الكتاب: تعجيل الندى بشرح قطر الندى المؤلف: عبد الله بن صالح بن عبد الله الفوزان   [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] ---------- تعجيل الندى بشرح قطر الندى عبد الله الفوزان الكتاب: تعجيل الندى بشرح قطر الندى المؤلف: عبد الله بن صالح بن عبد الله الفوزان   [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] تعجيل الندى بشرح قطر الندى تأليف عبد الله بن صالح الفوزان الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فرع القصيم بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد ... فهذا شرح لطيف في كتاب (قطر الندى) للعلامة أبي محمد عبد الله بن هشام الأنصاري المتوفى سنة 761هـ. كتبته بعد تدريس (القطر) للطلاب في المسجد (1) . وسلكت في تحريره المنهج الآتي: - 1- كتابة الشرح بأسلوب سهل يستفيد منه الطالب المبتدئ. ويكون بعد دراسة متن الآجَرّوميّة. 2- الإعراض عن الخلاف، والاكتفاء بالقول الراجح، إلا ما نص عليه ابن هشام في القطر وهو قليل جداً. 3- الإعراض عن التعليل النحوي الذي لا يستفيد منه الطالب لا سيما المبتدئ (2) . 4- العناية بإعراب الأمثلة، ولا سيما الآيات القرآنية والشواهد الشعرية التي ذكرها ابن هشام. وقد أترك ما أرى وضوحه في ذهن القارئ. 5- وضعت عناوين للأبواب كما في كتب النحو (3) الأخرى لتقريب المعلومات وجمعها. وهذا الشرح حصيلة معلومات عامة. إضافة إلى الرجوع إلى بعض كتب النحو مثل: أوضح المسالك، وشرح ابن عقيل، والنحو الوافي، وشرح الفاكهي على القطر، وكتاب النحو الواضح وغيرها. وقد شرح ابن هشام - رحمه الله - متن القطر شرحاً وافياً، لكن لاحظت فيه أثناء تدريسه قبل تدريس (متن القطر) أمرين: -   (1) بدأ الدرس مساء الثلاثاء 13/10/1415هـ. وانتهى مساء الثلاثاء 16/11/1417هـ جلسة واحدة في الأسبوع. مقصورة على أيام العام الدراسي. (2) ذكر ابن هشام في المغني ص (854) أن العبارة التي تُلقى للمتدربين يطلب فيها الإيجاز لتخف على الألسنة إذ الحاجة داعية إلى تكرارها. (3) النحو: علم بأصول يعرف بها أواخر الكلام إعراباً وبناءً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 الأول: أنه فَصَّل القول في بعض المسائل تفصيلاً لا يوجد في الكتب المطولة كأوضح المسالك. ومثل هذا التفصيل أو عرض الخلاف في مسائل ليس للخلاف فيها كبير فائدة لا يناسب عبارة القطر من جهة. ولا يستوعبه الطالب المبتدئ من جهة أخرى. الأمر الثاني: أنه سقط من الشرح مسائل وردت في (متن القطر) ومن ذلك: 1- عالمون: أحد ملحقات جمع المذكر السالم. 2- أولات: ملحق بجمع المؤنث السالم. 3- تقديم المفعول في مثل: ضربت زيداً. 4- فاعل (نعم) المعرف بـ (ال) الجنسية. 5- ذكر في متن القطر أن مفسر فاعل (نعم) إذا كان ضميراً لابد أن يكون مطابقاً للمخصوص. ولم يتكلم في الشرح على المطابقة. 6- بعض أحكام اسم الفعل ذكرها في القطر ولم يتعرض لها في الشرح. 7- في ص (260) من شرح ابن هشام - تحقيق محمد عبد الحميد - ورد في متن القطر شاهد نحوي، والمشروح بيت آخر. 8- في باب (التنازع) أورد شاهداً ولم يتكلم عليه في الشرح. فقد يكون ابن هشام أغفل هذه الأشياء. أو أنها سقطت من بعض النسخ، فالله أعلم. وقد سميت هذا الشرح (تعجيل النَّدى بشرح قطر النَّدى) (1) أسأل الله تعالى أن ينفع به كما نفع بالأصل، وأن يجعل العمل خالصاً لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه عبد الله بن صالح الفوزان بريدة/ عصر الثلاثاء 1/5/1418هـ ص ب (12117) بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الثانية الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد ...   (1) بين كلمتي (الندى) جناس تام، فالأولى بمعنى: العطاء والمعروف، والثانية بمعنى: البلل أو المطر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 فهذه الطبعة الثانية لكتابي: (تعجيل الندى، بشرح قطر الندى) . بعد نفاد الطبعة الأولى. وقد راجعت الكتاب وزدت عليه بعض الفوائد والتعليقات. وصححت ما فيه من أخطاء، وأسأل الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم نافعاً لمن أراد الاستفادة منه، وأن يوفقنا جميعاً لعلم نافع وعمل صالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. وكتبه عبد الله بن صالح الفوزان مساء السبت 19/8/1420هـ الكلمة وأقسامها قوله: (الْكَلِمَةُ قَوْلٌ مُفْرَدٌ) بدأ المصنف - رحمه الله تعالى - بتعريف الكلمة. لأنها موضوع هذا العلم، ولأن الكلمة جزء الكلام، والجزء مقدم على الكل. والقول: هو اللفظ الدال على معنى مفيدٍ أو غير مفيد، مفرداً كان أم مركباً نحو: خالد، ونحو: خرج الغلام. ونحو: إن خرج. وخرج بقوله: (مفرد) الجملة، لأنها وإن كانت قولاً إلا أنها من المركب، وليست من المفرد. فـ (الكلمة) : لفظة واحدة تدل على معنى مفرد. مثل: باب. كتاب. وقد تستعمل أحياناً بمعنى: الكلام المفيد نحو: ألقيت في المسجد كلمة. قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} (1) إشارة إلى قوله: {رَبِّ ارْجِعُون..} ، وقال - صلى الله عليه وسلم - (الكلمة الطيبة صدقة) متفق عليه. قوله: (وهِيَ اسْمٌ وفِعْلٌ وحَرْفٌ) لما عَرَّف الكلمة. ذكر أنواعها وأنها ثلاثة: الاسم، والفعل. والحرف. والدليل على انحصار أنواعها في هذه الثلاثة: 1- الاستقراء والتتبع لكلام العرب. الحصر، فإن الكلمة إما أن تدل على معنى في نفسها أو في غيرها. فإن دلت على معنى في نفسها فإما أن تشعر بهيئتها (2)   (1) سورة المؤمنون، آية: 100. (2) المراد بالهيئة: الحالة التصريفية نحو (قام) للماضي. و (يقوم) للحاضر والمستقبل. (وقم) للمستقبل. 