مَجَالِسِ أَهْلِكَ وَاتَّهَمُوكَ بِالْعَيْبِ لِآبَائِهَا وَأُدَبَائِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي رسولُ اللَّهِ أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ» ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي مِنْ كَلَامِهِ، أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ، وَمَضَى فَرَاحَ بِعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَأَسْلَمُوا، وَجَاءَ مِنَ الْغَدِ بِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَأَبِي عُبَيْدَةِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَالْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ، فَأَسْلَمُوا. فَلَمَّا أَنِ اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ رَجُلًا أَلَحَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهُورِ، فَقَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ: إِنَّا قَلِيلٌ "، فَلَمْ يَزَلْ يُلِحُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، حَتَّى ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقَ الْمُسْلِمُونَ فِي نَوَاحِي الْمَسْجِدِ، وَكُلُّ رَجُلٍ مَعَ عَشِيرَتِهِ، وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ خَطِيبًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، وَكَانَ أَوَّلَ خَطِيبٍ دَعَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى رَسُولِهِ، وَثَارَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ يَضْرِبُونَهُمْ فِي نَوَاحِي الْمَسْجِدِ ضَرْبًا شَدِيدًا، وَوُطِئَ أَبُو بَكْرٍ، وَضُرِبَ ضَرْبًا شَدِيدًا، وَدَنَا مِنْهُ الْفَاسِقُ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ بِنَعْلَيْنِ مَخْصُوفَتَيْنِ وَيُحَرِّفُهُمَا بِوَجْهِهِ، وَأَثَّرَ عَلَى وَجْهِ أَبِي بَكْرٍ، حَتَّى لَا يُعْرَفُ أَنْفُهُ مِنْ وَجْهِهِ، وَجَاءَتْ بَنُو تَيْمٍ تَتَعَادَى، فَأَجْلُوا الْمُشْرِكِينَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَمَلُوا أَبَا بَكْرٍ فِي ثَوْبٍ حَتَّى أَدْخَلُوهُ، يَعْنِي فِي بَيْتِهِ، وَلَا يَشُكُّونَ فِي مَوْتِهِ، وَرَجَعُوا فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَئِنْ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ لَنَقْتُلَنَّ عُتْبَةَ، وَرَجَعُوا إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَجَعَلَ أَبُو قُحَافَةَ وَبَنُو تَيْمٍ يُكَلِّمُونَ أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَجَابَهُمْ فَتَكَلَّمَ آخِرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 النَّهَارِ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَنَالُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَعَذَلُوهُ، وَقَالُوا لِأُمِّ الْخَيْرِ بِنْتَ صَخْرٍ: انْظُرِي أَنْ تُطْعِمِيهِ شَيْئًا، أَوْ تَسْقِيهِ إِيَّاهُ فَلَمَّا خَلَتْ بِهِ وَأَلَحَّتْ، جَعَلَ يَقُولُ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِي عِلْمٌ بِصَاحِبِكَ، قَالَ: فَاذْهَبِي إِلَى أُمِّ جَمِيلٍ ابْنَةِ الْخَطَّابِ فَسَلِيهَا عَنْهُ، فَخَرَجَتْ حَتَّى جَاءَتْ أُمَّ جَمِيلٍ، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ يَسْأَلُكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَتْ: مَا أَعْرِفُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَإِنْ تُحِبِّي أَنْ أَمْضِي مَعَكَ إِلَى ابْنِكِ فَعَلْتُ، قَالَتْ: نَعَمْ، فَمَضَيَتَا حَتَّى وَجَدَتَا أَبَا بَكْرٍ صَرِيعًا دَنِفًا، فَرَنَتْ أُمُّ جَمِيلٍ، وَأَعْلَنَتْ بِالصِّيَاحِ، وَقَالَتْ: إِنَّ قَوْمًا نَالُوا مِنْكَ هَذَا لَأَهْلُ فِسْقٍ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَنْتَقِمَ اللَّهُ لَكَ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: هَذِهِ أمُّكَ تَسْمَعُ، قَالَ: فَلَا عَيْنَ عَلَيْكِ، قَالَتْ: سَالِمٌ صَالِحٌ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ قَالَتْ: هُوَ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ، قَالَ: فَإِنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أَذُوقَ طَعَامًا، أَوْ شَرَابًا، أَوْ آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وَأَمْهَلَنَا حَتَّى إِذَا هَدَأَتِ الرِّجْلُ، أَيْ رِجْلُ النَّاسِ، وَسَكَنَ النَّاسُ، خَرَجَتَا بِهِ يَتَّكِئُ عَلَيْهِمَا حَتَّى دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَانْكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ وَرَقَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِقَّةً شَدِيدَةً. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَ مَالُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ أَلْفُ أُوقِيَّةٍ فِضَّةً، لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا مَالٌ قُرَشِيٌّ قَطُّ، ثُمَّ أَنْفَقَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي اللَّهِ. قِيلَ: كَانَ غَايَةُ الْغِنَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَلْفَ أُوقِيَّةٍ فِضَّةٍ، وَفِي الْأَنْصَارِ حَدَادُ أَلْفِ وَسْقٍ، قِيلَ: الْوَسْقُ حِمْلُ بَعِيرٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ فَقَالَ: «عَائِشَةُ» ، فَقُلْتُ: إِنِّي لَسْتُ أَعْنِي النِّسَاءَ إِنَّمَا أَعْنِي الرِّجَالَ، فَقَالَ: «أَبُوهَا» . وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ أبَا بَكْرٍ، زوّجَنِي ابْنَتَهُ، وَحَمَلَنِي إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ، وَأَعْتَقَ بِلَالًا مِنْ مَالِهِ» . وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُءُوسِنَا، وَنَحْنُ فِي الْغَارِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ أَحَدُهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ، لَنَظَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: " يَا أبَا بَكْرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا. فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ وُضِعَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى إِيمَانِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَرَجَحَ بِهَا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَمَّارُ أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ آنِفًا، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي بِفَضَائِلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ لَوْ حدَّثْتُكَ بِفَضَائِلِ عُمَرَ، مَا لَبِثَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةً إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، مَا نَفِدَتْ فَضَائِلُ عُمَرَ، وَإِنَّ عُمَرَ حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ أَبِي بَكْرٍ ". وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْشِي أَمَامَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " يَا أَبَا الدَّردَاءِ، أَتَمْشِي أَمَامَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَلَا غَرُبَتْ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ عَلَى أَحَدٍ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ لِضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ: وَاللَّهِ لَلَيْلَةٌ وَيْوَمٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ خَيْرٌ مِنْ عُمَرَ، هَلْ لَكَ أَنْ أُحَدِّثَكَ بِلَيْلَتِهِ وَيَوْمِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: أَمَّا لَيْلَتُهُ، لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَارِبًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، خَرَجَ لَيْلًا فَشَيَّعَهُ أَبُو بَكْرٍ فَجَعَلَ يَمْشِي مَرَّةً أَمَامَهُ، وَمَرَّةً خَلْفَهُ، وَمَرَّةً عَنْ يَمِينِهِ، وَمَرَّةً عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذَا يَا أَبَا بَكْرٍ؟ مَا أَعْرِفُ هَذَا مِنْ فِعْلِكَ» ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَذْكُرُ الرَّصَدَ، فَأَكُونُ أَمَامَكَ، وَأَذْكُرُ الطَّلَبَ فَأَكُونُ خَلْفَكَ، وَمَرَّةً عَنْ يَمِينِكَ وَمَرَّةً عَنْ يَسَارِكَ لِآمَنَ عَلَيْكَ، قَالَ: فَمَشَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَهُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، حَتَّى حَفِيَتْ رِجْلَاهُ، فَلَمَّا رَآهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا قَدْ حَفِيَتْ حَمَلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ حَتَّى أَتَى بِهِ الْغَارَ، فَأَنْزَلَهُ ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا تَدْخُلُهُ حَتَّى أَدْخُلَهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ نَزَلَ بِي قَبْلَكَ، فَدَخَلَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَحَمَلَهُ وَأَدْخَلَهُ، وَكَانَ فِي الْغَارِ خَرْقٌ فِيهِ حَيَّاتٌ، فَخَشِيَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَلْقَمَهُ قَدَمَهُ فَجَعَلْنَ يَضْرِبْنَهُ أَوْ يَلْسَعْنَهُ وَجَعَلَتْ دُمُوعُهُ تَنْحَدِرُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا أَبَا بَكْرٍ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ لِأَبِي بَكْرٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: مَا أَرَى رَجُلًا يَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَتَيَسَّرُ لَهُ تَوْبَةٌ. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: بَرِئَ اللَّهُ مِمَّنْ تَبَرَّأَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: مَنْ سَبَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 فَلَيْسَ لَهُ فِي الْفَيْءِ حَقٌّ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8] الْآيَةَ، هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الحشر: 9] الْآيَةَ، هَؤُلَاءِ الْأَنْصَارُ، ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: 10] فَالْفَيْءُ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ، فَمَنْ سَبَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَيْسَ هُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْفَيْءِ. وَعَنِ الْأَجْلَحِ، قَالَ: سَمِعْنَا أَنَّهُ مَا سَبَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَحَدٌ إِلَّا مَاتَ قَتْلًا أَوْ فَقْرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 فَصْلٌ قَالَ الْمَهْدِيُّ: مَا فَتَّشْتُ رَافِضِيًّا قَطُّ، إِلَّا وَجَدْتُهُ زِنْدِيقًا. وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: لَوْلَا أَنِّي عَلَى وُضُوءٍ لَأَخْبَرْتُكَ بِبَعْضِ مَا تَقُولُ الشِّيعَةُ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُبْزَى، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: لَوْ أُتِيتَ بِرَجُلٍ يَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَا كُنْتَ صَانِعًا؟ قَالَ: أَضْرِبُ عُنُقَهُ، قَالَ: فَعُمَرُ؟ قَالَ: أَضْرِبُ عُنُقَهُ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَتَجَلَّى لِلنَّاسِ عَامَّةً وَيَتَجَلَّى لِأَبِي بَكْرٍ خَاصَّةً» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: انْظُرُوا مَا زَادَ فِي مُلْكِي مُنْذُ دَخَلْتُ الْإِمَارَةَ فَابْعَثُوا بِهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِي، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 فَلَمَّا مَاتَ نَظَرْنَا فَإِذَا عَبْدٌ نُوبِيٌّ كَانَ يَحْمِلُ صِبْيَانَهُ، وَنَاضِحٌ كَانَ يُسَنِّي عَلَيْهِ، فَبَعَثْنَا بِهِ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَبَكَى عُمَرُ، وَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ تَعَبًا شَدِيدًا. فَصْلٌ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ النَّقَّاشُ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّيْمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَمْدُونَ بْنِ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَشْرَسٍ النَّصِيبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهَرٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ ابْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَ إِسْلَامُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَبِيهًا بِوَحْيٍ مِنَ السَّمَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ تَاجِرًا بِالشَّامِ، فَرَأَى رُؤْيَا، فَقَصَّهَا عَلَى بَحِيرَا الرَّاهِبِ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ مَكَّةَ، قَالَ: مِنْ أَيِّهَا؟ قَالَ: مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: فَإِيشِ أَنْتَ؟ قَالَ: تَاجِرٌ، قَالَ: إِنْ صَدَّقَ اللَّهُ رُؤْيَاكَ فَإِنَّهُ سَيَبْعَثُ نَبِيًّا مِنْ قَوْمِكَ تَكُونُ وَزِيرَهُ فِي حَيَاتِهِ وَخَلِيفَتَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَأَسَرَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذِهِ، حَتَّى بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَا الدَّلِيلُ عَلَى مَا تَدَّعِي؟ قَالَ: «الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتَ بِالشَّامِ» ، فَعَانَقَهُ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ وَأخبرنا عُمَرُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْبَزَّارُ، بِنَهْرِ الدِّيرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ، بِالْأَهْوَازِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَيَاضِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَخْبَرَنَا عَنْ نَفْسِكَ، هَلْ رَأَيْتَ شَيْئًا قَطُّ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: نَعَمْ، وَهَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ غَيْرِ قُرَيْشٍ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ فِي نُبُوَّتِهِ حُجَّةٌ وَفِي غَيْرِهَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ هَدَى مَنْ شَاءَ وَأَضَلَّ مَنْ شَاءَ، بَيْنَا أَنَا قَاعِدٌ فِي فَيْءِ شَجَرَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذْ تَدَلَّى عَلَيَّ غُصْنٌ مِنْ أَغْصَانِهَا حَتَّى صَارَ عَلَى رَأْسِي، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وَأَقُولُ: مَا هَذَا؟ فَسمعت صَوْتًا مِنَ الشَّجَرَةِ: هَذَا النَّبِيُّ يَخْرُجُ فِي وَقْتِ كَذَا وَكَذَا، فَكُنْ أَنْتَ مِنْ أَسْعَدِ النَّاسِ بِهِ، قُلْتُ: بَيِّنْهُ، مَا اسْمُ هَذَا النَّبِيُّ؟ قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَاحِبِي وَأَلِيفِي وَحَبِيبِي، فَتَعَاهَدَتِ الشَّجَرَةُ مَتَى تُبَشِّرُنِي بِخُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَتَاهُ الْوَحْيُ، سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ الشَّجَرَةِ: جِدَّ وَشَمِّرْ يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، فَقُلْتُ: جَاءَ الْوَحْيُ، وَرَبِّ مُوسَى لَا يَسْبِقَنَّكَ إِلَى الْإِسْلَامِ أَحَدٌ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ لِي: «يَا أَبَا بَكْرٍ إِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ» قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، بَعَثَكَ بِالْحَقِّ سِرَاجًا مُنِيرًا، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: الْحَدِيثَانِ غَرِيبَانِ، حَدَّثَ بِهِمَا أَبُو سَعِيدٍ النَّقَّاشُ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَارُ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِمَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مُهَاجِرًا قِبَلَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرَكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَّةِ، فَقَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: أَيْنَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخَرَجَنِي قَوْمِي وَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدُ رَبِّي، فَقَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: مِثْلُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، وَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا تَخْرُجُ، إِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، وَأَنَا لَكَ جَارٌ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ، فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فِي كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ مِثْلُهُ، أتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، وَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالُوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلْيُصَلِّي فِيهَا مَا شَاءَ، وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ وَلَا يُؤْذِينَا، وَلَا يَسْتَعْلِنَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ، فَفَعَلَ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَصِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ مِنْهُ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَكَادُ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ. فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّمَا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ، وَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَأَعْلَنَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يُفْتَنَ نِسَاؤُنَا وَأَبْنَاؤُنَا فَأْتِهِ فَأْمُرْهُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَ، أَنْ نَخْفِرَ ذِمَّتَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ بِالِاسْتِعْلَانِ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهُ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ وَإِمَّا أَنْ تُرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي عَهْدٍ عَقَدْتُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ رَأيْتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، أُرِيتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ، وَهُمَا الْحَرَّتَانِ» ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُهَاجِرًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَتَرْجُو ذَلِكَ؟ بِأَبِي أَنْتَ. قَالَ: «نَعَمْ» فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصُحْبَتِهِ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 فَصْلٌ فِي خُطْبَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنْ حُرَيْزِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ نُعَيْمٍ، قَالَ: كَانَ فِي خُطْبَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَمَّا بَعْدُ. إِنَّكُمْ تَغْدُونَ وَتَرُوحُونَ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْقَضِي الْأَجَلُ، وَهُوَ فِي عَمَلِ اللَّهِ فَلْيَفْعَلْ، وَلَنْ تَنَالُوا ذَلِكَ إِلَّا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّ أَقْوَامًا جَعَلُوا آجَالَهُمْ لِغَيْرِهِمْ فَنَهَاكُمُ اللَّهُ أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] أَيْنَ مَنْ تَعْرِفُونَ مِنْ إِخْوَانِكُمْ؟ قَدِمُوا عَلَى اللَّهِ عَلَى مَا قدَّمُوا فِي أَيَّامِ سَلَفِهِمْ، وَخَلُّوا فِيهِ بِالشِّقْوَةِ وَالسَّعَادَةِ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ الْأَوَّلُونَ، الَّذِينَ بَنَوْا الْمَدَائِنَ وَحَفَفُوهَا بِالْحَوَائِطِ؟ قَدْ صَارُوا تَحْتَ الصَّحْرَاءِ وَالْآثَارِ، هَذَا كِتَابُ اللَّهِ لَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ فَاسْتَضِيئُوا مِنْهُ لِيَوْمِ ظُلْمَةٍ، إِنَّ اللَّهَ أَثْنَى عَلَى زَكَرِيَّا وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَقَالَ: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] لَا خَيْرَ فِي قَوْلٍ لَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، لَا يُنْفَقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا خَيْرَ فِي مَنْ يَغْلِبُ جَهْلُهُ حِلْمَهُ، وَلَا خَيْرَ فِي مَنْ يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 فَصْلٌ فِي ذِكْرِ وَفَاتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَيِّ يَوْمٍ كَانَتْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ: أَيُّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْتُ: يَوْمُ الِاثْنَيْنِ. قَالَ: أَرْجُو مِنَ اللَّهِ، فَتُوُفِّيَ فِي لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ وَدُفِنَ لَيْلًا قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ، قَالَتْ: يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالَتْ: قُلْتُ: يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، قَالَ: أَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ. أخبرنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، أخبرنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ نَصْرٍ الْعَاصِمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ السَّاسِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّجَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَلَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عَقِلْتُ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَمَا مَرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ قَطُّ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً. ح قَالَ النُّجَيْرِيُّ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأخبرني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتَّى بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَّةِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ، فَأَعْبُدُ رَبِّي، فَقَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يُخْرَجُ وَلَا يَخْرُجُ، أَنْتَ تُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، وَأَنَا لَكَ جَارٌ، فَارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ. فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، وَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيًّا فِي أَسْوَاقِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ مِثْلُهُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَيَقْرَأُ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَعْلِنَ بِهِ. فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يُفْتَنَ أَبْنَاؤُنَا وَنِسَاؤُنَا بِصَلَاتِهِ. وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَتَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ، عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ فَأَعْلَنَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهَا، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يُفْتَنَ أَبْنَاؤُنَا وَنِسَاؤُنَا، فَانْهَهُ فَإِنْ أَحَبَّ عَلَى أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، فَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، فَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ بِالِاسْتِعْلَانِ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ الَّذِي عَاقَدْتُ بِهِ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تُرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ، وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ: «إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ» ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الْمَدِينَةِ وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ؟ بِأَبِي أَنْتَ، قَالَ: «نَعَمْ» . فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ وَهُوَ الْحِنْطُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي نَحْوِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَنَّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا. قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: فِدًا لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ فَقَالَ النَّبِيُّ لِأَبِي بَكْرٍ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ» ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ» ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الصُّحْبَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ - بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِالثَّمَنِ» ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا، فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمِنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ. يَبِيتُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ فَيَدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بَسَحَرٍ فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فَهُيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حَتَّى يَذْهَبَ سَاعَةً مِنَ الْعِشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رُسُلِ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا حَتَّى يَنْعَقَ بِهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الذُّئْلِ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِيًا خِرِّيتًا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وَالْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ حِلْفًا مِنْ آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَآمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَهُمَا وَوَعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَ ثَلَاثٍ، فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّاحِلِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأخبرني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دِيَةً، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ، أَرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي مِنْ وَرَاءِ أَكِمَّةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَخَطَطْتُ بِزُجِّهِ الْأَرْضَ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا فَدَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي، حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي إِلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ، فَقَرُبَ بِي حَتَّى إِذَا قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الالْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ، حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجْ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا غُبَارٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ، مِثْلُ الدُّخَانِ فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ، فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، فَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَسْأَلَانِي وَلَمْ يَرْزَآنِي إِلَّا أَنْ قَالَ: «أَخْفِ عَنَّا» فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابًا فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأخبرني عُرْوَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ الزُّبَيْرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تُجَّارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّامِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ وَسَمِعَ، الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ بِمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ، فَيَنْظُرُوهُمْ حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ، فَلَمْ يَمْلِكُ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلَاحِ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِلنَّاسِ وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامِتًا فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشَرَةَ لَيْلَةٍ، فَأَسَّسَّ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، مِرْبَدًا لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ، غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَرَكَتْ رَاحِلَتُهُ: «هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ» ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُلَامَيْنِ يَتَسَاوَمُهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا. فَقَالَا: بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقِلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقِلُ اللَّبِنَ: هَذَا الْجَمَالُ لَا جَمَالُ خَيْبَرَ ... هَذَا أَبَرُّ ربَّنَا وَأَطْهَرُ اللَّهُمَّ إِنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ الْآخِرَةْ ... فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذِهِ الأَبْيَاتِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَتَهُ وَأَرْخَى لَهَا الزِّمَامَ، فَجَعَلَتْ لَا تَمُرُّ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا دَعَاهُ أَهْلُهَا إِلَى النُّزُولِ عِنْدَهُمْ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وَقَالُوا: هَلُمَّ إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالْمَنَعَةِ، فَيَقُولُ لَهُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «خَلُّوا زِمَامَهَا، فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ» ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ الْيَوْمَ، فَبَرَكَتْ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مِرْبَدٌ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فِي حِجْرِ مُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا سَهْلٌ وَلِلْآخَرِ سُهَيْلٌ، ابْنَا عَمْرِو بْنُ عَبَّاسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَلَمَّا بَرَكَتْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَثَبَتْ فَسَارَتْ غَيْرَ بَعِيدٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ لَهَا زِمَامَهَا، لَا يُثْنِيهَا بِهِ الْتَفَتَتْ خَلْفَهَا ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَبْرَكِهَا أَوَّلُ مَرَّةٍ، فَبَرَكَتْ فِيهِ، وَوَضَعَتْ جِرَانَهَا فَنَزَلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاحْتَمَلَ أَبُو أَيُّوبَ رَحْلَهُ فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ، فَدَعَتْهُ الْأَنْصَارُ إِلَى النُّزُولِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ مَعَ رَحْلِهِ» ، فَنَزَلَ عَلَى أَبِي أَيُّوبَ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبٍ فِي بَنِي غَنْمِ بْنِ النَّجَّارِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: أَقَامَ فِي بَيْتِ أَبِي أَيُّوبَ حَتَّى بَنَى مَسْجِدَهُ وَمَسَاكِنَهُ، وَتَوَلَّى بِنَاءَ مَسْجِدِهِ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَأَصْحَابُهُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: اجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، فَقَالُوا وَهُمْ عَلَى بَابِهِ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّكُمْ إِنْ تَابَعْتُمُوهُ عَلَى أَمْرِهِ، كُنْتُمْ مُلُوكَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، ثُمَّ بُعِثْتُمْ بَعْدَ مَوْتِكُمْ فَجُعِلَتْ لَكُمْ جِنَانٌ كَجِنَانِ الْأُرْدُنِ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ لَكُمْ مِنْهُ ذَبْحٌ، ثُمَّ بُعِثْتُمْ بَعْدَ مَوْتِكُمْ فَجُعِلَتْ لَكُمْ نَارٌ تُحْرَقُونَ فِيهَا، قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ حِفْنَةً مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ قَالَ: «نَعَمْ، أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ أَنْتَ أَحَدُهُمْ» فَأَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَبْصَارِهِمْ عَنْهُ فَلَا يَرَوْنَهُ وَجَعَلَ يَنْثُرُ ذَلِكَ التُّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمْ، وَهُوَ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَاتِ: {وَالْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ} [يس: 2] إِلَى قَوْلِهِ: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس: 9] حَتَّى فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى حَيْثُ أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ فَأَتَاهُمْ آتٍ مِمَّنْ لَمْ يَكْنُ مَعَهُمْ، فَقَالَ: مَا تَنْتَظِرُونَ هَا هُنَا؟ قَالُوا مُحَمَّدًا، قَالَ: خَيَّبَكُمُ اللَّهُ قَدْ وَاللَّهِ خَرَجَ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ مَا تَرَكَ مِنْكُمْ أَحَدًا إِلَّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، وَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَمَا تَرَوْنَ مَا بِكُمْ، فَوَضَعَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَإِذَا عَلَيْهِ تُرَابٌ، ثُمَّ جَعَلُوا يَتَطَلَّعُونَ فَيَرَوْنَ عَلِيًّا عَلَى الْفِرَاشِ مُتَسَجِّيًا بِبُرْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَمُحَمَّدٌ نَائِمٌ، عَلَيْهِ بَرْدُهُ، فَلَمْ يَبْرَحُوا كَذَلِكَ حَتَّى أَصْبَحُوا فَقَامَ عَلِيٌّ مِنَ الْفِرَاشِ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَقَدْ صَدَقَنَا الَّذِي كَانَ حَدَّثَنَا. قَالَ أَصْحَابُ التَّارِيخِ: فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ نَحْوَ غَارِ ثَوْرٍ، وَهُوَ الْغَارُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ، قَالُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 : وَأَصْبَحَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْصُدُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلُوا الدَّارَ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْ فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَوْا عَلِيًّا، فَقَالُوا لَهُ: أَيْنَ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي أَمَرْتُمُوهُ بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَ، فَانْتَهَرُوهُ وَأَخْرَجُوهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَحَبَسُوهُ سَاعَةً ثُمَّ تَرَكُوهُ، وَنَجَّى اللَّهُ رَسُولَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ مَكْرِهِمْ وَأَنْزَلَ فِي ذَلِكَ {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30] . قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا أَنْ يَتَخَلَّفَ بَعْدَهُ بِمَكَّةَ حَتَّى يُؤَدِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَدَائِعَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ لِلنَّاسِ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ عِنْدَهُ شَيْءٌ يَخْشَى عَلَيْهِ إِلَّا وَضَعَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا يُعْرَفُ مِنْ صِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ فَخَرَجَا مِنْ خُوخَةٍ لِأَبِي بَكْرٍ فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ، ثُمَّ غَدَا إِلَى غَارِ ثَوْرٍ بِجَبَلٍ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ فَدَخَلَاهُ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحُدِّثْتُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ أَتَانَا نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 هِشَامٍ، فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوكِ يَا ابْنَةَ أَبِي بَكْرٍ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ فَلَطَمَ خَدِّي لَطْمَةً طُرِحَ مِنْهَا قُرْطِي، قَالَتْ: ثُمَّ انْصَرَفُوا فَمَكَثْنَا ثَلَاثَ لَيَالٍ لَا نَدْرِي أَيْنَ وُجِّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، تَغَنَّى بِأَبْيَاتٍ مِنَ الشِّعْرِ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَلَا يَرَوْنَهُ وَهُوَ يَقُولُ: جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالَا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ هُمَا نَزَلاهَا بِالْهُدَى وَاغْتَدَوْا بِهِ ... فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَانُ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 قَالَتْ: فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَهُ عَرَفْنَاهُ حَيْثُ وُجِّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا أَرْبَعَةً: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ دَلِيلُهُمَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنَّ رِجَالًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مَاتَ، وَلَكِنَّهُ ذُهِبَ بِهِ إِلَى رَبِّهِ كَمَا ذُهِبَ بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، فَغَابَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ قِيلَ مَاتَ، وَاللَّهِ لَيَرْجِعَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيُقَطِّعَنَّ أَيْدِي رِجَالٍ وأَرْجُلِهِمْ، يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ، قَالَ: وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى نَزَلَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرَ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَرَسُولُ اللَّهِ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ مُسَجَّىً عَلَيْهِ بِبُرْدَةٍ حَبِرَةٍ فَأَقْبَلَ حَتَّى كَشَفَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كَتَبَهَا اللَّهُ عَلَيْكَ فَقَدْ ذُقْتَهَا، ثُمَّ لَمْ يُصِبْكَ بَعْدَهَا مَوْتَةٌ أَبَدًا. قَالَ: ثُمَّ رَدَّ الثَّوْبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ خَرَجَ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكَ يَا عُمَرُ فَأَبَى إِلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ لَا يُنْصِتُ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسَ كَلَامَهُ، أَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. قَالَ: فَوَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ وَأَخَذَهَا النَّاسُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّمَا هِيَ فِي أَفْوَاهِهِمْ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَاهُوَ إِلَّا أَنْ سمعت أَبَا بَكْرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 يَتْلُوهَا، فَعُقِرْتُ حَتَّى وَقَعْتَ إِلَى الْأَرْضِ، مَا تَحْمِلُنِي رِجْلَايَ، وَعَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ. وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غَائِبًا، فَجَاءَ، وَلَمْ يَجْتَرِئْ أَحَدٌ أَنْ يَكْشِفَ عَنْ وَجْهِهِ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِصْفَ النَّهَارِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: لِثِنْتَيْ عَشَرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَقَالَ غَيْرُهُ وَبُويِعَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ، وَهُوَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ جِهَازِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ فِي بَيْتِهِ، وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ، فَقَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ فِي مَسْجِدِهِ، وَقَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ» فَرُفِعَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ وَحُفِرَ لَهُ تَحْتَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 فَصْلٌ حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ الرَّارَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْبَزَّارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا بِثَلَاثَةَ عَشْرَ دِرْهَمًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى أَهْلِي، قَالَ: لَا؛ حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ أَنْتَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجْتُمَا مِنْ مَكَّةَ وَالْمُشْرِكُونَ يَطْلُبُونَكُمْ؟ قَالَ: ارْتَحَلْنَا مِنْ مَكَّةَ فَاخْتَفَيْنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا، وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَرَمَيْتُ بِبَصَرِي هَلْ أَرَى مِنْ ظِلٍّ نَأْوِي إِلَيْهِ، فَإِذَا أَنَا بِصَخْرَةٍ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهَا، فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلِّهَا، فَسَوَّيْتُهَا، ثُمَّ فَرَشْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قُلْتُ: اضْطَجِعْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَاضْطَجَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ أَنْظُرُ هَلْ أَرَى مِنَ الطَّلَبِ أَحَدًا، فَإِذَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أُرِيدُ، يَعْنِي الظِّلَّ، فَسَأَلْتُهُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: لِفُلَانٍ، رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَمَّاهُ، فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ فَأَمَرْتُهُ بِنَفْضِ ضَرْعِهَا مِنَ الْغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ، فَقَالَ: هَكَذَا فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، فَحَلَبَ لِي كَثْبَةً مِنَ اللَّبَنِ، وَمَعِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدَاوَةٌ عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ، حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَافَقْتُهُ حَتَّى اسْتَيْقَظَ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، فَقُلْتُ: آنَ الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا مِنْهُمْ أَحَدٌ غَيْرُ سُرَاقَةَ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ، قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَبَكَيْتُ، فَقَالَ: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» . فَلَمَّا دَنَا وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَيْدُ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، قُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ لَحِقَنَا، وَبَكَيْتُ، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكَ؟» فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَيْكَ، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ» فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ فِي الْأَرْضِ إِلَى بَطْنِهَا، فَوَثَبَ عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا مِنْ عَمَلِكَ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنْجِيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنِ الطَّلَبِ، وَهَذِهِ كِنَانَتِي فَخُذْ مِنْهَا سَهْمًا، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ عَلَى إِبِلِي وَغَنَمِي مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا حَاجَةَ لَنَا فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ» ، فَدَعَا لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ رَاجِعًا إِلَى أَصْحَابِهِ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّاسِبِيُّ، حَدَّثَنَا الْفُرَاتُ، عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، قَالَ: كَانَ عَلَيْنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَمِيرًا بِالْبَصْرَةِ، فَكَانَ إِذَا خَطَبَنَا حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدْعُو لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: فَغَاظَنِي ذَلِكَ مِنْهُ، فَقُلْتُ: أَيْنَ أَنْتَ عَنْ صَاحِبِهِ، تُفَضِّلُهُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَصَنَعَ ذَلِكَ جُمَعًا، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَشْكُونِي، يَقُولُ: إِنَّ ضَبَّةَ بْنَ مِحْصَنٍ يَتَعَرَّضُ لِي فِي خُطْبَتَيِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ أَشْخِصْهُ إِلَيَّ، فَأَشْخَصَنِي إِلَيْهِ فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَضَرَبْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ فَخَرَجَ إِلَيَّ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: ضَبَّةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْغَنَوِيُّ. قَالَ: فَلَا مَرْحَبًا وَلَا أَهْلًا، فَقُلْتُ: فَأَمَّا الْمَرْحَبُ فَمِنَ اللَّهِ، وَأَمَّا الْأَهْلُ فَلَا أَهْلٌ وَلَا مَالٌ، فَبِمَ اسْتَحْلَلْتَ إِشْخَاصِي مِنْ مِصْرِي بِلَا ذَنْبٍ أَذْنَبْتُ وَلَا شَيْءٍ أَتَيْتُ؟ قَالَ: مَا الَّذِي شَجَرَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَامِلَكَ؟ قُلْتُ: الْآنَ أُخْبِرُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ كَانَ إِذَا خَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدْعُو لَكَ فَغَاظَنِي ذَلِكَ مِنْهُ، فَقُلْتُ: أَيْنَ أَنْتَ عَنْ صَاحِبِهِ تُفَضِّلُهُ عَلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْكَ يَشْكُونِي. قَالَ: فَانْدَفَعَ عُمَرُ بَاكِيًا، وَهُوَ يَقُولُ: أَنْتَ وَاللَّهِ أَوْفَقُ مِنْهُ، وَأَرْشَدُ مِنْهُ، فَهَلْ أَنْتَ غَافِرٌ لِي ذَنْبِي، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، قُلْتُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ انْدَفَعَ بَاكِيًا وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَلَيْلَةٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَيَوْمٌ خَيْرٌ مِنْ عُمَرَ وَآلِ عُمَرَ، فَهَلْ لَكَ أَنْ أُحَدِّثَكَ بِلَيْلَتِهِ وَيَوْمِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: أَمَّا لَيْلَتُهُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ هَارِبًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، خَرَجَ لَيْلًا فَتَبِعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ مَرَّةً يَمْشِي أَمَامَهُ، وَمَرَّةً خَلْفَهُ، وَمَرَّةً عَنْ يَمِينِهِ، وَمَرَّةً عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذَا يَا أَبَا بَكْرٍ؟ مَا أَعْرِفُ هَذَا مِنْ فِعَالِكَ» ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَذْكُرُ الرَّصَدَ فَأَكُونُ أَمَامَكَ، وَأَذْكُرُ الطَّلَبَ فَأَكُونُ خَلْفَكَ وَمَرَّةً عَنْ يَمِينِكَ وَمَرَّةً عَنْ يَسَارِكَ لَا آمَنُ عَلَيْكَ، فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ حَتَّى حَفِيَتْ رِجْلَاهُ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا قَدْ حَفِيَتْ حَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ حَتَّى أَتَى بِهِ فَمَ الْغَارِ، فَأَنْزَلَهُ ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تَدْخُلُهُ أَنْتَ حَتَّى أَدْخُلَهُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ بَدَأَ بِي قَبْلَكَ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَرِيبُهُ، فَحَمَلَهُ وَأَنْزَلَهُ وَكَانَ فِي الْغَارِ خَرْقٌ فِيهِ حَيَّاتٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَلْقَمَهُ قَدَمَهُ، فَجَعَلَ يَلْسَعُهُ أَوْ يَضْرِبُهُ، وَجَعَلَتْ دُمُوعُهُ تَنْحَدِرُ عَلَى خَدِّهِ مِنْ أَلَمِ مَا يَجِدُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ، - أَيْ طُمَأْنِينَتَهُ - لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهَذِهِ لَيْلَتُهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وَأَمَّا يَوْمُهُ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُصَلِّي وَلَا نُزَكِّي. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُزَكِّي وَلَا نُصَلِّي، فَآتَيْتُهُ لَا آلُو نُصْحًا، فَقُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَأَلَّفِ النَّاسَ، وَارْفُقْ بِهِمْ، فَقَالَ لِي: جَبَّارٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَوَّارٌ فِي الْإِسْلَامِ، قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَارْتَفَعَ الْوَحْيُ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُعْطُونَهُ رَسُولَ اللَّهِ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ، فَقَاتَلْنَا مَعَهُ، وَكَانَ وَاللَّهِ رَشِيدَ الْأَمْرِ، فَهَذَا يَوْمُهُ ثُمَّ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى يَلُومُهُ قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ التَّوْزِيُّ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ طَلْحَةَ النَّصْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَبِثْتُ مَعَ صَاحِبِي يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِضْعَةَ عَشْرَ أَوْ عِشْرِينَ يَوْمًا مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الْبَرِيرِ» ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْبَرِيرُ: الْأَرَاكُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 فَصْلٌ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَبِّ، تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، قَالُوا: وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحُمِلَ عَلَى السَّرِيرِ الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَ قَبْرَهُ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحَمْنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ علَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقُلْتُ: يَا أُمَّاهُ اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ لَا مُشْرِفَةٌ، وَلَا لَاطِيَةٌ مَسْطُوحَةً بِبَطْحَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 الْعَرَصَةِ الْحَمْرَاءِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَدَّمًا وَقَبْرُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، وَعُمَرُ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: رَأْسُ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأْسُ عُمَرَ عِنْدَ حِقْوَيْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. فَصْلٌ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَبْلَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ تَاجِرًا، وَكَانَ مَنْزِلُهُ بِالسُّنْحِ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ عِنْدَ زَوْجَتِهِ حَبِيبَةَ بِنْتِ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ قَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ حَجْرَةً مِنْ شَعْرٍ، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَحَوَّلَ إِلَى مَنْزِلِهِ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَمَا بُويِعَ لَهُ. بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَكَانَ يَأْتِي إِلَى الْمَدِينَةِ فَيُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِالنَّاسِ، فَإِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ بِالسُّنْحِ، وَكَانَ لَهُ قِطْعَةُ غَنَمٍ تَرُوحُ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا خَرَجَ هُوَ بِنَفْسِهِ فِيهَا، وَرُبَّمَا كُفِّيهَا فَرُعِيَتْ لَهُ وَكَانَ يَحْلِبُ لِلْحَيِّ أَغْنَامَهُمْ، فَلَمَّا بُويِعَ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 بِالْخِلَافَةِ، قَالَتْ جَارِيَةٌ مِنَ الْحَيِّ: الْآنَ لَا تَحْلِبْ لَنَا مَنَايِحَ دَارِنَا، فَسَمِعَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: بَلْ لَعَمْرِي لَأَحْلِبَنَّهَا لَكُمْ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يُغَيِّرَنِي مَا دَخَلْتُ فِيهِ عَنْ خُلُقٍ كُنْتُ عَلَيْهِ، فَكَانَ يَحْلِبُ لَهُمْ، فَرُبَّمَا قَالَ لِلْجَارِيَةِ مِنَ الْحَيِّ: يَا جَارِيَةُ أَتُحِبِّينَ أَنْ أَرْغِيَ لَكِ، أَوْ أُصْرِحَ فَرُبَّمَا قَالَتْ: ارْغِ، وَرُبَّمَا قَالَتْ: أَصْرِحْ. فَأَيُّ ذَلِكَ قَالَتْ فَعَلَ، فَمَكَثَ كَذَلِكَ بِالسُّنْحِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَقَامَ بِهَا وَنَظَرَ فِي أَمْرِهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يُصْلِحُ أَمْرَ النَّاسِ التِّجَارَةُ، وَمَا يُصْلِحُهُمْ إِلَّا التَّفَرُّغُ لَهُمْ وَالنَّظَرُ فِي شَأْنِهِمْ، وَلَا بُدَّ لِعِيَالِي مِمَّا يُصْلِحُهُمْ، فَتَرَكَ التِّجَارَةَ وَاسْتَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِمَا يُصْلِحُهُ وَمَا يُصْلِحُ عِيَالَهُ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَيَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ، وَكَانَ الَّذِي فَرَضُوا لَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، قَالَ: رُدُّوا مَا عِنْدَنَا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنِّي لَا أُصِيبُ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا، وَإِنَّ أَرْضِي الَّتِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا لِلْمُسْلِمِينَ، بِمَا أَصَبْتُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. فَدُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلِقُوحٍ، وَعَبْدِ صَيْقَلٍ، وَقَطِيفَةٍ، لَا تُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 ذِكْرُ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنُ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ، يَلْتَقِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَعْبٍ. رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ فَأَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً فَبَدَا لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحِرَاثَةِ "، فَقَالَ مَنْ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنِّي آمَنْتُ بِهِ أَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» قَالَ: " وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ فَطَلَبَهُ رَاعِيهَا، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ لَفَظَهَا وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبْعِ، يَوْمَ لَا يَكُونُ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي ". فَقَالَ مَنْ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنِّي آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» . وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ» ، قَالُوا: فَمَاذَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الدِّينُ» . وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ قَدْحًا أُتِيتُ بِهِ، فِيهِ لَبَنٌ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَجْرِي فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِيَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمُ» . وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ أَنِّي أَسْتَقِي بِدَلْوٍ بَكَرَةٍ عَلَى قَلِيبٍ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، فَنَزَعَ نَزْعًا ضَعِيفًا وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ حَتَّى رُوِيَ النَّاسُ وَضَرُبوا بِعَطَنٍ» . وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعَدَ أُحُدًا وَتَبِعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، فَقَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 «اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» . وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ عنِ أَبِيهِ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْأَلْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةٌ أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ» ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِيهًا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ جَارًا لِعُمَرَ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ عُمَرَ، إِنَّ لَيْلَهُ صَلَاةٌ، وَإِنَّ نَهَارَهُ صِيَامٌ، وَفِي حَاجَاتِ النَّاسِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يُرِينِيهِ فِي النَّوْمِ، فَرَأَيْتُهُ مُقْبِلًا مِنْ سُوقِ الْمَدِينَةِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ أَنْتَ؟ قَالَ بِخَيْرٍ. قُلْتُ: مَا كَانَ؟ قَالَ: الْآنَ حِينَ فَرَغْتُ مِنَ الْحِسَابِ، وَاللَّهِ كَادَ عَرْشِي يَهْوِي لَوْلَا أَنِّي وَجَدْتُ رَبًّا رَحِيمًا. وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: مَا كَانَ شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَعْلَمَهُ مِنْ أَمْرِ عُمَرَ، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ قَصْرًا، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَخَرَجَ مِنَ الْقَصْرِ، وَعَلَيْهِ مَلْحَفَةٌ كَأَنَّهُ قَدِ اغْتَسَلَ، فَقُلْتُ: كَيْفَ صَنَعْتَ؟ قَالَ: خَيْرًا، كَادَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 عَرْشِي يَهْوِي لَوْلَا أَنِّي لَقِيتُ رَبًّا غَفُورًا. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ رَأْسُ عُمَرَ عَلَى فَخْذِي فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لِي: ضَعْ رَأْسِي عَلَى الْأَرْضِ، فَقُلْتُ: وَمَا عَلَيْكَ، كَانَ عَلَى فَخْذِي أَمْ عَلَى الْأَرْضِ. قَالَ: ضَعْهُ عَلَى الْأَرْضِ؟ فَوَضَعْتُهُ عَلَى الْأَرْضِ، فَقَالَ: وَيْلِي وَوَيْلُ أُمِّي إِنْ لَمْ يَرْحَمْنِي رَبِّي. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ مَصَّرَ بِكَ الْأَمْصَارَ وَدَفَعَ بِكَ النِّفَاقَ، وَأَفْشَى بِكَ الرِّزْقَ، فَقَالَ لِي: أَفِي الْإِمَارَةِ تُثْنِي عَلَيَّ؟ قُلْتُ: وَفِي غَيْرِهَا، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْهَا كَمَا دَخَلْتُ لَا أَجْرٌ وَلَا وِزْرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَامَ أُنَاسٌ كُنْتُ فِيهِمْ يَتَرَحَّمُونَ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ وَرَائِي فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِي، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتُ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتُ أَظُنُّ لَيَجْعَلَنَّكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ فَإِنِّي كُنْتُ أُكْثِرُ أَنْ أَسْمَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «قَدْ كُنْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» ، فَكُنْتُ أَظُنُّ لَيَجْعَلَنَّكَ اللَّهُ مَعَهُمَا. وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ مَلَكًا يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وَرُوِيَ عَنْهُ، قَالَ: مَا كُنَّا نُنْكِرُ وَنَحْنُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ كَانَتْ تَكُونُ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ مِنْهُمْ فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ» . وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: وَافَقْتُ رَبِّيَ فِي ثَلَاثٍ: فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي الْحِجَابِ وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، هَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَأُسِرَ سَبْعُونَ، فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَالَ لِي: «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟» فَقُلْتُ: أَرَى أَنْ تُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ، قَرِيبٍ لِعُمَرَ، فَأَضْرِبُ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عُقَيْلٍ فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَ حَمْزَةَ مِنْ فُلَانٍ فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ، حَتَّى يَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ، هَؤُلَاءِ صَنَادِيدُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ وَقَادَتُهُمْ، فَلَمْ يَهْوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قُلْتُ فَأَخَذَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ، قَالَ عُمَرُ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ غَدَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُمَا يَبْكِيَانِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُبْكِيكَ أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنَ الْفِدَاءِ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ» لِشَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى} [الأنفال: 67] إِلَى قَوْلِهِ: {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَفَرَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَّتُهُ وَهُشِّمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ، وَسَالَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165] . فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» قَالَ: لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: «فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» . قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَمَا فَرِحْنَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ مَا فَرِحْنَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» . قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ كُنْتُ لَا أَعْمَلُ بِأَعْمَالِهِمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 فَصْلٌ فِي ذِكْرِ إِسْلَامِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أخبرنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَارُ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تُحِبُّونَ أَنْ أُخْبِرَكُمْ بِبَدْءِ إِسْلَامِي؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: كُنْتُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَمَا أَنَا فِي يَوْمٍ حَارٍّ شَدِيدِ الْحَرِّ بِالْهَاجِرَةِ فِي بَعْضِ طُرُقِ مَكَّةَ، إِذْ لَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ ذَاكَ الرَّجُلَ الَّذِي غَيَّرَ الدِّينَ، فَقَالَ: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، تَزْعُمُ هَكَذَا، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فِي بَيْتِكَ، قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أُخْتُكَ قَدْ أَسْلَمَتْ، قَالَ: فَرَجَعْتُ مُغْضَبًا حَتَّى قَرَعْتُ الْبَابَ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ أَوِ الرَّجُلَانِ مِمَّنْ لَا شَيْءَ عِنْدَهُمَا ضَمَّهُمَا إِلَى رَجُلٍ بِيَدِهِ قُوَّةٌ فَيَكُونَانِ مَعَهُ وَيُصِيبَانِ مِنْ فَضْلِ طَعَامِهِ، وَقَدْ كَانَ ضَمَّ إِلَى زَوْجِ أُخْتِي رَجُلَيْنِ، فَلَمَّا قَرَعْتُ الْبَابَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ، فَبَادَرَ الْقَوْمُ، وَتَوَارَوْا مِنِّي، وَقَدْ كَانُوا يَقْرَءُونَ صَحِيفَةً بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَنَسُوهَا وَتَرَكُوهَا وَسْطَ الْبَيْتِ، فَقَامَتْ أُخْتِي فَفَتَحَتِ الْبَابَ، فَقُلْتُ: يَا عَدُوَّةَ نَفْسِهَا صَبَوْتِ، وَضَرَبْتُهَا بِشَيْءٍ فِي يَدِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 عَلَى رَأْسِهَا فَسَالَ الدَّمُ، فَلَمَّا رَأَتِ الدَّمَ، بَكَتْ وَقَالَتْ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ مَا كُنْتَ فَاعِلًا فَافْعَلْ، فَقَدْ أَسْلَمْتُ، فَدَخَلْتُ مُغْضَبًا حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى السَّرِيرِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الصَّحِيفَةِ وَسْطَ الْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الصَّحِيفَةُ؟ أَعْطِنِيهَا، فَقَالَتْ: لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا؛ أَنْتَ لَا تَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَلَا تَتَوَضَّأُ وَهَذَا لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. فَلَمْ أَزَلْ بِهَا حَتَّى أَعْطَتْنِيهَا فَنَظَرْتُ فِيهَا فَإِذَا فِيهَا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَلَمَّا قرأت الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ذُعِرْتُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَلْقَيْتُ الصَّحِيفَةَ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي فَأَخَذْتُهَا فَإِذَا فِيهَا {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحديد: 1] فَكُلَّمَا مَرَّ بِيَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ ذُعِرْتُ مِنْهُ، ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَيَّ نَفْسِي حَتَّى بَلَغْتُ. . {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7] قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَمَّا سَمِعَ الْقَوْمُ خَرَجُوا إِلَيَّ مُبَادِرِينَ فَكَبَّرُوا ثُمَّ قَالُوا: أَبْشِرْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ دِينِكَ بِأَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، إِمَّا أَبِي جَهْلٍ، وَإِمَّا عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنَّا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ، قُلْتُ: أَخْبِرُونِي بِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا عَرَفُوا مِنِّي الصِّدْقَ وَأَخْبَرُونِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 بِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ فِي أَسْفلِ الصَّفَا فَرُحْتُ حَتَّى قَرَعْتُ الْبَابَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ، وَقَدْ عَلِمُوا شِدَّتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي فَمَا اجْتَرَأَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَفْتَحُ لِيَ الْبَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْتَحُوا لَهُ فَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يَهْدِهِ» ، فَفَتَحُوا لِيَ الْبَابَ وَأَخَذَ رَجُلَانِ بِعَضُدِي حَتَّى جَاءَا بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «خَلُّوهُ» ، فَخَلُّوا عَنِّي، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ بِمَجْمَعِ قَمِيصِي، ثُمَّ جَبَذَنِي إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَسْلِمْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، اللَّهُمَّ اهْدِهِ» ، فَقُلْتُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ تَكْبِيرَةً بِطُرُقِ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانُوا مُسْتَخْفِينَ، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَكُنْتُ لَا أَشَاءُ أَرَى رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا أَسْلَمَ يُجْتَمَعُ عَلَيْهِ فَيُضْرَبُ وَلَا يُصِيبُنِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ، فَجِئْتُ إِلَى خَالِي، فَكَانَ شَرِيفًا، فَقَرَعْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَقُلْتُ: أَعَلِمْتَ أَنِّي صَبَوْتُ؟ قَالَ: وَفَعَلْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: لَا تَفْعَلْ. قُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ. قَالَ: لَا تَفْعَلْ، فَدَخَلَ فَأَجَافَ الْبَابَ دُونِي فَذَهَبْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ عُظَمَاءِ قُرَيْشٍ أَيْضًا فَقَرَعْتُ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ. فَخَرَجَ إِلَيَّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِي لِخَالِي. أَمَا عَلِمْتَ أَنِّي صَبَوْتَ؟ فَقَالَ: أَفَعَلْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: لَا تَفْعَلْ، قُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ، فَدَخَلَ فَأَجَافَ الْبَابَ دُونِي، فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ، فَقَالَ لِي رَجُلٌ: أَتُحِبُّ أَنْ تُظْهِرَ إِسْلَامَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ فَأْتِ فُلَانًا، لِرَجُلٍ لَمْ يَكْتُمِ السِّرَّ، فَقُلْ لَهُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، فَإِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْكَ فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ جِئْتُ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَقُلْتُ: أَعَلِمْتَ أَنِّي صَبَوْتُ؟ قَالَ: صَبَوْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَرَفَعَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَلَا إِنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ، فَثَارَ إِليَّ النَّاسُ فَضَرَبُونِي وَضَرَبْتُهُمْ، فَقَالَ خَالِي: مَا هَذِهِ الْجَمَاعَةُ؟ قِيلَ: ابْنُ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ. فَقَامَ عَلَى الْحِجْرِ، ثُمَّ أَشَارَ بِكُمِّهِ أَلَا إِنِّي أَجَرْتُ ابْنَ أُخْتِي فَانْكَشَفَ النَّاسُ عَنِّي، فَكُنْتُ لَا أَزَالُ أَرَى إِنْسَانًا يُضْرَبُ وَلَا يُصِيبُنِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَقُلْتُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ حَتَّى يُصِيبَنِي مَا يُصِيبُ النَّاسَ وَأُضْرَبُ كَمَا يُضْرَبُونَ، فَأَتَيْتُ خَالِي وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ فِي الْحِجْرِ، فَقُلْتُ: يَا خَالُ، فَقَالَ: مَا تَشَاءُ يَا ابْنَ أُخْتِي، قُلْتُ: أَشَاءُ أَنَّ جِوَارَكَ عَلَيْكَ رَدٌّ، قَالَ: لَا تفعلْ يَا ابْنَ أُخْتِي، قُلْتُ: جِوَارُكَ عَلَيْكَ رَدٌّ، قَالَ: لَا تَفْعَلْ، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَمَا شِئْتَ، فَمَا زِلْتُ أَضْرِبُ النَّاسَ وَيَضْرِبُونِي حَتَّى أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَنَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: وَعُمَرُ سَمَّيْتُمُوهُ الْفَارُوقَ أَصَبْتُمُ اسْمَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وَقَالَ مُسْلِمٌ الْبَطِينُ: أَنَّى تُعَاتِبُ - لَا أَبَالَكَ - رُفْقَةً ... عَلِقُوا الْفِرَى وَبَرَوْا مِنَ الصِّدِّيقِ وَبَرَوْا شِفَاهًا مِنْ وَزِيرِ نَبِيِّهِمْ ... تَبًّا لِمَنْ يَنْبِرِي مِنَ الْفَارُوقِ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ ابْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ تَعْلَمْ قُرَيْشٌ بِإِسْلَامِهِ، قَالَ: أَيُّ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْشَرُ لِلْحَدِيثِ؟ قَالُوا: جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ، قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَنَا أَتَّبِعُ أَثَرَهُ غُلَامًا، أَعْقِلُ مَا أَرَى وَأَرْوِي مَا أَسْمَعُ، فَقَالَ: يَا جَمِيلُ هَلْ عَلِمْتَ أَنِّي أَسْلَمْتُ؟ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيْهِ كَلِمَةً حَتَّى قَامَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَادَى أَنْدِيَةَ قُرَيْشٍ: أَنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ صَبَأَ فَقَالَ عُمَرُ: كَذِبَ، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ، وَآمَنْتُ بِاللَّهِ، وَصَدَّقْتُ رَسُولَهُ، فَثَارُوا إِلَيْهِ، فَقَاتَلَهُمْ، وَقَاتَلُوهُ حَتَّى رَكَدَتِ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِهِمْ، وَفَتَرَ عُمَرُ، وَقَامُوا عَلَى رَأْسِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: افْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ، فَوَاللَّهِ لَوْ قَدْ كُنَّا ثَلَاثَ مِائَةِ رَجُلٍ لَقَدْ تَرَكْتُمُوهَا لَنَا، أَوْ تَرَكْنَاهَا لَكُمْ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ قِيَامٌ عَلَيْهِ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَبِرَةٌ وَقَمِيصٌ مُوَشَّى، فَقَالَ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: صَبَأَ ابْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَمَهْ، امْرُءٌ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ دِينًا، فَتَظُنُّونَ أَنَّ بَنِي عَدِيٍّ تُسْلِمُ لَكُمْ صَاحِبَكُمْ، فَوَاللَّهِ لَكَأَنَّمَا كَانُوا ثَوْبًا انْكَشَفَ عَنْهُ، فَقُلْتُ: لَهُ بُعْدٌ بِالْمَدِينَةِ: يَا أَبَتِ مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي رَدَّ عَنْكَ الْقَوْمَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ، الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَفْرَسُ النَّاسِ ثَلَاثَةٌ: الْعَزِيزُ حِينَ تَفَرَّسَ فِي يُوسُفَ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} [يوسف: 21] ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وَالْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَتْ مُوسَى، فَقَالَتْ لِأَبِيهَا: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} [القصص: 26] وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ اسْتَخَلَفَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ حَفْصَةَ أَنَّهَا سمعت أَبَاهَا، يَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي قَتْلًا فِي سَبِيلِكَ، وَوَفَاةً فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ، قَالَتْ: قُلْتُ: وَأَنَّى ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِأَمْرِهِ أَنَّى شَاءَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 فَصْلٌ فِي ذِكْرِ قَتْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أخبرنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَارُ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْقَطَوَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غَيَّاثٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ، قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، فَقَالَ: كَيْفَ فَعَلْتُمَا؟ أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لَوْ أَضْعَفْتَ عَلَيْهَا حُمِلَتْ، وَقَالَ عُثْمَانُ: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ وَمَا فِيهَا كَبِيرٌ، فَقَالَ: إِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ لَأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي، فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا رَابِعَةُ حَتَّى أُصِيبَ، وَإِنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا غَدَاةَ أُصِيبَ، وَكَانَ رُبَّمَا قَرَأَ بِسُورَةِ يُوسُفَ وَالنَّحْلِ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ يُطَوِّلُ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، قَالَ: فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وَهُوَ يَقُولُ: قَتَلَنِي الْعِلْجُ أَوْ قَالَ: قَتَلَنِي الْكَلْبُ، وَكَانَ مَعَ الْعِلْجِ سِكِّينٌ ذَاتُ طَرَفَيْنِ لَا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا إِلَّا طَعَنَهُ حَتَّى طَعَنَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا مَاتَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الرَّجُلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا، فَلَمَّا ظَنَّ الْعِلْجُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ، قَالَ: وَتَنَاوَلَ عُمَرُ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، فَأَمَّا مَنْ يَلِي عُمَرَ فَقَدْ رَأَوْا الَّذِي رَأَوْا، وَأَمَّا مَا فِي نَوَاحِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَدْرُونَ إِلَّا أَنَّهُمْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ وَهُمْ يَقُولُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ، قَالَ: فَصَلَّى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِالنَّاسِ صَلَاةً خَفِيفَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي؛ فَجَالَ سَاعَةً، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: أَبُو لُؤْلُؤَةَ عَبْدٌ لِمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ، فَقَالَ: الصنع؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ، لَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَيْتَتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ، وَقَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: وَكَانَ الْعَبَّاسُ مِنْ أَكْثَرِهِمْ رَقِيقًا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ شِئْتَ فَعَلْنَا، أَيْ: إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا، فَقَالَ: أَبَعْدَ مَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ وَصَلُّوا إِلَى قِبْلَتِكُمْ وَحَجُّوا حَجَّكُمْ، قَالَ: فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ، فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، فَقَائِلٌ يَخَافُ، وَقَائِلٌ لَا بَأْسَ، فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ يَعْنِي مَاءً طُرِحَ فِيهِ التَّمْرُ فَشَرِبَ مِنْهُ، فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ، فَوَلَجَ النَّاسُ يَثْنُونَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ شَابٌّ، فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كَانَتْ لَكَ صُحْبَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِدَمٌ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وُلِّيتَ، فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ أَخِي لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لَا عَلَيَّ وَلَا لِي، فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا إِزَارُهُ مَسَّ الْأَرْضَ، فَقَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الْفَتَى، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَتْقَى لِرَبِّكَ، وَأَنْقَى لِثَوْبِكَ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، انْظُرُوا مَا عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ فَاحْسِبُوهُ، فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنْ وَفَّى مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدُّوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَفِ فَسَلُوا فِي بَنِي عَدِيٍّ بَنِي كَعْبٍ فَإِنْ لَمْ يَفِ، فَسَلُوا فِي قُرَيْشٍ، وَلَا تَعُدُّوهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ فَأَدُّوا عَنِّي هَذَا الْمَالَ، اذْهَبْ إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَسَلِّمْ ثُمَّ اسْتَأْذِنْ، ثُمَّ قُلْ يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلَامَ، وَلَا تَقُلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأَمِيرٍ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَدَخَلَ فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي، فَقَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَقَالَتْ: قَدْ كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي وَلَأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَلَمَّا أَقْبَلَ، قِيلَ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَدَخَلَ فَقَالَ: أَقْعِدْنِي فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ فَقَالَ: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَذِنَتْ لَكَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَضْجَعِ، إِذَا أَنَا مِتُّ فَاحْتَمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمْ، وَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي وَإِلَّا فَرُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: وَجَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَنِسَاءٌ يَسْتُرْنَهَا، فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 قُمْنَا فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ اسْتَأَذَنَ الرِّجَالُ، فَوَلَجَتْ وَكُنَّا نَسْمَعُ بُكَاءَهَا مِنْ دَاخِلٍ، فَقَالُوا لَهُ: أَوْصِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاسْتَخْلِفْ، قَالَ: مَا أَجِدُ أَحَدًا أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ أَوِ الرَّهْطِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، قَالَ: فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعْدًا، وَقَالَ: لِيَشْهَدْكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، وَقَالَ: إِنْ أَصَابَتْ سَعْدًا، فَهُوَ ذَاكَ، وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ أُمِّرَ فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ مِنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ، ثُمَّ قَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأُوصِيهِ بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَأَنْ يَحْفَظَ حُرْمَتَهُمْ وَأُوصِيهِ بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَعْفُو عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ رَدْءُ الْإِسْلَامِ، وَجُبَاةُ الْمَالِ، وَغَيْظُ الْعَدُوِّ، وَأَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلَّا فَضْلُهُمْ عَنْ رِضًى مِنْهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالْأَعْرَابِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ أَنْ يُوَفِّيَ لَهُمْ بَعْدَهُمْ، وَأَنْ يُقَاتِلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَأَنْ لَا يُكَلَّفُوا مَا لَا طَاقَةَ لَهُمْ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَخْرَجْنَاهُ، فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي مَعَهُ، قَالَ: فَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَاسْتَأَذَنَ، وَقَالَ: أَسْتَأْذِنُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَتْ: أَدْخِلُوهُ، فَأُدْخِلَ فَوُضِعَ هُنَاكَ مِنْ صَاحِبَيْهِ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ دَفْنِ عُمَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رَجَعُوا وَاجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَجْمِعُوا وَاجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ، وَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ، وَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمْ يَبْرَأُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ وَيَجْعَلُهُ إِلَيْهِ، وَلِلَّهِ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامِ لَيُنْصَرَنَّ أَفْضَلُهُمْ فِي نَفْسِهِ، وَلَيَحْرِصَنَّ عَلَى صَلَاحِ الْأُمَّةِ، قَالَ: فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ عَلِيٌّ وَعُثْمَانَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ؟ وَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا آلُو عَنْ أَفْضَلِكُمْ، فَقَالَا: نَعَمْ. فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ: لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِدَمٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَا قَدْ عَلِمْتَ فَلِلَّهِ عَلَيْكَ إِنْ أَنَا قَدْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ، وَإِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ، قَالَ: ثُمَّ خَلَا عَنْهُ وَخَلَا بِالْآخَرِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ، قَالَ: يَا عُثْمَانُ ادْفَعْ يَدَكَ، فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ عَلِيُّ وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ، قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ طُعِنَ فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَكُونَ فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ إِلَّا هَيْبَتُهُ، وَكَانَ مُثِيبًا، وَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 لَا يُكَبِّرُ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ بِوَجْهِهِ فَإِذَا رَأَى رَجُلًا مُتَقَدِّمًا عَلَى الصَّفِّ أَوْ مُتَأَخِّرًا ضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ، فَذَلِكَ الَّذِي مَنَعَنِي مِنْهُ. وَفِي رِوَايَةِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلْتُ، فَأَخَذْتُ بِعَضَادَتِي الْبَابَ، فَقُلْتُ كَيْفَ تَرَوْنَهُ؟ فَقَالُوا: كَمَا تَرَى، قُلْتُ: فَأَيْقِظُوهُ بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تُوقِظُوهُ بِشَيْءٍ أَفْزَعَ لَهُ مِنَ الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ: الصَّلَاةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: الصَّلَاةُ، وَلَاحَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَجُرْحُهُ يَسْكُبُ دَمًا فَصْلٌ وَمِمَّا وَرَدَ فِي فَضَائِلِهِ بِالْإِسْنَادِ الْغَرِيبِ أخبرنا طَرَّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغِفَارِيُّ الْمَدِينِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 «عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ سِرَاجُ أَهْلِ الْجَنَّةِ» أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْخِرَقِيُّ، أخبرنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّيْبُلِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُبَيْسِ بْنِ مَرْحُومٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ عَرَبِيٍّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أَرْوَى الدَّوْسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فَطَلَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَيَّدَنِي بِكُمَا» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 أخبرنا الْمُطَهَّرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَيِّعُ، أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ جَعْفَرٍ إِمَامُ الْجَامِعِ، حَدَّثَنَا فَارُوقُ بْنُ عَبْدِ الْكَبِيرِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا فُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ رَجُلًا فِي حَاجَةٍ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعُمَرُ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَلَا تَبْعَثَ أَحَدَ هَذَيْنِ، فَقَالَ: «كَيْفَ أَبْعَثُهُمَا وَهُمَا مِنْ هَذَا الدِّينَ بِمَنْزِلَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ مِنَ الرَّأْسِ» أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْخِرَقِيُّ، أخبرنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 الْجُوزْجَانِيُّ، أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّبِيلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حَسَنٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهيمُ بْنُ رُسْتُمَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَبٍ: أَتَى جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: «أَقْرِئْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ السَّلَامَ وَأَعْلِمْهُ أَنَّ غَضَبَهُ عِزُّ، وَأَنَّ رِضَاهُ عَدْلٌ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فَصْلٌ بِلَا إِسْنَادٍ فِي سِيرَتِهِ وَأَحْوَالِهِ تُرِكَ إِسْنَادُهُ تَخْفِيفًا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ رَقَّعَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرِقَاعٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ. وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سمعت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ حَائِطًا فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ جِدَارٌ وَهُوَ فِي جَوْفِ الْحَائِطِ: عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بَخٍ بَخٍ وَاللَّهِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، لَتَتَّقِيَنَّ اللَّهَ، أَوْ لَيُعَذِّبَنَّكَ. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَنْ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّهُ خُلِقَ غِنَاءً لِلْإِسْلَامِ، وَكَانَ وَاللَّهِ أَحْوَذِيًّا نَسِيجُ وَحْدَهُ، قَدْ أَعَدَّ لِلْأُمُورِ أَقْرَانَهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: عُمَرُ الْفَارُوقُ، أَصَبْتُمُ اسْمَهُ يُفِرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، قَالَ: قَرْنٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَصَبْتُمُ اسْمَهُ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: صِفَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي التَّوْرَاةِ: قَرْنٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَمِيرٌ شَدِيدٌ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَا رَأَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَّا وَكَأَنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وَقَالَ: عُمَرُ كَانَ حِصْنًا حَصِينًا لِلْإِسْلَامِ، النَّاسُ يَدْخُلُونَ فِيهِ وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهُ فَأَصْبَحَ الْحِصْنُ قَدِ انْهَدَمَ وَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ مِنْهُ وَلَا يَدْخُلُونَ فِيهِ. وَقَالَ: إِنْ كَانَ إِسْلَامُ عُمَرَ لَفَتْحًا وَإِنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لَنَصْرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 فَصْلٌ أخبرنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَارُ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، حَدَّثَنِي أَخِي نُعْمَانُ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهَا قَالَتْ لِأَبِيهَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا عَلَيْكَ لَوْ لَبِسْتَ أَلْيَنَ مِنْ ثَوْبِكَ هَذَا، وَأَكَلْتَ طَعَامًا غَيْرَ هَذَا، قَدْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْأَرْضَ وَأَوْسَعَ الرِّزْقَ، فَقَالَ: أُخَاصِمُكِ إِلَى نَفْسِكِ، أَمَا تَعْلَمِينَ مَا كَانَ يَلْقَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَبْكَاهَا، قَالَ: قُلْتُ لَكِ إِنَّهُ كَانَ لِي صَاحِبَانِ سَلَكَا طَرِيقًا، وَإِنِّي إِنْ سَلَكْتُ غَيْرَ طَرِيقِهِمَا سُلِكَ بِي غَيْرُ طَرِيقِهِمَا، فَإِنِّي وَاللَّهِ لَأُشْرِكَنَّهُمَا فِي مِثْلِ عَيْشِهِمَا الشَّدِيدِ لَعَلِّي أُدْرِكُ مَعَهُمَا عَيْشَهُمَا الرَّخِيَّ يَعْنِي بِصَاحِبَيْهِ: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وَأَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْخِرَقِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ بُنْدَارٍ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ فِي الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: لَقَدْ جَلَسَ هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 الْمَجْلِسَ عُمَرُ، فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَدَعَ صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلَّا قَسَّمْتُهَا، فَقُلْتُ: مَا كُنْتَ لِتَفْعَلَ، قَالَ: وَلِمَ؟ قُلْتُ: إِنَّ صَاحِبَيْكَ لَمْ يَفْعَلَا، قَالَ: هُمَا الْمَرْآنِ أَقْتَدِي بِهِمَا فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَوْفَى بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ الْيَوْمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ عُمَرُ خَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: لِلَّهِ دَرُّ بَاكِيَةِ عُمَرَ، وَاعُمَرَاهُ قَوَّمَ الْأَوَدَ، وَأَبَرَّ الْعَمْدَ، وَاعُمَرَاهُ مَاتَ نَقِيُّ الْجَيْبِ قَلِيلُ الْعَيْبِ، وَاعُمَرَاهُ ذَهَبَ بِالسُّنَّةِ وَأَبْقَى الْفِتْنَةَ. وَعَنْ مَعْرُوفِ بْنِ أَبِي مَعْرُوفٍ، قَالَ: سُمِعَ صَوْتٌ يَوْمَ أُصِيبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لِيَبْكِ عَلَى الْإِسْلَامِ مَنْ كَانَ بَاكِيًا ... فَقَدْ أَوْشَكُوا هَلْكَى وَمَا قَدُمَ الْعَهْدُ فَأَدْبَرَتِ الدُّنْيَا وَأَدْبَرَ أهْلُهَا ... وَقَدْ مَلَّهَا مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالْوَعْدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وَعَنْ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ جِدَّتِهِ، قَالَتْ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَأَنَّ النَّاسَ يَرَوْنَ أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، جَعَلَ الرَّجُلُ يُوصِي كَأَنَّهُمْ قَدْ أَتَاهُمُ الْأَمْرُ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا نَفَرَ مِنْ مِنًى أَنَاخَ بِالْأَبْطَحِ فَكَوَّمَ كُومَةً مِنْ بَطْحَاءَ فَأَلْقَى عَلَيْهَا طَرَفَ ثَوْبِهِ ثُمَّ اسْتَلْقَى عَلَيْهِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ كَبُرَتْ سِنِّي، وَضَعُفَتْ قُوَّتِي، وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي، فَاقْبِضْنِي غَيْرَ مُضَيِّعٍ، وَلَا مُفَرِّطٍ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ فُرِضَتْ لَكُمُ الْفَرَائِضُ، وَسُنَّتْ لَكُمُ السُّنَّةُ وَتُرِكْتُمْ عَلَى الْوَاضِحَةِ إِلَّا أَنْ تَضِلُّوا بِالنَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ حَتَّى طُعِنَ فَمَاتَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وَقَالَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تُوُفِّيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: قُتِلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ بَقَيْنَ عَنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ عَشْرَ سِنِينَ وَنِصْفًا وَأَيَّامًا، وَخِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ سَنَتَيْنِ وَأَشْهُرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالِاقْتِدَاءِ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أخبرنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَارُ، أخبرنا الْفَضْلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ بُنْدَارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّايِغُ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مَوْلًى لِرِبْعِيٍّ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْتَدُوا بِالَّذِينَ مِنْ بَعْدِي يُشِيرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَاهْدُوا هَدْيَ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رُوِيَ عَنْ شِبَاكٍ، قَالَ: بَلَغَ عَلِيًّا أَنَّ ابْنَ السَّوْدَاءِ يَنْتَقِصُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَدَعَا بِهِ، وَدَعَا لَهُ بِالسَّيْفِ، وَهَمَّ بِقَتْلِهِ فَكُلِّمَ فِيهِ، فَقَالَ لَا يُسَاكِنُنِي بِبَلْدَةٍ أَنَا فِيهَا، فَسَيَّرَهُ إِلَى الْمَدَائِنِ. وَعَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ، قَالَ: مَرَرْتُ بِنَفَرٍ مِنَ الشِّيعَةِ وَهُمْ يَتَنَاوَلُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي مَرَرْتُ آنِفًا بِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِكَ وَهُمْ يَذْكُرُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بِغَيْرِ الَّذِي هُمَا لَهُ مِنَ الْأَمْرِ أَهْلًا، وَلَوْلَا أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّكَ تُضْمِرُ لَهُمَا بِمِثْلِ مَا أَعْلَنُوا مَا اجْتَرَءُوا عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أُضْمِرَ لَهُمَا، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَضْمَرَ لَهُمَا إِلَّا الْحَسَنَ الْجَمِيلَ، أَخَوَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ وَوَزِيرَاهُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا. ثُمَّ نَهَضَ دَامِعًا عَيْنَاهُ يَبْكِي قَابِضًا عَلَى يَدَيَّ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَصَعَدَ الْمِنْبَرَ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ مُتَمَكِّنًا قَابِضًا عَلَى لِحْيَتِهِ يَنْظُرُ فِيهَا وَهِيَ بَيْضَاءُ حَتَّى اجْتَمَعَ لَهُ النَّاسُ، ثُمَّ قَامَ فَتَشَهَّدَ بِخُطْبَةٍ بَلِيغَةٍ مُوجَزَةٍ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَذْكُرُونَ سَيِّدَيْ قُرَيْشٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وَأَبَوَيِ الْمُسْلِمِينَ بِمَا أَنَا عَنْهُ مُتَنَزِّهٌ وَعَمَّا يَقُولُونَ بَرِيءٌ، وَعَلَى مَا يَقُولُونَ مُعَاقِبٌ، أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّهُمَا إِلَّا مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَلَا يَبُغِضُهُمَا إِلَّا فَاجِرٌ رَدِيٌّ، صَحِبَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْوَفَاءِ وَالصِّدْقِ يَأْمُرَانِ، وَيَنْهَيَانِ، وَيَقْضِيَانِ، وَيُعَاقِبَانِ، وَلَا يُجَاوِزَانِ رَأْيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى مِثْلَ رَأْيِهِمَا رَأْيًا، وَلَا يُحِبُّ كَحُبِّهِمَا أَحَدًا، مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمَا رَاضٍ، وَمَضَيَا وَالْمُؤْمِنُونَ عَنْهُمَا رَاضُونَ، أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى صَلَاةِ الْمُؤْمِنِينَ فَصَلَّى بِهِمْ تِسْعَةَ أَيَّامٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاخْتَارَ لَهُ مَا عِنْدَهُ وَلَّاهُ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَعْطَوْهُ الْبَيْعَةَ طَائِعِينَ غَيْرَ كَارِهِينَ، أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ لِذَلِكَ كَارِهٌ يَوَدُّ لَوْ أَنَّ أَحَدَنَا كَفَاهُ ذَلِكَ، كَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ مَنْ بَقِيَ، أَرْحَمَهُ رَحْمَةً وَأَرْأَفَهُ وَأَبْيَنَهُ وَرَعًا، وَأَقْدَمَهُ سِنًّا وَإِسْلَامًا، شَبَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِيكَائِيلَ رَحْمَةً، وَبِإِبْرَاهِيمَ عَفْوًا وَوَقَارًا، فَسَارَ بِنَا سِيرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَضَى عَلَى ذَلِكَ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ وَلِيَ الْأَمْرَ بَعْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَاسْتَأْمَرَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَضِيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ، فَكُنْتُ فِيمَنْ رَضِيَ، فَلَمْ يُفَارِقِ الدُّنْيَا حَتَّى رَضِيَ عَنْهُ مَنْ كَانَ كَرِهَهُ، وَأَقَامَ الْأَمْرَ عَلَى مِنْهَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبِهِ يَتَّبِعُ آثَارَهُمَا كَاتِّبَاعِ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وَكَانَ وَاللَّهِ رَفِيقًا رَحِيمًا بِالضُّعَفَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ، عَوْنًا وَنَاصِرًا لِلْمَظْلُومِينَ عَلَى الظَّالِمِينَ، لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ بِالْحَقِّ عَلَى لِسَانِهِ، وَجَعَلَ الصِّدْقَ مِنْ شَأْنِهِ، حَتَّى أَنْ كُنَّا لَنَظُنُّ أَنَّ مَلَكًا يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِهِ، أَعَزَّ اللَّهُ بِإِسْلَامِهِ الْإِسْلَامَ، وَجَعَلَ هِجْرَتَهُ لِلدِّينِ قِوَامًا، أَلْقَى اللَّهُ لَهُ فِي قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ الرَّهْبَةَ، وَفِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَحَبَّةَ، شَبَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِبْرِيلَ فَظًّا غَلِيظًا عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَبِنُوحٍ حَنِقًا مُغْتَاظًا عَلَى الْكُفَّارِ، الضَّرَّاءُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عِنْدَهُ آثَرُ مِنَ السَّرَّاءِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، مَنْ لَكُمْ بِمِثْلَيْهِمَا؟ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا، وَرَزَقَنَا الْمُضِيَّ عَلَى سَبِيلِهِمَا، فَإِنَّهُ لَا يَبْلُغُ مَبْلَغُهُمَا إِلَّا بِاتِّبَاعِ آثَارِهِمَا وَالْحُبِّ لَهُمَا، فَمَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّهُمَا، وَمَنْ لَمْ يُحِبَّهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ، وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي أَمْرِهِمَا لَعَاقَبْتُ عَلَى هَذَا أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ، إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ أُعَاقِبَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ، أَلَا فَمَنْ أُتِيتُ بِهِ يَقُولُ هَذَا بَعْدَ الْيَوْمِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُفْتَرِي، أَلَا وَخَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُمَرُ الْفَارُوقُ، ثُمَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِالْخَيْرِ أَيْنَ هُوَ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَيَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتَارَ لَهُ مَا عِنْدَهُ وَلَّاهُ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، وَفَوَّضُوا إِلَيْهِ الزَّكَاةَ لِأَنَّهُمَا مَقْرُونَتَانِ، ثُمَّ أَعْطَوْهُ الْبَيْعَةَ. وَعَنْ صِلَةَ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا ذُكِرَ عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا اسْتَبَقْنَا إِلَى خَيْرٍ قَطُّ إِلَّا سَبَقَنَا إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ. وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِصَحِيفَتِهِ مِنْ هَذَا الْمَسْجِيِّ عَلَيْهِ - يَعْنِي عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 فَصْلٌ أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْخِرَقِيُّ، أخبرنا الْفَضْلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ بُنْدَارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّايِغُ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُمَرَ ثَوْبًا غَسِيلًا، فَقَالَ: «الْبِسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَمُتْ شَهِيدًا، وَيُعْطِيكَ اللَّهُ قُرَّةَ عَيْنٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 قَالَ: وَحَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ فَيَّاضٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ تَلَقَّاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَخَاضَ إِلَيْهِ عُمَرُ الْمَاءَ فِي خُفَّيْهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَقَالَ: دَعْنَا مِنْكَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَزَّنَا بِالْإِسْلَامِ، قَالَ: وَقَبَّلَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَدَهُ، ثُمَّ خَلَوْا فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 قَالَ وَحَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَوْ أَنَّ عِلْمَ عُمَرَ وُضِعَ فِي كِفَّةِ مِيزَانٍ، وَوُضِعَ عِلْمُ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي كِفَّةٍ أُخْرَى رَجَحَ عِلْمُ عُمَرَ فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ الْحَارِثِيِّ، أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَعْجَبَتْهُ هَيْئَتَهُ وَنَحْوَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِطَعَامٍ لَيِّنٍ وَمَرْكَبٍ لَيِّنٍ وَمَلْبَسٍ لَيِّنٍ لَأَنْتَ، وَكَانَ أَكَلَ طَعَامًا غَلِيظًا، فَرَفَعَ عُمَرُ جِرِيدَةً كَانَتْ مَعَهُ، فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا أَرَاكَ أَرَدْتَ بِهَا اللَّهَ، مَا أَرَدْتَ بِهَا إِلَّا مُقَارَبَتِي، إِنْ كُنْتُ لَأَحْسَبُ أَنْ يَكُونَ فِيكَ خَيْرٌ، وَيْحَكَ، هَلْ تَدْرِي مَا مَثَلِي وَمَثَلَ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: وَمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُهُمْ؟ قَالَ: مِثْلُ قَوْمٍ سَافَرُوا فَدَفَعُوا نَفَقَاتِهِمْ إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَقَالُوا: أَنْفِقْ عَلَيْنَا. فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْثِرَ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ؟ قَالَ: لَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَذَاكَ مَثَلِي وَمَثَلُهُمْ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي لَمْ أَسْتَعْمِلْهُمْ عَلَيْكُمْ أَنْ يَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ وَلِيَشْتِمُوا أَعْرَاضَكُمْ وَلِيَأْكُلُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 أَمْوَالَكُمْ، وَلَكِنِ اسْتَعْمَلْتُهُمْ لِيُعَلِّمُوكُمْ كِتَابَ رَبِّكُمْ، وَسُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ ظَلَمَهُ عَامِلُهُ بِمَظْلَمَةٍ فَلْيَرْفَعْهَا إِلَيَّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَدَّبَ أَمِيرٌ رَجُلًا أَتَقُصُّهُ مِنْهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَمَالِي لَا أَقُصُّهُ مِنْهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ مِنْ نَفْسِهِ، وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: «لَا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ، وَلَا تَحْرِمُوهُمْ فَتُكَفِّرُوهُمْ، وَلَا تُجَمِّرُوهُمْ فَتَفْتِنُوهُمْ، وَلَا تُنْزِلُوهُمُ الْغِيَاضَ فَتُضَيِّعُوهُمْ» وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، خَطَبَ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي وَاللَّهِ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تُؤْنِسُونَ مِنِّي شِدَّةً وَغِلَظًا، وَذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ عَبْدَهُ وَخَادِمَهُ وَجِلْوَازَهُ، وَكَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] وَكُنْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالسَّيْفِ الْمَسْلُولِ إِلَّا أَنْ يَغْمِدَنِي أَوْ يَنْهَانِي عَنْ أَمْرٍ فَأَكُفُّ عَنْهُ، وَإِلَّا أَقْدَمْتُ عَلَى النَّاسِ لِمَكَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَزَلْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ رَاضٍ عَنِّي، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 ذَلِكَ كَثِيرًا وَأَنَا بِهِ أَسْعَدُ، ثُمَّ قُمْتُ ذَلِكَ الْعَامَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَانَ مَنْ عَلِمْتُمْ فِي كَرَمِهِ وَدِعَتِهِ وَلِينِهِ، وَكُنْتُ خَادِمَهُ وَجِلْوَازَهُ، وَكُنْتُ كَالسَّيْفِ الْمَسْلُولِ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى النَّاسِ، أَخْلِطُ شِدَّتِي بِلِينِهِ، إِلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَيَّ فَأَكُفُّ وَإِلَّا أَقْدَمْتُ، فَلَمْ أَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عَنِّي رَاضٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَأَنَا أَسْعَدُ بِهِ ثُمَّ جَاءَ أَمْرُكُمْ إِلَيَّ الْيَوْمَ، فَأَنَا أَعْلَمُ أَنْ سَيَقُولُ قَائِلٌ: قَدْ كَانَ مُتَشَدِّدًا عَلَيْنَا وَالْأَمْرُ إِلَى غَيْرِهِ، فَكَيْفَ بِهِ إِذَا صَارَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ. أَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونَ عَنِّي أَحَدًا، قَدْ عَرَفْتُمُونِي، وَجَرَّبْتُمُونِي، وَقَدْ عَرَفْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَرَفْتُ وَمَا أَصْبَحْتُ نَادِمًا عَلَى شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَقَدْ سَأَلْتُهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ شِدَّتِي الَّتِي كُنْتُمْ تَرَوْنَ تَزْدَادُ أَضْعَافًا إِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى الظَّالِمِ وَالْمُعْتَدِي، وَالْأَخْذُ لِلْمُسْلِمِينَ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ قَوِيِّهِمْ، وَإِنِّي بَعْدَ شِدَّتِي ذَلِكَ وَاضِعٌ خَدَّيَّ بِالْأَرْضِ لِأَهْلِ الْعَفَافِ وَأَهْلِ الْكَفِّ فِيكُمْ وَالتَّسْلِيمِ، وَإِنِّي لَسْتُ آلِي إِنْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ فِي أَحْكَامِكُمْ أَنْ أَمْشِيَ مَعَهُ إِلَى مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ، فَيَنْظُرُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَأَعِينُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِكَفِّهَا وَأَعِينُونِي عَلَى نَفْسِي بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِحْضَارِي النَّصِيحَةَ فِيمَا وَلَّانِيَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِكُمْ. قَالَ سَعِيدٌ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ وَفَى لِلَّهِ بِمَا قَالَ. وَزَادَ فِي مَوْضِعِ الشِّدَّةِ عَلَى أَهْلِ الرَّيْبِ وَالظُّلْمِ، وَالرِّفْقِ بِأَهْلِ الْحَقِّ مَنْ كَانُوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 فَصْلٌ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عَمِّي، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ بِالْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. فَصْلٌ أخبرنا طَرَّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ الْفَضْلِ الْعَنْزِيُّ، أخبرني إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدٍ الْعِجْلِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَمَّارُ أَتَانِي جِبْرِيلُ آنِفًا فَقُلْتُ لَهُ: يَا جِبْرِيلُ، حَدِّثْنِي بِفَضَائِلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ لَوْ حَدَّثْتُكَ بِفَضَائِلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي السَّمَاءِ مِثْلَ مَا لَبِثَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا مَا نَفِدَتْ فَضَائِلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنَّ عُمَرَ حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ أَبِي بَكْرٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أخبرنا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، /أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَعْفَرٍ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَيْلَانَ الْخَزَّازُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجُنَيْدِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ وَعُمَرُ عَنْ شِمَالِهِ آخِذًا بِأَيْدِيهِمَا، قَالَ: «هَكَذَا نُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَأخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، أخبرنا هِبَةُ اللَّهِ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 أخبرنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُبَشِّرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا رَبَاحٌ وَهُوَ ابْنُ أَبِي مَعْرُوفٍ الْمَكِّيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جَبُيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: " أَلَا أُخْبِرُكُمَا بِمَثَلِكُمَا فِي الْمَلَائِكَةِ، وَمَثَلِكُمَا فِي الْأَنْبِيَاءِ؟ أَمَّا مَثَلُكَ أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ فِي الْمَلَائِكَةِ كَمَثَلِ مِيكَائِيلَ يَنْزِلُ بِالرَّحْمَةِ، وَمَثَلُكَ أَيْضًا فِي الْأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ، إِذْ كَذَّبَهُ قَوْمُهُ وَصَنَعُوا بِهِ مَا صَنَعُوا، قَالَ: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36] وَمَثَلُكَ يَا عُمَرُ فِي الْمَلَائِكَةِ مَثَلُ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ بِالْبَأْسِ وَالشِّدَّةِ وَالنِّقْمَةِ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَفِي الْأَنْبِيَاءِ مَثَلُ نُوحٍ، إِذْ قَالَ: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 فَصْلٌ آخَرُ نَحْذِفُ الْأَسَانِيدَ رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَقَدْ لانَ قَلْبِي فِي اللَّهِ حَتَّى لَهُوَ أَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ، وَاشْتَدَّ قَلْبِي فِي اللَّهِ حَتَّى لَهُوَ أَشَدُّ مِنَ الْحَجَرِ. وَرُوِيَ. وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي وَجْهِ عُمَرَ خَطَّانِ أَسْوَدَانِ مِنَ الْبُكَاءِ. قَالَ الْحَسَنُ: وَكَانَ عُمَرُ يَمُرُّ بِالْآيَةِ فِي وِرْدِهِ، فَتَخْنِقُهُ، فَيَبْكِي حَتَّى يَسْقُطَ، ثُمَّ يَلْزَمُ بَيْتَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 حَتَّى يُعَادَ يَحْسَبُونَهُ مَرِيضًا. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: بَكَتِ الْجِنُّ عَلَى عُمَرَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ بِثَلَاثٍ: جَزَى اللَّهُ خَيْرًا مِنْ أَمِيرٍ وَبَارَكَتْ ... يَدُ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْأَدِيمِ الْمُمَزَّقِ فَمَنْ يَسْعَ أوْ يَرْكَبْ جَنَاحَيْ نَعَامَةٍ ... لِيُدْرِكَ مَا أَسْدَيْتَ بِالْأَمْسِ يُسْبَقِ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعُوا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 عَلَيْكَ سَلَامٌ مِنْ أَمِيرٍ وَبَارَكَتْ ... يَدُ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْأَدِيمِ الْمُمَزَّقِ قَضَيْتَ أُمُورًا ثُمَّ غَادَرْتَ بَعْدَهَا ... بِوَاضِحَ فِي أكَمَامِهَا لَمْ تُغْلَقِ فَمَنْ يَسْعَ أَوْ يَرْكَبْ جَنَاحَيْ نَعَامَةٍ ... لِيُدْرِكَ مَا قَدَّمْتَ فِي الْخَيْرِ يُسْبَقِ قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَنُعِتَ بَعْدَهُ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ عَلَيَّ رَجُلَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ قَدِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لَقَدْ أَقْرَأَنِيهَا عُمَرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَقْرَأَنِيهَا أُبَيُّ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اقْرَأْ كَمَا أَقْرَأَكَهَا عُمَرُ، ثُمَّ هَمَلَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى بَلَّ الْحَصَا وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ عُمَرَ كَانَ حَائِطًا كَثِيفًا، فَمَاتَ عُمَرُ فَانْثَلَمَ الْحَائِطُ، فَهُمْ يَخْرُجُونَ وَلَا يَدْخُلُونَ، وَلَوْ أَنَّ كَلْبًا أَحَبَّ عُمَرَ لَأَحَبَبْتُهُ، وَمَا أَحْبَبْتُ أَحَدًا حُبِّي لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ بَعْدَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَ مَاتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَا مِنْ بَيْتٍ حَاضِرٍ وَلَا بَادٍ إِلَّا وَقَدْ دَخَلَهُ مِنْ مَوْتِ عُمَرَ نَقْصٌ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَعَثَ جَيْشًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُدْعَى سَارِيَةُ، قَالَ: فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمًا، فَجَعَلَ يَصِيحُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، يَا سَارِيَ الْجَبَلَ، يَا سَارِيَ الْجَبَلَ، يَا سَارِيَ الْجَبَلَ، فَقِدَمَ رَسُولُ الْجَيْشِ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقِينَا عَدُوَّنَا فَإِذَا صَائِحٌ يَصِيحُ يَا سَارِيَ الْجَبَلَ، فَأَسْنَدْنَا ظُهُورَنَا إِلَى الْجَبَلِ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ، فَقِيلَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّكَ كُنْتَ تَصِيحُ بِذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَلْخٍ، قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَاعِدًا عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ يَخْطُبُ النَّاسَ فَبَيْنَمَا هُوَ فِي خُطْبَتِهِ، قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا سَارِيَ الْجَبَلَ، يَا سَارِيَ الْجَبَلَ، ثُمَّ أَخَذَ فِي خُطْبَتِهِ فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا نَزَلَ وَصَلَّى قِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا مَا كُنَّا نَعْرِفُهُ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قِيلَ: قُلْتُ كَذَا وَكَذَا، وَذَكَرُوا مَا نَادَى بِهِ، فَقَالَ: مَا كَانَ شَيْئًا مِنْ هَذَا، قَالُوا: بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ ذَاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ فَاثْبُتُوا مِنْ هَذَا الْوَنِيمِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ، ثُمَّ أَبْصِرُوا، وَكَانَ بَعَثَ سَارِيَةَ فِي بَعْثٍ فَظَفَرَ الْعَدُوُّ فَلَجَأُوا إِلَى الْجَبَلِ، فَقَالَ: يَا سَارِيَةُ لَمَّا انْصَرَفَ بَيْنَا نَحْنُ نُقَاتِلُ الْعَدُوَّ إِذْ سَمِعْنَا صَوْتًا لَا نَدْرِي مَا هُوَ: يَا سَارِيَةَ الْجَبَلَ ثَلَاثًا، فَدَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنَّا بِهِ فَنَظَرُوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَإِذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قَالَ فِيهِ عُمَرُ مَا قَالَ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بِإِسْنَادٍ لَهُ: مَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إِلَّا حُجَّةً عَلَى النَّاسِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ بِمِثْلِ عَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيُقَالُ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَكَانَا حُجَّةً عَلَى النَّاسِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: جَاءَ صَبِيغٌ التَّمِيمِيُّ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أخبرني عَنِ {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} [الذاريات: 1] قَالَ «هِيَ الرِّيَاحُ» ، وَلَوْلَا أَنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولَهُ مَا قُلْتُهُ، قَالَ: أخبرني عَنِ الْحَامِلَاتِ وِقْرًا قَالَ: «هِيَ السَّحَابُ» ، وَلَوْلَا أَنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ مَا قُلْتُهُ، قَالَ: فَأخبرني عَنِ {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} [الذاريات: 4] قَالَ: «هِيَ الْمَلَائِكَةُ» ، وَلَوْلَا أَنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ مَا قُلْتُهُ. قَالَ: فَأخبرني عَنِ {فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا} [الذاريات: 3] قَالَ هِيَ: «السُّفُنُ» وَلَوْلَا أَنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ مَا قُلْتُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ مِائَةٌ، وَجَعَلَهُ فِي بَيْتٍ، فَلَمَّا بَرَأَ عَادَ فَضَرَبَهُ مِائَةً أُخْرَى، وَحَمَلَهُ عَلَى قَتَبٍ وَبَعَثَ إِلَى أَبِي مُوسَى، وَقَالَ: امْنَعِ النَّاسَ مِنْ مُجَالَسَتِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَتَى أَبَا مُوسَى فَحَلَفَ لَهُ بِالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ مَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ يَجِدُ شَيْئًا، فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَرُ: إِنْ كَانَ صَادِقًا فَمُرِ النَّاسَ يُجَالِسُوهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 فَصْلٌ أخبرنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَارُ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ زَغَبَهُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَيْرَ بْنَ سَلَمَةَ الدُّؤَلِيَّ، يَقُولُ: إِنَّهُ خَرَجَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَوْ أَخْبَرَ عُمَيْرُ مَنْ كَانَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَأَتَيْنَا عُمَرَ نِصْفَ النَّهَارِ وَهُوَ قَائِلٌ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ، إِذْ جَاءَتْ أَعْرَابِيَّةٌ، فَتَوَسَّمَتِ النَّاسَ، فَجَاءَتْهُ، فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ مِسْكِينَةٌ وَلِي بَنُونَ، وَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ سَاعِيًا فَلَمْ يُعْطِنَا، فَلَعَلَّكَ، يَرْحَمُكَ اللَّهُ، أَنْ تَشْفَعَ لَنَا إِلَيْهِ، قَالَ: فَصَاحَ: يَا يَرْفَأُ، ادْعُ لِي مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَنْجَحُ لِحَاجَتِي أَنْ تَقُومَ مَعِيَ إِلَيْهِ، قَالَ: إِنَّهُ سَيَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَجَاءَهُ يَرْفَأُ، فَقَالَ: أَجِبْ، فَجَاءَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَاسْتَحْيَتِ الْمَرْأَةُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَاللَّهِ مَا آلُو أَنْ أَخْتَارَ خِيَارَكُمْ، كَيْفَ أَنْتَ قَائِلٌ إِذَا سَأَلَكَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ؟ فَدَمِعَتْ عَيْنَا مُحَمَّدٍ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ إِلَيْنَا مُحَمَّدًا نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَدَّقْنَاهُ وَاتَّبَعْنَاهُ فَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فَجَعَلَ الصَّدَقَةَ لِأَهْلِهَا مِنَ الْمَسَاكِينَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَعَمِلَ بِسُنَّتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ اسْتَخْلَفَنِي فَلَمْ آلُ أَنْ أَخْتَارَ خِيَارَكُمْ، فَأَدِّ إِلَيْهَا صَدَقَةَ الْعَامِ وَعَامِ الْأَوَّلِ، وَمَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَبْعَثُكَ، ثُمَّ دَعَا لَهَا بِجَمَلٍ، وَأَعْطَاهَا دَقِيقًا وَزَيْتًا، وَقَالَ: خُذِي هَذَا حَتَّى تَلْحَقِينَا بِخَيْبَرَ فَإِنَّا نُرِيدُهَا، فَأَتَتْهُ بِخَيْبَرَ، فَدَعَا بِجَمَلَيْنِ آخَرَيْنِ، وَقَالَ: خُذِي هَذَا فَإِنَّ فِيهِ بَلَاغًا حَتَّى يَأْتِيَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَدْ أَمَرْتُهُ أَنْ يُعْطِيَكِ حَقَّكِ الْعَامَ وَعَامَ الْأَوَّلِ فَصْلٌ أخبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّابُونِيُّ، أخبرنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْخَلَوَانِيُّ، وَعَبْدُ بْنِ حُمَيْدٍ، أخبرني يَعْقُوبُ وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أخبرني عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ محمّدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَاهُ سَعْدًا، قَالَ: اسْتَأَذَنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسَاءُ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةٌ أَصْوَاتُهُنَّ فَلَمَّا اسْتَأَذَنَ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَكَ اللَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «» عَجِبْتُ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ «» ، قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: أَيُّ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِي، وَلَا تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَغْلَظُ وَأَفَظُّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «» وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ «» قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنَ فِيهِ أَبَاهُ، فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] وَسَأَزِيدُ عَنْ سَبْعِينَ " فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] وَفِي رِوَايَةٍ: فَتَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَعَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا دَارًا أَوْ قَصْرًا، فُقلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ، فَذَكَرْتُ غِيرَتَكَ "، فَبَكَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ: أَيْ رَسُولِ اللَّهِ أَوَ عَلَيْكَ يُغَارُ؟ فَصْلٌ فِي ذِكْرِ قَبُولِهِ الْحَقَّ مِنَ الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ رُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ بِضَوْءِ نَارٍ وَمَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: فَاتَّبَعَ الضَّوْءَ حَتَّى دَخَلَ دَارًا فَإِذَا سِرَاجٌ فِي بَيْتٍ فَدَخَلَ - وَذَلِكَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، إِذَا شَيْخٌ جَالِسٌ وَبَيْنَ يَدَيْهِ شَرَابٌ وَقِينَةٌ تُغْنِيهِ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى هَجَمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ مَنْظَرًا أَقْبَحَ مِنْ شَيْخٍ يَنْتَظِرُ أَجَلَهُ، قَالَ: فَرَفَعَ الشَّيْخُ رَأْسَهُ، فَقَالَ: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا صَنَعْتَ أَنْتَ أَقْبَحُ، إِنَّكَ تَجَسَّسْتَ، وَقَدْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 نَهَى اللَّهُ عَنِ التَّجَسُّسِ، وَدَخَلْتَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: صَدَقْتَ. ثُمَّ خَرَجَ عَاضًّا عَلَى ثَوْبِهِ وَقَالَ: ثَكَلَتْ عُمَرَ أُمُّهُ إِنْ لَمْ يَغْفِرْ لَهُ رَبُّهُ، هَذَا كَانَ يَسْتَخْفِي بِهَذَا مِنْ أَهْلِهِ، فَيَقُولُ الْآنَ رَأَى عُمَرُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَتَتَابَعُ فِيهِ، قَالَ: وَهَجَرَ الشَّيْخُ مَجَالِسَ عُمَرَ حِينًا، فَبَيْنَمَا عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحِينٍ جَالِسٌ إِذَا هُوَ بِهِ قَدْ جَاءَ شَبِيهُ الْمُسْتَخْفِي حَتَّى جَلَسَ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ فَرَآهُ عُمَرُ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِهَذَا الشَّيْخِ فأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَجِبْ، فَقَامَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ عُمَرَ سَيُؤَنِّبُهُ بِمَا رَأَى مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ادْنُ مِنِّي فَمَا زَالَ يُدْنِيهِ حَتَّى جَلَسَ بِجَنْبِهِ، فَقَالَ: أَدْنِ مِنِّي أُذُنَكَ، فَالْتَقَمَ أُذُنَهُ، فَقَالَ: أَمَا وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ رَسُولًا مَا أَخْبَرْتُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بِمَا رَأَيْتُ مِنْكَ وَلَا ابْنَ مَسْعُودٍ، وَكَانَ مَعِيَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَدْنِ مِنِّي أُذُنَكَ، فَالْتَقَمَ أُذُنَهُ، فَقَالَ: وَلَا أَنَا، وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ رَسُولًا مَا عُدْتُ إِلَيْهِ حَتَّى جَلَسْتُ مَجْلِسِي هَذَا فَرَفَعَ عُمَرُ صَوْتَهُ فَكَبَّرَ، فَمَا يَدْرِي النَّاسُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ يُكَبِّرُ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ تَلَقَّتْهُ الْجُنُودُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وَعَلَيْهِ إِزَارٌ وَخُفَّانِ وَعِمَامَةٌ، وَهُوَ آخِذٌ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ يَخُوضُ الْمَاءَ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، يَلْقَاكَ الْجُنُودُ وَالْبَطَارِقَةُ، وَأَنْتَ عَلَى حَالِكَ هَذِهِ، فَقَالَ: إِنَّا قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَلَنْ نَلْتَمِسَ الْعِزَّ بِغَيْرِهِ. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: نَادَى عُمَرُ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَمَا تَكَلَّمَ حَتَّى امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ، ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَقَدْ رَأَيْتَنِي أُؤَاجِرُ نَفْسِي بِطَعَامِ بَطْنِي، ثُمَّ أَصْبَحْتُ عَلَى مَا تَرَوْنَ، فَقِيلَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا تَقُولُ؟ قَالَ: إِظْهَارُ الشُّكْرِ. وَعَنْ أَشْيَاخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: أَتَانَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِقُبَاءَ، فَأَتَى بِشَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِشَرْبَةٍ هِيَ أَهْوَنُ عَلَيَّ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ هَذِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَوْصَانِي عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِذَا وَضَعْتَنِي فِي لَحْدِي فَافْضِ بِخَدِّي إِلَى الْأَرْضِ. قِيلَ: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 فَصْلٌ فِي خُطَبِهِ وَمَوَاعِظِهِ وَكَلَامِهِ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ: حَاسِبُوا أنفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوا أنفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا وتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18] . وَمِنْ كَلَامِهِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ: أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ بَعْضَ الطَّمَعِ فَقْرٌ، وَبَعْضَ الْيَأْسِ غِنًى، وَإِنَّكُمْ تَجْمَعُونَ مَا لَا تَأْكُلُونَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وَتَأْمَلُونَ مَا لَا تُدْرِكُونَ، إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ أَسَرَّ أُخِذَ بِسَرِيرَتِهِ وَمَنْ أَعْلَنَ أُخِذَ بِعَلَانِيَتِهِ، فَأَرُونَا أَحْسَنَ أَعْمَالِكُمْ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَغِيبُ عَنَّا مِنْكُمْ، أَرُونَا عَلَانِيَةً حَسَنَةً، فَإِنَّهُ مَنْ يُحَدِّثُنَا مِنْكُمْ أَنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ لَمْ نُصَدِّقْهُ إِنْ كَانَتْ عَلَانِيَتُهُ غَيْرَ حَسَنَةٍ، وَاعْلَمُوا أَنَّ بَعْضَ الشُّحِّ شُعْبَةٌ مِنَ النِّفَاقِ {وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن: 16] . وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا رَأَيْتَ مِنَ الرَّجُلِ خَصْلَةً تَسُوءُكَ فَاعْلَمْ أَنَّ لَهَا أَخَوَاتٌ، وَإِذَا رَأَيْتَ مِنَ الرَّجُلِ خَصْلَةٌ تَسُرُّكَ فَاعْلَمْ أَنَّ لَهَا أَخَوَاتٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ بِالرَّجُلِ الَّذِي إِذَا وَقَعَ فِي الْأَمْرِ يَخْلَصُ مِنْهُ، وَلَكِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يَتَوَقَّى الْأَمْرَ حَتَّى لَا يَقَعَ فِيهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْيَأْسَ غِنًى، وَأَنَّ الطَّمَعَ فَقْرٌ حَاضِرٌ، وَأَنَّ الْمَرْءَ إِذَا يَئِسَ مِنْ شَيْءٍ اسْتَغْنَى عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ يَحْيَى الْمَكِّيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أَنَا وَأَهْلِي، فَانْطَلَقْتُ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ فَلَقِيَتْنِي الْمَرْأَةُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَقُمْتُ مَعَهَا أَسْأَلُهَا عَنْ بَعْضِ الْأَمْرِ، فَبَيْنَا أَنَا أُكَلِّمُهَا إِذَا ضَرْبَةٌ عَلَى رَأْسِي مِنْ خَلْفِي، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ظَلَمْتَنِي هِيَ وَاللَّهِ امْرَأَتِي، قَالَ: أَفَلَا كَلَّمْتَهَا خَلْفَ بَابٍ أَوْ سِتْرٍ، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، تَلَقَّتْنِي فَسَأَلْتُهَا عَنْ بَعْضِ الْأَمْرِ، فَأَلْقَى إِلَيَّ الدِّرَّةَ، فَقَالَ: اقْتَصَّ. قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَاعْفُ. . قُلْتُ: لَا، فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقَ بِي إِلَى مَنْزِلِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَاسْتَأْذَنَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ ابْنُهُ فَقَالَ: حَاجَتُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: قُلْ لِأَبِيكَ يَخْرُجُ. قَالَ: فَخَرَجَ أُبَيُّ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَجَلَسَ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اقْرَأْ عَلَيَّ {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} [الأحزاب: 58] فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي عُمَرَ نَزَلَتْ. قَالَ: لَا، قَالَ: إِنِّي أَضْرِبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَضْرِبُونِي، وَأَشْتِمُهُمْ وَلَا يَشْتِمُونِي، وَأُؤْذِيهُمْ، وَلَا يُؤْذُونِي، قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أُحَدِّثْهُ أَحَدًا قَبْلَكَ، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 أُحَدِّثُهُ أَحَدًا بَعْدَكَ، رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى: أَلَا لَا يَرْفَعَنَّ أَحَدٌ كِتَابَهُ حَتَّى يَرْفَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَيُجَاءُ بِكَ مُبْيَضًّا وَجْهُكَ تُزَفُّ إِلَى رَبِّكَ، كِتَابُكَ بِيَمِينِكَ " فَصْلٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ عُمَرَ كَانَ أَعْلَمَنَا بِاللَّهِ، وَأَقْرَأَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَتْقَانَا لِلَّهِ، وَاللَّهِ إِنَّ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ حُزْنٌ عَلَى عُمَرَ حِينَ أُصِيبَ، لَأَهْلُ بَيْتِ سُوءٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِنِّي لَأَحْسَبُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْعِلْمِ ذَهَبَ يَوْمَ ذَهَبَ عُمَرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أكْثِرُوا ذِكْرَ عُمَرَ فَإِنَّ عُمَرَ إِذَا ذُكِرَ، ذُكِرَ الْعَدْلُ، وَإِذَا ذُكِرَ الْعَدْلُ ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: ذِكْرُ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِبَادَةٌ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: كُسِرَ رِجْلُ بَعِيرٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَبَعَثَ مِنْهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَنَعَ مِمَّا بَقِيَ مِنْهُ طَعَامًا، فَجَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ صَنَعْتَ لَنَا كُلَّ يَوْمٍ مِثْلَ هَذَا، فَتَحَدَّثْنَا عِنْدَكَ، وَأَكَلْنَا، فَقَالَ: لَا أَعُودُ لِمِثْلِهَا أَبَدًا، إِنَّهُ مَضَى صَاحِبَانِ لِي عَمِلَا عَمَلًا وَسَلَكَا طَرِيقًا وَإِنِّي إِنْ عَمِلْتُ بِغَيْرِ عَمَلِهِمَا سُلِكَ بِي غَيْرُ طَرِيقِهِمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَامَ الرَّمَادَةِ، وَكَانَ عَامَ قَحْطٍ، فَتَقَرْقَرَ بَطْنُهُ، فَقَالَ لِبَطْنِهِ: اسْكُنْ فَوَاللَّهِ مَالَكَ عِنْدَنَا غَيْرُ هَذَا حَتَّى يَحْيَى النَّاسُ، وَكَانَ يَأْكُلُ الزَّيْتَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: كَانَ لِعُمَرَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ لَحْمٍ. وَعَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنْ مَنْ ذَكَرَهُ، قَالَ: مَرَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَزْبَلَةٍ فَاحْتُبِسَ عِنْدَهَا، فَكَأَنَّ أَصْحَابَهُ تَأَذَّوْا، فَقَالَ: هَذِهِ دُنْيَاكُمُ الَّتِي تَحْرِصُونَ عَلَيْهَا، وَتَبْكُونَ عَلَيْهَا. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي تَمِيلَةَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاضِحٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُمِعَ صَوْتٌ مِنَ الْجِنِّ يَقُولُ: يَبْكِيكَ نِسَاءُ الْجِنِّ يَبْكِينَ شَجِيَّاتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 ويَخْمِشْنَ وُجُوهًا كَالدَّنَانِيرِ نَقيَّاتِ وَيَلْبَسْنَ ثِيَابَ السُّودِ بَعْدَ الْقُصَيْبَاتِ وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَظْلَمَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَأْتِي أُمَّهُ، فَيَقُولُ: يَا أُمَّهُ أَقَامَتِ الْقِيَامَةُ؟ فَتَقُولُ: لَا يَا بُنَيَّ، وَلَكِنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قُتِلَ. وَقَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، لَمَّا مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْيَوْمَ وَهِيَ الْإِسْلَامُ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ، قَالَ: أُصِيبَ عُمَرُ يَوْمَ أُصِيبَ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ أَصْفَرُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ حِينَ وَجَدَ مَسَّ الْحَدِيدِ {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 ذِكْرُ أَبِي عَمْرٍو عُثْمَانَ ذِي النُّورَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، يَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَبْدِ مَنَافٍ. أخبرنا وَالِدِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَلِيٍّ وَكَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ الْوَرِعِينَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أخبرنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الشَّبْوَنِي، حَدَّثّنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ حَائِطًا، وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ بَابِ الْحَائِطِ فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» فَإِذَا عُمَرُ، فَجَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ فَسَكَتَ هُنَيْهَةً، ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ» فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَالَ حَمَّادٌ: وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ، سَمِعَا أَبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي مُوسَى بِنَحْوِهِ وَزَادَ فِيهِ عَاصِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَاعِدًا فِي مَكَانٍ فِيهِ مَاءٌ، قَدِ انْكَشَفَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ أَوْ رُكْبَتِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ غَطَّاهَا 31 قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عُرْوَةٌ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 عَبْدِ يَغُوثَ، قَالَا: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لِأَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ؟ فَقَعَدْتُ لِعُثْمَانَ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، قُلْتُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، وَهِيَ نَصِيحَةٌ لَكَ، قَالَ: يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ مِنْكَ قَالَ مَعْمَرٌ: أَرَاهُ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَانْصَرَفْتُ فَرَجِعْتُ إِلَيْهِمْ إِذْ جَاءَ رَسُولُ عُثْمَانَ، فَأَتْيَتُهُ، فَقَالَ: مَا نَصِيحَتُكَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكُنْتَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ بِالْحَقِّ، فَهَاجَرْتَ الْهِجْرَتَيْنِ، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورأيتَ هَدْيَهُ، وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي شَأْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: لَا وَلَكِنْ خَلُصَ إِلَيَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا يَخْلُصُ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا، قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّدًا نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، فَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ، وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ كَمَا قُلْتَ، وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَايَعْتُهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ، وَلَا غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مِثْلُهُ، ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُهُ، ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ أَوَ لَيْسَ لِي مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَمَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ، أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَلِيدِ فَسَآخُذُ فِيهِ بِالْحَقِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِدَهُ فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 فَصْلٌ أخبرنا طَرَّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ بِمَكَّةَ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ الْبَصْرِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أخبرني أَبُو خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَدَنِيِّ، أَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسًا قَدْ وَضَعَ ثَوْبَهُ بَيْنَ فَخْذَيْهِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَيْئَتِهِ، ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُ هَذِهِ الْقِصَّةِ، ثُمَّ عَلِيٌّ، ثُمَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَيْئَتِهِ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَاسْتَأْذَنَ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ فَتَجَلَّلَهُ، قَالَ: فَتَحَدَّثُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَسَائِرُ أَصْحَابِكَ، وَأَنْتَ عَلَى هَيْئَتِكَ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ، فَلَمَّا جَاءَ تَجَلَّلْتَ بِثَوْبِكَ، قَالَتْ: فَقَالَ: «أَلَا أَسْتَحِي مِمَّنْ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْخِرَقِيُّ، أخبرنا أَبُو عَلِيِّ بْنُ يَزْدَادَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ الضَّبِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أخبرني يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عُثْمَانَ، وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما أخبراه، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ لَابِسٌ مِرْطَ عَائِشَةَ، فَأَذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، قَالَ عُثْمَانُ: ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَجَلَسَ، وَقَالَ لِعَائِشَةَ: «اجْمَعِي عَلَيَّ ثِيَابَكِ» ، قَالَ: فَقَضَيْتُ لَهُ حَاجَتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ فَزِعْتَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَمَا فَزِعْتَ لِعُثْمَانَ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ، وَإِنِّي خَشِيتُ إِنْ أَذِنْتُ لَهُ، وَأَنَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ أَنْ لَا يَبْلُغَ إِلَيَّ فِي حَاجَتِهِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 فَصْلٌ بِلَا إِسْنَادٍ، تَرَكْتُ إِسْنَادَهُ تَخْفِيفًا رُوِيَ عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ: «غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا عُثْمَانُ مَا قَدَّمْتَ وَمَا أَخَّرْتَ، وَمَا أَسْرَرْتَ وَمَا أَعْلَنْتَ، وَمَا أَخْفَيْتَ وَمَا أَبْدَيْتَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ أَيَّامَ جَيْشِ الْعُسْرَةِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ النَّاسَ بِالصَّدَقَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْبَأْسِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ قُوَّةٌ، وَكَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَهَّزَ عِيرًا لَهُ إِلَى الشَّامِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ مِائَتَا بَعِيرٍ بِأَقْتَابِهَا وَأَحْلَاسِهَا، وَمِائَتَا أُوقِيَّةٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ رَسُولُ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَبَّرَ، وَكَبَّرَ النَّاسُ، ثُمَّ قَامَ مَقَامًا آخَرًا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى الصَّدَقَةِ، فَقَامَ عُثْمَانُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ مِائَتَا بَعِيرٍ وَمِائَتَا أُوقِيَّةٍ، فَجَاءَ بِالْإِبِلِ وَالْمَالِ، فَصُيِّرَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «مَا يَضُرُّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ» . وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ حِينَ تَجَهَّزَ جَيْشُ الْعُسْرَةِ فَنَثَرَهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ: «مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ» . وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ يَسْتَعِينُهُ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَبَعَثَ عُثْمَانُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ، وَيَدْعُو لَهُ، وَيَقُولُ: " غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا عُثْمَانُ مَا أَسْرَرْتَ وَمَا أَعْلَنْتَ، وَمَا أَبْدَيْتَ وَمَا أَخْفَيْتَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَا يُبَالِي عُثْمَانُ مَا عَمِلَ بَعْدَهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 فَصْلٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ، أَبِي، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى بْنِ هَارُونَ الزُّهْرِيُّ، بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ حَمَّادٍ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سُئِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ وَاللَّهِ خَيْرًا كُلَّهُ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ حَبِيبًا إِلَى كُلِّ صَالِحٍ، قِيلَ لَهُ: فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: كَانَ كَالطَّائِرِ الْحَذِرِ، يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ نُصِبَ لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ حِبَالَةٌ؛ فَكَانَ يَحْذَرُهَا وَيَعْمَلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِمَا يَرُدُّ عَلَيْهِ، قِيلَ لَهُ: فَعُثْمَانُ؟ قَالَ: كَانَ وَاللَّهِ صَوَّامًا قَوَّامًا، قِيلَ لَهُ: فَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ قَالَ: كَانَ وَاللَّهِ مَمْلُوءًا عِلْمًا وَحِلْمًا، وَكَانَتْ لَهُ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِدَمٌ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَانَ يَظُنُّهُ أَنَّهُ لَنْ يَطْلُبَ بِهِمَا أَمْرًا إِلَّا نَالَهُ، وَقَلَّ وَاللَّهِ مَا أَشْرَفَ عَلَى أَمَرَ إِلَّا تَزَايَلَ عَنْهُ فَصْلٌ أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْخَرَقِيُّ، أخبرنا أَبُو عَلِيِّ بْنُ يَزْدَادَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا الْفَرَجُ بْنُ فُضَالَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةَ، لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مَنْ يُحَدِّثُنَا» ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَبْعَثُ إِلَى عُمَرَ؟ قَالَتْ: فَسَكَتَ. قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَبْعَثُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَتْ: فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: «لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مَنْ يُحَدِّثُنَا» ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 أَلَا أَبْعَثُ إِلَى عُثْمَانَ؟ قَالَتْ: فَسَكَتَ، ثُمَّ دَعَا وَصِيفًا فَسَارَّهُ، فَذَهَبَ، فَإِذَا عُثْمَانُ يَسْتَأْذِنُ، فَأُذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَنَاجَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوِيلًا. ثُمَّ قَالَ: " يَا عُثْمَانُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُقَمِّصُكَ قَمِيصًا فَإِنْ أَرَادَ الْمُنَافِقُونَ عَلَى أَنْ تَخْلَعَهُ فَلَا تَخْلَعْهُ لَهُمْ، وَلَا كَرَامَةَ "، يَقُولُهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 36 قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ مِنَ الَّذِينَ {اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} [المائدة: 93] . . . الْآيَةُ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ فَصْلٌ بِلَا إِسْنَادٍ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ عُثْمَانَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: «يَا عُثْمَانُ هَذَا جِبْرِيلُ يُخْبِرُنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ زَوَّجَكَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِمِثْلِ صَدَاقِ رُقَيَّةَ وَعَلَى مِثْلِ صُحْبَتِهَا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وَعَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عِنْدَ جَدَّتِهِ، قَالَتْ: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا زَوَّجْتُ عُثْمَانَ أُمَّ كُلْثُومٍ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنَ السَّمَاءِ» . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ: «أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ أُزَوِّجَ كَرِيمَتَيَّ مِنْ عُثْمَانَ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وَقَالَ حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، قَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ تَدْرِي لِمَ سُمِّيَ عُثْمَانُ ذَا النُّورَيْنِ؟ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ ابْنَتَيْ نَبِيٍّ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. وَعَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ مَاتَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ الثَّانِيَةُ: «أَلَا أَبَا أَيِّمٍ أَوْ أَخَا أَيِّمٍ يُزَوِّجُهَا عُثْمَانَ، فَلَوْ كَانَتْ عنِدَنَا ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْنَاهَا» يَعْنِي إِيَّاهُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَوْ كَانَ عَشْرًا زَوَّجْنَاهَا مِنْ عُثْمَانَ» . وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِوَايَةِ أَبِي الْجَنُوبِ: " لَوْ كَانَ لِي أَرْبَعُونَ بِنْتًا زَوَّجْتُ عُثْمَانَ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ حَتَّى لَا تَبْقَى وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 فَصْلٌ أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ، أخبرنا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْحَافِظُ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: «يُشْبِهُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَسْتَحِي مِنْهُ» ح قَالَ: وَأخبرنا هِبَةُ اللَّهِ. أخبرنا جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْقُوبَ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الرُّويَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: لَمَّا حُصِرَ عُثْمَانُ وَأُحِيطَ بِهِ أَشْرَفَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْتَفَضَ بِنَا حِرَاءُ، فَقَالَ: «اثْبُتْ حِرَاءُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ؟» فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي غَزْوَةِ الْعُسْرَةِ: «مَنْ يُنْفِقْ نَفَقَةً مُتَقَبَّلَةً، وَالنَّاسُ يَوْمَئِذٍ مُعْسِرُونَ مُجْهَدُونَ» ، فَجَهَّزْتُ ثُلُثَ ذَلِكَ الْجَيْشِ مِنْ مَالِي؟ فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ بِئْرَ رَوْمَةَ مَا كَانَ يَشْرَبُ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا بِثَمَنٍ، فَابْتَعْتُهَا مِنْ مَالِي، وَجَعَلْتُهَا لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَابْنِ السَّبِيلِ؟ فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فِي أَشْيَاءٍ عَدَّدَهَا " قَالَ: وَأخبرنا هِبَةُ اللَّهِ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَجْرَةَ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِتْنَةً، فَقَرَّبَهَا، فَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ، فَقَالَ: «هَذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى» . فَأَخَذْتُ أَتْبَعُهُ، فَفَتَلْتُهُ، أَوْ قبلته، فَاسْتَقْبَلْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «هَذَا» . فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا وَعُثْمَانُ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وَعَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَقِيتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْبَصْرَةِ يَوْمَ الْجَمَلِ، فَقَالَ لِي: مَا الَّذِي بَطَّأَ بِكَ عَنَّا؟ ثُمَّ حَرَّكَ دَابَّتَهُ، وَحَرَّكْتُ دَابَّتِي أَعْتَذِرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: إِنْ تُحِبُّهُ فَقَدْ كَانَ خَيْرَنَا وَأَوْصَلَنَا لِلرَّحِمِ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَوْ كَانَ قَتْلُ عُثْمَانَ هُدًى لَاحْتَلَبَتْ بِهِ الْأُمَّةُ لَبَنًا، وَلَكِنَّهُ كَانَ ضَلَالًا، فَاحْتَلَبَتْ بِهِ الْأُمَّةُ دَمًا. وَعَنْ عَامِرٍ، قَالَ: مَا سمعت مِنْ مَرَاثِي عُثْمَانَ شَيْئًا أَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 قَوْلِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ. وَكَفَّ يَدَيْهِ ثُمَّ أَغْلَقَ بَابَهُ وَأَيْقَنَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِغَافِلِ وَقَالَ لِأَهْلِ الدَّارِ لَا تَقْتُلُوهُمُ ... عَفَا اللَّهُ عَنْ كُلِّ امْرِءٍ لَمْ يُقَاتِلِ فَكَيْفَ رَأَيْتَ اللَّهَ صَبَّ عَلَيْهِمُ ... الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ بَعْدَ التَّوَاصُلِ وَكَيْفَ رَأَيْتَ الْخَيْرَ أَدْبَرَ بَعْدَهُ ... عَنِ النَّاسِ إِدْبَارَ الرِّيَاحِ الْجَوَافِلِ وَعَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ لَرُمُوا بِالْحِجَارَةِ كَمَا رُمِيَ قَوْمُ لُوطٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ يَحْيَى الْبَكَّاءِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 9] قَالَ: هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. وَعَنْ رُهَيْمَةَ، قَالَتْ: كَانَ عُثْمَانُ يَصُومُ الدَّهْرَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ إِلَّا هَجْعَةً مِنْ أَوَّلِهِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: رَأَيْتُهُ لَيْلَةً فِي الْمَقَامِ حِينَ صَلَّيْنَا الْعَتْمَةَ، فَبَدَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَرَأَ حَتَّى خَتَمَ الْقُرْآنَ، فَرَكَعَ وَسَجَدَ، فَمَا فَرَغَ أَخَذَ نَعْلَيْهِ فَلَا أَدْرِي أَصَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ شَيْئًا أَمْ لَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ حِينَ أَطَافُوا بِهِ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ: إِنْ تَقْتُلُوهُ أَوْ تَتْرُكُوهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةٍ يَجْمَعُ فِيهَا الْقُرْآنَ. فَصْلٌ قَالَ عَبْدُ الرَّحَمْنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ لِعُثْمَانَ شَيْئَانِ لَيْسَ لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا لِعُمَرَ مِثْلُهُمَا: صَبْرُهُ نَفْسَهُ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُومًا، وَجَمْعُهُ النَّاسَ عَلَى الْمُصْحَفِ، يَعْنِي أَنَّ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ مِنْ خَصَائِصِ فَضَائِلِهِ لَا يُشْرِكُهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: وَمِمَّنْ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَامْرَأَتُهُ رُقَيَّةَ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْحَبَشَةِ بِأَهْلِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَاحْتُبِسَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرُهُ، فَجَعَلَ يَخْرُجُ يَتَوَكَّفُ عَنْهُ الْأَخْبَارَ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَدْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 رَأَيْتُ خِتْنَكَ مُتَوَجِّهًا فِي سَفَرِهِ وَامْرَأَتُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَعَلَى أَيِّ حَالٍ رَأَيْتِهِمَا؟» قَالَتْ: رَأَيْتُهُ، وَقَدْ حَمَلَ امْرَأَتَهُ عَلَى حِمَارٍ مِنْ هَذِهِ الدِّبَابَةِ، وَهُوَ يَسُوقُ بِهَا يَمْشِي خَلْفَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَحِبَهُمَا اللَّهُ، إِنَّ عُثْمَانَ لَأَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ لُوطٍ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّ عُثْمَانَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللَّهِ بِأَهْلِهِ بَعْدَ لُوطٍ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 فَصْلٌ فِي مَقْتَلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أخبرنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الطُّرَيْثِيثِيُّ، أخبرنا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، أخبرنا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَبُو جَعْفَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَصْبَحَ يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ، فَقَالَ: «يَا عُثْمَانُ أَفْطِرْ عِنْدَنَا» ، فَأَصْبَحَ صَائِمًا وَقُتِلَ مِنْ يَوْمِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وَعَنْ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ، قَالَ: قَالَ عُثْمَانُ: يَا كَثِيرُ بْنَ الصَّلْتِ، مَا أَرَى الْقَوْمَ إِلَّا قَاتِلِي، قُلْتُ: بَلْ يَنْصُرُكَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: يَا كَثِيرُ بْنَ الصَّلْتِ، مَا أَرَى الْقَوْمَ إِلَّا قَاتِلِي، قَالَ: قُلْتُ: أُخْبِرْتَ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ؟ أَوْ قِيلَ لَكَ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي سَهِرْتُ لَيْلَتِي الْمَاضِيَةَ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْفَجْرِ أَغْفَيْتُ إِغْفَاءَةً، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَقْنَا لَا تَحْبِسْنَا، فَنَحْنُ نَنْتَظِرُكَ» فَقُتِلَ مِنْ يَوْمِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَعَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَدْرَكْتُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ رَاهَقْتُ الْحُلُمَ فَسَمِعْتُهُ يَخْطُبُ، وَشَهِدْتُهُ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ: مَا تَنْقِمُونَ عَلَيَّ؟ قَالَ: وَمَا مِنْ يَوْمٍ إِلَّا وَهُمْ يُقْسِمُونَ فِيهِ خَيْرًا، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اغْدُوا عَلَى أَرْزَاقِكُمْ فَيَغْدُونَ فَيَأْخُذُونَهَا وَافِرَةً، يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اغْدُوا عَلَى كِسْوَتِكُمْ، فَيُجَاءُ بِالْحُلَلِ، فَتُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 قَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ سَمِعَ أُذُنَايَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اغْدُوا عَلَى السَّمْنِ وَالْعَسَلِ. قَالَ الْحَسَنُ: وَالْعَدُوُّ مَنْفِيٌّ وَالْعَطِيَّاتُ دَارَّةٌ، أَيْ: جَارِيَةٌ، وَذَاتُ الْبَيْنِ حَسَنٌ، وَالْخَيْرُ كَثِيرٌ، مَا عَلَى الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ يَخَافُ مُؤْمِنًا، مَنْ لَقِيَ مِنْ أَيِّ الْأَجْنَادِ كَانَ أَخَاهُ وَمَوَدَّتَهُ وَأُلْفَتَهُ وَنُصْرَتَهُ أَنْ يَسَلَّ عَلَيْهِ سَيْفَهُ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عَلِيًّا أَتَى عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: إِنِّي قَدْ جِئْتُ لَأَنْصُرَكَ، فَأَرْسَلْ إِلَيْهِ بِالسَّلَامِ. وَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فَأَخَذَ عَلِيٌّ عِمَامَتَهُ مِنْ رَأْسِهِ فَأَلْقَاهَا فِي الدَّارِ الَّتِي فِيهَا عُثْمَانُ وَهُوَ يَقُولُ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} [يوسف: 52] . وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: لَمَّا دُخِلَ عَلَى عُثْمَانَ يَوْمَ الدَّارِ خَرَجْتُ فَمَلَأْتُ فُرُوجِي فَمَرَرْتُ مُجْتَازًا فِي الْمَسْجِدِ، فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ فِي ظِلَّةِ النِّسَاءِ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ وَحَوْلَهُ نَحْوٌ مِنْ عَشَرَةٍ، فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ. فَقَالَ: مَا فَعَلَ الرَّجُلُ، قَالَ: قُلْتُ: قُتِلَ، قَالَ: تَبًّا لَهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 آخِرَ الدَّهْرِ. وَعَنْ أَبِي حُصَيْنٍ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ يَذْهَبُ مَا فِي أَنْفُسِهَا لَحَلَفْتُ لَهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا مُرَدَّدَةً بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمُقَامِ، أَنِّي لَمْ أَقْتُلْ عُثْمَانَ، وَلَمْ أُمَالِئْ عَلَى قَتْلِهِ. وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: بَلَغَنِيَ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحْكَّمُ فِي قَتَلَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ سمعت صَوْتًا يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: أَبْشِرْ يَا ابْنَ عَفَّانَ بِغُفْرَانٍ وَرِضْوَانٍ. قَالَ: فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا. وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ: وَاللَّهِ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَفِي الْجَنَّةِ، وَاللَّهِ وَاللَّهِ وَاللَّهِ إِنَّ قَتَلَتَهُ لَفِي النَّارِ. وَعَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، قَالَتْ: نَظَرْتُ إِلَى مُصْحَفِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلى {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 قَطْرَةُ دَمٍ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمِصْرِيُّونَ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلْنَا نَطْلَعُ مِنْ خِلَالِ الْحُجْرَةِ فَنَسْمَعُ مَا يَقُولُونَ: قَالَ فَسمعت عُثْمَانَ يَقُولُ: وَيْحَكُمْ لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ. قَالُوا: أَنْتَ أَوَّلُ مَنْ حَمَى الْحِمَى وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا} [يونس: 59] . . . الْآيَةُ، وَحَمَيْتَ الْحِمَى. قَالَ: مَا أَنَا بِأَوَّلِ مَنْ حَمَى الْحِمَى، حَمَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا وُلِّيتُ زَادَتِ الصَّدَقَةُ فَزِدْتُ فِي الْحِمَى قَدْرَ مَا زَادَتْ نِعَمُ الصَّدَقَةِ، فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. قَالُوا: فَأَنْتَ أَوَّلُ مَنْ أَغْلَقَ بَابَ الْهِجْرَةِ، قَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ مَنْ قَاتَلَ عَلَى هَذَا الْمَالِ أَحَقُّ مِمَّنْ لَمْ يُقَاتِلْ عَلَيْهِ، فَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُهَاجِرْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَجْلِسْ، قَالَ: فَمَا سَأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا خَرَجَ مِنْهُ فَانْطَلَقَ الْقَوْمُ وَهُمْ رَاضُونَ حَتَّى أَتَوْا ذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 الْحُلَيْفَةَ، فَرَأَوْا رَاكِبًا، فَاسْتَرَابُوا بِهِ، فَأَخَذُوهُ، فَفَتَّشُوهُ، فَوَجَدُوا الْكِتَابَ الَّذِي زَعَمَ النَّاسُ أَنَّهُ كَتَبَهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ عَامِلِهِ بِمِصْرَ أَنِ اضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، قَالَ: فَرَجَعُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَوَقَعُوا بِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ، وَاللَّهِ مَا كَتَبْتُ وَلَا أَمْلَيْتُ، قَالُوا: هَذَا غُلَامُكَ، قَالَ: مَا أَمْلِكُ غُلَامِي، قَالُوا: فَهَذِهِ رَاحِلَتُكَ، قَالَ: مَا أَمْلِكُ رَاحِلَتِي، قَالُوا: فَهَذَا كَاتِبُكَ. قَالَ: مَا أَمْلِكُ كَاتِبِي، يَا قَوْمُ: إِنِّي لَأَسْمَعُ حَلِفَ رَجُلٍ قَدْ مُكِرَ بِهِ وَقَدْ مُكِرَ بِكُمْ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَتَنْفُخُ سِحْرَكَ يَا مَالِكُ، فَوَثَبُوا إِلَيْهِ فَقَتَلُوهُ. وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الرَّكْبَ الَّذِينَ سَارُوا إِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَامَّتُهُمْ جُنُّوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ جَاوَانَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: لِمَ كَانَ اعْتَزَالُ الْأَحْنَفِ؟ قَالَ: قَالَ الْأَحْنَفُ: انْطَلَقْنَا حُجَّاجًا فَمَرَرْنَا بِالْمَدِينَةِ فَبَيْنَمَا نَحْنُ فِي مَنْزِلِنَا نَضَعُ رِحَالَنَا إِذْ جَاءَنَا آتٍ، فَقَالَ: قَدْ فُزِعَ النَّاسُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَصَاحِبِي فَإِذَا النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَى نَفَرٍ فِي الْمَسْجِدِ فَتَخَلَّلْتُهُمْ حَتَّى قُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالزُّبَيْرُ، وَطَلْحَةُ، وَسَعْدٌ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُمْ قُعُودٌ، فَلَمْ يَكُنْ بِأَسْرَعِ مِنْ أَنْ جَاءَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَمْشِي إِلَى الْمَسْجِدِ، وَعَلَيْهِ مَلِيَّةٌ صَفْرَاءُ، قَدْ رَفَعَهَا عَلَى رَأْسِهِ، فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَنْظُرَ مَا جَاءَ بِهِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُمْ، قَالُوا: هَذَا ابْنُ عَفَّانَ، هَذَا ابْنُ عَفَّانَ، فَقَالَ: أَهَا هُنَا عَلِيٌّ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: أَهَا هُنَا طَلْحَةٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: أَهَا هُنَا الزُّبَيْرُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: أَهَا هُنَا سَعْدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ يَبْتَاعُ مِرْبَدَ بَنِي فُلَانٍ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ» ، فَابْتَعْتُهُ، قَالَ: أَحْسَبُ أَنَّهُ قَالَ بِعِشْرِينَ وَبِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا، فَأَتَيْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: قَدِ ابْتَعْتُهُ، قَالَ: «اجْعَلْهُ فِي مَسْجِدِنَا وَأَجْرُهُ لَكَ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ يَبْتَاعُ بِئْرَ رَوْمَةَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ» ، فَابْتَعْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ إِنِّي قَدِ ابْتَعْتُ بِئْرَ رَوْمَةَ، قَالَ: «اجْعَلْهَا سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَجْرُهَا لَكَ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 نَظَرَ فِي وُجُوهَ الْقَوْمِ يَوْمَ جَيْشِ الْعُسْرَةِ، فَقَالَ: «مَنْ يُجَهِّزُ هَؤُلَاءِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ» فَجَهَّزْتُهُمْ حَتَّى مَا يَفْقِدُونَ خِطَامًا وَلَا عِقَالًا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِي عُثْمَانُ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: قُلْ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَمِّكَ مَقْتُولٌ وَإِنَّكَ مَسْلُوبٌ وَعَنْ أَبِي لَيْلَى الْكِنْدِيِّ، قَالَ: أَشْرَفَ عَلَيْنَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الدَّارِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَقْتُلُونِي فَإِنَّكُمْ إِنْ قَتَلْتُمُونِي كُنْتُمْ كَهَاتَيْنِ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. وَعَنِ امْرَأَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا أَرَى الْقَوْمَ إِلَّا سَيَقْتُلُونِي، إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَقَالُوا: «إِنَّكَ تُفْطِرُ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ» . وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ رَضِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 اللَّهُ عَنْهُ لِأُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا يَا أَخِي، مَا يَسُرُّنِي أَنَّكَ كُنْتَ وراك، فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْخُوخَةِ، فَقَالَ لِي: «يَا عُثْمَانُ حَصُرُوكَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «أَعْطَشُوكَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَلَّى لِي دَلْوًا فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى رَوِّيتُ فَإِنِّي لَأَجِدُ بَرْدَ الْمَاءِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَبَيْنَ كَتِفَيَّ. قَالَ: «إِنْ شِئْتَ أَفْطَرْتُ عِنْدَنَا، وَإِنْ شِئْتَ نُصِرْتَ عَلَيْهِمْ» ، فَاخْتَرْتُ أَنْ أُفْطِرَ عِنْدَهُ. فَقُتِلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: لَمَّا أَظْهَرَ أَبُو بَكْرٍ إِسْلَامَهُ وَدَعَا النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَظْهَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَخَدِيجَةُ إِسْلَامَهُمْ، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى قُرَيْشٍ، ثُمَّ دَعَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، فَأَسْلَمُوا عَلَى يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَكَانُوا شَبَابًا أَحْدَاثًا، فَأَقْبَلَ بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمُوا فَكَانُوا ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ سَبَقُوا النَّاسَ جَمِيعًا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَكَانَتْ أَوَّلَ هِجْرَةٍ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وَامْرَأَتُهُ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَهُوَ بِمَكَّةَ وَأَقَامَ مَعَهُ حَتَّى هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَا كَانَ بَيْنَ عُثْمَانَ وَرُقَيَّةَ وَبَيْنَ لُوطٍ مِنْ مُهَاجِرٍ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ رَجُلًا مَرْبُوعًا حَسَنَ الشَّعْرِ حَسَنَ الْوَجْهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ أُمِّرْنَا خَيْرَ مَنْ بَقِيَ وَلَمْ نَأْلُ. وَفِي رِوَايَةٍ: قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى الْكُوفَةِ، فَنَعَى إِلَيْنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ أَبُو وَائِلٍ: فَلَمْ أَرَ بَاكِيًا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمِئِذٍ، ثُمّ قَالَ: إِنِّي لَأَحْسَبُ الْعُصَاةَ قَدْ وَجَدَتْ فَقْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَلَا وَإِنَّا مَعْشَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَمَعْنَا، فَبَايَعْنَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَلَمْ نَأْلُ عَنْ خَيْرِنَا ذِي فَوْقٍ. وَفِي رِوَايَةٍ مَا أَلَوْنَا عَنْ أَعْلَاهَا ذَا فَوْقٍ. وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعَةِ الرِّضْوَانِ كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَبَايَعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ: «إِنَّ عُثْمَانَ فِي حَاجَةِ اللَّهِ وَحَاجَةِ رَسُولِهِ» فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى فَكَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ خَيْرًا مِنْ أَيْدِيهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ. فَصْلٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْعُوا لِي بَعْضَ أَصْحَابِي» قُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: «لَا» . قُلْتُ: عُمَرُ؟ قَالَ: «لَا» . قُلْتُ: ابْنُ عَمِّكَ عَلِيٌّ؟ قَالَ: «لَا» . قُلْتُ: عُثْمَانُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . فَلَمَّا جَاءَ تَنَحَّى فَجَعَلَ يُسَارِّهِ، وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ وَحُصِرَ، قُلْنَا: أَلَا تُقَاتِلُ؟ قَالَ: لَا. إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا وَإِنِّي صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِتْنَةً فَقَرَّبَ مِنْهَا، وَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ، قَالَ: «يُقْتَلُ فِيهَا هَذَا الْمُقَنَّعُ مَظْلُومًا» ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: قُتِلَ عُثْمَانُ فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَعَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: أَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: فَمُنِعُوا. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ: دَعُوهُ فَقَدْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ وَمَلَائِكَتُهُ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِ الْبُقْعَةِ الَّتِي زِيدَتْ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ صَاحِبُهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: «لَكَ بِهَا بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ» ، فَقَالَ: لَا، فَجَاءَ عُثْمَانُ، فَقَالَ لَهُ: لَكَ بِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 عَشَرَةُ آلَافٍ، فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهَ: اشْتَرِ مِنِّي الْبُقْعَةَ الَّتِي اشْتَرَيْتُهَا مِنَ الْأَنْصَارِيِّ، فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِنَةً، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَضَعَ لَبِنَةً، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: «ضَعُوا» فَوَضَعُوا. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَهْلَ الشَّامِ يُنْصَرُونَ إِلَّا بِدَمِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَعَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ دَخَلُوا خَزَائِنَهُ فَوَجَدُوا فِيهَا صُنْدُوقًا، فَقَالُوا: هَذَا مَا اخْتَانَ مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَسَرُوهُ فَوَجَدُوا فِيهِ حُفَّةً، فَقَالُوا: فِيهَا جَرْهَدٌ فَكَسَرُوهَا فَوَجَدُوا فِيهَا وَرَقَةً عُثْمَانُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: 7] عَلَيْهَا نَحْيَا وَعَلَيْهَا نَمُوتُ وَوَجَدُوا فِي ظَهْرِهَا مَكْتُوبًا: غِنَى النَّفْسِ يُغْنِي النَّفْسَ حَتَّى يَكُفَّهَا ... وَإِنْ مَسَّهَا حَتَّى يَضُرَّ بِهَا الْفَقْرُ فَمَا عُسْرَةٌ، فَاصْبِرْ لَهَا إِنْ لَقِيتَهَا ... بِكَائِنَةٍ، إِلَّا وَمِنْ بَعْدِهَا يُسْرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 قَالُوا: فَأُسْقِطَ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ. وَعَنِ الْأَصْمَعِيِّ، قَالَ: رَثَوْا عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَتَسْمَعَنَّ وَشِيكًا فِي دِيَارِكُمُ ... اللَّهُ أَكْبَرُ يَا ثَارَاتِ عُثْمَانَا ضَحُّوا بأَشْمَطَ عُنْوَانُ السُّجُودِ بِهِ ... يَقْطَعُ اللَّيْلَ تَسْبِيحًا وَقُرْآنَا وَعَنْ سَهْمِ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ وَأَمْكَنَّا لَهُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ حَمَلْنَاهُ، فَغَشِيَنَا سَوَادٌ مِنْ خَلْفِنَا فَهِبْنَاهُمْ، فَنَادَى مُنَادِيهِمْ أَنْ لَا رَوْعَ عَلَيْكُمْ، اثْبُتُوا فَإِنَّا جِئْنَا نَشْهَدُهُ مَعَكُمْ، فَكَانَ ابْنُ حُبَيْشٍ، يَقُولُ: هُمْ مَلَائِكَةُ اللَّهِ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ جَهْجَاهٌ أَوِ ابْنُ جَهْجَاهٍ أَخَذَ عَصًى كَانَتْ فِي يَدِ عُثْمَانَ فَكَسَرَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ فَأُصِيبَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الْأَكَلَةُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ: دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَانْتَزَعَ عَصًى كَانَتْ فِي يَدِهِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَصَّرُهَا ثُمَّ كَسَرَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ فَأَخَذَتْهُ الْأَكَلَةُ فِي رُكْبَتِهِ. قَالَ سَهْمُ بْنُ حُبَيْشٍ: دَخَلَ سَوْدَانُ وَفِي رِوَايَةِ: عِتْرَةُ بْنُ رُومَانَ الْمُرَادِيُّ الْمِصْرِيُّ - رَجُلٌ أَزْرَقُ قَصِيرٌ - فِي يَدِهِ جُرْزٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَاسْتَقْبَلَهُ، فَقَالَ: عَلَى أَيِّ مِلَّةٍ أَنْتَ؟ قَالَ: عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَضَرَبَهُ بِالْجُرْزِ عَلَى صَدْغِهِ فَقَتَلَهُ. وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: ثُمَّ اعْتَوَرَتْهُ السُّيُوفُ وَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ بِلَبِنَةٍ فَهَشَمَ وَجْهَهُ. وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ ثَقِيفٍ: مَا رَأَيْتُ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ ذَكَرَ عُثْمَانَ إِلَّا فَاضَتْ عَيْنَاهُ. وَعَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: كَانَ أَبُو صَالِحٍ إِذَا ذُكِرَ قَتْلُ عُثْمَانَ يَبْكِي وَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 ذِكْرُ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَلْتَقِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أخبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّابُونِيُّ، أخبرنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْقَوَارِيرِيُّ، وسريج بن يونس، عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُونَ وَاللَّفْظُ لِابْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ أَبُو سَلَمَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 الْمَاجِشُونَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «» أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي «» قَالَ سَعِيدٌ: فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُشَافِهَ بِهَا سَعْدًا، فَلَقِيتُ سَعْدًا، فَحَدَّثَنِي بِمَا حَدَّثَنِي عَامِرٌ، فَقَالَ: أَنَا سَمِعْتُهُ، قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتُهُ؟ فَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ، فَقَالَ: نَعَمْ. وَإِلَّا فَسُكِّتَا وَفِي رِوَايَةِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: خَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخَلِّفُنِي فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي؟» . وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ؛ وَكَانَ رَمِدًا، فَقَالَ: أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ مَسَاءَ اللَّيْلَةِ الَّتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 فَتَحَهَا اللَّهُ فِي صَبَاحِهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» ، أَوْ قَالَ: «يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ» ، فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ، وَمَا نَرْجُوهُ، فَقَالُوا: هَذَا عَلِيٌّ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَةَ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحِ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ» . قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ إِلَّا يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَتَشَاوَفْتُ لَهَا رَجَاءَ أَنْ أُدْعَى لَهَا، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، وَقَالَ: «امْشِ وَلَا تَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْتَحِ اللَّهُ عَلَيْكَ» ، قَالَ: فَسَارَ عَلِيٌّ شَيْئًا ثُمَّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ وَصَرَخَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ؟ قَالَ: «قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» عَزَّ وَجَلَّ. وَفِي رِوَايَةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحِ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» . وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قَالَ: فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ. وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: " فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمُرُ النَّعَمِ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ: إِنَّهُ لَا يُحِبُّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: وَأُمُّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ، قَالُوا: هِيَ أَوَّلُ هَاشِمَيَّةٌ وَلَدَتْ لِهَاشِمِيٍّ، وَقَدْ أَسْلَمَتْ، وَهَاجَرَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَاتَتْ وَشَهِدَهَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: انْطَلَقَ بِي أَبِي يَوْمَ الْجُمْعَةِ فَلَمَّا خَرَجَ عَلِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ قَالَ لِي أَبِي: قُمْ فَانْظُرْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَقُمْتُ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ قَائِمًا، فَإِذَا هُوَ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ، وَإِذَا رَجُلٌ ضَخْمُ الْبَطْنِ أَجْلَحُ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ أَسْلَمَا وَهُمَا ابْنَا ثَمَانِ سِنِينَ. وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَأَسْلَمَ عَلِيٌّ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ سَفِينَةِ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْخِلَافَةُ مِنْ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً» . قَالَ: فَحَسَبْنَا ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ تَمَامَ وِلايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ: «الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ عَامًا ثُمَّ يَكُونُ الْمُلْكُ» . وَعَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، قَالَ: كَانَتْ خِلَافَةُ عَلِيٍّ خَمْسُ سِنِينَ إِلَّا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: جَاءَ وَفْدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فِيهِمْ رَأْسُ الْخَوَارِجِ، يُقَالَ لَهُ: جَعْدَةُ بْنُ بَعْجَةَ، فَخَطَبَ، وَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَلِيُّ اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَقَدْ عَلِمْتَ سَبِيلَ الْمُحْسِنَ مِنْ سَبِيلِ الْمُسِيءِ - يَعْنِي بِالْمُحْسِنِ عُمَرَ - فَقَالَ عَلِيٌّ: مَيِّتٌ، بَلْ وَاللَّهِ مَقْتُولٌ قَتْلًا تُصَابُ هَذِهِ فَتُخَضَّبُ هَذِهِ - وَوَضَعَ شَرِيكٌ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ - عَهْدٌ مَعْهُودٌ وَقَضَاءٌ مَقْضِيٌّ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى، قَالَ: فَعَابُوا عَلَيْهِ لِبَاسَهُ، فَقَالَ: تُعِيبُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 عَلَيَّ لِبَاسِي، وَهُوَ أَبْعَدُ لِي مِنَ الْكِبْرِ، وَأَجْدَرُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِيَ الْمُسْلِمُ. وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافعٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى أَدْمَوْا رِجْلَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ كَرِهْتُهُمْ وَكَرِهُونِي، فَأَرِحْنِي مِنْهُمْ، وَأَرِحْهُمْ مِنِّي. قَالَ: فَمَا مَاتَ إِلَّا تِلْكَ اللَّيْلَةَ. قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: قُتِلَ فِي رَمَضَانَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ لِسَبْعَ عَشَرَةَ لَيْلَةً. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَّامٍ: مَا قَتَلَتْ أُمَّةٌ نَبِيَّهَا إِلَّا قُتِلَ بِهِ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا وَلَا قَتَلُوا خَلِيفَتَهُمْ إِلَّا قُتِلَ بِهِ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفًا. وَعَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الصُّبْحِ فِي يَدِهِ دِرَّةٌ يُوقِظُ النَّاسَ، فَخَرَجَ فَضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ، فأُخِذَ، فَقَالَ عَلِيٌّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَطْعِمُوهُ، وَاسْقُوهُ، وَأَحْسِنُوا إِسَارَهُ، فَإِنْ أَصِحُّ، فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي أَعْفُو إِنْ شِئْتُ، وَإِنْ شِئْتُ اسْتَقَدْتُ، وَإِنْ أَنَا هَلَكْتُ فَبَدَا لَكُمْ أَنْ تَقْتُلُوهُ، فَلَا تُمَثِّلُوا بِهِ. قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: كَانَ حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قُتِلَ أَبِي وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: مَا كَانَ لِعَلِيٍّ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَبِي تُرَابٍ، وإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ إِذَا دُعِيَ بِهِ. جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ: «أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟» فَقَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَغَاضَبَنِي، فَخَرَجَ، فَلَمْ يُقِلْ عِنْدِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِنْسَانٍ: «انْظُرْ أَيْنَ هُوَ» ، فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ فَأَصَابَهُ تُرَابٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: " قُمْ أَبَا تُرَابٍ قُمْ أَبَا تُرَابٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 فَصْلٌ أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، أخبرنا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلَكِ بْنُ مُوسَى الطَّوِيلُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ صَاحِبِ الرُّمَّانِيِّ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِعَلِيٍّ: «مُحِبُّكَ مُحِبِّي وَمُبْغِضُكَ مُبِغِضِي» قَالَ: وَأخبرنا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، أخبرنا مَهْدِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: «أَنْتَ سَيِّدٌ فِي الدُّنْيَا سَيِّدٌ فِي الْآخِرَةِ، مَنْ أَحَبَّكَ فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَحَبِيبِي حَبِيبُ اللَّهِ، وَمَنْ أَبْغَضَكَ فَقَدْ أَبْغَضَنِي وَبِغيضِي بَغِيضُ اللَّهِ، فَالْوَيْلُ لِمَنْ أَبْغَضَكَ بَعْدِي» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 قَالَ: وَأخبرنا هِبَةُ اللَّهِ، مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا نَعْرِفُ نِفَاقَ الرَّجُلِ بِبُغْضِهِ لِعَلِيٍّ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 عَنْهُ، قَالَ: مَا كُنَّا نَعْرِفُ مُنَافِقِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إِلَّا بِبُغْضِهِمْ عَلِيًّا فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: أَنْشَدَنِي الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قِيلِهِ: شَهِدْتُ بِأَنَّ اللَّهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... وَأَشْهَدُ أَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ وَأُخْلِصُ ... وَأَنَّ عُرَى الْإِيمَانِ قَوْلٌ مُبَيَّنٌ ... وَفِعْلٌ زَكِيٌّ، قَدْ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَلِيفَةُ رَبِّهِ ... وَكَانَ أَبُو حَفْصٍ عَلَى الْخَيْرِ يَحْرِصُ وَأُشْهِدُ رَبِّي أَنَّ عُثْمَانَ فَاضِلٌ ... وَأَنَّ عَلِيًّا فَضْلُهُ مُتَخَصِّصُ أَئِمةُ قَوْمٍ يُقْتَدى بِهُدَاهُمُ ... لَحَى اللَّهُ مَنْ إِيَّاهُمُ يَتَنَقَّصُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وَعَنْ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: سمعت عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: يَهْلَكُ فِيَّ رَجُلَانِ، مُفْرِطٌ فِي حُبِّي ومُفْرِطٌ فِي بُغْضِي. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبْعٍ، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرأَ النَّسَمَةَ لَتُخْضَبَنَّ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ يَعْنِي لِحْيَتَهُ مِنْ دَمِ رَأْسِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَهْدٌ مَعْهُودٌ أَنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدُرُ بِكَ، وَأَنَّكَ تَعِيشُ عَلَى مِلَّتِي وَتُقْتَلُ عَلَى سُنَّتِي، وَأَنَّ هَذِهِ تُخْصَبُ مِنْ هَذِهِ» يَعْنِي لِحْيَتَهُ مِنْ رَأْسِهِ. وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: «مَنْ أَشْقَى الْأَوَّلِينَ» قَالَ: عَاقِرُ النَّاقَةِ. قَالَ: «صَدَقْتَ» ، قَالَ: «فَمَنْ أَشْقَى الْآخِرِينَ» ، قَالَ: اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «رَجُلٌ يَضْرِبُكَ عَلَى هَذِهِ» وَأَشَارَ إِلَى رَأْسِهِ. وَفِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِشَرِّ الْأَوَّلِينَ؟» قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «عَاقِرُ النَّاقَةِ، أَلَا أُخْبِرُكَ بِشَرِّ الْآخِرِينَ؟» قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «قَاتِلُكَ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 فَصْلٌ فِي حِلْيَتِهِ وَصِفَتِهِ قَالَ أَبُو حَفْصٍ: رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَهُ وَفْرَةٌ، وَكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ شَيْخًا مَرْبُوعًا أَسْمَرَ أَبْلَجَ لَهُ ضَفِيرَتَانِ، أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ لَهُ لِحْيَةٌ قَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ. فَصْلٌ قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: وَشَهِدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَهُوَ أَحَدُ أَصْحَابِ الشُّورَى الَّذِينَ شَهِدَ لَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ، وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 فَصْلٌ فِي ذِكْرِ نَسَبِهِ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَبُوهُ وَأَبُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَوَانِ. رُوِيَ عَنْ أَبِي صَادِقٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دِينِي دِينُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَسَبِي حَسَبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَنَاوَلَ مِنْ حَسَبِي أَوْ دِينِي شَيْئًا، فَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَوْ رَضُوا مِنَّا بِأَنْ نَقُولَ: رَحِمَ اللَّهُ عَلِيًّا، إِنْ كَانَ لَقَرِيبَ القَّرَابَةِ، قَدِيمَ الْهِجْرَةِ، عَظِيمَ الْحَقِّ، زَوْجَ فَاطِمَةَ وَأَبَا حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ لَكَانَ فِي ذَلِكَ فَضْلٌ. فَصْلٌ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَارَزَ يَوْمَ بَدْرٍ فَجَعَلَ يُحَمْحِمْ كَمَا يُحَمْحِمُ الْفَرَسُ، وَيَقُولُ: بَازِلُ عَامَيْنِ حَدِيثُ سِنِّي سَنَحْنَحُ اللَّيْلِ كَأَنِّي جَنِّي لِمِثْلِ هَذَا وَلَدَتْنِي أُمِّي فَمَا رَجَعَ حَتَّى خَضَبَ سَيْفُهُ دَمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 فَصْلٌ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ زَوَّجَنِي ابْنَتَهُ وَأَعْتَقَ بِلَالًا مِنْ مَالِهِ، وَحَمَلَنِي إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ، رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ يَقُولُ الْحَقَّ وَإِنّ كَانَ مُرًّا، تَرَكَهُ الْحَقُّ وَمَالَهُ مِنْ صَدِيقٍ، رَحِمَ اللَّهُ عُثْمَانَ إِنَّهُ لَتَسْتَحْيِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ، رَحِمَ اللَّهُ عَلِيًّا اللَّهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ» . وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَلِيُّ إِنَّ لَكَ كَنْزًا فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّكَ ذُو قَرْنَيْهَا، فَلَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآُخِرَةُ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: «سَلَامٌ عَلَيْكَ أَبَا الرَّيْحَانَتَيْنِ، أُوصِيكَ بِرَيْحَانَتَيَّ مِنَ الدُّنْيَا، وَعَنْ قَلِيلٍ تَنْهَدُّ رُكْنَاكَ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَيْكَ» ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا أَحَدُ رُكْنَي الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ، قَالَ: هَذَا الرُّكْنُ الثَّانِي الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَتَاهُ ابْنُ مُلْجِمٍ فَأَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: مَا يَحْبِسُ أَشْقَاهَا أَنْ يَخْضِبُهَا مِنْ أَعْلَاهَا، يَخْضِبُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، وَأَوْمَأَ إِلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: اشْدُدْ حَيَازِيمَكَ لِلْمَوْتِ ... فَإِنَّ الْمَوْتَ يَأْتِيكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وَلَا تَجْزَعْ مِنَ الْمَوْتِ ... إِذَا حَلَّ بِوَادِيكَ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: قُتِلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةَ سَبْعَ عَشَرَةَ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ جُمْعَةٍ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، وَدُفِنَ بِالْكُوفَةِ وَعُمِّيَ دَفْنُهُ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمًا، فَقَالَ: جُعْتُ بِالْمَدِينَةِ مَرَّةً جُوعًا شَدِيدًا، فَخَرَجْتُ أَطْلُبُ الْعَمَلَ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ فَجِئْتُ إِلَى بُسْتَانٍ، فَقَالَ لِي صَاحِبُهُ: دَلْوًا وَتَمْرَةً، فَدَلَّوْتُ دَلْوًا بِتَمْرَةٍ فَمَدَدْتُ سِتَّةَ عَشَرَ دَلْوًا حَتَّى مَجِلَتْ يَدَايَ، فَعَدَّ لِي سِتَّ عَشْرَةَ تَمْرَةً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَكَلَ بَعْضَهَا، وَأَكَلْتُ بَعْضَهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْوَالِبِيِّ، قَالَ: جَاءَ ابْنُ التَّيَّاحِ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: امْتَلَأَ بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى ابْنِ التَّيَّاحِ حَتَّى قَامَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَقَالَ: هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهِ ... إِذْ كُلُّ جَانٍ يَدُهُ إِلَى فِيهِ يَا ابْنَ التَّيَّاحِ: عَلَيَّ بِأَشْيَاعِ الْكُوفَةِ، فَنُودِيَ فِي النَّاسِ، فَأَعْطَى جَمِيعَ مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا صَفْرَاءُ وَيَا بَيْضَاءُ غُرِّي غَيْرِي، حَتَّى مَا بَقِيَ فِيهِ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، ثُمَّ أَمَرَ بِنَضْحِهِ وَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ. وَفِي رِوَايَةِ مَجْمَعٍ التَّيْمِيِّ: كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَكْنُسُ بَيْتَ الْمَالِ وَيَتَّخِذُهُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ رَجَاءَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِفَالُوذَجٍ فَوُضِعَ قُدَّامَهُ، فَقَالَ: إِنَّكَ طَيِّبَ الرِّيحِ حَسَنَ اللَّوْنِ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُعَوِّدَ نَفْسِي مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 لَمْ تَعْتَدْ. وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجْعَلُ طَعَامَهُ فِي طِيبَةٍ أَيْ فِي جِرَابٍ صَغِيرٍ، فَدَعَا يَوْمًا بِهَا وَعَلَيْهَا خَاتَمٌ فَكَسَرَ الْخَاتَمَ الَّذِي عَلَيْهَا، وَإِذَا فِيهَا سَوِيقٌ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا وَصَبَّ فِي الْقَدَحِ، وَصَبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ، فَشَرِبَ، وَسَقَانِي، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَتَصْنَعُ هَذَا بِالْعِرَاقِ وَطَعَامُ الْعِرَاقِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا أَخْتِمُ عَلَيْهِ بُخْلًا وَلَكِنْ أَبْتَاعُ قَدْرَ مَا يَكْفِينِي فَأَخَافُ أَنْ يَفْنَى فَيَضِيعُ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا حِفْظِي لِذَلِكَ أَكْرَهُ أَنْ أُدْخِلَ بَطْنِي إِلَّا طَيِّبًا. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِمَ تُرَقِّعُ قَمِيصَكَ؟ قَالَ: يَخْشَعُ الْقَلْبُ، وَيَقْتَدِي بِيَ الْمُؤْمِنُ، وَيَكُونُ أَبْعَدَ مِنَ الْكِبْرِ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَى السُّوقَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 فَقَالَ: مَنْ عِنْدَهُ قَمِيصٌ صَالِحٌ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، فَقَالَ رَجُلٌ: عِنْدِي، فَجَاءَ بِهِ فَأَعْجَبَهُ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ خَيْرٌ مِنْ ذَاكَ. قَالَ: لَا. ذَاكَ ثَمَنُهُ، فَأَعْطَاهُ ثَمَنَهُ وَلَبِسَهُ، فَإِذَا هُوَ يَفْضُلُ عَنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، فَقَطَعَ مَا فَضُلَ عَنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ. فَصْلٌ فِي ذِكْرِ كَلَامِهِ وَمَوَاعِظِهِ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَيْسَ الْخَيْرُ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ وَوَلَدُكَ، وَلَكِنَّ الْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ وَيَعْظُمَ حِلْمُكَ، وَأَنْ تُبَاهِي النَّاسَ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ، فَإِنْ أَحْسَنْتَ حَمِدْتَ اللَّهَ، وَإِنْ أَسَأْتَ اسْتَغْفَرْتَ اللَّهَ، وَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ: رَجُلٍ أَذْنَبَ ذُنُوبًا، فَهُوَ يَتَدَارَكُ ذَلِكَ بِتَوْبَةٍ، أَوْ رَجُلٍ يُسَارِعُ فِي الْخَيْرَاتِ، وَلَا يُقِلُّ عَمَلًا فِي تَقْوَى وَكَيْفَ يُقِلُّ مَا يُتَقَبَّلُ. وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: احْفَظُوا عَنِّي خَمْسًا لَوْ رَكِبْتُمُ الْإِبِلَ فِي طَلَبِهِمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَا يَرْجُو عَبْدٌ إِلَّا رَبَّهُ، وَلَا يَخَافَنَّ إِلَّا ذَنْبَهُ، وَلَا يَسْتَحِي جَاهِلٌ أَنْ يَسْأَلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ، وَلَا يَسْتَحِي عَالِمٌ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ أَنْ يَقُولُ: اللَّهُ أَعْلَمُ. وَالصَّبْرُ مِنَ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، وَلَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ: اتِّبَاعُ الْهَوَى، وَطُولُ الْأَمَلِ، فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ، وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فيُنْسِي الْآخِرَةَ. أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَرَحَّلَتْ مُدْبِرَةً أَلَا وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ تَرَحَّلَتْ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابٌ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: دَخَلَ ضِرَارُ بْنُ حَمْزَةَ الْكِنَانِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: صِفْ لِي عَلِيًّا، فَقَالَ: أَوَ تَعْفِينِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: لَا أَعْفِيكَ، قَالَ: قَدْ كَانَ وَاللَّهِ بَعِيدَ الْمَدَى شَدِيدَ الْقُوَى، يَقُولُ فَصْلًا وَيَحْكُمُ عَدْلًا، يَتَفَجَّرُ الْعِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَتَنْطِقُ الْحِكْمَةُ مِنْ نَوَاحِيهِ، يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا، وَيَسْتَأْنِسُ بِاللَّيْلِ وَظُلْمَتِهِ. كَانَ وَاللَّهِ غَزِيرَ الْعَبْرَةِ، طَوِيلَ الْفِكْرَةِ، يُقَلِّبُ كَفَّهُ وَيُخَاطِبُ نَفْسَهُ، يُعْجِبُهُ مِنَ اللِّبَاسِ مَا قَصُرَ. وَمِنَ الطَّعَامِ مَا جَشَبَ، كَانَ وَاللَّهِ كَأَحَدِنَا يُدْنِينَا إِذَا أَتَيْنَاهُ، وَيُجِيبُنَا إِذَا سَأَلْنَاهُ وَكَانَ مَعَ تَقَرُّبِهِ إِلَيْنَا وَقُرْبِهِ مِنَّا لَا نُكَلِّمُهُ هَيْبَةً لَهُ، فَإِنْ يَبْتَسِمُ فَعَنْ مِثْلِ اللُّؤْلُؤِ الْمَنْظُومِ، وَيُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ وَيُحِبُّ الْمَسَاكِينَ، لَا يَطْمَعُ الْقَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ، وَلَا يَيْأَسُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِهِ، فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَوَاقِفِهِ، وَقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سُدُولَهُ، وَغَارَتْ نُجُومُهُ يَتَمَيَّلُ فِي مِحْرَابِهِ قَابِضًا عَلَى لِحْيَتِهِ يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ، وَيَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ، وَكَأَنِّي أَسْمَعُهُ الْآنَ وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَبَّنَا يَا رَبَّنَا، يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ لِلدُّنْيَا: أَنَّى تَشَوَّفْتِ لِي، أَنَّى تَعَرَّضْتِ لِي، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، غُرِّي غَيْرِي قَدْ بَتَتُّكِ ثَلَاثًا لَا رَجْعَةَ لِي فِيكِ، ثُمَّ قَالَ: فَعُمْرُكِ قَصِيرٌ، وَمَجْلِسُكِ حَقِيرٌ، وَخَطَرُكِ كَثِيرٌ، آهٍ آهٍ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ، وَبُعْدِ السَّفَرِ، وَوَحْشَةِ الطَّرِيقِ، فَوَكِفَتْ دُمُوعُ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى لِحْيَتِهِ مَا يَمْلِكُهَا وَجَعَلَ يُنَشِّفُهَا بِكُمِّهِ، فَقَالَ: كَذَا كَانَ أَبُو الْحَسَنِ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَشَدُّ الْأَعْمَالِ ثَلَاثَةٌ: إِعْطَاءُ الْحَقِّ مِنْ نَفْسِكَ، وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمُوَاسَاةُ الْأَخِ فِي الْمَالِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: سمعت عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتَنِي أَرْبِطُ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ صَدَقَتِي الْيَوْمَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 ذِكْرُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، يَلْتَقِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ. كُنْيَتُهُ، أَبُو مُحَمَّدٍ. أخبرنا وَالِدِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أخبرنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 سَعِيدٍ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الَّتِي وَقَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شُلَّتْ قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: لَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَيَّامِ الَّتِي قَاتَلَ فِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ عُمَرٌ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَدِمَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ مِنَ الشَّامِ بَعْدَ مَا رَجِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَدْرٍ فَكَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَهْمِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَكَ سَهْمُكَ» . قَالَ: وَأَجْرِي. قَالَ: «وَأَجْرُكَ» . وَعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: أُصِيبَ إِصْبَعُ أَبِي، طَلْحَةَ، فَقَالَ حَسِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ قُلْتُ بِسْمِ اللَّهِ لَرَأَيْتَ بُنْيَانًا يُبْنَى لَكَ فِي الْجَنَّةِ» . وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا طَلْحَةُ قَدْ غَلَبَهُ النَّزْفُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْثَلَ بَدَلًا مِنْهُ، فَقَالَ: «عَلَيْكُمْ بِصَاحِبِكُمْ» فَتَرَكْنَاهُ وَأَقْبَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا مِغْفَرُهُ قَدْ عَلِقَ بِوَجْنَتَيْهِ وَبَيْنِي وَبَيْنَ الْمَشْرِقِ رَجُلٌ أَنَا أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْهُ، فَإِذَا هُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَذَهَبْتُ لِأَنْزَعَ حَلَقَةَ الْمِغْفَرِ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أُنْشِدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا بَكْرٍ إِلَّا تَرَكْتَنِي فَتَرَكْتُهُ فَنَزَعَهَا فَانْتُزِعَتْ ثِنْيَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَذَهَبْتُ لِأَنْزَعَهُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ، فَقَالَ: لِي مِثْلَ ذَلِكَ فَانْتَزَعَهَا، فَانْتُزِعَتْ ثِنْيَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ الْأُخْرَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدِ اسْتَوْجَبَ، أَوْ أَوْجَبَ» ، يَعْنِي طَلْحَةَ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ أَنْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَبَاعِيَتُهُ فَزَعَمَ أَنَّ طَلْحَةَ وَقَاهُ بِيَدِهِ فَضُرِبَتْ فَشُلَّتْ إِصْبَعُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طَلْحَةُ مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ {وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا} [الأحزاب: 23] ". وَقَالَ رَجُلٌ لِطَلْحَةَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ طَلْحَةُ: مَا أَشُكُّ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 نَسْمَعْ وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ، كُنَّا قَوْمًا لَنَا غَنَاءٌ وَبُيُوتَاتٌ، وَكُنَّا إِنَّمَا نَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِسْكِينًا لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا مَالٌ إِنَّمَا يَدُهُ مَعَ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ مَعَهُ حَيْثُ كَانَ فَوَاللَّهِ مَا نَشُكُّ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ نَسْمَعْ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: أَدْرَكْتُ خَمْسَ مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يَقُولُ: عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ سُعْدَى بِنْتِ عَوْفٍ الْمُرِّيَّةِ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ طَلْحَةُ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ خَاثِرُ النَّفْسِ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: الْمَالُ الَّذِي عِنْدِي قَدْ كَثُرَ، فَقُلْتُ: وَمَا عَلَيْكَ اقْسِمْهُ، قَالَتْ: فَقَسَمَهُ حَتَّى مَا بَقِيَ مِنْهُ دِرْهَمٌ، قَالَ طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى: فَسَأَلْتُ خَازِنَ طَلْحَةَ كَمْ كَانَ الْمَالُ؟ قَالَ: أَرْبَعُ مِائَةِ أَلْفٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَكَانَتْ غَلَّتُهُ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفًا وَكَانَ يُسَمَّى طَلْحَةَ الْفَيَّاضَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وَعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: قَالَ طَلْحَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ سَأَلَ عَنِّي، وَقَالَ: «مَالِي لَا أَرَى الصَّبِيحَ الْمَلِيحَ الْفَصِيحَ» . وَرُوِيَ أَنَّ طَلْحَةَ نَحَرَ جَزُورًا يَوْمَ ذِي قَرَدَ فَأَطْعَمَهُمْ وَسَقَاهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ طَلْحَةُ الْفَيَّاضُ» . وَفِي رِوَايَةٍ: ابْتَاعَ بِئْرًا فَأَطْعَمَ النَّاسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ طَلْحَةُ الْفَيَّاضُ» . وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: صَحِبْتُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَمَا رَأَيْتُهُ أَعْطَى لِجَزِيلِ مَالٍ، عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 فَصْلٌ روِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا ذُكِرَ يَوْمُ أُحُدٍ قَالَ: ذَلِكَ يَوْمٌ كُلُّهُ لِطَلْحَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَاءَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: «عَلَيْكُمَا صَاحِبُكُمَا» يُرِيدُ طَلْحَةَ، وَقَدْ نَزَفَ فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَتَيْنَا طَلْحَةَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْجِفَارِ، فَإِذَا بِهِ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَيْنَ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ، وَضَرْبَةٍ، وَإِذَا إِصْبَعُهُ قُطِعَتْ فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِهِ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُحُدٍ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] . . . الْآيَةُ. فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَأَقْبَلْتُ وَعَلَيَّ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، فَقَالَ: «أَيُّهَا السَّائِلُ هَذَا مِنْهُمْ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وَفِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: إِنِّي لَجَالِسَةٌ فِي بَيْتِي وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فِي الْفِنَاءِ إِذْ أَقْبَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ قَدْ قَضَى نَحْبَهُ فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ. فَصْلٌ عَنْ سُعْدَى بِنْتِ عَوْفٍ امْرَأَةِ طَلْحَةَ، قَالَتْ: كَانَتْ غَلَّةُ طَلْحَةَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفًا وَافِيًا، وَكَانَ يُسَمَّى طَلْحَةُ الْفَيَّاضُ، وَلَقَدْ تَصَدَّقَ يَوْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ. وَعَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بَاعَ طَلْحَةُ أَرْضًا بِسَبْعِ مِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَبَاتَ وَذَلِكَ الْمَالُ عِنْدَهُ أَرِقًا مَغْمُومًا، فَقِيلَ لَهُ: مَالَكَ مَغْمُومًا؟ قَالَ: الْمَالُ الَّذِي عِنْدِي كَرَبَنِي، فَلَمَّا أَصْبَحَ فَرَّقَهُ وَقَسَّمَهُ حَتَّى مَا بَقِيَ مِنْهُ دِرْهَمٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا صَعَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْلُوَ صَخْرَةً فَنَزَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَصَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ظَهْرِهِ حَتَّى عَلَا الصَّخْرَةَ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَاءَ طَلْحَةُ بِالْجَنَّةِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: " أَوْجَبَ طَلْحَةُ. فَصْلٌ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَسْلَمَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ الصِّدِّيقُ، فَأَظْهَرَ إِسْلَامَهُ، وَدَعَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِلَى رَسُولِهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مُؤَلِّفًا، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ عُثْمَانُ وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدٌ وَطَلْحَةُ بْنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 عُبَيْدِ اللَّهِ، فَجَاءَ بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَجَابُوا لَهُ، فَأَسْلَمُوا، وَصَلُّوا. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَضَرْتُ سُوقَ بُصْرَى، فَإِذَا رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَتِهِ، يَقُولُ: سَلُوا أَهْلَ هَذَا الْمَوْسِمِ أَفِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ؟ قَالَ طَلْحَةُ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا. فَقَالَ: هَلْ ظَهَرَ أَحْمَدُ بَعْدُ؟ قُلْتُ: وَمَنْ أَحْمَدُ؟ قَالَ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، هَذَا شَهْرُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ، وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَخْرَجُهُ مِنَ الْحَرَمِ، وَمُهَاجَرُهُ إِلَى نَخْلٍ وَحَرَّةَ وَسِبَاخٍ، فَإِيَّاكَ أَنْ تُسْبَقَ إِلَيْهِ، قَالَ طَلْحَةُ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا قَالَ، فَخَرَجْتُ سَرِيعًا حَتَّى قَدِمْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَقُلْتُ: هَلْ كَانَ مِنْ حَدَثٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، مُحَمَّدُ الْأَمِينُ قَدْ تَنَبَّأَ، وَقَدْ تَبِعَهُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، فَخَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ: أَتَّبَعْتَ هَذَا الرَّجُلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَانْطَلِقْ إِلَيْهِ فَاتَّبِعْهُ، فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ، فَأَخْبَرَهُ طَلْحَةُ بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ بِطَلْحَةَ، فَدَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ طَلْحَةُ، وَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ، فَسُرَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ أَخَذَهُمَا نَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ الْعَدَوِيَّةِ، فَشَدَّهُمَا فِي حَبْلٍ وَاحِدٍ فَلَمْ تَمْنَعْهُمَا بَنُو تَيْمٍ، وَكَانَ نَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ يُدْعَى أَسَدُ قُرَيْشٍ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةَ الْقَرِينَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ الْفِتْيَانِ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا فِي ثَوْبَيْنِ مُمَصَّرَيْنِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ طَلْحَةُ رَجُلًا آدَمَ، كَثِيرَ الشَّعْرِ لَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطِطِ وَلَا بِالسَّبْطِ، حَسَنُ الْوَجْهِ دَقِيقُ الْعِرْنِينِ، إِذَا مَشَى أَسْرَعَ. وَعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: كَانَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَبْيَضَ، يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ مَرْبُوعًا إِلَى الْقِصَرِ أَقْرَبُ، رَحْبَ الصَّدْرِ عَرِيضَ الْمَنْكِبَيْنِ، إِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا، ضَخْمَ الْقَدَمَيْنِ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا طَلْحَةُ، فَغَشَوْهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لِهَؤُلَاءِ؟» فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا، فَقَاتَلَ فَأُصِيبَ بَعْضُ أَنَامِلِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 فَقَالَ: حَسِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا طَلْحَةُ لَوْ قُلْتَ بِسْمِ اللَّهِ، أَوْ ذَكَرْتَ اللَّهَ لَرَفَعَتْكَ الْمَلَائِكَةُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ حَتَّى تَلِجَ بِكَ فِي جَوِّ السَّمَاءِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَثْبُتْ مَعَهُ أَحَدٌ، فَكَانَ فِيهِ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ طَعْنَةً وَضَرْبَةً وَرَمْيَةً حَتَّى قُطِعَ نَسَاهُ وَشُلَّتْ إِصْبَعُهُ. قَالَ طَلْحَةُ: عُقِرْتُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي جَمِيعِ جَسَدِي حَتَّى فِي ذَكَرِي. فَصْلٌ قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ سَمَّانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلْحَةَ الْخَيْرِ، وَيَوْمَ غَزْوَةِ ذَاتِ الْعَشِيرَةِ طَلْحَةَ الْفَيَّاضَ، وَيَوْمَ خَيْبَرَ طَلْحَةَ الْجُودِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 فَصْلٌ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ طَلْحَةَ: قُتِلَ طَلْحَةُ يَوْمَ الْجَمَلِ وَهُوَ ابْنُ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً وَرُوِيَ أَنَّ سَهْمًا أَتَاهُ فِي يَوْمِ الْجَمَلِ فَوَقَعَ فِي حَلْقِهِ، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38] ، قُتِلَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، وَدُفِنَ بِالْبَصْرَةِ فِي قَنْطَرَةِ قِرَةَ. وَقَالَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ لَمَّا أُصِيبَ طَلْحَةُ وَدُفِنَ عَلَى شَطِّ الْكِدَاءِ فَرَآهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بَعْدَ حَوْلٍ، فَقَالَ: أَخْرِجُونِي فَقَدْ غَرِقْتُ، قَالَ: فَاسْتُخْرِجَ قَبْرُهُ، وَهُوَ مِثْلُ الرَّوْضَةِ، وَاشْتُرِيَتْ لَهُ دَارٌ مِنْ دُورِ آلِ أَبِي بَكْرَةَ بِعَشَرَةِ آلَافٍ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ بَعْضِ آلِ طَلْحَةَ أَنَّهُ رَأَى طَلْحَةَ فِي الْمَنَامِ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ دَفَنْتُمُونِي فِي مَكَانٍ قَدْ آذَانِي فِيهِ الْمَاءُ فَأَخْرِجُونِي، فَأَخْرَجْنَاهُ أَخْضَرَ كَأَنَّهُ مَبْقَلَةٌ، لَمْ يَذْهَبْ مِنْهُ إِلَّا شَعْرَاتٌ مِنْ جَانِبِ لِحْيَتِهِ. أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مَاشَاذَةَ فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا رَأَى فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَوِّلُونِي عَنْ قَبْرِي، فَقَدْ آذَانِي الْمَاءُ، ثُمَّ رَآهُ أَيْضًا حَتَّى رَآهُ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَأَخْبَرَهُ فَنَظَرُوا فَإِذَا شِقُّهُ الَّذِي يَلِي الْأَرْضَ فِي الْمَاءِ فَحَوَّلُوهُ، قَالَ أَبِيهِ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْكَافُورِ فِي عَيْنَيْهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا عَقِيصَتُهُ أَنَّهَا مَالَتْ عَنْ مَوْضِعِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 قَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ: قَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ إِذَا هَمَّ أَحَدُهُمْ بِأَمْرٍ قَصَدَ إِلَى قَبْرِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَدَعَا بِحَضْرَتِهِ فَيَكَادُ يَعْرِفُ الْإِجَابَةَ، وَكَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يَفْعَلُهُ. هَذَا آخِرُ مَا اتَّفَقَ ذِكْرُهُ فِي الْوَقْتِ فِي فَضْلِ طَلْحَةَ وَصِفَتِهِ وَسِيرَتِهِ، وَلَمْ أُطَوِّلْ مَخَافَةَ الْمَلَالَةِ، مَعَ وُلُوعِي بِذِكْرِ فَضْلِهِ، لِأَنَّ وَالِدَتِي، رَحِمَهَا اللَّهُ، مِنْ أَوْلَادِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ هِيَ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 ذِكْرُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ، يَلْتَقِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ، أُمُّهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَوَارِيَّ يَعْنِي النَّاصِرَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ» وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: «مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 الْقَوْمِ؟» فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ» . وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سُلَّ سَيْفُهُ فِي اللَّهِ الزُّبَيْرُ، نَفْحَةٌ نَفَحَهَا الشَّيْطَانُ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَسَلَّ الزُّبَيْرُ سَيْفَهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَشُقُّ النَّاسَ حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: «مَالَكَ يَا زُبَيْرُ؟» قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّكَ أُخِذْتَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُ وَلِسَيْفِهِ. وَعَنْ عِكْرَمَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ يَوْمَ قُرَيْظَةَ مِنَ الْعَدُوِّ، قَالَ: رَجُلٌ وَرَجُلٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُمْ يَا زُبَيْرُ» . فَقَالَتْ صَفِيَّةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاحِدِي، فَقَالَ: أَيُّهُمَا عَلَا صَاحِبَهُ قَتَلَهُ، فَعَلَاهُ الزُّبَيْرُ فَقَتَلَهُ، فَنَفَّلَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلْبَهُ. وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِنْ كَانَ أَبَوَاكَ لَمِنَ {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [آل عمران: 172] أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ. وَعَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ بِالزُّبَيْرِ بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ ضَرْبَةً، كُلُّهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ صَدْرُهُ كَأَنَّهُ الْعُيُونُ مِنَ الطَّعْنِ وَالرَّمْيِ. وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: لَمَّا أَتَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِسَيْفِ الزُّبَيْرِ جَعَلَ يُقَلِّبُهُ وَيَقُولُ: سَيْفٌ طَالَ مَا جَلَا الْغَمَّ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 فَصْلٌ رُوِيَ أَنَّ عَمَّ الزُّبَيْرِ كَانَ يُعَلِّقُ الزُّبَيْرَ فِي حَصِيرٍ، وَيُدَخِّنُ عَلَيْهِ بِالنَّارِ، وَهُوَ يَقُولُ: ارْجَعْ إِلَى الْكُفْرِ، فَيَقُولُ الزُّبَيْرُ لَا أَكْفُرُ أَبَدًا. وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ، قَالَ: صَحِبْتُ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَأَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ بِأَرْضِ قَفْرٍ، فَقَالَ: اسْتُرْنِي، فَسَتَرْتُهُ فَحَانَتْ مِنِّي الْتَفَاتَةٌ، فَرَأَيْتُهُ مُجَدَّعًا بِالسُّيُوفِ، قُلْتُ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ بِكَ آثَارًا مَا رَأَيْتُهَا بِأَحَدٍ قَطُّ، قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتَهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا مِنْهَا جِرَاحَةٌ إِلَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَسْلَمَ الزُّبَيْرُ، وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: كَانَ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَلْفُ مَمْلُوكٍ يُؤَدُّونَ إِلَيْهِ الْخَرَاجَ، وَكَانَ يُقَسِّمُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ، ثُمَّ يَقُومُ إِلَى مَنْزِلِهِ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ، وَمَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ مِنْ خَرَاجِهِمْ دِرْهَمٌ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: قُتِلَ الزُّبَيْرُ، وَلَمْ يَدَعْ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِلَّا أرضين مِنْهَا بِالْغَابَةِ وَدُورًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الزُّبَيْرِ يَمْدَحُهُ شَرَفًا: فَكَمْ كُرْبَةٍ ذَبَّ الزُّبَيْرُ بِسَيْفِهِ ... عَنِ الْمُصْطَفَى وَاللَّهُ يُعْطِي فيُجْزِلُ فَمَا مِثلُهُ فِيهِمْ وَلَا كَانَ قَبْلَهُ ... وَلَيْسَ يَكُونُ الدَّهْرُ مَادَامَ يَذْبُلُ ثَنَاؤُكَ خَيْرٌ مِنْ فِعَالِ مَعَاشِرَ ... وَفِعْلُكَ يَابْنَ الْهَاشِمِيَّةِ أَفْضَلُ. فَصْلٌ أخبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّابُونِيُّ، أخبرنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى حِرَاءَ فَتَحَرَّكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْكُنْ حِرَاءُ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ «» ، وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: وَعَلِيٌّ قَبْلَ ذِكْرِ طَلْحَةَ فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفَ الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْجَمَلِ وَهُوَ يَقُولُ: وَلَقَدْ عَلِمْتُ لَوْ أَنَّ عِلْمِي نَافِعِي أَنَّ الْحَيَاةَ مِنَ الْمَمَاتِ قَرِيبُ ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ أَنْ قَتَلَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ. رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: هَاجَرَ الزُّبَيْرُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ حَتَّى هَاجَرَ مَعَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَلَّ السَّيْفَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ صَاحِبَ الرَّايَةِ يَوْمَ الْفَتْحِ، اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنَّبَتَيْنِ، شَهِدَ بَدْرًا فَارِسًا، وَلَمْ يَشْهَدْهُ فَارِسٌ غَيْرُهُ وَغَيْرُ الْمِقْدَادِ، كَانَ الزُّبَيْرُ عَلَى الْمَيْمَنَةِ وَالْمِقْدَادُ عَلَى الْمَيْسَرَةِ شَهِدَ الْمَشَاهِدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 كُلَّهَا، كَانَ يَضْرِبُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَغَانِمِ بِأْرَبَعَةِ أَسْهُمٍ، سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ، وَسَهْمٌ مِنْ سِهَامِ ذَوِي الْقُرْبَى. قَالَ أَصْحَابُ التَّارِيخِ: كَانَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ أَبْيَضَ طَوِيلًا خَفِيفَ الْعَارِضَيْنِ. وَقَالَ عُرْوَةُ: رُبَّمَا أَخَذْتُ بِالشَّعْرِ عَلَى مَنْكِبَيِ الزُّبَيْرِ، وَأَنَا غُلَامٌ فَأَتَعَلَّقُ بِهِ عَلَى ظَهْرِهِ وَكَانَ رَجُلًا لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، إِلَى الْخِفَّةِ، مَا هُوَ فِي اللَّحْمِ، وَلِحْيَتُهُ خَفِيفَةٌ أَسْمَرَ اللَّوْنِ أَشْعَرَ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: كَانَ الزُّبَيْرُ طَوِيلًا تَخُطُّ رِجْلَاهُ إِذَا رَكِبَ الدَّابَةَ أَشْعَرَ. وَقَالَ: أَسْلَمَ الزُّبَيْرُ وَهُوَ ابْنُ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً. وَفِي رِوَايَةٍ: وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ غَزْوَةٍ غَزَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ: فَجَعَلَ عَمُّهُ يُعَذِّبُهُ كَيْ يَتْرُكَ الْإِسْلَامَ فَيَأْبَى الزُّبَيْرُ، فَلَمَّا رَأَى عَمُّهُ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْإِسْلَامَ تَرَكَهُ. قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: قُتِلَ الزُّبَيْرُ بِوَادِي السِّبَاعِ، يَعْنِي الْبَصْرَةَ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَقُتِلَ يَوْمَ قُتِلَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَهَا هُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُرْكِزَ الرَّايَةَ؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الزُّبَيْرُ بْنُ عَمَّتِي وَحَوَارِيَّ مِنْ أُمَّتِي» . وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سمعت أُذُنَايَ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ جَارَايَ فِي الْجَنَّةِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ سَمِعَ لَفْحَةً مِنَ الشَّيْطَانِ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أُخِذَ، وَذَاكَ بَعْدَمَا أَسْلَمَ، وَهُوَ ابْنُ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً، فَسَلَّ سَيْفَهُ، وَخَرَجَ يَشْتَدُّ فِي الْأَزِقَّةِ حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، وَالسَّيْفُ فِي يَدِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا شَأْنُكَ؟» قَالَ: سمعت أَنَّكَ قَدْ أُخِذْتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا كُنْتَ تَصْنَعُ؟» قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ بِسَيْفِي هَذَا مَنْ أَخَذَكَ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِسَيْفِهِ، وَقَالَ: " انْصَرِفْ. فَصْلٌ أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أخبرنا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْحَافِظُ، أخبرنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: جَاءَ بَشِيرُ بْنُ جُرْمُوزٍ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَجَفَاهُ، فَقَالَ: هَكَذَا يُصْنَعُ بِأَهْلِ الْبَلَاءِ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بِفِيكَ الْحِجْرَ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وَعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ اسْتَأْذَنَ ابْنُ جُرْمُوزٍ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالُوا: هَذَا قَاتِلُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَاللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ قَاتِلُ ابْنِ صَفِيَّةَ النَّارَ. إِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ» . رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ الزُّبَيْرَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: إِنَّ الزُّبَيْرَ عَمُودٌ مِنْ عُمُدِ الْإِسْلَامِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبُو وَقَّاصٍ، اسْمُهُ: مَالِكُ بْنُ وَهِيبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ، يَلْتَقِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِلَابٍ. أخبرنا أَبُو طَاهِرٍ الدَّارَانِيُّ، أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدِ كُوَيْهِ، حَدَّثَنَا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٌ الْكَشِّيُّ، حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنِّي لَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابِعَ سَبْعَةٍ مَا لَنَا طَعَامٌ نَأْكُلُهُ إِلَّا الْحُبْلَةُ وَوَرَقُ السَّمُرِ، حَتَّى قَرِحَتْ أَشَدَاقُنَا، حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ؛ مَالَهُ خَلْطٌ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تَعْزِرُنِي عَلَى الدِّينِ، لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا، وَخَابَ عَمَلِي قَالَ: وَحَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ إِلَّا لِسَعْدٍ، قَالَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ: «ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ سَعْدٍ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْتَ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ» . قَالَ: فَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: شَهِدَ سَعْدٌ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَوَلِيَ الْوِلَايَاتِ مِنْ قِبَلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، أَحَدُ أَصْحَابِ الشُّورَى، أَسْلَمَ وَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 فِي وَجْهِهِ شَعْرَةٌ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً، وَكَانَ آخِرَ الْمُهَاجِرِينَ وَفَاةً تُوُفِّيَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: مَاتَ بِالْعَقِيقِ فِي قَصْرِهِ عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَحُمِلَ عَلَى رِقَابِ الرِّجَالِ إِلَى الْمَدِينَةِ، يَعْنِي حَتَّى صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ كُفِّنَ فِي جُبَّةٍ صُوفٍ لَقِيَ فِيهَا يَوْمَ بَدْرٍ الْمُشْرِكِينَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: دُفِنَ بِالْبَقِيعِ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ طَلْحَةَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَعْذَارٌ عَامٍ وَاحِدٍ، قَالَ الشَّيْخُ، رَحِمَهُ اللَّهُ،: أَيْ ذَوِي أَعْذَارِ عَامٍ وَاحِدٍ، أَيْ خُتِنُوا فِي عَامٍ وَاحِدٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 قَالَ سَعْدٌ: لَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لِثُلُثِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضَّجِعًا إِلَى جَنْبِي ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَ: «لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أُمَّتِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ» ، فَبَيْنَمَا أَنَا عَلَى ذَلِكَ إِذْ سَمِعْتُ أَصْوَاتِ السِّلَاحِ، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟» فَقَالَ: أَنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ جِئْتُ لِأَحْرُسَكَ، فَجَلَسَ يَحْرُسُهُ، وَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سمعت غَطِيطَهُ. وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ سَعْدٌ فَقَالَ: «هَذَا خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَيْفَ تَرَكْتَهُ فِي وِلايَتِهِ؟ قَالَ: تَرَكْتُهُ أَكْرَمَ النَّاسِ مَقْدِرَةً وَأَقَلَّهُمْ فُتْرَةً، وَهُوَ لَهُمْ كَالْأُمِّ الْبَرَّةِ، يُجْمَعُ كَمَا تُجْمَعُ الذُّرَةُ، مَعَ أَنَّهُ مَيْمُونُ الطَّائِرِ مَسْرُوقُ الظُّفْرِ، أَشَدُّ النَّاسِ عِنْدَ الْبَاسِ، وَأَحَبُّ قُرَيْشِيٍّ إِلَى النَّاسِ. قَالَ: فَأخبرني عَنِ النَّاسِ، قَالَ: هُمْ كَسِهَامِ الْجَعْبَةِ مِنْهَا الْقَائِمُ الرَّايِشُ، وَمِنْهَا الْعَضِلُ الطَّايِشُ، وَابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ثَقَّافُهَا يَغْمِزُ عَضَلَهَا، وَيُقِيمُ مَيْلَهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالسَّرَائِرِ يَا عُمَرُ. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دُعِيَ بِخَلْقِ جُبَّةٍ لَهُ مِنْ صُوفٍ فَقَالَ: كَفِّنُونِي فِيهَا، فَإِنِّي كُنْتُ لَقِيتُ فِيهَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهِيَ عَلَيَّ وَإِنَّمَا كُنْتُ أُخَبِّؤُهَا لِهَذَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: خَطَبَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا، غَيْرَ أَنِّي الْتَقَطْتُ بُرْدَةً فَشَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدٍ، وَمَا بَقِيَ مِنَ الرَّهْطِ السَّبْعَةِ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى مِصْرٍ مِنَ الْأَمْصَارِ. وَعَنْ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ: «اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَميَتَهُ وَأَجِبْ دَعْوَتَهُ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 ذِكْرُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِيَاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، يَلْتَقِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْأَعْوَرِ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ وَأَجَرِهِ يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَسْلَمَ بَعْدَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: قَدِمَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ مِنَ الشَّامِ بَعْدَ مَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَدْرٍ، فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ، قَالَ: وَأَجْرِي، قَالَ: «وَأَجْرُكَ» . امْرَأَتُهُ: فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ أُخْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَبُوهُ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، كَانَ يَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ وَيَقُولُ: إِلَهِي إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ، وَدِينِي دِينُ إِبْرَاهِيمَ وَيُصَلِّي، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يُحْشَرُ أُمَّةً وَحْدَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ دِينِي دِينُ زَيْدٍ، وَإِلَهِي إِلَهُ زَيْدٍ وَقَدْ كَانَ يَمْتَدِحُهُ: رَشِدْتَ وَأَنْعَمْتَ ابْنَ عَمْرٍو وَإِنَّمَا تَجنَّبْتَ تَنُّورًا مِنَ النَّارِ حَامِيًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وَبِالرَّبِّ وَلَكِنْ لَيْسَ رَبٌّ كَمِثْلِهِ ... وَتَرْكُكَ جِنَانَ الْجِبَالِ كَمَا هِيَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُهُ فِي بُطْنَانِ الْجَنَّةِ عَلَيْهِ حُلَّةٌ مِنْ سُنْدُسٍ» . وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: ذَهَبَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ نَحْوَ الشَّامِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَلْتَمِسَانِ الدِّينَ، فَأَتَيَا عَلَى رَاهِبٍ فَسَأَلاهُ عَنِ الدِّينِ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبَانِ لَمْ يَجِئْ بَعْدُ، وَهَذَا زَمَانُهُ، وَإِنَّ هَذَا الدِّينَ يَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ تَيْمَاءَ، قَالَ: فَرَجَعَا، فَقَالَ وَرَقَةُ: أَمَّا أَنَا فَأُقِيمُ عَلَى نَصْرَانِيَّتِي حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، قَالَ: وَقَالَ زَيْدٌ: أَمَّا أَنَا فَأَعْبُدُ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، وَمَاتَ زَيْدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُبْعَثُ زَيْدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ» فَكَانَ زَيْدٌ يَأْتِي عَلَى الصَّبِيَّةِ الَّتِي وُئِدَتْ فَيَسْتَخْرِجُهَا فَيَسْتَرْضِعُ لَهَا حَتَّى تَشِبَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ الْمُرِّيُّ أَنَّ أَرْوَى بِنْتَ أَرْوَى بِنْتِ أُنَيْسٍ أَتَتْ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ مُسْتَغِيثَةٍ مِنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَالَتْ: ظَلَمَنِي أَرْضِي، وَغَلَبَنِي عَلَى حَقِّي، وَكَانَ جَارُهَا بِالْعَقِيقِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أَظْلِمُ أَرْوَى حَقَّهَا وَوَاللَّهِ لَقَدْ أَلْقَيْتُ إِلَيْهَا سِتَّ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ أَرْضِي مِنْ أَجْلِ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ ظَلَمَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ» ، قُومِي يَا أَرْوَى فَخُذِي الَّذِي تَزْعُمِينَ أَنَّهُ حَقُّكِ، فَقَامَتْ فَتَسَجَّتْ فِي حَقِّهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ ظَالِمَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا، وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي بِئْرِهَا. قَالَ: فَلَمْ تَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى عَمِيَتْ، وَذَهَبَ بَصَرُهَا، وَخَرَجَتْ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا، وَهِيَ حَذِرَةٌ، فَوَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فِي أَرْضِهَا فَمَاتَتْ، وَكَانَ قَبْرَهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 فَصْلٌ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: مَاتَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ بِالْعَقِيقِ، وَغَسَّلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَصَلَّى عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. قَالَ نَافِعٌ: ذُكِرَ لِابْنِ عُمَرَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ مَرِضَ، وَكَانَ يَوْمُ جُمْعَةٍ فَرَكِبَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ تَعَالَى النَّهَارُ وَاقْتَرَبَتِ الْجُمْعَةُ فَتَرَكَ الْجُمْعَةَ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، قَالَتْ: غَسَّلَ سَعْدٌ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ، ثُمَّ أَتَى الْبَيْتَ فَاغْتَسَلَ فَلَمَّا فَرَغَ خَرَجَ، قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَغْتَسِلْ مِنْ غُسْلِي إِيَّاهُ وَلَكِنِّي اغْتَسَلْتُ مِنَ الْحَرِّ. قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: تُوُفِّيَ سَعِيدٌ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 ابْنُ بِضْعٍ وَسَبْعِينَ، وَدُفِنَ بِالْمَدِينَةِ، وَدَخَلَ قَبْرَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابنُ عُمَرَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: بَعَثَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ لِيُبَايِعَ لِابْنِهِ يَزِيدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ: مَا يَحْبِسُكَ؟ قَالَ: حَتَّى يَجِيءَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، فَإِنَّهُ أَنْبَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَإِذَا بَايَعَ بَايَعَ النَّاسُ. فَصْلٌ أخبرنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، أخبرنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّاذْيَاخِيُّ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّا، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّرْخَسِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ظَالِمٍ التَّمِيمِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ هُوَ فِي التِّسْعَةِ وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَ الْعَاشِرَ سَمَّيْتُهُ، قَالَ: اهْتَزَّ حِرَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اثْبُتْ حِرَاءُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ» ، وَعَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدٌ وَأَنَا، يَعْنِي نَفْسَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وَفِي رِوَايَةِ صَدَقَةَ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا سمعت أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَلَمْ أَكُنْ لأَرْوِي عَنْهُ كَذِبًا مِنْ بَعْدِهِ يَسْأَلُنِي عَنْهُ إِذَا لَقِيتُهُ أَنَّهُ قَالَ: «أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْجَنَّةِ» ، وَآخِرُ تَاسِعِ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ لَسَمَّيْتُهُ، فَرَجَّ أَهْلُ الْكُوفَةِ يُنَاشِدُونَهُ اللَّهَ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنِ التَّاسِعُ؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتُمُونِي فَأَنَا هُوَ، أَنَا تَاسِعُ الْمُؤْمِنِينَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَاشِرُ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَمَشْهَدٌ شَهِدَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَوْمًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغَبَّرَ فِيهِ وَجْهُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ وَلَوْ عُمِّرَ عُمْرَ نُوحٍ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ رَجُلًا آدَمَ طَوَالًا أَشْعَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 ذِكْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، يَلْتَقِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: شَهِدَ بَدْرًا. وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، قَالَ: كَانَ اسْمِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَبْدُ عَمْرٍو، فَتَسَمَّيْتُ حِينَ أَسْلَمْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانَ اسْمُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَبْدَ الْكَعْبَةِ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغْنَا مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ: «كَيْفَ صَنَعْتَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فِي اسْتِلامِ الرُّكْنَيْنِ؟» قُلْتُ: اسْتَلَمْتُ وَتَرَكْتُ. قَالَ: «أَصَبْتَ» . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ - فِي ذِكْرِ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ - قَالَ: فَهَاجَرَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَاسْتَخْفَى آخَرُونَ بِإِسْلامِهِمْ، فَكَانَ مِمَّنْ هَاجَرَ قَبْلَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، ثُمَّ رَجَعَ حِينَ بَلَغَهُ إِسْلَامُ أَهْلُ مَكَّةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 فَصْلٌ فِي ذِكْرِ صِفَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَبِيصَةُ بْنُ جَابِرٍ: كُنْتُ مُحْرِمًا فَرَأَيْتُ ظَبْيًا فَرَمَيْتُهُ فَأَصَبْتُ خَشَبْشَاهُ، يَعْنِي أَصْلَ قَرْنِهِ فَرَكِبَ رَدْغَهُ، يَعْنِي يَشْخَطُ فِي دَمِهِ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَأَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَسْأَلُهُ فَوَجَدْتُ إِلَى جَنْبِهِ رَجُلًا أَبْيَضَ دَقِيقَ الْوَجْهِ، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ، وَعَلَى يَمِينِهِ رَجُلٌ كَأَنَّهُ قَلْبُ فِضَّةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ كَأَنَّ وَجْهَهُ قَلْبُ فِضَّةٍ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَجُلًا طَوِيلًا رَقِيقَ الْبَشْرَةِ، فِيهِ جَنَأٌ أَبْيَضُ، مَشُوبًا حُمْرَةً. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْجَنَأُ: انْحِنَاءٌ يَسِيرٌ فِي الْعُنُقِ. وَقِيلَ: كَانَ أَبْيَضَ أَعْيَنَ أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ أَقْنَى أَعْنَقَ ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 غَلِيظَ الْأَصَابِعِ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ حَسَنًا جَمِيلَ الْوَجْهِ أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جُرِحَ يَوْمَ أُحُدٍ إِحْدَى وَعِشْرِينَ جِرَاحَةٍ، وَجُرِحَ فِي رِجْلِهِ، فَكَانَ يَعْرُجُ مِنْهَا. وَقِيلَ كَانَ سَاقِطَ الثَّنِيَّتَيْنِ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ فَهُتِمَ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ ابْنِ قَارِظٍ، قَالَ: سمعت عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي جِنَازَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، يَقُولُ: أَذْهَبُ عَنْكَ ابْنَ عَوْفٍ، فَقَدْ أَدْرَكْتَ صَفْوَهَا وَسَبَقْتَ رَنْقَهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 قِيلَ مَاتَ لِسَبْعِ سِنِينَ مِنْ سِنِيِّ عُثْمَانَ فَعَلِيٍّ، هَذَا مَاتَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ. قَالَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ: رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي وَقَّاصٍ فِي جِنَازَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ آخِذًا بِقَائِمَتَيِ السَّرِيرِ وَهُوَ تَحْتَهُ يَقُولُ: يَا جَبَلَاهُ وَا جَبَلَاهُ فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَجَعَلَ يَبْكِي، وَقَالَ: قُتِلَ حَمْزَةُ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا ثَوْبًا وَاحِدًا، وَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا ثَوْبًا وَاحِدًا، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 فَصْلٌ أخبرنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، أخبرنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَشَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ، أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فِي الْجَنَّةِ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ» ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ مُرْسَلًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لِأَصْحَابِ الشُّورَى: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَخْتَارَ لَكُمْ وَأَتَقَصَّى مِنْهَا؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ رَضِيَ، فَإِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَنْتَ أَمِينٌ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ أَمِينٌ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ» . وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لِأَزْوَاجِهِ: «إِنَّ الَّذِي يَحْنُو عَلَيْكُمْ بَعْدِي لَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ، اللَّهُمَّ اسْقِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَبِيلِ الْجَنَّةِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وَفِي رِوَايَةِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: بَاعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَرْضًا لَهُ مِنْ عُثْمَانَ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقُسِّمَ ذَلِكَ الْمَالُ فِي بَنِي زُهْرَةَ، وَفِي فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَبُعِثَ مَعِيَ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَالٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَمَا إِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَنْ يَحْنُو عَلَيْكُنَّ بَعْدِي إِلَّا الصَّالِحُونَ، سَقَى اللَّهُ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَبِيلِ الْجَنَّةِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّكُنَّ لَأَهَمُّ مَا أَتْرُكُ وَرَاءَ ظَهْرِي، وَاللَّهِ لَا يَعْطِفُ عَلَيْكُنَّ إِلَّا الصَّادِقُونَ بَعْدِي، أَوِ الصَّابِرُونَ بَعْدِي» . وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ فِي مَرَضِهِ، فَقَالَ: «سَيَحْفَظُنِي فِيكُمُ الصَّابِرُونَ الصَّادِقُونَ» . وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي بَيْتِهَا إِذْ سَمِعَتْ صَوْتًا رُجَّتْ بِهِ الْمَدِينَةُ، فَقَالَتْ: مَا هَذَا؟ قَالُوا عِيرٌ قَدِمَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِنَ الشَّامِ، وَكَانَتْ سَبْعُ مِائَةِ رَاحِلَةٍ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَمَا إِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْوًا» فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَتَاهَا فَسَأَلَهَا عَمَّا بَلَغَهُ فَحَدَّثَتْهُ، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنَّهَا بِأَحْمَالِهَا وَأَقْتَابِهَا وَأَحْلَاسِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِشَطْرِ مَالِهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةِ آلَافٍ، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى خَمْسِ مِائَةِ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِ مِائَةِ رَاحِلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَانَ عَامَّةُ مَالِهِ مِنَ التِّجَارَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: إِنَّهُ أَتَانِي مَلَكَانِ فَظَّانِ غَلِيظَانِ، فَقَالَا لِي: انْطَلِقْ نُخَاصِمْكَ إِلَى الْعَزِيزِ الْأَمِينِ، قَالَ: فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ، فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ تَذْهَبَانِ، فَقَالَا: نُحَاكِمُهُ إِلَى الْعَزِيزِ الْأَمِينِ. قَالَ: خَلِّيَا عَنْهُ فَإِنَّهُ مِمَّنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ. فَصْلٌ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ. وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 ذِكْرُ أَبِي عُبْيَدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ، يَلْتَقِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ الَّذِينَ دَعَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَجَابُوهُ وَهُمْ: عُثْمَانُ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَسَعْدُ وَأَبُو عُبْيَدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. أخبرنا أَبُو طَاهِرٍ الدَّارَانِيُّ، أخبرنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ عَبْدِكَوَيْهِ، حَدَّثَنَا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قَلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ الْعَاقِبُ وَالسَّيِّدُ صَاحِبَا نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَا: ابْعَثْ مَعَنَا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ» ، فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ» . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلًا حَقَّ أَمِينٍ، قَالَهَا أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا تَعَرَّضْتُ لِلْإِمَارَةِ قَطُّ، وَلَا أَحْبَبْتُهَا لِبَشَرٍ غَيْرَ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاشْتَكُوا إِلَيْهِ عَامِلَهُمْ، فَقَالَ: «لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمُ الْأَمِينَ» ، قَالَ عُمَرُ: فَكُنْتُ أَتَطَاوَلُ رَجَاءَ أَنْ يَبْعَثَنِي، فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لِأَبِي عُبَيْدَةَ: هَلُمَّ أُبَايِعْكَ فَإِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّكَ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ» ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ، أُصَلِّي بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّنَا حَتَّى قُبِضَ. فَصْلٌ قَالَ أَصْحَابُ التَّارِيخِ: كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَثْرَمَ، وَقِيلَ كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ هَتْمًا وَقَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ مَعَ الْحَلَقَةِ الَّتِي اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ دَخَلَ فِي وَجْنَتِهِ حَلَقَتَانِ مِنْ حَلَقِ الْمِغْفَرِ، فَاسْتَخْرَجَهَا أَبُو عُبَيْدَةَ فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 قِيلَ: كَانَ رَجُلًا نَحِيفًا خَفِيفَ اللِّحْيَةِ، وَكَانَتْ لَهُ عَقِيصَتَانِ. قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: جَعَلَ أَبُو أَبِي عُبَيْدَةَ يَتَصَدَّى لِأَبِي عُبَيْدَةَ يَوْمَ بَدْرٍ فَجَعَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَحِيدُ عَنْهُ فَلَمَّا أَكْثَرَ قَصَدَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَقَتَلَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ حِينَ قَتَلَ أَبَاهُ {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] . . . . الْآيَةُ. فَصْلٌ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي طَاعُونِ عَمْوَاسَ بِالشَّامِ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ: قُبِرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِبِيسَانَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ بِالْأُرْدُنِ وَصَلَّى عَلَيْهِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 ذِكْرُ الصَّحَابَةِ بَعْدَ الْعَشَرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 بَابُ الْأَلِفِ ذِكْرُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ أَبُو الْمُنْذِرِ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبَا الْمُنْذِرِ: أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ " قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَأَلَنِي ثَانِيًا، فَقُلْتُ: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] ، فَضَرَبَ صَدْرِي، وَقَالَ: «لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ» وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ» ، فَقُلْتُ: بِاللَّهِ آمَنْتُ، وَعَلَى يَدِكَ أَسْلَمْتُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 وَمِنْكَ تَعَلَّمْتُ، قَالَ: فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْقَوْلَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَذُكِرْتُ هُنَاكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، بِاسْمِكَ وَنَسَبِكَ، فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى» ، قُلْتُ: فَأَقْرَأُ إِذًا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأُبَيٍّ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ» ، قَالَ أُبَيٌّ: اللَّهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، اللَّهُ سَمَّاكَ لِي» . قَالَ: فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي وَتَلَا {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58] . . . الْآَيَةَ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: انْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ صَدْرِي، ثُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 قَالَ: «أُعِيذُكَ بِاللَّهِ مِنَ الشَّكِّ وَالتَّكْذِيبِ» . قَالَ: فَفِضْتُ عَرَقًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَبِّي فَرَقًا. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كَانَ الْعِلْمُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِتَّةٍ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَفِي رِوَايةٍ عَنْهُ: كَانَ الْقُضَاةُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةً: عُمَرَ، وَعَلِيًّا، وَعَبْدَ اللَّهِ، وَأُبَيًّا، وَزَيْدًا، وَأَبَا مُوسَى. وَعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، أَنَّهُ لَزِمَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ فِيهِ شَرَاسَةٌ، فَقُلْتُ: اخْفِضْ لِي جَنَاحَكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. وَعَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَّا، يُقَالُ لَهُ: جَابِرٌ، أَوْ جُوَيْبِرٌ: طَلَبْتُ حَاجَةً إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي خِلَافَتِهِ، وَإِلى جَنْبِهِ رَجُلٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 أَبْيَضُ الثِّيَابِ أَبْيَضُ الشَّعْرِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنْ هَذَا الَّذِي جَنْبَكَ؟ فَقَالَ: سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ. فَصْلٌ فِي صِفَتِهِ وَذِكْرِ نَسَبِهِ وَوَفَاتِهِ قَالَ أَصْحَابُ التَّارِيخِ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ، أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. قَالَ عُرْوَةُ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَقِيلَ: كَانَ أَقْرَأَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، شَهِدَ بَدْرًا، وَالْعَقَبَةَ. أَحَدُ السِّتَّةِ الَّذِينَ انْتَهَى إِلَيْهِمُ الْقَضَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ، الصَّحِيحُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنْصَارِيٌّ، عَقَبِيٌّ، بَدْرِيٌّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 فَصْلٌ فِي وَصَايَاهُ وَمَوَاعِظِهِ رُوِي عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالسَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ، ذَكَرَ الرَّحْمَنَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، فَتَمَسَّهُ النَّارُ، وَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ، ذَكَرَ الرَّحْمَنَ فَاقْشَعَرَّ جِلْدُهُ مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ، إِلَّا كَانَ مَثَلُهُ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ يَبِسَ وَرَقُهَا، فَبَيْنَا هِيَ كَذَاكَ، إِذْ أَصَابَتْهَا الرِّيحُ، فَتَحَاتَّ عَنْهَا وَرَقُهَا، وَإِنَّ اقْتِصَادًا فِي سَبِيلٍ وسُنَّةٍ خَيْرٌ مِنِ اجْتِهَادٍ فِي خِلَافِ سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ، فَانْظُرُوا أَعْمَالَكُمْ إِنْ كَانَتِ اجْتِهَادًا، أَوِ اقْتِصَادًا، فَلْتَكُنْ عَلَى مِنْهَاجِ الْأَنْبِيَاءِ وَسُنَّتِهِمْ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: قَالَ رَجُلٌ لِأُبَيٍّ: أَوْصِنِي، قَالَ: اتَّخِذْ كِتَابَ اللَّهِ إِمَامًا، وَارْضَ بِهِ قَاضِيًا وَحَكَمًا، فَإِنَّهُ الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ رَسُولُكُمْ، شَفِيعٌ مُطَاعٌ، وَشَاهِدٌ لَا يُتَّهَمُ، فِيهِ ذِكْرُكُمْ، وَذِكْرُ مَنْ قَبْلَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَخَبَرُكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ. وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ تَرَكَ شَيْئًا للَّهِ إِلَّا أَبْدَلَهُ اللَّهُ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَا تَهَاوَنَ بِهِ عَبْدٌ فَأَخَذَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَصْلُحُ إلَّا آتَاهُ اللَّهُ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيهِ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ , عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: الْمُؤْمِنُ بَيْنَ أَرْبَعٍ: إِنِ ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِنْ أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِنْ قَالَ صَدَقَ، وَإِنْ حَكَمَ عَدَلَ، فَهُوَ يَتَقَلَّبُ فِي خَمْسَةٍ مِنَ النُّورِ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور: 35] فَكَلَامُهُ نُورٌ، وَعَمَلُهُ نُورٌ، وَمَدْخَلُهُ نُورٌ، وَمَخْرَجُهُ مِنْ نُورٍ، وَمَسِيرُهُ إِلَى النُّورِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْكَافِرُ يَتَقَلَّبُ فِي خَمْسٍ مِنَ الظُّلَمِ: فَكَلَامُهُ ظُلْمَةٌ، وَعَمَلُهُ ظُلْمَةٌ، وَمَدْخَلُهُ فِي ظُلْمَةٍ، وَمَخْرَجُهُ مِنَ الظُّلْمَةِ، وَمَصِيرُهُ إِلَى الظُّلُمَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأخبرنا أَبُو مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ الْعَاصِمِيُّ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْبُجَيْرِيُّ، ثنا أَبُو حَفْصٍ الْبُجيْرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا» ، قَالَ: وَسَمَّانِي؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، فَبَكَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 ذِكْرُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقَالُ لَهُ: الْحِبُّ بْنُ الْحِبِّ، أَيْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُحِبُّهُ وَيُحِبُّ أَبَاهُ. زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ كَعْبٍ مِنْ بَنِي كَلْبِ بْنِ وَبَرَةٍ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: أَبُو زَيْدٍ، وَقِيلَ: أَبُو خَارِجَةَ، كَانَ أَبُوهُ زَيدُ بْنُ حَارِثَةَ مِمَّنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِ بِالْإِسْلَامِ، وَأَنْعَمَ عَلَيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْعِتْقِ. أُمُّهُ: أُمُّ أَيْمَنَ حَاضِنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسْمُهَا بَرَكَةُ، قِيلَ: أَعْتَقَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُسَامَةَ عَلَى جَيْشِ مُؤْتَةَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّرَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ: «إِنْ يَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ طَعَنُوا فِي إِمَارَةَ أَبِيهِ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ ابْنَهُ هَذَا مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِليَّ بَعْدَهُ» أخبرنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ الْحَافِظُ، أنبأنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّيْسَابُورِيُّ، أنبأنا أَبُو بَكْرٍ الْجَوْزَقِيُّ، أنبأنا أَبُو الْعَبَّاسِ الدَّغُولِيُّ، أنبأنا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ , قَالَ سَالِمٌ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِليَّ، يَعْنِي زَيْدًا، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِليَّ، يَعْنِي أُسَامَةَ، فَاسْتَوْصُوا بِهِ خَيْرًا، فَإِنَّهُ مِنْ خِيَارِكُمْ» وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَأْخُذُنِي، وَالْحَسَنَ فَيَقُولُ: «اللَّهُمَ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 قَالَ أَصْحَابُ السِّيَرِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَنَّى زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: زَيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] . قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: مَاتَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، فَكَانَ ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، مُتَوَفَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 ذِكْرُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ أَنَسُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ ضَمْضَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ أَنْصَارِيٌّ، خَدَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، كُنْيَتُهُ أَبُو حَمْزَةَ، كَانَ لَهُ يَوْمَ قَدَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمَدِينَةَ عَشْرَ سِنِينَ، عَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ، قِيلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ: إِحْدَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وَتِسْعِينَ، هُوَ آخِرُ مَنْ تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ، دَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ , فَكَانَتْ نَخْلَاتُهُ تَحْمِلُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، وُوُلِدَ لَهُ مِنْ صُلْبِهِ ثَمَانُونَ وَلَدًا: ثَمَانٍ وَسَبْعُونَ ذَكَرًا، وَحَفْصَةُ، وَأُمُّ عَمْرٍو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 فَصْلٌ قَالَ أَصْحَابُ السِّيَرِ: كَانَ أَنَسٌ يُسَمَّى خَادِمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدَاعِبُهُ، يَعْنِي يُمَازِحُهُ، وَيَقُولُ «يَا ذَا الْأُذُنَيْنِ» رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَتْ لِي ذُؤَابَةٌ، فَقَالَتْ لِي أُمِّي لَا أَجُزُّهَا، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَمُدُّهَا وَيَأْخُذُ بِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَطُوفُ بِهِ بَنُوهُ حَوْلَ الْبَيْتِ عَلَى سَوَاعِدِهِمْ، وَقَدْ شَدُّوا أَسْنَانَهُ بِذَهَبٍ. وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: رَأَيْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ جُبَّةَ خَزٍّ وَعِمَامَةً، وَمُطْرَفَ خَزٍّ. أخبرنا أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ، أخبرنا أَبُو عَلِيِّ بْنُ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَمَذَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: أَبِي , حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ , عَنْ ثَابِتٍ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَعَا لِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَطِلْ حَيَاتَهُ «» . فَأَكْثَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَالِي حَتَّى إِنَّ كَرْمًا لِي يَحْمِلُ مَرَّتَيْنِ، وَوُلِدَ لِي مِنْ صُلْبِي مِائَةٌ وَسَتَّةُ أَوْلَادٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 ذِكْرُ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، شَهِدَ أُحُدًا، وَاسْتُشْهِدَ بِهِ، وَفِيهِ نَزَلَتْ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] . أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ نَصْرٍ الْعَاصِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْبُجَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ الْبُجَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَرْثِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «غَابَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ وَهُوَ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ» غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أشْهدَنِي مَعَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ ". قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مَمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ» . ثُمَّ مَضَى بِسَيْفِهِ فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدٌ، فَقَالَ: «أَيْنَ يَا سَعْدُ؟ وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَجِدُهَا دُونَ أُحُدٍ» . قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ ". قَالَ أَنَسٌ: وَجَدْنَاهُ قَتِيلًا فِيهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ، وَطَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ، وَقَدْ مَثَّلُوا بِهِ، فَمَا عَرَفْنَاهُ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ، قَالَ: كُنَّا نَظُنُّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِيهِ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] . وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَكُنَّا نَقُولُ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ. أخبرنا سُلَيْمَانُ , فِي كِتَابِهِ، أنبأنا عَلِيُّ بْنُ مَاسَانَ , فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ , عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 الرُّبَيِّعَ بِنْتَ النَّضْرِ، عَمَّتُهُ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ سِنَّهَا , فَعَرَضُوا عَلَيْهِمُ الْأَرْشَ، فأَبَوْا، فَطَلَبُوا الْعَفْوَ فَأَبَوْا، فأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُمْ بِالْقِصَاصِ، فَجَاءَ أَخُوهَا أَنَسٌ , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُكْسَرُ سِنَّ الرُّبَيِّعِ؟ لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ سِنَّهَا , فَقَالَ: «يَا أَنَسُ، كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» . فَعَفَا الْقَوْمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ لَأَبَرَّهُ» ذِكْرُ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْصَارِيٌّ، عَقَبِيٌّ، بَدْرِيٌّ، كُنْيَتُهُ أَبُو يَحْيَى، وَقِيلَ: أَبُو عَتِيكٍ، تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَحَمَلَهُ عُمَرُ بَيْنَ عَمُودَيِ السَّرِيرِ حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 وَضَعَهُ وَصَلَّى عَلَيهِ. قَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيرٍ مِنْ أَفَاضِلِ النَّاسِ، وَكَانَ يَقُولُ: لَوْ أَنِّي أَكُونُ كَمَا أَكُونُ عَلَى حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ ثَلَاثًا، لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَا شَكَكْتُ فِي ذَلِكَ: حِينَ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَحِينَ أَسْمَعُهُ يُقْرَأُ، وَإِذَا سمعت خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا شَهِدْتُ جِنَازَةً، وَمَا شَهِدْتُ جِنَازَةً قَطُّ فَحَدَّثْتُ نَفْسِي سِوَى مَا هُو مَفْعُولٌ بِهَا، وَمَا هِيَ صَائِرَةٌ إلَيهِ. وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ رَجُلًا حَسَنَ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ أتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي بَيْنَمَا أَنَا أَقْرَأُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِي، وَالْمَرْأَةُ فِي الْحُجْرَةِ، وَالْفَرَسُ مَرْبُوطٌ بِبَابِ الْحُجْرَةِ إِذْ غَشِيَتْنِي مِثْلُ السَّحَابَةِ، فَخَشِيتُ أَنْ تَنْفِرَ الْفَرَسُ فَتَفْزَعَ الْمَرْأَةُ فَتَسْقُطَ , فَانْصَرَفْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ أُسَيدُ فَإِنَّ ذَلِكَ مَلَكٌ اسْتَمَعَ الْقُرْآنَ» . وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ مِنَ اللَّيْلِ، وَفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ، إِذْ جَالَتِ الْفَرَسُ، قَالَ: فَسَكَتُّ فَسَكَنَتِ الْفَرَسُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 , فَقَرَأْتُ فَجَالَتِ الْفَرَسُ , فَسَكَتُّ فَسَكَنَتْ، ثُمَّ قَرَأْتُ فَجَالَتْ , فَسَكَتُّ فَسَكَنَتْ، قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ، عَرَجَتْ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ، حَدَّثَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «اقْرَأِ ابْنَ حُضَيْرٍ، اقْرَأِ ابْنَ حُضَيرٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، تَدْرِي مَا ذَاكَ؟» ، قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا مَا تَتَوَارَى عَنْهُمْ» أخبرنا وَالِدِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ رَحِمَهُ اللَّهُ، سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حِبَّانُ، وحَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَيْنِ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَإِذَا نُورٌ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا حَتَّى تَفَرَّقَا، فَتَفَرَّقَ النُّورُ مَعَهُمَا " قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ، وَرَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ. وَقَالَ حَمَّادٌ: أنبانا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيرٍ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ مَنْ حَدِيثِ النُّورِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 بَابُ الْبَاءِ ذِكْرُ بِلَالِ بْنِ رَبَاحٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يَقُولُ: أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا , وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا بِلَالًا. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الْمَرْءُ بِلَالٌ، وَهُوَ سَيِّدُ الْمُؤَذِّنِينَ» وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ يَمُرُّ بِبِلَالٍ وَهُوَ يُعَذَّبُ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ، فَيَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ يَا بِلَالُ، فَمَرَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَوْمًا وَهُمْ يَصْنَعُونَ بِهِ ذَلِكَ، فَقَالَ لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذَا الْمِسْكِينِ؟ حتَّى مَتَى؟ قَالَ: أَنْتَ أَفْسَدْتَهُ فَأَنْقِذْهُ مِمَّا تَرَى، فَقَالَ: أَفْعَلُ، عِنْدِي غُلَامٌ أَسْوَدٌ أَجْلَدُ مِنْهُ وَأَقْوَى، عَلَى دِينِكِ أُعْطِيكَهُ بِهِ، قَالَ: قَدْ قَبِلْتُ، هُوَ لَكَ، فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ غُلَامَهُ ذَلِكَ، وَأَخَذَ بِلَالًا فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَ مَعَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ سِتَّ رِقَابٍ، بِلَالٌ سَابِعُهُمْ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ بِلَالٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، صَادِقَ الْإِسْلَامِ طَاهِرَ الْقَلْبِ، فَكَانَ أُمَيَّةُ يُخْرِجُهُ، إِذَا حَمِيَتِ الظَّهِيرَةُ، فَيَطْرَحُهُ عَلَى ظَهْرِهِ فِي بِطْحَاءِ مَكَّةَ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِالصَّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ، فَتُوضَعُ عَلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: لَا تَزَالُ هَكَذَا حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، وَتَعْبُدَ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، فَيَقُولُ وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْبَلَاءِ: أَحَدٌ أَحَدٌ. وَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، يَذْكُرُ بِلَالًا، وَمَا كَانَ فِيهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مِنَ الْبَلَاءِ، وَإِعْتَاقَ أَبِي بَكْرٍ إِيَّاهُ: جَزَى اللَّهُ خَيْرًا عَنْ بِلَالٍ وصَحْبِهِ ... عَتِيقًا وَأَخْزَى فَاكِهًا وَأَبَا جَهلِ عَشِيَّةَ هَمَّا فِي بِلَالٍ بسَوْءَةٍ ... وَلَمْ يَحْذَرَا مَا يَحذَرُ الْمَرْءُ ذُو الْعَقْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 بِتَوْحِيدِهِ رَبَّ الْأَنَامِ وَقَوْلِهِ ... شَهِدتُ بأَنَّ اللَّهَ رَبِّي عَلَى مَهْلِ فَإِنْ تَقْتُلُونِي تَقْتُلُونِي وَلَمْ أَكُنْ ... لِأُشْرِكَ بِالرَّحْمَنِ مِنْ خِيفَةِ الْقَتْلِ فَيَا رَبَّ إِبْرَاهِيمَ وَالْعَبْدِ يُونُسَ ... وَمُوسَى وَعِيسى نَجِّنِي ثُمَّ لَا تُمْلِ لِمَنْ ظَلَّ يَهْوَى الْغَيَّ مِنْ آلِ غَالِبٍ ... عَلَى غَيْرِ بِرٍّ كَانَ مِنْهُ وَلَا عَدْلِ أخبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّابُونِيُّ، أنبأنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُباب، أخبرني عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، أخبرني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أُرِيتُ الْجَنَّةَ، فَرَأَيْتُ امْرَأَةَ أَبِي طَلْحَةَ، ثُمَّ سمعت خَشْخَشَةً أَمَامِي، فَإِذَا بِلَالٌ» . ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا عُبَيدُ بْنُ يَعِيشَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ. ح قَالَ مُسْلِمٌ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَاللَّفْظُ لَهُ , حَدَّثَنَا أَبِي , حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ: «يَا بِلَالُ، حَدَّثَنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ عِنْدَكَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْفَعَةً، فَإِنِّي سَمِعْتُ الْلَيلَةَ خَشْفَ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 قَالَ بِلَالٌ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا فِي الْإِسْلَامِ أَرْجَى عِنْدِي مَنْفَعَةً مِنْ أَنِّي لَا أَتَطَهَّرُ طُهُورًا تَامًّا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي أَنْ أُصَلِّيَ " فَصْلٌ قَالَ أَصْحَابُ التَّوَارِيخِ: بِلَالٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، وَاسْمُ أُمِّهِ حَمَامَةُ، مَاتَ بِدِمِشْقَ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ فِي الْإِسْلَامِ بِلَالٌ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلَالٌ، وَالْمِقْدَادُ. وَمَنَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبَا بَكْرٍ بِقَوْمِهِ، وَأَخَذَ الْمُشْرِكُونَ سَائِرَهُمْ، فَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ، ثُمَّ صَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَأَتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا إِلَّا بِلَالًا، فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ، وَهَانَ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 قَوْمِهِ، فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ، فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ. وَعَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يَخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ مَالِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ أَحَدٌ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبِطُ بِلَالٍ» وَعَنْ بُرَيْدَةَ، وَجَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " سمعت فِي الْجَنَّةِ خَشْخَشَةً أَمَامِي، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ "، فَقَالَ: بِلَالٌ، فَأَخْبَرُوا بِلَالًا بِهَذَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الْجَنَّةِ؟» ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَحْدَثْتُ إِلَّا تَوَضَّأْتُ، وَلَا تَوَضَّأْتُ إِلَّا رَأَيْتُ أَنَّ للَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ أُصَلِّيهِمَا وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ بِلَالًا بِخَمْسِ أَوَاقٍ فَأَعْتَقَهُ، فَلَمَّا كَانَتْ خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ تَجَهَّزَ بِلَالٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 لِيَخْرُجَ إِلَى الشَّامِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: مَا كُنْتُ أَرَاكَ يَا بِلَالُ أَنْ تَدَعَنَا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، لَوْ أَقَمْتَ مَعَنَا فَأَعَنْتَنَا، قَالَ: إِنْ كُنْتَ أَعْتَقْتَنِي لِلَّهِ فَدَعْنِي أَذْهَبُ وَأَعْمَلُ للَّهِ، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا أَعْتَقْتَنِي لِنَفْسِكِ، وَلِتَتَّخِذَنِي خَازِنًا فَاحْبِسْنِي عِنْدَكَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَعْتَقْتُكَ لِلَّهِ فَاذْهَبْ فَاعْمَلْ للَّهِ، فَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَمَاتَ بِهَا. فَصْلٌ قَالَ أَصْحَابُ التَّارِيخِ: كَانَ بِلَالُ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، شَهِدَ بَدْرًا، وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ مِنِ الْمُعَذَّبِينَ فِي اللَّهِ، فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: جَعَلَ الْمُشْرِكُونَ فِي عُنُقِهِ حَبْلًا مِنْ لِيفٍ، فَدَفَعُوهُ إِلَى صِبْيَانِهِمْ فَجَعَلُوا يَلْعَبُونَ بِهِ بَيْنَ أَخْشَبَيْ مَكَّةَ حَتَّى مَلُّوهُ فَتَرَكُوهُ. رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بِلَالٌ سَابِقٌ الْحَبَشَةَ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَضْلَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَجَعَلَ يَصِفُ مَنَاقِبَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا سَيِّدُنَا بِلَالٌ حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ أَبِي بَكْرٍ. قِيلَ: كَانَ يُؤَذِّنُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَفَرًا، وَحَضَرًا حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قِيلَ: تُوُفِّيَ بِلَالٌ بِدِمِشْقَ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ، وَدُفِنَ بِباب الصَّغِيرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 ذِكْرُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، أَحَدُ النُّقَبَاءِ، وَأَوَّلُ مَنْ بَايَعَ لَيلَةَ الْعَقَبَةِ، وَأَوَّلُ مَنِ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ، وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، أَنْصَارِيٌّ. قَالَ الزُّهْرِيُّ، فِي ذِكْرِ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ: وَكَانَ مِمَّنْ تَكَلَّمَ يَوْمَئِذٍ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ. قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ، وَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا، خَرَجْنَا فِي حُجَّاجِ قَوْمِنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ صَلَّيْنَا، وَفَقِهْنَا، وَمَعَنَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ كَبِيرُنَا وَسَيِّدُنَا، فَقَالَ: يَا هَؤُلَاءِ: قَدْ أُرِيتُ أَنْ لَا أَدَعَ هَذِهِ البَنِيَّةَ مِنِّي بِظَهْرٍ، يَعْنِي الْكَعْبَةَ، وَأَنْ أُصَلِّي إِلَيْهَا، قَالَ: فَقُلْنَا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وَاللَّهِ، بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى الشَّامِ وَمَا نُرِيدُ أَنْ نُخَالِفَهُ، قَالَ: فَكُنَّا إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ صَلَّيْنَا إِلَى الشَّامِ وَصَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ، وَقَدْ كُنَّا عِبْنَا عَلَيْهِ مَا صَنَعَ، وَأَبَى إِلَّا الْإِقَامَةَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، انْطَلِقْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَسْأَلَهُ عَمَّا صَنَعْتُ فِي سَفَرِي، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ قَدْ يَقَعُ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ لَمَّا رَأَيْتُ مِنْ خِلَافِكُمْ إِيَّايَ فِيهِ، قَالَ: فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنَّا لَا نَعْرِفُهُ لَمْ نَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَإِذَا الْعَبَّاسُ جَالِسٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ جَالِسٌ، فَسَلَّمْنَا وَجَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي خَرَجْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، وَقَدْ هَدَانِي اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ فَرَأَيْتُ أَنْ لَا أَجْعَلَ هَذِهِ الْبَنِيَّةَ مِنِّي بِظَهْرٍ فَصَلَّيْتُ إِلَيْهَا، وَقَدْ خَالَفَنِي أَصْحَابِي فِي ذَلِكَ حَتَّى وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَمَاذَا تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَقَدْ كُنْتَ عَلَى قِبْلَةٍ لَوْ صَبَرْتَ عَلَيْهَا» . قَالَ: فَرَجعَ الْبَرَاءُ إِلَى قِبْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَخَرَجْنَا إِلَى الْحَجِّ، فَوَاعَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَقَبَةَ مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ الْحَجِّ اجْتَمَعْنَا بِالشِّعْبِ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ وَمَعَهُ الْعَبَّاسُ فَتَكَلَّمَ الْعَبَّاسُ، فَقُلْنَا لَهُ: قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْتَ، فَتَكَلَّمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَخُذْ لِنَفْسِكَ وَلِرَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَحْبَبْتَ، فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَلَا الْقُرْآنَ، وَدَعَا إِلَى اللَّهِ، وَرَغَّبَ فِي الْإِسْلَامِ، وَقَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 «أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نَسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ» . فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَنَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَزْوَاجَنَا وَأَنْفُسَنَا، فَبَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ أَوَّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، ثَمَّ تَتَابَعَ الْقَوْمُ. قَالُوا: وَشَهِدَ ابْنُهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ الْعَقَبَةَ، وَبَدْرًا وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَيِّدًا، فَقَالَ: «بَلْ سَيِّدُكُمُ الجَعِدُ الْأَبْيَضُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ» ، أَكَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنِ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ بِخَيْبَرَ، فَتُوُفِّيَ بِخَيْبَرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 ذِكْرُ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ أَخُو أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ حَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَرْتَجِزُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي مَغَازِيهِ، وَأَسْفَارِهِ، كَانَ شُجَاعًا مِقْدَامًا، قَتَلَ مِائَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ مُبَارَزَةً سِوَى مَنْ شَارَكَ فِيهِ. أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلَيِّ بْنِ خَلَفٍ، أنبأنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْبَلْخِيُّ , حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ، بَصْرِيٌّ، صَاحِبُ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَخِيهِ الْبَرَاءِ وَهُوَ يَتَغَنَّى، فَقَالَ لَهُ: تَتَغَنَّى، فَقَالَ: «تَخْشَى أَنْ أَمُوتَ عَلَى فِرَاشِي، وَقَدْ قَتَلْتُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَئِيسًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، سِوَى مَا شَارَكْتُ فِيهِ الْمُسْلِمِينَ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: بَيْنَمَا الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ يَرْجَزُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ قَارَبَ النِّسَاءَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَا بَرَاءُ، إِيَّاكَ وَالْقَوَارِيرَ، يَعْنِي النِّسَاءَ، لَا يَسْمَعْنَ صَوْتَكَ» وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 فَصْلٌ قَالَ أَصْحَابُ التَّارِيخِ: الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَقَ، وَالْمَشَاهِدَ، وَكَانَ شُجَاعًا بَطَلًا. أُمُّهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، قُتِلَ قَبْلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقِيلَ: قُتِلَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ: اسْتُشْهِدَ يَوْمَ تُسْتَرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 فَصْلٌ قَالَ أَصْحَابُ التَّوَارِيخِ: بَارَزَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ، مَرْزُبَانَ الزَّارَةِ يَوْمَ تَسْتُرَ، وَأَخَذَ سَلْبَهُ. وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، قَالَ لِلْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ يَوْمَ الْيَمَامَةِ: قُمْ يَا بَرَاءُ، قَالَ: فَرَكِبَ الْبَرَاءُ فَرَسَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، لَا مَدِينَةَ لَكُمْ، إِنَّمَا هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ وَالْجَنَّةُ، ثُمَّ حَمَلَ، وَحَمَلَ النَّاسُ مَعَهُ، فَانْهَزَمَ أَهْلُ الْيَمَامَةِ، فَلَقِيَ الْبَرَاءُ محلم الْيَمَامَةِ، فَضَرَبَهُ، وَصَرَعَهُ، وَأَخَذَ سَيْفَهُ. وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ تُسْتَرَ انْكَشَفَ النَّاسُ فَقَالُوا: يَا بَرَاءُ، أَقْسِمْ عَلَى رَبِّكَ، فَقَالَ: أُقْسِمُ عَلَيْكَ، أَيْ رَبِّ لَمَا مَنَحْتَنَا أَكْتَافَهُمْ، وَأَلْحَقْتَنِي بِنَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْهَزَمُوا، وَاسْتُشْهِدَ الْبَرَاءُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 قَالَ أَصْحَابُ الْمَغَازِي: دَخَلَ أَصْحَابُ مُسَيْلَمَةَ حَدِيقَةَ الْمَوْتِ، فَأَغْلَقُوهَا عَلَيْهِمْ، وَأَحَاطَ الْمُسْلِمُونَ بِهَا، فَصَرَخَ الْبَرَاءُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، احْمِلُونِي عَلَى الْجِدَارِ حَتَّى تَطْرَحُونِي عَلَيْهِمْ، فَفَعَلُوا، فَنَادَى: أَنْزِلُونِي، ثُمَّ قَالَ: احْمِلُونِي، فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا، ثُمَّ اقْتَحَمَ عَلَيْهِمْ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى فَتَحَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ عَلَى الْباب مِنْ خَارِجٍ فَدَخَلُوا، فَأَغْلَقَ الْباب عَلَيْهِمْ، ثُمَّ رَمَى بِالْمِفْتَاحِ مِنْ وَرَاءِ الْجِدَارِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَقَتَلَ اللَّهُ مُسَيلِمَةَ، وَقُتِلَ مَنْ فِي الْحَدِيقَةِ. أخبرنا سُلَيْمَانُ، فِي كِتَابِهِ، أخبرنا عَلِيُّ بْنُ مَاشَاذَةَ، فِي كِتَابِهِ، حدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْعَسَّالُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الزُّبَيْدِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو قُرَّةَ مُوسَى بْنُ طَارِقِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمْ مِنْ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّ قَسَمَهُ، مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ» إِنَّ الْبَرَاءَ لَقِيَ زَحْفًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ أَوْجَعُوا فِي الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا بَرَاءُ إِنَّكَ لَوْ أَقْسَمْتَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّكَ، فَاقْسِمْ عَلَى رَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا رَبُّ أَلَا مَنَحْتَنَا أَكْتَافَهُمْ، وَأَلْحَقْتَنِي بِنَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمُنِحُوا أَكْتَافَهُمْ، وَأَلْحَقَهُ اللَّهُ بِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتُشْهِدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 باب التَّاءِ ذِكْرُ تَمِيمِ بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ رَاهِبُ الْأُمَّةِ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي الْقَصَصِ فَأَذِنَ لَهُ، فَكَانَ يَقُصَّ قَائِمًا، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَرَّجَ السِّرَاجَ فِي الْمَسْجِدِ. وَرَوَى مَسْرُوقٌ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ تَمِيمًا الدَّارِيَّ ذَاتَ لَيْلَةِ حَتَّى أَصْبَحَ يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} [الجاثية: 21] . . . الْآيَةُ. قِيلَ: كَانَ أَوَّلُ مَنْ قَصَّ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: عَابِدُ فَلَسْطِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 باب الثَّاءِ ذِكْرُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَكَنَ حِمْصَ، وَلَهُ بِهَا دَارُ ضِيَافَةٍ، وَلَهُ أَيْضًا بِالرَّمْلَةِ وَمِصْرَ دَارٌ. رُوِيَ عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَضْمَنُ لِي خَصْلَةً فَأَضْمَنُ لَهُ الْجَنَّةَ» ، فَقَالَ ثَوْبَانُ: أَنَا، قَالَ: «لَا تَسْأَلْ أَحَدًا شَيْئًا» . قَالَ: فَكَانَ ثَوْبَانُ يَسْقُطُ سَوْطُهُ فَيَذْهَبُ الرَّجُلُ يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ فَمَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ حَتَّى يُنِيخَ بَعِيرَهُ ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَأْخُذُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وَعَنْ ثَوْبَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَهُ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ أَنْ يُصْرَعَ مِنْهَا، فَقَالَ: لِمَ تَدْفَعُنِي؟ قُلْتُ: أَفَلَا تَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: إِنَّمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اسْمِي مُحَمَّدٌ الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أَهْلِي» ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَنْفَعُكَ شَيْئًا إِنْ حَدَّثْتُكَ؟» ، قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ، فَنَكَتَ بِعُودٍ مَعَهُ، فَقَالَ: «سَلْ» ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ» ، قَالَ: فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 إِجَازَةً؟ قَالَ: «فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ» ، قَالَ الْيَهُودِيُّ: فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: «زِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ» ، قَالَ: مَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا؟ قَالَ: «يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ، الَّذِي يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا» ، قَالَ: فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «مِنْ عَيْنٍ تسُمَّى سَلْسَبِيلا» ، قَالَ: وَجِئْتُكَ أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا نَبِيٌّ، أَوْ رَجُلٌ، أَوْ رَجُلَانِ، قَالَ: «يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثْتُكَ؟» ، قَالَ: أَسْمَعُ بَأُذُنَيَّ، قَالَ: جِئْتُكَ أَسْأَلُكَ عَنِ الْوَلَدِ؟ قَالَ: «مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ آنَثَا» ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: صَدَقْتَ، وَإِنَّكَ نَبِيٌّ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَذَهَبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ سَأَلَنِي هَذَا عَنِ الَّذِي سَأَلَنِي عَنْهُ، وَمَا لِي بِشَيْءٍ مِنْهُ عِلْمٌ، حَتَّى آتَانِيَ اللَّهُ بِهِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 ذِكْرُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَصْحَابُ التَّوَارِيخِ: كَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ خَطِيبَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ جَهِيرَ الصَّوْتِ، شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَّرَهُ عَلَى الْأَنْصَارِ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ. رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ جَاءَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، وَقَدْ تَحَنَّطَ، وَلَبِسَ أَكْفَانَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ، وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ، فَقُتِلَ وَكَانَتْ لَهُ دِرْعٌ، فَسُرِقَتْ فَرَآهُ رَجُلٌ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، فَقَالَ: إِنَّ دِرْعِي فِي قِدْرٍ تَحْتَ الْكَانُونِ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 وَأَوْصَانِي بِوَصَايَا، فَطَلَبُوا الدِّرْعَ فَوَجَدُوهَا، وَأَنْفَذُوا الْوَصَايَا. وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ هَلَكْتُ، قَالَ: «وَلِمَ؟» ، قَالَ: يَنْهَانَا اللَّهُ عَنِ الْحَمْدِ بِمَا لَمْ نَفْعَلْ، وَأَنَا رَجُلٌ أُحِبُّ الْحَمْدَ، وَيَنْهَانَا عَنِ الْخُيَلَاءِ، وَأَنَا أُحِبُّ الْخُيَلَاءَ، وَيَنْهَانَا أَنْ نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا فَوْقَ صَوْتِكَ، وَأَنَا رَجُلٌ جَهِيرُ الصَّوْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا ثَابِتُ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيدًا، وَتَمُوتَ شَهِيدًا، وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ» أخبرنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَارُ، فِي كِتَابِهِ، أخبرنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَاشَاذَةَ، فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْعَسَّالُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، أخبرنا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مِزْيدَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: سمعت ابْنَ جَابِرٍ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ الْخُرَسَانِيُّ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدَينَةَ، فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقُلْتُ حَدَّثَنِي بِحَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، فَقَالَ: قُمْ مَعِي فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى دُفِعْنَا إِلَى دَارٍ، فَأَجْلَسَنِي عَلَى بَابِهَا، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ دَعَانِي لِيُعَرِّفَنِي عَلَى امْرَأَةٍ، فَقَالَ لِيَ الرَّجُلُ: هَذِهِ بِنْتُ ثَابِتٍ فَاسْأَلْهَا عَمَّا بَدَا لَكَ، فَقُلْتُ: حَدِّثِينَا عَنْهُ رَحِمَكِ اللَّهُ، قَالَتْ: " لَمَّا كَانَ يَومُ الْيَمَامَةِ خَرَجَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ، فَلَمَّا لَقِيَ أَصْحَابَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَمَلَ عَلَيْهِمْ فَانْكَشَفُوا، فَقَالَ ثَابِتٌ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ: مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ حَفَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ حُفَيْرَةً وَحَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَثَبَتَ، وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَعَلَى ثَابِتٍ يَوْمَئِذٍ دِرْعٌ نَفِيسٌ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَخَذَهَا، فَبَيْنَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَائِمٌ، فَأَتَاهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فِي هَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ إِيَّاكَ أَنْ تَقُولَ هَذَا حُلْمٌ فَتُضَيِّعُهُ، إِنِّي لَمَّا قُتِلْتُ أَمْسَ مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَخَذَ دِرْعِي، وَمَنْزِلُهُ فِي أَقْصَى النَّاسِ، وَعِنْدَهُ خِبَاءٌ وَفَرَسٌ مُسْتَنُّ فِي طُولِهِ، وَقَدْ كَفِئَ عَلَى دِرْعِي بُرْمَةً، وجَعَلَ عَلَى الْبُرْمَةِ رَحْلًا، فَأْتِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بَأَنْ يَبْحَثَ إِلَى دِرْعِي فَيَأْخُذَهَا، فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ لَهُ: إِنَّ عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ كَذَا وَكَذَا، وَفُلَانٌ مِنْ رَقِيقِي عَتِيقٌ، وَفُلَانٌ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَقُولَ هَذَا حُلْمٌ فَتُضَيِّعَهُ، فَأَتَى الرَّجُلُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَأَخْبَرَهُ، فَبَعَثَ إِلَى الدِّرْعِ، فَنَظَرَ إِلَى خِبَاءٍ فِي أَقْصَى النَّاسِ، فَإِذَا عِنْدَهُ فَرَسٌ يَسْتَنُّ فِي طُولِهِ، فَنَظَرَ فِي الْخِبَاءِ فَإِذَا لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، فَدَخَلُوا فَرَفَعُوا الرَّحْلَ فَإِذَا تَحْتَهُ بُرْمَةٌ، ثُمَّ أَفْرَغُوا الْبُرْمَةَ، فَإِذَا الدِّرْعُ تَحْتَهَا، فَأَتَوا بِهَا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ حَدَّثَ الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ بِرُؤْيَاهُ، فَأَجَازَ وَصِيَّتَهُ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أُجِيزَتْ وَصِيَّتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ غَيْرَ ثَابِتٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 ذِكْرُ ثَابِتِ بْنِ الدَّحْدَاحِ وَقِيلَ: ابْنُ الدَّحْدَاحَةِ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. تُوُفِّيَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. قَالَ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِ الدَّحْدَاحِ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجِنَازَةِ أَتَى بِفَرَسٍ عَرِيٍّ، فَرَكِبَ، فَجَعَلَ يَتَوَقَّصُ، وَنَحْنُ نَسْعَى خَلْفَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمْ مِنْ عَذَقِ النَّخْلِ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ مُدَلًّى فِي الْجَنَّةِ» . وَقِيلَ: كُنْيَتُهُ أَبُو الدَّحْدَاحِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 باب الْجِيمِ ذِكْرُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُؤْتَةَ. قَالَ أَصْحَابُ التَّوَارِيخِ: خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَخَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَامَ خَيْبَرَ. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَا فُتِنَ أَصْحَابُهُ بِمَكَّةَ أَشَارَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَلْحَقُوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَخَرَجْنَا أَرْسَالًا، فَلَمَّا قَدِمْنَاهَا أَصَبْنَا دَارًا وَقَرَارًا، وَجَاوَرْنَا بِهَا رَجُلًا حَسَنَ الْجِوَارِ، فَأْتَمَرَتْ قُرَيْشٌ أَنْ يُهْدُوا لَهُ مِنْ طَرَائِفِ بِلَادِهِمْ مِنَ الْآدَمَ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ الْآدَمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 يُعْجِبُ النَّجَاشِيَّ إِذَا أُهْدِيَ لَهُ، فَفَعَلُوا وَبَعَثُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَكَانَ أَتْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا حِينَ قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، فَلَمَّا قَدَّمَا إِلَى الْبَطَارِقَةِ الْهَدَايَا، وَوَضَعَا عِنْدَهُمْ حَاجَاتِهِمْ، ثُمَّ دَخَلَا عَلَى النَّجَاشِيِّ وَقَدَّمَا الْهَدَايَا فَقَبِلَهَا، فَقَالَا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّ شَبَابًا مِنَّا خَرَجُوا بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَابْتَدَعُوا دِينًا لَيْسَ بِدِينِكَ وَلَا دِينِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِنَا، فَارَقُوا أَشْرَافَهُمْ، وَخِيَارَهُمْ، وَأَهْلَ الرَّأْيِ، فَانْقَطَعُوا بِأَمْرِهِمْ مِنْهُمْ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَيْكَ لِتَمْنَعَهُمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ، وَهُمْ كَانُوا أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، فَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا لِنَرُدَّهُمْ إِلَى آبَائِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ، فَقَالَ بَطَارِقَتُهُ: صَدَقُوا أَيُّهَا الْمَلِكُ، فَارْدُدْهُمْ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ، فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، لَا أَفْعَلُ. قَوْمٌ نَزَلُوا بِلَادِي وَلَجَأُوا إِلَى جِوَارِي فَمَا كُنْتُ أَدْفَعُهُمْ إِلَيْكُمْ حَتَّى أَسْمَعَ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَأَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمْ، فَإِنْ كَانَ مَا قَالَ هَذَانِ حَقًّا أَسْلَمْتُهُمْ إِلَيْهِمَا، وَأَنَا أَعْرِفُ مَا أَصْنَعُ، وإِنْ كَانَ أَمْرُهُمْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، لَمْ أُخَلِّ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَأَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ إِلَيْنَا فَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَا تُكَلِّمُونَ الرَّجُلَ؟ فَأَجْمَعُوا أَنْ يُكَلِّمُوهُ بِالَّذِي هُمْ عَلَيْهِ، وَبِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا كَانَ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، وَدَعَا أَسَاقِفَتَهُ وَبَطَارِقَتَهُ، فَأَمَرَهُمْ، فَنَشَرُوا الْمَصَاحِفَ حَوْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: مَا دِينُكُمْ هَذَا الَّذِي فَارَقْتُمْ بِهِ قَوْمَكُمْ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِدِينِهِمْ، وَلَا دِينِنَا، وَلَا دِينِ الْيَهُودِ؟ فَكَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: كُنَّا عَلَى دِينِهِمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 وَأَمْرِهِمْ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ فِينَا رَسُولًا نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَخْلَعَ مَا يَعْبُدُ قَوْمُنَا مِنْ دُونِهِ، وَأَمَرَنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَكُلِّ مَا يُعْرَفُ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ، وَتَلَا عَلَيْنَا تَنْزِيلا جَاءَهُ مِنَ اللَّهِ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ، فَصَدَّقْنَاهُ، وَآمَنَّا بِهِ، وَعَرَفْنَا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَفَارَقْنَا عِنْدَ ذَلِكَ قَوْمَنَا، فَآذَوْنَا، وَفَتَنُونَا، فَلَمَّا بَلَغَ مِنَّا مَا نَكْرَهُ وَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى الِامْتِنَاعِ، أَمَرَنَا نَبِيُّنَا بِالْخُرُوجِ إِلَى بِلَادِكَ اخْتِيَارًا لَكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ لِتَمْنَعَنَا مِنْهُمْ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: هَلْ مَعَكُمْ مِمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ تَقْرَءُونَهُ؟ فَقَالَ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فَقَرَأَ كهيعص فَلَمَّا قَرَأَ بَكَى النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ، وَقَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ وَالْكَلامَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجَانِ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، لَا وَاللَّهِ، لَا أُسَلِّمُهُمْ إِلَيْكُمْ، وَلَا أُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ. الْحَقَا بِشَأْنِكُمَا، وَأَمَرَ بِالْهَدَايَا فَرُدَّتْ عَلَيْهِمَا، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَخَرَجَا مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا أَمْرُهُمَا، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: أَمَا وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُ غَدًا بِقَوْلٍ أُبِيدُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ لِلْقَوْمِ أَرْحَامًا وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا، قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ. فَدَخَلا عَلَيهِ الْغَدَ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُمْ يُخَالِفُونَكَ فِي عِيسَى وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ عَبْدٌ فَسلْهُمْ عَنْهُ، قَالَتْ أُمُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 سَلَمَةَ: فَلَمْ يَنْزَلْ بِنَا مِثْلُهَا قَطُّ، فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ، فَقَالُوا: قَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّ عِيسَى إِلَهُهُ الَّذِي يَعْبُدُ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَاءَ بِأَنَّهُ عَبْدٌ، وَأَنَّ مَا يَقُولُونَ فِيهِ بَاطِلٌ، فَمَاذَا تَقُولُونَ؟ فَأَجْمَعُوا أَنْ يَقُولُوا فِيهِ بِقَوْلِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا كَانَ، فَدَعَاهُمُ النَّجَاشِيُّ، فَقَالَ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ قَالَ جَعْفَرٌ: نَقُولُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، فَأَخَذَ النَّجَاشِيُّ عُودًا، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا عَدَا عِيسَى مَا يَقُولُونَ مِثْلَ هَذَا الْعُودِ، فَنَخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَولَهُ، فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ، وَاللَّهِ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بَأَرْضِي، يَقُولُ: آمِنُونَ، مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ ثَلَاثًا، مَا أُحِبُّ أَنْ آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ، وَإِنَّ لِي دَبْرًا مِنْ ذَهَبٍ، وَالدَّبْرُ بِلِسَانِهِمُ الْجَبَلُ، فَوَاللَّهِ، مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي رِشْوَةً حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، وَمَا أَطَاعَ فِيَّ النَّاسَ فَأَطَعْتُهُمْ فِيهِ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَجَعَلْنَا نَتَعَرَّضُ لِعَمْرٍو وَصَاحِبِهِ رَجَاءَ أَنْ يَسُبَّانَا، فَنَغْمُرَ مَعَهُمَا فَرَجَعَا خَائِبَيْنِ، فَأَقَمْنَا بِخَيْرِ دَارٍ، وَعِنْدَ خَيْرِ جَارٍ، قَدْ أَمِنَّا وَاطْمَأْنَنَّا، إِذْ شَغِبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَنَازَعَهُ فِي مُلْكِهِ، فَمَا عَلِمْنَا أَصَابَنَا حُزْنٌ أَشَدُّ مِنْ حُزْنٍ أَصَابَنَا عِنْدَ ذَلِكَ، فَرَقًا مِنْ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَيَنْبُوَ بِنَا مَنْزِلُنَا وَيَأْتِيَنَا رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مِثْلَ الَّذِي عَرَفَ النَّجَاشِيُّ، فَكُنَّا نَدْعُو لَيْلًا وَنَهَارًا أَنْ يُعِزَّهُ اللَّهُ وَيُظْهِرَهُ، فَخَرَجَ النَّجَاشِيُّ سَائِرًا إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 فَقُلْنَا: مَنْ رَجُلٌ يَحْضُرُ الْقَوْمَ، فَيَنْظُرُ مَا يَفْعَلُونَ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: أَنَا، وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، فَاتَّخَذَ قِرْبَةً فَنَفَخَهَا، ثُمَّ رَبَطَهَا فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ وَقَعَ فِي النِّيلِ، وَهُوَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَالْتَقَى الْقَوْمُ بِنَاحِيَتِهِ الْقُصْوَى، فَهُزِمَ جُنْدُ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَقَتَلَهُ اللَّهُ، فَأَقْبَلَ الزُّبَيْرُ حَتَّى إِذَا كَانَ عَلَى شَاطِئِ النِّيلِ أَلَاحَ بِثَوْبِهِ وَصَرَخَ: أَبْشِرُوا، فَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ النَّجَاشِيَّ، وَأَظْهَرَهُ، قَالَتْ أُمَّ سَلَمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَمَا أَذْكُرُ أَنَّا فَرِحْنَا فَرَحًا قَطُّ مِثْلَهُ، حَتَّى بَدَا لَنَا أَنْ يَقْدَمَ مَنْ قَدِمَ مِنَّا مَكَّةَ غَيْرَ مُكْرَهٍ. وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ، سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ , حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيرَةَ، وَإِنِّي كُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِشِبَعِ بَطْنِي لَا آكُلُ الْخَمِيرَ، وَلَا أَلْبَسَ الْحَرِيرَ، وَلَا يَخْدِمُنِي فُلَانٌ وَلَا فُلَانَةٌ، وَكُنْتُ أَلْصِقُ بَطْنِي بِالْحَصَاءِ مِنَ الْجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لَأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الْآَيَةَ مَعِي كَيْ يَنْقَلِبَ بِي فَيُطْعِمَنِي، وَكَانَ أَخْيَرَ النَّاسِ لِلْمَسَاكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، كَانَ يَنْقَلِبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ ليُخْرِجُ إِلَيْنَا الْعَكَّةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، فَيَشُقُّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا " وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ ابْنَةَ حَمْزَةَ اتَّبَعَتْنَا حِينَ خَرَجْنَا مِنْ مَكَّةَ، تُنَادِي يَا عَمِّ، فَتَنَاوَلْتُهَا، ثُمَّ نَاوَلْتُهَا فَاطِمَةُ، فَحَمَلَتْهَا حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدَينَةَ، وَاخْتَصَمْتُ فِيهَا أَنَا، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ، فقلت أَنَا أَخَذْتُهَا وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي، وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: بِنْتُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» ، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: «أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي» ، وَقَالَ لِزَيْدٍ: «أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا» ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَزَوَّجْهَا، قَالَ: «إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ» وَعَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " النَّاسُ مِنْ شَجَرٍ شَتَّى، وَأَنَا وَجَعْفَرٌ مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَنَظَرْتُ فِيهَا فَإِذَا جَعْفَرٌ يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، وَإِذَا حَمْزَةُ مُتَّكِئٌ عَلَى سَرِيرٍ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَرَّ بِي جَعْفَرٌ اللَّيْلَةَ فِي مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَهُ جَنَاحَانِ مُضَرَّجٌ بِالدِّمَاءِ بِيضُ الْقَوَادِمِ» وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا انْتَطَقَتِ امْرَأَةٌ بِنِطَاقٍ كَانَ أَحَبَّ إِليَّ أَنْ يَكُونَ وَلَدَتْهُ أُمِّي مِنْ جَعْفَرٍ، كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا. وَعَنْ أُمِّ عَوْنٍ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي أُصِيبَ فِيهِ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ، غَدَوْتُ عَلَى دَبِيغٍ لَنَا، فَدَبَغْتُ أَرْبَعِينَ مَنِيًّا، ثُمَّ عَجَنْتُ عَجِينِي، ثُمَّ قَدِمْتُ إِلَى بَنِيَّ، فَغَسَلْتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وُجُوهَهُمْ، وَدَهَنْتُهُمْ، فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «يَا أَسْمَاءُ ائْتِنِي بِبَنِي جَعْفَرٍ، فَجِئْتُهُ بِهِمْ» ، فَأَخَذَهُمْ فَشَمَّهُمْ، وَضَمَّهُمْ إِلَيْهِ، فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لَعَلَّكَ بَلَغَكَ عَنْ جَعْفَرٍ شَيْءٌ، قَالَ: «نَعَمْ، قُتِلَ الْيَومَ وَأَصْحَابُهُ» ، فَقُمْتُ أَصِيحُ، فَاجْتَمَعَ إِليَّ نَاسٌ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى أَهْلَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: " لَا تَغْفُلُوا عَنْ أَهْلِ جَعْفَرٍ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا، فَإِنَّهُمْ قَدْ شُغِلُوا بِشَأْنِ صَاحِبِهِمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 فَصْلٌ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، صَاحِبُ الْهِجْرَتَيْنِ، يُقَالُ لَهُ: الطَّيَّارُ، ذُو الْجَنَاحَيْنِ، اسْتُشْهِدَ بِمُؤْتَةَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يُسَمَّى أَبَا الْمَسَاكِينِ. وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَا قَدِمَ جَعْفَرٌ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، تَلَقَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا نَظَرَ جَعْفَرٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَجِلَ إِعْظَامًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَقَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ» وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَوَجَدْنَا فِي جَسَدِهِ بِضْعًا وَسَبْعِينَ مِنْ بَيْنِ طَعْنَةٍ وَرَمِيَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 وَفِي رِوَايَةٍ: وَوَجَدْنَا ذَلِكَ فِيمَا قَبُلَ مِنْ جَسَدِهِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ جَعْفَرٌ يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ، يَجْلِسُ إِلَيْهِمْ، وَيُحَدِّثُهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمِّيهِ أَبَا الْمَسَاكِينِ " وَعَنْ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ، تَلَقَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاعْتَنَقنِي، ثُمَّ قَالَ: «مَا أَدْرِي أَنَا بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَفْرَحُ أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ» . وَوَافَقَ ذَلِكَ فَتْحَ خَيْبَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيهِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَقَالَ: «فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ، أَوِ اسْتُشْهِدَ فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» . فَانْطَلَقُوا حَتَّى لَقَوُا الْعَدُوَّ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرٌ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَأَتَى خَبَرُهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ إِخَوَانَكُمْ لَقَوُا الْعَدُوَّ، وَإِنَّ زَيْدًا أَخَذَ الرَّايَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ، خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ» ، ثُمَّ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ ثَلَاثًا أَنْ يَأْتِيَهُمْ، ثُمَّ أَتَاهُمْ، فَقَالَ: «لَا تَبْكُوا عَلَى أَخِي جَعْفَرٍ بَعْدَ الْيَوْمِ، ادْعُوا لِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 بَنِي أَخِي» ، فَجِئَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ، فَقَالَ: «ادْعُوا لِيَ الْحَلَّاقَ» ، فَجَاءَ الْحَلَّاقُ فَحَلَقَ رُءُوسَنَا، فَقَالَ: «أَمَّا مُحَمَّدٌ فَشَبِيهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا عَوْنٌ، فَشَبِيهُ خَلْقِي وَخُلُقِي» ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَأَشَالَهَا، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَرًا فِي أَهْلِهِ، وَبَارِكْ لِعَبْدِ اللَّهِ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ» ، فَجَاءَتْ أُمُّنَا فَذَكَرَتْ يُتْمَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعَيْلَةَ تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ؟ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 ذِكْرُ أَبِي ذَرٍّ جُنْدُبِ بْنِ جُنَادَةَ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقِيلَ: جُنْدُبُ بْنُ السَّكَنِ. أخبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّابُونِيُّ، أخبرنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ , حَدَّثَنَا هُدْبَهُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارٍ، وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، فَخَرَجْتُ أَنَا، وَأَخِي أُنَيْسٌ، وَأُمُّنَا، فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا، فَأَكْرَمَنَا خَالُنَا، وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا، فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ إِذَا عَنْ أَهْلِكَ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ، فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَا عَلَيْنَا الَّذِي قِيلَ لَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَمَّا مَا مَضَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، وَلَا جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ، فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا، وَتَغَطَّى خَالُنَا بِثَوْبِهِ فَجَعَلَ يَبْكِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيَا الْكَاهِنَ، فَخَيَّرَ أُنَيْسًا، فَأَتَانَا أُنَيْسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا، قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثِ سِنِينَ، قُلْتُ: لِمَنْ؟ قَالَ: للَّهِ، قُلْتُ: فَأَيْنَ تُوَجِّهُ؟ قَالَ: أَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُوَجِّهُنِي رَبِّي، أُصَلِّي عِشَاءً حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ، فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ، فَاكْفِنِي، فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَرَاثَ علَيَّ، ثُمَّ جَاءَ فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ، يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، قُلْتُ: فَمَا يَقُولُ النَّاسُ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: شَاعِرٌ كَاهِنٌ سَاحِرٌ، وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ، قَالَ أُنَيْسٌ: لَقَدْ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشُّعَرَاءِ فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ أَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 شِعْرٌ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، قَالَ: قُلْتُ: فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ مَكَّةَ، فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ؟ فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: الصَّابِئُ، فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، قَالَ: فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ، فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ، وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا، وَلَقَدْ لَبِثْتُ يَا ابْنَ أَخِي ثَلَاثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، مَا كَانَ لِيَ طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ، قَالَ: فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ أَضْحِيَانَ، إِذْ ضُرِبَ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ، فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ، وَامْرَأَتَانِ مَنْهُمْ تَدْعُوَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 إِسَافًا وَنَائِلَةَ، قَالَ: فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا، فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الْأُخْرَى؟ قَالَ: فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا، قَالَ: فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا، فَقُلْتُ: هَنٌ مِثْلُ الْخَشَبَةِ غَيْرَ أَنِّي لَا أُكَنِّي، فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلَانِ، وَتَقُولَانِ: لَوْ كَانَ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا، قَالَ: فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا هَابِطَتَانِ، قَالَ: «» مَالَكُمَا؟ «» ، قَالَتَا: الْصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا. قَالَ: «» مَا قَالَ لَكُمَا؟ «» ، قَالَتَا: إِنَّهُ قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلَأُ الْفَمَ، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، وَطَافَ بِالْبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ، ثُمَّ صَلَّى فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: وَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: «» وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ «» ، ثُمَّ قَالَ: «» مَنْ أَنْتَ؟ «» ، قَالَ: قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ، قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِ انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارٍ، فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ، فَقَدَعَنِي صَاحِبُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 فَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «» مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا؟ «» ، قَالَ: قُلْتُ: قَدْ كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، قَالَ: «» فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟ «» ، قُلْتُ: مَا كَانَ لِيَ طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ، قَالَ: «» إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ «» ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ الْلَيْلَةَ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَابًا، فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ، وَكَانَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا، ثُمَّ غَبَرْتُ مَا غَبَرْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ وُجِّهْتُ إِلَى أَرْضٍ ذَاتِ نَخْلٍ لَا أَرَاهَا إِلَّا يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ؟ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِمْ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ «» . فَأَتَيْتُ أُنَيْسًا، فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ، قَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، وَصَدَّقْتُ، فَأَتَيْنَا أُمَّنَا، فَقَالَتْ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، وَصَدَّقْتُ، فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارًا، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ، وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ إِيمَاءُ بْنُ رَحْضَةَ، وَكَانَ سَيِّدَهُمْ، وَقَالَ نِصْفُهُمْ: إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَسْلَمْنَا، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ الْبَاقِي، وَجَاءَتْ أَسلْمُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِخْوَتُنَا نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ فَأَسْلَمُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «» غِفَارٌ، غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ «» .. وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا ابْنَ أَخِي صَلَّيْتُ سَنَتَيْنِ قَبْلَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي رِوَايَةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «» ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي «» . فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَثَارَ الْقَوْمُ، فَضَرَبُوهُ حَتَّى أَضْجَعُوهُ، وَأَتَى الْعَبَّاسَ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ غِفَارٍ، وَأَنَّ طَرِيقَ تِجَارَتِكُمْ إِلَى الشَّامِ، فَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مِثْلِهَا وَثَارُوا إِلَيْهِ فَضَرَبُوهُ، فَأَكَبَّ عَلَيهِ الْعَبَّاسُ فَأَنْقَذَهُ مَنْهُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 وَفِي رِوَايَةٍ فَانْطَلَقَ بِهِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ، وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّ الصِّرْمَةَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، وَقَوْلُهُ: نَافَرَ أَيْ رَاهَنَ، وَالْخِفَاءُ: الْكِسَاءُ، وَأَقْرَاءُ الشِّعْرِ: طُرُقُهُمْ فِي الشِّعْرِ، فَمَا يَلْتَئِمُ: فَمَا يَتَّفِقُ، فَتَضَعَّفْتُ: فَاسْتَضْعَفْتُ، نُصُبٌ أَحْمَرُ: أَيْ حَجَرٌ يُذْبَحُ عَلَيهِ الْقُرْبَانُ، عِكَنُ بَطْنِي: جَمْعُ عِكْنَةٍ، وَهِيَ مَا يَنْثَنِي مِنَ السَّمْنِ، سُخْفَةُ جُوعٍ: شِدَّةُ الْجُوعِ، ضُرِبَ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ: أَيْ نَامُوا، أَسَافُ ونَائِلَةُ: صَنَمَانِ، تُوَلْوِلَانِ: تَصِيحَانِ، مِنْ أَنْفَارِنَا: أَيْ مِنْ قَوْمِنَا، نَثَا عَلَيْنَا: أَيْ: أَفْشَى، رَاثَ: أَيْ أَبْطَأَ، أَضْحَيَانِ: مُضِيئَةٌ، الهَنُ: كِنَايَةٌ عَنِ الذَّكَرِ، قَدَعَنِي: كَفَّنِي. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ بِالرَّبْذَةِ، وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ شَعْثَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا الْمَحَاشِدُ وَالْخَلُوقُ، فَقَالَ: أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى مَا تَأْمُرَنِي بِهِ هَذِهِ السَّوْدَاءُ، تَأْمُرُنِي أَنْ آتِي الْعِرَاقَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 فَإِذَا أَتَيْتُ الْعِرَاقَ مَالُوا عَلَيَّ بِدُنْيَاهُمْ، وَإِنَّ خَلِيلِي عَهِدَ إِلَيَّ «أَنَّ دُونَ جِسْرِ جَهَنَّمَ طَرِيقًا ذَا دَحْضٍ وَمَزَلَّةٍ، وَإِنَّا إِنْ نَأْتِ عَلَيْهِ وَفِي أَحْمَالِنَا اقْتِدَارٌ أَحْرَى مِنْ أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ مَوَاقِيرُ» وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: بَلَغَ الْحَارِثَ رَجُلًا كَانَ بِالشَّامِ مِنْ قُرَيْشٍ، أَنَّ أَبَا ذَرٍّ بِهِ عَوَزٌ، فَبَعَثَ إلَيْهِ بِثَلَاثِ مِائَةِ دِينَارٍ، فَقَالَ: مَا وَجَدَ عَبْدًا للَّهِ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنِّي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ فَقَدْ أَلْحَفَ» . وَلِأَبِي ذَرٍّ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَأَرْبَعُونَ شَاةً، وَمَاهِنَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 فَصْلٌ مِنْ كَلَامِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: إِنِّي لَكُمْ نَاصِحٌ، إِنِّي عَلَيْكُمْ شَفِيقٌ، صَلُّوا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ لِوَحْشَةِ الْقُبُورِ، صُومُوا لِحَرِّ يَوْمِ النُّشُورِ، تَصَدَّقُوا مَخَافَةَ يَوْمٍ عَسِيرٍ، وَقَالَ: يَكْفِي الدُّعَاءُ مَعَ الْبِرِّ مَا يَكْفِي الْمِلْحُ مِنَ الطَّعَامِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خِرَاشٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ فيِ ظُلَّةٍ لَهُ سَوْدَاءَ بِالرَّبْذَةِ، وَتَحْتَهُ امْرَأَةٌ لَهُ سَحْمَاءُ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى قِطْعَةِ جَوَالِقَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ مَا يَبْقَى لَكَ وَلَدٌ، قَالَ: الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي يَأْخُذُهُمْ فِي دَارِ الْفَنَاءِ، وَيَدَّخِرُهُمْ فِي دَارِ الْبَقَاءِ، قَالُوا: يَا أَبَا ذَرٍّ، لَوِ اتَّخَذْتَ امْرَأَةً غَيْرَ هَذِهِ، قَالَ: لَأَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَضَعُنِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَرْفَعُنِي، فَقَالُوا: لَوِ اتَّخَذْتَ بِسَاطًا ألْيَنَ مِنْ هَذَا، قَالَ: اللَّهُمَّ غُفْرًا خُذْ مِمَّا خَوَّلْتَ مَا بَدَا لَكَ، وَقِيلَ لَهُ: لَوِ اتَّخَذْتَ ضَيْعَةً كَمَا اتَّخَذَ فُلَانٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 وَفُلَانٌ، قَالَ: مَا أَصْنَعُ بَأَنْ أَكُونَ أَمِيرًا، وَإِنَّمَا يَكْفِينِي كُلَّ يَوْمٍ شَرْبَةٌ مِنْ مَاءٍ أَوْ لَبَنٍ، وَفِي الْجُمُعَةِ كَفَّانِ مِنْ قَمْحٍ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى تَوَاضُعِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي ذَرٍّ «أَشْبَهُ النَّاسِ بِعِيسَى نُسُكًا وَزُهْدًا» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 وَقِيلَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ عَلِمَ الْعِلْمَ، ثُمَّ أَوْكَى عَلَيْهِ رِبَاطًا شَدِيدًا. وَقَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ فِي إِمَارَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ طَوِيلٌ، وَإِذَا هُوَ أَبُو ذَرٍّ. وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَخْدِمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خِدْمَتِهِ أَوَى إِلَى الْمَسْجِدِ، فَكَانَ هُوَ بَيْتَهُ، فَاضْطَجَعَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ تَرَكْتُهُ» ، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ تَشَبَّثَ مِنْهَا بِشَيْءٍ غَيْرِي، وَإِنِّي لَأَقْرَبُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 وَعَنْ أُمِّ ذَرٍّ، قَالَتْ: لَمَا حَضَرَ أَبَا ذَرٍّ الْوَفَاةُ بَكَيْتُ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: مَالِي لَا أَبْكِيكَ، وَأَنْتَ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ لَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ كَفَنًا، قَالَ: لَا تَبْكِي، وَأَبْشِرِي، فَإِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لِنَفَرٍ أَنَا فِيهِمْ: «لَيَمُوتَنَّ مِنْكُمْ رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» . وَلَيْسَ مِنْ أُولَئِكَ النَّفُرِ أَحَدٌ إِلَّا أُهْلِكَ فِي قُرْبَةِ جَمَاعَةٍ، وَأَنَا الَّذِي أَمُوتُ بِفِلَاةٍ، فَأَبْصِرِي الطَّرِيقَ، قُلْتُ: أَنَّى وَقَدْ ذَهَبَ الْحَاجُّ، وَانْقَطَعَتِ الطَّرِيقُ، قَالَ: اذْهَبِي فَتَبَصَّرِي، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذَا أَنَا بِرِجَالٍ عَلَى رِحَالِهِمْ كَأَنَّهُمُ الرَّخَمُ، فَأَلَحْتُ بِثَوْبِي، فَأَقْبَلُوا حَتَّى وَقَفُوا عَلَيَّ، وَقَالُوا: أَمَا لَكِ يَا أَمَةَ اللَّهِ؟ قُلْتُ: امْرُؤٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تُكَفِّنُونَهُ، قَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟ قُلْتُ: أَبُو ذَرٍّ، قَالُوا: صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَفَدَوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ أَنْ لَا يُكَفِّنَنِي رَجُلٌ كَانَ أَمِيرًا، أَوْ عَرِّيفًا، أَوْ بَرِيدًا، أَوْ نَقِيبًا، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلَّا قَارَفَ بَعْضُ ذَلِكَ، إِلَّا فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: يَا عَمِّ، أَنَا أُكَفِّنُكَ، لَمْ أُصِبْ مِمَّا ذَكَرْتَ شَيْئًا، أُكَفِّنُكَ فِي رِدَائِي هَذَا وَثَوْبَيْنِ فِي عَيْبَتِي مِنْ غَزْلِ أُمِّي، فَكَفَّنَهُ الْأَنْصَارِيُّ فِي النَّفَرِ الَّذِينَ شَهِدُوهُ، مِنْهُمْ حُجْرُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْأَدْبَرِ، وَمَالِكُ بْنُ الْأَشْتَرِ، وَالنَّفَرُ كُلُّهُمْ يَمَانٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 قَالَ أهْلُ التَّارِيخِ: تُوُفِّيَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِأَرْبَعِ سِنِينَ بَقَيْنَ مِنْ خِلَافَةِ عُثْمَانَ. وَقِيلَ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ. ذِكْرُ جُلَيْبِيبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أخبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّابُونِيُّ، أخبرنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سُلَيْطٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ، فَأَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «» هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ «» ، قَالُوا: نَعَمْ، فُلَانًا، وَفُلَانًا، وَفُلَانًا، ثُمَّ قَالَ: «» هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ «» ، قَالُوا: نَعَمْ، فُلَانًا، وَفُلَانًا، وَفُلَانًا، ثُمَّ قَالَ «» هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ «» ، قَالَوا: لَا. قَالَ: «» لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا، فَاطْلُبُوهُ «» ، فَطُلِبَ فِي الْقَتْلَى فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 قَتَلُوهُ، فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «» قَتَلَ سَبْعَةً، ثُمَّ قَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ «» . قَالَ: فَوَضَعَهُ عَلَى سَاعِدَيْهِ لَيْسَ لَهُ إِلَّا سَاعِدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَحُفِرَ لَهُ وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ غُسْلًا ذِكْرُ جُعَيْلِ بْنِ سُرَاقَةَ الضَّمْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقِيلَ: جُعَالٌ، ذُكِرَ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ، أُصِيبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ قُرَيْظَةَ. رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، أَنَّ فُلَانًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْطَيْتَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَالْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةَ مائَةً، وَتَرَكْتَ جُعَيْلَ بْنَ سُرَاقَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَجُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ خَيْرٌ مِنْ طِلَاعِ الْأَرْضِ مِثْلَ عُيَيْنَةَ، وَالْأَقْرَعِ، لَكِنْ تَأَلَّفْتُهُمَا عَلَى إِسْلَامِهِمَا، وَوَكَلْتُ جُعَيْلًا إِلَى إِسْلَامِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: «كَيْفَ تَرَى جُعَيْلًا؟» ، قُلْتُ: مِسْكِينًا كَشِكْلِهِ مِنَ النَّاسِ، قَالَ: «وَكَيْفَ تَرَى فُلَانًا؟» ، قُلْتُ: سَيِّدًا مِنْ سَادَاتِ النَّاسِ. قَالَ: «فَجُعَيْلٌ خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِنْ فُلَانٍ» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فُلَانٌ هَكَذَا، وَأَنْتَ تَصْنَعُ، قَالَ: «إِنَّهُ رَأْسُ قَوْمٍ، وَأَنَا أَتَأَلَّفُهُمْ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 ذِكْرُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ، مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، يُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، شَهِدَ الْعَقَبَةَ الثَّانِيَةَ، وَأَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بَدْرِيٌّ نَقِيبٌ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ جَابِرٌ: دَفَنْتُهُ هُوَ وَآخَرَ فِي قَبْرٍ فَكَانَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ، فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كيَوْمِ دَفَنْتُهُ إِلَّا هُنَيَّةَ عِنْدَ رَأْسِهِ. وَقَالَ: قُتِلَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلْتُ أَبْكِي وَأَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، وَجَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَنْهَوْنَنِي عَنْ ذَلِكَ، وَجَعَلَتْ عَمَّتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 تَبْكِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَبْكِيهِ أَوْ لَا تَبْكِيهِ، مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ» وَقَالَ جَابِرٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِلنُّقَبَاءِ مِنَ الْأَنْصَارِ: «تَأْوُونِي وَتَمْنَعُونِي؟» ، قَالُوا: نَعَمْ، فَمَالَنَا؟ قَالَ: «الْجَنَّةُ» وَقَالَ جَابِرٌ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِيَ: «مَرْحَبًا بِكَ يَا جُبَيْرُ» وَقَالَ جَابِرٌ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا جَابِرُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا أَبَاكَ، وَقَالَ لَهُ: تَمَنَّ عَلَيَّ مَا شِئْتَ، قَالَ: أُرَدُّ إِلَى الدُّنْيَا، فَأُقْتَلُ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، قَالَ: إِنِّي قَضَيْتُ لَهُمْ أَنْ لَا يَرْجِعُونَ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 وَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ دَخَلْتَ الْبَيْتَ، فَدَخَلَ هُوَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَقَدَّمْتُ لَهُمْ طَعَامًا، فَقَالَتِ الْمَرْأةُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لَنَا بِخَيْرٍ، فَدَعَا لَنَا بِخَيْرٍ " وَقَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةَ أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ» قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: عَاشَ جَابِرٌ إِلَى سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ، وَقِيلَ مَاتَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَقَدْ كَانَ ذَهَبَ بَصَرُهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبَانُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 بْنُ عُثْمَانَ، وَهُوَ وَالٍ. قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ آخِرُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْتًا بِالْمَدِينَةِ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَقِيلَ: مَاتَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ بَعْدَهُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. ذِكْرُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَصْحَابَهُ بِقُدُومِهِ قَبلَ أَنْ يَقْدَمَ. قَالَ جَرِيرٌ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا أَنْ دَنَوْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ أَنَخْتُ رَاحِلَتِي، ثُمَّ حَمَلْتُ عَيْلَتِي، فَلَبِسْتُ حُلَّتِي، وَدَخَلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 يَخْطُبُ النَّاسَ، فَسَلَّمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَمَانِي النَّاسُ بِالْحَدَقِ، فَقُلْتُ لِجَلِيسٍ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَلْ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَمْرِي شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، ذَكَرَكَ بِأَحْسَنَ الذِّكْرِ، قَالَ: «إِنَّهُ سَيَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ أَوْ مِنْ هَذَا الْباب مِنْ خَيْرِ ذِي يُمْنٍ، عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةُ مَلَكٍ» . قَالَ: فَحَمِدْتُ اللَّهَ عَلَى مَا أَبْلَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 وَقَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ حَسَّنَ اللَّهُ خَلْقَكَ، فَحَسُنَ خُلُقَكَ» وَرَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، جَرِيرًا، فَقَالَ: جَرِيرٌ يُوسُفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقَالَ جَرِيرٌ: «لَمَّا بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذِي الخَلْصَةِ كَسَرْتُهَا، وَحَرَقْتُهَا بِالنَّارِ، فَبَارَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى خَيْلِ أَحْمُسَ وَرِجَالِهَا» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 باب الْحَاءِ ذِكْرُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمَّى حَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَأَنَّهُ اشْتَقَّ مِنِ اسْمِ حَسَنٍ حُسَيْنًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا الْحَمْلُ " وَقَالَ قَتَادَةُ: وَلَدَتْ فَاطِمَةُ حُسَيْنًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، بَعْدَ الْحَسَنِ لِسَنَةٍ وَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَلَدَتْهُ لِسِتِّ سِنِينَ وَخَمْسَةِ أَشْهُرٍ مِنَ التَّارِيخِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 وَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ: وُلِدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ لِخَمْسِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ أَشْبَهَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ، وَالْحُسَيْنُ أَشْبَهَ النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْحَسَنَ يُشْبِهُهُ. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَحْمِلُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَلَى عَاتِقِهِ، وَيَقُولُ: بِأَبِي شِبْهُ النَّبِيِّ لَيْسَ بِشَبَهٍ لِعَلِيٍّ، وَعَلِيٌّ مَعَهُ يَبْتَسِمُ. وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلَاةِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: وُلِدَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: وُلِدَ بَعْدَ أُحُدٍ بِسَنَتَيْنِ لِأَرْبَعِ سِنِينَ وَسَبْعَةِ أَشْهُرٍ مِنَ التَّارِيخِ. وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ، وَدُفِنَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ أخبرنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، أخبرنا عَبْدُ الصَّمَدِ الْعَاصِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْبُجَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ الْبُجَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ الْبُجَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أخبرني عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاضِعًا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ» 16 قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ الْبُجَيْرِيُّ , حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى الْمِنْبَرِ وَحَسَنٌ مَعَهُ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ مَرَّةً، وَقَالَ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَعَسَى اللَّهُ يُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» . وَفِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ «بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَظِيمَتَيْنِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وَعَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَقِيَ الْحَسَنَ، فَقَالَ: ارْفَعْ ثَوْبَكَ حَتَّى أُقَبِّلَ حَيْثُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُقَبِّلُ، قَالَ: فَرَفَعَ عَنْ بَطْنِهِ " وَقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشْبَهَ بِرَسوُلِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيُّهَا النَّاسُ، ارْقُبُوا مُحَمَّدًا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِلْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «هُمَا رَيْحَانَتَيَّ مِنَ الدُّنْيَا» رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبًا {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} اللَّهُ الصَّمَدُ {2} } [الإخلاص: 1-2] فَاسْتَبْشَرَ بِذَلِكَ، وَفَرِحَ، وَاسْتَبشَرَ أَهْلُ بَيْتِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، فَقَالَ: لَئِنْ كَانَ رَأَى هَذِهِ الرُّؤْيَا لَقَلَّ مَا بَقِيَ مِنْ أَجَلِهِ، فَمَا لَبِثَ إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ. قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ: تُوُفِّيَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيًّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ عَشْرُ سِنِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 ذِكْرُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رُوِيَ عَنْ يَعْلَى الْعَامِرِيِّ، أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى طَعَامٍ دُعُوا لَهُ، فَإِذَا حُسَيْنٌ مَعَ غِلْمَانٍ يَلْعَبُ، فَاسْتَفْتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ تَقَدَّمَ وَأَسْرَعَ أَمَامَ الْقَوْمِ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَهُ، فَطَفِقَ الصَّبِيُّ يَفِرُّ هَاهُنَا مَرَّةً، وَهَاهُنَا مَرَّةً، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُضَاحِكُهُ حَتَّى أَخَذَهُ، فَوَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الأَسْبَاطِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 وَعَنْ بُرَيْدَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُنَا، فَجَاءَ الْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَعَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ الْمِنْبَرِ فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " صَدَقَ اللَّهُ {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] نَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَشْعَثَ أَغْبَرَ بِيَدِهِ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ يَا رُسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «هَذَا دَمُ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ، لَمْ أَزَلْ أَلْتَقِطُهُ مُنْذُ اللَّيْلَةَ» . فَحَسَبُوهُ، فَوَجَدُوهُ قُتِلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ مَذْحِجٍ. وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: قَتَلَهُ سِنَانُ بْنُ أَنَسٍ النَّخَعِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ. رُوِيَ عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قُتِلَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 أخبرنا أَبُو طَاهِرٍ الرَّارَانِيُّ، أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدِكُوَيْهِ، حَدَّثَنَا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ، حَدَّثَنَا الْكَشِّيُّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ابْنَايَ هَذَانِ سَيِّدَا شَباب أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا ابْنَيِ الْخَالَةِ عِيسَى وَيَحْيَى» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 أخبرنا سُلَيْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، فِي كِتَابِهِ، أخبرنا عَلِيُّ بْنُ مَاشَاذَةَ، فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْعَسَّالُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُثْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرُيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ الْحُسَيْنُ مُقَرَّبًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَضِيَ عَنْهُ، وَكَانَ يُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا، فَقَالَ «اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ» ، فَقُلْتُ: أَذْهَبُ مَعَهُ، قَالَ: «لَا» . فَجَاءَتْهُ بَرْقَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فَمَشَى فِي ضَوْئِهَا حَتَّى دَخَلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 ذِكْرُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ أَبُو عُمَارَةَ، وَقِيلَ: أَبُو يَعْلَى عَمُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْهُمَا ثُوَيْبَةُ مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبٍ. أَسَدُ اللَّهِ، وَأَسَدُ رَسُولِهِ، وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَتَيْنِ، شَهِدَ بَدْرًا، وَاسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ، آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، كَانَ يُقَاتِلُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِسَيْفَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] فِي هَؤُلَاءِ النَّفَرِ السِّتَةِ: حَمْزَةَ، وَعَلِيٍّ، وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَعُتْبَةَ، وَشَيْبَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ. أخبرنا أَبُو طَاهِرٍ الرَّارَانِيُّ، أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِكُوَيْهِ، حَدَّثَنَا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَفَ عَلَى حَمْزَةَ حَيْثُ اسْتُشْهِدَ، وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَى أَمْرٍ لَمْ يَنْظُرْ إِلَى أَمْرٍ أَوْجَعَ لِقَلْبِهِ مِنْهُ، فَقَالَ: «يَرْحَمُكَ اللَّهُ، إِنْ كُنْتَ لَوَصُولًا لِلرَّحِمِ، فَعُولًا لِلْخَيْرَاتِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 وَلَوْلَا حُزْنُ مَنْ بَعْدِكَ عَلَيْكَ لَسَرَّنِي أَنْ أَدَعَكَ حَتَّى تُحْشَرَ مِنْ أَفْوَاجٍ شَتَّى، وَايْمُ اللَّهِ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مَكَانَكَ» . قَالَ: فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاقِفٌ بَعْدُ، بِخَوَاتِيمِ النَّحْلِ {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرينَ} [النحل: 126] . . . إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، فَصَبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ، وَأَمْسَكَ عَمَّا أَرَادَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَرْدَوَيْهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَتٍّ الْبَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ الْبَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبَانَ، عَنْ أَبِي مَاشَاذَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: « حَمِدْتُ اللَّهَ حِينَ هَدَى فُؤَادِي ... إِلَى الْإِسْلَامِ وَالدِّينِ الْحَنِيفِ بِدِينٍ جَاءَ مِنْ رَبٍّ عَزِيزٍ ... خَبِيرٍ بِالْعِبَادِ بِهِمْ لَطِيفِ إِذَا تُلِيَتْ رَسَائِلُهُ عَلَيْنَا ... تَحَدَّرَ دَمْعُ ذِي اللُّبِّ الْحَصِيفِ. » الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 فَصْلٌ رُوِيَ أَنَّ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ فِي قَنْصٍ لَهُ، فَأَقْبَلَ مُتَوَشِّحًا، فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ، فَقَالَتْ لَهُ مَوْلَاتُهُ: يَا أَبَا عُمَارَةَ، لَوْ رَأَيْتَ مَا لَقِيَ ابْنُ أَخِيكَ آنِفًا مِنْ أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ نَالَ مِنْهُ، وَآذَاهُ، وَشَتَمَهُ، فَاحْتَمَلَ حَمْزَةَ الْغَضَبُ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ، فَخَرَجَ سَرِيعًا، حَتَّى إِذَا مَا قَامَ عَلَى رَأْسِهِ رَفَعَ قَوْسَهُ، فَضَرَبَ بِهَا أَبَا جَهْلٍ، فَشَجَّهُ شَجَةً مُنْكَرَةً، وَقَالَ: أَشَتَمْتَهُ؟ أَنَا عَلَى دِينِهِ، أَقُولُ مَا يَقُولُ، فَرُدَّ عَلَيَّ إِنِ اسْتَطَعْتَ، وَأَسْلَمَ وَتَمَّ إِسْلَامُهُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ حَمْزَةُ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَزَّ وَامْتَنَعَ، وَأَنَّ حَمْزَةَ سَيَمْنَعُهُ، فَكَفُّوا عَنْ بَعْضِ مَا كَانُوا يَنَالُونَ مِنْهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْميُّ: كَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَوْمَ بَدْرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 مُعْلَّمًا بِرِيشِ نَعَامَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: مَنْ رَجُلٌ أُعْلِمَ بِرِيشَةِ نَعَامَةٍ؟ فَقِيلَ: حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: الَّذِي فَعَلَ بِنَا الْأَفَاعِيلَ. قِيلَ: قَتَلَ اللَّهُ بِيَدِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ نَفْسًا، كُفِّنَ يَوْمَ قُتِلَ غُطِّيَ بِهَا رَأْسُهُ وَجُعِلَ عَلى رِجْلَيْهِ الْإِذْخَرَ. قَالَ خَباب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدْ رَأَيْتُ حَمْزَةَ وَمَا وَجَدْنَا لَهُ ثَوْبًا يُكَفَّنُ فِيهِ غَيْرَ بُرْدَةٍ مَلْحَاءَ، إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، حَتَّى مُدَّتْ عَلَى رَأْسِهِ وَجُعِلَ عَلَى رِجْلَيْهِ الْإِذْخَرُ. رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَوْلَا أَنْ تَجِدَ صَفَيَّةُ فِي نَفْسِهَا، لَتَرَكْتُهُ حَتَّى يَحْشُرَهُ اللَّهُ مِنْ بُطُونِ السِّبَاعِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 قَالَ أَصْحَابُ التَّوَارِيخِ: قُتِلَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 ذِكْرُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ بْنِ حُسَيْلِ بْنِ جَابِرٍ الْعَبْسِيُّ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ شَهِدَ أُحُدًا. قِيلَ: مَاتَ بِالْمَدَائِنِ. وَعَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَخْبَرَنَا عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: عَنْ أَيِّهِمْ تَسْأَلُونَ؟ قَالُوا: حُذَيْفَةَ، قَالَ: أَعْلَمُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْمُنَافِقِينَ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: أَتَيْنَا أَبَا الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ أَشْيَاءَ؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ أَعَاذَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ابْنُ سُمَيَّةَ؟ أَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إلَّا هُوَ، حُذَيْفَةُ؟ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَيُّكُمْ يَعْقِلُ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْأَيَّامَ الَّتِي بَيْنَ يَدَيَّ السَّاعَةَ؟» . فَقَالَ حُذَيفَةُ: أَنَا، فَقَالَ عُمَرُ: هَاتِ، فَلَعَمْرِي إِنَّكَ عَلَيْهَا لَجَرِئٌ، قَالَ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي جَارِهِ، وَأَهْلِهِ، وَمَالِهِ، تُكَفِّرُهَا الْصَلَاةُ وَالصِّيَامُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، قَالَ: لَسْتُ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ، إِنَّمَا أَسْأَلُكَ عَنِ الْأَيَّامِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةَ، تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ، فَقَالَ حُذَيفَةُ: لَا تَخَفْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُرْتَجًا، قَالَ: أَرَأَيْتَ الَباب يُكْسَرُ كَسْرًا، أَوْ يُفْتَحُ فَتْحًا؟ قَالَ: بَلْ يُكْسَرُ كَسْرًا، فَوَضَعَ عُمَرُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنّهُ إِذَا كُسِرَ لَمْ يُغْلَقْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: أَجَلْ. قَالَ حُذَيفَةُ: كَانَ ذَلِكَ الْباب عُمَرُ. ذِكْرُ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَهِدَ بَدْرًا، هُوَ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، وَهُوَ الَّذِي مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مَعَ جِبْرِيلَ عِنْدَ الْمَقَاعِدِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَسمعت فِيهَا قِرَاءَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، كَذَلِكُمُ الْبَرُّ كَذلِكُمُ الْبَرُّ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 وَعَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَرَّ حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ جِبْرِيلُ بِنَاحِيَةٍ، فَلَمْ يُسَلِّمْ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: مَا مَنَعَهُ أَنْ يُسَلِّمَ، أَمَا إِنَّهُ لَوْ سَلَّمَ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ مِنِ الثَّمَانِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا الثَّمَانُونَ؟» ، قَالَ: يَفِرُّ النَّاسُ عَنْكَ غَيْرَ ثَمَانِينَ يَصْبِرُونَ مَعَكَ، رِزْقُهُمْ وَرِزْقُ أَوْلَادِهِمْ عَلَى اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ، فَلَمَّا رَجَعَ حَارِثَةُ سَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا سَلَّمْتَ حِينَ مَرَرْتَ؟» ، قَالَ: رَأَيْتُ مَعَكَ إِنْسَانًا، فَكَرِهْتُ أَنْ أَقْطَعَ حَدِيثَهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَقَدْ رَأَيْتَهُ؟» ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: " أَمَا إِنَّ ذَلِكَ جِبْرِيلَ، وَقَدْ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَلَيْكَ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ مِنَ الثَّمَانِينَ، قُلْتُ: وَمَا الثَّمَانُونَ؟ قَالَ: يَفِرُّ النَّاسُ عَنْكَ، وَيَصْبِرُونَ مَعَكَ رِزْقُهُمْ وَرِزْقُ أَوْلَادِهِمْ عَلَى اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 ذِكْرُ حَمْزَةَ بْنِ عُمَرَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ بَنِي سَلَامَانَ بْنِ أَقْضَى بْنِ حَارِثَةَ، تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَسَبْعِينَ سَنَةً. سُلَيْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، فِي كِتَابِهِ، عَلِيُّ بْنُ مَاشَاذَةَ، فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَمْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِي، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ، فَأَضَاءَتْ أَصَابِعِي حَتَّى جَمَعُوا عَلَيْهَا ظَهْرَهُمْ، وَمَا سَقَطَ مِنْ مَتَاعِهِمْ، وَإِنَّ أَصَابِعِي لَتُنِيرُ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 رُوِيَ عَنْ أَبِي مُرَاوِحٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأَجِدُ قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ رُخْصَةُ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: إِنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ، فَأَصُومُ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ «إِنْ شَئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شَئْتَ فَأَفْطِرْ» وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ: إِنِّي صَاحِبُ سَفَرٍ، وَإِنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ وَرُبَّمَا صَادَفَنِي هَذَا الشَّهْرُ يَعْنِي رَمَضَانَ، وَأَنَا أَجِدُ الْقُوَّةَ، فَإِنْ أَنَا أَصُومُهُ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ أُؤَخِّرَهُ فَيَكُونَ دَيْنًا عَلَيَّ، أَفَأَصُومُ أَمْ أُفْطِرُ؟ قَالَ «أَيُّ ذَلِكَ شِئْتَ يَا حَمْزَةُ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 ذِكْرُ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُمُّهُ الرُّبَيِّعُ أخبرنا أَبُو طَاهِرٍ الرَّارَانِيُّ، أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدِكُوَيْهِ، حَدَّثَنَا فَارُوقٌ، حَدَّثَنَا الْكَشِّيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا جَنَّةٌ فِي جِنَانٍ، وَإِنَّ حَارِثَةَ فِي الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى» قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ حَارِثَةَ بْنَ الرُّبَيِّعِ جَاءَ نِظَارًا يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ غُلَامًا، فَجَاءَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، فَوَقَعَ فِي ثَغْرَةِ نَحْرِهِ، فَقَتَلَهُ فَجَاءَتْ أُمُّهُ الرُّبَيِّعُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْتَ مَكَانَ حَارِثَةَ مِنِّي، فَإِنْ يَكُنْ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ فَسَأَصْبِرُ، وَإِلَّا فَسَيَرَى اللَّهُ مَا أَصْنَعُ، قَالَ: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا لَيْسَتْ بِجَنَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَكِنَّهَا جَنَّاتٌ كَثِيرَةٌ، وَهُوَ فِي الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى» . فَقَالَتْ: سَأَصْبِرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 ذِكْرُ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنْ زَيْدٍ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَارِثَ بْنَ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيَّ، فَقَالَ: «كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثُ؟» ، قَالَ: أَصْبَحْتُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ ذَلِكَ؟» ، قَالَ: أَسْهَرْتُ لَيْلِي وَأَظْمَأْتُ نَهَارِيَ، وَعَزَفْتُ عَنِ الدُّنْيَا حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْعَرْشِ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عُوَاءِ أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ، وَتَزَاوُرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَرَفْتَ يَا حَارِثُ بْنُ مَالِكٍ فَالْزَمْ، عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ» ، قَالَ الْحَارِثُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَادْعُ اللَّهَ لِي بِالشَّهَادَةِ، فَأُغِيرَ عَلَى سَرْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُتِلَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 ذِكْرُ أَبِي قَتَادَةَ الْحَارِثِ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رُوِيَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 الْيَوْمِ خَيْرُ فُرْسَانِنَا أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرُ رِجَالَتِنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ» . رُوِيَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ اتَّخَذَ شَعْرًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْرِمْهُ» ، فَكَانَ يُرَجِّلُهُ كُلَّ يَوْمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 ذِكْرُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ أَبُو خَالِدٍ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَشَهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، أَعْطَاهُ رَسُولُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ حُنَيْنٍ مِائَةَ بَعِيرٍ، وُلِدَ فِي الْكَعْبَةِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ عِثَامٍ: دَخَلَتْ أُمُّهُ الْكَعْبَةَ، فَمَخَضَتْ، فَوَلَدَتْ فِيهَا. قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ: عَاشَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةً، سِتِّينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَسِتِّينَ فِي الْإِسْلَامِ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: وُلِدَ قَبْلَ الْفِيلِ بِثَلَاثِ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَعْتَقَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ مِائَةَ رَقَبَةٍ، وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَعْتَقَ مِائَةَ رَقَبَةٍ، وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لَهُ فِيهِ مِنْ أَجْرٍ؟ قَالَ: «أَسْلَمْتُ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ» وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ: حَضَرَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَرَفَةَ، وَمَعَهُ مِائَةُ رَقَبَةٍ، وَمِائَةُ بَدَنَةٍ، وَمِائَةُ بَقَرَةٍ، وَمِائَةُ شَاةٍ، قَالَ: هَذَا كُلُّهُ للَّهِ، فَأَعْتَقَ الرِّقَابَ، وَنَحَرَ الْهَدَايَا. قَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ: " بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَّا أَخِرَّ إِلَّا وَأَنَا قَائِمٌ، أَيْ: لَا أَمُوتُ إِلَّا وَأَنَا عَلَى الْإِسْلَامِ " قِيلَ: كَانَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ إِذَا اجْتَهَدَ يَمِينَهُ، قَالَ: وَالَّذِي نَجَّانِي يَوْمَ بَدْرٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَالَّذِي أَنْعَمَ عَلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنْ لَا يَكُونَ قَتِيلًا يَوْمَ بَدْرٍ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 قِيلَ: تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ: ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ. لَمْ يَقْبَلْ شَيْئًا مِنْ أَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: بَاعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ دَارًا لَهُ بِمَكَّةَ مِنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِمِائَةِ أَلْفٍ، فَقِيلَ لَهُ: أَبِعْتَ دَارَكَ بِمِائَةِ أَلْفٍ؟ قَالَ: وَاللَّهِ إِنْ أَخَذْتَهَا إِلَّا بِزِقِّ خَمْرٍ، وَاشْهَدُوا أَنَّ ثَمَنَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى. ذِكْرُ حَرَامِ بْنِ مِلْحَانَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَالُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ. قَالَ أَنَسٌ: لَمَّا طُعِنَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ أَخَذَ بِيَدِهِ مِنْ دَمِهِ فَنَضَحَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ، وَقَالَ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 ذِكْرُ حَنْظَلَةَ بْنِ الرَّبِيعِ الْكَاتِبِ الْأَسِيدِيِّ مِنْ بَنِي تَيْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّرْخَسِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَرْبٍ، بِنَيْسَابُورَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا الْجَرِيرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمٍ مِنْ كُتَّابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً رَقَّتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَعَرَفْنَا أَنْفُسَنَا، فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَدَنَتْ مِنِّي الْمَرْأَةُ، وَغَيْلَانُ لِي، فَنَسِيتُ مَا كُنَّا فِيهِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَهَبْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَقُولُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: «كَلَّا، لَمْ تُنَافِقْ يَا حَنْظَلَةُ» ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا عِنْدَكَ فَوَعَظْتَنَا مَوْعِظَةً، فَوِجتِ الْقُلُوبُ، وَذَرَفَتِ الْعُيُونُ، وَعَرَفْنَا أَنْفُسَنَا، فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَدَنَتْ مِنِّي امْرَأَتِي، وَغَيْلٌ، أَوْ غَيْلَانَ لِي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 فَأَخَذْنَا فِي الدُّنْيَا، وَنَسِينَا مَا كُنَّا فِيهِ عِنْدَكَ، قَالَ: «يَا حَنْظَلَةُ، لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ إِذَا لَمْ تَكُونُوا عِنْدِي، كَمَا تَكُونُونَ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي الطُّرُقِ وَعَلَى فُرُشِكُمْ، وَلَكِنْ سَاعَةً وَسَاعَةً» ذِكْرُ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ: الْتَقَى حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبُ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمَّا اسْتَعْلَاهُ حَنْظَلَةُ رَآهُ شَدَّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، فَضَرَبَهُ، فَقَتَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ صَاحِبَكُمْ حَنْظَلَةَ لَتَغْسِلُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَاسْأَلُوا، أَهْلَهُ، مَا شَأْنُهُ» ، فسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ؟ فَقَالَتْ: خَرَجَ حِينَ سَمِعَ الْهَيْعَةَ وَهُوَ جُنُبٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 أخبرنا أَبُو مَسْعُودٍ السَّوْزَرْجَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَاشَاذَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اللَّيْثِ الْمُرِّيُّ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّرِيحُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ قُرَيْظٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قُتِلَ حَنْظَلَةُ بْنُ عَامِرٍ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «» لَقَدْ رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ «» . فَبَعَثَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا؟ فَقَالَتْ: سَمِعَ الْهَيْعَةَ وَهُوَ نَائِمٌ فِي ثَوْبِهِ، وَهُوَ جُنُبٌ لَمْ يَغْتَسِلْ ذِكْرُ حَمَامَةَ بْنِ أَبِي حَمَامَةَ الدَّوْسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدِمَ أَصْبَهَانَ مَعَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غَازِيًا، فَمَاتَ بِهَا مَقْتُولًا، وَدُفِنَ بِالْباب بِمَدِينَةِ أَصْبَهَانَ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاحِدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَبُو سَعِيدِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُقَالُ لَهُ: حَمَامَةُ، جَاءَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 إِلَى أَصْبَهَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ حَمَامَةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُحِبُّ لِقَاءَكَ، فَإِنْ كَانَ حَمَامَةُ صَادِقًا فِيمَا يَقُولُ، فَاعْزِمْ لَهُ عَلَى صِدْقِهِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا، فَاعْزِمْ لَهُ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ لَا تَرُدَّ حَمَامَةَ مِنْ سَفَرِهِ هَذَا، فَأَخَذَهُ مَبْطُونًا فَمَاتَ بِأَصْبَهَانَ ". قَالَ أَبُو مُوسَى: فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا سَمِعْنَا فِيمَا سَمِعْنَا مِنْ نَبِيِّكُمْ وَلَا فِيمَا بَلَغَ عِلْمَنَا إِلَّا أَنَّ حَمَامَةَ مَاتَ شَهِيدًا باب الْخَاءِ ذِكْرُ خَباب بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ قَالَ مُجَاهِدٌ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَخَباب، وَبِلَالٌ، وَصُهَيْبٌ، وَعَمَّارٌ. هَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، فَذَكَرَ أَنَّ إِسْلَامَ خَبَّابٍ بَعْدَ تِسْعَةَ عَشَرَ إِنْسَانًا، وَخَبَّابٌ كَمَّلَ الْعِشْرِينَ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ خَباب حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ قَيْنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: سَأَلَ عُمَرُ خَبَّابًا عَمَّا لَقِيَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ خَباب: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، انْظُرْ إِلَى ظَهْرِي، فَقَالَ عُمَرُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ، قَالَ: أَوْقِدُوا لِي نَارًا، فَمَا أَطْفَأَهَا إِلَّا وَدَكُ ظَهْرِي. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ خَباب، قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ إِلَّا أَعْطَى مَا سَأَلُوهُ يَوْمَ عَذَّبَهُمُ الْمُشْرِكُونَ إِلَّا خَبَّابًا كَانُوا يُضْجِعُونَهُ عَلَى الرَّضْفِ، فَلَمْ يَسْتَغْنُوا مِنْهُ شَيْئًا. وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَعْطَوْهُمْ مَا سَأَلُوا إِلَّا خَبَّابًا، فَجَعَلُوا يَلْزِقُونَ ظَهْرَهُ بِالرَّضْفِ حَتَّى ذَهَبَ لَحْمُ مَتْنِهِ. وَعَنْ كُردُوسٍ الْغَطْفَانِيِّ، قَالَ: أَسْلَمَ خَباب سَادِسَ سِتَّةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَخَباب، وَصُهَيْبٌ، وَبِلَالٌ، وَعَمَّارٌ، وَسُمَيَّةُ أُمُّ عَمَّارٍ، فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنَعَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ قَوْمُهُ، وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرُعَ الْحَدِيدِ، ثُمَّ صَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَبَلَغَ مِنْهُمُ الْجَهْدُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ مِنْ حَرِّ الْحَدِيدِ وَالشَّمْسِ. وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كَانَ خَباب مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، وَكَانَ مِمَّنْ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ. قَالَ أَصْحَابُ السِّيَرِ: كَانَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، شَهِدَ بَدْرًا، وَالْمَشَاهِدَ. قَالَ أَبُو لَيْلَى الْكِنْدِيُّ: جَاءَ خَباب إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: ادْنُ فَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْكَ، فَجَعَلَ خَباب يُرِيهِ آثَارًا فِي ظَهْرِهِ مِمَّا عَذَّبَهُ الْمُشْرِكُونَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 فَصْلٌ رُوِيَ أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَجَمَاعَةً مِنْ رُؤَسَاءِ الْعَرَبِ جَاءُوا، فَوَجَدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَاعِدًا مَعَ عَمَّارٍ، وَصُهَيْبٍ، وَبِلَالٍ، وَخَباب فِي أُنَاسٍ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ حَفَزُوهُمْ، فَخَلَوْا بِهِ، فَقَالُوا: " إِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ تَأْتِيكَ، فَنَسْتَحِي أَنْ تَرَانَا الْعَرَبُ قُعُودًا مَعَ هَذِهِ الْأَعْبُدِ فَإِذَا جِئْنَاكَ، فَأَقِمْهُمْ عَنَّا، قَالَ: نَعَمْ "، قَالُوا: فَاكْتُبْ لَنَا عَلَيْكَ كِتَابًا، فَدَعَا عَلِيًّا بِالصَّحِيفَةِ لِيَكْتُبَ، قَالَ خَباب: وَنَحْنُ قُعُودٌ فِي نَاحِيَةٍ إِذْ نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52] الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 54] الْآيَةَ. فَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الصَّحِيفَةَ وَدَعَانَا، فَأَتَيْنَاهُ وَهُوَ يَقُولُ: «سَلَامٌ عَلَيْكُمْ» ، فَدَنَوْنَا مِنْهُ حَتَّى وَضَعْنَا رُكَبَنَا عَلَى رُكْبَتِهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَجْلِسُ مَعَنَا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ قَامَ وَتَرَكَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28] قَالَ: فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَقْعُدُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا بَلَغْنَا السَّاعَةَ الَّتِي كَانَ يَقُومُ فِيهَا قُمْنَا وَتَرَكْنَاهُ وَإِلَّا صَبَرَ أَبَدًا حَتَّى نَقُومُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ خَباب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدًا لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَدْعُ اللَّهَ لَنَا، أَلَا تَنْتَصِرَ لَنَا، فَجَلَسَ مِحْمَارًا لَوْنُهُ، فَقَالَ: «إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُجْعَلُ فِرْقَتَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، أَوْ يُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عَظْمِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتَمِّمَنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَ مَوْتَ، لِا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ» . وَفِي رِوَايَةٍ: " لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلى غَنَمِهِ. فَصْلٌ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: تُوُفِّيَ خَباب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مُنْصَرَفَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْ صِفِّينَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ قُبِرَ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 قَالَ يَحْيَى بْنُ جَعْدَةَ: عَادَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَبَّابًا فَقَالُوا: أَبْشِرْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، تَرِدُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: سِرْنَا مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ رَجَعَ مِنْ صِفِّينَ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ باب الْكُوفَةِ إِذْ نَحْنُ بِقُبُورٍ سَبْعَةٍ عَلَى أَيْمَانِنَا، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْقُبُورُ؟ قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ خَباب بْنَ الْأَرَتِّ تُوُفِّيَ بَعْدَ مَخْرَجِكَ إِلَى صِفِّينَ، وَأَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ، وَكَانَ النَّاسُ إِنَّمَا يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ فِي أَفْنِيَتِهِمْ وَعَلَى أَبْوَابِ دُورِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْا خَبَّابًا أَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ بِالظَّهْرِ وَبِالظَّهْرِ يَعْنِي بِظَهْرِ الْكُوفَةِ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَحِمَ اللَّهُ خَبَّابًا أَسْلَمَ رَاغِبًا وَهَاجَرَ طَائِعًا، وَعَاشَ مُجَاهِدًا، وَابْتُلِيَ فِي جِسْمِهِ أَحْوَالا، وَلَنْ يُضَيِّعَ اللَّهُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، ثُمَّ دَنَا مِنَ الْقُبُورِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، أَنْتُمْ لَنَا سَلَفٌ فَارِطٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ، عَمَّا قَلِيلٍ لَاحِقٌ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ، وَتَجَاوَزْ بِعَفْوِكَ عَنَّا وَعَنْهُمْ، طُوبَى لِمَنْ ذَكَرَ الْمَعَادَ، وَعَمِلَ لِلْحِسَابِ، وَقَنِعَ بِالْكَفَافِ، وَرَضِيَ عَنْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. قِيلَ: تُوُفِّيَ خَباب وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 ذِكْرُ أَبِي أَيُّوبَ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي تَسْمِيَةِ السَّبْعِينَ الَّذِينَ بَايَعُوا بِالْعَقَبَةِ، قَالَ: وَمِنْ بَنِي النَّجَّارِ، أَبُو أَيُّوبَ، وَهُوَ خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبٍ، شَهِدَ بَدْرًا. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: بَايَعَ فِي الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ. قَالُوا: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمَدِينَةَ لَيْلًا، فَتَنَازَعَهُ الْقَوْمُ، أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَنْزِلُ اللَّيْلَةَ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ، أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ» قَالَ أَبُو أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي بَيْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 نَزَلَ فِي السُّفْلِ، وَأَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ فِي الْعُلُوِّ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنِّي أَكْرَهُ وَأُعْظِمُ أَنْ أَكُونَ فَوْقَكَ وَتَكُونَ تَحْتِي، فَكُنْ أَنْتَ فِي الْعُلُوّ، وَنَنْزِلُ نَحْنُ فِي السُّفْلِ، قَالَ: «يَا أَبَا أَيُّوبَ، إِنَّ أَرْفَقَ بِنَا وَبِمَنْ يَغْشَانَا أَنْ نَكُونَ فِي أَسْفَلِ الْبَيْتِ» . قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِفْلِهِ وَكُنَّا فَوْقَهُ فِي الْمَسْكَنِ، فَلَقَدِ انْكَسَرَ جُبٌّ لَنَا فِيهِ مَاءٌ، فَقُمْتُ أَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ بِقَطِيفَةٍ لَنَا مَالَنَا لِحَافٌ غَيْرَهَا نُنَشِّفُ بِهَا الْمَاءَ تَخَوُّفًا أَنْ يَقْطُرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَيْءٌ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي حَدِيثِ الإِفْكِ: أَنَّ امْرَأَةَ أَبِي أَيُّوبَ قَالَتْ لِأَبِي أَيُّوبَ: أَلَمْ تَسْمَعْ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَ: وَمَا يَتَحَدَّثُونَ؟ فَأَخْبَرَتْهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، فَقَالَ: مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ غَزَا زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَمَرِضَ، فَقَالَ لَهُمْ: قَدِّمُونِي فِي أَرْضِ الرُّومِ مَا اسْتَطَعْتُمْ، ثُمَّ ادْفِنُونِي. قَالَ الْمَدَائِنِيُّ: مَاتَ أَبُو أَيُّوبَ، وَدُفِنَ فِي أَصْلِ الْمَدِينَةِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: تُعَمِّقُ قَبْرِي وَتُوَسِعُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 ذِكْرُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ كُنْيَتُهُ أَبُو سُلَيْمَانَ، يُقَالُ لَهُ: سَيْفُ اللَّهِ، هَاجَرَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ هُوَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ رَآهُمْ: «رَمَتْكُمْ مَكَّةُ بِأَفْلَاذِ كَبِدِهَا» قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: أُمُّهُ لُبَابَةُ، وَخَالَتُهُ مَيْمُونَةُ، زَوْجَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 شَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ وَحُنَيْنًا وَمُؤْتَةَ، جَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو الْعَشِيرَةِ خَالِدٌ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: فَتَحَ اللَّهُ بِهِ الْفُتُوحَ، وَهَزَمَ بِهِ الْجُنُودَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَقَالَ: «سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ، سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْكُفَّارِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «صَبَّهُ اللَّهُ عَلَى الْكُفَّارِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: بَارَزَ هُرْمُزَ فَقَتَلَهُ، وَتَنَاوَلَ السُّمَّ فَأَكَلَهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبْصَرَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ مُتَدَلِّيًا مِنْ عَقِبِهِ هرشا: «نِعْمَ عَبْدُ اللَّهِ خَالِدٌ» وَقَالَ يَوْمَ مُؤْتَةَ: «أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ، فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ» . قَالَ خَالِدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدِ انْدَقَّ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 وَفِي رِوَايَةٍ: سَبْعَةُ أَسْيَافٍ، فَمَا ثَبَتَتْ فِي يَدِي إِلَّا صَحِيفَةٌ يَمَانِيَّةٌ قِيلَ: كَانَ يَتَبَرَّكُ بِشْعَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَ الْمُبَارَزَةِ وَيَسْتَنْصِرُ بِهِ جَعَلَهُ فِي قُلُنْسُوَتِهِ. تُوُفِّيَ بِحِمْصَ فِي بَعْضِ قُرَاهَا. /-26 سُلَيْمَانُ، فِي كِتَابِهِ، ابْنُ مَاشَاذَةَ، فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَيَّادُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: خَرَجَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَسِيرُ فِي جُنْدٍ كَانَ أَمِيرًا عَلَيْهِمْ، فَلَقَى رَجُلًا مِنَ الْجُنْدِ مَعَهُ رِكْوَةً مِنَ الْخَمْرِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ مَا هَذَا؟ قَالَ: خَلٌّ، أَصْلَحَكَ اللَّهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ خَلًّا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ خَلًّا، فَلَمَّا أَتَى أَصْحَابَهُ فَتَحَ رِكْوَتَهُ، فَإِذَا هُوَ خَلٌّ، قَالُوا: وَيْحَكَ مَا هَذَا؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا حَقِيقَةً، لَكِنْ لَقِيتُ الْأَمِيرَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقُلْتُ: خَلٌّ، فَدَعَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، أَنْ يَجْعَلَهُ اللَّهُ خَلًّا فَجُعِلَ خَلًّا " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 ذِكْرُ خُبَيْبِ بْنِ عَديٍّ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ رَهْطٍ عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ مِنْ بَنِي الْأَفْلَحِ جَدِّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدْأَةِ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو لَحْيَانَ، فَنَفَرُوا إِلَيْهِمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَأُوا إِلَى فَدْفَدٍ، فَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ وَقَالُوا لَهُمْ: انْزِلُوا، وَأَعْطُونَا أَيْدِيَكُمْ، وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أَنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا، فَقَالَ عَاصِمٌ أَمِيرُ الْقَوْمِ: وَاللَّهِ لَمَا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمُّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فَرَمَوْهُ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ، وَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَلَى الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ مِنْهُمْ خُبَيْبٌ، وَزَيْدُ بْنُ الدَّثْنَةَ، وَرَجُلٌ آخَرَ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، وَاللَّهِ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 أَصْحَبُكُمْ، إِنَّ لِي بِهَؤُلاءِ أُسْوَةً يُرِيدُ الْقَتْلَى فَعَالَجُوهُ، فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَقَتَلُوهُ، وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ، وَزَيْدٍ، وَبَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ، وَذَلِكَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ خُبَيْبًا، وَكَانَ خُبَيْبٌ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى أَجْمَعُوا قَتْلَهُ، فَاسْتَعَارَ مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ مُوسًا يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ إِيَّاهَا، فَدَرَجَ بُنَيٌّ لَهَا حَتَّى أَتَاهُ، قَالَتْ: وَأَنَا غَافِلَةٌ، فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسُهُ عَلَى فَخْذِهِ وَالْمُوسَ بِيَدِهِ، قَالَتْ: فَفَزَعْتُ فَزْعَةً عرَفَهَا خُبَيْبٌ، فَقَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ. قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ قَطْفًا مِنْ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّهُ لَرِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى خُبَيْبًا، فَلَمَّا خَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ، قَالَ: دَعُونِي أَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ أُتِمُّهُمَا وَأُحْسِنُهُمَا، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إِنَّمَا طَوَّلْتُ جَزَعًا مِنَ الْقَتْلِ لَاسْتَكْثَرْتُ وَزِدْتُ، ثُمَّ رَفَعُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ، فَلَمَّا أَوْثَقُوهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا قَدْ بَلَّغْنَا رِسَالَةَ رَسُولِكَ فَبَلِّغْهُ الْغَدَاةَ مَا يُفْعَلُ بِنَا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ أَنْشَدَ يَقُولُ: لَقَدْ جَمَّعَ الْأَحْزَابُ حَوْلِي وَأَلَّبُوا ... قَبَائِلَهُمْ وَاستَجْمَعُوا كُلَّ مَجْمَعِ وَقَدْ جَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهمْ ... وَقُرِّبْتُ مِنْ جِذْعٍ طَوِيلٍ مُمَنَّعِ إِلَى اللَّهِ أَشْكُو كُرْبَتِي بَعْدَ غُرْبَتِي ... وَمَا جَمَعَ الْأَحْزَابُ لِي حَوْلَ مَصْرَعِي فَذَا الْعَرْشِ صَبِّرنِي عَلَى مَا يُرَادُ بِ ... فَقَدْ بَضَّعُوا لَحْمِي وَقَدْ يَاسَ مَطْمَعِي وَقَدْ خَيَّرُوِني الْكُفْرَ وَالْمَوْتُ دُونَهُ ... وَقَدْ ذَرَفَتْ عَيْنَايَ مِنْ غَيْرِ مَجْزَعِ وَمَا بِي حِذَارُ الْمَوْتِ إنِّي لَمَيِّتٌ ... وَلَكِنْ حِذَارِي جَحْمُ نَارٍ مُلَفَّعِ وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ فِي اللَّهِ مَضْجَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ أَبُو سَرْوَعَةَ فَقَتَلَهُ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: خُبَيْبٌ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ: جِئْتُ إِلَى خَشَبَةِ خُبَيْبٍ، فَرَقِيتُ فِيهَا فَحَلَلْتُهُ فَوَقَعَ فَانْتَبَذْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ، فَلَمْ أَرَ خُبَيْبًا فَكَأَنَّمَا ابْتَلَعَتْهُ الْأَرْضُ، فَلَمْ يُذْكَرْ لِخُبَيْبٍ رُمَّةٌ حَتَّى السَّاعَةِ. ذِكْرُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، أخبرنا عَبْدُ الصَّمَدِ الْعَاصِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْبُجَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ الْبُجَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ السِّمْنَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أخبرني خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " لَمَّا نَسَخْنَا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، فُقِدَتْ آيَةٌ مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقْرَأُهَا، فَالْتَمَسْتُهَا فَلَمْ أَجِدْهَا إِلَّا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ، الَّذِي جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] " وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ سواء بْنِ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيِّ فَرَسًا فَجَحَدَهُ، فَشَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا حَمَلَكَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَمْ تَكُنْ مَعَهُ؟» ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَدَّقْتُكَ بِمَا جِئْتَ بِهِ وَعَلِمْتُ أَنَّكَ لَا تَقُولُ إِلَّا حَقًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَحَسْبُهُ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَلُمَّ شُهُودَكَ عَلَى مَا تَقُولُ، قَالَ خُزَيْمَةُ: أَنَا أَشْهَدُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «وَمَا عِلْمُكَ؟» . قَالَ: أَعْلَمُ أَنَّكَ لَا تَقُولُ إِلَّا حَقًّا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 ذِكْرُ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ الْأَسَدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَهِدَ بَدْرًا. قَالَ خُرَيْمٌ: نَظَرَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَيُّ رَجُلٍ أَنْتَ! لَوْلَا أَنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ: تَسْبِيلُ إِزَارِكَ، وَتَوْفِيرُ شَعْرِكَ ". قَالَ: فَرَفَعَ إِزَارَهُ، وَأَخَذَ مِنْ شَعْرِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 أخبرنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، فِي كِتَابِهِ، أخبرنا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّكُونِيُّ، بِالْكُوفَةِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ تَسْنِيمٍ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلِيفَةَ الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ذَاتَ يَوْمٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَدَّثَنِي بِحَدِيثٍ يُعْجِبُنِي، فَقَالَ: حَدَّثَنِي خُرَيْمُ بْنُ فَاتِكٍ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: خَرَجْتُ فِي إِبِلٍ لِي فَعَقَلْتُهَا، وَتَوَسَّدْتُ ذِرَاعَ بَعِيرٍ مِنْهَا وَذَلِكَ حدثان خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قُلْتُ: أَعُوذُ بِعَظِيمِ هَذَا الْوَادِي، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِذَا هَاتِفٌ يَهْتِفُ بِي وَيَقُولُ: وَيْحَكَ عُذْ بِاللَّهِ ذِي الْجَلَالِ ... مُنَزِّلِ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ وَوَحِّدِ اللَّهَ وَلَا تُبَالِ ... مَا هَوْلُ ذِي الْجِنِّ مِنَ الْأَهْوَالِ إِذْ تَذْكُرُوا اللَّهَ عَلَى الْأَمْيَالِ ... وَفِي سُهُولِ الْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَصَارَ كَيْدُ الْجِنِّ فِي سُفَالِ ... إِلَّا التُّقَى وَصَالِحَ الْأَعْمَالِ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَيُّهَا الدَّاعِي فَمَا تُحِيلُ؟ ... أَرُشْدٌ ذَا عِنْدَكَ أَمْ تَضْلِيلُ فَقَالَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ذُو الْخَيْرَاتِ ... جَاءَ بِيَاسِينَ وَحَامِيمَاتِ فِي سُوَرٍ بَعْدُ مُفَصَّلَاتِ ... مُحَرِّمَاتٍ ومُحَلِّلِاتِ يَأْمُرُ بِالصَّوْمِ وَبِالصَّلَاةِ ... وَيَزْجُرُ النَّاسَ عَنِ الهَنَاتِ قَدْ كُنَّ فِي الْأَيَّامِ مُنْكَرَاتِ قَالَ: فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: أَنَا مَالِكُ بْنُ مَالِكٍ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى أَرْضِ أَهْلِ نَجْدٍ، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ لِي مَنْ يَكْفِينِي إِبِلِي هَذِهِ لَأَتَيْتُهُ حَتَّى أُؤْمِنَ بِهِ، فَقَالَ: أَنَا أَكْفِيكَهَا حَتَّى أُؤَدِّيهَا إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 أَهْلِكَ سَالِمَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَرَكِبْتُ بَعِيرًا مِنْهَا، ثُمَّ أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَوَافَقْتُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ: يَقْضُونَ صَلَاتَهُمْ ثُمَّ أَدْخُلُ، فَإِنِّي كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَ إِلَيَّ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْخُلْ» ، فَدَخَلْتُ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: «مَا فَعَلَ الشَّيْخُ الَّذِي ضَمِنَ لَكَ أَنْ يُؤَدِّي إِبلَكَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمَةً، أَمَا إِنَّهُ قَدْ أَدَّاهَا إِلَى أَهْلِكَ سَالِمَةً» . قُلْتُ: رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجَلْ، رَحِمَهُ اللَّهُ» . فَقَالَ خُرَيْمٌ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الْإِسْكَنْدَرَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ خُرَيْمُ بْنُ فَاتِكٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا أُخْبِرُكَ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ إِسْلَامِي؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا فِي طَلَبِ إِبِلٍ لِي إِذْ أَنَا مِنْهَا عَلَى أَثَرٍ إِذْ جَنَّنِي اللَّيْلُ بِأَبْرَقَ الْعَزَّافِ، فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: أَعُوذُ بِعَزِيزِ هَذَا الْوَادِي مِنْ سُفَهَاءِ قَوْمِهِ، فَإِذَا هَاتِفٌ يَهْتِفُ بِي. وَيْحَكَ عُذْ بِاللَّهِ ذِي الْجَلَالِ ... وَالْمَجْدِ وَالنَّعْمَاءِ وَالْأَفْضَالِ وَوَحِّدِ اللَّهَ وَلَا تُبَالِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 فَزُعِرْتُ زُعْرًا شَدِيدًا فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي، قُلْتُ: يَا أَيُّهَا الْهَاتِفُ مَا تَقُولُ ... أَرُشْدٌ عِنْدَكَ أَمْ تَضْلِيلُ؟ بَيِّنْ هُدِيتَ مَا الْحَوِيلُ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ذُو الْخَيْرَاتِ ... بِيَثْرِبَ يَدْعُو إِلَى النَّجَاةِ يَأْمُرُ بِالصَّوْمِ وَبِالصَّلَاةِ ... وَيَرْدَعُ النَّاسَ عَنِ الْهَنَاتِ « وَفِي رِوَايَةٍ فَاتَّبَعَنِي وَهُوَ يَقُولُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 : صَاحَبَكَ اللَّهُ عَنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ خَلِيفَةَ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ذَاتَ يَوْمٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَنِي حَدِيثًا يُعْجِبُنِي بِهِ قَالَ: حَدَّثَنِي خُرَيْمُ بْنُ فَاتِكٍ، قَالَ: خَرَجْتُ فِي بُغَاءِ إِبِلٍ لِي بِأَبْرَقَ الْعَزَّافِ، فَعَقَلْتُهَا، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَقُلْتُ: أَرْشِدْنِي رَشَدًا هُدِيتَ ... لَا جُعْتَ وَلَا عَرِيتَ وَلَا بَرِحْتَ سَيِّدًا مُقِيتَ ... لَا تَدْثَرَنْ عَلَى الْخَيْرِ الَّذِي أُوتِيتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 باب الدَّالِ ذِكْرُ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَحْيَانًا يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي صُورَتِهِ. قَالَ دِحْيَةُ: بَعَثَ مَعِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِكِتَابٍ إِلَى قَيْصَرَ، فَقُمْتُ بِالْباب، فَقُلْتُ: أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَزِعُوا لِذَلِكَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْإِذْنُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لَهُ فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلْتُ فَأَعْطَيْتُهُ الْكِتَابَ، فَقَرَأَهُ وَبَعَثَ بِهِ إِلَى الْأَسْقُفِ، فَجَاءَ فَقَالَ: هُوَ وَاللَّهِ الَّذِي بَشَّرَنَا بِهِ مُوسَى وَعِيسَى، قَالَ قَيْصَرُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ الْأَسْقُفُ: أَمَّا أَنَا فَأُصَدِّقُهُ، قَالَ قَيْصَرُ: أَعْرِفُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ، إِنْ فَعَلْتُ ذَهَبَ مُلْكِي وَقَتَلَنِي الرُّومُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 باب الذَّالِ ذِكْرُ ذِي الْبِجَادَيْنِ وَهُوَ مِنْ مُزَيْنَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ. رُوِيَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» قَالَ: عَبْدُ الْعُزَّى، قَالَ: «بَلْ أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ ذُو الْبِجَادَيْنِ» قِيلَ: لَمَّا أَسْلَمَ نَزَعَ مِنْهُ عَمُّهُ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَعَلَيْهِ، فَأَعْطَتْهُ أُمُّهُ بِجَادًا مِنْ شَعْرٍ، فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ فَاتَّزَرَ بِأَحَدِهِمَا وَارْتَدَى بِالْآخَرِ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ ذُو الْبِجَادَيْنِ» مَاتَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ، وَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْرَهُ وَدَفَنَهُ بِيَدِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 باب الرَّاءِ ذِكْرُ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ عَلَى باب رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُعْطِيهِ الْوُضُوءَ فَأَسْمَعُهُ الْهَوَى مِنَ اللَّيْلِ يَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ رَبِّي» . وَفِي رِوَايَةٍ: «الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ لَكَ حَاجَةٌ؟» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرَافَقَتُكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكِ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: «يَا رَبِيعَةُ، سَلْنِي» ، فَقُلْتُ: أَنْظِرْنِي حَتَّى أَنْظُرَ، وَتَذَكَّرْتُ أَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنْجِينِي مِنَ النَّارِ، وَيُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ: «مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا؟» ، قُلْتُ: مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ، وَلَكِنْ عَلِمْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ فَانِيَةٌ، وَأَنْتَ مِنَ اللَّهِ بِالْمَكَانِ الَّذِي بِهِ أَنْتَ فَأَحْبَبْتُ أَنْ تَدْعُوَ اللَّهَ لِي بِذَلِكَ، قَالَ: «أَنَا فَاعِلٌ فَأَعِنِّي بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 بَابُ الزَّاي ذِكْرُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا إِلَى الشَّامِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَقَالَ: «إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَعَلَى النَّاسِ جَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَلَى النَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَإِنْ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ، فَلْيَرْتَضِ الْمُسْلِمُونَ رَجُلًا فَلْيَجْعَلُوهُ عَلَيْهِمْ» وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَتْلُ زَيْدٍ، وَجَعْفَرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، ذَكَرَ شَأْنَهُمْ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِجَعْفَرٍ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِجَعْفَرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ: «إِنْ يَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ طَعَنُوا فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ ابْنَهُ هَذَا مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ» . ذِكْرُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْصَارِيٌّ، كَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَإِذَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، قَالَ زَيْدٌ: فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرُونِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ، قُلْتُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ. قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْعُسُبُ: جَمْعُ الْعَسِيبِ وَهُوَ جَرِيدَةُ النَّخْلِ، وَاللِّخَافُ: الْحِجَارَةُ الرِّقَاقُ. وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدٌ» وَخَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِالْجَابِيَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْفَرَائِضِ فَلْيَأْتِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْفِقْهِ فَلْيَأْتِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: غَلَبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ النَّاسَ عَلَى اثْنَتَيْنِ: الْفَرَائِضِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وَالْقُرْآنِ. وَقِيلَ فِي زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّاعِرِ: فَمَنْ لِلْقَوَافِي بَعْدَ حَسَّانٍ وَابْنِهِ ... وَمَنْ لِلْمَثَانِي بَعْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتِ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَدُفِنَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «هَذَا حَبْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ» . وَقَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا مَاتَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَدُفِنَ، قَالَ ابْنُ الْعَبَّاسِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «هَكَذَا يَذْهَبُ الْعِلْمُ» . وَقَالَ مَسْرُوقٌ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَسَأَلْتُ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا زَيْدٌ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بِرِكَابِ زَيْدٍ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: دَعْهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَكَذَا يُفْعَلُ بِالْعُلَمَاءِ الْكُبَرَاءِ. قِيلَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 ذِكْرُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخُو عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ. قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِأَخِيهِ زَيْدٍ يَوْمَ أُحُدٍ: خُذْ دِرْعِي. قَالَ: إِنِّي أُرِيدُ مِنَ الشَّهَادَةِ مِثْلَ مَا تُرِيدُ، فَتَرَكَاهَا جَمِيعًا. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ أَسَنَّ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 ذِكْرُ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، هُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ أَبِي الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، عَقَبِيٌّ، بَدْرِيٌّ، آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَوَلَّاهُ قِسْمَةَ شَعْرِهِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ. قَالَ أَنَسٌ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا حَلَقَ شَعْرَهُ نَاوَلَهُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ: «اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ» كَانَ زَوْجُ أُمِّ سُلَيْمٍ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الْجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةٍ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 كَانَ يَرْمِي بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ: نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ، وَوَجْهِي لِوَجْهِكَ الْوَفَاءُ، وَنَفْسِي لِنَفْسِكَ الْفِدَاءُ. وَهُوَ الَّذِي حَفَرَ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَحَدَ لَهُ. قَالَ أَنَسٌ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَرَأَ أَبُو طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، هَذِهِ الْآيَةَ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] فَقَالَ: أيْ بُنَيَّ مَا أَرَى رَبَّنَا إِلَّا يَسْتَنْفِرُنَا شُيُوخًا وَشُبَّانًا، يَا بُنَيَّ: جَهِّزُونِي جَهِّزُونِي، فَقَالَ بَنُوهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَدْ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى مَاتَ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَنَحْنُ نَغْزُو عَنْكَ، قَالَ: لَا، جَهِّزُونِي فَغَزَا الْبَحْرَ فَتُوُفِّيَ، فَلَمْ يَجِدُوا جَزِيرَةً يَدْفِنُوهُ فِيهَا إِلَّا بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فَدَفَنُوهُ فِيهَا وَلَمْ يَتَغَيَّرْ. وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ رَبَّنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 يَسْأَلُنَا أَمْوَالَنَا وَإِنَّ حَائِطِي الَّذِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا صَدَقَةٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلْهَا فِي قَوْمِكَ» . فَقَسَمَهَا بَيْنَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ أَبَا طَلْحَةَ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَجْلِ الْمَغَازِي، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَكُنْ يُفْطِرُ غَيْرَ يَوْمِ الْفِطْرِ. وَيَوْمِ النَّحْرِ. ذِكْرُ زَيْدِ بْنِ الدَّثِنَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ، بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي سَرِيَّةِ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ، وَخُبَيْبٍ وَقُتِلَ بِمَكَّةَ بِالتَّنْعِيمِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ: أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا مَكَانَكَ يُضَربُ عُنُقُهُ، وَإِنَّكَ فِي أَهْلِكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا فِي مَكَانِي يُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تؤُذْيِهِ، وَإنِّي فِي أَهْلِي، فَقَالَ: أَبُو سُفْيَانَ مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا يُحِبُّ أَحَدًا كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 ذِكْرُ زِيَادِ بْنِ السَّكَنِ الْأَنْصَارِيِّ أَبُو عُمَارَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْصَارِيٌّ، كُنْيَتُهُ أَبُو عُمَارَةَ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ. رُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا أَلْحَمَهُ الْقِتَالُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَخَلُصَ إِلَيْهِ وَكَانَ قَدْ ثَقُلَ وَظَاهِرٌ بَيْنَ دِرْعَيْنِ دَنَا مِنْهُ الْأَعْدَاءُ، فَذَبَّ عَنْهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ حَتَّى قُتِلَ، وَأَبُو دِجَانَةَ حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِ الْجِرَاحَةُ، وَأُصِيبَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَّتُهُ، وَكَلِمَتْ شَفَتُهُ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَ ذَلِكَ: «مَنْ رَجُلٌ يَبِيعُ لَنَا نَفْسَهُ» ، فَوَثَبَ فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ خَمْسَةٌ، مِنْهُمْ زِيَادُ بْنُ السَّكَنِ، فَقُتِلُوا حَتَّى كَانَ آخِرَهُمْ زِيَادُ بْنُ السَّكَنِ قَاتَلَ حَتَّى أَثْبَتَ، ثُمَّ ثَابَ إِلَيْهِ أُنَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَاتَلُوا عَنْهُ حَتَّى أَجْهَضُوا عَنْهُ الْعَدُوَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْنُ مِنِّي» ، وَقَدْ أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحُ، وَوَسَّدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدَيْهِ حَتَّى مَاتَ عَلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 باب السِّينِ ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، أَوْسِيٌّ، شَهِدَ بَدْرًا، وَأُحُدًا، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَاهْتَزَّ لِمَوْتِهِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ. قَالَ عَلْقَمَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: حَضَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَمُوتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْقُبَّةِ الَّتِي ضَرَبَهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ بُكَاءَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بُكَاءِ عُمَرَ، وَكَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 وَقَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ جِنَازَةِ سَعْدٍ، وَدُمُوعُهُ تَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ، وَيَدُهُ فِي لِحْيَتِهِ» وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَلَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ثُمَّ فُرِجَ عَنْهُ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: افْتَخَرَ الْحَيَّانِ مِنَ الْأَنْصَارِ، الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، فَقَالَتِ الْأَوْسُ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ: غِسِّيلُ الْمَلَائِكَةِ، وَمِنَّا مَنِ اهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنَّا مَنْ حَمَتْهُ الدّبرُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمِنَّا مَنْ أُجِيزَتْ شَهَادَتُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَالَ الْخَزْرَجِيُّونَ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ جَمَعُوا الْقُرْآنَ لَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُهُمْ، زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قَالَ أَصْحَابُ الْمَغَازِي: لَمَّا أَسْلَمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَقَفَ عَلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، كَيْفَ تَعْلَمُونَ أَمْرِي فِيكُمْ؟ قَالُوا: سَيِّدُنَا وَأَفْضَلُنَا وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةٌ. قَالَ: فَإِنَّ كَلَامَكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ، ورِجَالَكُمْ، وَنِسَاؤَكُمْ حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَمَا بَقِيَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَجُلٌ، وَامْرَأَةٌ إِلَّا مُسْلِمٌ، أَوْ مُسْلِمَةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْصَارِيٌّ، خَزْرَجِيٌّ، عَقَبِيٌّ بَدْرِيٌّ، اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ، آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَعْصَعَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: «مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ إِلَى مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ؟» ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا، فَخَرَجَ يَطُوفُ فِي الْقَتْلَى حَتَّى وَجَدَ سَعْدًا جَرِيحًا مُثْبَتًا بِآخِرِ رَمَقٍ. فَقَالَ: يَا سَعْدُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ فِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟ قَالَ: أَنَا فِي الْأَمْوَاتِ، فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ سَعْدًا يَقُولُ: جَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ، وَأَبْلِغْ قَوْمَكَ عَنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ سَعْدًا يَقُولُ: إِنَّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 عِنْدَ اللَّهِ إِنْ أُخْلِصَ إِلَى نَبِيِّكُمْ وَمِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ وَعَنْ أُمِّ سَعْدِ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَلْقَى لَهَا ثَوْبَهُ حَتَّى جَلَسَتْ عَلَيْهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: هَذِهِ ابْنَةُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَمِنْكَ، قُبِضَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ فِي الْجَنَّةِ وَبَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ. ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَيِّدُ بَنِي الْخَزْرَجِ، بَدْرِيٌّ، عَقَبِيٌّ، شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، كَانَ صَاحِبَ رَايَةِ الْأَنْصَارِ فِي الْمَشَاهِدِ، تُوُفِّيَ بِحُورَانَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ. قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: «كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ جَفْنَةٌ مِنْ ثَرِيدٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَدُورُ مَعَهُ أَيْنَمَا دَارَ مِنْ نِسَائِهِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 ذِكْرُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ مِنَ الْخَزْرَجِ، غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اثْنَتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً. أخبرنا عَاصِمُ بْنُ الْحَسَنِ، أخبرنا ابْنُ عُمَرَ بْنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا الْمَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَزْعُورٍ، حَدَّثَنَا أَسْيَاطُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ فَوَافَقْتُهُ يَخْطُبُ، وَسَمِعْتُهُ فِي خُطْبَتِهِ يَقُولُ: «مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفُّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرُهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ» . قَالَ: قُلْتُ: أَتَيْتُ أَسْأَلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَسْأَلُكَ، وَرَجَعْتُ وَإِنِّي أَكْثَرُ قَوْمِي مَالًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ خَيْثمَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَقَبِيٌّ، بَدْرِيٌّ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي ذِكْرِ مَنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ الْحَارِثُ الْغَطْفَانِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، شَاطِرْنَا ثَمَرَ الْمَدِينَةِ، قَالَ: «حَتَّى أَسْتَأْمِرَ السُّعُودَ» . فَبَعَثَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَسَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، وَسَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ: اسْتَهَمَ يَوْمَ بَدْرٍ خَيْثَمَةُ، وَابْنُهُ سَعْدٍ، أَيُّهُمَا يَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى بَدْرٍ، فَخَرَجَ سَهْمُ سَعْدٍ، فَقَالَ أَبُوهُ: يَا بُنَيَّ، آثِرْنِي الْيَوْمَ، فَقَالَ سَعْدُ: يَا أَبَتِ لَوْ كَانَ غَيْرُ الْجَنَّةِ لَآثَرْتُكَ بِهَا، فَقُتِلَ سَعْدٌ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقُتِلَ أَبُوهُ يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ: «أَخْرِجُوا إِليَّ مِنْكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا» . فَكَانَ نَقِيبُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: سَعْدَ بْنَ خَيْثَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 ذِكْرُ سَعِيدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْمٍ الْجُمَحِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: أَصَابَ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ حَاجَةً شَدِيدَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: بَعَثَ إِلَيْنَا بِمَا تَرَيْنَ، فَقَالَتْ: لَوْ أَنَّكَ اشْتَرَيْتَ لَنَا أُدْمًا، وَطَعَامًا، وَادَّخَرْتَ سَائِرَهَا، فَقَالَ لَهَا: أَوَلَا أَدُلُّكِ عَلَى أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ نُعْطِي هَذَا الْمَالَ مَنْ يَتَّجِرُ لَنَا فِيهِ، فَنَأْكُلُ مِنْ رِبْحِهِ وَضَمَانُهُ عَلَيْهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، إِذًا فاشتري أُدْمًا وَطَعَامًا، واشتري بَعِيرَيْنِ، وَغُلَامَيْنِ يَمْتَارَانِ عَلَيْهِمَا، وَفَرِّقْهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَأَهْلِ الْحَاجَةِ، قَالَ: فَمَا لَبِثَ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: قَدْ نَفِذَ كَذَا وَكَذَا، فَلَوْ أَتَيْتَ هَذَا الرَّجُلَ فَأَخَذْتَ لَنَا مِنْهُ الرِّبْحَ، فَاشْتَرَيْتَ لَنَا مَكَانَهُ، قَالَ: فَسَكَتَ عَنْهَا، قَالَ: ثُمَّ عَاوَدَتْهُ فَسَكَتَ عَنْهَا حَتَّى آذَتْهُ، وَلَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ إِلَّا مِنْ لَيْلٍ إِلَى لَيْلٍ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مِمَّنْ يَدْخُلُ بِدُخُولِهِ، فَقَالَ لَهَا: مَا تَصْنَعِينَ؟ إِنَّكِ قَدْ آذَيْتِيهِ، وَإِنَّهُ قَدْ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ الْمَالَ، فَبَكَتْ أَسَفًا عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَقَالَ: عَلَى رَسْلِكِ إِنَّهُ كَانَ لِي أَصْحَابٌ فَارَقُونِي مُنْذُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 قَرِيبٍ، مَا أُحِبُّ أَنِّي صَدَرْتُ عَنْهُمْ وَأَنَّ لِي الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ خَيِّرَةً مِنْ خَيْرَاتِ الْحِسَانِ اطَّلَعَتْ مِنَ السَّمَاءِ لَأَضَاءَتْ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، وَلَقَهَرَ ضَوْءُ وَجْهِهَا الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَلَنَصِيفٌ تُكْسِي خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، فَلَأَنْتِ فِي نَفْسِي أَحْرَى أَنْ أَدَعَكِ لَهُنَّ مِنْ أَنْ أَدَعَهُنَّ لَكِ، قَالَ: فَسَمَحَتْ وَرَضِيَتْ. وَعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِحِمْصَ سَعِيدَ بْنَ عَامِرِ بْنِ حُذَيْمٍ الْجُمَحِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِمْصَ، قَالَ: يَا أَهْلَ حِمْصَ، كَيْفَ وَجَدْتُمْ عَامِلَكُمْ؟ فَشَكَوْهُ إِلَيْهِ، وَكَانَ يُقَالُ: حِمْصُ الْكُوَيْفَةُ الصُّغْرَى لِشِكَايَتِهِمُ الْعُمَّالَ، قَالَ: فَشَكَوْا أَرْبَعًا: لَا يَخْرُجُ إِلَيْنَا حَتَّى يَتَعَالَى النَّهَارُ، قَالَ: أَعْظِمْ بِهَا، قَالَ: فَمَاذَا؟ قَالُوا: يَغْنَظُ الْغَنْظَةَ بَيْنَ الْأَيَّامِ، يَعْنِي يَأْخُذُهُ مَوْتُهُ، أَيْ: شِبْهُ الْجُنُونِ، قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 فَجَمَعَ عُمَرُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَقْبَلْ رَأْيِي فِيهِ الْيَوْمَ، مَا تَشْكُونَ مِنْهُ؟ قَالُوا: لَا يَخْرُجُ إِلَيْنَا حَتَّى يَتَعَالَى النَّهَارُ، قَالَ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَكْرَهُ ذِكْرَهُ، قَالَ: لَيْسَ لِأَهْلِي خَادِمٌ، فَأَعْجِنُ عَجِينِي، ثُمَّ أَجْلِسُ حَتَّى يَخْتَمِرَ، ثُمَّ أَخْبِزُ خُبْزِي، ثُمَّ أَتَوَضَّأُ، ثُمَّ أَخْرُجُ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَا تَشْكُونَ مِنْهُ؟ قَالُوا: لَا يُجِيبُ أَحَدًا بِلَيْلٍ، قَالَ: مَا يَقُولُونَ، قَالَ: إِنْ كُنْتُ لَأَكْرَهُ ذِكْرَهُ، إِنِّي جَعَلْتُ النَّهَارَ لَهُمْ وَجَعَلْتُ اللَّيْلَ للَّهِ، قَالَ: وَمَا تَشْكُونَ مِنْهُ؟ قَالُوا: إِنَّ لَهُ يَوْمًا فِي الشَّهْرِ لَا يَخْرُجُ إِلَيْنَا فِيهِ، قَالَ: مَا يَقُولُونَ، قَالَ: لَيْسَ لِي خَادِمٌ يَغْسِلُ ثِيَابِي، وَلَا لِي ثِيَابٌ أُبَدِّلُهَا، فَأَجْلِسُ حَتَّى تَجِفَّ ثُمَّ أُدْلِكُهَا ثُمَّ أَخْرُجُ إِلَيْهِمْ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ، قَالَ: مَا تَشْكُونَ مِنْهُ؟ قَالُوا: يَغْنَظُ الْغَنْظَةَ بَيْنَ الْأَيَّامِ، قَالَ: مَا يَقُولُونَ؟ قَالَ: شَهِدْتُ مَصْرَعَ خُبَيْبٍ الْأَنْصَارِيِّ بِمَكَّةَ، قَدْ بَضَعَتْ قُرَيْشٌ لَحْمَهُ ثُمَّ حَمَلُوهُ عَلَى جَذْعَةٍ، فَقَالُوا: أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا مَكَانَكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي فِي أَهْلِي وَأَنَّ مُحَمَّدًا شِيكَ شَوْكَةً، ثُمَّ نَادَى: يَا مُحَمَّدُ، فَمَا ذَكَرْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، بِتَرْكِي نُصْرَتَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَأَنَا مُشْرِكٌ لَا أُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، إِلَّا ظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لِي بِذَلِكَ الذَّنْبِ أَبَدًا، قَالَ: فَيُصِيبُنِي تِلْكَ الْغَنْظَةُ، فَقَالَ عُمَرُ: الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لَمْ يَقْبَلْ فِيهِ رَأْيًا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَقَالَ: اسْتَعْنِ بِهَا عَلَى أَمْرِكَ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَغْنَانَا مِنْ خِدْمَتِكَ، فَقَالَ لَهَا: فَهْلَ لَكِ فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ نَدْفَعُهَا إِلَى مَنْ يَأْتِينَا بِهَا أَحْوَجَ مَا نَكُونُ إِلَيْهَا، قَالَتْ: فَنَعَمْ، فَدَعَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِهِ يَثِقُ بِهِ فَصَرَّرَهَا صُرَرًا، ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقْ بِهَذِهِ إِلَى أَرْمَلَةِ آلِ فُلَانٍ، وَإِلَى يَتِيمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 آلِ فُلَانٍ، وَإِلَى مِسْكِينِ آلِ فُلَانٍ، وَإِلَى مُبْتَلَى آلِ فُلَانٍ، فَبَقِيَتْ مِنْهَا ذُهَيْبَةٌ فَقَالَ: أَنْفِقِي هَذِهِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى عَمَلِهِ، فَقَالَتْ: أَلَا تَشْتَرِي لَنَا خَادِمًا؟ مَا فَعَلَ ذَلِكَ الْمَالُ؟ قَالَ: سَيَأْتِيكِ أَحْوَجَ مَا تَكُونِينَ. ذِكْرُ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ، أَخَذَ اللِّوَاءَ بِيَمِينِهِ فَقُطِعَتْ، ثُمَّ تَنَاوَلَهَا بِشِمَالِهِ فَقُطِعَتْ، ثُمَّ اعْتَنَقَ اللِّوَاءَ وَجَعَلَ يَقْرَأُ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] إِلَى أَنْ قُتِلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 اسْتَبْطَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَلَمَّا جِئْتُ قَالَ لِي: «أَيْنَ كُنْتِ؟» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سمعت قِرَاءَةَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ مَا سمعت مِثْلَهُ قَطُّ، قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَبِعْتُهُ، فَقَالَ لِي: «مَا تَدْرِي مَنْ هُوَ؟» ، قُلْتُ: لَا، قَالَ: «هَذَا سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ» ، ثُمَّ قَالَ: «الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مِثْلَ هَذَا» . ذِكْرُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَسْلَمَ بَعْدَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمَدِينَةَ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ، وَيَطْلُبُ الدِّينَ، وَكَانَ عَبْدًا لِقَوْمٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 فَكَاتَبَهُمْ، فَأَعَانَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابَتِهِ، وَعُتِقَ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ الْخَنْدَقُ، وَتُوُفِّيَ بِالْمَدَائِنِ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ مِنْ أَصْبَهَانَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: جي، وَكَانَ أَبِي دَهَقَانُهَا. وَعَنْ أَبِي قُرَّةَ الْكِنْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ مِنْ أَبْنَاءِ أَسَاوِرَةِ فَارِسٍ، وَكُنْتُ فِي كُتَّابٍ، وَكَانَ مَعِيَ غُلَامَانِ، فَكَانَا إِذَا رَجَعَا مِنْ عِنْدِ مُعَلِّمِهِمَا أَتَيَا قِسًّا فَدَخَلَا عَلَيْهِ، فَدَخَلْتُ مَعَهُمَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكُمَا أَنْ تَأْتِيَانِي بِأَحَدٍ، فَجَعَلْتُ اخْتَلِفُ إِلَيْهِ حَتَّى كُنْتُ أَحَبَّ إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 مِنْهُمَا، فَقَالَ لِي: إِذَا سَأَلَكَ أَهْلُكَ مَا حَبَسَكَ؟ فَقُلْ: مُعَلِّمِي، وَإِذَا سَأَلَكَ مُعَلِّمُكَ مَا حَبَسَكَ؟ فَقُلْ: أَهْلِي، ثُمَّ إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّلَ، فَقُلْتُ: أَنَا أَتَحَوَّلُ مَعَكَ، فَتَحَوَّلْتُ مَعَهُ فَنَزَلْتُ قَرْيَةً، وَكَانَتِ امْرأَةٌ تَأْتِيهِ، فَلَمَّا حَضَرَ قَالَ لِي: يَا سَلْمَانُ، احْفُرْ عِنْدَ رَأْسِي فَحَفَرْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ فَاسْتَخْرَجْتُ جَرَّةً مِنْ دَرَاهِمَ، فَقَالَ لِي: صُبَّهَا عَلَى صَدْرِي، فَصَبَبْتُهَا، ثُمَّ إِنَّهُ مَاتَ فَهَمَمْتُ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ إِنِّي ذَكَرْتُ الْمَوْتَ وَالْقِيَامَةَ فَتَرَكْتُهَا وَآذَنْتُ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانَ بِهِ فَحَضَرُوهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ مَالًا، فَقَامَ شَباب فِي الْقَرْيَةِ فَأَخَذُوهُ، فَقُلْتُ لِلرُّهْبَانِ: أَخْبِرُونِي بِرَجُلٍ عَالِمٍ أتَّبِعُهُ؟ فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ رَجُلًا أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ بِحِمْصَ، فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِ فَلَقِيتُهُ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: وَمَا جَاءَ بِكَ إِلَّا طَلَبُ الْعِلْمِ؟ فَقُلْتُ: مَا جَاءَ بِي إِلَّا طَلَبُ الْعِلْمِ، فَقَالَ: فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ فِي الْأَرْضِ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ يَأْتِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ كُلَّ سَنَةٍ، وَإِنِ انْطَلَقْتَ الْآنَ وَافَقْتَ حِمَارَهُ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا حِمَارٌ عَلَى باب بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَيَّ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: وَمَا جَاءَ بِكَ إِلَّا طَلَبُ الْعِلْمِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: اجْلِسْ فَانْطَلَقَ فَلَمْ أَرَهُ حَتَّى الْحَوْلِ، فَجَاءَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، مَا صَنَعْتَ بِي؟ قَالَ: وَإِنَّكَ لَهَا هُنَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ فِي الْأَرْضِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 رَجُلًا أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ خَرَجَ بِأَرْضِ تَيْمٍ، فَإِنْ تَنْطَلِقْ تُوَافِقْهُ وَفِيهِ ثَلَاثُ آيَاتٍ: يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَعِنْدَ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ الْيُمْنَى خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، مِثْلُ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ، لَوْنُهَا لَوْنُ جِلْدِهِ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ تَرْفَعُنِي أَرْضٌ وَتُخْفِضُنِي أُخْرَى حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْأَعْرَابِ فَاسْتَعْبَدُونِي، فَبَاعُونِي وَاشْتَرَتْنِي امْرَأَةٌ بِالْمَدِينَةِ، فَسَمِعْتُهُمْ يَذْكُرُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ الْعَيْشُ عَزِيزًا، فَقُلْتُ لَهَا: هِبِي لِي يَوْمًا، فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَانْطَلَقْتُ فَاحْتَطَبْتُ حَطَبًا فَبِعْتُهُ، فَأَتَيْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَسِيرًا فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا» ؟ قُلْتُ: صَدَقَةٌ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «كُلُوا» ، وَلَمْ يَأْكُلْ، فَقُلْتُ: هَذِهِ مِنْ عَلَامَتِهِ، ثُمَّ مَكَثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ، ثُمَّ قُلْتُ لِمَوْلَاتِي: هِبِي لِي يَوْمًا. فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَانْطَلَقْتُ فَاحْتَطَبْتُ حَطَبًا، فَبِعْتُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَصَنَعْتُ طَعَامًا، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» ، فَقُلْتُ: هَدِيَّةٌ، فَوَضَعَ يَدَهُ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «خُذُوا بِاسْمِ اللَّهِ» ، فَقُمْتُ خَلْفَهُ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فَإِذَا خَاتِمُ النُّبُوَّةِ، فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» ، فَحَدَّثْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ، ثُمَّ قُلْتُ: أَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَإِنَّهُ أخبرني أَنَّكَ نَبِيٌّ، فَقَالَ: «لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ خَبَّرَنِي أَنَّكَ نَبِيٌّ، قَالَ: «لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا رَجُلٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 مُسْلِمٌ» وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، جَاءَ سَلْمَانُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِمَائِدَةٍ عَلَيْهَا رُطَبٌ فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ؟» ، فَقَالَ: صَدَقَةٌ عَلَيْكَ وَعَلَى أَصْحَابِكَ، فَقَالَ: «ارْفَعْهَا فَإِنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» ، فَرَفَعَهَا فَجَاءَ مِنَ الْغَدِ بِمِثْلِهِ فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ؟» ، قَالَ: هَدِيَّةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «ابْسُطُوا» ، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى الْخَاتِمِ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَآمَنَ بِهِ، وَكَانَ لِلْيَهُودِ فَاشْتَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا، وَعَلَى أَنْ يَغْرِسَ لَهُمْ نَخِيلًا فَيَعْمَلُ سَلْمَانُ فِيهَا حَتَّى تُطْعِمَ، قَالَ: فَغَرَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، النَّخِيلَ إِلَّا نَخْلَةً وَاحِدَةً غَرَسَهَا عُمَرُ، فَحَمَلَتِ النَّخِيلُ مِنْ عَامِهَا وَلَمْ تَحْمِلْ نَخْلَةُ عُمَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا شَأْنُ هَذِهِ؟» ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا غَرَسْتُهَا، فَنَزَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ غَرَسَهَا فَحَمَلَتْ مِنْ عَامِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى أَنْ أَغْرِسَ لَهُمْ خَمْسِ مِائَةِ فَسِيلَةٍ، فَإِذَا عَلَقَتْ فَأَنَا حُرٌّ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَغْرِسَ فَآذِنِّي» ، فَآذَنْتُهُ، فَجَعَلَ يَغْرِسُ فَعَلَقْنَ جَمِيعًا إِلَّا وَاحِدَةً غَرَسْتُهَا أَنَا بِيَدِي. فَصْلٌ أخبرنا أَبُو طَاهِرٍ الرَّارَانِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِكُوَيْهِ، حَدَّثَنَا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ هُوَ ابْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ مَرَّ بِسَلْمَانَ، وَصُهَيْبٍ، وَبِلَالٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَقَالُوا: مَا أَخَذْتَ سُيُوفَ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ هَذَا مَأْخَذَهَا بَعْدُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهَا، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي قَالُوا، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ» ، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَيْ إِخْوَتِي، لَعَلِّي أَغْضَبْتُكُمْ، فَقَالُوا: لَا يَا أَبَا بَكْرٍ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَخْبَرَنَا عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: عَنْ أَيِّهِمْ تَسْأَلُونَ؟ قَالُوا: سَلْمَانَ، قَالَ: أَدْرَكَ الْعِلْمَ الْأَوَّلَ، وَالْعِلْمَ الْآخِرَ، بَحْرٌ لَا يُدْرَكُ قَعْرُهُ، هُوَ مِنَّا أَهْلِ الْبَيْتِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 ذِكْرُ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُوِيَ عَنْ سَفِينَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «أَعْتَقَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ، وَاشْتَرَطَتْ عَلَيَّ أَنْ أَخْدُمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: قَالَتْ لِي أُمُّ سَلَمَةَ: " إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْتِقَكَ وَأَشْتَرِطَ عَلَيْكَ خِدْمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَاشَ، قُلْتُ: وَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَشْتَرِطِي عَلَيَّ مَا فَارَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَمُوتَ، فَأَعْتَقَتْنِي ". وَفِي رِوَايَةٍ: تَخْدِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَشْرَ سِنِينَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِسَفِينَةَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مَا أَنَا بِمُخْبِرُكَ سَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَفِينَةَ، قُلْتُ: بِمَ سَمَّاكَ سَفِينَةَ؟ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ مَتَاعُهُمْ فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 لِي: «ابْسُطْ كِسَاءَكَ» ، فَبَسَطْتُ فَجَعَلَ فِيهِ مَتَاعَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: «احْمِلْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ سَفِينَةُ» . فَلَوْ حَمَلَ عَلَيَّ يَؤْمَئِذٍ وِقْرَ بَعِيرٍ وَبَعِيرٍ حَتَّى عَدَّ سَبْعَةً، مَا ثَقُلَ عَلَيَّ إِلَّا أَنْ يَخُفُّوا وَعَنْ سَفِينَةَ، قَالَ: رَكِبْتُ سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ فَانْكَسَرَتْ، فَرَكِبْتُ لَوْحًا مِنْهَا فَطَرَحَنِي إِلَى أَجْمَةٍ فِيهَا أَسَدٌ، فَلَمْ يُرِعْنِي إِلَّا بِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْحَارِثِ، إِنِّي سَفِينَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ وَجَعَلَ يَدْفَعُنِي بِجَنْبِهِ وَبِكَتِفِهِ حَتَّى وَضَعَنِي عَلَى الطَّرِيقِ، ثُمَّ هَمْهَمَ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوَدِّعُنِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 باب الشِّينِ ذِكْرُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْصَارِيٌّ هُوَ ابْنُ أَخِي حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ، تُوُفِّيَ بِفَلَسْطِينَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرْتُهُ فِي مَجْلِسِي هَذَا فَأَبْكَانِي، قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرًا سَاءَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 الَّذِي أَرَاهُ بِوَجْهِكَ؟ قَالَ: «أَمْرٌ تَخَوَّفْتُهُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي» ، قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ، وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ» ، قُلْتُ: أَتُشْرِكُ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ؟ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ لَا يَعْبُدُونَ شَمْسًا، وَلَا قَمَرًا، وَلَا حَجَرًا، وَلَا وَثَنًا، وَلَكِنْ يُرَاءُونَ بِأَعْمَالِهِمْ» ، قُلْتُ: أَذَلِكَ شِرْكٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قُلْتُ: فَمَا الشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ؟ قَالَ: «أَنْ يُصْبِحَ أَحَدُهُمْ صَائِمًا، فَتَعْرِضُ لَهُ شَهْوَةٌ مِنْ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا، فَيُفْطِرُ لَهَا وَيَدَعُ صَوْمَهُ» قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ أُوتِيَ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتَ حِلْمًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أُوتِيَ حِلْمًا وَلَمْ يُؤْتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 عِلْمًا، وَإِنَّ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْحِلْمَ. وَقَالَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ: مَا تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ مُنْذُ أَسْلَمْتُ حَتَّى أَزُمَّهَا وَأَخْطِمَهَا. قَالَ أَسَدُ بْنُ وَدَاعَةَ: كَانَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ إِذَا دَخَلَ الْفِرَاشَ يَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ لَا يَأْتِيهِ النَّوْمُ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ النَّارَ أَذْهَبَتْ مِنِّي النَّوْمَ، فَيَقُومُ فَيُصَلِّي حَتَّى يُصْبِحَ. وَقَالَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ: إِنَّكُمْ لَمْ تَرَوْا مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا أَسْبَابَهُ، وَلَمْ تَرَوْا مِنَ الشَّرِّ إِلَّا أَسْبَابَهُ، الْخَيْرُ كُلُّهُ بِحَذَافِيرِهِ فِي الْجَنَّةِ، وَالشَّرُّ كُلُّهُ بِحَذَافِيرِهِ فِي النَّارِ. وَقَالَ: مَا تَكَلَّمْتُ مُنْذُ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِكَلِمَةٍ إِلَّا مَخْطُومَةٍ مَزْمُومَةٍ. وَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا شَدَّادُ، إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ قَدِ اكْتَنَزُوا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَاكْتَنِزْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَشُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَبَرْدَ مَغْفِرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَلِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 ذِكْرُ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَسْلَمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ. رَوَى مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ حُنَيْنٍ وَاللَّهِ مَا أَخْرَجَنِي الْإِسْلَامُ وَلَا مَعْرِفَةٌ بِهِ، وَلَكِنْ أَنِفْتُ أَنْ يَظْهَرَ هَوَازِنُ عَلَى قُرَيْشٍ، فَقُلْتُ وَأَنَا وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرَى خَيْلًا بِلَقَاءٍ، قَالَ: «يَا شَيْبَةُ، إِنَّهُ لَا يَرَاهَا إِلَّا كَافِرٌ» ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ «اللَّهُمَّ اهْدِ شَيْبَةَ» ، فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، فَوَاللَّهِ مَا رَفَعَ يَدَهُ مِنْ صَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ حَتَّى مَا كَانَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 خَلْقِ اللَّهِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ، فَالْتَقَى النَّاسُ فَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ، فَنَادَى الْعَبَّاسُ: أَيْنَ أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ؟ وَالنَّبِيُّ يَقُولُ: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبِ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» . فَعَطَفَ الْمُسْلِمُونَ فَاصْطَلَوْا بِالسُّيُوفِ وَهَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ: ذَكَرْتُ يَوْمَ حُنَيْنٍ، أَبِي وَعَمِّي قَتَلَهُمَا حَمْزَةُ، قُلْتُ: الْيَوْمَ أُدْرِكُ ثَأْرِي فِي مُحَمَّدٍ، فَجِئْتُهُ مِنْ خَلْفِهِ فَدَنَوْتُ وَدَنَوْتُ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ أَضْرِبَهُ بِالسَّيْفِ، رُفِعَ لِي شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ كَأَنَّهُ الْبَرْقُ، فَخِفْتُ أَنْ يَمْحَشَنِي، فَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبِي الْقَهْقَرِيَّ فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «يَا شَيْبُ ادْنُ» ، فَدَنَوْتُ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي فَاسْتَخْرَجَ اللَّهُ الشَّيْطَانَ مِنْ قَلْبِي، فَرَفَعْتُ إِلَيْهِ بَصَرِي فَلَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَمْعِي وَبَصَرِي، وَقَالَ لِي: «يَا شَيْبُ، قَاتِلِ الْكُفَّارَ» . قَالَ: فَقَاتَلْتُ مَعَهُ قِيلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 ذِكْرُ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَسَنَةُ أُمُّهُ، وَهُوَ شُرَحْبِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُطَاوِعِ، يُقَالُ لَهُ: ذُو الْهِجْرَتَيْنِ: هِجْرَةٌ بِالْحَبَشَةِ، وَهِجْرَةٌ بِالْمَدِينَةِ، أَحَدُ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ بِالشَّامِ، تُوُفِّيَ بِهَا فِي الطَّاعُونِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. طُعِنَ هُوَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي يَوْمِ وَاحِدٍ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 باب الصَّادِ ذِكْرُ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَهِدَ بَدْرًا، مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، افْتَدَى نَفْسَهُ وَدِينَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَالِهِ، فَنَزَلَتْ فِيهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: 207] . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَبِلَالٌ، وَصُهَيْبٌ، وَالْمِقْدَادُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: " السُّبَّاقُ أَرْبَعَةٌ: أَنَا سَابِقُ الْعَرَبِ، وَسَلْمَانُ سَابِقُ الْفُرْسِ، وَبِلَالٌ سَابِقُ الْحَبَشَةِ، وَصُهَيْبٌ سَابِقُ الرُّومِ " قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ صُهَيْبٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنَ النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ، سَبَتْهُ الرُّومُ مِنَ الْمَوْصِلِ صَغِيرًا. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ صُهَيْبًا أَقْبَلَ مُهَاجِرًا نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَبِعَهُ نَفَرٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَنَزَلَ فَانْتَشَلَ كِنَانَتَهُ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَنِّي أَرْمَاكُمْ رَجُلًا بِسَهْمٍ، وَايْمُ اللَّهِ لَا تَصِلُونَ إِلَيَّ حَتَّى أَرْمِيَكُمْ بِكُلِّ سَهْمٍ فِي كِنَانَتِي، ثُمَّ أَضْرِبَكُمْ بِسَيْفِي مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 بَقَى فِي يَدِي مِنْهُ، ثُمَّ شَأَنُكُمْ بَعْدُ، وَقَالَ: إِنْ شِئْتُمْ دَلَلْتُكُمْ عَلَى مَالِي، قَالُوا: فَدُلَّنَا عَلَى مَالِكَ بِمَكَّةَ، وَنُخَلِّي عَنْكَ، فَتَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْقُرْآنَ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة: 207] حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صُهَيْبًا قَالَ: «رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَى، رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَى» وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ رُوِيَ عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «لَمْ يَشْهَدْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَشْهَدًا قَطُّ إِلَّا كُنْتُ حَاضِرَهُ، وَلَمْ يُبَايِعْ بَيْعَةً قَطُّ إِلَّا كُنْتُ حَاضِرَهُ، وَلَمْ يُسَيِّرْ سَرِيَّةً قَطُّ إِلَّا كُنْتُ حَاضِرَهَا، وَلَا غَزَا غَزْوَةً قَطُّ إِلَّا كُنْتُ فِيهَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، وَمَا جَعَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنِي وَبَيْنَ الْعَدُوِّ قَطُّ» أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ هُوَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى صُهَيْبٍ حَائِطًا لَهُ بِالْعَالِيَةِ، فَلَمَّا رَآهُ صُهَيْبٌ قَالَ: يَا نَاسُ، يَا نَاسُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا لَهُ يَدْعُو النَّاسَ؟ قَالُوا: إِنَّمَا يَدْعُو غُلَامًا لَهُ يُقَالُ لَهْ: يُحَنِّسُ، قَالَ: مَا فِيكَ شَيْءٌ أُعِيبَهُ يَا صُهَيْبُ إِلَّا ثَلَاثَ خِصَالٍ، لَوْلَاهُنَّ مَا قَدَّمْتُ عَلَيْكَ أَحَدًا، قَالَ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: هَلْ أَنْتَ مُخْبِرِي عَنْهُنَّ؟ قَالَ صُهَيْبٌ: مَا أَنْتَ سَائِلٌ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا صَدَقْتُكَ عَنْهُ، قَالَ: أَرَاكَ تَنْتَسِبُ عَرَبِيًّا وَلِسَانُكَ أَعْجَمِيٌّ، وَتُكْنَى بِاسْمِ نَبِيٍّ، بِأَبِي يَحْيَى، وَتَبْذُرَ مَالَكَ، قَالَ: أَمَّا تَبْذِيرِي مَالِي، فَمَا أُنْفِقُهُ إِلَّا فِي حَقِّهِ، وَأَمَّا اكْتِنَائِي بِأَبِي يَحْيَى فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَنَانِي أَفَأَتْرُكُهَا لَكَ، وَأَمَّا انْتِمَائِي إِلَى الْعَرَبِ، فَإِنَّ الرُّومَ سَبَتْنِي صَغِيرًا فَأَخَذْتُ لِسَانَهُمْ فَإِنِّي لَأَذْكُرُ خِبَائِي وَأَنَا رَجُلٌ مِنَ النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ لَوِ انْفَلَقَتْ عَنِّي رَوْثَةٌ لَانْتَمَيْتُ إِلَيْهَا. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: هَرَبَ صُهَيْبٌ مِنَ الرُّومِ وَمَعَهُ مَالٌ كَثِيرٌ، فَنَزَلَ مَكَّةَ وَكَانَ الرُّومُ أَخَذُوا صُهَيْبًا مِنْ نِينَوَى، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى الْمَدِينَةِ، لَحِقَهُ صُهَيْبٌ فَتَبِعَتْهُ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: لَا تَفْجَعْنَا بِأَهْلِكَ وَمَالِكَ، فَدَفَعَ إِلَيْهِمْ مَالَهُ، وَأَتَى الْمَدِينَةَ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 ذِكْرُ صُدَيِّ بْنِ عَجْلَانَ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ آخِرَ مَنْ بَقَى بِالشَّامِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ. رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَنْشَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَزْوَةً فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لِي بِالشَّهَادَةِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ سَلِّمْهُمْ وَغَنِّمْهُمْ» ، فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا، ثُمَّ أَنْشَأَ غَزْوَةً ثَانِيَةً، فَقُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ وَمِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ كَذَلِكَ فِي الثَّالِثَةِ، ثُمَّ قُلْتُ: مُرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِعَمَلٍ لَعَلِّي أَبْلُغُ بِهِ، قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ» ، فَمَا رُئِيَ أَبُو أُمَامَةَ، وَلَا امْرَأَتُهُ، وَلَا جَارِيَتُهُ إِلَّا صِيَامًا، وَكَانَ إِذَا رُئِيَ فِي دَارِهِمْ دُخَانٌ قِيلَ: اعْتَرَاهُمْ ضَيْفٌ، نَزَلَ بِهِمْ نَازِلٌ، قَالَ: فَلَبِثْتُ بِذَلِكَ مَا شَاءَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 اللَّهُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَرْتَنَا بِالصِّيَامِ، فَأَرْجُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ بَارَكَ لَنَا فِيهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمُرْنِي بِعَمَلٍ آخَرَ، قَالَ: «اعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تَسْجُدَ للَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَ اللَّهُ لَكَ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 باب الضَّادِ ذِكْرُ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى باب الْمَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيُّكُمُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» . قَالَ: مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي سَائِلُكَ وَمُغْلِظٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلَا تَجِدَنَّ فِي نَفْسِكَ، قَالَ: «لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي فَسَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ» ، قَالَ: أُنْشِدُكَ بِاللَّهِ إِلَهِكَ، وَإِلَهِ مَنْ قَبْلِكَ، وَإِلَهِ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ، اللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْمُرَنَا أَنْ نَعْبُدَهُ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ نَخْلَعَ هَذِهِ الْأَنْدَادَ الَّتِي كَانَ أَبَاؤُنَا تَعْبُدُ مِنْ دُونِهِ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ» ، قَالَ: فَأُنْشِدُكَ بِاللَّهِ إِلَهِكَ، وَإِلَهِ مَنْ قَبْلِكَ، وَإِلَهِ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ، اللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ» ، قَالَ: ثُمَّ جَعَلَ يَذْكُرُ فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ فَرِيضَةً، فَرِيضَةً، الزَّكَاةَ، وَالصِّيَامَ، وَالْحَجَّ وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ كُلَّهَا يُنَاشِدُهُ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَسَأُؤَدِّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ وَأَجْتَنِبُ مَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ، ثُمَّ لَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ يَصْدُقْ ذُو الْعَقِيصَتَيْنِ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ» . ذِكْرُ ضِرَارِ بْنِ الْأَزْوَرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَسَدِيٌّ مِنْ أَسَدِ خُزَيْمَةَ، سَكَنَ الْكُوفَةَ وَبِهَا تُوُفِّيَ. أخبرنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، فِي كِتَابِهِ، أخبرنا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ السَّدُوسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمَّارُ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 سَعِيدٍ الْأَثْرَمُ، حَدَّثَنَا سَلَّامٌ أَبُو الْمُنْذِرِ الْقَارِئُ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ ضِرَارِ بْنِ الْأَزْوَرِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: امْدُدْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَبَايَعْتُهُ ثُمَّ قُلْتُ: تَرَكْتُ الْقِدَاحَ وَعَزْفَ الْقِيَانِ ... وَالْخَمْرَ تَصْلِيَةً وَابْتِهَالا وَكَرِّي الْمُحَبَّرَ فِي غَمْرَةٍ ... وَحَمْلِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِتَالا فَيَا رَبِّ لَا أُغْبَنَنْ بَيْعَتِي ... وَقَدْ بِعْتُ أَهْلِي وَمَالِي بِدَالا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «مَا غُبِنْتَ بَيْعَتَكَ يَا ضِرَارُ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 باب الطَّاءِ ذِكْرُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي الْعَشَرَةِ ذِكْرُ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمَ مَكَّةَ، كَانَ سَيِّدَ دَوْسٍ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: قَدِمَ الطُّفَيْلُ مَكَّةَ، فَحَذَّرَتْهُ قُرَيْشٌ عَنِ الاسْتِمَاعِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِصْغَاءِ إِلَى كَلَامِهِ، فَسَدَّ أُذُنَهُ بِالْكُرْسُفِ خَوْفًا أَنْ يَقَعَ كَلَامُهُ فِي مَسَامِعِهِ، فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَهْدِيَهُ فَهَدَاهُ، فَأَسْلَمَ وَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَبَوْا أَنْ يُسْلِمُوا، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ» . وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لِيَ آيَةً تكَوُنُ لِي عَوْنًا عَلَيْهِمْ فِيمَا أَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً» ، فَخَرَجْتُ إِلَى قَوْمِي حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةٍ تُطْلِعُنِي عَلَى الْحَيِّ وَقَعَ نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيَّ مِثْلُ الْمِصْبَاحِ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ فِي غَيْرِ وَجْهِي فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَظُنُّوا أَنَّهَا مُثْلَةٌ، فَوَقَعَتْ فِي سَوْطِي كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ، قَالَ: ثُمَّ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِي بَشَرٌ كَثِيرٌ، فَلَحِقْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: ثُمَّ عَاشَ إِلَى قِتَالِ مُسَيْلِمَةَ، سَارَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قِتَالِهِ فَرَأَى رُؤْيَا فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنِّي رَأَيْتُ أَنَّ رَأْسِي حُلِقَ، وَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ فَمِي طَائِرٌ، وَأَنَّهُ لَقِيَتْنِي امْرَأَةٌ فَأَدْخَلَتْنِي فِي فَرْجِهَا وَأَرَى ابْنِي يَطْلُبُنِي، ثُمَّ حُبِسَ عَنِّي فَأَوَّلْتُهَا: أَمَّا حَلْقُ رَأْسِي فَوَضْعُهُ، وَأَمَّا الطَّائِرُ الَّذِي خَرَجَ مِنِّي فَرُوحِي، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي أَدْخَلَتْنِي فِي فَرْجِهَا فَالْأَرْضُ تُحْفَرُ لِي فَأُغَيَّبُ فِيهَا، وَأَمَّا طَلَبُ ابْنِي إِيَّايَ ثُمَّ حَبْسُهُ عَنِّي فَإِنَّهُ يَلْتَمِسُ أَنْ يُقْتَلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 مَعِي فَيُحْبَسُ عَنْ ذَلِكَ. فَقُتِلَ الطُّفَيْلُ بِالْيَمَامَةِ، وَجُرِحَ ابْنُهُ عَمْرٌو ثُمَّ بَرِئَ مِنْهَا حَتَّى قُتِلَ عَامَ الْيَرْمُوكِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَهِيدًا، وَقَدْ ذُكِرَ فِي باب الطَّاءِ قِصَّةُ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَإِنَّمَا كُتِبَتْ هَاهُنَا إِلْحَاقًا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قِصَّتِهِ. باب الظَّاءِ ذِكْرُ ظُهَيْرِ بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَمِّ رَافِعِ بْنِ خُدَيْجٍ، شَهِدَ الْعَقَبَةَ رَوَى حَدِيثَ «كِرَاءِ الْمَحَاقِلِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 باب الْعَيْنِ ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْهُذَلِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ رُوِيَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرَّبٍ، قَالَ: قَرَأْتُ كِتَابَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ «إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَمِيرًا، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ مُعَلِّمًا وَوَزِيرًا، وَهُمَا مِنَ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فَخُذُوا عَنْهُمَا وَاقْتَدُوا بِهِمَا وَإِنِّي قَدْ آثَرْتُكُمْ بَعَبْدِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِي أَثَرَةً» . وَعَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ يُمْلِ الْمَصَاحِفَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، فَفَزِعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَغَضِبَ وَقَالَ: وَيْحَكَ انْظُرْ مَا تَقُولُ، قَالَ: مَا جِئْتُكَ إِلَّا بِحَقٍّ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، وَسَأُحَدِّثُكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّا سَمَرْنَا لَيْلَةً عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي بَعْضِ مَا يَكُونُ مِنْ حَاجَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ خَرَجْنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي بَيْنِي، وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ إِذَا رَجُلٌ يَقْرَأُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْتَمَتْ؟ فَغَمَزَنِي بِيَدِهِ، اسْكُتْ، قَالَ: فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ، وَجَلَسَ يَدْعُو وَيَسْتَغْفِرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَلْ تُعْطَهْ» ، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَطْبًا كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْ قِرَاءَةَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» . فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَيْهِ لِأُبَشِّرَهُ، فَقَالَ: سَبَقَكَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ، وَمَا سَبَقْتُهُ قَطُّ إِلَى خَيْرٍ إِلَّا سَبَقَنِي إِلَيْهِ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ زِرٍّ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنْ أَرَاكٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ فِي سَاقِهِ دِقَّةٌ فَكَانَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ فَضَحِكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يُضْحِكُكُمْ؟» ، قَالُوا: دِقَّةُ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 وَفِي رِوَايَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَعِدَ ابْنُ مَسْعُودٍ شَجَرَةً، فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، وَعَنْ أَبِي طُعْمَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُشْبِهُ سَمْتُهُ سَمْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِخْبَاتِ، وَكَانَ الرَّبِيعُ يُشَبَّهُ بِسَمْتِ ابْنِ مَسْعُودٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَلِّهِ وَسَمْتِهِ، وَكَانَ عَلْقَمَةُ يُشَبَّهُ بِعَبْدِ اللَّهِ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: لَقَدْ تَلَقَّيْتَ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعِينَ سُورَةً أَحْكَمْتَهَا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَلَهُ ذُؤَابَةٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ " وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ الطَّيِّبِ، فَقَالَ: «إِنَّكَ غُلَامٌ مُعَلَّمٌ» . فَأَخَذْتُ مِنْ فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً، وَمَا يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ وَفِي رِوَايَةِ زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا يَافِعًا أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيِّطٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَقَدْ فَرَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَا: «يَا غُلَامُ، هَلْ عِنْدَكَ مِنْ لَبَنٍ تَسْقِينَا؟» . قَالَ: إِنِّي مُؤْتَمَنٌ وَفِي رِوَايَةٍ: قُلْتُ: إِنَّمَا أَنَا أَمِينٌ، وَلَسْتُ بِسَاقِيكُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ عِنْدَكَ جَذْعَةٌ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ؟» ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَاعْتَقَلَهَا وَمَسَحَ الضَّرْعَ، فَدَعَا بِحَفْلٍ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِصَخْرَةٍ مُنْقَعِرَةٍ، فَحَلَبَ، وَشَرِبَ، وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ، وَسَقَانِي، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: «اقْلُصْ» ، فَقَلَصَ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُلْتُ: عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ أَوِ الْقُرْآنِ، قَالَ: «إِنَّكَ غُلَامٌ مُعَلَّمٌ» ، فَأَخَذْتُ مِنْ فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً لَا يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ وَعَنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَفْشَى الْقُرْآنَ بِمَكَّةَ مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا ذَكَرَهُمْ: سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَامْرَأَتُهُ، وَقُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَخَباب، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بَعْدَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ إِنْسَانًا. وَرُوِيَ عَنْهُ: وَكَانَ مِمَّنْ هَاجَرَ قَبْلَ هِجْرَةِ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ، عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَامْرَأَتُهُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ. قَالَ: وَكَانَ مِمَّنْ قَدِمَ مِنَ الْحَبَشَةِ رَاجِعًا حِينَ بَلَغَهُمْ إِسْلَامُ أَهْلِ مَكَّةَ، عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَامْرَأَتُهُ رُقَيَّةُ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شَمَخِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ كَاهِلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ، شَهِدَ بَدْرًا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: أَقْعَصَ أَبَا جَهْلٍ ابْنَا عَفْرَاءَ، وَذَفَّفَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ أَوِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ. وَيُقَالَ: إِنَّهُ مَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً بِالْمَدِينَةِ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «إِذْنُكَ عَلَيَّ أَنْ تَرْفَعَ الْحِجَابَ، وَأَنْ تَسْمَعَ سِوَادِي حَتَّى أَنْهَاكَ» . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ السِّوَادُ: السَّرَارُ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ صَاحِبَ الْوِسَادِ، وَالسِّوَادِ، وَالسِّوَاكِ، وَالنَّعْلَيْنِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَادِسَ سِتَّةٍ، مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ غَيْرُنَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذْ مَرَّ بِيَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَلْ تُعْطَهْ» ، فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: الدُّعَاءُ الَّذِي كُنْتَ تَدْعُو بِهِ آنِفًا أَعِدْهُ عَلَيَّ، فَقَالَ: حَمِدْتُ اللَّهَ وَمَجَّدْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَعْدُكَ حَقٌّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ وَرُسُلُكَ حَقٌّ، وَكِتَابُكَ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا لَا يَرْتَدُّ، وَنَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَمُرَافَقَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ " فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قُلْتُ لِحُذَيْفَةَ: أَخْبَرَنَا بِرَجُلٍ قَرِيبِ الْهُدَى وَالسَّمْتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَقْرَبَ هَدْيًا وَسَمْتًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِ ابْنِ عَبْدٍ، وَلَقَدْ عَلِمَ الْمَحْفُوظُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ مِنْ أَقْرَبِهِمْ إِلَى اللَّهِ وَسِيلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وَعَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا مُوسَى، وَأَبَا مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، حِينَ مَاتَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَحَدُهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: أَتَرَاهُ تَرَكَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ؟ فَقَالَ: لَا، إِنْ كَانَ لَيُؤَذِّنُ لَهُ إِذَا حُجِبْنَا، ويَشْهَدُ إِذَا غِبْنَا. وَعَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: قَالُوا لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَدِّثْنَا عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: عَنْ أَيِّهِمْ؟ قَالُوا: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: عَلِمَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، ثُمَّ انْتَهَى، وَكَفَى بِذَلِكَ عِلْمًا. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ هُبَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ شَعْرُ عَبْدِ اللَّهِ يَبْلُغُ تُرْقُوَتَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: كَانَ شَعْرُ عَبْدُ اللَّهِ قَرِيبًا مِنَ التُّرْقُوَةِ، وَكَانَ يَجْعَلُهُ عَلَى أُذُنِهِ ثُمَّ يُصَلِّي. وَعَنْ طَلْحَةَ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُعْرَفُ بِاللَّيْلِ بِرِيحِ الطِّيبِ أَوْ بِالرِّيحِ الطَّيِّبَةِ، وَأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَجْوَدِ النَّاسِ ثَوْبًا، وَأَطْيَبَهُمْ رِيحًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشْبَهَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لَدُنْ يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا، مِنْ صَاحِبِ هَذِهِ الدَّارِ، وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَفِي رِوَايَةٍ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَقْرَبَ سَمْتًا، وَهَدْيًا، وَدَلًّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُوَارِيَهُ جِدَارُ بَيْتِهِ مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ. فَصْلٌ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْمًا وَفِقْهًا. وَقَالَ أَبُو مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: نَفَّلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفَ أَبِي جَهْلٍ حِينَ أَتَاهُ بِرَأْسِهِ، كَانَ أَحَدَ الَّذِينَ {اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [آل عمران: 172] . قَالَ أَصْحَابُ السِّيَرِ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، نَظِيفًا لَطِيفًا لَهُ ضَفِيرَتَانِ يُرْسِلُهُمَا مِنْ وَرَاءِ أُذُنَيْهِ، كَانَ يُوقِظُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَامَ، وَيَسْتُرُهُ إِذَا اغْتَسَلَ، وَيَرْحَلُ لَهُ إِذَا سَافَرَ، وَيُمَاشِيهِ فِي الْأَرْضِ الْوَحْشَاءِ، هُوَ أَحَدُ النَّفَرِ الَّذِينَ دَارَ عَلَيْهِمْ عِلْمُ الْقَضَاءِ وَالْأَحْكَامِ مِنَ الصَّحَابَةِ، مَرِضَ فَعَادَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: مَرْدُودٌ إِلَى مَوْلَى الْحَقِّ. تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ وَصَلَّى عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ، وَكَانَ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ لِلْمُؤَاخَاةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 أَبُو عَمْرٍو، فِي كِتَابِهِ، أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا اللُّبْنَانِيُّ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شَدَّادِ بْنِ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنَا أَبِي شَدَّادِ بْنِ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، نَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ، فَقُلْنَا: كَيْفَ أَصْبَحْتَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: «أَصْبَحْتُ بِنِعَمِ اللَّهِ خَوْنًا» ، فَقُلْنَا: كَيْفَ تَجِدُكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: «أَجِدُ قَلْبِي مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ» ، وَقُلْنَا: مَا تَشْتَكِي يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: «أَشْتَكِي ذُنُوبِي وَخَطَايَايَ» ، قُلْنَا: مَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: «أَشْتَهِي مَغْفِرَةَ اللَّهِ وَرِضْوَانَهُ» ، قُلْنَا: أَلَا نَدْعُو لَكَ طَبِيبًا؟ قَالَ: «الطَّبِيبُونَ يُطَبَّبُونَ؟» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 فَصْلٌ فِي كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ وَمَوَاعِظِهِ قَالَ عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إِذَا النَّاسُ نَائِمُونَ، وَبِنَهَارِهِ إِذَا النَّاسُ يُفْطِرُونَ، وَبِحُزْنِهِ إِذَا النَّاسُ يَفْرَحُونَ، وَبِبُكَائِهِ إِذَا النَّاسُ يَضْحَكُونَ، وَبِصَمْتِهِ إِذَا النَّاسُ يَخْلُطُونَ، وَبِخُشُوعِهِ إِذَا النَّاسُ يَخْتَالُونَ. وَقَالَ: إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَرَى الرَّجُلَ فَارِغًا لَا فِي عَمَلِ الدُّنْيَا، وَلَا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ. وَقَالَ: لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ جِيفَةَ لَيْلٍ، قُطْرُبَ نَهَارٍ. الْقُطْرُبُ: النَّمْلُ الْأَسْوَدُ الْكِبَارُ تَكُونُ فِي الْمَفَاوِزِ، تَنْقِلُ الْحُبُوبَ إِلَى جُحْرِهَا، فَرُبَّمَا تَنْقِلُ شَيْئًا كَثِيرًا، وَلَا تَأْكُلُ مِنْهَا إِلَّا يَسِيرًا. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا دُمْتَ فِي صَلَاةٍ فَأَنْتَ تَقْرَعُ باب الْمَلِكِ، وَمَنْ يَقْرَعُ باب الْمَلِكِ يَفْتَحُ لَهُ، وَقَالَ: لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ، وَلَكِنَّ الْعِلْمَ الْخَشْيَةُ. وَقَالَ: وَيْلٌ لِمَنْ لَا يَعْلَمْ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَعَلَّمَهُ، وَيْلٌ لِمَنْ يَعْلَمْ ثُمَّ لَا يَعْمَلْ، سَبْعَ مَرَّاتٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 وَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ: مَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، أَكُونُ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ أَحَبُّ إِلَيَّ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَكِنْ هَاهُنَا رَجُلٌ وَدَّ أَنَّهُ إِذَا مَاتَ لَمْ يُبْعَثْ، يَعْنِي نَفْسَهُ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ جَوَامِعَ نَوَافِعَ، فَقَالَ: اعْبُدِ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَزَلْ مَعَ الْقُرْآنِ حَيْثُ زَالَ، وَمَنْ جَاءَكَ بِالْحَقِّ فَاقْبَلْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بَغِيضًا، وَمَنْ جَاءَكَ بِالْبَاطِلِ فَارْدُدْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ حَبِيبًا قَرِيبًا. ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَصْحَابُ التَّارِيخِ: وُلِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فِي الشِّعْبِ وَذَلِكَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ. رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: تُوُفِّيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ. وَرُوِيَ عَنْهُ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَوَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَهُورًا، فَقَالَ: «مَنْ وَضَعَ هَذَا؟» ، قَالَتْ لَهُ مَيْمُونَةُ: وَضَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» وَفِي رِوَايَةِ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِي، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ وَتَأْوِيلَ الْكِتَابِ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نُهَيْكٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَانِي فَأَجْلَسَنِي فِي حِجْرِهِ وَجَعَلَ يَمْسَحُ رَأْسِي وَدَعَا لِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 بِالْحِكْمَةِ، فَلَمْ تُخْطِئْنِي دَعْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " انْتَهَيْتُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إِنَّهُ كَائِنٌ حَبْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا " وَعَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: دَخَلَ الْعَبَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرَ عِنْدَهُ أَحَدًا، وَمَعَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ ابْنُ عَمِّكَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا عِنْدَكَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: نَعَمْ، وَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَقَدْ رَأَيْتُهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ جِبْرِيلُ» وَعَنْ عَمْرِو بْنِ حَبَشِيٍّ، قَالَ: أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ؟ فَقَالَ: ائْتِ ابْنَ عَبَّاسٍ فَاسْأَلْهُ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ أُمَّةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ أَدْرَكَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَسْنَانَنَا مَا عَاشَرَهُ مِنَّا أَحَدٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: مَا عَشِرَهُ مِنَّا أَحَدٌ وَكَانَ يَقُولُ: نِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ فِي رِوَايَةٍ: لَوْ أَنَّ هَذَا الْغُلَامَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَدْرَكَ مَا أَدْرَكْنَا مَا تَعَلَّقْنَا مَعَهُ بِشَيْءٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَسْأَلُنِي مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَسْأَلُهُ وَلَنَا بَنُونَ مِثْلُهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 وَعَنْ لَيْثٍ، قَالَ: قُلْتُ لِطَاوُسٍ: أَدْرَكْتَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَرَكْتَهُمْ وَصَحِبْتَ أَحْدَثَهُمْ سِنًّا قَالَ: أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا إِذَا تَدَارَوْا فِي الْأَمْرِ انْتَهَوْا إِلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: جَالَسْتُ مَا بَيْنَ الْخَمْسِينَ إِلَى السَّبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يُخَالِفُونَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي الْمَسْأَلَةِ فَمَا يَقُومُونَ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى قَوْلِهِ. وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِمَنًى فَافْتَتَحَ سُورَةَ النُّورِ، فَجَعَلَ يَقْرَؤُهَا وَيُفَسِّرُهَا حَتَّى خَتَمَهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ، وَاللَّهِ لَوْ سَمِعَتْهُ التُّرْكُ لَأَسْلَمَتْ. وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ أَبُو وَائِلٍ: قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَشْتَهِي أُقَبِّلُ رَأْسَهُ مِنْ حَلَاوَةِ مَا جَاءَ بِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ أَبُو وَائِلٍ: وَاللَّهِ لَوْ كَانَتْ ثَمَّتُ يَوْمِئِذٍ التُّرْكُ وَفَهِمُوا مَا قَالَ لَأَسْلَمُوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: إِنَّهُ كَانَ إِذَا حَدَّثَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: حَدَّثَنِي فُلَانٌ، وَحَدَّثَنِي فُلَانٌ، فَإِذَا حَدَّثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الْبَحْرُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَنَّهُ لَحَبْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ يَوْمَ مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَاتَ الْيَوْمَ رَبَّانِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: وَجَدْتُ عَامَّةَ عِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ، إِنْ كُنْتُ لَآتِي أَحَدَهُمْ فَأُقِيلُ بِبَابِهِ، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي لِقَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَذِنَ لِي، وَلَكِنْ أَبْتَغِي بِذَلِكَ طِيبَ نَفْسِهِ. وَعَنْ مُغِيرَةَ، قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيْنَ أَصَبْتَ هَذَا الْعِلْمَ؟ قَالَ: بِلِسَانٍ سَئُولٍ، وَقَلْبِ عَقُولٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ أَبُو نَصْرٍ الشَّاذْيَاخِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّاذْيَاخِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْجَوْزَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الدَّغُولِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ بِذَلِكَ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الدَّغُولِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ الْجَلَّابُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، قَالَ: سمعت عَطَاءً يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ مَجْلِسًا كَانَ أَكْرَمَ مِنْ مَجْلِسِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَكْثَرَ فِقْهًا وَأَعْظَمَ حِفْنَةً، إِنَّ أَصْحَابَ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ، وَأَصْحَابُ النَّحْوِ عِنْدَهُ، وَأَصْحَابُ الشِّعْرِ عِنْدَهُ، وَأَصْحَابُ الْفِقْهِ عِنْدَهُ، يَصْدُرُهُمْ كُلَّهُمْ فِي وَادٍ وَاسِعٍ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو الْأَوْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ يَسَارٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَا: «لَمَّا كُفِّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، جَاءَ طَائِرٌ أَبْيَضُ فَدَخَلَ فِي كَفَنِهِ فَمَا رُئِيَ بَعْدُ» . وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ يَامِينَ: " فَجَاءَ طَائِرٌ أَبْيَضُ يُقَالُ لَهُ: الْغَرْنُوقُ فَدَخَلَ فِي النَّعْشِ فَلَمْ يُرَ بَعْدُ ". وَعَنْ أَبِي هِلَالٍ الرَّاسِبِيِّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَوْ حَدَّثَنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 غَيْرُهُ عَنْهُ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ مَجْلِسًا قَطُّ أَجْمَعَ لِكُلِّ خَيْرٍ مِنْ مَجْلِسِ ابْنِ عَبَّاسٍ، الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، وَالْعَرَبِيَةِ، وَالطَّعَامِ» . وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: إِنْ كُنْتُ لَأَسْمَعُ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْحَدِيثَ لَوْ يَأْذَنُ لِي أُقَبِّلُ رَأْسَهُ لَقَبَّلْتُهُ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ الْحَنَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا اعْتَزَلَتِ الْحَرُورِيَّةُ، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آتِ هَؤُلَاءَ الْقَوْمِ فَأُكَلِّمُهُمْ؟ قَالَ: إِنِّي أَتَخَوَّفُهُمْ عَلَيْكَ، قُلْتُ: كَلَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَبِسْتُ أَحْسَنَ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْيَمَانِيَّةِ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ قَائِلُونَ فِي حَرِّ الظَّهِيرَةِ، فَدَخَلْتُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ أَرَ قَطُّ أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُمْ، أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا ثِقْرُ الْإِبِلِ، وَوُجُوهُهُمْ مُعْلَنَةٌ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، قَالَ: فَدَخَلْتُ، فَقَالُوا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: جِئْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ الْوَحْيُ وَهُمْ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُحَدِّثُوُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنُحَدِّثَنَّهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَخْبِرُونِي مَا تَنْقِمُونَ عَلَى ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَتَنِهِ، وَأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ، قَالُوا: نَنْقِمُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، قُلْتُ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: أَوَّلُهُنَّ أَنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ} [الأنعام: 57] قُلْتُ: وَمَاذَا؟ قَالُوا: قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ، وَلَمْ يَغْنَمْ، لَئِنْ كَانُوا كُفَّارًا، لَقَدْ حَلَّتْ لَهُ أَمْوَالُهُمْ، وَلَئِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ لَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ، قُلْتُ: وَمَاذَا؟ قَالُوا: وَمَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ أَمِيرُ الْكَافِرِينَ، قُلْتُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الْمُحْكَمِ، وَحَدَّثْتُكُمْ مِنْ سُنَنِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَا تُنْكِرُونَ، أَتَرْجِعُونَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكُمْ إِنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] . . . . إِلَى قَوْلِهِ. . . {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] وَقَالَ فِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] أُنْشِدُكُمُ اللَّهَ أَفَتَحْكِيمُ الرِّجَالِ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ، وَأَنْفُسِهِمْ، وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ أَحَقٌّ أَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 فِي أَرْنَبٍ ثَمَنِهَا رُبْعُ دِرْهَمٍ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ، وَصِلَاتِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ، قَالَ: أَأَخْرَجْتُهُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إِنَّهُ قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ، أَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ أَمْ تَسْتَحِلُّونَ مِنْهَا مَا تَسْتَحِلُّونَ مِنْ غَيْرِهَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّهَا لَيْسَتْ أُمَّكُمْ فَقَدْ كَفَرْتُمْ وَخَرَجْتُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ. إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] وَأَنْتُمْ تَتَرَدَّدُونَ بَيْنَ ضَلَالَتَيْنِ، فَاخْتَارُوا أَيَّتَهُمَا شِئْتُمْ، أَأَخْرَجْتُهُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا، فَقَالَ: اكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي أَنْتُمْ، اكْتُبْ يَا عَلِيُّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ» . فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ، أَأَخْرَجْتُهُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. فَرَجَعَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفًا، وَبَقِيَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ فَقُتِلُوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 فَصْلٌ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ وَمَوَاعِظِهِ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَوْ قَالَ لِيَ فِرْعَوْنُ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، لَقُلْتُ: وَفِيكَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ، وَلَا فَاجِرٍ إِلَّا وَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ رِزْقَهُ مِنَ الْحَلَالِ، فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى يَأْتِيَهُ آتَاهُ اللَّهُ، وَإِنْ جَزِعَ، فَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنَ الْحَرَامِ، نَقَصَهُ اللَّهُ مِنْ رِزْقِهِ الْحَلَالِ. وَقَالَ: عَلَيْكَ بِالْفَرَائِضِ، وَمَا وَظَّفَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنْ حَقِّهِ، فَأَدِّهِ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِنْ عَبْدٍ صِدْقَ نِيَّتِهِ وَحِرصًا فِي حُسْنِ ثَوَابِهِ إِلَّا أَخَّرَهُ اللَّهُ عَمَّا يَكْرَهُ، وَهُوَ الْمَلِيكُ يَصْنَعُ مَا يَشَاءُ. وَقَالَ: لَمَّا ضُرِبَ الدِّرْهَمُ وَالدِّينَارُ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ، فَوَضَعَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: أَنْتَ ثَمَرَةُ قَلْبِي وَقُرَّةُ عَيْنِي، بِكَ أُطْغِي وَبِكَ أُكَفِّرُ، وَبِكَ أُدْخِلُ النَّارَ، رَضِيتُ مِنِ ابْنِ آدَمَ بِحُبِّ الدُّنْيَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ بَغَى جَبَلٌ عَلَى جَبَلٍ لَدُكَّ الْبَاغِي، وَمَا ظَهَرَ الْبَغْيُ فِي قَوْمٍ إِلَّا ظَهَرَ فِيهِمُ الْمَوْتَانِ. وَعَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: شَتَمَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَتَشْتُمُنِي وَفِيَّ ثَلَاثُ خِصَالٍ: إِنِّي لَآتِي عَلَى الْآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَوَدِدْتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَعْلَمُونَ مِنْهَا مَا أَعْلَمُ، وَإِنِّي لَأَسْمَعُ بِالْحَاكِمِ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ يَعْدِلُ فِي حُكْمِهِ فَأَفْرَحُ بِهِ، وَلَعَلِّي لَا أُقَاضِي إِلَيْهِ أَبَدًا، وَإِنِّي لَأَسْمَعُ بِالْغَيْثِ قَدْ أَصَابَ الْبَلَدَ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَأَفْرَحُ بِهِ وَمَالِي بِهِ مِنْ سَائِمَةٍ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: مَجْرَى الدُّمُوعِ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَأَنَّهُ الشِّرَاكُ الْبَالِي. وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مَهْرَانَ، قَالَ: شَهِدْتُ جِنَازَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالطَّائِفِ، فَلَمَّا وُضِعَ لِيُصَلَّى عَلَيْهِ، جَاءَ طَائِرٌ أَبْيَضُ حَتَّى دَخَلَ فِي أَكْفَانِهِ، فَالْتُمِسَ فَلَمْ يُوجَدْ، فَلَمَّا سُوِّيَ عَلَيْهِ سَمِعْنَا صَوْتًا وَلَا نَرَى شَخْصَ أَحَدٍ: {يَأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ {27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً {28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي {29} وَادْخُلِي جَنَّتِي آية 27-30} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَكْبَرَ وَلَدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، شَهِدَ الْخَنْدَقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ يَتَحَفَّظُ مَا سَمِعَ مِنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْأَلُ مَنْ حَضَرَ إِذَا لَمْ يَحْضُرْ عَمَّا قَالَ أَوْ فَعَلَ، وَكَانَ يَتَتَبَّعُ آثَارَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُصَلِّي فِي كُلِّ مَسْجِدٍ صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَوَقَفَ مَعَهُ بِعَرَفَةَ فَكَانَ يَقِفُ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ كُلَّمَا حَجَّ، وَلَا يَفُوتُهُ الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ. مَاتَ بِمَكَّةَ وَدُفِنَ بِهَا. قَالَ مُجَاهِدٌ: شَهِدَ ابْنُ عُمَرَ الْفَتْحَ، وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 وَقَالَ مُصْعَبٌ: اسْتُصْغِرَ عَبْدُ اللَّهِ يَوْمَ أُحُدٍ، شَهِدَ الْخَنْدَقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَاجَرَ مَعَ أَبِيهِ، وَأُمِّهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي. وَقَالَ الْبَرَاءُ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَأَنَا وَابْنُ عُمَرَ لِدَةٌ، أَيْ وُلِدَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: شَهِدَ ابْنُ عُمَرَ الْفَتْحَ، وَمَعَهُ فَرَسٌ حَرُورٌ وَرُمْحٌ ثَقِيلٌ، فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ يَخْتَلِي لِفَرَسِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ، إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: سمعت ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَغْضَبُ إِذَا قِيلَ هَاجَرَ قَبْلَ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمْتُ أَنَا، وَعُمَرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدْنَاهُ قَائِلًا، فَرَجَعْنَا إِلَى الْمَنْزِلِ، فَأَرْسَلَنِي عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، اذْهَبْ فَانْظُرْ هَلِ اسْتَيْقَظَ، فَأَتَيْتُهُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّهُ اسْتَيْقَظَ، فَانْطَلَقْنَا إِلَيْهِ، فَهَرْوَلَ هَرْوَلَةً حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَبَايَعَهُ، ثُمَّ بَايَعْتُهُ. وَقَالَ صَدَقَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِذَا رَجُلٌ جَهِيرٌ يَخْضِبُ بِالصُّفْرَةِ، عَلَيْهِ قَمِيصٌ دُسْتُوَانِيٌّ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: رَأَيْتُ إِزَارَهُ إِلَى نِصْفِ عَضَلَةِ السَّاقِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُشْبِهُ أَبَاهُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: مَا مِنْ رَجُلٍ وَجَدَ أَثَرَ بَعِيرٍ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ أَلْزَمَ لِأَثَرِهِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِأَثَرِ عُمَرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا فَقَصَّهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «نِعْمَ الْفَتَى عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» ، فَكَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثُمَّ يَنَامُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فَيُصَلِّي، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي اللَّيْلَةِ مِرَارًا وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، إِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى. وَعَنْ نَافِعٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ فَيَأْكُلُ مَعَهُ. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا مِنَّا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا قَدْ مَالَتْ بِهِ الدُّنْيَا أَوْ مَالَ بِهَا غَيْرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ رَجُلٍ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ إِلَّا لَوْ شِئْتَ لَقُلْتَ فِيهِ قَوْلًا غَيْرَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَوْ شَهِدْتُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَشَهِدْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا أَوْ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحَدٌ، وَأَنْ لَا يَزِيدَ، وَلَا يُنْقِصَ، وَلَا، وَلَا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَمْلَكَ شَبَابِ قُرَيْشٍ لِنَفْسِهِ عَنِ الدُّنْيَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّهُ سَأَلَ نَافِعًا: هَلْ جَلَسَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى قَاصٍّ قَطُّ؟ قَالَ: لَا. إِلَّا إِلَى عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَسَمِعَهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَالشَّاةِ الرَّابِضَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ» ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ هَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ: " مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَالشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ، وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ. فَصْلٌ /أخبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّابُونِيُّ، أخبرنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَاللَّفْظُ لِعَبْدٍ، قَالَا: أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، مَعْمَرٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «» كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَكُنْتُ غُلَامًا شَابًّا عَزْبًا، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ، فَقَالَ لِي: لَمْ تُرَعْ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «» نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ «» . قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ، وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدَيَّ قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ وَلَيْسَ مَكَانٌ أُرِيدُ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ بِي إِلَيْهِ، قَالَ: فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَتْهُ حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَى عَبْدَ اللَّهِ رَجُلًا صَالِحًا» فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ سَالِمٍ: أَنَّ شَاعِرًا امْتَدَحَ بِلَالَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ فِي شِعْرِهِ: وَبِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ خَيْرُ بِلَالِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: كَذِبْتَ، بِلْ بِلَالُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ بِلَالٍ. وَعَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَلْقَى سَالِمًا فَيُقَبِّلُهُ، وَيَقُولُ: شَيْخٌ يُقَبِّلُ شَيْخًا. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: هَاجَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَعَ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ آدَمَ طِوَالًا، لَهُ جُمَّةٌ تَضْرِبُ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ كَانَ شَدِيدَ التَّمَسُّكِ بِآثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَغُرُّهُ الدُّنْيَا وَلَمْ تَفْتِنْهُ، وَكَانَ مِنَ الْبَكَّائِينَ الْخَاشِعِينَ. قَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا إِلَّا قَدْ مَالَتْ بِهِ الدُّنْيَا وَمَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 بِهَا إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ مِنْ أَمْلَكِ شَبَابِ قُرَيْشٍ عَنِ الدُّنْيَا لَعَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ نَافِعٌ: دَخَلَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْكَعْبَةَ، فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ: قَدْ تَعْلَمَ يَا رَبِّ مَا يَمْنَعُنِي مِنْ مُزَاحَمَةِ قُرَيْشٍ إِلَّا خَوْفُكَ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا اشْتَدَّ عُجْبُهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ قَرَّبَهُ لِرَبِّهِ، قَالَ: فَكَانَ رَقِيقُهُ قَدْ عَرَفُوا ذَلِكَ مِنْهُ، فَرُبَّمَا شَمَّرَ أَحَدُهُمْ فَيَلْزَمُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَآهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى تِلْكَ الْحَالِ أَعْتَقَهُ، فَيَقُولُ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَاللَّهِ مَا بِهِمْ إِلَّا أَنْ يَخْدَعُوكَ، فَيَقُولُ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ خَدَعَنَا بِاللَّهِ انْخَدَعْنَا لَهُ. وَعَنْ نَافِعٍ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا عَشِيَّةً وَرَاحَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى نَجِيبٍ لَهُ قَدْ أَخَذَ بِمَالٍ، فَلَمَّا أَعْجَبَهُ سَيْرُهُ أَنَاخَهُ مَكَانَهُ، ثُمَّ نَزَلَ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا نَافِعُ، انْزَعُوا زِمَامَهُ، وَرَحْلَهُ، وَجَلِّلُوهُ، وَأَشْعِرُوهُ، وَأَدْخِلُوهُ فِي الْبَدَنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَمَرَّ بِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَطُوفُ، فَقَالَ جَابِرٌ: إِذَا سَرَّكُمْ أَنْ تَنْظُرُوا إِلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ لَمْ يُغَيِّرُوا وَلَمْ يُبَدِّلُوا فَانْظُرُوا إِلَيْهِ، مَا مِنَّا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا قَدْ غَيَّرَ. وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُحْيِي اللَّيْلَ صَلَاةً، ثُمَّ يَقُولُ: يَا نَافِعُ، أَسْحَرْنَا؟ فَأَقُولُ: لَا، فَيُعَاوِدُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا نَافِعُ، أَسْحَرْنَا؟ فَأَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقْعُدُ فَيَسْتَغْفِرُ، وَيَدْعُو حَتَّى يُصْبِحَ. وَعَنْ نَافِعٍ، قَالَ: لَوْ نَظَرْتَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ إِذَا اتَّبَعَ أَثَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقُلْتَ: إِنَّهُ مَجْنُونٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 فَصْلٌ وَعَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16] بَكَى حَتَّى يَغْلِبَهُ الْبُكَاءُ. وَعَنْ نَافِعٍ، قَالَ: مَا قَرَأَ ابْنُ عُمَرَ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284] إِلَّا بَكَى، يَقُولُ: «إِنَّ هَذَا لَإِحْصَاءٌ شَدِيدٌ» . فَصْلٌ قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مَهْرَانَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُصُّ شَارِبَهُ حَتَّى يُحْفِيَهُ، وَيُشَمِّرُ إِزَارَهُ حَتَّى يَكُونَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ. وَقَالَ نَافِعٌ: مَا مَاتَ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى أَعْتَقَ أَلْفَ إِنْسَانٍ أَوْ زَادَ، قَالَ: وَرُبَّمَا تَصَدَّقَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 وَعَنْ نَافِعٍ، قَالَ: بَعَثَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ، فَمَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ. فَصْلٌ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: أَصَابَ رِجْلَهُ زِجُّ رُمْحٍ بِمَكَّةَ، فَوَرِمَتْ رِجْلَاهُ فَتُوُفِّيَ مِنْهَا بِمَكَّةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، وَدُفِنَ بِالْمُحَصَّبِ، وَقِيلَ: بِذِي طُوَى، وَقِيلَ: بِسَرِفٍ وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُعَدُّ فِي أَهْلِ مَكَّةَ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: تَحَوَّلَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الطَّائِفِ. رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ مَا يَسْمَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَهُ فِي ذَلِكَ فَأَذِنَ لَهُ. رُوِيَ أَنَّهُ حَفِظَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْفَ مَثَلٍ. قِيلَ: كَانَ يَقْرَأُ كُتُبَ الْأَوَّلِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 رُوِيَ أَنَّهُ رَأَى فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي إِحْدَى يَدَيْهِ عَسَلًا، وَفِي الْأُخْرَى سَمْنًا، كَانَ يَلْعَقُهُمَا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَقْرَأُ الْكِتَابَيْنِ: التَّوْرَاةَ، وَالْفُرْقَانَ " فَكَانَ يَقْرَؤُهُمَا رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: " لَمَّا قَضَيْنَا حَجَّنَا، قُلْنَا: لَوْ نَظَرْنَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَحَدَّثْنَا إِلَيْهِ، فَدُلِلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَأَتَيْنَا مَنْزِلَهُ، فَإِذَا قَرِيبٌ مِنْ ثَلاثُ مِائَةِ رَاحِلَةٍ، فَقُلْنَا: عَلَى كُلِّ هَؤُلَاءِ حَجَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، قَالُوا: نَعَمْ، وَأَحِبَّاؤُهُ وَمَوَالِيهِ، قَالَ: قُلْنَا: أَيْنَ هُوَ؟ قَالُوا: انْطَلَقَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَرَجَعْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، عَلَيْهِ عِمَامَةٌ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ قَطَرِيَّانِ لَيْسَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ، فَقُلْنَا: أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَأْتَ الْكِتَابَ الْأَوَّلَ، لَيْسَ أَحَدٌ نَأْخُذُ عَنْهُ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْكَ، قَالَ: مِمَّ أَنْتُمْ؟ فَقُلْنَا: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ قَوْمٌ يَكْذِبُونَ، ويُكَذِّبُونَ، وَيَسْخَرُونَ، قُلْنَا: مَا كُنَّا لِنُكَذِّبَكَ، وَلَا نَكْذِبَ عَلَيْكَ، وَلَا نَسْخَرَ مِنْكَ، قَالَ: مِنْ أَرْضِكُمْ خُرَاسَانَ، وَسِجِسْتَانَ يُوشِكُ بَنُوا قَنْطُورَا بْنِ كَرْكَرَا أَنْ يَسُوقُوا سُوقًا عَنِيفًا حَتَّى يُوثِقُوا خَيْلَهُمْ بَنَخْلِ شَاطِئِ دِجْلَةَ مِنَ الْبَصْرَةِ، حَتَّى يَنْزِلُوا الَأُبُلَّةَ، فَيَبْعَثُونَ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، إِمَّا أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 تُخْلُوا لَنَا أَرْضَكُمْ، أَوْ نَسِيرَ إِلَيْكُمْ، قَالَ: فَيَفْتَرِقُونَ ثَلَاثَ فِرَقٍ، أَمَّا فِرْقَةٌ فَتَلْحَقُ بِهِمْ، وَأَمَّا فِرْقَةٌ فَتَلْحَقُ بِالْكُوفَةِ، وَأَمَّا فِرْقَةٌ فَتَلْحَقُ بِالْأَعْرَابِ، فَيَمْكُثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يَبْعَثُونَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ، إِمَّا أَنْ تُخْلُوا لَنَا أَرْضَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ نَسِيرَ إِلَيْكُمْ، فَيَفْتَرِقُونَ ثَلَاثَ فِرَقٍ، أَمَّا فِرْقَةٌ فَتَلْحَقُ بِهِمْ، وَأَمَّا فِرْقَةٌ فَتَلْحَقُ بِالْأَعْرَابِ، قُلْنَا: مَا أَمَارَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِذَا طَبِقَتِ الْأَرْضَ إِمْرَةُ الصِّبْيَانِ. فَصْلٌ أخبرنا سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّا، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّرْخَسِيُّ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ مِشْكَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أخبرنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ الْجُمَحِيُّ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، أَخُو عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَتْ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتُ نُبَيْهِ بْنِ الْحَجَّاجِ تُهْدِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُلَطِّفُهُ، فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: «كَيْفَ أَنْتِ يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ؟» ، قَالَتْ: بِخَيْرٍ، بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «بِخَيْرٍ، كَيْفَ عَبْدُ اللَّهِ؟» ، قَالَتْ: بِخَيْرٍ، عَبْدُ اللَّهِ رَجُلٌ قَدْ تَخَلَّى مِنَ الدُّنْيَا. قَالَ: «كَيْفَ؟» ، قَالَتْ: حَرَّمَ النَّوْمَ، لَا يَنَامُ وَلَا يُفْطِرُ، وَحَرَّمَ اللَّحْمَ فَلَا يَطْعَمُ اللَّحْمَ، وَحَرَّمَ النِّسَاءَ فَلَا يُؤَدِّي إِلَى أَهْلِهِ حَقَّهُمْ، قَالَ: «أَيْنَ هُوَ؟» ، قَالَتْ: خَرَجَ آنِفًا يُوشِكُ أَنْ يَرْجِعَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَاءَ فَاحْبِسِيهِ عَلَيَّ» ، قَالَتْ: نَعَمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَنْشَبْ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ جَاءَ، وَأَوْشَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَطْفَةَ، فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، مَا هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكَ؟» ، قَالَ: مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّكَ لَا تَنَامُ، وَلَا تُفْطِرُ» ، قَالَ: أَرَدْتُ بِذَلِكَ الْأَمْنَ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْأَكْبَرِ. قَالَ: «وَبَلَغَنِي أَنَّكَ لَا تَطْعَمُ اللَّحْمَ» ، قَالَ: أَرَدْتُ بِذَلِكَ طَعَامًا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: «وَبَلَغَنِي أَنَّكَ لَا تُؤَدِّي إِلَى أَهْلِكَ حَقَّهُمْ» ، قَالَ: أَرَدْتُ بِذَلِكَ نِسَاءً هُنَّ خَيْرٌ مِنْهُنَّ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، إِنَّ للَّهِ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِبَدَنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَأْمُرُنِي، أَصُومُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَأُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ: «لَا» ، قَالَ أَفَأَصُومُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَأُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ: «لَا» ، قَالَ: أَفَأَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ: «لَا» ، قَالَ: أَفَأَصُومُ يَوْمَيْنِ وَأُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ: «لَا» ، قَالَ: أَفَأَصُومُ يَوْمًا وَأُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ: «نَعَمْ، ذَلِكَ صَوْمُ أَخِي دَاوُدَ، أَيْ عَبْدَ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، كَيْفَ أَنْتَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ قَدْ مَرَجَتْ عُهُودُهُمْ، وَعُقُودُهُمْ، وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا» ، وَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، قَالَ: فَمَا تَأْمُرُنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «تَأْخُذُ مَا تَعْرِفُ، وَتَدَعُ مَا تُنْكِرُ، وَتَعْمَلُ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَتَدَعُ النَّاسَ وَعَامَّةَ أُمُورِهِمْ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَمَعْتُ الْقُرْآنَ وَقَرَأْتُهُ فِي لَيْلَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَطُولَ عَلَيْكَ الزَّمَانُ وَتَمَلَّ قِرَاءَتَهُ» ، ثُمَّ قَالَ: «اقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي اسْتَمْتِعُ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، قَالَ: «اقْرَأْهُ فِي عِشْرِينَ» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَسْتَمْتِعُ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، قَالَ: «اقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَسْتَمْتِعُ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، فَأَبَى وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: زَوَّجَنِي أَبِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيَّ جَعَلْتُ لَا أَنْحَاشُ لَهَا لِمَا بِي مِنَ الْحِرْصِ عَلَى الْعِبَادَةِ، فَجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى كُنَّتِهِ، فَقَالَ: كَيْفَ وَجَدْتِ بَعْلَكِ؟ قَالَتْ: كَخَيْرِ الْبِعُولَةَ، مِنْ رَجُلٍ لَا يُفَتِّشُ لَنَا كَنَفًا، وَلَمْ يَقْرَبْ لَنَا فِرَاشًا، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَعَزَمَنِي، وَغَضَّنِي بِلِسَانِهِ، وَقَالَ: أَنْكَحْتُكَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ ذَاتَ حَسَبٍ فَفَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَانِي، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي: «أَتَصُومُ النَّهَارَ؟» ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «أَفَتَقُومُ اللَّيْلَ؟» ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَمَسُّ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» ، ثُمَّ قَالَ: «اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ» ، قُلْتُ: إِنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «اقْرَأْ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 عَشَرَةِ أَيَّامٍ» ، قُلْتُ: إِنِّي أَقْوَى، قَالَ: «فِي كُلِّ ثَلَاثَةٍ، وَصُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» ، قُلْتُ: إِنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُنِي حَتَّى قَالَ: «صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الصِّيَامِ، وَهُوَ صَوْمُ أَخِي دَاوُدَ» ، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ عَابِدٍ شِرَّةٍ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَإِمَّا إِلَى سُنَّةٍ وَإِمَّا إِلَى بِدْعَةٍ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّةٍ فَقَدِ اهْتَدَى، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى بِدْعَةٍ فَقَدْ هَلَكَ» وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَدْرَكَنِي الْكِبَرُ وَالضَّعْفُ حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي غَرِمْتُ أَهْلِي وَمَالِي وَأَنِّي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. فَصْلٌ مِنْ كَلَامِهِ وَمَوَاعِظِهِ قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: مَنْ تَجَرَّأَ فَجَرَ، وَمَنْ حَفَرَ حُفْرَةَ سُوءٍ لِصَاحِبِهِ وَقَعَ فِيهَا. وَقَالَ: إِنَّ إِبْلِيسَ مُوثَقٌ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، فَإِذَا تَحَرَّكَ كَانَ كُلُّ شَرٍّ عَلَى الْأَرْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ تَحَرُّكِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 وَقَالَ: مَنْ سُئِلَ بِاللَّهِ فَأَعْطَى كُتِبَ لَهُ سَبْعُونَ أَجْرًا. وَقَالَ: نِعْمَ الْخَيْرَاتُ الثَّلَاثُ: اللِّسَانُ الصَّدُوقُ، وَالْقَلْبُ التَّقِيُّ، وَالْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَبِئْسَ الشَّرَّاتُ الثَّلَاثُ: اللِّسَانُ الْكَذُوبُ، وَالْقَلْبُ الْفَاجِرُ، وَالْمَرْأَةُ السُّوءُ. وَقَالَ: لَئِنْ أَكُونَ عَاشِرَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ عَاشِرَ عَشَرَةِ أَغْنِيَاءَ. وَقَالَ: دَعْ مَا لَسْتَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ، وَلَا تَنْطِقْ فِيمَا لَا يُعْنِيكَ، وَاخْزِنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزِنُ وَرِقَكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 فَصْلٌ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: تُوُفِّيَ لَيَالِي الْحَرَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. وَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو لَيَالِي الْحَرَّةِ. وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: تُوُفِّي بِمِصْرَ وَتُوُفِّي فِي دَارِهِ الصَّغِيرَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ، وَقِيلَ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، أَبُوهُ الزُّبَيْرُ حَوَارِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُمُّهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَجَدُّهُ أَبُو بَكْرٍ، وَخَالَتُهُ عَائِشَةُ، وَجَدَّتُهُ صَفِيَّةُ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَمَّتُهُ خَدِيجَةُ زَوْجَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: هُوَ أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْمَدِينَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: هَاجَرَتْ بِي أُمِّي وَأَنَا حَمْلٌ فِي بَطْنِهَا، قِيلَ: جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 حَيْثُ تَرَعْرَعُوا، فَبَايَعَهُمْ، وَكَانَ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: هَاجَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا حُبْلَى بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَوَضَعْتُ بِقُبَاءَ، فَلَمْ أُرْضِعْهُ حَتَّى أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَلَبْنَا لَهُ تَمْرَةً لِيُحَنِّكَهُ بِهَا، حَتَّى وَجَدْنَاهَا فَحَنَّكْنَاهُ بِهَا، فَإِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ زَاهِرٍ الطُّوسِيُّ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرِمٍ الْعَمِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيَّ، أخبرنا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ وَالنَّاسُ، حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا، وَصُولًا لِلرَّحِمِ، أَمَا وَاللَّهِ لَأُمَّةٌ أَنْتَ شَرُّهَا لَأُمَّةُ خَيْرٍ، ثُمَّ نَفَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ مَوْقِفُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَوْلُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَأُنْزِلَ عَنْ جِذْعِهِ فَأُلْقِيَ فِي قُبُورِ الْيَهُودِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَأَبَتْ أَنْ تَأْتِيَهُ، فَأَعَادَ عَلَيْهَا الرَّسُولَ: لَتَأْتِيَنِّي أَوْ لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكِ مَنْ يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ. قَالَ: فَأَبَتْ، وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَا آتِيكَ حَتَّى تَبْعَثَ إِلَيَّ مَنْ يَسْحَبُنِي بِقُرونِي، فَقَالَ: أَرُونِي سَبْتِيَّتِي، فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِنِي صَنَعْتُ بِعَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَتْ: " رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ، فَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ لَهُ: يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، أَنَا وَاللَّهِ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ، أَمَّا أَحَدُهُمَا، فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَعَامَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الدَّوَابِّ، وَأَمَّا الْآخَرُ، فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 أَمَّا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا أَخَالُكَ إِلَّا إِيَّاهُ ". قَالَ: فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مُصَلِّيًا أَحْسَنَ صَلَاةً مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنَّهُ كَعْبٌ رَاسِبٌ. وَعَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: كُنْتُ أَمُرُّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ خَلْفَ الْمَقَامِ يُصَلِّي كَأَنَّهُ خَشَبَةٌ، أَوْ حَجَرٌ منَصْوُبٌ لَا يَتَحَرَّكُ. وَعَنْ مَيْمُونٍ الْمَكِّيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُ يَدَهُ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ. قَالَ مَيْمُونٌ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْتَدِ بِصَلَاةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مُلَيْكَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُوَاصِلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يُصْبِحُ الْيَوْمَ الثَّامِنَ وَهُوَ أَلْيَثُنَا، أَيْ أَقْوَانَا. وَعَنِ ابْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَانَ يَلْقَى ابْنَ الزُّبَيْرِ فَيَقُولُ: مَرْحَبًا بِابْنِ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنِ حَوَارِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ. وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَحْمِلُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُخْرِجَهُمْ مِنَ الْأَبْوَابِ وَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ قَرْنِي وَاحِدًا كَفَيْتُهُ. وَلَسْنَا عَلَى الْأَعْقَابِ تُدْمى كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا يَقْطُرُ الدَّمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ الْبَهِيِّ، قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَحْمِلُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُخْرِجَهُمْ مِنَ الْأَبْوَابِ يَعْنِي باب مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهُوَ يَقُولُ: كُتِبَ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ عَلَيْنَا ... وَعَلى الْمُحْصَنَاتِ جَرُّ الذُّيُولِ وَقَالَ سُفْيَانُ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَشْتَدُّ بِالسَّيْفِ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ كَأَنَّهُ غُلَامٌ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: قُتِلَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ. قَالُوا: وَبَعَثَ الْحَجَّاجُ بِكَفِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مَقْطُوعَةٍ إِلَى أَخِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بِصَنْعَاءَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ الْأَسَدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَسَدِ خُزَيْمَةَ، شَهِدَ بَدْرًا، وَاسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ، أَحَدُ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ، أُخْتُهُ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ زَوْجَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُمُّهُ أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هُوَ أَوَّلُ أَمِيرٍ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَنِمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نَخْلَةَ يَتَحَسَّسُ مِنْ أَخْبَارِ قُرَيْشٍ، فَكَانَتْ غَنِيمَتُهُ أَوَّلَ غَنَيمَةٍ، وَفِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ نَزَلَتْ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة: 218] سَأَلَ رَبَّهُ الشَّهَادَةَ فَاسْتُجِيبَ لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ يَوْمَ أُحُدٍ: أَلَا نَدْعُو اللَّهَ؟ فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَبِّ إِذَا لَقِيتُ الْعَدُوَّ فَلَقِّنِي رَجُلًا شَدِيدًا بَأْسُهُ شَدِيدًا حَرَدُهُ أُقَاتِلُهُ فِيكَ وَيُقَاتِلُنِي، ثُمَّ ارْزُقْنِي عَلَيْهِ الظَّفْرَ حَتَّى أَقْتُلَهُ وَآخُذَ سَلَبَهُ، فأَمَّنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي رَجُلًا شَدِيدًا بَأْسُهُ شَدِيدًا حَرَدُهُ أُقَاتِلُهُ فِيكَ وَيُقَاتِلُنِي، ثُمَّ يَأْخُذُنِي فَيَجْدَعُ أَنْفِي وَأُذُنِي فَإِذَا لَقِيتُكَ قُلْتَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، مَنْ جَدَعَ أَنْفَكَ، وَأُذُنَكَ؟ قُلْتُ: فِيكَ وَفِي رَسُولِكَ، فَتَقُولُ: صَدَقْتَ. قَالَ سَعْدٌ: كَانَتْ دَعْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ خَيْرًا مِنْ دَعْوَتِي، لَقَدْ رَأَيْتُهُ آخِرَ النَّهَارِ وَإِنَّ أَنْفَهُ وَأُذُنَهُ لَمُعَلَّقَتَانِ فِي خَيْطٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقِيلَ: اسْمُهُ عَمْرٌو، وَهُوَ الْأَعْمَى الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى {1} أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى {2} } [عبس: 1-2] وَنَزَلَتْ فِيهِ أَيْضًا {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] . كَانَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ بِلَالٍ، كَانَ يَنْزِلُ هَذَا وَيَصْعَدُ هَذَا. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي حَلَقَةٍ فِيهَا نَاسٌ مِنْ وُجُوهِ قُرَيْشٍ، مِنْهُمْ عُتْبَةُ، وَأَبُو جَهْلٍ، فيَقُولُ: «أَلَيْسَ حَسَنٌ أَنْ جِئْتُ بِكَذَا وَكَذَا؟» ، فيَقُولُونَ: بَلَى وَالدِّمَاءِ، فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 مَكْتُومٍ وَهُوَ مُشْتَغِلٌ بِهِمْ، فَسَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى {5} فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى {6} وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى {7} وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى {8} وَهُوَ يَخْشَى {9} فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى {10} } [عبس: 5-10] يَعْنِي ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَأَيْتُ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَمَعَهُ لِوَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي بَعْضِ مَشَاهِدِهِمْ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: قُتِلَ بِالقَادِسِيَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَقَبِيٌّ، بَدْرِيٌّ، نَقِيبُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، شَهِدَ الْعَقَبَةَ الثَّانِيَةَ، وَكَانَ مِمَّنْ تَكَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، فَأَحْسَنَ الْقَوْلَ، قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: بَعَثَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا وَقَالَ: «أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ، فَإِنْ قُتِلَ فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» . فَلَقَوُا الْعَدُوَّ، فَأَخَذَ اللِّوَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ {224} أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ {225} وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ {226} } [الشعراء: 224-226] قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: أَنَا مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [الشعراء: 227] . . . إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، فَقَامَ أَهْلُهَا سِمَاطَيْنِ يَنْظُرُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى أَصْحَابِهِ، وَابْنُ رَوَاحَةَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقيلِهِ ... ويُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ يَا ربِّ إِنِّي مُؤْمِنٌ بقِيلِهِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ، فِي حَرَمِ اللَّهِ وَبَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ الشِّعْرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَلَامُهُ هَذَا أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ وَقْعِ النَّبْلِ» وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أَنْشَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَثَبَّتَ اللَّهُ مَا أَتَاكَ مِنْ حَسَنٍ ... تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَالَّذِي نَصَرَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَنْتَ فَعَلَ اللَّهُ بِكَ مِثْلَ ذَلِكَ» وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَأَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَا مِنَّا صَائِمٌ إِلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ صَلَّى، وَإِذَا خَرَجَ صَلَّى. ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنْ عِيَاضِ الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] أَوْمَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: «هُمْ قَوْمُ هَذَا» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 وَعَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ أَبِي مُوسَى وَهُوَ يَقْرَأُ، فَقَالَ: «لَقَدْ أُوتِيَ أَبُو مُوسَى مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ» وَفِي رِوَايَةِ الْبَرَاءِ، سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ أَبِي مُوسَى فَقَالَ: «كَأنَ صَوْتُ هَذَا مِنْ أَصْوَاتِ آلِ دَاوُدَ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 وَعَنْ أَبِي مُوسَى، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ رَأَيْتَنِي الْبَارِحَةَ وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ لَقَدْ أُعْطِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ» ، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَمِعُ لَحَبَّرْتُهُ تَحْبِيرًا وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ: مَا سمعت صِنْجًا وَلَا بِرْبَطًا وَلَا مِزْمَارًا أَحْسَنَ مِنْ صَوْتِ أَبِي مُوسَى. وَعَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ إِذَا رَأَى أَبَا مُوسَى قَالَ: أَذْكِرْنَا يَا أَبَا مُوسَى فَيَقْرَأُ عِنْدَهُ. فَصْلٌ قَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ الْقُضَاةُ أَرْبَعَةٌ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو مُوسَى، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. رُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوسَى قَالَ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَدَعَا لِعَمِّي أَبِي عَامِرٍ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ، وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 أَوْطَاسٍ، فَقُلْتُ: وَلِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاسْتَغْفَرَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ وَأَدْخِلْهُ مُدْخَلا كَرِيمًا» قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: هَاجَرَ أَبُو مُوسَى هِجْرَتَيْنِ: هِجْرَةَ الْحَبَشَةِ، وَهِجْرَةَ الْمَدِينَةِ، يَعْنِي بِالْحَبَشَةِ مَعَ جَعْفَرٍ حَتَّى قَدِمَ مَعَهُ عَامَ خَيْبَرَ. تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَتُوُفِّيَ بِمَكَّةَ، وَدُفِنَ بِهَا، وَقِيلَ: تُوُفِّيَ بِالْكُوفَةِ، وَدُفِنَ بِالتَّوِيَّةِ عَلَى مِيلَيْنِ مِنْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10] قَالَ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ. رُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ جَالِسًا فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى وَجْهِهِ أَثَرُ الْخُشُوعِ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيهِمَا ثُمَّ خَرَجَ فَتَبِعْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّكَ لَمَّا دَخَلْتَ قَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ، رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ فَذَكَرَ سِعَتَهَا وَخُضْرَتَهَا، وَسَطَهَا عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ أَسْفَلُهُ فِي الْأَرْضِ وَأَعْلاهُ فِي السَّمَاءِ فِي أَعْلَاهُ عُرْوَةٌ، فَقِيلَ لِي: ارْقَ، فَقُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُ، فَجَمَعْتُ ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 فَرَقِيتُ حَتَّى حَبَرْتُ فِي أَعْلَاهُ فَأَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقِيلَ لِي: اسْتَمْسِكْ فَاسْتَيْقَظْتُ فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَمَّا الرَّوْضَةُ: فَالْإِسْلامُ، وَأَمَّا الْعَمُودُ: فَعَمُودُ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْعُرْوَةُ: فَالْعُرْوَةُ الْوُثْقَى، فَأَنْتَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى تَمُوتَ ". وَالرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ وَفِي رِوَايَةِ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا مَشْيَخَةٌ فَقَعَدْتُ إِلَيْهِمْ، فَجَاءَ شَيْخٌ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصَاهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَقَامَ إِلَى سَارِيَةٍ فَصَلَّى خَلْفَهَا رَكْعَتَيْنِ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ رَجُلًا مِنْ هَؤُلَاءِ، قَالَ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، قَالَ: الْجَنَّةُ للَّهِ يَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يَشَاءُ، وَإِنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُ كَأَنَّ رَجُلًا أَتَانِي، فَانْطَلَقَ بِي فِي مَنْهَجٍ عَظِيمٍ فَعُرِضَتْ لِي طَرِيقٌ، فَسَلَكْتُهَا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى جَبَلٍ زَلِقٍ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَزُجِلَ بِي، يَعْنِي فَرُمِيَ بِي، فَإِذَا أَنَا عَلَى ذِرْوَتِهِ فَلَمْ أَتْقَارَّ، وَلَمْ أَتَمَالَكْ فَإِذَا عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ فِي أَعْلَاهُ حَلَقَةٌ فَأَخَذَ بِيَدِي فزُجِلَ بِي فَأَخَذَ بِالْعُرْوَةِ، فَقِيلَ لِي: اسْتَمْسَكْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْمَنْهَجُ الْعَظِيمُ: فَالْمَحْشَرُ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الَّتِي عُرِضَتْ عَنْ شِمَالِكَ: فَطَرِيقُ أَهْلِ النَّارِ، وَلَسْتَ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 أَهْلِهَا، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الَّتِي عُرِضَتْ عَنْ يَمِينِكَ فَطَرِيقُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الْجَبَلُ الزَّلِقُ: فَمَنْزِلُ الشُّهَدَاءِ، وَأَمَّا الْعُرْوَةُ الَّتِي اسْتَمْسَكْتَ بِهَا: فَعُرْوَةُ الْإِسْلَامِ، اسْتَمْسَكْتَ بِهَا حَتَّى تَمُوتَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ". فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَالرَّجُلُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ يَتَكَلَّمُ بِهِ أَنْ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ» وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ، قَالَ: مَرَّ بِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فِي السُّوقِ، وَعَلَى رَأْسِهِ حِزْمَةٌ مِنْ حَطَبٍ، فَقُلْنَا: أَلَيْسَ قَدْ أَغْنَاكَ اللَّهُ عَنْ هَذَا؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أَدْفَعُ بِهِ الْكِبْرَ، إِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ، لَمْ يَرَحْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 رَائِحَةَ الْجَنَّةَ» وَعَنْ سَعْدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِقَصْعَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا، فَفَضَلَتْ مِنْهُ فَضْلَةً، فَقَالَ: «يَجِئُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَأْكُلُ هَذِهِ الْفَضْلَةَ» . قَالَ سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِي عُمَيْرًا يَتَوَضَّأُ، فَقُلْتُ: هُوَ عُمَيْرٌ، فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَأَكَلَهُ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بَهَتَةٌ، فَأَخْبِئْنِي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي ثُمَّ سَلْهُمْ، أَيُّ رَجُلٍ أَنَا فِيهِمْ، فَجَاءَ رِجَالٌ مِنَ الْيَهُودِ، سَأَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟» ، قَالُوا: خَيْرُنَا، وَابْنُ خَيْرِنَا وَسَيِّدُنَا، وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَأَعْلَمُنَا، وَابْنُ أَعْلَمِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ» . قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَخَرَجَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالُوا: شَرُّنَا، وَابْنُ شَرِّنَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ. ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، جُهَنِيُّ، حَلِيفُ بَنِي سَلَمَةَ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي ذِكْرِ السَّبْعِينَ الَّذِينَ بَايَعُوا بِالْعَقَبَةِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ حَرَامٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا: «مَنْ لِي مِنْ خَالِدِ بْنِ نُبَيْحٍ» ، وَخَالِدُ بْنُ نُبَيْحٍ رَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِعَرَنَةَ مِنْ قِبَلِ عَرَفَةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْعَتْهُ لِي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَيْتَهُ هِبْتَهُ» ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي أَكْرَمَكَ مَا هِبْتُ شَيْئًا قَطُّ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ حَتَّى أَتَى جِبَالَ عَرَفَةَ فَلَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ، قَالَ: فَلَقِيتُ رَجُلًا رُعِبْتُ مِنْهُ فَعَرِفْتُ أَنَّهُ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ: بَاغِي حَاجَةٍ، هَلْ مِنْ مَبِيتٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَالْحَقْ، فَخَرَجْتُ فِي أَثَرِهِ وَصَلَّيْتُ الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَأَشْفَقْتُ أَنْ يَرَانِي، ثُمَّ لَحِقْتُهُ فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ، ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى غَشَيْتُ الْجَبَلَ، فَكَمِنْتُ فِيهِ أَوْ قَالَ: فَمَكَثْتُ فِيهِ حَتَّى إِذَا هَدَأَ النَّاسُ عَنِّي خَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ فَأَعْطَانِي مِخْصَرَةً فَقَالَ: «تَخَصَّرْ هَذِهِ حَتَّى تَلْقَانِي بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَقَلُّ النَّاسِ الْمُتَخَصِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 فَلَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ أَمَرَ بِهَا فُوُضِعَتْ عَلَى بَطْنِهِ فَكُفِّنَ عَلَيْهَا، ثُمَّ دُفِنَ وَدُفِنَتْ مَعَهُ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: وَهُوَ أَحَدُ الرَّهْطِ الَّذِينَ بُعِثُوا إِلَى كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ كَانَ يَجِئُ مِنْ أَرْضِهِ بِنُعْمَانَ، فَيُصَلِّي فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ رَجَعَ، قَالُوا: وَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً وَحْدَهُ؟ . ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُعَدُّ فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسَ: " أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْتُ مِنْ طَعَامِهِ، وَقُلْتُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاسْتَغْفَرَ لِي ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ ذِي الْبِجَادَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مُزَيْنَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَاتَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ ذَا الْبِجَادَيْنِ كَانَ امْرأً مِنْ مُزَيْنَةَ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ حُبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحُبُّ الْإِيمَانِ، فَتَوَجَّهَ نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَتْ أُمُّهُ إِلَى قَوْمِهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَدْ تَوَجَّهَ نَحْوَ مُحَمَّدٍ، فَاتْبَعُوهُ فَرُدُّوُهُ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: خُذُوا ثِيَابَهُ، فَإِنَّهُ أَشَدُّ النَّاسِ حَيَاءً، فَإِنَّكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ ثِيَابَهُ لَمْ يَبْرَحْ، فَأَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَرَّدُوهُ فَقَعَدَ فِي الْبَيْتِ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ حَتَّى يَلْحَقَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَتْ أُمُّهُ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ أَتَتْ قَوْمَهَا، فَأَخْبَرَتْهُمْ أَنَّهُ قَدْ حَلِفَ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ حَتَّى يَلْحَقَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطُوهُ ثِيَابَهُ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمُوتَ فَأَبَوْا، فَأَخَذَتْ بِجَادَهَا وَقَطَعَتْهُ قِطْعَتَيْنِ، ثُمَّ زَرَّرَتْ أَحَدَهُمَا فَاتَّزَرَهُ وَوَضَعَ الْآخَرَ عَلَى رَأْسِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 وَقَالَتْ: اذْهَبْ. فَذَهَبَ، تَرْفَعُهُ أَرْضٌ وَتَخْفِضُهُ أُخْرَى حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ وَفَقِهَ فِي الدِّينِ، فَكَانَ يَأْوِي هُوَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى ظِلِّ بَيْتٍ لِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ تَضَعُ لَهُمْ طَعَامَهُمْ وَتُهَيِّئُ لَهُمْ أَمْرَهُمْ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ ذَاتَ يَوْمٍ: لَوْ تَزَوَّجْتَ فُلَانَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَرْأَةَ، فَقَالَتْ: مَا لَكُمْ هجيرا إِلَّا ذِكْرِي، لَتُمْسِكُنَّ عَنْ ذِكْرِي أَوْ لَا يَأْوِيكُمْ ظِلُّ بَيْتِي، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَتَاهَا فَقَالَ: يَا فُلَانَةُ، أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ خَطَبَكِ فَتَزَوَّجِيهِ؟ فَإِنَّهُ فِي حَسَبٍ مِنْ قَوْمِهِ وَقَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَفَقِهَ فِي الدِّينِ، وَأَتَاهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ فَصَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُصَلِّي، ثُمَّ يَمُرُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَذْهَبُ إِلَى رَحْلِهِ، فَصَلَّى ذَاتَ يَوْمٍ، فَمَرَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّكَ تَذْكُرُ فُلَانَةَ؟» ، قَالَ: بَلَى، قَالَ: «قَدْ زَوَّجْتُكَهَا» ، فَأَتَى أَصْحَابَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ زَوَّجَنِيهَا، فَجَاءَتْ نِسْوَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَذَهَبْنَ بِهَا، وَهَيَّئْنَهَا وَصَنَعْنَهَا، وَصَنَعْنَ لَهَا بُرْدَةً، وَصَنَعْنَ لَهَا وِسَادَةً مِنْ أُدْمٍ، وَقَدَحًا وَشَيْئًا مِنْ طَعَامٍ، فَزَفَّيْنَهَا عِشَاءً، فَقَامَ يُصَلِّي مَا عَرَضَ لَهَا وَلَا أَرَادَهَا حَتَّى أَذَّنَ بِلَالٌ بِالْفَجْرِ، فَلَمَّا أَذَّنَ ذَهَبَتِ النِّسْوَةُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَقُلْنَ: وَاللَّهِ مَا لِعَبْدِ اللَّهِ مِنْ حَاجَةٍ، مَا عَرَضَ لَهَا، وَلَا أَرَادَهَا، وَلَا قَرِبَهَا، وَصَلَّى عَبْدُ اللَّهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ يُصَلِّي نَحْوَ مَا كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 يُصَلِّي، فَمَرَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا لَكَ فِي أَهْلِكَ حَاجَةً؟» ، قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ رَأَيْتُ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، رَأَيْتُ امْرَأَةً جَمِيلَةً، وَفِرَاشًا، وَطَعَامًا فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا أَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ إِلَّا سِلَاحِي، وَلَمْ أَكُنْ أُوثِرُ بِسِلاحِي عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَحَدًا إِلَّا أَنْ أُصَلِّي، فَهَذَا وَجْهِي إِلَى أَهْلِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ فَأَصَابَ مِنْهَا فَعَلَقَتْ بِجَارِيَةٍ، فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَأَوْصَى: أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَعْطَيْتُ امْرَأَتِي شَيْئًا فَأَعْطُوهَا نَصِيبِي مِنْ خَيْبَرَ، وَمَاتَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ، فَخَرَجْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَرَأَيْتُ نُوَيْرَةَ تَبُصُّ، فَقُلْتُ: لَأَدْنُوَنَّ مِنْهَا لَعَلِّي أُصِيبُ عِنْدَهَا طَعَامًا، قَالَ: فَدَنَوْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ يَحْفُرُ يُنَاوِلُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ التُّرَابَ، وَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ مُسْجًى عَلَيْهِ، فَلَمَّا دَفَنَهُ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي عَنْهُ رَاضٍ فَارْضَ عَنْهُ» ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 قَالَ: فَشَبَّتِ الْجَارِيَةُ وَكَانَ بَنُو عَمِّهِ يُخَاصِمُونَ امْرَأَتَهُ فِي ابْنَتِهِ، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعُمِومَةِ، فَقَالَتْ أُمُّهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَدْفَعُ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى الْأَعْرَابِ أَلَا تُخَيِّرُهَا، فَخَيِّرْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَهَبَتْ بِهَا فَجَعَلَتْ تُعَلِّمُهَا فَقَالَتْ: إِذَا قَالَ لَكِ غَدًا رَسُولُ اللَّهِ: اخْتَارِي فَقُولِي: أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَدَارَ الْهِجْرَةِ، فَلَمْ تَزَلْ تُعَلِّمُهَا حَتَّى لُقِّنَتْ، فَجَاءَتْ بِهَا إِلَى الْغَدِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَاهِيَ ذِهِ فَخَيِّرْهَا، قَالَ: «اخْتَارِي يَا بُنَيَّةُ» . قَالَتْ: أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَدَارَ الْهِجْرَةِ، وَالْإِيمَانِ، فَقَضَى بِهَا لِأُمِّهَا، ثُمَّ جَاءُوا إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَضَى بِهَا لَهُمْ فَأُخْبِرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهَا لِأُمِّهَا فَرَدَّهَا إِلَى أُمِّهَا، ثُمَّ أَتَوْا عُمَرَ فَقَضَى بِهَا لَهُمْ، فَقِيلَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهَا لِأُمِّهَا، قَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَفْعَلَ بِكُمْ وَأَفْعَلُ، تَغَفَّلْتُمُونِي بِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهَا لِأُمِّهَا. أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّاذْيَاخِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْجَوْزَقِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّرْخَسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْخَطَمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ كَمَا ذَكَرْنَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 ذِكْرُ مَنِ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ تَقَدَّمَ ذِكْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ذِكْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ اسْمِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَبْدَ شَمْسِ بْنِ صَخْرٍ، فَتَسَمَّيْتُ فِي الْإِسْلَامِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَإِنَّمَا كَنَوْنِي بِأَبِي هُرَيْرَةَ، لِأَنِّي كُنْتُ أَرْعَى غَنَمًا لِأَهْلِي فَوَجَدْتُ أَوْلَادَ هِرٍّ وَحْشِيَّةٍ فَجَعَلْتُهَا فِي كُمِّي، فَلَمَّا رُحْتُ سَمِعُوا أَصْوَاتَ الْهِرِّ مِنْ حِجْرِي، فَقَالُوا: مَا هَذَا يَا عَبْدَ شَمْسٍ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 فَقُلْتُ: أَوْلَادَ هِرٍّ وَجَدْتُهَا، قَالُوا: فَأَنْتَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَلَزِمَنِي بَعْدُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونِي أَبَا هِرٍّ، وَيَدْعُونِي أَبَا هُرَيْرَةَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَسِيطًا فِي دَوْسٍ. أخبرنا أَبُو بَكْرٍ الصَّابُونِيُّ، أخبرنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَانِيُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ، فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِي أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ» . فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْباب فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ فَسمعت أُمِّي خَشَفَ قَدَمِي، فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 وَسمعت خَضْخَضَةَ الْمَاءِ، فَاغْتَسَلَتْ، وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا، وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا فَفَتَحَتِ الْباب، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْشِرْ قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَقَالَ: «خَيْرًا» ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ يُحَبِّبُنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبُهُمْ إِلَيْنَا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا، يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ، إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ» . فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي، وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبُو هُرَيْرَةَ وِعَاءُ الْعِلْمِ» وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَسَأَلَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: عَلَيْكَ بِأَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ بَيْنَمَا أَنَا، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَفُلَانٌ فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ يَوْمٍ نَدْعُوا اللَّهَ وَنَذْكُرُ رَبَّنَا، خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْنَا، قَالَ فَجَلَسَ وَسَكَتْنَا، فَقَالَ: «عُودُوا لِلَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ» ، قَالَ: فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبِي قَبْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِنَا، ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسَأَلُكَ مِثْلَ الَّذِي سَأَلَكَ صَاحِبَايَ هَذَانِ وَأَسْأَلُكَ عِلْمًا لَا يُنْسَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آمِينْ» ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللَّهَ عِلْمًا لَا يُنْسَى، فَقَالَ: «سَبَقَكُمَا بِهَا الدَّوْسِيُّ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أُعِيذُكَ بِاللَّهِ أَنْ تَكُونَ فِي شَكٍّ مِمَّا يَجِئُ بِهِ؟ وَلَكِنَّهُ اجْتَرَأَ وَجَبُنَّا. وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، جَرِيئًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ لَا نَسْأَلُهُ عَنْهَا. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ مَرَّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ، الْقِيرَاطُ: أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ ". فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ حَتَّى انْطَلَقَ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْشُدُكِ اللَّهَ أَسَمِعْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَإِنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ» . فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَشْغَلُنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرْسٌ، وَلَا صَفْقٌ بِالْأَسْوَاقِ، وَإِنَّمَا كُنْتُ أَطْلُبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَةً يُعَلِّمُنِيهَا، أَوْ أَكْلَةً يُطْعِمُنِيهَا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْلَمُنَا بِحَدِيثهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 فَصْلٌ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: مَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَمَاتَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عَائِشَةُ، وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ فِي آخِرِ إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ لَهُ يَوْمَ تُوُفِّيَ ثَمَانٍ وَسَبْعُونَ سَنَةً، قَالَ: وَكَتَبَ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ إِلَى مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُخْبِرُهُ بِمَوْتِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ انْظُرْ مَنْ تَرَكَ فَادْفَعْ إِلَى وَرَثَتِهِ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَأَحْسِنْ جِوَارَهُمْ وَافْعَلْ إِلَيْهِمْ مَعْرُوفًا، فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ نَصَرَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ مَعَهُ فِي الدَّارِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «أَلَا تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ الْغَنَائِمِ الَّتِي يَسْأَلُنِي أَصْحَابُكَ؟» ، قُلْتُ: أَسْأَلُكَ أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ، فَنَزَعَ نَمِرَةً عَنْ ظَهْرِهِ فَبَسَطَهَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَحَدَّثَنِي حَتَّى إِذَا اسْتَوْعَبْتُ حَدِيثَهُ، قَالَ: «اجْمَعْهَا فَضُمَّهَا إِلَيْكَ» ، فَأَصْبَحْتُ لَا أُسْقِطُ حَرْفًا مِمَّا حَدَّثَنِيهِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمَرَاتٍ، قُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ لِي فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ، فَدَعَا، وَقَالَ: «خُذْهُنَّ فَاجْعَلْهُنَّ فِي مِزْوَدٍ، فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَأَدْخِلْ يَدَكَ وَلَا تَنْثُرْ نَثْرًا» . قَالَ: فَجَهَّزْتُ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا وَسَقًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكُنَّا نَأْكُلُ مِنْهُ وَنُطْعِمُ، وَكَانَ لَا يُفَارِقُ حِقْوِي حَيْثُمَا ذَهَبْتُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ، يَوْمَ عُثْمَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، انْقَطَعَ وَذَهَبَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَلْفِ مَرَّةٍ وَذَلِكَ عَلَى قَدْرِ دِيَتِهِ أَوْ قَالَ: دِيَتِي. ذِكْرُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ أَنْصَارِيٌّ، عَقَبِيٌّ، بَدْرِيٌّ شَجَرِيٌّ، نَقِيبٌ، شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، شَهِدَ الْبَيْعَتَيْنِ، الْبَيْعَةَ الْأُولَى: حِينَ بَايَعَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ يَقُولُوا الْحَقَّ، لَا يَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَالْبَيْعَةَ الثَّانِيَةَ: حِينَ بَايَعَهُمْ عَلَى ضَرْبِ الْأَبْيَضَ وَالْأَسْوَدَ، وَضَمِنَ لَهُمْ بِالْوَفَاءِ بِذَلِكَ الْجَنَّةَ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ يُعَلِّمُ أَهْلَ الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ. وَقِيلَ: بَعَثَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى الشَّامِ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ الْقُرْآنَ. تُوُفِّيَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقِيلَ بِالرَّمْلَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 ذِكْرُ عَبَّادِ بْنِ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنْصَارِيٌّ شَهِدَ بَدْرًا، وَكَانَ أَحَدَ الْمُجْتَهِدِينَ، وَهُوَ الَّذِي أَضَاءَ لَهُ الْعَصَا فِي اللَّيْلِ فَمَشَى فِي ضَوْئِهَا. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: تَهَجَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ، وَتَهَجَّدَ عَبَّادٌ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، هَذَا صَوْتُ عَبَّادٍ» ، قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «اللَّهُمَّ ارْحَمْ عَبَّادًا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 ذِكْرُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُهَاجِرِيٌّ أَوَّلِيٌّ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ، كَانَ مِنْ نُسَّاكِ الْمُهَاجِرِينَ، يَقُومُ اللَّيْلَ، وَيَصُومُ النَّهَارَ، امْتُحِنَ فِي اللَّهِ بِمَكَّةَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: اشْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَى مَنْ تَبِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَبَائِلِهِمْ، فَكَانَتْ فِتْنَةٌ شَدِيدَةٌ، وَزِلْزَالٌ شَدِيدٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ، وَمِنْهُمْ مَنِ افْتُتِنَ، فَلَمَّا فُعِلَ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ، أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَخَرَجُوا وَأَمِيرُهُمْ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَلَمَّا بَلَغَهُمْ سُجُودَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِمَكَّةَ، وَسَمِعُوا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ آمَنُوا، أَقْبَلُوا إِلَى مَكَّةَ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ إِلَّا بِجِوَارٍ، فَأَجَارَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ، فَلَمَّا رَأَى عُثْمَانُ مَا لَقِيَ أَصْحَابَهُ مِنَ الْبَلَاءِ، وَأَنَّهُ لَا يَعْرِضُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 لَهُ، اسْتَحَبَّ الْبَلَاءَ عَلَى الْعَافِيَةِ، فَقَالَ: أَمَّا مَنْ كَانَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ فَهُوَ مُبْتَلًى خَائِفٌ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي عَهْدِ الشَّيْطَانِ وَأَوْلِيَائِهِ فَهُوَ مُعَافًي. فَأَتَى عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ الْوَلِيدَ فَقَالَ: يَا عَمُّ، قَدْ أَجَرْتَنِي وَأَحْسَنْتَ إِلَيَّ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تُخْرِجَنِي إِلَى عَشِيرَتِكَ، فَتَتَبَرَّأَ مِنْ ذِمَّتِي بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: لَعَلَّ أَحَدًا آذَاكَ أَوْ شَتَمَكَ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا اعْتَرَضَ لِي أَحَدٌ، فَلَمَّا أَبَى عُثْمَانُ أَخْرَجَهُ الْوَلِيدُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقُرَيْشٌ فِيهِ أَحْفَلُ مَا كَانُوا، وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ يُنْشِدُهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا غَلَبَنِي وَحَمَلَنِي عَلَى أَنْ أَتَبَرَّأَ مِنْهُ مِنْ جِوَارِهِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي مِنْهُ بَرِئٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ. قَالَ: صَدَقَ، أَنَا وَاللَّهِ أَكْرَهْتُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مِنِّي بَرِئٌ، ثُمَّ جَلَسْنَا وَلَبِيدُ يُنْشِدُهُمْ فَقَالَ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ فَقَالَ عُثْمَانُ: صَدَقْتَ. ثُمَّ قَالَ: وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ فَقَالَ عُثْمَانُ: كَذِبْتَ، فَأَمْسَكَتِ الْقَوْمُ وَلَمْ يَدْرُوا مَا أَرَادَ بِكَلِمَتِهِ، ثُمَّ عَادَ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: مِثْلَ كَلِمَتِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا ذَكَرَ أَنّ كُلَّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ، كَذَّبَهُ لِأَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ لَا يَزُولُ، فَلَطَمَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَيْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَاخْضَرَّتْ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: كُنْتَ عَنِ الَّذِي لَقِيَتْ عَيْنُكَ غَنِيًّا، فَقَالَ عُثْمَانُ: بَلْ كُنْتُ إِلَى الَّذِي لَقِيَتْ عَيْنِي فَقِيرًا، وَلِي فِيمَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكُمْ أُسْوَةٌ، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: إِنْ شِئْتَ أَجَرْتُكَ ثَانِيًا، فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا أَرَبَ لِي فِي جِوَارِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 وَقَالَ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ: فَقَالَ لَبِيدٌ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاللَّهِ مَا كَانَ يُؤذَى جَلِيسُكُمْ فَمَتَى حُدِّثْتُ فِيكُمْ هَذَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنَّ هَذَا سَفِيهٌ فِي سُفَهَاءَ مَعَهُ، قَدْ فَارَقُوا دِينَنَا، فَلَا تَجِدَنَّ فِي نَفْسِكَ مِنْ قَوْلِهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ عُثْمَانُ حَتَّى شَرَى أَمْرُهُمَا، فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَلَطَمَ عَيْنَهُ فَخَضَّرَهَا، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَرِيبٌ يَرَى، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ يَا ابْنَ أَخِي، إِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ عَمَّا أَصَابَهَا لَغَنِيَّةً، وَكُنْتَ فِي ذِمَّةٍ مَنِيعَةٍ، فَقَالَ عُثْمَانُ: وَاللَّهِ إِنَّ عَيْنِي الصَّحِيحَةَ لَفَقِيرَةٌ إِلَى مَا أَصَابَ أُخْتَهَا فِي اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ تَكُ عَيْنِي فِي رِضَى الرَّبِّ نَالَهَا ... يَدَا مُلْحِدٍ فِي الدِّينِ لَيْسَ بِمُهْتَدِي فَقَدْ عَوَّضَ الرَّحْمَنُ مِنْهَا ثَوَابَهُ ... وَمَنْ يَرْضَهُ الرَّحْمَنُ يَا قَوْمِ يَسْعَدِ فَإِنِّي وَإِنْ قُلْتُمْ: غَوِيٌّ مُضَلَّلُ ... سَفِيهٌ عَلَى دِينِ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ أُرِيدُ بِذَاكَ اللَّهَ، وَالْحَقَّ دِينَنَا ... عَلَى رَغْمِ مَنْ يَبْغِي عَلَيْنَا وَيَعْتَدِي وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَمَّا رَأَى عُثْمَانُ مَا فِيهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَلَاءِ وَهُوَ يَغْدُو وَيَرُوحُ فِي أَمَانٍ مِنَ الْوَلِيدِ، قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ غُدُوِّي وَرَوَاحِي آمِنًا بِجِوَارِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَأَهْلُ دِينِي يَلْقَوْنَ مِنَ الْأَذَى وَالْبَلَاءِ مَا لَا يُصِيبُنِي لَنَقْصٍ كَبِيرٌ فِي نَفْسِي، فَمَشَى إِلَى الْوَلِيدِ فَرَدَّ إِلَيْهِ جِوَارَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ حِينَ مَاتَ عَلَى خَدِّهِ. وَقَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَذَلِكَ حِينَ مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، رَأَيْتُ لِعُثْمَانَ، تَعْنِي فِي النَّوْمِ، عَيْنًا تَجْرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ عَمَلُهُ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَتْ رُقَيَّةُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَقِي بِسَلَفِنَا الصَّالِحِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «بِسَلَفِنَا الْخَيْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ» وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ، انْكَبَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ حَنَى الثَّانِيَةَ، ثُمَّ حَنَى الثَّالِثَةَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَلَهُ شَهِيقٌ، ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ عَنْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَقَدْ خَرَجْتَ مِنْهَا وَلَمْ تَلْتَمِسْ مِنْهَا بِشَيْءٍ» . وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا عُثْمَانُ: «مَا أَصَبْتَ مِنَ الدُّنْيَا، وَلَا أَصَابَتْ مِنْكَ» قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: تُوُفِّيَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 ذِكْرُ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ دَلِيلَهُ وَدَلِيلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ هَاجَرَا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ. قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: رَأَيْتُهُ لَمَّا قُتِلَ رُفِعَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى رَأَيْتُ السَّمَاءَ مِنْ دُونِهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ الْمُشْرِكِينَ الْتَمَسُوا جَسَدَهُ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ فَيَرَوْنَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ دَفَنَتْهُ، أَوْ قَالَ: رَفَعَتْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 ذِكْرُ أَبِي الدَّرْدَاءِ عُوَيْمِرِ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقِيلَ: عُوَيْمِرُ بْنُ قَيْسِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ. رُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عُمَيْرَةَ الزُّبَيْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا حَضَرَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ الْمَوْتُ قِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَوْصِنَا، قَالَ: أَجْلِسُونِي، إِنَّ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ مَكَانَهُمَا مَنِ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا، فَالْتَمِسُوا الْعِلْمَ عِنْدَ أَرَبْعَةِ رَهْطٍ: عِنْدَ عُوَيْمِرٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعِنْدَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنَ {الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [الإسراء: 107] وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَشْفُونَ مِنَ الدَّاءِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 وَقَالَ سُفْيَانُ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَجْتَهِدُ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابِي سَبَقُونِي، وَلَمْ يَكُنْ شَهِدَ بَدْرًا. وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، إِذَا حَدَّثَ بِالْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعَ قَلْبُهُ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِلَّا هَكَذَا فَكَشَكْلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ مِنْ كَلَامِهِ وَمَوَاعِظِهِ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّمَا أَخْشَى مِنْ رَبِّي أَنْ يَدْعُونِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ فيَقُولُ: يَا عُوَيْمِرُ، فَأَقُولُ: لَبَّيْكَ رَبِّ، فيَقُولُ: مَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟ وَعَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَوْصِنِي، فَقَالَ: اذْكُرِ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ يَذْكُرُكَ فِي الضَّرَّاءِ، وَإِذَا أَشْرَفَتْ نَفْسُكَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا فَانْظُرْ إِلَى مَا يَصِيرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ. وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ رَأَى فِي الْمَنَامِ قُبَّةً مِنْ آدَمَ، وَمَرْجًا أَخْضَرَ، وَحَوْلَ الْقُبَّةِ غَنَمٌ رَبُوضٌ، تَجْتَرُّ وَتَرْعَى الْعَجْوَةَ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذِهِ الْقُبَّةُ؟ قِيلَ: لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَانْتَظَرْنَا حَتَّى خَرَجَ فَقَالَ: يَا عَوْفُ، هَذَا الَّذِي أَعْطَانَا اللَّهُ بِالْقُرْآنِ، وَلَوْ أَشْرَفْتَ عَلَى هَذِهِ الْبَنِيَّةِ لَرَأَيْتَ مَا لَمْ تَرَ عَيْنُكَ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنُكَ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِكَ، أَعَدَّهُ اللَّهُ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ لِأَنَّهُ كَانَ يَدْفَعُ الدُّنْيَا بِالرَّاحَتَيْنِ وَالنَّحْرِ. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّكَ لَا تَفْقَهُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى تَمْقُتَ النَّاسَ فِي جَنْبِ اللَّهِ، ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى نَفْسِكَ، فَتَكُونَ لَهَا أَشَدُّ مَقْتًا مِنْكَ لِلنَّاسِ. وَقَالَ: وَيْلٌ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَعَلَّمَهُ، وَوَيْلٌ لِمَنْ يَعْلَمُ وَلَا يَعْمَلُ، سَبْعَ مَرَّاتٍ. وَقَالَ: ابْنَ آدَمَ عَلَيْكَ نَفْسَكَ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعْ مَا يُرَى فِي النَّاسِ يَطُلْ حُزْنُهُ وَلَا يُشْفَ غَيْظُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 وَقَالَ: لَا تَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا أَحْبَبْتُمْ خِيَارَكُمْ. وَقَالَ: اعْبُدُوا اللَّهَ كَأَنَّكُمْ تَرَوْنَهُ، وَعُدُّوا أَنْفُسَكُمْ فِي الْمَوْتَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ قَلِيلًا يُغْنِيكُمْ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ يُلْهِيكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْبِرَّ لَا يَبْلَى وَالْإِثْمَ لَا يُنْسَى. وَقَالَ: حَبَّذَا الْمَكْرُوهَانِ: الْفَقْرُ وَالْمَوْتُ. وَقَالَ: لَيْسَ الْخَيْرُ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ وَوَلَدُكَ، وَلَكِنَّ الْخَيْرَ أَنْ يَعْظُمَ حِلْمُكَ وَيَكْثُرَ عِلْمُكَ، وَأَنْ تُبَارِي النَّاسَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنْ أَحْسَنْتَ حَمِدْتَ اللَّهَ، وَإِنْ أَسَأْتَ اسْتَغْفَرْتَ اللَّهَ. فَصْلٌ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقِيهًا، عَابِدًا قَارِئًا، أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ أَوْصَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَصْحَابَهُ أَنْ يَأْخُذُوا الْعِلْمَ عَنْهُمْ. قِيلَ: كَانَ أَقْنَى أَشْهَلَ، مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ تَاجِرًا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَرَادَ الْعِبَادَةَ وَالتِّجَارَةَ، فَلَمْ يَجْتَمِعَا لَهُ، ثُمَّ تَرَكَ التِّجَارَةَ وَآثَرَ الْعِبَادَةَ، وَقَالَ: لَا أَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحِلَّ الْبَيْعَ، وَلَكِنْ أُحِبُّ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 أَكُونَ مِنَ الَّذِينَ {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37] . قِيلَ: فَاتَهُ بَدْرٌ، فَاجْتَهَدَ فِي الْعِبَادَةِ، فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابِي سَبَقُونِي. آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَلْمَانَ. تُوُفِّيَ بِدِمِشْقَ قَبْلَ قَتْلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ. فَصْلٌ مِنْ كَلَامِهِ أَيْضًا رُوِيَ عَنِ الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَالَكَ لَا تُشْعِرُ وَلَيْسَ رَجُلٌ لَهُ بَيْتٌ فِي الْأَنْصَارِ إِلَّا وَقَدْ قَالَ الشِّعْرَ؟ قَالَ: وَأَنَا قَدْ قُلْتُ فَاسْمَعُوا: يُرِيدُ الْمَرْءُ أَنْ يُعْطَى مُنَاهُ ... وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا مَا أَرَادَا يَقُولُ الْمَرْءُ فَائِدَتِي وَمَالِي ... وَتَقْوَى اللَّهِ أَفْضَلُ مَا اسْتَفَادَا رُوِيَ عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَوْ كَتَبَ سَلْمَانُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ كَتَبَ إِلَيْهِ بَآيَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 الصُّحْفَةِ، وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ بَيْنَا هُمَا يَأْكُلَانِ مِنَ الصُّحْفَةِ فَسَبَّحَتِ الصُّحْفَةُ وَمَا فِيهَا، وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ تَلْعَنَنِي قُلُوبُ الْعُلَمَاءِ، قِيلَ: وَكَيْفَ تَلْعَنُكَ قُلُوبُهُمْ؟ قَالَ: تَكْرَهُنِي. وَعَنْ حَسَّانِ بْنِ عَطِيَّةَ، أَنَّ أَصْحَابًا لِأَبِي الدَّرْدَاءِ يُضَيِّفُوهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ بَاتَ عَلَى لَبَدِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَاتَ عَلَى ثِيَابِهِ كَمَا هُوَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَيْهِمْ، فَعَرَفَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ لَنَا دَارًا لَهَا نَجْمَعُ وَإِلَيْهَا نَرْجِعُ. وَقَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ: مَالَكَ لَا تَطْلُبُ لِأَضْيَافِكَ كَمَا يَطْلُبُ غَيْرُكَ لِأَضْيَافِهِمْ؟ فَقَالَ: لِأَنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَمَامَكُمْ عَقَبَةً كَئُودًا لَا يُجَاوِزُهَا الْمُثْقَلُونَ» ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَتَخَفَّفَ لِتِلْكَ الْعَقَبَةِ. وَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: بَيْنَمَا أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ لَهُ وَسَلْمَانُ عِنْدَهُ إِذْ سَمِعَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فِي الْقِدْرِ صَوْتًا، ثُمَّ ارْتَفَعَ الصَّوْتُ بِتَسْبِيحٍ كَهَيْئَةِ صَوْتِ الصَّبِيِّ، ثُمَّ نَدَرَتْ فَانْكَفَأَتْ، ثُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 رَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا لَمْ يَنْصَبُّ مِنْهَا شَيْءٌ، فَجَعَلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يُنَادِي: يَا سَلْمَانُ، انْظُرْ إِلَى الْعَجَبِ، انْظُرْ إِلَى مَا لَمْ تَنْظُرْ إِلَى مِثْلِهِ أَنْتَ وَلَا أَبُوكَ، فَقَالَ سَلْمَانُ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَكَتَّ لَسمعت مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْكُبْرَى. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ شُرَحْبِيلَ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا رَأَى جِنَازَةً قَالَ: اغْدُوا فَإِنَّا رَائِحُونَ، أَوْ رُوحُوا فَإِنَّا غَادُونَ، مَوْعِظَةٌ بَلِيغَةٌ، وَغَفْلَةٌ سَرِيعَةٌ، كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا، يَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، وَيَبْقَى الْآخِرُ لَا حِلْمَ لَهُ. وَعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ لَمَّا احْتُضِرَ جَعَلَ يَقُولُ: مَنْ يَعْمَلْ لِمِثْلِ يَوْمِي هَذَا؟ مَنْ يَعْمَلْ لِمِثْلِ سَاعَتِي هَذِهِ؟ مَنْ يَعْمَلْ لِمِثْلِ مَضْجَعِي هَذَا؟ ثُمَّ يَقُولُ: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110] . وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أُحِبُّ الْمَوْتَ اشْتِيَاقًا إِلَى رَبِّي، وَأُحِبُّ الْفَقْرَ تَوَاضُعًا لِرَبِّي، وَأُحِبُّ الْمَرَضَ تَكْفِيرًا لِخَطِيئَتِي. وَاشْتَكَى أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: مَا تَشْتَكِي؟ قَالَ: أَشْتَكِي ذُنُوبِي، قَالُوا: فَمَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: أَشْتَهِي الْجَنَّةَ، قَالُوا: أَفَلَا نَدْعُوا لَكَ طَبِيبًا؟ قَالَ: هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 الَّذِي أَضْجَعَنِي. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ الَّذِينَ أَلْسِنَتُهُمْ رَطْبَةً بِذِكْرِ اللَّهِ يَدْخُلُ أَحَدُهُمُ الْجَنَّةَ وَهُوَ يَضْحَكُ. وَقَالَ: هَذِهِ عَادٌ وَقَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْنَ عَدَنَ إِلَى عَمَّانَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا، فَمَنْ يَشْتَرِي مِنِّي تَرِكَةَ آلِ عَادٍ بِدِرْهَمَيْنِ؟ . وَقَالَ: تُجَدِّدُونَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ خَرَابَهَا، وَهُوَ تَعَالَى غَالِبٌ عَلَى مَا أَرَادَ. وَقَالَ: مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ الْمَوْتِ قَلَّ فَرَحُهُ وَقَلَّ حَسَدُهُ. وَقَالَ: مَا بِتُّ لَيْلَةً فَأَصْبَحْتُ لَمْ يَرْمِنِي النَّاسُ فِيهَا بِدَاهِيَةٍ إِلَّا رَأَيْتُ أَنَّ للَّهِ عَلَيَّ فِيهَا نِعْمَةً. وَقَالَ: إِيَّاكُمْ وَدَعْوَةَ الْيَتِيمِ، وَدَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُمَا تَسْرِيَانِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، وَإِنَّ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ أَظْلِمَهُ مَنْ لَا يَسْتَعِينُ عَلَيَّ إِلَّا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ: لَوْلَا ثَلَاثُ خِلَالٍ لَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَبْقَى فِي الدُّنْيَا، قِيلَ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: لَوْلَا وَضُوعُ وَجْهِي لِلسُّجُودِ لِخَالِقِي فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَظَمَأُ الْهَوَاجِرِ، وَمُقَاعَدَةُ أَقْوَامٍ يَنْتَقُونَ الْكَلَامَ كَمَا تُنْتَقَى الْفَاكِهَةُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 وَقَالَ: مَا فِي الْمُؤْمِنِ بَضْعَةٌ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ لِسَانِهِ، بِهِ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ، وَمَا فِي الْكَافِرِ بَضْعَةٌ أَبْغَضُ إِلَى اللَّهِ مِنْ لِسَانِهِ، بِهِ يُدْخِلُهُ النَّارَ. وَقَالَ: لَا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الشَّرَّ أَنْ تَتَّقِيَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ أَنْ تَفْعَلَهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ {7} وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {8} } [الزلزلة: 7-8] . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ السِّمْسَارُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَاشَاذَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، وَالْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُسَرِّحُ بْنُ فِضَالَةَ، عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «مُعَاتَبَةُ الْأَخِ خَيْرٌ مِنْ فَقْدِهِ، وَمَنْ لَكَ بِأَخِيكَ كُلِّهِ، اعْطِ أَخَاكَ وَكُنْ لَهُ، وَلَا تُطِعْ فِيهِ حَاسِدًا، فَتَكُونُ مِثْلَهُ، غدًا يَأْتِيكَ الْمَوْتُ فَيَكْفِيكَ فَقْدَهُ، كَيْفَ تَبْكِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَفِي الْحَيَاةِ مَا قَدْ تَرَكْتَ فَضْلَهُ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 ذِكْرُ عَمْرِو بْنِ عَبْسَةَ السَّلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيتُهُ بِعُكَاظَ مُسْتَخْفِيًا مِنْ قُرَيْشٍ فِي أَوَّلِ الدَّعْوَةِ، وَكَانَ يَقُولُ: أَنَا رُبُعُ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ بَنِي سُلَيْمٍ، فَأَقَامَ فِيهِمْ حَتَّى مَضَى بَدْرٌ، وَأُحُدٌ، وَالْخَنْدَقُ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَهَا، وَكَانَ قَبْلَ أَنْ أَسْلَمَ يَعْتَزِلُ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَيَرَاهَا ضَلَالَةً. قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبْسَةَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: مَنْ تَبِعَكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ؟ قَالَ: «حُرٌّ وَعَبْدٌ» ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَبِلَالًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَكَانَ يَقُولُ: رَأَيْتُنِي وَأَنَا رُبُعُ الْإِسْلَامِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 قَالَ: كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَرَى النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ وَلَا أَرَى الْأَوْثَانَ شَيْئًا، ثُمَّ سمعت الرِّجَالَ يُخْبِرُونَ أَخْبَارًا بِمَكَّةَ، فَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي حَتَّى قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْفٍ وَإِذَا قَوْمُهُ عَلَيْهِ شِدَادٌ، فَتَلَطَّفْتُ لَهُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ؟ فَقَالَ: «نَبِيٌّ» ، قُلْتُ: مَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ» ، قُلْتُ: اللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْئًا، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ» ، قُلْتُ: إِنِّي مُتَّبِعُكَ، قَالَ: «إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ يَوْمَكَ هَذَا، وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ، فَإِذَا سمعت بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَالْحَقْ بِي» ، فَرَجَعْتُ إِلَى قَوْمِي وَقَدْ أَسْلَمْتُ. ذِكْرُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُهَاجِرِيٌّ، سَهْمِيٌّ، مَكِّيٌّ، خَرَجَ إِلَى الْحَبَشَةِ، فَأَسْلَمَ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ، فَأَخَذَهُ أَصْحَابُهُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ فَعَمُّوهُ، يَعْنِي وَضَعُوا عَلَى فَمِهِ ثَوْبًا لِيَمُوتَ، فَأَفْلَتَ مِنْهُمْ مُجَرَّدًا لَيْسَ عَلَيْهِ قِشْرُهُ، أَيْ: ثَوْبُهُ، فَأَخَذُوا كُلَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 شَيْءٍ لَهُ، فَاسْتَرْجَعَ النَّجَاشِيُّ مِنْ أَصْحَابِهِ جَمِيعَ مَا أَخَذُوهُ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ. خَرَجَ هُوَ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، مُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعَ عَمْرٌو رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لَهُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْهِجَّرَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا» . بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ يَلِي مِصْرَ مِنْ قِبَلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّوْمِ، تُوُفِّيَ بِمِصْرَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ، وَدُفِنَ يَوْمَ الْفِطْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ» وَقَالَ: «ابْنَا الْعَاصِ مُؤْمِنَانِ عَمْرٌو، وَهِشَامٌ» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ أَهْلُ الْبَيْتِ عَبْدُ اللَّهِ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأُمُّ عَبْدِ اللَّهِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 ذِكْرُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ، وَدُفِنَ هُوَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيِّدُكُمُ الْجَعْدُ الْأَبْيَضُ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ» وَكَانَ أَعْرَجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَمْشِي بِرِجْلِهِ هَذِهِ صَحِيحَةٍ فِي الْجَنَّةِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ يُولِمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَزَوَّجَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ لَهُ بَنُونَ أَرْبَعَةٌ، يَشْهَدُونَ مَع رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَشَاهِدَ، أَمْثَالُ الْأَسَدِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أَرَادُوا حَبْسَهُ، وَقَالُوا لَهُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَذَرَكَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بَنِيَّ حَبَسُونِي عَنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْخُرُوجِ مَعَكَ فِيهِ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَطَأَ بِعَرْجَتِي هَذِهِ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ عَذَرَكَ اللَّهُ لَا جِهَادَ عَلَيْكَ» ، وَقَالَ لِبَنِيهِ: «لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَمْنَعُوهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ الشَّهَادَةَ» ، فَخَرَجَ مَعَهُ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ صُبَيْحٍ: قَالَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ لِبَنِيهِ: مَنَعْتُمُونِيَ الْجَنَّةَ بِبَدْرٍ، وَاللَّهِ لَئِنْ لَقِيتُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَقِيَهُ فَقَالَ: أَنْتَ الْقَائِلُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا لَقِيَ يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمْ يَكُنْ لِي هَمٌّ غَيْرَهُ فَطَلَبْتُهُ، فَإِذَا هُوَ فِي الرَّعِيلِ الْأَوَّلِ، يَعْنِي فِي مُقَدِّمَةِ الْجَيْشِ الَّذِينَ لَقَوْا الْكُفَّارَ. وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: أَتَى عَمْرُو بْنُ الَجَمُوحِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أُقْتَلَ أَتُرَانِي أَمْشِي بِرِجْلِي هَذِهِ فِي الْجَنَّةِ؟ وَكَانَتْ عَرْجَاءَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» ، فَقُتِلَ هُوَ وَابْنُ أُخْتِهِ، يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ، فَمَرَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «كَأَنِّي أَرَاكَ تَمْشِي بِرِجْلِكَ هَذِهِ صَحِيحَةٍ فِي الْجَنَّةِ» قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: جُعِلَ هُوَ وَابْنُ أُخْتِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ. ذِكْرُ عَمْرِو بْنِ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ أُصَيْرِمُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ. رُوِيَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: حَدِّثُونِي عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَمْ يُصَلِّ صَلَاةً قَطُّ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ النَّاسُ، فَسَأَلُوهُ مَنْ هُوَ؟ قَالَ: أُصَيْرِمُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَمْرُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ. قَالَ الْحُصَيْنُ: قُلْتُ لِمَحْمُودٍ: كَيْفَ كَانَ شَأْنُ الْأُصَيْرِمِ؟ قَالَ: كَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ عَلَى قَوْمِهِ فَأَسْلَمَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَا لَهُ الْإِسْلَامُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَغَدَا حَتَّى أَتَى الْقَوْمَ، فَرَحَلَ فِي عَرَضِ النَّاسِ فَقَاتَلَ حَتَّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحُ، فَبَيْنَا رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ قَتْلَاهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ إِذَا هُمْ بِهِ، فَقَالُوا: هَذَا أُصَيْرَمٌ مَا جَاءَ بِهِ؟ لَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَإِنَّهُ لَمُنْكِرٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ، فَسَأَلُوهُ مَا جَاءَ بِهِ؟ فَقَالُوا: مَا جَاءَ بِكَ يَا عَمْرُو، أَحَدْبًا عَلَى قَوْمِكَ أَمْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: بَلْ رَغْبَةٌ فِي الْإِسْلَامِ، آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَخَذْتُ سَيْفِي فَقَاتَلْتُ حَتَّى أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فِي أَيْدِيهِمْ، فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 ذِكْرُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ الْمُعَذَّبِينَ فِي اللَّهِ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا ابْنُ مُؤْمِنَيْنِ غَيْرُهُ. أَسْلَمَ أَبُوهُ يَاسِرٌ وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَكَانَتْ سُمَيَّةُ أَوَّلُ شَهِيدَةٍ فِي الْإِسْلَامِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمَّارٍ: «مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ» وَقَالَ: «مُلِئَ إِيمَانًا إِلَى مُشَاشِهِ» ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصِرَتَهُ، وَقَالَ: «هَذِهِ خَاصِرَةٌ مُؤْمِنَةٌ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 فَصْلٌ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ آدمَ طِوَالًا، بَعَثَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمِيرًا إِلَى الْكُوفَةِ، قُتِلَ بِصِفِّينَ، وَهُوَ ابْنُ نَيْفٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ فَأَخَذَ بِيَدَيَّ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَمَرَّ بِعَمَّارٍ وَأُمِّ عَمَّارٍ وَهُمْ يُعَذَّبُونَ، فَقَالَ: «صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 وَرُوِيَ أَنَّ عَمَّارًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، دَعَى بِشَرَابٍ يَوْمَ صِفِّينَ، فَأُتِي بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، الْيَوْمَ أَلْقَى الْأَحِبَّةَ مُحَمَّدًا وَحِزْبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ آخِرَ شَيْءٍ تَزَوَّدَهُ مِنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 الدُّنْيَا صُبْحَةُ لَبَنٍ» وَعَنْ خَالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ، قَالَ: كَانَ عَمَّارٌ طَوِيلَ الصَّمْتِ، طَوِيلَ الْحُزْنِ وَالْكَآبَةِ، وَكَانَ عَامَّةُ كَلَامِهِ عَائِذًا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتْنَةِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، قَالَ: لَمَّا بَنَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ دَارَهُ قَالَ لِعَمَّارٍ: هَلُمَّ انْظُرْ إِلَى مَا بَنَيْتُ، فَانْطَلَقَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: بَنَيْتَ شَدِيدًا، وَأَمَّلْتَ بَعِيدًا، وَتَمُوتُ قَرِيبًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 ذِكْرُ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَزَلَ الْكُوفَةَ، قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: يُقَالُ لَهُ: الْبَدْرِيُّ، وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: كَانَ أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو تُشَبَّهُ تُجَالِيدُهُ بِتَجَالِيدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تَجَالِيدُهُ: جِسْمُهُ وَشَخْصُهُ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: شَهِدَ الْعَقَبَةَ الثَّانِيَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْغَرِ مَنْ شَهِدَهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 ذِكْرُ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ الْأَسْلَمِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ، وَزَيْدَ بْنَ الدَّثِنَةَ، وَمَخْلَدَ بْنَ بَكِيرٍ، وَخُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ، وَمَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ، إِلَى بَنِي لَحْيَانَ بِالرَّجِيعِ، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى اسْتَصْرَخُوا عَلَيْهِمْ هُذَيْلًا، فَلَمْ يُطِيقُوا قِتَالَهُمْ، فَأَخَذُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَمَانًا إِلَّا عَاصِمًا فَإِنَّهُ أَبَى، وَقَالَ: لَا أَقْبَلُ عَهْدًا مِنْ مُشْرِكٍ، وَدَعَا عِنْدَ ذَلِكَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَحْمِي لَكَ الْيَوْمَ دِينَكَ فَاحْمِ لِي لَحْمِي، فَجَعَلَ يُقَاتِلُ وَهُوَ يَقُولُ: مَا عِلَّتِي وَأَنَا جَلْدٌ نَابِلُ ... وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عَنَابِلُ إِنْ لَمْ أُقَاتِلْكُمْ فَأُمِّي هَابِلُ ... الْمَوْتُ حَقٌّ وَالْحَيَاةُ بَاطِلُ وَكُلُّ مَا حَكَمَ الْإِلَهِ نَازِلُ ... بِالْمَرْءِ وَالْمَرْءُ إِلَيْهِ آيِلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 فَلَمَّا قَتَلُوهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَذَا الَّذِي آلَتْ فِيهِ الْمَكِّيَّةُ سُلَافَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ شَهِيدٍ، كَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ لَهَا يَوْمَ أُحُدٍ ثَلَاثَةَ بَنِينَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ كُلَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ لِوَاءِ قُرَيْشٍ، فَجَعَلَ يَرْمِي وَيَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَقْلَحِ، وَقَالَتْ: لَئِنْ قَدِرَتْ عَلَى رَأْسِهِ لَتَشْرَبَنَّ فِي قُحْفِهِ الْخَمْرَ، فَأَرَادُوا أَنْ يَحْتَزُّوا رَأْسَهُ لَيَذْهَبُوا بِهِ إِلَيْهَا وَيَبِيعُوهُ مِنْهَا، فَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ رَجْلًا مِنْ دَبْرٍ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَجْتَزُّوا رَأْسَهُ. قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: النَّابِلُ: صَاحِبُ النَّبْلِ، وَالْعُنَابِلُ: الْغَلِيظُ، وَالْهَابِلُ: الَّتِي مَاتَ وَلَدُهَا، وَالْآيِلُ: الرَّاجِعُ، وَآلَتْ: حَلِفَتْ، وَالرَّجْلُ: الْجَمَاعَةُ، وَالدَّبْرُ: الزَّنَابِيرُ. وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَتَادَةَ، قَالُوا: كَانُوا سِتَّةً، فَلَمَّا قَتَلُوا عَاصِمًا وَحَالَ الدَّبْرُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، قَالُوا: دَعُوهُ حَتَّى يُمْسِي، فَيَذْهَبَ عَنْهُ ثُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 نَأْخُذَهُ، فَبَعَثَ اللَّهُ الْوَادِي يَعْنِي أَرْسَلَ السَّيْلَ، فَاحْتَمَلَ عَاصِمًا فَانْطَلَقَ بِهِ، وَكَانَ عَاصِمٌ قَدْ أَعْطَى اللَّهَ عَهْدًا أَنْ لَا يَمَسَّ مُشْرِكًا وَلَا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ تَنَجُّسًا مِنْهُمْ. ذِكْرُ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: هُوَ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ قُرَيْشٍ، قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ فَأَقَامَ مَعَهُ حَتَّى هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَشَهِدَ مَعَهُ بَدْرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 قَالُوا: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ بَصَّرَ الْبَصْرَةَ. كَتَبَ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي نَزَلْتُ أَرْضَ بَصْرَةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ إِذَا أَتَاكَ كِتَابِي، فَاثْبُتْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي، فَبَعَثَ عُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ مُعَلِّمًا وَأَمِيرًا، فَغَزَا الْأُبُلَّةَ. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ عُمَيْرٍ: وَشُوَيْشُ الْعَدُوِّ بِأَنْ قَالَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا إِلَى أَقْصَى أَرْضِ الْعَرَبِ، وَأَدْنَى أَرْضِ الْعَجَمِ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا الْمِرْبَدَ وَلَا مِرْبَدَ يَوْمَئِذٍ، فَإِذَا هِيَ الْحِجَارَةُ الْبِيضُ الْكِذَانُ، قَالَ: هَاهُنَا أُمِرْتُمْ. قَالَ: وَجَاءَ صَاحِبُ الْفُرَاتِ فِي أَرْبَعَةِ أَلْفٍ فَقَالَ: مَا هُمْ إِلَّا مَا أَرَى، فَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ فَقُتِلُوا غَيْرُ صَاحِبِ الْفُرَاتِ، وَرُفِعَ لِعُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ مِنْبَرٌ، فَقَالَ: إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَذِنَتْ بِصَرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءً، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا صَبَابَةٌ كَصَبَابَةِ الْإِنَاءِ، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ قَرَارٍ، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ، وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ عَامًا، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ، وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَخْرَةً لَوْ هَوَتْ مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ هَوَتْ سَبْعِينَ خَرِيفًا، أَفَعَجِبْتُمْ لتملأن، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ، وَإِنِّي لَسَابِعُ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقَ الشَّجَرِ، حَتَّى قَرَحَتْ أَشْدَاقُنَا، وَأَصَبْتُ بُرْدَةً فَشَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَمَا مِنْ أُولَئِكَ السَّبْعَةِ إِلَّا أَمِيرٌ عَلَى مِصْرٍ، أَلَا وَإِنَّكُمْ سَتُجَرِّبُونَ الْأُمَرَاءَ بَعْدِي. وَفِي رِوَايَةٍ: وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ فِي نَفْسِي عَظِيمًا، وَفِي أَنْفُسِ النَّاسِ صَغِيرًا، وَسَتُجَرِّبُونَ الْأُمَرَاءَ بَعْدِي. قَالَ الْحَسَنُ: فَجَرَّبْنَاهُمْ فَوَجَدْنَاهُمْ أَنْتَانًا. قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْحَذَّاءُ: السَّرِيعَةُ، وَالصَّبَابَةُ: الْبَقِيَّةُ، وَالْمَصْرَعَانِ: زَوْجَانِ مِنَ الْباب، وَالْكَظِيظُ: الْمُمْتَلِئُ، وَهَوَتْ: سَقَطَتْ، وَالْكَذَّانُ: الْحِجَارَةُ الرِّخْوَةُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 ذِكْرُ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَزَلَ الشَّامَ، قَالَ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدٍ: اسْتَكْسَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَسَانِي خَيْشَتَيْنِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَلْبِسُهُمَا وَأَنَا أَكَسَى أَصْحَابِي. قَالَ شُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ: كَانَ عُتْبَةُ يَقُولُ: عِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ خَيْرٌ مِنِّي، وَيَقُولُ عِرْبَاضُ: عُتْبَةُ خَيْرٌ مِنِّي، سَبَقَنِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 ذِكْرُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْمُطَّلِبِ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: قِيلَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: هُوَ أَكْبَرُ مِنِّي، وَوُلِدْتُ أَنَا قَبْلَهُ. وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكُنْتُ قَدْ أَسْلَمْتُ وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الْفَضْلِ وَأَسْلَمَ الْعَبَّاسُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَهَابُ قَوْمَهُ، فَكَانَ يَكْتُمُ إِسْلَامَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «مَنْ لَقِيَ مِنْكُمُ الْعَبَّاسَ فَلْيَكُفَّ عَنْهُ فَإِنَّهُ أُخْرِجَ مُسَتْكَرَهًا» وَعَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ إِذَا قَحَطُوا يَسْتَسْقِي بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بَنَبِيِّنَا، فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَرَّ يُرِيدُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا دَمٌ يَسِيلُ مِنْ مِثْعَبٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: فِرَاخٌ ذُبِحَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 لِلْعَبَّاسِ، فَقَلَعَ الْمِثْعَبَ، فَأَتَاهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: عَمَدْتَ إِلَى مِثْعَبٍ وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فَقَلَعْتَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا جَرَمَ وَاللَّهِ لَا يَكُونُ لَكَ إِلَى إِصْلَاحِهِ سُلَّمٌ غَيْرِي، قَالَ: فَانْحَنَى عُمَرُ لِلْعَبَّاسِ حَتَّى أَصْلَحَهُ. فَصْلٌ أخبرنا الْمُطَهَّرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَيِّعُ، فِي كِتَابِهِ، أخبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ فِي أَبٍ لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَطَمَهُ الْعَبَّاسُ، فَجَاءَ قَوْمَهُ فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَنَلْطِمَنَّهُ كَمَا لَطَمَكَ، فَلَبِسُوا السِّلَاحَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ؟» ، قَالُوا: أَنْتَ، قَالَ: «فَإِنَّ الْعَبَّاسَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، لَا تَسُبُّوا أَمْوَاتَنَا فَتُؤْذُوا أَحْيَاءَنَا» ، قَالَ: فَجَاءَ الْقَوْمُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِكَ فَاسْتَغْفِرْ لَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا أخبرنا مَعْمَرٌ، قَالَ: سمعت ثَابِتًا يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ قَالَ حَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي بِمَكَّةَ مَالًا، وَلِي بِهَا أَهْلٌ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ آتِيَهُمْ، فَأَنَا فِي حِلٍّ إِنْ أَنَا نِلْتُ مِنْكَ أَوْ قُلْتُ شَيْئًا، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ مَا شَاءَ، قَالَ: فَأَتَى امْرَأَتَهُ حِينَ قَدِمَ، فَقَالَ: اجْمَعِي لِي مَا كَانَ عِنْدَكِ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْ غَنَائِمِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُمْ قَدِ اسْتُبِيحُوا وَأُوصِيَتْ أَمْوَالُهُمْ، فَفَشَا ذَلِكَ بِمَكَّةَ فَانْقَمَعَ الْمُسْلِمُونَ، وَأَظْهَرَ الْمُشْرِكُونَ فَرَحًا وَسُرُورًا، فَبَلَغَ الْخَبَرَ عَبَّاسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَقَرَ وَجَعَلَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُومَ "، قَالَ مَعْمَرٌ: فَأخبرني عُثْمَانُ الْجَزَرِيُّ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: فَأَخَذَ ابْنًا لَهُ يُقَالُ لَهُ: قُثَمُ فَوَضَعَهُ عَلَى صَدْرِهِ وَهُوَ يَقُولُ: حُبِّي قَثَمْ شَبِيهٌ ذِي الْأَنْفِ الْأَشَمْ نَبِيُّ ذِي النِّعَمِ بِرَغْمِ مَنْ زَعَمْ قَالَ ثَابِتٌ: قَالَ أَنَسٌ: ثُمَّ أَرْسَلَ غُلَامًا إِلَى الْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ، فَقَالَ: وَيْلَكَ مَاذَا جِئْتَ بِهِ؟ وَمَا تَقُولُ؟ وَمَا وَعَدَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا جِئْتَ بِهِ، فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 الْحَجَّاجُ: اقْرَأْ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ: فَلْيُخْلِ لِي بَعْضَ بُيُوتِهِ فَإِنَّ الْخَبَرَ عَلَى مَا يُسُرُّهُ، فَجَاءَ غُلَامُهُ، فَلَمَّا أَنْ بَلَغَ الدَّارِ، قَالَ: أَبْشِرْ يَا أَبَا الْفَضْلِ، قَالَ: فَوَثَبَ الْعَبَّاسُ حَتَّى قَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَأَخْبَرَهُ، بِمَا قَالَ الْحَجَّاجُ فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَهُ فَرَدَّ اللَّهُ الْكَآبَةَ الَّتِي كَانَتْ بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ وَمَنْ كَانَ دَخَلَ بَيْتَهُ كَئِيبًا ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِهِ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «مَنْ لَقِيَ مِنْكُمُ الْعَبَّاسَ فَلْيَكُفَّ عَنْهُ، فَإِنَّهُ خَرَجَ مُسْتَكْرَهًا» ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: ابْنَ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا لِلْعَبَّاسِ، وَكُنْتُ قَدْ أَسْلَمْتُ وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الْفَضْلِ وَأَسْلَمَ الْعَبَّاسُ، فَذَكَرَ قِصَّتَهُ وَذُكِرَ فِيهِ، قَالَ: فَدَفَعَ أَبُو لَهَبٍ. قَالَ الشَّيْخُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 هَكَذَا رَوَاهُ مُخْتَصَرًا، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ مُسْتَوْفًا، ذَكَرْنَاهُ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْفَظُونِي فِي الْعَبَّاسِ فَإِنَّهُ عَمِّي وَصَفْوَتِي قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبْدَةَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لَا يَعْرِفُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِينَا رَجُلًا بِالْأَبْطَحِ فَسَأَلْنَاهُ عَنْهُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفَانِ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: وَكَانَ الْعَبَّاسُ يَخْتَلِفُ إِلَيْنَا بِالتِّجَارَةِ، وَكُنَّا نَعْرِفُهُ وَيَعْرِفُنَا، فَقَالَ: هُوَ الرَّجُلُ الْجَالِسُ مَعَهُ الْآنَ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَخَلْنَا فَإِذَا الْعَبَّاسُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ، فَسَلَّمْنَا وَجَلَسْنَا، فَسَأَلْنَا الْعَبَّاسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ هَذَانِ يَا عَبَّاسُ؟» ، فَقَالَ: هَذَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، سَيِّدُ قَوْمِهِ، وَهَذَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّاعِرُ» . ثُمَّ وَعَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَقَبَةَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَاجْتَمَعْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْعَقَبَةِ، وَنَحْنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 سَبْعُونَ رَجُلًا، وَامْرَأَتَانِ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَبَّاسُ مَعَهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، حَتَّى جَلَسْنَا، فَبَدَأَ الْعَبَّاسُ بِالْكَلَامِ، فَقَالَ: يَا بَنِي الْخَزْرَجِ إِنَّ مُحَمَّدًا هَذَا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَإِنَّهُ فِي حِرْزٍ وَمَنَعَةٍ فِي دَارِهِ وَقَوْمِهِ، وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مِمَّنْ رَابَهُ فَلَا يَخْلُصْ إِلَيْهِ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ، وَقَدْ أَبَى إِلَّا الِانْقِطَاعَ إِلَيْكُمْ لَمَّا دَعَوْتُمُوهُ إِلَيْهِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تُحِسُّونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَهْنًا، أَوْ ضَعْفًا، أَوْ خُذْلَانًا فَالآنَ، فَدَعُوهُ فِي قَوْمِهِ فَإِنَّهُ فِي مَنَعَةٍ " ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو، وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْثِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ بَدَلٍ، قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَانْهَزَمَ النَّاسُ أَجْمَعُونَ إِلَّا الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ «فَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَهُمُ بِقَبْضَةٍ مِنَ الْأَرْضِ» . فَانْهَزَمْنَا، فَمَا يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّا نَمُرُّ بِشَجَرَةٍ، وَلَا حَجَرٍ، إِلَّا وَهُوَ فِي آثَارِنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ انْتَهَى إِلَى الْمَدِينَةِ: «يَا عَبَّاسُ، افْدِ نَفْسَكَ، وَابْنَيْ أَخِيكَ عَقِيلِ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ، وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ عَمْرٍو فَإِنَّكَ ذُو مَالٍ» ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ مُسْلِمًا وَلَكِنَّ الْقَوْمَ اسْتَكْرَهُونِي، فَقَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِسْلَامِكَ، إِنْ يَكُنْ مَا تَذْكُرُ حَقًّا فَاللَّهُ يَجْزِيكَ بِهِ، فَأَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا فَافْدِ نَفْسَكَ» ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ عِشْرِينَ أَوْقِيَةً مِنَ الذَّهَبِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، احْسِبْهَا لِي فِي فِدَايَ، قَالَ: «لَا، ذَاكَ شَيْءٌ أَعْطَانَاهُ اللَّهُ مِنْكَ» ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ لِي مَالٌ. قَالَ: " فَأَيْنَ الْمَالُ الَّذِي وَضَعْتَهُ بِمَكَّةَ حَيْثُ خَرَجْتَ عِنْدَ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ لَيْسَ مَعَكُمَا أَحَدٌ؟ ثُمَّ قُلْتَ لَهَا: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي هَذَا فَلِلْفَضْلِ كَذَا وَكَذَا، وَلِعَبْدِ اللَّهِ كَذَا وَكَذَا، وَلِقُثَمَ كَذَا وَكَذَا، وَلِعُبَيْدِ اللَّهِ كَذَا وَكَذَا "، قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عَلِمَ هَذَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهَا، وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَفَدَى الْعَبَّاسُ نَفْسَهُ، وَابْنَيْ أَخِيهِ، وَحَلِيفَهُ وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا أَمْسَى الْقَوْمُ مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ وَالأُسَارَى مَحْبُوسِينَ فِي الْوِثَاقِ، بَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاهِرًا أَوَّلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 لَيْلَةٍ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَالَكَ لَا تَنَامُ؟ قَالَ: «تَضَوَّرَ الْعَبَّاسِ فِي وَثَاقِهِ» . فَقَامُوا إِلَى الْعَبَّاسِ فَأَطْلَقُوهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْتُ غُلَامًا لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ دَخَلْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الْفَضْلِ وَأَسْلَمْتُ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ يَهَابُ قَوْمَهُ وَيَكْرَهُ أَنْ يُخَالِفَ، وَكَانَ يَكْتُمُ إِسْلَامَهُ، وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ مُتَفَرِّقٍ فِي قَوْمِهِ، وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ عَدُوَّ اللَّهِ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ، فَلَمَّا جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ مُصَابِ أَصْحَابِ بَدْرٍ كَبَتَهُ اللَّهُ وَأَخْذَاهُ، وَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا قُوَّةً وَعِزًّا، وَكُنْتُ رَجُلًا ضَعِيفًا، وَكُنْتُ أَعْمَلُ الْقِدَاحَ أَنْحَتُهَا فِي حُجْرَةِ زَمْزَمَ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَجَالِسٌ فِيهَا أَنْحَتُ الْقِدَاحَ، وَعِنْدِي أُمُّ الْفَضْلِ جَالِسَةٌ وَقَدْ سَرَّنَا مَا جَاءَنَا مِنَ الْخَبَرِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 إِذْ أَقْبَلَ الْفَاسِقُ أَبُو لَهَبٍ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ بِشَرٍّ حَتَّى جَلَسَ عَلَى طُنُبِ الْحُجْرَةِ، وَكَانَ ظَهْرُهُ إِلَى ظَهْرِي، فَبَيْنَا هُوَ جَالِسٌ إِذْ قَالَ النَّاسُ: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ قَدْ قَدِمَ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: هَلُمَّ إِلَيَّ يَا ابْنَ أَخِي مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: فَجَلَسَ إِلَيْهِ وَالنَّاسُ قِيَامٌ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، أخبرني كَيْفَ كَانَ أَمْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ، وَاللَّهِ إنْ كَانَ إِلَّا أَنْ لَقِينَاهُمْ، فَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافَنَا يَقْتُلُونَنَا وَيَأْسِرُونَ كَيْفَ شَاءُوا، وَايْمُ اللَّهِ مَعَ ذَلِكَ مَا لُمْتُ النَّاسَ، لَقِينَا رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلُقٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَا تُلِيقُ شَيْئًا وَلَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ، قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَرَفَعْتُ طُنُبَ الْحُجْرَةِ بِيَدَيَّ ثُمَّ قُلْتُ: تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ، قَالَ: فَرَفَعَ أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ، فَضَرَبَ وَجْهِي ضَرْبَةً شَدِيدَةً، قَالَ: فَثَاوَرْتُهُ فَاحْتَمَلَنِي فَضَرَبَ بِيَ الْأَرْضَ، ثُمَّ بَرَكَ عَلَيَّ يَضْرِبُنِي، وَكُنْتُ رَجُلًا ضَعِيفًا، فَقَامَتْ أُمُّ الْفَضْلِ إِلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِ الْحُجْرَةِ فَأَخَذَتْهُ فَضَرَبَتْهُ ضَرْبَةً، فَفَلَقَتْ رَأْسَهُ شَجَّةً مُنْكَرَةً، وَقَالَتْ: تَسْتَضْعِفُهُ أَنْ غَابَ عَنْهُ سَيِّدُهُ، فَقَامَ مُوَلِّيًا ذَلِيلا فَوَاللَّهِ مَا عَاشَ إِلَّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتَّى رَمَاهُ بِالْعَدَسَةِ فَقَتَلَتْهُ، فَلَقَدْ تَرَكَهُ ابْنَاهُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا مَا يَدْفِنَانِهِ حَتَّى أَنْتَنَ فِي بَيْتِهِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَتَّقِي الْعَدَسَةَ وَعَدْوَاهَا كَمَا يَتَّقِي النَّاسُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 الطَّاعُونَ، حَتَّى قَالَ لَهُمَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: وَيْحَكُمَا أَلَا تَسْتَحْيَانِ إِنَّ أَبَاكُمَا قَدْ أَنْتَنَ فِي بَيْتِهِ لَا تُغَيِّبَانِهِ؟ فَقَالَا: إِنَّا نَخْشَى هَذِهِ الْقُرْحَةَ. قَالَ: فَانْطَلِقَا فَأَنَا مَعَكُمَا، فَمَا غَسَّلُوهُ إِلَّا قَذْفًا بِالْمَاءِ عَلَيْهِ مِنْ بَعِيدٍ مَا يَمَسُّونَهُ، ثُمَّ احْتَمَلُوهُ، فَدَفَنُوهُ بِأَعْلَى مَكَّةَ إِلَى جِدَارٍ، وَقَذَفُوا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ حَتَّى وَارَوْهُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ: «إِنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ رِجَالًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَدْ أُخْرِجُوا كَرْهًا فَمَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْهُمْ فَلَا يَقْتُلْهُ، وَمَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ فَلَا يَقْتُلْهُ، وَمَنْ لَقِيَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ فَلَا يَقْتُلْهُ، فَإِنَّمَا أُخْرِجَ مُسْتَكْرَهًا» . فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ: أَنَقْتُلُ آبَاءَنَا، وَأَبْنَاءَنَا، وَإِخْوَانَنَا، وَعَشِيرَتَنَا، وَنَتْرُكُ الْعَبَّاسَ؟ وَاللَّهِ لَئِنْ لَقِينَاهُ لِأُلْحِمَنَّهُ السَّيْفَ، فَبَلَغَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُولُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: " يَا أَبَا حَفْصٍ، أَمَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ أَبِي حُذَيْفَةَ يَقُولُ: أَضْرِبُ وَجْهَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ بِالسَّيْفِ "، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي فَلأَضْرِبُ عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ نَافَقَ، قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَأَوَّلُ يَوْمٍ كَنَانِي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي حَفْصٍ، قَالَ: فَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ، يَقُولُ: مَا أَنَا بِآمِنٍ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي قُلْتُ يَوْمَئِذٍ، وَأَنَا لَا أَزَالُ مِنْهَا خَائِفًا إِلَّا أَنْ تُكَفِّرَهَا عَنِّي الشَّهَادَةُ، فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: وَإِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ لِأَنَّهُ كَانَ أَكَفَّ الْقَوْمِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، كَانَ لَا يُؤْذِيهِ، وَلَا يَبْلُغُهُ عَنْهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ، وَكَانَ مِمَّنْ قَامَ فِي نَقْضِ الصَّحِيفَةِ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: مَاتَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَجَلَسَ عُثْمَانُ عَلَى قَبْرِهِ حَتَّى دُفِنَ. ذِكْرُ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُصِيبَ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عُرِضَ عَلَيَّ الْأَنْبِيَاءُ، النَّبِيُّ يَجِئُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا الرَّجُلُ، وَيَجِئُ الْآخَرُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا الرَّجُلَانِ، وَيَجِئُ الْآخَرُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا النَّفَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 الْيَسِيرُ، قَالَ، فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي فَلَمَّا دَنَوْا إِذَا هُمْ قَوْمُ مُوسَى، قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ سَوَادًا كَبِيرًا قَدْ كَادُوا أَنْ يَمْلَئُوا أُفُقَ السَّمَاءِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ، قَالَ: فَفَرِحْتُ بِذَلِكَ وَاسْتَبْشَرْتُ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ فَإِذَا بِسَوَادٍ كَثِيرٍ أَيْضًا، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ أَيْضًا، فَفَرِحْتُ بِذَلِكَ وَاسْتَبْشَرْتُ، ثُمَّ قِيلَ: مَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابٍ "، قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «مَنْ هَؤُلَاءِ السَّبْعُونَ أَلْفًا؟» ، فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ مَنْ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ وَثَبُتَ فِيهِ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الشِّرْكِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لَا يَتَطَيَّرُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» ، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: «أَنْتَ مِنْهُمْ» . أَوْ قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ» ، فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ» وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: أَتَانِي رَجُلَانِ يَتَفَاخَرَانِ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، وَالْعَامِرِيُّ آخِذٌ بَيَدِ الْأَسَدِيِّ، وَيَقُولُ الْأَسَدِيُّ: دَعْنِي، وَهُوَ يَقُولُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَدَعُكَ، قُلْتُ: يَا أَخَا بَنِي عَامِرٍ دَعْهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 فَقُلْتُ لِلْأَسَدِيِّ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ لَكُمْ سِتُّ خِصَالٍ لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ: كَانَتْ مِنْكُمُ امْرَأَةٌ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَوَّجَهَا اللَّهُ إِيَّاهُ، وَكَانَ السَّفِيرُ بَيْنَهُمَا جِبْرِيلُ، زَيْنَبُ، فَكَانَتْ هَذِهِ لِقَوْمِكَ، وَكَانَ مِنْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَمْشِي فِي الْأَرْضِ مُعْتَقًا عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَكَانَتْ هَذِهِ لِقَوْمِكَ، وَكَانَ أَوَّلُ لِوَاءٍ عُقِدَ فِي الْإِسْلَامِ لِرَجُلٍ مِنْكُمْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، فَكَانَتْ هَذِهِ لِقَوْمِكَ، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِكَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: «ابْسُطْ يَدَيْكَ أُبَايِعُكَ» ، قَالَ: عَلَى مَاذَا؟ قَالَ: «عَلَى مَا فِي نَفْسِكَ» ، قَالَ: وَمَا فِي نَفْسِي؟ قَالَ: «الْفَتْحُ أَوِ الشَّهَادَةُ» ، فَبَايَعَهُ أَبُو سِنَانٍ، فَكَانَ النَّاسُ يَجِيئُونَ فيَقُولُونَ: نُبَايِعُ عَلَى بَيْعَةِ أَبِي سِنَانٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 ذِكْرُ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: فَرَّ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ إِلَى الْيَمَنِ، فَأَسْلَمَتِ امْرَأَتُهُ، أُمُّ حَكِيمِ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَاسْتَأْمَنَتْ لَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّنَهُ. رُوِيَ عَنْ سَعْدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ آمَنَ النَّاسَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَرْبَعَةً قَالَ: «اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ» . عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطْلٍ، وَمَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطْلٍ، فَأُدْرِكَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا وَكَانَ أَشَبَّ الرَّجُلَيْنِ فَقَتَلَهُ، وَأَمَّا مَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ فِي السُّوقِ فَقَتَلُوهُ، وَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَرَكِبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 الْبَحْرَ فَأَصَابَهُمْ عَاصِفٌ، فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ لِأَهْلِ السَّفِينَةِ: أَخْلِصُوا فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لَا تُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا، هَا هُنَا قَالَ عِكْرِمَةُ: لَئِنْ لَمْ يُنَجِّنِي فِي الْبَحْرِ إِلَّا الْإِخْلَاصُ، فَمَا يُنَجِّيَنِّي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا إِنْ أَنْتَ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ آتِي مُحَمَّدًا حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ فَلَأَجِدَنَّهُ عُفُوًّا كَرِيمًا، قَالَ: فَجَاءَ فَأَسْلَمَ، وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَرْحٍ، فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايَعَ عَبْدُ اللَّهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ، ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ» ، فَقَالُوا: وَمَا يُدْرِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ، هَلَّا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ، قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ» وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ أَبَا جَهْلٍ أَتَانِي فَبَايَعَنِي» ، فَلَمَّا أَسْلَمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قِيلَ: صَدَّقَ اللَّهُ رُؤْيَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «لَيَكُونَنَّ غَيْرُهُ» ، ثُمَّ أَسْلَمَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، فَكَانَ ذَلِكَ تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ وَعَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ جِئْتُهُ قَالَ: «مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِرِ» ، قُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا أَدَعُ نَفَقَةً أَنْفَقْتُهَا عَلَيْكَ إِلَّا أَنْفَقْتُ مِثْلَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 وَعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، قَالَ: تَرَجَّلَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ أَجْنَادِينَ، فَقَالَ لَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ قَتْلَكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَدِيدٌ، فَقَالَ: خَلِّ عَنِّي يَا خَالِدُ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لَكَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابِقَةٌ، وَإِنِّي وَأَبِي كُنَّا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَشَى ثُمَّ قُتِلَ. أخبرنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْفَقِيهِ، فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَقِيهِ، فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَفْخَرَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: " خَرَجَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فَأَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ الْبَحْرَ، فَوَجَدَ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ لَوْحًا فِيهِ مَكْتُوبٌ: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام: 66] فَأَتَى مِنْهُ فَرَجَعَ فَأَسْلَمَ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 ذِكْرُ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَهُوَ بِمَكَّةَ، فَأَقَامَ مَعَهُ حَتَّى هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:، اتَّعَدْتُ أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، حِينَ أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ إِلَى الْمَدِينَةِ التَّنَاضُبَ مِنْ إِضَاءَةِ بَنِي غِفَارٍ، وَقُلْنَا: أَيُّكُمْ مَا تَخَلَّفَ عَنِ الصُّبْحِ، فَقَدْ حُبِسَ فَلْيَنْطَلِقْ مَنْ أَصْبَحَ عِنْدَهُنَّ، فَأَصْبَحْتُ أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ عِنْدَهُنَّ، وَحُبِسَ هِشَامٌ وَفُتِنَ فَافْتُتِنَ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، فَنَزَلْنَا بِقُبَاءَ، فَلَمَّا اطْمَأْنَنَّا قَدِمَ عَلَى عَيَّاشٍ أَخَوَاهُ لِأُمِّهِ، أَبُو جَهْلٍ، وَالْحَارِثُ، فَقَالَا لَهُ: إِنَّ أُمَّكَ قَدْ نَذَرَتْ أَنْ لَا يُظِلَّهَا ظِلٌّ وَلَا يَمَسَّ رَأْسَهَا غُسْلٌ حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 تَرَاكَ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ، إِنْ يُرِيدَانِ إِلَّا أَنْ يَفْتِنَاكَ عَنْ دِينِكَ، وَلَوْ قَدْ وَجَدَتْ أُمُّكَ حَرَّ مَكَّةَ لَقَدِ اسْتَظَلَّتْ، وَلَوْ قَدْ آذَاهَا الْقَمْلُ لَقَدِ امْتَشَطَتْ، فَقَالَ عَيَّاشٌ: إِنَّ لِي بِمَكَّةَ مَالًا فَلَعَلِّي آخُذُهُ، قُلْتُ: وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتَ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِ قَوْمِي مَالًا فَلَكَ نِصْفَ مَالِي فَلَا تَرْجِعْ مَعَهُمَا، فَلَمَّا أَبَى إِلَّا الرَّجْعَةَ، قُلْتُ لَهُ: هَذِهِ نَاقَتِي فَخُذْهَا فَإِنَّهَا ذَلُولٌ نَاجِيَةٌ، فَالْزَمْ ظَهْرَهَا، فَإِنْ رَابَكَ مِنَ الرَّجُلِ شَيْءٌ فَانْجُ عَلَيْهَا، فَخَرَجَا بِهِ فَلَمَّا دَنَوْا مِنْ مَكَّةَ، قَالَ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَبُو جَهْلٍ: يَا أَخِي لَقَدِ اسْتَغْلَظَتْ بَعِيرِي هَذَا، فَلَوْ أَعْقَبْتَنِي عَلَى نَاقَتِكَ فَإِنَّهَا أَلْيَنُ مِنْهُ فَنَزَلَ، فَلَمَّا وَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ أَوْثَقَاهُ وَضَرَبَاهُ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ قَالَا: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، هَكَذَا فَافْعَلُوا بِسُفَهَائِكُمْ ثُمَّ فَتَنُوهُ فَافْتُتِنَ " قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنَّا نَقُولُ: مَا لِمَنِ افْتُتِنَ مِنْ تَوْبَةٍ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: مَا اللَّهُ بِقَابِلٍ مِنَّا شَيْئًا قَدْ تَرَكْنَا الْإِسْلَامَ لِبَلَاءٍ يَسِيرَ أَصَابَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53] ، قَالَ عُمَرُ: فَكَتَبْتُهَا ثُمَّ بَعَثْتُ بِهَا إِلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ هِشَامٌ: لَمَّا أَتَتْنِي جَعَلْتُ أَقْرَؤُهَا فَلَا أَفْهَمُهَا، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ فَهِّمْنِيهَا، فَأُلْقِيَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا إِنَّمَا أُنْزِلَتْ لَمَّا كُنَّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا وَيُقَالُ فِينَا، فَجَلَسْتُ عَلَى بَعِيرِي ثُمَّ لَحِقْتُ بِالْمَدِينَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَأَصْحَابِهِ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت: 10] . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، قَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، اللَّهُمّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ كَسِنِيِّ يُوسُفَ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 ذِكْرُ مَنِ اسْمُهُ عُمَيْرٌ. ذِكْرُ عُمَيْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ مَبْدُولٍ الْأَنْصَارِيِّ أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِيِّ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، شَهِدَ بَدْرًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِيُّ: إِنِّي لَأَتْبَعُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَضْرِبَهُ إِذْ وَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سَيْفِي، فَعَرِفْتُ أَنْ قَدْ قَتَلَهُ غَيْرِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 ذِكْرُ عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقَالُ: إِنَّهُ نَسِيجُ وَحْدَهُ، اسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى حِمْصَ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: هُوَ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ النُّعْمَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ أَبُوهُ سَعْدٌ شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ سَعْدٌ الْقَارِئُ الَّذِي جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: سَعْدٌ هُوَ أَبُو زَيْدٍ، وَقِيلَ: عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ هُوَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، ابْنُ زَيْدٍ، نَزَلَ فِلَسْطِينَ وَمَاتَ بِهَا، كَانَ مِنْ زُهَّادِ الْعُمَّالِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 قِيلَ: وَلِيَ لِعُمَرَ عَلَى حِمْصَ سَنَةً، ثُمَّ أَشْخَصَهُ فَقَدِمَ عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ، فَجَدَّدَ عَهْدَهُ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ وَأَبَى أَنْ يَلِيَ لَهُ أَوْ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ. وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنْ لِي رَجُلًا مِثْلَ عُمَيْرٍ أَسْتَعِينُ بِهِ فِي أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ. رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيَّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَامِلًا عَلَى حِمْصَ، فَمَكَثَ حَوْلًا لَا يَأْتِيهِ خَبَرُهُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِكَاتِبِهِ: اكْتُبْ إِلَى عُمَيْرٍ، فَوَاللَّهِ مَا أَرَاهُ إِلَّا خَانَنَا: إِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَأَقْبِلْ، وَأَقْبِلْ بِمَا جَبَيْتَ مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حِينَ تَنْظُرُ فِي كِتَابِي هَذَا، قَالَ: فَأَخَذَ عُمَيْرٌ جِرَابَهُ فَجَعَلَ فِيهِ رِدَاءَهُ وَقَصْعَةً، وَأَخَذَ عَنَزَتَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَمْشِي مِنْ حِمْصَ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَقَدِمَ وَقَدْ شَحُبَ لَوْنُهُ، وَاغْبَرَّ وَجْهُهُ، وَطَالَتْ شَعْرَتُهُ، فَدَخَلَ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ عُمَيْرٌ: مَا تَرَى مِنْ شَأْنِي، أَلَسْتَ تَرَانِي صَحِيحَ الْبَدَنِ، ظَاهِرَ الدَّمِ، مَعِي الدُّنْيَا أَجُرُّهَا بِقَرْنِهَا؟ قَالَ: وَمَا مَعَكَ؟ فَظَنَّ عُمَرُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِمَالٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 فَقَالَ: مَعِي جِرَابِي أَجْعَلُ فِيهِ زَادِي، وَقَصْعَتِي آكُلُ فِيهَا وَأَغْسِلُ فِيهَا رَأْسِي وَثِيَابِي، وَإِدَاوَتِي أَحْمِلُ فِيهَا وَضُوئِي وَشَرَابِي، وَعَنَزَتِي أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأُجَاهِدُ بِهَا عَدُوًّا إِنْ عَرَضَ لِي، فَوَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا إِلَّا تَبَعٌ لِمَتَاعِي. قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَجِئْتَ تَمْشِي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا كَانَ لَكَ أَحَدٌ يَتَبَرَّعُ لَكَ بِدَابَّةٍ تَرْكَبُهَا؟ قَالَ: مَا فَعَلُوا وَمَا سَأَلْتُهُمْ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بِئْسَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجْتَ مِنْ عِنْدِهِمْ، فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عُمَرُ، قَدْ نَهَاكَ اللَّهُ عَنِ الْغَيْبَةِ، وَقَدْ رَأَيْتُهُمْ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْغَدَاةِ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلَئِنْ بَعَثْتُكَ، وَأَيُّ شَيْءٍ صَنَعْتَ؟ قَالَ: وَمَا سُؤَالُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَيْرٌ: لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ أَغُمَّكَ مَا أَخْبَرْتُكَ، بَعَثْتَنِي حَتَّى أَتَيْتُ الْبَلَدَ، فَجَمَعْتُ صُلَحَاءَ أَهْلِهَا فَوَلَّيْتُهُمْ جِبَايَةَ فَيْئِهمْ حَتَّى إِذَا جَمَعُوهُ وَضَعْتُهُ مَوَاضِعَهُ، وَلَوْ نَالَكَ مِنْهُ شَيْءٌ لَآتَيْتُكَ بِهِ، قَالَ: فَمَا جِئْتَنَا بِشَيْءٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: جَدِّدُوا لِعُمَيْرٍ عَهْدًا، فَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَشَيْءٌ مَا عَمِلْتُ لَكَ، وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدَكَ، وَاللَّهِ مَا سَلِمْتُ بَلْ لَمْ أَسْلَمْ، لَقَدْ قُلْتُ لِنَصْرَانِيٍّ: أَخْزَاكَ اللَّهُ! ! فَهَذَا مَا عَرَّضْتَنِي لَهُ يَا عُمَرُ، وَإِنَّ أَشْقَى أَيَّامِي يَوْمَ خُلِّفْتُ مَعَكَ يَا عُمَرُ، وَاسْتَأْذَنَهُ فَأَذِنَ لَهُ، فَرَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ أَمْيَالٌ، فَقَالَ عُمَرُ حِينَ انْصَرَفَ عُمَيْرٌ: مَا أَرَاهُ إِلَّا قَدْ خَانَنَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: الْحَارِثُ، وَأَعْطَاهُ مِائَةَ دِينَارٍ، وَقَالَ لَهُ: انْطَلِقْ إِلَى عُمَيْرٍ حَتَّى تَنْزِلَ بِهِ كَأَنَّكَ ضَيْفٌ فَإِنْ رَأَيْتَ أَثَرَ شَيْءٍ فَأَقْبِلْ، وَإِنْ رَأَيْتَ حَالًا شَدِيدًا فَادْفَعْ هَذِهِ الْمِائَةِ الدِّينَارِ إِلَيْهِ، فَانْطَلَقَ الْحَارِثُ، فَإِذَا هُوَ بِعُمَيْرٍ جَالِسٌ يُفْلِّي قَمِيصَهُ إِلَى جَنْبِ الْحَائِطِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: انْزِلْ رَحِمَكَ اللَّهُ فَنَزَلَ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ قَالَ: مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: كَيْفَ تَرَكْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: صَالِحًا، قَالَ: كَيْفَ تَرَكْتَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: صَالِحِينَ، قَالَ: أَلَيْسَ يُقِيمُ الْحَدَّ؟ قَالَ: بَلَى، ضَرَبَ ابْنًا لَهُ أَتَى فَاحِشَةً فَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ، فَقَالَ عُمَيْرٌ: اللَّهُمَّ أَعِنْهُ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا شَدِيدًا حُبُّهُ لَكَ، قَالَ: فَنَزَلَ بِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَيْسَ لَهُمْ إِلَّا قُرَاضَةٌ مِنْ شَعِيرٍ كَانُوا يَخُصُّونَهُ بِهَا وَيَطْوُونَ حَتَّى أَتَاهُمُ الْجَهْدُ، فَقَالَ لَهُ عُمَيْرُ: إِنَّكَ قَدْ أَجَعْتَنَا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَتَحَوَّلَ عَنَّا فَافْعَلْ، قَالَ: فَأَخْرَجَ الدَّنَانِيرَ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، وَقَالَ: بَعَثَ بِهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْكَ، فَاسْتَعِنْ بِهَا، فَصَاحَ وَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا رُدَّهَا، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنِ احْتَجْتَ إِلَيْهَا وَإِلَّا فَضَعْهَا مَوَاضِعَهَا، فَقَالَ لَهَا عُمَيْرٌ: وَاللَّهِ، مَالِي شَيْءٌ أَجْعَلُهَا فِيهِ، فَشَقَّتِ امْرَأَتُهُ أَسْفَلَ دِرْعِهَا فَأَعْطَتْهُ خَرَقَةً فَجَعَلَهَا فِيهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَسَّمَهَا بَيْنَ أَبْنَاءِ الشُّهَدَاءِ، وَالْفُقَرَاءِ، ثُمَّ رَجَعَ وَالرَّسُولُ يَظُنُّ أَنَّهُ يُعْطِيهِ مِنْهَا شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: أَقْرِأْ مِنِّي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ السَّلَامَ، فَرَجَعَ الْحَارِثُ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَالًا شَدِيدًا، قَالَ: فَمَا صَنَعَ بِالدَّنَانِيرِ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَلَا تَضَعْهُ مِنْ يَدِكَ حَتَّى تُقْبِلَ، قَالَ: فَأَقْبَلَ إِلَى عُمَرَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا صَنَعْتَ بِالدَّنَانِيرِ؟ قَالَ: صَنَعْتُ مَا صَنَعْتُ وَمَا سُؤَالُكَ عَنْهَا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 قَالَ: أُشْهِدُ عَلَيْكَ لِتُخْبِرَنِي مَا صَنَعْتَ بِهَا. قَالَ: قَدَّمْتُهَا لِنَفْسِي، قَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ، وَأَمَرَ لَهُ بِوَسَقٍ مِنْ طَعَامٍ وَثَوْبَيْنِ، فَقَالَ: أَمَّا الطَّعَامُ فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِي الْمَنْزِلِ صَاعَيْنِ مِنْ شَعِيرٍ إِلَى أَنْ آكُلَ ذَلِكَ، وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالرِّزْقِ، وَلَمْ يَأْخُذِ الطَّعَامَ، وَأَمَّا الثَّوْبَانِ، فَقَالَ: إِنَّ أُمَّ فُلَانٍ عَارِيَةً فَأَخَذَهُمَا وَرَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ هَلَكَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَشَقَّ عَلَيْهِ وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ يَمْشِي، وَمَعَهُ الْمَشَّاءُونَ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَقَالَ لِأَصَحَابِهِ: لِيَتَمَنَّ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ أُمْنِيَةً. فَقَالَ رَجُلٌ: وَدِدْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ عِنْدِي مَالًا، فَأَعْتِقُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ آخَرُ: وَدِدْتُ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَالًا فَأُنْفِقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَالَ آخَرُ: وَدِدْتُ لَوْ أَنَّ لِي قُوَّةً فَأَمْتَحُ بِدَلْوِ زَمْزَمَ لِحُجَّاجِ بَيْتِ اللَّهِ، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَدِدْتُ أَنَّ لِي رَجُلًا مِثْلَ عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ أَسْتَعِينُ بِهِ فِي أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 ذِكْرُ عُمَيْرِ بْنِ حَبِيبٍ الْخَطْمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْصَارِيٌّ، مِنْ بَنِي خَطْمَةَ، قِيلَ: هُوَ عُمَيْرُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ خِمَاشَةَ، بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَوْصَى بَنِيهِ، فَقَالَ: يَا بَنِيَّ، إِيَّاكُمْ وَمُجَالَسَةَ السُّفَهَاءِ فَإِنَّ مُجَالَسَتَهُمْ دَاءٌ، وَإِنَّهُ مَنْ يَحْلُمْ عَنِ السَّفِيهِ يُسَرُّ بِحِلْمِهِ، وَمَنْ يُجِبْ يَنْدَمْ، وَمَنْ لَا يُقِرُّ بِقَلِيلِ مَا يَأْتِي بِهِ السَّفِيهُ يُقِرُّ بِالْكَثِيرِ، وَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْمُرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ يَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ، فَلْيُوَطِّنْ نَفْسَهُ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى الْأَذَى، وَلْيُوقِنْ بِالثَّوَابِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُوقِنُ بِالثَّوَابِ لَا يَجِدُ مَسَّ الْأَذَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 ذِكْرُ عُمَيْرِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، مُهَاجِرِيٌّ، أَوَّلِيٌّ، اسْتُشْهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ، اسْتَصْغَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ بَدْرٍ فَبَكَى، ثُمَّ أَجَازَهُ وَعَقَدَ عَلَيْهِ حَمَائِلَ سَيْفِهِ، فَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 ذِكْرُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ الْجُمَحِيِّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ بَدْرٍ لِيَفْتِكَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَدَاهُ اللَّهُ فَأَسْلَمَ وَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ مُسْلِمًا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَمَّا رَجَعَ فَلُّ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مَكَّةَ، وَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ مِنْهُمْ مَنْ قَتَلَ، أَقْبَلَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ حَتَّى جَلَسَ إِلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ فِي الْحِجْرِ، فَقَالَ صَفْوَانُ: قَبَّحَ اللَّهُ الْعَيْشَ بَعْدَ قَتْلَى بَدْرٍ، فَقَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ بَعْدَهُمْ، وَلَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ لَا أَجِدُ قَضَاهُ، وَعِيَالٌ لَا أَرْعَ لَهُمْ شَيْئًا لَخَرَجْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقَتَلْتُهُ إِنْ مَلَأْتُ عَيْنِي مِنْهُ، فَإِنَّ لِي عِنْدَهُ عِلَّةً أَعْتَلُّ بِهَا، أَقُولُ: قَدِمْتُ فِي فِدَاءِ ابْنِي، وَكَانَ ابْنُهُ أَسِيرًا، فَفَرِحَ صَفْوَانُ بِقَوْلِهِ، فَقَالَ: عَلَيَّ دَيْنُكَ، وَعِيَالُكَ أُسْوَةَ عِيَالِي فِي النَّفَقَةِ، لَا يَسَعُنِي شَيْءٌ وَيَعْجَزُ عَنْهُمْ، فَحَمَلَهُ صَفْوَانُ وَجَهَّزَهُ وَأَمَرَ بِسَيْفِ عُمَيْرٍ فَصُقِلَ وَسُمَّ، فَقَالَ عُمَيْرٌ لِصَفْوَانَ: اكْتُمْنِي أَيَّامًا، فَأَقْبَلَ عُمَيْرٌ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ باب الْمَسْجِدِ وَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ وَأَخَذَ السَّيْفَ، فَعَمَدَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 الْأَنْصَارِ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَيَذْكُرُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ فِيهَا، فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَعَهُ السَّيْفُ فَزِعَ، وَقَالَ: عِنْدَكُمُ الْكَلْبُ، فَهَذَا عَدُوُّ اللَّهِ الَّذِي حَرَّشَ بَيْنَنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَحَزَّرَنَا لِلْقَوْمِ، ثُمَّ قَامَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَذَا عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا، وَهُوَ الْغَادِرُ الْفَاجِرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَأْمَنْهُ عَلَى شَيْءٍ، قَالَ: «أَدْخِلْهُ عَلَيَّ» ، فَخَرَجَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنِ ادْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ احْتَرِسُوا مِنْ عُمَيْرٍ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ، وَعُمَيْرٌ فَدَخَلَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ عُمَيْرٍ سَيْفَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: «تَأَخَّرْ عَنْهُ» ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ عُمَيرٌ قَالَ: أَنْعِمُوا صَبَاحًا، وَهُوَ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَكْرَمَنَا اللَّهُ عَنْ تَحِيَّتِكَ وَجَعَلَ تَحِيَّتَنَا تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهِيَ السَّلَامُ» ، فَقَالَ عُمَيْرٌ: إِنَّ عَهْدَكَ بِهَا لَحَدِيثٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَبْدَلَنَا اللَّهُ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَمَا أَقْدَمَكَ يَا عُمَيْرُ؟» ، قَالَ: قَدِمْتُ فِي أَسِيرِي عِنْدَكُمْ فَفَادُونَا فِي أَسِيرِكُمْ، فَإِنَّكُمُ الْعَشِيرَةُ وَالْأَصْلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ السَّيْفِ فِي رَقَبَتِكَ؟» ، قَالَ عُمَيْرٌ: قَبَّحَهَا اللَّهُ مِنْ سُيُوفٍ فَهَلْ أَغْنَتْ عَنَّا مِنْ شَيْءٍ؟ إِنَّمَا نَسِيتُهُ فِي رَقَبَتِي حِينَ نَزَلْتُ وَلَعَمْرِي إِنَّ لِي لَسَهْمًا غَيْرُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اصْدُقْنِي مَا أَقْدَمَكَ؟» ، قَالَ: قَدِمْتُ فِي أَسِيرِي، قَالَ: «فَمَا الَّذِي شَرَطْتَ لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ؟» ، فَفَزِعَ عُمَيْرٌ، وَقَالَ: مَا شَرَطْتُ لَهُ شَيْئًا، قَالَ: «تَحَمَّلْتَ لَهُ بِقَتْلِي عَلَى أَنْ يَعُولَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 بَيْتَكَ وَيَقْضِي دَيْنَكَ، وَاللَّهُ حَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ» ، قَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كُنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُكَذِّبُكَ بِالْوَحْيِ وَبِمَا يَأْتِيكَ مِنَ السَّمَاءِ، وَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَفْوَانَ فِي الْحِجْرِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، فَأَخْبَرَكَ اللَّهُ بِهِ فَآمَنْتُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي سَاقَنِي هَذَا الْمَسَاقَ، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ هَدَاهُ اللَّهُ، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخِنْزِيرٌ كَانَ أَحَبَّ إليَّ مَنْ عُمَيْرٍ حِينَ طَلَعَ، وَلَهُوَ الْيَوْمَ أَحَبُّ إليَّ مِنْ بَعْضِ بَنِيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْلِسْ يَا عُمَيْرُ نُوَاسِكَ» ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «عَلِّمُوا أَخَاكُمُ الْقُرْآنَ» ، وَأَطْلَقَ لَهُ أَسِيرَهُ، فَقَالَ عُمَيْرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ كُنْتُ جَاهِدًا مَا اسْتَطَعْتُ فِي إِطْفَاءِ نُورَ اللَّهِ، فَالْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي سَاقَنِي وَهَدَانِي مِنَ الْهَلَكَةِ، فَائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَلْحَقُ بِقُرَيْشٍ، فَأَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَهُمْ وَيَسْتَنْقِذَهُمْ مِنَ الْهَلَكَةِ، فأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ وَجَعَلَ صَفْوَانُ يَقُولُ لِقُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ: أَبْشِرُوا بِفَتْحٍ يُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ كُلِّ رَاكِبٍ يَقْدَمُ مِنَ الْمَدِينَةِ: هَلْ كَانَ بِهَا مِنْ حَدَثٍ؟ وَكَانَ يَرْجُو مَا قَالَ لَهُ عُمَيْرٌ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَسَأَلَهُ صَفْوَانُ عَنْهُ، فَقَالَ: قَدْ أَسْلَمَ، فَلَعَنَهُ الْمُشْرِكُونَ وَقَالُوا: صَبَأَ، فَقَالَ صَفْوَانُ: للَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أَنْفَعَهُ بِنَفْعٍ أَبَدًا وَلَا أُكَلِّمَهُ مِنْ رَأْسِي كَلِمَةً أَبَدًا، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ عُمَيْرٌ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 وَنَصَحَهُمْ جَهْدَهُ فَأَسْلَمَ بَشَرٌ كَثِيرٌ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَكَانَ عُمَيْرٌ شَيْطَانًا مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، وَكَانَ ابْنُهُ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى بَدْرٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 ذِكْرُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكْنَى أَبَا نُجَيْدٍ تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ. قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ قَاضِيًا عَلَى الْبَصْرَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: لَمْ يَكُنْ بِالْبَصْرَةِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ يُقَدَّمُ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: شَكَا بَطْنُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ثَلَاثِينَ سَنَةً، كُلُّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْتَوِيَ فَيَأْبَى، حَتَّى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِسَنَتَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 قَالَ مُطَرِّفٌ: إِنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ كَانَ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ فَلَمَّا كُوِيَ فَقَدَ التَّسْلِيمَ. قَالَ: وَاشْتَكَى عِمْرَانُ بَطْنَهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَأُمِرَ بِالْكَيِّ، فَجَعَلَ يَأْبَى فَاكْتَوَى بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثِينَ سَنَةً، فَلَمَّا كُوِيَ فَقَدَ التَّسْلِيمَ حَتَّى ذَهَبَ أَثَرُ النَّارِ، قَالَ: ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ لِي: قَدْ عَاوَدَنِي الَّذِي كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ، قُلْتُ: مِنْ أَيْنَ يُسلِّمُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: أَسْمَعُ التَّسْلِيمَ عَنْ يَمِينِي وَيَسَارِي، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَمَا إِنَّهُ لَوْ سُلِّمَ عَلَيْكَ مِنْ عِنْدِ رَأْسِكَ كَانَ عِنْدَ مَوْتِكَ، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيَّ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ سَلَّمَ مِنْ عِنْدِ رَأْسِي، قَالَ: قُلْتُ: إِنَّمَا قُلْتُهُ بِرَأْيٍ، قَالَ: فَوَافَقَ مَوْتَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: أَلَا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ؟ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلَمْ يَنْزِلْ كِتَابٌ يُحَرِّمُهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، وَإِنَّهُ كَانَ يُسَلَّمُ عَلَيَّ حَتَّى اكْتَوَيْتُ، فَلَمَّا اكْتَوَيْتُ رُفِعَ ذَلِكَ عَنِّي، فَلَمَّا تَرَكْتُ ذَلِكَ عَادَ إِلَيَّ تَسْلِيمُ الْمَلَائِكَةِ. وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَيِّ فَاكْتَوَيْنَا، فَمَا أَفْلَحْنَا وَلَا أَنْجَحْنَا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 ذِكْرُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: إِنَّ وَفْدَ ثَقِيفَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ مِنْ سَنَةَ عَشْرٍ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ سِتَّةُ رَهْطٍ. قَالَ: وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا وَأَحْرَصِهِمْ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالْفِقْهِ فِي الدِّينِ، فَكَانَ يَلْزَمُ أَبَا بَكْرٍ وَيَسْتَقْرِئُوهُ، وَيَسْأَلُهُ، وَيَتَعَلَّمُ مِنْهُ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَرَادَ التَّأْمِيرَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي رَأَيْتُ هَذَا الْفَتَى أَحْرَصَ مِنْهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَعَلى عِلْمِ الْقُرْآنِ وَالتَّفَقُّهِ «فَأَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمَّ قَوْمَكَ» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَجِدُ فِي صَدْرِي، قَالَ: «ادْنُ» ، فَدَنَوْتُ، فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ ثُمَّ تَحَوَّلَ، فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ، وَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ، وَإِنَّ فِيهِمْ ذَا الْحَاجَةِ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ» وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَالَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي، قَالَ: " ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ: خِنْزَبُ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ، فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهِ، وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلَاثًا " وَرُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ وَجَعٌ، قَالَ: قَدْ كَادَ يُهْلِكُنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " امْسَحْ عَلَيْكَ بِيَمِينِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقُلْ: أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مَنْ شَرِّ مَا أَحْذَرُ "، قَالَ: فَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا كَانَ بِي، فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهِ أَهْلِي وَغَيْرَهُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 ذِكْرُ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْأَوْسِ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، هُوَ أَخُو سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، كَانَ مِنْ عُمَّالِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى مِسَاحَةَ السَّوَادَ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ الْأَنْصَارِيَّ، بِزَرْعِ أَرْضِ السَّوَادِ، فَكَانَتْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفِ أَلْفِ جَرِيبٍ، فَجَعَلَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ قَفِيزًا وَدِرْهَمًا. قَالَ نَوْفَلُ بْنُ مُسَاحِقٍ: بَيْنَمَا عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ، يُكَلِّمُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ عَامِلًا لَهُ فَأَغْضَبَهُ فَأَخَذَ عُمَرُ مِنَ الْبَطْحَاءِ، فَرَجَمَهُ بِهَا، فَأَصَابَ حَجَرٌ مِنْهَا جَبِينَهُ فَشَجَّهُ فَسَالَ الدَّمُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَكَأَنَّهُ نَدِمَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 وَقَالَ: امْسَحِ الَّذِي عَلَى لِحْيَتِكَ، قَالَ: لَا يَهُلْكَ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاللَّهِ لَمَا انْتَهَكْتُ مِمَّنْ وَلَيْتَنِي أَمْرَهُ أَشَدُّ مِمَّا انْتَهَكْتَ، فَكَانَ عُمَرُ أَعْجَبَهُ ذَلِكَ مِنْهُ وَزَادَهُ عِنْدَهُ خَيْرًا. ذِكْرُ عَبَّاسِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ نَصْلَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، عَقَبِيٌّ أَنْصَارِيٌّ، اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ، وَهُوَ الَّذِي شَدَّ الْعِقْدَ فِي الْبَيْعَةِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرُوِيَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجْنَا فِي حُجَّاجِ قَوْمِنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ صَلَّيْنَا وَفُقِّهْنَا وَمَعَنَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، سَيِّدُنَا وَكَبِيرُنَا، فَلَمَّا وُجِّهْنَا لِسَفَرِنَا، وَبَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ، صَرَخَ الشَّيْطَانُ مِنْ رَأْسِ الْعَقَبَةِ بِأَبْعَدِ صَوْتٍ سَمِعْتُهُ قَطُّ، يَا أَهْلَ الْحُبَاحِبِ، هَلْ لَكُمْ فِي مُذَمَّمٍ وَالصُّبَاةُ مَعَهُ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا إِزْبُ الْعَقَبَةِ، أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، أَمَا وَاللَّهِ لَأَفْرُغَنَّ لَكَ» . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْفُضُوا إِلَى رِحَالِكُمْ» . فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَئِنْ شِئْتَ لَنُمِيلَنَّ عَلَى أَهْلِ مِنًى غَدًا بَأَسْيَافِنَا، فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ نُؤْمَرْ بِذَلِكَ» وَفِي رِوَايَةِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ: أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا اجْتَمَعُوا لِبَيْعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ، هَلْ تَدْرُونَ عَلَى مَا تُبَايِعُونَ هَذَا الرَّجُلَ؟ إِنَّكُمْ تُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ تُوفُونَ لَهُ بِمَا عَاهَدْتُمُوهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَخُذُوهُ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ مُسْلِمُوهُ إِذَا نَهَكَتْ أَمْوَالَكُمْ مُصِيبَةٌ، وَأَشْرَافَكُمْ قَتْلٌ، فَمِنَ الْآنَ فَهُوَ وَاللَّهِ خِزْيُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالُوا: " فَمَا لَنَا بِذَلِكَ إِنْ نَحْنُ وَفَّيْنَا؟ ، قَالَ: الْجَنَّةُ "، فَبَايَعُوهُ. ذِكْرُ عُتْبَةَ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُهَاجِرِيٌّ، يُكْنَى أَبَا بَصِيرٍ، كَانَ مِنَ الْمَحْبُوسِينَ بِمَكَّةَ، فَانْفَلَتَ فِي الْهُدْنَةِ بَعْدَ الْقَضِيَّةِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَ فِيهِ الْأَخْنَسُ بْنُ شُرَيْقٍ، وَأَزْهَرُ بْنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 عَبْدِ عَوْفٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِمْ، قَالَ: الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، فَلَمَّا صَدُّوهُ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، أَتَاهُ أَبُو بَصِيرٍ، وَكَانَ مِمَّنْ حُبِسَ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ فِيهِ أَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، وَالْأَخْنَسُ بْنُ شُرَيْقٍ الثَّقَفِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعَثَا مَعَهُ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤيٍّ، فَقَدِمَا بِكِتَابِهِمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَصِيرٍ، إِنَّا قَدْ أَعْطَيْنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ مَا قَدْ عَلِمْتَ وَلَا يَصْلُحُ لَنَا فِي دِينِنَا الْغَدْرُ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، انْطَلِقْ إِلَى قَوْمِكَ» ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَرُدُّنِي إِلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونِي فِي دِينِي؟ قَالَ: «يَا أَبَا بَصِيرٍ، انْطَلِقْ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا» ، فَانْطَلِقْ مَعَهُمَا حَتَّى إِذَا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ جَلَسَ إِلَى جِدَارٍ وَجَلَسَ مَعَهُ صَاحِبَاهُ، قَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَصَارِمٌ سَيْفَكَ هَذَا يَا أَخَا بَنِي عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْظُرُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ، فَاسْتَلَّهُ أَبُو بَصِيرٍ، ثُمَّ عَلاهُ بِهِ حَتَّى قَتَلَهُ، وَخَرَجَ الْآخَرُ سَرِيعًا حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ رَأَى فَزَعًا» ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَيْلَكَ، مَالَكَ؟» ، قَالَ: قَتَلَ صَاحِبُكُمْ صَاحِبِي، فَوَاللَّهِ، مَا بَرِحَ حَتَّى طَلَعَ أَبُو بَصِيرٍ مُتَوَشِّحًا بِالسَّيْفِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفَتْ ذِمَّتُكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ» وَفِي رِوَايَةٍ: وَفَتْ ذِمَّتُكَ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ: «وَيْلُ أُمِّهِ مَخْشُ حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ» ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى نَزَلَ بِالْعِيصِ مِنْ نَاحِيَةِ سَاحِلِ الْبَحْرِ بِطَرِيقِ قُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ، وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا احْتُبِسُوا بِمَكَّةَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ» ، فَخَرَجُوا إِلَى أَبِي بَصِيرٍ، وَانْفَلَتَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ، فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا، فَضَيَّقُوا عَلَى قُرَيْشٍ مَمَرَّهُمْ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُونَهُ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ لَمَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَرَدَّهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمُوا عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 ذِكْرُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُهَاجِرِيٌّ، بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ فَقَتَلُوهُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَمَّا صَدَرَ أَبُو بَكْرٍ وَأَقَامَ لِلنَّاسِ حَجَّهُمْ، قَدِمَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْلَمَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: «إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُقَاتِلُوكَ» ، قَالَ: لَوْ وَجَدُونِي نَائِمًا مَا أَيْقَظُونِي، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ إِلَى الطَّائِفِ، فَقَدَّمَ عَشَاءً فَجَاءَتْهُ ثَقِيفُ يُحَيُّونَهُ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَنَصَحَ لَهُمْ فَاتَّهَمُوهُ وَعَصَوْهُ وَأَسْمَعُوهُ مِنَ الْأَذَى مَا لَمْ يَكُنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 يَخْشَاهُمْ عَلَيْهِ، فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى إِذَا أَسْحَرُوا، وَسَطَعَ الْفَجْرُ قَامَ عَلَى غُرْفَةٍ لَهُ فِي دَارِهِ، فَأَذَّنَ بِالصَّلَاةِ وَتَشَهَّدَ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفَ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَلَغَهُ قَتْلُهُ: «مَثَلُ عُرْوَةَ مِثْلُ صَاحِبِ يَاسِينَ، دَعَا قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ، فَقَتَلُوهُ» . ذِكْرُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَكَانَ بَدْرِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْهَمَذَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ السُّنِّيِّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قِيلَ لَهُ: قُمْ وَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتْنَةِ الَّتِي أَعَاذَ مِنْهَا عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ، فَقَامَ وَصَلَّى وَدَعَا، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، فَمَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى أُخْرِجَتْ جِنَازَتُهُ. ذِكْرُ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُهَاجِرِيٌّ، عَامِلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ. رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: شَهِدْتُ مِنَ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ لَمْ أَشْهَدْ مِنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَلَا أَشْهَدُهُ مِنْ أَحَدٍ بَعْدَهُ: كُنَّا مَعَهُ فِي سَفَرٍ فَعَطِشْنَا وَعَطِشَ دَوَابُّنَا، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَدَعَا رَبَّهُ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 يَسْقِيَنَا، فَسَقَانَا، وَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَخُوضَ عَيْنَ الزَّارَةِ، فَمَشَيْنَا عَلَيْهَا حَتَّى جَاوَزْنَاهَا، وَكُنْتُ فِيمَنْ دَفَنَهُ فَنَسِينَا أَنْ نَحُلَّ الْعَقْدَ، فَلَمَّا سَوَّيْنَا اللَّبِنَ ذَكَرْتُهُ، فَرَفَعْتُ اللَّبِنَةَ فَلَمْ أَرَ فِي اللَّحْدِ شَيْئًا. وَفِي رِوَايَةٍ: عَطِشَ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ، فَنَادَى: يَا عَلِيُّ، يَا عَظِيمُ، يَا حَلِيمُ، يَا كَرِيمُ، فَسُقِيَ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَمَّا عَبَرَ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ الْبَحْرَ إِلَى أَهْلِ دَارِينَ، قَالَ: يَا حَلِيمُ، يَا كَرِيمُ، يَا عَلِيُّ، يَا عَظِيمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 باب الْغَيْنِ ذِكْرُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ مَكِيثٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَالِبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيَّ، كَلْبَ لَيْثٍ، إِلَى بَنِي الْمُلَوِّحِ بِالْكَدِيدِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ غَالِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِأُسَهِّلَ لَهُ الطَّرِيقَ وَلِأَكُونَ عَيْنًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 باب الْفَاءِ ذِكْرُ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكْنَى بِهِ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَذْكُرُ يَوْمَ اسْتَقْبَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَمَلَنِي أَنَا وَالْفَضْلَ وَتَرَكَكَ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أخبرني مُرَحِّبُ أَوِ ابْنُ مُرَحِّبٍ، قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فِي قُبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٍ: عَلِيٍّ، وَالْعَبَّاسِ، وَالْفَضْلِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 اللَّهُ عَنْهُ أَسْنَدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَدْرِهِ يُغَسِّلُهُ، وَهُوَ يَقُولُ: بِأَبِي وَأُمِّي مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَمَا كَانَ يَرَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِمَّا يَرَى مِنَ الْمَيِّتِ، وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُغَسِّلُهُ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ، وَالْفَضْلُ، وَقُثَمُ يُقَلِّبُونَهُ مَعَهُ، وَكَانَ أُسَامَةُ، وَشُقْرَانُ يَصُبَّانِ الْمَاءَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ حَفِظَ فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 سَمْعَهُ، وَلِسَانَهُ، وَبَصَرَهُ، غُفِرَ لَهُ» قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: مَاتَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بِالشَّامِ فِي طَاعُونِ عَمْوَاسٍ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ. ذِكْرُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ: كَانَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 قِيلَ: كَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ. رُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى بِالنَّاسِ يَخِرُّ رِجَالٌ مِنْ قَامَتِهِمْ فِي الصَّلَاةِ لِمَا بِهِمْ مِنَ الْخَصَاصَةِ، وَهُمْ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ، قَالَ: «لَوْ تَدْرُونَ مَا لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ لَأَحْبَبْتُمْ لَوْ أَنَّكُمْ تَزْدَادُونَ حَاجَةً وَفَاقَةً» . قَالَ فَضَالَةُ: وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذِكْرُ فُرَاتِ بْنِ حَيَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْكُمْ رِجَالًا نُكِلْهُمْ إِلَى إِيمَانِهِمْ، مِنْهُمْ فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 باب الْقَافِ ذِكْرُ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْخَزْرَجِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ أَجْوَدَ الْعَرَبِ. وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ مَنْزِلَةُ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الْأَمِيرِ. رُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ أَبَاهُ دَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْدِمُهُ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ لَا يَزَالُ هَكَذَا رَافِعًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 أُصْبُعَهُ الْمُسَبِّحَةَ يَدْعُو. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ وَلَدِهِ وَأَتَى الشَّامَ، فَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بَعْدَ وَفَاتِهِ إِلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، فَقَالَا: إِنَّ سَعْدًا تُوُفِّيَ وَلَمْ يَدْرِ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَنَرَى أَنْ تَرُدَّ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ نَصِيبَهُ، قَالَ قَيْسٌ: لَسْتُ بِمُغَيِّرٍ شَيْئًا صَنَعَهُ سَعْدٌ، وَلَكِنَّ نَصِيبِي لَهُ. ذِكْرُ قَيْسِ بْنِ عَاصِمِ الْمِنْقَرِيِّ التَّمِيمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُرِيدُ الْإِسْلَامَ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَغْتَسِلَ بِمَاءِ، وَسِدْرٍ» وَأَوْصَى قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقَالَ لِبَنِيهِ: يَا بَنِيَّ، عَلَيْكُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 بِالْمَالِ وَاصْطِنَاعِهِ، فَإِنَّهُ مَنْبَهَةٌ لِلْكَرِيمِ وَيُسْتَغْنَى بِهِ عَنِ اللَّئِيمِ، وَإِذَا أَنَا مِتُّ فَسَوِّدُوا أَكْبَرَكُمْ، فَإِنَّ الْقَوْمَ إِذَا سَوَّدُوا أَكْبَرَهُمْ خَلِفُوا أَبَاهُمْ، وَإِذَا أَنَا مِتُّ فَلَا تَنُوحُوا عَلَيَّ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنَحْ عَلَيْهِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْمَسَأَلَةِ، فَإِنَّهَا آخِرُ كَسْبِ الرَّجُلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 634 ذِكْرُ قَيْسِ بْنِ السَّكَنِ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ أَبُو زَيْدٍ أَحَدُ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ يَوْمَ جَسْرِ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَيَوْمُ الْجِسْرِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَ عَشْرَةَ. وَقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: افْتَخَرَ الْحَيَّانِ مِنَ الْأَنْصَارِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ. فَقَالَ الْأَوْسُ: مِنَّا غِسِّيلُ الْمَلَائِكَةِ حَنْظَلَةُ بْنُ الرَّاهِبِ، وَمِنَّا مَنِ اهْتَزَّ لِمَوْتِهِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَمِنَّا مَنْ حَمَتْهُ الدَّبْرُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمِنَّا مَنْ أُجِيزَتْ شَهَادَتُهُ بِشَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّونَ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ جمَعُوا الْقُرْآنَ لَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُهُمْ: زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَمْ يَكُنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا سِتَّةٌ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْقَارِئُ، وَكَانَ مُجَمَّعًا بَقِيَ عَلَيْهِ سُورَتَانِ. ذِكْرُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانَ الظَّفَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ أَخُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأُمِّهِ، شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ، فَأَرَادَ الْقَوْمُ أَنْ يَقْطَعُوهَا، فَقَالُوا: نَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ، فَأَدْنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، فَدَفَعَ حَدَقَتَهُ حَتَّى وَضَعَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 مَوْضِعَهَا، ثُمَّ غَمَزَهَا بِرَاحَتِهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اكْسُهُ جَمَالًا» . فَكُنَّا لَا نَدْرِي بَعْدَ ذَلِكَ، أَيُّ عَيْنَيْهِ أُصِيبَتْ أخبرنا سُلَيْمَانُ فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَاشَاذَةَ، فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مَيْمُونُ بْنُ الْإِصْبَعِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي كَرِيمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ جَدِّهِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، قَالَ: كَانَتْ لَيْلَةٌ شَدِيدَةُ الظُّلْمَةِ وَالْمَطَرِ، فَقُلْتُ: لَوْ أَنِّي اغْتَنَمْتُ شُهُودَ الْعَتَمَةِ مَعَ النَّبِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُمْتُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ عُرْجُونٍ يَمْشِي عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَالَكَ يَا قَتَادَةُ، هَاهُنَا هَذِهِ السَّاعَةِ؟» ، قُلْتُ: اغْتَنَمْتُ شُهُودَ الْعَتَمَةِ مَعَكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَعْطَانِي الْعُرْجُونَ، وَقَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ خَلَفَكَ فِي أَهْلِكَ، فَاذْهَبْ بِهَذَا الْعُرْجَونِ» ، فَخَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَأَضَاءَ الْعُرْجُونُ بِمِثْلِ شَمْعَةٍ نُورًا، وَاسْتَضَأْتُ بِهِ، فَوَجَدْتُ أَهْلِي رُكُودًا، فَنَظَرْتُ فِي زَاوِيَةٍ فَإِذَا فِيهَا، فَلَمْ أَزَلْ أَضْرِبُهُ بِالْعُرْجُونِ حَتَّى خَرَجَ "، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 ذِكْرُ قُرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُرَظَةُ: خَرَجْنَا نُرِيدُ الْكُوفَةَ، فَشَيَّعَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّكُمْ تَأْتُونَ أَهْلَ قَرْيَةٍ لَهُمْ دَوِيٌّ بِالْقُرْآنِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ فَلَا تَصُدُّوهُمْ بِالْأَحَادِيثِ فَتَشْغَلُوهُمْ، جَرِّدُوا الْقُرْآنَ وَأَقِلُّوا الرِّوَايَةَ، امْضُوا وَأَنَا شَرِيكُكُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 باب الْكَافِ ذِكْرُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ السُّلَمِيِّ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزُوجِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَهِدَ بَيْعَةَ الْعَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِينَ، أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، فَتِيبَ عَلَيْهِمْ، شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا إِلَّا بَدْرًا، وَتَبُوكًا، آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. قَالَ كَعْبٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ، غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَشْهَدْ بَدْرًا، وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةَ، حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا. قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ حِينَ تِيبَ عَلَيْهِ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: لَمَّا نَزَلَتْ تَوْبَتُهُ بَشَّرَهُ رَجُلٌ بِذَلِكَ فَأَعْطَاهُ ثَوْبَيْهِ بِشَارَةً. قَالُوا: وَكَانَ كَعْبٌ شَاعِرًا، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ فِي الشِّعْرِ مَا قَدْ أَنْزَلَ، قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأَنَّمَا تَرْمُونَهُمْ نَضْحَ النَّبْلِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 ذِكْرُ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْيُسْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْصَارِيٌّ، خَزْرَجِيٌّ، عَقَبِيٌّ، بَدْرِيٌّ، وَهُوَ الَّذِي أَسَرَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَسَرْتَ الْعَبَّاسَ؟» ، قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ رَجُلٌ مَا عَرَفْتُهُ قَبْلَ وَلَا بَعْدَ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ أَعَانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي إِذْ مَرَّ بِنَا أَبُو الْيُسْرِ، وَكَانَ رَجُلًا قَصِيرًا، فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ، كَيْفَ أَسَرَكَ هَذَا مَعَ قِصَرِهِ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنَّهُ وَقَعَ عَلَيَّ مِثْلُ الْجَبَلِ، فَأَخَذَ بِمَنْكِبِيَ الْأَيْمَنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 فَعَصَرَهَا وَلَوَاهَا، ثُمَّ أَخَذَ بِمَنْكِبِيَ الْأَيْسَرِ فَعَصَرَهَا، ثُمَّ لَوَاهَا فَشَدَّهَا، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَاقًا. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: أَبُو الْيَسَرِ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ. ذِكْرُ كُلْثُومِ بْنِ الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ أَبُو رُهْمٍ غِفَارِيٌّ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، اسْتَخْلَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ عِنْدَ خُرُوجِهِ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 643 ذِكْرُ كُلْثُومِ بْنِ هَرِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، أَنْصَارِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يَسْكُنُ قُبَاءَ وَعَلَيْهِ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ. باب اللَّامِ ذِكْرُ لَبِيدِ بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَزَلَتْ فِيهِ: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا} [النساء: 112] . بَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا نَسَبَ إِلَيْهِ بَنُو أُبَيْرِقِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 قَالَ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ: كَانَ بَنُو أُبَيْرِقٍ: بِشْرٌ وَبَشِيرٌ وَمُبَشِّرٌ، وَكَانَ بِشْرٌ مُنَافِقًا، يَقُولُ الشِّعْرَ، يَهْجُو بِهِ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَنْحَلُهُ بَعْضُ الْعَرَبِ، فَابْتَاعَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ حِمْلًا مِنَ الدِّرْمَكِ، فَجَعَلَهُ فِي مَشْرَبَةٍ لَهُ، وَفِي الْمَشْرَبَةِ سِلَاحٌ لَهُ دِرْعَانِ وَسَيْفَانِ وَمَا يَصِلُهُمَا، فَغَدَى عَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَنُقِبَتِ الْمَشْرَبَةُ وَأُخِذَ الطَّعَامُ وَالسِّلَاحُ، فَقَالَتْ بَنُو أُبَيْرِقٍ: وَاللَّهِ مَا نَرَى صَاحِبَكُمْ إِلَّا لَبِيدَ بْنَ سَهْلٍ، وَكَانَ لَبِيدُ بْنُ سَهْلٍ رَجُلًا مُؤْمِنًا لَهُ صَلَاحٌ وَإِسْلَامٌ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ لَبِيدٌ اخْتَرَطَ سَيْفَهُ، وَقَالَ: أَنَا أَسْرِقُ، وَاللَّهِ لِأُخَالِطَنَّهُمْ هَذَا السَّيْفَ، أَوْ لَتَتَبَيِّنَنَّ هَذِهِ السَّرِقَةُ، قَالُوا: إِلَيْكَ عَنَّا أَيُّهَا الرَّجُلُ، فَوَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِصَاحِبِهَا، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَاتِ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 105] إِلَى قَوْلِهِ: {وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 112] يَعْنِي قَوْلَهُمْ لِلَبِيدٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 باب الْمِيمِ ذِكْرُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْصَارِيٌّ، خَزْرَجِيٌّ، شَهِدَ الْعَقَبَةَ، وَبَدْرًا، وَالْمَشَاهِدَ، بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِلًا إِلَى الْيَمَنِ. يُكْنَى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ عَشْرَةَ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: رُفِعَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَمَاتَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 وَقَالَ فَرْوَةُ بْنُ نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيُّ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: إِنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ {كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120] ، قَالَ: قُلْتُ: غَلِطَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} [النحل: 120] ، فَأَعَادَهَا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يَعْمَدُ تَعَمُّدًا، فَسَكَتُّ، فَقَالَ: أَتَدْرِي مَا الْأُمَّةُ؟ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ، وَالْقَانِتُ: الْمُطِيعُ، وَكَذَلِكَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُعَلِّمُ الْخَيْرَ، وَكَانَ مُطِيعًا للَّهِ وَرَسُولِهِ. وَخَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ، فَقَالَ: وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْفِقْهِ، فَلْيَأْتِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» . أخبرنا سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْرُوفٍ، أخبرنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّاذْيَاخِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْجَوْزَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الدَّغُولِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لَمْ أَزَلْ أُحِبُّهُ، يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ، فَإِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «» اقْرَأِ الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، فَبَدَأَ بِهِ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَ: وَحَدَّثَنَا الدَّغُولِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسَلَّمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» قَالَ: وَحَدَّثَنَا الدَّغُولِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُشْكَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَيَوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَبْلِيُّ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، إِنِّي أُحِبُّكَ للَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 تَعَالَى» . قَالَ مُعَاذٌ: قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا مُعَاذَ، لَا تَدَعَنَّ أَنْ تَقُولَ عَنْ دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ". فَأَوْصَى بِذَلِكَ الصُّنَابِحِيَّ، وَأَوْصَى الصُّنَابِحِيُّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ، وَأَوْصَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا الدَّغُولِيُّ، أَبُو بَكْرِ مِنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّحَرِ رَافِعًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ أَجَشَّ الصَّوْتِ، فَأُلْقِيَتْ عَلَيَّ مَحَبَّتُهُ، فَمَا فَارَقْتُهُ حَتَّى حَثَوْتُ التُّرَابَ عَلَيْهِ مَيِّتًا بِالشَّامِ 51 قَالَ: وَحَدَّثَنَا الدَّغُولِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ، حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: تَمَنَّوْا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مَمْلُوءَةٌ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: تَمَنَّوْا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ لُؤْلُؤًا وَزَبَرْجَدًا وَجَوْهَرًا، فَأُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَتَصَدَّقُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَمَنَّوْا، فَقَالُوا: مَا تَرَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ رِجَالًا مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمِ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَحُذَيْفَةِ بْنِ الْيَمَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 فَصْلٌ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مِنْ أَفْضَلِ شَبابِ الْأَنْصَارِ حِلْمًا، وَحَيَاءً، وَسَخَاءً، وَضِئُ الْوَجْهِ، أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ، بَرَّاقُ الثَّنَايَا، جَمِيلًا، أَرْدَفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ، وَشَيَّعَهُ فِي مَخْرَجِهِ إِلَى الْيَمَنِ مَاشِيًا، وَهُوَ رَاكِبٌ مَاتَ بِالشَّامِ فِي الطَّاعُونِ. قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ حِمْصٍ، فَإِذَا فِيهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِمْ شَابٌّ أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ بَرَّاقُ الثَّنَايَا سَاكِتٌ، فَإِذَا امْتَرَى الْقَوْمُ فِي شَيْءٍ أَقْبَلُوا عَلَيْهِ، فَسَأَلُوهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ شَابًّا حَلِيمًا سَمْحًا مِنْ أَفْضَلِ شَباب قَوْمِهِ، لَمْ يَكُنْ يُمْسِكُ شَيْئًا، وَلَمْ يَزَلْ يُدَانُ حَتَّى أَغْرَقَ مَالَهُ فِي الدَّيْنِ، فَأَتَى غُرَمَاؤُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُمْ فَلَوْ تَرَكَ لِأَحَدٍ مِنْ أَجْلِ أَحَدٍ لَتَرَكُوا لِمُعَاذٍ مِنْ أَجْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ: لَمْ يَكُنْ يُفْتِي فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَمُعَاذٌ، وَأَبُو مُوسَى، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي مُعَاذٌ بَيْنَ يَدَيِ الْعُلَمَاءِ رِتْوَةً» أَوْ قَالَ: «بِرِتْوَةٍ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 ذِكْرُ مُعَاذِ بْنِ الْحَارِثِ وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ، وَعَفْرَاءُ أُمُّهُ، أَنْصَارِيٌّ، عَقَبِيٌّ، بَدْرِيٌّ، شَارَكَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ فِي قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ وَلِمُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو: «كِلَاكُمَا قَتَلَهُ» قَالَ كَثِيرُ بْنُ أَفْلَحَ: أَعْتَقَ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ أَلْفَ نَسَمَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 ذِكْرُ مُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَقَبِيٌّ، بَدْرِيٌّ، أَنْصَارِيٌّ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرٍو» وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ، حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمَا، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلُعٍ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: يَا عَمِّ، هَلْ تُعَرِّفُ لَنَا أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَلَمْ أَلْبَثْ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ فِي النَّاسِ فَقُلْتُ: أَلَا تَرَيَانِ؟ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفِهِمَا، فَضَرَبَاهُ حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: «أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟» ، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ. قَالَ: «هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَكُمَا؟» ، قَالَا: لَا، فَنَظَرَ إِلَى سَيْفِهِمَا، فَقَالَ: «كِلَاكُمَا قَتَلَهُ» . ثُمَّ قَضَى بِسَلْبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَهُمَا مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ، وَمُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَدْرَكْتُ أَبَا جَهْلٍ بِآخِرِ رَمَقٍ، فَعَرَفْتُهُ، فَوَضَعْتُ رِجْلِي عَلَى عُنُقِهِ، وَكَانَ قَدْ ضَبَثَ بِي بِمَكَّةَ مَرَّةً فَآذَانِي وَلَكَزَنِي، ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ أَخْزَاكَ اللَّهُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ؟ قَالَ: وَمَا أَخْزَانِي أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ، أخبرني لِمَنِ الدَّائِرَةُ الْيَوْمَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدِ ارْتَقَيْتُ مُرْتَقًى صَعْبًا، ثُمَّ حَزَزْتُ رَأْسَهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: هَذَا رَأْسُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَ: «اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ؟» ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، ثُمَّ أَلْقَيْتُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرٍو: حَمَلْتُ عَلَى أَبِي جَهْلٍ، فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً أَطْنَتْ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ، فَوَاللَّهِ مَا شَبَّهْتُهَا حِينَ طَاحَتْ إِلَّا بِالنَّوَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 حِينَ تَطِيحُ مِنْ تَحْتِ مَرْصَخَةِ النَّوَى حِينَ يُضْرَبُ بِهَا، وَضَرَبَنِي ابْنُهُ عِكْرِمَةُ عَلَى عَاتِقِي، فَطَرَحَ يَدِي، فَتَعَلَّقْتُ بِجِلْدَةٍ مِنْ جَنْبِي، وَأَجْهَضَنِي الْقِتَالُ عَنْهُ، وَلَقَدْ قَاتَلْتُ عَامَّةَ يَوْمِي وَإِنِّي لَأَسْحَبُهَا خَلْفِي، فَلَمَّا آذَتْنِي وَضَعْتُ عَلَيْهَا قَدَمِي ثُمَّ تَمَطَّيْتُ لَهَا حَتَّى طَرَحْتُهَا. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: ثُمَّ عَاشَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرٍو بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى زَمَنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالُوا: ثُمَّ مَرَّ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ بِأَبِي جَهْلٍ، وَهُوَ عَقِيرٌ، فَضَرَبَهُ حَتَّى أَثْبَتَهُ، فَتَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ، وَقَاتَلَ مُعَاذٌ حَتَّى قُتِلَ، فَمَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِأَبِي جَهْلٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْظُرُوا إِنْ خَفِيَ عَنْكُمْ أَبُو جَهْلٍ فِي الْقَتْلَى إِلَى أَثَرِ جُرْحٍ فِي رُكْبَتِهِ، فَإِنِّي ازْدَحَمْتُ أَنَا وَهُوَ عَلَى مَأْدُبَةٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ، وَنَحْنُ غُلَامَانِ، وَكُنْتُ أَشَفَّ مِنْهُ بِيَسِيرٍ، فَدَفَعْتُهُ فَوَقَعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَجُحِشَ فِي إِحْدَاهُمَا جَحْشًا لَمْ يَزَلْ أَثَرُهُ بِهِ بَعْدُ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 ذِكْرُ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُهَاجِرِيٌّ، أَوَّلِيٌّ، رُوِيَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ مَرَّ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ مَقْتُولًا عَلَى طَرِيقِهِ، فَقَرَأَ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] . قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: بَايَعَ الْأَنْصَارُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ، وَوَاعَدُوهُ الْمَوْسِمَ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ رَجُلًا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَهْدِي اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ حَتَّى قَلَّ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا أَسْلَمَ فِيهَا نَاسٌ، وَأَسْلَمَ أَشْرَافُهُمْ، وَكُسِّرَتْ أَصْنَامُهُمْ، وَجَمَعَ الْجُمُعَةَ بِالْمُسْلِمِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْدِمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُسَمَّى الْمُقْرِئَ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ. قَالَ الْبَرَاءُ: وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَقُلْنَا لَهُ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: هُوَ مَكَانَهُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَثَرِي، ثُمَّ أتَانَا بَعْدَهُ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى، ثُمَّ أَتَانَا بَعْدَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَبِلَالٌ، ثُمَّ أَتَانَا بَعْدَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي عِشْرِينَ رَاكِبًا، ثُمَّ أَتَانَا بَعْدَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ. وَقَالَ خَباب: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَمِنَّا مَنْ قُتِلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَمْ يَتْرُكْ إِلَّا نَمِرَةً، إِذَا غَطَّيْنَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَطُّوا رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الْإِذْخَرِ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ ثَمَرَتُهُ، فَهُوَ يَهْدِبُهَا» . يَعْنِي يَجْتَنِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ صَائِمًا، فَأُتَيَ بِطَعَامٍ، فَجَعَلَ يَبْكِي، وَقَالَ: قُتِلَ حَمْزَةُ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا ثَوْبًا وَاحِدًا، وَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ بِهِ إِلَّا ثَوْبًا وَاحِدًا، وَلَقَدْ خَشِيتُ أَنْ تَكُونَ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا وَجَعَلَ يَبْكِي. وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: كَانَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَتْرَفَ غُلَامٍ بِمَكَّةَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ، فَلَمَّا أَصَابَهُ مَا أَصَابَنَا لَمْ يَقْوَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَإِنَّ جِلْدَهُ لَيَتَطَايَرُ عَنْهُ تَطَايُرَ جِلْدِ الْحَيَّةِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَتَقَطَّعُ بِهِ، فَمَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْشِيَ، فَنَعْرِضُ لَهُ الْقِسِيَّ، ثُمَّ نَحْمِلُهُ عَلَى عَوَاتِقَنَا. وَفِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: طَلَعَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي بُرْدَةٍ لَهُ مَرْقُوعَةٍ بِفَرْوَةٍ، وَكَانَ أَنْعَمَ غُلَامٍ بِمَكَّةَ وَأَرْفَهَ عَيْشًا، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ وَبَكَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 ذِكْرُ مَالِكِ بْنِ التَّيْهَانِ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ أَبُو الْهَيْثَمِ شَهِدَ الْعَقَبَةَ الْأُولَى، وَالْمَشَاهِدَ بَعْدَهَا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَمَّا اشْتَدَّ الْمُشْرِكُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا عَمِّ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَاصِرُ دِينِهِ بِقَوْمٍ يَهُونُ عَلَيْهِمْ رَغْمَ قُرَيْشٍ، غَزَا فِي ذَاتِ اللَّهِ، وَذَاكَ حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُعْلِنَ الدُّعَاءَ، فَلَقِيَ النَّفَرَ السِّتَّةَ الْخَزْرَجِيِّينَ: أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ، وَأَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التَّيْهَانِ، وَذَكَرَهُمْ، فَلَمَّا بَايَعُوهُ عَلَى النُّصْرَةِ، وَاشْتَرَطَ لَهُمُ الرِّضْوَانَ وَالْجَنَّةَ، قَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ لِأَصْحَابِهِ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، وَقَدْ آمَنْتُمْ بِهِ وَصَدَّقْتُمُوهُ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَوَ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ فِي بَلَدِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَمَسْقَطِ رَأْسِهِ، وَمَوْلِدِهِ، وَعَشِيرَتِهِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنْ كُنْتُمْ خَاذِلِيهِ أَوْ مُسْلِمِيهِ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ لِئَلَّا يَنْزِلَ بِكُمْ، فَالآنَ فَإِنَّ الْعَرَبَ سَتَرْمِيكُمْ فِيهِ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ عَنِ الْأَنْفُسِ وَالْمَالِ فِي ذَاتِ اللَّهِ، فَمَا لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، فَأَجَابَ الْقَوْمُ جَمِيعًا، لَا. بَلْ نَحْنُ مَعَهُ بِالْوَفَاءِ وَالصِّدْقِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَعَلَّكَ إِذْ حَارَبْنَا النَّاسُ فِيكَ وَقَطَعْنَا مَا بَيْنَنَا، وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْجِوَارِ وَالْحِلْفِ وَالْأَرْحَامِ وَحَمَلْنَا الْحَرْبَ عَلَى سَبْسَابِهَا، وَكَشَفَتْ لَنَا عَنْ قِنَاعِهَا، لَحِقْتَ بِبَلَدِكَ وَتَرَكْتَنَا وَقَدْ حَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «الدَّمَ الدَّمَ، الْهَدْمَ الْهَدْمَ» ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خَلِّ يَا أَبَا الْهَيْثَمِ حَتَّى نُبَايِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَقَهُمْ أَبُو الْهَيْثَمِ إِلَى بَيْعَتِهِ، فَقَالَ: أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَا بَايَعَ عَلَيْهِ الاثْنَا عَشَرَ نَقِيبًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا. أخبرنا أَبُو نَصْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أبو زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْأَسْلَمِيُّ، هُوَ كُوفِيُّ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ جَالِسٌ إِذْ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا يُجْلِسُكَ؟ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ مَا أَخْرَجَنِي مِنْ بَيْتِيَ إِلَّا الْجُوعُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ مَا أَخْرَجَنِي مِنْ بَيْتِيَ إِلَّا الْجُوعُ، فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ إِذْ جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا أَجْلَسَكُمَا؟» قَالَ: أَخْرَجَنَا مِنْ بُيُوتِنَا الْجُوعُ، قَالَ: «وَأَنَا وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَخَرَجَنِي مِنْ بَيْتِيَ إِلَّا الْجُوعُ» ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «قُومُوا فَانْطَلِقُوا إِلَى بَيْتِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ» ، فَاسْتَقْبَلَتْهُمُ الْمَرْأَةُ، فَقَالَتْ: مَرْحَبًا، فَقَالَ: «أَيْنَ أَبُو فُلَانٍ؟» ، قَالَتْ: انْطَلَقَ لِيَسْتَعِذِبَ لَنَا الْمَاءَ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُمُ الْأَنْصَارِيُّ وَهُوَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ حَامِلَ قِرْبَةٍ عَلَى ظَهْرِهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا، وَاللَّهِ مَا زَارَ الْعِبَادَ قَطُّ خَيْرٌ مِنْ زُوَّارِي، فَانْطَلَقَ فَقَطَعَ عَذْقًا مِنْ نَخْلَةٍ أَوْ نَخْلِهِ، فَجَاءَ بِهِ وَوَضَعَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلِ اجْتَنَيْتَ مِنْهُ؟» ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونُوا الَّذِينَ تَخْتَارُونَ عَلَى عُيُونِكُمْ، وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ» ، فَذَبَحَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ فَأَكَلُوا، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبَيْهِ: «لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 أَصَبْتُمُ الْيَوْمَ» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ، فَاعْتَنَقَهُ فَقَبَّلَهُ وَالْتَزَمَهُ» . وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ذِكْرُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: كَانَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: أَسْلَمْتُ عَامَ الْقَضِيَّةِ، لَقِيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَ إِسْلَامِي، وَعَامُ الْقَضَيَّةِ هُوَ الْعَامُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 الَّذِي صُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبَيْتِ. قِيلَ: أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ مُعَاوِيَةُ فَقِيهًا. قِيلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتِّينَ، كَانَ أَبْيَضَ طَوِيلًا، أَبَيْضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَخْلَقَ لِلْمُلْكِ مِنْ مُعَاوِيَةٍ، كَانَ النَّاسُ يُرِيدُونَ مِنْهُ أَرْجَاءَ وَادٍ رَحْبٍ. لَيْسَ بِالضَّيِّقِ الْحَصِرِ. وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: كَانَ الْحَادِي يَحْدُو بِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيَقُولُ: إِنَّ الْأَمِيرَ بَعْدَهُ عَلِيٌّ ... وَفِي الزُّبَيْرِ خَلَفٌ رَضِيٌّ قَالَ كَعْبٌ: بَلْ هُوَ صَاحِبُ الْبَغْلَةِ الشَّهْبَاءِ، يَعْنِي مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: يَا أبَا إِسْحَاقَ، يَقُولُ هَذَا، وَهَاهُنَا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَأَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنْتَ صَاحِبُهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَمِيصُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِزَارُهُ، وَرِدَاؤُهُ، وَشَعْرُهُ، فَأَوْصَاهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ: كَفِّنُونِي فِي قَمِيصِهِ، وَأَدْرِجُونِي فِي رِدَائِهِ، وَأَزَّرُونِي بِإِزَارِهِ، وَاحْشُوا مِنْخَرِي شَعْرَهُ، وَخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ. فَصْلٌ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَمِيرًا عِشْرِينَ سَنَةً، وَخَلِيفَةً عِشْرِينَ سَنَةً، بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ خِلَافَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّى الْأَمِيرُ جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا» . قَالَ الْقَاسِمُ: فَتَعَجَّبْتُ مِنْ صِدْقِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَصَرْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكَ إِنْ تَتَبَّعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ تُفْسِدُهُمْ» . قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كَلِمَةً سَمِعَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا وَقِيلَ لِعَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: بُويِعَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَتْ: هُوَ مُلْكُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ. فَصْلٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا رَأَيْتُ أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ، يَعْنِي أَحْسَنَ سُؤْدُدًا. وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَقُولُ: مَا زِلْتُ أَطْمَعُ مُنْذُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مُعَاوِيَةُ إِذَا مَلَكْتَ فَاسْجَحْ» وَقَالَ عَلِيٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تَكْرَهُوا إِمَارَةَ مُعَاوِيَةَ، وَاللَّهِ لَئِنْ فَقَدْتُمُوهُ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الرُّءُوسِ تَنْدُرُ عَنْ كَوَاهِلِهَا كَالْحَنْظَلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: فَتَحَ اللَّهُ بِهِ الْفُتُوحَ، فَكَانَ يَغْزُو الرُّومَ، وَيُقَسِّمُ الْفَيْءَ وَالْغَنِيمَةَ، يُقِيمُ الْحُدُودَ، وَاللَّهُ لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أحَسَنَ عَمَلًا. باب النُّونِ ذِكْرُ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُتِلَ يَوْمَ نَهَاوَنْدَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْجَيْشِ اسْتَعَمَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْهِمْ. رُوِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ اسْتَعْمَلَ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ عَلَى كَسْكَرَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يُنَاشِدُهُ اللَّهَ إِلَّا نَزَعَهُ مِنْ كَسْكَرَ، وَبَعَثَهُ فِي جَيْشٍ مِنْ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّمَا مَثَلُهُ وَمَثَلُ كَسْكَرَ، كَمَثَلِ مُومِسَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 تُزَيَّنُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ، فَنَزَعَهُ، فَبَعَثَهُ فِي الْجَيْشِ الَّذِي بَعَثَهُ إِلَى نَهَاوَنْدَ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: قَالَ النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ يَوْمَ نَهَاوَنْدَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَقَرَّ عَيْنِيَ الْيَوْمَ بِفَتْحٍ يَكُونُ فِيهِ عِزُّ الْإِسْلَامِ، وَذُلُّ الشِّرْكِ، وَأَنْ تَخْتِمَ لِي عَلَى ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ، أَمِّنِوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ فَأَمَّنَ النَّاسُ وَبَكَوْا فَكَانَ أَوَّلَ صَرِيعٍ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ فَتْحُ نَهَاوَنْدَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَأَمِيرُهَا النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: قَالَ أَعْرَابِيٌّ: لَقِيَنَا رَاكِبًا عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْعِرَاقِ، فَقُلْتُ: مَا خَبَرُ النَّاسِ؟ قَالَ: اقْتَتَلَ النَّاسُ بِنَهَاوَنْدَ، وَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقُتِلَ ابْنُ مُقَرِّنٍ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَعَلَّكَ أَنْ تَكُونَ لَقِيتَ بَرِيدًا مِنَ الْجِنِّ، فَإِنَّ لَهُمْ بَرْدًا، فَلَبِثَ مَا لَبِثَ، ثُمَّ جَاءَهُمُ الْبَشِيرُ بِأَنَّهُمُ الْتَقَوْا ذَلِكَ الْيَوْمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 ذِكْرُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ أَوَّلُ مَوْلُودٍ فِي الْأَنْصَارِ لَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ. كَانَ أَمِيرَ الْكُوفَةِ فِي عَهْدِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقُتِلَ بِحِمْصَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 باب الْوَاوِ ذِكْرُ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ اللَّيْثِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، سَكَنَ بِبَيْتِ جِبْرِينَ مِنَ الشَّامِ، وَتُوُفِّيَ وَلَهُ مِائَةٌ وَخَمْسٌ وَسِتُّونَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 ذِكْرُ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْأَسَدِيِّ أَسَدِ خُزَيْمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَكَنَ الْكُوفَةِ وَقُبِرَ بِهَا، وَقُبِرَ عِنْدَ مَنَارَةِ مَسْجِدِ جَامِعِ الرِّقَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ أَبُو رَاشِدٍ الْأَزْرَقُ: كُنْتُ آتِي وَابِصَةَ، وَقَلَّ مَا آتَيْتُهُ إِلَّا وَجَدْتُ الْمُصْحَفَ مُوضَعًا بَيْنَ يَدَيْهِ، يَبْكِي حَتَّى أَرَى دُمُوعَهُ قَدْ بَلَّتِ الْوَرَقَ. ذِكْرُ الْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، حَبَسَهُ الْمُشْرِكُونَ بِمَكَّةَ عَنِ الْهِجْرَةِ، فَانْفَلَتَ مِنْهُمْ بَعْدَ مَا دَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُنُوتِهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: فَقَدِمَ الْمَدِينَةِ فَتُوُفِّيَ بِهَا، فَكَفَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَمِيصِهِ، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَنْدُبُهُ: أَبْكِي الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةْ أَبْكِي الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَتَى الْعَشِيرَةْ. باب الْهَاءِ ذِكْرُ هِشَامِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ أَبُو حُذَيْفَةَ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِدَ بَدْرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 ذِكْرُ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُتِلَ بِالْيَرْمُوكِ، شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِيمَانِ. رُوِيَ عَنْ أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَطْلُبُ ابْنَ عَمِّي، وَمَعِيَ شَنَّةٌ مِنْ مَاءٍ، فَقُلْتُ: إِنْ كَانَ بِهِ رَمَقٌ سَقَيْتُهُ مِنَ الْمَاءِ، وَمَسَحْتُ بِهِ وَجْهَهُ فَإِذَا أَنَا بِهِ يَنْشَغُ، فَقُلْتُ: أَسْقِيكَ فَأَشَارَ أَنْ نَعَمْ، فَإِذَا رَجُلٌ يَقُولُ: آهْ، فَأَشَارَ ابْنُ عَمِّي أَنِ انْطَلِقْ بِهِ إِلْيَهِ، وَهُوَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَسْقِيكَ فَسَمِعَ آخَرَ فَقَالَ: آهْ، فَأَشَارَ هِشَامٌ أَنِ انْطَلِقْ بِهِ إِلَيْهِ، قَالَ: فَجِئْتُهُ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ فَرَجِعْتُ إِلَى هِشَامٍ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، ثُمَّ أَتَيْتُ ابْنَ عَمِّي فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 ذِكْرُ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَحِمَهُ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ: كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْحَيِّ يَتَخَطُّونَ هِشَامَ بْنَ عَامِرٍ إِلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَتَخْطُونِي إِلَى رِجَالٍ مَا كَانُوا بِأَحْضَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَوْعَى لِحَدِيثِهِ مِنِّي، سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 باب الْيَاءِ ذِكْرُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الشَّامِ، فَخَرَجَ مَعَهُ مُشَيِّعًا مَاشِيًا. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ: أَحَدُ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، كَانَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ عَلَى رُبْعِ الْجَيْشِ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ عَلَى رُبْعٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ عَلَى رُبْعٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى رُبْعٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 ذِكْرُ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَالْحُدَيْبِيَةِ، وَخَيْبَرَ، وَالْفَتْحِ، وَالطَّائِفِ، وَكَانَ مِنْ أَفَاضِلِ الصَّحَابَةِ. قَالَ يَعْلَى بْنُ مُرَّةَ: تَخَلَّقْتُ يَوْمًا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَاوَلْتُهُ يَدَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّ عَلَيَّ، قَالَ: «مَا هَذَا الَّذِي عَلَى يَدِكَ؟» ، قُلْتُ: تَخَلَّقْتُ. قَالَ: «أَلَكَ امْرَأَةٌ؟» ، قُلْتُ: لَا، قَالَ: «أَلَكَ سَرِيَّةٌ؟» ، قُلْتُ: لَا، قَالَ: «فَانْطَلِقْ، فَاغْسِلْهُ، ثُمَّ اغْسِلْهُ، ثُمَّ اغْسِلْهُ، ثُمَّ لَا تُعِدْ» . فَانْطَلَقْتُ فَاغْتَسَلْتُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: صَلِّ عَلَيّ فَصَلَّى عَلَيَّ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الطَّائِفِ بِقَطْعِ أَعْنَابِ ثَقِيفَ، قَالَ: «مَنْ قَطَعَ نَخْلَةً فَلَهُ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْأَجْرِ» . سَكَنَ الْكُوفَةَ. ذِكْرُ يَسَارٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ رَاعِيًا، فَقَتَلَهُ الْعِرْنِيُّونَ، فَحُمِلَ إِلَى قِبَاءَ مَيِّتًا، فَدُفِنَ بِهَا. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: نَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحْسِنُ الصَّلَاةَ فَأَعْتَقَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 ذِكْرُ يَاسِرٍ وَهُوَ أَبُو عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ فِي اللَّهِ. رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَمَّارٍ وَأَهْلِهِ وَهُمْ يُعَذَّبُونَ، فَقَالَ: «أَبْشِرُوا فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ التَّابِعُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 ذِكْرُ التَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ زَاهِرٍ الطُّوسِيُّ , أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ , أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شَيْبَةَ، وَشُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ وَهُوَ ابْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ , قَالَتْ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيهِمْ، ثُمَّ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِثُ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 بَابُ الْأَلِفِ ذِكْرُ أُوَيْسِ بْنِ عَامِرٍ الْقَرَنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّابُونِيُّ , أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الْآخَرَانِ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ، فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 682 قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «» يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ «» . فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْكُوفَةُ، قَالَ: أَلَا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا؟ قَالَ: أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فَوَافَقَ عُمَرَ، وَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ، قَالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ قَلِيلَ الْمَتَاعِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «» يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ «» . فَأَتَى أُوَيْسًا، فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدٍ بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: لَقِيتُ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَاسْتَغْفِرْ لَهُ، فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ، قَالَ أُسَيْرُ: وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً، فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ إِنْسَانٌ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ لِأُوَيْسٍ هَذِهِ الْبُرْدَةُ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 683 عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " خَيْرُ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ، وَلَهُ وَالِدَةٌ، وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ، فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ " وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَلَقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ قَالَ: «لَيُصَلِّيَنَّ مَعَكُمْ غَدًا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» . فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَطَمِعْتُ أَنْ أَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلَ، فَغَدَوْتُ، فَصَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَمْتُ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى انْصَرَفَ النَّاسُ، وَبَقِيتُ أَنَا وَهُوَ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ أَسْوَدُ مُتَّزِرٌ بِخِرْقَةٍ، مُرتَدٍ بِرُقْعَةٍ، فَجَاءَ حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لِي، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِالشَّهَادَةِ، وَإِنَّا لَنَجِدُ مِنْهُ رِيحَ الْمِسْكِ الأَذْفَرِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّهُ مَمْلُوكٌ لِبَنِي فُلَانٍ» . قُلْتُ: أَفَلَا تَشْتَرِيهِ فَتُعْتِقَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَأَنَّى لِي ذَلِكَ، إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ مُلُوكِ الْجَنَّةِ، يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنَّ لِلْجَنَّةِ مُلُوكًا وَسَادَةً، وَإِنَّ هَذَا الْأَسْوَدَ أَصْبَحَ مِنْ مُلُوكِ الْجَنَّةِ وَسَادَتِهِمْ، يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ مِنْ خَلْقِهِ الأَصْفِيَاءَ، الأَبْرِيَاءَ، الشَّعِثَةَ رُءُوسُهُمِ , الْمُغَبَّرَةَ وُجُوهُهُمْ، الْخَمِصَةَ بُطُونُهُمْ مِنْ كَسْبِ الْحَلَالِ، الَّذِينَ إِذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 684 اسْتَأْذَنُوا عَلَى الْأُمَرَاءِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ، وَإِنْ خَطَبُوا الْمُتَنَعِّمَاتِ لَمْ يُنْكَحُوا، وَإِنْ غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُدْعَوْا، وَإِنْ طَلَعُوا لَمْ يُفْرَحْ بِطَلْعَتِهِمْ، وَإِنْ مَرِضُوا لَمْ يُعَادُوا، وَإِنْ مَاتُوا لَمْ يُشْهَدُوا» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ لَنَا بِرَجُلٍ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «ذَاكَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ» . قَالُوا: وَمَا أُوَيْسُ الْقَرَنِيُّ؟ قَالَ: " أَشْهَلٌ، ذُو صُهُوبَةٍ , بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، مُعْتَدِلُ الْقَامَةِ، آدَمُ شَدِيدُ الْأَدَمَةِ، ضَارِبٌ بِذَقْنِهِ إِلَى صَدْرِهِ، رَامٍ بِبَصَرِهِ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَاضِعٌ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ يَتْلُو الْقُرْآنَ، يَبْكِي عَلَى نَفْسِهِ، ذُو طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ، مُتَّزِرٌ بِإِزَارٍ صُوفٍ، وَمُرْتَدٍ بِإِزَارٍ صُوفٍ، مَجْهُولٌ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ، مَعْرُوفٌ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّ قَسَمَهُ، أَلَا وَإِنَّ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ لَمْعَةً بَيْضَاءَ، أَلَا وَإِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، قِيلَ لِلْعِبَادِ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ، وَيُقَالُ لِأُوَيْسٍ: قِفْ فَاشْفَعْ، فَيُشَفِّعُهُ اللَّهَ فِي مِثْلِ عَدَدِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، وَيَا عُمَرُ، وَيَا عَلِيٌّ، إِذَا أَنْتُمَا لَقِيتُمَاهُ، فَاطْلُبَا إِلَيْهِ يَسْتَغْفِرْ لَكُمَا يُغْفَرُ لَكُمَا ". قَالَ: فَمَكَثَا يَطْلُبَانِهِ عَشْرَ سِنِينَ لَا يَقْدِرَانِ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ السَّنَةِ نَادَى يَا أَهْلَ الْحَجِيجِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، أَفِيكُمْ أُوَيْسٌ مِنْ مُرَادٍ؟ فَقَامَ شَيْخٌ كَبِيرٌ طَوِيلُ اللِّحْيَةِ، فَقَالَ: إِنَّا لَا نَدْرِي مَا أُوَيْسٌ، وَلَكِنَّ ابْنَ أَخٍ لِي يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ، وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 685 أَخْمَلُ ذِكْرًا، وَأَقَلُّ مَالًا وَأَهْوَنُ أَمْرًا مِنْ أَنْ نَرْفَعَهُ إِلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَيَرْعَى إِبِلَنَا، حَقِيرٌ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَغَمَّى عَلَيْهِ عُمَرُ كَأَنَّهُ لَا يُرِيدُهُ، قَالَ: ابْنُ أَخِيكَ هَذَا أَبِحَرَمِنَا هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَيْنَ يُصَابُ؟ قَالَ: نَازِلُ عَرَفَاتٍ، قَالَ: فَرَكِبَ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَخَرَجَا مَعَهُ سِرَاعًا إِلَى عَرَفَاتٍ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي إِلَى شَجَرَةٍ، وَالْإِبِلُ حَوْلَهَا تَرْعَى، فَأَقْبَلَا إِلَيْهِ، فَقَالَا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَخَفَّفَ أُوَيْسٌ الصَّلَاةَ، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَيْكُمَا السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، قَالَا: مَنِ الرَّجُلُ؟ قَالَ: رَاعِي إِبِلٍ، وَأَجِيرُ قَوْمٍ، قَالَا: لَسْنَا نَسْأَلُكَ عَنِ الرِّعَايَةِ وَلَا عَنِ الْإِجَارَةِ، مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ، قَالَا: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّهُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، فَمَا اسْمُكَ الَّذِي سَمَّتْكَ بِهِ أُمَّكَ؟ قَالَ: يَا هَذَانِ، مَا تُرِيدَانِ إِلَيَّ؟ قَالَا: وَصَفَ لَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ وَقَدْ عَرَفْنَا الصُّهُوبَةَ وَالشُّهُولَةَ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ تَحْتَ مَنْكِبِكَ الْأَيْسَرِ لَمْعَةً بَيْضَاءَ، فَأَوْضِحْهَا لَنَا، فَإِنْ كَانَتْ بِكَ فَأَنْتَ هُوَ، فَأَوْضَحَ مَنْكِبَهُ، فَإِذَا اللَّمْعَةُ فَابْتَدَرَاهُ يُقَبِّلَانِهِ، وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ، فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَغْفِرِ اللَّهُ لَكَ، قَالَ: مَا أَخُصُّ بِاسْتِغْفَارِي نَفْسِي، وَلَا أَحَدًا مِنْ وَلَدِ آدَمَ، وَلَكِنَّهُ فِي الْبَرِّ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، يَا هَذَانِ، قَدْ شَهَرَ اللَّهُ لَكُمَا حَالِي وَعَرَّفَكُمَا أَمْرِي فَمَنْ أَنْتُمَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا هَذَا فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا أَنَا فَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَاسْتَوَى أُوَيْسٌ قَائِمًا، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 686 وَأَنْتَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَجَزَاكُمَا اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَيْرًا، قَالَا: وَأَنْتَ، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنْ نَفْسِكَ خَيْرًا، قَالَ عُمَرُ: مَكَانَكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، حَتَّى أَدْخُلَ مَكَّةَ فَآتِيكَ بِنَفَقَةٍ مِنْ عَطَائِي، وَفَضْلِ كِسْوَةٍ مِنْ ثِيَابِي، هَذَا الْمَكَانُ مِيعَادٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا مِيعَادَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَلَا أَرَاكَ بَعْدَ الْيَوْمِ، مَا أَصْنَعُ بِالنَّفَقَةِ؟ ! مَا أَصْنَعُ بِالْكِسْوَةِ؟ ! أَمَا تَرَى عَلَيَّ إِزَارًا مِنْ صُوفٍ، وَرِدَاءً مِنْ صُوفٍ، مَتَى تَرَانِي أخْرِقُهُمَا؟ أمَا تَرَى أَنَّ نَعْلَيَّ مَخْصُوفَتَانِ , مَتَى تَرَانِي أُبْلِيهِمَا؟ أَمَا تَرَى أَنِّي قَدْ أَخَذْتُ مِنْ رِعَايَتِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ , مَتَى تَرَانِي آكُلُهَا؟ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَ يَدِيَّ وَيَدَيْكَ عَقَبَةً كَؤُودًا لَا يُجَاوِزُهَا إِلَّا كُلُّ ضَامِرٍ، مُخِفٌّ، مَهْزُولٌ، فَأَخِفَّ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ مِنْ كَلَامِهِ ضَرَبَ بِدِرَّتِهِ الْأَرْضَ، ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَلَا لَيْتَ أُمَّ عُمَرَ لَمْ تَلِدْهُ، يَا لَيْتَهَا كَانَتْ عَاقِرًا لَمْ تُعَالِجْ حَمْلَهَا، أَلَا مَنْ يَأْخُذُهَا بِمَا فِيهَا وَلَهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، خُذْ أَنْتَ هَاهُنَا حَتَّى آخُذُ أَنَا هَاهُنَا، فَوَلَّى عُمَرُ نَاحِيَةَ مَكَّةَ , وَسَاقَ أُوَيْسٌ إِبِلَهُ فَوَافَى الْقَوْمَ بِهَا وَخَلَّى عَنِ الرِّعَايَةِ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْعِبَادَةِ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. رُوِيَتْ قِصَّةُ أُوَيْسٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَهَذَا الْوَجْهُ مِنْ أَتَمِّهِ وَأَغْرَبِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 رُوِيَ عَنْ أَصْبَغَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: إِنَّمَا مَنَعَ أُوَيْسًا أَنْ يَقْدُمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرُّهُ بِأُمِّهِ. وَعَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أُمَّتِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْتِيَ مَسْجِدَهُ أَوْ مُصَلَّاهُ مِنَ الْعُرْيِ يَحْجِزُهُ إِيمَانُهُ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، مِنْهُمْ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ» وَعَنْ أَصْبَغَ، قَالَ: كَانَ أُوَيْسٌ إِذَا أَمْسَى، قَالَ: هَذِهِ لَيْلَةُ الرُّكُوعِ، فَيَرْكَعُ حَتَّى يُصْبِحَ، وَيَقُولُ فِي مَسَاءٍ آخَرَ: هَذِهِ لَيْلَةُ السُّجُودِ، فَيَسْجُدُ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ إِذَا أَمْسَى تَصَدَّقَ بِمَا فِي بَيْتِهِ مِنْ فَضْلِ الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ مَنْ مَاتَ جُوعًا أَوْ عُرْيًا فَلَا تُؤَاخِذْنِي بِهِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: غَزَوْنَا أَذْرَبِيجَانَ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمَعْنَا أُوَيْسٌ، فَلَمَّا رَجَعْنَا مَرِضَ، فَحَمَلْنَاهُ، فَلَمْ يَسْتَمْسِكْ، فَمَاتَ، فَنَزَلْنَا، فَإِذَا قَبْرٌ مَحْفُورٌ، وَمَاءٌ مَسْكُوبٌ، وَكَفَنٌ، وَحَنُوطٌ، فَغَسَّلْنَاهُ، وَكَفَّنَّاهُ، وَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ، وَدَفَنَّاهُ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: لَوْ رَجَعْنَا، فَعَلَّمْنَا قَبْرَهُ، فَرَجَعْنَا فَإِذَا لَا قَبْرَ وَلَا أَثَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 154. ذِكْرُ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ ابْنُ أَخِي عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، يَرْوِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , كَانَ صَوَّامًا , حَجَّ بَيْنَ أَرْبَعِينَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَكَانَ فَقِيهًا زَاهِدًا، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقِيلَ: خَمْسٍ وَسَبْعِينَ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانَ الْأَسْوَدُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي لَيْلَتَيْنِ، وَيَخْتِمُهُ فِي سِوَى رَمَضَانَ فِي سِتٍّ، وَكَانَ عَلْقَمَةُ يَخْتِمُهُ فِي خَمْسٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 689 قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ كُنْيَتُهُ أَبُو عُمَرَ , مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ , مِنَ الزُّهَّادِ الثَّمَانِيَةِ، مَشْهُورٌ بِالزُّهْدِ، وَالتَّقَشُّفِ، وَالْحَجِّ الْكَثِيرِ، وَالْعِبَادَةِ. قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ: كَانَ الْأَسْوَدُ يَجْتَهِدُ فِي الْعِبَادَةِ، يَصُومُ حَتَّى يَصْفَرَّ جَسَدُهُ وَيَخْضَرَّ، فَكَانَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ يَقُولُ لَهُ: لِمَ تُعَذِّبُ هَذَا الْجَسَدَ هَذَا الْعَذَابَ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ الْأَمْرَ جِدٌّ، وَكَرَامَةَ هَذَا الْجَسَدِ أُرِيدُ، فَلَمَّا احْتُضِرَ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذَا الْجَزَعُ؟ فَقَالَ: وَمَالِي لَا أَجْزَعُ، وَمَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي؟ وَاللَّهِ لَوْ أُتِيتُ بِالْمَغْفِرَةِ مِنَ اللَّهِ لَهَمَّنِي الْحَيَاءُ مِنْهُ مِمَّا صَنَعْتُ، إِنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجُلِ الذَّنْبُ الْعَظِيمُ، فَيَعْفُو، فَلَا يَزَالُ مُسْتَحْيِيًا مِنْهُ حَتَّى يَمُوتَ. وَلَقَدْ حَجَّ ثَمَانِينَ حَجَّةٍ. وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: كَانَ الْأَسْوَدُ يَحُجُّ عَلَى نَاقَتِهِ تَعْتَلِفُ مِنَ الْبَرِيَّةِ، وَيَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا حَتَّى يَرْجِعَ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ , مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، كَانَتْ أَمُّ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مَلِيكَةُ بِنْتُ قَيْسٍ عَمَّةُ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ. سُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، فَقَالَ: كَانَ صَوَّامًا، قَوَّامًا، حَجَّاجًا، أَهْلُ بَيْتٍ خُلِقُوا لِلْجَنَّةِ عَلْقَمَةُ , وَالْأَسْوَدُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ. قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ: انْتَهَى الزُّهْدُ إِلَى ثَمَانِيَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمُ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 ذِكْرُ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنْيَتُهُ أَبُو وَاثِلَةَ كَانَ قَاضِيَ الْبَصْرَةِ قِيلَ لِإيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: فِيكَ أَرْبَعُ خِصَالٍ: ذِمَامَةٌ، وَكَثْرَةُ كَلَامٍ، وَإِعْجَابٌ بِنَفْسِكَ، وَتَعْجِيلٌ بِالْقَضَاءِ، فَقَالَ: أَمَّا الذِّمَامَةُ، فَالْأَمْرُ فِيهَا إِلَى غَيْرِي، وَأَمَّا كَثْرَةُ الْكَلَامِ، فَبِصَوَابٍ أَتَكَلَّمُ أَمْ بِخَطَأٍ؟ قَالُوا: بَلْ بِصَوَابٍ. قَالَ: فَالْإِكْثَارُ مِنَ الصَّوَابِ أَمْثَلُ، وَأَمَّا إِعْجَابِي بِنَفْسِي أَفَيُعْجِبُكُمْ مَا تَرَوْنَ مِنِّي؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أَحَقُّ أَنْ أَعْجَبَ بِنَفْسِي، وَأَمَّا تَعْجِيلِيَ الْقَضَاءَ، فَكَمْ هَذَا؟ وَأَشَارَ بِيَدِهِ خَمْسَةً، فَقَالُوا: خَمْسَةٌ، قَالَ: عَجَّلْتُمْ أَلَا قُلْتُمْ: وَاحِدٌ، وَاثْنَانِ، وَثَلَاثَةٌ، وَأَرْبَعَةٌ، وَخَمْسَةٌ؟ قَالُوا: مَا نَعُدُّ شَيْئًا قَدْ عَرَفْنَاهُ، قَالَ: فَمَا أَحْبِسُ شَيْئًا قَدْ تَبَيَّنَ لِي مِنْهُ الْحُكْمُ. وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ هِنْدٍ قَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: مَنْ لَمْ يَعْرِفْ عَيْبَهُ فَهُوَ أَحْمَقٌ، قِيلَ: يَا أَبَا وَاثِلَةَ، فَمَا عَيْبُكَ؟ قَالَ: كَثْرَةُ الْكَلَامِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 691 قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: يُرْوَى أَنَّ لِلَّهِ فِي كُلِّ رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ رَجُلًا تَامَّ الْعَقْلِ، فَكَانُوا يَرَوْنَ إِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ مِنْهُمْ. قَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: أُكَلِّمُ النَّاسَ بِنِصْفِ عَقْلِي، فَإِذَا اخْتَصَمَ إِلَيَّ اثْنَانِ جَمَعْتُ عَقْلِي كُلَّهُ. وَقَالَ: مَا كَلَّمْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ بِعَقْلِي كُلِّهِ إِلَّا الْقَدَرِيَّةَ، فَإِنِّي قُلْتُ لَهُمْ: مَا الظُّلْمُ فِيكُمْ؟ قَالُوا: أَنْ يَأْخُذَ الْإِنْسَانُ مَا لَيْسَ لَهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ شَيْءٍ. وَمِنْ كَلَامِ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ , قَالَ: أَفْضَلُ النَّاسِ أَسْلَمُهُمْ صَدْرًا، وَأَقَلُّهُمْ غِيبَةً. ذِكْرُ الْأَسْوَدِ بْنِ كُلْثُومٍ بَصْرِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ: كَانَ مِنَّا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْأَسْوَدُ بْنُ كُلْثُومٍ، وَكَانَ إِذَا مَشَى لَا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ قَدَمَيْهِ، فَكَانَ يَمُرُّ بِالنِّسْوَةِ، وَلَعَلَّ إِحْدَاهُنَّ أَنْ تَكُونَ وَاضِعَةً ثَوْبَهَا أَوْ خِمَارَهَا، فَإِذَا رَأَيْنَهُ رَاعَهُنَّ ثُمَّ يَقُلْنَ: كَلَّا إِنَّهُ الْأَسْوَدُ بْنُ كُلْثُومٍ. فَخَرَجَ يَوْمًا غَازِيًا فِي خَيْلٍ، فَدَخَلُوا حَائِطًا فَبَدَّدَ بِهِمُ الْعَدُوُّ، فَجَاءُوا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 692 فَأَخَذُوا بِثُلْمَةِ الْحَائِطِ، فَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ، فَضَرَبَهَا حَتَّى عَارَتْ، وَأَتَى الْمَاءَ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى وَتَقَدَّمَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ نَفْسِي هَذِهِ تَزْعُمُ فِي الرَّخَاءِ أَنَّهَا تُحِبُّ لِقَاءَكَ، فَإِنْ كَانَتْ صَادِقَةً فَارْزُقْهَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ كَارِهَةً فَاحْمِلْهَا عَلَيْهِ , وَأَطْعِمْ لَحْمِي سِبَاعًا وَطَيْرًا، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ , ثُمَّ مَرَّ أَعْظَمُ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ ذَلِكَ بِذَلِكَ الْحَائِطِ، فَقِيلَ لِأَخِي الْأَسْوَدِ لَوْ دَخَلْتَ فَنَظَرْتَ مَا بَقِيَ مِنْ عِظَامِ أَخِيكَ وَلَحْمِهِ، قَالَ: لَا، دَعَا أَخِي بِدُعَاءٍ فَاسْتُجِيبَ لَهُ، فَلَسْتُ أُعْرِضُ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: الْأَسْوَدُ بْنُ كُلْثُومٍ يَرْوِي الْمَرَاسِيلَ. ذِكْرُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ التَّيْمِيِّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ. كُنْيَتُهُ: أَبُو أَسْمَاءَ، كَانَ عَابِدًا صَابِرًا عَلَى الْجُوعِ الدَّائِمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 693 قِيلَ: مَاتَ فِي حَبْسِ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ بِوَاسِطٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ، وَكَانَ قَدْ طَرَحَ عَلَيْهِ الْكِلَابَ لِتَنْهَشَهُ. وَمِنْ كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ: إِنَّ الرَّجُلَ لِيَظْلِمُنِي فَأَرْحَمُهُ. وَقَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي وَرَدْتُ عَلَى نَهْرٍ، فَقِيلَ لِي: اشْرَبْ وَاسْقِ مَنْ شِئْتَ بِمَا صَبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَاظِمِينَ. وَقَالَ الْأَعْمَشُ قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَمْكُثُ شَهْرًا لَا تَأْكُلَ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَشَهْرَيْنِ، ما أكلت منذ أربعين ليلة إلا حبة عنب ناولنيها أهلي، فأكلتها، ثم لفظتها. وقال إبراهيم إذا رأيت الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولى، فاغسل يدك منه. وقال ينبغي لمن لم يحزن أَنْ يَخَافَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، لِأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ، قَالُوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر: 34] . وَيَنْبَغِي لِمَنْ لَا يُشْفِقُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور: 26] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 694 وَقَالَ: أَعْظَمُ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يُحَدِّثَ الْعَبْدُ بِمَا يَسْتُرُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي بِكِتَابِكَ وَسُنَّةِ نَبِيِّكَ مِنَ اخْتِلَافٍ فِي الْحَقِّ وَمِنَ اتِّبَاعِ الْهَوَى بِغَيْرِ هُدًى مِنْكَ، وَمِنْ سُبُلِ الضَّلَالَةِ، وَمِنْ شُبُهَاتِ الْأُمُورِ، وَمِنَ الزَّيْغِ، وَاللَّبْسِ، وَالْخُصُومَاتِ. وَكَانَ يَقُولُ: سُبْحَانَ مَنْ قَطَّعَ مِنَ النِّيرَانِ ثِيَابًا يَعْنِي قَوْلَهُ: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج: 19] . وَقَالَ: مَا أَكَلَ آكِلٌ أَكْلَةً بِشَرَهٍ، وَلَا شَرِبَ شَرْبَةً بِشَرَهٍ، إِلَّا نَقَصَ بِهَا مِنْ حَظِّهِ فِي الْآخِرَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 695 ذِكْرُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ: أَبُو عِمْرَانَ، سَمِعَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ. مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وَتِسْعِينَ، وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بَعْدَ مَوْتِ الْحَجَّاجِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. وَكَانَتْ أُمُّهُ أُخْتَ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، وَهِيَ عَمَّةُ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ. قَالَ الْأَعْمَشُ: مَا عَرَضْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ حَدِيثًا قَطُّ إِلَّا وَجَدْتُ عِنْدَهُ مِنْهُ شَيْئًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 قَالَ زُبَيْدٌ: مَا سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا وَجَدْتُ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَصْحَابُ الرَّأْيِ أَعْدَاءُ السُّنَنِ. وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ: لَمَّا ظَهَرَتِ الْمَقَالَاتُ بِالْكُوفَةِ أَتَيْتُ إِبْرَاهِيمَ، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَوَّهُ رَقَّقُوا قَوْلًا وَاخْتَرَعُوا دِينًا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ، لَيْسَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ، لَقَدْ تَرَكُوا دِينَ مُحَمَّدٍ، فَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُمْ. وَقَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ تَكَلَّمْتُ، وَإِنَّ زَمَانًا صِرْتُ فِيهِ فَقِيهَ الْكُوفَةِ زَمَانُ سُوءٍ. وَقَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُصَغَّرَ الْمُصْحَفُ. وَقَالَ: عَظِّمُوا كِتَابَ اللهِ. وَقَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ شِدَّةَ النَّزْعِ لِلسَّيِّئَةِ قَدْ عَمِلَهَا لِيَكُونَ بِهَا، وَيَكْرَهُونَ التَّلَوُّنَ فِي الدِّينِ. وَقَالَ: مَنِ ابْتَغَى شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ يَبْتَغِي بِهِ اللَّهَ آتَاهُ اللَّهُ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 697 وَقَالَ: مَا قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: 54] . إِلَّا ذَكَرْتُ بَرْدَ الشَّرَابِ. وَقَالَ: إِذَا قَرَأَ الرَّجُلُ الْقُرْآنَ نَهَارًا صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِذَا قَرَأَهُ لَيْلًا صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُصْبِحَ، وَإِذَا قَالَ حِينَ يُصْبِحُ «أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» عَشْرَ مَرَّاتٍ أُجِيرَ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَى أَنْ يُمْسِيَ، وَإِذَا قَالَ مُمْسِيًا أُجِيرَ حَتَّى يُصْبِحَ. ذِكْرُ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ أَيُّوبُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ، وَاسْمُ أَبِي تَمِيمَةَ: كَيْسَانُ، مِنْ نُسَّاكِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. قَالَ الْحَسَنُ: سَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَيُّوبُ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ: حَجَّ أَيُّوبُ أَرْبَعِينَ حَجَّةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 698 وَقَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ يَزِيدَ: كُنْتُ مَعَ أيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَلَى حِرَاءٍ، فَعَطِشْتُ عَطَشًا شَدِيدًا حَتَّى رَأَى ذَلِكَ فِي وَجْهِي، فَقَالَ: مَا الَّذِي أَرَى بِكَ؟ قُلْتُ: الْعَطَشَ قَدْ خِفْتُ عَلَى نَفْسِي. قَالَ: تَسْتُرُ عَلَيَّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَاسْتَحْلَفَنِي، فَحَلَفْتُ لَهُ أَنْ لَا أُخْبِرَ عَنْهُ مَادَامَ حَيًّا، فَغَمَزَ بِرِجْلِهِ عَلَى حِرَاءٍ فَنَبَعَ الْمَاءُ فَشَرِبْتُ، حَتَّى رُوِيتُ وَحَمَلْتُ مَعِي مِنَ الْمَاءِ، فَمَا حَدَّثْتُ بِهِ حَتَّى مَاتَ. وَمِنْ كَلَامِ أَيُّوبَ , قَالَ: لَا يَسُودُ الْعَبْدُ حَتَّى تَكُونَ فِيهِ خَصْلَتَانِ: الْيَأْسُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَالتَّغَافُلُ عَمَّا يَكُونُ مِنْهُمْ. وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ لِأَيُّوبَ: أُكَلِّمُكَ بِكَلِمَةٍ؟ قَالَ: وَلَا نِصْفِ كَلِمَةٍ. وَقَالَ: مَا ازْدَادَ صَاحِبُ بِدْعَةٍ اجْتِهَادًا إِلَّا ازْدَادَ مِنَ اللَّهِ بُعْدًا. وَقَالَ: يَبْلُغُنِي مَوْتُ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فَكَأَنَّمَا يَسْقُطُ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِي. وَقَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي أُفْلِتُ مِنَ الْحَدِيثِ كَفَافًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 699 وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: كَانَ أَيُّوبُ صَدِيقًا لِيَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ، فَلَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْسِهِ ذِكْرِي. وَقَالَ: جَالَسْتُ الْحَسَنَ أَرْبَعَ سِنِينَ فَمَا سَأَلْتُهُ هَيْبَةً لَهُ. وَقَالَ: إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا تُرِيدَ، فَأَرِدْ مَا يَكُونُ. ذِكْرُ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ: أَبْو بَحْرٍ مِنْ عُقَلَاءِ النَّاسِ وَفُصَائِحِهِمْ، مِنْ وُجُوهِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، مَاتَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ فِي إِمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَصَلَّى عَلَيْهِ مُصْعَبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 بْنُ الزُّبَيْرِ، وَمَشَى فِي جِنَازَتِهِ بِلَا رِدَاءٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: قَالَ مُعَاوِيَةُ لِلْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ: بِمَ سُدْتَ قَوْمَكَ؟ قَالَ: لَا أَتَكَلَّفُ مَا كُفِيتُ، وَلَا أُضَيِّعُ مَا وُلِّيتُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: قِيلَ لِلْأَحْنَفِ: بِمَ سُدْتَ قَوْمَكَ؟ قَالَ: لَوْ عَابَ النَّاسُ الْمَاءَ مَا شَرِبْتُهُ. وَقِيلَ لِلْأَحْنَفِ: مَالَكَ لَا تَمَسُّ الْحَصَا؟ قَالَ: مَا فِي مَسِّهِ أَجْرٌ , وَلَا فِي تَرْكِهِ وِزْرٌ. وَقَالَ: إِنَّ فِيَّ لَخَلَّتَيْنِ لَا أَغْتَابُ جَلِيسًا إِذَا قَامَ مِنْ عِنْدِي، وَلَا أَدْخُلُ فِي أَمْرِ قَوْمٍ لَمْ يُدْخِلُونِي مَعَهُمْ فِيهِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: عَاشَتْ بَنُو تَمِيمٍ بِحُكْمِ الْأَحْنَفِ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ: سَأَلَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، كَيْفَ سَادَكُمِ الْأَحْنَفُ وَلَيْسَ بِأَشْرَفِكُمْ، وَلَا أَكْثَرِكُمْ مَالًا؟ قُلْتُ: إِنْ شِئْتَ فِي ثَلَاثٍ، وَإِنْ شِئْتَ فِي خَصْلَتَيْنِ، وَإِنْ شِئْتَ فِي وَاحِدَةٍ. قَالَ: فِي ثَلَاثٍ، قُلْتُ: كَانَ لَا يَحْسُدُ، وَلَا يَحْرِصُ، وَلَا يَدْفَعُ الْحَقَّ إِذَا وَجَبَ. قَالَ: فِي ثِنْتَيْنِ، قُلْتُ: كَانَ يُلْقِي الْخَيْرَ , وَيُوَقِّي الشَّرَّ. قَالَ: فِي وَاحِدَةٍ، قُلْتُ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 لَهُ مِنَ السُّلْطَانِ عَلَى نَفْسِهِ مَا كَانَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ: أَجْمَلْتَ. وَرُوِيَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ مَنْصُورٍ , قَالَ: كَانَ عَامَّةُ صَلَاةِ الْأَحْنَفِ بِاللَّيْلِ , وَكَانَ يَضَعُ السِّرَاجَ قَرِيبًا مِنْهُ، فَرُبَّمَا وَضَعَ إِصْبَعَهُ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ: حِسَّ يَا أَحْنَفُ , مَا حَمَلَكَ يَوْمَ كَذَا عَلَى أَنْ فَعَلْتَ كَذَا. وَقَالَ مُغِيرَةُ: اشْتَكَى ابْنُ أَخِي الْأَحْنَفِ إِلَيْهِ وَجَعَ ضِرْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ ذَهَبَتْ عَيْنَيْ مُنْذَ عِشْرِينَ سَنَةً مَا ذَكَرْتُهَا لِأَحَدٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: لَمْ تُرَ الْخَيْلُ الْبُلْقُ بَعْدَ وَقْعَةِ الْأَحْنَفِ بِخُرَاسَانَ مَعَ الْهَيَاطِلَةِ مِنَ التُّرْكِ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ: إنَّ عَلَى كُلِّ رَئيسٍ حَقًّا أنْ يُخْضِبَ الصَّعْدَةَ أَوْ تَنْدَقَّا وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَيْمَنَةِ رَجُلًا يَقْرَأُ: الْبَقَرَةَ. وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ رَجُلًا يَقْرَأُ: آلَ عِمْرَانَ. وَهُوَ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَهُمْ فِي ثَلاثِ مِائَةِ أَلْفٍ، فَنَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 702 وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: شَتَمَ رَجُلٌ الْأَحْنَفَ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ الْأَحْنَفُ: سَتَرَ اللَّهُ الْأَكْثَرَ. وَقِيلَ لِلْأَحْنَفِ: لَئِنْ قُلْتَ وَاحِدَةً لَتَسْمَعَنَّ عَشْرًا، قَالَ الْأَحْنَفُ: لَكِنَّكَ لَوْ قُلْتَ عَشْرًا لَا تَسْمَعُ وَاحِدَةً.. ذِكْرُ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّبَعِيِّ الْبَصْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ: أَبُو الْجَوْزَاءِ قَالَ: لَأَنْ أُجَالِسَ الْقِرَدَةَ، وَالْخَنَازِيرَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُجَالِسَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ. وَقَالَ: مَا لَعَنْتُ شَيْئًا قَطُّ، وَلَا أَكَلْتُ شَيْئًا لَعَنَهُ إِنْسَانٌ قَطُّ، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 703 آذَيْتُ أَحَدًا قَطُّ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ عَابِدًا فَاضِلًا، كَانَ يُوَاصِلُ أَيَّامًا، ثُمَّ يَأْخُذُ عَلَى يَدِ الشَّابِّ فَيَكَادُ يُحَطِّمُهَا. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ: إِنَّ أَبَا الْجَوْزَاءِ لَمْ يَكْذِبْ قَطُّ. وَقَالَ: جَاوَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً فِي دَارِهِ وَمَا مِنَ الْقُرْآنِ آيَةٌ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهَا. وَقَالَ: نَقْلُ الْحِجَارَةِ عَلَى الْمُنَافِقِ أَهْوَنُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ لِيَأزَمْ بِالْقَلْبِ حَتَّى مَا يَسْتطِيعَ صَاحِبُهُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ عَامَّةً إِلَّا حَالِفًا، وَمَالَهُ فِي الْقَلْبِ طَرْدٌ إِلَّا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [الإسراء: 46] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 704 بَابُ الْبَاءِ ذِكْرُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بَصْرِيٌّ، كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لَنَا مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِكَ لَا تُعَذِّبْنَا بَعْدَهَا أَبَدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمِنْ فَضْلِكَ الْوَاسِعِ رِزْقًا حَلَالًا طَيِّبًا , لَا تُفْقِرُنَا بَعْدَهُ إِلَى أَحَدٍ سِوَاكَ أَبَدًا , تُزِيدُنَا بِهِمَا شُكْرًا وَإِلَيْكَ فَاقَةً وَفَقْرًا، وَبِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ غِنًى وَتَعَفُّفًا. وَقَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: مَنْ مِثْلُكَ يَابْنَ آدَمَ، خَلِّي بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْمَاءِ وَالْمِحْرَابِ، تَدْخُلُ إِذَا شِئْتَ عَلَى رَبِّكَ لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلَا تُرْجُمَانٌ. وَقَالَ: إِنَّمَا طِيبُ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا الْمَاءُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 705 قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَابِدًا فَاضِلًا مُجَابَ الدَّعْوَةِ. وَمِنْ كَلَامِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: إِنْ عَرَضَ لَكَ إِبْلِيسُ بِأَنَّ لَكَ فَضْلًا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَانْظُرْ، فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ مِنْكَ فَقُلْ: سَبَقَنِي بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْكَ فَقُلْ: سَبَقْتُ هَذَا بِالْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ وَاسْتَوجَبْتُ الْعُقُوبَةَ فَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي. وَفِي رِوَايَةٍ: ارْتَكَبْتُ مِنَ الذُّنُوبِ أَكْثَرَ مِمَّا ارْتَكَبَ فَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي. وَإِنْ رَأَيْتَ إِخْوَانَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُكْرِمُونَكَ وَيَصِلُونَكَ وَيُعَظِّمُونَكَ فَقُلْ: هَذَا فَضْلٌ أَخَذُوا بِهِ، فَإِذَا رَأَيْتَ مِنْهُمْ جَفَاءً وَانْقِبَاضًا فَقُلْ: هَذَا ذَنْبٌ أَحْدَثْتُهُ. وَكَانَ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِأَمْرٍ إِنْ أَصَبْتُمْ أُجِرْتُمْ، وَإِنْ أَخْطَأْتُمْ لَمْ تَأْثَمُوا وَهُوَ: حُسْنُ الظَّنِّ بِالنَّاسِ، وَإِيَّاكُمْ وَكُلَّ أَمْرٍ إِنْ أَصَبْتُمْ لَمْ تُؤْجَرُوا وَإِنْ أَخْطَأْتُمْ أَثِمْتُمْ. وَقَالَ بَكْرٌ: إِنَّ اللَّهَ لِيُجَرِّعُ الْعَبْدَ الْمَرَارَةَ لِمَا يُرِيدُ فِيهِ مِنْ صَلَاحِ عَاقِبَتِهِ، أَمَا رَأَيْتُمُ الْمَرْأَةَ تُجَرِّعُ وَلَدَهَا الصَّبْرَ أَوِ الْحَضَضَ تُرِيدُ عَافِيَتَهُ. وَقَالَ بَكْرٌ: إِنَّكُمْ تُكْثِرُونَ مِنَ الذُّنُوبِ فَاسْتَكْثِرُوا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ بَيْنَ سَطْرَيْنِ اسْتِغْفَارًا سَرَّهُ مَكَانُ ذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 706 وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا رَزَقَهُ اللَّهُ قُوَّةً فَاسْتَعْمَلَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، أَوْ قَصَّرَ بِهِ ضَعْفٌ فَلَمْ يُعْمِلْهَا فِي مَعَاصِي اللَّهِ. ذِكْرُ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ الْعُقَيْلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. قَالَ بُدَيْلٌ: الصِّيَامُ مَعْقَلُ الْعَابِدِينَ. وَقَالَ: مَنْ أَرَادَ بِعِلْمِهِ وَجْهَ اللَّهِ أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ وَأَقْبَلَ بِقُلُوبِ الْعِبَادِ عَلَيْهِ، وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِ اللَّهِ صَرَفَ اللَّهُ عَنْهُ وَجْهَهُ وَصَرَفَ بِقُلُوبِ الْعِبَادِ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 707 ذِكْرُ بَكْرِ بْنِ قَيْسٍ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، يَرْوِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمِائَةٍ. قَالَ أَبُو الصِّدِّيقِ النَّاجِيُّ: خَرَجَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَسْتَسْقِي فَمَرَّ بِنَمْلَةٍ مُسْتَلْقِيَةٍ عَلَى ظَهْرِهَا رَافِعَةٍ قَوَائِمَهَا إِلَى السَّمَاءِ , وَهِيَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ لَيْسَ بِنَا غِنًى عَنْ سُقْيَاكَ وَرِزْقِكَ، فإما أَنْ تَسْقِيَنَا وَتَرْزُقَنَا، وَإِمَّا أَنْ تُهْلِكَنَا، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: ارْجِعُوا، فَقَدْ سُقِيتُمْ بِدَعْوَةِ غَيْرِكُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 708 ذِكْرُ بِلَالِ بْنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ قَاضِيًا بِدِمَشْقَ، قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: أَوَّلُ مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِدِمَشْقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ , ثَمَّ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، ثُمَّ بِلَالُ بْنُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ عَزَلَ بِلَالًا وَوَلَّى أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيَّ. رَوَى عَنْهُ أَهْلُ الشَّامِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 ذِكْرُ بِلَالِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَمِيمٍ السُّكُونِيِّ الشَّامِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ لِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، وَكَانَ عَابِدًا زَاهِدًا يَقُصُّ فِي وِلايَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُثْمَانَ الْإِبْرَيْسَمِيُّ , أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ , أَخْبَرَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ سَعْدٍ , يَقُولُ: «زَاهِدُكُمْ رَاغِبٌ، وَعَالِمُكُمْ جَاهِلٌ، وَجَاهِلُكُمْ مُغْتَرٌّ» . قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: كَانَ بِلَالُ بْنُ سَعْدٍ مِنَ الْعِبَادَةِ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يُسْمَعْ بِأَحَدٍ قَوِيَ عَلَيْهِ، كَانَ لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ اغْتِسَالٌ وَقَالَ: مَا أَتَى عَلَيْهِ زَوَالٌ قَطُّ إِلَّا وَهُوَ فِيهِ قَائِمٌ يُصَلِّي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 710 قَالَ: وَأَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ , أَخْبَرَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: قَالَ بِلَالُ بْنُ سَعْدٍ " الذِّكْرُ ذِكْرَانِ، ذِكْرُ اللَّهِ بِاللِّسَانِ حَسَنٌ جَمِيلٌ، وَذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَمَا أَحَلَّ وَحَرَّمَ أَفْضَلُ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ مُسْلِمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ بِلَالَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: " رُبَّ مَسْرُورٍ مَغْبُونٍ، وَرُبَّ مَغْبُونٍ لَا يَشْعُرُ، فَالْوَيْلُ لِمَنْ لَهُ الْوَيْلُ وَلَا يَشْعُرُ، يَأْكُلُ، وَيَشْرَبُ، وَيَضْحَكُ وَقَدْ حَقَّ عَلَيْهِ فِي قَضَاءِ اللَّهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيَا وَيْلٌ لَكَ رُوحًا، وَيَا وَيْلٌ لَكَ جَسَدًا، فَلْتَبْكِ وَلْتَبْكِ عَلَيْكَ الْبَوَاكِي طُولَ الْأَبَدِ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ , أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ سَعْدٍ , يَقُولُ: " عِبَادُ الرَّحْمَنِ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ فِي أَيَّامٍ قِصَارٍ لِأَيَّامٍ طِوَالٍ وَفِي دَارِ زَوَالٍ لِدَارِ إِقَامَةٍ، وَفِي دَارِ تَعَبٍ وَحَزَنٍ لِدَارِ نَعِيمٍ وَخُلْدٍ وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ عَلَى الْيَقِينِ فَلَا يَتَعَنَّ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ , أَخْبَرَنِي جَدِّي الضَّحَّاكُ , سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ سَعْدٍ , يَقُولُ: " عِبَادَ الرَّحْمَنِ هَلْ جَاءَكُمْ مُخْبِرٌ يُخْبِرُكُمْ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِكُمْ تُقُبِّلَتْ مِنْكُمْ أَوْ شَيْئًا مِنْ خَطَايَاكُمْ غُفِرَتْ لَكُمْ: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] . وَاللَّهِ لَوْ عُجِّلَ لَكُمُ الثَّوَابُ فِي الدُّنْيَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 711 لِاسْتَقْلَلْتُمْ مَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، أَفَتَرْغَبُونَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ لِتَعْجِيلَ دَرَاهِمَ، وَلَا تَرْغَبُونَ وَتَنَافَسُونَ فِي جَنَّةٍ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ قَالَ: وَسَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ سَعْدٍ , يَقُولُ: " عِبَادَ الرَّحْمَنِ يُقَالُ لِأَحَدِنَا: تُحِبُّ تَمُوتُ؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيُقَالُ لَهُ: لِمَ؟ فَيَقُولُ: حَتَّى أَعْمَلَ، فَيُقَالُ لَهُ: اعْمَلْ، فَيَقُولُ: سَوْفَ، فَلَا يُحِبُّ أَنْ يَمُوتَ وَلَا يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ، وَأَحَبُّ شَيْءٍ إِلَيْهِ أَنْ يُؤَخِّرَ عَمَلَ اللَّهِ، وَلَا يُحِبُّ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ حِرْصُ دُنْيَاهُ وَقِيلَ: وَسَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ سَعْدٍ , يَقُولُ: " عِبَادَ الرَّحْمَنِ أَمَّا مَا وَكَّلَكُمُ اللَّهُ بِهِ فَتُضَيِّعُونَ، وَأَمَّا مَا تَكَفَّلَ اللَّهُ لَكُمْ بِهِ فَتَطْلُبُونَ، مَا هَكَذَا نَعَتَ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ ذَوِي عُقُولٍ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا، وَبُلْهٍ عَمَّا خُلِقْتُمْ لَهُ، فَكَمَا تَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ بِمَا تُؤَدُّونَ مِنْ طَاعَتِهِ، فَكَذَلِكَ أَشْفِقُوا مِنْ عِقَابِ اللَّهِ بِمَا تَنْتَهِكُونُ مِنْ مَعَاصِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ سَعْدٍ , يَقُولُ: " عِبَادَ الرَّحْمَنِ، أَرْبَعُ خِصَالٍ جَارِيَاتٌ عَلَيْكُمْ مِنَ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ ظُلْمِكُمْ أَنْفُسَكُمْ وَخَطَايَاكُمْ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 712 أَمَّا رِزْقُهُ فَدَارٌّ عَلَيْكُمْ، وَأَمَّا رَحْمَتُهُ فَغَيْرُ مَحْجُوبَةٍ عَنْكُمْ، وَأَمَّا سِتْرُهُ فَسَابِغٌ عَلَيْكُمْ، وَأَمَّا عِقَابُكُمْ فَلَمْ يُعَجَّلْ لَكُمْ، ثُمَّ أَنْتُمْ عَلَى ذَلِكَ تَجْتَرِئُونُ عَلَى إِلَاهِكُمْ، أَنْتُمِ الْيَوْمَ تُكَلِّمُونَ وَاللَّهُ سَاكِتٌ، وَيُوشِكُ اللَّهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَتَسْكُتُونَ، ثُمَّ يَثُورُ مِنْ أَعْمَالِكُمْ دُخَانٌ تَسْوَدُّ مِنْهُ الْوُجُوهُ: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281] ذِكْرُ بِشْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُحْتَضِرِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْوِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَكَانَ وَالِيَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى السُّوسِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 713 بَابُ التَّاءِ ذِكْرُ تَمَّامِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ هُوَ ابْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ، رَوَى عَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ تَمَّامٍ. ذِكْرُ تَبِيعٍ الْحِمْيَرِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ عِدَادُهُ فِي أَهْلِ مِصْرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 714 ذِكْرُ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بَصْرِيٌّ، يَرْوِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَابُ الثَّاءِ ذِكْرُ ثَابِتِ بْنِ أَسْلَمَ الْبُنَانِيِّ بَصْرِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحِبَ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَكَانَ مِنْ أَعْبَدِ أَهْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 715 الْبَصْرَةِ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً. قَالَ شُعْبَةُ: كَانَ ثَابِتٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَيَصُومُ الدَّهْرَ. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ ثَابِتًا: مَا تَرَكْتُ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ سَارِيَةً إِلَّا وَقَدْ خَتَمْتُ الْقُرْآنَ عِنْدَهَا، وَبَكَيْتُ عِنْدَهَا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الصُّمَّةِ حَدَّثَنِي الَّذِينَ كَانُوا يَمُرُّونَ بِالْجَصِّ مِنَ الْأَسْحَارِ قَالُوا: إِذَا مَرَرْنَا بِجَنَبَاتِ قَبْرِ ثَابِتٍ سَمِعْنَا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ. وَقَالَ ثَابِتٌ: الصَّلَاةُ خِدَمَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، لَوْ عَلِمَ اللَّهُ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنَ الصَّلَاةِ مَا قَالَ: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران: 39] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 716 وَقَالَ: كَابَدْتُ الصَّلَاةَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَتَنَعَّمْتُ بِهَا عِشْرِينَ سَنَةً، وَقَالَ أَنَسٌ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ لِلْخَيْرِ مَفَاتِيحَ، وَإِنَّ ثَابِتًا مِفْتَاحٌ مِنْ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ. وَقَالَ ثَابِتٌ لِحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ: هَلْ بَلَغَكَ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ أَنَّ أَحَدًا يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ ثَابِتٌ: اللَّهُمَّ إِنْ أَذِنْتَ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ فَأْذَنْ لِثَابِتٍ أَنْ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ. قَالَ جِسْرٌ أَنَا وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَدْخَلْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ لَحْدَهُ وَمَعِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، فَلَمَّا سَوَّيْنَا عَلَيْهِ اللَّبِنَ سَقَطَتْ لَبِنَةٌ، فَإِذَا أَنَا بِهِ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، فَقُلْتُ لِحُمَيْدٍ: أَلَا تَرَى؟ قَالَ: اسْكُتْ، فَلَمَّا فَرَغْنَا أَتَيْنَا ابْنَتَهُ، فَقُلْنَا: مَا كَانَ عَمَلُ ثَابِتٍ؟ قَالَتْ: وَمَا رَأَيْتُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهَا، فَقَالَتْ: كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ خَمْسِينَ سَنَةً، فَإِذَا كَانَ السَّحَرُ قَالَ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَعْطَيْتَ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ الصَّلَاةَ فِي قَبْرِهِ فَأَعْطِنِيهَا، فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَرُدَّ ذَلِكَ الدُّعَاءَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 717 وَمِنْ كَلَامِ ثَابِتٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَا يُسَمَّى عَابِدٌ عَابِدًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ كُلُّ خِصْلَةٍ خَيِّرَةٍ حَتَّى تَكُونَ فِيهِ هَاتَانِ الْخَصْلَتَانِ: الصَّوْمُ , وَالصَّلَاةُ، لِأَنَّهُمَا مِنْ لَحْمِهِ وَدَمِهِ. وَقَالَ حَرَمِيٌّ: اسْتَعَانَ رَجُلٌ بِثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَلَى الْقَاضِي فِي حَاجَةٍ فَجَعَلَ لَا يَمُرُّ بِمَسْجِدٍ إِلَّا نَزَلَ فَصَلَّى حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْقَاضِي، فَكَلَّمَهُ فِي حَاجَةِ الرَّجُلِ، فَقَضَاهَا، فَأَقْبَلَ ثَابِتٌ عَلَى الرَّجُلِ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ شَقَّ عَلَيْكَ مَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَا صَلَّيْتُ صَلَاةً إِلَّا طَلَبْتُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي حَاجَتِكَ. وَقَالَ فِي دُعَائِهِ: يَا بَاعِثُ يَا وَارِثُ، لَا تَدَعْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ. وَقَالَ: مَا عَلَى أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَاعَةٍ فَيَرْبَحَ يَوْمَهُ. وَقَالَ: طُوبَى لِمَنْ ذَكَرَ سَاعَةَ الْمَوْتِ، وَمَا أَكْثَرُ عَبْدٌ ذَكَرَ الْمَوْتَ إِلَّا رُئِيَ ذَلِكَ فِي عَمَلِهِ. وَقَالَ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ سَاعَةً لَا يَأْتِي عَلَى ذِي رُوحٍ إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 718 وَمَلَكُ الْمَوْتِ قَائِمٌ عَلَيْهَا، فَإِنْ أُمِرَ بِقَبْضِهَا قَبَضَهَا وَإِلَّا ذَهَبَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْبُنَانِيُّ: ذَهَبْتُ أُلَقِّنُ أَبِي وَهُوَ فِي الْمَوْتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ دَعْنِي فَإِنِّي فِي وِرْدِي السَّادِسِ أَوْ قَالَ السَّابِعِ. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: اشْتَكَى ثَابِتٌ عَيْنَهُ مِنْ كَثْرَةِ بُكَائِهِ حَتَّى كَادَتْ تَذْهَبُ فَجَاءُوا بِالطَّبِيبِ يُعَالِجُهَا , فَقَالَ: اضْمَنْ لِي خِصْلَةً تَبْرَأُ عَيْنُكَ، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: لَا تَبْكِ، قَالَ: وَمَا خَيْرٌ فِي عَيْنٍ لَا تَبْكِي، وَأَبَى أَنْ يُعَالَجَ. وَقَالَ لَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أَشْبَهَ عَيْنَكَ بِعَيْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا زَالَ يَبْكِي حَتَّى عَمَشَتْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 719 فَصْلٌ قَالَ ثَابِتٌ: كَانَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُطِيلُ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَقُولُ: إِلَيْكَ رَفَعْتُ رَأْسِي يَا عَامِرَ السَّمَاءِ، نَظَرَ الْعَبِيدِ إِلَى أَرْبَابِهَا. قَالَ: وَكَانَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَزَّأَ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَى أَهْلِهِ، فَلَمْ تَكُنْ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِلَّا وَإِنْسَانٌ مِنْ آلِ دَاوُدَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَعَمَّهُمُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] . قَالَ: وَكَانَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا ذَكَرَ عِقَابَ اللَّهِ تَخَلَّعَتْ أَوْصَالُهُ لَا يَشُدُّهَا إِلَّا الْأُنْسُ فَإِذَا ذَكَرَ رَحْمَةَ اللَّهِ تَرَاجَعَتْ. وَعَنْ ثَابِتٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْعُبَّادِ أَنَّهُ , قَالَ: " إِنِّي لَأَعْلَمُ حِينَ يَذْكُرُنِي رَبِّي، قَالَ إِخْوَانُهُ: وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: إِذَا ذَكَرْتُهُ ذَكَرَنِي، قَالَ: وَأَعْلَمُ مَتَى يَسْتَجِيبُ لِي، قَالُوا: كَيْفَ تَعْلَمُ؟ قَالَ: إِذَا وَجِعَ قَلْبِي وَاقْشَعَرَّ جِلْدِي وَفَاضَتْ عَيْنَيَّ وَفُتِحَ لِي فِي الدُّعَاءِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 720 بَابُ الْجِيمِ ذِكْرُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقَالُ: إِنَّهُ الصَّادِقُ. قَالَ عَمْرُو بْنُ أَبِي الْمِقْدَامِ: كُنْتُ إِذَا نَظَرْتُ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلِمْتُ أَنَّهُ مِنْ سُلَالَةِ النَّبِيِّينَ. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: الْفُقَهَاءُ أُمَنَاءُ الرُّسُلِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْفُقَهَاءَ قَدْ رَكَنُوا إِلَى السَّلَاطِينِ فَاتَّهِمُوهُمْ. وقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: إِيَّاكُمْ وَالْخُصُومَةُ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهَا تَشْغَلُ الْقَلْبَ وَتُورِثُ النِّفَاقَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 721 وقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: لَا يَتِمُّ الْمَعْرُوفُ إِلَّا بِثَلَاثَةٍ: تَعْجِيلُهُ , وَتَصْغِيرهِ , وَسَتْرِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ دَكْنَاءُ , وَعَلَيْهِ كِسَاءُ خَزٍّ , فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ مُتَعَجِّبًا، فَقَالَ لِي: يَا ثَوْرِيُّ مَالَكَ تَنْظُرُ إِلَيْنَا لَعَلَّكَ تَعْجَبُ مِمَّا تَرَى. فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا مِنْ لِبَاسِكَ وَلِبَاسِ آبَائِكَ، فَقَالَ: يَا ثَوْرِيُّ كَانَ ذَلِكَ زَمَانًا مُقْفِرًا وَكَانُوا يَعْمَلُونَ عَلَى قَدْرِ إِقْفَارِهِ، وَهَذَا زَمَانٌ قَدْ أَسْبَلَ كُلُّ شَيْءٍ عَزَالِيَهُ. ثُمَّ حَسَرَ عَنْ رَدْنِ جُبَّتِهِ فَإِذَا جُبَّةُ صُوفٍ بَيْضَاءُ يَقْصُرُ الذَّيْلُ عَنِ الذَّيْلِ وَالرَّدْنُ عَنِ الرَّدْنِ , فَقَالَ: يَا ثَوْرِيُّ لَبِسْنَا هَذَا لِلَّهِ وَهَذَا لَكُمْ، فَمَا كَانَ لِلَّهِ أَخْفَيْنَاهُ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَبْدَيْنَاهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمِقْدَامِ الرَّازِيُّ: وَقَعَ الذُّبَابُ عَلَى الْمَنْصُورِ فَذَبَّهُ عَنْهُ فَعَادَ فَذَبَّهُ عَنْهُ حَتَّى أَضْجَرَهُ، فَدَخَلَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُورُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: لِمَ خَلَقَ اللَّهُ الذُّبَابَ؟ قَالَ: لِيَذِلَّ بِهِ الْجَبَابِرَةُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 722 وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: لَمَّا دَخَلَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَعْنِي مَعَ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ الْبَيْتَ كَانَ فِي الْبَيْتِ صَنَمٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَقَالَتْ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى أُغَطِّيَ الصَّنَمَ، فَإِنِّي أَسْتَحْيِي مِنْهُ، فَقَالَ يُوسُفُ: هَذِهِ تسْتَحِي مِنَ الصَّنَمِ، فَأَنَا أَحَقُّ أَنْ أَسْتَحْيِيَ مِنَ اللَّهِ، قَالَ: فَكَفَّ عَنْهَا وَتَرَكَهَا. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَسْأَلُكَ يَا رَبِّ أَلَّا يَذْكُرَنِي أَحَدٌ إِلَّا بِخَيْرٍ، قَالَ: مَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِنَفْسِي. وَقَالَ جَعْفَرٌ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَى الدُّنْيَا: أَنِ اخْدُمِي مَنْ خَدَمَنِي , وَأَتْعِبِي مَنْ خَدَمَكِ. وَمِنْ وَصَايَا جَعْفَرٍ لِابْنِهِ مُوسَى: يَا بُنَيَّ مَنْ قَنَعَ بِمَا قُسِمَ لَهُ اسْتَغْنَى، وَمَنْ مَدَّ عَيْنَهُ إِلَى مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ مَاتَ فَقِيرًا، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِمَا قُسِمَ لَهُ اتَّهَمَ اللَّهَ فِي قَضَائِهِ، وَمَنِ اسْتَصْغَرَ زَلَّةَ نَفْسِهِ اسْتَعْظَمَ زَلَّةَ غَيْرِهِ، وَمَنِ اسْتَصْغَرَ زَلَّةَ غَيْرِهِ اسْتَعْظَمَ زَلَّةَ نَفْسِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 723 يَا بُنَيَّ: مَنْ كَشَفَ حِجَابَ غَيْرِهِ انْكَشَفَتْ عَوْرَاتُ بَيْتِهِ، وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ قُتِلَ بِهِ، وَمَنِ احْتَفَرَ لِأَخِيهِ بِئْرًا سَقَطَ فِيهَا، وَمَنْ دَاخَلَ السُّفَهَاءَ حُقِّرَ، وَمَنْ خَالَطَ الْعُلَمَاءَ وُقِّرَ، وَمَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ اتُّهِمَ. يَا بُنَيَّ: إِيَّاكَ أَنْ تُزْرِيَ بِالرِّجَالِ فَيُزْرَى بِكَ، وَإِيَّاكَ وَالدُّخُولَ فِيمَا لَا يَعْنِيكَ فَتُذَلَّ. يَا بُنَيَّ: قُلِ الْحَقَّ لَكَ وَعَلَيْكَ. يَا بُنَيَّ: كُنْ بِالْمَعْرُوفِ آمِرًا , وَعَنِ الْمُنْكَرِ نَاهِيًا، وَلِمَنْ قَطَعَكَ وَاصِلًا، وَلِمَنْ سَكَتَ عَنْكَ مُبْتَدِءًا، وَلِمَنْ سَأَلَكَ مُعْطِيًا، وَإِيَّاكَ وَالنَّمِيمَةَ، فَإِنَّهَا تَزْرَعُ الشَّحْنَاءَ فِي قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَإِيَّاكَ وَالتَّعَرُّضَ لِعُيُوبِ النَّاسِ فَمَنْزِلَةُ الْمُتَعَرِّضِ لِعُيُوبِ النَّاسِ كَمَنْزِلَةِ الْهَدَفِ. يَا بُنَيَّ: إِذَا زُرْتَ فَزُرِ الْأَخْيَارَ، وَلَا تَزُرِ الْفُجَّارَ، فَإِنَّهُمْ صَخْرَةٌ لَا يَنْفَجِرُ مَاؤُهَا، وَشَجَرَةٌ لَا يَخْضَرُّ وَرَقُهَا، وَأَرْضٌ لَا يَظْهَرُ عُشْبُهَا. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: لَا زَادَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْوَى، وَلَا شَيْءَ أَحْسَنُ مِنَ الصَّمْتِ، وَلَا عَدُوَّ أَضَرُّ مِنَ الْجَهْلِ، وَلَا دَاءً أَدْوَى مِنَ الْكَذِبِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 ذِكْرُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّه، كُنْيَتُهُ أَبُو الشَّعْثَاءِ كَانَ يَنْزِلُ بِالْبَصْرَةِ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ , يَقُولُ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ نَزَلُوا عِنْدَ قَوْلِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ لَأَوْسَعَهُمْ عِلْمًا عَمَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ. وَكَانَ فَقِيهًا، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ , وَدُفِنَ هُوَ وَأَنَسٌ فِي جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَالَ صَالِحٌ الدَّهَّانُ: كَانَ جَابِرٌ إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ دِرْهَمٌ سَتُّوقٌ كَسَرَهُ وَرَمَى بِهِ لِئَلَّا يُغْرِي بِهِ مُسْلِمًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 725 وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: دَخَلَ عَليَّ جَابِرٌ وَأَنَا أَكْتُبُ , فَقُلْتُ: كَيْفَ تَرَى صَنْعَتِي يَا أَبَا الشَّعْثَاءِ؟ قَالَ: نِعْمَ الصَّنْعَةُ صَنْعَتُكَ، تَنْقِلُ كِتَابَ اللَّهِ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَى وَرَقَةٍ وَآيَةً إِلَى آيَةٍ وَكَلِمَةً إِلَى كَلِمَةٍ هَذَا الْحَلَالُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ: جَاءَنِي جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ , فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأَبَى أَنْ يَؤُمَّنِي، وَقَالَ: ثَلَاثٌ رَبُّهُنَّ أَحَقُّ بِهِنَّ: رَبُّ الْبَيْتِ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ فِي بَيْتِهِ، وَرَبُّ الْفِرَاشِ أَحَقُّ بِصَدْرِ فِرَاشِهِ، وَرَبُّ الدَّابَّةِ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِهِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ الضَّبِّيُّ: لَقِيَ ابْنُ عُمَرَ , جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ فِي الطَّوَافِ فَقَالَ: يَا جَابِرُ إِنَّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَإِنَّكَ سَتُسْتَفْتَى، فَلَا تُفْتِ إِلَّا بِقُرْآنٍ نَاطِقٍ أَوْ سُنَّةٍ مَاضِيَةٍ، فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 بَابُ الْحَاءِ ذِكْرُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , رَأَى عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَاتَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 فَصْلٌ فِي كَلَامِ الْحَسَنِ وَمَوَاعِظِهِ قَالَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ أَطْوَلَ حُزْنًا مِنَ الْحَسَنِ. وَكَانَ يَقُولُ: لَا تَضْحَكْ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى بَعْضِ أَعْمَالِنَا فَقَالَ: لَا أَقْبَلُ مِنْكُمْ شَيْئًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا رَأَيْتَ فِي ولَدِكِ مَا تَكْرَهُ فَاعْتَبِ اللَّهَ , فَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُرَادُ بِهِ أَنْتَ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ: كُنَّا مَعَ الْحَسَنِ فَوَقَفَ عَلَى قَبْرٍ فقَالَ: عَيْشُ هَذَا آخِرَهُ، لَا خَيْرَ فِي أَوَّلِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا تَخْرُجُ نَفْسُ ابْنِ آدَمَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا بِحَسَرَاتٍ ثَلَاثٍ: أَنَّهُ لَمْ يَشْبَعْ مِمَّا جَمَعَ، وَلَمْ يُدْرِكْ مَا أَمِلَ، وَلَمْ يُحْسِنِ الزَّادَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو مَرْحُومٍ الْعَطَّارُ: دَخَلْنَا مَعَ الْحَسَنِ عَلَى مَرِيضٍ نَعُودُهُ فَلَمَّا جَلَسَ عِنْدَهُ قَالَ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: أَجِدُنِي أَشْتَهِي الطَّعَامُ فَلَا أَقْدِرُ أَنْ أُسِيغَهُ، وَأَشْتَهِي الشَّرَابَ فَلَا أَقْدِرُ أَنْ أَتَجَرَّعَهُ، قَالَ: فَبَكَى الْحَسَنُ , وَقَالَ: عَلَى الْأَسْقَامِ وَالْأَمْرَاضِ أُسِّسَتْ هَذِهِ الدُّنْيَا، فَهَبْكَ تَصِحُّ مِنَ الْأَسْقَامِ وَتَبْرَأُ مِنَ الْأَمْرَاضِ، هَلْ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَنْجُو مِنَ الْمَوْتِ؟ قَالَ: فَارْتَجَّ الْبَيْتُ مِنَ الْبُكَاءِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 وَقَالَ الْحَسَنُ: مِسْكِينٌ ابْنُ آدَمَ، رَضِيَ بِدَارٍ حَلَالُهَا حِسَابٌ، وَحَرَامُهَا عَذَابٌ، إِنْ أَخَذَهَا مِنْ حِلٍّ حُوسِبَ بِنَعِيمِهِ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ حَرَامٍ عُذِّبَ بِهِ. ابْنُ آدَمَ يَسْتَقِلُّ مَالَهُ وَلَا يَسْتَقِلُّ عَمَلَهُ، يَفْرَحُ بِمُصِيبَتِهِ فِي دِينِهِ، وَيَجْزَعُ بِمُصِيبَتِهِ فِي دُنْيَاهُ. وَقَالَ: طَأِ الْأَرْضَ بِقَدَمِكَ فَإِنَّهَا عَنْ قَلِيلٍ قَبْرُكَ، إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ فِي هَدْمِ عُمْرِكَ مُنْذُ سَقَطْتَ مِنْ بَطْنِ أُمِّكَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: قَالَ رَجَلٌ: لَأَعْبُدَنَّ اللَّهَ عِبَادَةً أُذْكَرُ بِهَا، فَكَانَ لَا يُرَى فِي حِينِ صَلَاةٍ إلِا قَائِمًا يُصَلِّي، فَكَانَ أَوَّلَ دَاخِلٍ الْمَسْجِدَ، وَآخِرَ خَارِجٍ، وَكَانَ لَا يَفْطُرُ فَمَكَثَ بِذَلِكَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ، فَكَانَ لَا يَمُرُّ بِقَوْمٍ إِلَّا قَالُوا: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْمُرَائِي، فَأَقْبَلَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: أَلَا أَرَانِي إِلَّا أُذْكَرُ بِالشَّرِّ، لَأَجْعَلَنَّ عَمَلِي كُلَّهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , قَالَ: فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ قَلَبَ نِيَّتَهُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ، قَالَ: فَكَانَ إِذَا مَرَّ بِقَوْمٍ يَقُولُونَ: رَحِمَ اللَّهُ فُلَانًا الْآنَ، قَالَ: وَتَلَا الْحَسَنُ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96] . وَقَالَ الْحَسَنُ: بِئْسَ الرَّفِيقَانِ: الدِّينَارُ , وَالدِّرْهَمُ، لَا يَنْفَعَانِكَ حَتَّى يُرَافِقَانِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 وَقَالَ الْحَسَنُ: الْمُؤْمِنُ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا قَالَ اللَّهُ، وَالْمُؤْمِنُ أَحْسَنُ النَّاسِ عَمَلًا، وَأَشَدُّ النَّاسِ خَوْفًا، فَلَوْ أَنْفَقَ جَبَلًا مِنْ مَالٍ مَا أَمِنْ دُونَ مَا يُعَايِنُ، وَلَا يَزْدَادُ صَلَاحًا وَبِرًّا وَعِبَادَةً إِلَّا ازْدَادَ فَرْقًا , يَقُولُ: لَا أَنْجُو لَا أَنْجُو. وَالْمُنَافِقُ يَقُولُ: سَوَادُ النَّاسِ كَثِيرٌ، وَسَيُغْفَرُ لِي وَلَا بَأْسَ عَلَيَّ , وَيَنْسَى الْعَمَلَ وَيَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ. وَقَالَ أَبُو كَعْبٍ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ , فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أُرِيدُ سَفَرًا فَأَوْصِنِي , قَالَ: أَعِزَّ أَمْرَ اللَّهِ يُعِزَّكَ اللَّهُ وَقَالَ الْحَسَنُ: قَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِلَاهِي لَوْ أُخِذَ جَمِيعُ أَهْلِ الْأَرْضِ بِذَنْبٍ لِي وَاحِدٍ فَعَذَّبْتَهُمْ لَمْ تَظْلِمْهُمْ شَيْئًا، فَكَيْفَ وَهُوَ عَلَيَّ وَحْدِي. فَصْلٌ قَالَ الْحَسَنُ: الْفِكْرَةُ مِرْآةٌ تُرِيكَ حَسَنَاتِكَ وَسَيِّئَاتِكَ. وَقَالَ: مَا يَسُرُّنيِ مَوَدَّةُ أَلْفِ رَجُلٍ بِعَدَاوَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ. وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: إِنَّ الحَجَّاجَ مَغْفُورٌ لَهُ، قَالَ: آيَةُ ذَلِكَ أَنْ يَدَعَ سَيِّئَ مَا كَانَ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 وَقَالَ الْحَسَنُ: نَبْكِي عَلَى الْمَيِّتِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَعَلَى الْأَحْمَقِ حَتَّى يَمُوتَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُصْبِحُ إِلَّا خَائِفًا، وَإِنْ كَانَ مُحْسِنًا، وَلا يُمْسِي إِلا خَائِفًا وَإِنْ كَانَ مُحْسِنًا , وَلَا يُصْلِحُهُ إِلَّا ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَا بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ، بَيْنَ ذَنْبٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ اللَّهُ فِيهِ، وَبَيْنَ أَجَلٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي مَا يُصِيبُ فِيهِ مِنَ الْهَلَكَاتِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَا ابْنَ آدَمَ فَعِظْ نَفْسَكَ فَإِنْ هِيَ قَبِلَتْ فَعِظِ النَّاسَ , وَإِلَّا فَاسْتَحِ مِنْ رَبِّكَ. وَعَنِ الْحَسَنِ , قَالَ: خَرَجَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَسْتَسْقِي فَبَرَزَ بِهِمْ وَقَالَ: جُوزُوا وَلَا يَجُوزُ عَاصٍ، فَرَجَعَ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ، ثَمَّ قَالَهَا الثَانِيَةَ فَرَجَعَ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِي الْجِبَالِ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ أَعْوَرُ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ: مَالَكَ مَا أَصَبْتَ ذَنْبًا؟ فَقَالَ: أَمَّا ذَنْبٌ أَعْلَمُهُ فَلَا، إِلَّا أَنِّي نَظَرْتُ إِلَى امْرَأَةٍ بِعَيْنِي هَذِهِ فَلَمَّا وَلَّتْ أَتْبَعْتُهَا إِيَّاهَا فَبَكَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ , وَقَالَ: أَنْتَ صَاحِبِي فَدَعَا عِيسَى وَأَمَّنَ الرَّجُلُ فَسُقُوا. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَا عَجَبًا لِقَوْمٍ أُمِرُوا بِالزَّادِ وَنُودُوا بِالرَّحِيلِ وَحُبِسَ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ يَلْعَبُونَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: فَضَحَ الْمَوْتُ الدُّنْيَا فَلَمْ يَتْرُكْ لِذِي لُبٍّ فِيهَا فَرَحًا. وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا لَبِسَ خَلِقًا، وَأَكَلَ كِسْرَةً، وَلَزِقَ بِالْأَرْضِ، وَبَكَى عَلَى الْخَطِيئَةِ، وَدَأَبَ فِي الْعِبَادَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا يَقُولُونَ: لِسَانُ الْحَكِيمِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ إِذَا أَرَادَ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 يَقُولَ رَجَعَ إِلَى قَلْبِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ قَالَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَمْسَكَ. وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ قَلْبَ الْجَاهِلِ فِي طَرَفِ لِسَانِهِ لَا يَرْجِعُ إِلَى قَلْبِهِ، مَا أَتَى عَلَى لِسَانِهِ تَكَلَّمَ بِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا تَزَالُ كَرِيمًا عَلَى إِخْوَانِكَ مَا لَمْ تَحْتَجْ إِلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ، فَإِذَا احْتَجْتَ إِلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ ثَقُلَ عَلَيْهِمْ حَدِيثُكَ وَهُنْتَ عَلَيْهِمْ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ خَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ، قَالَ: لَقِيتُ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بِالْحِيرَةِ بَعْدَ هَلَاكِ ابْنِ الْمُهَلَّبِ، فَقَالَ: يَا خَالِدُ أَخْبِرْنِي عَنْ حَسَنِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، قَالَ: قُلْتُ: أَنَا جَارُهُ إِلَى جَنْبِهِ وَجَلِيسُهُ فِي حَلَقَتِهِ، كَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ سَرِيرَةً بِعَلَانِيَةٍ وَأَشْبَهَ قَوْلًا بِفِعْلٍ إِنْ قَعَدَ عَلَى أَمْرٍ قَامَ بِهِ، وَإِنْ قَامَ بِأَمْرٍ قَعَدَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَمَرَ بِأَمْرٍ كَانَ أَعْمَلَ النَّاسِ بِهِ، وَإِنْ نَهَى عَنْ شَيْءٍ كَانَ أَتْرَكَ النَّاسِ لَهُ، وَوَجَدْتُهُ مُسْتَغْنِيًا عَنِ النَّاسِ، وَوَجَدْتُ النَّاسَ مُحْتَاجِينَ إِلَيْهِ قَالَ: حَسْبُكَ حَسْبُكَ، كَيْفَ ضَلَّ قَوْمٌ كَانَ هَذَا فِيهِمْ، يَعْنِي اتِّبَاعَهُمُ ابْنَ الْمُهَلَّبِ. وَعَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ , قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ: حَضَرْتُ رَجُلًا فَرَحِمْتُكَ مِنْ كَثْرَةِ مَا ذَكَرَكَ، قَالَ الْحَسَنُ: فَرَأَيْتَنِي ذَكَرْتُهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَإِيَّاهُ ارْحَمْ. وَقَالَ عُمَيْرٌ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَطْوَلَ سُكُوتًا مِنَ الْحَسَنِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ إِذَا تَكَلَّمَ أَنْ لَا يَسْكُتَ مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 732 قَالَ الْحَسَنُ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنْ قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ يَحْفَظُوا عَنِّي حَرْفَيْنِ: «أَنْ يَرْضَوْا بِدَنِيِّ الدُّنْيَا لِسَلَامَةِ دِينِهِمْ، كَمَا أَنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا رَاضُونَ بِدَنِيِّ الدِّينِ لِسَلَامَةِ دُنْيَاهُمْ» . وَقَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم: 7] . قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْقُرُ الدِّرْهَمَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيُخْبِرُكَ بِوَزْنِهِ وَمَا يُحْسِنِ يُصَلِّي. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ، وَالْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ مَا يُفْسِدُ أَكْثَرُ مِمَّا يُصْلِحُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كُلُّ نَفَقَةٍ يُنْفِقُهَا ابْنُ آدَمَ يُحَاسَبُ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ , إِلَّا نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى إِخْوَانِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَسْتَحِي أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهَا. وَعَنْ دَاوُدَ , قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّكَ تُنْفِقُ فِي هَذِهِ الْأَطْعِمَةِ فَقَالَ: لَيْسَ فِي الطَّعَامِ إِسْرَافٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّ إِحْدَى مُوجِبَاتِ الْجَنَّةِ إِطْعَامُ الْمُسْلِمِ السَّغْبَانِ , وَكُنَّا نَسْمَعُ أَنَّ مَنْ وَافَقَ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ شَهْوَةً غُفِرَ لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 733 فَصْلٌ قَالَ الْحَسَنُ: عِظِ النَّاسَ بِفِعْلِكَ وَلَا تَعِظْهُمْ بِقَوْلِكَ. وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا لَمْ يَغُرَّهُ مَا يَرَى مِنْ كَثْرَةِ النَّاسِ. ابْنَ آدَمَ أَنْتَ تَمُوتُ وَحْدَكَ، وَتَدْخُلُ الْقَبْرَ وَحْدَكَ، وَتُبْعَثُ وَحْدَكَ، وَتُحَاسَبُ وَحْدَكَ، أَنْتَ ابْنُ آدَمَ الْمَعْنِيُّ وَإِيَّاكَ يُرَادُ. وَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُنَافِسُ فِي الدُّنْيَا فَنَافِسْهُ فِي الْآخِرَةِ. فَصْلٌ قِيلَ لِمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ: صِفْ لَنَا الْحَسَنَ، فَقَالَ: كَانَ إِذَا أَقْبَلَ كَأَنَّمَا أَقْبَلَ مِنْ دَفْنِ أُمِّهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ فَكَأَنَّمَا النَّارُ فَوْقَ رَأْسِهِ، وَإِذَا قَعَدَ فَكَأَنَّمَا هُوَ أَسِيرٌ قُرِّبَ لِضَرْبِ عُنُقِهِ. وَعَنْ عَطَاءٍ الْأَزْرَقِ , قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ كَيْفَ أَنْتَ؟ كَيْفَ حَالُكَ؟ قَالَ: بِأَشَدِّ حَالٍ، وَمَا حَالُ مَنْ أَصْبَحَ وَأَمْسَى يَنْتَظِرُ الْمَوْتَ لَا يَدْرِي مَا اللَّهُ صَانِعٌ بِهِ. وَعَنْ أَبِي خَلِيفَةَ: أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ مُخْتَفِيًا فِي دَارِهِ فَانْتَبَهَ أَبُو خَلِيفَةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَالْحَسَنُ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا أَبْكَاكَ؟ قَالَ: ذَنْبٌ لِي ذَكَرْتُهُ فَبَكَيْتُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 وَعَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ سُلَيْمَانَ , قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى الْحَسَنِ وَهُوَ فِي مَسْجِدِ الْحَيِّ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، لَوْ طُرِحَتْ بُضْعَةٌ لَاشْتَوَتْ، وَقَدِ ابْتَلَّ قَمِيصُهُ مِنَ الْعَرَقِ حَتَّى لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعْصِرَهُ لَانْعَصَرَ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ لَوْ تَحَوَّلْتَ إِلَى الظِّلِّ. قَالَ: وَإِنِّي لَفِي الشَّمْسِ؟ مَا عَلِمْتُ أَنِّي فِيهَا، إِنِّي ذَكَرْتُ ذَنْبًا مِنْ ذُنُوبِي مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَذَهَبَتْ بِيَ الْفِكْرَةُ مَا عَلِمْتُ أَفِي الظِّلِّ أَنَا أَمْ فِي الشَّمْسِ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ , قَالَ: لَوْ وَجَدْنَا دِرْهَمًا مِنْ حَلَالٍ لَتَدَاوَيْنَا بِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ إِذَا ابْتُلُوا مِنْ سُلْطَانِهِمْ بِشَيْءٍ فَزِعُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ يَرْفَعَهُ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلَكِنْ فَزِعُوا إِلَى السَّيْفِ، فَوَاللَّهِ مَا جَاءُوا بِيَوْمِ خَيْرٍ قَطُّ ثُمَّ تَلَا: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف: 137] . وَعَنْ صَالِحٍ الْمَرِّيِّ، عَنِ الْحَسَنِ , قَالَ: أَيُّهَا الْمُتَصَدِّقُ عَلَى الْمِسْكِينِ تَرْحَمُهُ , ارْحَمْ نَفْسَكَ الَّتِي ظَلَمْتَهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: أُصُولُ الشَّرِّ ثَلَاثَةٌ، وَفُرُوعُهُ سِتَّةٌ، فَالْأُصُولُ: الْحَسَدُ , وَالْحِرْصُ , وَحُبُّ الدُّنْيَا، وَفُرُوعُهُ: حُبُّ الرِّيَاسَةِ، وَحُبُّ الْفَخْرِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 وَحُبُّ الثَّنَاءِ، وَحُبُّ الشَّبَعِ , وَحُبُّ النَّوْمِ , وَحُبُّ الرَّاحَةِ. وَعَنْ بِلَالِ بْنِ كَعْبٍ , قَالَ: اجْتَمَعَ الْحَسَنُ وَفَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ فِي وَلِيمَةٍ فَأَتَوْا بِخَبِيصٍ فَأَمْسَكَ فَرْقَدٌ يَدَهُ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: كُلْ. قَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ وَمِنْ يَقُومُ بِشُكْرِ هَذَا؟ قَالَ: كُلْ فَلَنِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْكَ فِي الْخَبِيصِ. وَقَالَ: مَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا ذَهَبَ خَوْفُ الْآخِرَةِ مِنْ قَلْبِهِ. وَقَالَ: إِيَّاكُمْ وَمَا يَشْغَلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ لَا يَفْتَحُ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ بَابًا مِنَ الدُّنْيَا، إِلَّا سَدَّ عَلَيْهِ عَشَرَةَ أَبْوَابٍ مِنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ , قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ جَمَعَ إِحْسَانًا وَشَفَقَةً، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ جَمَعَ إِسَاءَةً وَأَمْنًا، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المؤمنون: 57] . وقَالَ الْمُنَافِقُ: {أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78] . وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا عَبْدُ اللَّهِ بِمِثْلِ طُولِ الْخَوْفِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 فَصْلٌ عَنْ عِصَامِ بْنِ يَزِيدَ , قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ يَغْشَى مَجْلِسَ الْحَسَنِ فَيُؤْذِيهِمْ , فَقِيلَ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ أَلَا تُكَلِّمُ الْأَمِيرَ حَتَّى يَصْرِفَهُ عَنَّا، فَسَكَتَ عَنْهُمْ , فَأَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالْحَسَنُ جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا رَآهُ الْحَسَنُ , قَالَ: اللَّهُمَّ قَدْ عَلِمْتَ أَذَاهُ لَنَا فَاكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ، قَالَ: فَخَرَّ وَاللَّهِ الرَّجُلُ مِنْ قَامَتِهِ فَمَا حُمِلَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا مَيِّتًا، فَكَانَ الْحَسَنُ إِذَا ذَكَرَهُ بَكَى وَقَالَ: الْبَائِسُ مَا كَانَ أَغَرَّهُ بِاللَّهِ. فَصْلٌ كَتَبَ الْحَسَنُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا دَارُ ظَعْنٍ لَيْسَتْ بِدَارِ إِقَامَةٍ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَ آدَمُ إِلَيْهَا عُقُوبَةً فَاحْذَرْهَا يَا أَمِيرَ الْمَؤْمِنِينَ، فَإِنَّ الزَّادَ مِنْهَا تَرْكُهَا وَالْغِنَى فِيهَا فَقْرُهَا، لَهَا فِي كَلِّ حِينٍ قَتِيلٌ، تُذِلُّ مَنْ أَعَزَّهَا وَتُفْقِرُ مَنْ جَمَعَهَا، هِيَ كَالسُّمِّ يَأْكُلُهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَهُوَ حَتْفُهُ، فَكُنْ فِيهَا كَالْمُدَاوِي جِرَاحَتَهُ يَحْتَمِي قَلِيلًا مَخَافَةَ مَا يَكْرَهُ طَوِيلًا، وَيَصْبِرُ عَلَى شِدَّةِ الْأَذَى مَخَافَةَ طُولِ الْبَلَاءِ، فَاحْذَرْ هَذِهِ الْغَرَارَةَ الخَتَّارَةَ الَّتِي قَدْ زُيِّنَتْ بِخِدَعِهَا وَحُلَّتْ بِآمَالِهَا وَتَشَوَّفَتْ لِخُطَّابِهَا وَفُتِنَتْ بِغُرُورِهَا، فَأَصْبَحَتْ كَالْعَرُوسِ الْمَجْلُوِّ فَالْعُيُونُ إِلَيْهَا نَاظِرَةٌ وَالْقُلُوبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 عَلَيْهَا وَالِهَةٌ، وَالنُّفُوسُ لَهَا عَاشِقَةٌ، وَهِيَ لِأَزْوَاجِهَا كُلِّهِمْ قَاتِلَةٌ، فَلَا الْبَاقِي بِالْمَاضِي مُعْتَبِرٌ، وَلَا الْآخَرُ عَلَى الْأَوَّلِ مُزْدَجِرٌ، وَلَا الْعَارِفُ بِاللَّهِ حِينَ أَخْبَرَهُ عَنْهَا مُدَّكِرٌ، فَعَاشِقٌ لَهَا قَدْ ظَفِرَ مِنْهَا بِحَاجَتِهِ فَاغْتَرَّ وَطَغَى، وَنَسِيَ الْمِيعَادَ، وَشَغَلَ فِيهَا لُبَّهُ حَتَّى زَلَّتْ عَنْهُ قَدَمُهُ، وَعَظُمَتْ نَدَامَتُهُ وَكَثُرَتْ حَسَرَاتُهُ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ بِأَلَمِهِ , وَحَسَرَاتُ الْفَوْتِ بِغُصَّتِهِ، فَذَهَبَتْ بِكَدْمِهِ فَلَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا مَا طَلَبَ، وَلَمْ يُرَوِّحْ نَفْسَهُ مِنَ التَّعَبِ، فَخَرَجَ بِغَيْرِ زَادٍ، وَقَدِمَ عَلَى غَيْرِ مِهَادٍ، فَاحْذَرْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَكُنْ أَسَرَّ مَا تَكُونُ فِيهَا، أَحْذَرَ مَا تَكُونُ لَهَا، فَإِنَّ صَاحِبَ الدُّنْيَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ مِنْهَا إِلَى سُرُورٍ أَشْخَصَهُ إِلَى مَكْرُوهٍ، فَالسَّارِ فِيهَا بِأَهْلِهَا غَارٌّ، وَالنَّافِعُ فِيهَا غَدًا ضَارٌّ، وَقَدْ وَصَلَ الرَّخَاءَ فِيهَا بِالبَلَاءِ، وَجَعَلَ الْبَقَاءَ فِيهَا إِلَى فَنَاءٍ، فَسُرُورُهَا مَشُوبٌ بِالْحُزْنِ، لَا يَرْجِعُ مِنْهَا مَا وَلَّى فَأَدْبَرَ، وَلَا يَدْرِي مَا هُوَ آتٍ فَيَسْتُنْظِرُ. أَمَانِيُّهَا كَاذِبَةٌ، وَآمَالُهَا بَاطِلَةٌ , وَصَفْوُهَا كَدَرٌ، وَعَيْشُهَا نَكِدٌ، وَابْنُ آدَمَ فِيهَا عَلَى خَطَرٍ، إِنْ غَفَلَ فَهُوَ مِنَ النَّعْمَاءِ عَلَى خَطَرٍ وَفِي الْبَلَاءِ عَلَى حَذَرٍ، فَلَوْ كَانَ الْخَالِقُ لَمْ يُخْبِرْ عَنْهَا خَبَرًا، وَلَمْ يَضْرِبْ لَهَا مَثَلًا لَكَانَتِ الدُّنْيَا قَدْ أَيْقَظَتِ النَّائِمَ، وَنَبَّهَتِ الْغَافِلَ فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ مِنَ اللَّهِ عَنْهَا زَاجِرٌ، وَفِيهَا وَاعِظٌ، فَمَا لَهَا عِنْدَ اللَّهِ قَدْرٌ وَلَا وَزْنٌ، وَلَا نَظَرَ إِلَيْهَا مُنْذُ خَلَقَهَا، وَلَقَدْ عُرِضَتْ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِهَا لَا يَنْقُصُهُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، كَرِهَ أَنْ يُخَالِفَ عَلَى رَبِّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 738 أَمْرَهُ أَوْ يُحِبُّ مَا أَبْغَضَ خَالِقُهُ أَوْ يَرْفَعُ مَا وَضَعَ مَلِيكُهُ فَزَوَاهَا عَنِ الصَّالِحِينَ اخْتِيَارًا، وَبَسَطَهَا لِأَعْدَائِهِ اغْتِرَارًا أَوْ قَالَ اخْتِيَارًا، فَيَظُنُّ الْمَغْرُورُ بِهَا الْمُقْتَدِرُ عَلَيْهَا أَنَّهُ أُكْرِمَ بِهَا، وَنَسِيَ مَا صَنَعَ اللَّهُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ، وَلَقَدْ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَنَّهُ قَالَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامَ: " إِذَا رَأَيْتَ الْغِنَى مُقْبِلًا , فَقُلْ: ذَنْبٌ عُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْفَقْرَ مُقْبِلًا , فَقُلْ: مَرْحَبًا بِشِعَارِ الصَّالِحِينَ، وَإِنْ شِئْتَ ثَلَّثْتَ بِصَاحِبِ الرُّوحِ وَالْكَلِمَةِ ابْنِ مَرْيَمَ، كَانَ يَقُولُ: إِدَامِي الْجُوعُ، وَشِعَارِي الْخَوْفُ، وَلِبَاسِي الصُّوفُ، وَصَلَاتِي فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقُ الشَّمْسِ، وَسِرَاجِي الْقَمَرُ، وَدَابَّتِي رِجْلَايَ، وَطَعَامِي وَفَاكِهَتِي مَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ، أَبِيتُ وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ، وَأَصْبَحَ لَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ أَحَدٌ أَغْنَى مِنِّي. فَصْلٌ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ , أَنَّهُ كَانَ يَقْولُ: أَكْثِرُوا مِنَ الاسْتِغْفَارِ فِي بُيُوتِكُمْ وَعَلَى مَوَائِدِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَفِي أَسْوَاقِكُمْ وَفِي مَجَالِسِكُمْ وَأَيْنَمَا كُنْتُمْ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَتَى تَنْزِلُ الْمَغْفِرَةُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: قَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا مَرَضَ يُصِيبُنِي وَلَا صِحَّةَ تُنْسِينِي وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 739 وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَالَتْ سَلَامَتُهُ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ شَيْءٌ يُكَفَّرُ بِهِ السَّيِّئَاتُ , وَيُذَكَّرُ بِهِ الْمَعَادُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: ابْنَ آدَمَ اصْحَبِ النَّاسَ بِأَيِّ خُلُقٍ شِئْتَ يَصْحَبُوكَ بِمِثْلِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ النَّاسِكَ إِذَا تَنَسَّكَ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ مَنْطِقِهِ وَلَكِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إِلَّا فِي عَمَلِهِ، وَذَلِكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " ثَلَاثَةٌ مَنَنْتُ بِهَا عَلَيْكَ: بَخِلْتَ بِمَالِكَ أَيَّامَ حَيَاتِكَ حَتَّى إِذَا خَنَقْتُكَ بِالْمَوْتِ جَعَلْتُ لَكَ مِنْ مَالِكَ نَصِيبًا يَعْنِي الثُّلُثَ، وَأَمَرْتُ عِبَادِي فَصَلَّوْا عَلَيْكَ , وَسَتَرْتُ عَلَيْكَ مَا لَمْ يَعْلَمُوا، وَلَوْ عَلِمُوا مِنْكَ مَا أَعْلَمُ لَنَبَذُوكَ وَمَا دَفَنُوكَ. فَصْلٌ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، أَدْرَكَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ، وَكَانَ يُشْبِهُ كَلَامُهُ كَلَامَ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَانَ رَجُلًا غَلَبَ عَلَيْهِ الْحُزْنُ. قَالَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ: كَانَ إِذَا أَقْبَلَ كَأَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ دَفْنِ أُمِّهِ , وَإِذَا جَلَسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 740 كَأَنَّهُ أَسِيرٌ قُدِّمَ لِيُضْرَبَ عُنُقُهُ، وَإِذَا تَكَلَّمَ كَأَنَّ النَّارَ لَمْ تُخْلَقْ إِلَّا لَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ضَرَبَ ابْنَ آدَمَ بِالْمَوْتِ وَالْفَقْرِ وَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَوَثَّابٌ. وَقَالَ: كَانُوا يُحِبُّونَ إِذَا طَالَتْ لِأَحَدِهِمُ السَّلَامَةَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ شَيْءٌ يَذْكُرُ بِهِ مَعَادَهُ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: كُنَّا مَعَ الْحَسَنِ فِي جِنَازَةٍ فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِآخَرَ: مَنْ هَذَا الْمَيِّتُ؟ فَقَالَ الْحَسَنُ: هَذَا أَنَا وَأَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ، إِنَّهُمْ مَحْبُوسُونَ عَلَى آخِرِنَا حَتَّى يَلْحَقَ آخِرُنَا بِأَوَّلِهِمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْمُسْلِمُ لَا يَأْكُلُ فِي كُلِّ بَطْنِهِ، وَلَا تَزَالُ وَصِيَّتُهُ تَحْتَ جَنْبِهِ. وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَافَيْتَ فِيمَا مَضَى فَعَافِ فِيمَا بَقِيَ، اللَّهُمَّ أَحَسنْتَ فِيمَا مَضَى وَأَنْتَ لِمَا بَقِيَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا لَوْ شَاءَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَأْخُذَ هَذَا الْمَالَ مِنْ حِلِّهِ أَخَذَهُ، يُقَالَ لَهُمْ: أَلَا تَأْتُونَ نَصِيبَكُمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ فَتَأْخُذُونَهُ حَلَالًا؟ فَيَقُولُونَ: لَا، نَخْشَى أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ فَسَادًا لِقُلُوبِنَا. وَقَالَ: الْمُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا كَالْغَرِيبِ، لَا يُنَافِسُ فِي عِزِّهَا وَلَا يَجْزَعُ مِنْ ذُلِّهَا، لِلنَّاسِ حَالٌ وَلَهُ حَالٌ، وَجِّهُوا هَذِهِ الْفُضُولَ حَيْثُ وَجَّهَهَا اللَّهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 741 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ , قَالَ: لَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ رَأَى سَعِيدُ الْجَرِيرِيُّ , فِيمَا يَرَى النَّائِمُ , مُنَادِيًا يُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33] . وَإِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى الْحَسَنَ عَلَى أَهْلِ زَمَانِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " إِذَا عَلِمْتُ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى عَبْدِي التَّمَسُّكُ بِطَاعَتِي مَنَنْتُ عَلَيْهِ بِالِاشْتِغَالِ بِي وَالانْقِطَاعِ إِلَيَّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا تَطِيبُ لأَحَدٍ الْحَيَاةُ إِلَّا فِي الْجَنَّةِ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ مُخَادِشٍ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّا نُجَالِسُ أَقْوَامًا يُحَدِّثُونَا أَحَادِيثَ تَكَادُ تَطِيرُ عُقُولُنَا مِنْهَا، فَقَالَ الْحَسَنُ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّكَ إِنْ تُجَالِسْ أَقْوَامًا يُخَوِّفُونَكَ حَتَّى تَلْقَى اللَّهَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُجَالِسَ أَقْوَامًا يُؤَمِّنُونَكَ حَتَّى تَلْقَى اللَّهَ خَائِفًا. وَقَالَ أَبُو كَعْبٍ صَاحِبُ الْحَرِيرِ: أَرَدْتُ سَفَرًا، فَأَتَيْتُ الْحَسَنَ , فَقُلْتُ لَهُ: أَوْصِنِي فَقَالَ: أَعِزَّ أَمْرَ اللَّهِ حَيْثُ مَا كُنْتَ يُعِزُّكَ، فَفَعَلْتُ، فَلَمْ أَزَلْ عَزِيزًا حَتَّى رَجَعْتُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِالْحَسَنَةِ فَتَكُونُ نُورًا فِي قَلْبِهِ وَقُوَّةً فِي بَدَنِهِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِالسَّيِّئَةِ فَتَكُونُ ظُلْمَةً فِي قَلْبِهِ وَوَهَنًا فِي بَدَنِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 742 وَدَخَلَ الْحَسَنُ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْهَيْثَمِ التَّمِيمِيِّ , يَعُودُهُ فَجَعَلَ يُقَلِّبُ عَيْنَيْهِ فِي جَوَانِبِ الْبَيْتِ , فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: إِنِّي أَرَاكَ تُقْلِّبُ عَيْنَيْكَ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي مِائَةِ أَلْفٍ فِي هَذَا الصُّنْدُوقِ لَمْ تُؤَدِّ مِنْهَا زَكَاةٌ وَلَمْ يُوصَلْ مِنْهَا رَحِمٌ؟ قَالَ: وَلِمَ ذَاكَ لِلَّهِ أَبُوكَ؟ قَالَ: لِرَوْعَةِ الزَّمَانِ وَجَفْوَةِ السُّلْطَانِ وَمُكَانَزَةِ الْعَشِيرَةِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ دَعَى الْحَسَنَ إِلَى جِنَازَتِهِ فَحَضَرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ تَبِعَهُ إِلَى قَبْرِهِ فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ أَنَّى أَتَاهُ شَيْطَانُهُ يُحَذِّرُهُ رَوْعَةَ زَمَانِهِ وَجَفْوَةَ سُلْطَانِهِ عَمَّا اسْتَوْدَعَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ وَاسْتَرْعَاهُ فِيهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ سَلِيبًا حَزِينًا ذَمِيمًا، فَيَا هَذَا الْوَارِثُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ قَدْ آتَاكَ اللَّهُ حَلَالًا. فَلَا يَكُونَنَّ عَلَيْكَ وَبَالًا، آتَاكَ مِمَّنْ كَانَ لَهُ جَمُوعًا مَنُوعًا مِنْ بَاطِلٍ جَمَعَهُ وَعَنْ حَقٍّ مَنَعَهُ، رَكِبَ بِهِ لُجَجَ الْبِحَارِ وَمَفَاوِزَ الْقِفَارِ، جَمَعَهُ فَأَوْعَاهُ وَشَدَّهُ فَأَوْكَاهُ، أَلَا إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَبَخِلَ بِهِ عَمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ فِيهِ، فَوَرِثَهُ بَعْدَهُ وَارِثٌ عَمِلَ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى كَسْبِهِ فِي مِيزَانِ غَيْرِهِ، فَيَالَهَا مِنْ تَوْبَةٍ لَا تُنَالُ وَعَثْرَةٍ لَا تُقَالُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَوْ عَلِمَ الْعَابِدُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآخِرَةِ لَذَابَتْ أَنْفُسُهُمْ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: ذَهَبَتِ الْمَعَارِفُ وَبَقِيَتِ الْمَنَاكِرُ، وَمَنْ يَعِشْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مَغْمُومٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 743 ذِكْرُ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ الْعَدَوِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَابِعِيٌّ بَصْرِيٌّ. قَالَ قَتَادَةُ: مَا كَانَ بِالْمَصْرَيْنِ أَعْلَمُ مِنْ حُمَيْدٍ، مَا اسْتَثْنَى الْحَسَنَ وَلَا مُحَمَّدًا , يُذَاكِرُ وَلَا يُسْأَلُ، إِنَّمَا يَعْتَزِلُ فِي مَكَانٍ. وَقَالَ: مَثَلُ ذَاكِرِ اللَّهِ فِي السُّوقِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ وَسَطَ شَجَرٍ مَيِّتٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 744 ذِكْرُ حَسَّانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ تَابِعِيٌّ بَصْرِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا أَيْسَرَ الْوَرَعَ إِذَا رَابَنِي شَيْءٌ وَشَكَكْتُ فِيهِ تَرَكْتُهُ. وَأَعْطَى امْرَأَةً سَائِلَةً مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَقِيلَ لَهُ: كَانَتْ تَرْضَى بِدُونِ هَذَا، قَالَ: رَأَيْتُ بِهَا بَقِيَّةً مِنْ شَبَابٍ فَخَشِيتُ أَنْ تَدْعُوَهَا الضَّرُورَةُ إِلَى مَا يُكْرَهُ. وَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: كَانَ يَدخُلُ مَعِي فِي فِرَاشِي يُخَادِعُنِي كَمَا تُخَادِعُ الْمَرْأَةُ صَبِّيَهَا , فَإِذَا عَلِمَ أَنِّي نِمْتُ سَلَّ نَفْسَهُ فَخَرَجَ، ثُمَّ يَقُومُ يُصَلِّي، فَقُلْتُ: ارْفُقْ بِنَفْسِكَ، كَمْ تُعَذِّبُهَا، قَالَ: اسْكُتِي وَيْحَكِ فَيُوشِكُ أَنْ أَرْقُدَ رَقْدَةً لَا أَقُومُ مِنْهَا بَعْدَ زَمَانًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 745 ذِكْرُ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ التَّيْمِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَابِعِيٌّ كُوفِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. كَانَ إِذَا شَتَمَهُ الرَّجُلُ يَقُولُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ {7} وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ آية 7-8} . كُلُّ ذَلِكَ مُحْصًى. ذِكْرُ الْحَجَّاجِ بْنِ فُرَافِصَةَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْوِي عَنْ أنسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بِتُّ عِنْدَ الْحَجَّاجِ بْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 746 فُرَافِصَةَ أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَمَا أَكَلَ وَلَا شَرِبَ وَلَا نَامَ، ثُمّ قَالَ: مَنْ عَرَفَ رَبَّهُ أَحَبَّهُ، وَمَنْ أَحَبَّهُ تَرَكَ الدُّنْيَا وَزَهِدَ فِيهَا، الْمُؤْمِنُ لَا يَلْهُو حَتَّى يَغْفُلَ , وَإِنْ تَفَكَّرَ حَزِنَ. بَابُ الْخَاءِ ذِكْرُ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَابِعِيٌّ كُوفِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْأَعْمَشُ: وَرِثَ خَيْثَمَةُ مِائَتَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَنْفَقَهَا عَلَى الْقُرَّاءِ وَالْفُقَهَاءِ، وَكَانَ يَضَعُ الْخَبِيصَ وَالطَّعَامَ ثُمَّ يَدْعُو إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ وَيَدْعُونَا مَعَهُ، وَيَقُولُ: كُلُوا مَا أَشْتَهِيهِ، مَا أَصْنَعُ إِلَّا مِنْ أَجْلِكُمْ. وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 747 يَصُرُّ الدَّرَاهِمَ، فَإِذَا رَأَى الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِهِ مُتَخَرِّقَ الْقَمِيصِ وَالرِّدَاءِ وَبِهِ خَلَّةٌ تُحِينُهُ، فَإِذَا خَرَجَ مِنَ الْبَابِ خَرَجَ هُوَ مِنْ بَابٍ آخَرَ حَتَّى يَلْقَاهُ فَيُعْطِيهِ فَيَقُولُ: اشْتَرِ قَمِيصًا، اشْتَرِ رِدَاءً. وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: قَالَ خَيْثَمَةُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ مَكَانَ رَجُلٍ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ فِي سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ فَرَأَيْتُ أَنَّهُ يَعْنِي نَفْسَهُ، قَالَ خَيْثَمَةُ: وَكَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ عِنْدَ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ، إِمَّا حَجٌّ وَإِمَّا عُمْرَةٌ، وَإِمَّا غَزْوٌ وَإِمَّا صِيَامُ رَمَضَانَ. وَكَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي ثَلَاثٍ. وَأَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ فِي مَقْبَرَهِ فُقَرَاءُ قَوْمِهِ. قَالَ خَيْثَمَةُ: وَاللَّهِ مَا أَحَبَّ مُؤمِنًا مُنَافِقٌ قَطُّ. وَقَالَ: طُوبَى لِلْمُؤْمِنْ، كَيْفَ يُحْفَظُ فِي ذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيَطْرُدُ الشَّيْطَانَ بِالرَّجُلِ عَنِ الْأَدُورِ. وَقِيلَ لِخَيْثَمَةَ: أَيُّ شَيْءٍ يُسْمِنُ فِي الْجَدْبِ وَالْخِصْبِ , وَأَيُّ شَيْءٍ يُهْزِلُ فِي الْجَدْبِ وَالْخِصْبِ، قَالَ: أَمَّا الَّذِي يُسْمِنُ فِي الْجَدْبِ وَالْخِصْبِ فَهُوَ الْمُؤْمِنُ، إِنْ أُعْطِيَ شَكَرَ , وَإِنِ ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَأَمَّا الَّذِي يُهْزِلُ فِي الْجَدْبِ وَالْخَضْبِ فَهُوَ الْكَافِرُ إِنْ أُعْطِيَ لَمْ يَشْكُرْ , وَإِنِ ابْتُلِيَ لَمْ يَصْبِرْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 748 وَقَالَ: إِذَا طَلَبْتَ شَيْئًا فَوَجَدْتَهُ فَسَلِ اللَّهَ الْجَنَّةَ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَكَ الَّذِي يُسْتَجَابُ لَكَ فِيهِ. فصل قَالَ خَيْثَمَةُ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَجَلَسْتُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، جِئْتُ لِأَلْتَمِسَ الْخَيْرَ وَالْعِلْمَ. فَقَالَ: تَسْأَلُنِي وَفِيكُمْ عُلَمَاءُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ عَمِّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَفِيكُمْ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ مُجَابُ الدَّعْوَةِ، وَفِيكُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ صَاحِبُ وَسَائِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْلَيْهِ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ صَاحِبُ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، وَسَلْمَانُ صَاحِبُ الْكِتَابَيْنِ الْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: أَدْرَكَ خَيْثَمَةُ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ، وَرَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ , وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 749 فصل قَالَ خَيْثَمَةُ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: كُلُّ الْعَيْشِ قَدْ جَرَّبْنَاهُ لَيِّنُهُ وَشَدِيدُهُ فَوَجَدْنَاهُ يَكْفِي مِنْهُ أَدْنَاهُ. وَقَالَ: أَتَى مَلَكُ الْمَوْتِ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: مَالَكَ تَأْتِي أَهْلَ بَيْتٍ فَتَقْبِضَهُمْ جَمِيعًا، وَتَدَعُ آلَ بَيْتٍ إِلَى جَنْبِهِمْ لَا تَقْبِضُ مِنْهُمْ أَحَدًا؟ ! قَالَ: مَا أَنَا بِأَعْلَمَ بِمَا أَقْبِضُ مِنْكَ , إِنَّمَا أَكُونُ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُلْقَى إِلَيَّ صِكَاكٌ فِيهَا أَسْمَاءٌ. قَالَ خَيْثَمَةُ: وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَقُولُ: كَيْفَ يَغْلِبُنِي ابْنُ آدَمَ؟ إِذَا رَضِيَ كُنْتُ فِي قَلْبِهِ، وَإِذَا غَضِبَ طِرْتُ حَتَّى أَكُونَ فِي رَأْسِهِ، وَمَا غَلَبَنِي ابْنُ آدَمَ عَلَيْهِ فَلَنْ يَغْلِبَنِي عَلَى ثَلَاثٍ: أَنْ يَأْخُذَ مَالًا مِنْ غَيْرِ حَقِّهِ، وَأَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ حَقِّهِ , وَيَضَعُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ. وَقَالَ: تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبِّ عَبْدُكَ الْمُؤْمِنُ تَزْوِي عَنْهُ الدُّنْيَا وَتُعَرِّضُهُ لِلْبَلَاءِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ: «اكْشِفُوا لَهُ عَنْ ثَوَابِهِ» فَإِذَا رَأَوْا ثَوَابَهُ قَالُوا: لَا يَا رَبِّ لَا يَضُرُّهُ مَا أَصَابَهُ فِي الدُّنْيَا. وَيَقُولُونَ: عَبْدُكَ الْكَافِرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 750 تَزْوِي عَنْهُ الْبَلَاءَ وَتَبْسُطُ لَهُ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: «اكْشِفُوا عَنْ عِقَابِهِ» فَإِذَا رَأَوْهُ قَالُوا: لَا يَنْفَعُهُ مَا أَصَابَهُ مِنَ الدُّنْيَا. قَالَ خَيْثَمَةُ: شَيْءٌ هُوَ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَلَا يَنْقَطِعُ: الْأُلْفَةُ، جَعَلَهَا اللَّهُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ. ذِكْرُ خُلَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَصْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَابِعِيٌّ بَصْرِيٌّ، يَرْوِي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ. قَالَ قَتَادَةُ: جَاءَ خُلَيْدٌ الْعَصْرِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَخَذَ بِعَضَادَتَيْ بَابِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهُ أَلَا إِنَّ كُلَّ حَبِيبٍ يُحِبُّ أَنْ يَلْقَى حَبِيبَهُ، أَلَا فَأَحِبُّوا رَبَّكمُ وَسِيرُوا سَيْرًا جَمِيلًا. وَقَالَ لَا تَلْقَى الْمُؤْمِنَ إِلَّا فِي ثَلَاثِ خِلَالٍ: مَسْجِدٍ يُعْمُرُهُ , أَوْ بَيْتٍ يَسْتُرُهُ , أَوْ حَاجَةٍ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ لَا بَأْسَ بِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 751 وَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ: كَانَ خُلَيْدٌ يَأْمُرُ بِبَيْتِهِ فَيُقَامُ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِوِسَادَتَيْنِ ثُمَّ يُغْلِقُ بَابَهُ ثُمَّ يَقْعُدُ عَلَى فِرَاشِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: مَرْحَبًا بِمَلَائِكَةِ رَبِّي , أَمَا وَاللَّهِ لَأُشْهِدَنَّكُمُ الْيَوْمَ خَيْرًا، خُذُوا بِاسْمِ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَامَّةَ يَوْمِهِ، وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى تَغْلِبَهُ عَيْنَاهُ أَوْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ: كَانَ خُلَيْدٌ يَصُومُ الدَّهْرَ. وَقَالَ خُلَيْدٌ: تَلْقَى الْمُؤْمِنَ عَفِيفًا سَئُولًا عَزِيزًا ذَلِيلًا غَنِيًّا فَقِيرًا، عَفِيفًا عَنِ النَّاسِ، سَئُولًا لِرَبِّهِ، عَزِيزًا فِي نَفْسِهِ، ذَلِيلًا لِرَبِّهِ، غَنِيًّا عَنِ النَّاسِ، فَقِيرًا إِلَى رَبِّهِ، أَحْسَنُ النَّاسَ مَعُونَةً وَأَهْوَنُهُمْ مُؤْنَةً. وَقَالَ: لِكُلِّ شَيْءٍ زِينَةٌ , وَإِنَّ زِينَةَ الْمَسَاجِدِ الْمُتَعَاوِنُونَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 752 ذِكْرُ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ كَلَاعِيٌّ تَابِعِيٌّ حِمْصِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. يَرْوِي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ , وَالْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: لَقِيَ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ. قَدِمَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالِيًا عَلَى حِمْصٍ فَحَضَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الصَّلَاةَ وَخَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ فِي الصَّفِّ، فَلَمَّا رَآهُ إِذَا عَلَى الْعَبَّاسِ ثَوْبُ حَرِيرٍ فَقَامَ إِلَيْهِ خَالِدٌ فَشَقَّ الصُّفُوفَ حَتَّى أَتَاهُ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى الرِّجَالَ عَنْ لِبْسِ هَذَا، فَقَالَ: يَا عَمُّ هَلَّا قُلْتَ أُخْفِي مِنْ هَذَا؟ قَالَ: وَغَمَّكَ مَا قُلْتُ؟ وَاللَّهِ لَا سَكَنْتُ بَلَدًا أَنْتَ فِيهِ، فَخَرَجَ مِنْهَا وَسَكَنَ طَرَسُوسَ، فَكَتَبَ الْعَبَّاسُ إِلَى أَبِيهِ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 753 فَكَتَبَ الْوَلِيدُ إِلَيْهِ: يَا بُنَيَّ الْحَقْهُ بِعَطَائِهِ أَيْنَمَا كَانَ، فَإِنَّا لَا نَأْمَنُ أنْ يَدْعُوَ عَلَيْنَا بِدَعْوَةٍ فَنَهْلَكَ، فَأَقَامَ بِطَرْسُوسَ مُتَعَبِّدًا مُرَابِطًا إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ وَقِيلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَمِائَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ذِكْرُ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ السَّعْدِيُّ الْخَيَّاطُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ: أَبُو خَلْدَةَ يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ يُحْسِنُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ. ذِكْرُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ , مِنَ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 754 بَابُ الدَّالِ ذِكْرُ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ بَصْرِيٌّ تَابِعِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ سَمِعْتُ دَاوُدَ بْنَ أَبِي هِنْدٍ وَكَانَ عَاقِلًا , يَقُولُ: إِنَّكَ إِذَا أَخَذْتَ بِالَّذِي اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ لَمْ يَضُرَّكَ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَإِنَّ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ هُوَ الَّذِي نُهُوا عَنْهُ. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قُلْتُ لِدَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ: مَا تَقُولُ فِي الْقَدَرِ؟ قَالَ دَاوُدُ: لَمْ نُوكَلْ إِلَى الْقَدَرِ وَإِلَيْهِ نَصِيرُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ دَاوُدُ: أَتَيْتُ الشَّامَ فَلَقِيَنِي غَيْلَانُ , فَقَالَ: يَا دَاوُدُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ مَسَائِلَ، فَقُلْتُ: سَلْنِي عَنْ خَمْسِينَ مَسْأَلَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 755 وَأَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ، فَقَالَ: سَلْ يَا دَاوُدُ قُلْتُ: أَخْبِرْنِي مَا أَفْضَلُ مَا أُعْطِيَ ابْنُ آدَمَ؟ قَالَ: الْعَقْلُ، فَقُلْتُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْعَقْلِ؟ أَهُوَ شَيْءٌ مُبَاحٌ لِلنَّاسِ، مَنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ، أَمْ هُوَ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ: فَمَضَى وَلَمْ يُجِبْنِي. وَقَالَ سُفْيَانُ سَمِعْتُ دَاوُدَ بْنَ أَبِي هِنْدٍ , يَقُولُ: أَصَابَنِي الطَّاعُونُ زَمَنَ الطَّاعُونِ فَأُغْمِيَ عَلَيَّ فَكَانَ اثْنَيْنِ أَتَيَانِي فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي , وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلِي , فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَيَّ شَيْءٍ تَجِدُ؟ قَالَ: أَجِدُ تَسْبِيحًا وَتَكْبِيرًا وَخَطًا إِلَى الْمَسْجِدِ , وَشَيْئًا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: انْظُرْ فَنَظَرَ إِلَى رِجْلِي فَقَالَ: كَمْ مِنْ خَيْرٍ مَشَتْ قَالَا: لَمْ يَأْنِ لَهُ، فَقَامَا وَارْتَفَعَا فَبَرِئْتُ وَأَقْبَلْتُ عَلَى الْقُرْآنِ فَحَفِظْتُهُ وَلَمْ أَكُنْ أَحْفَظُهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: صَامَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يَعْلَمُ بِهِ أَهْلُهُ، كَانَ خَرَّازًا يَحْمِلُ غَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِمْ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ فِي الطَّرِيقِ وَيَرْجِعُ عَشِيًّا فَيُفْطِرُ مَعَهُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 756 ذِكْرُ دُخَيْنٍ الْحَجَرِيُّ تَابِعِيٌّ مِصْرِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَرْوِي عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: قَتَلَتْهُ الرُّومُ بِتَنِيسَ سَنَةَ مِائَةٍ. قَالَ دُخَيْنٌ: كَانَ لَنَا جِيرَانُ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَنَهَيْتُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَقُلْتُ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَفَأَدْعُو لَهُمْ بِالشُّرَطِ؟ قَالَ: دَعْهُمْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى عَوْرَةً مِنْ مُسْلِمٍ فَسَتَرَهَا، فَكَأَنَّمَا اسْتَحْيَى مَوْءُودَةً مِنْ قَبْرِهَا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 757 بَابُ الذَّالِ ذِكْرُ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَؤُمُّهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، يَعْنِي فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فِي الْمُصْحَفِ. ذِكْرُ ذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيُقَالُ لَهُ: الزَّيَّاتُ، كَانَ يَجْلِبُ السَّمْنَ وَالزَّيْتَ إِلَى الْكُوفَةِ فَنُسِبَ إِلَيْهَا , وَهُوَ وَالِدُ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 758 ذِكْرُ ذِي الْكِلَاعِ بْنِ عَمِّ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الشَّامِ، يَرْوِي عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. بَابُ الرَّاءِ ذِكْرُ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ رَحِمَهُ اللَّه الثَّوْرِيُّ التَّمِيمِيُّ الْكُوفِيُّ، كُنْيَتُهُ أَبُو يَزِيدَ، مِنَ الْعُبَّادِ السَّبْعَةِ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. رَوَى عَنْ يَاسِينَ الزَّيَّاتِ , قَالَ: جَاءَ ابْنُ الْكَوَّاءِ إِلَى الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 759 فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، قَالَ: مَنْ كَانَ مَنْطِقُهُ تَذَكُّرًا، وَمَسِيرُهُ تَدَبُّرًا. وَأَصَابَهُ الْفَالِجُ فَقِيلَ لَهُ لَوْ تَدَاوَيْتَ، فَقَالَ «إِنَّ الدَّوَاءَ حَقٌّ , وَلَكِنْ ذَكَرْتُ عَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا، كَانَ فِيهِمُ الْأَوْجَاعُ، وَلَهُمُ الْأَطِبَّاءُ فَمَا بَقِيَ الْمُدَاوَى وَلَا الْمُدَاوِي» . ثُمَّ يَقُولُ: أَعِدَّ زَادَكَ، وُخُدْ فِي جِهَازِكَ، وَكُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا رَآهُ قَالَ: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34] . أَمَا إِنَّ مُحَمَّدًا لَوْ رَآكَ لَأَحَبَّكَ. وَقَالَ الرَّبِيعُ: كُلُّ مَا لَا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ يَضْمَحِلُّ، وَكَانَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فَإِذَا سَمِعَ وَقْفًا خَافَتَ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَجِيءُ وَقَدْ نَشَرَ الْمُصْحَفَ فَيُغَطِّيهِ بِثَوْبِهِ. وَقَالَ مُنْذِرٌ الثَّوْرِيُّ: كَانَ الرَّبِيعُ إِذَا أَتَاهُ الرَّجُلُ يَسْأَلُهُ، قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَأَطِعْهُ فِيمَا عَلِمْتَ وَمَا اسْتُؤْثِرَ بِهِ عَلَيْكَ فَكُلُّهُ إِلَى اللَّهِ، وَأَخْزِنْ عَلَيْكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 760 لِسَانَكَ إِلَّا مِمَّا لَكَ، لِأَنِّي عَلَيْكُمْ فِي الْعَمْدِ أَخْوَفُ مِنِّي عَلَيْكُمْ فِي الْخَطَإِ , وَمَا خَيَّرْتُكُمُ الْيَوْمَ بِخَيْرٍ وَلَكِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ آخِرِ شَرٍّ مِنْهُ، وَمَا تَتَّبِعُونَ الْخَيْرَ حَقَّ اتِّبَاعِهِ وَمَا تَفِرُّونَ مِنَ الشَّرِّ حَقَّ فِرَارِهِ، وَلَا كُلَّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكْتُمْ، وَلَا كُلَّ مَا تَقْرَءُونَ تَدْرُونَ مَا هُوَ، ثُمَّ يَقُولُ: السَّرَائِرَ السَّرَائِرَ اللَّائِي تُخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَهُنَّ لِلَّهِ بِوَادٍ الْتَمِسُوا دَوَاءَهُنَّ، ثُمَّ يَقُولُ: وَمَا دَوَاؤُهُنَّ إِلَّا أَنْ تَتُوبَ ثُمَّ لَا تَعُودَ. وَكَانَ يَبْكِي حَتَّى تُبَلَّ لِحْيَتَهُ دُمُوعُهُ وَيَقُولُ: أَدْرَكْنَا أَقْوَامًا نَحْنُ فِي جَنْبِهِمْ لُصُوصٌ. وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: تَدْرُونَ مَا الدَّاءُ وَالدَّوَاءُ وَالشِّفَاءُ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: الدَّاءُ الذُّنُوبُ، وَالدَّوَاءُ الاسْتِغْفَارُ، وَالشِّفَاءُ: أَنْ تَتُوبَ ثُمَّ لَا تَعُودَ. وَقَالَ الرَّبِيعُ: أَقِلُّوا الْكَلَامَ إِلَّا بِتِسْعٍ: تَسْبِيحٌ , وَتَكْبِيرٌ , وَتَهْلِيلٌ , وَتَمْجِيدٌ , وَسُؤَالُكَ الْخَيْرَ، وَتَعَوُّذُكَ الشَّرَّ، وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 761 وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مَاعِزٍ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَعَنَا الرَّبِيعُ فَمَررْنَا عَلَى حَدَّادٍ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ فَنَظَرَ إِلَى حَدِيدَةٍ فِي النَّارِ، فَنَظَرَ الرَّبِيعُ إِلَيْهَا فَتَمَايَلَ لِيَسْقُطَ، فَمَضَى عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى أَتُونِ بَعْضِ الْحَدَّادِينَ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، فَلَمَّا رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ تَلَهَّبُ النَّارُ فِي وَجْهِهِ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان: 12] . فَصُعِقَ الرَّبِيعُ وَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَحَمَلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى دَارِهِ وَرَابَطَهُ إِلَى وَقْتِ الظُّهْرِ فَلَمْ يُفِقْ، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ الظُّهْرَ فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: يَا رَبِيعُ، يَا رَبِيعُ، فَلَمْ يُجِبْ، وَرَابَطَهُ إِلَى الْعَصْرِ فَلَمْ يُفِقْ، ثُمَّ انْطَلَقَ وَصَلَّى بِالنَّاسِ الْعَصْرَ، فَرَجَعَ وَقَالَ: يَا رَبِيعُ يَا رَبِيعُ فَلَمْ يُفِقْ فَرَابَطَهُ إِلَى الْمَغْرِبِ، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ وَرَجَعَ إِلَيْهِ فَلَمْ يُفِقْ، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَبِيعُ يَا رَبِيعُ فَلَمْ يُجِبْهُ وَلَمْ يُفِقْ حَتَّى ضَرَبَهُ بَرْدُ السَّحَرِ. وَقَالَ لَهُ ابْنُ الْكَوَّاءِ: مَا نَرَاكَ تَعِيبُ أَحَدًا وَلَا تَذُمُّهُ، قَالَ: مَا أَنَا عَنْ نَفْسِي بِرَاضٍ فَأَتَفَرَّغَ مِنْ ذَنْبِي إِلَى حَدِيثِ النَّاسِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 762 وَقَالَ الرَّبِيعُ: النَّاسُ رَجُلَانِ: مُؤْمِنٌ , وَجَاهِلٌ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَلَا تُؤْذِهِ، وَأَمَّا الْجَاهِلُ فَلَا تُجَاهِلْهُ. وَقَالَ الرَّبِيعُ: أَكْثِرُوا ذِكْرَ الْمَوْتِ، فَإِنَّ الْغَائِبَ إِذَا طَالَتْ غَيْبَتُهُ رُجِيَتْ جِيئَتُهُ، وَانْتَظَرَهُ أَهْلُهُ وَأَوْشَكَ أَنْ يَقْدُمَ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ نُسَيْرُ بْنُ ذُعْلُوقٍ: رَأَيْتُهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ قَائِمًا يُصَلِّي فَمَرَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21] . فَمَكَثَ لَيْلَتَهُ حَتَّى أَصْبَحَ مَا يَجُوزُ هَذِهِ إِلَى غَيْرِهَا بِبُكَاءٍ شَدِيدٍ. وَعَنْ عَاصِمٍ , قَالَ: قِيلَ لِلرَّبِيعِ: أَلَا تَتَمَثَّلُ بِبَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ فَقَدْ كَانَ أَصْحَابُكَ يَتَمَثَّلُونَ؟ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ تُكُلِّمَ بِهِ إِلَّا كُتِبَ، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أَقْرَأَ فِي كِتَابِي بَيْتَ شِعْرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ: وَأَصَابَهُ الْفَالِجُ، فَكَانَ يُحْمَلُ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقِيلَ لَهُ: قَدْ رُخِّصَ لَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي بَيْتِكَ، قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ وَلَكِنِّي سَمِعْتُ النِّدَاءَ بِالْفَلَاحِ، فَإِذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 763 سَمِعْتُمُوهُ فَأَجِيبُوهُ وَلَوْ زَحْفًا وَلَوْ حَبْوًا. وَقَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ يَقُولُ لِرَبِّهِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَعْنِي يَسْتَبْطِئُ الرَّحْمَةَ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَقُولُ: رَبِّ قَدْ أَدَّيْتُ الَّذِي عَلَيَّ فَأَدِّ مَا عَلَيْكَ. وَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَأَنَّهُ ثَوْبٌ مَطْرُوحٌ فَتَجِيءُ الْعَصَافِيرُ فَتَقَعُ عَلَيْهِ. وَقَالَ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ: كَانَ الرَّبِيعُ لَا يُعْطِي السَّائِلَ أَقَلَّ مِنْ رَغِيفٍ وَيَقُولُ: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ رَبِّي أَنْ أَرَى غَدًا فِي مِيزَانِي نِصْفَ رَغِيفٍ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا جَلَسَ الرَّبِيعُ فِي مَجْلِسِ قَوْمِهِ مُنْذُ تَأَزَّرَ، وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يُظْلَمَ رَجُلٌ فَلَا أَنْصُرَهُ، أَوْ يَفْتَرِي رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ فَأُكَلِّفَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ، أَوْ لَا أَغُضَّ الْبَصَرَ، أَوْ يَقَعَ عَنِ الْحَامِلِ فَلَا أُحْمَلُ عَلَيْهِ. حُكِيَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ: أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فِي الْمَكْتَبِ يَبْكُونَ فَقَالَ: مَا بَالُكُمْ يَا مَعْشَرَ الصِّبْيَانِ؟ قَالُوا: إِنَّ هَذَا يَوْمُ الْخَمِيسِ يَوْمُ عَرْضِ الْكِتَابِ عَلَى الْمُعَلِّمِ فَنَخْشَى أَنْ يَضْرِبَنَا، فَبَكَى الرَّبِيعُ , وَقَالَ: يَا نَفْسُ كَيْفَ بِيَوْمِ عَرْضِ الْكِتَابِ عَلَى الْجَبَّارِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 764 ذِكْرُ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: رَبِيعَةُ الرَّأْيِ، كَانَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَعَنْهُ أَخَذَ مَالِكٌ الْفِقْهَ، يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. قِيلَ لِرَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَا الزَهَادَةُ؟ قَالَ: جَمْعُ الْأَشْيَاءِ مِنْ حِلِّهَا وَوَضْعِهَا فِي حَقِّهَا. وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: صِفْ لِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ أَنْعَتُهُمَا لَكَ، أَمَّا هُمَا فَقَدْ سَبَقَا مَنْ كَانَ مَعَهُمَا وَأَتْعَبَا مَنْ كَانَ بَعْدَهُمَا. وَوَقَفَ عَلَى قَوْمٍ يَتَذَاكَرُونَ شَأْنَ الْقَدَرِ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تَكُونُوا صَادِقِينَ لِمَا فِي أَيْدِيكُمْ أَعْظَمُ مِمَّا فِي يَدَيْ رَبِّكُمْ، إِنْ كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 765 الْخَيْرُ وَالشَّرُّ بِأَيْدِيكُمْ. رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَ فِيمَا أَعْطَى اللَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْأَلْوَاحِ عَشْرَةَ أَبْوَابٍ: يَا مُوسَى لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا، فَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَتَلْفَحَنَّ وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ النَّارُ، وَاشْكُرْ لِي وَالِدَيْكَ أَقِيكَ الْمَتَالِفَ، وَأُنْسِئُ لَكَ فِي عُمُرِكَ، وَأُحْيِيكَ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَأَقْلِبُكَ إِلَى خَيْرٍ مِنْهَا، وَلَا تَقْتُلِ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمْتُ إِلَّا بِالْحَقِّ، فَتَضِيقَ عَلَيْكَ الْأَرْضُ بِرَحْبِهَا، وَالسَّمَاءُ بِأَقْطَارِهَا، وَتَبُوءَ بِسَخَطِي وَالنَّارِ، وَلَا تَحْلِفْ بِاسْمِي كَاذِبًا فَإِنِّي لَا أُطَهِّرُ وَلَا أُزَكِّي مَنْ لَمْ يُنَزِّهْنِي، وَلَمْ يُعَظِّمْ أَسْمَائِي، وَلَا تَحْسُدِ النَّاسَ عَلَى مَا أَعْطَيْتُهُمْ مِنْ فَضْلِي، وَلَا تَنْفَسْ عَلَيْهِمْ نِعْمَتِي وَرِزْقِي، فَإِنَّ الْحَاسِدَ عَدُوٌ لِنِعْمَتِي، رَادٌّ لِقَضَائِي، سَاخِطٌ لِقِسْمَتِي الَّتِي أَقْسِمُ بَيْنَ عِبَادِي، وَمَنْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَسْتُ مِنْهُ وَلَيْسَ مِنِّي، وَلَا تَشْهَدْ بِمَا لَمْ يَعِ سَمْعُكَ وَيُعْقَدْ عَلَيْهِ قَلْبُكَ، فَإِنِّي وَاقِفٌ أَهْلَ الشَّهَادَاتِ عَلَى شَهَادَاتِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ سَائِلُهُمْ عَنْهَا سُؤَالًا حَثِيثًا، وَلَا تَزْنِ وَلَا تَسْرِقْ , وَلَا تَزْنِ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ فَأَحْجِبُ عَنْكَ وَجْهِي، وَتُغَلَّقُ عَنْكَ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَأَحَبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَلَا تَذْبَحَنَّ لِغَيْرِي، فَإِنِّي لَا أَقْبَلُ مِنَ الْقُرْبَانِ إِلَّا مَا ذُكِرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 766 عَلَيْهِ اسْمِي، وَكَانَ خَالِصًا لِوَجْهِي، وَتَفَرَّغْ لِي يَوْمَ السَّبْتِ، وَفَرِّغْ لِيَ أَبْنِيَتَكَ وَجَمِيعَ أَهْلِ بَيْتِكَ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اخْتَارَ لَنَا الْجُمُعَةَ، فَجَعَلَهَا لَنَا عِيدًا» . ذِكْرُ رَبِيعَةَ بْنَ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الشَّامِ. قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ: مَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِصَلَاةٍ الظُّهْرِ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِلَّا وَأَنَا فِي الْمَسْجِدِ، إِلَّا أَنْ أَكُونَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: خَرَجَ رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ غَازِيًا نَحْوَ الْمَغْرِبِ فِي بَعْثٍ بَعَثَهُ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقُتِلَ فِي ذَلِكَ الْبَعْثِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 767 ذِكْرُ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ الْكِنْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ أَبُو الْمِقْدَامِ سَكَنَ فِلَسْطِينَ، وَكَانَ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الشَّامِ وَزُهَّادِهِمْ وَفُقَهَائِهِمْ. قَالَ أَصْحَابُ التَّارِيخِ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: مَنْ سَيِّدُ أَهْلِ فِلَسْطِينَ؟ قَالُوا: رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ. قَالَ: فَمَنْ سَيِّدُ أَهْلِ الْأُرْدُنِ؟ قَالُوا: عُبَادَةُ بْنُ نَسِيٍّ. قَالَ: فَمِنْ سَيِّدُ أَهْلِ حِمْصَ؟ قَالُوا: عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ. قَالَ: فَمَنْ سَيِّدُ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ؟ قَالُوا: عَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ الْكِنْدِيُّ. قَالَ: يَا آلَ كِنْدَةَ يَعْنِي أَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ مِنْ كِنْدَةَ , وَقِيلَ قَالَ: فَمَنْ سَيِّدُ أَهْلِ دِمَشْقَ؟ قَالُوا: يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 768 بَابُ الزَّايِ ذِكْرُ زَاذَانَ أَبِي عَمْرٍو الْكِنْدِيُّ تَابِعِيٌّ كُوفِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَى ابْنُ نُمَيْرٍ , قَالَ: قَالَ زَاذَانُ: يَا رَبِّ إِنِّي جَائِعٌ فَسَقَطَ مِنَ الرَّوْزَنَةِ رَغِيفٌ مِثْلُ الَّرحَا. وَقَالَ زَاذَانُ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَيَتَآكَلَ بِهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجْهُهُ عَظْمٌ لَيْسَ عَلَيْهِ لَحْمٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ: كَانَ زَاذَانُ تَاجِرًا، فَكَانَ إِذَا جَاءَهُ الرَّجُلُ أَرَاهُ شَرَّ الطَّرَفَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 769 وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الطور: 47] . هُوَ عَذَابُ الْقَبْرِ. ذِكْرُ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ كُوفِيٍّ كُنْيَتُهُ أَبُو مَرْيَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عَاصِمٌ: كَانَ زِرٌّ مِنْ أَعْرَبِ النَّاسِ، كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَسْأَلُهُ عَنِ الْعَرَبِيَّةِ. قَالَ عَاصِمٌ: وَمَا رَأَيْتُ أَقْرَأُ مِنْ زِرٍّ، وَكَانَ يَتَّخِذُ اللَّيْلَ جُمَلًا. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: رَأَيْتُ زِرًّا وَقَدْ أَتَى عَلَيْهِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 770 ذِكْرُ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى تَابِعِيٌّ بَصْرِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مِنَ الْعُبَّادِ. وَقَالَ أَبُو جَنَابٍ: أَمَّنَا زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى فِي مَسْجِدِ بَنِي قُشَيْرٍ , فَلَمَّا بَلَغَ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر: 8] . خَرَّ مَيِّتًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ذِكْرُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ تَابِعِيٍّ مَدَنِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ يَجْتَهِدُ فِي الْعِبَادَةِ وَيُشَدِّدُ عَلَى نَفْسِهِ وَيُقَنِّطُ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، ثُمَّ مَاتَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، مَالِي عِنْدَكَ؟ قَالَ: النَّارُ. قَالَ: يَا رَبِّ أَيْنَ عِبَادَتِي وَاجْتِهَادِي؟ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 771 تُقَنِّطُ النَّاسَ مِنْ رَحْمَتِي، فَأَنَا أُقَنِّطُكَ الْيَوْمَ مِنْ رَحْمَتِي. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: سَكَنَ رَجُلٌ الْمَقَابِرَ فَعُوتِبَ، فَقَالَ: جِيرَانُ صِدْقٍ وَلِي فِيهِمْ عِبْرَةٌ. قَالَ: وَسُئِلَ لُقْمَانُ: أَيُّ عَمَلِكَ أَوْثَقُ فِي نَفْسِكَ؟ قَالَ: تَرْكُ مَالا يَعْنِينِي. بَابُ السِّينِ ذِكْرُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ حَزْنٍ الْمَخْزُومِيِّ الْقُرَشِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ مَضَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ مِنْ سَادَاتِ التَّابِعِينَ فِقْهًا وَدِينًا وَوَرَعًا وَعِلْمًا وَعِبَادَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 772 وَفَضْلا. وَيُقَالَ: هُوَ مِمَّنْ أَصْلَحَ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، مَا سَمِعَ الْأَذَانَ فِي أَهْلِهِ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ يَحْضُرُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ الْأَذَانِ، فَلَمَّا بُويِعَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَبَايَعَ لِلْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَخَذَ الْبَيْعَةَ مِنَ النَّاسِ أَبَى ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَلَمْ يُبَايِعْهُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ الْقَارِئُ: إِنَّكَ تُصَلِّي بِحَيْثُ يَرَاكَ هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، فَلَوْ غَيَّرْتَ مُقَامَكَ حَتَّى لَا يَرَاكَ، وَكَانَ هِشَامٌ وَالِيًا عَلَى الْمَدِينَةِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ، فقَالَ سَعِيدٌ: إِنِّي لَمْ أَكُنْ أُغَيِّرُ مَقَامًا قُمْتُهُ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ: فَتَخَرُجَ مُعْتَمِرًا، فَقَالَ: لَمْ أَكُنْ لَأُجْهِدَ بَدَنِي وَأُنْفِقَ مَالِي فِي شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ نِيَّةٌ، قَالَ: فَتُبَايَعْ إِذَنْ، فَأَبَى أَنْ يُبَايِعَ، فَكَتَبَ هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَيْهِ: مَا دَعَاكَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , مَا كَانَ عَلَيْنَا مِنْهُ شَيْءٌ نَكْرَهُهُ , فَإِمَّا إِذْ فَعَلْتَ فَادْعُهُ، فَإِنْ بَايَعَ وَإِلَّا فَاضْرِبْهُ ثَلَاثِينَ سَوْطًا وَأَوْقِفْهُ لِلنَّاسِ. فَدَعَاهُ هِشَامٌ فَأَبَى، وَقَالَ: لَسْتُ أُبَايِعُ لِاثْنَيْنِ فَضَرَبَهُ ثَلَاثِينَ سَوْطًا وَأَمَرَ فَطِيفَ بِهِ حَتَّى بَلَغُوا بِهِ الْحَنَّاطِينَ ثُمَّ رَدَّهُ، وَأَمَرَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 773 وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبًا مِنْ شَعْرٍ، أَوْ قَالَ: ثِيَابًا مِنْ شَعْرٍ، فَقَالَ سَعِيدٌ: لَوْلَا أَنِّي ظَنَنْتُ أَنَّهُ الْقَتْلُ مَا لَبِسْتُهُ، قُلْتُ: أَسْتُرُ عَوْرَتِي عِنْدَ الْمَوْتِ. قَالَ بُرْدٌ: مَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً إلِا وَسَعِيدٌ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ سَعِيدٌ: مَا دَخَلَ عَلَيَّ وَقْتُ الصَّلَاةِ إِلَّا وَقَدْ أَخَذْتُ أُهْبَتَهَا وَأَنَا إِلَيْهَا مُشْتَاقٌ. وَقَالَ سَعِيدٌ: مَا فَاتَتْنِي التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً، وَمَا نَظَرْتُ فِي أَقْفِيَةِ النَّاسِ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً، يَعْنِي فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: صَلَّى سَعِيدٌ الصُّبْحَ بِوُضُوءِ الْعَتْمَةِ خَمْسِينَ سَنَةً. وَقَالَ ابْنُ حَرْمَلَةَ: سَمِعْتُ سَعِيدًا، يَقُولُ: لَقَدْ حَجَجْتُ أَرْبَعِينَ حَجَّةً. وَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْخُزَاعِيُّ: إِنَّ نَفْسَ سَعِيدٍ كَانَتْ أَهْوَنَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ مِنْ نَفْسِ ذُبَابَةٍ. وَقَالَ سَعِيدٌ: مَا أَكْرَمَتِ الْعِبَادُ أَنْفُسَهَا بِمِثْلِ طَاعَةِ اللَّهِ، وَلَا أَهَانَتِ الْعِبَادُ أَنْفُسَهَا بِمِثْلِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَكَفَى بِالْمُؤْمِنِ نُصْرَةٌ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرَى عَدُوَّهُ يَعْمَلُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 774 وَكَانَ يَكْثُرُ أَنْ يَقُولَ فِي مَجْلِسِهِ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وَعَنْ عَلَيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ , قِيلَ لِسَعِيدٍ: مَا بَالُ الْحَجَّاجِ لَا يَبْعَثُ إِلَيْكَ وَلَا يُهَيِّجُكَ وَلَا يُؤْذِيكَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي غَيْرَ أَنَّهُ صَلَّى ذَاتَ يَوْمٍ مَعَ أَبِيهِ صَلَاةً فَجَعَلَ لَا يُتَمِّمُ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا فَأَخَذْتُ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ فَحَصَبْتُهُ بِهَا، قَالَ الْحَجَّاجُ: فَمَازِلْتُ أُحْسِنُ الصَّلَاةَ. فصل قَالَ عَلِيُّ بْنِ زَيْدٍ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: قَدْ بَلَغْتُ ثَمَانِينَ سَنَةً وَمَا شَيْءٌ أَخْوَفُ عِنْدِي مِنَ النِّسَاءِ، وَكَانَ بَصَرُهُ قَدْ ذَهَبَ. وَعَنْ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ , قَالَ: كُنْتُ أُجَالِسُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَفَقَدَنِي أَيَّامًا فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ قُلْتُ: تُوُفِّيَتْ أَهْلِي فَاشْتَغَلْتُ بِهَا، فَقَالَ: أَلَا أَخْبَرْتَنَا فَشَهِدْنَاهَا؟ قَالَ: ثُمَّ أَرَدْتُ أَنْ أَقُومَ فَقَالَ: هَلِ اسْتَحْدَثْتَ امْرَأَةً؟ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَمِنْ يُزَوِّجُنِي، وَمَا أَمْلِكُ إِلَّا دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً؟ فَقَالَ: أَنَا. فَقُلْتُ: وَتَفْعَلُ؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ تَحَمَّدَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوَّجَنِي عَلَى دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، قَالَ: فَقُمْتُ، وَمَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ مِنَ الْفَرَحِ، فَصِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَجَعَلْتُ أَتَفَكَّرُ مِمَّنْ آخُذُ وَمِمَّنْ أَسْتَدِينُ، فَصَلَّيْتُ الْمَغْرِبَ وَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَكُنْتُ وَحْدِي صَائِمًا، فَقَدَّمْتُ عَشَائِي أُفْطِرُ , وَكَانَ خُبْزًا وَزَيْتًا، فَإِذَا بَابِي يُقْرَعُ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: سَعِيدٌ. فَفَكَّرْتُ فِي كُلِّ إِنْسَانٍ اسْمُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 775 سَعِيدٌ إِلَّا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِلَّا بَيْنَ بَيْتِهِ وَالْمَسْجِدِ، فَقُمْتُ فَخَرَجْتُ فَإِذَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ بَدَا لَهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَلَا أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَأَتَيْتُكَ، قَالَ: لَا، أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تُؤْتَى، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: إِنَّكَ كُنْتَ رَجُلًا عَزَبًا فَتَزَوَّجْتَ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُبَيِّتَكَ اللَّيْلَةَ وَحْدَكَ، وَهَذِهِ امْرَأَتُكَ فَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ مِنْ خَلْفِهِ فِي طُولِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهَا فَدَفَعَهَا فِي الْبَيْتِ وَرَدَّ الْبَابَ، فَسَقَطَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الْحَيَاءِ فَاسْتَوْثَقْتُ مِنَ الْبَيْتِ ثُمَّ تَقَدَّمْتُهَا إِلَى الْقَصْعَةِ الَّتِي فِيهَا الْخُبْزُ وَالزَّيْتُ فَوَضَعْتُهَا فِي ظِلِّ السِّرَاجِ لِكَيْلَا تَرَاهُ ثُمَّ صَعَدْتُ إِلَى السَّطْحِ فَرَمَيْتُ الْجِيرَانَ فَجَاءُونِي فَقَالُوا: مَا شَأْنُكَ؟ قُلْتُ: زَوَّجَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بِنْتَهُ الْيَوْمَ وَقَدْ جَاءَ بِهَا عَلَى غَفْلَةٍ. فَقَالُوا: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ زَوَّجَكَ قُلْتُ: نَعَمْ، وَهَا هِيَ فِي الدَّارِ، قَالَ: فَنَزَلُوا إِلَيْهَا وَبَلَغَ أُمِّي فَجَاءَتْ، فَقَالَتْ: وَجْهِي فِي وَجْهِكَ حَرَامٌ إِنْ أَمْسَسْتَهَا قَبْلَ أَنْ أُصْلِحَهَا إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، قَالَ: فَأَقَمْتُ ثَلَاثًا ثُمَّ دَخَلْتُ فَإِذَا هِيَ أَجْمَلُ النِّسَاءِ وَأَحْفَظُ النَّاسِ لِكِتَابِ اللَّهِ وَأَعْلَمُهُمْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْرَفُهُمْ بِحَقِّ الزَّوْجِ، قَالَ: فَمَكَثْتُ شَهْرًا لَا يَأْتِينِي سَعِيدٌ وَلَا آتِيهِ، فَلَمَّا كَانَ قُرْبَ الشَّهْرِ أَتَيْتُ سَعِيدًا، وَهُوَ فِي حَلَقَةٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ وَلَمْ يُكَلِّمْنِي حَتَّى تَقَوَّضَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ غَيْرِي، قَالَ: مَا حَالُ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 776 قُلْتُ: خَيْرًا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، عَلَى مَا يُحِبُّ الصَّدِيقُ وَيَكْرَهُ الْعَدُوُّ وَقَالَ: إِنْ رَابَكَ شَيْءٌ فَالْعَصَا. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ: خَطَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَلَى ابْنِهِ حِينَ وَلَّاهُ الْعَهْدَ فَأَبَى سَعِيدٌ أَنْ يُزَوِّجَهُ فَلَمْ يَزَلْ عَبْدُ الْمَلِكِ يَحْتَالُ عَلَى سَعِيدٍ حَتَّى ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ وَصَبَّ عَلَيْهِ جَرَّةَ مَاءٍ وَأَلْبَسَهُ جُبَّةَ صُوفٍ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: مَاتَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَتَرَكَ أَلْفَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِينَارٍ، وَقَالَ: مَا تَرَكْتُهَا إِلَّا لِأَصُونَ بِهَا دِينِي وَحَسَبِي. فصل رُوِيَ أَنَّ الْمُطَّلِبَ بْنَ حَنْطَبٍ دَخَلَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي مَرَضِهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ، فَقَالَ: أَقْعِدُونِي فَأَقْعَدُوهُ، فَقَالَ: إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُحَدِّثَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُضْطَجِعٌ. وَقَالَ سَعِيدٌ: لَا تَقُولُوا مُصَيْحِفٌ وَلَا مُسَيْجِدٌ، مَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ عَظِيمٌ حَسَنٌ جَمِيلٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 777 وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فِي لَيْلَةٍ أَضْحِيَانَ وَأَظُنُّ أَنِّي قَدْ أَصْبَحْتُ فَإِذَا اللَّيْلُ عَلَى حَالِهِ، فَقُمْتُ أُصَلِّي فَجَلَسْتُ أَدْعُو، فَإِذَا هَاتِفٌ يَهْتِفُ بِي خَلْفِي: يَا عَبْدَ اللَّهِ قُلْ، قُلْتُ: مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ مَلِكٌ وَمَا تَشَاءُ مِنْ أَمْرٍ يَكُنْ. قَالَ سَعِيدٌ: فَمَا دَعَوْتُ بِهَا لِشَيْءٍ قَطُّ إِلَّا رَأَيْتُ نُجْحَهُ. وقَالَ عِمْرَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: دُعِيَ سَعِيدٌ إِلَى الْبَيْعَةِ لِلْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ بَعْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ , فقَالَ: لَا أُبَايِعُ اثْنَيْنِ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، فَقِيلَ: ادْخُلْ مِنَ الْبَابِ وَاخْرُجْ مِنَ الْبَابِ الْآخَرِ، قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَقْتَدِي بِي أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ فَجُلِدَ مِائَةً وَأُلْبِسَ الْمُسُوحَ، وَلَمَّا جُرِّدَ لِيُضْرَبَ، قَالَتِ امْرَأَتُهُ: إِنَّ هَذَا لَمَقَامُ خِزْيٍ، فقَالَ سَعِيدٌ: مِنْ مَقَامِ الْخِزْيِ فَرَرْنَا. وَقَالَ ابْنُ حَرْمَلَةَ: مَا كَانَ إِنْسَانٌ يَجْتَرِئُ عَلَى أَنْ يَسْأَلَ سَعِيدًا عَنْ شَيْءٍ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُ كَمَا يَسْتَأْذِنُ الْأَمِيرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 778 وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُرِيدُ جَمْعَ الْمَالِ مِنْ حِلِّهِ، يُعْطِي مِنْهُ حَقَّهُ، وَيَكُفُّ بِهِ وَجْهَهُ، وَيَصِلُ مِنْهُ رَحِمَهُ، وَيُؤَدِّي مِنْهُ أَمَانَتَهُ، وَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ خَلْقِ رَبِّهِ. فصل قَالَ مَالِكٌ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يُمَارِي غُلَامًا لَهُ فِي ثُلُثَيْ دِرْهَمٍ وَأَتَاهُ ابْنُ عَمِّهِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهَا. فصل قَالَ سَعِيدٌ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ فَضِيحَةَ عَبْدٍ أَخْرَجَهُ مِنْ تَحْتِ كَنَفِهِ فَبَدَتْ لِلنَّاسِ عَوْرَتُهُ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: زَوَّجَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ابْنَتَهُ بِدِرْهَمَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 779 ذِكْرُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَابِعِيٌّ كُوفِيٌّ، كَانَ فَقِيهًا عَابِدًا وَرِعًا فَاضِلًا، قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ، وَهُوَ ابْنُ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ , يَقُولُ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي الْكَعْبَةِ فِي لَيْلَةٍ. وَقَالَ الْقَاسِمُ لِلْأَعْرَجِ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَبْكِي بِاللَّيْلِ حَتَّى عَمِشَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 780 وَقَالَ وَرْقَاءُ بْنُ إِيَاسٍ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي رَمَضَانَ. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ سَمِعْتُ سَعِيدًا يُرَدِّدُ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281] الْآيَةَ. وَعَنْ وَقَّاءٍ , قَالَ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَقَالَ هِلَالُ بْنُ يَسَافٍ: دَخَلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الْكَعْبَةَ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي الْمُغِيرَةِ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا أَتَاهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ يَسْتَفْتُونَ يَقُولُ: أَلَيْسَ فِيكُمُ ابْنُ أَبِي الدَّهْمَاءِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 781 وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقَدْ مَاتَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَا عَلَى الْأَرْضِ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى عِلْمِهِ. وَقَالَ أَشْعَثُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ يُقَالَ: سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ جَهْبَذُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَبُو حُصَيْنٍ: أَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ بِمَكَّةَ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَادِمٌ يَعْنِي خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَلَا آمَنُهُ عَلَيْكَ وَأَخْرُجُ، قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ فَرَرْتُ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنَ اللَّهِ، قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاكَ كَمَا سَمَّتْكَ أُمُّكَ سَعِيدًا، فَقَدِمَ خَالِدٌ مَكَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَخَذَهُ، قَالَ يَزِيدُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَتَيْنَا سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ حِينَ جِيءَ بِهِ فَإِذَا هُوَ طَيِّبُ النَّفْسِ، وَبُنَيَّةٍ لَهُ فِي حِجْرِهِ، فَنَظَرَتْ إِلَى الْقَيْدِ فَبَكَتْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 782 وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ: دَعَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ابْنَهُ حِينَ دُعِيَ لِيُقْتَلَ فَجَعَلَ ابْنُهُ يَبْكِي فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ مَا بَقَاءُ أَبِيكَ بَعْدَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ. وَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، قَالَ: لَمَّا أُتِيَ بِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إِلَى الْحَجَّاجِ، قَالَ: أَنْتَ شَقِيُّ بْنُ كُسَيْرٍ، قَالَ: أَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ , قَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ، قَالَ: أَنَا إِذًا كَمَا سَمَّتْنِي أُمِّي، قَالَ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: وَجِّهُوهُ إِلَى قِبْلَةِ النَّصَارَى، قَالَ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] . قَالَ: إِنّي أَسْتَعِيذُ مِنْكَ بِمَا عَاذَتْ بِهِ مَرْيَمُ، قَالَ: وَمَا عَاذَتْ بِهِ مَرْيَمُ؟ قَالَ: قَالَتْ: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} [مريم: 18] . قَالَ سُفْيَانُ: لَمْ يُقْتَلْ بَعْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ شَوْذَبٍ , قَالَ: لَمَّا أَمَرَ الْحَجَّاجُ بِسَعِيدٍ أَنْ يُقْتَلَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَنَادَى الْحَجَّاجُ مِنْ مَجْلِسِهِ اصْرِفُوهُ فَصُرِفَ عَنِ الْقِبْلَةِ. وَقَالَ خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِيهِ: شَهِدْتُ مَقْتَلَ سَعِيدٍ، فَلَمَّا بَانَ رَأْسُهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , ثُمَّ قَالَ: ثَلَاثًا وَلَمْ يُتِمَّ الثَّالِثَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 783 وَقَالَ يَعْلَى: كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَى الْحَجَّاجِ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَكُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْدَمَا قَتَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ مِمَّا يَلِي ظَهْرَهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَالِي وَلِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فخرجت رويدا وعلمت أَنَّهُ إِنْ عَلِمَ بِي قَتَلَنِي، فَلَمْ يَلْبَثِ الْحَجَّاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا يَسِيرًا. فصل قَالَ عَوْنُ بْنُ أَبِي شَدَّادٍ: بَلَغَنِي أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ لَمَّا ذُكِرَ لَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَرْسَلَ إِلَيْهِ قَائِدًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ خَاصَّةِ أَصْحَابِهِ وَمَعَهُ عِشْرُونَ رَجُلًا , فَبَيْنَا هُمْ يَطْلُبُونَهُ إِذْ هَمَّ بِرَاهِبٍ فِي صَوْمَعَةٍ لَهُ , فَسَأَلُوهُ عَنْهُ فَقَالَ الرَّاهِبُ: صِفْوهُ لِي فَوَصَفُوهُ لَهُ فَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ فَانْطَلَقُوا فَوَجَدُوهُ سَاجِدًا فَدَنَوْا مِنْهُ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَأَتَمَّ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلَامَ فَقَالُوا: إِنَّا رُسُلُ الْحَجَّاجِ إِلَيْكَ فَأَجِبْهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ فَمَشَى مَعَهُمْ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى دِيرِ الرَّاهِبِ فَقَالَ لَهُمُ الرَّاهِبُ: اصْعَدُوا الدَّيْرَ فَإِنَّ اللَّبُؤَةَ وَالْأَسَدَ يَأْوِيَانِ حَوْلَ الدِّيرِ فَعَجِّلُوا الدُّخُولَ قَبْلَ الْمَسَاءِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَأَبَى سَعِيدٌ أَنْ يَدْخُلَ الدَّيْرَ فَقَالُوا: مَا نَرَاكَ إِلَّا وَأَنْتَ تُرِيدُ الْهَرَبَ مِنَّا، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لَا أَدْخُلُ مَنْزِلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 784 مُشْرِكٍ أَبَدًا، قَالُوا: فَإِنَّا لَا نَدَعُكَ فَإِنَّ السِّبَاعَ تَقْتُلُكَ، قَالَ سَعِيدٌ: لَا ضَيْرَ , إِنَّ مَعِي رَبِّي فَيَصْرِفْهَا عَنِّي وَيَجْعَلْهَا حَرَسًا حَوْلِي يَحْرُسُونِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالُوا: فَأَنْتَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، قَالَ: مَا أَنَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَكِنْ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ خَاطِئٌ مُذْنِبٌ، قَالَ الرَّاهِبُ: فَلْيُعْطِنِي مَا أَثِقُ بِهِ، فَعَرَضُوا عَلَى سَعِيدٍ أَنْ يُعْطِيَ الرَّاهِبَ مَا يُرِيدُ قَالَ: إِنِّي أُعْطِي اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ الْعَهْدَ أَلَّا أَبْرَحَ مَكَانِي حَتَّى أُصْبِحَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَ الرَّاهِبُ لَهُمْ: اصْعَدُوا وَوَتِّرُوا الْقِسِيَّ تُنَفِّرُوا السِّبَاعَ عَنْ هَذَا الْعَبْدِ الصَّالِحِ، فَلَمَّا صَعَدُوا وَوَتَّرُوا الْقِسِيَّ، إِذَا هُمْ بِلَبُؤَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ فَلَمَّا دَنَتْ مِنْ سَعِيدٍ تَحَاكَّتْ بِهِ وَتَمَسَّحَتْ ثُمَّ رَبَضَتْ قَرِيبًا مِنْهُ , وَأَقْبَلَ الأَسَدُ فَصَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَأَى الرَّاهِبُ ذَلِكَ وَأَصْبَحُوا نَزَلَ إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَنْ شَرَائِعِ دِينِهِ وَسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَسَّرَ سَعِيدٌ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَأَسْلَمَ الرَّاهِبُ، وَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَى سَعِيدٍ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَقُولُونَ: قَدْ حَلَفْنَا لِلْحَجَّاجِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ إِنْ نَحْنُ رَأَيْنَاكَ لَا نَدَعُكَ حَتَّى نُشْخِصَكَ إِلَيْهِ. قَالَ: امْضُوا لِأَمْرِكُمْ فَإِنَّهُ لَا رَادَّ لِقَضَاءِ اللَّهِ، فَسَارُوا حَتَّى بَلَغُوا وَاسِطًا فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهَا قَالَ لَهُمْ: أَشُكُّ أَنَّ أَجَلِي قَدْ حَضَرَ، وَأَنَّ الْمُدَّةَ قَدِ انْقَضَتْ، فَدَعُونِي اللَّيْلَةَ آخُذُ أُهْبَةَ الْمَوْتِ وَأَسْتَعِدُّ لِمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَلَيَّ أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمْ إِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 785 شَاءَ اللَّهُ، فَنَظَرُوا إِلَى سَعِيدٍ قَدْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَشَعِثَ رَأْسُهُ، وَاغْبَرَّ لَوْنُهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ، وَلَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ لَقُوهُ، فَقَالُوا: كَيْفَ ابْتُلِينَا بِكَ؟ أُعْذُرْنَا عِنْدَ خَالِقنَا يَوْمَ الْحَشْرِ، فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ فَغَسَلَ رَأْسَهُ وَمِدْرَعَتَهُ وَكِسَاءَهُ، فَلَمَّا انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ، جَاءَهُمْ فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى الْحَجَّاجِ وَآخَرُ مَعَهُ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: أَتَيْتُمُونِي بِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ. وَعَايَنَّا مِنْهُ الْعَجَبَ، فَصَرَفَ وَجْهَهُ عَنْهُمْ وَقَالَ: أَدْخِلُوهُ عَلَيَّ فَأُدخِلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. قَالَ: أَنْتَ شَقِيُّ بْنُ كَسِيرٍ. قَالَ: بَلْ أُمِّي كَانَتْ أَعْلَمَ بِاسْمِي مِنْكَ. قَالَ: شَقِيتَ أَنْتَ وَشَقِيَتْ أُمُّكَ. قَالَ: الْغَيْبُ يَعْلَمُهُ غَيْرُكَ. قَالَ: لَأُبَدِّلَنَّكَ بِالدُّنْيَا نَارًا تَلَظَّى، ثُمَّ قَالَ الْحَجَّاجُ: اخْتَرْ يَا سَعِيدُ أَيَّ قِتْلَةٍ تُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَكَ، قَالَ: اخْتَرْ لِنَفْسِكَ يَا حَجَّاجُ، فَوَاللَّهِ مَا تَقْتُلُنِي قَتْلَةً إِلَّا قُتِلْتَ مِثْلَهَا فِي الْآخِرَةِ. قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاقْتُلُوهُ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْبَابِ ضَحِكَ، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ الْحَجَّاجُ فَأَمَرَ بِرَدِّهِ فَقَالَ: مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: عَجِبْتُ مِنْ جُرْأَتِكَ عَلَى اللَّهِ وَحِلْمِ اللَّهِ عَنْكَ، فَأَمَرَ بِالنَّطْعِ فَبُسِطَ فَقَالَ: اقْتُلُوهُ، فَقَالَ سَعِيدٌ: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79] . قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 786 اصْرِفُوهُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ. قَالَ سَعِيدٌ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] . قَالَ: كُبُّوهُ عَلَى وَجْهِهِ، قَالَ سَعِيدٌ: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55] . قَالَ: اذْبَحُوهُ. قَالَ سَعِيدٌ أَمَا إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خُذْهَا مِنِّي حَتَّى تَلْقَانِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ دَعَا سَعِيدٌ , فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُسَلِّطْهُ عَلَى أَحَدٍ يَقْتُلُهُ بَعْدِي، فَذُبِحَ عَلَى النَّطْعِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. قَالَ: وَبَلَغَنَا أَنَّ الْحَجَّاجَ عَاشَ بَعْدَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَوَقَعَتِ الْأَكَلَةُ فِي بَطْنِهِ، فَدَعَا بِالطَّبِيبِ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ دَعَا بِلَحْمٍ مُنْتِنٍ فَعَلَّقَهُ فِي خَيْطٍ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي حَلْقَةٍ، فَتَرَكَهُ سَاعَةً ثُمَّ اسْتَخْرَجَهُ، وَقَدْ لَزِقَ بِهِ مِنَ الَّدمِ فَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَاجٍ، وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يُنَادِي بَقِيَّةَ حَيَاتِهِ: مَالِي وَلِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، كُلَّمَا أَرَدْتُ النَّوْمَ أَخَذَ بِرِجْلِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 787 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ , قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي أَيَّامٍ مَضَيْنَ مِنْ رَجَبٍ فَأَحْرَمَ مِنَ الْكُوفَةِ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ عُمْرَتِهِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي النِّصْفِ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ، وَكَانَ يَخْرُجُ فِي كَلِّ سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً لِلْحَجِّ وَمَرَّةً لِلْعُمْرَةِ. وَقَالَ أَصْبُغُ بْنُ يَزِيدَ: كَانَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ دِيكٌ يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ إِذَا صَاحَ فَلَمْ يَصِحْ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي , فَأَصْبَحَ سَعِيدٌ وَلَمْ يُصَلِّ، قَالَ: فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَالَهُ؟ قَطَعَ اللَّهُ صَوْتَهُ فَمَا سُمِعَ ذَلِكَ الدِّيكَ يَصِيحُ بَعْدَهَا. فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: أَيْ بُنَيَّ لَا تَدْعُ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَهَا. وَعَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ , قَالَ: لَمَّا أَخَذَ الْحَجَّاجُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: مَا أَرَانِي إِلَّا مَقْتُولًا وَسَأُخْبِرُكُمْ أَنِّي كُنْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِي دَعَوْنَا حِينَ وَجَدْنَا حَلَاوَةَ الدُّعَاءِ، ثُمَّ سَأَلْنَاهُ الشَّهَادَةَ فَكِلا صَاحِبَيَّ رُزِقَهَا وَأَنَا أَنْتَظِرُهَا، قَالَ: فَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْإِجَابَةَ عِنْدَ حَلَاوَةِ الدُّعَاءِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: لَدَغَتْنِي عَقْرَبٌ فَأَقْسَمَتْ عَلَيَّ أُمِّي أَنْ أَسْتَرْقِيَ فَأَعَطَيْتُ الرَّاقِي يَدِيَ الَّتِي لَمْ تُلْدَغْ وَكَرِهْتُ أَنْ أُحْنِثَهَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَأَنْ أُؤْتَمَنَ عَلَى بَيْتٍ مِنَ الدُّرِّ أَحَبُّ عَلَيَّ مِنْ أَنْ أُؤْتَمَنَ عَلَى امْرَأَةٍ حَسْنَاءَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 788 وَقَالَ هِلَالُ بْنُ خَبَّابٍ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: مَا عَلَامَةُ هَلَاكِ النَّاسِ؟ قَالَ: إِذَا ذَهَبَ عُلَمَاؤُهُمْ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَا زَالَ الْبَلَاءُ بِأَصْحَابِي حَتَّى رَأَيْتُ أَنْ لَيْسَ لِلَّهِ فِيَّ حَاجَةً حَتَّى نَزَلَ بِيَ الْبَلَاءُ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ: دَخَلْتُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ حِينَ جِيءَ بِهِ إِلَى الْحَجَّاجِ وَهُوَ مُوَثَّقٌ، فَبَكَيْتُ فَقَالَ لِي: مَا يُبْكِيكَ؟ قُلْتُ: الَّذِي أَرَى بِكَ، قَالَ: فَلَا تَبْكِ، إِنَّ هَذَا كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ قَرَأَ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22] . وَقَالَ وَهْبٌ , لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِمَكَّةَ: كَمْ لَكَ مُنْذُ خِفْتَ مِنَ الْحَجَّاجِ؟ قَالَ: خَرَجْتُ عَنِ امْرَأَتِي وَهِيَ حَامِلٌ، فَجَاءَنِي الَّذِي فِي بَطْنِهَا وَقَدْ خَرَجَ وَجْهُهُ. فَقَالَ لَهُ وَهْبٌ: إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ كَانَ إِذَا أَصَابَ أَحَدَهُمْ بَلَاءٌ عَدَّهُ رَخَاءً، وَإِذَا أَصَابَهُ رَخَاءٌ عَدَّهُ بَلَاءً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 789 ذِكْرُ سُلَيْمَانَ بْنِ طَرْخَانَ التَّمِيمِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَابِعِيٌّ بَصْرِيٌّ، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: اسْتَنْقَذَنِي اللَّهُ بِأَرْبَعَةٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُمْ: أَيُّوبُ , وَابْنُ يُونُسَ , وَابْنُ عَوْنٍ , وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ يَنْزِلُ فِي بَنِي تَيْمٍ فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ، وَكَانَ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، ثِقَةٌ حَافِظٌ ثَابِتٌ عَلَى السُّنَّةِ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ لِي: لَوْلَا أَنَّكَ مِنْ أَهْلِي مَا أَخْبَرْتُكَ، صَلَّى أَبِي أَرْبَعِينَ سَنَةً صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 790 وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُعْتَمِرٍ , قَالَ: لَمْ تَمُرَّ عَلَى أَبِي سَاعَةٌ إِلَّا تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهِ مُطِيعًا لِلَّهِ، إِمَّا مُصَلِّيًا أَوْ مُتَوَضِّئًا أَوْ مُشَيِّعًا جَنَازَةً أَوْ عَائِدًا مَرِيضًا، وَكَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ يُسَبِّحُ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَكَانَ يُقَالَ لَهُ لَا يُحْسِنُ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ. وَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَكَانَ يَأْخُذُ بِقَوْلِ الْحَسَنِ أَنَّهُ إِذَا غَلَبَ عَلَى قَلْبِهِ النَّوْمُ تَوَضَّأَ، وَقِيلَ: مَكَثَ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا. وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: الْحَسَنَةُ نُورٌ فِي الْقَلْبِ، وَقُوَّةٌ فِي الْعَمَلِ، وَالسَّيِّئَةُ ظُلْمَةٌ فِي الْقَبْرِ، وَضَعْفٌ فِي الْعَمَلِ. وَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ أَنْتَ فَقَالَ: لَا تَقُولُوا هَذَا، لَا أَدْرِي مَا يَبْدُو لِي مِنْ رَبِّي، سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 791 فَصْلٌ قَالَ الْمُعْتَمِرُ: مَاتَ صَاحِبٌ لِي كَانَ يَكْتُبُ مَعِي الْحَدِيثَ فَجَزِعْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبِي: هَلْ مَاتَ عَلَى السُّنَّةِ؟ قَلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: لَا تَحْزَنْ عَلَيْهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ: مَرِضَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ فَبَكَى فِي مَرَضِهِ بُكَاءً شَدِيدًا فَقِيلَ لَهُ: أَتَجْزَعُ مِنَ الْمَوْتِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي مَرَرْتُ يَوْمًا عَلَى قَدَرِيٍّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَأَخَافُ أَنْ يُحَاسِبَنِي رَبِّي عَلَيْهِ. وَقَالَ رَقَبَةُ بْنُ مَصْقَلَةَ: رَأَيْتُ رَبَّ الْعِزَّةِ , فَقَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي لأُكْرِمَنَّ مَثْوَى سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ. فصل رُوِيَ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ , قَالَ: سَقَطَ بَيْتٌ لَنَا كَانَ أَبِي يَكُونُ فِيهِ فَضَرَبَ فُسْطَاطًا مِنْ لَبَنٍ فَكَانَ فِيهِ ثَلَاثِينَ سَنَةً حَتَّى مَاتَ، فَقِيلَ لَهُ: لَوْ بَنَيْتَهُ فَقَالَ: الْأَمْرُ أَعْجَلُ مِنْ هَذَا غَدًا أَمُوتُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 792 وَقَالَ شُعْبَةُ: لَمْ أَرَ أَحَدًا قَطُّ أَصْدَقُ مِنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَكَانَ إِذَا حَدَّثَ الْحَدِيثَ فَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ. ذِكْرُ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ حَنَشُ بْنُ الْحَارِثِ: رَأَيْتُ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ يَمُرُّ بِنَا فِي الْمَسْجِدِ إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ , وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ، وَكَانَ يَؤُمُّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ قَائِمًا وَقَدْ أَتَى عَلَيْهِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ. وَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ مُسْلِمٍ: كَانَ سُوَيْدٌ إِذَا قِيلَ: أُعْطِيَ فُلَانٌ، وَوُلِّيَ فُلَانٌ , قَالَ: حَسْبِي كِسْرَتِي وَمِلْحِي. وَقَالَ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يُنْسِيَ أَهْلَ النَّارِ جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ تَابُوتًا مِنْ نَارٍ عَلَى قَدْرِهِ ثُمَّ أَقْفَلَ عَلَيْهِ بِأَقْفَالٍ مِنْ نَارٍ، فَلَا يَضْرِبُ مِنْهُ عِرْقٌ إِلَّا وَفِيهِ مِسْمَارٌ مِنْ نَارٍ، ثُمَّ يَجْعَلُ ذَلِكَ التَّابُوتَ فِي تَابُوتٍ آخَرَ مِنْ نَارٍ ثُمَّ يُقْفَلُ بِأَقْفَالٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 793 مِنْ نَارٍ، ثُمَّ يُضْرِمُ بَيْنَهُمَا نَارًا فَلَا يَرَى أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّ فِي النَّارِ غَيْرُهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [الزمر: 16] . وَقَوْلُهُ: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف: 41] . قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الْكُوفَةِ، كُنْيَتُهُ أَبُو أُمَيَّةَ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَعشِرْيِنَ وَمِائَةِ سَنَةٍ. ذِكْرُ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أَبُو حَازِمٍ الْأَعْرَجُ، قَالَ أَبُو حَازِمٍ: يَسِيرُ الدُّنْيَا يَشْغَلُ عَنْ كَثِيرِ الْآخِرَةِ، وَإِنَّكَ تَجِدُ الرَّجُلَ يَشْغَلُ نَفْسَهُ بِهَمِّ غَيْرِهِ، حَتَّى لَهُوَ أَشَدُّ اهْتِمَامًا مِنْ صَاحِبِ الْهَمِّ بِهَمِّ نَفْسِهِ. وَقَالَ: إِذَا عَزَمَ الْعَبْدُ عَلَى تَرْكِ الْآثَامِ أَتَتْهُ الْفُتُوحُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 وَكُلُّ نِعْمَةٍ لَا تُقَرِّبُ مِنَ اللَّهِ فَهِيَ بَلِيَّةٌ، وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ حِفْظًا لِلِسَانِهِ مِنْهُ لِمَوْضِعِ قَدَمَيْهِ. وَقَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ لَا تَقْتَدِ بِمَنْ لَا يَخَافُ اللَّهَ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، وَلَا يَعْفُو عَنِ الْعَيْبِ، وَلَا يَصْلُحُ عِنْدَ الشَّيْبِ. وَقَالَ: قَاتِلْ هَوَاكَ أَشَدَّ مَا يُقَاتِلُكَ عَدُوُّكَ. وَقَالَ رَجُلٌ لِأَبِي حَازِمٍ: إِنَّكَ مُتَشَدِّدٌ، لَا أَتَشَدَّدُ وَقَدْ تَرَصَّدَنِي أَرْبَعَةَ عَشْرَ عَدوًّا، أَمَّا الْأَرْبَعَةُ: فَشَيْطَانٌ يَفْتِتُنِي، وَمُؤْمِنٌ يَحْسُدُنِي، وَكَافِرٌ يُقَاتِلُنِي، وَمُنَافِقٌ يُبْغِضُنِي. وَأَمَّا الْعَشَرَةُ: فَالْجُوعُ , وَالْعَطَشُ , وَالْعُرْيُ , وَالْحَرُّ , وَالْبَرْدُ , وَالْمَرَضُ , وَالْفَقْرُ وَالسُّؤَالُ , وَالْمَوْتُ , وَالنَّارُ، وَلَا أُطِيقُهُنَّ إِلَّا بِسِلَاحٍ، وَلَا أَجِدُ لَهُنَّ سِلَاحًا أَفْضَلُ مِنَ التَّقْوَى. وَقِيلَ لَهُ: مَا مَالُكَ؟ فَقَالَ: ثِقَتِي بِاللَّهِ وَإِيَاسِي مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ. وَقَالَ: لَا تُرِيدُ أَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَتُوبَ، وَلَا تَتُوبُ حَتَّى تَمُوتَ، وَإِنْ مِتَّ لَمْ تُرْفَعِ الْأَسْوَاقُ لِمَوْتِكَ، إِنَّ شَأْنَكَ صَغِيرٌ فَاعْرِفْ نَفْسَكَ. وَمَرَّ بِأَبِي جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيِّ وَهُوَ مُكْتَئِبٌ حَزِينٌ، فَقَالَ: لَعَلَّكَ ذَكَرْتَ وَلَدَكَ مِنْ بَعْدِكَ فَحَزِنْتَ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، إِنْ كَانُوا لِلَّهِ أَوْلِيَاءَ فَلَا تَخَفْ عَلَيْهِمُ الْضَيْعَةَ، وَإِنْ كَانُوا لِلَّهِ أَعْدَاءً فَلَا تُبَالِ مَا لَقُوا بَعْدَكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ يَقِينًا لَا شَكَّ فِيهِ أَشْبَهَ بِشَكٍّ لَا يَقِينَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ عَلَيْهِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ لِأَبِي حَازِمٍ: مَا أَكْثَرَ مَنْ يَلْقَانِي فَيَدْعُو بِالْخَيْرِ، مَا أَعْرِفُهُمْ وَمَا صَنَعْتُ إِلَيْهِمْ خَيْرًا قَطُّ. قَالَ: لَا تَظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِكَ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الَّذِي ذَاكَ مِنْ قِبَلِهِ فَاشْكُرْهُ، وَقَرَأَ ابْنُ يَزِيدَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96] . قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: أَبُو حَازِمٍ الْأَعْرَجُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، يَرْوِي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، كَانَ قَاصَّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ عَابِدًا زَاهِدًا، بَعَثَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بِالزُّهْرِيّ أَنِ ائْتِنِي، فَقَالَ لَهُ الزُّهْرِيُّ: أَجِبِ الْأَمِيرَ، فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: مَالِي إِلَيْهِ حَاجَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَلْيَأْتِنِي. قِيلَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 796 فصل قَالَ أَبُو حَازِمٍ: نِعْمَةُ اللَّهِ فِيمَا زَوَى عَنِّي مِنَ الدُّنْيَا أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيَّ فِيمَا أَعْطَانِي مِنْهَا، إِنِّي رَأَيْتُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْطَاهَا قَوْمًا فَهَلَكُوا. وَقَالَ: أَفْضَلُ خِصْلَةٍ تُرْجَى لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ النَّاسِ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ وَأَرْجَاهُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: دَخَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَدِينَةَ حَاجًّا , فَقَالَ: هَلْ بِهَا رَجُلٌ أَدْرَكَ عِدَّةً مِنَ الصَّحَابَةِ؟ قَالُوا: نَعَمْ أَبُو حَازِمٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ: يَا أَبَا حَازِمٍ مَا هَذَا الْجَفَاءُ؟ قَالَ: وَأَيُّ جَفَاءٍ رَأَيْتَ مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: وُجُوهُ النَّاسِ أَتَوْنِي وَلَمْ تَأْتِنِي. قَالَ: وَاللَّهِ مَا عَرَفْتَنِي قَبْلَ هَذَا وَلَا أَنَا رَأَيْتُكَ، فَأَيُّ جَفَاءٍ رَأَيْتَ مِنِّي، فَالْتَفَتَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى الزُّهْرِيِّ , فَقَالَ: أَصَابَ الشَّيْخُ وَأَخْطَأْتُ أَنَا، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا حَازِمٍ مَالَنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ؟ فَقَالَ: عَمَّرْتُمُ الدُّنْيَا وَخَرَّبْتُمُ الْآخِرَةَ، فَتَكْرَهُونَ الْخُرُوجَ مِنَ الْبُنْيَانِ إِلَى الْخَرَابِ، قَالَ: صَدَقْتَ يَا أَبَا حَازِمٍ، لَيْتَ شِعْرِي مَالَنَا عِنْدَ اللَّهِ غَدًا؟ قَالَ: اعْرِضْ عَمَلَكَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: وَأَيْنَ أَجِدُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ {13} وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ آية 13-14} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 797 قَالَ سُلَيْمَانُ: فَأَيْنَ رَحْمَةُ اللَّهِ قَالَ أَبُو حَازِمٍ: {قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] . قَالَ سُلَيْمَانُ: لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ الْعَرْضُ عَلَى اللَّهِ غَدًا؟ قَالَ: أَمَّا الْمُحْسِنُ فَكَالْغَائِبِ يُقَدَّمُ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَمَّا الْمُسِيءُ فَكَالْآبِقِ يُقَدَّمُ بِهِ عَلَى مَوْلَاهُ، فَبَكَى سُلَيْمَانُ حَتَّى عَلَا نَحِيبُهُ وَاشْتَدَّ بُكَاؤُهُ , فَقَالَ: يَا أَبَا حَازِمٍ كَيْفَ لَنَا أَنْ نَصْلُحَ؟ قَالَ: تَدَعُونَ عَنْكُمُ الصَّلَفَ وَتَقْتَسِمُونَ بِالسَّوِيَّةِ، وَتَعْدِلُونَ بِالْقَضِيَّةِ، قَالَ: كَيْفَ الْمَأْخَذُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: تَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ وَتَدَعُهُ بِحَقِّهِ فِي أَهْلِهِ، قَالَ: يَا أَبَا حَازِمٍ فَمَا أَعْدَلُ الْعَدْلِ؟ قَالَ: كَلِمَةُ صِدْقٍ عِنْدَ مَنْ تَرْجُو أَوْ تَخَافُهُ، قَالَ: فَمَا أَسْرَعُ الدُّعَاءِ إِجَابَةً؟ قَالَ: دُعَاءُ الْمُحْسِنِ إِلَيْهِ لِلْمُحْسِنِ قَالَ: فَمَا أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: جَهْدُ الْمُقِلِّ فِي الْبَائِسِ الْفَقِيرِ لَا يُتْبِعُهَا مَنًّا وَلَا أَذًى. قَالَ: يَا أَبَا حَازِمٍ مَنْ أَكْيَسُ النَّاسِ؟ قَالَ: رَجُلٌ ظَفِرَ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَعَمِلَ بِهَا ثُمَّ دَلَّ النَّاسَ عَلَيْهَا، قَالَ: فَمَنْ أَحَقُّ النَّاسِ؟ قَالَ: رَجُلٌ اغْتَاطَ فِي هَوَى أَخِيهِ وَهُوَ ظَالِمٌ فَبَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ. قَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ تَصْحَبَنَا فَتُصِيبَ مِنَّا وَنُصِيبَ مِنْكَ. قَالَ: كَلَّا. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَرْكَنَ إِلَيْكُمْ شَيْئًا قَلِيلًا فَيُذِيقَنِيَ اللَّهُ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ، قَالَ: ثُمَّ لَا يَكُونُ لِي مِنْكَ نَصِيرٌ. قَالَ: يَا أَبَا حَازِمٍ ارْفَعْ إِلَيَّ حَاجَتَكَ، قَالَ: نَعَمْ تُدْخِلْنِي الْجَنَّةَ وَتُخْرِجْنِي مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيَّ. قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 798 فَمَا لِي حَاجَةٌ سِوَاهَا، قَالَ: يَا أَبَا حَازِمٍ ادْعُ اللَّهَ لِي. قَالَ: نَعَمْ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ سُلَيْمَانُ مِنْ أَوْلِيَائِكَ فَيَسِّرْهُ لِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَعْدَائِكَ فَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، قَالَ سُلَيْمَانُ: قَطُّ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ: قَدْ أَكْثَرْتُ وَأَطْنَبْتُ إِنْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، فَمَا حَاجَتُكَ أَنْ تَرْمِيَ عَنْ قَوْسٍ لَيْسَ لَهَا وَتَرٌ، قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؟ قَالَ: أَوْ تُعْفِيَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: بَلْ نَصِيحَةٌ تُلْقِيهَا إِلَيَّ. قَالَ: إِنَّ آبَاءَكَ غَصَبُوا النَّاسَ هَذَا الْأَمْرَ فَأَخَذُوهُ عُنْوَةً بِالسَّيْفِ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ وَلَا اجْتِمَاعٍ مِنَ النَّاسِ، وَقَدِ قَتَلُوا فِيهِ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً وَارْتَحَلُوا، فَلَوْ شَعَرْتَ مَا قَالُوا وَقِيلَ لَهُمْ. قَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، قَالَ أَبُو حَازِمٍ: كَذَبْتَ , إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَذَ عَلَى الْعُلَمَاءِ الْمِيثَاقَ: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] . قَالَ سُلَيْمَانُ: يَا أَبَا حَازِمٍ أَوْصِنِي. قَالَ: نَعَمْ، سَوْفَ أُوصِيكَ فَأُوجِزُ، «نَزِّهِ اللَّهَ وَعَظِّمْهُ أَنْ يَرَاكَ حَيْثُ نَهَاكَ أَوْ يَفْقِدَكَ حَيْثُ أَمَرَكَ» ثُمَّ قَامَ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: يَا أَبَا حَازِمٍ هَذِهِ مِائَةُ دِينَارٍ أَنْفِقْهَا وَلَكَ عِنْدِي أَمْثَالُهَا كَثِيرٌ، فَرَمَى بِهَا وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرْضَاهَا لَكَ فَكَيْفَ أَرْضَاهَا لِنَفْسِي. إِنِّي أُعِيذُكَ بِاللَّهِ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُكَ إِيَّايَ هَزْلًا وَرَدِّي عَلَيْكَ بَذْلًا، إِنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ قَالَ: {رَبِّ إِنِّي لِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 799 أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24] . سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يَسْأَلِ النَّاسَ فَفَطِنَتِ الْجَارِيَتَانِ وَلَمْ يَفْطِنَ الرِّعَاءُ، لِمَا فَطِنَتَا لَهُ فَأَتَتَا أَبَاهُمَا شُعَيْبًا فَأَخْبَرَتَاهُ خَبَرَهُ فَقَالَ شُعَيْبُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا جَائِعًا، ثُمَّ قَالَ: لِإِحْدَاهُمَا اذْهَبِي ادْعِيهِ لِي، فَلَمَّا أَتَتْهُ أَعْظَمَتْهُ وَغَطَّتْ وَجْهَهَا , ثُمَّ: {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ} [القصص: 25] . فَلَمَّا قَالَتْ: {لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ} [القصص: 25] . كَرِهَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ، وَأَرَادَ أَنْ لَا يَتْبَعَهَا فَلَمْ يَجِدْ بُدًّا أَنْ يَتْبَعَهَا لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَرْضِ مَسْبَعَةٍ وَخَوْفٍ، فَخَرَجَ مَعَهَا فَكَانَتِ الرِّيَاحُ تَضْرِبُ ثَوْبَهَا فَتَصِفُ لِمُوسَى عَجُزَهَا، فَيَغُضُّ مَرَّةً وَيُعْرِضُ أُخْرَى فَقَالَ: يَا أَمَةَ اللَّهِ كُونِي خَلْفِي، فَدَخَلَ إِلَى شُعَيْبٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَالْعَشَاءُ مُهَيَّأٌ فَقَالَ: كُلْ , فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا , قَالَ شُعَيْبٌ: أَلَسْتَ جَائِعًا؟ قَالَ: بَلَى. وَلَكِنِّي مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ لَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ بِمِلْءِ الْأَرْضِ ذَهَبًا، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ أَجْرَ مَا سَقَيْتُ لَهُمَا. قَالَ شُعَيْبٌ: لَا يَا شَابُّ وَلَكِنْ هَذِهِ عَادَتِي وَعَادَةُ آبَائِي، قِرَاءُ الضَّيْفِ وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، قَالَ: فَجَلَسَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَكَلَ. فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمِائَةُ دِينَارٍ عِوَضًا مِمَّا قَدْ حَدَّثْتُكَ، فَالْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ فِي حَالِ الاضْطِرَارِ أَحَلُّ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَلِي فِيهَا شُرَكَاءُ وَنُظَرَاءُ إِنْ وَازَيْتَهُمْ بِي وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهَا، إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَزَالُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 800 عَلَى الْهُدَى وَالتُّقَى حَيْثُ كَانَتْ أُمَرَاؤُهُمْ يَأْتُونَ إِلَى عُلَمَائِهِمْ رَغْبَةً فِي عِلْمِهِمْ، فَلَمَّا نُكِسُوا وَتَعِسُوا وَسَقَطُوا مِنْ عَيْنِ اللَّهِ فَآمِنُوا بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، كَانَ عُلَمَاؤُهُمْ يَأْتُونَ إِلَى أُمَرَائِهِمْ فَشَارَكُوهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَشُرِكُوا مَعَهُمْ فِي فِتْنَتِهِمْ. وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: وَجَدْتُ الدُّنْيَا شَيْئَيْنِ: شَيْئًا هُوَ لِي وَشَيْئًا هُوَ لِغَيْرِي، فَأَمَّا مَا كَانَ لِغَيْرِي فَلَوْ طَلَبْتُهُ بِحِيلَةِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَمْ أَصِلْ إِلَيْهِ، لِأَنَّ اللَّهَ يَمْنَعُ رِزْقَ غَيْرِي مِنِّي كَمَا يَمْنَعُ رِزْقِي مِنْ غَيْرِي. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: نَظَرْتُ فِي الرِّزْقِ فَوَجَدْتُهُ شَيْئَيْنِ: شَيْئًا هُوَ لِي لَهُ أَجَلٌ يَنْتَهِي إِلَيْهِ فَلَنْ أُعَجِّلَهُ وَلَوْ طَلَبْتُهُ بِقُوَّةِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَشَيْئًا هُوَ لِغَيْرِي فَلَمْ أُصِبْهُ فِيمَا مَضَى، أَفَأَطْلُبُهُ فِيمَا بَقِيَ، فَفِي أَيِّ هَذَيْنِ أُفْنِي عُمْرِي؟ . وَقَالَ: إِنْ كَانَ يُغْنِيكَ مَا يَكْفِيكَ فَأَدِّنِي عَيْشَكَ يَكْفِيكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَكْفِيكَ مَا يُغْنِيكَ فَلَيْسَ مِنَ الدُّنْيَا شَيْءٌ يَكْفِيكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 801 وَقَالَ: انْظُرْ إِلَى الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مَعَكَ فِي الْآخِرَةِ فَقَدِّمْهُ الْيَوْمَ، وَانْظُرْ إِلَى الَّذِي تَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَعَكَ فَاتْرُكْهُ الْيَوْمَ، وَكَلَّ عَمَلٍ تَكْرَهُ الْمَوْتَ مِنْ أَجْلِهِ فَاتْرُكْهُ ثُمَّ لَا يَضُرَّكَ مَتَى مِتُّ. وَقَالَ: لَا يُحْسِنُ عَبْدٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ إِلَّا أَحْسَنَ اللَّهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِبَادِ، وَلَا يَعُورُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا عَوَرَ اللَّهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِبَادِ، وَلَمُصَانَعَةُ وَجْهٍ وَاحِدٍ أَيْسَرُ مِنْ مُصَانَعَةِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا. وَقِيلَ لِأَبِي حَازِمٍ: قَدْ غَلا السِّعْرُ. قَالَ: وَمَا يَغُمُّكُمْ مِنْ ذَلِكَ؟ إِنَّ الَّذِي يَرْزُقُنَا فِي الرُّخْصِ يَرْزُقُنَا فِي الْغَلاءِ. وَقَالَ: مَنْ عَرَفَ الدُّنْيَا لَمْ يَفْرَحْ فِيهَا بِرَخَاءٍ وَلَمْ يَحْزَنْ عَلَى بَلَاءٍ. وَقَالَ: مَا فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ يَسُرُّكَ إِلَّا وَقَدْ لُزِقَ بِهِ شَيْءٌ يَسُوؤُكَ. وَقَالَ: رَضِيتُ مِنْ أَحَدِكُمْ أَنْ يُبْقِي عَلَى دِينِهِ كَمَا يُبْقِي عَلَى نَعْلِهِ. وَقَالَ: اكْتُمْ حَسَنَاتِكَ أَشَدُّ مِمَّا تَكْتُمُ سَيِّئَاتِكَ. وَقَالَ: ابْنُ آدَمَ بَعْدَ الْمَوْتِ يَأْتِيكَ الْخَبَرُ. وَقَالَ: رَضِيَ النَّاسُ بِالْحَدِيثِ وَتَرَكُوا الْعَمَلَ. وَقَالَ: إِنِّي لَأَعِظُ وَمَا أَرَى لِلْمَوْعِظَةِ مَوْضِعًا، وَمَا أُرِيدُ بِذَلِكَ إِلَّا نَفْسِي، وَقَالَ: شَيْئَانِ هُمَا خَيْرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 802 الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِذَا عَمِلْتَ بِهِمَا أَتَكَفَّلُ لَكَ بِالْجَنَّةِ، وَلَا أُطَوِّلُ عَلَيْكَ، قِيلَ: وَمَا هُمَا؟ قَالَ: تَحَمَّلْ مَا تَكْرَهُ إِذَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَتَتْرُكُ مَا تُحِبُّ إِذَا كَرِهَهُ اللَّهُ. فَصْلٌ كَتَبَ أَبُو حَازِمٍ إِلَى الزُّهْرِيِّ: عَافَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنَ الْفِتَنِ وَرَحِمَكَ مِنَ النَّارِ، قَدْ أَصْبَحْتَ بِحَالٍ يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَكَ أَنْ يَرْحَمَكَ، أَصْبَحْتَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ أَثْقَلَتْكَ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْكَ بِمَا أَصَحَّ مِنْ بَدَنِكَ وَأَطَالَ مِنْ عُمُرِكَ، وَعَلِمْتَ حُجَجَ اللَّهِ بِمَا حَمَّلَكَ مِنْ كِتَابِهِ، وَفَقَّهَكَ فِيهِ مِنْ دِينِهِ، وَفَهَّمَكَ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابْتَلَى فِي ذَلِكَ شُكْرَكَ، وَقَالَ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7] . فَانْظُرْ أَيَّ رَجُلٍ تَكُونُ إِذَا وَقَفْتَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ فَسَأَلَكَ عَنْ نِعَمِهِ إِلَيْكَ كَيْفَ رَعَيْتَهَا؟ ، وَعَنْ حُجَجِهِ عَلَيْكَ كَيْفَ قَضَيْتَهَا؟ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ رَاضِيًا مِنْكَ بِالتَّعْذِيرِ وَلَا قَابِلًا مِنْكَ بِالتَّقْصِيرِ، لَيْسَ كَذَاكَ أَخَذَ عَلَى الْعُلَمَاءِ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: 187] . تَقُولُ: إِنَّكَ جَدِلٌ مَاهِرٌ عَالِمٌ، قَدْ جَادَلْتَ النَّاسَ فَجَادَلْتَهُمْ إِدْلَالًا مِنْكَ بِفهَمْكِ وَاقْتِدَارًا بِرَأْيِكَ، فَأَيْنَ تَذْهَبُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 803 {هَأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا} [النساء: 109] . اعْلَمْ أَنَّ أَدْنَى مَا ارْتَكَبْتَ وَأَعْظَمَ مَا احْتَقَبْتَ أَنْ آنَسْتَ الظَّالِمَ وَسَهَّلْتَ لَهُ طَرِيقَ الْغَيِّ بِدُنُوِّكَ حِينَ أُدْنِيتَ وَإِجَابَتَكَ حِينَ دُعِيتَ، فَمَا أَخْلَقَكَ أَنْ يُنَوَّهَ بِإِثْمِكَ غَدًا عَلَى الْجُرْمَةِ وَأَنْ تُسْأَلَ عَمَّا أَرَدْتَ بِإِغْضَائِكَ عَنْ ظُلْمِ الظَّلَمَةِ، إِنَّكَ أَخَذْتَ مَا لَيْسَ لِمَنْ أَعْطَاكَ، وَدَنَوْتَ مِمَّنْ لَا يُرِيدُ حَقًّا وَلَا يُرِيدُ بَاطِلًا حِينَ أَدْنَاكَ، وَأَجَبْتَ مَنْ أَرَادَ التَّدْلِيسَ بِدُعَائِهِ إِيَّاكَ حِينَ دَعَاكَ، جَعَلُوكَ قُطْبًا تَدُورُ عَلَيْهِ رَحَا بَاطِلِهِمْ، وَجِسْرًا يَعْبُرُونَ بِكَ إِلَى بَلَابِلِهِمْ، وَسُلَّمًا إِلَى ضَلالَتِهِمْ، يَقْتَادُونَ بِكَ قُلُوبَ الْجُهَّالِ، وَيُدْخِلُونَ بِكَ الشَّكَّ عَلَى الْعُلَمَاءُ، فَلَمْ يَبْلُغْ أَخَصَّ وُزَرَائِهِمْ وَلَا أَقْوَى أَعْوَانِهِمْ إِلَّا دُونَ مَا بَلَغْتَ مِنِ اسْتِصْلَاحِ فَسَادِهِمْ، وَاجْتِلَابِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ إِلَيْهِمْ، فَمَا أَيْسَرَ مَا عَمَّرُوا لَكَ فِي جَنْبِ مَا خَرَّبُوا عَلَيْكَ، وَمَا أَقَلَّ مَا أَعْطَوْكَ فِي قَدْرِ مَا أَخَذُوا مِنْكَ، فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ فَإِنَّهُ لَا يَنْظُرُ لَهَا غَيْرُكَ، وَحَاسِبْهَا حِسَابَ رَجُلٍ مَسْئُولٍ، وَانْظُرْ كَيْفَ شُكْرُكَ لِمَنْ غَذَّاكَ بِنِعَمِهِ صَغِيرًا وَكَبِيرًا وَاسْتَحْمَلَكَ كِتَابَهُ وَأَوْدَعَكَ عِلْمَهُ، مَالَكَ لَا تَنْتَبِهُ مِنْ نَعْسَتِكَ وَلَا تَسْتَقِيلُ مِنْ عَثْرَتِكَ، وَمَا يُؤَمِّنُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى} [الأعراف: 169] . إِلَّا إِنَّكَ لَسْتَ فِي دَارِ مُقَامٍ قَدْ أَذِنَتْ بِالرَّحِيلِ فَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 804 بَقَاءُ الْمَرْءِ بَعْدَ أَقْرَانِهِ، يَا بُؤْسَ مَنْ يَمُوتُ وَتَبْقَى ذُنُوبُهُ مِنْ بَعْدِهِ، إِنَّكَ لَمْ تُؤْمَرْ بِالنَّظَرِ لَوَارِثِكَ عَلَى نَفْسِكَ، وَإِثْقَالِكَ ظَهْرَكَ لِغَيْرِكَ، ذَهَبَتِ اللَّذَّةُ وَبَقِيَتِ التَّبِعَةُ، مَا أَشْقَى مَنْ سَعِدَ بِكَسْبِ غَيْرِهِ، إِنَّكَ تُعَامِلُ مَنْ لَا يَجْهَلُ، الَّذِي يَحْفَظُ عَلَيْكَ لَا يَغْفَلُ، تَجَهَّزْ فَقَدْ دَنَا مِنْكَ سَفَرٌ , وَدَاوِ دِينَكَ فَقَدْ دَخَلَهُ سَقَمٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَاهَ جَاهَانِ: جَاهٌ يُجْرِيهِ اللَّهُ عَلَى أَيْدِي أَوْلِيَائِهِ لأَوْلِيَائِهِ الْخَامِلِ ذِكْرُهُمْ، الْخَافِيَةِ شُخُوصُهُمْ. وَلَقَدْ جَاءَ نَعْتُهُمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الأَخْفِيَاءَ، الأَتْقِيَاءَ الأَبْرِيَاءَ، الَّذِينَ إِذَا غَابُوا فَلَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِذَا شَهِدُوا لَمْ يُعْرَفُوا، قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى، يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةٍ» . فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22] وَجَاهٌ يُجْرِيهِ اللَّهُ عَلَى أَيْدِي أَعْدَائِهِ لأَوْلِيَائِهِ، وَيَقْذِفُهُ فِي قُلُوبِهِمْ فَيَعِظِّمُهُمُ النَّاسُ بِتَعْظِيمِ أُولَئِكَ لَهُمْ، وَيُرَغِّبُ النَّاسَ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ لِرَغْبَةِ أُولَئِكَ إِلَيْهِمْ: {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 19] . فَمَا أَخْوَفَنِي أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ عَاشَ مَسْتُورًا عَلَيْهِ فِي دِينِهِ، مَقْتُورًا عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ، مَعْزُولَةً عَنْهُ الْبَلايَا، مَصْرُوفَةً عَنْهُ الْفِتَنُ، فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِهِ، وَظُهُورِ جِلْدِهِ وَكَمَالِ شَهْوَتِهِ، فَعُنِيَ بِذَلِكَ دَهْرَهُ حَتَّى إِذَا كَبُرَتْ سِنُّهُ وَرَقَّ عَظْمُهُ وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ، وَانْقَطَعَتْ شَهْوَتُهُ، فَتَحَتِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ شَرَّ مَفْتُوحٍ فَلَزِمَتْهُ تَبِعَتُهَا، وَعَلَّقَتْهُ فِتْنَتُهَا وَأَغْشَتْ عَيْنَيْهِ زَهْرَتُهَا، وَصَفَتْ لِغَيْرِهِ مَنْفَعَتُهَا، فَسُبْحَانَ اللَّهِ، مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 805 أَبْيَنَ هَذَا الغَبْنَ، وَأَخَسَّ هَذَا الْأَمْرَ! كَانَتِ الدُّنْيَا تَبْلُغُ مِنْ مِثْلِكَ هَذَا فِي كِبَرِ سِنِّكَ وَرُسُوخِ عِلْمِكَ وَحُضُورِ أَجَلِكَ، فَمَنْ يَلُومُ الْحَدِثَ فِي سِنِّهِ، الْجَاهِلَ فِي عِلْمِهِ، الْمَأْفُونَ فِي رَأْيِهِ، الْمَدْخُولِ فِي عَقْلِهِ، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ , عَلَى مَنِ الْمُعَوَّلُ وَعِنْدَ مَنِ الْمُسْتَغَاثُ، نَحْتَسِبُ عِنْدَ اللَّهِ مُصِيَبَتَنَا، وَنَشْكُوا إِلَيْهِ بَثَّنَا، وَنَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي عَافَانَا مِمَّا ابْتَلاكَ بِهِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. فصل قَالَ مُطَرِّفٌ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَقُلْنَا: يَا أَبَا حَازِمٍ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: أَجِدُنِي رَاجِيًا لِلَّهِ حُسْنَ الظَّنِّ بِهِ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا يَسْتَوِي مَنْ غَدَا أَوْ رَاحَ يُعَمِّرُ عَقْدَ الْآخِرَةِ لِنَفْسِهِ، فَيُقَدِّمُهَا أَمَامَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ الْمَوْتُ حَتَّى يَقْدَمَ عَلَيْهَا، وَمَنْ غَدَا أَوْ رَاحَ فِي عَقْدِ الدُّنْيَا يُعَمِّرُهَا لِغَيْرِهِ وَيَرْجِعُ إِلَى الْآخِرَةِ لَا حَظَّ لَهُ فِيهَا وَلَا نَصِيبُ. وَقَالَ: لَئِنْ نَجَوْنَا مِنْ شَرِّ مَا أَصَابَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا يَضُرُّنَا مَا زُوِيَ عَنَّا مِنْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 806 وَقَالَ: لَا تَكُونُ عَالِمًا حَتَّى تَكُونَ فِيكَ ثَلَاثَةُ خِلَالٍ: لَا تَبْغِ عَلَى مِنْ فَوْقَكَ، وَلَا تُحَقِّرْ مَنْ دُونَكَ، وَلَا تَأْخُذْ عَلَى عِلْمِكَ دُنْيَا. وَقَالَ: كَانَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا مَضَى إِذَا لَقِيَ الْعَالِمُ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ كَانَ يَوْمَ غَنِيمَةٍ، وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ مِثْلَهُ ذَاكَرَهُ، وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ دُونَهُ لَمْ يَزْهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ يُتَابِعُ نِعَمَهُ عَلَيْكَ وَأَنْتَ تَعْصِيهِ فَاحْذَرْهُ. وَقَالَ: إِذَا أَحْبَبْتَ أَخًا فِي اللَّهِ فَأَقِلَّ مُخَالَطَتَهُ فِي دُنْيَاهُ. وَكَانَ أَبُو حَازِمٍ يَمُرُّ عَلَى الْفَاكِهَةِ فِي السُّوقِ فَيَشْتَهِيهَا فَيَقُولُ: مَوْعِدُكِ الْجَنَّةَ. وَرُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْعَمْرِيِّ , قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْقَارِئَ عَلَى الْكَعْبَةِ فَقُلْتُ لَهُ: أَبُو جَعْفَرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَقْرِئْ إِخْوَانِي مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَنِي مَعَ الشُّهَدَاءِ الْأَحْيَاءِ الْمَرْزُوقِينَ، وَأَقْرِئْ أَبَا حَازِمٍ السَّلَامَ , وَقُلْ: يَقُولُ لَكَ أَبُو جَعْفَرٍ: الْكَسِيرَ الْكَسِيرَ فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يَتَرَاءَوْنَ مَجْلِسَكَ بِالْعَشِيَّاتِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 807 ذِكْرُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ يُشْبِهُ أَبَاهُ فِي السَّمْتِ وَالْهَدْيِ، وَكَانَ أَشْبَهَ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِهِ. يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ، رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ وَصَلَّى عَلَيْهِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي حَجَّتِهِ الَّتِي حَجَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 808 ذِكْرُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ تَابِعِيٌّ مَدَنِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ أَبُو أَيُّوبَ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ: كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ بِالْأَبْوَاءِ كَأَنَّهَا فَلْقَةُ قَمَرٍ، فَسَأَلَتْهُ نَفْسَهُ فَامْتَنَعَ، فَدَنَتْ مِنْهُ فَخَرَجَ هَارِبًا مِنْ مَنْزِلِهِ وَتَرَكَهَا فِيهِ، قَالَ سُلَيْمَانُ: فَرَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ وَكُنْتُ بِمَكَّةَ وَطُفْتُ وَسَعَيْتُ وَأَتَيْتُ الْحَجَرَ، فَنَعَسْتُ فَإِذَا رَجُلٌ وَسِيمٌ شَرْحَبٌ جَمِيلٌ، لَهُ شَارَةٌ حَسَنَةٌ وَرَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ أَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ. قَلْتُ: الصِّدِّيقُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: إِنَّ شَأْنَكَ وَشَأْنَ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ عَجَبٌ. قَالَ: شَأْنُكَ وَشَأَنُ صَاحِبَةِ الْأَبْوَاءِ أَعْجَبُ، أَنَا يُوسُفُ الَّذِي هَمَمْتُ , وَأَنْتَ سُلَيْمَانُ الَّذِي لَمْ تَهُمَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 809 ذِكْرُ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ تَابِعِيٌّ كُوفِيٌّ جَلِيلُ الْقَدْرِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ، فِي كِتَابِهِ , أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، فِي كِتَابِهِ , أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَسَّالِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَيْشِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ , قَالَ " كَانَ بَصَرِي قَدْ ذَهَبَ، فَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، فَمَسَحَ عَيْنَيَّ وَقَالَ: ائْتِ الْفُرَاتَ فَغُصْ فِيهِ، أَوْ قَالَ: اغْمسْ فِيهِ، وَقَالَ: افْتَحْ عَيْنَيْكَ فَفَعَلْتُ فَذَهَبَ مَا كَانَ بِعَيْنَيَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 810 بَابُ الشِّينِ ذِكْرُ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ كُوفِيٌّ تَابِعِيٌّ , كُنْيَتُهُ أَبُو وَائِلٍ كَانَ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ لَهُ خُصٌّ يَكُونُ هُوَ فِيهِ وَفَرَسُهُ، فَإِذَا غَزَا نَقَضَهُ وَإِذَا رَجَعَ أَعَادَهُ. قَالَ عَاصِمٌ: مَرَرْتُ يَوْمًا مَعَ أَبِي وَائِلٍ فِي السُّوقِ فَسَمِعَ النَّاسَ يَقُولُونَ: دَانِقٌ وقِيرَاطٌ، فَقَالَ لِي: يَا عَاصِمُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ؟ قُلْتُ: الدَّانِقُ. قَالَ: الْأُخْرَى مَا أَدْرِي. يَرْوِي عَنْ عُمَرَ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ الْأَعْمَشُ , عَنْ شَقِيقٍ: خَرَجْنَا فِي لَيْلَةٍ مُخَوِّفَةٍ فَمَرَرْنَا بَأَجَمَةٍ فِيهَا رَجُلٌ نَائِمٌ وَقَدْ قَيَّدَ فَرَسَهُ فَهِيَ تَرْعَى عِنْدَ رَأْسِهِ فَأَيْقَظْنَاهُ، فَقُلْنَا تَنَامُ فِي مِثْلَ هَذَا الْمَكَانَ؟ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ ذِي الْعَرْشِ أَنْ يَعْلَمَ أَنِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 811 أَخَافُ شَيْئًا دُونَهُ، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ. وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ: نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّنَا لَوْ أَطَعْنَاهُ مَا عَصَانَا. وَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ بَيْتٍ يَضَعُونَ عَلَى مَائِدَتِهِمْ رَغِيفًا مِنْ حَلالٍ لَأَهْلُ بَيْتٍ غرُبَاءُ. وَقَالَ عَاصِمٌ: كَانَ لِأَبِي وَائِلٍ خُصٌّ مِنْ قَصَبٍ، فَكَانَ يَكُونُ فِيهِ هُوَ وَفَرَسُهُ، فَإِذَا غَزَا نَقَضَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإِذَا رَجَعَ أَنْشَأَ بِنَاءَهُ. وَقَالَ عَاصِمٌ: كَانَ عَطَاءُ أَبِي وَائِلٍ أَلْفَيْنِ، فَإِذَا خَرَجَ أَمْسَكَ مَا يَكْفِي أَهْلَهُ سَنَةً وَتَصَدَّقَ بِمَا سَوَى ذَلِكَ. وَقَالَ عَاصِمٌ: مَا رَأَيْتُ أَبَا وَائِلٍ مُلْتَفِتًا فِي صَلَاتِهِ وَلَا فِي غَيْرِهَا، وَلَا سَمِعْتُهُ يَسُبُّ دَابَّةً قَطُّ، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الْحَجَّاجَ يَوْمًا فَقَالَ: «يَا رَبِّ أَطْعِمِ الْحَجَّاجَ مِنْ ضَرِيعٍ، لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ» ثُمَّ تَدَارَكَهَا فَقَالَ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ أَحَبَّ إِلَيْكَ. قُلْتُ: وَتَسْتَثْنِي فِي الْحَجَّاجِ؟ قَالَ: نَعُدُّهَا ذَنْبًا. وَفِي رِوَايَةِ الزِّبْرَقَانِ، قَالَ: جَعَلْتُ أَسُبُّ الْحَجَّاجَ وَأَذْكُرُ مَسَاوِئَهُ فَقَالَ: لَا تَسُبَّهُ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: مَاتَ أَبُو وَائِلٍ بَعْدَ الْجَمَاجِمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 812 ذِكْرُ شُرَيْحِ بْنِ الْحَارِثِ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْوِي عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ، وَهُوَ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ وَعَشْرِ سِنِينَ. قِيلَ: كَانَ يَقُولُ: سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا حَقَّ مَنْ نَقَصُوا، إِنَّ الظَّالِمَ يَنْتَظِرُ الْعِقَابَ، وَإِنَّ الْمَظْلُومَ يَنْتَظِرُ النَّصْرَ، وَكَانَ بِأَبْهَامِهِ قُرْحَةٌ فَقَالُوا لَوْ أَرَيْتَهَا لِلطَّبِيبِ. قَالَ: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَهَا، وَاشْتَكَى رِجْلَهُ فَقَالُوا: أَلَا دَعَوْتَ طَبِيبًا؟ قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالُوا: مَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: وَعَدَ خَيْرًا. قَالَ الرِّيَاشِيُّ قَالَ رَجُلٌ لِشُرَيْحٍ: إِنِّي كُنْتُ أَعْهَدُكَ وَإِنَّ شَأْنَكَ لَشُؤَيْنٌ، قَالَ: تَعْرِفُ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَى غَيْرِكَ وَتَجْهَلُهَا فِي نَفْسِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 813 ذِكْرُ شُمَيْطِ بْنِ عَجْلَانَ تَابِعِيٌّ بَصْرِيٌّ رَحِمَهُ اللَّه كَانَ يَقُولُ فِي قَصَصِهِ: أَتَاهُمْ مِنَ اللَّهِ أَمْرٌ وَقَزَهُمْ عَنِ الْبَاطِلِ، فَأَسْهَرُوا الْعُيُونَ وَأَجَاعُوا الْبُطُونَ، وَأَظْمَئُوا الأَكْبَادَ وَأَنْصَبُوا الأَبْدَانَ، وَاهْتَضَمُوا الطَّارِفَ وَالتَّالِدَ فَأَكَلُوا عَلَى تَنَغُّصٍ، وَنَامُوا عَلَى خَوْفٍ وَقَامُوا عَلَى وَقَارٍ، هُمْ وَاللَّهِ أَكْيَاسٌ أَكَلُوا طَيِّبَ رِزْقِ اللَّهِ، وَعَاشُوا فِي فَضْلِ نَعِيمِ الْآخِرَةِ. وَقَالَ فِي وَصْفِ الْمَائِلِ إِلَى الدُّنْيَا: دَائِمُ الْبُطَنَةِ , قَلِيلُ الْفِطْنَةِ، هَمُّهُ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ، يَقُولُ: مَتَى أُصْبِحُ فَآكُلُ وَأَشْرَبُ وَأَلْهُو وَأَلْعَبُ , وَمَتَى أُمْسِي فَأَنَامُ، جِيفَةٌ بِاللَّيْلِ بَطَّالٌ بِالنَّهَارِ، يَطْلُبُ لِأَوْلَادِهِ السَّمْنَ بِالْعَسَلِ ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ عَلَى أَيْتَامِ الْمَسَاكِينِ فَيَذْهَبُ الصَّبِيُّ إِلَى أُمِّهِ يُجَاذِبُهَا خِمَارَهَا يَقُولُ أَعْطِنِي سَمْنًا وَعَسَلًا، فتقول له أمه إنه كثير لك مني حيث أصبت لك الخبز والملح، فإذا أحدث الله نعمة أحدث رياء وسمعة فعلق من بين أصفر وأخضر وأحمر , ثم قَالَ لِلنَّاسِ: تَعَالُوا وَانْظُرُوا فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ: إِنْ يَكُنْ مِنْ حَلالٍ فَقَدْ أَسْرَفْتَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 814 وَإِنْ يَكُنْ مِنْ حَرَامٍ فَثَكِلَتْكَ أُمُّكَ. وَيَقُولُ الْمُنَافِقُونَ: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ هَذَا , مَا أَكْثَرَ وَأَطْيَبَ، ذَرُوهُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَمَا اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ فَلُوذَجِهِمْ وَذَوْذَجِهِمْ، فَكُلْ يَوْمًا بَقْلًا وَيَوْمًا خَلًّا وَيَوْمًا مِلْحًا وَالْمُوعِدُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. فَإِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ آثَرُوا رِضَا اللَّهِ عَلَى هَوَى أَنْفُسِهِمْ فَأَرْغَمُوا أَنْفُسَهُمْ كَثِيرًا لِرِضَا رَبِّهِمْ فَأَفْلَحُوا وَأُنْجِحُوا. وَصُومُوا عَنِ الدُّنْيَا وَاجْعَلُوا غَايَةَ إِفْطَارِكُمْ فِي الدُّنْيَا الْمَوْتُ، وَبَادِرُوا بِالصِّحَّةِ السَّقَمَ، وَبِالْفَرَاغِ الشُّغْلَ، وَبِالْحَيَاةِ الْمَوْتَ، فَإِنَّمَا الدُّنْيَا غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ، فَإِنْ أَخَّرْتَ غَدَاءَكَ إِلَى عَشَاءِكَ أَمْسَى دِيوَانُكَ فِي دِيوَانِ الصَّائِمِينَ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيِّ , قَالَ: دَعَا بَعْضُ الأُمَرَاءِ شُمَيْطًا إِلَى طَعَامِهِ فَاعْتَلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَأْتِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: فَقْدُ أَكْلَةٍ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنْ بَذْلِ دِينِي لَهُمْ , مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَطْنُ الْمُؤْمِنِ أَعَزَّ عَلَيْهِ مِنْ دِينِهِ. وَرَأْسُ مَالِ الْمُؤْمِنِ دِينُهُ، حَيْثُمَا زَالَ زَالَ مَعَهُ دِينُهُ. وَقَالَ: إِنَّ الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ أَزِمَّةُ الشَّيْطَانِ، بِهِمَا يَقُودُ الْمُنَافِقِينَ إِلَى السَّوْءَاتِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 815 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شُمَيْطٍ قَالَ: قَالَ أَبِي: أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَلَا تَرَى إِلَى الْمُنَافِقِ كَيْفَ يُخَادِعُنِي وَأَنَا أَخْدَعُهُ يُسَبِّحُنِي بِطَرَفِ لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ بَعِيدٌ مِنِّي , يَا دَاوُدُ قُلْ لِلْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا يَدْعُونِي وَالْخَطَايَا بَيْنَ أَضْبَانِهِمْ لِيُلْقُوهَا ثُمَّ يَدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَهُمْ. قَالَ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الضَّبْنُ مَا بَيْنَ الإِبِطِ وَالْكَشْحِ، وَالْجَمْعُ أَضْبَانٌ. وَقَالَ شُمَيْطٌ: عَلَامَةُ الْمُنَافِقِ قِلَّةُ ذِكْرِ اللَّهِ. وَقَالَ شُمَيْطٌ: بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ خُلِقَ لِلْعِبَادَةِ فَصَدَّتْهُ الشَّهَوَاتُ عَنِ الْعِبَادَةِ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ خُلِقَ لِلْعَاقِبَةِ فَصَدَّتْهُ الْعَاجِلَةُ عَنِ الْعَاقِبَةِ، فَزَالَتْ عَنْهُ الْعَاجِلَةُ وَشَقِيَ بِالْعَاقِبَةِ. يَا ابْنَ آدَمَ كُلُّ يَوْمٍ يَنْقُصُ مِنْ أَجَلِكَ وَأَنْتَ لَا تَحْزَنُ، وَكُلُّ يَوْمٍ تَسْتَوْفِي مِنْ رِزْقِكَ، أُعْطِيتَ مَا يَكْفِيكَ وَأَنْتَ تَطْلُبُ مَا يُطْغِيكَ، كَيْفَ لَا يَسْتَبِينُ لِلْعَالِمِ جَهْلُهُ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ شُكْرِ مَا هُوَ فِيهِ، وَهُوَ مُغْتَرٌّ فِي طَلَبِ الزِّيَادَةِ، أَمْ كَيْفَ يَعْمَلُ لِلْآخِرَةِ، وَلَا تَنْقَضِي مِنَ الدُّنْيَا شَهْوَتُهُ، وَلَا تَنْقَضِي فِيهَا رَغْبَتُهُ، فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ لِلْمُصَدِّقِ بِدَارِ الْحَقِّ وَهُوَ يَسْعَى لِدَارِ الْغُرُورِ. وَكَانَ يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دُمْتَ سَاكِتًا فَأَنْتَ سَالِمٌ، فَإِذَا تَكَلَّمْتَ فَخُذْ حِذْرَكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 816 وَقَالَ: مَنْ جَعَلَ الْمَوْتَ نُصْبَ عَيْنَيْهِ، لَمْ يُبَالِ بِضِيقِ الدُّنْيَا وَلَا بِسَعَتِهَا. وَقَالَ: عَجَبًا لِابْنِ آدَمَ بَيْنَمَا قَلْبُهُ فِي الْآخِرَةِ إِذَا حَكَّةُ بَرْغُوثٍ أَوْ قَمْلَةٍ فَنَسِيَ الْآخِرَةَ. وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَسَمَ الدُّنْيَا بِالْوَحْشَةِ لِيَكُونَ أُنْسَ الْمُنْقَطِعِينَ إِلَيْهِ. وَقَالَ: رَجُلَانِ مُعَذَّبَانِ فِي الدُّنْيَا: رَجُلٌ أُعْطِيَ الدُّنْيَا فَهُوَ مُتْعَبٌ فِيهَا مَشْغُولٌ بِهَا، وَفَقِيرٌ زُوِيَتْ عَنْهُ الدُّنْيَا فَنَفْسُهُ تَتَقَطَّعُ عَلَيْهَا حَسَرَاتٍ. وَقَالَ: النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: فَرَجُلٌ ابْتَكَرَ الْخَيْرَ فِي حَدَاثَةِ سِنِّهِ ثُمَّ دَاوَمَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا فَهَذَا الْمُقَرَّبُ، وَرَجُلٌ ابْتَكَرَ عُمُرَهُ بِالذُّنُوبِ وَطُولِ الْغَفْلَةِ ثُمَّ رَاجَعَ بِالتَّوْبَةِ فَهَذَا صَاحِبُ يَمِينٍ، وَرَجُلٌ ابتكر الشر في حداثته ثم لم يزل فيه حتى خرج من الدنيا، فهذا صَاحِبُ الشَّمَالِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 817 بَابُ الصَّادِ ذِكْرُ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ تَابِعِيٌّ مَدَنِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: كَانَ صَفْوَانُ يُصَلِّي فِي الشِّتَاءِ فِي السَّطْحِ فِي قَمِيصٍ وَاحِدٍ، وَفِي الصَّيْفِ فِي بَطْنِ الْبَيْتِ حَتَّى يُصْبِحَ لِئَلَّا يَنَامَ. ثُمَّ يَقُولُ: هَذَا الْجَهْدُ مِنْ صَفْوَانَ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ، وَإِنَّهُ لَتَرِمُ رِجْلَاهُ حَتَّى تَعُودَا مِثْلَ السَّقْطِ وَيَظْهَرَ فِيهَا عُرُوقٌ خُضْرٌ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ. وَقَالَ أَبُو عُيَيْنَةَ: حَجَّ صَفْوَانُ وَمَعَهُ سَبْعَةُ دَنَانِيرَ فَاشْتَرَى بِهَا بَدَنَةً وَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: 36] . وَقَالَ أَبُو مَرْوَانَ: انْصَرَفْتُ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ مِنَ الْعِيدِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَجَاءَ بِخُبْزٍ وَمِلْحٍ، فَجَاءَ سَائِلٌ فَقَامَ إِلَى كُوَّةٍ فِي الْبَيْتِ فَأَعْطَاهُ دِينَارًا. وَقَدِمَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينَةَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَامِلُهُ عَلَيْهَا فَصَلَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 818 بِالنَّاسِ الظُّهْرَ ثُمَّ فَتَحَ بَابَ الْمَقْصُورَةِ وَاسْتَنَدَ إِلَى الْمِحْرَابِ، وَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ فَنَظَرَ إِلَى صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ فَقَالَ: يَا عُمَرُ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ مَا رَأَيْتُ سَمْتًا أَحْسَنَ مِنْهُ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: يَا غُلَامُ كِيسٌ فِيهِ خَمْسُ مِائَةِ دِينَارٍ فَأُتِيَ بِهِ فَقَالَ لِخَادِمِهِ: تَرَى هَذَا الرَّجُلَ الْقَائِمَ يُصَلِّي فَوَصَفَهُ لِلْغُلامِ حَتَّى أَثْبَتَهُ فَخَرَجَ الْغُلَامُ بِالْكِيسِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى صَفْوَانَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ صَفْوَانُ رَكَعَ وَسَجَدَ ثُمَّ سَلَّمَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ وَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: أَمَرَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ ذَا يَنْظُرُ إِلَيْكَ وَإِلَيَّ، أَنْ أَدْفَعَ إِلَيْكَ هَذَا الْكِيسَ فِيهِ خَمْسُ مِائَةِ دِينَارٍ، وَيَقُولُ لَكَ: اسْتَعِنْ بِهَذِهِ عَلَى زَمَانِكَ وَعَلَى عِيَالِكَ، قَالَ: لَسْتُ بِالَّذِي أُرْسِلْتَ إِلَيْهِ قَالَ: أَلَسْتَ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ؟ قَالَ: بَلَى أَنَا صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: فَإِلَيْكَ أُرْسِلْتُ. قَالَ: اذْهَبْ فَاسْتَثْبِتْ وَأَنَا هَاهُنَا جَالِسٌ، فَوَلَّى الْغُلَامُ وَأَخَذَ صَفْوَانُ نَعْلَيْهِ فَلَمْ يُرَ بِهَا حَتَّى خَرَجَ سُلَيْمَانُ مِنَ الْمَدِينَةِ. وَقَالَ سُفْيَانُ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ , فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ فَإِنِّي رَأَيْتُهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ. فَقُلْتُ: قَالَ: بِقَمِيصٍ كَسَاهُ إِنْسَانًا، فَسَأَلَ بَعْضُ إِخْوَانٍ صَفْوَانَ عَنْ قِصَّةِ الْقَمِيصِ فَقَالَ: خَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَإِذَا رَجُلٌ عَارٍ فَنَزَعْتُ قَمِيصِي فَكَسَوْتُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 819 وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنِ بْنِ أَسْلَمَ , أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ دَخَلَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى مِسْكِينًا يَقُولُ: مَنْ قَمَّصَنِي قَمِيصًا قَمَّصَهُ اللَّهُ قَمِيصًا فِي الْجَنَّةِ، فَنَزَعَ صَفْوَانُ قَمِيصَهُ فَأَعْطَاهُ الْمِسْكِينَ، فَرَأَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ، كَانَ صَالِحًا، ثَلَاثَ لَيَالٍ إِذَا رَأَيْتَ صَفْوَانَ أَخْبِرْهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَمَّصَهُ قَمِيصًا مِنَ الْجَنَّةِ لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا، فَخَرَجَ الرَّجُلُ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَأَتَى عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ , فَقَالَ لَهُ: أَرْسِلْ إِلَى صَفْوَانَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَ صَفْوَانُ أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ بِمَا رَأَى، قَالَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ لِصَفْوَانَ، أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتُخْبِرَنِّي مَا كَانَ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَبَكَى صَفْوَانُ فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِ الْقَمِيصِ. ذِكْرُ صَفْوَانِ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، يَرْوِي عَنْ أَبِي مُوسَى , وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَكَانَ مِنَ الْعُبَّادِ، اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ سِرْبًا يَبْكِي فِيهِ، مَاتَ فِي وِلايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ رَحِمَهُ اللَّهُ. أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ الْحَسَنِ بِبَغْدَادَ، وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، وكان من العباد، اتخذ لنفسه سربا يبكي فيه، مات في ولاية عبد الملك رحمه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 820 أَخْبَرَنَا عاصم بن الحسن ببغداد، حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنِ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ , قَالَ " أَخَذَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ ابْنَ أَخٍ لِصَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ فَحَبَسَهُ فِي السِّجْنِ فَلَمْ يَدَعْ صَفْوَانُ شَرِيفًا بِالْبَصْرَةِ يَرْجُو مَنْفَعَتَهُ إِلَّا تَحَمَّلَ بِهِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرَ لِحَاجَتِهِ نَجَاحًا، فَبَاتَ فِي مُصَلاهُ حَزِينًا فَهَوَّمَ مِنَ اللَّيْلِ فَإِذَا آتٍ قَدْ أَتَاهُ فِي مَنَامِهِ فَقَالَ: يَا صَفْوَانُ، قُمْ فَاطْلُبْ حَاجَتَكَ مِنْ وَجْهِهَا قَالَ: فَانْتَبَهْنَا فَزَعًا، فَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ دَعَا، فَأَرَّقَ ابْنَ زِيَادٍ , فَقَالَ: عَلَيَّ يَا ابْنَ أَخِي صَفْوَانَ فَإِنِّي قَدْ مُنِعْتُ مِنَ النَّوْمِ مُنْذُ اللَّيْلَةِ، فَأُخْرِجَ فَأُوتِيَ بِهِ ابْنَ زَيَادٍ فَكَلَّمَهُ ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقْ بِلَا كَفِيلّ وَلَا شَيْءٍ، فَمَا شَعَرَ صَفْوَانُ حَتَّى ضَرَبَ عَلَيْهِ ابْنُ أَخِيهِ بَابَهُ. فَقَالَ صَفْوَانُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا فُلَانٌ، قَالَ: فَإِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ. . . فَحَدَّثَهُ الْحَدِيثَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 821 ذِكْرُ صِلَةَ بْنِ أَشْيَمَ الْعَدَوِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَابِعِيٌّ بَصْرِيٌّ رَوَى جَعْفَرُ بْنُ زَيْدٍ , قَالَ: خَرَجْنَا فِي غَزَاةٍ إِلَى كَابِلَ وَفِي الْجَيْشِ صِلَةُ بْنُ أَشْيَمَ، فَنَزَلَ النَّاسُ عِنْدَ الْعَتْمَةِ فَقُلْتُ: لأَرْمُقَنَّ عَمَلَهُ فَانْظُرْ مَا يَذْكُرُ النَّاسُ مِنْ عِبَادَتِهِ، فَصَلَّى الْعَتْمَةَ ثُمَّ اضْطَجَعَ فَالْتَمَسَ غَفْلَةَ النَّاسِ، حَتَّى إِذَا قُلْتُ: هَدَأَتِ الْعُيُونُ، وَثَبَ فَدَخَلَ غَيْضَةً قَرِيبَةً مِنَّا فَدَخَلْتُ فِي أَثَرِهِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَجَاءَ أَسَدٌ حَتَّى دَنَا مِنْهُ قَالَ: فَصَعَدْتُ فِي شَجَرَةٍ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ صِلَةُ إِلَيْهِ فَلَمَّا سَجَدَ قُلْتُ: الْآنَ يَفْتَرِسُهُ الأَسَدُ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْئًا، ثُمَّ سَلَّمَ فَقَالَ: أَيُّهَا السَّبْعُ اطْلُبِ الرِّزْقَ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ، فَوَلَّى وَإِنَّ لَهُ لَزَئِيرًا أَقُولُ: تَصْدَعُ مِنْهُ الْجِبَالُ، فَمَا زَالَ كَذَلِكَ يُصَلِّي حَتَّى كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ جَلَسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ بِمَحَامِدَ لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهَا ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُجِيرَنِي مِنَ النَّارِ أَوَ مِثْلِي يَجْتَرِئُ أَنْ يَسْأَلَكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 822 الْجَنَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَصْبَحَ كَأَنَّهُ بَاتَ عَلَى الْحَشَايَا، وَأَصْبَحْتُ وَبِي مِنَ الْفَتْرَةِ شَيْءٌ اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ. الْحَشَايَا: الْفُرُشُ الْمَحْشُوَّةُ بِالْحَلِيجِ. وَقَالَ رَجُلٌ لِصَلَةَ: ادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: رَغَّبَكَ اللَّهُ فِيمَا يَبْقَى، وَزَهَّدَكَ فِيمَا يَفْنَى، وَوَهَبَ لَكَ الْيَقِينَ الَّذِي لَا يُعَوَّلُ فِي الدِّينِ إِلَّا عَلَيْهِ. وَقَالَ صِلَةُ: طَلَبْتُ الدُّنْيَا مَظَانَّ حَلالِهَا، فَجَعَلْتُ لَا أُصِيبُ مِنْهَا إِلَّا قُوتًا فَقُلْتُ: أَيْ نَفْسِي، جَعَلَ اللَّهُ رِزْقَكِ كِفَافًا فَأَرْبِعِي. قَوْلَهُ فَأَرْبِعِي مَعْنَاهُ: اسْكُنِي وَلَا تَتَعَبِي. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: طَلَبْتُ الْمَالَ مِنْ وَجْهِهِ فَأَعْيَانِي إِلَّا رِزْقَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ فَعَرَفْتُ أنَّهُ قَدْ خُيِّرَ لِي. أَيْ قُضِيَ لِي مَا هُوَ خَيْرٌ لِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 823 ذِكْرُ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ هُوَ صَالِحُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ: أَحَدُ الزُّهَّادِ الْخُشَّنِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَسْوَارِيِّ، فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ، فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَاذَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبِ بْنِ سَوَادَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ " مَرِضَتِ امْرَأَةٌ مِنَّا حَتَّى صَارَتْ كَالْخِشْفِ، فَجِئْتُ فَقَعَدْتُ عِنْدَ رَأْسِهَا وَقَرَأْتُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَالْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءِ، وَالْمَائِدَةِ، وَالْأَنْعَامِ فَتَحَرَّكَتْ، ثُمَّ قَرَأْتُ عَلَيْهَا مِنَ الْغَدِ حَتَّى بَلَغْتُ الْكَهْفَ فَتَكَلَّمَتْ وَقَالَتْ لِي: اقْرَأْ فَإِنِّي أَجِدُ كَدَبِيبِ النَّمْلِ يَخْرُجُ مِنَ الْمَرَاقِي، فَقَرَأْتُ حَتَّى بَلَغْتُ: ص، فَاسْتَوَتْ قَاعِدَةً، ثُمَّ خَتَمْتُ عَلَيْهَا فَاسْتَوَتْ قَائِمَةً، فَلَقِيتُ غَالِبَ الْقَطَّانَ بِمِنًى، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: أَوَ تَعْجَبُ مِنْ فِعْلِكَ، وَاللَّهِ لَوْ كَانَتْ مَيِّتَةً فَقَرَأْتَ عَلَيْهَا الْقُرْآنَ فَحَيَتْ لَصَدَّقْتُكَ وَقَالَ خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ: كَانَ صَالِحٌ الْمَرِّيُّ إِذَا قَصَّ قَالَ: جَاءَتْ جَوْنَةُ الْمِسْكِ وَالتِّرْيَاقِ الْمُجَرَّبِ , يَعْنِي: الْقُرْآنَ. وَلَا يَزَالُ يَقْرَأُ وَيَدْعُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 824 وَيَبْكِي حَتَّى يَنْصَرِفَ. وَقَالَ صَالِحٌ الْمَرِّيُّ: قَالَ لِي قَائِلٌ فِي الْمَنَامِ: إِذَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكَ فَقُلْ: اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْمَخْزُونِ الْمَكْنُونِ الْمُبَارَكِ الطُّهْرِ الطَّاهِرِ الْمُطَهَّرِ الْمُقَدَّسِ قَالَ: فَمَا دَعَوْتَ بِهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا عَرَفْتَ الْإِجَابَةَ بَابُ الضَّادِ ذِكْرُ ضَبَّةَ بْنِ مُحْصِنٍ الْعَنْزِيُّ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ذِكْرُ ضُرَيْبِ بْنِ نُفَيْرٍ أَبِي السَّلِيلِ الْقَيْسِيِّ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 825 ذِكْرُ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ الشَّامِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَرْوِي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. بَابُ الطَّاء ذِكْرُ طَاوُسِ بْنِ كَيْسَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ. قَالَ طَاوُسُ لِابْنِهِ: إِذَا قَبَرْتَنِي فَانْظُرْ فِي قَبْرِي، فَإِنْ لَمْ تَجِدْنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 826 فَاحْمَدِ اللَّهَ، وَإِنْ وَجَدْتَنِي فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. قَالَ الرَّاوِي: فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ وَلَدِهِ أَنَّهُ نَظَرَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، ورُئِيَ فِي وَجْهِهِ السُّرُورُ. وَقَالَ طَاوُسٌ: إِنَّ الْمَوْتَى يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ سَبْعًا، فَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُمْ تِلْكَ الْأَيَّامَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: قَالَ لِي طَاوُسُ: مَا تَعَلَّمْتَهُ فَتَعَلَّمْهُ لِنَفْسِكَ فَإِنَّ الْأَمَانَةَ وَالصِّدْقَ قَدْ ذَهَبَا مِنَ النَّاسِ. وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ وَهْرَامٍ: قَالَ طَاوُسٌ: كَانَ يُقَالَ: اسْجُدْ لِلْقِرْدِ فِي زَمَانِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ: جَاءَ ابْنٌ لِسُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ طَاوُسٍ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: جَلَسَ إِلَيْكَ ابْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ تَلْتَفِتْ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَرَدْتُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ لِلَّهِ عِبَادًا يَزْهَدُونَ فِيمَا فِي يَدِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 827 وَمَرَّ طَاوُسٌ بِرَوَّاسٍ قَدْ أَخْرَجَ رَأْسًا مَشْوِيًّا فَغُشِيَ عَلَيْهِ، وَسَارَ رَجُلٌ مَعَ طَاوُسٍ فَسَمِعَ غُرَابًا نَعَبَ فَقَالَ: خَيْرٌ، فَقَالَ طَاوُسُ: أَيُّ خَيْرٍ عِنْدَ هَذَا أَوْ شَرٍّ، لَا تَصْحَبْنِي وَلَا تَمْشِي مَعِي. وَقَالَ رَجُلٌ لِطَاوُسٍ: ادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: مَا أَجِدُ لِقَلْبِي خَشْيَةً فَأَدْعُو لَكَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ: كَانَ طَاوُسٌ طَاوُسًا كَاسْمِهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: مَا رَأَيْتُ بِأَرْضِنَا أَحَدًا أَحْسَنَ قِرَاءَةً مِنْ طَاوُسٍ. قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: شَهِدْتُ جِنَازَةَ طَاوُسٍ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ. فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَجَّ أَرْبَعِينَ حَجَّةً. فصل قَالَ طَاوُسٌ: لَا يَتِمُّ نُسُكِ الشَّابِّ حَتَّى يَتَزَوَّجَ قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابَ لِأَبِي الزَّوَائِدِ: مَا يَمْنَعُكَ مِنَ النِّكَاحِ إِلَّا عَجْزٌ أَوْ فُجُورٌ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي صَالِحٍ الْمَكِّيُّ: دَخَلَ عَلَيَّ طَاوُسُ يَعُودُنِي فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ لِي، فَقَالَ: ادْعُ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّهُ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 828 وَقَالَ طَاوُسٌ: إِيَّاكَ أَنْ تَرْفَعَ حَوَائِجَكَ إِلَى مَنْ أَغْلَقَ دُونَكَ بَابَهُ، وَجَعَلَ دُونَهُ حِجَابًا، وَعَلَيْكَ بِطِبِّ حَوَائِجِكَ إِلَى مَنْ بَابُهُ لَكَ مَفْتُوحٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، طَلَبَ إِلَيْكَ أَنْ تَدْعُوَهُ وَوَعَدَكَ الْإِجَابَةَ. وَرَأَى طَاوُسٌ رَجُلًا مِسْكِينًا، فِي ثَوْبِهِ وَسَخٌ، قَالَ: عُدَّ أنَّ الْفَقْرَ مِنَ اللَّهِ، فَأَيْنَ أَنْتَ مِنَ الْمَاءِ؟ وَسَأَلَ رَجُلٌ طَاوُسًا عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ: تُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ فِي عُنُقِي حَبْلًا ثُمَّ يُطَافُ بِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 829 ذِكْرُ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ تَابِعِيٌّ بَصْرِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ: مَكْتُوبٌ فِي الْإِنْجِيلِ: ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ، أَذْكُرُكَ حِينَ أَغْضَبُ، وَلَا أَمْحَقُكَ فِيمَنْ أَمْحَقُ، ابْنَ آدَمَ إِذَا ظُلِمْتَ فَاصْبِرْ، فَإِنِّي لَكَ نَاصِرٌ خَيْرٌ مِنْكَ نَاصِرًا لِنَفْسِكَ. وَكَانَ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ يَفْتَتِحُ الْبَقَرَةَ , يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يَرْكَعُ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَنْكَبُوتَ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ , أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ مَنْ أَحْسَنُ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ؟ قَالَ: «أَخْوَفُهُمُ لِلَّهِ» . قَالَ ابْنُ يَحْيَى: وَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّ طَلْقَ بْنَ حَبِيبٍ مِنْ أَخْوَفِهِمْ لِلَّهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 830 ذِكْرُ طَلْحَةِ بْنِ مُصَرِّفٍ كُوفِيٌّ تَابِعِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مِنْ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَزُهَّادِهِمْ. قَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ: كَانُوا يُسَمُّونَهُ سَيِّدَ الْقُرَّاءِ. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَهَ: سَمِعَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ رَجُلًا يَقُولُ: لَيْسَ بِالْكُوفَةِ أَقْرَأُ مِنْ طَلْحَةَ، فَذَهَبَ إِلَى الْأَعْمَشِ يَقْرَأُ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنْ يَرُدَّهُمْ عَنْهُ، قَالَ الْأَعْمَشُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ طَلْحَةَ، كَانَ يَقْرَأُ فَإِنْ كُنْتُ مُحْتَبِيًا وَحَلَلْتُ حَبْوَتِي سَكَتَ، وَإِنْ كُنْتُ قَاعِدًا فَاضْطَجَعْتُ سَكَتَ. قِيلَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْحُرٍ: مِنْ أَفْضَلِ مَنْ رَأَيْتَ بِالْكُوفَةِ؟ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ طَلْحَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 831 وَقَالَ شُعْبَةُ: كُنْتُ فِي جِنَازَةِ طَلْحَةَ , فَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ، وَأَثْنَى: مَا تَرَكَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: كَانَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ عُثْمَانِيَّ وَزُبَيْدٌ عَلَوِيَّ وَكَانَا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ سَنَةً فَمَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ. ذِكْرُ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ رَحِمَهُ اللَّهُ رُوِيَ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ عُمَارَةَ، قَالَ: أَقْبَلَ طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ مِنْ سَفَرٍ فَلَقِيَهُ أَعْرَابِيٌّ عِنْدَ دُخُولِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: أَفِضْ عَلَيْنَا مِمَّا رَزَقَكَ اللَّهُ، فَقَالَ لِغُلامٍ لَهُ: مَا بَقِيَ مَعَكَ مِنَ الْمَالِ فأَعْطِهِ إِيَّاهُ، قَالَ: فَصَبَّ فِي ثَوْبِهِ شَيْئًا ثَقُلَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَجَلَسَ وَبَكَى، فقال أستقللت؟ ويحك، قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَبْكِي عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ مِثْلَكَ، قَالَ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ قَصِيدَةٍ، لَا تَبْرَحْنَا وَمَعَنَا دِرْهَمٌ إِلَّا أَخَذْتَهُ، فَأَخَذَ كُلَّ مَا كَانَ مَعَ أَصْحَابِهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 832 بَابُ الظَّاءِ ذِكْرُ ظَالِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، كُنْيَتُهُ أَبُو الْأَسْوَدِ هُوَ الدُّؤَلِيُّ , تَابِعِيٌّ، بَصْرِيٌّ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي النَّحْوِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَهُوَ أَحَدُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قِيلَ سَمِعَ أَبُو الْأَسْوَدِ رَجُلًا يَقْرَأُ: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3] . بِكَسْرِ اللَّامِ قَالَ: لَا أَظُنُّنِي يَسَعُنِي أَلَّا أَضَعَ شَيْئًا أُصْلِحُ بِهِ لَحْنَ هَذَا، فَوَضَعَ النَّحْوَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 833 بَابُ الْعَيْنِ ذِكْرُ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ: انْتَهَى الزُّهْدُ إِلَى ثَمَانِيَةٍ: عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ، وَهَرِمُ بْنُ حَيَّانٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ، وَمَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ، وَالَأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، وَأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَأَمَّا عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , فَكَانَ يَقُولُ: فِي الدُّنْيَا الْغُمُومُ وَالأَحْزَانُ، وَفِي الْآخِرَةِ النَّارُ وَالْحِسَابُ، فَأَيْنَ الرَّاحَةُ وَالْفَرَجُ؟ إِلَهِي خَلَقْتَنِي وَلَمْ تُؤَامِرْنِي فِي خَلْقِي، وَأَسْكَنْتَنِي بَلاءَ الدُّنْيَا، ثُمّ قُلْتَ لِي: اسْتَمْسِكْ فَكَيْفَ أَسْتَمْسِكُ إِنْ لَمْ تُمَسِّكْنِي، إِلَهِي إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنْ لَوْ كَانَتْ لِيَ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا ثُمَّ سَأَلْتَنِيهَا لَجَعَلْتُهَا لَكَ، فَهَبْ لِي نَفْسِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 834 وَكَانَ يَقُولُ: لَذَّاتُ الدُّنْيَا أَرْبَعٌ: الْمَالُ , وَالنِّسَاءُ , وَالنَّوْمُ , وَالطَّعَامُ، فَأَمَّا الْمَالُ وَالنِّسَاءُ فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِمَا، وَالطَّعَامُ فَلَابُدَّ وَأَمَّا النَّوْمُ لِي مِنْهُمَا، وَاللَّهِ لَأَضُرَّنَّ بِهِمَا جَهْدِي. وَقَدْ كَانَ يَبِيتُ قَائِمًا وَيَظَلُّ صَائِمًا، وَكَانَ إِبْلِيسُ يَلْتَوِي فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ كَهَيْئَةِ الْحَيَّةِ، فَإِذَا مَا وَجَدَ رِيحَهُ نَحَّاهُ بِيَدِهِ ثُمَّ يَقُولُ: لَوْلَا نَتَنُكَ لَمْ أَزَلْ عَلَيْكَ سَاجِدًا، قَالَ: وَرَأَيْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَمِيصِهِ وَيَخْرُجُ مِنْ كُمِّهِ فَلَا يَحِيدُ فَقِيلَ لَهُ: لَا تُنَحِّ الْحَيَّةَ؟ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أَخَافَ شَيْئًا غَيْرَهُ، وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ بِهَا حِينَ تَدْخُلُ وَلَا حِينَ تَخْرُجُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ الْجَنَّةَ تُدْرَكُ بِدُونِ مَا تَصَنُّعٍ، وَإِنَّ النَّارَ تُتَّقَى بِدُونِ مَا تَصَنُّعٍ، فَيَقُولُ لَا أَنْفَكُّ حَتَّى لَا أَلُومَ نَفْسِي. قَالَ: وَمَرِضَ فَبَكَى، فَقيِلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ وَقَدْ كُنْتَ وَكُنْتَ؟ فَقَالَ: وَمِنْ أَحَقُّ بِالْبُكَاءِ مِنِّي وَسَفَرِي بَعِيدٌ، وَزَادِي قَلِيلٌ، وَأَمْسَيْتُ فِي صُعُودٍ وَهُبُوطٍ مِنْ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ فَلَا أَدْرِي إِلَى أَيِّهِمَا أَصِيرُ. وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فَرَضَ عَلَى نَفْسِهِ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ، يَقُومُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَا يَزَالُ قَائِمًا إِلَى الْعَصْرِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَقَدِ انْتَفَخَتْ سَاقَاهُ وَقَدَمَاهُ، فَيَقُولُ: يَا نَفْسُ، يَا أَمَّارَةُ بِالسُّوءِ، إِنَّمَا خُلِقْتِ لِلْعِبَادَةِ. وَكَانَ حَمَمَةُ، وَهُوَ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، عَارَضَهُ يَوْمًا وَكَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 835 ثَمَانِ مِائَةِ رَكْعَةٍ وَكَانَ يَقُولُ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ابْتَلَانَا بِالْبَطْنِ، فَإِذَا أَكَلْنَا لَابُدَّ لَنَا مِنَ الْحَدَثِ مَا رَآنِي رَبِّي إِلَّا رَاكِعًا وَسَاجِدًا. وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مَهْرَانَ: بَعَثَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ , فَقَالَ: إِنَّ مُعَاوُيَةَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَرَنِي أَنْ أُحْسِنَ أَدَبَكَ وَأُكْرِمَكَ. قَالَ: فُلَانٌ الَّذِي أَطَالَ الِاخْتِلَافَ إِلَيْكَ لَا تَأْذَنْ لَهُ هُوَ أَحْوَجُ إِلَى ذَلِكَ مِنِّي، قَالَ: وَأَمَرَنِي أَنْ تَخْطُبَ مَنْ شِئْتَ فَأُمْهِرُ عَنْكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، قَالَ: أَنَا فِي الْخِطْبَةِ دَائِبٌ، قَالَ: إِلَى مِنْ؟ قَالَ: إِلَى مَنْ يَقْبَلُ مِنِّي الْفَلْقَةَ، وَالتَّمْرَةَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: سَأَلَ عَامِرٌ رَبَّهُ أَنْ يُهَوِّنَ عَلَيْهِ الطُّهُورَ فِي الشِّتَاءِ، فَكَانَ يُؤْتَى بِالْمَاءِ وَلَهُ بُخَارٌ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: مَرَّ عَامِرٌ فَإِذَا قَافِلَةٌ قَدِ احْتَبَسَتْ، فَقَالَ: مَا لَكُمْ لَا تَمُرُّونَ؟ فَقَالُوا: الأَسَدُ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الطَّرِيقِ، قَالَ: هَذَا كَلْبٌ مِنَ الْكِلَابِ، فَمَرَّ بِهِ حَتَّى أَصَابَ ثَوْبُهُ فَمُ الْأَسَدِ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: رَأَى رَجُلٌ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ مُنَادِيًا يُنَادِي: أَخْبِرُوا النَّاسَ أَنَّ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَوَجْهُهُ مِثْلُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 836 قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ عُبَّادِ التَّابِعِينَ بِالْبَصْرَةِ، وَأَخَذَ الطَّرِيقَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ، فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَاشَاذَّهٍ، فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْعَسَّالُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّازِقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشَّخِّيرِ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ " أَنَّ عَامِرَ بْنَ قَيْسٍ , كَانَ أَخَذَ عَطَاءَهُ فَيَجْعَلُهُ تَحْتَ دِرْعِهِ فَلَا يَلْقَى أَحَدًا مِنَ الْمَسَاكِينِ فَسَأَلَهُ إِلَّا أَعْطَاهُ، فَإِذَا دَخَلَ إِلَى أَهْلِهِ رَمَى بِهِ إِلَيْهِمْ، فَيَعُدُّونَهَا فَيَجِدُونَهَا سَوَاءً كَمَا أُعْطِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 837 ذِكْرُ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، كُنْيَتُهُ أَبُو شِبْلٍ تَابِعِيٌّ كُوفِيٌّ. قَالَ قَابُوسُ بْنُ أَبِي ظَبْيَانَ: قُلْتُ لِأَبِي: لِأَيِّ شَيْءٍ تَأْتِي عَلْقَمَةَ وَتَدَعُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَدْرَكْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَلْقَمَةَ وَيَسْتَفْتُونَهُ. رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ خَرَجَ فَرَأَى عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدَ، وَمَسْرُوقًا، وَأَصْحَابَهُمْ يَتَذَاكَرُونَ، وَيَتَدَارَسُونَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: بِأَبِي وَأُمِّيَ الْعُلَمَاءُ، بِرُوحِ اللَّهِ ائْتَلَفْتُمْ وَكِتَابِ اللَّهِ تَلَوْتُمْ، وَمَسْجِدِ اللَّهِ عَمَّرْتُمْ، وَرَحْمَةِ اللَّهِ انْتَظَرْتُمْ، ثُمَّ أَحَبَّكُمُ اللَّهُ، وَأَحَبَّ مَنْ أَحَبَّكُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 838 وَرُوِيَ أَنَّ عَلْقَمَةَ كَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: رَتِّلْ فَذَلِكَ زَيْنُ الْقُرْآنِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي. وَقَالَ الْمُسَيَّبُ بْنُ رَافِعٍ: قِيلَ لِعَلْقَمَةَ: لَوْ جَلَسْتُ فَأَقْرَأْتُ النَّاسَ الْقُرْآنَ وَحَدَّثْتُهُمْ، فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يُوطَأَ عَقِبِي، وَأَنْ يُقَالَ: هَذَا عَلْقَمَةُ وَكَانَ يَلْزَمُ بَيْتَهُ يَعْلِفُ غَنَمَهُ وَيَحْلِبُهُنَّ وَمَعَهُ شَيْءٌ يَقْرَعُهُنَّ بِهِ إِذَا تَنَاطَحْنَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانَ عَلْقَمَةُ إِذَا رَأَى أَشَاشًا مِنَ النَّاسِ ذَكَّرَهُمْ، أَيْ: نَشَاطًا. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ: لَمْ يَتْرُكْ عَلْقَمَةَ إِلَّا دَارًا، وَبِرْذَوْنًا، وَمُصْحَفَهُ، وَأَوْصَى بِهِ لِمَوْلًى لَهُ كَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ. وَقَالَ عَلْقَمَةُ , لِلْأَسْوَدِ: لَقِّنِّي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عِنْدَ حُضُورِ مَوْتِي، وَإِذَا مِتُّ فَلَا تَنْعَنِي لِأَحَدٍ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا كَنَعْيِ الْجَاهِلِيَّةِ. فَإِذَا خَرَجْتُمْ بِجِنَازَتِي مِنَ الدَّارِ فَأَغْلِقُوا الْبَابَ حِينَ يَخْرُجُ آخِرُ الرِّجَالِ عَلَى أَوَّلِ النِّسَاءِ فَإِنهَّ لَا أَرَبَ لِي فِيهِنَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 839 ذِكْرُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ تَابِعِيٌّ مَكِّيٌّ. قَالَ ابْنُ طَاوُسٍ: قَالَ أَبِي: إِذَا قَدِمْتَ مَكَّةَ فَجَالِسْ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ فَإِنَّ أُذُنَيْهِ كَانَتْ قُمْعًا لِلْعُلَمَاءِ، وَكَانَ يَنَامُ ثُلُثَ اللَّيْلِ، وَيَتَحَدَّثُ ثُلُثًا، وَيُصَلِّي ثُلُثًا. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: جَلَسْتُ إِلَى عَمْرٍو سَنَتَيْنِ فَمَا قَالَ كَلِمَةً قَطُّ تَسُوؤُنِي. وَقِيلَ لِإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: أَيُّ أَهْلِ مَكَّةَ رَأَيْتَهُ أَفْقَهُ؟ قَالَ: أَسْوَاهُمْ خُلُقًا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 840 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ تَابِعِيٌّ مَكِّيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى وَالْوَرَعِ أَنْ يُذَلَّ لِصَاحِبِ الدُّنْيَا. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135] ، قَالَ: يَعْلَمُونَ إِنْ تَابُوا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. رَوَى عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ , قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: «السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ» ، قُلْتُ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُهُمْ إِيمَانًا؟ قَالَ: «أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» ، قُلْتُ: فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُهُمْ إِسْلَامًا؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» ، قُلْتُ: فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ إِمَامٍ جَائِرٍ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 841 ذِكْرُ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، كُنْيَتُهُ أَبُو مَيْسَرَةَ تَابِعِيٌّ كُوفِيٌّ. رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا قِبَابٌ مَضْرُوبَةٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: لِذِي الْكُلَاعِ، وَحَوْشَبٍ، وَكَانَا مِمَّنْ قُتِلَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، قُلْتُ: فَأَيْنَ عَمَّارُ وَأَصْحَابُهُ؟ قَالُوا: أَمَامَكَ، قُلْتُ: وَقَدْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَقِيلَ: إِنَّهُمْ لَقُوا اللَّهَ فَوَجَدُوهُ وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 842 ذِكْرُ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَابِعِيٌّ كُوفِيٌّ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: حَجَّ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ مِائَةَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَإِنَّ الْأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ حَجَّ سَبْعِينَ حَجَّةً وَعُمْرَةً. وَقَالَ عَمْرٌو: لَمَّا تَعَجَّلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَأَى رَجُلًا فِي ظِلِّ الْعَرْشِ فَغَبَطَهُ بِمَكَانِهِ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْكَرِيمُ عَلَى رَبِّهِ، فَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِاسْمِهِ، فَقَالَ: لَكِنْ سَأُنْبِئُكَ بِعِلْمِهِ، كَانَ لَا يَحْسُدُ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَلَا يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَلَا يَعُقُّ وَالِدَيْهِ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أَمْرِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى أَبَوَيَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 843 ذِكْرُ عَمْرِو بْنِ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ الْأَعْمَشُ قَالَ عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ: سَأَلْتُ اللَّهَ ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِيَ اثْنَتَيْنِ، وَأَنَا انْتَظِرُ الثَّالِثَةَ، سَأَلْتُهُ أَنْ يُزَهِّدَنِي فِي الدُّنْيَا فَمَا أُبَالِي مَا أَقْبَلَ مِنْهَا وَمَا أَدْبَرَ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يُقَوِّيَنِي عَلَى الصَّلَاةِ فَرَزَقَنِي مِنْهَا، وَسَأَلْتُهُ الشَّهَادَةَ فَأَنَا أَرْجُوهَا. فَقُتِلَ شَهِيدًا. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا مَوْلًى لِعَمْرِو بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: طَلَبْنَا عَمْرًا يَوْمًا حَارًّا فِي سَاعَةٍ حَارَّةٍ، فَوَجَدْنَاهُ فِي جَبَلٍ وَهُوَ سَاجِدٌ وَغَمَامَةٌ تُظِلُّهُ، وَكُنَّا نَخْرُجُ إِلَى الْعَدُوِّ فَلَا نَتَحَارَسُ لِكَثْرَةِ صَلَاتِهِ. وَرَأَيْتُهُ لَيْلَةً يُصَلِّي فَسَمِعْنَا زَئِيرَ الْأَسَدِ فَهَرَبْنَا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي لَمْ يَنْصَرِفْ، فَقُلْنَا لَهُ: مَا خِفْتَ مِنَ الْأَسَدِ؟ فَقَالَ: إِنِّي لَأَسْتَحْيِي أَنْ أَخَافَ شَيْئًا سِوَى اللَّهِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ: كَانَ عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ يَرْعَى رِكَابَ أَصْحَابِهِ إِذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 844 خَرَجُوا إِلَى الْغَزْوِ وَغَمَامَةٌ تُظِلُّهُ، وَكَانَ يُصَلِّي وَالسَّبْعُ يَضْرِبُ حَوْلَهُ بِذَنَبِهِ يَحْمِيهِ. وَقَالَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ: كَانَ يَخْرُجُ لَيْلًا فَيَقِفُ عَلَى الْقُبُورِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْقُبُورِ قَدْ طُوِيَتِ الصُّحُفُ، وَرُفِعَتِ الْأَعْمَالُ، ثُمَّ يَبْكِي وَيَصُفُّ بَيْنَ قَدَمَيْهِ حَتَّى يُصْبِحَ فَيَرْجِعَ فَيَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَكَانَ يَتَسَحَّرُ بِرَغِيفٍ، وَيُفْطِرُ بِرَغِيفٍ. قَالَ الْحُفَّاظُ: كَانَ مِنْ كِبَارِ تَابِعِي أَهْلِ الْكُوفَةِ، شَغَلَتْهُ الْعِبَادَةُ عَنِ الرِّوَايَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 845 ذِكْرُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ الْخَلِيفَةِ الْعَادِلِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ رَجُلًا رَبْعَةً رَقِيقَ الْوَجْهِ حَسَنُهُ، خَفِيفَ الْجِسْمِ، بِجَبْهَتِهِ أَثَرُ نَفْحَةِ الدَّابَّةِ، وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ عُمَرُ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ مُخْلِصًا، وَلِيَ سَنَتَيْنِ وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَخَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَمَاتَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ قَدْ خَطَّهُ الشَّيْبُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 846 قَالَ يَزِيدُ بْنُ حَازِمٍ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَخْطُبُ بِالَمِدينَةِ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} [القمر: 4] . فَقَالَ: نَعَمْ، وَاللَّهُ أَحَلَّ فِيهِ الْحَلَالَ، وَحَرَّمَ فِيهِ الْحَرَامَ، وَقَصَّ فِيهِ نَبَأَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَحَدِيثَ مَا بَعْدَكُمْ وَبَيَّنَ مَا تَأْتُونَ وَتَذَرُونَ، لَمْ يَدَعْكُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ دِينِكُمْ، وَلَا شُبْهَةٍ مِنْ أَمْرِكُمْ، كَرَامَةً أَكْرَمَكُمْ بِهَا، وَنِعْمَةً أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَهُوَ أَوْعَظُ الْوَاعِظِينَ وَأَبْلَغُ الْمُؤَدِّبِينَ لَيْسَ بِمُعَدَّلٍ. فَصْلٌ قِيلَ: كَتَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْعُمَّالِ ,أَنَّ مَدِينَتَنَا خَرِبَتْ، فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا نُرِمُّهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: فَهِمْتُ كِتَابَكَ فِي قِصَّةِ الْمَدِينَةِ، فَحَصِّنْهَا بِالْعَدْلِ , وَنَقِّ طُرُقَهَا مِنَ الظُّلْمِ , فَإِنَّهُ مَرَمَّتُهَا. فصل ذَكَرُوا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَعُسُّ لَيْلَةً فَأَتَى عَلَى امْرَأَةٍ فِي وَقْتِ السَّحَرِ، وَهِيَ تَقُولُ لِبِنْتٍ لَهَا قُومِي فَشَوِّبِي اللَّبَنَ، فَقَالَتْ لَا يَصْلُحُ فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لِابْنِهِ عَاصِمٍ: اذْهَبْ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا وَبِهَا صَبِيَّةٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْغُولَةً فَتَزَوَّجْ بِهَا لَعَلَّكَ تُرْزَقُ مِنْهَا نَسْمَةً مُبَارَكَةً، فَتَزَوَّجَ بِهَا عَاصِمٌ فَوَلَدَتْ لَهُ أُمَّ عَاصِمٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 847 بِنْتَ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ فَوَلَدَتْ لَهُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَقَالَ خَالِدٌ الرَّبَعِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ تَبْكِي عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهِكٍ , قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نُسَوِّي التُّرَابَ عَلَى قَبْرِ عُمَرَ إِذْ سَقَطَ عَلَيْنَا رَقٌّ فِيهِ كِتَابٌ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا أَمَانٌ مِنَ اللَّهِ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنَ النَّارِ. فصل قَالَ عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشَدَّ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقِيلَ: تَوَضَّأَ يَوْمًا بِمَاءٍ حَارٍّ فقَالَ لِغُلَامِهِ: مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ قَالَ: فَنِيَ حَطَبُنَا فَوَضَعْنَا الْقُمْقُمَ الْبَارِحَةَ فِي مَطْبَخِ الْجُنْدِ فَأَبَى أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ. رُوِيَ عَنْ رَيَّاحِ بْنِ عُبَيْدَةَ , قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ , وَشَيْخٌ مُتَوَكِّئٌ عَلَى يَدِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إِنَّ هَذَا الشَّيْخَ جَافٍ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ الْأَمِيرِ، فَلَمَّا صَلَّى وَدَخَلَ تَبِعْتُهُ فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، مَنِ الشَّيْخُ الَّذِي كَانَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدَيْكَ. قَالَ: قَدْ رَأَيْتَهُ يَا رَيَّاحُ , الجزء: 1 ¦ الصفحة: 848 قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: ذَاكَ أَخِي الْخَضِرُ، أَتَانِي فَأَعْلَمَنِي أَنِّي سَأَلِي الْأَمْرَ وَأَنِّي سَأَعْدِلُ فِيهِ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , قَالَتْ رِعَاءُ الشَّاءِ فِي دَوْسِ الْجِبَالِ: مَنْ هَذَا الْخَلِيفَةُ الَّذِي قَدْ قَامَ عَلَى النَّاسِ؟ قَالَ: فَقِيلَ: لَهُمْ وَمَا أَعْلَمَكُمْ بِذَلِكَ؟ قَالُوا: إِنَّهُ إِذَا قَامَ خَلِيفَةٌ صَالِحٌ كَفَّ الذِّئَابُ وَالْأُسْدُ عَنْ شِيَاتِنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فصل رُوِيَ عَنْ بَشْرِ بْنِ السَّرِيِّ، عَنْ أَبِي سُلَيْمٍ الْهُذَلِيِّ , قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثًا، وَلَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا مِنْ أَمْرِكُمْ سُدًى، وَإِنَّ لَكُمْ مِيعَادًا يَنْزِلُ اللَّهُ فِيهِ لِلْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ بَيْنَكُمْ، فَخَابَ وَخَسِرَ مَنْ خَرَجَ مَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَحُرِمَ الْجَنَّةَ الَّتِي عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، فَاشْتَرُوا قَلِيلًا بِكَثِيرٍ، وَفَانِيًا بِبَاقٍ، وَخَوْفًا بِأَمَانٍ. أَلَا تَرَوْنَ أَنَّكُمْ فِي أَسْلَابِ الْهَالِكِينَ، وَيَسْتَخْلِفُهَا بَعْدَكُمُ الْبَاقُونَ، كَذَلِكَ حَتَّى تُرَدَّ إِلَى خَيْرِ الْوَارِثِينَ. فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تُشَيِّعُونَ غَادِيًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 وَرَائِحًا إِلَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَضَى نَحْبَهُ وَانْقَضَى أَجَلُهُ، حَتَّى تَغَيِّبُوهُ فِي صَدْعٍ مِنَ الْأَرْضِ فِي بَطْنِ صَدْعٍ، ثُمَّ تَدْعُوهُ غَيْرَ مُمَهَّدٍ وَلَا مُوَسَّدٍ قَدْ خَلَعَ الْأَسْبَابَ، وَفَارَقَ الْأَحْبَابَ، وَسَكَنَ التُّرَابَ، وَوَاجَهَ الْحِسَابَ مُرْتَهَنٌ بِعَمَلِهِ، فَقِيرٌ إِلَى مَا قَدِمَ، وَغَنِيٌّ عَمَّا تَرَكَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ، وَايَمُ اللَّهِ إِنِّي لَأَقُولُ لَكُمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَمَا أَعْلَمُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنَ الذُّنُوبِ مَا أَعْلَمُ عِنْدِي، وَمَا يَبْلُغُنِي عَنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ حَاجَةً إِلَّا أَحْبَبْتُ أَنْ أَسُدَّ مِنْ حَاجَتِهِ مَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَبْلُغُنِي أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَا يَسَعُهُ مَا عِنْدِي إِلَّا وَجَدْتُ أَنْ يُمَكِّنَنِي تَغْيِيرُهُ حَتَّى يَسْتَوِي عَيْشُنَا وَعَيْشُهُ، وَايَمُ اللَّهِ لَوْ أَرَدْتُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْغَضَارَةِ وَالْعَيْشِ لَكَانَ اللِّسَانُ بِهِ ذَلُولًا عَالِمًا بِأَسْبَابِهِ، وَلَكِنْ سَبَقَ مِنَ اللَّهِ كِتَابٌ نَاطِقٌ، وَسُنَّةٌ عَادِلَةٌ دَلَّ فِيهَا عَلَى طَاعَتِهِ، وَنَهَى فِيهَا عَنْ مَعْصِيَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ طَرَفَ رِدَائِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَبَكَى وَشَقَّ وَبَكَى النَّاسُ فَكَانَتْ آخِرَ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا. فصل رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , قَالَ: لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ خَلَفٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ خَلَفٌ، وَاعْمَلُوا لِآخِرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ مَنْ عَمِلَ لِآخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ، وَأَصْلِحُوا سَرَائِرَكُمْ يُصْلِحِ اللَّهُ عَلَانِيَتَكُمْ، وَأَكْثِرُوا ذِكْرَ الْمَوْتِ، وَأَحْسِنُوا الاسْتِعْدَادَ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 850 قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ , فَإِنَّهُ هَاذِمُ اللَّذَّاتِ، وَإِنَّ مَنْ لَا يَذْكُرُ مِنْ آبَائِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ أبًا حَيًّا لَمُعْرِقٌ لَهُ مِنَ الْمَوْتِ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُهَاجِرٍ , قَالَ: كَانَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَيْتٌ يَخْلُو فِيهِ وَفِي ذَلِكَ الْبَيْتِ مَا تَرَكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا سَرِيرٌ مَرْمُولٌ بِشَرِيطٍ وَقَعْبٌ يَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ، وَجَرَّةٌ مَكْسُورَةُ الرَّأْسِ يَجْعَلُ فِيهَا الشَّيْءَ، وَوِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوَّةٌ بِلِيفٍ، وَقَطِيفَةٌ غَبْرَاءُ كَأَنَّهَا مِنْ هَذِهِ الْقُطَفِ الْجِرْمَقَانِيَّةِ، فِيهَا مِنْ وَسَخَ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَقُولُ: يَا قُرَيْشُ هَذِهِ تُرَاثُ مَنْ أَكْرَمَكُمُ اللَّهُ بِهِ وَأَعَزَّكُمْ، يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَا تَرَوْنَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ مَرْقُوعٌ قَدْ بَدَتِ الرُّقْعَةُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ لَبِسْتَ ثَوْبًا أَفْضَلَ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ يَوْمُ جُمُعَةٍ، فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ الْقَصْدِ عِنْدَ الْجِدَّةِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ الْعَفْوِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 851 فصل أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ، فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَصَّاصُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ أَعْيُنٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَسْلَمَ , قَالَ: " بَيْنَا أَنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَعُسُّ الْمَدِينَةَ إِذْ أُعْيِيَ فَاتَّكَأَ عَلَى جَانِبِ جِدَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ , فَإِذَا امْرَأَةٌ تَقُولُ لِابْنَتِهَا: قُومِي إِلَى ذَلِكَ اللَّبَنِ فَامْزِقِيهِ بِالْمَاءِ، فَقَالَتْ: يَا أُمَّتَاهُ: أَوَمَا عَلِمْتِ مَا كَانَ مِنْ عَزْمَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ؟ قَالَتْ: وَمَا كَانَ مِنْ عَزْمَتِهِ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: أَلَّا يُشَابَ اللَّبَنُ بِالْمَاءِ فَقَالَتْ لَهَا: يَا ابْنَتَاهُ قُومِي إِلَى اللَّبَنِ فَامْزِقِيهِ بِالْمَاءِ، فَإِنَّكَ بِمَوْضِعٍ لَا يَرَاكِ عُمَرُ وَلَا مُنَادِي عُمَرَ، فَقَالَتِ الصَّبِيَّةُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ لِأُطِيعَهُ فِي الْمَلَأِ وَأَعْصِيَهُ فِي الْخَلاءِ، وَعُمَرُ يَسْمَعُ كُلَّ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا أَسْلَمُ، عَلِّمِ الْبَابَ وَاعْرِفِ الْمَوْضِعَ، ثُمَّ مَضَى فِي عَسَسِهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: يَا أَسْلَمُ، امْضِ إِلَى الْمَوْضِعِ فَانْظُرْ مَنِ الْقَائِلَةُ وَمَنِ الْمَقُولُ لَهَا، وَهَلْ لَهُمْ مِنْ بَعْلٍ، فَأَتَيْتُ الْمَوْضِعَ فَإِذَا الْجَارِيَةُ أَيِّمٌ لَا بَعْلَ لَهَا وَإِذَا تِيكَ أُمُّهَا، وَإِذَا لَيْسَ لَهُمْ رَجُلٌ، فَأَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَدَعَا عُمَرُ وَلَدَهُ فَجَمَعَهُمْ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى امْرَأَةٍ أُزَوِّجُهُ؟ وَلَوْ كَانَ بِأَبِيكُمْ حَرَكَةٌ إِلَى النِّسَاءِ مَا سَبَقَهُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لِي زَوْجَةٌ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لِي زَوْجَةٌ، وَقَالَ عَاصِمٌ: يَا أَبَتَاهُ، لَا زَوْجَةَ لِي فَزَوِّجْنِي، فَبَعَثَ إِلَى الْجَارِيَةِ فَزَوَّجَهَا مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 852 عَاصِمٍ، فَوَلَدَتْ لِعَاصِمٍ بِنْتًا، وَوَلَدَتِ الِابْنَةُ بِنْتًا، وَوَلَدَتِ الِابْنَةُ عُمَرَ بْنَ عَبْدَ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ " قَالَ: وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هِلَالٍ الشَّطَوِيُّ إِمْلَاءً، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا رِيَاحُ بْنُ عُبَيْدَةَ، قَالَ " كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُعْجِبُهُ أَنْ يَتَأَدَّمَ بِالْعَسَلِ فَطَلَبَ مِنْ أَهْلِهِ يَوْمًا عَسَلًا، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ , فَأَتَوْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِعَسَلٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ لِأَهْلِهِ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟ قَالَتِ امْرَأَتُهُ بَعَثْتُ مَوْلَاي بِدِينَارَيْنِ عَلَى بَغْلِ الْبَرِيدِ فَاشْتَرَاهُ لِي. فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ لَمَا أَتَيْتِنِي بِهِ فَأَتَتْهُ بِ ... عُكَّةٍ فِيهَا عَسَلٌ فَبَاعَهَا بِثَمَنٍ يَزِيدُ، وَرَدَّ عَلَيْهَا رَأْسَ مَالِهَا، وَأَلْقَى بَقِيَّتَهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: أَنْضَيْتِ دَوَابَّ الْمُسْلِمِينَ فِي شَهْوَةِ عُمَرَ ". قَالَ: وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الصَّبَاحِ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ صَدَقَةَ , مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , قَالَ " حَدَّثَنِي بَعْضُ خَاصَّةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ حِينَ أُفْضِيَتْ إِلَيْهِ الْخِلَافَةُ سَمِعُوا فِي مَنْزِلِهِ بُكَاءً عَالِيًا فَسُئِلَ عَنِ الْبُكَاءِ؟ فَقِيلَ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ خَيَّرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 853 جَوَارِيهِ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِي أَمْرٌ قَدْ شَغَلَنِي عَنْكُنَّ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ أُعْتِقَهُ أَعْتَقْتُهُ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ أُمْسِكَهُ أَمْسَكْتُهُ، لَمْ يَكُنْ مِنِّي إِلَيْهَا شَيْءٌ فَبَكَيْنَ إِيَاسًا مِنْهُ ". قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ عِيسَى الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , قَالَ " لَمَّا دَفَنَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ , وَخَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ سَمِعَ لِلْأَرْضِ هَزَّةً أَوْ رَجَّةً، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ فَقيِلَ: هَذِهِ مَوَاكِبُ الْخِلَافَةِ قَرُبَتْ إِلَيْكَ لِتَرْكَبَهَا فَقَالَ: مَالِي وَلَهَا نَحْوَهَا عَنِّي قَرِّبُوا إِليَّ بَغْلَتِي، فَقُرِّبَتْ إِلَيْهِ بَغْلَتُهُ، فَجَاءَهُ صَاحَبُ الشُّرْطَةِ يَسِيرُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالْحَرْبَةِ، فَقَالَ: تَنَحَّ عَنِّي، مَالِي وَلَكَ إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَسَارَ وَسَارَ مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدِ ابْتُلِيتُ بِهَذَا الْأَمْرِ عَنْ غَيْرِ رَأْيٍ كَانَ مِنِّي إِلَيْهِ، وَلَا طَلْبَةَ لَهُ، وَلَا مَشُورَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنِّي قَدْ خَلَعْتُ مَا فِي أَعْنَاقِكُمْ مِنْ بَيْعَتِي، فَاخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمْ، فَصَاحَ النَّاسُ صَيْحَةً وَاحِدَةً، قَدِ اخْتَرْنَاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَضِينَاكَ فَلِ أَمْرَنَا بِالْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ، فَلَمَّا رَأَى الأَصْوَاتَ قَدْ هَدَأَتْ وَرَضِيَ النَّاسُ بِهِ جَمِيعًا، حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّ فِي تَقْوَى اللَّهِ خَلَفًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 854 وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ َلَفٌ، وَاعْمَلُوا لِآخِرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ مَنْ عَمِلَ لِآخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ، وَأَصْلِحُوا سَرَائِرَكُمْ يُصْلِحِ اللَّهُ الْكَرِيمُ عَلَانِيَتَكُمْ، وَأَكْثِرُوا ذِكْرَ الْمَوْتِ، وَأَحْسِنُوا الاسْتِعْدَادَ لِلْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمْ، فَإِنَّهُ هَاذِمُ اللَّذَّاتِ، وَإِنَّ مَنْ لَا يَذْكُرُ مِنْ آبَائِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبًا حَيًّا لَمُعْرِقٌ لَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي رَبِّهَا وَلَا فِي نَبِيِّهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فِي كِتَابِهَا، إِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الدُّنْيَا وَالدِّرْهَمِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا بَاطِلًا، وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا حَقًّا، ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاسَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فَقَدْ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ , وَمَنْ عَصَى اللَّهَ فَلَا طَاعَةَ لَهُ، أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّهَ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ، ثُمَّ نَزَلَ وَدَخَلَ وَأَمَرَ بِالسُّتُورِ فَهُتِكَتْ وَبِالثِّيَابِ الَّتِي تُبْسَطُ لِلْخُلَفَاءِ فَحُمِلَتْ وَأَمَرَ بِبَيْعِهَا وَإِدْخَالِ أَثْمَانِهَا فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَتَبَوَّأُ مَقِيلًا، فَأَتَاهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ تَصْنَعَ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، أُقَيِّلُ. قَالَ: تُقَيِّلُ وَلَا تَرُدُّ الْمَظَالِمَ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، قَدْ سَهِرْتُ الْبَارِحَةَ فِي أَمْرِ عَمَلِ سُلَيْمَانَ، فَإِذَا صَلَّيْتُ الظُّهْرَ رَدَدْتُ الْمَظَالِمَ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنْ لَكَ أَنْ تَعِيشَ إِلَى الظُّهْرِ، قَالَ: ادْنُ مِنِّي أَيْ بُنَيَّ، فَدَنَا مِنْهُ فَالْتَزَمَهُ فَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَ مِنْ صُلْبِي مَنْ يُعِينُنِي عَلَى دِينِي، فَخَرَجَ وَلَمْ يُقَيِّلْ، وَأَمَرَ مُنَادِيَهُ أَنْ يُنَادِي أَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 855 مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ فَلْيَرْفَعْهَا، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ ذِمِّيٌّ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَسْأَلُكَ كِتَابَ اللَّهَ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ اغْتَصَبَنِي أَرْضًا، وَالْعَبَّاسُ جَالِسٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبَّاسُ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقْطَعَنِيهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَتَبَ لِي بِهَا سِجِلًّا، فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَقُولُ يَا ذِمِّيُّ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَسْأَلُكَ كِتَابَ اللَّهُ، فَقَالَ عُمَرُ: كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ كِتَابِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَمْ فَارُدُدْ عَلَيْهِ يَا عَبَّاسُ ضَيْعَتَهُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ لَا يُدَّعَى شَيْءٌ مِمَّا كَانَ فِي يَدَيْهِ وَفِي أَيْدِي أَهْلِ بَيْتِهِ مِنَ الْمَظَالِمِ إِلَّا رَدَّهَا مَظْلَمَةً مَظْلَمَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّكَ أَزْرَيْتَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الْخُلَفَاءِ وَعِبْتَ عَلَيْهِمْ، وَسِرْتَ بِغَيْرِ سِيرَتِهِمْ بُغْضًا لَهُمْ وَشَيْنًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَوْلادِهِمْ، قَطَعْتَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، إِذْ عَمِدْتَ إِلَى أَمْوَالِ قُرَيْشٍ وَمَوَارِيثِهِمْ فَأَدْخَلْتَهَا بَيْتَ الْمَالِ جَوْرًا وَعُدْوَانًا، فَاتَّقِ اللَّهَ يَا ابْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَرَاقِبْهُ إِنْ شَطَطْتَ، لَمْ تَطْمَئِنَّ عَلَى مِنْبَرِكَ، خَصَّصْتَ أُولِي قَرَابَتِكَ بِالظُّلْمِ وَالْجَوْرِ، فَوَالَّذِي خَصَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا خَصَّهُ بِهِ، لَقَدِ ازْدَدْتَ مِنَ اللَّهِ بُعْدًا فِي وِلايَتِكَ هَذِهِ، إِنْ زَعَمْتَ أَنَّهَا بَلَاءٌ، أَقْصِرْ عَنْ بَعْضِ مَسِيلِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ بِعَيْنِ جَبَّارٍ فِي قَبْضَتِهِ، وَلَنْ تُتْرَكَ عَلَى هَذَا، اللَّهُمَّ سَلْ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَمَّا صَنَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 856 بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا قَرَأَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كِتَابَهُ كَتَبَ إِلَيْهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عُمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْوَلِيدِ، السَّلَامُ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي كِتَابُكَ وَسَأُجِيبُكَ بِنَحْوٍ مِنْهُ، أَمَّا أَوَّلُ شَأْنِكَ ابْنُ الْوَلِيدِ كَمَا زَعَمَ , فَأُمُّكَ بِنَاتَةُ ابْنَةُ السَّكُونِ، كَانَتْ تَتَطَوَّفُ بِسُوقِ حِمْصٍ وَتَدْخُلُ فِي حَوَانِيتِهَا، ثُمَّ اللَّهُ أَعْلَمُ اشْتَرَاهَا دِينَارُ بْنُ دِينَارٍ مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَهْدَاهَا لِأَبِيكَ فَحَمَلَتْ بِكَ، فَبِئْسَ الْمَحْمُولُ وَبِئْسَ الْمَوْلُودُ، ثُمَّ نَشَأْتَ فَكُنْتَ جَبَّارًا عَنِيدًا، إِنِّي مِنَ الظَّالِمِينَ إِنْ حَرَمْتُكَ وَأَهْلَ بَيْتِكَ فَيْءَ اللَّهِ الَّذِي فِيهِ حَقُّ الْقَرَابَةِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْأَرَامِلِ , وَإِنَّ أَظْلَمَ مِنِّي وَأَتْرَكَ لِعَهْدِ اللَّهِ مَنِ اسْتَعْمَلَكَ صَبِيًّا سَفِيهًا عَلَى جُنْدِ الْمُسْلِمِينَ تَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِرَأْيِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي ذَلِكَ نِيَّةٌ إِلَّا حُبُّ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ فَوَيْلٌ لَكَ وَوَيْلٌ لِأَبِيكَ، مَا أَكْثَرَ خَصَمَاءَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَكَيْفَ يَنْجُو أَبُوكَ مِنْ خُصَمَائِهِ، وَإِنَّ أَظْلَمَ مِنِّي وَأَتْرَكَ لِعَهْدِ اللَّهِ مَنِ اسْتَعْمَلَ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ عَلَى خُمْسِ الْعَرَبِ، يَسْفِكُ الدِّمَاءَ الْحَرَامَ، وَيَأْخُذُ الْمَالَ الْحَرَامَ، وَإِنَّ أَظْلَمَ مِنِّي وَأَتْرَكَ لِعَهْدِ اللَّهِ مِنِ اسْتَعْمَلَ قُرَّةَ بْنَ شَرِيكٍ , أَعْرَابِيًّا جَافِيًا عَلَى مِصْرَ، أَذِنَ لَهُ فِي الْمَعَازِفِ وَاللَّهْوِ وَالشُّرْبِ، وَإِنَّ أَظْلَمَ مِنِّي وَأَتْرَكَ لِعَهْدِ اللَّهِ مَنْ جَعَلَ لِعَالِيَةَ الْبَرْبَرِيَّةِ , سَهْمًا فِي خُمُسِ الْعَرَبِ فَرُوَيْدًا يَا ابْنَ بَنَاتَةَ، فَلَوِ الْتَقَتْ حَلْقَتَا الْبِطَانِ، وَرُدَّ الْفَيْءُ إِلَى أَهْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 857 لَتَفَرَّغْتُ لَكَ وَلِأَهْلِ بَيْتِكَ، فَوَضَعْتُهُمْ عَلَى الْمِحْجَرِ الْبَيْضَاءِ، فَطَالَمَا تَرَكْتُمُ الْحَقَّ، وَأَخَذْتُمْ مِنْ بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ، وَمَا وَرَاءَ هَذَا مِنَ الْفَضْلِ مَا أَرْجُو أَنْ أَكُونَ رَأَيْتُهُ بَيْعَ رَقَبَتِكَ وَقَسْمَ ثَمَنِكَ بَيْنَ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْأَرَامِلِ، فَإِنَّ لِكُلٍّ فِيكَ حَقًّا وَالسَّلَامُ عَلَيْنَا، وَلَا يَنَالُ سَلامُ اللَّهِ الظَّالِمِينَ، فَلَمَّا بَلَغَتِ الْخَوَارِجَ سَيْرَةُ عُمَرَ وَمَا رُدَّ مِنَ الْمَظَالِمِ اجْتَمَعُوا فَقَالُوا: مَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُقَاتِلَ هَذَا الرَّجُلَ ". وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فصل رُوِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ جَعَلَ فِي كُلِّ يَوْمٍ دِرْهَمًا مِنْ خَاصَّةِ مَالِهِ فِي طَعَامِ الْعَامَّةِ ثُمَّ يَأْكُلُ مَعَهُمْ. وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مَهْرَانَ: وَلَّانِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَقَالَ لِي: إِنْ جَاءَكَ كِتَابِي بِغَيْرِ الْحَقِّ فَاضْرِبْ بِهِ الْحَائِطَ. وَقَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمَلِكِ: كُنْتُ أَسْمَعُ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَخْفِ عَلَيْهِمْ مَوْتِي وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ يَوْمًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا أَخْرُجُ عَنْكَ أَنْ تَغْفِي شَيْئًا فَإِنَّكَ لَمْ تَنَمْ، قَالَتْ: فَخَرَجْتُ عَنْهُ إِلَى بَيْتٍ غَيْرِ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أَسْمَعُهُ يَقُولُ: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 858 الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83] . يُرَدِّدُهَا مِرَارًا، ثُمَّ أَطْرَقَ فَلَبِثَ طَوِيلًا لَا يُسْمَعُ لَهُ حِسٌّ، فَقُلْتُ لِوَصِيفٍ لَهُ كَانَ يَخْدُمُهُ: وَيْحَكَ انْظُرْ فَلَمَّا دَخَلَ صَاحَ، قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ مَيِّتًا قَدْ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَوَضَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى فِيهِ وَالْأُخْرَى عَلَى عَيْنِهِ، رَحْمَةُ اللَّهِ وَرِضْوَانُهُ عَلَيْهِ. ذِكْرُ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ هُوَ أَخُو عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَقُرَّائِهِمْ , يُعدَّ مِنَ التَّابِعِينَ، يَرْوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ سَيِّدًا مِنْ عَمَلِهِ، وَإِنَّ سَيِّدَ عَمَلِي الذِّكْرُ. وَقَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ صِقَالَ الْقُلُوبِ. وَقَالَ: ذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ كَالْمُقَاتِلِ فِي الْمُدْبِرِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 859 وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: ذَاكِرُ اللَّهِ فِي غَفْلَةِ النَّاسِ كَمِثْلِ الْفِئَةِ الْمُنْهَزِمَةِ يَحْمِيهَا الرَّجُلُ، لَوْلَا ذَلِكَ الرَّجُلُ هُزِمَتِ الْفِئَةُ، وَلَوْلَا مَنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي غَفْلَةِ النَّاسِ هَلَكَ النَّاسُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَوْ يَأْتِيِ عَلَى النَّاسِ سَاعَةٌ لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهَا، لَهَلَكَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا. وَقَالَ عَوْنُ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: كَانُوا يَتَلَاقَوْنَ فَيَتَسَاءَلُونَ، وَمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَحْمَدُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ عَوْنٌ: إِنَّ الْجَبَلَ لَيُنَادِي الْجَبَلَ بِاسْمِهِ: يَا فُلَانُ هَلْ مَرَّ بِكَ الْيَوْمَ ذَاكِرٌ لِلَّهِ تَعَالَى، فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَسْتَبْشِرُ بِهِ , ثُمّ قَالَ عَوْنٍ: هُنَّ لِلْخَيْرِ أَسْمَعُ، أَفَيَسْمَعْنَ الزُّورَ وَالْبَاطِلَ وَلَا يَسْمَعْنَ غَيْرَهُ، ثُمّ قَرَأَ: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا {89} تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا {90} أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا آية 89-91} . وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: وَصَلَ إِلَى عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، يَعْنِي فَأَنْفَقَهَا وَتَصَدَّقَ بِهَا، فَقَالَ لَهُ لَوِ اعْتَقَدْتَ عُقْدَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 860 لِوَلَدِكَ فَقَالَ: اعْتَقِدُهَا لِنَفْسِي وَاعْتَقِدُ اللَّهَ لِوَلَدِي. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: فَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْعُودَيْنِ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ وَلَدِ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: قِيلَ: تَتَصَدَّقُ بِضَيْعَتِكَ وَتَدَعُ عِيَالَكَ، قَالَ أُقَدِّمُ هَذِهِ لِنَفْسِي وَأَدَعُ اللَّهَ لِعِيَالِي. وَقَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: كُنْتُ أُجَالِسُ الْأَغْنِيَاءَ فَكُنْتُ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ هَمًّا وَأَكْثَرِهِمْ غَمًّا، أَرَى مَرْكَبًا خَيْرًا مِنْ مَرْكَبِي، وَثَوْبًا خَيْرًا مِنْ ثَوْبِي فَأَهْتَمُّ، فَجَالَسْتُ الْفُقَرَاءَ فَاسْتَرَحْتُ. وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ مِنَ الْعِصْمَةِ أَنْ تَطْلُبَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا فَلَا تَجِدَهُ. وَقَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدُ اللَّهِ: كَانَ يُقَالَ: أَزْهَدُ النَّاسِ فِي عَالَمِ أَهْلِهِ، وَكَانَ يَضْرِبُ مَثَلَ ذَلِكَ كَالْسِرَاجِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْقَوْمِ، يَسْتَصْبِحُ النَّاسُ مِنْهُ، وَيَقُولُ أَهْلُ الْبَيْتِ: إِنَّمَا هُوَ مَعَنَا فَلَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا وَقَدِ طُفِئَ السِّرَاجُ. وَقَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: الْيَوْمَ الْمِضْمَارُ وَغَدًا السِّبَاقُ، وَالسَّبْقَةُ الْجَنَّةُ، وَالْغَايَةُ النَّارُ، فَبِالْعَفْوِ تَنْجُونَ، وَبِالرَّحْمَةِ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَبِالْأَعْمَالِ تَقْتَسِمُونَ الْمَنَازِلَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 861 وَقَالَ أَبُو هَارُونَ: كَانَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُنَا وَلِحْيَتُهُ تَرْتَشُّ بِالدُّمُوعِ. وَقَالَ: مَا أَحْسَبُ أَحَدًا تَفَرَّغَ لِعَيْبِ النَّاسِ إِلَّا مِنْ غَفْلَةٍ غَفِلَهَا عَنْ نَفْسِهِ. وَقَالَ: مَا أَقْبَحَ السَّيِّئَاتِ بَعْدَ السَّيِّئَاتِ، وَأَحْسَنَ الْحَسَنَاتِ بَعْدَ السَّيِّئَاتِ، وَأَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ الْحَسَنَاتِ بَعْدَ الْحَسَنَاتِ. وَقَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: الْخَيْرُ الَّذِي لَا شَرَّ فِيهِ الشُّكْرُ مَعَ الْعَافِيَةِ، فَكَمْ مِنْ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ غَيْرُ شَاكِرٍ؟ وَكَمْ مِنْ مُبْتَلًى غَيْرُ صَابِرٍ؟ . وَقَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: كَانَ الْفُقَهَاءُ يَتَوَاصَوْنَ بَيْنَهُمْ بِثَلَاثٍ: مَنْ عَمِلَ لِآخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ، وَمَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُ عَلَانِيَتَهُ، وَمَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَصْلَحَ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ. وَقَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ كَمَالِ التَّقْوَى أَنْ تَبْتَغِي إِلَى مَا قَدْ عُلِّمْتَ مِنْهَا عِلْمَ مَا لَمْ تَعْلَمْ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّقْصَ فِيمَا قَدْ عُلِّمْتَ، تَرْكُ ابْتِغَاءِ الزِّيَادَةِ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَحْمِلُ الرَّجُلَ عَلَى تَرْكِ ابْتِغَاءِ الْعِلْمِ قِلَّةُ الانْتِفَاعِ بِمَا قَدْ عَلِمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 862 وَقَالَ عَوْنٌ: كَانَ أَخَوَانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا أَخْوَفُ عَمَلٍ عَمِلْتَهُ عِنْدَكَ؟ فَقَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَخْوَفُ عِنْدِي مِنْ أَنِّي مَرَرْتُ بَيْنَ قَرَاحَيْ سُنْبُلٍ فَأَخَذْتُ مِنْ أَحَدِهِمَا سُنْبُلَةً، ثُمَّ نَدِمْتُ فَأَرَدْتُ أَنْ أُلْقِيَهَا فِي الْقَرَاحِ الَّذِي أَخَذْتُهَا مِنْهُ، فَلَمْ أَدْرِ أَيَّ الْقَرَاحَيْنِ هُوَ، فَطَرَحْتُهَا فِي أَحَدِهِمَا، فَأَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ طَرَحْتُهَا فِي الْقَرَاحِ الَّذِي لَمْ آخُذْهَا مِنْهُ، فَمَا أَخْوَفَ عَمَلٍ عَمِلْتَهُ أَنْتَ عِنْدَكَ؟ قَالَ: إِنَّ أَخْوَفَ عَمَلٍ عَمِلْتُهُ عِنْدِي، إِذَا قُمْتُ فِي الْصَلَاةِ أَخَافُ أَنْ أَكُونَ أَحْمِلَ عَلَى إِحْدَى رِجْلَيَّ فَوْقَ مَا أَحْمِلُ عَلَى الْأُخْرَى، وَأَبُوهُمَا يَسْمَعُ كَلَامَهُمَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَا صَادِقَيْنِ فَاقْبِضْهُمَا إِلَيْكَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَتَنَا فَمَاتَا، قَالَ: فَمَا نَدْرِي أَيَّ هَؤُلَاءِ أَفْضَلُ. قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ الْأَبُ أَرَى أَفْضَلَ. وَقَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: رَأَيْنَا صَدَأَ الْقُلُوبِ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ كَثْرَةِ الذُّنُوبِ. وَرَأَيْنَا جَلَاءَهَا إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ قَبْلِ التَّوْبَةِ، حَتَّى تَدَعَ الْقُلُوبَ كَالسَّيْفِ النَّقِيِّ الْمُرْهَفِ. وَقَالَ عَوْنٌ: إِنَّ اللَّهَ لَيُكْرِهُ عَبْدًا عَلَى الْبَلَاءِ، كَمَا يُكْرِهُ أَهْلُ الْمَرِيضِ الْمَرِيضَ عَلَى الدَّوَاءِ، وَيَقُولُونَ: اشْرَبْ هَذَا فَإِنَّ لَكَ فِي عَاقِبَتِهِ خَيْرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 863 ذِكْرُ الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ الْعَدَوِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَابِعِيٌّ بَصْرِيٌّ، قَالَ أَوْفَى بْنُ دَلْهَمٍ: كَانَ لِلْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ مَالٌ وَرَقِيقٌ، فَأَعْتَقَ بَعْضَهُمْ وَوَصَلَ بَعْضَهُمْ وَبَاعَ بَعْضَهُمْ، وَأَمْسَكَ غُلَامَيْنِ يَأْكُلُ غَلَّتَهُمَا، فَتَعَبَّدَ وَكَانَ يَأْكُلُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفَيْنِ، وَتَرَكَ مُجَالَسَةَ النَّاسِ، فَلَمْ يَكُنْ يُجَالِسُ أحَدًا، يُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ، وَيُجْمِعُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ، وَيُشَيِّعُ الْجِنَازَةَ , وَيَعُودُ الْمَرِيضَ , ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ. قَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ: ثُمَّ قَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ رَغِيفًا كُلَّ يَوْمٍ، وَكَانَ يَصُومُ حَتَّى يَخْضَرَّ، وَيُصَلِّي حَتَّى يَسْقُطَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَالْحَسَنُ , فَقَالَا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْكَ بِهَذَا كُلِّهِ، قَالَ: إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مَمْلُوكٌ لَا أَدَعُ مِنَ الاسْتِكَانَةِ لِلَّهِ وَالتَّذَلُلِ شَيْئًا لَعَلَّهُ يَرْحَمُنِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 864 قَالَ الْعَلَاءُ: وَرَأَيْتُ الدُّنْيَا فِي مَنَامِي امْرَأَةٌ عَجُوزٌ، قَبِيحَةٌ هَتْمَاءُ، عَوْرَاءُ، عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ حُلِيٍّ وَزِينَةٍ، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتِ يَا عَدُوَّةَ اللَّهِ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكِ؟ قَالَتْ: أَنَا الدُّنْيَا، إِنْ سَرَّكَ أَنْ يُعِيذَكَ اللَّهُ مِنِّي فَأَبْغِضِ الدِّرْهَمَ. وَقَالَ لَا تُتْبِعْ بَصَرَكَ رِدْفَ الْمَرْأَةِ أَوْ قَالَ رِدَاءَ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّ النَّظَرَ يَجْعَلُ فِي الْقَلْبِ شَهْوَةً. وَقَالَ: لَيُنْزِلْ أَحَدَكُمْ نَفْسَهُ أَنَّهُ قَدْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ، فَاسْتَقَالَ رَبَّهُ نَفْسَهُ فَأَقَالَهُ، فَلْيَعْمَلْ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّكَ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ أَمَا وَجَدَ الشَّيْطَانُ أَحَدًا يَسْخَرُ بِهِ غَيْرِي وَغَيْرَكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 865 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الْكُوفَةِ رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ , قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيِّ عِنْدَ مَوْتِهِ فَقَالَ: إِنِّي لَأَرْجُو رَبِّي وَقَدْ صُمْتُ ثَمَانِينَ رَمَضَانَ. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَذَاكَ أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا، وَأَقْرَأَ فِي الْمَسْجِدِ أَرْبَعِينَ سَنَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 866 ذِكْرُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ زَيْنُ الْعَابِدِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَى الْعُتْبِيُّ , قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ إِذَا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ وَصَارَ بَيْنَ وُضُوئِهِ وَصَلاتِهِ أَخَذَتْهُ رَعْدَةٌ وَنَفْضَةٌ، قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: وَيْحَكُمْ أَتَدْرُونَ إِلَى مَنْ أَقُومُ، وَمَنْ أُرِيدُ أَنْ أُنَاجِي. وَقَالَ: مَنْ ضَحِكَ ضِحْكَةً مَجَّ مَجَّةَ عِلْمٍ. وَقَالَ: إِنَّ الْجَسَدَ إِذَا لَمْ يَمْرَضْ أَشِرَ، وَلَا خَيْرَ فِي جَسَدٍ يَأْشِرُ. وَقَالَ: مَنْ قَنَعَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ فَهُوَ أَغْنَى النَّاسِ، وَكَانَ يَحْمِلُ جِرَبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 867 طَعَامٍ عَلَى ظَهْرِهِ بِاللَّيْلِ، فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْمَدِينَةِ، وَيَقُولُ: إِنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَعِيشُونَ لَا يَدْرُونَ مِنْ أَيْنَ مَعَاشُهُمْ، فَلَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَقَدُوا مَا كَانُوا يُؤْتَوْنَ مِنَ اللَّيْلِ. وَقَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ , لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَنْتَ سَيِّدُ النَّاسِ وَأَفْضَلُهُمْ تَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْعَبْدِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فَتَجْلِسُ مَعَهُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعِلْمِ أَنْ يُتْبَعَ حَيْثُ كَانَ، وَكَانَ يَتَخَطَّى حَلْقَ قَوْمِهِ حَتَّى يَأْتِيَ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ , وَيَقُولَ: إِنَّمَا يَجْلِسُ الرَّجُلُ إِلَى مَنْ يَنْفَعُهُ فِي دِينِهِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الثُّمَالِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَإِذَا عَصَافِيرُ يَطِرْنَ حَوْلَهُ وَيَصْرُخْنَ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا تَقُولُ هَذِهِ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: إِنَّهَا تُقَدِّسُ رَبَّهَا وَتَسْأَلُهُ قُوتَ يَوْمِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 868 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ: صَحِبْتُ ابْنَ عَوْنٍ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً فَمَا أَعْلَمُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَتَبَتْ عَلَيْهِ خَطِيئَةً. وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: مَا سَادَ ابْنَ عَوْنٍ النَّاسَ بِأَنَّهُ كَانَ أَتْرَكَهُمْ لِلدُّنْيَا وَلَكِنْ سَادَ بِحِفْظِ لِسَانِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَا رَأَيْتُ مُصَلِّيًا مِثْلَهُ وَلَا رَجُلًا أَعْبَدَ مِنْهُ. وَقَالَ بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ: كَانَ ابْنُ عَوْنٍ لَا يَغْضَبُ، فَإِذَا أَغْضَبَهُ الرَّجُلُ قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، وَنَادَتْهُ أُمُّهُ فَأَجَابَهَا فَعَلَا صَوْتُهُ صَوْتَهَا فَأَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 869 وَقَالَ: صَحِبْتُهُ دَهْرًا حَتَّى مَاتَ فَمَا سَمِعْتُهُ حَالِفًا، وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَكَانَ يَقُولُ: يَا مَعَاشِرَ إِخْوَانِي أُحِبُّ لَكُمْ ثَلَاثًا: هَذَا الْقُرْآنَ تَتْلُونَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلُزُومَ الْجَمَاعَةِ، وَالْكَفَّ عَنْ أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَهْدِيِّ: مَا كَانَ بِالْعِرَاقِ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ مِنِ ابْنِ عَوْنٍ. ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْجِرْمِيِّ أَبِي قُلَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَبُو قُلَابَةَ: إِذَا أَحْدَثَ اللَّهُ لَكَ عِلْمًا فَأَحْدِثْ لَهُ عِبَادَةً، وَلَا يَكُنْ هَمُّكَ مَا تُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ. قَالَ: وَقِيلَ لِلُقْمَانَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ قَالَ: الَّذِي يَزْدَادُ مِنْ عِلْمِ النَّاسِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 870 إِلَى عِلْمِهِ. وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ لَوْ كَانَ أَبُو قُلَابَةَ مِنَ الْعَجَمِ لَكَانَ مُؤَبِّذَ مُؤَبِّذَانَ , يَعْنِي قَاضِي الْقُضَاةِ. وَقَالَ أَبُو قُلَابَةَ: إِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ مِنَ النَّاسِ فَذَاكَ قَمِنٌ أَنْ يَنْجُوَ، وَإِذَا كَانَ النَّاسُ أَعْلَمُ بِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَذَاكَ قَمِنٌ أَنْ يُهْلَكَ. وَقَالَ: إِذَا بَلَغَكَ مِنْ أَخِيكَ شَيْئًا تَكْرَهُهُ فَالْتَمِسْ لَهُ الْعُذْرَ جَهْدَكَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ لَهُ عُذْرًا فَقُلْ فِي نَفْسِكَ: لَعَلَّ لِأَخِي عُذْرًا لَا أَعْلَمُهُ. وَقَالَ أَيُّوبُ: رَآنِي أَبُو قُلَابَةَ وَأَنَا أَشْتَرِي تَمْرًا رَدِيًّا فَقَالَ: كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ نَفَعَكَ بِمُجَالَسَتِنَا، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَزَعَ مِنْ كُلِّ رَدِيٍّ بَرَكَتَهُ. وَقَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ: كُنَّا نَأْتِي أَبَا قُلَابَةَ فَإِذَا حَدَّثَنَا ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ قَالَ: قَدْ أَكْثَرْتُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 871 وَقَالَ أَبُو قُلَابَةَ لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ فَإِنِّي لَا آمَنْ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي ضَلالَتِهِمْ، أَوْ يَلْبِسُوا عَلَيْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ، وَاللَّهِ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَوْبٍ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الشَّامِ. قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثدٍ: كَانَ لَا يُجَالِسُ أَحَدًا قَطُّ يَتَكَلَّمُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا إِلَّا تَحَوَّلَ عَنْهُ. وَقَالَ لَهُ قَائِلٌ حِينَ كَبُرَ وَرَقَّ لَوْ قَصَّرْتُ عَنْ بَعْضِ مَا تَصْنَعُ، فَقَالَ: رَأَيْتُمْ لَوْ أَرْسَلْتُمُ الْخَيْلَ فِي الْحَلَبَةِ أَلَسْتُمْ تَقُولُونَ لِفَارِسِهَا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 872 وَدِّعْهَا وَارْفُقْ بِهَا حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ الْغَايَةَ فَلَا تَسْتَبْقِ مِنْهَا شَيْئًا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنِّي أَبْصَرْتُ الْغَايَةَ، وَإِنَّ لِكُلِّ سَاعٍ غَايَتَهُ، وَغَايَةَ كُلِّ سَاعٍ الْمَوْتَ فَسَابِقٌ وَمَسْبُوقٌ. وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: كَانَ لِلنَّاسِ وَرَقًا لَا شَوْكَ فِيهِ، وَإِنَّهُمُ الْيَوْمَ شَوْكٌ لَا وَرَقَ فِيهِ، إِنْ سَابَبْتَهُمْ سَابُّوكَ، وَإِنْ نَاقَدْتَهُمْ نَاقَدُوكَ، وَإِنْ تَرَكْتَهُمْ لَمْ يَتْرُكُوكَ، وَإِنْ تَفَرَّرْتَ مِنْهُمْ يُدْرِكُوكَ، قَالَ لَهُ جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ: فَمَا أَصْنَعُ؟ قَالَ: هَبْ عِرْضَكَ لِيَوْمِ فَقْرِكَ، وَخُذْ شَيْئًا مِنْ لَا شَيْءٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، " أَنَّ الْأَسْوَدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ ذِي الْخِمَارِ , تَنَبَّأَ بِالْيَمَنِ، فَبَعَثَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَسْمَعُ. قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَسْمَعُ. قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: نَعَمْ، فَرَدَّدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَأَمَرَ بِنَارٍ عَظِيمَةٍ فَأُجِّجَتْ ثُمَّ أُلْقِيَ فِيهَا أَبُو مُسْلِمٍ فَلَمْ تَضُرُّهُ، فَقِيلَ لَهُ: انْفِهِ عَنْكَ، وَإِلَّا أَفْسَدَ عَلَيْكَ مَنْ تَبِعَكَ، قَالَ: فَأَمَرَهُ بِالرَّحِيلِ فَأَتَى أَبُو مُسْلِمٍ الْمَدِينَةَ وَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 873 فَأَنَاخَ أَبُو مُسْلِمٍ رَاحِلَتَهُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَامَ يُصَلِّي إِلَى سَارِيَةٍ فَبَصُرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَامَ إِلَيْهِ فَقَالَ: مِمَّنِ الرَّجُلُ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ. قَالَ: مَا فَعَلَ الَّذِي حَرَّقَهُ الْكَذَّابُ بِالنَّارِ؟ قَالَ: ذَاكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَوْءَبٍ، قَالَ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ، أَنْتَ هُوَ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَاعْتَنَقَهُ، ثُمَّ بَكَى، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ حَتَّى أَجْلَسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ , فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى أَرَانِي فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مَنْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أَدْرَكْتُ رِجَالًا مِنَ الْأَمْدَادِ الَّذِينَ يَمُدُّونَ مِنَ الْيَمَنِ مِنْ خَوْلَانَ يَقُولُونَ لِلْأَمْدَادِ مِنْ عَنَسٍ: صَاحِبُكُمُ الْكَذَّابُ حَرَقَ صَاحِبَنَا بِالنَّارِ فَلَمْ تَضُرَّهُ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، قَالَ السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى: قَالَ " قَالَتْ جَارِيَةُ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ: قَدْ صَنَعْتُ لَكَ السُّمَّ فِي طَعَامِكَ فَلَمْ يَضُرَّكَ قَالَ: وَلِمَ فَعَلْتِ؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ أَنْ أَتَعَجَّلَ الْعِتْقَ، قَالَ: اذْهَبِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ ". ح قَالَ: وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ الْحُوصِيُّ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ شُعْبَةَ، عَنِ السَّرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ سُلَيْمَانَ " أَنَّ جَارِيَةً كَانَتْ لِأَبِي مُسْلِمٍ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ، مَا زِلْتُ أَجْعَلُ السُّمَّ فِي طَعَامِكَ كَذَا وَكَذَا فَمَا أَرَاهُ ضَرَّكَ، قَالَ: وَلِمَ جَعَلْتِ ذَلِكَ؟ لِأَنِّي جَارِيَةٌ شَابَّةٌ إِلَى جَانِبِكَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 874 فَلَا أَنْتَ تُدْنِينِي مِنْ فِرَاشِكَ، وَلَا أَنْتَ تَبِيعُنِي، قَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَقُولُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ آكُلَ: بِسْمِ اللَّهِ خَيْرِ الْأَسْمَاءِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ دَاءٌ، رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ «. أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ، فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مَاشَاذَةَ، فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَزَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنِ السَّرِيِّ، قَالَ» قَالَتْ جَارِيَةُ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ لِأَبِي مُسْلِمٍ: قَدْ سَقَيْتُكَ السُّمَّ وَمَا أَرَاهُ يَضُرُّكَ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ أَنْ أُعَجِّلَ أَجَلَكَ، قَالَ: فَتْرَةً، ثُمَّ قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: إِنِّي كُنْتُ أَقُولُ إِذَا أَكَلْتُ وَإِذَا شَرِبْتُ: بِسْمِ اللَّهِ خَيْرِ الْأَسْمَاءِ، بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ دَاءٌ، بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ , قَالَ " كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ سَلَّمَ، فَإِذَا بَلَغَ وَسَطَ الدَّارِ كَبَّرَ، وَكَبَّرَتِ امْرَأَتُهُ، فَإِذَا بَلَغَ الْبَيْتَ كَبَّرَ، وَكَبَّرَتِ امْرَأَتُهُ، فَيَدْخُلُ فَتَنْزِعُ رِدَاءَهُ، وَحِذَاءَهُ، وَتَأْتِيهِ بِطَعَامٍ فَيَأْكُلُ، فَجَاءَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَكَبَّرَ، فَلَمْ تُجِبْهُ، ثُمَّ أَتَى بَابَ الْبَيْتِ فَسَلَّمَ وَكَبَّرَ، فَلَمْ تُجِبْهُ، وَإِذَا بِالْبَيْتِ لَيْسَ فِيهِ سِرَاجٌ، وَإِذَا هِيَ جَالِسَةٌ بِيَدِهَا عُودٌ تَنْكُثُ بِهِ فِي الْأَرْضِ فَقَالَ لَهَا: مَالَكَ؟ قَالَتِ: النَّاسُ بِخَيْرٍ وَأَنْتَ أَبُو مُسْلِمٍ، تَعْنِي لَا شَيْءَ لَكَ، لَوْ أَنَّكَ أَتَيْتَ مُعَاوِيَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 875 فَيَأْمُرَ لَنَا بِخَادِمٍ وَيُعْطِيكَ شَيْئًا تَعِيشُ بِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ مَنْ أَفْسَدَ عَلَيَّ أَهْلِي فَأَعْمِ بَصَرَهُ، وَكَانَتْ أَتَتْهَا امْرَأَةٌ وَقَالَتْ: أَنْتِ امْرَأَةُ أَبِي مُسْلِمٍ، فَلَوْ كَانَ زَوْجُكِ كَلَّمَ مُعَاوِيَةَ لِيَخْدُمَكُمْ وَيُعْطِيَكُمْ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هَذِهِ الْمَرْأَةُ فِي مَنْزِلِهَا وَالسِّرَاجُ يُزْهِرُ إِذْ أَنْكَرَتْ بَصَرَهَا، فَقَالَتْ: سِرَاجُكُمْ طُفِئَ؟ قَالُوا: لَا، قَالَتْ: إِنَّا لِلَّهِ ذَهَبَ بَصَرِيَ، فَأَقْبَلَتْ كَمَا هِيَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ فَلَمْ تَزَلْ تُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَتَطْلُبُ مِنْهُ، قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ فَرَدَّ عَلَيْهَا بَصَرَهَا، وَرَجَعَتِ امْرَأَتُهُ إِلَى حَالَتِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا ". وَفِي رِوَايَةٍ: " إِنَّ امْرَأَةً خَبَّثَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، فَدَعَا عَلَيْهَا فَذَهَبَ بَصَرُهَا فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ إِنِّي قَدْ كُنْتُ فَعَلْتُ وَفَعَلْتُ وَإِنِّي لَا أَعُودُ لِمِثْلِهَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ صَادَقةً فَارْدُدْ عَلَيْهَا بَصَرَهَا، قَالَ: فَأَبْصَرَتْ ". قَالَ: وَأَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا الْحُوصِيُّ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ شُعْبَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَمِّي , أَوْ قَالَ: عَمِّي أَخُو أَبِي , قَالَ " كُنَّا فِي جَيْشٍ وَفِيهِمْ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ فَانْتَهَيْنَا إِلَى نَهْرِ عَجَّاجٍ، فَسَأَلْنَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ أَيْنَ الْمَخَاضَةُ؟ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا كَانَ هَاهُنَا مَخَاضَةٌ قَطُّ، وَإِنَّ الْمَخَاضَةَ أَسْفَلُ مِنْكُمْ بِمِيلَيْنِ، فَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الَّذِي أَجَزْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْبَحْرِ، وَإِنَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 876 عَبِيدُكَ، وَفِي سَبِيلِكَ فَأَجِزْنَا الْيَوْمَ فِي هَذَا النَّهْرِ، ثُمَّ قَالَ: اعْبُرُوا بِاسْمِ اللَّهِ، فَقَالَ ابْنُ عَمِّي: وَأَنَا عَلَى فَرَسٍ فَارِهٍ، فَقُلْتُ: لَأَكُونَنَّ أَوَّلَ مَنْ يُقْحِمُ فَرَسَهُ عَلَى أَثَرِ أَبِي مُسْلِمٍ , قَالَ: فَخُضْتَ خَلْفَهُ فَلَمْ يَبْلُغِ الْمَاءُ بُطُونَ الْخَيْلِ حَتَّى عَبَرْنَا، ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ: هَلْ سَقَطَ مِنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ كَيْمَا أَدْعُوَ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّهُ؟ فَلَمْ يَفْقِدُوا شَيْئًا ". وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الأَلْهَانِيِّ , قَالَ: كَانَ إِذَا غَزَا أَبُو مُسْلِمٍ الرُّومَ فَمَرُّوا بِنَهْرٍ قَالَ: أَجِيزُوا بِسْمِ اللَّهِ، فَإِذَا جَازُوا قَالَ: هَلْ ذَهَبَ مِنْكُمْ شَيْءٌ فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ فَأَلْقَى بَعْضُهُمْ مِخْلاتَهُ عَمْدًا فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ الرَّجُلُ: مِخْلَاتِي وَقَعَتْ فِي النَّهْرِ فَقَالَ لَهُ: اتْبَعْنِي فَإِذَا الْمِخْلَاةُ قَدْ تَعَلَّقَتْ بِبَعْضِ أَعْوَادِ النَّهْرِ فَقَالَ لَهُ: خُذْهَا. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا هَارُونُ، هُوَ ابْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ , قَالَ " أَخَذَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ دِرْهَمًا يَشْتَرِي لِأَهْلِهِ دَقِيقًا، وَأَخَذَ مَعَهُ مِزْوَدًا، فَأَلَحَّ عَلَيْهِ سَائِلٌ، كُلَّمَا وَقَفَ عَلَى مَكَانَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِي قَالَ لَهُ السَّائِلُ: تَصَدَّقْ عَلَيَّ، قَالَ: فَيَتَحَوَّلُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَيَتْبَعُهُ، يَقُولُ: تَصَدَّقْ عَلَيَّ، فَيَفِّرُّ مِنْهُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَيَلْحَقُهُ، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ أَعْطَاهُ الدِّرْهَمَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَوْضِعِ النَّجَّارِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 877 فَمَلأَ مِزْوَدَهُ مِنْ نِشَارَةِ الْخَشَبِ، ثُمَّ رَبَطَهُ فَأَتَى بِهِ الْبَيْتَ، فَأَدْخَلَهُ سِرًّا مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَعَمَدَتِ امْرَأَتُهُ إِلَى الْمِزْوَدِ فَفَتَحَتْهُ فَإِذَا فِيهِ دَقِيقٌ حُوَّارَى فَعَجَنَتْ وَخَبَزَتْ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جَاءَ أَبُو مُسْلِمٍ وَهُوَ خَائِفٌ مِنِ امْرَأَتِهِ، فَأَتَتْهُ بِالْمَائِدَةِ وَأَتَتْ بِطَعَامٍ فَأَكَلَ فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ لَهَا: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟ قَالَتْ: هَذَا مِنَ الَّذِي جِئْتَ بِهِ ". فَصْلٌ قِيلَ: كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ يَرْفَعُ الصَّوْتَ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى مَعَ الصِّبْيَانِ، وَقَالَ: اذْكُرِ اللَّهَ حَتَّى يَرَى الْجَاهِلُ أَنَّكَ مَجْنُونٌ، وَكَانَ غَازِيًا بِأَرْضٍ فَوَجَدُوهُ قَدِ احْتَفَرَ فِي فُسْطَاطِهِ حُفْرَةً وَوَضَعَ فِيهَا نَطْعًا مَلَأَهّ مَاءً فَهُوَ يَلْتَصِقُ فِيهِ وَهُوَ صَائِمٌ، فَقِيلَ لَهُ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى الصِّيَامِ وَأَنْتَ مُسَافِرٌ وَقَدْ رَخَّصَ اللَّهُ لَكَ فِي الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَالْغَزْوِ فَقَالَ: لَوْ حَضَرَ قِتَالٌ لَأَفْطَرْتُ وَتَقَوَّيْتُ لِلْقِتَالِ، إِنَّ الْخَيْلَ لَا تَجْرِي إِلَى الْغَارَاتِ وَهِيَ بُدُنٌ، إِنَّمَا تَجْرِي وَهِيَ ضُمَرٌ، إِنَّ بَيْنَ أَيْدِينَا أَيَّامًا لَهَا نَعْمَلُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 878 وَعَنْ هِلَالِ بْنِ كَعْبٍ الْعَسْكَرِيُّ , قَالَ: كَانَ الظَّبْيُ يَمُرُّ بِأَبِي مُسْلِمٍ , فَيَقُولُ لَهُ الصِّبْيَانُ: ادْعُ اللَّهَ يَحْبِسُهُ عَلَيْنَا نَأْخُذُهُ بِأَيْدِينَا، فَكَانَ يَدْعُوا اللَّهَ فَيَحْبِسُهُ حَتَّى يَأْخُذُوهُ بِأَيْدِيهِمْ. ذِكْرُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَبُو مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَابِعِيٌّ مَدَنِيٌّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي أُنزِلَتْ مِنْ عِنْدِهِ السُّوَرُ ... وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَمَّا بَعْدُ يَا عُمَرُ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا تَأْتِي وَمَا تَذرُ ... فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ قَدْ يَنْفَعُ الحَذَرُ. وَاصْبِرْ عَلَى الْقَدَرِ الْمَجْلُوبِ وَارْضَ بِهِ ... وَإِنْ أَتَاكَ بِمَا لَا تَشْتَهِي الْقدَرُ فَمَا صَفَا لِامْرِئٍ عَيْشٌ يُسَرُّ بِهِ ... إِلَّا سَيَتْبَعُ يَوْمًا صَفْوَهُ كَدَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَدْرَكْتُ أَرْبَعَةً مِنْ بُحُورِ قُرَيْشٍ، سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبَا سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ سَادَاتِ التَّابِعِينَ، وَكَانَ يُعَدُّ مِنَ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، قِيلَ: مَاتَ قَبْلَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلِيٌّ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ. ذِكْرُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: قَالَ أَبِي: رُبَّ كَلِمَةِ ذُلٍّ احْتَمَلْتُهَا أَوْرَثَتْنِي عِزًّا طَوِيلًا. وَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَاعْلَمْ أَنَّ لَهَا عِنْدَهُ أَخَوَاتٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ تَدُلُّ عَلَى أُخْتِهَا، وَإِذَا رَأَيْتَهُ يَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَاعْلَمْ أَنَّ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 880 عِنْدَهَا أَخَوَاتٍ، فَإِنَّ السَّيِّئَةَ تَدُلُّ عَلَى أُخْتِهَا. وَقَالَ لِبَنِيهِ لَا يُهْدَيَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَسْتَحِي أَنْ يَهْدِيَهُ إِلَى كَرِيمِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ الْكُرَمَاءِ وَأَحَقُّ مَا اخْتِيرَ لَهُ. وَقَالَ: النَّاسُ بِأَزْمَنِتِهِمْ أَشْبَهُ مِنْهُمْ بِآبَائِهِمْ، وَقَالَ: مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ: لِتَكُنْ كَلِمَتُكَ طَيِّبَةً، وَلْيَكُنْ وَجْهُكَ بَسْطًا، تَكُنْ أَحَبَّ إِلَى النَّاسِ مِمَّنْ يُعْطِيهِمُ الْعَطَاءُ. وَقِيلَ: خَرَجَ عُرْوَةُ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ , فَوَقَعَ فِي رِجْلِهِ الْأَكَلَةُ وَصَعَدَتْ فِي سَاقِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْوَلِيدُ الأَطِبَّاءَ، فَقَالُوا لَهُ: لَيْسَ لَهَا دَوَاءٌ إِلَّا أَنْ تُقْطَعَ رِجْلُهُ، فَقُطِعَتْ رِجْلُهُ بِالْمِنْشَارِ وَهُوَ صَائِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَمَا تَضَوَّرَ وَجْهُهُ وَلَمْ يُمْسِكْهُ أَحَدٌ، وَدَخَلَ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُرْوَةَ، وَهُوَ أَكْبَرُ وَلَدِهِ، دَارَ دَوَابَّ الْوَلِيدِ فَرَفَسَتْهُ دَابَّةٌ فَقَتَلَتْهُ، فَخَرَّ وَحُمِلَ مَيْتًا، فَقَالَ: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62] . وَلَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 881 يَدَعْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وِرْدَهُ، وَكَانَ يَقْرَأُ رُبْعَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي الْمُصْحَفِ، وَيَقُومُ بِهِ لَيْلَهُ، وَيَتَمَثَّلُ بِأَبْيَاتِ مَعْنِ بْنِ أَوْسٍ: لَعَمْرِي مَا أَهْوَيْتُ كَفِّي لِرِيبَةٍ ... وَلَا حَمَلَتْنِي نَحْوَ فَاحِشَةٍ رِجْلِي وَلَا قَادَنِي سَمْعِي وَلَا بَصَرِي لَهَا ... وَلَا دَلَّنِي رَأْيِي عَلَيْهَا وَلَا عَقْلِي وَأَعْلَمُ أَنِّي لَمْ تُصِبْنِي مُصِيبَةٌ ... مِنَ الدَّهْرِ إِلَّا قَدْ أَصَابَتْ فَتًى قَبْلِي ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ، أَخَذْتَ مِنْهَا وَاحِدًا وَبَقَّيْتَ ثَلَاثًا فَلَكَ الْحَمْدُ، وَكَانَ لِي بَنُونَ أَرْبَعَةً فَأَخَذْتَ مِنْهَا وَاحِدًا وَبَقَّيْتَ ثَلَاثَةً فَلَكَ الْحَمْدُ، وَايَمُ اللَّهِ لَئِنْ أَخَذْتَ لَقَدْ أَبْقَيْتَ، وَلَئِنِ ابْتَلَيْتَ لَطَالَمَا عَافَيْتَ. وَفِي رِوَايَةٍ: مَا أَحْسَنَ مَا صَنَعَ اللَّهُ إِلَيَّ، وَهَبَ لِي سَبْعَةَ بَنِينَ فَمَتَّعَنِي بِهِمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَخَذَ وَاحِدًا وَأَبْقَى سِتَّةً، وَأَخَذَ عُضْوًا وَأَبْقَى لِي خَمْسًا، يَدَيْنِ وَرِجْلا وَسَمْعًا وَبَصَرًا. وَعَنْ هِشَامٍ , قَالَ: لَمَّا اتَّخَذَ أَبِي قَصْرًا بِالْعَتِيقِ قَالَ لَهُ النَّاسُ: جَفَوْتَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ مَسَاجِدَهُمْ لَاهِيَةً، وَأَسْوَاقَهُمْ لَاغِيَةً، وَالْفَاحِشَةَ فِي فِجَاجِهِمْ عَالِيَةً، فَكَانَ فِيمَا هُنَالِكَ عَمَّا هُمْ فِيهِ عَافِيَةً. وَقَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: رَأَيْتُ عُرْوَةَ إِذَا كَانَ أَيَّامَ الرَّطْبِ يُثَلِّمُ حَائِطَهُ ثُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 882 يَأْذَنُ لِلنَّاسِ فِيهِ فَيَدْخُلُونَ وَيَأْكُلُونَ وَيَحْمِلُونَ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَهُ رَدَّدَ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ} [الكهف: 39] . حَتَّى يَخْرُجَ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أُمُّهُمَا أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَكَانَ مِنْ أَفَاضِلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، اخْتَلَفُوا فِي مَوْتِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ مِائَةٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ. قَالَ ابْنُ رُوَيْمٍ: مَاتَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمَ مَاتَ وَهُوَ يَقُولُ: أَخْشَاكَ رَبِّي وَأَرْجُوكَ، أَخْشَاكَ رَبِّي وَأَرْجُوكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 883 ذِكْرُ عَامِرِ بْنِ شُرَحْبِيلَ الشَّعْبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الْكُوفَةِ، كُنْيَتُهُ أَبُو عَمْرٍو. قَالَ عَاصِمٌ: حَدَّثْتُ الْحَسَنَ بِمَوْتِ الشَّعْبِيِّ , فَقَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ، إِنْ كَانَ مِنَ الْإِسْلَامِ لَبِمَكَانٍ. وَقَالَ أَشْعَثُ بْنُ سُوَّارٍ: لَمَّا هَلَكَ الشَّعْبِيُّ أَتَيْتُ الْبَصْرَةَ فَدَخَلْتُ عَلَى الْحَسَنِ , فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ هَلَكَ الشَّعْبِيُّ، فَقَالَ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] . إِنْ كَانَ لَقَدِيمَ السِّنِّ , كَثِيرَ الْعِلْمِ، وَإِنَّهُ مِنَ الْإِسْلَامِ بِمَكَانٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ , فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ هَلَكَ الشَّعْبِيُّ فَقَالَ: مَثْلَ مَا قَالَ الْحَسَنُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 884 وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ , قَالَ: وَلِلشَّعْبِيِّ حَلَقَةٌ عَظِيمَةٌ وَأَصْحَابُ قَدِمْتُ الْكُوفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ. وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ , قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَعْلَمَ بِحَدِيثِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْحِجَازِ وَالْآفَاقِ مِنَ الشَّعْبِيِّ. وَقَالَ أَبُو مَجْلِزٍ: مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنَ الشَّعْبِيِّ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنَّمَا الْفَقِيهُ مَنْ وَرِعَ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَالْعَالِمُ مَنْ خَافَ اللَّهَ. وقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: اجْتَمَعَ الشَّعْبِيُّ وَالْأَخْطَلُ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ فَلَمَّا خَرَجَا , قَالَ الْأَخْطَلُ لِلشَّعْبِيِّ: يَا شَعْبِيُّ ارْفُقْ بِي فَإِنَّكَ تَغْرِفُ مِنْ آنِيَةٍ شَتَّى وَأَنَا أَغْرِفُ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا تَرَكَ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا شَيْئًا لِلَّهِ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: يُشْرِفُ قَوْمٌ دَخَلُوا الْجَنَّةَ عَلَى قَوْمٍ دَخَلُوا النَّارَ فَيَقُولُونَ: إِنَّا كُنَّا نُعَلِّمُكُمْ وَلَا نَعْمَلُ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَيْتَنِي لَمْ أَتَعَلَّمْ عِلْمًا قَطُّ. وَقَالَ: وَدَدْتُ أَنِّي أَنْجُو مِنْهُ كِفَافًا لَا عَلَيَّ وَلَا لِي. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ إِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ السَّاعَةُ صَاحَ وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي لِابْنِ مَرْيَمَ أَنْ تُذْكَرَ عِنْدَهُ السَّاعَةُ فَيُسْكَتَ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ: مَنْ زَوَّجَ كَرِيمَتَهُ مِنْ فَاسِقٍ فَقَدْ قَطَعَ رَحِمَهَا. وَقَالَ عَجْلَانُ: كَانَ زِيَادٌ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ مَشَيْتُ أَمَامَهُ إِلَى مَجْلِسِهِ، فَإِذَا بِهِرٍّ فِي زَاوِيَةٍ، فَذَهَبْتُ أَزْجُرُهُ فَقَالَ: دَعْهُ يَأْرَبُ مَالَهُ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ عَادَ إِلَى مَجْلِسِهِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ فَعَادَ إِلَى مَجْلِسِهِ، كُلُّ ذَلِكَ يُلَاحِظُ الْهِرَّةَ، فَلَمَّا كَانَ قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ خَرَجَ جُرَذٌ فَوَثَبَ إِلَيْهِ فَأَخَذَهُ فَقَالَ زِيَادٌ: مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَلْيُوَاظِبْ عَلَيْهَا مُوَاظَبَةَ الْهِرِّ. وَقَالَ: الْبَسْ مِنَ الثِّيَابِ مَالا يَزْدَرِيكَ فِيهِ السُّفَهَاءُ وَلَا يَعِيبُهُ عَلَيْكَ الْعُلَمَاءُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي شَيْءٍ فَانْظُرْ كَيْفَ صَنَعَ عُمَرُ، فَإِنَّ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَصْنَعُ شَيْئًا حَتَّى يُشَاوِرَ قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ سِيرِينَ , فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُخْبِرُكَ أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْ عُمَرَ فَاحْذَرْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 886 وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنَّمَا هَلَكْتُمْ حِينَ تَرَكْتُمُ الآثَارَ وَأَخَذْتُمْ بِالْمَقَايِيسِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا كَتَبَتْ سَوْدَاءُ فِي بَيْضَاءَ قَطُّ، وَمَا سَمِعْتُ مِنْ رَجُلٍ حَدِيثًا قَطُّ فَأَرَدْتُ أَنْ يُعِيدَهُ عَلَيَّ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: أَدْرَكْتُ خَمْسَ مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا بَكَيْتُ مِنْ زَمَانٍ إِلَّا بَكَيْتُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنَّمَا كَانَ يَطْلُبُ هَذَا الْعِلْمَ مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ خَصْلَتَانِ: الْعَقْلُ , وَالنُّسُكُ، فَإِنْ كَانَ عَاقِلًا وَلَمْ يَكُنْ نَاسِكًا، قِيلَ: هَذَا أَمْرٌ لَا يَنَالُهُ إِلَّا النُّسَّاكُ، فَلَمْ تَطْلُبُهُ؟ وَإِنْ كَانَ نَاسِكًا وَلَمْ يَكُنْ عَاقِلًا، قِيلَ: هَذَا أَمْرٌ لَا يَنَالُهُ إِلَّا الْعُقَلَاءُ، فَلَمْ تَطْلُبُهُ؟ . وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: فَقَدْ رَهِبْتُ أَنْ يَكُونَ يَطْلُبُهُ الْيَوْمَ مَنْ لَيْسَ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَا عَقْلٌ وَلَا نُسُكٌ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَا تَمْنَعُوا الْعِلْمَ أَهْلَهُ فَتَأْثَمُوا، وَلَا تُحَدِّثُوا بِهِ غَيْرَ أَهْلِهِ فَتَأْثَمُوا. وَكَانَ الشَّعْبِيُّ , يَقُولُ: لَيْسَتِ الأَحْلامُ فِي حَالِ الرِّضَا، إِنَّمَا الأَحْلامُ فِي حَالِ الْغَضَبِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 887 ذِكْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ الْأَعْمَشُ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى يُصَلِّي فَإِذَا دَخَلَ الدَّاخِلُ نَامَ عَلَى فِرَاشِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى بَيْتٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْقُرَّاءُ، فِيهِ مَصَاحِفُ فَقُلْ مَا تَفَرَّقُوا إِلَّا عَنْ طَعَامٍ. وَقَالَ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ: بَلَغَنَا عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ لَمَّا وَلِيَ الْقَضَاءَ رَكِبَ أَوَّلَ يَوْمٍ الْقَضَاءَ، فَاصْطَفَّ لَهُ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 مَجْنُونٌ مِنْ مَجَانِين أَهْلِ الْكُوفَةِ: انْظُرُوا إِلَى مَنْ يَجْمَعُ اللَّهُ لَهُ سُرُورَ الدُّنْيَا بِحُزْنِ الْآخِرَةِ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَوْ سَمِعْتُهَا قَبْلَ أَنْ أَلِيَ مَا وَلِيتُ لَهُمْ شَيْئًا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى: أَدْرَكْتُ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُذْكَرَ فِي السُّوقِ، وَيُحِبُّ أَنْ يُذْكَرَ عَلَى كُلِّ حَالٍ إِلَّا الْخَلاءَ. وَقَالَ الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ: مَا رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ إِلَّا وَكَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَلَا رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي الْهُذَيْلِ إِلَّا وَكَأَنَّهُ مَزْعُورٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 889 وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْهُذَيْلِ: إِنِّي لَأَتَكَلَّمُ حَتَّى أَخْشَى اللَّهَ، وَأَسْكُتُ حَتَّى أَخْشَى اللَّهَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْهُذَيْلِ: إِنَّ بَعْضَ الْأَشْيَاخِ حَضَرَتْهُ الصَّلَاةُ فَقِيلَ لَهُ: تَقَدَّمْ، فَأَبَى فَقِيلَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ؟ قَالَ: خِفْتُ أَنْ يَمُرَّ الْمَارُّ فَيَقُولَ: إِنَّمَا قَدَّمُوا هَذَا لِأَنَّهُ خَيْرُهُمْ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْهُذَيْلِ قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا رَبِّ خَلَقْتَ خَلْقًا وَهُمْ عِبَادُكَ ثُمَّ تحَرِقُهُمْ بِالنَّارِ، قَالَ " يَا مُوسَى اذْهَبْ فَازْرَعْ زَرْعًا. قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. قَالَ: «فَاحْصُدْهُ» . قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. قَال: " فَاجْعَلْهُ فِي كُدُسِهِ. قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. قَالَ: «وَلَا تَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا رَفَعْتَهُ» . قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. قَالَ: «فَلَعَلَّكَ قَدْ تَرَكْتَ مِنْهُ شَيْئًا» . قَالَ: لَا، إِلَّا مَا لَا يُبَالَى بِهِ. قَالَ: «فَمِثْلُ أُولَئِكَ أُدْخِلُ مِنْ عِبَادِي النَّارَ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 890 ذِكْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ كُوفِيٌّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ رَوَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْ زُهَّادِ التَّابِعِينَ. قَالَ مُغِيرَةُ: كَانَ ابْنُ أَبِي نُعْمٌ يُوَاصِلُ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا لَا يَذُوقُ شَيْئًا , فَكَانَ يُقَالَ: كَأَنَّهُ مَرِيضٌ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: كَانَ ابْنُ أَبِي نُعْمٍ يَخْدُمُ مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ فَآذَاهُ الْعَمَلُ، فَدَعَى رَبَّهُ فَوَقَعَتْ لُبَّةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 891 ذِكْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسٍ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَقَبُهُ مَاهَانُ. قَالَ: أَمَا يَسْتَحِي أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ دَابَّتُهُ الَّتِي يَرْكَبُ وَثَوْبُهُ الَّذِي يَلْبَسُ أَكْثَرُ ذِكْرًا لِلَّهِ مِنْهُ، وَكَانَ لَا يَفْتُرُ مِنَ التَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ، وَأَمَرَ بِهِ الْحَجَّاجُ أَنْ يُصْلَبَ فَرُئِيَ عَلَى خَشَبَتِهِ يُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيَعْقِدُ بِيَدِهِ حَتَّى بَلَغَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، فَرُئِيَ بَعْدَ شَهْرٍ مَعْقُودًا بِيَدِهِ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، وَكَانَ يُرَى عِنْدَهُ الضَّوْءُ بِاللَّيْلِ مِثْلَ السِّرَاجِ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَبَلَغَ التَّسْبِيحُ فِي يَدِهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ يَعْقِدُهَا. وَقَالَ مَاهَانُ: الْحَقُّ ثَقِيلٌ وَابْنُ آدَمَ ضَعِيفٌ، وَالذِّكْرُ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ دِينَارٍ التَّمَّارُ: سَأَلْتُ مَاهَانَ الْحَنَفِيُّ: مَا أَعْمَالُ الْقَوْمِ؟ قَالَ: كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ قَلِيلَةً وَكَانَتْ قُلُوبُهُمْ سَلِيمَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَطَرٍ أَبِي رَيْحَانَةَ تَابِعِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا وَغَيْرُهُ مُوسَى بْنُ عِيسَى الْعَابِدُ قَالَا: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ فَرُوِيَ الْأَعْمَى , قَالَ " رَكِبَ أَبُو رَيْحَانَةَ الْبَحْرَ، وَكَانَ يَخِيطُ فِيهِ بِإِبْرَةٍ مَعَهُ فَسَقَطَتْ إِبْرَتُهُ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ رَبِّي أَلَّا رَدَدْتَ عَلَيَّ إِبْرَتِي فَظَهَرَتْ حَتَّى أَخَذَهَا. قَالَ: وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْبَحْرُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: اسْكُنْ أَيُّهَا الْبَحْرُ فَإِنَّمَا أَنْتَ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَسَكَنَ حَتَّى صَارَ كَالزَّيْتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 893 ذِكْرُ أَبِي عَطِيَّةَ الْمَذْبُوحِ رَحِمَهُ اللَّه أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو، فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ اللُّبْنَانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ , قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ , يَقُولُ: " بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا يُقَالَ لَهُ: أَبُو عَطِيَّةَ الْمَذْبُوحِ لَمَّا احْتُضِرَ بَكَى، وَجَزِعَ جَزَعًا شَدِيدًا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: وَكَيْفَ لَا أَجْزَعُ وَإِنَّمَا تَأْتِينِي سَاعَةٌ، ثُمَّ لَا أَدْرِي أَيْنَ يُتَسَلَّكُ بِي ذِكْرُ الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ تَابِعِيٌّ بَصْرِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ هِشَامُ بْنُ زِيَادٍ: كَانَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ يُحْيِي كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ، فَوَجَدَ لَيْلَةً فَتْرَةً، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا أَسْمَاءُ إِنِّي أَجِدُ فَتْرَةً فَإِذَا مَضَى كَذَا وَكَذَا فَأَيْقِظِينِي، لِوَقْتٍ وُقِّتُّهُ ثُمَّ رَقَدَ فَأَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامِهِ فَأَخَذَ بِنَاصِيَتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 894 وَقَالَ: يَا ابْنَ زِيَادٍ قُمْ فَاذْكِرِ اللَّهَ يَذْكُرْكَ، فَقَامَ فَزِعًا فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ الشَّعْرَاتُ الَّتِي أَخَذَ بِهَا مِنَ الْعَلَاءِ قَائِمَةً حَتَّى مَاتَ. ذِكْرُ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ شَامِيٌّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّمْسَارُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مَاشَاذَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْقَسْطَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ , قَالَ " قُلْتُ لِعُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ: أَرَى لِسَانَكَ لَا يَفْتُرُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَكَمْ تُسَبِّحُ فِي الْيَوْمِ؟ قَالَ: مِائَةَ أَلْفٍ إِلَّا أَنْ تُخْطِئَ الْأَصَابِعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 895 بَابُ الْغَيْنِ ذِكْرُ غُطَيْفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَرْوِي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رَوَى عَنْهُ أَهْلُ الشَّامِ. ذِكْرُ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْمَازِنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَابِعِيٌّ، يَرْوِي عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 896 ذِكْرُ غَاضِرَةَ الْعَنْبَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَابِعِيٌّ يَرْوِي عَنِ ابْنِ عَوْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. بَابُ الْفَاءِ ذِكْرُ فُضَيْلِ بْنِ زَيْدٍ الرَّقَاشِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، كُنْيَتُهُ أَبُو حَسَّانٍ تَابِعِيٌّ مِنْ قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. قَالَ الْفُضَيْلُ: يَا هَذَا لَا يَشْغَلْكَ كَثْرَةُ النَّاسِ عَنْ نَفْسِكَ فَإِنَّ الْأَمْرَ يَخْلُصُ إِلَيْكَ دُونَهُمْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُذْهِبَ نَهَارَكَ وَتَقْطَعَهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا بَكَيْتٍ وَكَيْتٍ فَإِنَّهُ مَحْفُوظٌ عَلَيْكَ مَا قُلْتَ، وَمَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ طَلَبًا وَلَا أَسْرَعَ إِدْرَاكًا مِنْ حَسَنَةٍ حَدِيثَةٍ لِذَنْبٍ قَدِيمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 ذِكْرُ فُضَيْلِ بْنِ نَزْوَانَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ تَابِعِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، يَرْوِي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ذِكْرُ فُضَيْلِ بْنِ فَضَالَةَ الْهَوْزَنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، رَوَى عَنْهُ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 898 بَابُ الْقَافِ ذِكْرُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: مَا رَأَيْتُ فَقِيهًا أَعْقَلَ وَلَا أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ الرَّجُلُ لَا يُعَدُّ رَجُلًا حَتَّى يَعْرِفَ السُّنَّةَ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: مَا أَدْرَكْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ أَحَدًا نُفَضِّلُهُ عَلَى الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَيُّوبُ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ يُسْأَلُ بِمِنًى فَيَقُولُ لَا أَدْرِي وَلَا أَعْلَمُ فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ: وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ كُلَّ مَا تَسْأَلُونَا عَنْهُ، وَلَوْ عَلِمْنَا مَا كَتَمْنَاكُمْ، وَلَا حَلَّ لَنَا أَنْ نَكْتُمَكُمْ. زَادَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَلَأَنْ يَعِيشَ الرَّجُلُ جَاهِلًا بَعْدَ أَنْ يَعْرِفَ حَقَّ اللَّهِ عَلَيْهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 899 وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ , قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ , فَقَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ أَوْ سَالِمٌ؟ قَالَ: ذَاكَ مَنْزِلُ سَالِمٍ. فَلَمْ يَزِدْهُ عَلَيْهَا حَتَّى قَامَ الْأَعْرَابِيُّ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَرِهَ أَنْ يَقُولَ: هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي، فَيَكْذِبَ. أَوْ يَقُولَ: أَنَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فُيَزَكِّي نَفْسَهُ. ذِكْرُ قَتَادَةَ بْنِ دُعَامَةَ، كُنْيَتُهُ أَبُو الْخَطَّابِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَابِعِيٌّ بَصْرِيٌّ. قَالَ قَتَادَةُ: مَا سَمِعَتْ أُذُنِي شَيْئًا قَطُّ إِلَّا وَعَاهُ قَلْبِي. قَالَ قَتَادَةُ حدثني إِبْرَاهِيمُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فَقَالَ يَوْمًا: لَسْتَ تَكْتُبُ فَهَلْ يَصِيرُ فِي يَدِكَ شَيْءٌ مِمَّا أُحَدِّثُكَ بِهِ؟ قُلْتُ لَهُ: إِنْ شِئْتَ حَدَّثْتُكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي بِهِ. قَالَ: فَأَعَدْتُهُ عَلَيْهِ فَبَقِيَ يَنْظُرُ إِليَّ وَيَقُولُ: أَنْتَ أَهْلٌ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 900 تُحَدِّثَ. فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، فَقَالَ لِي فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ: ارْتَحِلْ يَا أَعْمَى فَقَدْ أَنْزَفْتَنِي. وَقَالَ عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ: جَلَسْتُ إِلَى قَتَادَةَ فَذُكِرَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ فَوَقَعَ فِيهِ، وَنَالَ مِنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْخَطَّابِ إِنِّي أَرَى الْعُلَمَاءَ يَقَعُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَقَالَ: يَا أَحْيُولُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا ابْتَدَعَ بِدْعَةً فَيَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُذْكَرَ حَتَّى تَحْذَرَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يُسْتَحَبُّ أَلَّا تَقْرَأَ أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى طُهُورٍ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143] . قَالَ: كَانَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ فِي الرَّخَاءِ فَنَجَا. وَقَالَ: مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَكُنْ مَعَهُ، وَمَنْ يَكُنْ مَعَهُ فَمَعَهُ الْفِئَةُ الَّتِي لَا تُغْلَبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 901 , وَالْحَارِسُ الَّذِي لَا يَنَامُ، وَالْهَادِي الَّذِي لَا يَضِلُّ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] . قَالَ: مِنْ شُبُهَاتِ الدُّنْيَا، وَمِنَ الْكَرْبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَمِنْ مَوَاقِفِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 3] . قَالَ: مِنْ حَيْثُ يَرْجُو وَمِنْ حَيْثُ لَا يَرْجُو، وَمِنْ حَيْثُ يَأْمَلُ وَمِنْ حَيْثُ لَا يَأْمَلُ. وَقَالَ: بَابٌ مِنَ الْعِلْمِ يَحْفَظُهُ الرَّجُلُ يَطْلُبُ بِهِ صَلاحَ نَفْسِهِ وَصَلاحَ النَّاسِ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ حَوْلٍ كَامِلٍ. وَقَالَ: مَنْ قَلَّ طَعَامُهُ فَهِمَ وَأَفْهَمَ وَصَفَا وَرَقَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 902 ذِكْرُ قُسَامَةَ بْنَ زُهَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَابِعِيٌّ بَصْرِيٌّ قَالَ قَسَامَةُ: رَوِّحُوا الْقُلُوبَ تَعِ الذِّكْرَ. وَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ نَفْسَهُ أَنَّهُ أَرْحَمُ الْخَلْقِ، فَرَفَعَهُ اللَّهُ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَأَبْصَرَ أَعْمَالَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ وَمَا يَفْعَلُونَ، قَالَ: يَارَبِّ دَمِّرْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " أَنَا أَرْحَمُ بِعِبَادِي مِنْكَ يَا إِبْرَاهِيمُ، فَاهْبِطْ لَعَلَّهُمْ يَتُوبُونَ وَيَرْجِعُونَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 903 ذِكْرُ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ الْخُزَاعِيِّ الْكَعْبِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَصَالِحِيهِمْ، انْتَقَلَ إِلَى الشَّامِ وَكَانَ مُعَلِّمَ كِتَابِ اللَّهِ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 904 بَابُ الْكَافِ ذِكْرُ كَعْبِ بْنِ مَاتِعٍ الْحِمْيَرِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يُقَالُ لَهُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ، كَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ، تَابِعِيٌّ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، أَسْلَمَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ , وَقَدْ بَلَغَ مِائَةَ سَنَةٍ وَأَرْبَعَ سِنِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 905 ذِكْرُ كَثِيرِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَكَانَ صَالِحًا فَقِيهًا، مَاتَ فِي أَيَّامِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بِالْمَدِينَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ذِكْرُ كِرْدَوْسَ التَّغْلِبِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ تَابِعِيٌّ , كَانَ قَرَأَ الْكُتُبَ، يَحْكِي عَنِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 906 ذِكْرُ كُرْزِ بْنِ وَبْرَةَ الْعَابِدِ كُوفِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَكَنَ جُرْجَانَ وَبِهَا مَاتَ، وَقَبْرُهُ مَعْرُوفٌ يُزَارُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قِيلَ: دَخَلَ جُرْجَانَ غَازِيًا مَعَ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ، ثُمَّ سَكَنَ جُرْجَانَ وَاتَّخَذَ بِهَا مَسْجِدًا هُوَ بَاقٍ إِلَى الْيَوْمِ، بِقُرْبِ قَبْرِهِ كَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْرُوفًا بِالزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ. رَوَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , وَالرَّبِيعِ بْنِ خَثْيَمٍ، رَوَى عَنْهُ أَبُو ظَبْيَةَ عِيسَى بْنُ سُلَيْمَانَ الدَّارِمِيُّ الْجُرْجَانِيُّ , وَسُفْيَانُ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: لَمْ يَرْفَعْ كُرْزُ بْنُ وَبْرَةَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 907 وَعَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ كُرْزَ بْنَ وَبْرَةَ كَانَ يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ فَيَحْفُرَ الْحُفَيْرَةَ ثُمَّ يَقُومُ فِيهَا مِنْ تَوَرُّمِ قَدَمَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ شَبْرَمَةَ: صَحِبَنَا كُرْزُ فَكَانَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلَّا ابْتَنَى مَسْجِدًا، وَقَامَ يُصَلِّي فِيهِ وَقَالَ: لَوْ شِئْتَ كُنْتَ كَكُرْزٍ فِي تَعَبُّدِهِ أَوْ كَانَ طَارِقَ حَوْلَ الْبَيْتِ وَالْحَرَمِ قَدْ حَالَ دُونَ لَذِيذِ الْعَيْشِ خَوْفُهُمَا وَسَارَعَا فِي طِلابِ الْفَوْزِ وَالْكَرَمِ وَعَنْ رَوْضَةَ مَوْلَاةِ كُرْزِ بْنِ وَبْرَةَ وَقِيلَ لَهَا: مِنْ أَيْنَ يُنْفِقُ كُرْزُ؟ قَالَتْ: كَانَ يَقُولُ: إِذَا أَرَدْتِ شَيْئًا فَخُذِي مِنْ هَذِهِ الْكُوَّةِ، قَالَتْ: فَكُنْتُ آخُذُ كُلَّمَا أَرَدْتُ. وَقَالَ ابْنُ شَبْرَمَةَ: سَأَلَ كُرْزُ بْنُ وَبْرَةَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعْطِيَهُ الاسْمُ الْأَعْظَمَ عَلَى أَنْ لَا يَسْأَلَ بِهِ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا فَأَعْطَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ، فَسَأَلَ أَنْ يَقَوَى أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَعَنْ أَبِي بِشْرٍ , قَالَ: كَانَ كُرْزُ بْنُ وَبْرَةَ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 908 قَدِ امْتَنَعَ عَنِ الطَّعَامِ حَتَّى لَمْ يُوجَدْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّحْمِ إِلَّا قَدْرَ مَا يُوجَدُ عَلَى الْعُصْفُورِ، وَكَانَ يَطْوِي أَيَّامًا كَثِيرَةً، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا، وَكَانَ مِنَ الْمُخْبِتِينَ لِلَّهِ. وعَنْ بَعْضِ أَهْلِ جُرْجَانَ قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي أَتَيْتُ عَلَى قُبُورِ أَهْلِ جُرْجَانَ، وَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ عَلَى قُبُورِهِمْ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ، فَقُلْتُ لِأَهْلِ الْقُبُورِ: مَا لَكُمْ عَلَيْكُمْ ثِيَابٌ بِيضٌ؟ فَقَالُوا: إِنَّا كُسِينَا ثِيَابًا جُدُدًا لِقُدُومِ كُرْزِ بْنِ وَبْرَةَ عَلَيْنَا. بَابُ اللَّامِ ذِكْرُ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الأَوْصَابِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، يَرْوِي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 909 ذِكْرُ لَقِيطِ بْنِ قَبِيصَةَ بْنِ صَبْرَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْوِي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ذِكْرُ اللَّجْلَاجِ صَاحِبُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَى عَنْ أَبِي الْوَرْدِ بْنِ ثُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 910 بَابُ الْمِيمِ ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقَالَ لَهُ: ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَجِدُ مِنْ مُعَاشَرَتِهِ بُدًّا حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا أَوْ مَخْرَجًا. وَقَالَ: كُلُّ مَالٍ لَا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ يضمحل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 911 وقال من كرمت عليه نفسه لم يكن للدنيا عنده قدر. وقال إن الله جعل الجنة ثمنا لأنفسكم فلا تبيعوها لغيركم. وكتب إليه عبد الملك بن مروان كتابا يتهدده بالقتل، فكتب إليه إن لله ثلاث مائة وستين نظرة، يعني في كل يوم، وأنا أرجو أَنْ يَنْظُرَ اللَّهُ إِلَيَّ نَظْرَةً يَمْنَعُنِي مُنْكَرًا بِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 912 ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَرْوِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: الْإِيمَانُ ثَابِتٌ فِي الْقَلْبِ، وَالْيَقِينُ خَطَرَاتٌ، فَيَمُرُّ الْيَقِينُ فِي الْقَلْبِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ زُبَرُ الْحَدِيدِ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ خِرْقَةٌ بَالِيَةٌ. وَقَالَ: مَا دَخَلَ قَلْبَ امرئٍ شَيْءٌ مِنَ الْكِبْرِ إِلَّا نَقَصَ مِنْ عَقْلِهِ مِثْلَ مَا دَخَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ. وَقَالَ: الْغِنَى وَالْعِزُّ يَجُولانِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، فَإِذَا وَصَلَ إِلَى مَكَانٍ فِيهِ التَّوَكُّلُ أَوْطَنَّاهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 913 وَقَالَ: عَالِمٌ يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ. وَقَالَ: أَشَدُّ الْأَعْمَالِ ثَلَاثَةٌ: ذِكْرُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْصَافُكَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمُوَاسَاةُ الْأَخِ فِي الْمَالِ. وَقَالَ: أَوْصَانِي أَبِي , فَقَالَ لَا تَصْحَبَنَّ خَمْسَةً وَلَا تُرَافِقَهُمْ فِي الطَّرِيقِ لَا تَصْحَبَنَّ فَاسِقًا فَإِنَّهُ بَايِعُكَ بَأَكْلَةٍ فَمَا دُونَهَا، قُلْتُ: يَا أَبَةُ وَمَا دُونَهَا؟ قَالَ: يَطْمَعُ فِيهَا ثُمَّ لَا يَنَالُهَا. وَلَا تَصْحَبَنَّ الْبَخِيلَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُكَ فِي مَالِهِ أَحْوَجَ مَا كُنْتَ إِلَيْهِ، وَلَا تَصْحَبَنَّ كَذَّابًا فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّرَابِ، يُبْعِدُ عَنْكَ الْقَرِيبَ وَيُقَرِّبُ مِنْكَ الْبَعِيدَ، وَلَا تَصْحَبَنَّ أَحْمَقًا فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرَّكَ، وَلَا تَصْحَبَنَّ قَاطِعَ رَحِمٍ فَإِنَّهُ وَجَدْتُهُ مَلْعُونًا فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: سِلَاحُ اللِّئَامِ قَبِيحُ الْكَلَامِ. وَقَالَ لِابْنِهِ: إِيَّاكَ وَالْكَسَلَ وَالضَّجَرَ فَإِنَّهُمَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، إِنَّكَ إِنْ كَسِلْتَ لَمْ تُؤَدِّ حَقًّا، وَإِنْ ضَجِرْتَ لَمْ تَصْبِرْ عَلَى حَقٍّ. وَقَالَ: إِيَّاكَ وَالْخُصُومَةَ فَإِنَّهَا تُفْسِدُ الْقَلْبَ، وَتُوْرِثُ النِّفَاقَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 914 وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} [الأنعام: 68] . قَالَ: هُمْ أَصْحَابُ الْخُصُومَاتِ. وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَعْرِفْ فَضْلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَدْ جَهِلَ السُّنَّةَ. وَكَانَ إِذَا ضَحِكَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَمْقُتْنِي. قَالَ جَعْفَرٌ: كَانَ أَبِي يَقُولُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ: أَمَرْتَنِي فَلَمْ أَئْتَمِرْ، وَزَجَرْتَنِي فَلَمْ أَزْدَجِرْ، هَذَا عَبْدُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ وَلَا أَعْتَذِرْ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ لَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: أيُدْخِلُ أَحَدُكُمْ يَدَهُ فِي كُمِّ صَاحِبِهِ فَيَأْخُذَ مَا يُرِيدُ؟ قُلْنَا لَا. قَالَ: فَلَسْتُمْ بِإِخْوَانٍ كَمَا تَزْعُمُونَ. وَقَالَ: مَا مِنْ عِبَادَةٍ أَفْضَلُ مِنْ عِفَّةِ بَطْنٍ أَوْ فَرْجٍ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ، وَمَا يَدْفَعُ الْقَضَاءُ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ عَيْبًا أَنْ يُبْصِرَ مِنَ النَّاسِ مَا يُعْمِي عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَنْ يَأْمَنَ النَّاسَ بِمَا لَا يَسْتَطِيعُ التَّحَوُّلَ عَنْهُ، وَأَنْ يُؤْذِيَ جَلِيسَهُ بِمَا لَا يَعْنِيهِ. وَقَالَ: صَحِبَ رَجُلٌ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى مَكَّةَ، فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ، فَاحْتَبَسَ عَلَيْهِ عُمَرُ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ، فَقَلَّ يَوْمٌ إِلَّا كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 915 عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَتَمَثَّلُ: وَبَالِغِ أَمْرٍ كَانَ يَأْمَلُ دُونَهُ وَمُخْتَلِجٍ مِنْ دُونِ مَا كَانَ يَأْمَلُ. ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَابِعِيٌّ مَدَنِيٌّ، كَانَ مِنْ أَفَاضِلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عِلْمًا وَفِقْهًا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: وَقِيلَ لَهُ: مَا عَلَامَةُ الْخُذْلانِ؟ قَالَ: أَنْ يَسْتَقْبِحَ الرَّجُلُ مَا كَانَ يَسْتَحْسِنُ، وَيَسْتَحْسِنُ مَا كَانَ قَبِيحًا. وَقَالَ: لَأَنْ أَقْرَأَ فِي لَيْلَتِي حَتَّى أُصْبِحَ: إِذَا زُلْزِلَتِ. وَ: الْقَارِعَةُ. لَا أَزِيدُ عَلَيْهِمَا وَأَتَرَدَّدُ فِيهِمَا وَأَتَفَكَّرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَهُذَّ الْقُرْآنَ هَذًّا وَأَنْثُرَهُ نَثْرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 916 وَقَالَ لَوْ رُخِّصَ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِ الذِّكْرِ الرُخِّصَ لِزَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا} [آل عمران: 41] . وَلَرُخِّصَ لِلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الأنفال: 45] . وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف: 24] . قَالَ: عَلِمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِمَّا حَرَّمَ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] . سَأَلَهُمْ ثَمَنَ نِعْمَةٍ فَلَمْ يُؤَدُّوهَا، فَأَغْرَمَهُمْ ثَمَنَ نِعَمِهِ، فَأَدْخَلَهُمُ النَّارَ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37] . قَالَ: وَقَلْبُهُ مَعَهُ، يَسْمَعُ الْقُرْآنَ لَا يَكُونُ قَلْبُهُ مَكَانًا آخَرَ. وَقَالَ: كَذَبُوا وَاللَّهِ مَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي السَّمَاءِ نَجْمٌ وَلَكَّنَهْمُ الْكَهَنَةُ، وَيَتَّخِذُونَ النُّجُومَ عِلَّةً ثُمَّ قَرَأَ: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ {221} تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ} [الشعراء: 221-222] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 917 وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ ابْتَدَأَ خَلْقَ إِبْلِيسَ عَلَى الْكُفْرِ وَعَمِلَ بِعَمَلِ الْمَلَائِكَةِ فَرَدَّهُ إِلَى مَا ابْتَدَأَ خَلْقَهُ عَلَيْهِ، وَابْتَدَأَ خَلْقَ السَّحَرَةِ عَلَى السَّعَادَةِ وَعَمِلُوا بِعَمَلِ السَّحَرَةِ فَرَدَّهُمْ إِلَى مَا ابْتَدَأَ خَلْقَهُمْ مِنَ السَّعَادَةِ حَتَّى تَوَفَّاهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ. ذِكْرُ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ الْعَامِرِيِّ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ , مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 918 ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَابِعِيٌّ بَصْرِيٌّ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ مِنْ أَوْرَعِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَكَانَ فَاضِلًا حَافِظًا، يَعْبُرُ الرُّؤْيَا، رَأَى ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ بَعْدَ الْحَسَنِ بِمِائَةِ يَوْمٍ، وَقَبْرُهُ بِإِزَاءِ قَبْرِ الْحَسَنِ بِالْبَصْرَةِ مَشْهُورٌ يُزَارُ. قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ سِيرِينَ: قَدِ اغْتَبْتُكَ فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ. قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أُحِلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَانَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ فِي التِّجَارَةِ: اتَّقِ اللَّهَ وَاطْلُبْ مَا قُدِّرَ لَكَ مِنَ الْحَلَالِ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَطْلُبْهُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تُصِبْ أَكْثَرَ مِمَّا قُدِّرَ لَكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 919 وَقَالَ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا جَعَلَ لَهُ وَاعِظًا مِنْ قَلْبِهِ يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ، وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْفِقْهِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ بِالَّذِي كَانَ. وَسُئِلَ عَمَّنْ يَسْمَعُ الْقُرْآنَ فَيُصْعَقُ، قَالَ: مِيعَادُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَنْ يَجْلِسُوا عَلَى حَائِطٍ فَيُقْرَأُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ فَإِنْ سَقَطُوا فَهُمْ كَمَا يَقُولُونَ. وَقَالَ مُوَرِّقٌ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَفْقَهَ فِي وَرَعِهِ وَلَا أَوْرَعَ فِي فِقْهِهِ مِنِ ابْنِ سِيرِينَ. وَقَالَ السُّرِّيُّ بْنُ يَحْيَى: لَقَدْ تَرَكَ ابْنُ سِيرِينَ رِبْحَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا فِي شَيْءٍ دَخَلَهُ مَا يَخْتَلِفُ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَأَوْصَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنْ يُغَسِّلَهُ بْنُ سِيرِينَ , وَكَانَ مَحْبُوسًا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: أَنَا مَحْبُوسٌ، قَالُوا: قَدِ اسْتَأْذَنَّا الْأَمِيرَ فَأَذِنَ لَكَ. قَالَ: إِنَّ الْأَمِيرَ لَمْ يَحْبِسْنِي، إِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 920 حَبَسَنِي الَّذِي لَهُ الْحَقُّ، فَأَذِنَ لَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ فَخَرَجَ فَغَسَّلَهُ. وَقِيلَ: كَانَ لَا يَطْعَمُ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ، وَكَانَ إِذَا دُعِيَ أَجَابَ وَلَمْ يَطْعَمْ، وَكَانَ إِذَا دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ يَدْخُلُ فِي مَنْزِلِهِ فَيَقُولُ: اسْقُونِي شَرْبَةَ سَوِيقٍ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَحْمِلَ حِدَّةَ جُوعِي عَلَى طَعَامِ النَّاسِ. وَقَالَ عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ: لَمْ يَتْرُكِ ابْنُ سِيرِينَ أَحَدًا يَمْشِي مَعَهُ. وَقَالَ: الْمُسْلِمُ لِلْمُسْلِمِ عِنْدَ الدِّرْهَمِ، وَكَانَ يُخْرِجُ الزُّيُوفَ مِنْ مَالِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: كَانَ لِابْنِ سِيرِينَ مَنَازِلُ لَا يُكْرِيهَا إِلَّا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ رُعْتُهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَرُوعَ مُسْلِمًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 921 وَقَالَ أَبُو خَلْدَةَ: دَخَلْتُ أَنَا وَابْنُ عَوْنٍ وَسَهْمٌ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ , فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا أَتْحَفَكُمْ بِهِ كُلُّكُمْ، وَكَانَ فِي بَيْتِهِ خُبْزٌ وَلَحْمٌ، يَا جَارِيَةُ هَاتِي تِلْكَ الشَّهْدَةَ، فَجَاءَتْ بِهَا فَجَعَلَ يُقَطِّعُ وَيَأْكُلُ وَيُطْعِمُنَا. وَقَالَ هِشَامٌ: كَانَ ابْنُ سِيرِينَ قَلَّمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ دَاخِلٌ إِلَّا قَرَّبُوا إِلَيْهِ طَعَامًا حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرًا، وَخَفَّتْ حَالُهُمْ كَانَ يَشْتَرُونَ مِنَ الْبُسْرِ الْمَقْلِيِّ، فَإِذَا دَخَلَ إِلَيْهِ دَاخِلٌ قَدَّمُوهُ إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: مَا أَتَيْنَا ابْنَ سِيرِينَ فِي يَوْمٍ إِلَّا أَطْعَمَنَا خَبِيصًا أَوْ فَالَوذَجًا، فَلَمَّا رَكِبَهُ الدَّيْنُ خَفَّفَ مَطْعَمَهُ حَتَّى كُنْتُ آوِي لَهُ، أَيْ أَرِقُّ لَهُ، وَكَانَ أَكْثَرَ مَا يَأْتَدِمُ بِهِ السَّمَكُ الصِّغَارُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 922 وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّمَا هِيَ طَاعَةُ اللَّهِ، أَوِ النَّارُ فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنَّمَا هِيَ رَحْمَةُ اللَّهِ أَوِ النَّارُ. وَقَالَتِ امْرَأَةُ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ: كُنَّا مَعَ ابْنِ سِيرِينَ فِي دَارِهِ، وَكُنَّا نَسْمَعُ بُكَاءَهُ بِاللَّيْلِ وَضَحِكَهُ بِالنَّهَارِ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ الْمُغِيرَةَ: رَأَيْتُ ابْنَ سِيرِينَ يَدْخُلُ السُّوقَ نِصْفَ النَّهَارِ، يُكَبِّرُ وَيُسَبِّحُ وَيَذْكُرُ اللَّهَ، فَقِيلَ لَهُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا سَاعَةُ غَفْلَةٍ. وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا ذُكِرَ الْمَوْتُ عِنْدَهُ يَمُوتُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: رَأَيْتُ جَلِيسًا لِي فِي الْمَنَامِ فَإِذَا سَاقَاهُ مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ: مَا صَنَعَ اللَّهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي ذُنُوبِي وَأَدْخَلَنِي الْجَنَّةَ، وَبَدَّلَنّي سَاقَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ أَسْرَحُ بِهِمَا فِي الْجَنَّةِ، قُلْتُ: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِعَزْلِ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ: مَا رُئِيَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يُكَلِّمُ أُمَّهُ قَطُّ إِلَّا وَهُوَ يَتَضَرَّعُ لَهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 923 فَصْلٌ قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ سِيرِينَ: رَأَيْتُ كَأَنِّي أَحْرُثُ أَرْضًا لَا تُنْبِتُ، قَالَ: أَنْتَ تُعْزَلُ عَنِ امْرَأَتِكَ. وَقَالَ لَهُ آخَرُ: رَأَيْتُ كَأَنِّي أَطِيرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، قَالَ: أَنْتَ رَجُلٌ تُكْثِرُ الْمُنَى. وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنِّي أَلْعَقُ عَسَلًا مِنْ جَامٍ مِنْ جَوْهَرٍ، قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَعَاوِدِ الْقُرْآنَ فإِنَّكَ قَرَأْتَهُ ثُمَّ نَسِيتَهُ. وَرَأَى رَجُلٌ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي حِجْرِهِ صَبِيًّا يَصِيحُ، فَقَصَّهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَضْرِبْ بِالْعُودِ. وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي أَشْرَبُ مِنْ بُلْبُلَةٍ لَهَا شِعْبَانِ، فَوَجَدْتُ أَحَدَهُمَا عَذْبًا وَالْآخَرَ مِلْحًا، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، لَكَ امْرَأَةٌ وَأَنْتَ تُخَالِفُ إِلَى أُخْتِهَا. وَقَالَ أَبُو قُلَابَةَ: قَالَ رَجُلٌ: رَأَيْتُ كَأَنِّي أَبُولُ دَمًا، قَالَ: تَأْتِي امْرَأَتَكَ وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَعُدْ. وَقَالَ حَبِيبٌ: قَالَ لَهُ رَجُلٌ: رَأَتِ امْرَأَةٌ فِي الْمَنَامِ أَنَّهَا تَحْلِبُ حَيَّةً، فَقَصَّهَا عَلَى ابْنِ سِيرِينَ , فَقَالَ: اللَّبَنُ فِطْرَةٌ، وَالْحَيَّةُ عَدُوٌّ وَلَيْسَتْ مِنَ الْفِطْرَةِ فِي شَيْءٍ، هَذِهِ امْرَأَةٌ يَدْخُلُ عَلَيْهَا أَهْلُ الْأَهْوَاءِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 924 وَقَالَ مُغِيرَةُ بْنُ حَفْصٍ: رَأَى ابْنُ سِيرِينَ كَأَنَّ الْجَوْزَاءَ تَقَدَّمَتِ الثُّرَيَّا فَأَخَذَ فِي وَصِيَّتِهِ وَقَالَ: مَاتَ الْحَسَنُ وَأَمُوتُ بَعْدَهُ، وَهُوَ أَشْرَفُ مِنِّي. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: حُسْنُ الْخُلُقِ عَوْنٌ عَلَى الدِّينِ. وَقَالَ: ثَلَاثَةٌ لَيْسَ مَعَهَا غُرْبَةٌ: حُسْنُ الْأَدَبِ، وَمُجَانَبَةُ الْأَذَى، وَالْكَفَّ عَنِ الرِّيَبِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: إِنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي تُخُومِ أَرْضٍ، أَيْ فِي حَدِّ أَرْضٍ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهَا كَلِّمِيهِمَا، فَقَالَتْ: يَا مِسْكِينَانِ تَخْتَصِمَانِ فِيَّ وَقَدْ مَلَكَنِي أَلْفُ أَعْوَرَ سِوَى الأَصِحَّاءِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 925 ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ مِنْ سَادَاتِ الْقُرَّاءِ، لَا يَتَمَالَكُ الْبُكَاءَ إِذَا قَرَأَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْمُنْكَدِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ: كَانَ لِأَبِي جَارٌ مُبْتَلًى، فَكَانَ أَبِي يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي، ثُمَّ كَانَ يَصِيحُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْحَمْدِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: يَرْفَعُ جَارِي الْمُبْتَلَى صَوْتَهُ بِالْبَلَاءِ وَأَرْفَعُ صَوْتِي بِالنِّعْمَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: كَابَدْتُ نَفْسِي أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى اسْتَقَامَتْ. وَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْجَبَلَيْنِ إِذَا أَصْبَحَا نَادَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِاسْمِهِ فَيَقُولُ: أَيْ فُلَانٌ: هَلْ مَرَّ بِكَ الْيَوْمَ ذَاكِرٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: لَقَدْ أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَكَ، لَكِنْ مَا مَرَّ بِي ذَاكِرٌ الْيَوْمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 926 وَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا مَاتَ ابْنُهُ , قَالَ: يَا حَوَّاءُ مَاتَ ابْنُكِ، قَالَتْ: وَمَا الْمَوْتُ؟ قَالَ: لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يَقُومُ وَلَا يَمْشِي وَلَا يَتَكَلَّمُ أَبَدًا، فَصَاحَتْ فَقَالَ: عَلَيْكِ الرَّنَّةُ وَعَلَى بَنَاتِكِ، وَأَنَا وَبَنِيَّ مِنْهَا بَرَاءٌ. وَقَالَ سُفْيَانُ: صَلَّى ابْنُ الْمُنْكَدِرِ عَلَى رَجُلٍ يُذْكَرُ بِكُلِّ سُوءٍ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ تُصَلِّي عَلَى فُلَانٍ؟ قَالَ: إِنِّي أَسْتَحِيي مِنَ اللَّهِ أَنْ يَعْلَمَ مِنِّي أَنَّ رَحْمَتَهُ تَعْجَزُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ. وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: بَعَثَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ إِلَى صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا , ثُمَّ قَالَ لِبَنِيهِ: يَا بَنِيَّ مَا ظَنُّكُمْ بِرَجُلٍ فَرَّغَ صَفْوَانَ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ. وَقِيلَ لَهُ: أَيُّ الدُّنْيَا أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِفْضَالُ عَلَى الإِخْوَانِ. وَقِيلَ لَهُ: مَا بَقِيَ مِنْ لَذَّتِكَ؟ قَالَ: الْتِقَاءُ الإِخْوَانِ، وَإِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 927 وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ يَحُجُّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَقِيلَ لَهُ: تَحُجُّ وَعَلَيْكَ دَيْنٌ، فَقَالَ: الْحَجُّ أَقْضَى لِلدَّيْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: بِتُّ أَغْمُرُ رِجْلَ أُمِّي، وَبَاتَ عُمَرُ، يَعْنِي أَخَاهُ، يُصَلِّي وَمَا يَسُرُّنِي أَنَّ لَيْلَتِي بِلَيْلَتِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَتَخَلَّصُ فِيهِ إِلَّا مَنْ دَعَا بِدُعَاءِ الْغَرِيقِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يُنَزِّهُونَ أَسْمَاعَهُمْ عَنِ اللَّهْوِ وَمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ، أَدْخِلُوهُمْ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: أَسْمِعُوهُمْ حَمْدِي وَثَنَائِي وَأَخْبِرُوهُمْ أَنْ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 928 ذِكْرُ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَابِعِيٌّ مَكِيٌّ قَالَ مُجَاهِدٌ: عَرَضْتُ الْقُرْآنَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثَلَاثِينَ عَرْضًا، أُوقِفُهُ عَلَى كُلِّ آيَةٍ أَسْأَلُهُ فِيمَا نَزَلَتْ وَكَيْفَ كَانَتْ؟ . وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَنْ أَعَزَّ نَفْسَهُ أَذَلَّ دِينَهُ وَمَنْ أَذَلَّ نَفْسَهُ أَعَزَّ دِينَهُ. وَقَالَ: لَوْ لَمْ يُصَبِ الْمُسْلِمُ مِنْ أَخِيهِ إِلَّا أَنَّ حَيَاءَهُ مِنْهُ مَنَعَهُ مِنَ الْمَعَاصِي لَكَفَى. وَقَالَ: إِذَا أَقْبَلَ الْعَبْدُ بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ أَقْبَلَ اللَّهُ بِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33] . قَالَ: هُمُ الَّذِينَ يَجِيئُونَ بِالْقُرْآنِ يَقُولُونَ: هَذَا الَّذِي قَدْ أَعْطَيْتُمُونَا قَدِ اتَّبَعْنَا مَا فِيهِ. وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيُصْلِحُ بِصَلاحِ الْعَبْدِ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ. وَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: طُوبَى لِلْمُؤْمِنِ ثُمَّ طُوبَى لَهُ كَيْفَ يَخْلُفُهُ اللَّهُ فِيمَنْ تَرَكَ بِخَيْرٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 929 وقَالَ: لِابْنِ آدَمَ جُلَسَاءُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَإِذَا ذَكَرَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ بِخَيْرٍ، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ وَلَكَ بِمِثْلِهِ، فَإِذَا ذَكَرَهُ بِسُوءٍ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا ابْنَ آدَمَ الْمَسْتُورَ عَوْرَتُهُ، ارْبَعْ عَلَى نَفْسِكَ، وَاحْمَدِ اللَّهَ الَّذِي سَتَرَ عَلَيْكَ. وَقَالَ قَالَ إِبْلِيسُ: إِنْ يُعْجِزْنِي ابْنُ آدَمَ، فَلَنْ يُعْجِزَنِي مِنْ ثَلَاثِ خِصَالٍ: أَخْذُ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنْفَاقُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ، وَمَنْعُهُ مِنْ حَقِّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ قَالَ مُجَاهِدٌ: النَّمْلَةُ الَّتِي كَلَّمَتْ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتْ مِثْلَ الدِّيُبِ الْعَظِيمِ. وَقَالَ: كَانَ الْغُلَامُ مِنْ قَوْمِ عَادٍ لَا يَحْتَلِمُ حَتَّى يَبْلُغَ مِائَتَيْ سَنَةٍ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64] . قَالَ: الْمَزَامِيرُ. وَقَالَ: لَمَّا هَبَطَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الْأَرْضِ قَالَ لَهُ رَبُّهُ «ابْنِ لِلْخَرَابِ وَلِدْ لِلْفَنَاءِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 930 وَقَالَ الْأَعْمَشُ: كَانَ مُجَاهِدٌ لَا يَسْمَعُ بِأُعْجُوبَةٍ إِلَّا ذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، ذَهَبَ إِلَى بِئْرِ بَرَهُوتَ بِحَضْرَمَوْتَ، وَذَهَبَ إِلَى بَابِلَ وَعَلَيْهَا وَالٍ صَدِيقٌ لِمُجَاهِدٍ , فَقَالَ لَهُ مُجَاهِدٌ: تَعْرِضُ عَلَيَّ هَارُوتَ وَمَارُوتَ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُدْعُوَ اللَّهَ عِنْدَهُمَا، قَالَ مُجَاهِدٌ: فَذَهَبَ بِي إِلَى قَلْعَةٍ فَقَطَعَ مِنْهَا حَجَرًا ثُمَّ قَالَ: خُذْ بِرِجْلِي فَهَوَى بِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى جَوْبَةٍ، فَإِذَا هُمَا مُعَلَّقَيْنِ مُنَكَّسَيْنِ كَالْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمَا قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ خَالِقِكُمَا، فَاضْطَرَبَا فَكَأَنَّ جِبَالَ الدُّنْيَا تَدَكْدَكَتْ، فَغُشِيَ عَلَيَّ وَعَلَى الْيَهُودِيِّ، ثُمَّ أَفَاقَ الْيَهُودِيُّ قَبْلِي فَقَالَ: قُمْ قَدْ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ وَأَهْلَكْتَنِي. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَرَّ نُوحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْأَسَدِ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ فَخَمَشَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 931 فَبَاتَ سَاهِرًا فَشَكَى نُوحٌ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَأَوْحَى اللَّهِ إِلَيْهِ: أَنِّي لَا أُحِبُّ الظُّلْمَ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ: قَالَ مُجَاهِدٌ: مَا مِنْ مَرَضٍ يَمْرَضُهُ الْعَبْدُ إِلَّا وَرَسُولُ مَلَكِ الْمَوْتِ عِنْدَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرَ مَرَضٍ يَمْرَضُهُ الْعَبْدُ أَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ , فَقَالَ: أَتَاكَ رَسُولٌ بَعْدَ رَسُولٍ فَلَمْ تَعْبَأْ بِهِ وَقَدْ أَتَاكَ رَسُولٌ يَقْطَعُ أَثَرَكَ مِنَ الدُّنْيَا. فَصْلٌ قَالَ مُجَاهِدٌ: كُنْتُ أَصْحَبُ ابْنَ عُمَرَ فِي السَّفَرِ، فَإِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَرْكَبَ يَأْتِينِي فَيُمْسِكُ رِكَابِي، وَإِذَا رَكِبْتُ سَوَّى عَلَيَّ ثِيَابِي، قَالَ مُجَاهِدٌ: فَجَاءَنِي مَرَّةً فَكَأَنِّي كَرِهْتُ ذَلِكَ فَقَالَ: يَا مُجَاهِدُ إِنَّكَ ضَيِّقُ الْخُلُقِ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَخْدُمَهُ فَكَانَ هُوَ يَخْدُمُنِي، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ مُجَاهِدُ: رُبَّمَا أَخَذَ لِي ابْنُ عُمَرَ بِالرِّكَابِ، وَرُبَّمَا أَدْخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَصَابِعَهُ فِي إِبِطِي. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّهُ تَعَالَى: أَيُّ عِبَادِكَ أَغْنَى؟ قَالَ: «الَّذِي يَقْنَعُ بِمَا يُؤْتَى» . قَالَ: فَأَيُّ عِبَادِكَ أَحْكَمُ؟ قَالَ: «الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 932 يَحْكُمُ لِلنَّاسِ بِمَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ» ، قَالَ: فَأَيُّ عِبَادِكَ أَعْلَمُ؟ قَالَ: «أَخْشَاهُمْ» . وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا أَدْرِي أَيُّ النِّعْمَتَيْنِ أَفْضَلُ، أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أَوْ عَافَانِي مِنَ الْأَهْوَاءِ. ذِكْرُ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ زُهَّادِ الْبَصْرَةِ. قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: خَرَجَ النَّاسُ مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَذُوقُوا أَطْيَبَ شَيْءٍ فِيهَا، قَالُوا: وَمَا هُوَ يَا أَبَا يَحْيَى؟ قَالَ: مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي رِوَايَةٍ: خَرَجَ أَهْلُ الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا. وَقَالَ مَالِكٌ: مَا تَنَعَّمَ الْمُتَنَعِّمُونَ بِمِثْلِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ: قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ: أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ تَنَعَّمُوا بِذِكْرِي فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا نَعِيمٌ وَفِي الْآخِرَةِ جَزَاءٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّ الصِّدِّيقِينَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ طَرِبَتْ قُلُوبُهُمْ إِلَى الْآخِرَةِ وَقَالَ: وَجَدْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 933 سَبِّحُوا اللَّهَ أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ بِأَصْوَاتٍ حَزِينَةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ، مَاذَا زَرَعَ الْقُرْآنُ فِي قُلُوبِكُمْ؟ فَإِنَّ الْقُرْآنَ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ، كَمَا أَنَّ الْغَيْثَ رَبِيعُ الْأَرْضِ، وَقَدْ يَنْزِلُ الْغَيْثُ مِنَ السَّمَاءِ فَيُصِيبُ الْحَشَّ فَيَكُونُ فِيهِ الْحَبَّةُ فَلَا يَمْنَعُهَا نَتَنُ مَوْضِعِهَا أَنْ تَهْتَزَّ وَتَخْضَرَّ وَتَحْسُنَ. فَيَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ مَاذَا زَرَعَ الْقُرْآنُ فِي قُلُوبِكُمْ؟ . وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَبْلُغُ الرَّجُلُ مَنَازِلَ الصِّدِّيقِينَ حَتَّى يَتْرُكَ زَوْجَتَهُ كَأَنَّهَا أَرْمَلَةٌ وَيَأْوِي إِلَى مَنَازِلِ الْكِلَابِ. وَقِيلَ لِمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ: أَلَا تَتَزَوَّجُ؟ فَقَالَ لَوِ اسْتَطَعْتُ لَطَلَّقْتُ نَفْسِي. وَقَالَ: تَأْتِي عَلَيَّ السَّنَةُ لَا آكُلُ فِيهَا لَحْمًا إِلَّا فِي يَوْمِ الْأَضْحَى آكُلُ مِنْ أُضْحِيَتِي لِمَا يُذْكَرُ فِيهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّ الْبَدَنَ إِذَا سَقِمَ لَمْ يَنْجَعْ فِيهِ طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ وَلَا نَوْمٌ وَلَا رَاحَةٌ، كَذَلِكَ الْقَلْبُ إِذَا عَلِقَهُ حُبُّ الدُّنْيَا لَمْ تَنْجَعْ فِيهِ الْمَوْعِظَةُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى , قَالَ: إِنَّ أَهْوَنَ مَا أَنَا صَانِعٌ بِالْعَالِمِ إِذَا أَحَبَّ الدُّنْيَا أَنْ أُخْرِجَ حَلَاوَةَ ذِكْرِي مِنْ قَلْبِهِ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَكُنْ صَادِقًا فَلَا يَتَعَنَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 934 وَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ إِذَا مِتُّ فَأُغَلَّ فَأُدْفَعَ إِلَى رَبِّي مَغْلُولا كَمَا يُدْفَعُ الْعَبْدُ الآبِقُ إِلَى مَوْلَاهُ. وَرَفَعَ رَأْسَهُ فِي السَّمَاءِ عِنْدَ مَوْتِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أُحِبُّ الْبَقَاءَ فِي الدُّنْيَا لِبَطْنٍ وَلَا فَرْجٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: مَا كَانَ لِمَالِكٍ إِلَّا دِرْهَمَانِ. دِرْهَمٌ لِوَرَقَةِ كَاغِدٍ , وَدِرْهَمٌ يَشْتَرِي بِهِ خُوصًا يَعْمَلُ بِهِ، وَكَانَ أَدَمُهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِلْحًا بِفِلْسَيْنِ. وَكَانَ يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ فَلَا يَأْخُذُ عَلَيْهَا مِنَ الْأَجْرِ أَكْثَرَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْمُصْحَفَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَقَالَ: أَعْطَى الْبَقَّالَ كُلَّ شَهْرٍ دِرْهَمًا وَدَانِقَيْنِ فَأَخَذَ مِنْهُ سِتيِّنَ رَغِيفًا لِكُلِّ لَيْلَةٍ رَغِيفَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَبَارَكِ: وَقَعَ حَرِيقٌ بِالْبَصْرَةِ، فَأَخَذَ مَالِكٌ الْمَصَاحِفَ وَأَخَذَ طَرَفَ كِسَائِهِ يَجُرُّهُ وَقَالَ: هَلَكَ أَصْحَابُ الأَثْقَالِ. وَقَالَ مَالِكٌ قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: خَشْيَةُ اللَّهِ وَحُبُّ الْفِرْدَوْسِ يُبَاعِدَانِ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَيُوَرِّثَانِ الصَّبْرَ عَلَى الْمَشَقَّةِ، وَإِنَّ أَكْلَ الشَّعِيرِ، وَالنَّوْمَ عَلَى الْمَزَابِلِ مَعَ الْكِلَابِ لَقَلِيلٌ فِي طَلَبِ الْفِرْدَوْسِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 935 وَقَالَ مَالِكٌ: لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ جُنَّ مَالِكٌ لَلَبِسْتُ الْمَسُوحَ وَوَضَعْتُ الرَّمَادَ عَلَى رَأْسِي أُنَادِي فِي النَّاسِ مَنْ رَآنِي فَلَا يَعْصِي رَبَّهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ جَلِيسٍ لَا يَسْتَفِيدُ مِنْهُ خَيْرًا فَاجْتَنِبْهُ. وَقَالَ: إِذَا تَعَلَّمَ الْعَبْدُ الْعِلْمَ لِيَعْمَلَ بِهِ كَسَرَهُ عِلْمُهُ، وَإِذَا تَعَلَّمَهُ لِغَيْرِ الْعَمَلِ زَادَهُ فَخْرًا. وَدَخَلَ يَوْمًا دَارَ الْخَرَاجِ يَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الْكِبَارِ قَدْ وَضَعَ الْكَبْلَ فِي رِجْلِهِ، فَبَيْنَا هُوَ يَنْظُرُ إِذْ أَتَى بِطَعَامِهِ فَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ مَالِكٌ يَتَعَجَّبُ مِنْ أَكْلِهِ وَمِمَّا هُوَ. فَقَالَ لَهُ: تَعَالَ كُلْ يَا أَبَا يَحْيَى , قَالَ: أَخَافُ إِنْ أَكَلْتُ مِثْلَ هَذَا أَنْ يُوضَعَ فِي رِجْلِي مِثْلَ هَذَا. وَقَالَ مَالِكٌ لَا وَالْمُنَافِقُ حَتَّى يَصْطَلِحَ الذِّئْبُ وَالْحَمَلُ. وَقَالَ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ اللُّؤْلُؤَةِ أَيْنَمَا كَانَتْ كَانَ حُسْنُهَا مَعَهَا يَصْطَلِحُ الْمُؤْمِنُ وقَالَ: كَانَ الأَبْرَارُ يَتَوَاصَوْنَ بِثَلَاثٍ: سَجْنُ اللِّسَانِ، وَكَثْرَةُ الِاسْتِغْفَارِ، وَالْعُزْلَةُ. وَقَالَ: مَا مِنْ خَطِيبٍ يَخْطُبُ إِلَّا عُرِضَتْ خُطْبَتُهُ عَلَى عَمَلِهِ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا صَدَقَ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا قُرِضَتْ شَفَتَاهُ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، كُلَّمَا قُرِضَتَا نَبَتَتَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 936 وَقَالَ: أَتَتْ عَلَى رَجُلٍ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَمْسُ مِائَةِ سَنَةٍ ثُمَّ أَتَى بَعْدَهَا فَقِيلَ لَهُ: أَتُحِبُّ الْمَوْتَ؟ فَقَالَ: وَاحُزْنَاهُ مَنْ يُحِبّ أَنْ يُفَارِقَ هَذَا النَّسِيمَ. فَقَالُوا: مَاتَ فَأَنْشَأَ يَقُولُ: مُؤَمِّلُ دُنْيَا لِتَبْقَى لَهُ ... فَمَاتَ الْمُؤَمِّلُ قَبْلَ الأَمَلْ يُرَبِّي فَسِيلا وَيُعْنَى بِهِ ... فَعَاشَ الْفَسِيلُ وَمَاتَ الرَّجُلْ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: إِنَّ عَدُوًّا يَرَاكَ وَلَا تَرَاهُ لَشَدِيدُ الْمُؤَنَةِ إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَثَلُ قُرَّاءِ هَذَا الزَّمَانِ مَثَلُ مَرَقَةِ الطَّبَّاخِينَ، رِيحُهَا طَيِّبَةٌ وَلَيْسَ لَهَا طَعْمٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَأَنْ يَرُدَّ الرَّجُلُ دِرْهَمًا مِنْ حَرَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِائَةِ أَلْفٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا رَأَيْتَ قَسَاوَةً فِي قَلْبِكَ وَوَهَنًا فِي بَدَنِكَ وَحِرْمَانًا فِي رِزْقِكَ، فَاعْلَمْ أَنَّكَ تَكَلَّمْتَ فِيمَا لَا يَعْنِيكَ. وَقَالَ: مَا ضُرِبَ الْعَبْدُ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمُ مِنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ. وَقَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 937 أَتَيْتُ الْقُبُورَ فَنَادَيْتُهَا ... أَيْنَ الْمُعَظَّمُ وَالْمُحْتَقَرْ وَأَيْنَ الْمُلَبِّي إِذَا مَا دَعَا ... وَأَيْنَ الْعَزِيزُ إِذَا مَا افْتَخَرْ وَأَيْنَ الْمُدِلُّ بِسُلْطَانِهِ ... وَأَيْنَ الْقَوِيُّ إِذَا مَا قَدرْ فَأَجَابَ هَاتِفٌ: تَفَانَوا جَمِيعًا فَمَا مُخْبِرٌ ... وَمَاتُوا جَمِيعًا وَمَاتَ الْخَبَرْ تَرُوحُ وَتَغْدُو بَنَاتُ الثَّرَى ... فَتَمْحُوا مَحَاسِنَ تِلْكَ الصُّوَرْ فَيَا سَائِلِي عَنْ أُنَاسٍ مَضَوْا ... أَمَالَكَ فِيمَا تَرَى مُعْتَبَرْ وَجَعَلَ يَقُولُ: أُفٍّ لِلدُّنْيَا وَطَلَبِهَا. ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَابِعِيٌّ بَصْرِيٌّ، قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: الْقُرَّاءُ ثَلَاثَةٌ: فَقَارِئٌ لِلرَّحْمَنِ، وَقَارِئٌ لِلدُّنْيَا، وَقَارِئٌ لِلْمُلُوكِ إِذَا لَقُوا الْمُلُوكَ دَخَلُوا مَعَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ مِنْ قُرَّاءِ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ: إِذَا أَقْبَلَ الْعَبْدُ بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ أَقْبَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ بِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 938 وَقِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: قَرِيبًا أَجَلِي، بَعِيدًا أَمَلِي، سَيِّئًا عَمَلِي. وَقَالَ: الْقُرْآنُ بُسْتَانُ الْعَارِفِينَ. وَقَالَ: لَوْ كَانَ يُوجَدُ لِلذُّنُوبِ رِيحٌ مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَدْنُوا مِنِّي لِنَتَنِ رِيحِي. وَعَنْ زِيَادِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ وَاسِعٍ يَعْرِضُ حِمَارًا لَهُ عَلَى الْبَيْعِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَتَرْضَاهُ لِي؟ قَالَ: لَوْ رَضِيتُهُ لَمْ أَبِعْهُ. وَقَالَ: مَنْ مَقَتَ نَفْسَهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ أَمَّنَهُ اللَّهُ مِنْ مَقْتِهِ. وَقَالَ: لَقَضْمُ الْقَصَبِ، وَسَفُّ التُّرَابِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنُوِّ مِنَ السُّلْطَانِ. وَقَالَ: أَرْبَعَةٌ يُمِتْنَ الْقَلْبَ: الذَّنْبُ عَلَى الذَّنْبِ، وَكَثْرَةُ مُثَافَنَةِ النِّسَاءِ وَحَدِيثُهُنَّ، وَمُلَاحَاةُ الْأَحْمَقِ تَقُولُ لَهُ وَيَقُولُ لَكَ، وَمُجَالَسَةُ الْمَوْتَى. قِيلَ: وَمَا الْمَوْتَى؟ قَالَ: كُلُّ غَنِيٍّ مُتْرَفٍ وَسُلْطَانٍ جَائِرٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ: رَأَيْتُ فِي يَدِ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ قُرْحَةً، فَكَأَنَّهُ قَدْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 939 رَأَى مَا قَدْ شَقَّ عَلَيَّ مِنْهَا. فَقَالَ لِي: مَا تَدْرِي مَاذَا لِلَّهِ عَلَيَّ فِي هَذِهِ الْقُرْحَةِ مِنْ نِعْمَةٍ، فَسَكَتُّ فَقَالَ: حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْهَا فِي حَدَقَتِي وَلَا عَلَى لِسَانِي وَلَا عَلَى طَرَفِ ذَكَرِي. قَالَ: فَهَانَتْ عَلَيَّ قُرْحَتُهُ. وَقَالَ وَكِيعٌ: أُرِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ عَلَى الْقَضَاءِ فَأَبَى فَعَاتَبَتْهُ امْرَأَتُهُ وَقَالَتْ: لَكَ عِيَالٌ وَأَنْتَ مُحْتَاجٌ، قَالَ: مَا دُمْتِ تَرَيْنِي أَصْبِرُ عَلَى الْخَلِّ وَالْبَقْلِ فَلَا تَطْمَعِي فِي هَذَا مِنِّي. وَقَالَ بِلَالُ بْنُ أَبِي بَرْدَةَ لِمُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ: مَا تَقُولُ فِي الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ؟ قَالَ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلّ لَا يَسْأَلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِبَادَهُ عَنْ قَضَاءِهِ وَقَدَرِهِ، إنما يسأل عَنْ أَعْمَالِهِمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 940 ذِكْرُ مَيْمُونِ بْنِ مَهْرَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَابِعِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ قِيلَ لِمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ: مَالَكَ لَا يُفَارِقُكَ أَخٌ لَكَ عَنْ قِلًى؟ قَالَ: إِنِّي لَا أُمَارِيهِ وَلَا أُشَارِيهِ. وَقَالَ لَا تُمَارِيَنَّ عَالِمًا وَلَا جَاهِلًا، فَالْعَالِمُ يَخْزُنُ عَنْكَ عِلْمَهُ إِنْ مَارَيْتَهُ، وَالْجَاهِلُ يُخَشِّنُ صَدْرَكَ. وَقَالَ: لَا تَبْلُوَنَّ نَفْسَكَ بِثَلَاثٍ لَا تَدْخُلْ عَلَى السُّلْطَانِ، وَإِنْ قُلْتَ: آمُرُهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَلَا تَدْخُلْ عَلَى امْرَأَةٍ وَإِنْ قُلْتَ: أُعَلِّمُهَا كِتَابَ اللَّهِ، وَلَا تُصْغِيَنَّ سَمْعَكَ لِذِي هَوًى فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَتَى يَعْلَقُ بِقَلْبِكَ مِنْهُ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم: 42] . وَعِيدٌ لِلظَّالِمِ وَتَعْزِيَةٌ لِلْمَظْلُومِ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 941 {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا} [النبأ: 21] . وَقَوْلِهِ: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] . الْتَمِسُوا لِهَذَيْنِ الرَّصِيدَيْنِ جَوَابًا. وَقَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ فَلْيَنْظُرْ فِي عَمَلِهِ، فَإِنَّهُ قَادِمٌ عَلَى عَمَلِهِ كَائِنًا مَا كَانَ. وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ اجْعَلُوا نَشَاطَكُمْ وَشَبَابَكُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، يَا مَعْشَرَ الشُّيُوخِ حَتَّى مَتَى؟ ! وَقَالَ: لَأَنْ أَتَصدقَ فِي حَيَاتِي بِدِرْهَمٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُتَصَدَّقَ عَنِّي بَعْدَ مَوْتِي بِمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَاسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى قَضَاءِ الْجَزِيرَةِ وَخَرَاجِهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَيْمُونٌ يَسْتَعْفِيهِ وَقَالَ: كَلَّفْتَنِي مَا لَا أُطِيقُ، أَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ وَأَجْبِي الْخَرَاجَ وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَعِيفٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ، اجْبِ مِنَ الْخَرَاجِ الطَّيِّبِ، وَاقْضِ مَا اسْتَبَانَ لَكَ، فَإِنِ الْتَبَسَ عَلَيْكَ أَمْرٌ فَارْفَعْ إِلَيَّ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ كَانُوا إِذَا كَبُرَ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ تَرَكُوهُ مَا قَامَ دِينٌ وَلَا دُنْيَا. وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مَهْرَانَ: أَدْرَكْتُ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَمْلَأُ عَيْنَهُ مِنَ السَّمَاءِ فَرْقًا مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ وَالْكَافِرُ فِيهِنَّ سَوَاءٌ: الْأَمَانَةُ تُؤَدِّيهَا إِلَى مِنِ ائْتَمَنَكَ عَلَيْهَا مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ: ثَلَاثٌ الْمُؤْمِنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 942 قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] . وَالْعَهُدَ تَفِي بِهِ لِمَنْ عَاهَدْتَ مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ. وَقَالَ: فِي الْمَالِ ثَلَاثُ خِصَالٍ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ مِنْ طَيِّبٍ، وَأَنْ تُؤَدِّي الْحُقُوقَ مِنْهُ الَّتِي فِيهِ، وَلَا تُسْرِفْ فِي النَّفَقَةِ وَلَا تُقَتِّرْ. وَقَالَ: اللِّسَانُ بِمَنْزِلَةِ السَّبْعِ فَإِذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ فَخَلَيْتَ سَبِيلَهُ، فَقَدْ خَلَّيْتَ سَبْعَكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ فُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ: سَأَلْتُ مَيْمُونَ بْنَ مَهْرَانَ فَقُلْتُ: أَعَلِيٌّ أَفْضَلُ عِنْدَكُمْ أَمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ قَالَ: فَارْتَعَدَ حَتَّى سَقَطَتْ عَصَاهُ مِنْ يَدِهِ , ثُمَّ قَالَ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَبْقَى إِلَى زَمَانٍ يَعْدِلُ بِهِمَا، كَانَا رَأْسَ الْإِسْلَامِ وَرَأْسَ الْجَمَاعَةِ فَقُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ كَانَ أَوَّلَ إِسْلَامًا أَمْ عَلِيٌّ؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ آمَنَ أَبُو بَكْرٍ زَمَنَ بَحِيرَةَ الرَّاهِبِ حِينَ مَرَّ بِهِ، وَاخْتَلَفَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَدِيجَةَ حَتَّى أَنْكَحَهَا إِيَّاهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 943 ذِكْرُ مُوَرَّقٍ الْعَجْلِيُّ تَابِعِيٌّ بَصْرِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَزِيدُ الشَّنِّيُّ قَالَ مُوَرَّقٌ: إِنِّي لَقَلِيلُ الْغَضَبِ وَأَقَلُّ مَا غَضِبْتُ، فَأَقُولُ فِي غَضَبِي شَيْئًا نَدِمْتُ عَلَيْهِ إِذَا رَضِيتُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ قَسْوَةَ قَلْبِي، لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصُومَ وَأُصَلِّيَ فَقَالَ: إِذَا عَنِ الْخَيْرِ فَاضْعُفْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنِّي أَفْرَحُ بِالنَّوْمَةِ أَنَامُهَا. وَقَالَ عَاصِمٌ: كَانَ مُوَرَّقٌ يَجِدُ نَفَقَتَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ. وَقَالَ مُوَرَّقٌ: وَتَعَلَّمْتُ الصَّمْتَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً، وَلَقَدْ سَأَلْتُ اللَّهَ حَاجَةً مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا أَعْطَيْتُهَا وَمَا يَئِسْتُ مِنْهَا، فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: أَنْ لَا أَقُولَ مَا لَا يَعْنِينِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 944 ذِكْرُ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ تَابِعِيٌّ كُوفِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَيْمُونُ بْنُ أَبِي شَبِيبٍ: أَرَدْتُ الْجُمُعَةَ زَمَنَ الْحَجَّاجِ فَتَهَيَّأْتُ لِلذَّهَابِ ثُمَّ قُلْتُ: أَيْنَ أَذْهَبُ؟ أُصَلِّي خَلْفَ هَذَا. فَقُلْتُ مَرَّةً: أَذْهَبُ، وَقُلْتُ مَرَّةً لَا أَذْهَبُ، قَالَ: فَأُجْمِعَ رَأْيِي عَلَى الذَّهَابِ فَنَادَانِي مُنَادٍ مِنْ جَانِبِ الْبَيْتِ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] . قَالَ: فَذَهَبْتُ. وَقَالَ: وَجَلَسْتُ مَرَّةً أَكْتُبُ كِتَابًا قَالَ: فَعَرَضَ لِي شَيْءٌ إِنْ أَنَا كَتَبْتُهُ فِي كِتَابِي زَيَّنَ كِتَابِي وَكُنْتُ قَدْ كَذَبْتُ، وَإِنْ أَنَا تَرَكْتُهُ كَانَ فِي كِتَابِي بَعْضُ الْقُبْحِ وَكُنْتُ قَدْ صَدَقْتُ، قَالَ: فَقُلْتُ مَرَّةً: أَكْتُبُهُ، وَقُلْتُ مَرَّةً لَا أَكْتُبُهُ، قَالَ: فَأُجْمِعَ رَأْيِي عَلَى تَرْكِهِ فَنَادَانِي مُنَادٍ مِنْ جَانِبِ الْبَيْتِ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 945 ذِكْرُ مُغِيثِ بْنِ سُمَيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ شَامِيٌّ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ، فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْعَسَّالُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْخَرَاجِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْخَالِقِ بْنِ طَحْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي خَبِيبٍ، عَنْ أَبِي زَيْنَبَ , قَالَ: " كَانَ مُغِيثُ بْنُ سُمَيٍّ كَثِيرَ الصَّلَاةِ، مُجْتَهِدًا، عَزَّاءً، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي إِلَى جَانِبِ سَارِيَةٍ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ قَالَ: حَتَّى الْمَمَاتِ، قَالَ: عَرَضَ لِيَ الْخَبِيثَ، يَعْنِي إِبْلِيسُ لعَنَهُ اللَّهُ، فَقَالَ لِي: إِلَى مَتَى أَنْتَ تَفْعَلُ هَذَا؟ قَدْ غَزَوْتَ مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصُمْتُ وَصَلَّيْتُ، وَتَصَدَّقْتُ، وَفَعَلْتُ. فَقُلْتُ: حَتَّى الْمَمَاتِ، حَتَّى الْمَمَاتِ ". انْتَهَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 946 بَابُ النُّونِ ذِكْرُ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمِ بْنِ عَدِيٍّ الْقُرَشِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ , وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ , كَانَ يَحُجُّ مَاشِيًا , وَنَاقَتُهُ تُقَادُ , تُوُفِّي فِي وِلايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ذِكْرُ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَدَنِيٌّ، يَرْوِي عَنْ عُمَرَ , وَأَبِي سَعِيدٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 947 ذِكْرُ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ: الْمُجْمِرُ لأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْمِجْمَرَ قُدَّامَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: لَزِمَ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرُ , أَبَا هُرَيْرَةَ , عِشْرِينَ سَنَةً. ذِكْرُ نُمَيْرِ بْنِ أَوْسٍ شَامِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْوِي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَلاهُ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْقَضَاءَ , ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْتَعْفِيهِ , وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ , فَقَالَ هِشَامٌ: مَنْ لِقَضَاءِ الْجُنْدِ؟ فَقَالُوا: يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ , فَأَمَرَ بِعَهْدِهِ فَكَتَبَ وَوَلاهُ الْقَضَاءَ بَعْدَهُ , مَاتَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 948 ذِكْرُ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَابِعِيٍّ يَمَنِيٍّ، قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: وَجَدْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: «كَفَى لِلْعَبْدِ مَالا , إِذَا كَانَ عَبْدِي فِي طَاعَتِي أُعْطِيهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْأَلَنِي، وَأَسْتَجِيبُ لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَدْعُوَنِي , فَإِنِّي أَعْلَمُ بِحَاجَتِهِ مِنْ نَفْسِهِ» . وَقَالَ: وَجَدْتُ فِي بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ: أَنَّ الشَّيْطَانَ لَمْ يُكَابِدْ شَيْئًا أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُؤْمِنٍ عَاقِلٍ , مُكَابَدَتُهُ إِيَّاهُ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ جَاهِلٍ , وَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَسْتَزِلَّ الْمُؤْمِنَ الْعَاقِلَ قَالَ: يَا وَيْلَهُ، مَالَهُ وَلِهَذَا لا حَاجَةَ لِي بِهَذَا , وَلا طَاقَةَ لِي بِهِ , فَيَرْفُضَهُ وَيَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَاهِلِ فَيَسْتَمْكِنَ مِنْ قِيَادِهِ حَتَّى يُسْلِمَهُ إِلَى الْفَضَائِحِ , وَإِنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَسْتَوِيَانِ فِي أَعْمَالِ الْبِرِّ فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ أَوْ أَبْعَدَ، إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْقَلَ مِنَ الآخَرِ. وَقَالَ: قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَنْصَفْتَنِي تُذَكِّرَ بِي وَتَنْسَانِي، وَتَدْعُوا إِلَيَّ وَتَفِرُّ مِنِّي , خَيْرِي إِلَيْكَ نَازِلٌ , الجزء: 1 ¦ الصفحة: 949 وَشَرُّكَ إِلَيَّ صَاعِدٌ , فَلا يَزَالُ مَلَكٌ كَرِيمٌ , يَصْعَدُ إِلَيَّ مِنْكَ بِعَمَلٍ قَبِيحٍ , يَا ابْنَ آدَمَ، مَا تَكُونُ إِلَيَّ وَأَقْرَبُ مَا تَكُونَ مِنِّي إِذَا كُنْتَ رَاضِيًا بِمَا قَسَمْتُ لَكَ , أَبْغَضُ مَا تَكُونَ إِلَيَّ وَأَبْعَدُ مَا تَكُونَ مِنِّي إِذَا كُنْتَ سَاخِطًا بِمَا قَسَمْتُ لَكَ. يَا بْنَ آدَمَ، أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ، وَلا تُعْلِمْنِي مَا يُصْلِحُكَ , إِنِّي عَالِمٌ بِخَلْقِي , إِنَّمَا أُكْرِمُ مَنْ أَكْرَمَنِي , وَأُهِينُ مَنْ هَانَ عَلَيْهِ أَمْرِي , لَسْتُ بِنَاظِرٍ فِي حَقِّ عَبْدِي , حَتَّى يَنْظُرَ الْعَبْدُ فِي حَقِّي. وَقَالَ وَهْبٌ: لَقِيَ رَجُلٌ رَاهِبًا، فَقَالَ: يَا رَاهِبُ، كَيْفَ صَلاتُكَ؟ فَقَالَ الرَّاهِبُ: لا أَحْسِبُ أَحَدًا سَمِعَ بِذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ تَأْتِي عَلَيْهِ سَاعَةٌ لا يُصَلِّي فِيهَا , قَالَ كَيْفَ ذِكْرُكَ الْمَوْتَ؟ قَالَ: مَا أَرْفَعُ قَدَمًا وَلا أَضَعُ أُخْرَى إِلا رَأَيْتُ أَنِّي مَيِّتٌ. فَقَالَ الرَّاهِبُ: كَيْفَ صَلاتُكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ؟ قَالَ: إِنِّي لأُصَلِّي وَأَبْكِي حَتَّى يَنْبُتَ الْعُشْبَ مِنْ دُمُوعِ عَيْنِي. فَقَالَ الرَّاهِبُ لِلرَّجُلِ: أَمَا إِنَّكَ إِنْ تَضْحَكَ وَأَنْتَ مُعْتَرِفٌ بِخَطِيئَتِكَ خَيْرًا لَكَ مِنْ أَنْ تَبْكِي وَأَنْتَ مُدِلٌّ بِعَمَلِكَ , فَإِنَّ الْمُدِلَّ لا يُرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ , فَقَالَ الرَّجُلُ لِلرَّاهِبِ: فَأَوْصِنِي فَإِنِّي أَرَاكَ حَكِيمًا. قَالَ: ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا وَلا تُنَازِعْ أَهْلَهَا فِيهَا , وَكُنْ فِيهَا كَالنَّحْلِ إِنْ أَكَلْتَ أَكَلْتَ طَيِّبًا , وَإِنْ وَضَعْتَ وَضَعْتَ طَيِّبًا , وَإِنْ وَقَعْتَ عَلَى عُودٍ لَمْ تَكْسَرْهُ , وَانْصَحْ لِلَّهِ نُصْحَ الْكَلْبِ لأَهْلِهِ يُجِيعُونَهُ وَيَطْرُدُونَهُ , وَيَأْبَى إِلا أَنْ يَنْصَحَ لَهُمْ. وَكَانَ وَهْبٌ إِذَا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ: وَاسَوْأَتَاهُ إِذَا كَانَ الْكَلْبُ أَنْصَحَ لأَهْلِهِ مِنْكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 950 وَقَالَ وَهْبٌ: إِنَّ أَمَسَّ شَاهِدٍ مَقْبُولٌ , وَأَمِينٌ مُؤَدٍّ قَدْ فَجَعَكَ بِنَفْسِهِ , وَخَلَفَ فِيكَ حِكْمَتَهُ , وَالْيَوْمَ صَدِيقٌ مُوَدِّعٌ , كَانَ طُوَالَ الْغَيْبَةِ وَهُوَ سَرِيعُ الظَّعْنِ وَالأَوْبَةِ , وَأَمَّا الْغَدُ فَلا تَأْمَنُهُ , فَمَا الطَّمَعُ فِيمَا لا يُرْتَجَى , وَمَا الْحِيلَةُ لِرَدِّ مَا قَدْ ذَهَبَ. وَقَالَ وَهْبٌ: قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ مُنَادِيًا يُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ كُلَّ صَبَاحٍ أَبْنَاءَ الأَرْبَعِينَ زَرْعٌ: قَدْ دَنَا حَصَادُهُ , أَبْنَاءَ الْخَمْسِينَ: مَاذَا قَدَّمْتُمْ، وَمَاذَا أَخَّرْتُمْ , أَبْنَاءَ السِّتِّينَ: لا عُذْرَ لَكُمْ , لَيْتَ الْخَلْقَ لَمْ يُخْلَقُوا , وَإِذَا خُلِقُوا عَلِمُوا لِمَ خُلِقُوا , قَدْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ خُذُوا حِذْرَكُمْ. وَقَالَ وَهْبٌ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ عَصَى اللَّهَ مِائَتَيْ سَنَةٍ ثُمَّ مَاتَ، فَأَخَذُوا أَرْجُلَهُ فَأَلْقَوْهُ عَلَى مَزْبَلَةٍ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنِ اخْرُجْ فَصَلِّ عَلَيْهِ، قَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ شَهِدُوا أَنَّهُ عَصَاكَ مِائَتَيْ سَنَةٍ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ. هَكَذَا كَانَ، إِلَّا أَنَّهُ كُلَّمَا نَشَرَ التَّوْرَاةَ وَنَظَرَ إِلَى اسْمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ، فَشَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، وَغَفَرْتُ ذُنُوبَهُ وَزَوَّجْتُهُ سَبْعِينَ حَوْرَاءَ. قَالَ: وَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا رَبِّ احْبِسْ عَنِّي كَلَامَ النَّاسِ. فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «لَوْ فَعَلْتُ هَذَا بِأَحَدٍ لَفَعَلْتُ بِي» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 951 وَقَالَ وَهْبٌ لِعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ: وَيْحَكَ تَحْمِلُ عِلْمَكَ إِلَى أَبْوَابِ الْمُلُوكِ وَأَبْنَاءِ الدُّنْيَا، أَتَأْتِي مَنْ يُغْلِقُ عَلَيْكَ بَابَهُ، وَيُظْهِرُ الْفَقْرَ وَيُوَارِي عَنْكَ غِنَاهُ، وَتَدَعُ مَنْ يَفْتَحُ لَكَ بَابَهُ وَيَقُولُ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] . وَيْحَكَ ارْضَ بِالدُّونِ مِنَ الدُّنْيَا مَعَ الْحِكْمَةِ، وَلَا تَرْضَ بِالدُّونِ مِنَ الْحِكْمَةِ مَعَ الدُّنْيَا، وَيْحَكَ إِنْ كَانَ يُغْنِيكَ مَا يَكْفِيكَ، فَإِنَّ أَدْنَى مَا فِي الدُّنْيَا يَكْفِيكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُغْنِيكَ مَا يَكْفِيكَ فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ يَكْفِيكَ، إِنَّمَا بَطْنُكَ بَحْرٌ مِنَ الْبُحُورِ وَوَادٍ مِنَ الْأَوْدِيَةِ لَا يَمْلَأُهُ شَيْءٌ إِلَّا التُّرَابُ. وَقَالَ وَهْبٌ: أَوْثَقُ مَا يُضِلُّ بِهِ الشَّيْطَانُ ابْنَ آدَمَ ثَلَاثَةٌ: الشُّحُّ , وَالْحِدَّةُ , وَالسُّكْرُ. وَقَالَ وَهْبٌ: قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ أَيُّ عِبَادِكَ أَشْقَى؟ قَالَ: " مَنْ لَا تَنْفَعَهُ مَوَاعِظُهُ وَلَا يَذْكُرُنيِ إِذَا خَلَا. قَالَ: أَيُّ عِبَادِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: " الَّذِينَ يَعُودُونَ الْمَرْضَى، وَيُشَيِّعُونَ الْهَلْكَى، وَيُعَزُّونَ الثَّكْلَى. وَقَالَ: قَالَ عَابِدٌ لِآخَرَ: أَعْجَبُ مِنْ فُلَانٍ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ مِنْ عِبَادَتِهِ وَمَالَتْ بِهِ الدُّنْيَا فَقَالَ: لَا تَعْجَبْ وَلَكِنِ اعْجَبْ مِمَّنِ اسْتَقَامَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 952 وَقَالَ وَهْبٌ: قَالَ إِبْلِيسُ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّكَ تُحْيِي الْمَوْتَى، فَإِنْ كُنْتَ كَمَا تَقُولُ فَثِبْ مِنْ هَذَا الْجَبَلِ، يَعْنِي جَبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْقَاكَ قَالَ: إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ لَا أُجَرِّبَ بِنَفْسِي، فَلَا أَدْرِي هَلْ يُسْلِمُنِي أَمْ لَا. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: قُلْتُ لِوَهْبٍ: كَيْفَ تَرَى الرُّؤْيَا فَتُخْبِرُنَا بِهَا فَلَمْ تَلْبَثْ أَنْ تَرَاهَا؟ قَالَ: ذَهَبَ ذَلِكَ عَنِّي مُنْذُ وَلِيتُ الْقَضَاءَ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثْتُ بِهِ مَعْمَرًا , فَقَالَ: وَالْحَسَنُ بَعْدَ مَا وَلِيَ الْقَضَاءَ لَمْ يَحْمَدُوا فَهْمَهُ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: كَانَ لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَلْفُ بَيْتٍ أَعْلَاهُ قَوَارِيرُ، وَأَسْفَلُهُ حَدِيدٌ، فَرَكِبَ الرِّيحَ يَوْمًا فَمَرَّ بِحَرَّاثٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ الْحَرَّاثُ , فَقَالَ: لَقَدْ أُوتِيَ آلُ دَاوُدَ مُلْكًا عَظِيمًا، فَحَمَلَتِ الرِّيحُ كَلَامَهُ فَأَلْقَتْهُ فِي أُذُنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: فَنَزَلَ حَتَّى أَتَى الْحَرَّاثَ , فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ قَوْلَكَ، إِنَّمَا مَشَيْتُ إِلَيْكَ لِئَلَّا تَتَمَنَّى مَالَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ، لَتَسْبِيحَةٌ وَاحِدَةٌ يَقْبَلُهَا اللَّهُ مِنْكَ خَيْرٌ مِمَّا أُوتِيَ آلُ دَاوُدَ , فَقَالَ الْحَرَّاثُ: أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّكَ كَمَا أَذْهَبْتَ هَمِّي. وَقَالَ وَهْبٌ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَتَدْرِي لِمَ اتْخَذْتُكُ خَلِيلًا؟» قَالَ: لَا يَا رَبِّ. قَالَ: «لِذُلِّ مَقَامِكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الصَّلَاةِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 953 وَقَالَ وَهْبٌ: قَالَ اللَّهُ: «يَا دَاوُدُ أَتَدْرِي مَنْ أَسْرَعُ النَّاسِ مَمَرًّا عَلَى الصِّرَاطِ؟ الَّذِينَ يَرْضَوْنَ بِحُكْمِي وَأَلْسِنَتُهُمْ رَطْبَةٌ مِنْ ذِكْرِي، هَلْ تَدْرِي أَيُّ الْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ؟ الَّذِينَ يَرْضَوْنَ بِحُكْمِي وَقَسْمِي وَيْحَمُدونَنِي عَلَى مَا أَنْعَمْتُ عَلَيْهِمْ. هَلْ تَدْرِي أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَعْظَمُ عِنْدِي مَنْزِلَةً؟ الَّذِي هُوَ بِمَا أُعْطِيَ أَشَدُّ فَرَحًا مِنْهُ بِمَا يُحْبَسُ» . وَقَالَ وَهْبٌ: قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: ابْنَ آدَمَ احْتَلْ لِدِينِكَ فَإِنَّ رِزْقَكَ سَيَأْتِيكَ. ذِكْرُ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ، يَرْوِي عَنْ جَابِرٍ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 954 ذِكْرُ وَقَّاءِ بْنِ شُرَيْحٍ الصَّدَفِيِّ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، يَرْوِي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. بَابُ الْهَاءِ ذِكْرُ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ بَصْرِيٌّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ ذِكْرُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ وَرِعًا حَافِظًا مُتْقِنًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 955 ذِكْرُ هَرِمِ بْنِ حَيَّانَ الْأَزْدِيِّ الْبَصْرِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ زَاهِدٌ أَدْرَكَ خِلَافَةَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رَوَى عَنِ الْحَسَنِ , وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ. بَابُ لَامِ أَلَفٍ ذِكْرُ لَاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ , كُنْيَتُهُ أَبُو مُجْلِزٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، يَرْوِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 956 رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ , قَالَ: كَانَ أَبُو مُجْلِزٍ يَؤُمُّ بِالْحَيِّ فِي رَمَضَانَ وَكَانَ يَخْتُمُ فِي سَبْعٍ. قَالَ أَبُو مُجْلِزٍ: أَكْيَسُ النَّاسِ أَشَدُّهُمْ حَذَرًا، وَقَالَ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقِيَامِ وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ الْوَرَعُ. وَقَالَ: إِنَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ الْقُرْآنِ يَنْسَخُ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] الْآيَةَ. فَجَزَاؤُهُ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْهُ فَعَلَ. بَابُ الْيَاءِ ذِكْرُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ مَدَنِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَقْضَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ فَارْتَفَعَ شَأْنُهُ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، مَاتَ بِالْعِرَاقِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 957 ذِكْرُ يَحْيَى بْنِ مَعْمَرٍ بَصْرِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ عَلَى الْقَضَاءِ بِمَرْوَ فِي وِلَايَةِ قُتَيْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، كَانَ مِنْ فُصَحَاءِ أَهْلِ زَمَانِهِ مَعَ الْوَرَعِ الشَّدِيدِ. ذِكْرُ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَاكِنُ الشَّامِ وَكَانَ مِنَ الْعُبَّادِ الْخُشَّنِ، اسْتَسْقَى بِهِ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ الْفِهْرِيُّ , فَسُقِيَ. رَوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , أَنَّ يَزِيدَ بْنَ الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيِّ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَلِيفِ الْجُرَشِيِّ، وَأَبَا أُسَيْدٍ الْفَزَارِيَّ، كَانُوا يَسِيرُونَ فِي أَرْضِ الرُّومِ، فِي السَّاقَةِ وَالْمُقَدِّمَةِ، فَسَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ: أَبْشِرْ إِنَّكَ مِنَ السَّابِقِينَ، أَبْشِرْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 958 إِنَّكَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، أَبْشِرْ إِنَّكَ مِنَ الْمُتَّقِينَ، وَمَا نَحْنُ بِكَاذِبِينَ، وَمَا زِلْنَا نَظُنُّ ذَلِكَ بِكَ مُذْ كُنْتَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. قَالَ سَعِيدٌ: فَكَانَ الَّذِي سَمَعَ ابْنَ عَبْدِ الْحَلِيفِ، فَيَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ الْكَلَامَ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ. تَمَّتْ آخِرُ ذِكْرِ التَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَيَلِيهِ أَتْبَاعُ التَّابِعِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 959 أَتْبَاعُ التَّابِعِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 961 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ذِكْرُ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِي يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِي يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَنْشَأُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَحْلِفُونَ وَلَا يُسْتَحْلَفُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَتَفْشُو فِيهِمُ السِّمَنُ» . بَابُ الْأَلِفِ ذِكْرُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ الزَّاهِدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْوِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، أَصْلُهُ مِنْ بَلْخٍ، ثُمَّ تَرَكَ الْإِمَارَةَ وَانْطَلَقَ إِلَى الشَّامِ طَلَبًا لِلْحَلَالِ، فَأَقَامَ بِهَا غَازِيًا إِلَى أَنْ مَاتَ فِي بِلَادِ الرُّومِ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 963 قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ: قُلْتِ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ كَيْفَ كَانَ بَدْأُ أَمْرِكَ حَتَّى صِرْتَ إِلَى مَا صِرْتَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: غَيْرَ ذَا أَوْلَى بِكَ، فَقُلْتُ لَهُ: هُوَ كَمَا تَقُولُ رَحِمَكَ اللَّهُ، وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنَا بِهَا يَوْمًا، فَسَأَلْتُهُ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: وَيْحَكَ اشْتَغِلْ بِاللَّهِ، فَسَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ، قَالَ: كَانَ أَبِي مِنْ أَهْلِ بَلْخٌ وَكَانَ مِنْ مُلُوكِ خُرَاسَانَ، وَكَانَ مِنَ الْمَيَاسِيرِ، وَحَبَّبَ إِلَيْنَا الصَّيْدَ فَخَرَجْتُ رَاكِبًا فَرَسِي وَكَلْبَتِي مَعِي، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ ثَارَ أَرْنَبٌ أَوْ ثَعْلَبٌ، فَحَرَكْتُ فَرَسِي فَسَمِعْتُ نَدَاءً مِنْ وَرَائِي: لَيْسَ لِذَا خُلِقْتَ وَلَا بِذَا أُمِرْتَ، فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ يُمْنَةً وَيُسْرَةً فَلَمْ أَرَ أَحَدًا فَقُلْتُ: لَعَنَ اللَّهُ إِبْلِيسَ. ثُمَّ حَرَّكْتُ فَرَسِي فَأَسْمَعُ نِدَاءً أَجْهَرُ مِنْ ذَلِكَ: يَا إِبْرَاهِيمُ لَيْسَ لِذَا خُلِقْتَ وَلَا بِذَا أُمرْتَ، فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ يُمْنَةً وَيُسْرَةً فَلَا أَرَى أَحَدًا فَقُلْتُ: لَعَنَ اللَّهُ إِبْلِيسَ، ثُمَّ حَرَّكْتُ فَرَسِي فَأَسْمَعُ نِدَاءً مِنْ قُرْبُوسِ سَرْجِي: يَا إِبْرَاهِيمُ مَا لِذَا خُلِقْتَ وَلَا بِذَا أُمِرْتَ، فَوَقَفْتُ وَقُلْتُ: أُنْبِهْتُ أُنْبِهْتُ، جَاءَنِي نَذِيرٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَاللَّهِ لَا عَصَيْتُ اللَّهَ بَعْدَ يَوْمِي إِذَا مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 964 عَصَمَنِي رَبِّي، فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَخَلَيْتُ عَنْ فَرَسِي، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رُعَاةِ لِأَبِي , فَأَخَذْتُ مِنْ رَاعٍ جُبَّةً وَكِسَاءً وَأَلْقَيْتُ ثِيَابِي إِلَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى الْعِرَاقِ. أَرْضٌ تَرْفَعُنِي وَأَرْضٌ تَضَعُنِي حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى الْعِرَاقِ، فَعَمِلْتُ بِهَا أَيَّامًا فَلَمْ يَصْفُ لِي مِنْهَا مِنَ الْحَلَالِ، فَسَأَلْتُ بَعْضَ الْمَشَايِخِ عَنِ الْحَلَالِ فَقَالَ: إِذَا أَرَدْتَ الْحَلَالَ فَعَلَيْكَ بِبِلَادِ الشَّامِ فَصِرْتُ إِلَى مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا الْمَنْصُورَةُ، وَهِيَ الْمِصِّيصَةَ، فَعَمِلْتُ بِهَا أَيَّامًا فَلَمْ يَصْفُ لِي شَيْئًا مِنَ الْحَلَالِ، فَسَأَلْتُ بَعْضَ الْمَشَايِخِ فَقَالُوا: إِنْ أَرَدْتَ الْحَلَالَ الصَّافِي فَعَلَيْكَ بِطُرْسُوسَ فَإِنَّ فِيهَا الْمُبَاحَاتِ وَالْعَمَلَ الْكَثِيرَ، فَتَوَجَّهْتُ إِلَى طُرْسُوسَ فَعَمِلْتُ بِهَا أَيَّامًا، أَنْطُرُ الْبَسَاتِينَ وَأَحْصُدُ الْحَصَادَ، فَبَيْنَا أَنَا قَاعِدٌ جَاءَنِي رَجُلٌ فَاكْتَرَانِي أَنْطُرُ لَهُ بُسْتَانَهُ، فَكُنْتُ فِي الْبُسْتَانِ أَيَّامًا كَثِيرَةً، فَإِذَا أَنَا بِخَادِمٍ قَدْ أَقْبَلَ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ فَقَعَدَ فِي مَجْلِسِهِ ثُمَّ صَاحَ: يَا نَاطُورُ , فَقُلْتُ: هُوَ ذَا أَنَا؟ فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنَا بِأَكْبَرِ رُمَّانٍ تَقْدِرُ عَلَيْهِ وَأَطْيَبِهِ فَذَهَبْتُ فَأَتَيْتُهُ بِأَكْبَرِ رُمَّانٍ فَأَخَذَ رُمَّانَةً فَكَسَرَهَا فَوَجَدَهَا حَامِضَةً فَقَالَ لِي: يَا نَاطُورُ أَنْتَ فِي بُسْتَانِنَا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا وَتَأْكُلُ مِنْ رُمَّانِنَا لَا تَعْرِفُ الْحُلْوَ مِنَ الْحَامِضِ , قُلْتُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 965 وَاللَّهِ مَا أَكَلْتُ مِنْ فَاكِهَتِكَ شَيْئًا وَمَا أَعْرِفُ الْحُلْوَ مِنَ الْحَامِضِ، فَأَشَارَ الْخَادِمُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَلَا تَسْمَعُونَ كَلَامَ هَذَا؟ ثُمَّ قَالَ لِي: أَتُرَاكَ لَوْ أَنَّكَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ زَادَ عَلَى هَذَا فَانْصَرَفَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ ذُكِرَ صِفَتِي فِي الْمَسْجِدِ فَعَرَفَهَا بَعْضُ النَّاسِ، فَجَاءَ الْخَادِمُ وَمَعَهُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَدْ أَقْبَلَ مَعَ أَصْحَابِهِ اخْتَفَيْتُ خَلْفَ الشَّجَرِ وَالنَّاسُ دَاخِلُونَ فَاخْتَلَطَ مَعَهُمْ وَهُمْ دَاخِلُونَ وَأَنَا هَارِبٌ، فَهَذَا كَانَ أَوَائِلَ أمَرْيِ وَخُرُوجِي مِنْ طُرْسُوسَ إِلَى بِلَادِ الرِّمَالِ. وَفِي رِوَايَةٍ: إِذَا هُوَ عَلَى فَرَسِهِ يَرْكُضُهُ إِذْ سَمِعَ صَوْتًا مِنْ فَوْقِهِ: يَا إِبْرَاهِيمُ مَا هَذَا الْعَبَثُ؟ : {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] . اتَّقِ اللَّهَ وَعَلَيْكَ بِالزَّادِ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَنَزَلَ مِنْ دَابَّتِهِ وَرَفَضَ الدُّنْيَا وَأَخَذَ فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شِمَاسٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ , يَقُولُ: كَانَ أَدْهَمُ رَجُلًا صَالِحًا فَوَلَدَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ بِمَكَّةَ فَرَفَعَهُ فِي خِرْقَةٍ وَجَعَلَ يَتَتَبَّعُ بِهِ أُولَئِكَ الْعُبَّادَ وَالزُّهَّادَ وَيَقُولُ: ادْعُوا اللَّهَ لَهُ، فَيَرَى أَنَّهُ قَدِ اسْتُجِيبَ لِبَعْضِهِمْ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ: رَحِمَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ لَقَدْ رَأَيْتُهُ بِخُرَاسَانَ إِذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 966 رَكِبَ حَضَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شَاكِرِينَ، وَلَكِنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ طَلَبَ بَحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ ذِكْرُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْفَسَوِيِّ فِي كِتَابِ الطَّبَقَاتِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكِنْدِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُسْتَمْلِي، حَدَّثَنَا ابْنُ تَمِيمٍ , قَالَ " قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ: مُنْذُ كَمْ أَنْتَ بِالشَّامِ؟ قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَمَا أَتَيْتُهَا لِرِبَاطٍ، يَعْنِي الْغَزْوَ، قُلْتُ: فَلِمَ، قَالَ: لِأَشْبَعَ مِنْ خُبْزِ الْحَلَالِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 967 قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ بِدِمَشْقَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفُ الْهَرَوِيُّ، إِبْرَاهِيمُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْفُرَجِيُّ مِنْ كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَلَفَ بْنَ تَمِيمٍ , قَالَ: مَا رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ إِلَّا ذَكَرْتُ اللَّهَ وَرَقّ قَلْبِي. قَالَ وَأَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّرَّابُ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَرْوَانَ الْمَالِكِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ الْمَرْعِشِيُّ: قَدِمَ شَقِيقٌ الْبَلْخِيُّ مَكَّةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ بِمَكَّةَ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ فَقَالُوا: نَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، فَجَمَعُوا بَيْنَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ لِشَقِيقٍ: يَا شَقِيقُ عَلَى مَاذَا أَصَّلْتُمْ أُصُولَكُمْ؟ فَقَالَ شَقِيقٌ: أَصَّلْنَا أُصُولَنَا أَنَّا إِذَا رُزِقْنَا أَكَلْنَا، وَإِذَا مُنِعْنَا صَبَرْنَا، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: هَكَذَا كِلَابُ بَلْخٍ. إِذَا رُزِقَتْ أَكَلَتْ وَإِذَا مُنِعَتْ صَبَرَتْ. فَقَالَ شَقِيقٌ: فَعَلَى مَاذَا أَصَّلْتُمْ أُصُولَكُمْ يَا أَبَا إِسْحَاقَ؟ قَالَ: أَصَّلْنَا أُصُولَنَا عَلَى أَنَّا إِذَا رُزِقْنَا آثَرْنَا، وَإِذَا مُنِعْنَا حَمِدْنَا وَشَكَرْنَا. فَقَامَ شَقِيقٌ وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ أَنْتَ أُسْتَاذُنَا. قَالَ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَرْوَانَ الْمَالِكِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا بَقْيَةُ , قَالَ " كُنَّا مَعَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ فِي الْبَحْرِ فَلَعبَتْ بِهِمُ الرِّيحُ وَهَاجَتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 968 الْأَمْوَاجُ وَاضَّطَرَبَتِ السَّفِينَةُ وَبَكَى النَّاسُ فَقُلْنَا لِإِبْرَاهِيمَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، مَا تَرَى مَا النَّاسُ فِيهِ؟ قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَقَدْ أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى الْهَلَكَةِ فَقَالَ: يَا حَيُّ حِينَ لَا حَيَّ، وَيَا حَيُّ قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ، وَيَا حَيُّ بَعْدَ كُلِّ حَيٍّ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا مُحْسِنُ يَا مُجْمِلُ، قَدْ أَرَيْتَنَا قُدْرَتَكَ فَأَرِنَا عَفْوَكَ، قَالَ: فَهَدَأَتِ السَّفِينَةُ مِنْ سَاعَتِهِ ". قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَامِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الدَّغُولِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى الْأِنْطَاكِيُّ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، قَالَ " خَرَجَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَمَرَّ بِمَسْلَحَةٍ فَقَالُوا: عَبْدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: آبِقٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَذَهَبُوا بِهِ فَحَبَسُوهُ فِي السِّجْنِ بِطَبَرِيَّةَ، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُ عَبْدًا لَهُ آبِقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ فِي مَسْلَحَةَ كَذَا قَدْ أَصَابُوا غُلَامًا آبِقًا وَهُوَ فِي السِّجْنِ بِطَبَرِيَّةَ، قَالَ: فَذَهَبَ إِلَى السِّجْنِ فَإِذَا هُوَ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا تَصْنَعُ هَاهُنَا؟ قَالَ: أَنَا هَاهُنَا، مَا أَحْسَنَ مَكَانِي، قَالَ: فَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَخْبَرَهُمْ، فَجَاءَ النَّاسُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عُنُقًا وَاحِدًا إِلَى أَمِيرِ طَبَرِيَّةَ، فَقَالُوا: إِبْرَاهِيمُ مَا يَصْنَعُ فِي حَبْسِكَ؟ قَالَ: مَا حَبَسْتُهُ، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ: لِمَ حُبِسْتَ؟ فَقَالَ: مَرَرْتُ بِمَسْلَحَةٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 969 فَقَالُوا: عَبْدٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالُوا: آبِقٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَأَنَا آبِقٌ مِنْ ذُنُوبِي قَالَ: فَخَلَّا سَبِيلَهَ ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ النَّحْوِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمَيْمُونِ بْنِ مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ , قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: مَنْ أَرَادَ الرَّاحَةَ فَلْيُخْرِجِ الْخَلْقَ مِنْ قَلْبِهِ حَتَّى يَسْتَرِيحَ. فَصْلٌ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنِ بُنْدَارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُرَيْكٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ: " قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ: أَوْصِنِي، قَالَ: اتَّخِذِ اللَّهَ صَاحِبًا، وَذَرِ النَّاسَ جَانِبًا قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ , يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ غَالِبِ بْنَ تَمَّامٍ , يَقُولُ: كَتَبَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ , إِلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: " مَنْ عَرَفَ مَا يُطْلَبُ، هَانَ عَلَيْهِ مَا يُبْذَلُ، مَنْ أَطْلَقَ بَصَرَهُ طَالَ أَسَفُهُ، وَمَنْ طَالَ أَمَلُهُ سَاءَ عَمَلُهُ، وَمَنْ أَطْلَقَ لِسَانَهُ قَتَلَ نَفْسَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 970 قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ حَامِدٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَضْرَوِيهِ , يَقُولُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ لِرَجُلٍ فِي الطَّوَافِ: " اعْلَمْ أَنَّكَ لَا تَنَالُ دَرَجَةَ الصَّالِحِينَ حَتَّى تَجُوزَ سَتَّ عَقَبَاتٍ أَوَّلُهُ: تُغْلِقُ بَابَ النِّعْمَةِ، وَتَفْتَحُ بَابَ الشِّدَّةِ، وَالثَّانِي: تُغْلِقُ بَابَ الْعِزِّ , وَتَفْتَحُ بَابَ الذُّلِّ، وَالثَّالِثُ تُغْلِقُ بَابَ الرَّاحَةِ , وَتَفْتَحُ بَابَ الْجَهْدِ، وَالرَّابِعُ تُغْلِقُ بَابَ النَّوْمِ , وَتَفْتَحُ بَابَ السَّهَرِ، وَالْخَامِسُ: تُغْلِقُ بَابَ الْغِنَى , وَتَفْتَحُ بَابَ الْفَقْرِ، وَالسَّادِسُ: تُغْلِقُ بَابَ الْأَمَلِ , وَتَفْتَحُ بَابَ الِاسْتِعْدَادِ لِلْمَوْتِ ". وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَصْلٌ قَالَ بِشْرُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَاضِي الْمِصِّيصَةَ , قَالَ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ كَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ، لَوْ نَفَخَتْهُ الرِّيحُ لَوَقَعَ، قَدِ اسْوَدَّ، مُتَدَرِّعٌ بِعَبَاءَةٍ، فَإِذَا خَلَا بِأَصْحَابِهِ فَمِنْ أَبْسَطِ النَّاسِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ يَتَمَثَّلُ بِهَذَا الْبَيْتِ: لَلُقْمَةٌ بِجَرِيشِ الْمِلْحَ آكُلُهَا أَلَذُّ مِنْ تَمْرَةٍ تُحْشَى بِزُنْبُورِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 971 وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: تَوَقَّ لِمَحْظُورٍ صُدُورَ الْمَجَالِسِ فَإِنَّ عُضَالَ الدَّاءِ حُبُّ الْقَلَانِسِ وَقَالَ يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ أَمِيرِ الْمُؤمْنِيِنَ , فَقَالَ: كَيْفَ شَأْنُكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: نُرَقِّعُ دُنْيَانَا بِتَمْزِيقِ دِينِنَا فَلَا دِينُنَا يَبْقَى وَلَا مَا نُرَقِّعُ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ مِنْ أَهْلِ بَلْخٍ، خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ وَصَحِبَ بِهَا سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ , وَالْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ، وَدَخَلَ الشَّامَ فَكَانَ يَأْكُلُ فِيهَا مِنْ كَسْبِ يَدِهِ، مَاتَ بِالشَّامِ. قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: رَأَيْتُ قَبْرَهُ بِصُورٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 972 قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: صَلَّى إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ خَمْسَ عَشْرَةَ صَلَاةً بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: كَثْرَةُ النَّظَرِ إِلَى الْبَاطِلِ يَذْهِبُ بِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِنَ الْقَلْبِ. وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ إِذَا قِيلَ لَهُ: كَيْفَ أَنْتَ؟ قَالَ: بِخَيْرٍ، مَا لَمْ يَحْمِلْ مُؤْنَتِي غَيْرِي. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: كُنَّا إِذَا سَمِعْنَا الشَّابَّ يَتَكَلَّمُ فِي الْمَجْلِسِ أَيِسْنَا مِنْ خَيْرِهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: لَقِيتُ عَابِدًا مِنَ الْعِبَادِ، قِيلَ: إِنَّهُ لَا يَنَامُ اللَّيْلَ، قُلْتُ لَهُ: لِمَ لَا تَنَامُ؟ قَالَ: مَنَعَتْنِي عَجَائِبُ الْقُرْآنِ أَنْ أَنَامَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: مَا صَدَقَ اللَّهَ عَبْدٌ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: نِعْمَ الْقَوْلُ السُّؤَالُ يَحْمِلُونَ زَادَنَا إِلَى الْآخِرَةِ، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ إِلَى بَابِ أَحَدِكُمْ فَيَقُولُ: هَلْ تُوَجِّهُونَ بِشَيْءٍ؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 973 ذِكْرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ شَامِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: لَمَّا حَضَرَ أَبِي الْوَفَاةَ جَمَعَ بَنِيهِ , وَقَالَ: يَا بَنِيَّ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَتَعَاهَدُوهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ أَحَدُكُمْ قَتِيلًا ثُمَّ سُئِلَ عَنْهُ أَقَرَّ بِهِ، وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ كِذْبَةً مُنْذُ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ، يَا بَنِيَّ عَلَيْكُمْ بِسَلَامَةِ الصُّدُورِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لَأَخْرُجُ مِنْ بَابِي وَمَا أَلْقَى مُسْلِمًا إِلَّا وَالَّذِي فِي نَفْسِي لَهُ كَالَّذِي فِي نَفْسِي لِنَفْسِي، أَفَتَرَوْنَ أَنِّي أُحِبُّ لِنَفْسِي إِلَّا خَيْرًا. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: بَعَثَ إِلَيَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ , فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ عَلِّمْ وَلَدِي وَإِنِّي مُعْطِيكَ، قُلْتُ: وَكَيْفَ؟ وَقَدْ حَدَّثَتْنِي أُمُّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا، فَأَهْدَى لَهُ قَوْسًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَلِّدَكَ اللَّهُ قَوْسًا مِنْ نَارٍ فَخُذْهَا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 974 وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ , أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَقْرَأَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَرَأَى عِنْدَهُ قَوْسًا فَقَالَ: بِعْنِهَا، فَقَالَ لَا، بَلْ هِيَ لَكَ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَتَقَلَّدَ سَيْفًا مِنْ نَارٍ، فَخُذْهَا» ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَسْتُ أُعْطِيكَ عَلَى الْقُرْآنِ إِنَّمَا أُعْطِيكَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: كَانَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُعَاتَبُ فِي كَثْرَةِ الْبُكَاءِ فَقَالَ: ذَرُونِي أَبْكِي قَبْلَ يَوْمِ الْبُكَاءِ، قَبْلَ تَحْرِيقِ الْعِظَامِ وَاشْتِعَالِ اللِّحَى، قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِي: {مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 975 ذِكْرُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَبِي إِسْحَاقَ مَوْلِدُهُ بِوَاسِطَ، كَانَ مِنَ الْعُبَّادِ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ أَوْ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ هَارُونُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لِأَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ: أَيُّهَا الشَّيْخُ، هَلْ لَكَ بِمَوْضِعٍ مِنَ الْعَرَبِ؟ قَالَ: إِنَّ ذَاكَ لَا يُغْنِي عَنِّي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ اللَّهُ شَيْئًا. وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ وَبِجَانِبِهِ فُرْجَةٌ، فَذَهَبْتُ لَأَجْلِسَ فَقَالَ: هَذَا مَجْلِسُ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ , فَقُلْتُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 976 لِأَبِي أُسَامَةَ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَالَ: كَانَ فُضَيْلُ رَجُلَ نَفْسِهِ، وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ رَجُلَ عَامَّةٍ. وَقِيلَ: لَمَّا مَاتَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ بَكَى عَطَاءٌ , وَقَالَ: مَا دَخَلَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ مَوْتِ أَحَدٍ مَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَوْتِ أَبِي إِسْحَاقَ. لَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ بِالشَّامِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ , فَقَالَ: أَرُونِي قَبْرَهُ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَيْهِ فَقَالَ: ادْفِنُونِي إِلَى جَنْبِهِ. وَحَدَّثَ الْأَوْزَاعِيُّ بِحَدِيثٍ فقَالَ رَجُلٌ: مَنْ حَدَّثَكَ يَا أَبَا عَمْرٍو؟ قَالَ: إِبْرَاهِيمُ بِهِ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ الْأَوْزَاعِيُّ , وَالْفَزَارِيُّ , إِمَامَيْنِ فِي السُّنَّةِ، إِذَا رَأَيْتَ الشَّامِيَّ , يَذْكُرُ الْأَوْزَاعِيَّ , وَالْفَزَارِيَّ , فَاطْمَئِنَّ إِلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 977 ذِكْرُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْمُونٍ الصَّايِغِ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، وَكَانَ فَاضِلًا مِنَ الْأَمَّارِينَ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَتَلَهُ أَبُو مُسْلِمٍ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ رَحِمَهُ اللَّهُ. ذِكْرُ أَرْطَأَةَ بْنِ الْمُنْذِرِ السُّكُونِيِّ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، كُنْيَتُهُ أَبُو عَدِيٍّ، يَرْوِي عَنْ عَطَاءٍ ونَافعِ، روى عنه أهل الشام، مات سنة ثنتين وستين ومائة. قال يوسف بن سعيد سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ , يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْبَدَ وَلَا أَزْهَدَ وَلَا الْخَوْفُ عَلَيْهِ أَبْيَنُ مِنْهُ علَى أَرْطَأَةَ بْنِ الْمُنْذِرِ، مَا دَخَلْتُ عَلَيْهِ إِلَّا وَرَأَيْتُ يَدَيْهِ هَكَذَا عَلَى رَأْسِهِ، وَوَضَعَ يُوسُفُ يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 978 ذِكْرُ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، يَرْوِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ قَالَ إِسْرَائِيلُ: كُنْتُ أَحْفَظُ حَدِيثَ يُونُسَ بْنَ إِسْحَاقَ كَمَا أَحْفَظُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 979 ذِكْرُ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحَمْرَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ , يَرْوِي عَنِ الْحَسَنِ، وَكَانَ حَافِظًا عَابِدًا. قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ: مَا رَأَيْتُ يُحَدِّثُ عَنِ الْحَسَنِ أَثْبَتُ مِنْ أَشْعَثَ الْحَمْرَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. بَابُ الْبَاءِ ذِكْرُ بَكْرِ بْنِ مَاعِزٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ كُوفِيٌّ، وَكَانَ مِنَ الْعِبَادِ، يَرْوِي عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خَثْيَمٍ، رَوَى عَنْهُ نُسَيْرُ بْنُ ذُعْلُوقٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 980 ذِكْرُ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، يَرْوِي عَنْ أَبِي حَازِمٍ , وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ، كَانَ عَابِدًا، مَاتَ يَوْمَ عَرَفَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ، وَدُفِنَ يَوْمَ عَرَفَةَ. ذِكْرُ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، كَانَ مِنَ الزُّهَّادِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 981 ذِكْرُ بِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ السُّلَيْمِيِّ بَصْرِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَتَيْنَا بِشْرَ بْنَ مَنْصُورٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَكَأَنَّهُ مُتَغَيِّرٌ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَعَلَّنَا شَغَلْنَاكَ عَنْ شَيْءٍ فَرَدَّ رَدًّا ضَعِيفًا، ثُمَّ قَالَ: مَا أَكْتُمُكُمْ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، كُنْتُ أَقْرَأُ الْمُصْحَفَ فَشَغَلْتُمُونِي، ثُمَّ قَالَ: مَا أَكَادُ أَلْقَى أَحَدًا فَأُرْبِحَ عَلَيْهِ شَيْئًا أَوْ نَحْوَ هَذَا. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ , يَقُولُ لِي: اجْعَلِ الْعِلْمَ فَضْلًا فِي السَّاعَاتِ الَّتِي لَا تَشْتَغِلُ فِيهَا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَاعَدْتُ بِشْرَ بْنَ مَنُصورٍ أَنَا , وَأَبُو الْخَصِيبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ , وبشر بن السري , في أَنْ نَأْتِيَهُ، فَلَمَّا أَتَيْنَاهُ قَالَ: اسْتَخَرْتُ اللَّهَ فِي مَجِيئِكُمْ إِلَيَّ، فَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى قَلْبِي أَنْ لَا تَجِيئُوا. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَأَتَانِي مَرَّةً فِي حَاجَةٍ فَقُلْتُ لَهُ: أَلَا بَعَثْتَ إِلَيَّ حَتَّى آتِيَكَ؟ قَالَ: لَا، الْحَاجَةُ لِي. قَالَ: وَعَرَضْتَ عَلَيْهِ دَابَّةً يَرْكَبُهَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أُعَوِّدَ نَفْسِي هَذِهِ الْعَادَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 982 قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَبَنَى عِيسَى بْنُ جَعْفَرٍ بِرْكَةً , فَكَانَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا وَيَبْعَثُ جَارِيَةً لَهُ إِلَى النَّهْرِ فَتَجِيئُهُ بَجَرَّةٍ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ غَنِيًّا كُنْتُ أُرْسِلُ مَنْ يَسْتَقِي لِي عَلَى حِمَارٍ. ثُمَّ تَدَارَكَ كَلِمَتَهُ، فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، إِنِّي لبخير إِنِّي لبخير، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِي مِنْ رَجُلٍ بَنَى كُوَيْخًا فِي غَيْرِ حَقِّهِ. وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نَصْرٍ: رُبَّمَا قَبَضَ بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ عَلَى لِحْيَتِهِ وَيَقُولُ: أَطْلُبُ الرِّيَاسَةَ بَعْدَ سَبْعِينَ سَنَةً. وَقَالَ غَسَّانُ بْنُ الْمِفْضَلِ: كَانَ بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنَ الَّذِينَ إِذَا رَوَوْا ذِكْرَ اللَّهِ، إِذَا رَأَيْتَ وَجْهَهُ ذَكَرْتَ الْآخِرَةَ، رَجُلٌ مُنْبَسِطٌ لَيْسَ بِمُتَمَاوِتٍ ذَكِيٌّ فَقِيهٌ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّامِيُّ قَالَ فُلَانٌ: حَجَّ الْعَامَ بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، إِنِّي أَرَى سَيُغْفَرُ لِأَهْلِ الْمَوْسِمِ. قَالَ غَسَّانُ: وَكَانَ بِشْرُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ عَلَّمَ بَنِيهِ عَمَلَ الْخُوصِ. وَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ابْنُ أَخِيهِ،: مَا رَأَيْتُ عَمِّي بِشْرَ بْنَ مَنْصُورٍ فَاتَتْهُ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُهُ قَامَ فِي مَسْجِدِنَا سَائلٌ قَطُّ، فَلَمْ يُعْطَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 983 شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، وَأَوْصَانِي فِي كُتُبِهِ أَنْ أَغْسِلَهَا وَأَدْفِنَهَا. وَقَالَ سُفْيَانُ الْعُصْفُرِيُّ , لِبِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ: أَنَّ لَكَ مِائَةَ أَلْفٍ، قَالَ: لَأَنْ تَنْدُرَانِ، وَأَشَارَ إِلَى عَيْنَيْهِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَقْلِلِ مِنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا يَكُونُ، فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ، يَعْنِي فَضِيحَةً فِي الْقِيَامَةِ، كَانَ مَنْ يَعْرِفُكَ قَلِيلًا. وَكَانَ بِشْرٌ يُصَلِّي يَوْمًا فَأَطَالَ الصَّلَاةَ، وَرَجُلٌ وَرَاءَهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَفَطِنَ لَهُ بِشْرٌ فَلَمَّا انْصَرَفَ بِشْرٌ قَالَ لِلرَّجُلِ لَا يُعْجِبَنَّكَ مَا رَأَيْتَ مِنِّي فَإِنَّ إِبْلِيسَ قَدْ عَبْدَ اللَّهَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ كَذَا كَذَا. فَصْلٌ رَوَى أَبُو الشَّيْخِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ الْحَذَّاءُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي زُهَيْرُ السِّجِسْتَانِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ مَنْصُورٍ , يَقُولُ: «مَا جَلَسْتُ إِلَى أَحَدٍ وَلَا جَلَسَ إِلَيَّ أَحَدٌ فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ قَامَ مِنْ عِنْدِي إِلَّا عَلِمْتُ أَنِّي لَوْ لَمْ أَقْعُدْ إِلَيْهِ أَوْ يَقْعُدْ إِلَيَّ كَانَ خَيْرًا لِي» . قَالَ وَحَدَّثَنَا الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ , قَالَ: كُنَّا عِنْدَ بِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ فَحَدَّثَنَا، فَقَالَ «لَقَدْ فَاتَنِي مُنْذُ كُنْتُ مَعَكُمْ خَيْرٌ كَثِيرٌ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 984 بَابُ الثَّاءِ ذِكْرُ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَامِيٌّ قَالَ ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ: مِنْ كَلَامِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَنْ عَلِمَ وَعَمِلَ يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاءِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: كَانَ قَلْبُ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. وَقَالَ ثَوْرٌ: قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ قَلْبَ الْمُحِبِّ لِلَّهِ يُحِبُّ النَّصَبَ لِلَّهِ. وَقَالَ: مَكْتُوبٌ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَبْلُغَ عِلْمَ الْيَقِينِ فَأَحِبَّ فِي كُلِّ حِينٍ أَنْ تَغْلِبَ شَهَوَاتُ الدُّنْيَا. وَقَالَ قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ بَيْنَ النَّاسِ إِذَا تَفَاسَدُوا أُولَئِكَ خَصَائِصُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ. وَقَالَ ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْأَسَدَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا مَنْ أَتَى مُحَرَّمًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 985 وَقَالَ وَمَكْتُوبٌ فِي الْإِنْجِيلِ: الْحَجَرُ فِي الْبُنْيَانِ مِنْ غَيْرِ حِلٍّ عُرْبُونُ خَرَابِهِ. وَقَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَلَوَّطَ لَمْ يَتَطَهَّرْ وَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءُ الْبَحْرُ كُلِّهِ. وَقَالَ ثَوْرٌ: فِي بَعْضِ الْكُتُبِ بُكَاءُ الْمُؤْمِنِ مِنْ قَلْبِهِ وَبُكَاءُ الْمُنَافِقِ مِنْ عَيْنَيْهِ. بَابُ الْجِيمِ ذِكْرُ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضَّبْعِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بَصْرِيٌّ، صَحِبَ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ، وَثَابِتًا الْبُنَانِيَّ، وَأَبَا عِمْرَانَ الْجَوَنِيَّ , وَأَبَا التَّيَّاحِ , وَفَرْقَدًا السَّبَخِيَّ، وَشُمَيْطُ بْنُ عَجْلَانَ. قَالَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ , يَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ عُقُوبَاتٍ فِي الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ، ضَنْكٌ فِي الْمَعِيشَةِ، وَوَهَنٌ فِي الْعِبَادَةِ، وَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 986 ضُرِبَ الْعَبْدُ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ فِي قَلْبِي قَسْوَةً نَظَرْتُ إِلَى وَجْهِ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، وَكَانَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ وَجْهُ ثَكْلَى. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: كُنَّا نَأْتِي فَرْقَدَ السَّبَخِيَّ وَنَحْنُ شُبَبَةٌ فَيُعَلِّمُنَا فَيَقُولُ: إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ زَمَانًا شَدِيدًا، شُدُّوا الْأُزُرَ عَلَى أَنْصَافِ الْبُطُونِ، وَصَّغِّرُوا اللُّقَمَ، وَشُدُّوا الْمَضْغَ، وَمُصُّوا الْمَاءَ، فَإِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَحُلَّنَّ إِزَارَهُ فَتَتَّسِعَ أَمْعَاؤُهُ وَإِذَا جَلَسَ لِيَأْكُلَ فَلْيَقْعُدْ عَلَى إِلْيَتِهِ وَلْيُلْزِقَنَّ فَخْذَيْهِ بِبَطْنِهِ، وَإِذَا فَرَغَ فَلَا يَقْعُدْ وَلْيَجِئْ وَلْيَذْهَبْ وَاخْتَفُّوا فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ زَمَانًا شَدِيدًا. قَالَ: وَدَخَلْتُ عَلَى فَرْقَدٍ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ خَلٌّ حَامِضٌ وَهُوَ يَقُولُ بِاللُّقْمَةِ فِي جَوْفِهِ ثُمَّ يَأْكُلُ فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ تَفْعَلُ هَذَا يَا أَبَا يَعْقُوبَ؟ قَالَ: لِيَقْطَعَ عَنِّي النِّكَاحَ. وقَالَ جَعْفَرٌ: لَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَتَقَرَّى عِشْرِينَ سَنَةً مَا يَعْلَمُ بِهِ جِيرَانُهُ. وَقَالَ جَعْفَرٌ: أَخَذَ بِيَدِي حَوْشَبٌ يَوْمًا فَقَالَ: يُوشِكُ إِنْ بَقِيتَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ أَنْ لَا تَلْقَى مُؤْنِسًا، وَيُوشِكُ إِنْ بَقِيتَ أَلَّا تَرَى مُرْشِدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 987 وَقَالَ جَعْفَرٌ سَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ الْجَوْنِيَّ , يَقُولُ: وَعَظَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ قَوْمَهُ فَشَقَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَمِيصَهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى قُلْ لِصَاحِبِ الْقَمِيصِ لَا يَشُقُّ قَمِيصَهُ لِيَشْرَحَ لِي عَنْ قَلْبِهِ. بَابُ الْحَاءِ ذِكْرُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بَصْرِيٌّ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ لَوْ قِيلَ لِحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ إِنَّكَ تَمُوتُ غَدًا، مَا قَدَرَ أَنْ يَزِيدَ فِي الْعَمَلِ شَيْئًا. وَقَالَ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ: قَدْ رَأَيْتُ مَنْ هُوَ أَعْبَدُ مِنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَلَكِنْ مَا رَأَيْتُ أَشَدَّ مُوَاظَبَةً عَلَى الْخَيْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْعَمَلِ لِلَّهِ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 988 حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ لَوْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي مَا رَأَيْتُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ ضَاحِكًا قَطُّ صَدَقْتُكُمْ، كَانَ مَشْغُولًا بِنَفْسِهِ، إِمَّا أَنْ يُحَدِّثَ وَإِمَّا أَنْ يَقْرَأَ وَإِمَّا أَنْ يُسَبِّحَ وَإِمَّا أَنْ يُصَلِّيَ، وَكَانَ قَدْ قَسَّمَ النَّهَارَ عَلَى هَذِهِ الْأَعْمَالِ. وَقَالَ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ: مَاتَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ يُصَلِّي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 989 فَصْلٌ ذِكْرُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ حَيَّانٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الثَّلْجِ، حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: كَانَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ يَبِيعُ الْخَمْرَ وَكَانَ يَغْدُو إِلَى السُّوقِ، فَإِذَا كَسَبَ حَبَّةٌ أَوْ حَبَّتَيْنِ شَدَّ سَفَطَهُ وَأَغْلَقَ حَانُوتَهُ وَانْصَرَفَ. رَوَى أَبُو مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ رُسْتَهْ، قَالَ: سَمِعْتُ حَاتِمَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: كَانَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ يَدْخُلُ السُّوقَ فَيَرْبَحُ دَانِقَيْنِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَيَرْجِعَ، فَإِذَا رِبَحٌ لَوْ عُرِضَ لَهُ دِينَارَانِ مَا عَرَضَ لَهُمَا. وَرُوِيَ أَيْضًا، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّاجِرُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا، يَقُولُ: عَادَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , سَفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، فَقَالَ سُفْيَانُ: يَا أَبَا سَلَمَةَ أَتَرَى أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِمِثْلِي؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 990 فَقَالَ حَمَّادٌ: وَاللَّهِ لَوْ خُيِّرْتَ بَيْنَ مُحَاسَبَةِ اللَّهِ إِيَّايَ وَبَيْنَ مُحَاسَبَةِ أَبَوَيَّ لَاخْتَرْتُ مُحَاسَبَةَ اللَّهِ عَلَى مُحَاسَبَةِ أَبَوَيَّ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَرْحَمُ بِي مِنْ أَبَوَيَّ. فَصْلٌ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ: كَانَ رَجُلٌ يَسْمَعُ مَعَنَا عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَرَكِبَ إِلَى الصِّينِ فَلمَّا رَجَعَ أَهْدَى إِلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ هَدِيَّةً، فَقَالَ حَمَّادٌ: إِنِّي إِنْ قَبِلْتُهَا لَمْ أُحَدِّثْكَ بِحَدِيثٍ، وَإِنْ لَمْ أَقْبَلْهَا حَدَّثْتُكَ، قَالَ: لَا تَقْبَلْهَا وَحَدِّثْنِي. وَقَالَ أَبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ: رُئِيَ حَمَّادُ بْنُ يَزِيدَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي، قَالَ: فَمَا فَعَلَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ؟ قَالَ: هَيْهَاتَ ذَاكَ فِي أَعَلَى عِلِّيِّينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 991 ذِكْرُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَصْرِيٌّ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: لَئِنْ قُلْتَ إِنَّ عَلِيًّا أَفْضَلُ مِنْ عُثْمَانَ، لَقَدْ قُلْتُ: إِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَانُوا. وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ يَوْمَ مَاتَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: مَاتَ الْيَوْمَ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: مَنْ أَدْرَكْتُ مِنَ النَّاسِ كَانَتِ الْأَئِمَّةُ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ: مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، وَذَكَرَ الرَّابِعَ إِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 992 لَمْ يَكُنْ قَالَ: ابْنُ الْمُبَارَكِ، فَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ. وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ: مَاتَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ يَوْمَ مَاتَ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ نَظِيرًا فِي هَيْئَتِهِ وَدَلِّهِ، أَظُنُّهُ قَالَ: وَسَمْتِهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: أَيُّهَا الطَّالِبُ عِلْمًا ... إِيتِ حَمَّادَ بْنَ زَيْدِ فَاطْلُبِ الْعِلْمَ بِحِلْمٍ ... ثُمَّ قَيِّدْهُ بِقَيْدِ لَا كَثَوْرٍ وَكَجَهْمٍ ... وَكَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 993 وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَذَكَرَ الْجَهْمِيَّةَ , فَقَالَ: إِنَّمَا يُحَاوِلُونَ أَنْ يَقُولُوا: لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ: كَانَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ مِنْ عُقَلَاءِ النَّاسِ وَذَوِي الْأَلْبَابِ. ذِكْرُ حَبِيبِ بْنِ عِيسَى الْعَجَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْيَتُهُ أَبُو مُسْلِمٍ أَصْلُهُ مِنْ فَارِسٍ، سَكَنَ الْبَصْرَةَ، وَكَانَ عَابِدًا تَقِيًّا مُجَابَ الدَّعْوَةِ. قَالَ السُّرِّيُّ بْنُ يَحْيَى: كَانَ حَبِيبٌ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرَى بِالْبَصْرَةِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ , وَيُرَى بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ. وَقَالَ حَبِيبٌ: كُنْتُ إِذَا صُمْتُ أَفْطَرْتُ عَلَى بُسَيْرٍ، وَكَانَ أَهْلِي قَدْ عَرَفُوا ذَلِكَ مِنِّي، فَكَانُوا يُهَيِّئُونَهُ لِي، فَانْصَرَفْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَأَنَا صَائِمٌ فَطَلَبْتُهُ فَلَمْ أَجِدْهُ , فَوَقَعَ فِي نَفْسِي، فَأَتَانِي آتٍ فَنَاوَلَنِي بُسْرَةً فَقَالَ: هَذَا بُسْرٌ. فَأَكَلْتُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 994 ذِكْرُ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيِّ الْهَمْدَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَكَانَ مِنَ الْمُتَقَشِّفَةِ الْخُشَّنِ , تَجَرَّدَ لِلْعِبَادَةِ وَتَرَكَ الرِّيَاسَةَ وَكَانَ فَقِيهًا، وَكَانَ لَهُ أَخٌ يُقَالَ لَهُ عَلِيٌّ، وَكَانَ أَسَنَّ مِنْهُ، وَكَانَ يَفْضُلُ عَلَيْهِ، وَكَانُوا يَتَعَاوَنُونَ عَلَى الْعِبَادَةِ بِاللَّيْلِ وَلَا يَنَامُونَ، وَبِالنَّهَارِ لَا يَفْتُرُونَ هُوَ وَأَخُوهُ عَلَيٌّ وَأُمُّهُمَا، فلما مات علي قام الحسن عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنْهُمَا، وَكَانَ يُقَالَ لِلْحَسَنِ: حَيَّةُ الْوَادِي حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، لَا يَنَامُ بِاللَّيْلِ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنِّي لَأَسْتَحِيي مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ أَنَامَ مَتُكَلِّفًا حَتَّى يَكُونَ النَّوْمُ هُوَ الَّذِي يَصْرَعُنِي، فَإِذَا أَنَا نِمْتُ ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ ثُمَّ عُدْتُ نَائِمًا فَلَا أَرْقَدَ اللَّهُ عَيْنِي، وَكَانَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا، فَيَجِيءُ إِلَيْهِ صَبِيُّهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَيَقُولُ أَنَا جَائِعٌ، فَيُعَلِّلُهُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَذْهَبَ الْخَادِمُ إِلَى السُّوقِ فَيَبِيعَ مَا غَزَلْتُ لِي وَيَشْتَرِي قُطْنًا وَيَشْتَرِي قُطْنًا وَيَشْتَرِي شَيْئًا مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 995 شَعِيرٍ، وَنَطْحَنُهُ وَنَعْجِنُهُ، وَخَيْرُ مَا يَأْكُلُ الصِّبْيَانُ وَالْخَادِمُ وَتَرْفَعُ لَهُ وَلِأَهْلِهِ لِإِفْطَارِهِمْ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ. فَصْلٌ جَاءَ الْفُضَيْلُ بْنُ رَوْقٍ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ فَذَكَرَ لَهُ الْحَاجَةَ مِنَ اللَّيْلِ قُلْ لَهُمُ الْخَمْسَةُ الدَّرَاهِمَ الَّتِي فِي الْبَيْتِ ادْفَعُوهَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا مَضَى غَيْرَ بَعِيدٍ قَالَ: وَأَنْزَلَ لَهُمْ دِرْهَمًا فَإِنَّا لَمْ نَتْرُكْ لَهُمْ شَيْئًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ذِكْرُ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: قَدِمَ حُمَيْدٌ الرُّؤَاسِيُّ مِنْ سَفَرٍ فَرَأَى أُمَّهُ تُصَلِّي، فَلَمَّا رَآهَا قَائِمَةً تُصَلِّي قَامَ، فَلَمَّا فَطِنَتْ طَوَّلْتُ الصَّلَاةَ لِيُؤْجَرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 996 ذِكْرُ الْحَجَّاجِ بْنِ فُرَافِصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: بِتُّ عِنْدَ الْحَجَّاجِ بْنِ فُرَافِصَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَلَمْ أَرَهُ أَكَلَ وَلَا شَرِبَ وَلَا نَامَ. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: كَانَ الْحَجَّاجُ بْنُ فُرَافِصَةَ يَمُرُّ بِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَشْرَبُ فِيهِ مَاءً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ذِكْرُ حُذَيْفَةَ بْنِ قَتَادَةَ الْمَرْعِشِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَامِيٌّ لَوْ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ لِي: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، يَا حُذَيْفَةُ مَا عَمَلُكَ عَمَلُ مَنْ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ لَقُلْتُ لَهُ: يَا هَذَا لَا تُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ فَإِنَّكَ لَا تَحْنَثُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 997 وَقَالَ حُذَيْفَةُ لَوْ أَصَبْتُ مَنْ يَبْغَضُنِي عَلَى حَقِيقَةٍ فِي اللَّهِ لَأَوْجَبْتُ عَلَى نَفْسِي حُبَّهُ. وَقَالَ: إِنْ لَمْ تَخْشَ أَنْ يُعَذِّبَكَ اللَّهُ عَلَى أَفْضَلِ عَمَلِكَ فَأَنْتَ هَالِكٌ. وَقَالَ لَوْ نَزَلَ عَلَيَّ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُخْبِرُنِي أَنِّي لَا أَرَى النَّارَ بَعَيْنَيَّ وَأَنِّي أَصِيرُ إِلَى الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ أَقِفَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي تَعَالَى يُسَائِلُنِي ثُمَّ أَصِيرُ إِلَى الْجَنَّةِ، لَقُلْتُ لَا وَلَا أَقِفُ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ. وَقَالَ: أُرِيدُ الْجَنَّةَ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَآثَرَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ فَقَدِ اتَّخَذَ الْقُرْآنَ هُزُوًا، وَمَنْ كَانَتِ النَّوَافِلُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ تَرْكِ الذَّنْبِ، لَمْ آمَنْ أَنْ يَكُونَ مَخْدُوعًا، وَالْحَسَنَاتُ أَضَرُّ عَلَيْنَا مِنَ السَّيِّئَاتِ. وَقَالَ حُذَيْفَةُ: مَا أُصِيبَ أَحَدٌ بِمُصِيبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسَاوَةِ الْقَلْبِ. وَقَالَ ابْنُ خُبَيْقٍ قَالَ لِي حُذَيْفَةُ: إِنَّكَ رُبَّمَا أَصَبْتَ الْحِكْمَةَ فَوْقَ مَزْبَلَةٍ فَإِذَا أَصَبْتَهَا فَخُذْهَا، فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: صَدَقَ , نَحْنُ مَزَابِلُ، وَهُوَ ذَا عِنْدَنَا حِكْمَةٌ. وَقَالَ حُذَيْفَةُ: قِيلَ لِرَجُلٍ كَيْفَ تَصْنَعُ فِي شَهْوَتِكَ؟ فَقَالَ: مَا فِي الْأَرْضِ نَفْسٌ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْهَا، فَكَيْفَ أُعْطِيهَا شَهْوَتَهَا. وَقَالَ مُوسَى بْنُ الْمُعَلَّى قَالَ لِي حُذَيْفَةُ: يَا مُوسَى ثَلَاثُ خِصَالٍ إِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 998 كُنَّ فِيكَ لَمْ يَنْزِلْ مِنَ السَّمَاءِ خَيْرٌ إِلَّا كَانَ لَكَ فِيهِ نَصِيبٌ: يَكُونُ عَمَلُكَ لِلَّهِ، وَتُحِبُّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَهَذِهِ الْكِسْرَةُ تَحَرَّ فِيهَا مَا قَدَرْتَ. وَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَأَنْ أَدَعَ كِذْبَةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحُجَّ حَجَّةً. وَقَالَ حُذَيْفَةُ: إِيَّاكُمْ وَهَدَايَا الْفُجَّارِ وَالسُّفَهَاءِ، فَإِنَّكُمْ إِنْ قَبِلْتُمُوهَا ظَنُّوا أَنَّكُمْ قَدْ رَضِيتُمْ فِعْلَهُمْ. وَقَالَ رَجُلٌ: أَتَيْنَا عَلَى ابْنِ بَكَّارٍ , فَقُلْنَا: حُذَيْفَةُ الْمَرْعِشِيُّ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ فَقَالَ: وَعَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ، إِنِّي لَأَعْرِفُهُ يَأْكُلُ الْحَلَالَ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَلَأَنْ أَلْقَى السُّلْطَانَ عَيَانًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَاهُ، قُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ: أَخَافُ أَنْ أَتَصَنَّعَ لَهُ فَأَتَزَّيَنُ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَسْقُطَ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ. وَقَالَ حُذَيْفَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ مُطَرِّفَ بْنَ الشِّخِّيرِ سَمِعَ رَجُلًا يَعْرِفُهُ وَهُوَ يَدْعُوا اللَّهُمَّ اللَّهُمَّ مَرَّتَيْنِ لَا تَرُدَّ الْقَوْمَ مِنْ أَجْلِي فَقَالَ: هَذَا الْعَارِفُ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ قَالَ بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ: خَمْسَةٌ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُمْ قَطُّ: إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ، وَيُوسُفَ بْنُ أَسْبَاطٍ، وَحُذَيْفَةَ بْنَ قَتَادَةَ، وَبَهِيمًا الْعِجْلِيَّ، وَأَبَا يُونُسُ الْقَوِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 999 بَابُ السِّينِ ذِكْرُ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُوفِيٌّ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ لَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا يَطْلُبُ الْحَدِيثَ بِنِيَّةٍ لَأَتَيْتُهُ فِي مَنْزِلِهِ حَتَّى أُحَدِّثَهُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: طَلَبْتُ الْعِلْمَ وَلَمْ تَكُنْ لِي نِيَّةٌ، ثُمَّ رَزَقَنِي اللَّهُ النِّيَّةَ. وَقَالَ: مَا اسْتَوْدَعْتُ قَلْبِي شَيْئًا فَخَانَنِي. وَقَالَ: تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ، فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُ فَاكْظِمُوا عَلَيْهِ وَلَا تَخْلِطُوهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1000 بِضَحِكٍ وَلَا لَعِبٍ فَتَمُجَّهُ الْقُلُوبُ. وَقَالَ سُفْيَانُ: لَيْسَ طَلَبُ الْعِلْمِ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ، إِنَّمَا طَلَبُ الْعِلْمِ الْخَشْيَةُ لِلَّهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ: كَانَ يُقَالَ لَا تَكُنْ حَرِيصًا عَلَى الدُّنْيَا تَكُنْ حَافِظًا. وَقَالَ: إِنِّي لَأَظُنُّ لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَمَّ بِالْكَذِبِ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. وَقَالَ ضَمْرَةُ: نَظَرَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ إِلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مُسْجًى عَلَى السَّرِيرِ، فَقَالَ: يَا سُفْيَانُ لَسْتُ أَغْبِطَكَ الْيَوْمَ بِكَثْرَةِ الْحَدِيثِ إِنَّمَا أَغْبِطُكَ بِعَمَلٍ صَالِحٍ قَدَّمْتَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: لَمَّا مَاتَ سُفْيَانُ أَخْرَجْنَاهُ بِاللَّيْلِ مِنْ أَجْلِ السُّلْطَانِ فَحَمَلْنَاهُ بِاللَّيْلِ، فَمَا أَنْكَرْنَا اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: رَأَيْتُ الثَّوْرِيَّ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ فَنَظَرْتُ إِلَى صَدْرِهِ فَإِذَا فِي صَدْرِهِ مَكْتُوبٌ فِي مَوْضِعَيْنِ: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [البقرة: 137] . وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: لَمَّا أَنْ غَسَّلْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَجَدْتُ فِي جَسَدِهِ مَكْتُوبًا: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [البقرة: 137] . وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: كَانَ رَجُلٌ لَهُ حَظٌّ مِنْ عَقْلٍ. . . سَبَقَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1001 النَّاسُ وَمَضَوْا أَمَامَنَا وَبَقِينَا عَلَى حُمُرٍ دَبِرَةٍ! فَقَالَ الرَّجُلُ لِسُفْيَانَ لَوْ كُنْتَ عَلَى الطَّرِيقِ فَشَأْنُكَ أَصْلَحُ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ الثَّوْرِيُّ: مَا أَحْسَنَ حَالَهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى الطَّرِيقِ. فَصْلٌ قَالَ سُفْيَانُ لَا تُجِيبُوا دَعْوَةً إِلَّا دَعْوَةَ مَنْ تَرَوْنَ أَنَّ قُلُوبَكُمْ تَصْلُحُ عَلَى طَعَامِهِ. وَقَالَ: إِنَّ عَامَّةَ مَنْ دَاخَلَ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا دَفَعَهُمْ إِلَى ذَلِكَ الْعِيَالُ وَالْحَاجَةُ. وَقَالَ لَا تَغْتَرَّ بِصَاحِبِ عِيَالٍ فَقَلَّ صَاحِبُ عِيَالٍ إِلَّا خَلَّطَ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَعْبَأَنَّ بِأَبِ الْعِيَالِ وَلَا تَغْتَرَّنَّ بِهِ. وَقَالَ: كَانَ الْمَالُ فِيمَا مَضَى يُكْرَهُ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَهُوَ تِرْسُ الْمُؤْمِنِ. وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا عَبْدَ اللَّهِ تُمْسِكُ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ؟ قَالَ: اسْكُتْ فَلَوْلَا هَذِهِ الدَّنَانِيرُ لَتَمَنْدَلَ بِنَا هَؤُلَاءِ الْمُلُوكُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: الْحَلَالُ لَا يَحْتَمِلُ السَّرَفَ. وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ فَعَرَضْتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1002 عَلَيْهِ النَّاسَ فَكَأَنَّهُ كَرِهَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَنْ تَأْمُرُ؟ قَالَ: «عَلَيْكَ بِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ» . وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: رَأَيْتُ الثَّوْرِيَّ فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ: أَوْصِنِي، قَالَ: أَقْلِلْ مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ، قُلْتُ: زِدْنِي، قَالَ: سَتَرِدُ فَتَعْلَمَ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ زَائِدَةَ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنِّي أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا سُفْيَانُ يَطِيرُ مِنْ شَجَرَةٍ إِلَى شَجَرَةٍ وَهُوَ يَقُولُ: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83] . . فَصْلٌ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ: كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَرَى سُفْيَانَ مُقَنَّعَ الرَّأْسِ يَشْتَدُّ فِي جِنَازَةِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ , يَقُولُ: إِذَا كَانَ النَّاسِكُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1003 جِيرَانُهُ عَنْهُ رَاضُونَ فَهُوَ مُدَاهِنٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخَفَّافُ: مَا لَقِيتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ إِلَّا بَاكِيًا، فَقُلْتُ مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: أَخَافُ أَنْ أَكُونَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ شَقِيًّا. وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي خَالِدٍ: مَرَّ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بِالْغَاضِرِيِّ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِبَعْضِ مَا يُضْحِكُ بِهِ النَّاسَ، فَقَالَ لَهُ: يَا شَيْخُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِلَّهِ يَوْمًا يَخْسَرُ فِيهِ الْمُبْطِلُونَ، فَمَا زَالَتْ تُعْرَفُ فِي الْغَاضِرِيِّ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ بَكْرٌ الْعَابِدُ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، دُلَّنِي عَلَى رَجُلٍ أَجْلِسُ إِلَيْهِ، قَالَ: تِلْكَ ضَالَّةٌ لَا تُوجَدُ. وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ: قَالَ لِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَنَا وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1004 يَا يُوسُفُ، نَاوِلْنِي الْمِطْهَرَةَ أَتَوَضَّأُ، فَنَاوَلْتُهَا فَأَخَذَهَا بِيَمِينِهِ وَوَضَعَ يَسَارَهُ عَلَى خَدِّهِ، وَنِمْتُ وَاسْتَيْقَظْتُ وَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا الْمِطْهَرَةُ فِي يَدِهِ عَلَى حَالِهَا، فَقُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ، قَالَ: لَمْ أَزَلْ مُنْذُ نَاوَلْتَنِي الْمِطْهَرَةَ أَتَفَكَّرُ فِي الْآخِرَةِ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِنَّمَا الْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الصَّبْرِ. وَقَالَ رَجُلٌ لِسُفْيَانَ: أَوْصِنِي، قَالَ: اعْمَلْ لِلدُّنْيَا بِقَدْرِ بَقَائِكَ فِيهَا وَلِلْآخِرَةِ بِقَدْرِ مُقَامِكَ فِيهَا، وَالسَّلَامُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: مَا وَجَدْنَا شَيْئًا أَنْفَعَ فِي دِينٍ وَدُنْيَا مِنْ أَخٍ مُوَافِقٍ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: رَأَيْتُ الثَّوْرِيَّ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ صَلَّى ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَةً فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى نُودِيَ بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ: كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِذَا ذُكِرَ الْمَوْتُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ أَيَّامًا، وَإِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قَالَ: لَا أَدْرِي لَا أَدْرِي. وَقَالَ عَارِمٌ: أَتَيْتُ أَبَا مَنْصُورٍ، هُوَ بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ السُّلَيْمِيُّ، وَكَانَ سُفْيَانُ مَاتَ فِي دَارِهِ بِالْبَصْرَةِ، قَالَ: مَاتَ سُفْيَانُ فِي هَذَا الْبَيْتِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1005 وَكَانَ هَاهُنَا بُلْبُلٌ لِابْنِي، فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا الطَّيْرِ مَحْبُوسًا؟ لَوْ خَلَّى عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ لِابْنِي وَهُوَ يَهَبُهُ لَكَ، فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أُعْطِيهِ دِينَارًا، قَالَ: فَأَخَذَهُ فَخَلَّى عَنْهُ، قَالَ: فَكَانَ يَذْهَبُ فَيَرْعَى وَيَجِيءُ بِالْعَشِيِّ فَيَكُونُ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، فَلَمَّا مَاتَ سُفْيَانُ تَبِعَ جِنَازَتَهُ فَكَانَ يَضْطَرِبُ عَلَى قَبْرِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ لَيَالِيَ إِلَى قَبْرِهِ فَكَانَ رُبَّمَا بَاتَ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ، ثُمَّ وَجَدُوهُ مَيِّتًا عِنْدَ قَبْرِهِ فَدُفِنَ إِلَى جَنْبِ قَبْرِهِ. فَصْلٌ قَالَ الْفِرْيَابِيُّ: كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يُصَلِّي ثُمَّ يَلْتَفِتُ إِلَى الشَّبَابِ فَقَالَ: إِذَا لَمْ تُصَلُّوا الْيَوْمَ فَمَتَى، وَقِيلَ لِسُفْيَانَ: لَوْ دَعَوْتَ بِدَعَوَاتٍ، قَالَ: تَرْكُ الذُّنُوبِ هُوَ الدُّعَاءُ، وَكَانَ رُبَّمَا يَأْخُذُ فِي التَّفَكُّرِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهِ النَّاظِرُ فَيَقُولُ: مَجْنُونٌ، وَكَانَ فِي جَيْبِهِ رُقْعَةٌ يَنْظُرُ فِيهَا كَثِيرًا فَوَقَعَتْ مِنْهُ فَنَظَرُوا فِيهَا فَإِذَا فِيهَا مَكْتُوبٌ: سُفْيَانُ اذْكُرْ وُقُوفَكَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحَسَنِ الصَّرَّافُ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَرْدَوَيْهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى النَّخَعِيُّ , قَالَ " قَدِمْتُ مَعَ الثَّوْرِيِّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَإِذَا بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ بِهَا، فَأَرْسَلَ إِلَى الثَّوْرِيِّ , فَقَالَ: " تَعَالَ حَدِّثْنَا، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1006 تَبْعَثُ إِلَيْهِ بِمِثْلِ هَذَا؟ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَمَا أَرَدْتَ أَنْ أَنْظُرَ كَيْفَ تَوَاضُعُهُ إِلَى الْفُقَرَاءِ، قَالَ: فَإِذَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَدْ جَاءَهُمْ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ , ,أَنَّهُ قَالَ: " عَجِبْتُ لِمَنْ فِيهِ الْخَيْرُ وَلَيْسَ يَفْرَحُ، وَعَجِبْتُ لِمَنْ فِيهِ الشَّرُّ وَهُوَ فِيهِ كَيْفَ يَغْضَبُ، وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ أَحَبَّ نَفْسَهُ عَنِ النَّاسِ، وَأَغْضَبَ النَّاسَ عَلَى الظُّنُونِ ذِكْرُ سَالِمٍ الْخَوَّاصُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ سَالِمٌ: خَرَجْتُ يَوْمًا أَدُورُ فِي الصَّحْرَاءِ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غَشِيَنِي النَّوْمُ , فَنِمْتُ بَيْنَ قَبْرَيْنِ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ أَرِنِي فِي مَنَامِي هَذَا شَيْئًا أَتَّعِظُ بِهِ، فَهَتَفَ بِي هَاتِفٌ فِي مَنَامِي: يَا سَلَمَةُ الْقُوتُ كَثِيرٌ لِمَنْ يَمُوتُ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقُضَيْبِيُّ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي: «أَلَا لِيَقُمِ السَّابِقُونَ، فَقَامَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، ثُمَّ نَادَى الثَّانِيَةَ أَلَا لِيَقُمِ السَّابِقُونَ، فَقَامَ سَلَمَةُ الْخَوَّاصُ، ثُمَّ نَادَى الثَّالِثَةَ , أَلَا لِيَقُمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1007 السَّابِقُونَ، فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ» ، قَالَ الْقُضَيْبِيُّ: أَوَّلْتُ ذَلِكَ مَا حَدَثَ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ سَابِقٍ. وَقَالَ سَالِمٌ الْخَوَّاصُ: " أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَلَا أَجِدُ لَهُ حَلَاوَةً، فَقُلْتُ لِنَفْسِي: اقْرَئِيهِ كَأَنَّكِ سَمِعْتِيهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْ حَلَاوَةٌ قَلِيلَةٌ، ثُمَّ قُلْتُ لِنَفْسِي: اقْرَئِيهِ كَأَنَّكِ سَمِعْتِيهِ مِنْ جِبْرِيلَ حِينَ يُخْبِرُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: فَازْدَادَتِ الْحَلَاوَةُ، قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ لَهَا: اقْرَئِيهِ كَأَنَّكِ سَمِعْتِيهِ مِنْهُ، يَعْنِي مِنَ اللَّهِ حِينَ كَلَّمَ بِهِ، فَجَاءَتِ الْحَلَاوَةُ كُلُّهَا ". وَقَالَ سَنَدُ بْنُ مَيْمُونٍ شِعْرًا: أَرَى الدُّنْيَا لِمِنْ دَنَا فِي يَدَيْهِ ... عَذَابًا كُلَّمَا كَثُرَتْ لَدَيْهِ تُهِينُ الْمُكْرَمِينَ لَهَا بِصُغْرٍ ... وَتُكْرِمُ كُلَّ مَنْ أَتَتْ عَلَيْهِ فَدَعْ عَنْكَ الْفُضُولَ تَعِشْ حَمِيدًا ... وَخُذْ مَا أَنْتَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1008 ذِكْرُ سُلَيْمَانَ الْخَوَّاصُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ مَضَاءُ بْنُ عِيسَى: مَضَى سُلَيْمَانُ الْخَوَّاصُ , بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ وَهُوَ عِنْدَ قَوْمٍ قَدْ أَضَافُوهُ وَأَكْرَمُوهُ، فَقَالَ: نِعْمَ الشَّيْءُ هَذَا يَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ تُكْرِمُهُ عَلَى دِينٍ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: كَانَ سُلَيْمَانُ الْخَوَّاصُ أَتَى بَيْرُوتَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَالَ: مَالِي أَرَاكَ فِي الظُّلْمَةِ؟ قَالَ: ظُلْمَةُ الْقَبْرِ أَشَدُّ، قَالَ: مَالِي أَرَاكَ لَيْسَ لَكَ رَفِيقٌ؟ قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ لِي رَفِيقٌ لَا أَقْدِرُ أَنْ أَقُومَ بِحَقِّهِ، قَالَ لَهُ سَعِيدٌ: خُذْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فَأَنَا لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: يَا سَعِيدُ إِنَّ نَفْسِي لَمْ تُجِبْنِي إِلَى هَذَا الَّذِي أَجَبْتَنِي إِلَيْهِ إِلَّا بَعْدَ كَدٍّ، فَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أَعُودَ بِهَا مِثْلَ دَرَاهِمِكَ هَذِهِ، فَمَنْ لِي بِمِثْلِهَا إِذَا أَنَا أَصْبَحْتُ لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا. وَقِيلَ لِسُلَيْمَانَ الْخَوَّاصِ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اتَّهَمُوكَ أَنَّكَ تَمُرُّ فَلَا تُسَلِّمُ، وَاللَّهِ مَا ذَاكَ بِقَصْدٍ أَرَاهُ عِنْدِي، وَلَكِنِّي شِبْهُ الْخَشَمِ إِذَا صَوَّرْتُهُ ثَارَ , وَإِذَا أَقْصَدْتُهُ مَعَ النَّاسِ جَاءَ مِنِّي مَا أُرِيدُ وَمَنْ لَا أُرِيدُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1009 وَقَالَ الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ: كَانَ أَشْرَطَ مِمَّنْ مَضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَنْظُرُونَ فِي الْحَلَالِ النَّظَرَ السَّدِيدَ، لَا يُدْخِلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا مَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْحَلَالِ وَإِلَّا اشْتَكُوا التُّرَابَ، ثُمَّ عَدَّ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ , وَسُلَيْمَانَ الْخَوَّاصَ، وَعَلِيَّ بْنَ الْفُضَيْلِ، وَيَمَانًا أَبَا مُعَاوِيَةَ الْأَسْوَدَ، وَيُوسُفَ بْنَ أَسْبَاطٍ، وَوَهْبَ بْنَ الْوَرْدِيِّ، وَدَاوُدَ الطَّائِيَّ، وَحُذَيْفَةَ الْمَرْغَنِيَّ. ذِكْرُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَسَدِيِّ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَا هَذَا الْبُكَاءُ الَّذِي يَعْرِضُ لَكَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي مَا سُؤَالُكَ عَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: يَا عَمِّي لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: مَا قُمْتُ فِي صَلَاتِي إِلَّا مُثِّلَتْ لِي جَهَنَّمُ. وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ قَالَ رَجُلٌ لِسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ فَغَضِبَ، وَقَالَ: بَلْ عَجَّلَ اللَّهُ بِي إِلَى رَحْمَتِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1010 بَابُ الشِّينِ ذِكْرُ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ أَبِي بِسْطَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ، فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، فِي كِتَابِهِ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الثَّقَفِيِّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو الْبَاهِلِيُّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ " وَهَبَ الْمَهْدِيُّ لَشُعْبَةَ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَسَّمَهَا عَلَى النَّاسِ، وَأَقْطَعَهُ أَلْفَ جَرِيبٍ بِالْبَصْرَةِ فَقَدِمَ الْبَصْرَةَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَطِيبُ لَهُ فَتَرَكَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1011 قَالَ: وَأَخْبَرَنَا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيِّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ , قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ , يَقُولُ: كَانَ شُعْبَةُ , يَقُولُ: " لَا تَكْتُبُوا الْحَدِيثَ إِلَّا عَنْ غِنًى، وَكَانَ هُوَ فَقِيرًا يَعُولُهُ بَنُو أَخِيهِ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ مُنِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ شُمَيْلٍ , يَقُولُ: قَالَ شُعْبَةُ لَا تَأْخُذُوا الْحَدِيثَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ لَكُمْ. قَالَ وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ، يَقُولُ: كُلَّمَا جَلَسَ غَيْرَ مَرَّةٍ: لَوْلَا حَوَائِجِي إِلَيْكُمْ مَا جَلَسْتُ بَيْنَكُمْ، قَالَ عَفَّانُ: وَكَانَتْ حَوَائِجُهُ الَّذِي يَسْأَلُ لِجِيرَانِهِ الْفُقَرَاءِ. قَالَ وَأَخْبَرَنِي عَلِيِّ بْنُ عِيسَى الْحُسَيْنِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قُتَيْبَةَ مُسْلِمَ بْنَ قُتَيْبَةَ , يَقُولُ: رُبَّمَا قَالَ شُعْبَةُ لِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ: يَا قَوْمُ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ كُلَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1012 تَقَدَّمْتُمْ فِي الْحَدِيثِ تَأَخَّرْتُمْ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ: وَرُبَّمَا ضَرَبَ بِيَدِهِ رَأْسَهُ وَيَقُولُ: وَاخَسَارَكَاهُ شُعْبَةَ. قَالَ وَأَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْوَرَّاقُ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْعَقِيلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدَ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَبِيدٍ السَّرْخَسِيُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ، يَقُولُ: تَعَالَوْا نَغْتَابُ فِي اللَّهِ. فَصْلٌ قَالَ أَبُو بَحْرٍ الْبَكْرَاوِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَعْبَدَ لِلَّهِ مِنْ شُعْبَةَ، لَقَدْ عَبْدَ اللَّهَ حَتَّى جَفَّ جِلْدُهُ عَلَى عَظْمِهِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ. وَقَالَ أَبُو قُطْنٍ: مَا رَأَيْتُ شُعْبَةَ رَكَعَ قَطُّ إِلَّا ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ نَسِيَ، وَلَا قَعَدَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ إِلَّا ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ نَسِيَ. وَقَالَ شُعْبَةُ: إِذَا كَانَ عِنْدِي دَقِيقٌ وَقَصَبٌ، فَمَا أُبَالِي مَا فَاتَنِي مِنَ الدُّنْيَا. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: كَانَ شُعْبَةُ مِنْ أَرَقِّ النَّاسِ، كَانَ رُبَّمَا مَرَّ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1013 السَّائِلُ فَيَدْخُلُ بَيْتَهُ فَيُعْطِيهِ مَا أَمْكَنَهُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: كُنْتُ أَكُونُ عِنْدَ شُعْبَةَ فَيَجِيءُ السَّائِلُ فَلَا يَكُونُ مَعَهُ شَيْءٌ فَيَقُولُ: يَا يَحْيَى مَعَكَ شَيْءٌ؟ فَأَقُولُ: نَعَمْ، فَأُعْطِيهِ فَيُعْطِي السَّائِلَ ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ فَأَقُولُ: يَا أَبَا بِسْطَامٍ إِيشْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: خُذْهَا. وَقَالَ أَبُو قُطْنٍ: كَانَ ثِيَابُ شُعْبَةَ لَوْنُهَا لَوْنُ التُّرَابِ، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ، كَثِيرَ الصِّيَامِ سَخِيَّ النَّفْسِ. وَقَالَ عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي، قَالَ: قَوَّمْنَا حِمَارَ شُعْبَةَ وَسَرْجَهُ وَلِجَامَهُ بِضْعَ عَشْرَةَ دِرْهَمًا. وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: كَانَ شُعْبَةُ إِذَا وَقَفَ فِي مَجْلِسِهِ سَائِلٌ لَا يُحَدِّثُ حَتَّى يُعْطِي. وَقَالَ حَجَّاجٌ: رَكِبَ شُعْبَةُ حِمَارًا لَهُ فَلَقِيَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فَشَكَى إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ شُعْبَةُ: وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ إِلَّا هَذَا الْحِمَارَ، ثُمَّ نَزَلَ عَنْهُ وَدَفَعَهُ إِلَيْهِ. وَقَالَ قُرَادٌ أَبُو نُوحٍ: رَأَى عَلَيَّ شُعْبَةُ قَمِيصًا فَقَالَ: بِكَمِ اشْتَرَيْتَ؟ فَقُلْتُ بِثَمَانِيَةِ دَرَاهِمَ، فَقَالَ: وَيْحَكَ أمَا تَتَّقِي اللَّهَ، تَلْبَسُ قَمِيصًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1014 بِثَمَانِيَةِ دَرَاهِمَ، أَلَا اشْتَرَيْتَ قَمِيصًا بِأَربْعَةٍ وَتَصَدَّقْتَ بِأَرْبَعَةٍ كَانَ خَيْرًا لَكَ. وَذُكِرَ شُعْبَةُ عِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , فَقَالَ: ذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الصَّغِيرُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: شُعْبَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ. وَقَالَ شُعْبَةُ: اخْتَلَفْتُ إِلَى عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ خَمْسَ مِائَةِ مَرَّةٍ وَمَا سَمِعْتُ مِنْهُ إِلَّا مِائَةَ حَدِيثٍ فِي كُلِّ خَمْسِ مَجَالِسَ حَدِيثًا. وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: سَأَلْتُ شُعْبَةَ عَنْ حَدِيثٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا حَدَّثْتُكَ بِهِ، لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً. ذِكْرُ شَيْبَانَ الرَّاعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ الرَّبَعِيُّ: كَانَ شَيْبَانُ الرَّاعِي إِذَا خَرَجَ إِلَى الْجُمُعَةِ خَطَّ عَلَى غَنَمِهِ بِعَصَاةٍ ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَلَا يَخْرُجُ مِنَ الْخَطِّ شَيْءٌ حَتَّى يَرْجِعَ. قَالَ: وَأَصَابَتْ شَيْبَانَ جَنَابَةٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ، فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1015 فَأَمْطَرَتْ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَتْ. وَحُبِسَ شَيْبَانُ فِي بَيْتٍ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَلَمَّا فُتِحَ الْبَابُ لَمْ يَجِدُوهُ فِي الْبَيْتِ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: خَرَجْتُ حَاجًّا أَنَا وَشَيْبَانُ الرَّاعِي فَلَمَّا صِرْنَا بِبَعْضِ الطُّرُقِ إِذَا نَحْنُ بَأَسَدٍ قَدْ عَارَضَنَا، فَقُلْتُ لِشَيْبَانَ: أَمَا تَرَى هَذَا الْكَلْبَ قَدْ عَرَضَ لَنَا فَقَالَ لِي: لَا تَخَفْ يَا سُفْيَانُ، ثُمَّ صَاحَ بِالْأَسَدِ فَبَصْبَصَ وَضَرَبَ بِذَنَبِهِ مِثْلَ الْكَلْبِ، فَأَخَذَ شَيْبَانُ بِأُذُنِهِ فَعَرَكَهَا فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذِهِ الشُّهْرَةُ؟ لِي: وَأَيُّ شُهْرَةٍ تَرَى يَا ثَوْرِيُّ، لَوْلَا كَرَاهِيَةُ الشُّهْرَةِ مَا حَمَلْتُ زَادِي إِلَى مَكَّةَ إِلَّا عَلَى ظَهْرِهِ. بَابُ الصَّادِ ذِكْرُ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، كَانَ مُؤَذِّنًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، يَرْوِي عَنِ الزُّهَيْرِيِّ، مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ , لَهُ السِّيرَةُ الْحَسَنَةُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1016 ذِكْرُ صَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ شَامِيٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ذِكْرُ صَفْوَانِ بْنِ سُلَيْمٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، يَرْوِي عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ , وَنَافِعٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1017 بَابُ الضَّادِ ذِكْرُ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَدَنِيٌّ، يَرْوِي عَنْ نَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ذِكْرُ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ بَصْرِيٌّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ شَيْخُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، لَهُ الْفَضَائِلُ الْكَثِيرَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1018 بَابُ الطَّاءِ ذِكْرُ طَلْقِ بْنِ مُعَاوِيَةَ النَّخَعِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ كُوفِيٌّ كَبِيرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. بَابُ الظَّاءِ بَابُ الْعَيْنِ ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسِ بْنِ كَيْسَانَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، كَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ فَضْلًا وَنُسُكًا وَدِينًا، يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1019 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنِ بْنِ أَرْطَبَانَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، يَرْوِي عَنِ الْحَسَنِ. قِيلَ: رَأَى أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ مِنْ سَادَاتِ أَهْلِ زَمَانِهِ عِبَادَةً وَفَضْلًا وَوَرَعًا وَنُسُكًا وَصَلَابَةً فِي السُّنَّةِ وَغِلْظَةً عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1020 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، يَرْوِي عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، مَاتَ بِهِيتَ، مَدِينَةٌ عَلَى الْفُرَاتِ، وَقَبْرُهُ بِهَا. كَانَ فِيهِ خِصَالٌ مُجْتَمِعَةٌ لِمَ تَجْتَمِعْ فِي أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي زَمَانِهِ، كَانَ فَقِيهًا عَالِمًا وَرِعًا حَافِظًا يَعْرِفُ السُّنَنَ، رَحَّالًا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، شُجَاعًا يُنَازِلُ الْأَبْطَالَ، أَدِيبًا يَقُولُ الشِّعْرَ، سَخِيًّا بِمَا يَمْلِكُ، وَكَانَ إِذَا سَافَرَ يَحْمِلُ سُفْرَتَهُ عَلَى جَمَلِهِ مِنْ كِبَرِهَا، فَإِذَا نَزَلَ طَرَحَهَا فَوَرَدَهَا مَنِ احْتَاجَ إِلَيْهَا، وَكَانَ يَقُولُ: لَوْلَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ مَا اتَّجَرْتُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: مَنْ بَخِلَ بِالْعِلْمِ ابَتُلِيَ بِثَلَاثٍ: إِمَّا بِمَوْتٍ فَيَذْهَبُ عِلْمُهُ، أَوْ بِالنِّسْيَانِ، أَوْ يُبْتَلَى بِالسُّلْطَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1021 وَسُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ التَّوَاضُعِ فَقَالَ: التَّكَبُّرُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ. وَسُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَنِ النَّاسُ؟ قَالَ: الْعُلَمَاءُ. قِيلَ: فَمَنِ الْمُلُوكُ؟ قَالَ: الزُّهَّادُ. وَسُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَإِلَى جَنْبِهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ فَأَشَارَ ابْنُ الْمُبَارَكِ إِلَى السَّائِلِ وَهُوَ خُرَسَانِيٌّ أَنْ يَسْأَلَ أَبَا إِسْحَاقَ، فَسَأَلَهُ فَأَجَابَهُ، ثُمَّ قَالَ الْخُرَسَانِيُّ , لِابْنِ الْمُبَارَكِ بِالْفَارِسِيَّةِ «توجه مي كوهي» فَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: «مَا بِمَجْلِسِ مهنران سخن تكويم» . وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَوَّلُ مَا يُوضَعُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا يُنْفِقُ عَلَى عِيَالِهِ مِنَ الْحَلَالِ. وَقَالَ ابْنُ مُزَاحِمٍ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ كَانَ ذَهَبَ بَصَرُهُ، قَالَ ابْنُ الْمُزَاحِمِ: فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بَصِيرًا. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَنْ طَابَ أَصْلُهُ حَسُنَ مَحْضَرُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1022 قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: الْأَقَارِبُ عَقَارِبٌ خَيْرُهَا أَبْعَدُهَا وَشَرُّهَا أَقْرَبُهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: الْعُجْبُ: أَنْ تَرَى أَنَّ عِنْدَكَ شَيْئًا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِكَ، وَالْكِبْرُ: أَنْ تَزْدَرِي النَّاسَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: دَخَلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ الْحَمَّامَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ غُلَامٌ صَبِيحٌ فَقَالَ: أَخْرِجُوهُ أَخْرِجُوهُ، فَإِنِّي أَرَى مَعَ كُلِّ امْرَأَةٍ شَيْطَانًا وَمَعَ كُلِّ غُلَامٍ بِضْعَةَ عَشَرَ شَيْطَانًا. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: كَمْ مِنْ مَرْكُوبٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبٍ وَأَطْوَعُ للَّهِ وَأَكْثَرُ ذِكْرًا. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: الْكَسْبُ أَحَبُّ لِي مِنْ ضَرْبِ السَّيْفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ: قُلْتُ لِأَبِي: يَا لِأبَهْ مَنْ فَقِيهُ الْعَرَبِ؟ قَالَ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَلَمَّا مَاتَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , قُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَهْ مَنْ فَقِيهُ الْعَرَبِ؟ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فَقِيهُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: قَالَ أَبِي لَئِنْ وَجَدْتُ كُتُبَكَ لَأَحْرَقْتُهَا، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا عَلَيَّ مِنْ هَذَا وَهُوَ فِي صَدْرِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1023 وَقِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: إِلَى مَتَى تَطْلُبُ الْعِلْمَ؟ قَالَ: إِلَى أَنْ أَمُوتَ. وَفِي رِوَايَةٍ: إِلَى مَتَى تَطْلُبُ الْحَدِيثَ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ فِي لَيْلَةٍ شِتْوِيَّةٍ بَارِدَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُمْنَا لِنَخْرُجَ، فَلَمَّا كُنَّا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ ذَاكَرَنِي بِحَدِيثٍ أَوْ ذَاكَرْتُهُ فَمَا زَالَ يُذَاكِرُنِي وَأُذَاكِرُهُ حَتَّى جَاءَ الْمُؤَذِّنُ فَأَذَّنَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ. وَقَالَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ: مَا خَلَفَ ابْنَ الْمُبَارَكِ بِالْمَشْرِقِ مِثْلُهُ. وَقَالَ شُعْبَةُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ نَاحِيَةٍ مِثْلُهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ لِيَسْمَعَ مِنْهُ فَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَهُ، فَقَالَ الْهَاشِمِيُّ لِغُلَامِهِ: قُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا يَرَى أَنْ يُحَدِّثَنَا، فَلَمَّا قَامَ الْهَاشِمِيُّ لِيَرْكَبَ جَاءَ ابْنُ الْمُبَارَكِ لِيُمْسِكَ بِرِكَابِهِ قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا تَرَى أَنْ تُحَدِّثَنِي وَتَرَى أَنْ تُمْسِكَ بِرِكَابِي، فَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: رَأَيْتُ أَنْ أُذِلَّ لَكَ بَدَنِي وَلَا أُذِلَّ لَكَ أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1024 وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَذُكِرَ عِنْدَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ , فَقَالَ: سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِنِّي لَأَجْهَدُ سَنَةَ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ ابْنِ الْمُبَارَكِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: رَأَيْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَخَبَرْتُهُ، وَرَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ وَخَبَرْتُهُ، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ أَجْمَعُ فِي الشَّجَاعَةِ وَالسَّخَاءِ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَلَا أَكْثَرَ اجْتِهَادًا فِي الْعِبَادَةِ مِنْهُ. وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ. فَصْلٌ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: لَا بَأْسَ بِالْمُعَلَّى بْنِ هِلَالٍ مَا لَمْ يَجِئْ بِالْحَدِيثِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَغْتَابُ الصَّالِحِينَ فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ , وَقَالَ: اسْكُتْ، إِذَا لَمْ نُبَيِّنِ الْحَقَّ فَمَنْ يُبَيِّنُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي رُزْمَةَ: لَمْ تَكُنْ خِصْلَةً مِنْ خِصَالِ الْبِرِّ إِلَّا جُمِعَتْ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1025 عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ حَيَاءً وَتَكَرُّمًا، وَحُسْنَ خُلُقٍ، وَحُسْنَ صُحْبَةٍ، وَحُسْنَ مُجَالَسَةٍ، وَالزُّهْدَ وَالْوَرَعَ وَكُلَّ شَيْءٍ. ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مِنْ أَزْهَدِ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَكْثَرِهِمْ تَخَلِّيًا لِلْعِبَادَةِ، وَأَكْثَرِهِمْ مُوَاظَبَةً عَلَيْهَا، وَكَانَ لَهُ أَخٌ فَوَلِيَ الْمَدِينَةَ، فَهَجَرَهُ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ وَلَمْ يُكَلِّمْهُ إِلَى أَنْ مَاتَ. كَتَبَ مَالِكٌ إِلَى الْعُمَرِيِّ: إِنَّكَ بَدَوْتَ فَلَوْ كُنْتَ عِنْدَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنِّي أَكْرَهُ مُجَاوَرَةَ مِثْلِكَ، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَرَكَ مُتَغَيِّرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1026 الْوَجْهِ فِيهِ سَاعَةً قَطُّ. وَكَانَ الْعُمَرِيُّ يَلْزَمُ الْجَبَّانَ كَثِيرًا، وَكَانَ لَا يَخْلُو مِنْ كِتَابٍ يَكُونُ مَعَهُ يَنْظُرُ فِيهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَوْعَظُ مِنْ قَبْرٍ، وَلَا أَسْلَمُ مِنْ وَحْدَةٍ، وَلَا آنَسُ مِنْ كِتَابٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْمَكِّيُّ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُمَرِيُّ الزَّاهِدُ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ، وَأَتَاهُ وُجُوهُ أَهْلِ مَكَّةَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى الْقُصُورِ الْمُحْدِقَةِ بِالْكَعْبَةِ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا أَصْحَابَ الْقُصُورِ الْمُشَيَّدَةِ، اذْكُرُوا ظُلْمَةَ الْقُبُورِ الْمُوحِشَةِ، يَا أَهْلَ التَّنَعُّمِ وَالتَّلَذُّذِ اذْكُرُوا الدُّودَ وَبَلَاءَ الْأَجْسَادُ فِي التُّرَابِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَقَامَ. وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: عِظْنِي، فَأَخَذَ حَصَاةً مِنَ الْأَرْضِ فَقَالَ: مِثْلُ هَذَا مِنَ الْوَرَعِ يَدْخُلُ قَلْبَكَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ كَذَا صَلَاةٍ، قَالَ لَهُ: زِدْنِي، قَالَ: كَمَا تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ لَكَ غَدًا فَكُنْ أَنْتَ لَهُ الْيَوْمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1027 ذِكْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَطِيَّةَ الْعَنْسِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ هُوَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ، وَدَارِيَّا، قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى دِمَشْقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ: تَسَمَّعُوا لَيْلًا عَلَى أَبِي مُوسَى الدَّارَانِيِّ فَسَمِعُوهُ يَقُولُ: يَارَبِّ إِنْ طَالَبْتَنِي بَسَرِيرَتِي طَالَبْتُكَ بِتَوْحِيدِكَ، وَإِنْ طَالَبْتَنِي بِذُنُوبِي طَالَبْتُكَ بِكَرَمِكَ، وَإِنْ جَعَلْتَنِي مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَخْبَرْتُ أَهْلَ النَّارِ بِحُبِّي إِيَّاكَ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: مَنْ أَحْسَنَ فِي نَهَارِهِ كُفِيَ فِي لَيْلِهِ، وَمَنْ أَحْسَنَ فِي لَيْلِهِ كُفِيَ فِي نَهَارِهِ، وَمَنْ صَدَقَ فِي تَرْكِ شَهْوَةٍ كُفِيَ مُؤْنَتَهَا، وَكَانَ اللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعَذِّبَ قَلْبًا بِشَهْوَةٍ تُرِكَتْ لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1028 وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ لَوْ تَوَكَّلْنَا عَلَى اللَّهِ مَا بَنَيْنَا الْحَائِطَ، وَلَا جَعَلْنَا لِبَابِ الدَّارِ غَلْقًا مَخَافَةَ اللُّصُوصِ. وَسَأَلَ رَجُلٌ أَبَا سُلَيْمَانَ عَنْ أَقْرَبِ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ , فَبَكَى وَقَالَ: مِثْلُكَ يَسْأَلُ عَنْ هَذَا! أَفْضَلُ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى قَلْبِكَ، وَأَنْتَ لَا تُرِيدُ مِنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ غَيْرَهُ. وَقَالَ: إِذَا اسْتَحَى الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْخَيْرَ. وَقَالَ: كُلَّمَا ارْتَفَعَتْ مَنْزِلَةُ الْقَلْبِ كَانَتِ الْعُقُوبَةُ إِلَيْهِ أَسْرَعَ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ لَا تَجِيءُ الْوَسَاوِسُ إِلَّا إِلَى كُلِّ قَلْبٍ عَامِرٍ، رَأَيْتُ لِصًّا قَدْ يَأْتِي الْخَرَابَةَ يَنْقُبُهَا وَهُوَ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّ الْأَبْوَابِ شَاءَ، إِنَّمَا يَجِيءُ إِلَى بَيْتٍ فِيهِ رِزَمٌ وَقَدْ أُقفِلَ يَنْقُبُهُ لِيَسْتَلَّ الرِّزْمَةَ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: قَدْ أَسْكَنَهُمُ الْغُرَفَ قَبْلَ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَأَدْخَلَهُمُ النَّارَ قبل أَنْ يَعْصُوهُ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَحْمِلُ الطَّعَامَ إِلَى الْأَصْنَامِ وَاللَّهُ يُحِبُّهُ، مَا ضَرَّهُ ذَاكَ عِنْدَ اللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: جُوعٌ قَلِيلٌ وَسَهَرٌ قَلِيلٌ وَبَرْدٌ قَلِيلٌ يَقْطَعُ عَنْكَ الدُّنْيَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي قُلْتُ لِأَبِي سُلَيْمَانَ: لَمْ أُوتِرِ الْبَارِحَةَ وَلَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1029 أُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَلَمْ أُصَلِّ الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، قَالَ: بِمَا كَسَبَتْ يَدَاكَ: وَمَا اللَّهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. شَهْوَةٌ أَصَبْتَهَا. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: الدُّنْيَا تَطْلُبُ الْهَارِبَ مِنْهَا، وَتَهْرُبُ مِنَ الطَّالِبِ لَهَا، فَإِنْ أَدْرَكَتِ الْهَارِبَ مِنْهَا جَرَحَتْهُ، وَإِنْ أَدْرَكَهَا الطَّالِبُ لَهَا قَتَلَتْهُ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: مِفْتَاحُ الْآخِرَةِ الْجُوعُ، وَمِفْتَاحُ الدُّنْيَا الشِّبَعُ، وَأَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: كُنْتُ لَيْلَةً بَارِدَةً فِي الْمِحْرَابِ فَأَقْلَقَنِيَ الْبَرْدُ فَخَبَّأْتُ إِحْدَى يَدَيَّ مِنَ الْبَرْدِ، وَبَقِيَتِ الْأُخْرَى مَمْدُودَةً فَغَلَبَتْنِي عَيْنِي فَهَتَفَ بِي هَاتِفٌ: يَا أَبَا سُلَيْمَانَ قَدْ وَضَعْنَا فِي هَذِهِ مَا أَصَابَهَا وَلَوْ كَانَتِ الْأُخْرَى لَوَضَعْنَا فِيهَا، فَآلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا أَدْعُوا إِلَّا وَيَدَايَ خَارِجَتَانِ حَرًّا كَانَ أَوْ بَرْدًا. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: الْعِيَالُ يُضْعِفْنَ يَقِينَ الرَّجُلِ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ وَحْدَهُ فَجَاعَ فَرِحَ، وَإِذَا كَانَ لَهُ عِيَالٌ طَلَبَ لَهُمْ، وَإِذَا جَاعَ الطَّالِبُ فَقَدْ ضَعُفَ الْيَقِينُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1030 وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ لِي سُلَيْمَانُ: يَا أَحْمَدُ إِنِّي أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ، فَلَا تُحَدِّثْ بِهِ حَتَّى أَمُوتَ: نِمْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ عَنْ وِرْدِي فَإِذَا بِحَوْرَاءَ تُنَبِّهُنِي وَتَقُولُ: يَا أَبَا سُلَيْمَانَ تَنَامُ وَأَنَا أُرَبَّى لَكَ فِي الْخُدُورِ مُنْذُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: إِذَا جَاءَتِ الدُّنْيَا إِلَى الْقَلْبِ تَرَحَّلَتِ الْآخِرَةُ، وَإِذَا كَانَتِ الدُّنْيَا فِي الْقَلْبِ لَمْ تَجِئِ الْآخِرَةُ تَزْحَمُهَا، وَإِذَا كَانَتِ الْآخِرَةُ فِي الْقَلْبِ جَاءَتِ الدُّنْيَا تَزْحَمُهَا، لأَنَّ الدُّنْيَا لَئِيمَةٌ وَالْآخِرَةُ عَزِيزَةٌ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: إِذَا لَمْ يَبْقَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ شَيْءٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَدَرَّعَ عَبَاءَةً وَيَلْزَمَ الطَّرِيقَ، لأن العباءة علم من أعلام الزهد، ولو أَنَّهُ سَتَرَ زُهْدَهُ بِثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ يَخْلِطُهُ بِالنَّاسِ كَانَ أَسْلَمَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: كَيْفَ يَتْرُكُ الدُّنْيَا مَنْ تَأْمُرُونَهُ بِتَرْكِ الدُّنْيَا وَالدِّرْهَمِ، وَهُمْ إِذَا أَلْقَوْهَا أَخَذْتُمُوهَا أَنْتُمْ. وَقَالَ: كُلُّ مَا شَغَلَكَ عَنِ اللَّهِ مِنْ أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ وَلَدٍ فَهُوَ عَلَيْكَ مَشْئُومٌ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: إِذَا ذَكَرْتُ الْخَطِيئَةَ لَمْ أَشْتَهِ أَنْ أَمُوتَ، قُلْتُ: أَبْقَى لَعَلِّي أَتُوبُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1031 قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: لَا غِنًى كَغِنَى النَّفْسِ، وَلَا نِعْمَةَ كَالْعَافِيَةِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَلَا عَافِيَةَ كَمُسَاعَدَةِ التَّوْفِيقِ. ذِكْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مَكِّيٌّ كَانَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَقُرَّائِهِمْ وَمُفْتِيهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ذِكْرُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، يَرْوِي عَنِ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كَانَ فَقِيهًا وَرِعًا مُتَابِعًا لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1032 بَابُ الْفَاءِ ذِكْرُ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِيلَ: وُلِدَ بِسَمَرْقَنْدَ وَنَشَأَ بَأَبْيُوَرْدَ. قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: يَجِيءُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَقْوَامٌ يَكُونُونَ إِخْوَانَ الْعَلَانِيَةِ أَعْدَاءَ السَّرِيرَةِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1033 الرَّازِيُّ , سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ نَصْرِ بْنِ مَنْصُورٍ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا مَرْدَوَيْهِ الصَّائِغُ قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ , يَقُولُ: " مَنْ جَلَسَ إِلَى صَاحِبِ بِدْعَةٍ لَمْ يُعْطَ الْحِكْمَةَ قَالَ: وَسَمِعْتُ الْفُضَيْلَ , يَقُولُ: لَمْ يُدْرَكْ عِنْدَنَا مَنْ أَدْرَكَ بِكَثْرَةِ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ إِنَّمَا أَدْرَكَ بِسَخَاءِ الْأَنْفُسِ، وَسَلَامَةِ الصُّدُورِ، وَالنُّصْحِ لِلْأُمَّةِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ الْفُضَيْلَ , يَقُولُ: لَمْ يَتَزَيَّنِ النَّاسُ بِأَفْضَلَ مِنَ الصِّدْقِ وَطَلَبِ الْحَلَالِ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَكْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ الدَّاجِيَانِ، حَدَّثَنَا فَتْحُ بْنُ شَخْرَفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُبَيْقٍ , قَالَ: قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ «تَبَاعَدْ مِنَ الْقُرَّاءِ فَإِنَّهُمْ إِنْ أَحَبُّوكَ مَدَحُوكَ بِمَا لَيْسَ فِيكَ، وَإِنْ غَضِبُوا شَهِدُوا عَلَيْكَ وَقُبِلَ مِنْهُمْ» . قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ خَالِدٍ الْبَغْدَادِيُّ , بِنَيْسَابُورَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , قَالَ " سُئِلَ الْفُضَيْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1034 بْنُ عِيَاضٍ عَنِ التَّوَاضُعِ فَقَالَ: تَخْضَعُ لِلْحَقِّ وَتَنْقَادُ لَهُ، وَتَقْبَلُ الْحَقَّ بِكُلِّ مَنْ تَسْمَعُهُ مِنْهُ ". قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ , قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ الْمَرْوَذِيَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ , يَقُولُ: قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: «أَشْتَهِي مَرَضًا بِلَا عُوَّادٍ» . قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ الشَّيْبَانِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ زَنْجَوِيَّةَ بْنَ الْحَسَنِ اللَّبَّادُ , قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلَالِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ , يَقُولُ: " إِنَّ فِيكُمْ خَصْلَتَيْنِ هُمَا مِنَ الْجَهْلِ: الضَّحِكُ مِنْ غَيْرِ عَجَبٍ، وَالتَّصَبُّحُ مِنْ غَيْرِ سَهَرٍ ". قَالَ: وَسَمِعْتُ الْفُضَيْلَ , يَقُولُ: مَنْ أَظْهَرَ لِأَخِيهِ الْوُدَّ وَالصَّفَاءَ بِلِسَانِهِ وَأَضْمَرَ لَهُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ لَعَنَهُ اللَّهُ وَأَصَمَّهُ وَأَعْمَى بَصَرَ قَلْبِهِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ الْفُضَيْلَ , يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء: 106] . قَالَ: الَّذِينَ يُحَافِظُونَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1035 قَالَ: وَسَمِعْتُ الْفُضَيْلَ , يَقُولُ: كَانَ يُقَالُ: جُعِلَ الشَّرُّ كُلُّهُ فِي بَيْتٍ، وَجُعِلَ مِفْتَاحُهُ الرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا، وَجُعِلَ الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي بَيْتٍ، وَجُعِلَ مِفْتَاحُهُ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا. قَالَ: وَسَمِعْتُ الْفُضَيْلَ , يَقُولُ: مَنْ كَفَّ شَرَّهُ مَا ضَيَّعَ مَا سَرَّهُ. قَالَ: وَسَمِعْتُ الْفُضَيْلَ , يَقُولُ: ثَلَاثُ خِصَالٍ يُقَسِّينَ الْقَلْبَ: كَثْرَةُ الْأَكْلِ، وَكَثْرَةُ النَّوْمِ، وَكَثْرَةُ الْكَلَامِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ الْفُضَيْلَ , يَقُولُ: خَيْرُ الْعَمَلِ أَخْفَاهُ، وَأَمْنَعُهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَأَبْعَدُهُ مِنَ الرِّيَاءِ. قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ شُكْرِ النِّعْمَةِ أَنْ تُحَدِّثَ بِهَا. قَالَ: وَسَمِعْتُ الْفُضَيْلَ , يَقُولُ: أَبَا اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ أَرْزَاقَ الْعِبَادِ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ. قَالَ: وَسَمِعْتُ الْفُضَيْلَ , يَقُولُ: لَا عَمَلَ لِمَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ، وَلَا أَجْرَ لِمَنْ لَا خَشْيَةَ لَهُ. قَالَ: وَسَمِعْتُ الْفُضَيْلَ , يَقُولُ: طُوبَى لِمَنِ اسْتَوْحَشَ مِنَ النَّاسِ وَأَنِسَ بِرَبِّهِ وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1036 قَالَ الْفُضَيْلُ: أَصْلُ الزُّهْدِ الرِّضَا عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ: إِنِّي لَا أَعْتَقِدُ أَخَا الرَّجُلِ فِي الرِّضَا، وَلَكِنْ أَعْتَقِدُ أَخَاهُ فِي الْغَضَبِ إِذَا أَغْضَبْتَهُ. وَقَالَ: مَنْ عَرَفَ النَّاسَ اسْتَرَاحَ. بَابُ الْمِيمِ ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ النَّضْرِ الْحَارِثِيِّ كُوفِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مِنْ أَعْبَدِ أَهْلِ زَمَانِهِ، قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ مِنْ أَعْبَدِ أَهْلِ الْكُوفَةِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَرْمَانِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ النَّضْرِ الْحَارِثِيِّ , فَقُلْتُ لَهُ: كَأَنَّكَ تَكْرَهُ مُجَالَسَةَ النَّاسِ، قَالَ: أَجَلْ، قُلْتُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1037 أَمَا تَسْتَوْحِشُ، قَالَ: كَيْفَ أَسْتَوْحِشُ وَهُوَ يَقُولُ: «أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي» ! . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ: قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ بِي فَافْرَحُوا، وَبِذِكْرِي فَتَنَعَّمُوا. وَسُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ , عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ الْمُبَادَرَةُ. وَقَالَ شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ: صَحِبْتُ مُحَمَّدَ بْنَ النَّضْرِ إِلَى عَبَّادَانَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ إِلَّا بِثَلَاثٍ إِحْدَاهُنَّ قَالَ لِرَجُلٍ: أَحْسِنْ صَلَاتَكَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ: شَغَلَ الْمَوْتُ قُلُوبَ الْمُتَّقِينَ عَنِ الدُّنْيَا. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ إِذَا ذُكِرَ الْمَوْتُ اضْطَرَبَتْ مَفَاصِلُهُ حَتَّى تَتَبَيَّنَ الرَّعْدَةُ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو زُبَيْدٍ: اخْتَفَى عِنْدِي مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ مِنْ يَعْقُوبَ بْنِ دَاوُدَ فِي هَذِهِ الْعَلِيَّةِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَمَا رَأَيْتُهُ نَائِمًا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1038 وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ: شَهِدْتُ غُسْلَهُ حِينَ مَاتَ فَلَوْ سُلِخَ كُلُّ لَحْمٍ كَانَ عَلَيْهِ مَا كَانَ رَطْلًا بِالْعِرَاقِيِّ، وَكَانَ يُمْسِي صَائِمًا ويَجِئُ إِلَى الْقُلَّةِ وَقَدْ بَرَدَتْ لَهُ، فَيَقُولُ لِنَفْسِهِ: تَشْتَهِيهَا لَا تَذُوقِيهَا. وَكَتَبَ إِلَى أَخٍ لَهُ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ فِي دَارِ تَمْهِيدٍ وَأَمَامَكَ مَنْزِلَانِ لَابُدَّ لَكَ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَلَمْ يَأْتِكَ أَمَانٌ فَتَطْمَئِنَّ، وَلَا بَرَاءَةٌ فَتُقَصِّرَ وَالسَّلَامُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ: مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا إِلَّا وَلَهُ مَنْ يَعْمَلُ فِي الدَّرَجَاتِ، فَإِذَا أَمْسَكَ أَمْسَكُوا، فَيُقَالُ: مَا لَكُمْ قَصَّرْتُمْ فَيَقُولُونَ: صَاحِبُنَا لَاهٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1039 ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَرُوسُ الزُّهَّادِ. قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَفْضَلَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيِّ. وَقِيلَ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: تَقَدَّمَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَلَى سُفْيَانَ، قَالَ: إِنَّكَ كُنْتَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ رَأَيْتَ كَأَنَّهُ قَدْ عَايَنَ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يَا أَبَا سَعِيدٍ , وَلَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَقَالَ: سُفْيَانُ كَانَ شَيْئًا وَمُحَمَّدٌ شيئًا، فَقَالَ أَحْمَدُ لِيَحْيَى: يَا أَبَا سَعِيدٍ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي تُكْثِرُ ذِكْرَهُ عِلْمًا أَوْ فَضْلًا؟ قَالَ: عِلْمًا وَفَضْلًا. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ الْحَلَبِيُّ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ يَخْتَلِفُ إِلَيَّ عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ أَعْرِفْهُ يَجِيءُ إِلَى الْبَابِ فَيَقُولُ: رَجُلٌ غَرِيبٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1040 يَسْأَلُ ثُمَّ يَخْرُجُ، حَتَّى رَأَيْتُهُ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ: هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ , فَقُلْتُ: هَذَا يَخْتَلِفُ إِلَيَّ مُنْذُ عِشْرِينَ وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ قُلْتُ لِابْنِ إِدْرِيسَ أُرِيدُ الثَّغْرَ فَدُلَّنِي عَلَى أَفْضَلِ رَجُلٍ بِهَا، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِمُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيِّ , قُلْتُ: فَأَيْنَ يَسْكُنُ؟ قَالَ: الْمِصِّيصَةَ، وَيَأْتِي السَّوَاحِلَ فقدم عبد الله بن المبارك المصيصة، فسأل عنه فلم يعرف فقال عبد الله بن المبارك من فضلك لَا تُعْرَفُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ يَدْفِنُ كُتُبَهُ وَيَقُولُ: هَبْ أَنَّكَ قَاضٍ فَكَانَ مَاذَا؟ هَبْ أَنَّكَ مُفْتٍ فَكَانَ مَاذَا؟ هَبْ أَنَّكَ مُحَدِّثٌ فَكَانَ مَاذَا؟ وَقِيلَ: خَرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ فِي جِنَازَةٍ بِالْمِصِّيصَةِ فَنَظَرَ إِلَى قَبْرِ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ وَمَخْلَدِ بْنِ الْحُسَيْنِ وَبَيْنَهُمَا مَوْضِعُ قَبْرٍ، فَقَالَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا مَاتَ فَدُفِنَ بَيْنَهُمَا، فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوِهَا حَتَّى دُفِنَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: مَا أَحْسَنَ مَوْضِعَ هَذَا الْقَبْرِ لِمُؤْمِنٍ , فَمَا بَاتَ لَيْلَتَهُ إِلَّا مَحْمُومًا. وَقَالَ الصَّلْتُ بْنُ يَحْيَى: كُنْتُ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ فِي طَرِيقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1041 الْأَهْوَازِ، فَلَمَّا نَزَلْنَا قَصْرَ دَشْبَاذَجَزْدَ , قَالَ: لِي فِي السَّحَرِ قُلْ لِلْمُكَارِيِّ يُوكِفْ، فَأَتَيْتُ الْمُكَارِيَّ , فَقُلْتُ لَهُ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ لَدَغَتْهُ الْعَقْرَبُ وَهُوَ يَصِيحُ وَيَتَمَرَّغُ فِي التُّرَابِ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ , فَقُلْتُ: إِنَّهُ قَدْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ، قَالَ: قُلْ لَهُ: يَجِيءُ، قُلْتُ: لَا يُمْكِنُهُ، فَقَالَ لَهُ: تَحَامَلْ وَتَعَالَ، فَتَحَامَلَ وَهُوَ يَجُرُّ رِجْلَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُحَمَّدٍ , فَقَالَ لَهُ: ضَعْ يَدَكَ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي لَدَغَتْكَ، قَالَ: فَوَضَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ شَيْئًا فَسَكَنَ وَجَعُهُ، قَالَ: فَقَامَ وَأَكَفَّ وَتَحَمَّلْنَا، فقلت له يا أبا عبد الله أي شيء الذي قَرَأْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَمُّ الْكِتَابِ، قَالَ الصَّلْتُ: وَهُوَ ذَا نَحْنُ نَقْرَأُ إِلَّا أَنَّهُ مِنْ قَوْمٍ أَسْمَعَ. ذِكْرُ مَضَّاءِ بْنِ عِيسَى السَّاجِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَضَاءُ بْنُ عِيسَى: خَفِ اللَّهَ يُلْهِمْكَ، وَاعْمَلْ لَهُ لَا يُلْجِئُكَ إِلَى ذَلِيلٍ. وَقَالَ: مَنْ أَحَبَّ رَجُلًا لِلَّهِ وَقَصَّرَ فِي حَقِّهِ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي حُبِّهِ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالشَّابِّ خَيْرًا وَفَّقَ لَهُ رَجُلًا صَالِحًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1042 وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ عُثْمَانَ: اتَّفَقَ أَبُو سُلَيْمَانَ , وَمَضَاءُ بْنُ عِيسَى , وَعَبْدُ الْجَبَّارِ , وَمُسْلِمُ بْنُ زِيَادٍ الْوَاسِطِيُّ، عَلَى أَنَّ تَرْكَ لُقْمَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ. ذِكْرُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِمَامُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دَيْنٌ فَانُظُروا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ، لَقَدْ أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ مِمَّنْ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَا أَخَذْتُ عَنْهُمْ شَيْئًا، وَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَوِ ائْتُمِنَ عَلَى بَيْتِ مَالٍ لَكَانَ أَمِينًا إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1043 قَالَ مَالِكٌ: لَقِيتُ ابْنَ شِهَابٍ يَوْمًا فِي مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ فَحدثني بِهِ، فَلَمْ أَحْفَظْهُ، فَأَخَذْتُ بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَعِدْهُ عَلَيَّ، فَأَبَى، فَقُلْتُ: أَمَا كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ يُعَادَ عَلَيْكَ فَأَعَادَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ بِبِضْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ حَدِيثًا، ثُمّ قَالَ: إِيهًا أَعِدْ عَلَيَّ فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ حَدِيثًا وَأَسْقَطْتُ الْبِضْعَةَ فِيهِ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ: فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ بَقِيَ أَحَدٌ يَحْفَظُ هَذَا غَيْرِي. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ الْقَوَارِيرِيُّ: كُنَّا عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ فَجَاءَهُ نَعْيُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فَسَالَتْ دُمُوعُهُ فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لَقَدْ كَانَ مِنَ الدِّينِ بِمَكَانٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا ذُكِرَ الْعُلَمَاءُ فَمَالِكٌ النَّجْمُ، وَمَا أَحَدٌ أَمَنُّ عَلَيَّ مِنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ أَنْقَذَنِي بِمَالِكٍ , وَاللَّيْثِ لَضَلَلْتُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْقَلَ مِنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ الْبُنَانِيُّ: أُمَنَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِلْمِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْقَطَّانُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1044 قَالَ: وَمَا أَحَدٌ عِنْدِي بَعْدَ التَّابِعِينَ أَنْبَلُ مِنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَلَا أَحَدَ آمَنُ عَلَى الْحَدِيثِ مِنْهُ. وَقَالَ أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ الرَّمْلِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ أَجْوَدَ حَدِيثًا مِنْ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: كَلَّمَنِي رَجُلٌ فِي الْقَدَرِ فَبَلَغَ الْوَالِي، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْهُ أَفَأَشْهَدُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى: انْصَرَفَ مَالِكٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يَوْمًا وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدَيَّ فَلَحِقَهُ رَجُلٌ يُقَالَ لَهُ أَبُو الْجُوَيْرِيَّةِ كَانَ يُتَّهَمُ بِالْإِرْجَاءِ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ اسْمَعْ مِنِّي شَيْئًا أُكَلِّمُكَ بِهِ، وَأَحَاجُّكَ وَأُخْبِرُكَ بِرَأْيِي، قَالَ: فَإِنْ غَلَبْتَنِي؟ قَالَ: اتَّبِعْنِي، قَالَ: فَإِنْ غَلَبْتُكَ؟ قَالَ اتَّبَعْتُكَ، قَالَ: فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ فَكَلَّمْنَاهُ فَغَلَبَنَا؟ قَالَ: اتَّبَعْنَاهُ، قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِينٍ وَاحِدٍ وَأَرَاكَ تَتَنَقَّلُ. قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَاتِ فَقَدْ أَكْثَرَ التَّنَقُّلَ. قَالَ مَالِكٌ مَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَشَدُّ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] . يَقُولُ اللَّهُ: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1045 أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [آل عمران: 106] الْآيَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَا أَبْيَنَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ وَأَشَّدُّهَا عَلَيْهِمْ: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة: 13] الْآيَةَ. فَلَابُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: لَيْسَ الْجِدَالُ فِي الدِّينِ بِشَيْءٍ. وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى مَالِكٍ , فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ أَجْعَلُكَ حُجَّةً فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّهِ، قَالَ مَالِكٌ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، سَلْ. قَالَ: مَنْ أَهْلُ السُّنَّةِ؟ قَالَ: أَهْلُ السُّنَّةِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ لَقَبٌ يُعْرَفُونَ بِهِ، لَا جَهْمِيٌّ، وَلَا قَدَرِيٌّ , وَلَا رَافِضِيٌّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ مُنْذُ أَكْثَرِ مِنْ خَمْسِينَ سَنَةً، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مَالِكًا , وَاللَّيْثَ يَخْتَلِفَانِ فَبِأَيِّهِمَا نَأْخُذُ قَالَ: «مَالِكٌ مَالِكٌ» . وَقَالَ الدَّرَاوَرْدِيُّ: رَأَيْتُ فِي مَنَامِي أَنِّي دَخَلْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، إِذْ أَقْبَلَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1046 فَدَخَلَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ فَلَمَّا أَبْصَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِلَيَّ إِلَيَّ» ، فَأَقْبَلَ مَالِكٌ حَتَّى دَنَا مِنْهُ فَسَلَّ خَاتَمَهُ مِنْ خِنْصَرِهِ فَوَضَعَهُ فِي خِنْصَرِ مَالِكٍ. وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيُّكُمْ مَالِكٌ؟ فَقَالَ: هَذَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَاعْتَنَقَهُ وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَارِحَةَ جَالِسًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ: " هَاتُوا بِمَالِكٍ، فأُتِيَ بِكَ تَرْعَدُ فَرَائِصُكَ فَقَالَ: «لَيْسَ بِكَ بَأْسٌ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ» وَكَنَّاكَ وَقَالَ: «اجْلِسْ فَجَلَسْتُ» ، فَقَالَ: «افْتَحْ حِجْرَكَ فَفَتَحْتُهُ فَمَلَأَهُ مِسْكًا مَنْثُورًا» وَقَالَ: «ضُمَّهُ إِلَيْكَ وَبُثَّهُ فِي أُمَّتِي» ، قَالَ: فَبَكَى مَالِكٌ , وَقَالَ: الرُّؤْيَا تَسُرُّ وَلَا تَغُرُّ، وَإِنْ صَدَقْتَ رُؤْيَاكَ فَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي أَوْدَعَنِي اللَّهُ تَعَالَى. فَصْلٌ قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عُرْوَةَ: قَدِمَ الْمَهْدِيُّ الْمَدِينَةَ فَبَعَثَ إِلَى مَالِكٍ بِأَلْفَيْ دِينَارٍ أَوْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ، ثُمَّ أَتَاهُ الرَّبِيعُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: يَجِبُ أَنْ تُعَادِلَهُ إِلَى مَدِينَةِ السَّلَامِ، فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» وَالْمَالُ عِنْدِي عَلَى حَالِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1047 قَالَ ابْنُ أَبِي أَوْسٍ: اشْتَكَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَهْلِنَا عَمَّا قَالَ عِنْدَ الْمَوْتِ، قَالَ: تَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ. ذِكْرُ مَخْلَدِ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: أَفْضَلُ مَنْ بَقِيَ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ: أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، وَمَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَعِيسَى بْنُ يُونُسُ. وَذُكِرَ عِنْدَ مَخْلَدِ بْنِ الْحُسَيْنِ أَخْلَاقُ مِنْ أَخْلَاقِ الصَّالِحِينَ فَقَالَ: لَا تَعْرِضَنَّ لِذِكْرِنَا فِي ذِكْرِهِمْ لَيْسَ الصَّحِيحُ إِذَا مَشَى كَالْمُقْعَدِ وَقَالَ مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: مَا نَدَبَ اللَّهُ الْعِبَادَ إِلَى شَيْءٍ إِلَّا اعْتَرَضَ فِيهِ إِبْلِيسُ بِأَمْرَيْنِ، مَا يُبَالِي بِأَيِّهِمَا ظَفِرَ: إِمَّا غُلُوٌّ فِيهِ , وَإِمَّا تَقْصِيرٌ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1048 بَابُ الْيَاءِ ذِكْرُ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ شَامِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ: عَجِبْتُ كَيْفَ تَنَامُ عَيْنٌ مَعَ الْمَخَافَةِ، أَوْ يَغْفَلُ قَلْبٌ مَعَ الْيَقِينِ بِالْمُحَاسَبَةِ، مَنْ عَرَفَ وَجَرَّبَ حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ لَمْ تَسْتَحِلَّ عَيْنَاهُ أَحَدًا إِلَّا بِإِعْطَاءِ الْمَجْهُودِ مِنْ نَفْسِهِ، خَلَقَ اللَّهُ الْقُلُوبَ مَسَاكِنَ لِلذِّكْرِ فَصَارَتْ مَسَاكِنَ لِلشَّهَوَاتِ، الشَّهَوَاتُ مَفْسَدَةٌ لِلْقُلُوبِ، وَتَلَفٌ لِلْأَمْوَالِ , إِخْلَاقُ الْوُجُوهِ، لَا يَمْحُو الشَّهَوَاتِ مِنَ الْقُلُوبِ إِلَّا خَوْفٌ مُزْعِجٌ أَوْ شَوْقٌ مُقْلِقٌ. قَالَ يُوسُفُ: الزُّهْدُ فِي الرِّيَاسَةِ أَشَدُّ مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ: يُرْزَقُ الصَّادِقُ ثَلَاثَ خِصَالٍ: الْحَلَاوَةَ , وَالْمَلَاحَةَ , وَالْمَهَابَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1049 وَقَالَ الْمُسَيَّبُ بْنُ وَاضِحٍ: قَدِمَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فَاسْتَأْذَنَ عَلَى يُوسُفَ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَقُلْتُ لَهُ: مَالَكَ لَا تَأْذَنُ لَهُ؟ قَالَ: إِنِّي إِنْ أَذِنْتُ لَهُ أَرَدْتُ أَنْ أَقُومَ بِحَقِّهِ وَلَا أَفِي بِهِ. وَقَالَ يُوسُفُ: إِنِّي أَنْ يُعَذِّبَ اللَّهُ النَّاسَ بِذُنُوبِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ يُوسُفُ لِي أَرْبَعِينَ سَنَةً مَا مَلَكْتُ قَمِيصَيْنِ. وَقَالَ يُوسُفُ: مَكَثَ الْحَسَنُ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَمْ يَضْحَكْ، وَأَرْبَعِينَ سَنَةً لَمْ يَمْزَحْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَقَدْ أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا مَا أَنَا عِنْدَهُمْ إِلَّا لِصٌّ. وَقَالَ يُوسُفُ: مَنْ دَعَا لِظَالِمٍ بِالْبَقَاءِ فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يُعْصَى اللَّهَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1050 تَبَعُ الْأتْبَاعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1051 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ذِكْرُ تَبَعِ الْأَتْبَاعِ بَابُ الْأَلِفِ ذِكْرُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ هِلَالٍ الشَّيْبَانِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَاتَ وَلَهُ سَبْعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ. قَالَ أَحْمَدُ: وُلِدْتُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، وَطَلَبْتُ الْحَدِيثَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ، وَمَاتَ هُشَيْمٌ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1053 وَرُوِيَ عَنْهُ , ,أَنَّهُ قَالَ: طَلَبْتُ الْحَدِيثَ وأَنَا ابْنُ سِتِّ عَشْرَةَ سَنَةٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَرِيعٍ: كُنَّا نَتَوَهَّمُ أَنَّهُ أَسَنُّ مِنَ الشَّافِعِيِّ، فَإِذَا الشَّافِعِيُّ أَكْبَرُ مِنْهُ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةٍ. قَالَ أَحْمَدُ: وَسُئِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ، لَقَدْ كُنَّا تَعَلَّمْنَا كَلَامَ الْقَوْمِ، وَكَتَبْنَا كُتَبَهُمْ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ، فَلَمَّا أَنْ سَمِعْنَا كَلَامَهُ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ جَالَسْنَاهُ الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِي فَمَا رَأَيْنَا مِنْهُ إِلَّا كُلَّ خَيْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَقَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ عَمِّي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ، يَقُولُ: وَذَكَرَ الْمَحَبَّةَ فَقَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ عَلِيَّ بْنَ عَاصِمٍ، فَأَوَّلْتُ عَلِيًّا عُلُوًّا، وَعَاصِمًا عِصْمَةً مِنَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ الْبَلْخِيُّ: كُنْتُ أَتَنَاوَلُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَوَجَدْتُ فِي لِسَانِي أَلَمًا فَاغْتَمَمْتُ، ثُمَّ وَضَعْتُ رَأْسِي فَنِمْتُ، فَأَتَانِي آتٍ فَقَالَ: هَذَا الَّذِي وَجَدْتَ فِي لِسَانِكَ بِتَنَاوُلِكَ الرَّجُلَ الصَّالِحَ، قَالَ: فَانْتَهَيْتُ فَجَعَلْتُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، وَلَا أَعُودُ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ، قَالَ: فَذَهَبَ ذَلِكَ الْأَلَمُ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: كُنْتُ أَنَا وَأَحْمَدُ بِالْيَمَنِ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَكُنْتُ أَنَا فَوْقَ فِي الْغُرْفَةِ وَهُوَ أَسْفَلُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ فَوْقَ، قَالَ: ذَاكَ أَرْفَقُ بِكَ، قَالَ: وَفَنِيَتْ نَفَقَتُهُ يَوْمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1054 فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فَأَبَى، قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنْ شِئْتَ قَرْضًا، وَإِنْ شِئْتَ صِلَةً، فَأَبَى فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ يَنْسُجُ التِّكَكَ وَيَبِيعُ وَيُنْفِقُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي لَا يَفْتُرُ مِنَ الرَّكَعَاتِ بَيْنَ الْعِشَائَيْنِ وَلَا بَعْدَهَا مِنْ وِرْدِهِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ. وَسُئِلَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ , عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , بَعْدَ الْمِحْنَةِ فَقَالَ: ابْنُ حَنْبَلٍ أُدْخِلَ الْكِيرَ فَخَرَجَ ذَهَبًا أَحْمَرَ. وَقَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبِي الْوَفَاةُ جَلَسْتَ عِنْدَهُ وَالْخِرْقَةُ بِيَدِي أَشُدُّ بِهَا لَحْيَيْهِ، قَالَ: يَعْرَقُ ثُمَّ يُفِيقُ وَيَفْتَحُ عَيْنَهُ وَيَقُولُ بِيَدِهِ هَكَذَا: لَا بَعْدُ، لَا بَعْدُ، يَفْعَلُ هَذَا مَرَّةً وَثَانِيَةً وَثَالِثَةً، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قُلْتُ: يَا أَبَهْ إِيشْ هَذَا الَّذِي لَهَجْتَ بِهِ فِي هَذَا الْوَقْتِ تَقُولُهُ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ مَا تَدْرِي؟ فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَ: إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ قَائِمٌ بِحِذَائِي عَاضُّ عَلَى أَنَامِلِهِ يَقُولُ: يَا أَحْمَدُ فُتَّنِي، فَأَقُولُ: لَا حَتَّى أَمُوتَ. وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ: كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إِذْ جَاءَهُ شَيْخٌ مَعَهُ عُكَّازُهُ فَسَلَّمَ وَجَلَسَ، فَقَالَ: مَنْ مِنْكُمْ أَحْمَدُ؟ فَقَالَ أَحْمَدُ: أَنَا، مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: ضَرَبْتُ إِلَيْكَ مِنْ أَرْبَعِ مِائَةِ فَرْسَخٍ، أُرِيتُ الْخَضِرَ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لِي: قُمْ فَصِلْ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: سَاكِنُ السَّمَاءِ وَالْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ رَاضُونَ عَنْكَ بِمَا صَبَرْتَ نَفْسَكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1055 لِلَّهِ، قُلْتُ: لَا أَعْرِفُهُ، قَالَ: تَأْتِي بَغْدَادَ فَتَسْأَلُ عَنْهُ، قَالَ أَحْمَدُ: مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَامَ وَخَرَجْنَا مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقُلْنَا لِلرَّجُلِ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ قَالَ: لَا، كَانَتْ أَمَانَةً فَأَدَّيْتُهَا. قَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ: وَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ الْوَاثِقِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ نَحْنُ، وَقَدْ خَرَجَ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ وَكَانَ لَهُ لَبَدٌ يَجْلِسُ عَلَيْهِ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ سِنُونَ كَثِيرَةٌ حَتَّى بَلِيَ فَإِذَا تَحْتَهُ كِتَابُ كَاغِدٍ وَإِذَا فِيهِ: بَلَغَنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنَ الضِّيقِ وَمَا عَلَيْكَ مِنَ الدَّيْنِ وَقَدْ وُجِّهْتُ إِلَيْكَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى يَدَيْ فُلَانٍ لِتَقْضِيَ بِهَا دَيْنَكَ وَتُوَسِّعَ عَلَى عِيَالِكَ وَمَا هِيَ مِنْ صَدَقَةٍ وَلَا زَكَاةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ وَرِثْتُهُ عَنْ أَبِي، فَقَرَأْتُ الْكِتَابَ وَوَضَعْتُهُ، فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَهْ هَذَا الْكِتَابُ فَاحْمَرَّ وَجْهُهُ وَقَالَ: رَفَعْتُهُ مِنْكَ، ثُمَّ قَالَ: تَذْهَبُ بِجَوَابِهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: وَصَلَ كِتَابُكَ وَنَحْنُ فِي عَافِيَةٍ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَإِنَّهُ لَرَجُلٌ لَا يُرْهِقُنَا، وَأَمَّا عِيَالُنَا فَهُمْ فِي نِعْمَةٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، فَذَهَبْتُ بِالْكِتَابِ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ أَوْصَلَ كِتَابَ الرَّجُلِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ لَوْ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَبِلَ هَذَا الشَّيْءَ وَرُمِيَ بِهِ بِدِجْلَةَ كَانَ مَأْجُورًا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ حِينٍ وَرَدَّ كِتَابَ الرَّجُلِ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْجَوَابَ بِمِثْلِ مَا رَدَّ، فَلَمَّا مَضَتْ سَنَةٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ ذَكَرَهَا، فَقَالَ: لَوْ كُنَّا قَبِلْنَاهَا كَانَتْ قَدْ ذَهَبَتْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1056 وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: كَانَتْ مُجَالَسَةُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مُجَالَسَةُ الْآخِرَةِ، لَا يَذْكُرُ فِيهَا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، مَا رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ ذَكَرَ الدُّنْيَا قَطُّ. فَصْلٌ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ أَحْمَدُ: وَجَدْتُ الْخَلْوَةَ أَصْلَحَ لِقَلْبِي. وَقَالَ الْمَرْوَذِيُّ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ صَبِيٌّ فَقَالَ: يَا أَبَهْ هَبْ لِي قِطْعَةً فَسَكَتَ، فَجَعَلَ يُرَدِّدُهَا عَلَيْهِ وَيَقُولُ: يَا أَبَهْ هَبْ لِي قِطْعَةً، فَقَالَ: أَبُوكَ لَا يَمْلِكُ قِطْعَةً، وَيَوْمَ لَا يَمْلِكُ قِطْعَةً أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ يَوْمِ يَمْلِكُ قِطْعَةً. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثْتُ عُثْمَانَ بْنَ زَائِدَةَ وَكَانَ مِنَ الْعُبَّادِ فَقَالَ: الْعَافِيَةُ عَشْرَةُ أَجْزَاءَ، تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي التَّغَافُلِ. وَسُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الْوَرَعِ فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ فِي الْوَرَعِ، أَنَا آكُلُ مِنْ بَغْدَادَ، لَوْ كَانَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ لَصَلَحَ أَنْ يُجِيبَكَ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْ غَلَّةِ بَغْدَادَ وَلَا مِنْ طَعَامِ السَّوَادِ يَصْلُحُ يَتَكَلَّمُ فِي الْوَرَعِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1057 فَصْلٌ فِي سِيرَتِهِ قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَزُرُّ ثِيَابَهُ عَلَيْهِ وَمَا رَأَيْتُ عِمَامَتَهُ قَطُّ إِلَّا تَحْتَ ذَقْنِهِ، وَرَأَيْتُهُ يَكْرَهُ غَيْرَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْمَرْوَذِيُّ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَنَحْنُ بِالْمُعَسْكَرِ فِي يَوْمٍ: ثَمَانٍ مُذْ لَمْ آكُلْ شَيْئًا، وَلَمْ أَشْرَبْ إِلَّا أقَلَّ مِنْ رُبْعِ سَوِيقٍ، وَكَانَ يَمْكُثُ ثَلَاثًا لَا يَطْعَمُ وَأَنَا مَعَهُ، فَإِذَا كَانَ لَيْلَةَ الرَّابِعَةِ أَضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَدْرَ نِصْفِ رُبْعِ سَوِيقٍ فَرُبَّمَا شَرِبَهُ وَرُبَّمَا تَرَكَ بَعْضَهُ، وَكَانَ إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ أَمْرٌ يَغُمُّهُ لَمْ يَطْعَمْ وَلَمْ يُفْطِرْ إِلَّا عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ، وَوَاصَلَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، هُوَ الْبُوشَنْجِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ حَضَرَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ إِخْوَانِهِ فَاشْتَرَى لَهُمْ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ وَأَطْعَمَهُمْ، وَإِنَّهُ صَبَرَ عَلَى مِقْدَارِ رُبْعِ سَوِيقٍ وَهُوَ الْكَيْلَجَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهُوَ بِمُعَسْكَرِ الْمُتَوَكِّلِ يَعْتَصِمُ بِذَلِكَ حَتَّى أَتَتْهُ النَّفَقَةُ مِنْ بَغْدَادَ وَلَا يَذُوقُ مِنْ مَائِدَةِ الْمُتَوَكِّلِ. وَقَالَ إِدْرِيسُ الْحَدَّادُ: مَا رَأَيْتُ أَحْمَدَ قَطُّ إِلَّا مُصَلِّيًا أَوْ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ أَوْ يَقْرَأُ فِي كِتَابٍ، مَا رَأَيْتُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَقِيلَ: رُبَّمَا اشْتَدَّ بِهِ فَبَقِيَ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ لَا يَأْكُلُ فَإِذَا رَأَى أَهْلَهُ شَرِبَ الْمَاءَ يُوهِمُهُمْ أَنَّهُ شَبْعَانُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1058 قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَذِيُّ: لَمَّا حَبَسُوا أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فِي السِّجْنِ جَاءَهُ السَّجَّانُ , فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَدِيثُ الَّذِي رُوِيَ فِي الظَّلَمَةِ وَأَعْوَانِهِمْ صَحِيحٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ السَّجَّانُ: فَأَنَا مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ؟ قَالَ لَهُ: أَعْوَانُ الظَّلَمَةِ مَنْ يَأْخُذُ شَعْرَكَ وَيَغْسِلُ ثَوْبَكَ وَيُصْلِحُ طَعَامَكَ وَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي مِنْكَ، فَأَمَّا أَنْتَ فَمِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ إِدْرِيسُ الْحَدَّادُ: لَمَّا كَانَ الْمِحْنَةَ وَصُرِفَ أَحْمَدُ إِلَى بَيْتِهِ حُمِلَ إِلَيْهِ مَالٌ جَلِيلٌ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى رَغِيفٍ يَأْكُلُهُ، فَرَدَّ جَمِيعَ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، قَالَ: فَجَعَلَ عَمَّهُ إِسْحَاقَ يَحْسِبُ مَا رَدَّ فَإِذَا هُوَ خَمْسُ مِائَةِ أَلْفٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَمِّ أَرَاكَ مَشْغُولًا بِحِسَابٍ، فَقَالَ: قَدْ رَدَدْتَ الْيَوْمَ كَذَا وَكَذَا، وَأَنْتَ مُحْتَاجٌ إِلَى حَبَّةٍ، فَقَالَ: يَا عَمُّ لَوْ طَلَبْنَا لَمْ يَأْتِنَا وَإِنَّمَا أَتَانَا لَمَّا تَرَكْنَا. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، صَحِبْنَاهُ خَمْسِينَ سَنَةً فَمَا افْتَخَرَ عَلَيْنَا بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1059 وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ: صِرْنَا مَعَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إِلَى بَابِ الْمُتَوَكِّلِ فَلَمَّا أَدْخَلُوهُ مِنْ بَابِ الْخَاصَّةِ قَالَ لَنَا أَحْمَدُ: انْصَرِفُوا عَافَاكُمُ اللَّهُ، فَمَا مَرِضَ مِنَّا أَحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَقَالَ هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ: أَرْبَعَةٌ لَهُمْ مِنَّةٌ عَلَى الْإِسْلَامِ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَيْثُ ثَبَتَ فِي الْمِحْنَةِ، فَلَمْ يَقُلْ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , حَيْثُ بَنَى الْفِقْهَ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَبُو الْقَاسِمِ ابْنِ سَلَّامٍ , حَيْثُ فَسَّرَ غَرَائِبَ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ , حَيْثُ بَيَّنَ الصَّحِيحَ مِنَ السَّقِيمِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى: حُمِلَ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِيرَاثُهُ مِنْ مِصْرَ فَحَمَلَ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَلَاثَةَ أَكْيَاسٍ فِي كُلِّ كِيسٍ أَلْفُ دِينَارٍ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَذِهِ مِنْ مِيرَاثٍ حَلَالٍ فَخُذْهَا فَاسْتَعِنْ بِهَا عَلَى عَيْلَتِكَ، قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِهَا. أَنَا فِي كِفَايَةٍ فَرَدَّهَا وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهَا شَيْئًا. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّسْتُرِيِّ: كَانَ غُلَامٌ مِنَ الصَّيَارِفَةِ يَخْتَلِفُ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَنَاوَلَهُ يَوْمًا دِرْهَمَيْنِ، فَقَالَ: اشْتَرِي بِهِمَا كَاغِدًا، فَخَرَجَ الْغُلَامُ وَاشْتَرَى لَهُ، وَجَعَلَ فِي جَوْفِ الْكَاغِدِ خَمْسَ مِائَةِ دِينَارٍ وَشَدَّهُ وَأَوْصَلَهُ إِلَى بَيْتِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَسَأَلَ وَقَالَ أَحْمَدُ: شَيْءٌ مِنَ الْبَيَاضِ، فَقَالُوا: بَلَى، فَوَضَعَ يَدَهُ فَلَمَّا أَنْ فَتَحَهُ تَنَاثَرَ الدَّنَانِيرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1060 فَرَدَّهَا فِي مَكَانِهَا وَسَأَلَ عَنِ الْغُلَامِ حَتَّى دَلَّ عَلَيْهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَبِعَهُ وَهُوَ يَقُولُ: الْكَاغِدُ اشْتَرَيْتُهُ بِدَرَاهِمِكَ خُذْهُ فَإِنِّي لَنْ آخُذَ الْكَاغِدَ أَيْضًا. وَقَالَ الْأَنْمَاطِيُّ: كُنَّا فِي مَجْلِسٍ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ , وَأَبُو خَيْثَمَةَ , وَجَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَيَذْكُرُونَ فَضَائِلَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَا تُكْثِرُوا، فَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: وَكَثْرَةُ الثَّنَاءِ عَلَى أَحْمَدَ تُسْتَنْكَرُ! لَوْ جَلَسْنَا مَجَالِسَنَا بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا فَضَائِلَهُ بِكَمَالِهَا. فَصْلٌ آخَرُ فِي سِيرَتِهِ وَأَخْلَاقِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ، يَقْرَأُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعًا مِنَ الْقُرْآنِ وَيَخْتِمُ كُلَّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فَكَانَتْ لَهُ خَتْمَةٌ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ، وَكَانَ يُصَلِّي عِشَاءَ الْآخِرَةِ وَيَنَامُ نَوْمَةً خَفِيفَةً ثُمَّ يَقُومُ إِلَى الصَّبَاحِ يُصَلِّي وَيَدْعُو، وَكَانَ يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مِائَةِ رَكْعَةٍ، فَلَمَّا ضُرِبَ الْأَسْوَاطَ أَضْعَفَتْهُ فَكَانَ يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةً وَخَمْسِينَ رَكْعَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1061 وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ: مَا رَأَيْتُ مُصَلِّيًا قَطُّ أَحْسَنَ صَلَاةً مِنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ تَكْبِيرُهُ وَرَفْعُ رَأْسِهِ وَسُجُودُهُ وَقُعُودُهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَتَشَهَّدُهُ وَتَسْلِيمُهُ. فَصْلٌ قَالَ أَحْمَدُ: أَكْذَبُ النَّاسِ الْقَصَّاصُ وَالسَّوَّالُ. وَقَالَ: إِنَّ الْقَلَنْسُوَةَ تَقَعُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى رَأْسِ مَنْ لَا يُحِبُّهَا. وَقَالَ ابْنُ هَانِئٍ: كُنْتُ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَدِ اغْتَبْتُكَ فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ قَالَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ إِنْ لَمْ تَعُدْ، فَقُلْتُ لَهُ: تَجْعَلُهُ فِي حِلٍّ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَقَدِ اغْتَابَكَ، قَالَ: أَلَمْ تَرَ اشْتَرَطْتُ عَلَيْهِ؟ وَقَالَ صَالِحٌ: جَاءَ رَجُلٌ يَعْنِي فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَبِي , فَقَالَ: تَلَطَّفْ بِي فِي الْإِذْنِ، فَإِنِّي حَضَرْتُ ضَرْبَهُ يَوْمَ الدَّارِ فَأُرِيدُ أَنِ اسْتَحِلَّهُ، فَقُلْتُ لَهُ: فَأَمْسِكْ، فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى قَالَ: أَدْخِلْهُ، فَأَدْخَلْتُهُ فَقَعَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَجَعَلَ يَبْكِي وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَنَا كُنْتُ فِيمَنْ حَضَرَ ضَرْبَكَ يَوْمَ الدَّارِ وَقَدْ أَتَيْتُكَ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ الْقِصَاصَ فَأَنَا بَيْنَ يَدَيْكَ، وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تُحِلَّنِي فَعَلْتَ، فَقَالَ: عَلَى أَنْ لَا تَعُودَ لِمِثْلِ ذَلِكَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قَدْ جَعَلْتُكَ فِي حِلٍّ، فَخَرَجَ يَبْكِي وَبَكَى مَنْ حَضَرَ مِنَ النَّاسِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1062 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبٍ , قَالَ: كُنْتُ مُؤَدِّبًا لِلْمُتَوَكِّلِ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ الْخِلَافَةَ، فَلَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ أَنْزَلَنِي حُجْرَةً مِنْ حُجَرِ الْخَاصَّةِ فَرُبَّمَا كَانَتْ تَعْرِضُ فِي فِكْرَتِهِ مَسْأَلَةٌ فِي الدِّينِ فَيُوَجِّهُ إِلَيَّ فَيَسْأَلُنِي عَنْهَا فَأُجِيبُهُ فِيهَا عَلَى مَذْهَبِ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ، وَكَانَ إِذَا جَلَسَ لِلْخَاصَّةِ أَقُومُ عَلَى رَأْسِهِ، فَإِذَا افْتَقَدَنِي دَعَانِي حَتَّى أَقِفَ مَوْقِفِي لَا يُخَلِّينِي مِنْهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا إِلَّا فِي وَقْتِ خَلْوَتِهِ، وَأَنَّهُ دَخَلَ يَوْمًا بَيْتًا لَهُ مِنْ قَوَارِيرَ سَقْفُهُ وَحِيطَانُهُ وَأَرْضُهُ وَقَدْ أَجْرَى لَهُ الْمَاءَ فِيهِ، وَالْمَاءُ يَعْلُو عَلَى الْبَيْتِ وَأَسْفَلُهُ وَقَدْ فُرِشَ قَبَاطِيُّ مِصْرَ وَوَسَائِدُهَا، وَمَخَدُّهَا الْأُرْجُوَانُ، يَجْلِسُ فِي مَجْلِسِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ الْفَتْحُ بْنُ خَاقَانَ , وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَاقَانَ , وَعَنْ يَسَارِهِ بَغَاءُ الْكَبِيرُ , وَوَصِيفٌ، وَأَنَا , وَاقِفٌ فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ، الْيَمِينِ مِمَّا يَلِيهِ، وَخَادِمٌ آخِذٌ بَعَضَادَةِ الْبَابِ وَاقِفٌ، إِذْ ضَحِكَ الْمُتَوَكِّلُ فَأَرَمَّ الْقَوْمُ وَسَكَتُوا فَقَالَ: أَلَا تَسْأَلُونِي مِمَّا ضَحِكْتُ؟ فَقَالُوا: مِمَّا ضَحِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّهُ فَقَالَ: أَضْحَكَنِي أَنِّي ذَاتَ يَوْمٍ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ الْوَاثِقِ وَقَدْ قَعَدَ لِلْخَاصَّةِ فِي مَجْلِسِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ جَالِسًا وَأَنَا وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِهِ إِذْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى جَاءَ هَذَا الْبَابُ الَّذِي دَخَلْتُهُ فَجَلَسَ فِي مَجْلِسِي هَذَا وَرُمْتُ الدُّخُولَ فَمُنِعْتُ وَوَقَفْتُ حَيْثُ الْخَادِمُ وَاقِفٌ، وَجَلَسَ ابْنُ أَبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1063 دُؤَادَ فِي مَجْلِسِكَ يَا فَتْحُ، وَجَلَسَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الزَّيَّاتِ فِي مَجْلِسِكَ يَا عُبَيْدَ اللَّهِ، وَجَلَسَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي مَجْلِسِكَ يَا بَغَاءُ، وَجَلَسَ نَجَاحٌ فِي مَجْلِسِكَ يَا وَصِيفُ، إِذْ قَالَ الْوَاثِقُ: وَاللَّهِ لَقَدْ فَكَّرْتُ فِيمَا دَعَوْتُ إِلَيْهِ النَّاسَ مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ , وَسُرْعَةِ إِجَابَةِ مَنْ أَجَابَنَا وَشِدَّةِ خِلَافِ مَنْ خَالَفَنَا، حَتَّى حَمَلْنَا مَنْ خَالَفَنَا عَلَى السَّوْطِ وَالسَّيْفِ وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ وَالْحَبْسِ الطَّوِيلِ، فَلَا يُردُّ عَنْ ذَلِكَ إِلَى قَوْلِنَا، فَوَجَدْتُ مَنْ أَجَابَنَا رَغِبَ فِيمَا فِي أَيْدِينَا، فَأَسْرَعَ فِي إِجَابَتِنَا رَغْبَةً مِنْهُ فِيمَا عِنْدَنَا، وَوَجَدْتُ مَنْ خَالَفَنَا مَنَعَهُ دِينٌ وَوَرَعٌ عَنْ إِجَابَتِنَا، فَصَبَرَ عَلَى مَا يَنَالُهُ مِنَ الْقَتْلِ وَالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ دَخَلَ قَلْبِيَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ شَكَكْتُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَفِي مِحْنَةِ مَنْ نَمْتَحِنُهُ، وَعَذَابِ مَنْ نُعَذِّبُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى هَمَمْتُ بِتَرْكِ ذَلِكَ وَالْخَوْضِ فِيهِ، فَبَدَا ابْنُ أَبِي دُؤَادَ , فَقَالَ: اللَّهَ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْ تُمِيتَ سُنَّةً قَدْ أَحْيَيْتَهَا، وَأَنْ تُبْطِلَ دِينًا قَدْ أَقَمْتَهُ، فَلَقَدْ جَهِدَ الْأَسْلَافُ فَمَا بَلَغُوا فِيهِ مَا بَلَغْتَ، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالدِّينِ خَيْرَ مَا جَزَى وَلِيًّا عَنْ أَوْلِيَائِهِ، ثُمَّ أَطْرَقُوا رُءُوسَهُمْ سَاعَةً يُفَكِّرُونَ فِي ذَلِكَ إِذْ بَدَأَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ وَخَافَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْوَاثِقِ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ يَنْقُضُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيُفْسِدُ عَلَيْهِ مَذْهَبَهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ وَنَدْعُوا النَّاسَ إِلَيْهِ لَهُوَ الدِّينُ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللَّهُ لِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَبَعَثَ بِهِ نَبِيُّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّ النَّاسَ عَمُوا عَنْ قَبُولِهِ، فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1064 الْوَاثِقُ: فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُبَاهِلُونِي عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي دؤاد: ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْفَالِجِ فِي دَارِ الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُولُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقًا مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتُ: وَهُوَ فَسَمَّرَ اللَّهُ يَدَيْهِ بِمَسَامِيرَ مِنْ حَدِيدٍ فِي دَارِ الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُولُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقًا مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: فَأَنْتَنَ اللَّهُ رِيحَهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ حَتَّى يَهْرُبَ مِنْهُ حَمِيمٌ وَغَرِيبٌ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُولُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقًا مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ. وَقَالَ نَجَاحٌ: وَهُوَ فَقَتَلَهُ اللَّهُ فِي أَضْيَقِ مَجْلِسٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُولُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقًا مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ. وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ إِيتَاخٌ , وَهُمْ فِي ذَلِكَ فَأَخُذوهُ عَلَى الْبَدِيهَةِ وَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: فَغَرَّقَهُ اللَّهُ فِي الْبَحْرِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُولُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقًا مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ. فَقَالَ الْوَاثِقُ: وَهُوَ فَأَحْرَقَ اللَّهُ بَدَنَهُ بِالنَّارِ فِي دَارِ الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُولُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقًا مِنْ أَنَّ الْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ، فَأَضْحَكُ أَنَّهُ لَمْ يَدْعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ بِدَعْوَةٍ عَلَى نَفْسِهِ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ، أَمَّا ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ فَقَدْ رَأَيْتُ مَا نَزَلَ بِهِ وَمَا ضَرَبَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَالِجِ، وَأَمَّا ابْنُ الزَّيَّاتِ فَأَنَا أَقْعَدْتُهُ فِي تَنُّورٍ مِنْ حَدِيدٍ وَسَمَّرْتُ يَدَيْهِ بِمَسَامِيرَ مِنْ حَدِيدٍ، وَأَمَّا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَأَقْبَلَ يَعْرَقُ عَرَقًا مُنْتِنًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1065 حَتَّى هَرَبَ مِنْهُ الْحَمِيمُ وَالْغَرِيبُ، وَكَانَ يُلْقَى عَلَيْهِ عِشْرُونَ غِلَالَةً فَتُؤْخَذُ مِنْهُ وَهِيَ مِثْلُ الْجِيفَةِ فَيَرْمِي بِهَا فِي دِجْلَةَ، لَا يَنْتَفِعُ بِهَا فَتَقَطَّعُ مِنْ شِدَّةِ النَّتَنِ وَالْعَرَقِ، وَأمَّا نَجَاحٌ فَأَنَا بَنَيْتُ عَلَيْهِ بَيْتًا ذِرَاعًا فِي ذِرَاعَيْنِ حَتَّى مَاتَ فِيهِ، وَأَمَّا إِيتَاخُ، فَأَنَا كَتَبْتُ إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ رَجَعَ مِنَ الْحَجِّ، فَكَبَّلَهُ بِالْحَدِيدِ وَغَرَّقَهُ. وَأَمَّا الْوَاثِقُ فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ النِّسَاءَ وَكَثْرَةَ الْجِمَاعِ، فَوَجَّهَ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى مِيخَائِيلَ الطَّبِيبُ، فَدَعَى لَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي مَشْرَبِهِ وَعَلَيْهِ قَطِيفَةُ خَزٍّ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: يَا مِيخَائِيلُ أَبْغِنِي دَوَاءً لِلْبَاهِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَدَنُكَ فَلَا تَهُدَّهُ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْجِمَاعِ تَهُدُّ الْبَدَنَ وَلَا سِيَّمَا إِذَا تَكَلَّفَ الرَّجُلُ ذَلِكَ، فَاتَّقِ اللَّهَ فِي بَدَنِكَ فَإِنَّ لَهُ حَقٌّ عَلَيْكَ، فَلَيْسَ لَكَ مِنْ بَدَنِكَ عِوَضٌ، فَقَالَ لَهُ: لَابُدَّ مِنْهُ، ثِمَّ دَفَعَ الْقَطِيفَةَ عَنْهُ فَإِذَا وَصِيفَةٌ ضَمَّهَا إِلَيْهِ، ذَكَرَ مِنْ جَمَالِهَا وَهَيْئَتِهَا أَمْرًا عَجَبًا، فَقَالَ: مَنْ يَصْبِرُ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ؟ قَالَ: فَإِنْ كَانَ لَابُدَّ فَعَلَيْكَ بِلَحْمِ السَّبْعِ فَأْمُرْ أَنْ يُؤْخَذَ لَكَ مِنْهُ رِطْلٌ فَيَغْلِي سَبْعَ غَلْيَاتٍ بِخَلٍّ خَمِرَةٍ، فَإِذَا جَلَسْتَ عَلَى شُرْبِكَ أَمَرْتَ فَوُزِنَ لَكَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَانْتَفَلْتَ عَلَى شَرَابِكَ فِي ثَلَاثِ لَيَالٍ، فَإِنَّكَ تَجِدُ فِيهِ بُغْيَتَكَ، وَاتَّقِ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ وَلَا تُسْرِفْ فِيهَا وَلَا تُجَاوِزْ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ، فَلَهَى عَنْهُ أَيَّامًا، فَبَيْنَا هُوَ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَالِسٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1066 عَلَى شَرَابِهِ إِذْ ذَكَرَهُ فَقَالَ: عَلَيَّ بِلَحْمِ السَّبْعِ السَّاعَةَ، فَأُخْرِجَ لَهُ سَبْعٌ مِنَ الْجُبِّ وَذُبِحَ مِنْ سَاعَتِهِ وَكُبِّبَ لَهُ مِنْهُ وَأُغْلِيَ بِالْخَلِّ، ثُمَّ قُدِّدَ لَهُ مِنْهُ، فَأَخَذَ يَنْتَفِلُ بِهِ عَلَى شَرَابِهِ، وَأَتَتْ عَلَيْهِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ فَاسْتَسْقَى بَطْنَهُ، فَجُمِعَ لَهُ الْأَطِّبَّاءُ فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا دَوَاءَ لَهُ إِلَّا أَنْ يُسَجَّرَ لَهُ تَنُّورٌ بِحَطَبِ الزَّيْتُونِ وَيُسَجَّرَ حَتَّى يَمْتَلِئَ جَمْرًا، فَإِذَا امْتَلَأَ كَسَحَ مَا فِي جَوْفِهِ فَأُلْقِيَ عَلَى ظَهْرِهِ وَحُشِيَ جَوْفُهُ بِالرَّطْبَةِ، وَيَقْعُدُ فِيهِ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ، فَإِنِ اسْتَسْقَى مَاءً لَمْ يُسْقَ، فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَوَامِلُ أُخْرِجَ مِنْهَا وَأُجْلِسَ جِلْسَةً مِنْتَصِبَةً، فَإِذَا أَصَابَهُ الرَّوْحُ وَجَدَ لِذَلِكَ وَجَعًا شَدِيدًا يَطْلُبُ أَنْ يُرَدَّ إِلَى التَّنُّورِ فَيُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ، وَلَا يُرَدُّ إِلَى التَّنُّورِ حَتَّى تَمْضِي سَاعَتَانِ مِنَ النَّهَارِ، فَإِذَا مَضَتْ سَاعَتَانِ مِنَ النَّهَارِ جَرَى ذَلِكَ الْمَاءُ وَخَرَجَ مِنْ مَخَارِجِ الْبَوْلِ، وَإِنْ سُقِيَ مَاءً أَوْ رُدَّ إِلَى التَّنوُّرِ كَانَ تَلَفُهُ فِيهِ فَأَمَرَ بِتَنُّورٍ فَاتُّخِذَ لَهُ وَسُجِّرَ بِحَطَبِ الزَّيْتُونِ حَتَّى إِذَا امْتُلِئَ جَمْرًا أَخْرَجَ مَا فِيهِ وَجُعِلَ عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمَّ حُشِيَ بِالرَّطْبَةِ وَعُرِّيَ وَجَلَسَ فِيهِ وَأَقْبَلَ يَصِيحُ وَيَسْتَغِيثُ وَيَقُولُ: أَحْرِقُونِي اسْقُونِي مَاءً، وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنَ الْمَاءِ وَلَا يَدَعُهُ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي أُقْعِدَ فِيهِ وَلَا يَتَحَرَّكُ، فَتَنَفَّطَ بَدُنُهُ كُلُّهُ فَصَارَتْ فِيهِ نَفَّاخَاتٌ مِثْلَ الْبِطِّيخِ وَأَعْظَمَ، فَتُرِكَ عَلَى حَالَتِهِ حَتَّى مَضَتْ لَهُ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ مِنَ النَّارِ، ثُمَّ أُخْرِجَ وَقَدْ كَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ أَوْ يَقُولُ الْقَائِلُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ: قَدِ احْتَرَقَ، فَأَجْلَسَهُ الْمُطَبِّبُّونَ فَلَمَّا وَجَدَ رَوْحَ الْهَوَى اشْتَدَّ الْوَجَعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1067 وَالْأَلَمُ، فَأَقْبَلَ يَصِيحُ وَيَخُورُ خَوَرَانَ الثَّوْرِ , وَيَقُولُ: رُدُّونِي إِلَى التَّنُّورِ فَاجْتَمَعَ نِسَاءُهُ وَخَوَاصُّهُ لِمَا رَأَوْا بِهِ مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ وَالْوَجَعِ وَكَثْرَةِ الصِّيَاحِ، وَرَجَوْا أَنْ يَكُونَ فَرَجًا فِي أَنْ يُرَدَّ إِلَى التَّنُّورِ ثَانِيَةً، فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ النَّارِ سَكَنَ صِيَاحُهُ، وَتَفَطَّرَتِ النَّفَّاخَاتُ الَّتِي كَانَتْ خَرَجَتْ مِنْ بَدَنِهِ، فَأُخْرِجَ مِنَ التَّنُّورِ وَقَدِ احْتَرَقَ وَصَارَ أَسْوَدَ كَالْفَحْمِ , فَلَمْ تَمْضِي بِهِ سَاعَاتٌ حَتَّى قَضَى، فَأَضْحَكُ أَنَّهُ لَمْ يَدْعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ بِدُعَاءٍ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ فِي نَفْسِهِ. فَصْلٌ فِي ذِكْرِ نَسَبِهِ وَمَوْلِدِهِ وَوَفَاتِهِ. هُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أَسَدِ بْنِ إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَيَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، وَقِيلَ: ابْنُ إِدْرِيسَ بْنِ عَوْفِ بْنِ قَاسِطِ بْنِ مَازِنِ بْنِ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَ، وَقِيلَ: ابْنُ مَازِنِ بْنِ شَيْبَانَ بْنِ ذُهْلِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، أَصْلُهُ مَرْوَذِيٌّ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حُمِلْتُ مِنْ مَرْوَ إِلَى بَغْدَادَ وَأُمِّي بِي حُبْلَى. قَالَ صَالِحٌ: قَالَ أَبِي: كَانَ ثُقْبُ أُذُنِي فَصَيَّرَتْ فِيهَا أُمِّي حَبَّتَيْنِ مِنْ لُؤْلُؤٍ، فَلَمَّا تَرَعْرَعَتْ نَزَعَتْهُمَا فَكَانَتَا عِنْدَهَا، فَدَفَعَتْهُمَا إِلَيَّ فَبِعْتُهُمَا بِنَحْوٍ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1068 ثَلَاثِينَ دِرْهَمٍ. وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: لِابْنِ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ. قَالَ صَالِحٌ: لَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ كَثُرَ النَّاسُ فِي الْمَحِلَّةِ، وَعَلَى الْبَابِ لِلْعِيَادَةِ فَقُلْتُ: يَا أَبَهْ قَدْ كَثُرَ النَّاسُ، قَالَ: فَمَا تَرَى؟ قُلْتُ: تَأْذَنُ لِي فَيُدْعَوْنَ، قَالَ: أَسْتَخِيرُ اللَّهَ، فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ أَفْوَاجًا حَتَّى تَمْتَلِئَ الدَّارُ فَيَسْأَلُونَ بِهِ وَيَدْعُونَ لَهُ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ وَيَدْخُلُ قَوْمٌ آخَرُونَ فَكَثُرَ النَّاسُ وَامْتَلَأَ الشَّارِعُ وَأْغَلْقَنَا بَابَ الرِّقَاقِ، وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ جِيرَانِنَا قَدْ خَضَّبَ، يَعْنِي لِحْيَتَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي لَأَرَى الرَّجُلَ يُحْيِي شَيْئًا مِنَ السُّنَّةِ فَأَفْرَحَ بِهِ، وَدَخَلَ رَجُلٌ يَدْعُو لَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ أَبِي: وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، قَالُوا: وَدَخَلَ عَلَيْهِ مُجَاهِدٌ، وَجَعَلَ يَقُولُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَدْ جَاءَتْكَ الْبُشْرَى، هَذَا الْخَلْقُ يَشْهَدُ لَكَ وَجَعَلَ يُقَبِّلُ يَدَهُ وَيَبْكِي، وَجَعَلَ يَقُولُ: أَوْصِنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ. قِيلَ: تُوُفِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَدُفِنَ بَعْدَ الْعَصْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1069 ذِكْرُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْحَوَارِيِّ شَامِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ شُعَيْبَ بْنَ حَرْبٍ , يَقُولُ لِرَجُلٍ: إِنْ دَخَلْتَ الْقَبْرَ وَمَعَكَ الْإِسْلَامُ فَأَبْشِرْ. وَقَالَ أَحْمَدُ سَمِعْتُ الْوَاهِبِيَّ أَبِي , يَقُولُ: مَنْ أَدْخَلَ فُضُولًا مِنْ طَعَامٍ أَخْرَجَ فُضُولًا مِنْ كَلَامٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ: شَكَوْتُ إِلَى أَبِي سُلَيْمَانَ قَسَاوَةَ قَلْبِي وَإِنِّي قَدْ نِمْتُ عَنْ جُزْئِي، فَقَالَ: بِمَا كَسَبَتَ يَدَاكَ، وَمَا اللَّهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ شَهْوَةٌ أَصَبْتُهَا. وَرَمَى ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ بِكُتُبِهِ فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ: نِعْمَ الدَّلِيلُ كُنْتَ، وَالِاشْتِغَالُ بِالدَّليِلِ بَعْدَ الْوُصُولِ مُحَالٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1070 وَفِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ الْحُسَيْنِ: طَلَبَ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ الْعِلْمَ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَلَمَّا بَلَغَ مِنْهُ الْغَايَةَ حَمَلَ كُتُبَهُ إِلَى الْبَحْرِ فَغَرَّقَهَا، وَقَالَ: يَا عِلْمُ لَمْ أَفْعَلْ بِكَ هَذَا تَهَاوُنًا بِكَ، وَلَا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّكَ وَلَكِنِّي كُنْتُ أَطْلُبُ لِأَهْتَدِي بِكَ إِلَى رَبِّي، فَلَمَّا اهْتَدَيْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي اسْتَغْنَيْتُ عَنْكَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنَ الْقَلَّاءِ , يَقُولُ: إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ خَلَطَ، ثُمَّ عَادَ يَقْرَأُ يَقُولُ اللَّهُ لَهُ: مَالَكَ وَلِكَلَامِي. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ سَمِعْتُ مَحْمُودًا , يَقُولُ: سُبْحَانَ مَنْ لَا يَمْنَعُهُ عِظَمُ سُلْطَانِهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي صِغَرِ سُلْطَانِهِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ: أَظُنُّ أَهْلَ الْأَرْضِ يَسْقِيهِمُ اللَّهُ الْغَيْثَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ: وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ: مَا أَظُنُّ بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِثْلُهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ: كُنْتُ أَسْمَعُ وَكِيعَ بْنَ الْجَرَّاحِ يَبْتَدِئُ قَبْلَ أَنْ يُحَدِّثَ فَيَقُولُ: مَا هُنَالِكَ إِلَّا عَفْوُهُ وَلَا نَعِيشُ إِلَّا فِي سِتْرِهِ، وَلَوْ كَشَفَ الْغَطَاءَ لَكَشَفَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1071 وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: لَأَنْ أَتْرُكَ مِنْ عَشَائِي لُقْمَةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ آكُلَهَا، وَأَقُومَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَفَقِ الْأُرْدُنِيِّ , قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلّ " لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ لَمْ يَرْجُ غَيْرِي مَا وَكَلْتُهُ إِلَى غَيْرِي، وَلَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ لَمْ يَخَفْ غَيْرِي مَا أَخَفْتُهُ مِنْ غَيْرِي. ذِكْرُ أَحْمَدَ بْنِ عَاصِمٍ الأنْطَاكِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَقْرَانِ بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ وَالسَّرِيِّ السَّقَطِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ حَمْزَةَ الزَّاهِدُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَاصِمٍ الأَنْطَاكِيَّ، يَقُولُ: «هَذِهِ غَنِيمَةٌ بَارِدَةٌ، أَصْلِحْ مَا بَقِيَ يُغْفَرْ لَكَ مَا قَدْ مَضَى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1072 حَدَّثَنَا قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَاصِمٍ، يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] . وَنَحْنُ نَسْتَزِيدُ مِنَ الْفِتْنَةِ قَالَ وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ النَّصْرَابَاذِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيَّ الرَّازِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزَّاهِدُ , يَقُولُ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ " أَنْفَعُ الْعَقْلِ مَا عَرَّفَكَ نِعْمَ اللَّهِ عَلَيْكَ، وَأَعَانَكَ عَلَى شُكْرِهَا وَقَامَ بِخِلَافِ الْهَوَى. وَسُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ عَنِ الْإِخْلَاصِ , قَالَ: إِذَا عَمِلْتَ عَمَلًا صَالِحًا فَلَمْ تُحِبَّ أَنْ تُذْكَرَ بِهِ وَتُعَظَّمَ مِنْ أَجْلِ عَمَلِكَ، وَلَا تَطْلُبْ ثَوَابَ عَمَلِكَ مِنْ أَحَدٍ سِوَاهُ، فَذَلِكَ إِخْلَاصُ عَمَلِكَ ". وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ: الْيَقُينُ نُورٌ، يَجْعَلُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ حَتَّى يُشَاهِدَ بِهِ أُمُورَ آخِرَتِهِ، وَيَخْرِقَ بِقُوَّتِهِ كُلَّ حِجَابٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الْآخِرَةِ، حَتَّى يُطَالِعَ أُمُورَ الْآخِرَةِ كَالْمُشَاهِدِ لَهَا. وَقَالَ: اعْمَلْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ غَيْرُكَ، وَلَا فِي السَّمَاءِ أَحَدٌ غَيْرُهُ. وَقَالَ: إِذَا طَلَبْتَ صَلَاحَ قَلْبِكَ فَاسْتعِنْ عَلَيْهِ بِحِفْظِ لِسَانِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1073 مَنِ اسْمُهُ إِسْحَاقُ. ذِكْرُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَخْلَدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَطَرٍ الْحَنْظَلِيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِمَامُ عَصْرِهِ بِخُرَاسَانَ فِي الْحِفْظِ وَالْفَتْوَى، مَرْوَذِيُّ الْوِلَادَةِ، سَكَنَ نَيْسَابُورَ وَمَاتَ بِهَا. قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ الْأَمِيرُ: لِمَ قِيلَ لَكَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ؟ وَمَا مَعْنَى هَذَا؟ وَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لَكَ هَذَا؟ قَالَ: اعْلَمْ أَيُّهَا الَأْمِيرُ أَنَّ أَبِي وُلِدَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَقَالَ الْمَرَاوِذَةُ: رَاهَوَيْهِ لِأَنَّهُ وُلِدَ فِي الطَّرِيقِ، وَكَانَ أَبِي يَكْرَهُ هَذَا، وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَكْرَهُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1074 قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: أَحْفَظُ سَبْعِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعِ مِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ يَوْمًا فَقَالَ لِي: يَا أَبَا يَعْقُوبَ بَلَغَنِي أَنَّكَ شَرِبْتَ الْبَلَاذِرَ لِلْحِفْظِ، قُلْتُ: مَا شَرِبْتُهُ أَيُّهَا الْأَمِيرُ وَلَا هَمَمْتُ بِشُرْبِهِ، وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنْبَأَنِي عُثْمَانُ بْنُ سَاجٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: «خُذْ مِثْقَالًا مِنْ كُنْدُرٍ , وَمِثْقَالًا مِنْ سُكَّرٍ , فَدُقَّهُمَا ثُمَّ اقْتَحِمْهِمَا عَلَى الرِّيقِ فَإِنَّهُ جَيِّدٌ لِلنِّسْيَانِ وَالْبَوْلِ» فَصْلٌ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ، فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، فِي كِتَابِهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ بَشَّارٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ دَاوُدَ الْفَقِيهَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَسْلَمَ الطُّوسِيَّ الزَّاهِدَ حِينَ مَاتَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيِّ , يَقُولُ: " مَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَخْشَى لِلَّهِ مِنْ إِسْحَاقَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1075 يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] . وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ، وَلَوْ أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ كَانَ فِي أَيَّامِهِ لَاحْتَاجَ إِلَى إِسْحَاقَ. قَالَ الْحَاكِمُ: وَسَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ يَزِيدَ الْأَسْلَمِيَّ. يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ مَيْمُونٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْعَبْدِيَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ مَنْصُورٍ , يَقُولُ: كُنْتُ مَعَ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَإِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَعُودُ مَرِيضًا، فَلَمَّا حَاذَيْنَا الْبَابَ تَأَخَّرَ إِسْحَاقُ , وَقَالَ لِيَحْيَى: تَقَدَّمْ، فَقَالَ يَحْيَى لِإِسْحَاقَ: تَقَدَّمْ أَنْتَ، قَالَ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا أَنْتَ أَكْبَرُ مِنِّي، قَالَ: نَعَمْ، أَنَا أَكْبَرُ مِنْكَ سِنًّا، وَأَنْتَ أَعْلَمُ مِنِّي فَتَقَدَّمَ إِسْحَاقُ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَوْزَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَذَكَرْنَا عِنْدَهُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيِّ وَمَا يَتْنَقِصُهُ أَهْلُ خُرَاسَانَ، فَقَالَ أَحْمَدُ «لَا أَعْرِفُ لِإِسْحَاقَ بِالْعِرَاقِ نَظِيرًا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1076 فَصْلٌ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: مَا دُمْتُ بِالْحِجَازِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِالْعِرَاقِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بِخُرَاسَانَ، لَا يَغْلِبُنَا أَحَدٌ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ سَلَمَةَ، وَكَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ، رَأَيْتُ لَيْلَةَ مَاتَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ كَانَ قَمَرًا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ سِكَّةِ إِسْحَاقَ ثُمَّ نَزَلَ فَسَقَطَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ إِسْحَاقُ، وَلَمْ أَشْعُرْ أَنَا بِمَوْتِهِ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: مَاتَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا عَبَرَ جِسْرَ بَغْدَادَ مِثْلَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيِّ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ: جَزَى اللَّهُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ وَصَدَقَةَ وَيَعْمُرَ عَنِ الْإِسْلَامِ خَيْرًا، أَحْيُوا السُّنَّةَ بِأَرْضِ الْمَشْرِقِ. وَقَالَ ابْنُ شَبْرَمَةَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا كَتَبْتُ سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ إِلَّا وَأَنَا أَحْفَظُهُ وَلَا حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِحَدِيثٍ فَأَحْبَبْتُ أَنْ يُعِيدَهُ عَلَيَّ، قَالَ الرَّاوِي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1077 وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ , قَالَ إِسْحَاقُ: أَتَعْجَبُ مِنْ هَذَا يَا أَبَا حَسَنٍ , قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا عَنْ نَفْسِي، كُنْتُ لَا أَكْتُبُ بِخَطِّي شَيْئًا إِلَّا حَفِظْتُهُ. فَصْلٌ سُئِلَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَيَدْخُلُ الرَّجُلُ الْمَفَازَةَ بِغَيْرِ زَادٍ؟ فَقَالَ: إِذَا كَانَ مِثْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنِيرٍ، فَنَعَمْ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: قَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا تَقُولُ فِي الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ، فَقُلْتُ: تُصَلِّي، وَاحْتَجَجْتُ بِحَدِيثِ عَطَاءٍ , عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: فَقَالَ لِي أَحْمَدُ: أَيْنَ أَنْتَ مِنْ خَبَرِ الْمَدَنِيِّينَ، خَبَرِ أُمِّ عَلْقَمَةَ , عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَإِنَّهُ أَصَحُّ، قَالَ إِسْحَاقُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1078 فَرَجَعْتُ إِلَى قَوْلِ أَحْمَدَ. وَسُئِلَ إِسْحَاقُ عَنْ رَجُلٍ تَرَكَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] . فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: مَنْ تَرَكَ ب أَوْ سِينٌ مِنْ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] . فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ الْحَمْدَ سَبْعُ آيَاتٍ. ذِكْرُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيِّ بَغْدَادِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْهَاشِمِيُّ، لَا نَعْلَمُ أَنَّ بِبَغْدَادَ خَرَجَ مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيِّ فِي الْأَدَبِ وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالزُّهْدِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1079 ذِكْرُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَعْقُوبَ الْجَوْزَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ سَكَنَ دِمَشْقَ، يَرْوِي عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ , وَالْعِرَاقِيِّينَ، كَانَ صَلْبًا فِي الدِّينِ حَافِظًا لِلْحَدِيثِ، مَاتَ بَعْدَ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ. ذِكْرُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ النَّيْسَابُورِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ سَكَنَ بَغْدَادَ، يَرْوِي عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، كَانَ مِنْ إِخْوَانِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، مِمَّنْ كَانَ يُجَالِسُهُ عَلَى الْحَدِيثِ وَالدِّينِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1080 ذِكْرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَعْمَرٍ الْهُذَلِيِّ الْقَطِيعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْلُهُ مِنْ هَرَاةَ، سَكَنَ بَغْدَادَ، يَرْوِي عَنْ هُشَيْمٍ وَابْنِ عُيَيْنَهَ، كبير في الحديث، كبير في السنة. باب الباء ذكر بشر بن الحارث الزاهد رحمه الله أصله من مرو، سكن بغداد، مذكور بالورع والتقشف، كان يذهب مذهب سفيان الثوري في الفقه والورع جميعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1081 وقال يحيى بن أكثم قَالَ لِيَ الْمَأْمُونُ: لَمْ يَبْقَ فِي هَذِهِ الْكَوْرَةِ أَحَدٌ يُسْتَحْيَا مِنْهُ غَيْرُ الشَّيْخِ بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ. قَالَ السَّلَمِيُّ: هُوَ ابْنُ أُخْتِ عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمٍ، صَحِبَ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ، وَكَانَ عَالِمًا وَرِعًا، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو السَّمَّاكُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو السَّبِيعِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ , يَقُولُ: " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا تَقَرُّ فِيهِ عَيْنُ حَكِيمٍ، وَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَكُونُ الدَّوْلَةُ فِيهِ لِلْحَمْقَى عَلَى الْأَكْيَاسِ وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: سَمِعْتُ بِشْرًا , يَقُولُ: النَّظَرُ إِلَى الْأَحْمَقِ سَخْنَةُ عَيْنٍ، وَالنَّظَرُ إِلَى الْبَخِيلِ يُقَسِّي الْقَلْب وَقَالَ بِإِسْنَادِهِ سَمِعْتُ بِشْرًا , يَقُولُ: الصَّبْرُ الْجَمِيلُ الَّذِي لَا شَكْوَى فِيهِ إِلَى النَّاسِ قَالَ: وَسَمِعْتُ بِشْرًا , يَقُولُ: لَا تَكُونُ كَامِلًا حَتَّى يَأْمَنَكَ عَدُوُّكَ، وَكَيْفَ يَكُونُ فِيكَ خَيْرٌ وَأَنْتَ لَا يَأْمَنُكَ صَدِيقُكَ. قَالَ: وَسَمِعْتُ بِشْرًا , يَقُولُ: الدُّعَاءُ تَرْكُ الذُّنُوبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1082 فَصْلٌ قَالَ حَسَنُ الْمَسُوحِيُّ: رَآنِي بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ يَوْمًا وَأَنَا أَرْتَعِدُ مِنَ الْبَرْدِ فَنَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ: قَطْعُ اللَّيَالِي معَ الْأيَّامِ فِي خَلَقٍ ... وَالنَّوْمُ تَحْتَ رِوَاقِ الَهَمِّ وَالْقَلَقِ أَحْرَى وَأَجْدَرُ بِي مِنْ أَنْ يُقَالَ غدًا ... إِنِّي الْتَمَسْتُ الْغِنَى مِنْ كَفِّ مُخْتَلِقِ قَالُوا: رَضِيتُ بِذَا قُلْتُ: الْقُنُوعُ غِنًى ... لَيْسَ الْغِنَى كَثْرَةَ الْأَمْوَالِ وَالْوَرِقِ رَضِيتُ بِاللَّهِ فِي عُسْرِي وَفِي يُسْرِي ... فَلَسْتُ أَسْلُكُ إِلَّا وَاضِحَ الطُّرُقِ وَقَالَ بِشْرٌ: هَبْ أَنَّكَ لَا تَخَافُ، أَلَا تَشْتَاقُ؟ . وَقَالَ بِشْرٌ: هَلَكَ الْقُرَّاءُ فِي هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ: الْغِيبَةُ , وَالْعُجْبُ، وَرَأَى بِشْرٌ فِي الْمَنَامِ مُنَادِيًا يُنَادِي: أَيْنَ السَّابِقُونَ؟ لِيَقُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، ثُمَّ نَادَى لِيَقُمْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ، ثُمَّ نَادَى، أَيْنَ السَّابِقُونَ؟ لِيَقُمْ سُلَيْمَانُ الْخَوَّاصُ. وَقَالَ بِشْرٌ: أَرْبَعَةٌ رَفَعَهُمُ اللَّهُ بِطِيبِ الْمَطْعَمِ: وُهَيْبُ بْنُ الْوَرْدِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ، وَيُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ، وَسَالِمٌ الْخَوَّاصُ. وَقَالَ بِشْرٌ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَى دَاوُدَ، أَنِّي لَمْ أَخْلُقِ الشَّهَوَاتِ إِلَّا لِلضُّعَفَاءِ مِنْ عِبَادِي، فَأَمَّا الْأَبْطَالُ فَمَا لَهُمْ وَلَهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1083 أَخْبَرَنَا طِرَادُ الزَّيْنَبِيُّ، فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ، فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَّاكُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو السَّبِيعِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ، يَقُولُ: " قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَسْتَرِيحَ فَلَا تَنَالُ مِنْ أَكْلِ الدُّنْيَا قَالَ: وَسَمِعْتُ بِشْرًا , يَقُولُ: قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: ادْعُوا وَأَمِّنُوا عَلَى دُعَائِي: اللَّهُمَّ لَا يَدْخُلْ بَيْتَ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، قُولُوا آمِينَ قَالَ: وَسَمِعْتُ بِشْرًا , يَقُولُ: زَوَّجَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ابْنَتَهُ عَلَى دِرْهَمَيْنِ، وَذَهَبَ بِهَا فِي ثِيَابِهَا حَتَّى هَيَّئَتْهَا امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ وَقَالَ بِشْرٌ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: الْجُوعُ يُرِقُّ الْقَلْبَ. قَالَ: وَسَمِعْتُ بِشْرًا , يَقُولُ: اسْتَطَالَ بْنُ عَمِّ الْحَجَّاجِ عَلَى مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ فَأَجَابَهُ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ فَقَالَ لَهُ: أَتَدْرِي مَا جَرَّأَكَ عَلَيَّ؟ إِنَّكَ لَمْ تَرْزَأْ لِي شَيْئًا، قَالَ بِشْرٌ: لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا قَالَ: وَسَمِعْتُ بِشْرًا , يَقُولُ: جَاءَ مَوْتُ هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الْمَرِيسِيَّ وَأَنَا فِي السُّوقِ، فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مَوْضِعَ شُهْرَةٍ لَكَانَ مَوْضِعَ شُكْرٍ وَسُجُودٍ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَهُ هَكَذَا، قُولُوا آمِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1084 قَالَ: وَسَمِعْتُ بِشْرًا , يَقُولُ: هَذَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ , قَالَ: قَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: مَكَثْتُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِمَكَّةَ لَمْ أُطْعَمْ شَيْئًا حَتَّى لَقِمْتُ ثَلَاثَ لُقَمٍ مِنْ رَمْلٍ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الطَّوَافِ قَالَ: وَسَمِعْتُ بِشْرًا , يَقُولُ: قَالَ الْفُضَيْلُ: خَصْلَتَانِ تُقَسِّيَانِ الْقَلْبَ: كَثْرَةُ النَّوْمِ , وَكَثْرَةُ الْأَكْلِ قَالَ: وَسَمِعْتُ بِشْرًا , يَقُولُ: أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " اغْضَبْ لِي أَشَدَّ مِمَّا تَغْضَبُ لِنَفْسِكَ قَالَ: وَسَمِعْتُ بِشْرًا , يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَحْتَمِلِ الْغَضَّ وَالْأَذَى لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَدْخُلَ فِيمَا يُحِبُّ قَالَ: وَسَمِعْتُ بِشْرًا , يَقُولُ: قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أُحِبَّ الْبَقَاءَ لِبَطْنِي وَلَا لِفَرْجِي قَالَ: وَسَمِعْتُ بِشْرًا , يَقُولُ: مَا أَقْبَحَ أَنْ يُطْلَبَ الْعَالِمُ فَيُقَالُ: هُوَ بِبَابِ الْأَمِيرِ قَالَ: وَسَمِعْتُ بِشْرًا , يَقُولُ: لَمْ أَرَ شَيْئًا أَفْضَحَ لِهَذَا الْعَبْدِ مِنْ بَطْنِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1085 فَصْلٌ قَالَ بِشْرٌ: ذَهَبَ الرِّجَالُ الْمُرْتَجَى لِفِعَالِهِمْ ... وَالْمُنْكِرُونَ لِكُلِّ أَمْرٍ مُنكَرِ وَبَقِيتُ فِي خَلَفٍ يُزَيِّنُ بَعْضَهُمْ ... بَعْضًا لِيَدْفَعَ مُعْوِرٌ عَنْ مُعْوِرِ وَقَالَ بِشْرٌ: أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُوسَى: «يَا مُوسَى لَا تُخَاصِمْ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ فَيُلْقُوا فِي قَلْبِكَ شَيْئًا فَيَرُدِّيكَ فَيَسْخَطَ اللَّهَ عَلَيْكَ» . وَقَالَ بِشْرٌ: لَا تُجَالِسْ مَالَا يُعِينُكَ عَلَى آخِرَتِكَ. وَقَالَ بِشْرٌ: قَالَ رَجُلٌ لِيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: إِنِّي أُحِبُّكَ، قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ ذَاكَ مِنْ نَفْسِي. وَقَالَ بِشْرٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فُلَانٌ يُحِبُّنِي قَالُوا: كَيْفَ؟ قَالَ: إِنِّي أُحِبُّهُ. وَقَالَ بِشْرٌ: قَالَ الْفُضَيْلُ لِسُفْيَانَ: لَئِنْ كُنْتَ تَرَى أَنَّ أَحَدًا فِي هَذَا الْمَسْجِدِ دُونَكَ لَقَدْ بُلِيتَ بِبَلَاءٍ عَظِيمٍ. وَقَالَ: قَالَ الْفُضَيْلُ لِسُفْيَانَ: لَئِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ مِثْلَكَ فَمَا أَدَّيْتَ النَّصِيحَةَ لِرَبِّكَ، كَيْفَ وَأَنْتَ تُحِبُّ أَنْ يَكُونُوا دُونَكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1086 فَصْلٌ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيِّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنِ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ بِشْرًا , يَقُولُ: " شَاطِرٌ سَخِيٌّ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قَارِئٍ لَئِيمٍ قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ ابْنُ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنِ عَفَّانَ , قَالَ: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ، يَقُولُ: إِنِّي لَأَشْتَهِي الشِّوَاءَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً مَا صَفَا لِي دِرْهَمٌ قَالَ وَحَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الْقَرَاطِيسِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِبِشْرٍ: بِأَيِّ شَيْءٍ آكُلُ خُبْزِي؟ قَالَ: اذْكُرِ الْعَافِيَةَ، وَاجْعَلْهَا إِدَامَكَ قَالَ وَحَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُنَبِّهٍ سَمِعْتُ بِشْرًا، يَقُولُ: أَنَا أَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَلَا يَكْرَهُ الْمَوْتَ إِلَّا مُرِيبٌ قَالَ وَسَمِعْتُ بِشْرًا , يَقُولُ: إِنْ لَمْ تُطِعْ فَلَا تَعْصِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1087 وَسَمِعْتُ بِشْرًا , يَقُولُ: حُبُّكَ لِمَعْرِفَةِ النَّاسِ رَأْسُ مَحَبَّةِ الدُّنْيَا قَالَ وَأَخْبَرَنَا السَّلَمِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عُمَرَ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سُهَيْلِ بْنَ زِيَادٍ، قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ، يَقُولُ: " بِحَسْبِكَ أَنَّ قَوْمًا مَوْتَى تَحْيَى الْقُلُوبُ بِذِكْرِهِمْ، وَأَنَّ قَوْمًا أَحْيَاءً تَقْسُو الْقُلُوبُ بِرُؤْيَتِهِمْ فَصْلٌ قَالَ الْعَبَّاسُ: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ، يَقُولُ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَوَضْحُ النَّوَى ... وَشُرْبُ مَاءِ الْقُلُبِ الْمَالِحَهْ أَعَزُّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ حِرْصِهِ ... وَمِنْ سُؤَالِ الْأَوْجُهِ الْكَالِحَهْ فَاسْتَغْنِ بِاللَّهِ تَكُنْ ذَا غِنًى ... مُغْتَبِطًا بِالصَّفْقَةِ الرَّابِحَهْ الْيَأْسُ عِزُّ وَالتُّقَى سُؤْدُدٌ ... وَرَغبةُ النَّفْسِ لَهَا فَاضِحَهْ مِنْ كَانَتِ الدُّنْيَا بِهِ بَرَّةً ... فَإنَّهَا يَوْمًا لَهُ ذَابِحَهْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1088 قَالَ بِشْرٌ: قَالَ الْفُضَيْلُ: لَمَّا عَصَا دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَطَالَ حُزْنُهُ وَكَثُرَ بُكَاؤُهُ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: «يَا دَاوُدُ عَلَيْكَ بِالْبُكَاءِ وَكَثْرَةِ الْأَحْزَانِ، فَإِنَّهُ مَا عَصَانِي أَحَدٌ فَرَأَى رَشَدًا وَكَانَ رَشِدًا» وَكَانَ بِشْرٌ يَتَمَثَّلُ بِبَيْتَيْ مَحْمُودٍ الْوَرَّاقُ: مُكْرَمُ الدُّنْيَا مُهَانٌ ... مُسْتَذَلٌّ فِي الْقِيَامَةْ وَالَّذِي هَانَتْ عَلَيْهِ ... فَلَهُ ثَمَّةْ كَرَامَةْ وَقَالَ بِشْرٌ يَوْمَ مَاتَتْ أُخْتُهُ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَصَّرَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ سَلَبَهُ مَنْ يُؤْنِسُهُ. وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ: كَتَبَ حُذَيْفَةُ إِلَى يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ: يَا أَخِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ بَعْضُ مَحَاسِنِنَا أَضَرُّ عَلَيْنَا مِنْ مَسَاوِئِنَا. وَقَالَ بِشْرٌ: دَخَلْتُ عَلَى حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، فَرَأَيْتُ فِي يَدِهِ بِسَاطًا فَمَا أَعْجَبَنِي، مَا هَكَذَا كَانَ الْعُلَمَاءُ. وَقَالَ بِشْرٌ: مَوْتُ التَّقِيِّ حَيَاةٌ لَا نَفَادَ لَهَا ... قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَحْيَاءُ وَقَالَ بِشْرٌ: إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعٍ يَحْسَبُونَ أَنَّكَ لِصٌّ فَافْعَلْ. وَقَالَ حُذَيْفَةُ الْمَرْعِشِيُّ: لَا تَصْفُو حَتَّى تَكُونَ فِي مَوْضِعٍ إِذَا جِئْتَ إِلَى الْبَقَّالِ فَقُلْتُ: أَعْطِنِي مِطْهَرَتَكَ قَالَ: هَاتِ كِسَاكَ أَوْ ضَعْ كِسَاكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1089 وَقَالَ بِشْرٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ: عَلِمْتُمْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْكُمْ فِيهَا زَكَاةٌ كَمَا يَجِبُ عَلَى أَحَدِكُمْ إِذَا مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى أَحَدِكُمْ إِذَا سَمِعَ مِائَتَيْ حَدِيثٍ أَنْ يَعْمَلَ مِنْهَا بِخَمْسَةِ أَحَادِيثَ وَإِلَّا فَانْظُرُوا أَيَّ شَيْءٍ يَكُونُ عَلَيْكُمْ غَدًا. وَقَالَ بِشْرٌ: سَمِعْتُ مَنْصُورًا , يَقُولُ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ , قَالَ: «إِنِّي جَاعِلٌ لِبَصَرِكَ طَبَقًا، فَإِذَا عَرَضَ لَكَ أَمْرٌ لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ فَأَطْبِقْهُ، وَإِنِّي جَاعِلٌ لِفَرْجِكَ سِتْرًا فَلَا تَكْشِفْهُ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ لَكَ» . ذِكْرُ بِشْرِ بْنِ السُّرِّيِّ الْأَفْوَهِ رَحِمَهُ اللَّهُ بَصْرِيٌّ، سَكَنَ مَكَّةَ، كَانَ مِنَ الْعِبَادِ. قَالَ بِشْرُ بْنُ السُّرِّيِّ: لَيْسَ مِنْ أَعْلَامِ الْحُبِّ أَنْ تُحِبَّ مَا يَبْغَضُ حَبِيبُكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1090 ذِكْرُ بِشْرِ الْآمِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: كَانَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ قُلْتُ لِمَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ: يَا أَبَا مَحْفُوظٍ رَأَيْتُ فِي هَذَا الْبَلَدِ إِنْسَانًا قَدْ نَحَا نَحْوَ الْأَبْدَالِ، فَسَكَتَ ثُمّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَاكَ الَّذِي يُقَالَ لَهُ بِشْرٌ الْآمِيُّ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ بْنُ تَمِيمٍ قَالَ بِشْرٌ الْآمِيُّ أَنْ أُجَرَّ عَلَى النَّدِيِّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُجَرَّ عَلَى الْيَبَسِ. وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَلَيٍّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ كَمَا ذَكَرْنَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1091 ذِكْرُ بِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ السُّلَيْمِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَسُلَيْمَةُ بَطْنٌ مِنَ الْأَزْدِ. يَرْوِي عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَالثَّوْرِيِّ، رَوَى عَنْهُ الْبَصْرِيُّونَ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، بَعْدَ مَا عَمِيَ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَعُبَّادِهِمْ. ذِكْرُ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ الزَّهْرَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، يَرْوِي عَنْ مَالِكٍ، رَوَى عَنْهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1092 ذِكْرُ بُلْبُلِ بْنِ حَرْبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، رَوَى عَنْهُ أَبُو قُدَامَةَ، كَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ، عَاجَلَهُ الْمَوْتُ فِي شَبَابِهِ، مَاتَ بِصَنْعَاءَ. قَالَ خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ: مَرِضَ بُلْبُلٌ بِالْيَمَنِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ فِيمَا يُخَاطِبُهُ: هَلْ تَشْهَيِ شَيْئًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، أُحِبّ أَنْ تُحَدِّثَنِي بِحَدِيثِ الثَّقِيفَةِ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: تَتَمَاثَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَأُحَدِّثُكَ بِحَدِيثِ الثَّقِيفَةِ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ سَأَلْتَنِي عَنْ شَهْوَتِي وَهَذِهِ شَهْوَتِي، فَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَلَمَّا بَلَغَ آخِرَ حَدِيثِ الثَّقِيفَةِ طُفِيَ، يَعْنِي مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1093 ذِكْرُ بِشْرِ بْنِ حَسَّانٍ الْهُذَلِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، يَرْوِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: ضَرَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِيَدِهِ عَلَى بَطْنِهِ ثُمَّ قَالَ: بَطْنٌ بَطَرَ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، مُتَلَوِّثًا فِي الْخَطَايَا وَالذُّنُوبِ يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ مَنَازِلَ الْأَبْرَارِ بِخِلَافِ أَعْمَالِهِمْ. بَابُ التَّاءِ ذِكْرُ تَمِيمِ بْنِ حُدَيْرٍ السَّلَمِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَرْوِي عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، رَوَى عَنْهُ عَرْعَرُ بْنُ الْبِرِنْدِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1094 بَابُ الثَّاءِ ذِكْرُ ثَعْلَبَةَ بْنِ سُهَيْلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَهْلُ الْكُوفَةِ، كُنْيَتُهُ أَبُو مَالِكٍ، رَوَى عَنْهُ أَبُو أُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. ذِكْرُ ثَعْلَبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، رَوَى عَنْهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1095 بَابُ الْجِيمِ ذِكْرُ جُمْعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ شَدِيدًا عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ، كَبِيرًا فِي الْحَدِيثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ذِكْرُ الْجُنَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ يُقَالَ لَهُ الْقَوَارِيرِيُّ، لِأَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَبِيعُ الزُّجَاجَ، أَصْلُهُ مِنْ نَهَاوَنْدَ، وَمَنْشَأُهُ بِبَغْدَادَ، صَحِبَ السَّرِيَّ السَّقَطِيَّ وَالْحَارِثَ الْمُحَاسَبِيَّ، كَانَ مَقْبُولًا عِنْدَ الْجَمَاعَةِ، كَبِيرًا فِي طَرِيقَةِ الْقَوْمِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيُّ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ , وَسُئِلَ مَنِ الْعَارِفُ؟ فَأَجَابَ: مَنْ نَطَقَ عَنْ سِرِّكَ وَأَنْتَ سَاكِتٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1096 وَقَالَ: مَا أَخَذْنَا عَنِ الْقَالَ وَالْقِيلَ، لكن عَنِ الْجُوعِ وَتَرْكِ الدُّنْيَا، وقطع المألوفات والمستحسنات، لأن التصوف هو صفاء المعاملة مع الله عز وجل، وأصله التعزف عَنِ الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ حَارِثَةُ: عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، وَأَسْهَرْتُ لَيْلِي وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي. وَقَالَ الْجُنَيْدُ: عَنِ اللَّهِ أَشَدُّ مِنْ دُخُولِ النَّارِ. وَقَالَ: إِنْ أَمْكَنَكَ أَلَّا تَكُونَ آلَةُ بَيْتِكَ إِلَّا مِنْ خَزَفٍ فَافْعَلْ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ آلَةُ بَيْتِهِ. وَقَالَ الْجُنَيْدُ: الطُّرُقُ كُلُّهَا مَسْدُودَةٌ عَلَى الْخَلْقِ إِلَّا مَنِ اقْتَفَى أَثَرَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَلَزِمَ طَرِيقَتَهُ، فَإِنَّ طُرُقَ الْخَيْرَاتِ كُلُّهَا مَفْتُوحَةٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ: حَاجَةُ الْعَارِفِينَ إِلَى كَلَاءَتِهِ وَرِعَايَتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء: 42] . وَقَالَ: الْوَقْتُ إِذَا فَاتَ لَا يُسْتَدْرَكُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ أَعَزُّ مِنَ الْوَقْتِ. وَقَالَ: فَتْحُ كَلِّ بَابٍ شَرِيفٍ بَذْلُ الْمَجْهُودِ وَقَالَ: الْأُنْسُ بِالْمَوَاعِيدِ وَالتَّعْوِيلُ عَلَيْهَا خَلَلٌ فِي الشَّجَاعَةِ، وَقَالَ: لَا تَقُمْ بِمَا عَلَيْكَ حَتَّى تَتْرُكَ مَالَكَ، وَلَا يَقْوَى عَلَى ذَلِكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1097 وَقَالَ الْجُنَيْدُ لَوْ أَقْبَلَ صَادِقٌ عَلَى اللَّهِ أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ لَحْظَةً، كَانَ مَا فَاتَهُ أَكْثَرَ مِمَّا نَالَهُ. فَصْلٌ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَضِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْخَلَدِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ , يَقُولُ: " أَكْثَرُ النَّاسِ عِلْمًا بِالآفَاتِ أَكْثَرُهُمْ آفَاتٍ قَالَ: وَقَالَ رَجُلٌ لِلْجُنَيْدِ: مَنْ أَصْحَبُ؟ قَالَ: مَنْ تَقْدِرُ أَنْ تُطْلِعَهُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ مِنْكَ، وَقِيلَ لَهُ مَرَّةً أُخْرَى: مَنْ أَصْحَبُ؟ قَالَ: مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَنْسَى مَالَهُ , وَيَقْتَضِي مَا عَلَيْهِ. قَالَ: وَقَالَ الْجُنَيْدُ: قَدْ مَشَى رِجَالٌ بِالْيَقِينِ عَلَى الْمَاءِ، وَمَاتَ عَلَى الْعَطَشِ أَفْضَلُ مِنْهُمْ يَقِينًا وَقَالَ: مَنْ عَرَفَ اللَّهَ لَا يُسَرُّ إِلَّا بِهِ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا السَّلَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ نَصْرٍ , قَالَ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ , يَقُولُ: " مَنْ نَظَرَ إِلَى وَلِيٍّ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ فَقَبِلَهُ وَأَكْرَمَهُ، أَكْرَمَهُ اللَّهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1098 قَالَ: وَأَخْبَرَنَا السَّلَمِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عُمَرَ الأَنْمَاطِيَّ , يَقُولُ: " قَالَ رَجُلٌ لِلْجُنَيْدِ: عَلَى مَاذَا يَتَأَسَّفُ الْمُحِبُّ مِنْ أَوْقَاتِهِ؟ قَالَ: عَلَى زَمَانِ بَسْطٍ أَوْرَثَ قَبْضًا، أَوْ زَمَانِ أُنْسٍ أَوْرَثَ وَحْشَةً، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: قَدْ كَانَ لِي مَشْرَبٌ يَصْفُو بِرُؤْيَتِكُمْ ... فَكَدَّرَتْهُ يَدُ الْأَيَّامِ حِينَ صَفَا ". بَابُ الْحَاءِ ذِكْرُ حَمْدَانَ بْنِ سَهْلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ بَلْخٍ، يَرْوِي عَنْ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَبِي الْوَلِيدِ. رَوَى عَنْهُ أَهْلُ بَلَدِهِ، كَانَ حَافِظًا وَرِعًا، حَسَنَ الْمُذَاكَرَةِ فِي الْحِفْظِ، شَدِيدَ الْوَرَعِ، يَذُبُّ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَيَرُدُّ عَلَى الْمُخَالِفِينَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1099 ذِكْرُ حَاتِمِ بْنِ يُوسُفَ الْعَابِدِ مِنْ أَهْلِ مَرْوٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، يَرْوِي عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ. ذِكْرُ حَاتِمٍ الْأَصَمِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ حَاتِمُ بْنُ عنوان، مِنْ أَهْلِ بَلْخٍ، صَحِبَ شَقِيقًا، غَزِيرُ الْحَدِيثِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ الْمُؤَذِّنُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلَيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلَّوَيْهِ، حَدَّثَنَا غَنِيُّ بْنُ الْحَارِثِ , قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ عنوان الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَاهِيَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ بِنَيْسَابُورَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلِّ صَلَاةَ الضُّحَى فَإِنَّهَا صَلَاةُ الْأَبْرَارِ، وَسَلِّمْ إِذَا دَخَلْتَ بَيْتَكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1100 يَكْثُرْ خَيْرُ بَيْتِكَ» قَالَ: وَأَخْبَرَنَا السَّلَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ سَعِيدَ بْنَ أَحْمَدَ الْبَلْخِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي , يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ خَالِي , يَقُولُ: سَمِعْتُ حَامِدًا اللَّفَّافَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ حَاتِمًا الْأَصَمَّ , يَقُولُ: " مَا مِنْ صَبَاحٍ إِلَّا وَالشَّيْطَانُ يَقُولُ: مَا تَأْكُلُ وَمَا تَلْبَسُ؟ وَأَيْنَ تَسْكُنُ؟ فَأَقُولُ: آكُلُ الْمَوْتَ، وَأَلْبَسُ الْكَفَنَ، وَأَسْكُنُ الْقَبْرَ ". وَقَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِحَاتِمٍ: مَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: عَافِيَةُ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَتِ الْأَيَّامُ كُلُّهَا عَافِيَةً؟ فَقَالَ: إِنَّ عَافِيَةَ يَوْمِي أَلَّا أَعْصِي اللَّهَ فِيهِ. وَقَالَ حَاتِمٌ: أَرْبَعَةٌ يَنْدَمُونَ عَلَى أَرْبَعٍ: الْمُقَصِّرُ إِذَا فَاتَهُ الْعَمَلُ، وَالْمُنْقَطِعُ عَنْ أَصْدِقَائِهِ إِذَا نَابَتْهُ نَائِبَةٌ، وَالْمُمَكَّنُ مِنْهُ عَدُوُّهُ بِسُوءِ رَأْيِهِ، وَالْجَرِيءُ عَلَى الذُّنُوبِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1101 وَقَالَ حَاتِمٌ: الْزَمْ خِدْمَةَ مَوْلَاكَ تَأْتِيكَ الدُّنْيَا رَاغِمَةً وَالْجَنَّةَ عَاشِقَةً. وَقَالَ: تَعَهَّدْ نَفْسَكَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: إِذَا عَمِلْتَ فَاذْكُرْ نَظَرَ اللَّهِ إِلَيْكَ، وَإِذَا تَكَلَّمْتَ فَاذْكُرْ سَمْعَ اللَّهِ إِلَيْكَ، وَإِذَا سَكَتَّ فَاذْكُرْ عِلْمَ اللَّهَ فِيكَ. وَقَالَ: مَنِ ادَّعَى ثَلَاثًا بِغَيْرِ ثَلَاثٍ فَهُوَ كَذَّابٌ: مَنِ ادَّعَى حُبَّ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ عَنْ مَحَارِمِهِ فَهُوَ كَذَّابٌ، وَمَنِ ادَّعَى حُبَّ الْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ إِنْفَاقِ مَالِهِ فَهُوَ كَذَّابٌ، وَمَنِ ادَّعَى حُبَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ مَحَبَّةِ الْفُقَرَاءِ فَهُوَ كَذَّابٌ. وَقَالَ رَجُلٌ لِحَاتِمٍ: عِظْنِي. قَالَ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَعْصِي مَوْلَاكَ فَاعْصِهِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَرَاكَ. وَقَالَ حَاتِمٌ: الْجِهَادُ ثَلَاثَةٌ: جِهَادٌ فِي سِرِّكَ مَعَ الشَّيْطَانِ حَتَّى تَكْسِرَهُ، وَجِهَادٌ فِي الْعَلَانِيَةِ فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ حَتَّى تُؤَدِّيَهَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَجِهَادٌ مَعَ أَعْدَاءِ اللَّهِ فِي عِزِّ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ حَاتِمٌ: النَّصِيحَةُ لِلْخَلْقِ إِذَا رَأَيْتَ إِنْسَانًا فِي الْحَسَنَةِ أَنْ تَخْشَى عَلَيْهِ، وَإِذَا رَأَيْتَهُ فِي مَعْصِيَةٍ أَنْ تَرْحَمَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1102 وَقَالَ حَاتِمٌ: الْمُنَافِقُ مَا أَخَذَ مِنَ الدُّنْيَا يَأْخُذُ بِحِرْصٍ، وَيَمْنَعُ بِالشَّكِّ، وَيُنْفِقُ بِالرِّيَاءِ، وَالْمُؤْمِنُ يَأْخُذُ بِالْخَوْفِ، وَيُمْسِكُ بِالشِّدَّةِ، وَيُنْفِقُ خَالِصًا فِي الطَّاعَةِ. فَصْلٌ قَالَ حَاتِمٌ: يُقَالُ: الْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ، إِلَّا فِي خَمْسٍ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ إِذَا حَضَرَ ضَيْفٌ، وَتَجْهِيزُ الْمَيِّتِ إِذَا مَاتَ، وَتَزْوِيجُ الْبِكْرِ إِذَا أَدْرَكَتْ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ إِذَا وَجَبَ، وَالتَّوْبَةُ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا أَذْنَبَ. ذِكْرُ الْحَارِثِ بْنِ مَنْصُورٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاسِطِيٌّ عَابِدٌ، يَرْوِي عَنِ الثَّوْرِيِّ. قَالَ الْحَارِثُ بْنُ مَنْصُورٍ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ , يَقُولُ: فُضُولُ الدُّنْيَا خُسْرَانُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1103 ذِكْرُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِدْرِيسَ بْنِ الْمُبَارَكِ بْنِ الْهَيْثَمِ بْنِ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ مِنْ أَهْلِ هَرَاةَ، كَانَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ السُّنَّةِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ. ذِكْرُ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ الْأَكَّافِ الْعَابِدِ مِنْ أَهْلِ مَرْوٍ، يَرْوِي عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، رَوَى عَنْهُ أَهْلُ بَلَدِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1104 ذِكْرُ حُمَيْدِ بْنِ زِنْجَوَيْهِ مِنْ أَهْلِ نَسَا، كَانَ مِنْ سَادَاتِ أَهْلِ بَلَدِهِ فِقْهًا وَعِلْمًا، وَهُوَ الَّذِي أَظْهَرَ السُّنَّةَ بِنَسَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. ذِكْرُ حَرَمِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْبَلْخِيِّ ابْنِ أَخِي إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْوِي عَنِ الْمَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، كَانَ مِنْ جُلَسَاءِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1105 بَابُ الْخَاءِ ذِكْرُ خَلَفِ بْنِ هِشَامٍ الْبَزَّارِ بَغْدَادِيٌّ، كَانَ عَالِمًا بِالْقِرَاءَاتِ، خَيِّرًا فَاضِلًا، يَرْوِي عَنْ مَالِكٍ، كَتَبَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ذِكْرُ خَلَفِ بْنِ مُوسَى الْبَلْخِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَرْوِي عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، رَوَى عَنْهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَكَانَ شَيْخًا صَالِحًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1106 ذِكْرُ خَلَفِ بْنِ سَالِمٍ الْمَخْرَمِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَرْوِي عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، كَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُتَّقِينَ الْأَخْيَارِ. ذِكْرُ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَزْدِيِّ الْبَصْرِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعَرُوضِ وَكِتَابِ الْعَيْنِ، كَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ، مِنَ الْمُتَقَشِّفِينَ فِي الْعِبَادَةِ، قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1107 إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ لَحْمٌ ... كَفَاكَ خَلٌّ وَزَيْتُ إِلَّا يَكُنْ ذَا وَهَذَا ... فَكِسْرَةٌ وبُيَيْتُ تَظَلُّ فِيهِ وتَأْوِي ... حَتَّى يَجِئْكَ مُوَيْتُ هَذَا لَعَمْرِي كَفَافٌ ... فَلَنْ يَغُرَّكَ لَيْتُ. بَابُ الذَّالِ ذِكْرُ ذِي النُّونِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمِصْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِيلَ: ذَا النُّونِ لَقَبٌ وَاسْمُهُ الْفَيْضُ، مِصْرِيٌّ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ. سُئِلَ ذُو النُّونِ عَنِ الْمَحَبَّةِ , فَقَالَ أَنْ تُحِبَّ مَا أَحَبَّ اللَّهُ وَتُبْغِضَ مَا أَبْغَضَ اللَّهُ، وَتَفْعَلَ الْخَيْرَ، وَتَرْفُضَ كُلَّ مَا يَشْغَلُ عَنِ اللَّهِ، وَأَنْ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1108 تَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، مَعَ الْعَطْفِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْغِلْظَةِ لِلْكَافِرِينَ وَاتِّبَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّينِ. وَقَالَ ذُو النُّونِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «مَنْ كَانَ لِي مُطِيعًا كُنْتُ لَهُ وَلِيًّا، فَلْيَثِقْ بِي وَلْيَحْكُمْ عَلَيَّ، فَوَعِزَّتِي لَوْ سَأَلَنِي زَوَالَ الدُّنْيَا لَأَزَلْتُهَا عَنْهُ» وَقَالَ: الْأُنسُ بِاللَّهِ مِنْ صَفَاءِ الْقَلْبِ مَعَ اللَّهِ، وَقَالَ: لَمْ أَرَ شَيْئًا أَبْعَثُ لِطَلَبِ الْإِخْلَاصِ مِنَ الْوِحْدَةِ، لِأَنَّهُ إِذَا خَلَا لَمْ يَرَ غَيْرَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَإِذَا لَمْ يَرَ غَيْرَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَمْ يُحَرِّكْهُ إِلَّا حُكْمُ اللَّهِ، وَمَنْ أَحَبَّ الْخَلْوَةَ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِعَمُودِ الْإِخْلَاصِ، وَاسْتَمْسَكَ بِرُكْنٍ كَبِيرٍ مِنْ أَبْوَابِ الصِّدْقِ. وَقَالَ: مِنْ عَلَامَةِ الْمُحِبِّ لِلَّهِ مُتَابَعَةُ حَبِيبِ اللَّهِ فِي أَخْلَاقِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَوَامِرِهِ وَسُنَنِهِ. وَقَالَ: لَمْ أَرَ أَجْهَلَ مِنْ طَبِيبٍ يُدَاوِي سَكْرَانًا فِي وَقْتُ سُكْرِهِ، يَعْنِي يُتْرَكُ حَتَّى يُفِيقَ، فَيُدَاوَى بِالتَّوْبَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَكُونُ لِسُكْرِهِ دَوَاءٌ حَتَّى يُفِيقَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1109 وَقَالَ: مَنْ نَظَرَ إِلَى سُلْطَانِ اللَّهِ ذَهَبَ سُلْطَانُ نَفْسِهِ، لِأَنَّ النُّفُوسَ كُلَّهَا فَقِيرَةٌ عِنْدَ هَيْبَتِهِ. وَقَالَ ذُو النُّونِ: أَمُوتُ وَمَا انْبَثَّتْ إِلَيْكَ صَبَابَتِي ... وَلَا قُضِيَتْ مِنْ صِدْقِ حُبِّكَ أَوْطَارِي وَبَيْنَ ضُلُوعِي مِنْكَ مَالُكَ قَدْ بَدَا ... وَلَمْ يُبْدِ بَادِيِهِ لأَهْلٍ وَلَا جَارٍ وَبِي مِنْكَ فِي الْأحْشَاءِ دَاءٌ مُخَامِرٌ ... فَقَدْ هَدَّ مِنِّي الرُّكْنَ وَانْبَثَّ إِسْرَارِي أَلَسْتَ دَلِيلَ الرَّكْبِ إِذْ هُمْ تَحَيَّرُوا ... وَمُنْقِذَ مَنْ أَشْفَى عَلَى جُرُفٍ هَارِ؟ فَنَلْنِي بِعَفْوٍ مِنْكَ أَحْيَا بِقُرْبِهِ ... وَغِثْنِي بِيُسْرٍ مِنْكَ يَطْرُدُ إِعْسَارِي وَقَالَ: حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُكَ بِحَالِي. وَقَالَ ذُو النُّونِ: الصِّدْقُ سَيْفُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، وَمَا وُضِعَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا قَطَعَهُ. وَمَنْ تَزَيَّنَ بِعَمَلِهِ كَانَتْ حَسَنَاتُهُ سَيِّئَاتٍ. وَقَالَ: بِأَوَّلِ قَدَمٍ تَطْلُبُهُ تَجِدُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1110 وَقَالَ: مَنْ أَنِسَ بِالْخَلْقِ فَقَدِ اسْتَمْكَنَ مِنْ بِسَاطِ الْفَرَاعِنَةِ. وَقَالَ: الْأُنْسُ بِاللَّهِ نُورٌ سَاطِعٌ، وَالْأُنْسُ بِالْخَلْقِ غَمٌّ وَاقِعٌ. وَقَالَ: مِفْتَاحُ الْعِبَادَةِ الْفِكْرُ، وَعَلَامَةُ الْهَوَى مُتَابَعَةُ الشَّهَوَاتِ، وَعَلَامَةُ التَّوَكُّلِ انْقِطَاعُ الْمَطَامِعِ. وَقَالَ: كَانَ الرَّجُلُ مَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَزْدَادُ بِعِلْمِهِ بُغْضًا لِلدُّنْيَا وَتَرْكًا لَهَا، فَالْيَوْمَ يَزْدَادُ الرَّجُلُ بِعِلْمِهِ لِلدُّنْيَا حُبًّا وَلَهَا طَلَبًا، كَانَ الرَّجُلُ يُنْفِقُ مَالَهُ عَلَى عِلْمِهِ، فَيَكْسَبُ الْيَوْمَ الرَّجُلُ بِعِلْمِهِ مَالًا، وَكَانَ يَرَى عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ زِيَادَةً فِي بَاطِنِهِ وَظَاهِرِهِ، فَالْيَوْمَ يُرَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَسَادُ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ. وَقَالَ: الْعَارِفُ كُلُّ يَوْمٍ أَخْشَعُ، لِأَنَّهُ كُلَّ سَاعَةٍ أَقْرَبُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1111 بَابُ الرَّاءِ ذِكْرُ رَيَّاحِ بْنِ زَيْدٍ الصَّنْعَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْوِي عَنْ مَعْمَرٍ , وَعُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ، قَاضِيهِمْ، يَرْوِي عَنْهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ، وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَكَانَ شَيْخًا صَالِحًا فَاضِلًا، كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، يَقُولُ: إِنِّي أُحِبُّ رَيَّاحَ وَأُحِبُّ حَدِيثَهُ وَأُحِبُّ ذِكْرَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1112 ذِكْرُ رُوَيْمِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُوَيْمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَغْدَادِيٌّ مِنْ جِلَّةِ مَشَايِخِهِمْ، وَجَدُّهُ يَزِيدُ بْنُ رُوَيْمٍ، حَدَّثَ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ , وَغَيْرِهِ، وَكَانَ رُوَيْمُ بْنُ أَحْمَدَ مُقْرِئًا، قَرَأَ عَلَى إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْحَدَّادُ، وَكَانَ فَقِيهًا عَلَى مَذْهَبِ دَاوُدَ الْأَصبْهَانِيِّ. سُئِلَ رُوَيْمٌ عَنْ آدَابِ الْمُسَافِرِ قَالَ: لَا يُجَاوِزُ هَمُّهُ قَدَمَهُ، وَحَيْثُ مَا وُقِفَ قَلْبُهُ يَكُونُ مَنْزِلُهُ. وَقَالَ لَا يَزَالُ الصُّوفِيَّةُ بِخَيْرٍ مَا تَنَافَرُوا فَإِذَا اصْطَلَحُوا هَلَكُوا. وَسُئِلَ رُوَيْمٌ عَنِ الْفُتُوَّةِ فَقَالَ أَنْ تَعْذِرَ إِخْوَانَكَ فِي زَلَّاتِهِمْ , وَلَا تُعَامِلْهُمْ بِمَا تَحْتَاجُ أَنْ تَعْتَذِرَ مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1113 وَقَالَ: مِنْ حُكْمِ الْحَكِيمِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى إِخْوَانِهِ فِي الْأَحْكَامِ، وَيُضَيِّقَ عَلَى نَفْسِهِ فِيهَا، فَإِنَّ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهِمْ اتِّبَاعُ الْعِلْمِ، وَالتَّضْيِيقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حُكْمِ الْوَرَعِ. وَقِيلَ: هَلْ يَنْفَعُ الْوَلَدَ صَلَاحُ الْوَالِدَيْنِ؟ فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَكُنْ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ بِغَيْرِهِ، بَلْ مَنْ لَمْ يَكُنْ بِرَبِّهِ لَا يَكُونُ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ خَفِيفٍ قُلْتُ لِرُوَيْمٍ: أَوْصِنِي فَقَالَ: أَقَلُّ مَا فِي الْأَمْرِ بَذْلُ الرُّوحِ، فَإِنْ أَمْكَنَكَ الدُّخُولُ فِيهِ مَعَ هَذَا، وَإِلَّا فَلَا تَشْتَغِلْ بِتَرَّهَاتِ الصُّوفِيَّةِ. وَقَالَ: الرِّضَا: اسْتِلْذَاذُ الْبَلْوَى، وَالْيَقِينُ: هُوَ الْمُشَاهَدَةُ. وَسُئِلَ عَنِ الْمَحَبَّةِ فَقَالَ: الْمُوَافَقَةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَأَنْشَدَ: وَلَوْ قُلْتَ لِي: مُتْ، مُتُّ سَمْعًا وَطَاعَةً ... وَقُلْتُ: لِدَاعِي الْمَوْتِ: أَهْلًا وَمَرْحَبًا وَقَالَ: الْأُنْسُ أَنْ تَسْتَوْحِشَ مِمَّا سِوَى مَحْبُوبِكَ. وَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ حَالُكَ؟ فَقَالَ: كَيْفَ يَكُونُ حَالُ مَنْ دِينُهُ هَوَاهُ، وَهِمَّتُهُ شَقَاهُ، لَيْسَ بِصَالِحٍ تَقِيٍّ، وَلَا عَارِفٍ نَقِيٍّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1114 بَابُ الزَّايِ ذِكْرُ زَيْدِ بْنِ الْمُبَارَكِ الصَّنْعَانِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَتَبَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَأَهْلِ بَلَدِهِ، سَكَنَ الشَّامَ، وَكَانَ مِنَ الْعِبَادِ، رَوَى عَنْهُ أَهْلُ الْيَمَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ذِكْرُ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى اللَّآلِ مِنْ أَهْلِ بَلْخٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَرْوِي عَنْ وَكِيعٍ، كَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ وَفَضْلٍ، وَكَانَ يَرُدُّ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ، رَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ وَأَهْلِ بَلَدِهِ، وَهُوَ زَكَرِيَّا بْنِ صَالِحِ بْنِ سُلَيْمَانَ صَاحِبِ كِتَابِ الْإِيمَانِ رَحِمَهُ اللَّهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1115 ذِكْرُ زَكَرِيَّا بْنِ الصَّلْتِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَدُ الْعَابِدِينَ الْمُجْتَهِدِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ، يَرْوِي عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ صَالِحٍ كَانَ يَقُولُ: مَا شَافِعٌ أَشْفَعُ لِلرَّجُلِ الْمُذْنِبِ مِنَ الْخِدْمَةِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَكَانَ يَقُولُ: مَنْ نَظَرَ إِلَى مُبْتَدِعٍ بِعَيْنِهِ فَقَدْ أَعَانَ النَّظَرَ عَلَى الْعَمَى. بَابُ السِّينِ ذِكْرُ سَلَمَةَ بْنِ الْعَيَّادِ بْنِ حُصَيْنٍ الْفَزَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ، يَرْوِي عَنْ مَالِكٍ , وَالْأَوْزَاعِيِّ، رَوَى عَنْهُ أَهْلُ الشَّامِ، كَانَ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الشَّامِ وَعُبَّادِهِمْ، مَاتَ وَهُوَ شَابٌّ، حَدَّثَ بِنَحْوٍ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1116 عَشَرَةِ أَحَادِيثَ، رَوَى عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ. قَالَ: كَانَ يُقَالَ: تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَتَعَلَّمُوا مَعَ الْعِلْمِ السَّكِينَةَ وَالْحِلْمَ. ذِكْرُ سَحْنُونَ بْنِ سَعِيدٍ التَّنُوخِيِّ مِنْ أَهْلِ إِفْرِيقِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كَانَ أَحَدَ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِقْهًا وَعِلْمًا وَنُسُكًا وَوَرَعًا، جَالَسَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ مُدَّةً كَبِيرَةً، وَهُوَ الَّذِي أَظْهَرَ مَذْهَبَ مَالِكٍ بِالْمَغْرِبِ. رَوَى عَنْهُ جَيْرُونُ بْنُ عِيسَى الْأَفْرِيقِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1117 ذِكْرُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، أَحَدُ الْوَرِعِينَ الْمُتَقَشِّفِينَ الْمُتَّقِينَ، كَانَ حَافِظًا عَالِمًا فَقِيهًا، ذَبَّ عَنِ السُّنَّةِ وَقَمَعَ الْمُخَالِفِينَ رضي الله عنه. ذكر سعيد بن إسماعيل هو أبو عثمان الحيري رحمه الله نيسابوري منه انتشر طريق التصوف بنيسابور قال عبد الله بن محمد الرازي لقيت الجنيد ورويما ويوسف بن الحسن وغيرهم من المشايخ فلم أر أحدا أعرف بالطريق إلى الله من أبي عثمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1118 وقال أبو عثمان لَا يَكْمُلُ الرَّجُلُ حَتَّى يَسْتَوِي قَلْبُهُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: فِي الْمَنْعِ وَالْعَطَاءِ، وَالْعِزِّ وَالذُّلِّ. وَقَالَ: مَنْ جَلَّ مِقْدَارُهُ فِي نَفْسِهِ صَغُرَ أَقْدَارُ النَّاسِ عِنْدَهُ. وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ: تَعَزَّزُوا بِعِزِّ اللَّهِ كَيْ لَا تَزَلُوا. وَقَالَ: صَلَاحُ الْقَلْبِ فِي أَرْبَعَةِ خِصَالٍ: فِي التَّوَاضُعِ لِلَّهِ , وَالْفَقْرِ إِلَى اللَّهِ , وَالْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ , وَالرَّجَاءِ فِي اللَّهِ. وَقَالَ: أَصْلُ الْعَدَاوَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الطَّمَعِ فِي الْمَالِ، وَالطَّمَعِ فِي إِكْرَامِ النَّاسِ، وَالطَّمَعِ فِي قَبُولِ النَّاسِ. وَقَالَ: الْعُجْبُ يَتَوَلَّدُ مِنْ رُؤْيَةِ النَّفْسِ، وَقَالَ: الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ يُوصِلُكَ إِلَى اللَّهِ، وَالْعُجْبُ فِي نَفْسِكَ يَقْطَعُكَ عَنِ اللَّهِ، وَاحْتِقَارُ النَّاسِ في نفسك مرض عظيم لَا يُدَاوَى. وَقَالَ: قَطِيعَةُ الْفَاجِرِ غُنْمٌ، وَقَالَ: الْعَاقِلُ مَنْ تَأَهَّبَ لِلْمَخَاوِفِ قَبْلَ وُقُوعِهَا. وَقَالَ: الزُّهْدُ فِي الْحَرَامِ فَرِيضَةٌ، وَفِي الْمُبَاحِ فَضِيلَةٌ، وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ: أَنْتَ فِي سِجْنٍ مَا تَبِعْتَ مُرَادَكَ وَشَهَوَاتِكَ، فَإِذَا فَوَّضْتَ وَسَلَّمْتَ اسْتَرَحْتَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1119 ذِكْرُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحَلَبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ سَكَنَ دِمَشْقَ، صَحِبَ سَرِيَّ السَّقَطِيَّ، أَحَدَ الْعُلَمَاءِ الْعُبَّادِ، تَخَرَّجَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُوَلَّدِ، وَطَبَقَتُهُ. ذِكْرُ السُّرِّيِّ بْنِ الْمُغَلِّسِ السَّقَطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ خَالَ الْجُنَيْدِ وَأُسْتَاذَهُ، صَحِبَ مَعْرُوفًا الْكَرْخِيَّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ. قَالَ السُّرِّيُّ: إِذَا فَاتَنِي جُزْءٌ مِنْ وِرْدِي لا يُمْكِنُنِي أَنْ أَقْضِيَهُ أَبَدًا. وَقَالَ: مَا أَرَى لِي عَلَى أَحَدٍ فَضْلًا، فَهَلْ لِي عَلَى الْمُخْبِتِينَ؟ قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1120 وَلَا عَلَى الْمُخْبِتِينَ، قَالَ: وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُسْلِمَ دِينَهُ، وَيَسْتَرِيحَ قَلْبُهُ، وَيَقِلُّ غَمُّهُ، فَلْيَعْتَزِلِ النَّاسَ، لِأَنَّ هَذَا زَمَانَ عُزْلَةٍ، وَوِحْدَةٍ. وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ النِّعَمِ سُلِبَهَا مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ، وَقَالَ: قَلِيلٌ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ فِي بِدْعَةٍ، فَكَيْفَ يَقِلُّ عَمَلٌ مَعَ تَقْوَى؟ وَقَالَ: الْأَدَبُ تُرْجُمَانُ الْعَقْلِ، وَقَالَ: مَنْ أَطَاعَ مَنْ فَوْقَهُ أَطَاعَهُ مَنْ دُونَهُ. وَقَالَ: لِسَانُكَ تُرْجُمَانُ قَلْبِكَ، وَوَجْهُكَ مِرْآةُ قَلْبِكَ، يَتَبَيَّنُ عَلَى الْوَجْهِ مَا تُضْمِرُ الْقُلُوبُ. قَالَ: مِنْ عَلَامَةِ الاسْتِدْرَاجِ: الْعَمَى عَنْ عُيُوبِ النَّفْسِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَوَيْهِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الْخَلَدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ , قَالَ: سَمِعْتُ سَرِيًّا , يَقُولُ: " مَا أُحِبُّ أَنْ أَمُوتَ حَيْثُ أَعْرِفُ، أَخَافُ أَنْ لَا تَقْبَلَنِي الْأَرْضُ فَأُفْتَضَحُ وَسَمِعْتُ سَرِيًّا , يَقُولُ: إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى أَنْفِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْوَدَّ وَجْهِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1121 ذِكْرُ سَيَّارِ بْنِ خُزَيْمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْبَهَانِيٌّ، كَانَ مِنَ الْعِبَادِ، وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ سَمَكُ سَيَّارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ. يَرْوِي عَنْ حُسَيْنِ بْنِ حَفْصٍ، رَوَى عَنْهُ أَبُو عَلِيٍّ الصَّحَّافُ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ. بَابُ الشِّينِ ذِكْرُ شُعَيْبِ بْنِ حَرْبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بَغْدَادِيٌّ، سَكَنَ الْمَدَائِنَ، يَرْوِي عَنِ الثَّوْرِيِّ، كَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدَوَيْهِ، بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1122 جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُلْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ سَوَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ شُعَيْبَ بْنَ حَرْبٍ، يَقُولُ: " بَيْنَمَا أَنَا فِي طَرِيقِ مَكَّةَ إِذْ رَأَيْتُ هَارُونَ الرَّشِيدَ، فَقُلْتُ: يَا هَارُونُ، قَدْ وَجَبَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فَقَالَ: لَا، لَا تَفْعَلْ إِنَّ هَذَا رَجُلٌ إِنْ أَمَرْتَهُ ضَرَبَ عُنُقَكَ، فَقُلْتُ لِنَفْسِي: لَابُدَّ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي صِحْتُ: يَا هَارُونُ، قَدْ أَلْقَيْتَ الْأُمَّةَ وَأُلْقِيتَ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: خُذُوهُ، فَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَبِيَدِهِ عَمُودٌ يَلْعَبُ بِهِ، فَقَالَ: مِمَّنِ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: مِنْ أَبْنَاءِ النَّاسِ، فَقَالَ: مِمَّنْ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ؟ قُلْتُ: مِنَ الْأَبْنَاءِ، يَعْنِي مِنْ أَبْنَاءِ الْعَجَمِ هُمْ قَوْمٌ مُخَصَّصُّونَ بِالْيَمَنِ، قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَدْعُوَنِي بِاسْمِي؟ قَالَ شُعَيْبٌ: فَوَرَدَ عَلَى قَلْبِي كَلِمَةٌ مَا خَطَرَتْ لِي قَطُّ عَلَى بَالِي، فَقُلْتُ لَهُ: أَنَا أَدْعُو اللَّهَ بِاسْمِهِ فَأَقُولُ: يَا اللَّهُ، يَا رَحْمَنُ، أَلَا أَدْعُوكَ بِاسْمِكَ، وَمَا تُنْكِرُ مِنْ دُعَائِي بِاسْمِكَ، وَقَدْ رَأَيْتَ اللَّهَ سَمَّى فِي كِتَابِهِ أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ مُحَمَّدًا، وَكَنَّى أَبْغَضَ الْخَلْقِ إِلَيْهِ أَبَا لَهَبٍ فَقَالَ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] . فَقَالَ: أَخْرِجُوهُ، أَخْرِجُوهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1123 ذِكْرُ شُرَيْحِ بْنِ زَيْدٍ الْحَضْرَمِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَامِيٌّ، أَحَدُ الْعُبَّادِ، يَرْوِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ. ذِكْرُ شَقِيقِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَلْخِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَشَايِخِ خُرَاسَانَ، صَحِبَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ وَأَخَذَ عَنْهُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1124 , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ سَعِيدِ بْنِ أَحْمَدَ الْبَلْخِيِّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي , يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ خَالِي مُحَمَّدَ بْنَ اللَّيْثِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ حَامِدًا اللَّفَّافَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ حَاتِمَ الْأَصَمَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ , يَقُولُ: الْعَاقِلُ لَا يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَحْرُفِ، أَوَّلُهُ أَنْ يَكُونَ خَائِفًا لِمَا سَلَفَ مِنْهُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَالثَّانِي لَا يَدْرِي مَا يَنْزِلُ بِهِ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ، وَالثَّالِثُ: يَخَافُ مِنْ إِبْهَامِ الْعَاقِبَةِ لَا يَدْرِي بِمَا يُخْتَمُ لَهُ، وَقَالَ: سَمِعْتُ شَقِيقًا , يَقُولُ: احْذَرْ أَنْ تَهْلَكَ بِالدُّنْيَا، وَلَا تَهْتَمَّ أَنَّ رِزْقَكَ يُعْطَى أَحَدًا سِوَاكَ قَالَ وَسَمِعْتُ شَقِيقًا , يَقُولُ: اسْتَعِدَّ إِذَا جَاءَكَ الْمَوْتُ لَا تَسْأَلْ عَنِ الرَّجْعَةِ وَقَالَ سَمِعْتُ شَقِيقًا , يَقُولُ: التَّوَكُّلُ أَنْ يَطْمَئِنَّ قَلْبُكَ بِمَوْعُودِ اللَّهِ قَالَ وَسَمِعْتُ شَقِيقًا , يَقُولُ: تُعْرَفُ تَقْوَى الرَّجُلِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: فِي أَخْذِهِ , وَمَنْعِهِ , وَكَلَامِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1125 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ شَقِيقٍ الْبَلْخِيِّ , قَالَ: دَخَلَ الْفَسَادُ فِي الْخَلْقِ مِنْ سِتَّةِ أَشْيَاءَ: أَوَّلُهُ: ضَعْفُ النِّيَّةِ فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ، وَالثَّانِي: صَارَتْ أَبْدَانُهُمْ رَهِينَةً بِشَهَوَاتِهِمْ، وَالثَّالِثُ: غَلَبُ طُولِ الْأَمَلِ عَلَى قُرْبِ أَجَلِهِمْ، وَالرَّابِعُ: اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَنَبَذُوا سُنَّةَ رَسُولِهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَالْخَامِسُ: آثَرُوا رِضَا الْمَخْلُوقِينَ فِيمَا يَشْتَهُونَ عَلَى رِضَا خَالِقِهِمْ فِيمَا يَكْرَهُونَ، وَالسَّادِسُ: جَعَلُوا زَلَّاتِ السَّلَفِ دِينًا وَمَنَاقِبًا لِأَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ مَعْرِفَتَهُ بِاللَّهِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَا وَعَدَهُ اللَّهُ، وَوَعَدَهُ النَّاسُ بِأَيِّهِمَا قَلْبُهُ أَوْثَقُ. وَقَالَ: مَيِّزْ بَيْنَ مَا تُعْطِي وتُعْطَى، إِنْ كَانَ مَنْ يُعْطِيكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ فَإِنَّكَ مُحِبٌّ لِلدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ مَنْ تُعْطِيهِ أَحَبُّ إِلَيْكَ فَأَنْتَ مُحِبٌّ لِلْآخِرَةِ. وَقَالَ: اتَّقِ الْأَغْنِيَاءَ، فَإِنَّكَ مَتَى عَقَدْتَ قَلْبَكَ مَعَهُمْ وَطَمِعْتَ فِيهِمْ فَقَدِ اتَّخَذْتَهُمْ رَبًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الضَّيْفِ لِأَنَّ رِزْقَهُ وَمُؤْنَتَهُ عَلَى اللَّهِ، وَأَجْرَهُ لِي. وَقَالَ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ فِي رَاحَةٍ فَكُلْ مَا أَصَبْتَ، وَالْبَسْ مَا وَجَدْتَ، وَارْضَ بِمَا قَضَى اللَّهُ عَلَيْكَ، وَقَالَ: مَنْ دَارَ حَوْلَ الْعُلُوِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1126 فَإِنَّمَا يَدُورُ حَوْلَ النَّارِ، وَقَالَ: مَنْ دَارَ حَوْلَ الشَّهَوَاتِ فَإِنَّهُ يَدُورُ بِدَرَجَاتِهِ فِي الْجَنَّةِ لِيَأْكُلَهَا فِي الدُّنْيَا. بَابُ الصَّادِ ذِكْرُ صَفْوَانِ بْنِ عِيسَى الزُّهْرِيِّ الْقُرَشِيِّ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، رَوَى عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، كَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1127 ذِكْرُ صَالِحِ بْنِ مَهْرَانَ، كُنْيَتُهُ أَبُو سُفْيَانَ أَصْبَهَانِيٌّ أَحَدُ الْوَرِعِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُونِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَوْرَعَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ. وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إِذَا رَأَيْتَ الْعَالِمَ لَا يَتَوَرَّعُ فِي عِلْمِهِ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ عَنْهُ، وَكَانَ يَقُولُ: وَضَعُوا مَفَاتِيحَ الدُّنْيَا عَلَى الدُّنْيَا فَلَمْ تَنْفَتِحْ، فَوَضَعُوا عَلَيْهَا مَفَاتِيحَ الْآخِرَةِ فَانْفَتَقَتْ، وَقَالَ: لِيَسْتَيْقِنَ النَّاسُ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ فِي الْإِسْلَامَ فَرَحًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1128 ذِكْرُ صَالِحِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلِيَ قَضَاءَ أَصْبَهَانَ , يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ، كَانَ أَبُوهُ يُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا، مَاتَ بِأَصْبَهَانَ وَقَبْرُهُ بِأَصْبَهَانَ. ذِكْرُ صَدَقَةَ بْنِ الْفَضْلِ الْمَرْوَزِيِّ كَانَ صَدِيقَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ: أَقْبَلْتُ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى بَغْدَادَ وَلَيْسَتْ مَعِي نَفَقَةٌ، فَلَمَّا بَلَغْتُ نَهْرَ صَرْصَرَ , اشْتَدَّ بِيَ الْجُوعُ، فَدَخَلْتُ مَسْجِدًا هُنَاكَ فَنِمْتُ، فَإِذَا رَجُلٌ يُحَرِّكُنِي بِرِجْلِهِ، فَانْتَبَهْتُ، فَإِذَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمَعَهُ حَمَّالٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1129 مَعَهُ خُبْزٌ وَغَيْرُهُ فَقَالَ: إِنِّي أُتِيتُ الْبَارِحَةَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لِي: صَدِيقُكَ صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَقْبَلَ مِنَ الْكُوفَةِ وَهُوَ بِحَالٍ فَأَدْرِكْهُ. ذِكْرُ صَالِحِ بْنِ الصَّبَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْبَهَانِيٌّ يَرْوِي عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيُّ: صَالِحُ بْنُ الصَّبَاحِ مِمَّنْ تُرْجَى دَعْوَتُهُ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: كَانَ يُقَالَ: إِنَّهُ مِنَ الْأَبْدَالِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ذِكْرُ الصَّلْتِ بْنِ زَكَرِيَّا الْأَصْبَهَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدُ الزُّهَّادِ، وَالِدُ زَكَرِيَّا بْنِ الصَّلْتِ، كَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، يَرْوِي عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1130 بَابُ الضَّادِ ذِكْرُ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ مِنْ أَهْلِ الرَّمْلَةِ، يَرْوِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، مِنْ صُلَحَاءِ الشَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. بَابُ الطَّاءِ ذِكْرُ طَلْحَةِ بْنِ يَحْيَى بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الزَّرْقِّيِّ الْأَنْصَارِيِّ مَدَنِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1131 بَابُ الظَّاءِ ذِكْرُ ظُلَيْمِ بْنِ حُطَيْطٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ، مِنَ الْمُوَاظِبِينَ عَلَى لُزُومِ السُّنَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1132 بَابُ الْعَيْنِ ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ، يَرْوِي عَنِ الزُّبَيْدِيِّ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: مَا رَأَيْتُ شَامِيًّا أَكْمَلُ فِي عَقْلِهِ وَمُرُوءَتِهِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ. ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، رَوَى عَنِ الْبُخَارِيِّ، كَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ وَفَضْلٍ وَدِينٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1133 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، هُوَ الَّذِي حَفِظَ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ وَالْحِجَازِ وَمِصْرَ حَدِيثَهُمْ، كَانَ مِنَ الْعُبَّادِ، قُرِئَ عَلَيْهِ كِتَابُ أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ فَمَاتَ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: جَعَلْتُ عَلَى أَنْ أَصُومَ يَوْمًا إِنِ اغْتَبْتُ أَحَدًا , فَهَانَ عَلَيَّ الصَّوْمُ، فَجَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي دِرْهَمَ صَدَقَةٍ فَأَمْسَكْتُ. ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، كَانَ تَفَقَّهَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، كَبِيرًا فِي الْعِلْمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1134 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، سَكَنَ الْبَصْرَةَ، وَكَانَ مِنَ الْمُتَقَشِّفَةِ الْخَشَّنِ، وَكَانَ لَا يُحَدِّثُ إِلَّا بِاللَّيْلِ، يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: اخْتَلِفُوا إِلَى مَنْ شِئْتُمْ، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ وَلَمْ يُحَدِّثْكُمْ إِنْسَانٌ فَتَعَالَوْا إِلَيَّ حَتَّى أُحَدِّثَكُمْ، وَرُبَّمَا خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا بَارِيَةٌ قَدِ اتَّشَحَ بِهَا، وَكَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ فِي مَالِكٍ أَحَدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1135 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُقَالَ لَهُ عَبْدَانُ، مِنْ أَهْلِ مَرْوٍ، رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ، وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ , يَقُولُ: مَا بَقِيَ الرِّحْلَةُ إِلَّا إِلَى عَبْدَانَ بِخُرَاسَانَ، وَرُبَّمَا قَالَ: يَارَبِّ لَا يَحُجَّ. ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النُّفَيْلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كُنْيَتُهُ أَبُو جَعْفَرٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، كَانَ حَافِظًا مُتَّقِيًا، كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، يَقُولُ: أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ أَهْلٌ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1136 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَبْسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، كَانَ حَافِظًا مُتَّقِيًا دَيِّنًا. ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي غَسَّانَ الْكُوفِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ سَكَنَ صَنْعَاءَ، يَرْوِي عَنْ وَكِيعٍ. قَالَ عُبَيْدٌ الْكَشْوَرِيُّ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي غَسَّانَ عِنْدَنَا بِالْيَمَنِ مِثْلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ بِالْعِرَاقِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1137 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ السَّمَرْقَنْدِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَرْوِي عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ فِي الدِّينِ، وَمِنَ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ، أَظْهَرَ السُّنَّةَ فِي بَلَدِهِ وَقَمَعَ مَنْ خَالَفَهَا. ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ عَلَى قَضَاءِ أَصْبَهَانَ، أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ الْوَرِعِينَ، لَقِيَ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، وَشُعَيْبَ بْنَ حَرْبٍ. قَالَ يَحْيَى بْنُ مُطَرِّفٍ: مَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدٍ يَوْمًا يُرِيدُ مَجْلِسَ الْحَكَمِ، وَجَوْنَتُهُ عَلَى عُنُقِ غُلَامٍ لَهُ، فَوَقَعَ لِرَجُلٍ حَمْلُهُ عَنْ حِمَارٍ لَهُ، فَقَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1138 أَعِينُونِي عَلَى حَمْلِ هَذَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِغُلَامِهِ: ضَعِ الْجَوْنَةَ، وَوَضَعَ عَبْدُ اللَّهِ كِسَاءَهُ عَنْ عَاتِقِهِ فَحَمَلَ مَعَ غُلَامِهِ عَلَى حِمَارِ الرَّجُلِ ثُمَّ لَبِسَ كِسَاءَهُ وَتَوَجَّهَ إِلَى الْمَجْلِسِ. وَجَلَسَ يَوْمًا بِالْمَدِينَةِ لِلْقَضَاءِ فَحَكَمَ بِشَيْءٍ، فَقَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ: أَيُّهَا الْقَاضِي أَخَذَا بِتُرْسٍ؟ قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَجَعَلَ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى رَأْسِهِ وَيَقُولُ: قَاضِي خاكس بسر قاضي خاكس بسر، فَخَتَمَ جَوْنَتَهُ وَدِيوَانَهُ وَهَرَبَ وَلَمْ يُرَ بَعْدُ إِلَّا يَوْمًا فِي الثَّغْرِ حَارِسًا. ذِكْرُ مَنِ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَن ذِكْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ شَامِيٌّ، كَانَ عَابِدًا فَاضِلًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1139 ذِكْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَصْرِيٌّ، كَانَ وَرِعًا حَافِظًا، لَهُ مَنَاقِبُ كَثِيرَةٌ. ذِكْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ الْمِصْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْوِي عَنْ مَالِكٍ، كَانَ فَاضِلًا لَهُ مَنَاقِبُ كَثِيرَةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1140 ذِكْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَطِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَفَاضِلِ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَخِيَارِ أَهْلِ الشَّامِ، وَزُهَّادِهِمْ، كُنْيَتُهُ أَبُو سُلَيْمَانَ، مَضَى ذِكْرُهُ فِي أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ. ذِكْرُ مِنِ اسْمُهُ عَلِيٌّ ذِكْرُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْغَضَائِرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ شَامِيٌّ، قَالَ عَلِيٌّ: دَقَقْتُ عَلَى السُّرِّيِّ بْنِ غَلَسٍ بَابَهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ مَنْ شَغَلَنِي عَنْكَ فَاشْغِلْهُ بِكَ عَنِّي، فَكَانَ مِنْ بَرَكَةِ دُعَائِهِ أَنِّي حَجَجْتُ مِنْ حَلَبَ مَاشِيًا عَلَى قَدَمَيَّ أَرْبَعِينَ حَجَّةً. رَوَى عَنِ ابْنِ الْمُقْرِئِ، وَقَالَ: كَانَ مِنَ الْأَبْدَالِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1141 ذِكْرُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ السَّامِرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ عُمَرُ بْنُ مَكِّيٍّ، عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَلِيٍّ السَّامِرِيِّ مُؤَاخَاةٌ، فَلَمَّا قُبِضَ كُنْتُ أَتَمَنَّى مُدَّةَ أَنْ أَرَاهُ، فَأَعْلَمَ حَالَهُ عِنْدَ اللَّهِ، فَرَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي فِي زِينَةٍ حَسَنَةٍ وَهَيْئَةٍ جَمِيلَةٍ، وَقَدْ غَمَضَ إِحْدَى عَيْنَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَخِي عَهْدِي بِكَ وَلَمْ يَكُنْ بِعَيْنِكَ بَأْسٌ، فَارَقْتَنَا وَعَيْنَاكَ صَحِيحَتَانِ، فَمَا بَالُ الَّذِي غَمَضْتَهَا؟ قَالَ: أَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي أَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ، فَمَرَّتْ بِي آيَةُ وَعِيدٍ فَأَشْفَقَتْ هَذِهِ، يَعْنِي عَيْنَهُ النَّاظِرَةَ، فَبَكَتْ، وَقَنَطَتْ هَذِهِ فَأَمْسَكَتْ، فَلَمَّا أَفَقْتُ عَاتَبْتُهَا فَقُلْتُ لَهَا: مَا لَكِ لَمْ تُشْفِقِي شَفَقَةَ أُخْتِكِ هَذِهِ وَقُلْتُ لَهَا فِي عِتَابِي لَهَا: وَحُبِّي لِمَحْبِوبِي لإِنْ أَبَاحَنِي مِنْهُ مُنَايَ لَأَمْنَعَنَّكِ مَا لَكِ مِنْهُ، فَلَمَّا أَنْ وَصَلْتُ إِلَيْهِ قَالَ لِي: يَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ هَا أَنَا ذَا فَتَمَتَّعْ بِمَا لَكَ مِنِّي فَغَمَضْتُهَا عِنْدَ ذَلِكَ وَفَاءً بِمَا قُلْتُ وَأَنْشَأَ يَقُولُ: بَكَتْ عَيْنِي غَدَاةَ الْبَيْنِ حُزْنًا ... وَأُخْرَى بِالْبُكَا بَخِلَتْ عَلَيْنَا فَجَازَيْتُ الَّتِي جَادَتْ بِدَمْعٍ ... بِأَنْ أَقْرَرْتُهَا بِالْحُبِّ عَيْنَا وَعَاقَبْتُ الَّتِي بَخِلَتْ بِدَمْعٍ ... بَأَنْ غَمَّضْتُهَا يَوْمَ الْتَقَيْنَا.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1142 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَازِيُّ الْأَصْلِ، مَنْشَأُهُ بِنَيْسَابُورَ، وَكَانَ أَبُو عُثْمَانَ يُكْرِمُهُ وَيُبَجِّلُهُ، كَتَبَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ ثِقَةً، قِيلَ لَهُ: مَا بَالُ النَّاسِ يَعْرِفُونَ وَلَا يَنْتَقِلُونَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَرْجِعُونَ إِلَى طَرِيقِ الصَّوَابِ؟ قَالَ: لِأَنَّهُمُ اشْتَغَلُوا بِالْمُبَاهَاةِ بِالْعِلْمِ، وَلَمْ يَشْتَغِلُوا بِاسْتِعْمَالِهِ، وَاشْتَغَلُوا بِآدَابِ الظَّوَاهِرِ، وَتَرَكُوا آدَابَ الْبَوَاطِنِ، فَأَعْمَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الصَّوَابِ وَقَيَّدَ جَوَارِحَهُمْ عَنِ الْعِبَادَاتِ. وَقَالَ: دَلائِلُ الْمَعْرِفَةِ: الْعِلْمُ , وَالْعَمَلُ بِالْعِلْمِ، وَالْخَوْفُ عَلَى الْعَمَلِ. وَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ، قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ امْنُنْ عَلَيْنَا بِصَفَاءِ الْمَعْرِفَةِ، وَهَبْ لَنَا تَصْحِيحَ الْمُعَامَلَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ عَلَى السُّنَّةِ، وَصِدْقِ التَّوَكُّلِ عَلَيْكَ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ، وَامْنُنْ عَلَيْنَا بِكُلِّ مَا يُقَرِّبُنَا مِنْكَ، مَقْرُونًا بِالْعَوَافِي فِي الدَّارَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1143 وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَسْتَغْنِمِ السُّكُوتَ فَإِذَا نَطَقَ نَطَقَ بِلَغْوٍ وَقَالَ: قِيلَ لِبَعْضِ الْعَارِفِينَ: مَا الَّذِي حَبَّبَ إِلَيْكَ الْخَلْوَةَ وَنَفَى عَنْكَ الْغَفْلَةَ؟ قَالَ: وَثْبَةُ الْأَكْيَاسِ مِنْ فَخِّ الدُّنْيَا. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ مُتَابَعَتَهُ لِلْحَقِّ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ يُخَالِفُهُ، فِي مُرَادٍ لَهُ، كَيْفَ يَجِدُ نَفْسَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ نَفْسَهُ مُتَابِعٌ لِلْحَقِّ. وَقَالَ: الدُّنْيَا هِيَ الَّتِي تَحْجُبُهُمْ عَنْ مَوْلَاهُمْ. ذِكْرُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْبَوْسَنْجِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، كُنْيَتُهُ أَبُو الْحَسَنِ كَانَ عَارِفًا بِعُلُومِ الْمُعَامَلَاتِ، حَسَنَ الطَّرِيقَةِ فِي الْفُتُوَّةِ وَالتَّجْرِيدِ، سُئِلَ عَنِ السُّنَّةِ فَقَالَ: الْبَيْعَةُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَمَا وَافَقَ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ. وَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ فِي الدُّنْيَا أَسْمَجَ مِنْ مُحِبٍّ بِسَبَبٍ وَعِوَضٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1144 وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ السَّرَّاجُ قُلْتُ لَهُ يَوْمًا: ادْعُ اللَّهَ لِي فَقَالَ: أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ فِتْنَتِكَ. وَقَالَ: الْخَيْرُ مُنَازَلَةٌ، وَالشَّرُّ لَنَا صِفَةٌ. وَقَالَ: مَنْ ذَلَّ فِي نَفْسِهِ رَفَعَ اللَّهُ قَدْرَهُ، وَمَنْ عَزَّ فِي نَفْسِهِ أَذَلَّهُ اللَّهُ فِي أَعْيُنِ عِبَادِهِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْبَوْسَنْجِيُّ: النَّاسُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَنَازِلَ: الْأَوْلِيَاءُ: وَهُمُ الَّذِينَ بَاطِنُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ ظَاهِرِهِمْ، وَالْعُلَمَاءُ: وَهُمُ الَّذِينَ سِرُّهُمْ وَعَلَانِيَتُهُمْ سَوَاءٌ، وَالْجُهَّالُ: وَهُمُ الَّذِينَ عَلَانِيَتُهُمْ بِخِلَافِ أَسْرَارِهِمْ، لَا يُنْصِفُونَ مَنْ أَنْفُسِهِمْ وَيَطْلُبُونَ الْإِنْصَافَ مِنْ غَيْرِهِمْ. ذِكْرُ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحُصَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَصْرِيُّ الْأَصْلِ، سَكَنَ بَغْدَادَ، كَانَ أَوْحَدَ الْمَشَايِخِ فِي طَرِيقَتِهِ. قَالَ السَّلَمِيُّ: سَمِعْتُهُ فِي الْجَامِعِ يَقُولُ: دَعُونِي وَبَلَائِي، هَاتُوا مَا لَكُمْ أَلَسْتُمْ مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1145 رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ، أَمَرَ بِأَمْرٍ فَخَالَفَ، إِذَا كَانَ أَوَّلَ الدَّنِّ دُرْدِيًّا، كَيْفَ يَكُونُ آخِرُهُ؟ . ذِكْرُ عَلِيِّ بْنِ بُنْدَارٍ الصُّوفِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ جِلَّةِ مَشَايِخِ نَيْسَابُورَ، رُزِقَ مِنْ رُؤْيَةِ الْمَشَايِخِ وَصُحْبَتِهِمْ مَا لَمْ يُرْزَقْ غَيْرُهُ، صَحِبَ أَبَا عُثْمَانَ الْحِيرِيَّ وَالْجُنَيْدَ، وَكَتَبَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ ثِقَةً. قَالَ عَلِيُّ بْنُ دِينَارٍ: فَسَادُ الْقُلُوبِ عَلَى حَسَبِ فَسَادِ الزَّمَانِ وَأَهْلِهِ. وَقَالَ: زَمَانٌ تُذَكِّرُ فِيهِ بِالصَّلَاحِ زَمَانٌ لَا يُرْجَى فِيهِ الصَّلَاحُ. وَقَالَ: كُنْتُ أُمَاشِي يَوْمًا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَفِيفٍ , فَقَالَ لِي: تَقَدَّمْ يَا أَبَا الْحَسَنِ، فَقُلْتُ: بِأَيِّ عُذْرٍ أَتَقَدَّمُ؟ قَالَ: إِنَّكَ لَقِيتَ الْجُنَيْدَ وَمَا لَقِيتَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1146 وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ بُنْدَارٍ: دَارٌ أُسِّسَتْ عَلَى الْبَلْوَى بِلَا بَلْوَى، مُحَالٌ. وَقَالَ: إِيَّاكَ وَالْخِلَافُ عَلَى الْخَلْقِ، فَمَنْ رَضِيَ اللَّهُ بِهِ عَبْدًا فَارْضَ بِهِ أَخًا. وَكَانَ يَقُولُ: إِيَّاكَ وَالاشْتِغَالَ بِالْخَلْقِ، فَقَدْ عُدِمَ الرِّبْحُ عَلَيْهِمُ الْيَوْمَ. وَقَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: إِلَى أَيْنَ قَالَ: أَخْرُجُ إِلَى النُّزْهَةِ، فَقَالَ: مَنْ عَدِمَ الْأُنْسَ مِنْ حَالِهِ لَمْ يَزِدْهُ التَّنَزُّهُ إِلَّا وَحْشَةً. ذِكْرُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ أَحَدَ أَئِمَّةِ الدُّنْيَا فِي الْحَدِيثِ مَعَ الدِّينِ وَالْوَرَعِ وَتَرْكِ الدُّنْيَا وَمَا بِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1147 ذِكْرُ عُبَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ رَحِمَهُ اللَّهُ شَامِيٌّ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، زَاهِدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. رُوِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا رَأَيْتَهُ يَمْشِي مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ وَحَلَفَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ رَأْيِهِ فَلَا تُصَدِّقْهُ. ذِكْرُ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَحَفَرَ مَوْضعًا بِالْكُوفَةِ كَانَ يَسْكُنُهُ، يَرْوِي عَنِ الثَّوْرِيِّ، كَانَ مِنَ الْعُبَّادِ الْخَشَنِ. قَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ الْحَفَرِيِّ فِي غُرْفَتِهِ وَهُوَ يُمْلِي، فَلَمَّا تَمَّتِ الصَّفْحَةُ، قُلْتُ: يَا أَبَا دَاوُدَ أَتَرِبَ الْكِتَابُ؟ قَالَ: لَا، الْغُرْفَةُ بِالْكِرَاءِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1148 ذِكْرُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْغَفَّارِ الصَّغَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْوِي عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ حَبَّالٍ الصَّغَانِيِّ , وَأَهْلُ بَلَدِهِ، مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ، مِمَّنْ أَظْهَرَ السُّنَّةَ فِي بِلَادِهِ وَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهَا مَعَ تَوَرُّعٍ شَدِيدٍ. ذِكْرُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَعْرُوفِ بِوَرْشٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، يَرْوِي عَنْ نَافِعٍ الْقَارِئِ، وَكَانَ عَالِمًا بِقَرَاءَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، صَاحِبُ اخْتِيَارٍ وَدِرَايَةٍ وَزُهْدٍ وَعِبَادَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1149 ذِكْرُ عُثْمَانَ بْنِ طَالُوتَ بْنِ عَبَّادٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَصْرِيٌّ، حَافِظٌ، كَانَ أَحْفَظَ مِنْ أَبِيهِ، مَاتَ وَهُوَ شَابٌّ لَمْ يُتَمتَّعْ بِعِلْمِهِ. ذِكْرُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ سِجِسْتَانِيٌّ، سَكَنَ هَرَاةَ، أَحَدُ أَئِمَّةِ الدُّنْيَا، صَلْبٌ فِي السُّنَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1150 ذِكْرُ عَلَيِّ بْنِ حَمْزَةَ الْكِسَائِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ فِي الْقِرَاءَةِ، مَاتَ بِالرَّيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. ذِكْرُ عَلَيِّ بْنِ بَكَّارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، صَاحِبُ مُجَاهَدَةٍ، سَكَنَ طَرْطُوسَ، رَوَى عَنْهُ أَهْلُ الثَّغْرِ. قَالَ خَلَفُ بْنُ تَمِيمٍ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ بَكَّارٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ حَدِيثِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1151 النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ» . قَالَ: مَا حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ؟ قَالَ: أَلَا يَجْمَعَكَ وَالْفُجَّارَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ؟ . ذِكْرُ عَلَيِّ بْنِ حَكِيمٍ السَّعْدِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ , يَرْوِي عَنْ وَكِيعٍ، كَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ وَفَضْلٍ، جَاوَرَ بِمَكَّةَ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً، وَقَدْ كَتَبَ تَصَانِيفَ وَكِيعٍ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1152 ذِكْرُ عَلَيِّ بْنِ بَحْرِ بْنِ بَرِّيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ بَابَسِيرٍ، مِنْ كَوْرِ الْأَهْوَازِ، يَرْوِي عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، كَانَ مِنْ أَقْرَانِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، يُذْكَرُ بِالْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ. ذِكْرُ عَلَيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَدِينِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ أَصْلُهُ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَمَوْلِدُهُ بِالْبَصْرَةِ، دُفِنَ بِالْعَسْكَرِ، كَانَ مِنْ أَعْلَمِ أَهْلِ زَمَانِهِ بِعِلَلِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1153 فَصْلٌ ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ سنديله رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْبَهَانِيٌّ يُحَدِّثُ عَنَ الْحُسَيْنِ بْنِ حَفْصٍ، كَانَ مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ الْوَرِعِينَ، وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ: مِنْ أَحَبَّ الْحَقَّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْبُغْضُ لِأَصْحَابِ الْهَوَى، يَعْنِي: أَهْلَ الْبِدْعَةِ. ذِكْرُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ الْمُنْدَلِثِ الضَّبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْبَهَانِيٌّ فَقِيهٌ عَابِدٌ صَوَّامٌ قَوَّامٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كَانَ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ خَتْمَةٌ إِلَى أَنْ مَاتَ، يَرْوِي عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1154 قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لُكِلِّ شَيْءٍ آخِرٌ وَأَوَّلٌ، وَأَوَّلُ الْخَيْرِ الاسْتِغْفَارُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] . يَعْنِي لَا يَزَالُ يَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ. ذِكْرُ الْعَبَّاسِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الطَّامِذِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ يَرْجِعُ إِلَى الْفَضْلِ الْكَثِيرِ وَالزُّهْدِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ سَمِعْتُ عَبَّاسًا الطامذي , يَقُولُ، وَقَدِ اعْتَلَّ أَيَّامًا فَوَجَدْتُهُ مُتَأَسِّفًا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ،: أَعْقَبَتِني هَذِهِ الْعِلَّةَ ضَعْفٌ، نَقَصَ مِنْ خَتَمَاتِي فِي الشَّهْرِ ثَلَاثِينَ خَتْمَةً. قَالَ سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ الْفَرَجِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: إِنْ كَانَ الْفَضْلُ فِي الْجَمَاعَةِ فَالسَّلَامَةُ فِي الْوِحْدَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1155 ذِكْرُ عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ لَهُ الرِّيَاضَةُ الْعَظِيمَةُ، كَانَ رُبَّمَا امْتَنَعَ عَنِ الْأَكْلِ عِشْرِينَ يَوْمًا يَبِيتُ فِيهَا قَائِمًا هَائِمًا بَعْدَ أَنْ كَانَ نُشُوءُهُ نَشْأَةَ أَبْنَاءِ النِّعْمَةِ وَالْمُتْرَفِينَ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ: مَا احْتُمِلْتُ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ. وَقَالَ: اسْتَوْلَى عَلَيَّ الشَّوْقُ فَأَلْهَانِي عَنِ الْأَكْلِ وَقَطَعَنِي عَنِ النَّوْمِ، فَنِمْتُ لَيْلَةً فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ قَصْرًا عَظِيمًا، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ فَقِيلَ: لِمُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، ثُمَّ أَفْضَيْتُ إِلَى قَصْرٍ آخَرَ فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: لَكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ، فَاطَّلَعَتْ عَلَيَّ لُعْبَةٌ غَلَبَ ضَوْءُ وَجْهِهَا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا فَأَدْبَرَتْ وَهِيَ تَقُولُ: أَنْتَ لَا تَرْغَبُ فِينَا، ثُمَّ قَالَتْ بِصَوْتٍ مَا سَمِعْتُ نَغَمَةً أَشْجَى وَلَا أَحْزَنَ مِنْهَا: مُقِيمٌ لِلْجَلِيلِ بِكُلِّ قَلْبٍ عَلَى الرِّضْرَاضِ لِلْخَطَرِ الْعَظِيمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1156 فَظَنَنْتُ أَنَّهَا تَعْنِينِي. وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ يَقُولُ: لَيْسَ مَوْتِي كَمَوْتِكُمْ بِإِعْلَالٍ وَإِسْقَامٍ، إِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ وَإِجَابَةٌ أُدْعَى فَأُجِيبُ، فَكَانَ كَمَا قَالَ: كَانَ يَوْمًا قَاعِدًا فِي جَمَاعَةٍ فَقَالَ: لَبَّيْكَ وَوَقَعَ مَيِّتًا. ذِكْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الدِّمَشْقِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، يُقَالُ لَهُ: دُحَيْمٌ وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لَهُ دُحَيْمٌ، قَالَ: مَنْ قَالَ لِي دُحَيْمٌ لَيْسَ مِنِّي فِي حِلٍّ، كَانَ مِنْ حُفَّاظِ أَهْلِ بَلَدِهِ، مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْخَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1157 ذِكْرُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي السَّائِبِ الدِّمَشْقِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الشَّامِ، رَوَى عَنْهُ دُحَيْمٌ، يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ. ذِكْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو الْبَصْرِيِّ الدِّمَشْقِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كُنْيَتُهُ أَبُو زُرْعَةَ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ بَلَدِهِ، مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ , يَرْوِي عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1158 ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُرْتَعِشُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَدُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ قَالَ الْمُرْتَعِشُ: سُكُونُ الْقَلْبِ إِلَى غَيْرِ الْوَلِيِّ تَعْجِيلُ عُقُوبَةٍ مِنَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ: كُنْتُ عِنْدَ الْمُرْتَعِشِ قَاعِدًا فَقَالَ رَجُلٌ: قَدْ طَالَ اللَّيْلُ وَطَابَ الْهَوَى، فَنَظَرَ إِلَيْهِ الْمُرْتَعِشُ وَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا تَقُولُ، غَيْرَ أَنِّي أَقُولُ مَا سَمِعْتُ بَعْضَ الْقَوَّالِينَ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي يُغَنِّي وَيَقُولُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1159 لَسْتُ أَدْرِي أَطَالَ لَيْلِيَ أَمْ لَا ... كَيْفَ يَدْرِي بِذَاكَ مَنْ يَتَقَلَّى؟ لَوْ تَفَرَّغْتُ لِاسْتِطَالَةِ لَيْلِي ... وَلِرَعْيِ النُّجُومِ، كُنْتُ مُخَلَّى قَالَ: فَبَكَى مَنْ حَضَرَهُ وَاسْتَدَلُّوا بِذَلِكَ عَلَى عِمَارَةِ أَوْقَاتِهِ. وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ فُلَانًا يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ، فَقَالَ: عِنْدِي أَنَّ مَنْ مكَّنَّهُ اللَّهُ مِنْ مُخَالَفَةِ هَوَاهُ فَهُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْمَشْيِ عَلَى الْمَاءِ. وَسُئِلَ: بِمَاذَا يَنَالُ الْعَبْدُ الْمَحَبَّةَ؟ فَقَالَ: بِمُوَالَاةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَمُعَادَاةِ أَعْدَائِهِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى بَعْضِ جُلَسَائِهِ فَقَالَ: أَنْشِدْنِي الْأَبْيَاتَ الَّتِي كُنْتَ نَشَدْتَنِيهَا أَمْسِ، فَأَنْشَأَ الرَّجُلُ يَقُولُ: أَشْبَهْتَ أَعْدَائِي فَصِرْتُ أُحِبُّهُمْ ... إِذَا كَانَ حَظِّي مِنْكَ حَظِّي مِنْهُمُ وَأَهَنْتَنِي فَأَهَنْتُ نَفْسِي صَاغِرًا ... مَا مَنْ يَهُونُ عَلَيْكَ مِمَّنْ يُكْرَمُ أَجِدُ الْمَلَامَةَ فِي هَوَاكَ لَذِيذَةً ... حُبًّا لِذِكْرِكَ فَلْيَلُمْنِي اللُّوَّمُ وَقَالَ: تَصْحِيحُ الْمُعَامَلَاتِ بِشَيْئَيْنِ: وَهُوَ الصَّبْرُ , وَالْإِخْلَاصُ، الصَّبْرُ عَلَيْهَا , وَالْإِخْلَاصُ فِيهَا، وَقَالَ: مِنِ اعْتَمَدَ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى بَلَّغَهُ اللَّهُ إِلَى أَقْصَى مَنَازِلِ الرِّضْوَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58] . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1160 ذِكْرُ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ مُسْهِرٍ الْغَسَّانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ، كُنْيَتُهُ أَبُو مُسْهِرٍ، كَانَ إِمَامَ أَهْلِ الشَّامِ فِي عَصْرِهِ. بِفَضْلِ اللَّهِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: إِذَا حَدَّثْتَ فِي بَلْدَةٍ فِيهَا مِثْلُ أَبِي مُسْهِرٍ فَيَنْبَغِي لِلِحْيَتِي أَنْ تُحْلَقَ. ذِكْرُ عَلَيِّ بْنِ عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِمَامُ عَصْرِهِ فِي الْحِفْظِ وَالْوَرَعِ، دَخَلَ الشَّامَ وَمِصْرَ عَلَى كِبَرِ السِّنِّ وَحَجَّ وَاسْتَفَادَ وَأَفَادَ، وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1161 ذِكْرُ جَمَاعَةٍ مِنْ زُهَّادِ أَصْبَهَانَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. مِنْهُمْ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْأَسْوَارِيِّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى الْمَدِينِيِّ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَفَّافُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيَاهٍ الْمُذَكِّرِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَنْشَاهِ الْقُرْمُطِيُّ الْمُؤَذِّنُ، وَعَامِرِ بْنِ نَاجِيَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1162 بَابُ الْغَيْنِ ذِكْرُ غَسَّانَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْهَرَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَرْوِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، صَدُوقٌ، ثِقَةٌ أَمِينٌ ذُو دِيَانَةٍ. ذِكْرُ غَيَّاثِ بْنِ حَمْزَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ سَرْخَسٍ، يَرْوِي عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَكَانَ صَاحِبَ عِبَادَةٍ وَفَضْلٍ، روى عنه أهل بلده رضي الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1163 باب الفاء ذكر الفضل بن مهلهل رحمه الله تعالى كوفي من العباد، هو أخو المفضل بن مهلهل، يروي عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرةَ، رَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ الْبُورَانِيُّ. ذِكْرُ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ أَبِي عُرَابَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ابْنِ أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُرَابَةَ، كُنْيَتُهُ أَبُو عَلِيٍّ، مِنْ أَهْلِ الشَّاشِ، يَرْوِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، رَوَى عَنْهُ أَهْلُ بَلَدِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1164 ذِكْرُ فَضَالَةَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ نَسَا، مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، رَوَى عَنْهُ أَهْلُ بَلَدِهِ، كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ وَالْخَيْرِ , وَهُوَ وَالِدُ أَبِي قَدِيدٍ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ فَضَالَةَ. بَابُ الْقَافِ ذِكْرُ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ أَبُو عُبَيْدٍ صَاحِبِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ، كَانَ أَحَدَ أَئِمَّةِ الدُّنْيَا، صَاحِبَ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَدِينٍ وَوَرَعٍ، ذب عَنِ الْحَدِيثِ وَنَصْرِهِ وَقَمْعِ مَنْ خَالَفَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1165 ذِكْرُ الْقَاسِمِ بْنِ عُثْمَانَ الْجُوعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ الْمُتَعَبِّدِينَ، حَدَّثَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُعَافَى الْعَابِدُ. ذِكْرُ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ بَغْلَانَ، كُنْيَتُهُ أَبُو رَجَاءَ، كَانَ أَحَدَ الْأَئِمَّةِ فِي الْحَدِيثِ، كَانَ يَنْصُرُ السُّنَّةَ، كَتَبَ عَنْهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى رَحِمَهُمَا اللَّهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1166 بَابُ الْكَافِ ذِكْرُ كُرْزَةَ بْنِ وَبَرَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ سَكَنَ جُرْجَانَ، كَانَ كَثِيرَ الْعِبَادَةِ، وَكَانَ ابْنُ شَبْرَمَةَ , كَثِيرَ الْمَدْحِ لَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. بَابُ اللَّامِ ذِكْرُ اللَّيْثِ بْنِ عَاصِمٍ الْقَتَبَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، رَوَى عَنْهُ الْمِصْرِيُّونَ، حُسْنَ السِّيرَةِ، ثِقَةٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1167 بَابُ الْمِيمِ ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الشَّافِعِيِّ بْنِ السَّايِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، فِي السَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: وُلِدَ بِغَزَّةَ مِنْ بِلَادِ فِلِسْطِينَ، وَمَاتَ عَنْهُ أَبُوهُ وَهُوَ ابْنُ سَنَتَيْنِ فَحَمَلَتْهُ أُمُّهُ إِلَى مَكَّةَ، فَنَشَأَ وَتَرَعْرَعَ بِهَا وَجَالَسَ أَهْلَ الْعِلْمِ، وَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَفْتَحْ عَلَى غَيْرِهِ حَتَّى كَانَ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ وَهُوَ مُفْتِي مَكَّةَ يَحُثُّهُ عَلَى الْفُتْيَا وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1168 فَصْلٌ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: لَقِيَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِمَكَّةَ فَقَالَ لِي: «تَعَالَ حَتَّى أُرِيكَ رَجُلًا لَمْ تَرَ عَيْنَاكَ مِثْلَهُ» فَأَرَانِيَ الشَّافِعِيَّ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ: كُنَّا نَأْتِي الشَّافِعِيَّ فَنَجِدُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عِنْدَهُ، قَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: قُلْتُ لِأَبِي يَا أَبَهْ: أَيُّ رَجُلٍ كَانَ الشَّافِعِيُّ؟ فَإِنِّي أَسْمَعُكَ تُكْثِرُ الدُّعَاءَ لَهُ، قَالَ: يَا بُنَيَّ، كَانَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، كَالشَّمْسِ لِلدُّنْيَا، وَكَالْعَافِيَةِ لِلنَّاسِ، فَانْظُرْ هَلْ مِنْ هَذَيْنِ عِوَضٌ أَوْ خَلَفٌ؟ . وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَجَرَى ذِكْرُ الشَّافِعِيِّ فَرَأَيْتُ أَحْمَدَ يَرْفَعُهُ، وَقَالَ: بَلَغَنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ رَجُلًا يُقِيمُ لَهَا أَمْرَ دِينِهَا» . فَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الشَّافِعِيُّ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الْأُخْرَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1169 وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا صَلَّيْتُ صَلَاةً مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِلَّا وَأَنَا أَدْعُو لِلشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ حَمَلَ مِحْبَرَةً إِلَّا وَلِلشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ مِنَّةٌ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ , يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّ أَصْحَابَ الرَّأْيِ كَانُوا يَهْزَءُونَ بِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ، حَتَّى عَلَّمَهُمُ الشَّافِعِيُّ وَأَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: لَقِيَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ , فَقَالَ لِي: مَا يَسْتَحْيِي أَبُوكَ مِمَّا يَفْعَلُ؟ قُلْتُ: وَمَا يَفْعَلُ؟ قَالَ: رَأَيْتُهُ مَعَ الشَّافِعِيِّ، وَالشَّافِعِيُّ رَاكِبٌ وَهُوَ رَاجِلٌ، وَرَأَيْتُهُ قَدْ أَخَذَ بِرِكَابِهِ، فَقُلْتُ ذَلِكَ لِأَبِي، فَقَالَ لِي: قُلْ لَهُ إِذَا لَقِيتَهُ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَتَفَقَّهَ فَتَعَالَ فَخُذْ بِرِكَابِهِ الْآخَرَ. فَصْلٌ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ إِمْلَاءً، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ نَعِيمٍ , قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1170 قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ " مَنْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ فِي الدِّينِ، أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، لَيْسَ لَهُ فِيهِ إِمَامٌ مُتَقَدِّمٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابِهِ فَقَدْ أَحْدَثَ فِي الْإِسْلَامِ حَدَثًا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحَدِّثًا فِي الْإِسْلَامِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ اللُّبْنَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَمْدَانِيُّ , بِالْبَصْرَةِ قَالَ: سَمِعْتُ هِلَالَ بْنَ الْعَلَاءِ , يَقُولُ: " شَيْئَانِ لَوْ لَمْ تَكُنْ فِي الدُّنْيَا لَاحْتَاجَ النَّاسُ إِلَيْهِمَا: مِحْنَةُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، لَوْلَاهُ لَصَارَ النَّاسُ جَهْمِيًّا، وَالشَّافِعِيُّ فَتَحَ لِلْخَلْقِ الْأَقْفَالَ ". وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ اللُّبْنَانِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي , يَقُولُ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِالْأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا، فَإِذَا كَانَ خَبَرٌ صَحِيحٌ فَأَعْلِمْنِي، حَتَّى أَذْهَبَ إِلَيْهِ كُوفِيًّا أَوْ بَصْرِيًّا أَوْ شَامِيًّا قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبَانٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا النَّيْسَابُورِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيِّ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1171 هَرِمٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] . دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ يَرَوْنَهُ عَلَى صِفَتِهِ. فَصْلٌ وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ، فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَمْرٍو، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ الرَّازِيُّ الْوَاعِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ الْخَلَّاطِيَّ , قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , قَالَ: لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا غُلِّقَتْ تُبَاعُ فِي السُّوقِ لَمَا اشْتَرَيْتُهَا بِرَغِيفٍ، لِمَا أَرَى فِيهَا مِنَ الْآفَاتِ ح قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ , قَالَ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ , قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ: يَحْتَاجُ طَالِبُ الْعِلْمِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، أَحَدُهَا: طُولُ الْعُمُرِ، وَالثَّانِي: سَعَةُ الْيَدِ، وَالثَّالِثُ: الذَّكَاءُ ح قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ عُودٍ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ، حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى الْفَقِيهُ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ الْحَسَنِ الْكُوفِيِّ , بِمِصْرَ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ , قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ: لَا تَشْغَلْ قَلْبَكَ بِمَنْ لَا يَشْغَلُ قَلْبَهُ بِكَ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ، أَخْبَرَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1172 أَبُو شَافِعٍ مُعِيدُ بْنُ جُمْعَةَ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ خُرَّزَادَ , يَقُولُ: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَزَلَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَكَأَنَّ الْخَلَائِقَ قَدْ حُشِرُوا، وَكَأَنَّ مُنَادِيًا يُنَادِي مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ: أَلَا أَدْخِلُوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , وَأَبَا عَبْدِ اللَّهِ , وَأَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجَنَّةَ، فَقُلْتُ لِمَلَكٍ جَنْبِي: مِنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: أَمَّا أَوَّلُهُمْ فَمَالِكٌ، وَأَمَّا ثَانِيهِمْ فَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَمَّا ثَالِثُهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ، لَا أُحْصِي،: يَا أَبَا مُوسَى، هَلْ رَأَيْتَ بَغْدَادَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: مَا رَأَيْتَ الدُّنْيَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُنْتُ أَلْزَمُ الرَّمْيَ حَتَّى كَانَ الطَّبِيبُ يَقُولُ لِي: أَخَافُ أَنْ يُصِيبَكَ السُّلُّ مِنْ كَثْرَةِ وُقُوفِكَ فِي الْحَرِّ. وَقَالَ: كُنْتُ أُصِيبُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ تِسْعَةً أَوْ نَحْوَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُنْقَلُ الْأَقْدَامُ إِلَّا إِلَى فَائِدَةٍ أَوْ مَائِدَةٍ. وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَجْفُو فَقَلَّ مَا يَصْفُو. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَجَبًا لِمَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ ثُمَّ لَا يَأْكُلُ كَيْفَ يَعِيشُ، وَعَجَبًا لِمَنْ يَحْتَمُّ ثُمَّ يَأْكُلُ مِنْ سَاعَتِهِ كَيْفَ يَعِيشُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1173 ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ الطُّوسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ خَادِمُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِنَيْسَابُورَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، تَعَالَ أُبَشِّرُكَ بِمَا صَنَعَ اللَّهُ بِأَخِيكَ مِنَ الْخَيْرِ، قَدْ نَزَلَ بِيَ الْمَوْتُ، وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيَّ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي دِرْهَمٌ يُحَاسِبُنِي اللَّهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ ضَعْفِي، وَأَنِّي لَا أُطِيقُ الْحِسَابَ، فَلَمْ يَدَعْ عِنْدِي شَيْئًا يُحَاسِبُنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَغْلِقِ الْبَابَ وَلَا تَأْذَنْ لِأَحَدٍ عَلَيَّ حَتَّى أَمُوتَ، وَاعْلَمْ أَنِّي أَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا وَلَيْسَ أَدَعُ مِيرَاثًا غَيْرَ كِسَائِي وَلَبَدِي وَإِنَائِي الَّذِي أَتَوَضَّأُ فِيهِ، وَكُتُبِي هَذِهِ، فَلَا تُكَلِّفِ النَّاسَ مُؤْنَةً، وَكَانَتْ مَعَهُ صُرَّةٌ فِيهَا ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا، فَقَالَ: هَذَا لِابْنِي أَهْدَاهُ لَهُ قَرِيبٌ لَهُ، وَلَا أَعْلَمُ شَيْئًا أَحَلَّ لِي مِنْهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» . وَقَالَ: «أَطْيَبُ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ» فَكَفِّنُونِي مِنْهَا، فَإِنْ أَصَبْتُمْ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتِي فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1174 تَشْتَرُوا بِخَمْسَةَ عَشْرَ , وَابْسُطُوا عَلَى جِنَازَتِي لَبَدِي وَغَطُّوا عَلَى جِنَازَتِي كِسَايَ، وَتَصَدَّقُوا بِإِنَائِي، أَعْطُوهُ مِسْكِينًا يَتَوَضَّأُ مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَ الْيَوْمَ الرَّابِعَ، فَعَجِبْتُ أَنْ قَالَ لِي: ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ! فَلَمَّا أُخْرِجَتْ جِنَازَتُهُ جَعَلْنَ النِّسَاءُ يَقُلْنَ مِنْ فَوْقِ السُّطُوحِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَذَا الْعَالِمُ الَّذِي خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا وَهَذَا مِيرَاثُهُ الَّذِي عَلَى جِنَازَتِهِ لَيْسَ مِثْلَ عُلَمَائِنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ عَبِيدُ بُطُونِهِمْ يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ لِلْعِلْمِ سَنَتَيْنِ وَثَلَاثَةً فَيَشْتَرِي الضِّيَاعَ وَيَسْتَفِيدُ الْمَالَ. قَالَ: وَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ مَعِي فِي قَمِيصِي مَنْ يَشْهَدُ عَلَيَّ فَكَيْفَ أَكْتَسِبُ الذُّنُوبَ؟ ! إِنَّمَا يَعْمَلُ الذَّنْبَ جَاهِلٌ يَنْظُرُ فَلَا يَرَى أَحَدًا، يَقُولُ: لَيْسَ يَرَانِي أَحَدٌ، أَذْهَبُ فَأُذْنِبُ أَمَّا أَنَا، كَيْفَ يُمْكِنُنِي ذَلِكَ؟ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ دَاخِلَ قَمِيصِي مَنْ يَشْهَدُ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَالِي وَلِهَذَا الْخَلْقِ؟ كُنْتُ فِي صُلْبِ أَبِي وَحْدِي، ثُمَّ صِرْتُ فِي بَطْنِ أُمِّي وَحْدِي، ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَى الدُّنْيَا وَحْدِي، ثُمَّ تُقْبَضُ رُوحِي وَحْدِي، وَأَدْخُلُ فِي قَبْرِي وَحْدِي، وَيَأْتِينِي مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ فَيَسْأَلَانِي وَحْدِي، فَإِنْ صِرْتُ إِلَى خَيْرٍ كُنْتُ وَحْدِي , وَإِنْ صِرْتُ إِلَى شَرٍّ كُنْتُ وَحْدِي، ثُمَّ أَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَحْدِي، فَإِنْ بُعِثْتُ إِلَى الْجَنَّةِ بُعِثْتُ وَحْدِي , وَإِنْ بُعِثْتُ إِلَى النَّارِ بُعِثْتُ وَحْدِي , فَمَا لِي وَلِلنَّاسِ؟ ثُمَّ تَفَكَّرَ سَاعَةً وَوَقَعَتْ عَلَيْهِ الرَّعْدَةُ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يَسْقُطَ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1175 ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ كَتَبُوا رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَتَبْتُ أَنَا الْأَثَرَ، فَأَنَا عِنْدَهُمْ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ، وَهُمْ عِنْدِي عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَصْلُ الْإِسْلَامِ فِي هَذِهِ الْفَرَائِضِ، وَهَذِهِ الْفَرَائِضُ فِي حَرْفَيْنِ: مَا قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: افْعَلْ، فَفِعْلُهُ فَرِيضَةٌ يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ، وَمَا قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: لَا تَفْعَلْ، فَتَرْكُهُ فَرِيضَةٌ يَنْبَغِي أَنْ يُنْتَهَى عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَكَلْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ ذَاتَ يَوْمٍ ثَرِيدًا بَارِدَةً، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، مَالَكَ تَأْتِينِي بِثَرِيدٍ بَارِدٍ هَكَذَا نَأْكُلُهُ؟ قَالَ: إِنَّمَا طَلَبْتُ الْعِلْمَ لِأَعْمَلَ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ فِي الْحَارِّ بَرَكَةٌ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَكُنْتُ أَخْبِزُ لَهُ فَمَا نَخَلْتُ لَهُ دَقِيقًا إِلَّا أَنْ أَعْصِيهِ. وَكَانَ يَقُولُ: اشْتَرِ لِي شَعِيرًا أَسْوَدَ قَدْ تَرَكَهُ النَّاسُ، وَلَا تَشْتَرِ إِلَّا مَا يَكْفِينِي يَوْمًا بِيَوْمٍ، قَالَ: وَأَرَدْتُ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى بَعْضِ الْقُرَى فَلَا أَرْجِعَ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَاشْتَرَيْتُ لَهُ عَدْلَ شَعِيرٍ أَبْيَضَ جَيِّدًا فَنَقَّيْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِهِ فَقُلْتُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى بَعْضِ الْقُرَى، فَاشْتَرَيْتُ لَكَ هَذَا الطَّعَامَ لِتَأْكُلَ مِنْهُ حَتَّى أَرْجِعَ، فَقَالَ لَهُ: نَقَّيْتَهُ وَجَوَّدْتَهُ لِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تَنَوَّقْتَ فِيهِ وَنَقَّيْتَهُ فَأَطْعِمْهُ نَفْسَكَ، فَلَعَلَّ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ أَعْمَالًا لَا تَحْتَمِلُ أَنْ تُطْعِمَ نَفْسَكَ النَّقِيَّ، وَأَمَّا أَنَا فَبِاللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1176 الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا رَأَيْتُ نَفْسًا تُصَلِّي إِلَى الْقِبْلَةِ شَرًّا عِنْدِي مِنْ نَفْسِي، فَبِمَا أَحْتَجُّ بِهِ عِنْدَ اللَّهِ، أَنْ أُطْعِمَهَا النَّقِيَّ، خُذْ هَذَا وَاشْتَرِي لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ بِقِطْعَةٍ شَعِيرًا أَسْوَدَ رَدِيئًا فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَصِيرُ إِلَى الْكَنِيفِ، ثُمَّ قَالَ: لَا أَعْرِفُ فِيكُمْ مَنْ يُبْصِرُ بِقَلْبِهِ، لَوْ أَنَّ إِنْسَانًا كَانَ يَبِيعُ بَيْعًا فَجَاءَهُ رَجُلٌ بِدَرَاهِمَ، فَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ تَبِيعَنِي طَعَامَكَ فَإِنِّي أُرِيدُهُ لِلْكَنِيفِ , تَضْحَكُونُ مِنْهُ، وَتَقوُلوُنَ: هَذَا مَجْنُونٌ، فَكَيْفَ لَا تَضْحَكُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، احْفُرُوا حُفَيْرَةً وَاجْعَلُوا فِيهَا مَاءًا وَطَعَامًا وَانْظُرُوا هَلْ تَنْتَنُ فِي شَهْرٍ وَأَنْتُمْ تَجْعَلُونَهُ فِي بُطُونِكُمْ فَيَنْتَنُ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَالْكَنِيفُ هُوَ الْبَطْنُ، ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فَاشْتَرِ لِي رَحًا، وَاشْتَرِ لِي شَعِيرًا رَدِيئًا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ حَتَّى أَعْجِنَهُ بِيَدَيَّ فَآكُلَهُ لِعَلِّي أَبْلُغُ مَا كَانَ فِيهِ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ثُمَّ أَعْطَانِي عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاشَتَرَيْتُ بِهَا دَقِيقًا فَنَخَلْتُهُ وَخَبَزْتُهُ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ نَخْلَ الدَّقِيقِ بِدْعَةٌ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْخُبْزُ فِي بَيْتِي بَعْدَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ بِدْعَةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1177 ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَافِظًا عَالِمًا زَاهِدًا، كَتَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ بَغْدَادَ: الْمُسْلِمُونَ بِخَيْرٍ مَا بَقِيتَ لَهُمْ وَلَيْسَ بَعْدَكَ خَيْرٌ حِينَ تُفْتَقَدُ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ لَهُ الْعِبَادَةُ الدَّائِمَةُ، وَالْوَرَعُ الْخَفِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ مِشْكَانَ السَّرْخَسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه حَافِظًا عَابِدًا، كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُكَاتِبُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1178 ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ زِنْجَوَيْهِ الْبَغْدَادِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَافِظًا زَاهِدًا، كَانَ مِنْ جُلَسَاءِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَصْلٌ فِي ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّالِحِينَ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ. ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمٍ الثَّقَفِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْحَافِظِينَ لِحُدُودِهِ، كَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ فِي وَقْتِهِ: مَا رَأَيْنَا أَحَدًا أَحْفَظَ لِلِسَانِهِ وَلَا أَكْثَرَ مُحَاسَبَةً لِنَفْسِهِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمٍ، أَرَادَ يَوْمًا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ دَارِهِ فَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْمَنْزِلِ وَوَضَعَ رِجْلًا خَارِجًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1179 مِنَ الْمَنْزِلِ فَوَقَفَ عَلَى حَالَتِهِ يُحَاسِبُ نَفْسَهُ، فَعَبَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَرَآهُ وَاقِفًا عَلَى حَالَتِهِ فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى الْبَلَدِ وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمٍ عَلَى حَالَتِهِ، فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ، مَا هَذِهِ الْوَقْفَةُ؟ مَضَيْتُ إِلَى الْبَلَدِ وَرَجَعْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَنْتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، فَقَالَ: كُنْتُ أُحَاسِبُ نَفْسِي هَلْ أَخْطُو هَذِهِ الْخُطْوَةَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمْ لِنَفْسِي، وَبَعْدُ لَمْ أُصَحِّحْ ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الصَّحَّافُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَاصِمٍ يَذْكُرُ هَذِهِ الْآيَةَ " {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ} [الأنبياء: 73] ، قَالَ: عَنِ الدُّنْيَا وَلَمْ يَأْخُذُوا مِنْهَا مَا لَا يَصْلُحُ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمٍ: قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ كُوفِيٍّ: إِنِ افْتَقَدْتَ كَلْبًا لَا تَجِدُ لَهُ خَلَفًا. ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْبَنَّاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ مَعْمَرٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَخْتَلِفُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى الْجَبَلِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْعَمَلِ، وَكَانَ بَنَّاءً يَكْسِبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَثُلُثًا، فَيَأْخُذُ مِنْ ذَلِكَ لِنَفَقَتِهِ دَانِقًا وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي، وَيَخْتِمُ مَعَ الْعَمَلِ كُلَّ يَوْمٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1180 خَتْمَةً، فَإِذَا صَلَّى الْعَتْمَةَ فِي مَسْجِدِهِ خَرَجَ إِلَى الْجَبَلِ إِلَى قَرِيبِ الصُّبْحِ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْعَمَلِ، وَكَانَ يَقُولُ فِي الْجَبَلِ: يَارَبِّ إِمَّا أَنْ تَهَبَ لِي مَعْرِفَتَكَ أَوْ تَأْمُرَ الْجَبَلَ أَنْ يَنْطَبِقَ عَلَيَّ فَإِنِّي لَا أُرِيدُ الْحَيَاةَ بِلَا مَعْرِفَتِكَ. قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَتَبَ عَنْ سِتِّ مِائَةِ شَيْخٍ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ وَالْخَلْوَةُ إِلَى أَنْ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ بِشَرْطِ التَّصَوُّفِ، وَقَطَعَ الْبَادِيَةَ عَلَى التَّجْرِيدِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ فَاذَةَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ , يَقُولُ: كُنْتُ بِمَكَّةَ فَكُنْتُ أَدْعُو اللَّهَ وَأَقُولُ: يَارَبِّ إِمَّا أَنْ تُدْخِلَ مَعْرِفَتَكَ فِي قَلْبِي أَوْ تَقْبِضَ رُوحِي، فَلَا حَاجَةَ لِي فِي الْحَيَاةِ بِلَا مَعْرِفَتِكَ فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ قَائِلًا يَقُولُ: إِنْ أَرَدْتَ هَذَا فَصُمْ شَهْرًا وَلَا تُكَلِّمْ فِيهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ ثُمَّ ادْخُلْ قُبَّةَ زَمْزَمَ وَسَلِ الْحَاجَةَ، قَالَ: فَفَعَلْتُ وَخَتَمْتُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةً، فَلَمَّا انْقَضَى الشَّهْرُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلْتُ قُبَّةَ زَمْزَمَ وَرَفَعْتُ يَدِي وَدَعَوْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَسَأَلْتُ الْحَاجَةَ فَسَمِعْتُ هَاتِفًا مِنَ الْبِئْرِ يَقوُلُ: يَا ابْنَ يُوسُفَ اخْتَرْ مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَاحِدًا، أَيُّمَا أَحَبُّ: الْعِلْمُ مَعَ الْغِنَى وَالدُّنْيَا، أَمِ الْمَعْرِفَةُ مَعَ الْقَلْبِ وَالْفَقْرُ؟ فَقُلْتُ: الْمَعْرِفَةُ مَعَ الْقَلْبِ وَالْفَقْرِ، فَسَمِعْتُ مِنَ الْبِئْرِ: قَدْ أُعْطِيتَ قَدْ أُعْطِيتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1181 قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ، قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ: دَخَلْتُ مَكَّةَ فَرَأَيْتُ الْمَشَايِخَ جُلُوسًا بِبَابِ إِبْرَاهِيمَ فَقَعَدْتُ قَرِيبًا مِنْهُمْ فَقَرَأَ رَجُلٌ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَوَقَعَ عَلَى قَلْبِي وَصِحْتُ فَقَالَ الْمَشَايِخُ لِلْقَارِئِ: أَمْسِكْ، ثُمَّ قَالُوا لِي: يَا شَابُّ مَالَكَ صِحْتَ، وَبَعْدُ لَمْ يَقْرَأْ آيَةً؟ فَقُلْتُ: بِاسْمِهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرَضُونَ، وَبِاسْمِهِ قَامَتِ الْأَشْيَاءُ، وَكَفَى بِاسْمِ اللَّهِ سَمَاعًا، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: فَقَامَ الْمَشَايِخُ كُلُّهُمْ وَأَجْلَسُونِي وَأَكْرَمُونِي قَالَ: وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا الْقَسْمِ الْجُنَيْدَ , كَانَ يَقُولُ بِفَضْلِهِ، وَكَتَبَ فِي رِسَالَتِهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ: سَلْ شَيْخَكَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ مَا الْغَالِبُ عَلَيْكَ؟ فَسَأَلَهُ عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، فَقَالَ: اكْتُبْ إِلَيْهِ: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 21] . قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ قَلَّ مَنْ سَمِعَ كَلَامَهُ إِلَّا أَخَذَ بِقَلْبِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: إِذَا لَمْ تَعْرِفْهُ فَكَيْفَ تُحِبُّهُ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1182 ذِكْرُ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ فَاذَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مُجْتَهِدًا قَوِيًّا فِي الْعِبَادَةِ سَخِيًّا فِي الْبَذْلِ وَالْعَطِيَّةِ، وَرِثَ عَنْ أَبِيهِ أَمْوَالًا كَثِيرَةً، قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُمْ وَزَنُوا الدَّرَاهِمَ بِالْقَبَّانِ، وَكَانَ لَهُ أَخٌ عَابِدٌ فَاضِلٌ، فَأَنْفَقَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَى أُسْتَاذِهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ جَمْلَةً. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ وَأَخْبَرَنِي الثِّقَةُ، أَنَّهُ رَفَعَ عَنْهُ شُغْلَ عِيَالِهِ سِنِينَ عِدَّةً، لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، كَانَ لَهُ ثِقَةٌ، فَيَأْمُرُ أَنْ يَشْتَرِي الدَّقِيقَ وَسَائِرَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ وَعِيَالُهُ فَيَحْمِلُهُ إِلَى مَنْزِلِهِ وَيَأْمُرُ صَاحِبَهُ أَنْ لَا يُخْبِرَ بِذَلِكَ أَحَدًا، فَجَرَى عَلَى ذَلِكَ سِنِينَ، فَأَلَحَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَوْمًا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ وَقَالَ: أَخْبَرَنِي مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي كَفَانِي مَئُونَةَ عِيَالِي؟ فَقَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ فَاذَةَ، فَقَالَ: جَزَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1183 اللَّهُ عَنِّي أَفْضَلَ الْجَزَاءِ. قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَوَازِينِيُّ , قَالَ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ لَزِمَ دَارَهُ سَنَتَيْنِ، فَكُنَّا نَزُورُهُ فَإِذَا دَقَقْنَا الْبَابَ جَاءَ أَخٌ لَهُ عَابِدٌ فَيَفْتَحُ الْبَابَ وَيَرْجِعُ إِلَى عِبَادَتِهِ، وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ يَخْتِمُ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَ خَتْمَاتٍ، قَالَ الْمَوَازِينِيُّ: كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي الْمُصْحَفِ وَكَانَ عَلَى الْأَوْرَاقِ عَلَامَةُ التَّصَفُّحِ مِنْ كَثْرَةِ مَا يَقْرَأُ وَسُرْعَةِ مَا يَتَصَفَّحُ الْأَوْرَاقَ، وَكَانَ مُصْحَفُهُ كَبِيرًا عَلَى رَحْلٍ يَنْظُرُ فِيهِ وَيَقْرَأُ، وَقِيلَ لَهُ يَوْمًا هَلْ تَذْكُرُ حِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] . قَالَ: نَعَمْ كَأَنَّهُ أَمْسِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ: وَسَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْقَطَّانِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ النَّجَّارَ , يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ فَاذَةَ فِي صَمِيمِ الشِّتَاءِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ خَلِقٌ فَقُلْتُ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ أَمَا تَجِدُ الْبَرْدَ؟ قَالَ: نَاوِلْنِي يَدَكَ وَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَأَدْخَلْتُ يَدِي تَحْتَ قَمِيصِهِ وَقُلْتُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا هُوَ يَعْرَقُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1184 ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَيْسَابُورِيٌّ، حَافِظٌ مُوَاظِبٌ عَلَى إِظْهَارِ السُّنَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُكْرِمُهُ وَيُثْنِي عَلَيْهِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَنْصُورٍ الْقَاضِيَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ خَالِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْجَارُودِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ , يَقُولُ: " كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَدَخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فَقَامَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ وَتَعَجَّبَ مِنْهُ النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ لِبَنِيهِ وَأَصْحَابِهِ: اذْهَبُوا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَاكْتُبُوا عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيِّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بْنَ نَصْرٍ، يَقُولُ: " رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بَعْدَ وَفَاتِهِ فِي الْمَنَامِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1185 فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي، قُلْتُ: فَمَا فِعْلُكَ بِحَدِيثِكَ؟ قَالَ: كُتِبَ بِمَاءِ الذَّهَبِ وَرُفِعَ فِي عِلِّيِينَ ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ النَّيْسَابُورِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ خَيِّرًا فَاضِلًا تَقِيًّا، رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ. ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَافِظٌ كَبِيرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1186 ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَزْهَرِ الْجَوْزَجَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْوِي عَنْ وَابْنِ مَهْدِيٍّ، حافظ من جلساء أحمد بن حنبل رضي الله عنه. ذكر محمد بن أحمد بن الجراح الجوزجاني رحمه الله يروي يَحْيَى الْقَطَّانَ عَنِ الْعِرَاقِيِّينَ، كَانَ صَدِيقًا لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، كَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ وَخَيْرٍ وَفَضْلٍ، وَعِنْدَ أَهْلِ مَرْوٍ عَنْهُ حِكَايَاتٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1187 ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْيَشْكُرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بُخَارِيٌّ، رَوَى عَنْ حَفْصِ بْنِ دَاوُدَ الرَّبَعِيِّ، صَاحِبُ سُنَّةٍ وَفَضْلٍ. ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ غَيَّاثٍ أَبِي لَبِيدٍ السَّرْخَسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَرْوِي عَنْ مَالِكٍ، قَتَلَتْهُ التُّرْكُ بِشَوْمَانَ، مُجَاهِدًا، وَكَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُتَّقِينَ، مِمَّنْ أَظْهَرَ السُّنَّةَ فِي بَلَدِهِ، وَدَعَاهُمْ إِلَيْهَا. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: فَاجَأَتْهُ الْمَنِيَّةُ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ كَثِيرُ عِلْمٍ. قَالَ أَبُو قُدَامَةَ السَّرْخَسِيُّ: تَعَلَّمْتُ السُّنَّةَ مِنْ أَبِي لَبِيدٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1188 ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الْعَبْدِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، كَانَ تَقِيًّا، فَاضِلًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ. ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، كَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُتَّقِينَ، وَأَهْلِ الْوَرَعِ وَالدِّينِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1189 ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُبَارَكِ الصُّورِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَامِيٌّ، رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، كَانَ مِنَ الْعُبَّادِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. بَابُ النُّونِ ذِكْرُ النُّعْمَانِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ التَّمِيمِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كُنْيَتُهُ أَبُو الْمَدِينِيِّ مَدِينِيٌّ مِنْ مَدِينَةِ أَصْبَهَانَ، كَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ الثَّوْرِيِّ، وَكَانَ أَبُوهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ بِأَصْبَهَانَ وَخَلَّفَ ضَيْعَتَهُ فَتَرَكَهُ النُّعْمَانُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ. قَالَ أَبُو الشَّيْخِ: كَانَ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ السُّنَّةَ وَيَنْتَحِلُ مَذْهَبَ سُفْيَانَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1190 الْفِقْهِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو الشَّيْخِ , قَالَ: حَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكِسَائِيُّ، قَالَ " بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا رَأَى فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكًا يَقُولُ لِآخَرَ، وَهُوَ عَلَى سُورِ الْمَدِينَةِ: اقْلِبْ، فَقَالَ: كَيْفَ أَقْلِبُ وَالنُّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَائِمٌ يُصَلِّي! ذِكْرُ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ الْمَازِنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ، وَمَوْلِدُهُ بِمَرْوِ الرَّوْذِ، وَخَرَجَ بِهِ أَبُوهُ مِنَ الْفِتْنَةِ هَارِبًا مِنْ مَرْوِ الرَّوْذِ إِلَى الْبَصْرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ سِتِّ سِنِينَ، فَكَتَبَ بِالْبَصْرَةِ عِنْدَ ابْنِ عَوْنٍ , وَالْبَصْرِيِّينَ , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَرْوِرَوْذٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1191 فَسَكَنَهَا، رَوَى عَنْهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَأَهْلُ خُرَاسَانَ، مَاتَ بِمَرْوٍ وَبِهَا قَبْرُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ، كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ النَّاسِ، وَفُصَحَائِهِمْ، وَخِيَارِهِمْ رَحِمَهُ اللَّهُ. ذِكْرُ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ كُنْيَتُهُ أَبُو الْأَسْوَدِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، رَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، وَأَهْلُ بَلَدِهِ مِنَ الثِّقَاتِ، وَأَهْلِ الْخَيْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1192 بَابُ الْوَاوِ ذِكْرُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى دِمَشْقِيٌّ، يَرْوِي عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، رَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، مَاتَ مُنْصَرَفُهُ مِنَ الْحَجِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَكَانَ حَافِظًا، خَيِّرًا، فَاضِلًا، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1193 ذِكْرُ الْوَسِيمِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفٍ الثَّقَفِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ سَكَنَ بَلْخَ، صَحِبَ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي رَوَّادٍ، كَانَ مِنَ الْعُبَّادِ الْمُتَجَرِّدِينَ لِلْخَلْوَةِ وَالْعِبَادَةِ، رَوَى عَنْهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، كَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يَتَمَنَّى لُقْيَهُ لِمَا يَذْكُرُ مِنْ فَضْلِهِ. ذِكْرُ وَهْبِ بْنِ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، يُقَالُ لَهُ: وَهْبَانُ حَافِظٌ خَيِّرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1194 ذِكْرُ الْوَلِيدِ بْنِ أَبَانٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى دَيِّنٌ، صَنَّفَ التَّفْسِيرَ وَالْمُسْنَدَ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ. بَابُ الْهَاءِ ذِكْرُ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيِّ حَافِظٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْعَتِيقِيِّ، حَدَّثَنَا مَعْرُوفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْرُوفٍ الْوَاعِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُسْتَضِيءِ، بِدِمَشْقَ، قَالَ " رَأَيْتُ هِشَامَ بْنَ عَمَّارٍ إِذَا مَشَى أَطْرَقَ إِلَى الْأَرْضِ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1195 ذِكْرُ هَمَّامِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ مِنَ الْأَبْدَالِ، كَانَ مِنْ أَهْلِ مَدِينَةِ أَصْبَهَانَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ، قَالَ: حَكَى أَبُو صَالِحٍ الْجَلَّابُ، قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ غُلَامُ الْخَلِيلِ، بِأَصْبَهَانَ " أَخَوَانِ يُقَالُ لَهُمَا: ابْنَا النُّعْمَانِ أَوَّلُهُمَا مَوْتًا مِنَ الْأَبْدَالِ، قَالَ: فَمَاتَ هَمَّامٌ قَبْلُ ذِكْرُ هُذَيْلِ بْنِ فَرُّوخٍ الشُّمَيْكَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1196 ذِكْرُ الْهُذَيْلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ قُدَامَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ يَسْكُنُ قَرْيَةً جِيرَانٌ مِنَ الصَّالِحِينَ. ذِكْرُ الْهُذَيْلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْهُذَيْلِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ يَسْكُنُ خُرَاسَانَ، كَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1197 بَابُ الْيَاءِ ذِكْرُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَيْسَابُورِيٌّ، كَانَ مِنْ سَادَاتِ أَهْلِ زَمَانِهِ، عِلْمًا، وَدِينًا، وَفَضْلًا، وَنُسُكًا وَإِتْقَانًا، أَوْصَى بِثِيَابِ بَدَنِهِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَكَانَ أَحْمَدُ يَحْضُرُ الْجَمَاعَاتِ فِي تِلْكَ الثِّيَابِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1198 ذِكْرُ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ كُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَغْدَادِيٌّ، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ حَاجٌّ فَحُمِلَ عَلَى سَرِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُنَادٍ يُنَادِي بَيْنَ يَدَيْ جَنَازَتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا كَانَ يَذُبُّ الْكَذِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا وَكَذَا عَامًا. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ، كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ، وَالْفَضْلِ، وَالزُّهْدِ، وَتَرْكِ الدُّنْيَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1199 ذِكْرُ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ الْمَقَابِرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَغْدَادِيٌّ زَاهِدٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّقِيقِيُّ: رُئِيَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْمَقَابِرِيُّ , فِي الْمَقَابِرِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا قُرَّةَ عَيْنِ الْمُطِيعِينَ، وَيَا قُرَّةَ عَيْنِ الْمُذْنِبِينَ، وَكَيْفَ لَا تَقَرُّ عَيْنُ الْمُطِيعِينَ بِكَ وَأَنْتَ مَنَنْتَ عَلَيْهِمْ بِالتَّوْبَةِ. ذِكْرُ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ الْفَارِسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كُنْيَتُهُ أَبُو يُوسُفَ مِنْ أَهْلِ فَسَا، حَافِظٌ كَبِيرٌ وَرِعٌ نَاسِكٌ صَلْبٌ فِي السُّنَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1200 ذِكْرُ يَحْيَى بْنِ مُطَرِّفٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْبَهَانِيٌّ، كَانَ كَبِيرًا فِي الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ، وَكَانَ يَتَفَقَّهُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ. ذِكْرُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَيْخٌ، فَاضِلٌ، دَيِّنٌ، كَتَبَ الْكَثيِرَ بِبَغْدَادَ، وَأَصْبَهَانَ يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ، وَغَيْرِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1201 ذِكْرُ يَحْيَى بْنِ حَاتِمٍ الْعَسْكَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثِقَةٌ، مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، قَدِمَ أَصْبَهَانَ، يَرْوِي عَنْ يَزِيدِ بْنِ هَارُونَ. ذِكْرُ يَعْرُبَ بْنِ خَيْرَانَ بْنِ زَاهِرٍ الْهَمْدَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كُنْيَتُهُ أَبُو مُشْجِبٍ حَافِظٌ، نَاسِكٌ، حَدَّثَ بِكِتَابِ الصَّحِيحِ لِمُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ. ذِكْرُ يَحْيَى بْنِ النَّضْرِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كُنْيَتُهُ أَبُو زَكَرِيَّا الْأَصْبَهَانِيُّ ثِقَةٌ، صَدُوقٌ , يَرْوِي عَنْ أَبِي دَاوُدَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1202 ذِكْرُ يَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ الرَّازِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: خَرَجَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ إِلَى بَلْخٍ وَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً ثُمَّ رَجَعَ إِلَى نَيْسَابُورَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلَيِّ بْنِ خَلَفٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيِّ , قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ الْعَكْبَرِيِّ بِهَا , قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ السُّرِّيِّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْإِسْكَافَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مُعَاذٍ الرَّازِيَّ , يَقُولُ: «مَنِ اسْتَفْتَحَ بَابَ الْمَعَاشِ بِغَيْرِ مَفَاتِيحِ الْأَقْدَارِ وُكِلَ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ» قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مُعَاذٍ , يَقُولُ: الْعِبَادَةُ حِرْفَةٌ، وَحَوَانِيتُهَا الْخَلْوَةُ، وَرَأْسُ مَالِهَا الِاجْتِهَادُ بِالسُّنَّةِ، وَرِبْحُهَا الْجَنَّةُ وَسَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مُعَاذٍ الرَّازِيَّ , يَقُولُ: الصَّبْرُ عَلَى الْخَلْوَةِ مِنْ عَلَامَةِ الْإِخْلَاصِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1203 قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيِّ , قَالَ: سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلَوَيْهِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ مُعَاذٍ , يَقُولُ: " جَمِيعُ الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا لَا تُسَاوِي غَمَّ سَاعَةٍ، فَكَيْفَ يُغَمُّ عُمْرُكَ فِيهَا مَعَ قَلِيلِ نَصِيبِكَ مِنْهَا؟ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَشْتَهٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ النَّقَّاشُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَاذَانَ الرَّازِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ , قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: «الصَّبْرُ عَلَى الْعُزْلَةِ عَلَامَةُ وُجُودِ الطَّرِيقِ، وَالتَّعَبُّدِ عَلَى تَضْيِيعِ الْعِيَالِ جَهْلٌ، وَمَنْ طَلَبَ اللَّهَ بِعِلْمِهِ انْفَرَدَ» فَصْلٌ قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الرَّازِيُّ: خَرَجَ الزَّاهِدُونَ مِنَ الدُّنْيَا بِدَاءٍ لَا يَشْفِيهِمْ إِلَّا دُخُولُ الْجَنَّةِ، وَخَرَجَ الْعَارِفُونَ مِنَ الدُّنْيَا بِدَاءٍ لَا يَشْفِيهِمْ إِلَّا رُؤْيَتُهُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ خَصْمُهُ فَهِمًا، وَخَصْمِي لَا فَهْمَ لَهُ. قِيلَ لَهُ: وَمَنْ خَصْمُكَ؟ قَالَ: نَفْسِي، لَا فَهْمَ لَهَا تَبِيعُ الْجَنَّةَ بِمَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَالْخُلُودِ فِيهَا بِشَهْوَةِ سَاعَةٍ فِي دَارِ الدُّنْيَا. وَقَالَ يَحْيَى: الْعِبْرَةُ بِالْأَوْقَارِ وَالْمُعْتَبَرُ بِمِثْقَالٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1204 وَقَالَ يَحْيَى: مَحْبُوبُ الْيَوْمِ يَعْقُبُ الْمَكْرُوهَ غَدًا. وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ بِالْمُعَايَنَةِ لَمْ يَتَّعِظْ بِالْمُوَعَظَةِ، وَمَنِ اعْتَبَرَ بِالْمُعَايَنَةِ اسْتَغْنَى عَنِ الْمُوَعَظَةِ. وَقَالَ يَحْيَى: اجْتَنِبْ صُحْبَةَ ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ مِنَ النَّاسِ: الْعُلَمَاءُ الْغَافِلِينَ، وَالْقُرَّاءِ الْمُدَاهِنِينَ، وَالْمُتَصَوِّفَةِ الْجَاهِلِينَ. وَقَالَ: الزُّهْدُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: الْقِلَّةُ , وَالْخَلْوَةُ , وَالْجُوعُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: أَوْلِيَاؤُهُ أُسَرَاءُ نِعَمِهِ، وَأَصْفِيَاؤُهُ رَهَائِنُ كَرَمِهِ، وَأَحِبَّاؤُهُ عَبِيدُ مِنَنِهِ، فَهُمْ عَبِيدُ مِنَنٍ لَا يُعْتَقُونَ، وَرَهَائِنُ كَرَمٍ لَا يُفَكُّونَ، وَأُسَرَاءُ نِعَمٍ لَا يُطْلَقُونَ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: لَا يَزَالُ الْعَبْدُ مَقْرُونًا بِالتَّوَانِي مَا دَامَ مُقِيمًا عَلَى وَعْدِ الْأَمَانِي. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: هَذِهِ الدُّنْيَا دَارُ اشْتِغَالٍ , وَالْآخِرَةُ دَارُ أَهْوَالٍ، وَلَا يَزَالُ الْعَبْدُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَشْغَالِ وَالْأَهْوَالِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ بِهِ الْقَرَارُ، إِمَّا إِلَى جَنَّةٍ، وَإِمَّا إِلَى نَارٍ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1205 وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: عَلَى قَدْرِ حُبِّكَ لِلَّهِ يُحِبُّكَ الْخَلْقُ، وَعَلَى قَدْرِ خَوْفِكَ مِنَ اللَّهِ يَهَابُكَ الْخَلْقُ، وَعَلَى قَدْرِ شُغْلِكَ بِاللَّهِ يَشْتَغِلُ فِي أَمْرِكَ الْخَلْقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1206 فَصْلٌ فِي ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنَ النُّسَّاكِ يُعْرَفُونَ بِالْكُنَى مِنَ الْأَتْبَاعِ وَتَبَعِ الْأَتْبَاعِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وَرَأْفَتُهُ، وَرِضْوَانُهُ. ذِكْرُ أَبِي تُرَابٍ النَّخْشَبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَاسْمُهُ عَسْكَرُ بْنُ الْحُصَيْنِ صَاحِبُ حَاتِمٍ الْأَصَمِّ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ الْفَرَجِيِّ: رَأَيْتُ حَوْلَ أَبِي تُرَابٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَشْرِينَ وَمِائَةَ رَكْوَةٍ قُعُودٍ حَوْلَ الْأَسَاطِينِ، مَا مَاتَ مِنْهُمْ عَلَى الْفَقْرِ إِلَّا أَبُو عُبَيْدٍ الْبُسْرِيُّ، وَابْنُ الْجَلَاءِ رَحِمَهُ اللَّهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1209 قَالَ ابْنُ الْجَلَاءِ: لَقِيتُ سِتَّ مِائَةِ شَيْخٍ مَا لَقِيتُ فِيهِمْ مِثْلَ أَرْبَعَةٍ، أَوَّلُهُمْ أَبُو تُرَابٍ النَّخْشَبِيُّ، تُوُفِّيَ بِالْبَادِيَةِ، قِيلَ: نَهَشَتْهُ السِّبَاعُ. وَقَالَ أَبُو تُرَابٍ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَنْتُمْ تُحِبُّونَ ثَلَاثَةً، وَلَيْسَ هِيَ لَكُمْ: تُحِبُّونَ النَّفْسَ وَهِيَ لِلَّهِ، وَتُحِبُّونَ الرُّوحَ وَالرُّوحُ لِلَّهِ، وَتُحِبُّونَ الْمَالَ وَالْمَالُ لِلْوَرَثَةِ، وَتَطْلُبُونَ اثْنَتَيْنِ وَلَا تَجِدُونَهُمَا: الْفَرَحَ، وَالرَّاحَةَ وَهُمَا فِي الْجَنَّةِ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: كَانَ أَبُو تُرَابٍ مِنْ جِلَّةِ مَشَايخِ خُرَاسَانَ، وَالْمَذْكُورِينَ بِالْعِلْمِ، وَالْفَتْوَةِ، وَالتَّوَكُّلِ، وَالزُّهْدِ، وَالْوَرَعِ. وَقَالَ أَبُو تُرَابٍ: لَيْسَ مِنَ الْعِبَادَاتِ شَيْءٌ أَنْفَعُ مِنْ إِصْلَاحِ خَوَاطِرِ الْقُلُوبِ. وَقَالَ: أَشْرَفُ الْقُلُوبِ قَلْبٌ حَيٌّ بِنُورِ الْفَهْمِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ رَجُلٌ لِأَبِي تُرَابٍ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ قَالَ: يَوْمَ يَكُونُ لِي إِلَيْكَ وَإِلَى أَمْثَالِكَ حَاجَةٌ لَا يَكُونُ لِي إِلَى اللَّهِ حَاجَةٌ. وَقَالَ: الْفَقِيرُ قُوتُهُ مَا وَجَدَ، وَلِبَاسُهُ مَا سَتَرَ، وَمَسْكَنُهُ حَيْثُ نَزَلَ. وَقَالَ: حَقِيقَةُ الْغِنَى أَنْ تَسْتَغْنِي عَمَّنْ هُوَ مِثْلُكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1210 وَقَالَ: الَّذِي مَنَعَ الصَّادِقِينَ الشَّكْوَى إِلَى غَيْرِ اللَّهِ، الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ. وَقَالَ أَبُو تُرَابٍ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنْطِقُ الْعُلَمَاءُ فِي كُلِّ زَمَانٍ بِمَا يُشَاكِلُ أَعْمَالَ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ. وَقَالَ: احْفَظْ هَمَّكَ فَإِنَّهُ مُقَدِّمَةُ الْأَشْيَاءِ، فَمَنْ صَحَّ لَهُ هَمَّهُ صَحَّ لَهُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ. وَقَالَ: مَنْ شَغَلَ مَشْغُولًا بِاللَّهِ عَنِ اللَّهِ أَدْرَكَهُ الْمَقْتُ مِنْ سَاعَتِهِ. وَقَالَ أَبُو تُرَابٍ: سَمِعْتُ حَاتِمَ الْأَصَمَّ، يَقُولُ: عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: اصْحَبِ النَّاسَ كَمَا تَصْحَبُ النَّارَ، فَخُذْ مَنْفَعَتَهَا وَاحْذَرْ أَنْ تَحْرِقَكَ. وَقَالَ أَبُو تُرَابٍ: رُئِيَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ فَرْوٌ مَقْلُوبَةٌ فِي أَصْلِ مَيْلٍ، مُسْتَلْقِيًا رَافِعًا رَجْلَيْهِ يَقُولُ: طَلَبَ الْمُلُوكُ الرَّاحَةَ فَأَخْطَئُوا الطَّرِيقَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1211 ذِكْرُ أَبِي مُحْرِزٍ الطَّفَاوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَبُو مُحْرِزٍ الطَّفَاوِيُّ: لَمَّا بَانَ لِلْأَكْيَاسِ أَعْلَى الدَّارَيْنِ مَنْزِلَةً طَلَبُوا الْعُلُوَّ بِالْعُلُوِّ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَعَلِمُوا أَنَّ الشَّيْءَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَبَذَلُوا أَكْثَرَ مَا عَنْدَهُمْ، بَذَلُوا وَاللَّهِ لِلَّهِ الْمُهَجَ رَجَاءَ الرَّاحَةِ لَدَيْهِ، وَالْفَرَجُ فِي يَوْمٍ لَا يَخِيبُ فِيهِ الطَّلَبُ. وَقَالَ أَبُو مُحْرِزٍ: كُلِّفَ النَّاسَ بِالدُّنْيَا لَمْ يَنَالُوا مِنْهَا فَوْقَ قِسْمَتِهِمْ، وَأَعْرَضُوا عَنِ الْآخِرَةِ وَتَبَعِيَّتِهَا، يَرْجُو الْعِبَادُ نَجَاةَ أَنْفُسِهِمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1212 ذِكْرُ أَبِي الْأَبْيَضِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَانَ عَابِدًا كَتَبَ كِتَابًا إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِهِ: سَلَامٌ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ لَمْ تُكَلَّفْ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا نَفْسًا وَاحِدَةً، فَإِنْ أَنْتَ أَصَلَحْتَهَا لَمْ يَضُرَّكَ فَسَادُ غَيْرِهَا، وَإِنْ أَنْتَ أَفَسَدْتَهَا لَمْ يَنْفَعْكَ صَلَاحُ غَيْرِهَا، وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تَسْلَمَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى لَا تُبَالِي مَنْ أَكَلَهَا مِنْ أَحْمَرَ وأَسْوَدَ. ذِكْرُ أَبِي كَرِيمَةَ الْعَبْدِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الشَّامِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ الْهُذَيْلِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا كَرِيمَةَ الْعَبْدِيَّ، يَقُولُ: ابْنَ آدَمَ لَيْسَ لِمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِكَ ثَمَنٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1213 ذِكْرُ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو خَالِدٍ الْأَحَمَرُ، فَكَانَ فِي كِتَابِهِ إِلَيَّ: وَأعْلَمْ أَنَّ الصِّدِّيقِينَ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ الْيَوْمُ عَلَى مَنْزِلَةِ أَمْسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ذِكْرُ أَبِي جَعْفَرٍ الْمُحَوَّلِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمُحَوَّلِيُّ: إِلَيْكَ أَشْكُو بَدَنًا غُذِّيَ بِنِعْمَتِكَ، ثُمَّ تَوَثَّبَ عَلَى مَعَاصِيكَ. ذِكْرُ أَبِي الْوَلِيدِ الصُّوفِيِّ، وَاسْمُهُ الْعَبَّاسُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ رَحِمَهُ اللَّهُ. ذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: أَمَرَ أَبُو الْوَلِيدِ هَارُونَ بِالْمَعْرُوفِ فَحَبَسَهُ، قَالَ: أَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي فَقَالَ: كَمْ لِلْحَزِينِ فِي الْقِيَامَةِ مِنْ فَرْحَةِ مَا يَسْتَوْعِبُ طُولُ حُزْنِهِ فِي دَارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1214 الدُّنْيَا، قَالَ: فَاسْتَيْقَظْتُ فَزِعًا، فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ فرَّجَ اللَّهُ، وَأَخْرَجَنِي مِمَّا كُنْتُ فِيهِ فَفَرِحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُنَا، وَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ ذَلِكَ الْآتِي أَتَانِي فَقَالَ: بَشِّرِ الْمَحْزُونِينَ بِطُولِ الْفَرَحِ غَدًا عِنْدَ مَلِيكِهِمْ، فَعَلِمْتُ وَاللَّهِ أَنَّ الْحُزْنَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى خَيْرِ الْآخِرَةِ، لَا عَلَى الدُّنْيَا، فَكَانَ أَبُو الْوَلِيدِ إِنَّمَا هُوَ دَهْرَهُ بِاكِي الْعَيْنِ، إِمَّا يَتْبَعُ جَنَازَةً، أَوْ يَعُودُ مَرِيضًا، أَوْ يَلْزَمُ الْجَبَّانَ، وَكَانَ مَحْزُونًا جِدًا. ذِكْرُ أَبِي طَاهِرٍ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى مَدِينَةِ أَصْبَهَانَ، كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، لَقِيَ أَحْمَدَ بْنَ عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيَّ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَيِّقٍ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَنَظَائِرَهُمَا بِالشَّامِ، وَمِصْرَ. كَانَ أَهْلُ أَصْبَهَانَ مَفْزَعَهُمْ إِلَى دُعَائِهِ عِنْدَ النَّوَائِبِ، وَالْمِحَنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1215 سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَكْفِيَهُ دُخُولَ الْحَمَّامِ لِلتَّنْظِيفِ فَسَقَطَتْ شَعْرَتُهُ فَلَمْ تَنْبَتْ بَعْدَ دَعْوَتِهِ، وَكَانَتْ لَهُ شَجَرَةُ جَوْزٍ تَحْمِلُ كُلَّ سَنَةٍ جَوْزًا كَثِيرًا، فَسَقَطَ مِنْهَا رَجُلٌ فَاسْتَعْظَمَ ذَلِكَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَيْبِسْهَا فَيَبِسَتْ، فَلَمْ تَحْمِلْ بِعْدَ ذَلِكَ. قِيلَ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ حَمَلَ عَلَمَ الشَّافِعِيِّ إِلَى أَصْبَهَانَ. ذِكْرُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرُّوذْبَارِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ شَيْخُ الشَّامِ فِي وَقْتِهِ، كَبِيرٌ فِي عِلْمِ الْقُرْآنِ، وَعِلْمِ الشَّرْعِ، وَآدَابِ التَّصَوُّفِ، مَاتَ بِصُورٍ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرُّوذْبَارِيُّ: مَا مِنْ قَبِيحٍ إِلَّا وَأَقْبَحُ مِنْهُ، صُوفِيٌّ شَحِيحٌ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: التَّصَوُّفُ يَنْفِي عَنْ صَاحِبِهِ الْبُخْلَ، وَكِتَابَةِ الْحَدِيثِ تَنْفِي عَنْ صَاحِبِهَا الْجَهْلِ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فِي شَخْصٍ فَنَاهِيكَ بِهِ نُبْلًا. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ: إِيشْ أَصَحُّ مَا فِي الصَّلَاةِ؟ قُلْتُ: صِحَّةُ الْقَصْدِ. فَسَمِعْتُ هَاتِفًا يَقُولُ: رُؤْيَةُ الْمَقْصُودِ بِإِسْقَاطِ رُؤْيَةِ الْقَصْدِ أَتَمُّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1216 وَقَالَ: مُجَالَسَةُ الْأَضْدَادِ ذَوَبَانُ الرُّوحِ، وَمُجَالَسَةُ الْأَشْكَالِ تَلْقِيحُ الْعُقُولِ. وَقَالَ: مَنْ خَدَمَ الْمُلُوكِ بِلَا عَقْلٍ أَسْلَمَهُ الْجَهْلُ إِلَى الْقَتْلِ. وَقَالَ: الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ عَلَامَةُ فَلَاحُ الْمُصَلِّي، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1-2] . ذِكْرُ أَبِي عُثْمَانَ الْمَغْرِبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ بَقِيَّةَ الْمَشَايِخِ، قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: مَنْ آثَرَ صُحْبَةَ الْأَغْنِيَاءِ عَلَى مُجَالَسَةِ الْفُقَرَاءِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِمَوْتِ الْقَلْبِ. وَقَالَ: مَنْ مَدَّ يَدَهُ إِلَى طَعَامِ الْأَغْنِيَاءِ بِشَرَهٍ وَشَهْوَةٍ لَا يَفْلَحُ أَبَدًا. وَقَالَ: مَنِ اشْتَغَلَ بِأَحْوَالِ النَّاسِ ضَيَّعَ حَالَهُ. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الْمُرِيدِينَ: مَا زَالُوا يَرْفِقُونَ بِي حَتَّى وَقَعْتُ، فَلَمَّا وَقَعْتُ قَالُوا لِي: اسْتَمْسِكْ، كَيْفَ أَسْتَمْسِكُ، إِنْ لَمْ يَمْسِكْنِي؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1217 وَقَالَ: مَنْ أَعْطَى نَفْسَهُ الْأَمَانِي قَطَعَهَا بِالتَّسْوِيفِ وَالتَّوَانِي، وَقَالَ: مَنْ حَمَلَ نَفْسَهُ عَلَى الرَّجَاءِ تَعَطَّلَ، وَمَنْ حَمَلَ نَفْسَهُ عَلَى الْخَوْفِ قَنِطَ، وَلَكِنْ سَاعَةً وَسَاعَةً، وَمَرَّةً وَمَرَّةً. وَقَالَ: السَّاكِتُ بِعلْمٍ أَحْمَدُ أَثَرًا مِنَ النَّاطِقِ بِجَهْلٍ. ذِكْرُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَفِيفٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ شَيْخُ الْمَشَايِخِ فِي وَقْتِهِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ خَفِيفٍ: التَّقْوَى مُجَانَبَةُ مَا يَبْعِدُكَ عَنِ اللَّهِ. قَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ أَضَرُّ بِالْمُرِيدِ مِنْ مُسَاعَدَةِ النَّفْسِ فِي رُكُوبِ الرُّخَصِ، وَقَبُولِ التَّأْوِيلَاتِ. وَقَالَ ابْنُ خَفِيفٍ: قَدِمَ عَلَيْنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، فَاعَتَلَّ فَكَانَ بِهِ عِلَّةُ الْبَطْنِ، فَكُنْتُ اخْدِمُهُ، وَآخُذُ مِنَ الطِّسْتِ طُولَ اللَّيْلِ، فَغَفَوْتُ مَرَّةً، فَقَالَ: نِمْتَ، لَعَنَكَ اللَّهُ. فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ وَجَدْتَ نَفْسَكَ عِنْدَ قَوْلِهِ لَعَنَكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: كَقَوْلِ رَحِمَكَ اللَّهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1218 ذِكْرُ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّسَوِيُّ فِي كِتَابِ الطَّبَقَاتِ، قَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ: سَافَرَ الْكَثِيرَ، وَكَتَبَ الْحَدِيثَ الْكَثَيرَ، وَلَقِيَ الْكِبَارَ مِنْ شُيُوخِ الصُّوفِيَّةِ، سَكَنَ مَكَّةَ بَعْدَ الْكِبَرِ، وَعمَّرَ وَصَنَّفَ كُتُبًا كَثِيرَةً لِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَالصُّوفِيَّةِ، وَصَنَّفَ كِتَابَ شَرَفُ الْفَقْرِ، وطَبَقَاتُ الصُّوفِيَّةِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَكَانَ مُتَجَرِّدًا لِمَحَبَّةِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ، مُتَعَصِّبًا لَهُمْ لَهِجًا بِذِكْرِهِمْ، لَهُ لِسَانٌ عَالٍ فِي مَذْهَبِهِمْ بِحُسْنِ فَهْمِهِ وَدِرَايَتِهِ، وَحَمَلَ عَنْهُ النَّاسُ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَالصُّوفِيَّةِ. مَاتَ بِمَكَّةَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَثَلَثِمِائَةِ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1219 قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: شَغَلَنِي عَنْ كِتَابَةِ الْحَدِيثِ الاشْتِغَالُ بِالتَّصَوُّفِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ النِّيَّةُ، أَدْرَكْتُ جَهَابِذَةَ الْحَدِيثِ وَنُقَّادَهُ، فَأَلْحَقُوا بِي جَمِيعَ مَا فَاتَنِي مِنْ قَبْلُ. قَالَ النَّسَوِيُّ: هَذَا أَيْضًا مِنْ بَرَكَةِ التَّصَوُّفِ حَتَّى لَحِقَ بِهِ مَا فَاقَ بِهِ عَلَى أَقْرَانِهِ، وَرُزِقَ مَا لَمْ يُرْزَقُ غَيْرُهُ مِنَ الْعِلْمِ. قَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ: خَرَجْتُ فِي بَعْضِ السِّنِينَ أُرِيدُ الْعِرَاقَ مِنْ مَكَّةَ، وَمَعِي جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ، فَجِئْنَا إِلَى بِئْرٍ فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ وَلَيْسَ مَعَنَا مَا نَسْتَقِي بِهِ، فَقَطَعْنَا مَا مَعَنَا مِنَ الْعَبَاءِ وَغَيْرِهِ، وَشَدَدْنَاهَا فِي رَكْوَةٍ وَاسْتَقَيْتُ، فَسَقَيْتُ أَصْحَابِي فَشَرِبُوا، ثُمَّ دَلَّيْتُهُ لِأَشْرَبَ فَانْقَطَعَتِ الرَّكْوَةِ وَالْحَبْلِ، يَعْنِي فَارْتَفَعَ الْمَاءُ حَتَّى شَرِبْتُ، فَتَعَجَّبَ أَصْحَابِي، فَقُلْتُ لَهُمْ: مِمَّا تَعْجَبُونَ؟ هَذَا يَسِيرٌ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: وَدَخَلْنَا الْكُوفَةَ، فَاجْتَمَعَ لِي طَرَفٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ فَجَلَسُوا يَسِيرًا ثُمَّ قَامُوا، وَعَهْدِي بِهِمْ أَنَّهُمْ يُطِيلُونَ عِنْدِي، فَقَالُوا: أَخَوَيْنِ تَوَاخَيَا، أَحَدُهُمَا عَلِيلٌ، فَقُلْتُ: فَأَنَا مَعَكُمْ، فَدَخَلْنَا عَلَى رَجُلٍ طَرِيحٍ، وَآخَرَ يَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ، فَلَمَّا دَخَلْنَا قَامَ وَجَلَسَ نَاحِيَةً، فَجَلَسَ أَصْحَابِي عَنِ الْعَلِيلِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا عَلَى الرَّجُلِ الْجَالِسِ فَكُلَّمَا أَنَّ الْعَلِيلُ أَنَّ هَذَا، يَعْنِي الْجَالِسَ مِثْلِهِ، حَتَّى قَالَ أَصْحَابِي: قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا، فَقَالَ لِي: هَكَذَا، فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: هَاهِ، وَخَرَجَتْ نَفْسُهُ، فَاشْتَغَلَ أَصْحَابِي بِهِ وَاشْتَغَلْتُ أَنَا بِهَذَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ ابْنُ الْأَعَرَابِيِّ: أُحِبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيمَانًا، وَتَصْدِيقًا، وَاعْتِقَادًا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1220 لِأَنَّهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ وَأَمَرَ بِحُبِّهِ، وَحُبِّي لِلَّهِ فِيهِ الشُّغْلُ بِدَوَامِ ذِكْرِهِ، وَمُنَاجَاتِهِ، وَالتَّلَذُّذِ بِتِلَاوَةِ كَلَامِهِ، وَذَلِكَ عَلَى دَوَامِ الْأَوْقَاتِ، وَمَحَبَّةِ الرَّسُولِ لِلَّهِ لَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَعَ عَقْدِ الْإِيمَانِ، وَمَحَبَّةُ اللَّهِ نَظَرًا فِي الْقَلْبِ مَعَ ذِكْرِ نِعَمِهِ مَحَبَّةٌ مُتَزَايِدَةٌ. ذِكْرُ أَبِي الْعَبَّاسِ الدِّينَوَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ حَسَنَ الطَّرِيقَةِ، مُسْتَقِيمَ الْحَالِ، دَخَلَ تِرْمِذَ، فَاسْتَقْبَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدٍ الزَّاهِدُ التِّرْمِذِيُّ، فَلَمَّا رَآهُ قَبَّلَ رِكَابَهُ، فَعُوتِبَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ حَسَنُ الْوَصْفِ لِآلَاءِ رَبِّي وَنِعْمَائِهِ وَأَنْشَدَ أَبُو الْعَبَّاسِ: رَأَيْتُكَ يُدْنِينِيِ إِلَيْكَ تَبَاعُدِي ... فَبَاعَدْتُ نَفْسِي لِابْتِغَاءِ التَّقَرُّبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1221 ذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ التِّيمَاسِتَانِيِّ الْفَارِسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ حَسَنَ الْحَالِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ خَفِيفٍ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ: كَانَ أَوَّلُ بِدَايَتِي حَتَّى وَقَعَتْ لِي هَذِهِ الْقِصَّةُ، أَنِّي جَلَسْتُ تَحْتَ شَجَرَةٍ فِي عَرَاءٍ أَرْبَعَ سِنِينَ أَنْظُرُ إِلَى تِلْكَ الصَّحْرَاءِ، وَكَانَتِ امْرَأَتِي تَرْعَى الْبَقَرَةِ تَحْمِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ رَغِيفَيْنِ نَأْكُلُهُمَا بَيْنَنَا. قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ: خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فِي بَعْضِ نَاحِيَةِ الْبَلَدِ فَوَقَعَ عَلَى قَوْمٍ صَعَالِيكَ لَيْلًا جُلُوسًا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَعِنْدَهُمْ عِبْدَانَ، وَغِنَاءٌ، وَعِنْدَهُمْ نَارٌ عَظِيمَةٌ فَجَلَسَ أَبُو بَكْرٍ يَسْمَعُ غِنَاءَهُمْ، فَقَالُوا: إِنْسَانٌ عَاشِقٌ، فَقَالُوا: تَقَدَّمْ إِلَيْنَا وَاجْلِسْ مَعَنَا وَاشْرَبْ. فَقَامَ وَجَلَسَ عِنْدَهُمْ، فَنَاوَلُوهُ قَدَحًا، فَأَخَذَهَا بِيَدِهِ وَقَامَ قَائِمًا وَهُوَ يَبْكِي، وَيَقُولُ: هَذَا شَاذِي لِمَنْ لَا يَعْصِي حَبِيبَهُ، هَذَا شَاذِي لِمَنْ نَخَافُ مَعَادَهُ، هَذَا شَاذِي لِمَنْ قَدَّمَ زَادَهُ، هَذَا شَاذٌّ لِمَنْ طَلَبَ مِنْ حَبِيبِهِ مُرَادَهُ. وَيَبْكِي حَتَّى بَكَوْا كُلُّهُمْ وَتَابُوا عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ رَمَى بِالْقِدْحِ مِنْ يَدِهِ وَذَهَبَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1222 ذِكْرُ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي تَبَعِ الْأَتْبَاعِ فِي بَابِ الْعَيْنِ، اسْمُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ. قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ: مَا رَأَى أَبُو زُرْعَةَ بِعَيْنِهِ مِثْلَ نَفْسِهِ أَحَدًا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ: لَا يَزَالُ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْرٍ مَا أَبْقَى اللَّهُ لَهُمْ مِثْلَ أَبِي زُرْعَةَ. وَقَالَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ إِمَامَا خُرَاسَانَ وَدَعَا لَهُمَا، وَقَالَ: بَقَاؤُهُمَا صَلَاحُ الْمِسْلِمِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1223 وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، كَأَنِّي فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَأَنِّي أَمْسَحُ بِيَدِي عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوْضَعِ الْمِقْعَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ، ثُمَّ أَمْسَكْتُهُ، فَاقْتَصَصْتُهُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ سِجِسْتَانَ كَانَ بِعَبَّادَانَ، فَقَالَ: هَذَا أَنْتَ تُعْنَى بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ: رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: قرَّبَنِي وَأَدْنَانِي، وَقَرَّبَنِي وَأَدْنَانِي، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُبَيْدَ اللَّهِ تَزَرَّعْتَ فِي الْكَلَامِ، قُلْتُ: لِأَنَّهُمْ جَادَلُوا دِينَكَ، قَالَ: أَلْحِقُوهُ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي فِي النَّوْمِ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، وَأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. قِيلَ: مَاتَ أَبُو زُرْعَةَ مَبْطُونًا يَعْرِقُ جَبِينَهُ فِي النَّزْعِ. قَالَ ابْنُ عَمِّ أَبِي زُرْعَةَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي اشْتَقْتُ إِلَى رُؤْيَتِكَ، فَإِنْ قَالَ: بِأَيِّ عَمَلٍ اشْتَقْتُ إِلَيَّ؟ قُلْتُ: بِرَحْمَتِكَ يَا رَبُّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1224 وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: قَالَ لِي السَّرِيُّ بْنُ مُعَاذٍ وَكَانَ أَحَدَ الْوُلَاةِ: لَوْ أَنِّي قَبِلْتَ لِأَعْطَيْتُ مِائَةَ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَبْلَ اللَّيْلِ فِيكَ، وَفِي ابْنِ مُسْلِمٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَحْبِسَكُمْ وَلَا أَضُرُّ بِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ أَمْنَعَكُمْ مِنَ التَّحْدِيثِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كُنْتُ فِيمَا مَضَى وَأَنَا صَحِيحٌ رُبَّمَا أَخَذَتْنِي الْحُمَّى، فَأَضْعُفُ وَأَجِدُ لِذَلِكَ أَلَمًا، وَأَنَا الْيَوْمَ رُبَّمَا حُمِمْتُ فَلَا أَجِدُ لَهُ أَلَمًا أَظُنُّ فِي نَفْسِي كَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ. وَقَالَ: إِنِّي لَأَلْبَسُ الثِّيَابَ لِكَيْ إِذَا نَظَرَ النَّاسُ إِلَيَّ لَا يَقُولُونَ تَرَكَ أَبُو زُرْعَةَ الدُّنْيَا وَلَبِسَ الثِّيَابَ الدُّونَ، وَإِنِّي لَآكُلُ مَا يُقَدَّمُ إِلَيَّ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَالْحَلْوَى لِكَيْ لَا يَقُولُ النَّاسُ: إِنَّ أَبَا زُرْعَةَ لَا يَأْكُلُ الطَّيِّبَاتِ لِزُهْدِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْلَمَ مِنْ لِبْسِ الثِّيَابِ يَلْبَسُهُ لِسَتْرِ عَوْرَتِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا نَوَى هَذَا وَلَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ سَلِمَ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ اللَّيْثُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: بِالرَّيِّ شَابٌّ يُقَالُ لَهُ: أَبُو زُرْعَةَ، فَغَضِبَ أَحْمَدُ، وَقَالَ: تَقُولُ شَابٌّ كَالْمُنْكَرِ عَلَيْهِ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ وَجَعَلَ يَدْعُو اللَّهَ لِأَبِي زُرْعَةَ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ انْصُرْهُ عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنْهُ الْبَلَاءَ اللَّهُمَّ، اللَّهُمَّ فِي دُعَاءٍ كَثِيرٍ، قَالَ الْحَسَنُ: فَلَمَّا قدِمْتُ حَكَيْتُ ذَلِكَ لِأَبِي زُرْعَةَ وَحَمَلْتُ إِلَيِهِ دُعَاءَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَكُنْتُ كَتَبْتُهُ فَكَتَبَهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَقَالَ لِي أَبُو زُرْعَةَ: مَا وَقَعْتُ فِي بَلِيَّةِ فَذَكَرْتُ دُعَاءَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إِلَا ظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ يُفَرَّجُ عَلَيَّ بِدُعَائِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1225 وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ذَهَبَ أَبِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِدٍ الدِّشْتَكِيِّ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ هِبْتُهُ فَجَعَلْتُ أَدْنُو مِنْهُ، فَقَالَ لِأَبِي: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ابْنِي، قَالَ: ادْعُهُ. فَدَعَانِي، فَجِئْتُ حَتَّى دَنَوْتُ مِنْ أَبِي، فَقَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ: ادْنُ مِنِّي، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ: ادْنُ مِنِّي وَقَالَ لِي: أَخْرِجْ يَدَكَ، فَأَخْرَجْتُ يَدِي فَنَظَرَ إِلَى شُقُوقٍ فِي بَاطِنِ أَصَابِعِي فَتَفَرَّسَ فِيَّ وَقَالَ: إِنَّ هَذَا سَيَكُونُ لَهُ شَأْنٌ، وَيَحْفَظُ الْقُرْآنَ، وَالْعِلْمَ، وَذَكَرَ أَشْيَاءً. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ خَرَجْتُ مِنَ الرَّيِّ، الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَرَجَعْتُ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَإِنِّي حَجَجْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى مِصْرَ، فَأَقَمْتُ بِهَا خَمْسَةَ عَشْرَ شَهْرًا، وَكُنْتُ عَزَمْتُ فِي بَدْءِ قُدُومِي مِصْرَ، أَنْ أَقِلَّ الْمَقَامَ بِهَا، وَلَمَّا رَأَيْتَ كَثْرَةَ الْعَلِمِ رُمْتُ عَلَى الْمَقَامِ، وَلَمْ أَكُنْ عَزَمْتُ عَلَى سَمَاعِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ، فَلَمَّا عَزَمْتُ عَلَى الْمَقَامِ، وَجَّهْتُ إِلَى أَعْرَفِ رَجُلٍ بِمِصْرَ يَكْتُبُ لِلشَّافِعِيِّ، وَسَلَّمْتُ إِلَيْهِ ثَمَانِينَ دِرْهَمًا عَلَى أَنْ يَكْتُبَهَا لِي، وَأَعْطَيْتُهُ الْكَاغِدَ وَكُنْتُ حَمَلْتُ مَعِي ثَوْبَيْنِ دَقِيقَيْنِ لِأَقْطَعْهُمَا لِنَفْسِي، فَلَمَّا عَزَمْتُ عَلَى كِتَابَتِهَا أَمَرْتُ بِبَيْعِهَا، فَبِيعَا بِسِتِّينَ دِرْهَمًا وَاشْتَرَيْتُ مِائَةَ وَرَقَةِ كَاغِدِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمٍ، فَكَتَبْتُ فِيهَا كُتُبِ الشَّافِعِيُّ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ، فَأَقَمْتُ بِهَا مَا أَقَمْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الْجَزِيرَةِ، فَأَقَمْتُ مَا أَقَمْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1226 إِلَى بَغْدَادَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ فِي آخِرِهَا، وَرَجَعْتُ إِلَى الْكُوفَةِ فَأَقَمْتُ بِهَا مَا أَقَمْتُ، وَقَدِمْتُ الْبَصْرَةِ فَكَتَبْتُ فِيهَا عَنْ شَيْبَانَ وَعَبْدِ الْأَعْلَى. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَتَبَ إِلَيَّ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: لَا يُهَوِّلَنَّكَ الْبَاطِلُ فَإِنَّ لِلْبَاطِلِ جَوْلَةً ثُمَّ يَتَلَاشَى. ذِكْرُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَحْصَيْتُ مَا مَشَيْتُ عَلَى قَدَمِي فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ زِيَادَةً عَلَى أَلْفِ فَرْسَخٍ، سِرْتُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَرَّاتٍ، وَمِنَ الْبَحْرَيْنِ إِلَى مِصْرَ، وَمِنْ مِصْرَ إِلَى الرَّمْلَةِ، وَمِنَ الرَّمْلَةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَطَبَرِيَّةَ، وَمِنْ طَبَرِيَّةَ إِلَى دِمَشْقٍ، وَمِنْ دِمَشْقٍ إِلَى حِمْصٍ، وَمِنْ حِمْصَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، وَمِنْ أَنْطَاكِيَةَ إِلَى طَرَسُوسَ، ثُمَّ رَجَعْتُ مِنْ طَرَسُوسَ إِلَى حِمْصٍ، فَكَانَ بَقِيَ عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْيَمَانِ، فَسَمِعْتُ ثُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1227 خَرَجْتُ مِنْ حِمْصٍ إِلَى بيِسَانَ، وَمِنْ بِيسَانَ إِلَى الرَّقَّةِ، وَمِنَ الرَّقَّةِ رَكِبْتُ الْفُرَاتِ إِلَى بَغْدَادَ، وَخَرَجْتُ قَبْلَ خُرُوجِي إِلَى الشَّامِ مِنْ وَاسِطٍ، وَمِنْ وَاسِطٍ إِلَى الْكُوفَةَ، كُلُّ ذَلِكَ أَمْشِي، هَذَا فِي السَّفَرِ الْأَوَّلِ، وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً أَجُولُ سَبْعَ سِنيِنَ، خَرَجْتُ مِنَ الرَّيِّ سَنَةَ ثَلَاثِ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ، وَخَرَجْتُ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَرَجَعْتُ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، وَحَجَجْتُ الْحَجَّةَ الْأُولَى سَنَةَ خَمْسِ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ، وَالْحَجَّةُ الثَّانِيَةُ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، وَالثَّالِثَةُ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَالرَّابِعَةُ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَفِيهَا حَجَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنِي، وَقَالَ: بَقِيتُ بِالْبَصْرَةَ سَنَةَ أَرْبَعِ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَ فِي نَفْسِي أَنْ أُقِيمَ سَنَةً، فَانْقَطَعَتْ نَفَقَتِي، فَجَعَلْتُ أَبِيعُ ثِيَابَ بَدَنِي شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، حَتَّى بَقِيتُ بِلَا نَفَقَةٍ، وَمَضَيْتُ أَطُوفُ مَعَ صَدِيقٍ لِي عَلَى الْمَشْيَخَةِ، وَأَسْمَعُ مِنْهُمْ إِلَى الْمَسَاءِ، فَانْصَرَفَ رَفِيقِي، وَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتٍ خَالٍ، فَجَعَلْتُ أَشْرَبُ الْمَاءَ مِنَ الْجُوعِ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ مِنَ الْغَدِ وَغَدَا عَلَيَّ رَفِيقِي، فَجَعَلْتُ أَطُوفُ مَعَهُ فِي سَمَاعِ الْحَدِيثِ عَلَى جُوعٍ شَدِيدٍ فَانْصَرَفَ عَنِّي وَانْصَرَفْتُ جَائِعًا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ غَدَا عَلَيَّ. فَقَالَ: سِرْ بِنَا إِلَى الْمَشَايخِ، فَقُلْتُ: أَنَا ضَعِيفٌ لَا يُمْكِنُنِي، قَالَ: مَا ضَعْفُكَ؟ قُلْتُ: لَا أَكْتُمُكَ أَمْرِي، قَدْ مَضَى كَذَا وَكَذَا مَا طَعُمْتُ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: قَدْ بَقِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1228 دِينَارٌ فَأَنَا أُقَاسِمُكَ بِنِصْفِهِ وَتَحْفَظُ النِّصْفَ الْآخَرَ فِي الْكَرَى، فَخَرَجْنَا مِنَ الْبَصْرَةِ وَكُنَّا فِي الْبَحْرِ فَاحْتَلَمْتُ فَأَخْبَرْتُ أَصْحَابِي بِهِ فَقَالُوا: اغْمُرْ نَفْسَكَ فِي الْبَحْرِ قُلْتُ: إِنِّي لَا أُحْسِنُ أَسْبَحُ، فَقَالُوا: إِنَّا نَشُدُّ فِيكَ حَبْلًا وَنُعَلِّقُكَ فِي الْمَاءِ، فَشَدُّوا فِيَّ حَبْلًا وَأَرْسَلُونِي، فِي الْمَاءِ وَأَنَا فِي الْهَوَاءِ هُوَ ذَا أَسْرَعُ الْوُضُوءِ، فَلَمَّا تَوَضَّأْتُ قُلْتُ: أَرْسِلُونِي قَلِيلًا، فَأَرْسَلُونِي، فَغَمَسْتُ نَفْسِي فِي الْمَاءِ، قُلْتُ: ارْفَعُونِي، فَرَفَعُونِي، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ صِرْنَا إِلَى الْجَارِ، وَرَكِبْنَا الْبَحْرَ وَكُنَّا ثَلَاثَةَ أَنْفُسٍ وَكَانَتِ الرِّيحُ فِي وُجُوهِنَا، فَبَقِينَا فِي الْبَحْرِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَضَاقَتْ صُدُورُنَا وَفَنِيَ مَا كَانَ مَعَنَا مِنَ الزَّادِ، فَخَرَجْنَا إِلَى الْبَرِّ، فَجَعَلْنَا نَمْشِي أَيَّامًا عَلَى الْبَرِّ فَفَنِيَ مَا كَانَ مَعَنَا مِنَ الزَّادِ وَالْمَاءِ، فَمَشَيْنَا يَوْمًا لَمْ يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنَّا شَيْئًا وَلَا شَرِبْنَا، وَيَوْمَ الثَّانِي كَمِثْلِهِ وَيَوْمَ الثَّالِثِ، كُلُّ يَوْمٍ نَمْشِي إِلَى اللَّيْلِ فَإِذَا جَاءَ الْمَسْيُ صَلَّيْنَا وَأَبْقَيْنَا بِأَنْفُسِنَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا يَوْمَ الرَّابِعِ، جَعَلْنَا نَمْشِي عَلَى قَدْرِ طَاقَتِنَا، فَسَقَطَ الشَّيْخُ الَّذِي كَانَ مَعَنَا، مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَتَرَكْنَاهُ، فَمَشَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي قَدْرَ فَرْسَخٍ أَوْ فَرْسَخَيْنِ، فَضَعُفْتُ وَسَقَطْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ وَمَضَى صَاحِبِي وَتَرَكَنِي فَلَمْ يَزَلْ يَمْشِي إِذْ أَبْصَرَ مِنْ بَعِيدٍ قَوْمًا قَدْ قَرَّبُوا سَفِينَتَهُمْ إِلَى الْبَرِّ، وَنَزَلُوا عَلَى بِئْرِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا عَايَنَهُمْ لَوَّحَ بِثَوْبِهِ إِلَيْهِمْ، فَجَاءُوا وَمَعَهُمُ الْمَاءَ فِي إِدَاوَةٍ فَسَقَوْهُ وَأَخَذُوا بِيَدِهِ فَقَالَ: الْحَقُوا رَفِيقَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1229 لِي قَدْ أَلْقَيَا بِأَنْفُسِهِمَا مَغْشِيًّا عَلَيْهِمَا، فَمَا شَعَرْتُ إِلَّا بِرَجُلٍ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى وَجْهِي فَفَتَحْتُ عَيْنِي، فَقُلْتُ: اسْقِنِي فَصَبَّ الْمَاءَ مِنْ رَكْوَتِهِ شَيْئًا يَسِيرًا فَشَرِبْتُ وَرَجَعَتْ إِلَيَّ نَفْسِي فَقُلْتُ: اسْقِنِي فَسَقَانِي شَيْئًا يَسِيرًا، وَأَخَذَ بِيَدِي فَقُلْتُ: وَرَائِي شَيْخٌ مُلْقَى، قَالَ: فَذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ وَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا أَمْشِي أَجُرُّ رِجْلِي يَسْقِينِي شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ إِلَى سَفِينَتِهِمْ وَأَتُوا بِرَفِيقِي الشَّيْخِ وَأَحْسَنُوا إِلَيْنَا فَبَقِينَا أَيَّامًا حَتَّى رَجَعَتْ إِلَيْنَا أَنْفُسُنَا، ثُمَّ كَتَبُوا لَنَا كِتَابًا إِلَى مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا رَايَةُ، إِلَى وَالِيهِمْ وَزَوَّدُوَنَا مِنَ الْكَعْكِ وَالسَّوِيقِ وَالْمَاءِ، فَلَمْ نَزَلْ نَمْشِي حَتَّى نَفَدَ مَا كَانَ مَعَنَا مِنَ الْمَاءِ وَالسَّوِيقِ وَالْكَعْكِ، فَجَعَلْنَا نَمْشِي جِيَاعًا عِطَاشًا عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ فَدُفِعْنَا إِلَى سُلْحِفَاةٍ قَدْ رَمَى بِهَا الْبَحْرِ مِثْلَ التِّرْسِ، فَعَمَدْنَا إِلَى حَجَرٍ كَبِيرٍ، فَضَرَبْنَا عَلَى ظَهْرِ السُّلْحِفَاةِ، فَانْفَلَقَ ظَهْرُهَا وَإِذَا فِيهَا مِثْلَ صُفْرَةِ الْبَيْضِ، فَأَخَذْنَا مِنْ بَعْضِ الْأَصْدَافِ الْمُلْقَاةِ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ، فَجَعَلْنَا نَغْتَرِفُ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْفَرُ فَنَتَحَسَّاهُ حَتَّى سَكَنَ عَنَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ حَتَّى دَخَلْنَا مَدِينَةِ الرَّايَةِ، وَأَوْصَلْنَا الْكِتَابَ إِلَى عَامِلِهِمْ، فَأَنْزَلَنَا فِي دَارِهِ وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا، وَكَانَ يُقَدِّمُ إِلَيْنَا كُلَّ يَوْمٍ الْقَرْعَ، وَيَقُولُ لِخَادِمِهِ: هَاتِي لَهُمْ بِالْيَقْطِينَ الْمَارِكِ، فَقَالَ وَاحِدٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1230 مِنَّا بِالْفَارِسِيَّةِ: أَلَا نَدْعُو بِاللَّحْمِ: فَقَالَ صَاحِبُ الدَّارِ: أَنَا أُحْسِنُ بِالْفَارِسِيَّةِ، فَإِنَّ جِدَّتِي كَانَتْ هَرَوِيَّةَ، فَأَتَانَا بَعْدَ ذَلِكَ بِاللَّحْمِ ثُمَّ خَرَجْنَا مِنْ هُنَاكَ فَزَوَّدَنَا إِلَى أَنْ بَلَغْنَا مِصْرَ. ذِكْرُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ فِي بَابِ الْعَيْنِ. أَخْبَرَنَا أَبُو ثَابِتٍ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِمٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَلَمِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَطِيبُ الرَّازِيُّ الْمُجَاوِرُ بِمَكَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيَّ، بِالرَّيِّ، فِي جَنَازَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَكَانَ رَحَلَ إِلَيْهِ مِنَ الْعِرَاقِ وَسَمِعَ مِنْهُ يَقُولُ: قُلُنْسُوَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنَ السَّمَاءِ، وَمَا هُوَ بِعَجَبٍ، رَجُلٌ مُنْذُ ثَمَانِينَ سَنَةً عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ مَا انْحَرَفَ عَنِ الطَّرِيقِ سَاعَةً وَاحِدَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1231 قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْخَطِيبُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ أَحْمَدَ الْفَرَضِيَّ، يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِمَّنْ عَرِفَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ذَكَرَ عَنْهُ جَهَالَةً قَطُّ، وَكُنْتُ مُلَازِمًا لَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً، فَمَا رَأَيْتَهُ إِلَّا عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ مَا أَنْكَرْتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَلَا مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ، بَلْ رَأَيْتُهُ صَائِنًا لِنَفْسِهِ وَدِينِهِ وَمُرُوءَتِهِ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ أَحْمَدَ الْكَيْلِينِيَّ، يَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا حَاتِمٍ، قَالَ: وَمَنْ يَقْوَى عَلَى عِبَادَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ ! لَا أَعْرِفُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ ذَنْبًا. قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ: لَمْ يَدَعْنِي أَبِي أَشْتَغِلُ بِالْحَدِيثِ حَتَّى قَرَأْتَ الْقُرْآنَ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، ثُمَّ كَتَبْتَ الْحَدِيثِ. وَكَانَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ وَيُصَلِّي التَّرَاوِيحَ بِنَفْسِهِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ الدِّينَوَرِيَّ، يَقُولُ: قَدْ رَأَيْتُ مَشَايخَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ شَيْبَةً مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مُقْبِلًا عَلَى الْعِبَادَةِ مِنْ صِغَرِهِ، وَالسَّهَرِ بِاللَّيْلِ، وَالذِّكْرِ وَلُزُومِ الطَّهَارَةِ، فَكَسَاهُ اللَّهُ بَهَاءً وَنُورًا، فَكَانَ يُسَرُّ بِهِ مَنْ نَظَرَ إِلَيْهِ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1232 الْبَغْدَادِيَّ، بِمَكَّةَ يَقُولُ: كَانَ مِنْ مِنَةِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ وُلِدَ بَيْنَ قَمَاطِرِ الْعِلْمِ وَالرِّوَايَاتِ، وَتَرَبَّى بِالْمُذَكِّرَاتِ بَيْنَ أَبِيهِ وَأَبِي زُرْعَةَ، فَكَانَا يَزُقَّانَهُ كَمَا يُزَقُّ الْفَرْخُ الصَّغِيرُ، وَيعْنَيَانَ بِهِ فَاجْتَمَعَ لَهُ مَعَ جَوْهَرِ نَفْسِهِ كَثْرَةُ عِنَايَتِهِمَا، ثُمَّ تَمَّتِ النِّعْمَةُ بِرِحْلَتِهِ مَعَ أَبِيهِ، فَأَدْرَكَ الْإِسْنَادَ وَثِقَاتَ الشُّيُوخِ بِالْحِجَازِ، وَالْعِرَاقِ، وَالشَّامِ، وَالثُّغُورِ، وَسَمَعَ بِأَنْبِجَانَةَ، حَتَّى عَرِفَ الصَّحِيحَ مِنَ السَّقِيمِ وَتَرَعْرَعَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ كَانَتْ رِحْلَتُهُ الثَّانِيَةُ بِنَفْسِهِ بَعْدَ تَمَكُّنِ مَعْرِفَتِهِ، يُعْرَفُ لَهُ ذَلِكَ وَيُقَدَّمُ لِحُسْنِ فِهْمِهِ وَدِيَانَتِهِ وَقَدِيمِ سَلَفِهِ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ الدَّرَسْتِينِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ: سَاعَدَنِي الدَّوْلَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى أَخْرَجَنِي أَبِي سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَمَا احْتَلَمْتُ بَعْدُ، فَلَمَّا أَنْ بَلَغْنَا اللَّيْلَةَ الَّتِي خَرَجْنَا فِيهَا مِنَ الْمَدِينَةِ نُرِيدُ ذَا الْحَلِيفَةِ، احْتَلَمْتُ فَحَكَيْتُ ذَلِكَ لِأَبِي فَسُرَّ بِذَلِكَ وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ أَدْرَكْتُ حُجَّةَ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ سَمِعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنِ ابْنِ الْمُقْرِئِ حَدِيثَهُ عَنْ سُفْيَانَ، وَمِنْ مَشَايخِ مَكَّةَ وَالْوَارِدِينَ إِلَيْهَا، وَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَمَاتَ ابْنُ الْمُقْرِئِ مِنْ قَابِلِ سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَسَمِعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي انْصِرَافِهِ مِنَ الْحَجِّ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ مِنِ ابْنِ سَعِيدٍ الْأَشَجِّ وَمَشَايخِ الْكُوفِيِّينَ مَعَ أَبِيهِ، وَمَشَايِخِ الْوَاسِطِيِّينَ، أَحْمَدَ بْنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1233 سِنَانَ، وَعُدَّةٍ مِنْ مَشَايخِ أَهْلِ وَاسِطٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ بِبَغْدَادَ وَسَامُرَّاءَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَرَفَةَ، يَقُولُ: أَنَا ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةٍ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: فَكَانَ أَبُو زُرْعَةَ أَبُوهُ خَالُ أَبِي حَاتِمٍ وَكَانَا كَالْأَخَوَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ وَلَا شَحْنَاءَ وَلَا بَغْضَاءَ، كَمَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ: وَكَانَ أَبُو حَاتِمٍ أَسَنَّ مِنْ أَبِي زُرْعَةَ عَلَى مَا بَلَغَنِي بِخَمْسِ سِنِينَ، وَأَبُو زُرْعَةَ مَاتَ قَبْلَ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَتَيْنِ، وَكَانَ مَسْكَنُهُمَا وَمَسْجِدُهُمَا فِي مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي سِكَّةِ حَنْظَلَةَ. سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُوَارَزْمِيَّ، يَقُولُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ إِمَامٌ ابْنُ إِمَامٍ، قَدْ وَلِيَ بَيْنَ إِمَامَيْنِ، أَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي زُرْعَةَ إِمَامَيْ هُدَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1234 فَصْلٌ فِي ذِكْرِ حِرْصِهِ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَلِيٍّ الرَّقَّامَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ الْحُسَيْنِ الدَّرَسْتِينِيَّ، يَقُولُ:، سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ، يَقُولُ: قَالَ لِي أَبُو زُرْعَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحْرَصَ عَلَى طَلَبِ الْحَدِيثِ مِنْكَ يَا أَبَا حَاتِمٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَحَرِيصٌ، قَالَ: مَنْ أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ، قَالَ الرَّقَّامُ: سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنِ اتْفَاقِ كَثْرَةِ السَّمَاعِ لَهُ وَسُؤَالَاتِهِ مِنْ أَبِيهِ فَقَالَ: رُبَّمَا كَانَ يَأْكُلُ وَأَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَيَمْشِي وَأَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَيَدْخُلُ الْخَلَاءَ وَأَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَيَدْخُلُ الْبَيْتَ فِي طَلَبِ شَيْءٍ وَأَقْرَأُ عَلَيْهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ أَبَاهُ أَبَا حَاتِمٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ عَنْ أَشْيَاءٍ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ إِلَى وَقْتِ ذَهَبَ لِسَانُهُ فَكَانَ يُشِيرُ إِلَيْهِ بِطَرَفِهِ نَعَمْ وَلَا. قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَوْمًا يَقُولُ: لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1235 وَقَالَ: كُنَّا بِمِصْرَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ، فَلَمْ نَأْكُلْ فِيهَا مَرَقَةَ، وَذَلِكَ أَنَّا كُنَّا نَغْدُو بِالْغَدَوَاتِ إِلَى مَجْلِسِ بَعْضِ الشُّيُوخِ، وَوَقْتِ الظُّهْرِ إِلَى مَجْلِسٍ آخَرَ، وَوَقْتِ الْعَصْرِ إِلَى مَجْلِسٍ آخَرَ، ثُمَّ بِاللَّيْلِ لِلنَّسْخِ وَالْمُعَارَضَةِ، فَلَمْ نَتَفَرَّغْ نُصْلِحَ شَيْئًا، وَكَانَ مَعِي رَفِيقٌ خُرَاسَانِيُّ أَسْمَعُ فِي كِتَابِهِ وَيَسْمَعُ فِي كِتَابِي، فَمَا أَكْتُبُ لَا يَكْتُبُ، وَمَا يَكُتُبُ لَا أَكْتُبُ، فَغَدَوْنَا يَوْمًا إِلَى مَجْلِسِ بَعْضِ الشُّيُوخِ فَقَالَ: هوِّنْ عَلَيْكَ فَرَجَعْنَا فَرَأَيْنَا فِي طَرِيقِنَا حُوتًا يَكُونُ بِمِصْرَ، يُشَقُّ جَوْفُهُ فَيَخْرُجُ أَصْفَرُ، فَأَعْجِبْنَاهُ فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى الْمَنْزِلِ حَضَرَ وَقْتُ مَجْلِسِ بَعْضِ الشُّيُوخِ فَلَمْ يُمْكِنَّا إِصْلَاحَهُ، وَمَضَيْنَا إِلَى الْمَجْلِسِ، فَلَمْ نَزَلْ حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَادَ أَنْ يَتَغَيَّرُ، فَأَكَلْنَاهُ نَيًّا، فَقِيلَ لَهُ: كُنْتُمْ تُعْطُونَ لِمَنْ يَشْوِيهِ وَيُصْلِحُهُ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ كَانَ لَنَا الْفَرَاغُ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: وَكَانَ هَذَا فِي الرِّحْلَةِ الثَّانِيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ اسْتَأْذَنَ أَبَاهُ وَتَشَفَّعَ إِلَيْهِ بِأَبِي زُرْعَةَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الرِّحْلَةِ الثَّانِيَةِ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ حَتَّى أَلَحَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَبِي حَاتِمٍ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَلَدٌ غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ لَهُ أَوْلَادٌ قَبْلَهُ فَمَاتُوا فَلَمْ تَطُبْ نَفْسُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ، ثُمَّ أَذَنَ لَهُ وَشَرَطَ عَلَيْهِ إِلَى وَقْتِ كَذَا وَيَنْصَرِفُ إِلَيْهِ فِي وَقْتِ كَذَا فَرَحَلَ وَدَخَلَ مِصْرَ، وَمَشَايخُ مِصْرَ مُتَوَافِرُونَ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ كَانَ فِي ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ مِثْلَ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، وَبَحْرِ بْنِ نَصْرٍ، وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالْمُزْنِيِّ، وَالرَّبِيعِ وَغَيْرِهِمْ، وَمَشَايخُ إِسْكَنْدَرِيَّةَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونَ وَغَيْرِهِ، فَأَجْهَدَ نَفْسَهُ فِي السَّمَاعِ لِيَلْحَقَ وَعْدَ أَبِيهِ لَا يَخْلِفُ، فَرُزِقَ السَّمَاعَ الْكَثِيرَ مِثْلَ كُتُبِ ابْنِ وَهْبٍ بِأَسْرِهَا، وَكُتُبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَحِدِيثِ سَائِرِ الْمَشَايخِ وَفَوَائِدِهِمْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ مِصْرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1236 سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الْبَغْدَادِيَّ يَقُولُ: لَقَدِ اتَّفَقَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي رِحْلَتِهِ مِنَ السَّمَاعِ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ مَا يَعْجَزُ عَنْ جَمْعِهِ غَيْرُهُ أَنْ يَكْتُبَ فِي سِنِينَ، وَدَخَلَ بَيْرُوتَ السَّوَاحِلَ وَدِمَشْقَ وَالثُّغُورَ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: كَانَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَلَاثُ رِحْلَاتٍ، رِحْلَةٍ مَعَ أَبِيهِ فِي سَنَةِ حَجِّهِ سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ، وَسِتٍّ وَخَمْسِينَ فِي رُجُوعِهِ مِنَ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ حَجَّةً ثَانِيةً بِنَفْسِهِ مَعَ مَشَايخِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الرَّيِّ، مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ الطَّهْرَانِيِّ، وَغَيْرِهِ فِي السِّتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَالرِّحْلَةُ الثَّانِيَةُ بِنَفْسِهِ إِلَى مِصْرَ وَنَوَاحِيهَا وَالشَّامِ وَنَوَاحِيهَا فِي الثِّنْتَيْنِ وَالسِّتِّينَ، وَالرِّحْلَةُ الثَّالِثَّةُ إِلَى أَصْبَهَانَ إِلَى يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ، وَأُسَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، وَغَيْرِهِمَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ فَصْلٌ فِي ذِكْرِ حُسْنِ صَلَاتِهِ وَخُشُوعِهِ فِيهَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ الزَّنْجَانِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْفَضْلِ التِّرْمِذِيُّ، يَقُولُ: كُنْتُ مَعَ أَبِي حَاتِمٍ إِذْ خَرَجَ مِنَ السِّكَّةِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الصَّلَاةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ عَلَى رَأْسِ سِكَّتِهِ، فَوَقَفَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1237 فَقَالَ: خَفِّفْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: لَا يَتَهَيَّأُ لِي أَنْ أَعْمَلَ مَا يَعْمَلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْقَزْوِينِيَّ الْوَاعِظَ الْمَعْرُوفَ بِابْنِ السَّاجِيِّ، وَكَانَ مِنَ الْمَذْكُورِينَ، يَقُولُ: وَقَالَ لَهُ بَعْضُ إِخْوَانِهِ: إِيشْ خَبَرُكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ مَعَ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ لَهُ: إِذَا دَخَلْتُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الصَّلَاةِ فَسَلِّمَ نَفْسَكَ إِلَيْهِ يَعْمَلُ بِهَا مَا يَشَاءُ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الرَّازِيَّ بَعْدَ وَفَاةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ لِلتَّعْزِيَةِ، وَالْمَسْجِدُ غَاصٌ بِأَهْلِهِ، قَامَ فَقَرَأَ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1-2] إِلَى قَوْلِهِ {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [المؤمنون: 10] الْآيَةَ. فَضَجَّ الْمَسْجِدُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ، وَقَالُوا: نَرْجُو أَنْ يَكُونَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَاتِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ كَانَتْ كُلَّهَا فِيهِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: دَخَلْنَا يَوْمًا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِغَلِسٍ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، وَكَانَ عَلَى الْفِرَاشِ قَائِمًا يُصَلِّي وَكُنَّا جَمَاعَةً، وَأَبُو الْحُسَيْنِ الدَّرَسْتِينِيُّ فِي الْجَمَاعَةِ فَرَكَعَ وَأَطَالَ الرُّكُوعَ، فَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: هُوَ عَلَى الْعَادَةِ الَّتِي كَانَ يَسْتَعْمِلُهَا فِي صِحَّتِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1238 فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مِحْنَتِهِ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّازِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْفَضْلِ الْعَبَّاسَ بْنَ أَحْمَدَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي عُمَرَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: قُلْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ: أَخْرِجْ إِلَيَّ مِحْنَةَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لِأَكْتُبْهَا، فَتَغَافَلَ، فَسَأَلْتُهُ ثَانِيَةً فَقَالَ: اكْتُبْ مِحْنَتِي فَإِنَّهَا أَعْجَبُ مِنْ مِحْنَةِ أَحْمَدَ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ الْفَرْضِيُّ: مِحْنَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ أَشَدُّ مِنْ مِحْنَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَذَلِكَ أَنَّ مِحْنَةَ أَحْمَدَ كَانَتْ مَعَ الْخَاصِّ، وَكَانَتْ مُدَّتُهَا قَلِيلَةً، وَبَقِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي مِحْنَتِهِ مَعَ أَصْحَابِ الزَّعْفَرَانِيِّ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ قَارِنِ بْنِ الْعَبَّاسِ، يَقُولُ: امْتُحِنَ فِي الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةٌ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1239 قِيلَ: صَبَرَ فِي مِحْنَتِهِ وَلَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَسْجِدِهِ وَمَجْلِسِهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ جُمْعَةً وَلَا جَمَاعَةً، وَلَا تَسَتَّرَ الْعِلْمَ وَالتَّصْنِيفَ، وَتَعْلِيمَ الْخَيْرِ حَتَّى مَحَقَهُمُ اللَّهُ. قِيلَ: مَاتَ مِنْ رُؤَسَاءِ أَعْدَائِهِ الْمَذْكُورِينَ أَرْبَعِ مِائَةٍ فِي حَيَاتِهِ، وَأَشَارُوا عَلَيْهِ وَقْتَ الْمِحْنَةِ بِالْخُرُوجِ، فَقَالَ: هَا هُنَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ تَنْكَسِرُ قُلُوبُهُمْ وَيُسْتَوْحَشُونَ وَلَكِنْ نَصْبُرُ. وَقَالَ: كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذَّهْلِيُّ إِلَى أَبِي زُرْعَةَ: اصْبِرْ فَإِنَّ لِلْبَاطِلِ جَوْلَةً ثُمَّ يَضْمَحِلُّ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: كُنَّا جَمَاعَةٌ يَوْمًا فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ عِنْدَهُ فَتَذَكَّرُوا شِدَّةَ مِحْنَتِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَوْمَ كَذَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَقْتَ كَذَا. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: كُنْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ إِذْ جَاءَنِي إِنْسَانٌ، فَقَالَ لِي: خُذْ حَذَرَكَ فَإِنَّهُمْ قَدْ جَلَسُوا لَكَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعٍ، فَأَخَذُوا عَلَيْكَ الطَّرِيقَ يُرِيدُونَ نَفْسَكَ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: وَالْجَامِعُ نَاءٍ عَنِ الْبَلَدِ مُنْقَطِعٌ عَنْهُ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَدِ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ فَرَسًا أَيَّامَ الزَّعْفَرَانِيِّ وَأَصْحَابِهِ يَكُونُ أَسْرَعَ لِنَجَاتِهِ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَفَكَّرْتُ فِي نَفْسِي أَيُّ طَرِيقٌ آخُذُ؟ وَكَانَ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ، فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ، وَذَكَرْتُ خَبَرًا يَرْويِهِ الْحَسَنُ يَرْفَعُهُ، أَنَّ مَنْ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ إِذَا سَلَّمَ وَهُوَ ثَانٍ إِحْدَى رَجْلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَعْطِفَهُمَا أَوْ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ سَبْعًا وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ سَبْعًا وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1240 النَّاسِ سَبْعًا حَفِظَهُ اللَّهُ إِلَى مِثْلِهَا. ثُمَّ خَرَجْتُ وَرَكَبْتُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ بَابٍ يُسَمَّى بَابَ الْجِهَادِ، بَابَ قَزْوِينَ وَتَبِعَنِي غُلَامِي سِيَّمَا، وَجَمَاعَةٌ نَحْوَ خَمْسَةِ أَنْفُسٍ، فَلَمَّا بَلَغْتُ بَابَ الْجِيلَانِيِّ إِذَا الْجَمَاعَةُ قَدْ خَرَجُوا عَلَيَّ مِنْ مَوَاضِعٍ كَانُوا مُتَكَمِّنِينَ فِيهَا بِالسِّلَاحِ يُرِيدُونَنِي، فَاشْتَغَلَ بِهُمْ بَعْضُ مَا كَانَ مَعِي، وَحَرَّكْتُ الدَّابَةَ، وَبَقِيَ مَعِي غُلَامِي، سِيَّمَا، وَآخَرُ حَتَّى بَلَغْتُ دَرْبَ الْمَصْلَى، فَخَرَجَ مِنْ وَرَاءِ الدَّرْبِ جَمَاعَةٌ بِالسَّكَاكِينِ وَالسِّلَاحِ يُرِيدُونَنِي، فَحَرَّكْتُ الدَّابَةَ وَخَرَجُوا خَلْفِي. قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: فَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ الْعَطَّارُ وَكَانَ مَعَ الشَّيْخِ يَوْمَئِذٍ أَنَّ أَحَدَهُمْ لَقِيَ الشَّيْخَ، وَأَشَارَ بِالسِّكِّينَ قَاصِدًا إِلَيْهِ فَضَرَبَ السِّرْجَ وَلَمْ يُصِبِ الشَّيْخَ وَلَا الدَّابَّةَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَنَجَوْتُ مِنْهُمْ، فَلَمَّا صِرْتُ فِي وَسَطِ الْخَنْدَقِ، وَفِيهِ مَسْجِدٌ صَغِيرٌ خَرَجَ عَلَيَّ مِنَ الْمَسْجِدِ نَحْوَ ثَلَاثِينَ نَفَسًا بِالسِّلَاحِ يُرِيدُونَنِي وَأَنَا وَحْدِي فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، فَجَاءَ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ فَتَعَلَّقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِرِجْلِي الْيُسْرَى وَآخَرُ بِرِجْلِي الْيُمْنَى وَآخَرُ بِلِجَامِ الدَّابَّةِ، فَضَرَبْتُ الْمُتَعَلِّقَ بِرِجْلِي الْيُسْرَى بِالْمِقْرَعَةِ، فَتَنَكَّسَ فِي الْخَنْدَقِ، وَقَرَعْتُ الْمُتَعَلِّقُ بِلِجَامِ الدَّابَّةِ بِالْمِقْرَعَةِ، وَحَرَّكْتُ الدَّابَّةَ، فَانْفَرَجُوا عَنِّي، فَأَخَذْتُ طَرِيقَ الطَّبَرِيِّينَ إِلَى الْمَنْزِلِ فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنَ الْمَنْزِلِ رَآنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الزَّعْفَرَانِيِّ، فَقَالَ لِي: يَا كَافِرُ أَنْتَ بَعْدُ تَعِيشُ، حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى قُرْبِ مَنْزِلِي، وَقَدِ اتَّصَلَ الْخَبَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1241 بِالْجِيرَانِ وَالْأَهْلِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلَنِي جَمَاعَةٌ يَبْكُونَ، فَقُلْتُ: أَنَا فِي عَافِيَةٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، فَصِرْتُ إِلَى الْمَنْزِلِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: فَلِمِثْلِ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اكْتُبْ مِحْنَتِي فَإِنَّهَا أَعْجَبُ مِنْ مِحْنَةِ أَحْمَدَ. وَقِيلَ: إِنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَتْ فَمَضَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِلتَّعْزِيَةِ، وَكَانَتْ فِي مَسْجِدٍ يُعْرَفُ بِمَسْجِدِ الْمَرْزِيِّ فِي سِكَّةِ الْبَاغِ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذَا وَافَى أَصْحَابُ الزَّعْفَرَانِيِّ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ هُنَاكَ وَمَعَهُمْ خَلْقٌ عَظِيمٌ، فَأَخَذُوا بِبَابِ الْمَسْجِدِ يُرِيدُونَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ بَابٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ فِيهِ شُبَّاكٌ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ إِلَى الطَّرِيقِ، وَكَانَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ أَخَذُوا الْبَابَ، وَثَبُوا إِلَى الشُّبَّاكِ فَانْتَزَعُوهُ وَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ مَوْضِعِ الشُّبَّاكِ وَنَجَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ: وَأَغَارُوا عَلَى دَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحَمَلُوا مِنْ دَارِهِ الْأَثَاثَ وَالْآلَاتَ، فَخَرَجَ إِلَى السَّرْبَانِ، مَحَلَّةٌ بِالرَّيِّ، فَأَقَامَ بِهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى دَارِهِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، خَرَجَ مِنْ دَارِ النِّسَاءِ إِلَى دَارِ الرِّجَالِ يَتَمَسَّحُ لِلصَّلَاةِ فَسَمِعَ الصِّيَاحَ، فَقَالَ: إِيشْ هَذَا؟ قَالُوا: مَاتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1242 الزَّعْفَرَانِيُّ، فَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ. لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَشَى خُطْوَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ. قَالَ: وَكَانَ أَقَلُّ مَا يَشْتَغِلُ بِذِكْرِ الزَّعْفَرَانِيِّ وَذِكْرِ أَصْحَابِهِ مَعَ مَا نَالَ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَمْ يَدَعْنَا نَشْتَغِلُ بِذِكْرِهِ، وَقَالَ: اشْتَغِلُوا بِذِكْرِ اللَّهِ يَكُونُ خَيْرًا لَكُمْ وَأَفْضَلُ. قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: وَقَعَ الدُّودُ فِي لِسَانِ الزَّعْفَرَانِيِّ قَبْلَ مَوْتِهِ. وَقِيلَ: مَاتَ بِوَرَمِ الرَّأْسِ، وَوَقَعَ فِي لِسَانِهِ الدُّودُ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَزَّازُ: كُنْتُ حَاجًّا سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَثِمِائَةٍ، فَكُنْتُ عِنْدَ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَالْخَلْقُ فِي الطَّوَافِ، إِذْ قَامَ مُنَادٌى عَلَى الْحَجَرِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ الْعَنُوا الزَّعْفَرَانِيَّ وَأَصْحَابَهُ، وَنَادَى لَعَنَ اللَّهُ الزَّعْفَرَانِيَّ، وَفِي رِوَايَةٍ، فَلَعَنَهُ النَّاسُ مَعَهُ، قَالَ: وَرَجَعْتُ إِلَى بَغْدَادَ، فَسَمِعْتُ فِي دَارِ الْقُطْنِ رَجُلًا يَسْقِي النَّاسَ الْمَاءَ وَهُوَ يُنَادِي وَيَقُولُ: اشْرَبُوا مَجَّانًا مَاءً بَارِدًا وَالْعَنُوا الزَّعْفَرَانِيَّ، فَكَانُوا يَشْرَبُونَ وَيَلْعَنُونَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الرَّازِيُّ: رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي الْحَسَنِ الْقَصَّارَ، وَكَانَ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ يُرِيدُ دُخُولَ الْحَمَّامِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1243 حَاتِمٍ، يَقُولُ: رَأَيْتُ هَاتِفًا يَقُولُ لِي: كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: يَكْذِبُ. فَقَالُوا لَهُ: لَا تَقُلْ. فَقَالَ: إِنْ كَانَ صَادِقًا خَرَسَ اللَّهُ لِسَانِي، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا خَرَسَهُ اللَّهُ، فَدَخَلَ الْحَمَّامُ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ، فَأَخْرَسَ اللَّهُ لِسَانُهُ مِنْ سَاعَتِهِ فَخَرَجَ وَهُوَ أَخْرَسٌ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فَأَقَامَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا بِالْإِشَارَةِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَلَدِ أَنْفَةً وَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ. ذِكْرُ أَبِي عُبَيْدٍ الْبُسْرِيِّ شَامِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ الْيَمَانِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعْدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّنْجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَّائِيُّ الشَّيْخُ الصَّالِحُ بِدِمَشْقٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَنْبِجِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنِ مَعْمَرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا حَسَّانٍ يَقُولُ: جَاءَ ابْنُ عُبَيْدٍ الْبُسْرِيُّ إِلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي خَرَجْتُ بَجُرَّةٍ فِيهَا سَمْنٌ، فَوَقَعَتْ، فَانْكَسَرَتْ، فَذَهَبَ رَأْسُ مَالِي، فَقَالَ: " يَا بُنَيَّ اجْعَلْ رَأْسَ مَالِكَ، رَأْسُ مَالِ أَبِيكَ، فَوَاللَّهِ مَا لِأَبِيكَ رَأْسُ مَالٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا اللَّهُ قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا حَسَّانٍ، يَقُولُ: رَأَيْتُ أَخِي أَبَا عُبَيْدٍ فِي النَّوْمِ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزُورُونَنِي وَيَأْخُذُونَ مِنْ قَبْرِي التُّرَابَ يَتَبَرَّكُونَ بِهِ لَوْ جَاءُوا وَسَأَلُوا اللَّهَ مَا سَأَلُوا لَأَعْطَاهُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1244 ذِكْرُ أَبِي سَعِيدٍ الْخَرَّازِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ الْيَمَانِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعْدٌ الزَّنْجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَّائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُمَرَ الْمَنْبَجِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الدِّينَوَرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخَرَّازَ، يَقُولُ: " نَزَلَ عَلَيَّ شَخْصَانِ مِنَ السَّمَاءِ، فَقَالَا: مَا حَقِيقَةُ الصِّدْقِ؟ فَقُلْتُ: حَقِيقَةُ الْوَفَاءِ، فَقَالَا: صَدَقْتَ، وَعَرَجَا ". قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: أَبُو سَعِيدٍ الْخَرَّازُ بَغْدَادِيٌّ، اسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، صَحِبَ ذَا النُّونِ الْمِصْرِيَّ، وَأَبَا عُبَيْدٍ الْبُسْرِيَّ، كَانَ مِنْ جِلَّةِ مَشَايِخِ الْقَوْمِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخَرَّازُ: مَثَلُ النَّفْسِ مَثَلُ مَاءٍ وَاقِفٍ طَاهِرٍ صَافٍ، فَإِنْ حَرَّكْتَهُ ظَهَرَ مَا تَحْتَهُ مِنَ الْحَمْأَةِ، فَكَذَا النَّفْسُ تَظْهَرُ عِنْدَ الْمِحَنِ وَالْفَاقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَا فِي نَفْسِهِ كَيْفَ يَعْرِفُ رَبَّهُ؟ ! . وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: كُلُّ بَاطِنٍ يُخَالِفُهُ ظَاهرٌ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لَوْلَا أَنْ أَدْخَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامِ فِي كَنَفِهِ لَأَصَابَهُ مِثْلُ مَا أَصَابَ الْجَبَلَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1245 وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: رَأَيْتُ إِبْلِيسَ فِي النَّوْمِ وَهُوَ يَمُرُّ عَنِّي نَاحِيَةً، فَقُلْتُ: تَعَالَ. فَقَالَ: إِيشْ أَعْمَلُ بِكُمْ طَرَحْتُمْ عَنْ أَنْفُسِكُمْ مَا أُخَادُعُ بِهِ النَّاسَ، قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: الدُّنْيَا، فَلَمَّا وَلَّى عَنِّي، الْتَفَتَ إِلَيَّ وَقَالَ: غَيْرَ أَنَّ لِي فِيكُمْ لَطِيفَةً، قُلْتُ: مَا هِيَ؟ قَالَ: صُحْبَةُ الْأَحْدَاثِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَقَلَّ مَنْ يَتَخَلَّصُ مِنْ هَذِهِ الصُّوفِيَّةِ، وَأَنْشَدَ أَبُو سَعِيدٍ: أُسَائِلُكُمْ عَنْهَا فَهَلْ مِنْ مُخَبِّرٍ ... فَمَا لِي بِنُعْمَ بَعْدَ مَكَّةَ لِي عِلْمُ فَلَوْ كُنْتُ أَدْرِي أَيْنَ خَيَّمَ أَهْلُهَا ... وَأَيُّ بِلَادُ اللَّهِ إِذْ ظُعُنُوا أَمُّوا إِذَنْ لَسَلَكْنَا مَسْلَكَ الرِّيحِ خَلْفَهَا ... وَلَوْ أَصْبَحَتْ نُعْمَ وَمَنْ دُونَهَا النَّجْمُ. ذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ الدُّقِّيِّ، وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الدِّينَوَرِيُّ أَقَامَ بِالشَّامِ وَعَمَّرَ فَوْقَ مِائَةِ سَنَةٍ، وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِ أَبِي عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيِّ، صَحِبَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ الْجَلَاءِ، وَأَبَا بَكْرٍ الدَّقَّاقَ الْكَبِيرَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الدُّقِّيُّ: سَمِعْتُ الدَّقَّاقَ، يَقُولُ: لِي سَبْعِينَ سَنَةً أَرِبُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1246 هَذَا الْفَقْرُ، مَنْ لَمْ يَصْحَبْ فِيهِ التَّقِيَّةَ أَكَلَ الْحَرَامَ النَّصَّ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ ابْنَ الْجَلَاءِ، وَقِيلَ لَهُ: أَكَانَ أَبُوكَ يَجْلُو الْمَرَايَا وَالسُّيُوفَ؟ فَقَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ عَلَى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ جَلَاهَا. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ الْيَمَانِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ الزَّنْجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَّائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الدَّقِّيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مَنْصُورٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ السَّوُسِيَّ يَقُولُ: " غَسَّلْتُ مُرِيدًا فَأَمْسَكَ إِبْهَامِي وَهُوَ عَلَى الْمُغْتَسَلِ، فَقُلْتُ: يَا بُنَيَّ خَلِّ يَدِي، أَنَا أَدْرِي أَنَّكَ لَسْتَ بِمَيِّتٍ، وَإِنَّمَا هِيَ نَقْلَةٌ مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ فَخَلَّاهَا ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا الدَّقِّيُّ، قَالَ: قِيلَ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: " مَا بَالُ كُلِّ صَغِيرٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ مَحْبُوبٌ، فَقَالَ: لِقُرْبِ عَهْدِهِ مِنْ كُنْ ". أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الدَّقِّيَّ، يَقُولُ: كَمْ مِنْ مَسْرُورٍ سُرُورُهُ بَلَاؤُهُ، وَكَمْ مِنْ مَغْمُومٍ غَمُّهُ نَجَاتُهُ. قَالَ: وَقَالَ الدَّقِّيُّ: الْمَعِدَةُ مَوْضِعٌ يَجْمَعُ الْأَطْعِمَةَ، فَإِذَا طَرَحْتَ فِيهَا الْحَلَالَ صَدَرْتَ الْأَعْضَاءَ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَإِذَا طَرَحْتَ فِيهَا الشُّبْهَةَ اشْتَبَهَ عَلَيْكَ الطَّرِيقُ إِلَى اللَّهِ، وَإِذَا طَرَحْتَ فِيهَا التَّبَعَاتَ كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَمْرِ اللَّهِ حِجَابٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1247 قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الرَّازِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الدَّقِّيَّ، يَقُولُ: كَلَامُ اللَّهِ إِذَا أَضَاءَ عَلَى السَّرَائِرِ بِإِشْرَاقِهِ أَزَالَتِ الْبَشَرِيَّةُ بِرَعُونَاتِهَا. قَالَ: وَسَمِعْتُ الدَّقِّيَّ، يَقُولُ: مَنْ عَرِفَ رَبَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ رَجَاؤُهُ، وَمَنْ عَرِفَ نَفْسَهُ لَمْ يُعْجَبْ بِعَمَلِهِ، وَمَنْ عَرِفَ اللَّهَ لَجَأَ إِلَيْهِ، وَمَنْ نَسِيَ اللَّهَ لَجَأَ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ، وَالْمُؤْمِنُ لَا يَسْهُو حَتَّى يَغْفَلَ فَإِذَا تَفَكَّرَ حَزَنَ وَاسْتَغْفَرَ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ الْيَمَانِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ الزَّنْجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمَنْبَجِيُّ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: سَمِعْتُ شِبْلًا الْبَغْدَادِيَّ، يَقُولُ: " أَهْدَانِي ابْنُ أَبِي دَلَفٍ لِلْمُعْتَضِدِ وَأَنَا صَبِيٌّ، وَكُنْتُ عَلَى رَأْسِهِ وَاقِفًا وَبَيْنَ يَدِيهِ غِلْمَانٌ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِحَاجَةٍ بِعَيْنِهَا، فَإِذَا أَرَادَ حَاجَةً أَشَارَ إِلَى الْغُلَامِ فَعَلِمَ مَا يُرِيدُ مِنْهُ فَيَجِيءُ بِهِ، وَكَانَ بَيْنَ يَدِيهِ غُلَامٌ خَادِمٌ جَمِيلُ الْوَجْهِ وَفِي رِجْلَيْهِ حَمْشَكٌ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَنَظَرَ الْمُعْتَضِدُ إِلَيْهِ وَالْغُلَامُ مَشْغُولٌ يَنْظُرُ إِلَى الْحَمْشَكِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ الثَّانِيَةَ، قَالَ: فَفِي الثَّالِثَةَ قَامَ إِلَيْهِ وَفِي يَدِهِ سِكِّينَةٌ فَغَرَزَهَا فِي فُؤَادِهِ، فَمَاتَ الْغُلَامُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ نُدَمَائِهِ مِمَّنْ يَأْنَسُ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْقِفِ، وَأَنْتَ عَلَى الطَّعَامِ، أَحَلَلْتَ بِهِ هَذَا الْمَحَلَ! فَقَالَ: هُوَ بَيْنَ يَدِي، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى حَمْشَكِ نَفْسِهِ ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: سَمِعْتُ الدَّقَّاقَ، يَقُولُ: «ثَمَنُ هَذَا الطَّرِيقِ رُوحُ الْإِنْسَانِ» ، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «هَذَا الْأَمْرُ لِأَقْوَامٍ كَنِسُوا بِأَرْوَاحِهِمُ الْمَزَابِلَ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1248 قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ مَعمَرٍ، يَقُولُ: قَالَ لِي أَبُو زُرْعَةَ: " مَكَرَتْ بِي امَرْأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا زُرْعَةَ، ادْخُلْ فَشِلْ مَعِي هَذَا الزِّنْبِيلَ، فَلَمَّا دَخَلْتُ أَغْلَقَتِ الْبَابَ عَلَيَّ، فَلَمَّا عَلِمْتُ قَصْدَهَا قُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سَوْدَاءَ، فَإِذَا هِيَ سَوْدَاءُ، فَحَارَتْ فِي نَفْسِهَا فَفَتَحَتِ الْبَابِ، فَخَرَجَتْ فَلَمَّا صِرْتُ خَارِجَ الْبَابِ قُلْتُ: اللَّهُمَّ رُدَّهَا إِلَى حَالِهَا، فَرَجَعَتْ إِلَى حَالِهَا ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْجُرَيْرِيُّ، يَقُولُ: " كَانَ فَقِيرًا إِذَا قَامَ قَالَ: اللَّهَ، وَإِذَا قَعَدَ قَالَ: اللَّهَ، فَعَثَرَ يَوْمًا عَثْرَةً فَانْقَطَعَتْ إِصْبَعُهُ، فَانْكَتَبَ فِي الْأَرْضِ اللَّهَ، أَلِفٌ، لَامٌ، لَامٌ، هَاءٌ ". ذِكْرُ أَبِي الْخَيْرِ الْأَقْطَعِ رَحِمَهُ اللَّهُ سَكَنَ الْقَيْنَاتَ بِالشَّامِ، لَهُ كَرَامَاتٌ، كَانَ يَأْنَسُ بِهِ السِّبَاعُ وَالْهَوَامُّ. قَالَ أَبُو الْخَيْرِ الْأَقْطَعُ: دَخَلْتُ مَدِينَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا بِفَاقَةٍ فَأَقَمْتُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ مَا ذُقْتُ ذَوَاقًا، فَتَقَدَّمْتُ إِلَى الْقَبْرِ وَسَلَّمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1249 وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقُلْتُ: أَنَا ضَيْفُكَ اللَّيْلَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَتَنَحَّيْتُ وَنِمْتُ خَلْفَ الْمِنْبَرِ، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ، وَعُمَرُ عَنْ شِمَالِهِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَيْنَ يَدِيهِ، فَحَرَّكَنِي عَلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ لِي: قُمْ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ وَقَبَّلْتُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَدَفَعَ إِلَيَّ رَغِيفًا فَأَكَلْتُ نِصْفَهُ فَانْتَبَهْتُ فَإِذَا فِي يَدِي نِصْفُ رَغِيفٍ. وَقَالَ أَبُو الْخَيْرِ الْأَقْطَعُ: لَنْ يَصْفُوَ قَلْبَكَ إِلَّا بِتَصْحِيحِ النِّيَّةِ لِلَّهِ، وَلَنْ يَصْفُوَ بَدَنَكَ إِلَّا بِخِدْمَةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ. وَقَالَ: مَا بَلَغَ أَحَدٌ إِلَى حَالَةٍ شَرِيفَةٍ إِلَّا بِمُلَازَمَةِ الْمُوَافَقَةِ، وَمُعَانَقَةِ الْأَدَبِ، وَأَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَصُحْبَةِ الصَّالِحِينَ، وَخِدْمَةِ الْفُقَرَاءِ الصَّادِقِينَ. وَقَالَ: حَرَامٌ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ مَأْسُورٍ بِحُبِّ الدُّنْيَا أَنْ يَسِيحَ فِي رُوحِ الْغُيُوبِ. وَقَالَ: الْقُلُوبُ ظُرُوفٌ، فُقَلْبٌ مَمْلُوءٌ إِيمَانًا فَعَلَامَتُهُ الشَّفَقَةُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَالاهْتِمَامُ بِمَا يَهُمُّهُمْ وَمُعَاوَنَتُهُمْ عَلَى مَا يَعُودُ صَلَاحُهُ إِلَيْهِمْ، وَقَلْبٌ مَمْلُوءٌ نِفَاقًا فَعَلَامَتُهُ الْحِقْدُ وَالْغِلُّ وَالْغِشُّ وَالْحَسَدُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1250 ذِكْرُ أَبِي نَصْرٍ الْجُهَنِيِّ مَدَنِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الْمُؤَذِّنُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْلَةَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْهَلِيُّ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ: " قَدِمَ عَلَيْنَا هَارُونُ الرَّشِيدُ سَنَةَ ثَلَاثٍ، فَأُخْلِيَ لَهُ الْمَسْجِدُ وَوَقَفَ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى مِنْبَرِهِ وَفِي مَوْقَفِ جِبْرِيلَ، وَاعْتَنَقَ أُسْطُوَانَةَ التَّوْبَةِ، ثُمَّ قَالَ: قِفُوا بِي عَلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ، فَلَمَّا أَتَاهُمْ حُرِّكَ أَبُو نَصْرٍ الْجُهَنِيُّ، وَقِيلَ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ عِبَادِ اللَّهِ وَأُمَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَعِيَّتِكَ، وَبَيْنَ اللَّهِ خَلْقٌ غَيْرُكَ وَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُكَ عَنْهُمْ، فَأَعِدَّ لِلْمَسْأَلَةِ جَوَابًا، فَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ ضَاعَتْ سَخْلَةٌ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ لَخَافَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَسْأَلَهُ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَ: فَبَكَى هَارُونُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا نَصْرٍ، إِنَّ رَعِيَّتِي وَدَهْرِي غَيْرُ رَعِيَّةِ عُمَرَ وَدَهْرِهِ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَبُو نَصْرٍ: هَذَا وَاللَّهِ غَيْرُ مُغْنٍ عَنْكَ، فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّكَ وَعُمَرَ تُسْأَلَانِ عَمَّا خَوَّلَكُمَا اللَّهُ، قَالَ: فَدَعَا هَارُونُ بِصُرَّةٍ فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ، فَقَالَ: ادْفَعُوهَا إِلَى أَبِي نَصْرٍ، فَقَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، فَادْفَعُوهَا إِلَى فُلَانٍ يُفَرِّقُهَا بَيْنَهُمْ وَيَجْعَلُنِي رَجُلًا مِنْهُمْ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1251 ذِكْرُ أَبِي نَصْرٍ الْمَدَنِيِّ الْمُبْتَلَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الطُّرَيْثِيثِيُّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ: " أَجْدَبَتِ الْمَدِينَةُ، وَاشْتَدَّ حَالُ أَهْلِهَا، وَتَكَشَّفَ قَوْمٌ مَسْتُورُونَ، وَخَرَجُوا يَدْعُونَ، فَمَرَرْتُ يَوْمًا بِسُوقِ الطَّعَامِ وَمَا فِيهِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ وَلَا شَعِيرٍ فَإِذَا أَبُو نَصْرٍ جَالِسٌ مُنَكَّسٌ رَأْسُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا نَصْرٍ، أَمَا تَرَى مَا فِيهِ حَرَمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَفَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَعَلَّهُ يُفَرِّجُ مَا هُمْ فِيهِ؟ قَالَ: بَلَى، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ وَقَالَ: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي، قَالَ: فَجَلَسْتُ، فَانْكَبَّ فَعَفَّرَ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: يَا فَارِجَ الْهَمِّ، كَاشِفَ الْغَمِّ، مُجِيبَ دَعْوَةَ الْمُضْطَرِّينَ، رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، فَرِّجْ مَا أَصْبَحَ فِيهِ أَهْلُ حَرَمُ نَبِيَّكَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ غَابَ فَذَهَبَ، فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَوَاللَّهِ مَا بَرِحْتُ مِنَ السُّوقِ، حَتَّى رَأَيْتُ الشَّمْسَ قَدْ تَغَطَّتْ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا رِجْلُ جَرَادٍ أَرَى سَوَادَهُنَّ فِي الْهَوَاءِ، فَمَا زِلْنَ يَسْقُطْنَ وَأَنَا وَاقِفٌ أَنْظُرُ حَتَّى مُلِأَتِ الْمَدِينَةِ، فَاسْتَغْنَى كُلُّ قَوْمٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1252 بِمَا فِي دَارِهِمْ مِنْ جَرَادٍ مَحْشُوِّ الْأَجْوَافِ، فَطَبَخُوا، وَمَلَّحُوا، وَقَلِيَ مَنْ قَدَرٍ عَلَى الزَّيْتِ وَمَلَأَ النَّاسُ الْحُبَابَ وَالْجَرَادَ وَالْقُوَاصِرَ، وَأَلْقُوهُ فِي جَوَانِبِ بُيُوتِهِمْ، ثُمَّ نَهَضَ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَانْتَشَرَ في عَرَاضِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا، فَمَا مَرَّتْ بِنَا ثَلَاثٌ حَتَّى جَاءَتْ عَشْرُ سَفَائِنَ دَخَلَتِ الْجَارَ، فَإِذَا هِيَ دَخَلَتْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي دَعَا فِيهِ أَبُو نَصْرٍ فَرَجَعَ السِّعْرُ إِلَى أَرْخَصِ مَا كَانَ وَرَجَعَ حَالُ النَّاسِ إِلَى أَحْسَنِ مَا كَانَتْ. قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا نَصْرٍ وَهُوَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا نَصْرٍ أَمَا تَرَى إِلَى بَرَكَةِ دُعَائِكَ؟ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، هَذِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ". ذِكْرُ أَبِي كَعْبٍ الْحَارِثِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَحَدَّثَنَا هِبَةُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ: حَدَّثَكُمْ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ سِنَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ شِبْلٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جَبَلٍ، عَنْ أَبِي كَعْبٍ الْحَارِثِيِّ، قَالَ: حَدَّثَتْنَا عَنْهُ أَسْمَاءُ النَّجْرَانِيَّةُ، وَهوده الْإِدَاوَةَ، قَالَ: " خَرَجْتُ فِي إِبِلٍ لِي ضَوَالٍّ، قَالَ: فَتَزَوَّدْتُ لَبَنًا فِي إِدَاوَةٍ، قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا أَنْصَفْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، فَأَيْنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1253 الْوَضُوءُ؟ قَالَ: فَأَهْرَقْتُ اللَّبَنَ وَمَلَأْتُهَا مَاءً، قَالَ: فَقُلْتُ: هَذَا وَضُوءٌ، وَهَذَا شَرَابٌ، قَالَ: فَكُنْتُ أَرْعَى إِبِلِي، فَإِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَتَوَضَّأَ صَبَبْتُ مِنَ الْإِدَاوَةِ مَاءً فَتَوَضَّأْتُ، وَإِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَشْرَبُ صَبَبْتُ لَبَنًا، فَشَرِبْتُ فَمَكَثْتُ بِذَلِكَ ثَلَاثًا. فَقَالَتْ لَهُ أَسْمَاءُ النَّجْرَانِيَّةُ: أَحَقِينًا كَانَ أَمْ حَلِيبًا؟ قَالَ: إِنَّكِ لَبَطَّالَةٌ، بَلْ كَانَ يَعْصِمُ مِنَ الْجُوعِ وَيَرْوِي مِنَ الظَّمَأِ، أَمَّا إِنِّي حَدَّثْتُ بِهَذَا نَفَرًا مِنْ قَوْمِي فِيهِمْ عَلِيِّ بْنِ الْحَارِثِ سَيِّدِ بَنِي قِنَانَ، قَالَ: مَا أَظُنُّ الَّذِي يَقُولُ كَمَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي فَبِتُّ لَيْلَتِي تِيكَ فَإِذَا أَنَا بِهِ صَلَاةَ الصُّبْحِ عَلَى بَابِي، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ لِمَ تَعَنَّيْتَ إِلَيَّ الْآنَ؟ أَلَا أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَأَتَيْتُكَ؟ فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِذَلِكَ أَنْ آتِيكَ، مَا بِتْنَا اللَّيْلَةَ إِلَّا أَتَانِي آتٍ أَنْ تُكَذِّبَ مَنْ يُحَدِّثُ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ". ذِكْرُ أَبِي حَمْزَةَ الشَّيْبَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ عُبَّادِ الشَّامِ وَزُهَادِهِمْ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّكْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ إِمْلَاءً، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُكْتَبُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1254 بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: «إِنْ صَاحِبُ الدِّينِ تَفَكَّرَ فَعَلَتْهُ السَّكْيِنَةُ، وَرِضَى فَلمْ يَهْتَمْ، وَخَلَا مِنَ الدُّنْيَا فَنَجَا مِنَ الشَّرِّ، وَانْفَرَدَ فَكَفَى، وَتَرَكَ الشَّهْوَةَ فَصَارَ حُرًّا، وَتَرَكَ الْحَسَدَ فَظَهَرَتْ لَهُ الْمَحَبَّةُ، وَسَلَبَ نَفْسَهُ عَنْ كُلِّ فَانٍ فَاسْتَعْمَلَ الْعَقْلَ» . ذِكْرُ أَبِي يُوسُفَ الْغَسْوَلِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ زُهَّادِ الشَّامِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْعَلَّافُ، فِيمَا أَرَى، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُلْدِيُّ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ خِضْرٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ الصُّوفِيُّ الْخُرَسَانِيُّ خَادِمُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ، قَالَ: مَرَرْتُ أَنَا وَأَبُو يُوسُفَ الْغَسُولِيُّ فِي طَرِيقِ الشَّامِ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا يُوسُفَ عِظْنِي بِمَوْعِظَةٍ أَحَفَظْهَا عَنْكَ، قَالَ: فَبَكَا، ثُمَّ قَالَ: «اعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ اخْتِلَافَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَمَرَّهُمَا لَيُسْرِعَانَ فِي هَدْمِ بَدَنِكَ، وَفَنَاءِ عُمْرِكَ، وَانْقِضَاءِ أَجَلِكَ، فَيَنْبَغِي لَكَ يَا أَخِي أَنْ لَا تَطْمَئِنَ وَلَا تَأْمَنَ حَتَّى تَعْلَمَ أَيْنَ مُسْتَقَرُّكَ وَمَصِيرُكَ، أَسَاخِطٌ عَلَيْكَ رَبُّكَ بِمَعْصِيَتِكَ وَغَفْلَتِكَ، أَوْ رَاضٍ عَنْكَ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ؟» . ابْنُ آدَمَ الضَّعِيفِ نُطْفَةٌ بِالْأَمْسِ وَجِيفَةٌ غَدًا، قَالَ: كُنْتُ تَرْضَى لِنَفْسِكَ بِهَذَا، فَسَتَرِدُ وَتَعْلَمُ وَتَنْدَمُ فِي وَقْتٍ لَا يَنْفَعُكَ النَّدَمُ، قَالَ: وَبَكَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1255 أَبُو يُوسُفَ وَبَكَى الرَّجُلُ وَبَكَيْتُ لِبُكَائِهِمَا، وَوَقَعَا مَغْشِيًّا عَلَيْهِمَا. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ، وَأَبُو يُوسُفَ الْغَسُولِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ السَّنْجَارِيُّ نُرِيدُ فَمَرَرْنَا بِنَهْرٍ يُقَالُ لَهُ: نَهْرُ الْأُرْدُنِ، فَقَعَدْنَا نَسْتَرِيحُ، وَكَانَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ كُسَيْرَاتٍ يَابِسَاتٍ، فَأَلْقَاهَا بَيْنَ أَيْدِينَا فَأَكَلْنَاهَا وَحَمِدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَقُمْتَ أَسْعَى أَتَنَاوَلُ مَاءً لِإِبْرَاهِيمَ فَدَخَلَ النَّهْرُ حَتَّى بَلَغَ الْمَاءَ إِلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ بِكَفَّيْهِ فِي الْمَاءِ فَمَلَأَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَشَرِبَ الْمَاءَ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ مَلَأَ كَفَّيْهِ مِنَ الْمَاءِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَشَرِبَ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، يَعْنِي فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ مِنَ النَّهْرِ فَمَدَّ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا يُوسُفَ، لَوْ عَلِمَ الْمُلُوكُ وَأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ وَالسُّرُورِ لِجَالَدُونَا بِالسُّيُوفِ أَيَّامَ الْحَيَاةِ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ لَذِيذِ الْعَيْشِ وَقِلَّةِ التَّعَبِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، طَلَبَ الْقَوْمُ الرَّاحَةَ فَأَخْطَئُوا الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ فَتَبَسَّمَ، ثُمَّ قَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا الْكَلَامُ؟ . ذِكْرُ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْأَسْوَدِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ عُثْمَانَ بْنَ السُّكَّرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُؤَذِّنَ غَزَّةَ وَقَدْ ذَهَبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1256 عَلَيَّ اسْمُهُ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، قَالَ: " قَدِمْتُ طَرَسُوسَ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُعَاوِيَةَ الْأَسْوَدِ وَهُوَ مَكْفُوفُ الْبَصَرِ، وَفِي مَنْزِلِهِ مُصْحَفٌ مُعَلَّقٌ فَقُلْتُ: رَحِمَكَ اللَّهُ مُصْحَفٌ وَأَنْتَ لَا تُبْصِرُ، قَالَ: تَكَتَّمَ عَلَيَّ يَا أَخِي حَتَّى أَمُوتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: إِنِّي إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَقْرَأَ فُتِحَ لِي بَصَرِي ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1257 وَعَنْ أَبِي حَمْزَةَ خَادِمٍ لِأَبِي مُعَاوِيَةَ، قَالَ: كَانَ أَبُو مُعَاوِيَةَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرَهُ فَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ فَنَشَرَ الْمُصْحَفَ، رَجَعَ إِلَيْهِ بَصَرُهُ، فَإِذَا أَطْبَقَ الْمُصْحَفَ ذَهَبَ بَصَرُهُ. ذِكْرُ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُرَيْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ مَشَايخِ الصُّوفِيَّةِ، أُقْعِدَ بَعْدَ الْجُنَيْدِ فِي مَجْلِسِهِ لِتَمَامِ حَالِهِ وَصِحَّةِ عِلْمِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُرَيْرِيُّ: مَنِ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ النَّفْسُ صَارَ أَسِيرًا فِي حُكْمِ الشَّهَوَاتِ مَحْصُورًا فِي سِجْنِ الْهَوَى وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ الْفَوَائِدَ، فَلَا يَسْتَلِذُّ بِكَلَامِهِ، وَلَا يَسْتَحْلِيهِ، وَإِنْ كَثُرَ تِرْدَادُهُ عَلَى لِسَانِهِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 146] . لَا يَفْهَمُونَهُ وَلَا يَجِدُونَ لَهُ لَذَّةٌ، صَرَفَ اللَّهُ عَنْ قُلُوبِهِمْ فَهْمَ مُخَاطَبَاتِهِ، وَأَغْلَقَ عَلَيْهِمْ سَبِيلَ فَهْمِ كِتَابِهِ وَسَلَبَهُمُ الانْتِفَاعَ بِالْمَوَاعِظِ، فَلَا يَعْرِفُونَ طَرِيقَ الْحَقِّ وَلَا يَسْلُكُونَ سَبِيلِهِ. وَقَالَ الْجُرَيْرِيُّ: الرَّجَاءُ طَرِيقُ الزُّهَّادِ، وَالْخَوْفُ سُلُوكُ الْأَبْطَالِ. وَقَالَ رَجُلٌ لِأَبِي مُحَمَّدٍ الْجُرَيْرِيُّ: كُنْتُ عَلَى بِسَاطِ الْأُنْسِ وَفُتِحَ لِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1258 طَرِيقُ الْبَسْطِ، فَزَلَلْتُ زَلَّةً فَحُجِبْتُ عَنْ مَقَامِي فَكَيْفَ السَّبِيلُ إِلَيْهِ؟ دُلَّنِي عَلَى الْوُصُولِ إِلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، فَبَكَى أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقَالَ: يَا أَخِي، الْكُلُّ فِي قَهْرٍ هَذِهِ الْخُطَّةِ، لَكِنِّي أُنْشِدُكَ أَبْيَاتًا لِبَعْضِهِمْ فَأَنْشَأَ يَقُولُ: قِفْ بِالدِّيَارِ فَهَذِهِ آثَارُهُمْ ... تَبْكِي الْأَحِبَّةَ حَسْرَةً وتَشَوُّقًا كَمْ قَدْ وَقَفْتُ بِهَا أُسَائِلُ مُخْبِرًا ... عَنْ أهْلِهَا أَوْ صَادِقًا أَوْ مُشفِقًا فَأَجَابَنِي دَاعِي الْهَوَى فِي رَسْمِهَا ... فَارَقْتَ مَنْ تَهْوَى فَعَزَّ الْمُلْتَقَى ذِكْرُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقَلَانِسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ مِنْ كِبَارِ الْقَوْمِ، قِيلَ: رَكِبَ الْبَحْرَ فِي بَعْضِ سِيَاحَتِهِ، فَعَصَفَتْ عَلَيْهِمُ الرِّيحُ فِي مَرْكَبِهِمْ، فَدَعَا أَهْلُ الْمَرْكَبِ وَتَضَرَّعُوا وَنَذَرُوا النُّذُورِ، فَقَالُوا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: كُلُّنَا قَدْ عَاهَدْنَا اللَّهَ وَنَذَرْنَا إِنْ نَجَّانَا اللَّهُ، فَأَنْذِرْ أَيْضًا أَنْتَ وَعَاهَدِ اللَّهَ عَهْدًا، قَالَ: أَنَا مُتَجَرِّدٌ مِنَ الدُّنْيَا، مَالِي وَالنَّذْرِ، قَالَ: فَأَلَحُّوا عَلَيَّ فَقُلْتُ: لِلَّهِ عَلَيَّ إِنْ خَلَّصَنِي اللَّهُ مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ لَا آكُلَ لَحْمَ الْفِيلِ. فَقَالُوا: إِيشِ هَذَا النَّذْرُ؟ وَهَلْ يَأْكُلُ لَحْمَ الْفِيلِ أَحَدٌ؟ فَقُلْتُ: كَذَا وَقَعَ فِي سِرِيِّ وَأَجْرَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِي. وَانْكَسَرَتِ السَّفِينَةُ، وَوَقَعَتْ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِهَا إِلَى السَّاحِلِ فَبَقَيْنَا أَيَّامًا لَمْ نَذُقْ ذَوَاقًا، فَبَيْنَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1259 نَحْنُ قُعُودٌ إِذَا نَحْنُ بِوَلَدِ فِيلٍ فَأَخَذُوهَا فَذَبَحُوهَا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا وَعَرَضُوا عَلَيَّ أَكْلَهُ، فَقُلْتُ: أَنَا نَذَرْتُ وَعَاهَدْتُ اللَّهَ أَنْ لَا آكُلَ لَحْمَ الْفِيلِ، فَاعْتَلُّوا عَلَيَّ بِأَنِّي مُضْطَرٌّ وَلِي فَسْخُ الْعَهْدِ لِاضْطِرَارِي فَأَبَيْتُ عَلَيْهِمْ وَثَبَتُّ عَلَى الْعَهْدِ. فَأَكَلُوا وَامْتَلَئُوا وَنَامُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ نِيَامٌ إِذْ جَاءَتِ الْفِيلَةُ تَطْلُبُ وَلَدَهَا وَتَتْبَعُ أَثَرَهَا، فَلَمْ تَزَلْ تَشْتَمُّ الرَّائِحَةَ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى عِظَامِ وَلَدِهَا فَشَمَّتْهُ، ثُمَّ جَاءَتْ وَأَنَا أَنْظُرُ فَلَمْ تَزَلْ تَشُمُّ وَاحِدًا وَاحِدًا، فَكُلَّمَا شَمَّتْ مِنْ وَاحِدٍ رَائِحَةَ اللَّحْمِ دَاسَتْهُ بِرِجْلِهَا أَوْ بِيَدِهَا، فَقَتَلَتْهُ حَتَّى قَتَلَتْ كُلَّهُمْ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ إِلَيَّ فَلَمْ تَزَلْ تَشُمُّنِي، فَلَمْ تَجِدْ مِنِّي رَائِحَةَ اللَّحْمِ فَأَدَارَتْ مُؤَخِّرَهَا وَأَوْمَأَتْ إِلَيَّ بِخُرْطُومِهَا أَنِ ارْكَبَ، فَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَا أَوْمَأَتْ، فَرَفَعْتُ ذَنْبَهَا وَرِجْلَهَا، فَعَلِمْتُ أَنَّهَا تُرِيدُ مِنِّي رُكُوبَهَا فَرَكِبْتُهَا، فَاسْتَوَيْتُ عَلَيْهَا وَأَوْمَأَتْ إِلَيَّ أَنِ اسْتَوِي فَاسْتَوَيْتُ عَلَى شَيْءٍ وَطِيءٍ فَسَارَتْ بِي سَيْرًا عَنِيفًا إِلَى أَنْ جَاءَتْ بِي فِي لَيْلَتِي إِلَى مَوْضِعِ زَرْعٍ وَسَوَادٍ فَأَوْمَأَتْ إِلَيَّ أَنِ انْزِلَ، فَنَزَلَتْ بِرِجْلِهَا حَتَّى نَزَلْتُ عَنْهَا، فَسَارَتْ سَيْرًا أَشَدُّ مِنْ سَيْرِهَا بِي، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ رَأَيْتُ زَرْعًا وَسَوَادًا وَنَاسًا فَحَمَلُونِي إِلَى مَلِكِهِمْ وَسَأَلَنِي تُرْجُمَانُهُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِالْقِصَّةِ وَمَا جَرَى عَلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ لِي: تَدْرِي كَمِ الْمَسِيرُ الَّذِي سَارَتْ بِكَ الْفِيلَةُ؟ فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَ: مَسِيرَةُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، سَارَتْ بِكَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَبِثْتُ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنْ حَملتُ وَرَجَعْتُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1260 ذِكْرُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَبُو حَمْزَةَ: قُلْتُ لِابْنِ دِينَارٍ الْجُعْفِيِّ: أَوْصِنِي، قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ فِي خَلَوَاتِكَ، وَحَافِظْ عَلَى أَوْقَاتِ صَلَوَاتِكَ، وَغُضَّ طَرَفَكَ عَنْ لَحَظَاتِكَ تَكُنْ عِنْدَ اللَّهِ مُقَرَّبًا فِي حَالَاتِكَ. ذِكْرُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرَّانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ الْمَشْهُورِينَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَرَّانِيُّ: لَنْ يَرِدَ الْقِيَامَةَ أَرْفَعُ دَرَجَةٍ مِنَ الرَّاضِينَ عَنِ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمَنْ وَهَبَ لَهُ الرِّضَا، فَقَدْ بَلَغَ أَفْضَلَ الدَّرَجَاتِ، وَمَنْ زَهِدَ عَلَى حَقِيقَةٍ كَانَتْ مَئُونَتُهُ خَفِيفَةً، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ ثَوَابَ الْأَعْمَالِ، ثَقُلَتْ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1261 ذِكْرُ أَبِي الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ابْنُ مَسْرُوقٍ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ وَهُوَ عَلِيلٌ، وَكَانَ ذَا عِيَالٍ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُ سَبَبًا، قَالَ: فَلَمَّا قُمْتُ قُلْتُ فِي نَفْسِي: مِنْ أَيْنَ يَأْكُلُ هَذَا الرَّجُلُ؟ فَصَاحَ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ: رُدَّ هَذِهِ الْهِمَّةَ الرَّدِيَّةَ فَإِنَّ لِلَّهِ أَلْطَافًا. فَصْلٌ فِي ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَالزُّهَّادِ لَمْ نَقِفْ عَلَى أَسْمَائِهِمْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: إِنِّي لِلَيْلَةٍ مُوَاجِهًا هَذَا الْمِنْبَرِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ أَدْعُو، إِذَا إِنْسَانٌ عِنْدَ أسْطُوَانَةٍ مُقَنَّعٌ رَأْسَهُ , فَأَسْمَعُهُ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ إِنَّ الْقَحْطَ اشْتَدَّ عَلَى عِبَادِكَ وَإِنِّي أُقْسِمُ عَلَيْكَ يَا رَبُّ إِلَّا أَسْقَيْتَهُمْ، فَمَا كَانَ إِلَّا سَاعَةً إِذَا سَحَابَةٌ قَدْ أَقْبَلَتْ ثُمَّ أُرْسِلَ الْمَطَرُ. وَكَانَ عَزِيزًا عَلَى ابْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1262 يَخْفَى عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ، فَقَالَ: هَذَا بِالْمَدِينَةِ وَأَنَا لَا أَعْرِفُهُ فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ تَقَنَّعَ وَانْصَرَفَ، فَاتَّبَعَهُ وَلَمْ يَجْلِسْ لِلْقَاصِّ حَتَّى أَتَى دَارَ أَنَسٍ فَدَخَلَ مَوْضِعًا وَأَخْرَجَ مِفْتَاحًا فَفَتَحَ ثُمَّ دَخَلَ، قَالَ: وَرَجَعْتُ فَلَمَّا سَبَّحْتُ أَتَيْتُهُ فَإِذَا أَنَا أَسْمَعُ نَجْرًا فِي بَيْتِهِ فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قُلْتُ: أَدْخُلُ؟ فَقَالَ: ادْخُلْ فَإِذَا هُوَ يَنْجُرُ أَقْدَاحًا يَعْمَلُهَا، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ؟ فَأَعْظَمَهَا مِنِّي فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ، قُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ إِقْسَامَكَ الْبَارِحَةَ عَلَى اللَّهِ يَا أَخِي، هَلْ لَكَ فِي نَفَقَةٍ تُغْنِيكَ عَنْ هَذَا وَتُفْرِغَكَ لِمَا تُرِيدُ مِنَ الْآخِرَةِ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ غَيْرَ ذَلِكَ لَا تَذْكُرُنِي لِأَحَدٍ، وَلَا تَذْكُرُ هَذَا لِأَحَدٍ حَتَّى أَمُوتَ وَلَا تَأْتِنِي يَا ابْنَ الْمُنْكَدِرِ فَإِنَّكَ إِنْ تَأْتِنِي شَهَرْتَنِي لِلنَّاسِ، فَقُلْتُ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَلْقَاكَ، قَالَ: الْقِنِي فِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ فَارِسِيًّا، قَالَ: فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ حَتَّى مَاتَ الرَّجُلُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: بَلَغَنِي أَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ فَلَمْ يُرَ وَلَمْ يُدْرَ أَيْنَ ذَهَبَ فَقَالَ أَهْلُ الدَّارِ: اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، أَخْرَجَ عَنَّا الرَّجُلَ الصَّالِحِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي مِنْ قَرْيَةٍ نُرِيدُ قَرْيَةً فَضَلَلْنَا الطَّرِيقَ فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ قَائِمٍ يُصَلِّي، فَدَنَوْنَا مِنْهُ فَإِذَا حَوْضٌ يَابِسٌ وَقُرْبَةٌ يَابِسَةٌ، وَقَدِ انْتَظَرْنَاهُ لَيَنْفَتِلَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلَمْ يَنْفَتِلْ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبِي، فَقَالَ: يَا هَذَا قَدْ ضَلَلْنَا الطَّرِيقَ وَأَوْمَأَ بَيِدِهِ نَحْوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1263 الطَّرِيقِ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: أَلَا تَجْعَلُ فِي قِرْبَتِكَ مَاءً؟ فَأَوْمَأَ بَيَدِهِ أَنْ لَا، فَمَا بَرِحْنَا أَنْ جَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ، فَإِذَا ذَلِكَ الْحَوْضُ مَلْآنٌ، فَمَضَيْنَا حَتَّى أَتَيْنَا الْقَرْيَةَ فَذَكَرْنَا لَهُمْ شَأْنَ الرَّجُلِ فَقَالُوا: ذَلِكَ فُلَانٌ لَا يَكُونُ بِأَرْضٍ إِلَّا سُقُوا. فَقَالَ أَبِي: الْحَمْدُ لِلَّهِ، كَمْ مِنْ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ لَا نَعْرِفُهُ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبَزَّازُ الْمُقْرِئُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَزَّارَ يُعْرَفُ بِوَكِيعٍ لِفَهْمِهِ الْحَدِيثِ جِدًا، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ يَحْيَى الْجَلَاءَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: " كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ مَعْرُوفٍ يَوْمًا، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا مَحْفُوظٍ، رَأَيْتُ أَمْسِ عَجَبًا، قَالَ: مَاذَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: اشْتَهَى أَهْلِي سَمَكًا، فَخَرَجْتُ إِلَى بَابِ الْكَرْخِ، فَأَخَذْتُ سَمَكَةً فَشَوَيْتُهَا، فَبَيْنَمَا أَنَا أَطْلُبُ مَنْ يَحْمِلُهَا إِذَا أَنَا بَصَبِيٍّ حَمَاسِيٍّ مُلْتَفٍ بِعَبَاءَةٍ، وَمَعَهُ طَبَقٌ، فَقَالَ: يَا عَمِّ تَحْمِلُ عَلَيَّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَوَضَعْتُ السَّمَكَةَ عَلَى رَأْسِهِ وَمَشَى بَيْنَ يَدِي، فَكَانَ لَا يَرْفَعُ قَدَمًا وَلَا يَضَعُهَا إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ، فَمَرَرْنَا بِمَسْجِدٍ يُؤَذَّنُ فِيهِ لِلظُّهْرِ، فَقَالَ: يَا عمِّ هَلْ لَكَ فِي أَنْ تُصَلِّيَ؟ فَقُلْتُ: صَبِيٌّ يَدْعُونِي إِلَى الصَّلَاةِ وَلَا أُجِيبُهُ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَوَضَعَ الطَّبَقَ وَالسَّمَكَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1264 عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَدَخَلَ الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَزَلْ يَرْكَعُ وَأَنَا أَحْفَظُ السَّمَكَةَ فَلَمَّا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ قُلْتُ: صَبِيٌّ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ فِي طَبَقِهِ أَلَا أَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ فِي سَمَكَتِي، فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ وَخَرَجْتُ فَإِذَا هِيَ بِحَالِهَا، فَأَخَذَهَا عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ عَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الذِّكْرِ إِلَى أَنْ وَصَلْتُ إِلَى مَنْزِلِي فَأَخْبَرْتُ أَهْلِي خَبَرَهُ، فَقَالُوا لِي: قُلْ لَهُ يَأْكُلُ مَعَنَا، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ يَسْأَلُونَكَ أَنْ تَفْطُرَ عِنْدَهُمْ، قَالَ: نَعَمْ، فَأَيْنَ طَرِيقُ الْمَسْجِدِ فَدَلَلْتُهُ عَلَى الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَزَلْ رَاكِعًا وَسَاجِدًا إِلَى الْعَصْرِ، فَلَمَّا صَلَّيْتُ الْعَصْرَ، جَعَلَ رَأْسُهُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ إِلَى الْمَغْرِبِ، فَلَمَّا صَلَّيْتُ الْمَغْرِبَ، قُلْتُ: هَلْ لَكَ فِي الْإِفْطَارِ؟ قَالَ: عَادَةٌ قَدْ جَرَتْ لِي إِنْ حَمَلْتَنِي عَلَيْهَا فَأَنَا أُجِيبُكَ. قُلْتُ مَا هِيَ؟ قَالَ: عَادَةٌ قَدْ جَرَتْ لِي أَنْ أَفْطُرَ بَعْدَ عِشَاءِ الْآخَرَةِ، فَصَبَرْتُ لَهُ وَكُنْتُ أَعْدَدْتُ فِي بَيْتِي مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَلَمَّا صَلَّى أَخَذْتُهُ إِلَى الْبَيْتِ وزَرْفَنْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ، وَكَانَتْ لِي ابْنَةٌ لَا تَبْطِشُ بَيَدَيْهَا وَلَا تَمْشِي بِرِجْلَيْهَا، عَمْيَاءُ كَقِطْعَةِ لَحْمٍ، قَدْ أَتَى عَلَيْهَا عِشْرُونَ سَنَةً، فَبَيْنَمَا نَحْنُ نِيَامٌ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَإِذَا بِدَاقٍّ يَدُقُّ عَلَيْنَا بَابَ الْبَيْتِ فَقُلْنَا مَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1265 هَذَا؟ قَالَتْ: فُلَانَةٌ، فَبَادَرْنَاهَا هِيَ تَمْشِي وَتَبْطِشُ وَتُبْصِرُ، فَقُلْنَا مِنْ هَذَا: مَا شَأْنُكِ؟ فَقَالَتْ: مَا أَدْرِي إِلَّا أَنِّي سَهِرْتُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَأُلْقِيَ فِي نَفْسِي سَلِي اللَّهَ بِحَقِّ ضَيْفِكُمْ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ بِحَقِّ ضَيْفِنَا إِلَّا أَطْلَقْتَنِي، فَأَنَا كَمَا تَرَوْنَ، قَالَ: فَبَادَرْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَإِذَا الْغُلَامُ لَيْسَ ثَمَّ. فَبَكَى مَعْرُوفٌ، وَقَالَ: نَعَمْ مِنْهُمْ صِغَارٌ وَكِبَارٌ ". قَالَ: وَأَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا يُوسُفُ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا دُحَيْمُ بْنُ مُوسَى النَّخَعِيُّ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْبَصْرِيِّينَ يَأْخُذُ الشَّيْءَ عَلَى اللَّهِ فَيُعْطِيهِ الْمَسَاكِينَ فَيَقْضِي عَنْهُ» . قَالَ دُحَيْمٌ: فَجِئْتُ إِلَى عَطَّارٍ بِبَابِ التِّبْنِ فَأَخَذْتُ مِنْهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ قَرْضًا عَلَى اللَّهِ فَكَسَوْتُ مِنْهُ ثِيَابًا، يَعْنِي لِلْمَسَاكِينِ، فَأَخَذْتُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَشْتَرِي ثَوْبًا لِنَفْسِي، فَمَرِضْتُ وَمَرَرْتُ بِالْعَطَّارِ بَعْدُ، فَقَالَ لِي: تَعَالَ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: مَرَّ بِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي مِائَةَ دِرْهَمٍ مِمَّا عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: لِي عَشْرٌ وَمِائَةٌ، فَقَالَ لِي: الْعَشَرَةُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1266 قَالَ: وَأَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ هُوَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ، قَالَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ الضَّبِّيُّ: قَالَ: " حَدَّثَنِي رَجُلٌ صَدُوقٌ وَحَلَفَ أَيْضًا عَلَى مَا حَدَّثَ بِهِ أَنَّهُ رَأَى فِي طَرِيقِ مَكَّةَ هِمْيَانًا، قَالَ: فَنَزَلْتُ لِآخُذَهُ، فَانْقَلَبَ حَجَرًا، فَصَعَدْتُ إِلَى مَحْمَلِي، فَاطَّلَعْتُ مِنْ فَوْقِ الْمَحْمَلِ فَإِذَا بِهِمْيَانٍ حَقِيقَةً فَنَزَلْتُ مِنَ الرَّأْسِ، فَانْقَلَبَ حَجَرًا، فَرَآنِي عَدِيدٌ وَأَنَا مَبْهُوتٌ لَمَّا صَعَدْتُ الْمَحْمَلَ، فَقَالَ: مَالَكَ فَحَدَّثْتُهُ بِذَلِكَ، فَاطَّلَعَ فَرَأَى هِمْيَانًا وَنَزَلَ لِيَأْخُذَهُ، فَانْقَلَبَ حَجَرًا فَتَرَكْنَاهُ فَإِذَا بَرَجُلٍ خُرَاسَانِيٍّ يَعْدُو وَيَلْهَثُ فَلَمْ يَكُنْ بِأَكْثَرَ مِنْ أَنَّهُ رَأَى هِمْيَانَهُ فَأَخَذَهُ، وَقَالَ: مَالٌ مُزَكَّى حَفِظَهُ اللَّهُ ". قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، قَالَ لِي: أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ شَاذَانَ، يَقُولُ: كَانَ ابْنُ حُبَيْشٍ نَاقِدًا فِي التَّمَّارِينَ ثِقَةً، فَحَكَى لَنَا أَنَّهُ اقْتَضَى فِي يَوْمِ خَمِيسٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِ مِائَةِ دِينَارٍ وَأَنَّهُ شَاهَدَ سِكِّينًا جَيِّدًا فِي طَرِيقِهِ فَاشْتَرَاهُ، قَالَ: فَقَضَى أَبِي فِي الْفُرْصَةِ صَادَفْتُ مَسْجِدًا تُقَامُ فِيهِ الصَّلَاةُ، فَدَخَلْتُ، فَتَرَكْتُ السِّكِّينَ وَالْكِيسَ جَمِيعًا، فَلَمَّا حَصَّلْتُ بَيْنَ يَدَيْ أُسْتَاذِي مَدَدْتُ يَدِي إِلَى كُمِّي فَلَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1267 أَجِدِ الْكِيسَ، وَذَكَرْتُ تَرْكِي لَهُ مَعَ السِّكِّينِ فِي الْقِبْلَةِ، فَرَجَعْتُ مُسْرِعًا فَإِذَا بِتِلْكَ السِّكِّينُ فِي يَدِ رَجُلٍ فَعَلَقْتُ بِهِ وَقُلْتُ: هُوَ لِي فَأَيْنَ الْكِيسُ، فَحَلِفَ مَا رَأَى كِيسًا فَاسْتَصْحَبْتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ عَلَى كَثْرَتِهِمْ، وَالْكِيسُ مَوْضُوعٌ، فَحَلِفَ صَاحِبِي مَا كَانَ إِلَّا السِّكِّينُ، فَأَخَذْتُ الْجَمِيعَ. فَصْلٌ رَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: كُنْتُ بِمَكَّةَ فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ، فَخَرَجُوا إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَسْتَسْقُونَ، فَلَمْ يُسْقَوْا، وَإِلَى جَانِبِي أَسْوَدُ مَنْهُوكٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ قَدْ دَعَوْكَ فَلَمْ تُجِبْهُمْ وَإِنِّي أُقْسِمُ عَلَيْكَ أَنْ تَسْقِينَا، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا لَبِثْنَا أَنْ سُقِينَا فَانْصَرَفَ الْأَسْوَدُ وَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ دَارًا فِي الْحَنَّاطِينِ فَعَلِمْتُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَخَذْتُ دَنَانِيرَ وَأَتَيْتُ الدَّارَ فَإِذَا رَجُلٌ عَلَى بَابِ الدَّارِ فَقُلْتُ: أَرَدْتُ رَبَّ هَذِهِ الدَّارِ، قَالَ: أَنَا هُوَ، قُلْتُ: مَمْلُوكٌ لَكَ أَرَدْتُ شِرَاءَهُ، فَقَالَ: لِي أَرْبَعَةُ عَشَرَ مَمْلُوكًا أُخْرِجُهُمْ إِلَيْكَ، فَأَخْرَجَهُمْ فَلَمْ يَكُنْ فِِيهِمْ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا بَقِيَ شَيْءٌ؟ فَقَالَ: لِي غُلَامٌ مَرِيضٌ، فَأَخْرَجَهُ فَإِذَا هُوَ الْأَسْوَدُ، فَقُلْتُ: بِعْنِيهِ، قَالَ: هُوَ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَعْطَيْتُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِينَارًا وَأَخَذْتُ الْمَمْلُوكَ، فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ: يَا مَوْلَاي إِيشْ تَصْنَعُ بِي وَأَنَا مَرِيضٌ؟ فَقُلْتُ: لِمَا رَأَيْتُ عَشِيَّةَ أَمْسِ، قَالَ: فَاتَّكَأَ عَلَى الْحَائِطِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِذْ شَهَرْتَنِي فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ، قَالَ: فَخَرَّ مَيِّتًا، قَالَ: فَانْحَشَرَ عَلَيْهِ أَهْلُ مَكَّةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1268 ذِكْرُ أَبِي شُعَيْبٍ الْمُقَفَّعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي شُعَيْبٍ صَالِحِ بْنِ يُونُسَ الْمُقَفَّعِ، وَقَدِ انْصَرَفْنَا مِنَ الْعَتْمَةِ وَمَعَنَا ضَوْءٌ نَسْتَضِيءُ بِهِ، فَهَبَّتِ الرِّيحُ فَأَطْفَأَتْ مَا كَانَ مَعَنَا مِنَ الضَّوْءِ، فَسَمِعْتُ أَبَا شُعَيْبٍ، يَقُولُ: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} [التحريم: 8] فَعَادَ الضَّوْءُ لِوَقْتِهِ كَمَا كَانَ. ذِكْرُ أَبِي حَفْصٍ يَزِيدَ بْنِ الْقَعْقَاعِ الْمُقْرِئِ مَدَنِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الطُّرَيْثِيثِيُّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَيْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مُجَاهِدٍ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1269 مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيِّبِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نَعِيمٍ، قَالَ: «لَمَّا غُسِّلَ أَبُو جَعْفَرٍ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ الْقَارِئُ بَعْدَ وَفَاتِهِ نَظَرُوا مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى فُؤَادِهِ مِثْلَ وَرَقَةِ الْمُصْحَفِ، فَمَا شَكَّ مَنْ حَضَرَهُ أَنَّهُ نَورُ الْقُرْآنِ» . ذِكْرُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَسْنُونٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ، يَقُولُ: «أَتَيْتُ زَمْزَمَ فَاسْتُقِيتُ مِنْهَا عَسَلًا، وَأَتْيِتُهَا فَاسْتُقِيتُ مِنْهَا لَبَنًا، وَأَتَيْتُهَا فَاسُتِقيتُ مِنْهَا مَاءً» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1270 ذِكْرُ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مَاشَاذَةَ فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الصَّيْفِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُولُ: عُرِجَ بِرُوحِ امْرَأَةٍ بِالْبَصْرَةِ، فَمَكَثَتْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَفَاقَتْ فَقِيلَ: مَاذَا رَأَيْتِ؟ قَالَتْ: " رَأَيْتُ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَسْتَبْشِرُونَ وَيَقُولُونَ: لَبِسْنَا ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ بِقُدُومِ رُوحِ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَلَيْنَا ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَمَّادٍ الْحَفَّارَ، وَكَانَ ثِقَةً وَرِعًا، قَالَ: «دَخَلْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْمَقْبَرَةَ نَصِفَ النَّهَارِ فَمَا مَرَرْتُ بِقَبْرٍ إِلَّا سَمِعْتُ مِنْهُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ» . قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْمُعْتَمِرِ الْأَعْرَابِيَّ، قَالَ: " سَكَنْتُ الْبَصْرَةَ وَكَانَ لِي بِهَا جَارٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1271 فَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الْبَادِيَةِ بَرَكَتْ نَاقَتُهُ، فَجَعَلَ يُعَالِجُهَا فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: تَقَدَّمُوا. فَلَمَّا تَقَدَّمُوا إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ تَمَثَّلَ لَهُ، قَالَ: أَنَا عَقَلْتُ نَاقَتَكَ، قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: لِحَاجَةٍ لِي إِلَيْكَ، إِنْ قَضَيْتَهَا أَطْلَقْتُ نَاقَتَكَ، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: جَارُكَ فُلَانٌ بِالْبَصْرَةِ لَهُ دِيكٌ أَفْرَقُ إِذَا قَدِمْتَ فَسَلْهُ أَنْ يَهِبَهُ لَكَ فَتَذْبَحَهُ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ عَنْ رَاحِلَتِكَ. قَالَ: أَفعَلُ، فَأَطْلَقَ نَاقَتَهُ، فَحَجَّ ثُمَّ رَجَعَ فَلَمَّا صَارَ بِذَلِكَ الْمَكَانِ بَرَكَتْ نَاقَتُهُ فَقَالَ لِأَصْحَابَهُ: انْطَلِقُوا حَتَّى أُعَالِجَهَا، فَلَمَّا مَضَى إِذَا هُوَ بِصَاحِبِهِ، قَالَ: أَنْتَ عَلَى مَا قُلْتَ؟ قَالَ الرَّجُلُ: نَعَمْ. قَالَ: بِمَ أَعْتَصِمُ مِنْكُمْ؟ قَالَ: يَقُولُ الْعَبْدُ {مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ} [الكهف: 39] قَالَ: فَقَدِمَ الرَّجُلُ وَتَلَقَّاهُ الْجِيرَانُ، فَتَلَقَّاهُ جَارَهُ فِيمَنْ تَلَقَّاهُ، قَالَ: يَا فُلَانُ دِيكُكُ الْأَفْرَقُ تَهِبُهُ لِي أَذْبَحُهُ قَبْلَ أَنْ أَنْزِلَ عَنْ رَاحِلَتِي، قَالَ: قَدْ هَيَّأْتُ لَكَ مِنَ الْخِرَافُ وَالْهَدَايَا كَذَا وَكَذَا، قَالَ: دِيكُكَ أُرِيدُ، فَأَخْرَجَ الدِّيكُ فَذَبَحَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ، فَلَمَّا أَنْ أَسْحَرَ إِذَا هُوَ بِالْوَاعِيَةِ، قَالَ: مَالَهُمْ، قَالُوا: فُلَانٌ جَارُكَ انْتَسَفَتِ ابْنَتُهُ الْبَارُحَةَ، فَقَالَ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] أَنَا صَاحِبُهَا، فَلَمَّا كَانَ فِي قَابِلٍ حَجَّ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، قَفَا الْأَثَرَ الَّذِي رَأَى الْجِنِّيَ أَقْبَلَ مِنْهُ، قَالَ: فَانْتَهَى إِلَى مَوْضِعِهِ، فَإِذَا هُوَ بِالْجَارِيَةِ وَقَدْ كَانَ رَآهَا فِي صِغَرِهَا، قَالَ: فُلَانَةُ؟ قَالَتْ: فُلَانَةُ، قَالَ: فَمَا حَالُكِ؟ قَالَتْ: عَارِيَةً كَمَا تَرَانِي، جَائِعَةً ذَاهِبَةَ اللَّوْنِ، قَالَ: قَدْ أَرَاكِ. مَا قِصَّتِكِ؟ قَالَتْ: هَذَا مَارِدٌ مِنَ الْمَرَدَةِ انْتَسَفَنِي لَيْلَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1272 قَدِمْتَ، قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَتْ: هُوَ مِمَّنْ يَسْتَرِقُ السَّمَعَ، قَالَ: فَكَمْ يَغِيبُ؟ قَالَتْ: الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ، قَالَ: فَمَتَى يَغِيبُ أَيْضًا؟ قَالَتْ: أَرَاهُ فِي وَقْتِ رُجُوعِكَ، فَلَمَّا رَجَعَ قَفَا الْأَثَرَ فَرَآهَا فَسَأَلَهَا عَنْهُ، فَقَالَتْ: قَدْ خَرَجَ يَسْتَرِقُ السَّمَعَ، قَالَ: فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبَهُ وَجَاءَ بِهَا إِلَى أَصْحَابِهِ وَأَفْشَى لِأَصْحَابِهِ قِصَّتَهَا فَلَمْ يَلْبَثْ إِذَا هُوَ بِالْجِنِّيِّ قَدْ أَقْبَلَ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ: {مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ} [الكهف: 39] وَسَلَّ سَيْفَهُ، قَالَ الْجِنِّيُّ: أَفَعَلْتَهَا؟ قَالَ: قَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّكَ غَدَرْتَ بِي، فَجَعَلَ يُسَايِرَهُ لَا يَصِلُ إِلَى أَخْذِهَا حَتَّى قَدِمَ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا ". ذِكْرُ أَبِي حَفْصٍ، عُمَرَ الزَّاهِدِ، النَّيْسَابُورِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الْبَنْدَبِيجِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَنَّاطُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ حَمْكَانَ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي أَبَا عُثْمَانَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا حَفْصٍ عُمَرَ الزَّاهِدِ النَّيْسَابُورِيَّ، يَقُولُ: " لَوْ أَنَّ رَجُلًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1273 ارْتَكَبَ كُلَّ خَطِيئَةٍ مَا خَلَا الشِّرْكِ بِاللَّهِ، وَخَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا سَلِيمُ الْقَلْبِ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غُفِرَ لَهُ، قِيلَ لِأَبِي حَفْصٍ: هَلْ لِهَذَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ دَلِيلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] فَاتِّبَاعُهُ مَحَبَّةَ أَصْحَابِهِ لِأَجْلِهِ ". قَالَ: أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ أَبِيِ: كُنْتُ بِفَارِسَ فَسَأَلْتُ عَنْ هَذِهِ الْحِكَايَةِ فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ بَيْنَ الْإِمْلَاءِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْإِعَادَةِ أَلْفَ مَرَّةً فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ذِكْرُ أَبِي نَصْرٍ الْمُحِبِّ الزَّاهِدِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ مَسْرُوقٍ: كُنْتُ حَدَثًا فَتَعَلَّقَ بِي رَجُلَانِ مِنَ الْفِتْيَانِ فَأَخَذَ هَذَا بِكُمِّي وَهَذَا بِكُمِّي الْآخَرِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: هَذَا غُلَامِي، وَقَالَ الْآخَرُ: هَذَا غُلَامِي، فَمَرَّ بِي أَبُو نَصْرٍ الزَّاهِدُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا نَصْرٍ: اللَّهَ اللَّهَ فِيَّ، فَأَخَذَ أَبُو نَصْرٍ بِتَلَابِيبِي وَقَالَ: غُلَامُ مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: غُلَامُكَ، فَقَالَ: خَلُّوا عَنْهُ، فَخَلَّوا عَنِّي فَأَخَذَ بِيَدِي وَمَضَيْتُ مَعَهُ وَكَانَ سَبَبَ ابْتَدَائِي فَتَعَلَّمْتُ الْقُرْآنَ وَالْعِلْمِ بِبَرَكَتِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1274 ذِكْرُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ شَامِيٌّ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ السَّكُونِيُّ: كَانَ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ فِي خَدَّيْهِ مَسْلَكَانِ مِنَ الدُّمُوعِ. وَقَالَ بَقِّيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَخَذْتُ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، فَأَدْخَلْتُهُ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَصَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، فَسَمِعَ مِنْهُمَا فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ لِي: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ تَمَسَّكَ بِشَيْخِكَ. ذِكْرُ أَبِي حَمْزَةَ الْبَغْدَادِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحِبَ السَّرِيَّ السَّقَطِيَّ، كَانَ يَتَكَلَّمُ بِبَغْدَادَ فِي جَامِعِ الرُّصَافَةَ، وَكَانَ عَالِمًا بِالْقِرَاءَاتِ، فَتَكَلَّمَ يَوْمًا فِي جَامِعِ الْمَدِينَةِ، فَتَغَيَّرَ عَلَيْهِ حَالُهُ وَسَقَطَ عَنْ كُرْسِيِّهِ وَمَاتَ فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ، وَكَانَ مِنْ رِفَاقِ أَبِي تُرَابٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1275 النَّخْشَبِيِّ فِي أَسْفَارِهِ وَهُوَ مِنْ أَوْلَادِ عِيسَى بْنِ أَبَانَ، وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِذَا جَرَى فِي مَجْلِسِهِ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْقَوْمِ يَقُولُ لِأَبِي حَمْزَةَ: مَا تَقُولُ فِيهَا يَا صُوفِيُّ؟ دَخَلَ الْبَصْرَةَ مِرَارًا وَصَحِبَ أَيْضًا بِشْرًا الْحَافِي، تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ. قَالَ أَبُو حَمْزَةَ: مِنَ الْمُحَالِ أَنْ تُحِبَّهُ ثُمَّ لَا تَذْكُرُهُ، وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ تَذْكُرَهُ ثُمَّ لَا يُوجِدُكَ طَعْمُ ذِكْرِهِ، وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يُوجِدَكَ طَعْمُ ذِكْرِهِ ثُمَّ يَشْغَلُكَ بِغَيْرِهِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الرَّازِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ خَيْرًا النَّسَّاجَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ، يَقُولُ: خَرَجْتُ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ فَوَقَفْتُ عَلَى رَاهِبٍ، فَقُلْتُ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ خَبَرِ مَنْ مَضَى؟ قَالَ: نَعَمْ {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7] . قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ نَصْرًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ، يَقُولُ: " وَافَى أَبُو حَمْزَةَ مِنْ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ وَعْثَاءُ السَّفَرِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَشَهَّيْتُهُ، فَقَالَ: سَكْبَاجَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1276 وَعَصِيدَةٌ تَخَلِّينِي بِهِمَا، فَأَخَذْتُ مَكُوكَ دَقِيقٍ، وَعَشَرَةَ أَرْطَالِ لَحْمٍ، وَبَاذِنْجَانَ وَخَلًّا، وَأَخَذْتُ عَشَرَةَ أَرْطَالِ دِبْسٍ، وَعَمِلْتُ لَهُ عَصِيدَةً وَسَكْبَاجَةً وَوَضَعْنَاهَا فِي حَيْرِيٍّ لَنَا وَأَدْخَلْتُهُ الدَّارَ وَأَسْبَلْتُ السِّتْرَ فَدَخَلَ وَأَكَلَ كُلَّهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَكْلِهِ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَقَدْ أَتَى عَلَى كُلِّهِ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا الْقَاسِمِ لَا تَعْجَبْ فَمَا هَذَا مِنْ مَكَّةَ إِلَّا الْأَكْلَةُ الثَّالِثَةُ ". وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ: مَنْ رُزِقَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءٍ فَقَدْ نَجَا مِنَ الْآفَاتِ: بَطْنٌ خَالٌ، مَعَ قَلْبٌ قَانِعٌ، وَفَقْرٌ دَائِمٌ، مَعَهُ زُهْدٌ حَاضِرٌ، وَصَبْرٌ كَامِلٌ، مَعَهْ ذِكْرٌ دَائِمٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1277 ذِكْرُ أَبِي حَمْزَةَ الْخُرَسَانِيُّ رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُ أَصْلُهُ مِنْ نَيْسَابُورَ، صَحِبَ مَشَايِخَ بَغْدَادَ، وَسَافَرَ مَعَ أَبِي تُرَابٍ النَّخْشَبِيِّ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخَزَّازُ وَهُوَ مِنْ أَفْتَى الْمَشَايِخِ وَأَوْرَعِهِمْ. وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ: مَنِ اسْتَشْعَرَ ذِكْرَ الْمَوْتِ حُبِّبَ إِلَيْهِ كُلُّ بَاقٍ، وَبُغِّضَ إِلَيْهِ كُلُّ فَانٍ. وَقَالَ: الْعَارِفُ يَخَافُ زَوَالَ مَا أُعْطِيَ، وَالْخَائِفُ يَخَافُ نَزُولَ مَا وُعِدَ، وَالْعَارِفُ يُدَافِعُ عَيْشَهُ يَوْمًا بِيَوْمٍ وَيَأْخُذُهُ عَيْشُهُ يَوْمًا بِيَوْمٍ. وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: أَوْصِنِي، فَقَالَ لَهُ: هَيِّئْ زَادَكَ لِلسَّفَرِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ فَكَأَنِّي بِكَ وَأَنْتَ فِي جُمْلَةِ الرَّاحِلِينَ عَنْ مَنْزِلِكَ، وهَيِّئْ لِنَفْسِكَ مَنْزِلًا تَنْزِلُ فِيهِ إِذَا نَزَلَ أَهْلُ الصَّفْوَةِ مَنَازِلَهُمْ لِئَلَا تَبْقَى مُتَحَسِّرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1278 ذِكْرُ أَبِي الْقَاسِمِ الْحَكِيمِ السَّمَرْقَنْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّسَوِيُّ: لَهُ كَلَامٌ فِي آفَاتِ النُّفُوسِ وَالْأَعْمَالِ يَرْجِعُ إِلَى عُلُومٍ شَتَّى، عِلْمِ الْمُعَامَلَاتِ وَعِلْمِ الظَّاهِرِ حَتَّى اسْتُقْضِيَّ فِي آخِرِ عُمْرِهِ. سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَكِيمِ عَنْ عَلَامَةِ الاسْتِدْرَاجِ، فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُزِيدُكَ نِعَمًا، وَرَأَيْتَ نَفْسَكَ تَزْدَادُ عِصْيَانًا فَاعْلَمْ أَنَّكَ مُسْتَدْرَجٌ، ثُمَّ قَالَ: كَمْ مُسْتَدْرَجٍ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ! وَكَمْ مِنْ مُغْتَرٍّ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ! وَكَمْ مِنْ مَفْتُونٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ! وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ: رَأَيْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْحَكِيمَ فِي النَّوْمِ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثٍ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ {26} فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 26-27] . وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَكِيمُ: لَيْسَ الْأَعْمَى مَنْ يَعْمَى بَصَرُهُ إِنَّمَا الْأَعْمَى مَنْ تَعْمَى بَصِيرَتُهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1279 ذِكْرُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَلَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَغْدَادِيُّ الْأَصْلِ، صَحِبَ أَبَا تُرَابٍ النَّخْشَبِيَّ، وَلَقِيَ أَبَا عُبَيْدٍ الْبُسْرِيَّ وَكَانَ مَذْهَبُهُ فِي سَفَرِهِ التَّوَكُّلَ وَالتَّجْرِيدَ، وَكَانَ عَالِمًا وَرِعًا. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّسَوِيُّ: كَانَ أَبُو عَمْرِو بْنُ نُجَيْدٍ، يَقُولُ: ثَلَاثَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الصُّوفِيَّةِ لَا رَابِعَ لَهُمْ: الْجُنَيْدُ بِبَغْدَادَ، وَأَبُو عُثْمَانَ بِنَيْسَابُورَ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْجَلَاءِ بِالشَّامِ. وَكَانَ جَاوَرَ بِمَكَّةَ بَعْدَ أَسْفَارِهِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الشَّامِ وَسَكَنَ دِمَشْقَ وَبِهَا تُوُفِّيَ. وَقَالَ الدَّقِّيُّ: لَقِيتُ نَيِّفًا وَثَلاثَ مِائَةٍ مِنَ الْمَشَايِخِ الْمَشْهُورِينَ بِالْفَضْلِ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ أَهْيَبَ مِنِ ابْنِ الْجَلَاءِ. قَالَ جَعْفَرُ الْمَرَاغِيُّ: وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: خَرَجْتُ مِنْ عِنْدَ ابْنِ جَوْصَاءَ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَلَاءِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ وَإِلَى مَحْبَرَتِي، فَقَالَ: إِيشْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، قَالَ: فَلِمَ جَئْتَنِي؟ قُلْتُ: أَحْبَبْتُ أَنْ أَكْتُبَ عَنْكَ، قَالَ لِي: اقْعُدْ، فَأَخْرَجَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1280 إِلَيَّ خُبْزًا وَأُدْمًا، وَقَالَ لِي: كُلْ أَوَّلًا. ثُمَّ أَعْطَانِي دِرْهَمَيْنِ وَقَالَ: إِنْ أَرَدْتَ الْحَدِيثَ فَعَلَيْكَ بِابْنِ جَوْصَاءَ، وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَأْكُلَ شَيْئًا أَوِ احْتَجْتَ إِلَى قِطْعَةٍ، فَارْجِعْ إِلَيَّ. وَقَالَ حَمْدَانُ بْنُ بَكْرٍ: لَقِيتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَلَاءِ فِي الطَّوَافِ فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ أَحْرَمْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَقَالَ: عَلَى أَيِّ طَرِيقٍ جِئْتَ؟ قُلْتُ: عَلَى طَرِيقِ تَبُوكَ، قَالَ: عَلَى التَّوَكُّلِ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَنَا أَعْرِفُ مَنْ حَجَّ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ حَجَّةً عَلَى التَّوَكُّلِ وَهُوَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهَا، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ بِحَقِّ هَذِهِ الْبِنْيَةِ مَنْ هُوَ؟ قَالَ: أَنَا، وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ وَبَكَى. ذِكْرُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرُّوذْبَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرُوذْبَارُ، قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى بَغْدَادَ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ أَبِيِ عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيِّ، وَكَانَ أَهْلُ بَيْتِهِ وُزَرَاءَ، كَتَبَ الْحَدِيثَ، يَعْرِفُ الْفِقْهَ وَاللُّغَةَ وَالنَّحْوَ، وَكَانَ مَعَ هَذَا كُلِّهِ أَزْهَدَ خَلْقِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، وَكَانَ مُتَبَذِّلًا فِي لِبَاسِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1281 وَأَكْلِهِ، مَا كَانَ يُبَالِي مَا يَلْبَسُ وَمَا يَأْكُلُ، كَانَ يَقُولُ: مَا أَكَلْتُ لَحْمًا بِشَهْوَةٍ قَطُّ، كَانَ لَهُ حَلَقَةُ الْقُرْآنِ وَمَجْلِسُ الْإِمْلَاءِ سَكَنَ صُورَ بِسَاحِلِ بَحْرِ الشَّامِ. . سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: 30] فَقَالَ: اسْتَقَامُوا بِالرِّضَا عَلَى مُرِّ الْقَضَاءِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ وَالشُّكْرِ فِي النَّعْمَاءِ. . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: كُنْتُ رَاكِبًا عَلَى جَمَلٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَنَزَلَتْ رِجْلُ الْجَمَلِ فِي الرَّمْلِ، فَقُلْتُ: جَلَّ اللَّهُ، فَقَالَ الْجَمَلُ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ: جَلَّ اللَّهُ. ذِكْرُ أَبِي عُمَرَ الدِّمَشْقِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَحَدُ مَشَايِخِ الشَّامِ، صَاحِبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَلَاءِ وَرَدَّ عَلَى مَنْ تَكَلَّمَ فِي قِدَمِ الْأَرْوَاحِ وَالشَّوَاهِدِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ الدِّمَشْقِيُّ: كَمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ إِظْهَارَ الْآيَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ كَذَلِكَ فَرَضَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ كِتْمَانَهَا حَتَّى لَا يُفْتَتَنَ بِهَا الْخَلْقُ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الدِّمَشْقِيُّ: حَقِيقَةُ الْخَوْفِ أَلَّا تَخَافَ مَعَ اللَّهِ أَحَدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1282 ذِكْرُ أَبِي عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، سَكَنَ مِصْرَ وَصَارَ شَيْخَهَا، وَمَاتَ بِهَا، صَحِبَ الْجُنَيْدَ وَالنُّورِيَّ وَالْمَسُوحِيَّ بِبَغْدَادَ، وَصَحِبَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ الْجَلَاءِ بِالشَّامِ، كَانَ عَالِمًا حَافِظًا لِلْحَدِيثِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ: فَضْلُ الْمَقَالِ عَلَى الْفِعَالِ مَنْقَصَةٌ، وَفَضْلُ الْفِعَالِ عَلَى الْمَقَالِ مَكْرَمَةٌ. وَسُئِلَ عَنِ التَّصَوُّفِ فَقَالَ: هَذَا مَذْهَبٌ كُلُّهُ جَدٌّ، فَلَا تَخْلِطُوهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْهَزْلِ، وَقَالَ: لَوْ تَكَلَّمَ أَهْلُ التَّوْحِيدِ بِلِسَانِ التَّجْرِيدِ لَمَا بَقِيَ مُحِبٌّ إِلَّا مَاتَ. وَقَالَ: مَا أَظْهَرَ مِنْ نِعَمِهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا بَطُنَ مِنْ كَرَمِهِ. وَقَالَ: لَا رِضَى لِمَنْ لَا يَصْبِرُ، وَلَا كَمَالَ لِمَنْ لَا يَشْكُرُ، وَبِاللَّهِ وَصَلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1283 الْعَارِفُونَ إِلَى مَحَبَّتِهِ وَشَكَرُوهُ عَلَى نِعْمَتِهِ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ: رُوْحِي إِلَيْكَ بِكُلِّهَا قَدْ أَجْمَعَتْ ... لَوْ أَنَّ فِيكَ هَلَاكَهَا مَا أَقْلَعَتْ تَبْكِي عَلَيْكَ بِكُلِّهَا عَنْ كُلِّهَا ... حَتَّى يُقَالُ: مِنَ الْبُكَاءِ تَقَطَّعَتْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا نَظْرَةً بِتَعَطُّفٍ ... فَلَطَالَ مَا مَتَّعْتَهَا فَتَمَتَّعَتْ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَالَأهُمْ قَبْلُ أَفعَالِهِمْ، وَعَادَاهُمْ قَبْلُ أَفْعَالِهِمْ، ثُمَّ جَازَاهُمْ بِأَفْعَالِهِمْ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ: كَانَ أُسْتَاذِي فِي التَّصَوُّفِ الْجُنَيْدُ، وَأُسْتَاذِي فِي الْفِقْهِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ، وَأُسْتَاذِي فِي الْأَدَبِ ثَعْلَبٌ، وَأُسْتَاذِي فِي الْحَدِيثِ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1284 ذِكْرُ أَبِي طَالِبٍ النَّسَائِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا يُوسُفُ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْمِصْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ الضَّرِيرِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبَّاسَ الدُّورِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا طَالِبٍ النَّسَائِيَّ، قَالَ: أَصْبَحْتُ ذَاتَ يَوْمٍ وَلَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ وَأَنَا فِي دَارٍ قَوْرَاءَ وَاسِعَةٍ، فَقُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ تَرْزُقُ الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي، فَقَالَ لِي قَائِلٌ مِنْ خَلْفِي: دَرَاهِمُ تُرِيدُ أَوْ دَقِيقٌ؟ قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: دَقِيقٌ إِيشْ أَعْمَلُ بِهِ لَيْسَ لِي حَطَبٌ. قَالَ: فَوَقَعَ إِلَيَّ صُرَّةٌ فِيهَا خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ. فَصْلٌ فِي ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنْ صَالِحِي أَصْبَهَانَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى مِنْهُمْ: أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مِنَ الْأَخْيَارِ، صَحِبَ أَحْمَدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ هَانِئٍ، وَأَبَا عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحَانِيَّ، وَكَانَ كَثِيرَ الْعِبَادَةِ يُحْيِي اللَّيْلَ بِالصَّلَاةِ، وَكَانَ لَهُ فِي الْمِحْرَابِ حَالٌ عَجِيبٌ مِنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالْفَهْمِ فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1285 قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ مَعْمَرٌ: بَلَغَنِي عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، حَالًا جَلِيلًا، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ هَاتِفًا يَقُولُ لِي: يَا أَبَا جَعْفَرٍ سَلِ اللَّهَ الْحَالَ عَلَى قَدْرِ الزَّمَانِ وَالْوَقْتِ. ذِكْرُ أَبِي سَعِيدٍ الرَّارَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَرْيَةِ رَارَانَ كَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ الْوَرِعِينَ. قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ مَعْمَرٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يَنَمْ بِاللَّيْلِ سِنِينَ مَعَ بَذْلِهِ وَإِطْعَامِ طَعَامَهُ، وَمَوَاسَاتِهِ الْفُقَرَاءَ. صَحِبَ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبَرَوَيْهِ، وَأَبَا جَعْفَرِ بْنَ الْحَسَنِ، وَأَنْفَقَ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَلَدِ جُمْلَةً، وَكَانَ يَتَّخِذُ الدَّعَوَاتِ فَيَجْتَمِعُ فِي دَارِهِ مُتَصَوِّفَةُ الْبَلَدِ وَالْمَدِينَةِ، مِقْدَارَ ثَلَثِمِائَةِ نَفْسٍ وَأَكْثَرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبَرَوَيْهِ يَنْبَسِطُ إِلَيْهِ وَيَبِيتُ فِي دَارِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1286 قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ مَعْمَرٌ: كَانَ لَا يَأْتِيهِ فَقِيرٌ وَلَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ إِلَّا بَدَأَهُ فَقَدَّمَ الطَّعَامَ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ خَبَرِهِ، وَرُبَّمَا مَضَيْنَا مَعَ أَبِي مُسْلِمٍ السَّقَّا وَجُمْلَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى زِيَارَتِهِ فَحِينَ دَخَلْنَا، قَالَ: هَاتُوا الطَّعَامَ، قَالَ: وَقَالَ: بِهَذَا أَوْصَانِي أُسْتَاذِي أَنْ لَا أُكَلِّمَ الْفَقِيرَ حَتَّى أُطْعِمَهُ، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبَرَوَيْهِ، وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَصْحَابِهِ لَيْلَةً فِي دَارِي فَلَمَّا أَكَلُوا الطَّعَامَ أَخَذُوا فِي السَّمَاعِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبَرَوَيْهِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ أَفْرِدْ لِي مَوْضِعًا أَنَامُ فِيهِ، فَأَفْرَدْتُ لَهُ بَيْتًا وَطَرَحْتُ لَهُ مِضْرَبَةً، فَنَامَ عَلَيْهَا وَأَلْقَيْتُ عَلَيْهَا الدَّوَاجَ وَجِئْتُ إِلَى عِنْدِ أَصْحَابِنَا، فَلَمَّا فَرَغَ أَصْحَابُنَا مِنَ السَّمَاعِ قَامَ بَعْضُهُمْ وَتَطَهَّرَ بَعْضُهُمْ وَصَلَّوْا، ثُمَّ نَامُوا فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أَذَّنَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْحَسَنِ، فَمَضَيْتُ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبَرَوَيْهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى الْمِضْرَبَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: تَطَهَّرْ. فَقَامَ وَتَقَدَّمَ وَصَلَّى بِالنَّاسِ الْغَدَاةَ وَكَانَ عَلَى طَهَارَةِ الْعَتْمَةِ، فَبَعْدُ ذَلِكَ سَأَلْتُهُ، فَقَالَ: خَتَمْتُ خَتْمَةً عَلَى تِلْكَ الْحَالِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1287 ذِكْرُ أَبِي مُسْلِمٍ الْبُنْيَنَارْتِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَرْيَةِ بُنْيَنَارْتَ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ، كَانَ رَجُلًا عَابِدًا خَائِفًا، يُشْهَدُ خَوْفُ اللَّهِ فِي وَجْهِهِ وَشَاهِدِهِ، صَحِبَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَذِيكَابَادِيَّ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي مُسْلِمٍ الْمُطَرِّزِ الْأُخُوَّةِ وَالصُّحْبَةِ الْوَكِيدَةِ. قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ، وَمَعْمَرٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ رُئِيَ مَاشِيًا عَلَى الْمَاءِ، قَالَ: وَقَالَ لِي: دَقَقْتُ يَوْمًا الْبَابَ عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَذِيكَابَادِيِّ، فَكَلَّمَنِي مِنَ السَّطْحِ وَقَالَ: ارْفَعْ ذَيْلَكَ، فَكَأَنْ يَطْرَحُ فِيهِ شَيْئًا مِنَ السَّطْحِ فَرَفَعْتُ إِلَيْهِ حِجْرِي وَكُنْتُ بِلَا سَرَاوِيلَ، فَقَالَ لِي مِنَ السَّطْحِ: أَحْسَنْتَ أَنْتَ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالَ: وَلَقَدْ زُرْتُهُ يَوْمًا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ، فَلَمَّا دَخَلْتُ مَسْجِدِهِ فِي الْقَرْيَةِ قَامَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَوَضَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَجْهَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَجَرَى دُمُوعَهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي مُسْلِمٍ، وَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ رَجُلًا وَجِلًا لَيِّنًا حَسَنَ السِّيمَا، مُصْفَرَّ الْوَجْهَ، إِذَا رَأَيْتَهُ ذَكَرْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِرُؤْيَتِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1288 ذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ الرَّارَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ رَجُلًا مُتَوَرِّعًا مُجْتَهِدًا. قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ مَعْمَرٍ: مَا رَأَيْتُ فِي الْمَشَايِخِ أَكْثَرَ بُكَاءً مِنْهُ، لَمْ يَرَهُ مُرِيدٌ مُبْتَدِئٌ إِلَّا صَارَ أَسِيرًا لَهُ مِنْ كَثْرَةِ عِبَادَتِهِ وَبُكَائِهِ وَحُرْقَتِهِ وَقِلَّةِ صَبْرِهِ عَلَى سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَشِدَّةِ حَرَكَاتِهِ وَاضْطَرَابِهِ عِنْدَ السَّمَاعِ وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ وَلَقِيَ الْمَشَايِخِ مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ وَجَاوَرَ بِمَكَّةَ سَنَةً. قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كُنْتُ بِمَكَّةَ فَضَاقَ وَقْتِي وَخَرَجْتُ إِلَى الْيَمَنِ، فَفُتِحَ لِي بِدِينَارٍ فَلَمَّا أَرَدْتَ الرُّجُوعَ إِلَى مَكَّةَ كَانَ عَلَيَّ خَلَقٌ فَقُلْتُ: أَشْتَرِي بِهَذَا الدِّينَارِ قَمِيصًا أَلْبَسُهُ، فَلَمَّا أَرَدْتُ دُخُولَ مَكَّةَ وَفَرَغْتُ مِنَ الطَّوَافِ، ثُمَّ جِئْتَ إِلَى عِنْدَ أَبِي عَمْرٍو الزُّجَاجِيِّ، فَسَأَلْتُهُ مَسْأَلَةً، فَقَالَ لِي: امْضِ وَأَخْرِجِ الدِّينَارَ الَّذِي دَفَنْتَهُ وَاجْعَلَهُ عَلَى رَأْسِكَ، قَالَ: يَعَنِي فَفَعَلْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ فَأَجَابَنِي. قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ قَلَّ مَنْ صَحِبَهُ إِلَّا أَثَرَ عَلَيْهِ بَرَكَاتَهُ. وَقِيلَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1289 إِنَّهُ لَمْ تُرَ عَيْنُهُ مَجْفُوفَةً، وَمَا صَحِبَهُ أَحَدٌ إِلَّا اجْتَهَدَ عَلَيْهِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَإِذَا حَضَرَ فِي اجْتِمَاعٍ وَفَرَغُوا مِنَ السَّمَاعِ، دَخَلَ الْمِحْرَابَ وَكَانَ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ إِلَى الصَّبَاحِ. فَصْلٌ فِي ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ لَا تُعْرَفُ أَسْمَاؤُهُمْ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سُلَيْمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدُوَيْهِ، بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُلْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُثَنًّى، قَالَ: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ، يَقُولُ: " رَأَيْتُ مَجْذُومًا بِعَبَدَانَ قَدْ قَطَّعَ الْجُذَامُ يَدَيْهِ وَرَجْلَيْهِ وَهُوَ أَعْمَى، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذْ صَرَعَ، فَأَخَذْتُ رَأْسَهُ فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي، ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَبُّ، مَجْذُومٌ مَكْفُوفٌ وَمَصَرُوعٌ، فَأَفَاقَ وَقَدْ سَمِعَ كَلَامِي فَقَالَ: مَنْ هَذَا الْمُتَكَلِّفُ الَّذِي يَدْخُلُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَوْلَايَ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1290 قَالَ: وَحَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الْخُلْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّوفِيُّ غُلَامُ مُضَرَ، حَدَّثَنَا مُضَرُ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: " دَخَلْنَا عَلَى مُبْتَلَى بِالْبَصْرَةِ، وَقَدْ قَطَّعَ الْجُذَامُ يَدَيْهِ، وَرَجْلَيْهِ وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، وَالنَّمْلُ يَحْمِلُ لَحْمَهُ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِنَا بَكَى، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ لِمَ بَكَيْتُ؟ مَا بَكَيْتُ لِمَا بِي، إِنَّمَا بَكَيْتُ لَكُمْ إِذْ لَيْسَ بِكُمْ مَا بِي ". أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الصَّحَّافُ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ بْنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ جَعْفَرٍ الرِّفَاعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّهْرَجُورِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ السِّجِسْتَانِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: " كَانَ مَعَنَا بِأَوْلَاسَ أَسْوَدُ يَجْمَعُ الْمُبَاحَاتِ، فَغَزَوْنَا وَغَزَا الْأَسْوَدُ، فَاسْتُشْهِدَ الْأَسْوَدُ، وَفُرِقَ بَيْنَ رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي إِلَى الْمَصْرَعِ، فَإِذَا الْأَسْوَدُ مَطْرُوحٌ بَيْنَ الْقَتْلَى وَيَدَاهُ تَحْتَ صَدْرِهِ، فَقُلْنَا عَلَى سَبِيلِ الْمِزَاحِ: يَا مَيْمُونَ، تُرَى كَمْ زَوَّجَكَ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ صَدْرِهِ وَقَالَ بِالْأَصَابِعِ ثَلَاثَةً، ثُمَّ رَدَّ يَدَهُ إِلَى تَحْتِ جَسَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الرَّأْسُ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1291 قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ مَعْمَرٌ: وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مَنْصُورٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الْأَنْدَجِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عِيسَى بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ مَحْبُوبٍ، يَقُولُ: مَرَرْتُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، فَرَأَيْتُ شَابًّا حَسَنَ الْوَجْهِ، نَظِيفَ الثِّيَابِ، فِي عُنُقِهِ غَلٌّ وَثِيقٌ، وَفِي رَجْلَيْهِ قَيْدٌ مَنِيعٌ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ مَحْبُوبٍ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ مُتَعَجِّبًا إِذْ سَمَّانِي وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفْنِي، فَقَالَ: أَمَا يَرْضَى مَوْلَاكَ أَنْ تَيَّمَنِي بِحُبِّهِ حَتَّى غَلَّنِي وَقَيَّدَنِي؟ قُلْ لَهُ: إِنْ كُنْتَ رَاضِيًا فَمَا أُبَالِي، ثُمَّ وَلَّى عَنِّي وَهُوَ يَقُولُ: عَلَى بُعْدِكَ لَا يَصْبِرُ ... مَنْ عَادَتُهُ الْقُرْبُ وَلَا يَقْوَى عَلَى صَدِّكَ ... مَنْ تَيَّمَهُ الْحُبُّ فَإِنْ لَمْ تَرَكَ الْعَيْنُ ... فَقَدْ أَبْصَرَكَ الْقَلْبُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1292 فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الدَّقَّاقِ، قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى الْحَجِّ فَنَزَلْنَا الْجَحْفَةَ، فَمُطِرْنَا، فَلَحِقَنَا السَّيْلُ، فَتَنَحَّى النَّاسُ إِلَّا رَجُلًا مُحْرِمًا فِي مَحْمَلٍ، فَلَحِقَهُ السَّيْلُ وَحَمَلَهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، إِنْ كُنْتَ ابْتَلَيْتَ فَطَالَ مَا عَافَيْتَ، فَمَضَى بِهِ السَّيْلُ إِلَى الْبَحْرِ وَغَرِقَ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ: خَرَجْتُ إِلَى الْحَجِّ فَلَمَّا دَخَلْتُ بَغْدَادَ مَضَيْتُ إِلَى مَجْلِسِ بَعْضِ الشُّيُوخِ، فَرَأَيْتُ شَابًّا حَسَنَ الْوَجْهِ عَلَيْهِ ثِيَابُ قَصَبٍ، فَوَقَفَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ: أَيُّهَا الشَّيْخُ مَا حَقِيقَةُ الْبَلَاءِ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ الشَّيْخُ ثُمَّ سَأَلَهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا فَقَالَ فِي الرَّابِعِ: يَا فَتَى أَرَاكَ تَدُورُ حَوْلَ الْبَلَى حَتَّى تَقَعَ فِي الْبَلَاءِ، قَالَ الْكِسَائِيُّ: فَخَرَجْتُ، إِلَى الْحَجِّ وَكَانَ ذَلِكَ الشَّابُّ فِي قَلْبِي فَرَجَعْتُ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ فَكُنْتُ أَسْأَلُ عَنِ الشَّابِّ حَتَّى أُخْبِرْتُ أَنَّ قَوْلَ الشَّيْخِ تَحَقَّقَ فِي الشَّابِّ، فَمَضَيْتُ مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا حَتَّى جَاوَزْنَا خَرَابَاتٍ، فَإِذَا فِي وَسَطِ الْخَرَابَاتِ مَسْجِدٌ فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، فَإِذَا ذَلِكَ الشَّابُّ جَالِسٌ بِيَدِهِ سُبْعٌ مِنَ الْقُرْآنِ يَقْرَأُ فِيهِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْنَا السَّلَامَ بِلِسَانٍ ضَعِيفٍ، فَرَأَيْتُهُ نَحِيلَ الْجِسْمِ مُلْتَزِقَ الْجِلْدِ بِالْعَظْمِ فَقُلْتُ لَهُ: حَبِيبِي قَدْ تَحَقَّقَ فِيكَ قَوْلُ الشَّيْخِ، فَقَالَ: نَعَمْ، مَا زِلْتُ أَدُورُ حَوْلَ الْبَلَاءِ حَتَّى وَقَعْتُ فِي الْبَلَاءِ، فَبَكَى وَأَبْكَانِي وَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدَهُ بَاكِيًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1293 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سُلَيْمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَمْدَوَيْهِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الْخُلْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ سَلَمَةَ الْوَرَّاقُ، قَالَ: " بِتْنَا لَيْلَةً مَعَ رَجُلٍ بِالسَّاحِلِ، بِسِيرَافَ، فَبَكَى حَتَّى طَلُعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ قَالَ: جُرْمِي عَظِيمٌ، وَعَفْوُكَ كَبِيرٌ، فَاجْمَعْ بَيْنَ جُرْمِي وَعَفْوِكَ يَا كَرِيمُ، فَتَصَارَخَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ". وَعَنْ جَعْفَرٍ الْخُلْدِيُّ، قَالَ: خَرَجَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ إِلَى الْبَادِيَةِ، فَخَرَجَ عَلَيْهُمْ لِصٌ شَاهِرٌ سَيْفَهُ، فَتَقَدَّمَ إِلَى فَقِيرٍ بِخِرْقَتَيْنِ لِيَضْرِبَهُ بِالسَّيْفِ، فَكَشَفَ الْفَقِيرُ عَنْ صَدْرِهِ وَقَالَ لَهُ: اضْرِبْ. فَضَرَبَهُ، فَكَأَنَّهُ وَقَعَ الضَّرْبُ عَلَى الْحَدِيدِ، فَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ وَجَفَّتْ يَدِ اللِّصِّ مَكَانَهُ. وَقِيلَ افْتَتَنَ أَهْلُ مِصْرَ بِأَبِي الْحَسَنِ الدِّينَوَرِيِّ، فَقِيلَ لِلْأَمِيرِ ابْنِ الْإِخْشِيرِ، فَأَرَادَ أَنْ يَنْفِيَهُ فَبَعَثَ إِلَيْهِ صَاحِبَ الشَّرْطِ، فَجَاءَ إِلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّ الْأَمِيرَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَخْرُجَ فَقَالَ: اذْهَبْ عَافَاكَ اللَّهُ وَاشْتَغِلْ بِشَأْنِكَ، فَقَالَ: لَابُدَّ دُونَ أَنْ تَخْرُجَ. فَقَالَ: وَيْحُكَ أَنَا أَرْحَمُكَ فَارْحَمْ نَفْسَكَ، فَمَدَّ يَدَهُ إِلَى الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الدِّينَوَرِيِّ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ، ثُمَّ صَاحَ وَيْلِي وَيْلِي جَوْفِي، فَأَتَوْهُ بِطِسْتٍ فَطَرَحَ فِيهِ كَبِدَهُ قِطَعًا قِطَعًا، فَأَنْزَلُوهُ وَهُوَ مَيِّتٌ، فَجَاءَ إِلَيْهِ الْأَمِيرُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1294 فَقَالَ: اللَّهَ اللَّهَ، لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَحْمَلٌ، فَقَالَ اذْهَبْ عَافَاكَ اللَّهُ فَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنَّهَا كَانَتْ وَقْتَ غَفْلَةٍ. فَصْلٌ آخَرُ فِي ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّالِحِينَ وَالْعَارِفِينَ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ ذِكْرُ يَحْيَى الْكُلَّانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَرْيَةِ كُلَّانَ، كَانَ مِنْ خَاصَّةِ أَحْمَدَ بْنِ مَيْمُونَةَ، وَكَانَ رَجُلًا مُتَوَرِّعًا وَاجِدًا مُحْتَرِقًا لَا يَنَامُ بِاللَّيْلِ، يُصَلِّي إِلَى الصُّبْحِ، قَالَ يَحْيَى الْكُلَّانِيُّ: كُنْتُ فِي مَفَازَةَ مَعَ الْقَافِلَةِ، وَكَانَتْ لَيْلَةً مُظْلِمَةً فَجَاءَ الرَّعْدُ وَالْبَرْقُ، فَتَحَيَّرْنَا وَكِدْنَا نَهْلَكُ، فَأَخَذْتُ خَشَبَةً مِنَ الطَّرْفَاءِ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فَاشْتَعَلَ رَأْسُهَا، فَتَقَدَّمَتِ الْقَافِلَةُ وَذَلِكَ فِي يَدِي كَالشَّمْعَةِ، فَمَضَيْنَا بِضَوْئِهَا فَرْسَخَيْنِ، فَلَمَّا قَرُبْنَا مِنَ الْمَنْزِلِ طَرَحْتُهَا مِنْ يَدِي فَانْطَفَأَتْ، فَنَظَرْتُ فِي رَأْسِهَا وَمَا احْتَرَقَ مِنْهَا إِلَّا الْجِلْدَةَ الْحَمْرَاءَ. قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ: حَضَرْنَا مَعَ يَحْيَى الْكُلَّانِيِّ لَيْلَةً فَنَفِدَ الْبِزْرُ مِنَ السِّرَاجِ فَقَالَ: هَاتُوا تِلْكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1295 الدَّبَّةَ، الدَّبَّةُ عَتِيقَةٌ يَابِسَةٌ، فَأَخَذَهَا وَصَبَّ الْبِزْرَ مِنْهَا صَبًّا فَتَعَجَّبْنَا مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عِيسَى الْإِسْكَافَ، يَقُولُ: حَضَرْتُ لَيْلَةً مَعَ يَحْيَى الْكُلَّانِيِّ فَنَفِدَ الْبِزْرُ مِنَ السِّرَاجِ فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ وَقَرَأَ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ حَوْلَ السِّرَاجِ فَكَانَ يُضِيءُ إِلَى الصَّبَاحِ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أَطْفَأَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، فَقَالَ يَحْيَى: لَوْ تَرَكْتُمُوهُ لَكَانَ يُضِيءُ إِلَى أَنْ يُطْفَأَ. وَقَالَ يَحْيَى الْكُلَّانِيُّ: لَمَّا خَرَجْتُ إِلَى الْحَجِّ وَدَخَلْتُ الْبَادِيَةَ ضَلَلْتُ لَيْلَةً عَنِ الْقَافِلَةِ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ أَحْمَدَ بْنِ مَيْمُونٍ، يَقُولُ بِالْفَارِسِيَّةِ: عَلَى الْيَمِينِ، فَأَخَذْتُ طَرِيقَ الْيَمِينِ وَبَلَغْتُ الْقَافِلَةَ، فَلَمَّا رَجَعْتُ مِنَ الْحَجِّ دَخَلْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مَيْمُونٍ، فَقَالَ لِي: هَلْ سَمِعْتَ نِدَائِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي ضَلَلْتَ فِيهَا عَنِ الْقَافِلَةِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ بِنِدَائِكَ أَدْرَكْتُ الْقَافِلَةَ. ذِكْرُ أَحْمَدَ بْنِ حَيْوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مِنْ قُرْبِ الْبَلَدِ، وَكَانَ أَكَّارًا، وَكَانَ رَجُلًا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، جَوَّاعًا بَكَّاءً، يُحْيِي اللَّيْلَ فِي الرَّكْعَةِ وَيَخْتِمُ فِيهَا خَتْمَةً، وَكَانَتْ لَهُ أَوْقَاتٌ يَغِيبُ فِيهَا، وَرُبَّمَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَشْعُرُ بِشَيْءٍ خَارِجٍ مِنَ الصَّلَاةِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْعِيَالِ وَالْأَوْلَادِ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ تُوصِي الصِّبْيَانَ وَتَقُولُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1296 اسْكُتُوا حَتَّى يَقُومُ أَبُوكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ افْعَلُوا مَا شِئْتُمْ، لِأَنَّهُ كَانَ يَغِيبُ فِي الْمِحْرَابِ وَالصَّلَاةِ عَنْ جَلَبَةِ الصِّبْيَانِ مِنْ قُوَّةِ حَالِهِ. قَالَ عُثْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمُ: كُنْتُ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِي أَطْلُبُ مَنْ أَصْحَبُهُ مِنْ أَهْلِ النُّسُكِ وَالتَّصَوُّفِ، فَرَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَيْوِيَةَ وَسَأَلْتُهُ الصُّحْبَةَ فَأَمَرَنِي بِالْخُلْوَةِ وَالانْفِرَادِ وَأَوْصَانِي أَنْ لَا آكُلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ شَيْئًا ثُمَّ آتِهِ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى خُلْوَتِي وَنَسِيتُ وَعْدَهُ فَلَمْ آتِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لَقِيتُهُ فِي الْجَامِعِ، فَقَالَ: أَلَيْسَ وَعَدْتَنِي أَنْ تَأْتِيَنِي؟ قُلْتُ: نَسِيتُ الْوَعْدَ، قَالَ: وَهَلْ أَكَلْتَ شَيْئًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ وَيْحُكَ أَنَا وَافَقْتُكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا أَبْطَأْتَ لَمْ آكُلْ وَلَمْ أَشْرَبْ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَكَانَ أُسْبُوعًا، فَأَخَذَ مِنْ سِقَايَةِ الْمَسْجِدِ شَرْبَةَ مَاءٍ وَشَرِبَهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَصَّارُ: كُنْتُ بِمَكَّةَ وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَيْوِيَةَ مَعَنَا فِي الْحَجِّ تِلْكَ السَّنَةِ، فَاعْتَلَّ بِمَكَّةَ عِلَّةً شَدِيدَةً، فَطَبَخَ بَعْضُ الْمِصْرِيِّينَ قَدْرًا بِحَبِّ الرُّمَّانِ فَحَمَلَ إِلَيْهِ قَلِيلَ مَرَقٍ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا أُرِيدُهُ. فَأَلْحَحْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنِّي عَاهَدْتُ اللَّهَ مُنْذُ كَذَا سَنَةٍ أَنْ لَا آكُلَ الْفَوَاكِهِ، وَحَبُّ الرُّمَّانِ مِنَ الْفَوَاكِهِ، قَالَ: فَزَادَتْ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ، وَوَقَعَ فِيهِ الْقُمَّلُ الْكَثِيرُ حَتَّى فَرَّ مِنْهُ النَّاسُ وَالْأَصْحَابُ، فَحَجَّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ثُمَّ مَاتَ فِي الْبَادِيَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1297 ذِكْرُ أَبِي الْغَرِيبِ الْأَصْبَهَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَقِيَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْمَشَايِخِ، أَقَامَ بِطَرَسُوسَ بَرْهَةً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى شِيرَازَ وَاعْتَلَّ فِيهَا عِلَّةً شَدِيدَةً ظَنَنَّا أَنَّهُ يَمُوتُ، فَقَالَ: إِنْ مِتُّ بِشِيرَازَ فَادْفِنُونِي فِي مَقَابِرِ الْيَهُودِ، فَتَعَجَّبْنَا مِنْ قَوْلِهِ وَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ مَوْتِي بِطَرَسُوسَ وَلَا أَشُكُّ أَنَّ مَوْتِي هُنَاكَ، فَبَرَأَ مِنَ الْعِلَّةِ، وَخَرَجَ، وَآخِرَهُ مَاتَ بِطَرَسُوسَ. قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ جَعْفَرٍ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي الْغَرِيبِ بِطَرَسُوسَ وَقَدْ وَرِمَتْ فَخْذَاهُ، وَشُقَّ مِنْ وَرْكِهِ إِلَى رُكْبَتِهِ، وَسَالَ مِنْهُ الْقَيْحُ الْكَثِيرُ وَهُوَ بِحَالٍ عَجِيبَةٍ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: كَيْفَ أَنْتَ؟ فَقَالَ: كَمَا تَرَوْنَ وَبَعْدَمَا قُلْتُ: مَسَّنِي الضَّرُّ. مَاتَ بِطَرَسُوسَ. فَصْلٌ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الرِّفَاعِيِّ: دَخَلْتُ الشَّامَ سَنَةَ سَبْعِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ، فَرَأَيْتُ بَقَايَا الْمَشَايِخِ، وَلَقِيتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْمَرْعَشِيَّ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ حِكَايَةٍ عَنِ الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: كُنْتُ أَصْطَادُ السَّمَكَ فِي نَهْرِ أَنْطَاكِيَةَ فَإِذَا أَنَا بِالشَّيْخِ مِنْ جَانِبِ النَّهْرِ، يَقُولُ: أَنْتَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَرْعَشِيُّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ لِي: أَتَصْطَادُ الْمُسَبِّحَاتِ؟ فَقُلْتُ عَلَى الْبَدِيهَةِ: الْمُسَبِّحَاتُ مَحْفُوظَاتٌ، وَلَكِنِّي مُسَلَّطٌ عَلَى النَّاسِيَاتِ، فَقَالَ: أَحْسَنْتَ وَغَابَ عَنِّي، فَأَظُنُّهُ كَانَ الْخَضِرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1298 قَالَ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ سَلَّامَ الْمُقْرِئُ: قَالَ: كُنْتُ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِي فِي جَزِيرَةِ سِقَلِّيَةَ، وَكَانَ لِي فَرَسٌ وَكَلْبٌ، فَكُنْتُ أَصْطَادُ الْوَحْشَ، وَكَانَ لِي قَعْبٌ فِيهِ لَبَنٌ، فَجِئْتُ يَوْمًا لِأَشْرَبَ اللَّبَنَ، فَنَبَحَ عَلَيَّ كَلْبِي وَحَمَلَ عَلَيَّ حَمْلَةً شَدِيدَةً مَنَعَنِي عَنْ شُرْبِ اللَّبَنِ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْهُ وَتَأَخَّرْتُ ثُمَّ قَصَدْتُ ثَانِيًا لِأَشْرَبَ، فَحَمَلَ عَلَيَّ الْكَلْبُ ثَانِيًا فَتَأَخَّرْتُ فَلَمَّا كَانَ الثَّالِثَ قَصَدْتُ لِأَشْرَبَ، فَانْكَبَّ الْكَلْبُ عَلَى الْقَعْبِ وَشَرِبَ اللَّبَنَ، فَتَهَرَّى مِنْ سَاعَتِهِ وَلَعَلَّ الْكَلْبَ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى حَيَّةٍ جَعَلَتْ رَأْسَهَا فِي اللَّبَنِ، فَبَذَلَ نَفْسَهُ إِشْفَاقًا عَلَيَّ، فَصَارَ ذَلِكَ سَبَبَ تَوْبَتِي وَدُخُولِي فِي هَذَا الْأَمْرِ، فَانْظُرُوا إِلَى وَفَاءِ ذَلِكَ الْكَلْبِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1299 فَصْلٌ فِي ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ الْوَرِعِينَ يُعْرَفُونَ بِالْكُنَى مِنْهُمْ: أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ مَدْفُونٌ بِمَقْبَرَةِ مَرْدِنَانَ، قَبْرُهُ مَشْهُورٌ، يُزَارُ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، غَسَّلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمٍ الْمَدِينِيُّ، وَصَلَّى عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ بنُ أَحْمَدَ الْخَطَّابِيُّ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ الْجَلَّادُ: كَانَ أَبُو مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ بِأَصْبَهَانَ خَمْسَةَ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: كَتَبْتُ الْحَدِيثَ وَأَنَا ابْنُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَذُكِرْتُ بِالْحِفْظِ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ عَشَرَ سَنَةً، فَسُمِّيتُ الرُّوَيْزِيُّ الْحَافِظُ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ أَحَدًا أَحْفَظُ لِأَخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ الْفُرَاتِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1300 قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَأَنَا عَلَى شَطِّ نَهْرٍ أَلْعَبُ بِالْمَاءِ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَلَمَّا فَرَغَ مَرَّ بِي رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا هَذَا لَوْ كَتَبْتَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَانَ أَصْلَحَ مِنْ أَنْ تَلْعَبَ بِالْمَاءِ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَكَانَكَ، وَأَمْرَرْتُ عَلَيْهِ الْمَجْلِسَ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَكُونَ كَتَبْتُهُ، فَمَرَّ مُتَعَجِّبًا حَتَّى صَارَ عِنْدَ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا خَالِدٍ: إِنَّ هَا هُنَا شَابًّا كَانَ مِنْ قِصَّتِهِ وَأَمْرِهِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: ادْعُهُ لِي، فَجَاءَنِي الرَّجُلُ، قَالَ: إِنَّ أَبَا خَالِدٍ يَدْعُوكَ، قَالَ: فَصِرْتُ إِلَيْهِ وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ مَعَ نَفَرٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ غَرِيبٌ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟ قُلْتُ: مِنَ الرَّيِّ، قَالَ: لَقِيتَ أَبَا مَسْعُودٍ الرَّازِيَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيُّ. قَالَ: اقْرِبْ مِنِّي، فَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْكَ، فَجَلَسْتُ مَعَهُ، فَجَعَلَ يُحَدِّثْنِي وَأُحَدِّثُهُ، ثُمَّ قَامَ فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْنَا إِلَى مَنْزِلِهِ فَدَخَلَ فَخَرَجَ إِلَيَّ وَمَعَهُ صُرَّةٌ فِيهَا أَرْبَعُ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: اجْعَلْ هَذِهِ نَفَقَةً. قَالَ: فَخَرَجْتُ إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1301 ذِكْرُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَاصِمٍ، وَاسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَاصِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ قَاضِي أَصْبَهَانَ ثَلَاثَ عَشَرَ سَنَةً، كَانَ حَافِظًا عَالِمًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ، وَلِيَ الْقَضَاءَ بِأَصْبَهَانَ بَعْدَ صَالِحِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، مَاتَ بِأَصْبَهَانَ، وَقَبْرُهُ بِمَقْبَرَةِ، كِرَانَ. قَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ: صَارَ إِلَيَّ مِنْ أُجْرَةِ الْقَضَاءِ زِيَادَةٌ عَلَى أَرْبَعِ مِائَةِ أَلْفٍ مَا أَكَلْتُ مِنْهُ أَكْلَةً وَلَا لَبِسْتُ مِنْهُ ثَوْبًا، وَمَا حَاسَبْتُ عَلَيْهِ أَحَدًا قَطُّ. قَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ: لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْعَلَوِيِّ بِالْبَصْرَةِ مَا كَانَ، ذَهَبَتْ كُتُبِي فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ، فَأَعَدْتُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِي فِي خَمْسِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ، كُنْتُ أَمُرُّ إِلَى دُكَّانِ بَقَّالٍ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ بِضَوْءِ سِرَاجِهِ فَتَفَكَّرْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي أَنْ لَمْ أَسْتَأْذِنْ صَاحِبَ السِّرَاجِ فَذَهَبْتُ إِلَى الْبَحْرِ فَغَسَلْتُهُ ثُمَّ أَعَدْتُهُ ثَانِيًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1302 ذِكْرُ أَبِي الْحَسَنِ اللُّبْنَانِي رَضِيَ اللَّهُ عَنّهُ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ سَافَرَ وَسَمِعَ الْكَثِيرِ، كَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ، ذُكِرَ فِي طَبَقَاتِ أَهْلِ التَّصَوُّفِ وَطَبَقَاتِ أَهْلِ الْحَدِيثِ. فَصْلٌ فِي ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنْ مُتَصَوِّفَةِ أَصْبَهَانَ مَاتُوا فِي الْغُرْبَةِ مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ الْفَوْطِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَافَرَ وَلَقِيَ الْمَشَايِخِ، وَحَجَّ حُجَجًا، وَرَجَعَ إِلَى أَصْبَهَانَ فِي أَيَّامِ عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ، وَكَانَ لَهُ عِبَادَةٌ حَسَنَةٌ فِي عُلُومِ التَّصَوُّفِ، فَسَمِعَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْوَارِيُّ صَاحِبُ الْخُشُوعِيِّ كَلَامَهُ وَعِبَادَتَهُ، فَتَرَكَ الْخُشُوعِيَّ وَاخْتَلَفَ إِلَى صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ الْفَوْطِيِّ، فَوَجِدَ الْخُشُوعِيُّ مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا، وَخَافَ أَنْ يُخْرِجَهُ إِلَى السَّفَرِ، فَمَا زَالَ يُدَارِي عَلِيًّا الْأَسْوَارِيَّ وَيُلَاطِفُهُ وَيَصِفُ وَجْدَهُ عَلَى فِرَاقِهِ حَتَّى تَرَكَ الْفُوطِيَّ وَعَادَ إِلَى صُحْبَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْخُشُوعِيِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1303 ذِكْرُ أَحْمَدَ بْنِ بَكْرٍ الْأَصْبَهَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَرْيَةِ كُرْسَكَانَ، وَكَانَ فَقِيرًا مُجَرَّدًا، خَرَجَ إِلَى الْحَجِّ وَقَطَعَ الْبَوَادِي وَغَزَا الْغَزَوَاتِ وَحَمَلَ الْمَشَقَّاتِ وَكَانَ صَبَّارًا جَوَّاعًا حَجَّ حَافِيًا مِرَارًا وَكَانَ لَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ شَهْرًا فَيَقْوَى عَلَى ذَلِكَ، صَحِبَ بَطَرَسُوسَ أَبَا مُحَمَّدٍ مُهَلَّبًا الْمِصْرِيَّ. ذِكْرُ أَبِي عُثْمَانَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصْبَهَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَزِيلُ بُخَارَى، كَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي بَكْرِ بْنِ خَارِجٍ، خَرَجَ إِلَى خُرَاسَانَ وَأَقَامَ بِبُخَارَى فَكَانَ مَقْبُولًا هُنَاكَ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ الْمُرِيدُونَ وَالْأَصْحَابُ فَصَارَ شَيْخَ بُخَارَى فِي الْمَذْهَبِ وَالتَّصَوُّفِ، مَاتَ بِبُخَارَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1304 فَصْلٌ فِي ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنْ زُهَّادِ أَصْبَهَانَ وَصَالِحِيهِمْ ذَكَرْتُ أَسْمَاءَهُمْ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ وَذَكَرْتُ لِبَعْضِهِمْ أَحْوَالًا وَكَرَامَاتٍ مِنْهُمْ: أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ الْأَسْوَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ زَاهِدًا وَرِعًا كَثِيرَ الْعِبَادَةِ، أَدَّبَ نَفْسَهُ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَسْوَارِيُّ: طَالَبَتْنِي نَفْسِي بِالتَّزْوِيجِ، فَقُمْتُ فِي الشَّمْسِ فِي نِهَايَةِ الصَّيْفِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْعَرَقُ يَسِيلُ مِنِّي، حَتَّى خَتَمْتُ خَتْمَةً فِي رَكْعَتَيْنِ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَسَأَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُذْهِبَ عَنِّي تِلْكَ الشَّهْوَةِ فَذَهَبَتْ مِنِّي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1305 ذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ مَحْمُودٍ الْفَرَجِ الْوَذِيكَابَاذِي رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللُّبْنَانِيُّ: كُنْتُ أَصْحَبُ أَبَا بَكْرٍ مَحْمُودَ بْنَ الْفَرَجِ، فَكَانَ يَجْمَعُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ دَرَاهِمَ فَيُفَرِّقُهَا عَلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ يَذْكُرْنِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَكُنْتُ يَوْمًا جَالِسًا فِي مَسْجِدِي وَخَطَرَ عَلَى قَلْبِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ يَجْمَعُ لِأَصْحَابِهِ وَيَنْسَانِي، وَكُنْتُ إِذًا فِي إِضَافَةِ وَقْتٍ، فَمَا تَمَّ خَاطِرِي حَتَّى دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا حَسَنِ لَا تُنَافِرْنِي فِي سِرِّكَ، فَإِنِّي حَرَّمْتُ مَا أَجْمَعُهُ عَلَى نَفْسِي وَعِيَالِي وَقَدْ أَدْخَلْتُكَ فِي جُمْلَةِ عِيَالِي. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَفَّافُ الْمُذَكِّرُ: كُنْتُ مَعَ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، وَأَبُو أَحْمَدَ الْوَذِيكَابَاذِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَخْيَارِ فِي رِبَاطِ أَبِي بَكْرٍ الْمُغَازِلِيِّ لَيْلَةً، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا دَخَلَ الرِّبَاطَ رَجُلٌ وَقَالَ: أُرِيدُ أَبَا بَكْرٍ الْوَذِيكَابَاذِيَّ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: اللَّهَ اللَّهَ فِي أَمْرِي فَإِنِّي رَجُلٌ فَقِيرٌ، وَزَوَّجْتُ ابْنَةً لِي مِنْ رَجُلٍ، ولَيْسَ لِي نَفَقَةً وَأَنَا مُتَحَيَّرٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: امْضِ الْآنَ فَارْجَعْ بَعْدَ الْعَصْرِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَفَّافُ: فَمَا بَرِحْنَا مِنَ الرِّبَاطِ، وَلَمْ يُفَارِقْنَا أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ، فَلَمَّا صَلَّى الْعَصْرَ جَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَأَخْرَجَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ جَيْبِهِ صُرَّةً وَدَفَعَهَا إِلَى الرَّجُلِ، فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلُ، قُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا بَكْرٍ مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِكَ أَحَدٌ وَلَمْ تُفَارِقْنَا، وَلَا نَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَعَكَ، فَمَا زِلْنَا نُلِحُّ عَلَيْهِ وَنَسْأَلُهُ حَتَّى قَالَ: اعْلَمُوا أَنِّي كُلَّمَا احْتَجْتُ إِلَى شَيْءٍ بِالضَّرُورَةِ يَدْفَعُهُ إِلَيَّ الْخِضْرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قِيلَ: مَاتَ بِطَرَسُوسَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1306 ذِكْرُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى الْوَذِيكَابَاذِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ زَاهِدًا مُتَوَرِّعًا مُجْتَهِدًا كَثِيرَ الْعِبَادَةِ وَالاجْتِهَادِ، صَحِبَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْخُشُوعِيَّ، وَأَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ، قِيلَ: لَمَّا كَبُرَ وَضَعُفَ رَجَعَ إِلَى الْعِلْمِ وَكَانَ لَهُ بِضَاعَةٌ يَتَّجِرُ فِيهَا، جَعَلَ تِلْكَ الْبِضَاعَةَ عُدَّةً لِوَرَعِهِ وَاسْتَغْنَى بِهِ عَنِ النَّاسِ، وَكَانَ يُحَدَّثُ وَيُكْتَبُ عَنْهُ وَيُسْمَعُ، كَانَ النَّاسُ يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ فِي حَاجَاتِهِمْ فَيَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ، وَعُرِفَ بِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ. ذِكْرُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الْأَسْوَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ مِنْ خِيَارِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَسْوَارِيِّ، كَانَ يَقُولُ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَسْوَارِيُّ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، الاسْمُ لِي وَالْعَمَلُ لَكَ، قِيلَ: كَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ أَلْفَ رَكْعَةٍ وَكَانَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1307 ذِكْرُ عَبَّاسٍ الطَّامِذِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: دَخَلَ جَمَاعَةٌ عَلَى الْعَبَّاسِ الطَّامِذِيِّ فَقَرَأَ الرَّجُلُ الْقُرْآنَ فَمَا زَالَ الْعَبَّاسُ يَبْكِي وَتَسِيلُ دُمُوعُهُ عَلَى لِحْيَتِهِ حَتَّى تَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْهُ، فَلَمَّا سَكَنَ قَالَ لَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ مَا لَنَا إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ عِنْدَنَا لَا نَبْكِي كَمَا بَكَيْتَ؟ فَأَخَذَ الْعَبَّاسُ بِلِحْيَةِ نَفْسِهِ، وَقَالَ: رَجُلٌ جَلَسَ بِبَابِ اللَّهِ كَذَا وَكَذَا سَنَةً، وَوَجَدَ مِنَ الْبَلْوَى وَالْفَقْرِ مَا وَجَدَ، فَإِذَا سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ فَزِعَ قَلْبُهُ، وَيَجِيئُنِي سُوقِيٌّ فَيَقُولُ: لِمَ لَا أَجِدُ مِنَ الْبُكَاءِ مِثْلَ مَا تَجِدُ؟ لَيْسَ هَذَا الْأَمْرُ بِاللَّعِبِ إِنَّمَا هُوَ الصِّدْقُ. ذِكْرُ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مَتَّوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الزُّهْدُ، وَالْعِبَادَةُ الْكَثِيرَةُ، وَتَرْكُ الشَّهَوَاتِ، وَرُزِقَ حُسْنَ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ، وَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَهُ وَيَسْمَعُونَ قِرَاءَتَهُ فِي تَرَاويِحِهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. قِيلَ: تَرَكَ الشَّهَوَاتِ، فَكُلَّمَا اشْتَهَى شَهْوَةً مِنَ الطَّعَامِ أَصْلَحَهُ وَطَبَخَهُ، فَشَمَّهُ ثُمَّ فَرَّقَهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوِ الْجِيرَانِ، فَكَانَ حَظَّهُ مِنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1308 الشَّهَوَاتِ الشَّمُّ، قِيلَ: إِنَّهُ ضَعُفَ فَكَانَ يُحْمَلُ إِلَى الْجُمُعَةِ فِي الْمَحَفَّةِ، فَخَرَجَ يَوْمَ جُمُعَةٍ لِيَقْعُدَ فِي الْمَحَفَّةِ فَرَأَى الْمَحَفَّةَ مُسْنَدَةً إِلَى حَائِطٍ لِبَعْضِ عُمَّالِ السُّلْطَانِ، فَامْتَنَعَ مِنْ قُعُودِهِ فِي تِلْكَ الْمَحَفَّةِ مِنْ دِقَّةِ وَرَعِهِ، وَكَانَ لَهُ بَيْتٌ يَنْفَرِدُ فِيهِ وَيُصَلِّي لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ. قِيلَ: كَانَ وَاقِفًا فِي الْجَمَاعَةِ وَأَخُوهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَتَّوَيْهِ يُؤَذِّنُ، فَسَأَلَ عَنِ الدُّنْيَا مَا هِيَ فَأَشَارَ إِلَى أَذَانَ أَخِيهِ أَنَّهُ الدُّنْيَا. ذِكْرُ أَبِي عَامِرٍ الْجَرْوَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ الْغَالِبَ عَلَيْهِ دِقَّةُ الْوَرَعِ، وَالْعِبَادَةُ الدَّائِمَةُ لَيْلًا وَنَهَارًا. قِيلَ: بَنَى مَسْجِدًا كَانَ خَرَابًا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بُنْيَانِهِ وَجَدَ قِطْعَةَ آجُرَّةِ تَحْتَ بَكَرَةِ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَ يُسْتَقَى مِنْهَا طِينَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا الْآجُرَّةُ؟ قَالُوا: أَخَذْنَاهَا مِنَ الطَّرِيقِ فَأَمَرَ بِهَدْمِ الْمَسْجِدِ وَبَنَاهُ ثَانِيًا تَوَرُّعًا عَنِ اسْتِعْمَالِ آجُرَّةٍ مَأْخُوذَةٍ مِنَ الطَّرِيقِ. وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عِيسَى صُحْبَةٌ فَخَرَجَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى بَغْدَادَ وَرَجَعَ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَقَدْ مَاتَ أَبُو عَامِرٍ، فَلَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ دُفِنَ بِقَبْرِ أَبِي عَامِرٍ فِي مَقَابِرِ أَهْلِ الْقُبَّةِ، وَقَبْرَاهُمَا بَارِزَانِ عَلَيْهِمَا الْعَلَامَةُ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1309 فَصْلٌ فِي ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمُ اقْتَصَرْتُ عَلَى أَسْمَائِهِمْ دُونَ ذِكْرِ أَحْوَالِهِمْ وَعِنْدَ ذِكْرِهِمْ تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَرْزُبَانُ الْوَاعِظُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَامِرُ بْنُ نَاجِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ أُبو عَلِيٍّ السُّنْبُلَانِيُّ يُعَدُّ مِنَ الْأَبْدَالِ رَحِمَهُ اللَّهُ. يَسَارُ بْنُ عُمَيْرٍ مِنَ الْعُبَّادِ رَحِمَهُ اللَّهُ. زَيْدُ بْنُ بُنْدَارٍ النَّحْوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ. صَامَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَابْنُهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. مُحَمَّدُ بْنُ خَوْذَةَ الْعَابِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1310 مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْخُشُوعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، مِنَ الْأَبْرَارِ. الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَزِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى الْمَدِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ وَاضِحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَفَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخُوهُ عَلِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَفْصٍ الْمَغَازِلِيُّ الْمُعَدَّلُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1311 عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيَاهٍ الْمُذَكِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَمْشَاذٍ الْمَعْرُوفُ بِالْقِنْدِيلِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ شَبْنَنَا الْقَرْمَطِيُّ الْمُؤَذِّنُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. أَحْمَدُ بْنُ فَاذَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. أَحْمَدُ بْنُ مَيْمُونَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ شَبِيبٍ الْمُقْرِئُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُقْبَةَ الْمُحَدِّثُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1312 مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ خَالِدٍ وَالِدُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو بِشْرٍ الْوِلَادِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. ذِكْرُ طَبَقَةٍ أُخْرَى رَجَاءُ بْنُ صُهَيْبٍ الْجَرْوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدُ الزَّاهِدِينَ. أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مَزْيَدِ بْنِ عَجْلَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَتَنَ رَجَاءَ بْنَ صُهَيْبٍ، مِنْ عُبَّادِ اللَّهُ الصَّالِحِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1313 مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخَزَّازُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ مِنَ الذَّاكِرِينَ، لَهُ الْعِبَادَةُ الْكَثِيرَةُ. الْهُذَيْلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفُرْسَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ. وَأَخُوهُ أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ، رَوَيَا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَفْصٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1314 أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيِّ بْنِ رُسْتُمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ، فَأَنْفَقَهُ كُلَّهُ عَلَى الْعِلْمِ، نَحْوَ ثَلاثُ مِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَذُكِرَ أَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ فِرَاشٌ أَرْبَعِينَ سَنَةً. ذِكْرُ طَبَقَةٍ أُخْرَى مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْبَنَّا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَصْحَابِ عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَبُو الْحَسَنِ اللُّبْنَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. أَبُو بَكْرِ بْنُ خَارِجٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. أَبُو بَكْرٍ الْخَفَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1315 أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مِمَجَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَبُو إِسْحَاقَ النَّاطُرْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَبُو حَامِدِ بْنُ رسته الْجَمَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَقْلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَبُو بَكْرِ بْنُ وَاضِحٍ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَبُو حَفْصِ بْنُ وَاضِحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1316 وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبْرَوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبْرَوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبْرَوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبْرَوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. أَبُو الْحَسَنِ الصَّقَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. أَحْمَدُ الصَّقَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. أَبُو الْحَسَنِ بْنُ صَافِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. أَبُو الْحَسَنِ بْنُ حَسْوَلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ أَهْلِ مِمْنَابَاذَ مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْقَاسِمُ بْنُ عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1317 ذِكْرُ طَبَقَةٍ أُخْرَى مِنْ مُتَصَوِّفَةِ الْبَلَدِ أَبُو عَبْدِ اللَّهُ اللُّبْنَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ حَيَّانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. أَبُوِ مُسْلِمٍ السَّقَّا، وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. مَاشَاذَةُ بْنُ بَطَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1318 وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مِمَايَنِ حَسْوَلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَبُو مُسْلِمٍ الْمُطَرِّزُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَبُو بَكْرٍ الشَّعْرَانِيُّ، عَبْدُ اللَّهِ الشَّعْرَانِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الرَّزْمَابَاذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. هَذَا آخِرُ الْأَسْمَاءِ الْمُجَرَّدَةِ، وَلَوْ ذَكَرْتُ أَخْبَارَهُمْ وَأَحْوَالَهُمْ وَكَرَامَاتَهُمْ لَطَالَ الْكِتَابُ وَفِي ذِكْرِهِمْ حَيَاةٌ لِلْقُلُوبِ لَا حَرَمَنَا اللَّهُ بَرَكَاتَهُمْ وَجَمَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي دَارِ السَّلَامِ إِنَّهُ الْمُنْعِمُ الْوَهَّابُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1319 فَصْلٌ آخَرُ فِي ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنْ صُلَحَاءِ أَصْبَهَانَ وَفُضَلَائِهِمْ مِنْهُمْ: بَكَّارُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ الْفَقِيهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى امْتُحِنَ أَيَّامَ الْمِحْنَةِ فَاسْتَجَارَ بَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ حَتَّى دَفَعَ عَنْهُ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، امْتُحِنَ فِي أَيَّامِ الْوَاثِقِ فَلَمْ يُجِبْهُمْ إِلَى مَا يُرِيدُونَ. وَقَالَ: عُيُونُ النَّاسِ مَمْدُودَةٌ إِلَيَّ فَإِنْ أَجَبْتَ أَخْشَى أَنْ يُجِيبُوا وَيَكْفُرُوا، وَتَجَهَّزَ لِيَخْرُجَ، جَاءَهُ الْكِتَابُ مِنْ لَيْلَتِئِذٍ بِأَنَّ الثَّوْرَ انْكَسَرَ رِجْلُهُ، فَجَاءَ الْبَرِيدُ بِأَنَّ الْوَاثِقَ قَدْ مَاتَ فَطَرَدَ الْأَعْوَانَ عَنْ دَارِهِ وَكَانَ الَّذِي يُخْرِجُهُ حَيَّانُ بْنُ بِشْرٍ، وَكَانَ حَيَّانُ قَاضِي أَصْبَهَانَ، فَأَنْشَأَ النَّاسُ يَقُولُونَ فِي الطُّرُقِ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ: ذَهَبَ بَكَّارُ فِي الدِّسْتِ وَخَرَى حَيَّانُ فِي الطَّسْتِ، قِيلَ: كَانَ يَتَفَقَّهُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1320 ذِكْرُ مُوسَى بْنُ الْمُسَاوِرِ الضَّبِّيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ خَيِّرًا فَاضِلًا تَرَكَ مَا وَرِثَهُ عَنْ أَبِيهِ لِأُخْوَتِهِ تَوَرُّعًا، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَتَوَلَّى السُّلْطَانَ وَأَنْفَقَ عَلَى الرِّبَاطَاتِ وَإِصْلَاحِ الطُّرُقِ مَالًا عَظِيمًا. رُئِيَ فِي الْمَنَامِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي مَرَرْتُ يَوْمًا بِامْرَأَةٍ تَحْمِلُ جِرَابًا فَثَقُلَ عَلَيْهَا حَمْلُهُ فَحَمَلْتُهُ مَعَهَا، فَشَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ لِي فَغَفَرَ لِي. ذِكْرُ حَمَّادٍ الْمَكْتَبِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ مِنْ أَفَاضِلِ النَّاسِ، حَكَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: كَانَ حَمَّادٌ الْمَكْتَبِ يَكْتُبُ مِنَ الْحَدِيثِ مَا فِيهِ الثَّوَابِ وَالْبَاقِي يَتْرُكُهُ، وَكَانَ إِذَا كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ذَهَبَ بِالْأَيْتَامِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَيَدْهِنُ رُءُوسِهِمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1321 ذِكْرُ عِصَامِ بْنِ يَزِيدَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ مِنَ الْأَخْيَارِ، بَعَثَ بِهِ الثَّوْرِيُّ إِلَى الْمَهْدِيِّ فِي رِسَالَةٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْمَهْدِيُّ بُرًّا فَلَمْ يَقْبَلْهُ، وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ أَصْحَابِ الثَّوْرِيِّ، قَالَ لَهُ الثَّوْرِيُّ: احْمِلْ كِتَابِي إِلَى الْمَهْدِيِّ. فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَنَا رَجُلٌ جَبَلِيٌّ وَلَعَلِّي أَسْقُطُ بِحَرْفٍ فَيَدْخُلُ عَلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا، قَالَ: لَا تَقُلْ إِلَّا مَا تَعْلَمُ، تَرَى هَؤُلَاءِ يَعْنِي أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ وَجَّهْتُهُ فَيَرَى أَنِّي أَسْدَيْتُ إِلَيْهِ مَعْرُوفًا. قَالَ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ: لَوْ أَتَيْتُهُمْ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَتَّى يَعْمَلُوا بِمَا يَعْلَمُونَ، فَإِذَا عَمِلُوا بِمَا يَعْلَمُونَ لَمْ يَسَعْنِي إِلَّا أَنْ آتِيَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: أَتَرَى أَنِّي أَخَافُ هَوَانَهُمْ؟ إِنَّمَا أَخَافُ كَرَامَتَهُمْ. ذِكْرُ عَامِرِ بْنِ حَمْدَوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا قَدِمَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ أَصْبَهَانَ، قَالَ عَامِرُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ: عَمَّنْ يُحَدِّثُ أَبُو دَاوُدَ؟ قَالُوا: عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: شُعْبَةُ أَنَا أَيْضًا قَدْ كَتَبْتُ عَنْهُ إِلَّا أَنَّنِي مِنْ مِشْتَلَةَ وَذَاكَ مِنَ الْبَصْرَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1322 ذِكْرُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ الْفُرْسَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: مَا أَعْرِفُ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ فِرَاشًا مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُنْدَارٍ الضَّبِّيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ مِنْ عُبَّادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ يُحَدِّثُ عَنْ مُوسَى بْنِ الْمُسَاوِرِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ مَنْدَهْ لَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُهُ: مَا خَلَفَ بَعْدَهُ مِثْلِهِ. ذِكْرُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ وَالِدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ مِنْ صُلَحَاءِ النَّاسِ، وَحُفَّاظِ الْحَدِيثِ، كَتَبَ الْكَثِيرَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ لَهُ مُصَنَّفَاتٌ حَسَنَةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1323 ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ مُحَدِّثًا كَبِيرًا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ كَبِيرٍ، قِيلَ: حَضَرَ مَجْلِسَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، فَشُغِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْهُ سَاعَةً، فَنَعِسَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي مَجْلِسِهِ قَاعِدًا، فَأَقْبَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَلَى مَنْ فِي مَجْلِسِهِ فَقَالَ: لَيْسَ يَخْلُو الشَّيْخُ مِنْ إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنَ اللَّيْلِ حَظٌّ، أَوْ يَكُونَ قَوِيَّ الْقَلْبِ شَدِيدَ الْجُرْأَةِ عَلَى الشَّيْطَانِ، فَعَرِفَ أَنَّهُ قَدْ جَمَعَ الْحَالَتَيْنِ. ذِكْرُ طَبَقَةٍ أُخْرَى مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ وَالْعَارِفِينَ مِنْهُمْ: إِبرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ مِنْ أَقْرَانِ الْجُنَيْدِ، لَهُ مَقَامَاتٍ فِي الرِّيَاضَاتِ، مَاتَ فِي جَامِعِ الرَّيِّ، قِيلَ: مَرِضَ بِالرَّيِّ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَكَانَ بِهِ عِلَّةُ الْقِيَامِ، وَكَانَ إِذَا قَامَ يَدْخُلُ الْمَاءَ يَغْتَسِلُ وَيَعُودُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ، فَدَخَلَ مَرَّةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1324 الْمَاءَ لِيَغْتَسِلْ فَخَرَجَتْ رَوْحُهُ وَهُوَ فِي وَسَطِ الْمَاءِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيُّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ جَعْفَرًا الْخُلْدِيُّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الْخَوَّاصَ، يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَصْبِرْ لَمْ يَظْفَرْ. قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ لَمْ تَبْكِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ لَمْ تَضْحَكِ الْآخِرَةُ إِلَيْهِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ نَصْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: بِتُّ لَيْلَةً مَعَ إِبْرَاهِيمَ الْخَوَّاصِ فَانْتَبَهْتُ فَإِذَا هُوَ يُنَاجِي إِلَى الصَّبَاحِ وَهُوَ يَقُولُ: بَرَحَ الْخَفَاءُ وَفِي التَّلَاقِي رَاحَةٌ ... هَلْ يَشْتَفِي خِلٌّ بِغَيْرِ خَلِيلِهِ؟. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الرَّازِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الْخَوَّاصَ، يَقُولُ: لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ إِنَّمَا الْعِلْمُ لِمَنِ اتَّبَعَ الْعِلْمَ وَاسْتَعْمَلَهُ وَاقْتَدَى بِالسُّنَنِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلَ الْعِلْمِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الرَّازِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ الْآدَمِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الْخَوَّاصَ، وَسُئِلَ عَنِ الْوَرَعِ فَقَالَ: أَلَا يَتَكَلَّمُ الْعَبْدُ إِلَّا بِالْحَقِّ، غَضِبَ أَمْ رَضِيَ، وَكَانَ اهْتِمَامُهُ بِمَا يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى. وَقَالَ: الْعِلْمُ كُلُّهُ فِي كَلِمَتَيْنِ: لَا تَتَكَلَّفُ مَا كُفِيتَ، وَلَا تُضَيِّعُ مَا اسْتُكْفِيتَ. وَقَالَ: التَّاجِرُ بِرَأْسِ مَالِ غَيْرِهِ مُفْلِسٌ. وَقَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْأَزْدِيَّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1325 يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الْخَوَّاصَ، يَقُولُ: دَوَاءُ الْقَلْبِ خَمْسَةُ أَشْيَاءٍ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ، وَخَلَاءُ الْبَطْنِ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ، وَالتَّضَرُّعُ عَنِ السِّحْرِ، وَمُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ. ذِكْرُ خَيْرٍ النَّسَّاجِ رَحِمَهُ اللَّهُ قِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَ خَيْرٌ النَّسَّاجَ لِأَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الْحَجِّ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ عَلَى بَابِ الْكُوفَةِ وَقَالَ: أَنْتَ عَبْدِي وَاسْمُكُ خَيْرٌ، وَكَانَ أَسْوَدَ فَلَمْ يُخَالِفْهُ فَأَخَذَهُ الرَّجُلُ وَاسْتَعْمَلَهُ فِي نَسْجِ الْخَزِّ سِنِينَ، وَكَانَ يَقُولُ لَهُ: يَا خَيْرُ، وَيَقُولُ: لَبَّيْكَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ، بَعْدَ سِنِينَ: إِنِّي غَلَطْتُ، لَا أَنْتَ عَبْدِي وَلَا اسْمُكَ خَيْرٌ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ خَيْرٌ النَّسَّاجُ، وَكَانَ يَقُولُ: لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِي بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، قِيلَ: صَحِبَ أَبَا حَمْزَةَ الْبَغْدَادِيَّ، وَتَابَ إِبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ فِي مَجْلِسِهِ، عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً. قَالَ خَيْرٌ النَّسَّاجُ: لَا نَسَبَ أَشْرَفُ مِنْ نَسَبِ مَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَلَمْ يَعْصِهِ، وَلَا عِلْمَ أَرْفَعُ مِنْ عِلْمِ مَنْ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْأَسْمَاءَ كُلُّهَا، فَلَمْ تَنْفَعْهُ فِي وَقْتِ جَرَيَانِ الْقُدْرَةِ وَالْقَضَاءِ عَلَيْهِ، وَلَا عِبَادَةَ أَتَمُّ مِنْ عِبَادَةِ إِبْلِيسَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1326 فَلَمْ يُنْجِهِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسْبُوقِ عَلَيْهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ: اخْتَارَ مَنِ اخْتَارَ مِنْ عِبَادِهِ لَا لِسَابِقَةٍ لَهُمْ إِلَيْهِ، بِلْ لِإِرَادَةٍ لَهُ فِيهِمْ، ثُمَّ عَلِمَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ، وَمَا يَبْدُو عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: {اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ} [الدخان: 32] أَيْ مِنَّا بِمَا فِيهِمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُخَالَفَاتِ لِأَنَّ مَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً يَعْلَمُ عُيُوبَهَا لَا يَرُدُّهَا. قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْمَالِكِيُّ: سَأَلْتُ مَنْ حَضَرَ مَوْتَ خَيْرٍ النَّسَّاجِ عَنْ أَمْرِهِ فَقَالَ: لَمَّا حَضَرَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ غُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ فَتَحَ عَيْنَيْهِ وَأَوْمَأَ إِلَى نَاحِيَةِ الْبَيْتِ وَقَالَ: قِفْ عَافَاكَ اللَّهُ، فَإِنَّمَا أَنْتَ عَبْدٌ مَأْمُورٌ وَأَنَا عَبْدٌ مَأْمُورٌ، مَا أُمِرْتَ بِهِ لَا يَفُوتَكَ وَمَا أُمِرْتُ بِهِ يَفُوتُنِي فَدَعْنِي لِأَمْضِيَ فِيمَا أُمِرْتُ بِهِ، ثُمَّ أَمْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَصَلَّى ثُمَّ تَمَدَّدَ وَغَمَّضَ عَيْنَيْهِ وَتَشَهَّدَ وَمَاتَ، قَالَ: فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ رُئِيَ فِي النَّوْمِ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ: لَا تَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا وَلَكِنِّي اسْتَرَحْتُ مِنْ دُنْيَاكُمُ الْقَذِرَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ، الْوَضِرَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1327 ذِكْرُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْخُشُوعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْبَهَانِيٌّ، زَاهِدٌ عَالِمٌ وَرِعٌ، أُسْتَاذُ عَلِيٍّ الْأَسْوَارِيِّ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الصَّحَّافُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مَعْمَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ يَقُولُ: كَانَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْخُشُوعِيِّ أَخٌ مِنْ أُمِّهِ وَأَبِيهِ وَكَانَتْ وَالِدَةُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي دَارِ أَخِيهِ، وَكَانَ أَخُوهُ يُخْتَلَفُ بِالْأَمَانَةِ إِلَى قَرْيَةٍ لِحَمْزَةَ بْنِ أَبِي عُمَارَةَ، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بِاللَّيْلِ يَدّخُلُ إِلَى زِيَارَةِ أُمِّهِ، فَيَغُضُّ طَرْفَهُ عَنْ سِرَاجِ أَخِيهِ، فَوَقَعَ عَلَى شَيْءٍ فِي الْبَيْتِ فَقَالَتْ أُمُّهُ: يَا بُنَيَّ مَالَكَ؟ أَفِي عَيْنَيْكَ ظُلْمَةٌ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لَا أُحِبُّ أَنْ أَنْظُرَ بِسِرَاجِ أَخِي وَضَوْئِهِ إِلَى شَيْءٍ لِأَنَّهُ أَمِينُ قَرْيَةٍ، وَكَانَتِ الْقَرْيَةُ مِلْكًا لِحَمْزَةَ بْنِ أَبِي عُمَارَةَ، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَتَوَرَّعُ إِلَى هَذَا. قَالَ: وَحَدَّثَنِي جَدِّي، قَالَ: كَانَ لِوَالِدِهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ قَرْيَةٌ فَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخُشُوعِيُّ أَكْثَرَ طَعَامَهُ مِنْهَا، لِأَنَّهُ كَانَ يَطِيبُ بِذَلِكَ قَلْبُهُ وَكَانَتْ وَالِدَةُ أَبِي إِسْحَاقَ امْرَأَةَ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ امْرَأَةً مُسْلِمَةً تَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَشْكُرُهُ عَلَى انْبِسَاطِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ إِلَيْهَا فِي طَعَامِهَا. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْأَسْوَارِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا الْأَسْوَارِيَّ، يَقُولُ: كُنَّا لَيْلَةً مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي دَعْوَةٍ وَكَانَ وَقْتَ الْوَرْدِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1328 فَلَمَّا دَخَلْنَا الْبَيْتَ كَانَ الْوَرْدُ فِيهِ مَفْرُوشًا، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ: تَأْذَنُ لِي أَنْ أَصْنَعَ بِهَذَا الْوَرْدِ مَا شِئْتُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ مِلْءَ كَفَّيْهِ وَرْدًا فَشَمَّهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ عَلَى سَقْفِ ذَلِكَ الْبَيْتِ وَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ وَفَاحَ الْبَيْتُ مِنْ رَائِحَةِ الطِّيبِ، ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ خَرَجْنَا، فَقَالَ لَنَا بَعْدَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْبَيْتِ: مَا زِلْنَا نَشَمُّ رَائِحَةَ الطِّيبِ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ سَنَةً. قَالَ وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْأَسْوَارِيَّ، يَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخُشُوعِيُّ وَأَنَا فِي بُسْتَانِي أُرِيدُ أَنْ أَقْطَعَ شَجَرَةَ مِشْمِشَ لَمْ تَكُنْ تُثْمِرْ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخُشُوعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، مَالَكَ تَقْطَعُ هَذِهِ الشَّجَرَةَ؟ قُلْتُ: لَيْسَتْ تُثْمِرُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لَا تَقْطَعْهَا، فَإِنِّي ضَامِنٌ لَكَ أَنَّهَا تُثْمِرُ فَتَرَكْتُهَا فَأَثْمَرَتْ تِلْكَ السَّنَةِ ثَمَرًا كَثِيرًا، وَمَا زَالَتْ مُثْمِرَةً كُلَّ سَنَةٍ بِضَمَانِهِ؟ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ، يَقُولُ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ إِلَى الْحَجِّ فَلَمَّا دَخَلْنَا الْبَادِيَّةَ اعْتَلَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ إِسْهَالُ الْبَطْنِ فَقَامَ سَبْعِينَ مَرَّةً فِي لَيْلَةٍ، كُلُّ مَرَّةٍ يُجَدِّدُ الطَّهَارَةَ، وَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ تَسِيرُ الْقَافِلَةُ، فَلَمَّا غَلَبَ الْإِسْهَالُ عَلَيْهِ وَقَعَ فِي الْقَافِلَةِ أَمْرٌ، فَحَطُّوا تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَقَامَتِ الْقَافِلَةُ وَكُنْتُ أَخْدِمُهُ وَآخُذُ الْأَذَى مِنْ تَحْتِهِ عَلَى الطِّيبَةِ فَأَغْسِلُهُ، فَأَرَدْتَ أَنْ أَعْتَذِرُ إِلَيْهِ أَنِّي لَا أَجِدُ رِيحَ الْأَذَى مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لَا تَسْتَعِلَّ فَإِنِّي لَا أَجِدُ مِنْكَ الرَّائِحَةَ الْمُنْتِنَةَ، قَالَ: فَبَرَأَ، وَقَالَ: تَعَالَ فَضَمَّنِي إِلَيْهِ وَأَخَذَ رَأْسِي وَوَضَعَهُ عَلَى مَا يَخْرُجُ مِنْ بَطْنِهِ فَمَا شَمَمْتُ قَطُّ رَائِحَةً وَلَا طِيبًا أَطْيَبُ مِنْهُ فَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَدَفَنْتُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1329 فِي الْبَادِيَةِ، فَبَلَغَنِي أَنَّ الْأَعْرَابَ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ إِلَى قَبْرِهِ بُرْهَةً مِنَ الدَّهْرِ فِي حَاجَاتِهِمْ فَتُقْضَى لَهُمْ وَيَرَوْنَ الْإِجَابَةَ وَكَانَ يُسَمَّى قَبْرَ الْجَبَلِيِّ حَتَّى انْدَرَسَ. ذِكْرُ أَبِي عُثْمَانَ الْمَغْرِبِيِّ، اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ سَلَّامٍ رَحِمَهُ اللَّهُ. صَحِبَ أَبَا عَمْرٍو الزُّجَاجِيَّ، وَلَقِيَ أَبَا يَعْقُوبَ النَّهْرَجُورِيُّ، وَأَبَا الْحَسَنِ الصَّائِغَ الدِّينَوَرِيَّ، كَانَ بَقِيَّةَ الْمَشَايِخِ، قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: مَنْ آثَرَ صُحْبَةِ الْأَغْنِيَاءِ عَلَى مُجَالَسَةِ الْفُقَرَاءِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِمَوْتِ الْقَلْبِ. وَقَالَ: السَّاكِتُ بِعِلْمٍ أَحْمَدُ أَثَرًا مِنَ النَّاطِقِ بِجَهْلٍ. وَقَالَ: مَنْ حَمَلَ نَفْسَهُ عَلَى الرَّجَاءِ تَعَطَّلْ، وَمَنْ حَمَلَ نَفْسَهُ عَلَى الْخَوْفِ قَنُطْ، وَلَكِنَّ سَاعَةً وَسَاعَةً وَمَرَّةً وَمَرَّةً. وَقَالَ: مَنِ اشْتَغَلَ بِأَحْوَالِ النَّاسِ ضَيَّعَ حَالَهُ، وَقَالَ: مَنْ أَعْطَى نَفْسَهُ الْأَمَانِي قَطَعْهَا بِالتَّسْوِيفِ وَالتَّوَانِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1330 ذِكْرُ بُنْدَارِ بْنِ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ شِيرَازَ، سَكَنَ أَرَّجَانَ، كَبِيرُ الشَّأْنِ، قَالَ بُنْدَارٌ: صُحْبَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ تُورِثُ الْإِعْرَاضَ عَنِ الْحَقِّ، وَقَالَ: لَيْسَ مِنَ الْأَدَبِ أَنْ تَسْأَلَ رَفِيقَكَ إِلَى أَيْنَ؟ أَوْ فِي إيشْ؟ وَقَالَ: نَوَائِبُ الدَّهرِ أَدَّبَتْنِي ... وَإِنَّمَا يُوعَظُ الْأَدِيبُ قَدْ ذُقْتُ حُلْوًا وذُقْتُ مُرًّا ... كَذَاكَ عَيْشُ الْفَتَى ضُرُوبُ مَا مَرَّ بُؤْسٌ وَلَا نَعِيمٌ ... إِلَّا وَلِي فِيهِمَا نَصِيبُ. ذِكْرُ أَبِي الْعَبَّاسِ السَّيَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ مَرْوٍ، كَانَ فَقِيهًا عَالِمًا كَتَبَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، سُئِلَ عَنِ الْمَعْرِفَةِ فَقَالَ: حَقِيقَتُهَا أَلَّا يَخْطِرَ بِقَلْبِهِ مَا دُونُهُ، وَقَالَ: كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى تَرْكِ ذَنْبٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1331 كَانَ عَلَيْكَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَخْطُوطًا، وَإِلَى صَرْفِ قَضَاءٍ كَانَ بِهِ الْعَبْدِ مَرْبُوطًا؟ وَقِيلَ لَهُ يَوْمًا: بِمَاذَا يُرَوِّضُ الْمُرِيدُ نَفْسَهُ؟ وَكَيْفَ يُرَوِّضُهَا؟ قَالَ: بِالصَّبْرِ عَلَى الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي وَصُحْبَةِ الصَّالِحِينَ وَخِدْمَةِ الرُّفَقَاءِ، وَمُجَالَسَةِ الْفُقَرَاءِ، وَالْمَرْءُ حَيْثُ وَضَعَ نَفْسَهُ، ثُمَّ تَمَثَّلَ وَأَنْشَأَ يَقُولُ: صَبَرْتُ عَلَى اللَّذَّاتِ حَتَّى تَوَلَّتِ ... وَأَلْزَمْتُ نَفْسِي هَجْرَهَا فَاسْتَمَرَّتِ وَمَا النَّفْسُ إِلَّا حَيْثُ يَجْعَلُهَا الْفَتَى ... فَإِنْ طَعِمَتْ تَاقَتْ وَإِلَّا تَسَلَّتِ وَكَانَتْ عَلَى الْأَيَّامِ نَفْسِي عَزِيزَةً ... فَلَمَّا رَأَتْ عَزْمِي عَلَى الذُّلِّ ذَلَّتِ وَقَالَ: مَنْ حَفِظَ قَلْبَهُ مَعَ اللَّهِ بِالصِّدْقِ أَجْرَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ الْحِكْمَةِ، وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: 26] قَالَ: أَهَّلَهُمْ فِي الْأَزَلِ لِلتَّقْوَى وَأَظْهَرَ عَلَيْهِمْ فِي الْوَقْتِ كُلِّهِ الْإِيمَانَ وَالْإِخْلَاصَ، وَقَالَ: ظُلْمُ الْأَطْمَاعِ يَمْنَعُ أَنْوَارَ الْمُشَاهَدَاتِ. فَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] قَالَ: إِظْهَارُ غَائِبٍ وَتَغْيِيبُ ظَاهِرٍ، وَقَالَ: مَا اسْتَقَامَ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَصْبِرَ عَلَى الذُّلِّ مِثْلَ مَا يَصْبِرُ عَلَى الْعِزِّ. وَقَالَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: مِنْ أَيْنَ مَعَاشُكَ؟ فَقَالَ: مِنْ عِنْدِ مَنْ ضَيَّقَ الْمَعَاشَ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ، وَوَسَّعَ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ. وَقَالَ: الْأَغْنِيَاءُ أَرْبَعَةٌ: غَنِيٌّ بِاللَّهِ، وَغَنِيٌّ بِغِنَى اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1332 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَفَى بِالْيَقِينِ غِنًى. وَغَنِيٌّ لَا يَذْكُرُ غِنًى وَلَا فَقْرًا لِمَا وَرَدَ عَلَى سِرِّهِ مِنْ هَيْبَةِ الْقُدْرَةِ. وَقَالَ: لَوْ جَازَ أَنْ يُصَلَّى بِبَيْتِ شِعْرٍ لَجَازَ أَنْ يُصَلَّى بِهَذَا الْبَيْتِ: أَتَمَنَّى عَلَى الزَّمَانِ مُحَالًا ... أَنْ تَرَى مُقْلَتَاي طَلْعَةَ حُرِّ. ذِكْرُ مَحْفُوظِ بْنِ مَحْمُودٍ رَحِمَهُ اللَّهُ نَيْسَابُورِيٌّ، صَحِبَ أَبَا عُثْمَانَ، كَانَ مِنْ أَرْوَعِ الْمَشَايِخِ وَأَلْزَمِهِمْ لِطَرِيقِ الْمَشَايِخِ. قَالَ مَحْفُوظٌ: التَّوَكُّلُ أَنْ تَأْكُلَ بِلَا طَمَعٍ وَلَا شَرَهٍ، وَقَالَ: مَنْ ظَنَّ لِمُسْلِمٍ فِتْنَةً فَهُوَ الْمَفْتُونُ، وَقَالَ: أَكْثَرُ النَّاسُ خَيْرًا أَسْلَمَهُمْ صَدْرًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: مَنْ أَبْصَرَ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ ابْتُلِيَ بِمَسَاوِئِ النَّاسِ، وَمَنْ أَبْصَرَ عُيُوبَ نَفْسِهِ سَلِمَ مِنْ رُؤْيَةِ مَسَاوِئِ النَّاسِ، وَقَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُبْصِرَ طَرِيقَ رُشْدِهِ فَلْيَتَّهِمْ نَفْسَهُ فِي الْمُوَافَقَاتِ فَضْلًا عَنِ الْمُخَالَفَاتِ، وَقَالَ: لَا تَزِنِ الْخَلْقَ بِمِيزَانِكَ، وَزِنْ نَفْسَكَ بِمِيزَانِ الْمُؤْمِنِينَ لِتَعْلَمَ فَضْلَكَ وَإِفْلَاسَكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1333 ذِكْرُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ عَطَاءٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ عُلَمَاءِ الصُّوفِيَّةِ، لَهُ لِسَانٌ فِي فَهْمِ الْقُرْآنِ، صَحِبَ الْجُنَيْدَ. سُئِلَ ابْنُ عَطَاءٍ: مَا الْمُرُوءَةِ؟ قَالَ: أَنْ لَا تَسْتَكْثِرَ لِلَّهِ عَمَلًا، وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: مَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ آدَابَ السُّنَّةِ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ بِنُورِ الْمَعْرِفَةِ، وَلَا مَقَامَ أَشْرَفُ مِنْ مَقَامِ مُتَابَعَةِ الْحَبِيبِ فِي أَوَامِرِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَخْلَاقِهِ وَالتَّأَدُّبِ بِآدَابِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا وَعَزْمًا وَعَقْدًا وَنِيَّةً، وَقَالَ: الْعِلْمُ الْأَكْبَرُ: الْهَيْبَةُ وَالْحَيَاءُ فَمَنْ عَرِيَ عَنْهُمَا عَرِيَ عَنِ الْخَيْرَاتِ. وَقَالَ: مَنْ عَامَلَ اللَّهَ عَلَى رُؤْيَةِ مَا سَبَقَ مِنْهُ إِلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ بِعَجَبٍ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى الْمَاءِ أَوْ فِي الْهَوَاءِ، وَكُلُّ أَمْرِ اللَّهِ عَجَبٌ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ عَجَبٌ. وَقَالَ: مَنْ تَأَدَّبَ بِأَدَبِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِبُسَاطِ الْكَرَامَةِ، وَمَنْ تَأَدَّبَ بِأَدَبِ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِبُسَاطِ الْقُرْبَةِ، وَمَنْ تَأَدَّبَ بِأَدَبِ الصِّدِّيقِينَ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِبُسَاطِ الْمُشَاهَدَةِ، وَمَنْ تَأَدَّبَ بِأَدَبِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِبُسَاطِ الْأُنْسِ وَالِانْبِسَاطِ، وَقَالَ: مِنَ الْعَبْدِ الاجْتِهَادُ وَمِنَ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1334 التَّوْفِيقُ، وَمِنَ الْعَبْدِ الاسْتِعَانَةُ وَمِنَ اللَّهِ الْقُرْبَةُ، وَمِنَ الْعَبْدِ الْأَدَبُ وَمِنَ اللَّهِ الْكَرَامَةُ. وَقَالَ: لَمَّا عَصَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَكَى عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمَا: لِمَ لَمْ تَبْكِيَا عَلَى آدَمَ؟ فَقَالَا: مَا كُنَّا نَبْكِي عَلَى مَنْ يَعْصِيكَ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَأَجْعَلَنَّ قِيمَةَ كُلِّ شَيْءٍ بِكُمَا وَلَأَجْعَلَنَّ بَنِي آدَمَ خَادِمًا لَكُمَا. وَقَالَ: شَرُّ الطَّاعَاتِ طَاعَةٌ تُورِثُ عُجْبًا، وَخَيْرُ الذُّنُوبِ ذَنْبٌ أَعْقَبَ تَوْبَةً وَنَدَمًا. وَقَالَ: ادْنِ قَلْبَكَ مِنْ مُجَالَسَةِ الذَّاكِرِينَ لَعَلَّهُ يَتَنَبَّهُ عَنْ غَفْلَتِهِ، وَأَقِمْ بِشَخْصِكَ فِي خِدْمَةِ الصَّالِحِينَ لَعَلَّهُ يَتَعَوَّدُ طَاعَةَ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَنْشَدَ: ذِكْرُكَ لِي مُؤْنِسٌ يُعَارِضُنِي ... يُوعِدُنِي عَنْكَ مِنْكَ بِالظَّفَرِ وَكَيْفَ أَنْسَاكَ يَا مَدَارَ هِمَمِي ... وَأَنْتَ مِنِّي بِمَوْضِعِ النَّظَرِ. ذِكْرُ أَبِي جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: كُنْتُ فِي الْبَادِيَةِ، فَلَمَّا قَرَّبْتُ مِنَ الْقَادِسِيَّةِ دَخَلْتُ حِصْنًا خَرَابًا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1335 وَكُنْتُ حَافِيًا حَاسِرًا فَبِتُّ فِيهِ فَإِذَا أَنَا بَسَبْعٍ دَخَلَ الْحِصْنَ يَصِيحُ وَيَزْأَرُ، وَكُنْتُ أَجِدُ الْبَرْدَ فَقُلْتُ لِلسَّبُعِ: لَا تُسِئْ أَدَبَكَ، فَجَاءَ إِلَيَّ خَلْفِي وَوَضَعَ جَنْبَهُ عَلَى ظَهْرِي فَأَدْفَأَنِي فَكَانَ كَذَلِكَ إِلَى الصَّبَاحِ، وَكُنْتُ طَلَبْتُ شَيْئًا أَجْعَلَهُ تَحْتَ رَأْسِي فَمَسَسْتُ شَيْئًا وَأَخَذْتُهُ وَوَضَعْتُهُ تَحْتَ رَأْسِي، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ فَإِذَا هُوَ رَأْسُ إِنْسَانٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنَ الْحِصْنِ لِأَسْتَقِي مِنَ الْبِئْرِ، فَإِذَا بَشَيْءٍ دَاخِلُ فِي الْبِئْرِ أَسْوَدُ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ حَبْلٌ أَسْوَدُ فَقَبَضْتُ عَلَيْهِ وَجَذَبْتُهُ فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ سَوْدَاءُ تَشْرَبُ مِنَ الْبِئْرِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الشَّامِيُّ: قَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَاحِبُ عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ: تَدْرِي لِمَ سُمِّيَ أَبُو جَعْفَرٍ كَبْوَلَةَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: لَا. فَقَالَ: هَهُنَا بِبَغْدَادَ تَاجِرٌ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو بَكْرٍ الصَّرْصَرُ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، فَاجْتَمَعَ أَصْحَابُنَا عِنْدَهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ فَعَمَلَ لَهُمْ كَبْوَلَةَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا تَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا فِي الاعْتِكَافِ وَبَقِيَ أَبُو جَعْفَرٍ كَبْوَلَةُ، فَظَنَّ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يَفْطِرُ كُلَّ لَيْلَةٍ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الصَّرْصَرِ فَمَضَى أَبُو جَعْفَرٍ إِلَى جَامِعِ الْمَدِينَةِ مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا كَانَ النِّصْفُ مِنْ رَمَضَانَ اجْتَمَعَ أَصْحَابُنَا فِي جَامِعِ الْمَدِينَةِ، فَرَأَوْا أَبَا جَعْفَرٍ وَتَحَدَّثُوا، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ: كَيْفَ أَنْتُمْ فِي هَذَا رَمَضَانَ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ فِي الْمَاءِ الْبَاقِلِّيِّ بَعْدَ مَا أَكَلْنَا الدَّسَمَ وَلَكِنَّكَ فِي الدَّسَمِ فِي دَارِ الصَّرْصَرِ، فَقَالَ: يَا أَصْحَابَنَا أَنَا بَعْدُ فِي الْكَبْوَلَةِ الَّتِي أَكَلْتُهَا لَيْلَةَ رَمَضَانَ مَعَكُمْ وَكَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَسَمَّاهُ الشِّبْلِيُّ كَبْوَلَةَ، فَهَذِهِ الْحِكَايَةُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍّ كَبْوَلَةَ: خَرَجْتُ سَنَةً مِنْ خبر عَلَى طَرِيقِ الْمُنْتَهِبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1336 فَمَضَى عَلَى أَرْبَعَةِ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ آكُلْ فِيهِ شَيْئًا حَتَّى بَلَغْتُ الرَّمْلَ، فَكَانَتْ لَيْلَةً قَمْرَاءَ فَنَظَرْتُ بَيْنَ يَدَيَّ، فَإِذَا شَخْصٌ عَلَيْهِ ثِيَابُ بَيَاضِ، فَاجْتَهَدْتُ أَنْ أَلْحَقَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَقَالَ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ لَا تَتَعَنَّ وَاجْلِسْ مَكَانَكَ وَاسْتَفَّ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ فَجَلَسْتُ فِي الرَّمْلِ وَاسْتَفَفْتُ فَإِذَا هُوَ السَّوِيقُ الزَّبِيدِيُّ فَسَكَنْتُ نَفْسِي وَشَبِعْتُ وَوَقَعَ عَلَيَّ النَّوْمُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ رَأَيْتُ كُلَّ مَا كَانَ حَوْلِي مِنَ الرَّمْلِ السَّوِيقَ الزَّبِيدِيَّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الشِّبْلِيُّ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ اقْرَأْ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ الصُّوفِيِّ السَّلَامَ. ذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ الشَّبَهِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَيْسَابُورِيٌّ، صَحِبَ أَبَا عُثْمَانَ الْحِيرِيِّ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الشِّبَهِيُّ: الْعَارِفُونَ يَقْوَوْنَ بِمَعُرُوفِهِمْ وَسَائِرُ النَّاسِ يَقْوَوْنَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. وَدَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَنَا إِذَا مَشَيْتُ فِي السُّوقِ يَقُولُ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى خُشُوعِ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَخِفْ عَلَى نَفْسِكَ فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: " أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1337 ذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ الْفَرَاءِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَيْسَابُورِيٌّ، مِنْ كِبَارِ مَشَايِخِ نَيْسَابُورَ، صَاحَبَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْفَرَاءُ: مَنْ لَمْ يَؤْثِرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ لَا يَصِلُ إِلَى قَلْبِهِ نُورُ الْمَعْرِفَةِ بِحَالٍ. وَقَالَ: الْآمِرُ بِالْمَعْرُوفِ يَجِبُ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ وَيَصْبِرَ عَلَى مَا يَلْحَقُهُ فِي ذَلِكَ وَيَكُونُ عَالِمًا بِمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ. وَقَالَ: كِتْمَانُ الْحَسَنَاتِ أَوْلَى مِنْ كِتْمَانِ السَّيِّئَاتِ فَإِنَّكَ بِذَلِكَ تَرْجُو النَّجَاةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1338 ذِكْرُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَيْبَانَ الْقِرَمِيسِينِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَيْخُ الْجَبَلِ، صَاحِبُ الْأَسْفَارِ الْكَثِيرَةِ عَلَى التَّوَكُّلِ وَالتَّجْرِيدِ مِنَ الشُّيُوخِ الْكِبَارِ، صَاحِبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَغْرِبِيِّ، وَصَحِبَ إِبْرَاهِيمَ الْخَوَّاصَ أَيْضًا فِي أَسْفَارِهِ، وَلَهُ فِي أَسْفَارِهِ عَجَائِبُ لَقِيَهَا. قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَيْبَانَ: بَيْنَمَا أَنَا جَاي بَيْنَ الْجَزِيرَةِ وَالرَّقَّةِ وَمَعِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِيهِمْ غُلَامٌ صَغِيرُ السِّنِّ حَدَثٌ، فَأَرَدْنَا رُكُوبَ الْفُرَاتِ فَتَعَلَّقَ الْغُلَامُ بِي، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ أَنَا لَا أُطِيقُ رُكُوبَ الْبَحْرِ فَتَلَطَّفْتُ لَهُ وَأَدْخَلْتُهُ الْمَرْكَبَ وَأَجْلَسْتُهُ إِلَى جَنْبِي وَسَدَدْتُ عَيْنَيْهِ كِي لَا يَرَى الْمَاءَ حَتَّى عَبَرْنَا وَخَرَجْنَا إِلَى جَزِيرَةٍ يُقَالُ لَهَا: دَوْسَرُ، وَالْغُلَامُ مَعِي، وَقُمْتُ أَنَا أُصَلِّي وَكَانَ فِي الْقَوْمِ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ طَيِّبًا فَقَعَدَ الْغُلَامُ يَسْمَعُ عَلَى لُجَّةِ الْفُرَاتِ، فَانْزَعَجَ وَاضْطَرَبَ وَقَامَ فَرَمَى بِنَفْسِهِ فِي الْفُرَاتِ وَشَقَّ الْفُرَاتَ شَقًّا كَأَنَّهُ سَهْمٌ وَأَنَا أُومِئُ إِلَى أَصْحَابِي، فَأُسَبِّحُ فِي الصَّلَاةِ، فَرَأَيْتُهُ كَأَنَّهُ عَلَى رَفْرَفٍ قَاعِدٌ، حَتَّى عَبَرَ الْفُرَاتَ وَجَلَسَ، وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَيْهِ مُتَحَيِّرِينَ فِي أَمْرِهِ مُتَعَجِّبِينَ مِنْ فِعْلِهِ، فَاشْتَرَيْنَا زَوْرَقًا بِدِرْهَمَيْنِ، وَالْفُرَاتُ هَائِجٌ حَتَّى عَبَرْنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1339 وَأَتَى الْغُلَامُ إِلَيْنَا فَنَظَرْنَا إِلَى ثِيَابِهِ فَإِذَا أَسْفَلُ حِقْوَيْهِ رَطِبٌ وَالْبَاقِي جَافٌّ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَيْبَانَ: مَا أَعَزَّ اللَّهُ عَبْدًا بِعِزٍّ أَعَزَّ مِنْ أَنْ يذله عَلَى ذُلِّ نَفْسِهِ، وَمَا أَذَلَّ اللَّهُ عَبْدًا بِذُلٍّ أَذَلَّ مِنْ أَنْ يَحْجُبَهُ عَنْ ذُلِّ نَفْسِهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَيْبَانَ: الْخَلْقُ مَحَلُّ الْآفَاتِ وَأَكْثَرُهُمْ مِنْهُ آفَةً مَنْ يَأْنَسُ بِهِمْ أَوْ يَسْكُنُ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَيْبَانَ: حَجَجْتُ فِي بَعْضِ السِّنِينَ فَدَخَلْتُ الْمَدِينَةَ وَخَرَجْتُ إِلَى الْقَبْرِ وَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: وَعَلَيْكَ يَا إِبْرَاهِيمُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَيْبَانَ: صَحِبْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْمَغْرِبِيَّ ثَلَاثِينَ سَنَةً، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا وَهُوَ يَأْكُلُ فَقَالَ لِي: ادْنُ كُلْ مَعِي، فَقُلْتُ: إِنِّي صَحِبْتُكَ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَمْ تَدْعُنِي إِلَى طَعَامَكَ إِلَّا الْيَوْمَ، فَمَا بَالُكَ دَعَوْتَنِي الْيَوْمَ؟ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَأْكُلُ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ» وَلَمْ يَظْهَرْ لِي تُقَاكَ إِلَّا الْيَوْمَ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَيْبَانَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَا مِنْ يَوْمٍ إِلَّا وَالْجَلِيلُ جَلَّ جَلَالُهُ يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَنْصَفْتَنِي، أَذْكُرُكَ وَتَنْسَانِي، وَأَدْعُوكَ إِلَيَّ وَتَذْهَبُ إِلَى غَيْرِي، وَأَدْفَعُ عَنْكَ الْبَلَايَا وَأَنْتَ مَعْكُوفٌ عَلَى الْخَطَايَا، يَا ابْنَ آدَمَ: مَاذَا تَقُولُ إِذَا جِئْتَنِي غَدًا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1340 ذِكْرُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْمُوَلِّدِ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الرَّقَّةِ، لَهُ أَسْفَارٌ كَثِيرَةٌ، لَقِيَ الشُّيُوخَ وَكَتَبَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُوَلِّدِ: عَجِبْتُ لِمَنْ عَرَفَ اللَّهَ فَيُرَاعِي سِوَاهُ. وَقَالَ: الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى ثَلَاثٍ: إِلَى عِلْمِ اللَّهِ، وَمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَقُدْرَةِ اللَّهِ. وَقَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَصْبَحَ كَانَ مُطَالَبًا مِنَ اللَّهِ بِالطَّاعَةِ وَمِنْ نَفْسِهِ بِالشَّهْوَةِ وَمِنَ الشَّيْطَانِ بِالْمَعْصِيَةِ لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَفَقَ بِهِ حَيْثُ أَمْرَهُ فِي ابْتِدَاءِ صَبَاحِهِ بِأَمْرِهِ وَبَعَثَ إِلَيْهِ مُنَادِيًا يُنَادِيهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُمُ الْمُؤَذِّنُونَ يُكَبِّرُونَ فِي أَذَانِهِمْ تَكْبِيرًا، فَهُمْ يَقُولُونَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ لِيُكَبِّرَ بِقَلْبِهِ أَمْرَ سَيِّدِهِ فَيُبَادِرَ إِلَى طَاعَتِهِ وَيُخَالِفَ نَفْسَهُ وَشَيْطَانَهُ فَإِنْ بَادَرَ إِلَيْهِ أَكْرَمَهُ بِالظَّفَرِ عَلَى نَفْسِهِ وَغَلَبَتِهِ لِشَهْوَتِهِ وَأَعَانَهُ عَلَى عَدُوِّهِ بِقَطْعِ الْوَسْوَاسِ مِنْ قَلْبِهِ فَإِنَّ مَنْ بَادَرَ إِلَى بَابِهِ دَخَلَ فِي حِزْبِهِ وَكَانَ غَالِبًا لَا مَغْلُوبًا. وَقَالَ ابْنُ الْمُوَلِّدِ: مَنْ لَمْ يَمْلِكْ بَصَرَهُ إِذَا نَظَرَ لَمْ يَمْلِكْ فَرَجَهُ إِذَا قَرُبَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1341 ذِكْرُ أَبِي الْحَارِثِ الْأَوَلَاسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَبُو الْحَارِثِ: خَرَجْتُ مِنْ مَكَّةَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ أُرِيدُ الشَّامَ، فَلَمَّا كُنْتُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ إِذَا أَنَا بِثَلَاثَةِ نَفَرٍ عَلَى خَيْلٍ، فَإِذَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ وَيَتَذَاكَرُونَ الدُّنْيَا، فَلَمَّا فَرَغُوا أَخَذُوا يُعَاهِدُونَ اللَّهَ أَنْ لَا يَمَسُّوا مِنَ الدُّنْيَا ذَهَبًا، وَلَا فِضَّةً، فَقُلْتُ: أَنَا مَعَكُمْ، فَقَالُوا: إِنْ شِئْتَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا فَقَالَ أَحَدُهُمْ: إِنِّي صَائِرٌ إِلَى بَلَدِ كَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ: إِنِّي صَائِرٌ إِلَى بَلَدِ كَذَا، وَبَقِيتُ أَنَا وَآخَرُ وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الْعَلَوِيُّ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: الشَّامَ، فَقَالَ: وَأَنَا أُرِيدُ اللُّكَامَ فَوَدَّعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَافْتَرَقْنَا، فَخَرَجْتُ مِنَ الْأَوَلَاسِ فَلَمَّا صِرْتُ بَيْنَ الْأَشْجَارِ، إِذَا بِرَجُلٍ صَافَ قَدَمَيْهِ يُصَلِّي عَلَى ظَهْرِ الْمَاءِ وَإِذَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِي سَلَّمَ، وَقَالَ: غَيِّبْ شَخْصَكَ عَنِّي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَا تَطْعَمَ شَيْئًا ثُمَّ ائْتِنِي، فَفَعَلْتُ وَجِئْتُ بَعْدَ ثَلَاثِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي عَلَى الْبَحْرِ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِي أَوْجَزَ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَوْقَفَنِي عَلَى الْبَحْرِ وَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: يُرِيدُ أَنْ يَمْشِي بِي عَلَى الْمَاءِ، فَلَئِنْ فَعَلَ لَأَمْشِيَنَّ، فَمَا لَبِثْتُ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى إِذَا أَنَا بَرَفٍّ مِنْ حِيتَانٍ مَدَّ الْبَصَرِ قَدْ أَقْبَلَتِ إِلَيْنَا رَافِعَةً رُءُوسَهَا، فَاتِحَةً أَفْوَاهَهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1342 فَلَمَّا رَأَيْتُهَا قُلْتُ فِي نَفْسِي: أَيْنَ أَبُو بِشْرٍ الصَّيَّادُ صَيَّادًا كَانَ بِالْأَوَلَاسِ فَلَمَّا خَطَرَ ذَلِكَ بِقَلْبِي، كَأَنِّي طَرَحْتُ فِي وَسَطِهِمْ حَجَرًا فَتَفَرَّقُوا، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: مَا فَعَلْتَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّمَا خَطَرَ بِقَلْبِي كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: امْضِ فَلَسْتَ مَطْلُوبًا بِهَذَا الْأَمْرِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِهَذِهِ الرِّمَالِ، وَالْجِبَالِ، وَوَارِ شَخْصَكَ، وَتَعَلَّلَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيكَ أَمْرَ اللَّهِ، فَإِنِّي أَرَاكَ مُطَالَبًا بِهَذَا، ثُمَّ غَابَ عَنِّي فَلَمْ أَرَهُ حَتَّى مَاتَ. ذِكْرُ الْمُظَفَّرُ الْقِرْمِيسِينِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ مِنْ كِبَارِ الْمَشَايِخِ، سُئِلَ مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ الْعَبْدُ؟ قَالَ: فَرَاغُ الْقَلْبِ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ لِيَتَفَرَّغَ إِلَى مَا يَعْنِيهِ. وَقَالَ: الْعَارِفُ مَنْ جَعَلَ قَلْبَهُ لِمَوْلَاهُ وَجَسَدَهُ لِخَالِقِهِ. وَقَالَ: أَفْضَلُ مَا يَلْقَى بِهِ الْعَبْدُ رَبَّهُ نَصِيحَةٌ مِنْ قَلْبِهِ، وَتَوْبَةٌ مِنْ ذَنْبِهِ. وَقَالَ: لَيْسَ مِنْ عُمْرِكَ إِلَّا نَفْسٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ لَمْ تَفْنِهَا بِمَا لَكَ فَلَا تَفْنِهَا بِمَا عَلَيْكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1343 ذِكْرُ مَحْفُوظِ بْنِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بَغْدَادِيٌّ، أَحَدُ السَّالِكِينَ طَرِيقَةَ التَّصَوُّفِ، قَالَ مَحْفُوظٌ: مَنْ لَمْ يُبْصِرْ مَسَاوِئَ نَفْسِهِ ابْتُلِيَ بِمَسَاوِئِ النَّاسِ، وَمَنْ أَبْصَرَ عُيُوبَ نَفْسِهِ سَلِمَ مِنْ رُؤْيَةِ مَسَاوِئِ النَّاسِ. وَقَالَ: أَسْلَمُ النَّاسَ خَيْرًا أَسْلَمَهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: لَا تَزِِنِ الْخَلْقَ بِمِيزَانِكَ، وَزِنْ نَفْسَكَ بِمِيزَانِهِمْ لِتَعْلَمْ فَضْلَهُمْ وَإِفَلَاسَكَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1344 ذِكْرُ عَلِيِّ بْنِ هِنْدٍ الْفَارِسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ التَّصَوُّفِ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ هِنْدٍ: الْمُتَمَسِّكُ بِكِتَابِ اللَّهِ هُوَ الْمُلَاحِظُ لِلْحَقِّ عَلَى دَوَامِ الْأَوْقَاتِ، وَالْمُتَمَسِّكُ بِكِتَابِ اللَّهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، بَلْ يَجْرِي، فِي أَوْقَاتِهِ، عَلَى الْمُشَاهَدَةِ لَا عَلَى الْغَفْلَةِ، يَأْخُذُ الْأَشْيَاءَ مِنْ مَعْدَنِهَا وَيَضَعَهَا فِي مَعدَنِهَا. وَقَالَ: اجْتَهِدْ أَنْ لَا تُفَارِقَ بَابَ سَيِّدِكَ فَإِنَّهُ مَلْجَأُ الْكُلِّ، فَإِنَّ مَنْ فَارَقَ تِلْكَ السَّدَّةَ لَا يَرَى بَعْدَهَا لِقَدَمَيْهِ قَرَارًا وَلَا مَقَامًا، وَقَالَ: كُنْتُ فِي كُرْبَتِي أَفِرُّ إِلَيْهِمْ ... فَهُمُ كُرْبَتِي، فَأَيْنَ الْمَفَرُّ؟ وَأَنْشَدُوا: لَوْلَا مَدَامِعُ عُشَّاقٍ وَلَوْعَتُهُمْ ... لَبَانَ فِي النَّاسِ عِزُّ الْمَاءِ وَالنَّارِ فَكُلُّ نَارٍ مِنْ أَنْفَاسِهِمْ قَدِحَتْ ... وَكُلُّ مَاءٍ فَمِنْ عَيْنٍ لَهُمْ جَارِ وَأَنْشَدُوا: وَالْهَجْرُ لَوْ سَكَنَ الْجِنَانَ تَحَوَّلَتْ ... نِعْمَ الْجِنَانُ عَلَى الْعَبِيدِ جَحِيمَا وَالْوَصْلُ لَوْ سَكَنَ الْجَحِيمَ تَحَوَّلَتْ ... حَرَّ السَّعِيرِ عَلَى الْعِبَادِ نَعِيمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1345 ذِكْرُ طَبَقَةٍ أُخْرَى مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَالصُّوفِيَّةِ وَالْعَارِفِينَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ نَذْكُرُهُمْ وَنَخْتِمُ الْكِتَابَ ذِكْرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ نُجَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَقِيَّةُ مَشَايِخِ نَيْسَابُورَ، صَحِبَ أَبَا عُثْمَانَ، وَكَتَبَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مَقْبُولًا عَنْدَ الْكُلِّ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ: كُلُّ حَالٍ لَا يَكُونُ عَنْ نَتِيجَةِ الْعِلْمِ وَإِنْ جَلَّ فَإِنَّ ضَرَرَهُ عَلَى صَاحِبِهِ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ. وَكَانَ يُقَالُ: مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهُ هَانَ عَلَيْهِ دِينَهُ وَقَالَ: مَنْ ضَيَّعَ فِي وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِهِ فَرِيضَةٌ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حُرِمَ لَذَّةَ تِلْكَ الْفَرِيضَةِ وَلَوْ بَعْدَ حِينَ. وَقَالَ: مَنْ لَمْ تُهَذِّبُكَ رُؤْيَتُهُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُهَذَّبٍ. وَقَالَ: لَا يَصْفُو لِأَحَدٍ قَدَمٌ فِي الْعُبُودِيَّةِ حَتَّى تَكُونُ أَفْعَالُهُ عِنْدَهُ كُلُّهَا رِيَاءً، وَأَحْوَالُهُ كُلُّهَا عِنْدَهُ دَعَاوًى. وَسُئِلَ عَنِ التَّصَوُّفِ، فَقَالَ: الصَّبْرُ تَحْتَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1346 وَسُئِلَ عَنِ التَّوَكُّلِ، فَقَالَ: أَدْنَاهُ حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ، يَقُولُ: مَنْ أَمَّرَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا نَطَقَ بِالْحِكْمَةِ، وَمَنْ أَمَّرَ الْهَوَى عَلَى نَفْسِهِ نَطَقَ بِالْبِدْعَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54] قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ، يَقُولُ: لَا تَثِقُ بِمَوَدَّةِ مَنْ لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مَعْصُومًا. وَقَالَ: مُعَاوَنَةُ الْإِخْوَانِ خَيْرٌ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ. ذِكْرُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّصْرَابَاذِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَيْخُ الصُّوفِيَّةِ فِي وَقْتِهِ بِنَيْسَابُورَ، وَشَيْخُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فِي وَقْتِهِ، رَحَلَ، وَسَمِعَ، وَكَتَبَ الْكَثِيرَ، وَدَخَلَ مِصْرَ، وَكَتَبَ عَنْ أَهْلِهَا، وَلَقِيَ الرُّوذْبَارِيَّ وَأَخَذَ عَنْهُ، وَكَانَ حَسَنَ الْإِشَارَةِ، وَكَانَتْ إِشَارَتُهُ فِي كَلَامِهِ مَقْرُونَةً بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. قَالَ النَّصْرَابَاذِيُّ: مُوَافَقَةُ الْأَوَامِرِ حَسَنٌ، وَمُوَافَقَةُ الْآمِرِ أَحْسَنُ. وَقَالَ: مُرَاعَاةُ الْأَوْقَاتِ مِنْ عَلَامَاتِ التَّيَقُّظِ. وَقَالَ: قَالَ السَّرِيُّ السَّقَطِيُّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1347 إِنَّ لِلنَّفْسِ حُكُومَاتٍ تَغْضَبُ لِلَّهِ عَلَى غَيْرِهَا وَلَا تَغْضَبُ لِلَّهِ عَلَى نَفْسِهَا. وَقَالَ: أَصْلُ الْمَذْهَبِ هُوَ مُلَازَمَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَتَرْكُ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ، وَالتَّمَسُّكُ بِالْآيَةِ، وَالِاقْتِدَاءُ بِالسَّلَفِ، وَتَرْكُ مَا أَحْدَثَهُ الْآخَرُونَ، وَالْمُقَامُ عَلَى مَا سَلَفَهُ الْأَوَّلُونَ هُوَ الْأَصْلُ. ذِكْرُ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الشِّيرَازِيِّ الْحَافِظِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كُنْيَتُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ كَانَ حَافِظًا لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَارِفًا بِهِ، سَافَرَ الْكَثِيرَ، وَكَتَبَ الْكَثِيرَ، وَصَنَّفَ وَأَمْلَى، وَكَانَ يَلْبَسُ الرُّقْعَةَ وَيَتَزَيَّا بِزِيِّ الصُّوفِيَّةِ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ: كُنْتُ فِي حَدَاثَتِي قَدِ اعْتَقَدْتُ الرِّضَا وَالتَّسْلِيمَ، فَخَرَجْتُ يَوْمًا إِلَى ظَاهِرِ الْبَلَدِ إِلَى مَوْضِعٍ أَنْفَرِدُ فِيهِ وَكَانَ عَلَيَّ قَمِيصٌ أَسْوَدُ وَعَلَى رَأْسِي خِرْقَةٌ سَوْدَاءُ، فَجَلَسْتِ أَبُولُ، فَإِذَا بِحَيَّةٍ قَدْ خَرَجَتْ عَلَيَّ فَهِبْتُهَا، وَأَخَذَتْنِي الرَّعْدَةُ، وَرَآنِي الصِّبْيَانُ فَظَنُّوا أَنِّي امْرَأَةٌ فَرَمُونِي بِالْحِجَارَةِ، وَقَالُوا: جَالِسَةٌ عَلَى الطَّرِيقِ تَبُولُ، فَبَقِيتُ مُتَحَيِّرًا فِي أَمْرِي، فَوَقَعَ فِي سِرِّي أَيْنَ الرِّضَا وَالتَّسْلِيمُ؟ فَقُلْتُ: يَا رَبُّ تُبْتُ، فَرَجِعَتِ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا، وَانْقَطَعَتْ عَنِّي الرَّعْدَةُ، وَدَنَا مِنِّي الصِّبْيَانُ، وَاحْتَشَمُوا مِنِّي، وَمَضَيْتُ لِسَبِيلِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1348 وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ: إِذَا كَتَبَ الصُّوفِيُّ الْحَدِيثَ اسْتَنْقَذَهُ الْحَدِيثُ مِنَ الْجَهْلِ، وَإِذَا تَصَوَّفَ صَاحِبُ الْحَدِيثِ اسْتَنْقَذَهُ التَّصَوُّفُ مِنَ الْبُخْلِ. ذِكْرُ أَبِي زُرْعَةَ الطَّبَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ. أَحَدُ شُيُوخِ الصُّوفِيَّةِ، سَافَرَ كَثِيرًا، وَلَقِيَ الشُّيُوخَ الْكِبَارَ، دَخَلَ الشَّامَ وَسَكَنَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ شِيرَازَ وَبِهَا مَاتَ، سَمِعَ مِنَ الْمَحَامِلِيِّ، وَغَيْرِهِ. ذِكْرُ أَبِي أَحْمَدَ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالْعَسَّالِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَدُ أَئِمَةِ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلِ الْوَرَعِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ، رَحِمَهُ اللَّهُ: طُفْتُ الشَّرْقَ وَالْغَرْبَ فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَبِي أَحْمَدَ الْعَسَّالِ فِي الْإِتْقَانِ. قِيلَ: لَمَّا مَاتَ أَبُو أَحْمَدَ جَلَسَ أَوْلَادُهُ لِلتَّعْزِيَةِ دَخَلَ رَجُلَانِ فِي لِبَاسِ سَوَادٍ وَأَخَذَا يُوَلْوِلَانِ وَيَقُولَانِ: وَا إِسْلَامَاهُ، فَسَألَ عَنْ حَالِهِمَا، فَقَالَا: إِنَّا وَرَدْنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1349 مِنْ أَغَمَاتَ بَلْدَةٍ فِي آخِرِ بِلَادِ الْمَغْرِبِ، وَنَحْنُ مُنْذُ سَنَةٍ وَنِصْفٍ فِي الطَّرِيقِ إِلَى هَذَا الْإِمَامِ وَسَمَاعِ الْحَدِيثِ مِنْهُ، وَالْآنَ وَافَقَ وُرُودُنَا وَفَاتَهُ، أَفَلَا يَسُوغُ لَنَا أَنْ نَتَهَالَكَ فِي الْجَزَعِ؟ . قِيلَ: مَا كَانَ يَجْلِسُ لِإِمْلَاءِ الْحَدِيثِ وَلَا يَمَسُّ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهِ إِلَّا بَعْدَ تَجْدِيدِ الطَّهَارَةِ. وَقِيلَ: اسْتَخْلَفَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرِيُّ عَلَى الْقَضَاءِ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْهُ كُلِّ الامْتِنَاعِ، فَبَقِيَ عَلَى خِلَافَتِهِ إِلَى أَنِ اسْتَخْلَفَ ابْنَهُ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ عُتْبَةَ أَبَا أَحْمَدَ الْعَسَّالَ، لَمَّا تَقَلَّدَ الْقَضَاءَ لَمْ يَكُنْ يُغْلِقُ بَابَ دَارِهِ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، وَكَانَ يُوصِي أَهْلَ مَنْزِلِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ بِأَنْ لَا يَحْجِبُوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ الْخُصُومَاتِ، فَكَانَ إِذَا حَضَرَ خَصْمَانِ يَبْرُزُ إِلَيْهِمَا وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ إِذَا تَحَاكَمَ إِلَيْهِ خَصْمَانِ لَا يُحَلِّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَهُ، بَلْ يَغْرَمُ عَنْهُ الْمَالَ فَيَزِنُهُ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ مِائَةَ ديِنَارٍ، وَكَانَ يُحَذِّرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَالَ الْيَمِينِ، وَيُذَكِّرُهُ الْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّةُ مَجَالِسَ وَأَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَهُ حَلَّفَهُ كَارِهًا. وَقِيلَ: كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِنْتِ مَمْشَاذَ الْفَارِسِيِّ خُصُومَةٌ وَمُنَاظَرَةٌ فَشَكَتْهُ إِلَى أَبِيهَا، فَجَاءَ وَالِدُهَا إِلَى دَارِهِ بِمَحَلَّةِ خُورْجَانَ، فَأَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إِلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ قَاضِيًا، فَلَمَّا بَلَغَا الْمَسْجِدَ الْمَعْرُوفَ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُورْذَانِيِّ بِمَحَلَّةِ سِمْيَكَانَ، اسْتَأْذَنَ صِهْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1350 فَخَتَمَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ، قَامَ إِلَيْهِ صِهْرُهُ وَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: اجْعَلْنِي فِي حِلٍّ، فَلَمْ أَكُنْ خبَيِرًا بِحَالِكَ، وَمَنْ لِي بِخَتَنٍ مِثْلِكَ، وَلَوْ كَانَ لِي ثَلَاثُ بَنَاتٍ وَكَانَ جَائِزًا فِي الشَّرْعِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَخَوَاتِ لَزَوَّجْتُهُنَّ إِيَّاكَ. ذِكْرِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَضَائِلُ هَذَا الْإِمَامِ كَثِيَرَةٌ، كَانَ مُقَدَّمَ أَهْلِ عَصْرِهِ فِي الْحِفْظِ وَالْبِدَايَةِ، وَنَصْرَةِ السُّنَّةِ، وَإِمَاتَةِ الْبِدْعَةِ، طَافَ الدُّنْيَا فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ، عُرِفَ مَنْزِلَتِهِ فِي الْعِلْمِ فِي شَيْبَتِهِ، كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ بِنَيْسَابُورَ يَسْأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ أُشْكِلَ عَلَيْهِ فَأَجَابَهُ فِي ذَلِكَ وَبَيَّنَهُ لَهُ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ حَمْزَةَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ، سَمِعْتُ عُمَرَ السِّمْسَارَ، غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُولُ: جَرَى ذِكْرُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدهٍ عِنْدَ أَبِي نَعِيمٍ، فَقَالَ: كَانَ جَبَلًا مِنَ الْجِبَالِ. حُكِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: كَتَبْتُ صَحِيحَ مُسْلِمٍ بِقَلَمٍ وَاحِدٍ فَلَمْ أُصْلِحْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1351 ذَكَرَ الشَّيْخُ عَزِيزٌ الْمِصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاهِينَ، حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْخَطِيبَ بَافَجَانَ، يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ وَكُنْتُ فِي دَهْشَةٍ مِنْ أَمْرِ الْمُذْهِبِ، فَكَأَنَّهُ لِلَّهِ عَرَفَ مَا بِي، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَيْكَ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنِ الْخَامِسُ؟ قَالَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَالثَّانِي: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالثَّالِثُ: مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، وَالرَّابِعُ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. ذِكْرُ أَبِي مَنْصُورٍ مَعْمَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ زِيَادٍ التَّمِيمِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ أَوْحَدَ عَصْرِهِ فِي سُلُوكِ طَرِيقِ التَّصَوُّفِ، وَعِمَارَةِ الْوَقْتِ، وَكَثْرَةِ الاجْتِهَادِ وَالْعِبَادَةِ، لَهُ تَصَانِيفٌ فِي عُلُومِ الْقَوْمِ، خُتِمَ بِهِ طَرِيقَةُ التَّصَوُّفِ، كَمَا خُتِمَ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ الْإِتْقَانُ وَالْحِفْظُ، وَالتَّشَدُّدُ فِي السُّنَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1352 ذِكْرُ وَالِدِي أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَانَ مِنْ خِيَارِ عُبَّادِ اللَّهِ الْخَاشِعِينَ الْوَرِعِينَ، لَمْ يُرَ بَعْدَهُ مِثْلُهُ فِي اسْتِعْمَالِ الْوَرَعِ، وَالْأَمَانَةِ، وَالْخَوْفِ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَيَّامِ شَيْبَتِهِ خَرَجَ يَوْمًا إِلَى اسْبِيذْكُوهَا لِلزِّيَارَةِ وَمَعَهُ رَفِيقُهُ مُحَمَّدٌ الرُّوَيْدَشْتِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ مِنَ الْأَبْدَالِ، فَقَعَدَ وَالِدِي عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ يَتَوَضَّأُ فَسَقَطَ مِنْهُ خَرْقَةٌ فِيهَا دَنَانِيرُ فَلَمْ يَذْكُرْهَا حَتَّى مَضَتْ سَاعَاتٌ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ لَحِقَ بِرَفِيقِهِ يَمْشِي، فَإِذَا بِقَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ يَرْعَى، فَمَالَتْ شَاةٌ عَنِ الْقَطِيعِ وَفِي فَمِهَا الْخِرْقَةُ، فَلَمَّا وَصَلَتْ إِلَى وَالِدِي طَرَحْتِ الْخِرْقَةَ مِنْ فَمِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَفْيقُهُ: انْظُرْ إِلَى هَذِهِ الْخِرْقَةِ لَعَلَّهَا سَقَطَتْ مِنْكَ فَنَظَرَ إِلَى الْخِرْقَةِ وَالْخَيْطِ الْمَشْدُودِ عَلَيْهَا فَعَرَفَهَا فَأَخَذَهَا، حَكَى ذَلِكَ رَفِيقُهُ مُحَمَّدٌ الرُّوَيْدَشْتِيُّ، فَقَالَتْ وَالِدَتِي رَحِمَهَا اللَّهُ: ذَكَرْتُ لَهُ يَوْمًا هَذِهِ الْحِكَايَةَ فَكَرِهَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا حَفِظَ اللَّهُ ذَلِكَ الْمَالَ لِأَنَّهُ كَانَ مَنْ وَجْهٍ حَلَالٍ، فَأَمَّا مَا بِأَيْدِينَا الْيَوْمَ فَقَدْ خَالَطَهُ الشُّبُهَاتُ، أَرَدْتُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1353 أَتَوَضَّأَ فِي الْخَانِ وَكَانَ مَعِي دِينَارٌ فَوَضَعْتُهُ عَلَى رَفٍّ فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الْوُضُوءِ تَذَكَّرْتُ فَلَمْ أَجِدْهُ، قَالَ: وَحَزِنَ لِذَلِكَ وَقَالَ: لَسْتُ أَحْزَنَ مِنْ فَوْتِ الدِّينَارِ وَإِنَّمَا أَحْزَنُ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ خَالِصٍ، لَقَدْ صَلَّيْتُ يَوْمًا فِي مَسْجِدِ قَلَامَةَ وَكَانَ مَعِي دَنَانِيرُ صِحَاحٌ، فَوَضَعْتُهَا عَلَى الْبَارِيَةِ، وَصَلَّيْتُ فَنَسِيتُهَا وَخَرَجْتُ فَصَلُّوا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ جَمَاعَةٌ بَعْدَ جَمَاعَةٍ فَتَذَكَّرْتُ فَلَمَّا رَجَعْتُ إلَى الْمَسْجِدِ كَانَتِ الدَّنَانِيرُ بِحَالِهَا ظَاهِرَةً، وَقَدْ خَفِيَتْ عَلَى النَّاسِ لِأَنَّهَا كَانَتْ حَلَالًا فَحَفِظَهَا اللَّهُ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَذْكُرُ وَأَنَا صَبِيٌّ، وَأَخِي أَبُو الْوَفَاءِ صَبِيٌّ، فَكَانَ أَبِي يُقْعِدُنِي عَنْ يَمِينِهِ وَيُقْعِدُ أَبَا الْوَفَاءِ عَنْ شِمَالِهِ، وَيَقُومُ أَبِي إِلَى الصَّلَاةِ، فَأَثِبُ أَنَا وَهُوَ يَضْرِبُ بَعْضُنَا بَعْضًا فَلَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ أَبِي لِقَوَّةِ حَالِهِ وَخُشُوعِهِ فِي الصَّلَاةِ، كَأَنَّهُ غَائِبٌ عَنِ الدُّنْيَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1354