2- أما نحو: (أمس) (الآن) فهذا يدل على الزمن بذاته لا بهيئته فليس بفعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 بأحد الأزمنة الثلاثة فهي الفعل: كقام، أو لاتشعر بزمن فهي الاسم مثل: عاصم. وإن دلت على معنى في غيرها فهي الحرف. نحو (في) فإنه لا يفيد معنى يستقل بالمفهومية بل لابد من من وضعه في جملة. قوله: (فَأَمَّا الاسْمُ فَيُعْرَفُ باَلْ كَالرَّجُلِ، وبالتَّنْوِينِ كَرَجُلٍ وبالحَدِيثِ عَنْهُ كَتَاءِ ضَرَبْتُ) . اقتصر المصنف على علامات الاسم دون تعريفه. لأن هذا هو الذي يفيد الطالب المبتدئ. ليميز بين الأسماء والأفعال، واتضاح ذلك بالعلامات أكثر من اتضاحه بالتعاريف. وقوله: (باَلْ) (1) أي من علامات الاسم التي تميزه على الفعل والحرف دخول (ال) عليه. مثل: قدم المسافر. فكلمة (مسافر) اسم بدليل دخول (ال) عليها. وقوله: (وَبالتَّنْوِينِ) هذه العلامة الثانية وهي التنوين. وهو: نون زائدة ساكنة تلحق الآخر لفظاً لا خطاً لغير توكيد، مثل: جاء خالدٌ، رأيت خالداً. مررت بخالدٍ. ومعنى (زائدة) : أي ليست من أصل بنية الكلمة ولا من حروفها الأصلية. وقولنا: (لفظاً لاخطاً) أي للاستغناء عن النون بتكرار الحركة، فيكون آخر الاسم ضمتين أو فتحتين أو كسرتين. قوله: (بالحدِيثِ عَنْهُ) أي تتحدث عن الاسم وتضم إليه ما تتم به الفائدة، كقولك: دخل عاصم. فـ (عاصم) اسم لأنك قد حدثت عنه بالدخول. فأي كلمة تتحدث عنها فهي اسم. وهو معنى قولهم: (الإسناد إليه) بمعنى أن تنسب إليه ما تحصل به الفائدة. وهذه العلامة من أنفع العلامات للاسم وبها اسْتُدِلَّ على اسمية الضمائر كالتاء في نحو: قمتُ، لأن الضمائر لا تقبل أيَّ علامة من علامات الاسم الأخرى.   (1) هذا التعبير أولى من (الألف واللام) فإنه لا يقال في (هل) : الهاء واللام. ولا في (بل) الباء واللام فكذا هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 وقد اقتصر المصنف - رحمه الله - على هذه العلامات الثلاث لأنها أشهر وأوضح من غيرها. (1) قوله: (وهُوَ ضَرْبَانِ: مُعْربٌ وهُوَ ما يَتَغَيَّرُ آخِرُهُ بِسَبَبِ الْعَوَامِلِ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهِ كَزَيْدٍ ومَبْنِيِّ وهُوَ بِخلافِهِ) . لما ذكر علامات الاسم ذكر أقسامه من الناحية الإعرابية. فذكر أنه ضربان: الأول: الاسم المعرب: وهو ما يتغير آخره بسبب العوامل (2) الداخلة عليه نحو: قدم الضيفُ، رأيت الضيفَ، سلمت على الضيفِ، فآخر الكلمة تغير بالضمة والفتحة والكسرة، بسبب ما دخل عليه من العوامل، وهي: (قدم) و (رأى) و (على) الجارة. وقوله: (ما يَتَغَيَّرُ آخِرُهُ) احتراز من تغير أوله أو وسطه فليس إعراباً، كقولك في تصغير (فلس) : فُليس، وفي (درهم) : دُريهم. الثاني:الاسم المبني وأشار إليه بقوله: (وَمَبْنيٌ وهُوَ بِخلافِهِ) أي: أن المبني - وهو الضرب الثاني - ضد المعرب. فإذا كان المعرب يتغير آخره فإن المبني يلزم حالة واحدة، فلا يتغير آخره بسبب العوامل. نحو: حضر الذي فاز في المسابقة، هنأت الذي فاز في المسابقة، سلمت على الذي فاز في المسابقة، فـ (الذي) اسم موصول مبني على السكون، لم يتغير آخره مع عامل الرفع أو النصب أو الجر. قوله: (كَهؤُلاءِ في لُزُومِ الكَسْرِ، وكَذلِكَ حَذامِ وأَمْسِ في لُغَةِ الحِجَازِييّنَ) .   (1) للاسم علامات أخرى منها مجيء الكلمة مجرورة سواء بالحرف أو الإضافة أو التبعية نحو: ذهبت لزيارةِ عالم جليل. أو مناداة نحو: يا خالد تمهل في سيرك. أو مضافة نحو: كتاب طالب العلم جديد. أو مجموعة نحو: أبواب الرزق كثيرة. أو مصغرة نحو: حسين أشجع من أخيه. وإنما تعددت علامات الاسم لتعدد الأسماء، فالعلامة قد تصلح لبعض منها ولا تصلح لآخر كما ذكرنا في الشرح. (2) العامل هو ما أوجب كون آخر الكلمة على وجه مخصوص من الإعراب وهو لفظي كالأفعال والحروف، ومعنوي كالابتداء في رفع المبتدأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 ذكر أن المبني أربعة أقسام: مبني على الكسر، ومبني على الفتح، ومبني على السكون، ومبني على الضم، وبدأ بالمبني على الكسر ومثل بهذه الأمثلة ليبين أن المبني على الكسر نوعان: 1- نوع متفق على بنائه، مثل اسم الإشارة (هؤلاء) فإن جمع العرب يكسرون آخره في جميع الأحوال، تقول هؤلاءِ الطلاب (1) مجدون، ورأيت هؤلاءِ، ومررت بهؤلاءِ. فـ (ها) للتنبيه حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب و (أولاءِ) اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ في الأول. وفي محل نصب مفعول به في الثاني، وفي محل جر في الثالث. 2- نوع مختلف في بنائه. وذكر له مثالين: - الأول: كل علم لمؤنث على وزن (فَعالِ) كحذام وسَجاحٍ ورَقاشِ، فهذا مبني على الكسر عند الحجازيين مطلقاً - رَفعاً ونصباً وجراً - سواء كان آخره راءً أم لا، تشبيهاً له بنزال (2) - اسم فعل أمر - تقول: هذه حذام، ورأيت حذامِ، ومررت بحذَامِ. وأما بنو تميم فبعضهم يعربه إعراب ما لا ينصرف. فيقولون: هذه حذامُ، رأيت حذامَ، ومررت بحذامَ. فهو مرفوع بالضمة، ومنصوب بالفتحة، ومجرور بالفتحة، نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. وأكثرهم يفرق بين ما كان مختوماً بالراء فيبنيه على الكسر كالحجازيين، مثل ظفارِ - اسم بلد يمني - وما ليس آخره راء فيعربه إعراب ما لا ينصرف كما تقدم.   (1) الطلاب: بدل أو عطف بيان وهذا أرجح من إعرابه نعتاً إن كان جامداً فإن كان مشتقاً نحو: هذا الطالب مجد. فالأرجح إعرابه نعتاً. وسيأتي إن شاء الله الفرق بين الجامد والمشتق. (2) نزال: اسم فعل مبني على الكسر. فكذا ما أشبهه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 الثاني: (أمس) فالحجازيون يبنونه على الكسر في جميع أحوال إعرابه. بشرط أن يكون غير ظرف، وأن يكون خالياً من "أل". والإضافة، وأن يكون علماً على اليوم الذي قبل يومك مباشرة فيقولون: مضى أمس بما فيه، وتأملت أمس وما فيه، ما رأيته مذ أمسِ. فهو مبني على الكسر في محل رفع أو نصب أو جر. وأما بنو تميم فبعضهم يعربه إعراب ما لا ينصرف. فيرفعه بالضمة وينصبه ويجره بالفتحة من غير تنوين، نحو: مَرَّ أمسُ بما فيه، قضيت أمسَ في المكتبة. انتهيت من عملي مذ أمسَ. وأكثرهم يمنعه من الصرف في حالة الرفع. ويبنيه على الكسر في حالتي النصب والجر فلا يدخله في باب الممنوع من الصرف. فيقول: مَرَّ أمسُ بما فيه. قضيت أمسِ في المكتبة. انتهيت من عملي مذ أمسِ. وهذا إذا لم يكن ظرفاً - كما تقدم - فإن كان ظرفاً بمعنى (في) ، نحو: سرتني زيارتك أمسِ. فهو مبني على الكسر عند الفريقين. وإن أُريد به يومٌ ما من الأيام الماضية، أو كان مضافاً أو ملحى بال أُعرب. نحو: قضينا أمساً في نزهة، أمسُنا كان جميلاً. إن الأمسَ كان جميلاً. قوله: (وكَأحَدَ عَشَرَ وأخَوَاتِهِ في لُزُوم الْفَتْحِ) . هذا النوع الثاني من الأسماء المبنية وهو ما يبنى على الفتح. ومثل له بـ (أحد عشر) وأخواته. أي إلى تسعة عشر، بتذكير العشرة مع المذكر، وتأنيثها مع المؤنث، فهذه الأعداد مبنية على فتح الجزأين. فلا تتغير بالعوامل. تقول: جاء ثلاثةَ عشرَ طالباً، رأيت ثلاثةَ عشرَ طالباَ. ومررت بثلاثةَ عشرَ طالباً. فـ (ثلاثةَ عشرَ) : فاعل مبني على فتح الجزأين في محل رفع. والمثال الثاني: مفعول به في محل نصب. والثالث: في محل جر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 ويستثنى من ذلك (اثنا عشر) فإن صدره يعرب إعراب المثنى بالألف رفعاً وبالياء نصباً وجراً. لأنه ملحق بالمثنى - كما سيأتي إن شاء الله - ويبقى جزؤه الثاني مبنيّاً على الفتح لا محل له، لوقوعه موقع نون المثنى التي هي حرف. نحو: جاء اثنا عشر طالباً، رأيت اثني عشر طالباً، ومررت باثني عشر طالباً. فـ (اثنا) فاعل مرفوع بالألف لأنه ملحق بالمثنى. (عشر) اسم مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. قوله: (وكَقَبْلُ وبَعْدُ وأَخَوَاتِهِما في لُزُوم الضم إِذَا حُذِفَ المُضَافُ إِلَيْه ونُوِىَ مَعْنَاهُ) . هذا النوع الثالث من الأسماء المبنية وهو ما يبنى على الضم. مثل (قبل وبعد) وهما ظرفان. (وأخواتهما) كأسماء الجهات الست مثل (فوق) و (تحت) وغيرهما، ونحو (دون) و (أول) فهذه تبنى على الضم، بشرط أن يحذف المضاف إليه وينوى معناه. ومعنى ذلك: أنك لا تقصد أن المضاف إليه لفظ معين، بل أي لفظ يؤدي المعنى. كقوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} (1) فـ (قبل) و (بعد) مبنيان على الضم - لما ذُكِرَ - في محل جر، وقال تعالى: {آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (2) . وقال تعالى: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} (3) فـ (قبل) و (بعد) ظرفان مبنيان على الضم في محل نصب على الظرفية، أما إذا ذكر المضاف إليه فإنها تعرب ولا تبنى فتقول: جلست تحتَ الشجرة، فـ (تحت) ظرف مكان منصوب بالفتحة. وتقول: (جئت من قبلِ زيد) . فـ (قبل) اسم مجرور بمن وعلامة جره الكسرة. قوله: (وكمَنْ وكَمْ في لُزُومِ السُّكُونِ وهُوَ أصْلُ الْبِنَاءِ) .   (1) سورة الروم، آية: 4. (2) سورة يونس، آية: 91. (3) سورة التين، آية: 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 هذا النوع الرابع من الأسماء المبنية. وهو ما يبنى على السكون، والسكون: قطع الحركة عن الحرف، فـ (من) اسم مبني على السكون. سواء كانت شرطية نحو: من يتصدقْ يُثَبْ. أو موصولة نحو: حضر من قام بواجبه، أو استفهامية نحو: من عندك؟ فهي ملازمة للسكون. وقوله: (وكم) أي سواء كانت استفهامية بمعنى: أيِّ عدد. نحو: كم كتاباً عندك؟ أو خبرية بمعنى: عدد كثير. نحو كم بائسٍ مات جوعاً. فهي اسم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ في المثالين (1) . وقوله: (وُهوَ أَصْلُ الْبِنَاءِ) أي أن أصل البناء أن يكون بالسكون، لأنه أخف من الحركة. ولذا دخل في الاسم والفعل والحرف مثل: كَمْ، اكتبْ، مَنْ. الفعل أقسامه، علاماته، إعرابه قوله: (وأَمّا الْفِعْلُ فَثَلاَثةُ أَقْسَامٍ: ماضٍ ويُعْرَفُ بِتَاءِ التَأنِيثِ السَّاكِنَةِ) . لما أنهى الحديث عن الاسم، وبين المعرب منه والمبني. شرع في الكلام على الفعل فذكر أنه ثلاثة أقسام: ماض ومضارع وأمر. وقوله: (ماض) بدل من (ثلاث) مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين منع من ظهورها الثقل (2) . والفعل الماضي: كلمة تدل على حدث وزمن انقضى، نحو: سافر: الضيف، فـ (سافر) كلمة تدل على حدث وهو (السفر) ، وزمنٍ انقضى قبل النطق بهذه الكلمة (3) .   (1) سنذكر إعراب (كم) بالتفصيل في باب (التمييز) إن شاء الله. (2) هذا إعراب المنقوص في حالتي الرفع والجر إذا لم يضف ولم تدخل عليه (أل) لأن ياءه تحذف لالتقاء الساكنين - ياء المنقوص والتنوين - أما في حالة النصب فتظهر الفتحة نحو: رأيت قاضياً. فإن كان مضافاً أو محلى بأل. قدرت عليه الضمة والكسرة للثقل. وظهرت الفتحة للخفة. (3) الأزمنة ثلاثة: الحال: وهو الزمن الذي يحصل فيه الكلام. والاستقبال: وهو الزمن الذي يبدأ بعد انتهاء الكلام مباشرة. والماضي: الذي قبل بداية الكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وقد ذكر المصنف للفعل الماضي علامةً تميزه عن المضارع والأمر وهي (تَاءُ التَأنِيثِ السَّاكِنَةِ) ومعنى هذا: أن أيَّ فعل يقبل تاء التأنيث الساكنة فهو فعل ماضٍ قطعاً، نحو: جلس، فتقول: جلستْ هند. وقوله (السَّاكِنَةِ) أي الساكنة أصالةً فلا يضر تحركها لعارض كالتقاء الساكنين كقوله تعالى: {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} (1) . وخرج بقوله (الساكنة) : التاءُ المحركة أصالة، فإن كانت حركتها حركة إعراب اختصت بالاسم كقائمة وفاطمة. وإن كانت حركتها غير حركة إعراب فإنها تكون في الاسم كما في قولك (لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله) فإن حركة التاء حركة بناء (2) . وتكون في الفعل نحو: هند تقوم، وفي الحرف نحو: رُبَّتَ، وثُمَّتَ. نحو: رُبَّتَ كلمةٍ فتحت باب شر ثُمَّتَ جلبت لصاحبها بلاء. كما يعرف الفعل الماضي بـ (تاء الفاعل) المتحركة بالضم للمتكلم، أو الفتح للمخاطب، أو الكسر للمخاطبة. نحو: أعطيتُك كتاباً فرحتَ به. ونحو: أنَتِ قمتِ بالواجب. قوله: (وبِنَاؤُهُ عَلَى الْفتْح كَضَرَبَ إلاَّ مَعَ وَاو الجَمَاعَةِ فَيُضَمُّ كَضَرَبُوا والضَّمِيرِ المَرْفُوع المُتَحَرِّكِ فَيُسَكَّنُ كَضَرَبْتُ) . هذه أحوال بناء الفعل الماضي وهي ثلاثة: الأولى: أن يكون مبنيًا على الفتح. وهذا هو الأصل. سواء كان الفتح ظاهراً نحو: تكلم الخطيب. أو مقدار نحو: دعا المسلم ربه. فـ (دعا) فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف منع من ظهوره التعذر. فيبنى على الفتح إذا لم يتصل به شيء كما مُثِّل، أو اتصلت به تاء التأنيث الساكنة نحو: نَصَحَتْ فاطمة أختها، أو ألف التثنية نحو: الشاهدان قالا الحق.   (1) سورة يوسف، آية: 51. (2) لأنه اسم (لا) النافية للجنس. كما سيأتي - إن شاء الله - في باب (لا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الثانية: أن يكون مبنيًا على الضم، وذلك إذا اتصلت به واو الجماعة، نحو: المجاهدون حضروا (1) . الثانية: أن يكون مبنيًا على السكون، وذلك إذا اتصل به الضمير المرفوع المتحرك كتاء الفاعل نحو: كتبتُ الحديث. أو (نا) التي هي فاعل نحو: استمعنا المحاضرة، أو نون الإناث نحو: البنات جلسْنَ في المنزل. وقوله: (الضَّمِيرِ المَرْفُوعِ المُتَحَرِّكِ) يُخْرج ضمير النصب نحو: أكرمك، فالفعل معه مبني على الفتح. ويُخرج واو الجماعة. لأنها ضمير رفع ساكن. فلا يبنى الماضي معها على السكون. بل على الضم كما مضى. ويخرج ألف الاثنين، فإنها ضمير رفع ساكن. والماضي معها مبني على الفتح كما تقدم. قوله: (ومِنْهُ نِعْمَ وبِئْسَ وعَسى ولَيْسَ في الأَصَحِّ) : هذا فيه بيان أن هذه الكلمات الأربع اختلف في كونها أفعالاً ماضية؛ والأصح أنها أفعال (2)   (1) أما نحو: غَزَوا، بنَوا، فالضم مقدر. والأصل: غَزَوُوا، بَنَيُوْا فاستثقلت الضمة على الواو والياء، فحذفت، فالتقى ساكنان، فحذفت الواو والياء وبقي ما قبل واو الجماعة مفتوحاً على حاله. (2) يقابل هذا القول بأن (نعم وبئس) اسمان لدخول حرف الجر عليهما في قوله: (ما هي بنعم الولد) و (نعم السير على بئس العير) وأجيب بأن مدخول حرف الجر محذوف. وأما (عسى وليس) فقيل: إنهما حرفان. الأول للترجي كـ (لعل) والثاني لنفي كـ (ما) . والصحيح أن (ليس) فعل لقبولها علامة الفعل. وأما دلالتها على النفي فلا يخرجها من الفعلية لوجود دليل قوي عليها. وأما (عسى) فالأظهر أنها إذا اتصلت بضمير فهي حرف كـ (لعل) مثل: عساكم طيبون. وإلا فهي فعل ناسخ لقبولها التاء. وكونها تدل على معنى يدل عليه حرف لا يخرجها من الفعلية. فإن لها نظائر كـ (حاشا وخلا وعدا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 بدليل دخول (تاء) التأنيث عليها. وهي علامة الفعل الماضي - كما تقدم - فتقول: نِعْمَتِ المرأة فاطمة، بئْسَتِ المرأة هند فـ (نعم) فعل ماضٍ جامد لإنشاء المدح مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. والتاء للتأنيث. و (المرأة) فاعل لـ (نعم) والجملة خبر مقدم. و (فاطمة) مبتدأ مؤخر، والمثال الثاني مثله. وتقول: عست هند أن تقوم. ليست المؤمنة متبرجة، فـ (عسى) فعل ماض ناقص مبني على الفتح. والتاء للتأنيث. (هند) اسمها مرفوع بالضمة (أن) حرف مصدري ونصب. (تقوم) فعل مضارع منصوب بـ (أن) والفاعل ضمير مستتر. والمصدر المؤول من (أن) والفعل خبر (عسى) . و (ليس) فعل ماض ناقص مبني على الفتح. (والتاء) للتأنيث (المؤمنة) اسمها (متبرجة) خبرها منصوب بالفتحة. قوله: (وَأَمْرٌ ويُعْرَفُ بِدِلاَلَتِهِ عَلَى الطَّلَبِ مَعَ قَبُوِلِهِ يَاءَ المُخَاطَبَةِ) هذا القسم الثاني من أقسام الفعل، وقوله: (وأمْرٌ) معطوف على قوله (ماض) والمعطوف على المرفوع مرفوع، التقدير: وأما الفعل فثلاثة أقسام: ماضِ وأمر ومضارع، وفعل الأمر له علامتان متلازمتان:- 1- دلالة صيغته على طلب الفعل. 2- قبوله ياء المخاطبة. نحو: أطع أباك، فـ (أطع) فعل أمر. لدلالته على طلب الطاعة. ولأنه يقبل (ياء) المخاطبة، فتقول: يا نجلاءُ أطيعي أباك. فإن دلت الكلمة على الطلب ولم تقبل (ياء) المخاطبة نحو: صه إذا تكلم غيرك، لم تكن فعل أمر، بل هي اسم فعل أمر، وإن قبلت (ياء) المخاطبة ولم تدل على الطلب لم تكن فعل أمر بل هي فعل مضارع نحو: أنت - يا هند - تهذبين الأطفال. قوله: (وبِنَاؤُهُ عَلَى السُّكُونِ كاضْربْ إِلاَّ المُعْتَلَّ فَعَلَى حَذْفِ آخِرِهَِ كاغْزُ و (اخْشَ) (وارْمِ) ونَحْوَ (قُومَا) و (قومُوا) وقُومِي فَعَلَى حَذْفِ النُّونِ) . ذكر أن فعل الأمر كالماضي له ثلاث حالات: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 الأولى: البناء على السكون، وذلك إذا كان صحيح الآخر ولم يتصل به شيء، نحو: احرص على ما ينفعك. أو اتصلت به نون الإناث نحو: اتركْنَ الجدال. الثانية: البناء على حذف حرف العلة، وذلك إذا كان معتل الآخر بالواو نحو: ادعُ إلى الله بالحكمة، أو الألف نحو: تحرَّ الصدق فيما تقول، أو الياء نحو: أَهْدِ إلى أقربائك. فـ (ادع) فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وهو الواو. والثاني: الألف، والثالث: الياء. الثالثة: البناء على حذف النون. وذلك إذا اتصلت به ألف الاثنين نحو: أكرما ضيوفكما. أو واو الجماعة نحو: تصدقوا على الفقراء. أو ياء المخاطبة نحو: أحسني الحجاب، فـ (أكرما) فعل أمر مبني على حذف النون، والألف فاعل. وكذا ما بعده. وبقي حالة رابعة لم يذكرها المصنف. وهي البناء على الفتح وذلك إذا اتصلت به نون التوكيد نحو: عاشرَنَّ إخوانك بالمعروف. فـ (عاشر) فعل أمر مبني على الفتح. ونون التوكيد حرف مبني على الفتح. قوله: (ومِنْهُ هَلُمّ في لُغَةِ تَمِيم وهَاتِ وتَعَالَ في الأَصَحِّ) . هذا فيه بيان أن هذه الكلمات الثلاث أفعال أمر في أصح الأقوال. فأما (هلم) فلها معنيان: 1- بمعنى (أقبل) نحو: هَلُمَّ إلى حلقات العلم. قال تعالى: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} (1) أي: أقبلوا. 2- بمعنى (أحضر) نحو: هَلُمَّ زميلك أي: أحضره، قال تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} (2) أي أحضروا شهداءكم.   (1) سورة الأحزاب، آية: 18. (2) سورة الأنعام، آية: 150. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وهي فعل أمر على لغة تميم لدلالتها على الطلب وقبولها ياء المخاطبة. وتلحقها الضمائر البارزة بحسب من هي مسندة إليه. فتقول: هلم يا صالح. وهلمي يا عائشة. وهلما يا محمدان. وهلموا يا عليون. ويا هندات هَلْمُمْنَ (بفك الإدغام وسكون اللام) (1) . وأما عند الحجازيين فتلزم طريقة واحدة فلا تلحقها الضمائر. فتقول: هلم يا صالح، وهلم يا عائشة، وهلم يا محمدان، وهلم يا عليون، وهلم يا هندات، وبلغتهم جاء التنزيل قال تعالى: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} (2) . وقال تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} (3) وهي عندهم اسم فعل أمر، لا فعل أمر، لأنها وإن كانت دالة على الطلب لكنها لا تقبل ياء المخاطبة. وأما (هات وتعال) فعدهما جماعة من النحويين في أسماء الأفعال، والأصح أنهما فعلا أمر، لدلالتهما عل الطلب، وقبولهما ياء المخاطبة نحو: يا فاطمة هاتي المصحف، يا عائشة تعالي. و (هات) ملازم للكسر دائماً إلا إذا كان لجماعة المذكرين فإنه يضم تقول: ياخالد هات الكتاب. ويا محمدون هاتُوا كتبكم. قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} (4) فـ (هاتِ) فعل أمر مبني على حذف الياء، و (هاتوا) فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعل. وأما (تعال) فهو مفتوح الآخر في جميع أحواله من غير استثناء تقول: تعالَ يا محمد، وتعالَي يا رابعة. وتعالَيا يا محمدان. وتعالَوا يا محمدون. وتعالَين يا هندات. كل ذلك بفتح اللام.   (1) وإنما وجب الفك وامتنع الإدغام لأن الثاني ساكن (هَلْمُمْ) ومن شروط الإدغام ألا يكون الحرف الثاني ساكناً. (2) سورة الأحزاب، آية: 18. (3) سورة الأنعام، آية: 150. (4) سورة البقرة، آية: 111. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 قال الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ} (1) . فـ (تعالوا) فعل أمر مبني على حذف النون، لاتصاله بواو الجماعة. والواو فاعل، وقال تعالى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} (2) فـ (تعالين) فعل أمر مبني على السكون بنون الإناث. ونون الإناث فاعل. قوله: (وَمضارعٌ ويُعْرَفُ بِلَمْ وافْتِتَاحُهُ بِحرْفٍ مِنَ نَأَيْتُ نَحْوُ نَقُومُ وأَقُومُ ويَقُومُ وتَقُومُ) . هذا القسم الثالث من أقسام الفعل، وهو الفعل المضارع، وقوله: (ومضَارعٌ) معطوف على قوله (ماض) كما تقدم. والفعل المضارع: كلمة تدل على حدث وزمن صالح للحال والاستقبال نحو: يفهم المجد الدرس، فـ (يفهم) كلمة تدل على معنى وهو (الفهم) وعلى زمن صالح للحال والاستقبال. والفعل المضارع له علامة واحدة (3) تميزه عن الماضي والأمر وهي صحة دخول (لم) عليه. نحو: لم أقصر بواجبي. وقوله: (وافْتِتَاحُهُ بحرْفٍ مِنَ نَأَيْتُ) هذا بيان أن المضارع يبدأ بأحد هذه الأحرف الأربعة، وليس المقصود أن هذه علامة ثانية للمضارع؛ لأن هذه الأحرف توجد في الفعل الماضي. فيكون قوله: (افتتاحه) مبتدأ. و (بحرف) خبره. ومعنى نأيتُ: بَعُدتُ.   (1) سورة الأنعام، آية: 151. (2) سورة الأحزاب، آية: 28. (3) هذا على ما ذكر ابن هشام - رحمه الله - وإنما اقتصر عليها لأنها أشهر عوامله، ومن أنفع علاماته، ومما يميز به المضارع دخول حرف التنفيس: - أي الاستقبال - كـ (سوف) نحو: سوف أزورك إن شاء الله. وكذا دخول اللام أو لا الطلبيتين. وسيأتي ذلك إن شاء الله في إعراب الفعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وشرط دخولها على المضارع أن تكون الهمزة للمتكلم (1) نحو: أقوم، بخلاف همزة: أَكرمَ. فليست للمتكلم بل هي للتعدية. فالفعل ماض. وأن تكون النون للمتكلم ومعه غيره، أو المعظم نفسه نحو: نقوم، بخلال نون (نَرْجَسَ) فإنها ليست بزائدة، ولا تدل على معنى في المضارع، تقول: نرجس خالد الدواء، أي: جعل فيها نِرْجساً، (وهو نبت له رائحة ذكية) . وأن تكون الياء للغائب نحو: يقوم، بخلاف ياء (يرنأ) فإنها لا تدل على الغيبة، تقول: يرنأتُ الشيب باليرناء، إذا خضبته بالحناء، وأن تكون التاء للمخاطب نحو: تقوم، بخلاف تاء (تَعَلَّم) فإنها للمطاوعة (2) تقول: علمت عليًّا النحو فتعلمه. فهذه كلها أفعال ماضية، ولا عبرة بالزيادة في أولها، لما تقدم. قوله: (ويُضَمُّ أَوّلُهُ إِنْ كانَ ماضِيهِ رُباعيًَّا كيُدَحْرِجُ ويُكْرِمُ، ويُفْتَحُ في غَيْرِهِ كَيَضْرِبُ ويَسْتَخْرِجُ) . اعلم أن الفعل المضارع فيه بحثان: 1- بحث في أوله. وهذا بحث صرفي. 2- بحث في آخره. وهذا بحث إعرابي. أما الأول فإن الفعل المضارع يُشْكَلُ أوله بالضمة أوبالفتحة. فيشكل بالضمة إذا كان ماضيه رباعياً. نحو: أرسل ويُرسل، وقد مثل المؤلف بمثالين وهما: يُدحرج، ويُكرم. لبيان أنه لا فرق بين أن يكون الرباعي صحيح الحروف، مثل: يدحرج. فإن ماضيه (دحرج) وحروفه أصليه، أو مزيداً مثل: يكرم. فإن ماضيه (أكرم) والهمزة زائدة لأن أصله (كَرُمَ) .   (1) وبهذا الاعتبار يصح أن تكون هذه الأحرف علامة على المضارع ويقرأ (وافتتاحه) بالجر عطفًا على ما قبله، وما ذكرناه أولاً ذكره ابن هشام في الشرح. (2) المطاوعة: قبول أثر الأول في الثاني مع التلاقي اشتقاقاً كمال في المثال، بخلاف: (ضربته فتألم) . فليست التاء للمطاوعة لعدم تلاقي الفعلين في الاشتقاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 ويُشْكَلُ بالفتحة إن كان ماضيه أقل من الأربعة وهو الثلاثي مثل: عَلِمَ، يَعْلَمُ، أو أكثر منها، كالخماسي. نحو: انطلق. ينطلق، والسداسي. نحو: استخرج، يستخرج. وهذا إذا كان مبنياً للمعلوم. فإن كان مبنيًا للمجهول ضم أوله كما سيأتي إن شاء الله في نائب الفاعل. قوله: (ويُسَكَّنُ آخِرُهُ مَعَ نُونِ النِّسْوةِ نَحْوُ {يَتَرَبَّصْنَ} (1) و {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} (2) وَيُفْتَحُ مَعَ نُونِ التَّوْكِيدِ المُبَاشِرةِ لَفْظًا وَتَقْدِيراً نَحْوُ: {لَيُنْبَذَنَّ} (3) ، ويُعْرَبُ فِيمَا عَدَا ذَلكَ نَحْوُ: يَقُومُ زَيْدٌ، {وَلَا تَتَّبِعَانِّ} (4) ، {لَتُبْلَوُنَّ} (5) ، {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} (6) ، {وَلَا يَصُدُّنَّكَ} (7) . هذا المبحث الثاني في الفعل المضارع وهو البحث في حكمه الإعرابي. فالفعل المضارع له حالتان: حالة بناء، وحالة إعراب. وهو ينفرد عن الماضي والأمر بذلك؛ لأنهما ملازمان للبناء فيبنى المضارع في مسألتين:   (1) سورة البقرة، آية: 228. (2) سورة البقرة، آية: 237. (3) سورة الهمزة، آية: 4. (4) سورة يونس، آية: 89. (5) سورة آل عمران، آية: 186. (6) سورة مريم، آية: 26. (7) سورة القصص، آية: 87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 (10) الأولى: أن تتصل به نون الإناث. فيبنى على السكون نحو: الأمهات العاقلات يهذِّبْنَ أولادهن. فـ (يهذبن) فعل مضارع مبني على السكون، ونون الإناث ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل. قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} (1) وقال تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} (2) فـ (يعفون) فعل مضارع مبني على السكون في محل نصب بـ (أن) ، ونون الإناث فاعل (3) . الثانية: أن تتصل به نون التوكيد المباشرة لفظاً وتقديراً. والمباشرة: هي التي لم يفصل بينها وبين الفعل فاصل. وضابط ذلك: أنه إذا كان الفعل المضارع قبل دخول النون مرفوعاً بالضمة. فنون التوكيد مباشرة، والفعل معها مبني، وإذا كان المضارع قبل دخول النون مرفوعاً بثبوت النون لاتصاله بألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، فنون التوكيد غير مباشرة. والفعل معها معرب.   (1) سورة البقرة، آية: 228. (2) سورة البقرة، آية: 237. (3) أما نحو: " الرجال يعفون" بواوين إحداهما لام الفعل "يعفو"، والثانية واو الجماعة، وقد حذفت لام الفعل لأنها سكنت بعد حذف ضمتها فالتقى ساكنان فحذف أولهما. والفرق بين قولك (الرجال يعفون) و (النساء يعفون) من أوجه: -أن لام الكلمة وهي الواو محذوفة في الأول باقية في الثانية. -أن النون في الأول حرف لأنها علامة الرفع والنون في الثاني اسم لأنها نون الإناث. -أن الواو في الأول كلمة مستقلة لأنها واو الجماعة وفي الثاني جزء من الكلمة لأنها لامها. -أن الواو في الأول اسم في محل رفع، وفي الثاني حرف وهذا أثر الوجه الثالث. -أن الواو في الأول تسقط لناصب أو جازم، وفي الثاني لا تسقط، وهذا أثر الوجه الثاني. أن الفعل الأول معرب والثاني مبني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 فمثلاً: الفعل (أسمعُ) مرفوع بالضمة، فإذا دخلت عليه نون التوكيد نحو: لأسمعَنَّ النصيحة. فهي مباشرة، لأنه لا يفصل بينها وبين الفعل فاصل لا لفظاً ولا تقديراً. فـ (أسمعَنَّ) فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد. ومنه قوله تعالى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) } (1) فـ (كلا) حرف ردع وزجر و (اللام) واقعة في جواب القسم المقدر. و (ينبذن) فعل مضارع مبني للمجهول مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد. ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره (هو) . والفعل (تُكْثران) - مثلاً - مرفوع بثبوت النون، لاتصاله بألف الاثنين. إذا دخلت عليه نون التوكيد نحو: لا تكثرانِّ من الضحك. فهي غير مباشرة؛ لأنه فصل بينها وبين الفعل فاصل، وهو ألف الاثنين. وهذا الفاصل ملفوظ به. ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (2) فالمضارع (تتبعان) أصله مرفوع بالنون المقدّرة لتوالي النونات (3) ؛ لاتصاله بالألف. ونون التوكيد معه غير مباشرة. لوجود الفاصل الظاهر وهو ألف الاثنين. فالفعل معرب. فـ (لا) ناهية. و (تتبعان) فعل مضارع مجزوم بـ (لا) وعلامة جزمه حذف النون، لأنه من الأمثلة الخمسة، والألف فاعل. ونون التوكيد: حرف مبني على الكسر لا محل له.   (1) سورة الهمزة، آية: 4. (2) سورة يونس، آية: 89. (3) إنما قيل: المقدّرة. لأن ما حُذف لعله فهو كالثابت. ويجري على ألسنة المعربين (المحذوفة) ولا بأس به، من باب التيسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 والفعل (تقومون) - مثلاً - مرفوع بثبوت النون، لاتصاله بواو الجماعة. إذا دخلت عليه نون التوكيد نحو: هل تقومُنَّ بواجبكم؟ فهي غير مباشرة، لأنه فصل بينها وبين الفعل فاصل مقدر، وهو واو الجماعة؛ لأن الأصل: تقومونَنَّ، فحذفت نون الرفع لتوالي الأمثال (نون الرفع ونون التوكيد) فصار (تقومُونَّ) فالتقى ساكنان (واو الجماعة والنون الأولى من نون التوكيد المشددة) فحذفت الواو للتخلص من التقاء الساكنين، ولأن الضمة قبلها دليل عليها، فصار (تقومُنَّ) فهو فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون المقدّرة، والواو المقدرة لالتقاء الساكنين في محل رفع فاعل. ومنه قوله تعالى: {* لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} (1) فالمضارع (لتبلون) ومثله (لتسمعن) مرفوع بالنون المحذوفة، لأن نون التوكيد لم تباشر الفعل فيبنى، لأن واو الجماعة فَصَلَتْ بين الفعل ونون التوكيد، لأن أصله: (تُبلوننَّ) تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً. ثم حذفت الألف للتقائها ساكنة مع واو الجماعة. ثم حذفت نون الرفع. فالتقى ساكنان (واو الجماعة والنون الأولى من نون التوكيد المشددة) . فحركت واو الجماعة بالضمة تخلصاً من التقاء الساكنين، ولم تحذف لعدم ما يدل عليها، ولم تحذف نون التوكيد لأنه أُتي بها لغرض. أما في قوله تعالى: (ولتسْمَعُنَّ) فإن واو الجماعة حذفت لالتقاء الساكنين. والضمة قبلها دليل عليها. ومثله قوله تعالى: {وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ} (2) . فهما معربان لا مبنيان؛ لأن النون وإن كانت مباشرة للفعل في اللفظ لكنها منفصلة عنه في التقدير.   (1) سورة آل عمران، آية: 186. (2) سورة القصص، آية: 87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وقد تبين من هذه الأمثلة أن ألف الاثنين لا تكون إلا ظاهرة، أما واو الجماعة فقد تكون ظاهرة إذا تعذر تحريك ما قبلها بالضم، وقد تكون مقدرة إذا أمكن حذفها وتحريك ما قبلها بالضم دليلاً عليها. وأما ياء المخاطبة فنحو: (تقومينَ) فهو مرفوع بثبوت النون؛ لأنه من الأمثلة الخمسة. إذا دخلت عليه نون التوكيد نحو: هل تقومِنَّ بواجبك؟ فهي غير مباشرة؛ لأنه فصل بينها وبين الفعل فاصل مقدر. وهو ياء المخاطبة، لأن الأصل: تقومِينَنَّ فحذفت نون الرفع. فالتقى ساكنان (ياء المخاطبة والنون الأولى المدغمة في نظيرتها) فحذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين، ولوجود كسرة قبلها تدل عليها. فصار (تقومِنَّ) فهو فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه النون المقدّرة لتوالي الأمثال (1) ، وياء المخاطبة المحذوفة للتقاء الساكنين فاعل.   (1) المراد بتوالي الأمثال في هذا الموضوع: أن تكون الأحرف الثلاثة زائدة. بخلاف: ليسجنَنَّ. لأن النون الأولى أصلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 ومنه قوله تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} (1) فالمضارع (ترين) أصله: تَرْأيينَنَّ. فنقلت حركة الهمزة إلى الراء بعد حذف السكون. وحذفت الهمزة تخفيفاً فصار: تَرَيينَنَّ. ثم حذفت نون الرفع للجازم وهو (أن الشرطية المدغمة في (ما) الزائدة) فصار: تريينَّ. ثم قلبت الياء الأولى ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها فصال: ترايْنَّ. فالتقى ساكنان (الألف وياء المخاطبة) فحذفت الألف فصار: تَرَيْنَّ. فالتقى ساكنان. (ياء المخاطبة ونون التوكيد) فحركت الياء بالكسرة إذ لا يجوز حذفها لعدم وجود كسرة قبلها تدل عليها. فصار: تَرَيِنَّ، فهو فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون. وياء المخاطبة فاعل، والنون للتوكيد، ومن المثالين تبين أن ياء المخاطبة قد تكون ظاهرة إذا تعذر تحريك ما قبلها بالكسر، وقد تكون مقدرة إذا أمكن حذفها وتحريك ما قبلها بالكسر. الحالة الثانية من أحوال المضارع: الإعراب. وإليها أشار بقوله: (ويعرب فيما عدا ذلك) . فيعرب المضارع في مسألتين: - الأولى: ألا تتصل به نون الإناث ولا نون التوكيد نحو: العاقل يسمع النصيحة. فـ (يسمع) فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم (2) . وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. وسيأتي تفصيل الكلام في إعراب المضارع إن شاء الله. الثانية: أن تتصل به نون التوكيد غير المباشرة. نحو. أنتم تسمعُنَّ النصيحة. وتقدم إعراب ذلك وبيانه. (الحرف وما يتعلق به) قوله: (وأَمَّا الحَرْف فَيُعْرَفُ بَأَنْ لاَ يَقْبَلَ شَيئاً مِنْ عَلاَمَاتِ الاسْمِ والْفِعْلِ نَحْوُ هَلْ وَبَلْ) .   (1) سورة مريم، آية: 26. (2) التجرد من الناصب والجازم هو تعرية المضارع من عامل النصب والجزم وهو عامل معنوي، والعامل المعنوي هو ما ليس للسان فيه حظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 لما فرغ المصنف من القول في الاسم والفعل، شرع في الكلام على الحرف، فذكر أنه يعرف بأنه لا يقبل شيئاً من علامات الاسم ولا علامات الفعل، نحو: (هل) و (بل) . فعلامة الحرف عدمية. وهي كونه لا يقبل شيئاً من علامات الاسم ولا شيئاً من علامات الفعل. قوله: (ولَيْسَ مِنْهُ (مَهْمَا) و (إِذْ ما) ، بَلْ (ما) المَصْدَرِيَّةُ و (لَمَّا) الرَّابِطَة في الأَصَحِّ) . هذا في بيان أن هذه الكلمات الأربع مختلف في اسميتها وحرفيتها. فأما (مهما) فهي اسم شرط جازم على الأرجح. والدليل على اسميتها قوله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ} (1) فـ (الهاء) من (به) عائدة على (مهما) . والضمير لا يعود إلا على الأسماء. (2) وأما (إذ ما) فهي اسم شرط جازم - كذلك - على ما رجحه المصنف. وتفيد الزمان مثل: (متى) لأنها قبل دخول (ما) اسم. والأصل بقاء الشيء على ما كان عليه. نحو: إذ ما تقم أقم. وقيل: إنها حرف بمنزلة (إن) الشرطية وهذا هو الأصح، كما ذكر المصنف نفسه في (أوضح المسالك) . وسنذكر ذلك - إن شاء الله - في جوازم المضارع.   (1) سورة الأعراف، آية: 132. (2) يقابل هذا القول الراجح، القول بأنه حرف شرط بمنزلة (إن) بدليل أنه لا محل لها من الإعراب في قول الشاعر: - ومهما تكن عند امرئ من خليقة … … وإن خالها تخفى على الناس تُعْلَمِ لأنها لو كانت اسمًا لكانت إما مبتدأ وإما مفعولاً مقدمًا، وكلاهما ممتنع في هذا البيت. أما الأول فلعدم الضمير العائد عليها في (تكن) وأما الثاني فلأن الفعل (تكن) لا ينصب المفعول به، وهذا الإعراب مردود، بل هي إما خبر (تكن) و (خليقة) اسمها. وإما مبتدأ واسم تكن ضمير راجع إليها. والظرف خبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وأما (ما) المصدرية: فهي التي تسبك مع ما بعدها بمصدر، نحو: سرني ما فعلت. أي: سرني فعلك. وهي حرف على الأصح بمنزلة (أن) المصدرية. (1) وأما (لما) فإن كانت نافية فهي حرف جزم بمنزلة (لم) وإن كانت إيجابية فهي بمنزلة (إلا) وهي في هذين المعنيين حرف باتفاق. مثال النافية: لما تشرق الشمس، أي: لم تشرق الشمس. ومثال الإيجابية قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) } (2) أي: إلا عليها حافظ. فَ (إِنْ) نافية و (كل) مبتدأ و (لما) حرف للحصر مبني على السكون (عليها) خبر مقدم (حافظ) مبتدأ مؤخر. والجملة خبر (كل) . وأما (لما) الرابطة التي بمعنى: حين أو إذا. وتفيد وجود شيء لوجود آخر. فهي حرف على الأصح. نحو: لما جاءني أكرمته. والدليل على حرفيتها جواز أن يقال: لما أكرمتني أمس أكرمتك اليوم. لأنها إذا قدرت ظرفاً - كما يقول بعض النحاة - فلابد لها من عامل يعمل في محلها النصب. وكون العامل (أكرمتني) مردود بأن القائلين بأنها اسم يزعمون أنها مضافة إلى ما يليها، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف. وكون العامل (أكرمتك) مردود - أيضاً - لأن الواقع في اليوم لا يكون في الأمس. والقول الثاني: أن (لما) الرابطة اسم، وهي ظرف زمان. والناصب لها جوابها. (3)   (1) وقيل: إنها اسم بمعنى (الذي) لغير العاقل. والتقدير: سرني الذي فعلته. وهذا مردود لأنه يؤدي إلى حذف العائد وهو خلاف الأصل فإنه لم يسمع: أعجبني ما قمته وما قعدته. بذكر العائد مع أنه الأصل. (2) سورة الطارق، الآية: 4. (3) استحسن ابن هشام في المغني (369) القول بأن (لما) اسم بمعنى: (إذ) وعلل لذلك بأنها مختصة بالماضي والإضافة إلى الجمل، كما هو شأن (إذ) وعليه فعاملها جوابها كما ذكرت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 قوله: (وجمِيعُ الحُرُوفِ مَبْنِيَّةٌ) هذا في بيان حكم الحرف. وهو أن الحرف مبني لاستغنائه عن الإعراب. لأن الحرف لا يتوارد عليه معانٍ (1) يحتاج في التمييز بينها إلى إعراب، كما في الاسم. فالتبعيض مستفاد من الحرف (من) في مثل: أخذت من الدراهم. بدون حاجة إلى إعراب. تعريف الكلام قوله: (وَالْكَلاَمُ لَفْظٌ مُفِيدٌ) لما أنهى المصنف - رحمه الله - القول في الكلمة وأقسامها، شرع في تفسير الكلام، وقدم الكلمة لأنها جزء والجزء مقدم على الكل. ومن يبدأ بتفسير الكلام فلأنه المقصود بالذات، ولأنه الذي يقع به التفاهم والتخاطب بخلاف الكلمة. وعرف الكلام بقوله: (لفظ مفيد) واللفظ هو: الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية تحقيقاً كـ (زيد) فإنه لفظ، لأنه صوت مشتمل على بعض الحروف وهي الزاي والياء والدال. أو تقديراً كالضمير المستتر في نحو: اكتب. المقدر بقولك: أنت. ويخرج بـ (اللفظ) الكتابة والإشارة ونحوهما فإنها ليست كلاماً عند النحاة. وقوله (مُفِيدٌ) أي يصح الاكتفاء به. نحو: القراءة مفيدة. فهذا كلام. لأنه لفظ يصح الاكتفاء به. لأن السامع لا ينتظر شيئاً آخر يتوقف عليه تمام الكلام. ويحسن - أيضًا - سكوت المتكلم. والمفيد بهذا المعنى يستلزم التركيب. (2) ويخرج بذلك غير المفيد نحو: كتاب خالد. من غير إسناد شيء إليه، ونحو: إن حضر صالح، فإن تمام الفائدة فيه يتوقف على ذكر الخبر في الأول وجواب الشرط في الثاني، فكل واحد من المثالين لا يسمى كلاماً عند النحاة.   (1) المقصود المعاني الطارئة بالتركيب كتركيب الاسم مع الفعل نحو: قام خالد، رأيت خالداً، مررت بخالد: أما المعاني الإفرادية مثل مجيء (من) لابتداء الغاية، والتبعيض ونحوهما فلا يرد هنا، لأنها معاني إفرادية لا تؤثر في الإعراب. (2) المركب: ما تركب من كلمتين فأكثر، والمفرد: ما لُفِظَ به مرة واحدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 قوله: (وَأقَلُّ ائِتِلافِهِ مِنَ اسْمَيْنِ كَـ (زَيْدٌ قائمٌ) أَوْ فِعْلِ واسْمِ كَـ (قَامَ زَيْدٌ)) . لما ذكر أن التركيب الذي يفيد فائدة تامة يسمى (كلامًا) ذكر أن أقل ما يتألف منه الكلام المفيد هو: اسمان، أو فعل واسم، نحو: الحياة متاع. فهذا التركيب تألف من اسمين أحدهما: (الحياة) والثاني (متاع) ، ولو أخذنا كل كلمة على حدة لم نفهم إلا معنى مفرداً لا يكفي للتخاطب. ونحو: استفاد الطالب. تركيب مولَّف من فعل وهو (استفاد) واسم وهو (الطالب) ، وقد يتألف الكلام من أكثر من ذلك. (1) أنواع الإعراب وعلاماته قوله: ((فَصْلٌ) أَنْوَاعُ الإِعْرَابِ أَرْبَعَةٌ: رفْعٌ ونَصْبٌ في اسْمِ وفِعْلٍ نَحْوُ زَيْدٌ يَقُومُ، وإِنَّ زَيْداً لَنْ يَقُومَ، وجَرٌّ في اسْمٍ نحْوُ بِزَيْدٍ، وجَزْمٌ في فِعْلٍ نَحْوُ لَمْ يَقُمْ، فَيُرْفَعُ بضَمَّةٍ ويُنْصَبُ بِفَتْحَةٍ ويُجَرُّ بِكَسْرَةٍ ويُجْزَمُ بَحَذْفِ حَرَكَة) . قوله: (فَصْلٌ) الفصل: قطعة من الباب مستقلة بنفسها منفصلة عما سواها تشتمل على مسائل - غالباً - والباب أعم من الفصل؛ لأنه اسم لجملة مختصة من العلم تشتمل على فصول ومسائل أيضاً. وقوله: (أَنْوَاعُ الإِعْرَابِ أَرْبَعَةٌ) : الإعراب أثر ظاهر أو مقدر، يجلبه العامل في آخر الكلمة. والمراد بالأثر: الحركة من ضمة أوفتحة أو كسرة. أو حذفها وهو السكون. وقولنا: (ظاهر أو مقدر) يبين أن الإعراب نوعان:   (1) أعلم أن الكلام والجملة بمعنى واحد. والجملة عند النحاة ثلاثة أنواع: أ-جملة أصلية: وهي التي تقتصر على ركني الإسناد كالمبتدأ والخبر والفعل والفعال ... ب-جملة كبرى: وهي ما تركب من مبتدأ خبره جملة اسمية نحو: الإسلام آدابه عالية. أو فعلية نحو: الإِسلام يسمو بتعاليمه. ج- جملة صغرى: وهي الجملة الواقعة خبرًا كما في المثالين السابقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 1- الإعراب الظاهر: وهو الأصل نحو: يفوز المؤمن بثواب الله. فـ (يفوز) فعل مضارع مرفوع بضمة ظاهرة. و (المؤمن) فاعل مرفوع بضمة ظاهرة و (ثواب) مجرور بكسرة ظاهرة. 2- الإعراب التقديري: نحو: الفوضى مفسدة للأعمال. فـ (الفوضى) مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر (1) . و (مفسدة) خبر، وسيأتي إن شاء الله تفصيل ذلك. وأنواع الإعراب أربعة: الرفع والنصب والجر والجزم. وهي بالنسبة للأسماء والأفعال ثلاثة أقسام: 1- قسم تشترك فيه الأسماء والأفعال (2) ، وهو الرفع والنصب نحو: إن المؤمنَ لن يخونَ، العاقلُ يطيعُ أمَّهُ. 2- قسم تختص به الأسماء وهو الجر نحو: نظرت إلى الكعبة. 3- قسم تختص به الأفعال. وهو الجزم نحو: لم يحضر أحد. وقوله: (فَيُرْفَعُ بضَمَّةٍ ويُنْصَبُ بِفَتْحَةٍ ويُجَرُّ بِكَسْرَةٍ ويُجْزَمُ بِحَذْفِ حَرَكَة) . أي: أن هذه الأنواع الأربعة للإعراب لها علامات تدل عليها وهي ضربان: 1- علامات أصلية. 2- علامة فرعية. فذكر هنا العلامات الأصلية وهي أربعة: - 1- الضمة للرفع. 2- الفتحة للنصب. 3- الكسرة للجر. 4- حذف الحركة للجزم، ويقال: السكون. أو الوقف. (3) وأمثلتها واضحة. الإعراب بالعلامات الفرعية 1- الأسماء الستة   (1) التعذر معناه: الاستحالة؛ لأن الألف لا تقبل الحركة. فالتعذر كون محل الإعراب غير قابل لعلامته. (2) المراد بالفعل المضارع لأن الماضي والأمر مبنيان كما تقدم. (3) المشهور عند النحاة أن حركة الإعراب غير حركة البناء وإن كانتا في الصورة واللفظ شيئًا واحدًا لكنهم قصدوا التفريق، ففي الإعراب يقال: مرفوع بضمة - مثلاً - وفي البناء يقال: مبني على الضم. فإذا قالوا: مرفوع، علم أنه بعامل يجوز زواله وحدوث عامل آخر يحدث خلاف عمله. وإذا قالوا: مبني على الضم، علم أنه ملازم للضم لا يزول بزوال العامل [راجع شرح المفصل لابن يعيش 3/84] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 قوله: (إلا الأسمَاءَ السِّتَّةَ وهِيَ أَبُوهُ وأَخُوهُ وحَمُوهَا وهَنُوهُ وفُوهُ وذُو مَالٍ، فتُرْفَعُ بِالْوَاوِ وتُنْصَبُ بِالألِفِ وتُجَرُّ بِالْيَاءِ، والأَفَصَحُ اسْتِعْمَالُ (هَنٍ) كَغَدٍ) . شرع المصنف - رحمه الله - في الكلام على الضرب الثاني من علامات الإعراب. وهي العلامات الفرعية. وهي واقعة في سبعة أبواب: 1- الأسماء. 2- المثنى. 3- جمع المذكر السالم. 4- جمع المؤنث السالم. 5- ما لا ينصرف. 6- الأمثلة الخمسة. 7- الفعل المضارع المعتل الآخر. وقوله: (الأسماءَ الستةَ) بالنصب على الاستثناء. وكذا ما عطف عليه من المثنى وغيره مما سيذكره بعد ذلك. وبدأ بالأسماء الستة (1) فذكر أنها ترفع بالواو نيابة عن الضمة كقوله تعالى: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} (2) فـ (أبو) مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة و (نا) مضاف إليه. و (شيخ) خبر المبتدأ مرفوع بالمبتدأ (كبير) صفة. وتنصب بالألف نيابة عن الفتحة كقوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمُوا أَن أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ} (3) . فـ (أبا) اسم (أنَّ) منصوب وعلامة نصبه الألف نيابة عن الفتحة لأنه من الأسماء الستة. و (الكاف) مضاف إليه و (الميم) علامة الجمع. وجملة (قد أخذ) خبر (أنَّ) . وتجر بالياء نيابة عن الكسرة، كقوله تعالى: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ} (4) فـ (أبي) مجرورة بإلى وعلامة جره الياء لأنه من الأسماء الستة و (الكاف) مضاف إليه و (الميم) علامة الجمع. ولا تعرب بالحروف إلا بشروط أربعة:   (1) ويقال: الأسماء الخمسة، لأن إعراب (الهن) بالحركات أشهر من إعرابه بالحروف كما سيأتي إن شاء الله. (2) سورة القصص، آية: 23. (3) سورة يوسف، آية: 80. (4) سورة يوسف، آية: 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الأول: أن تكون مفردة. كما في الأمثلة. فإن كانت مثناة أعربت إعراب المثنى - بالألف رفعاً وبالياء نصباً وجراً - كقوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} (1) فـ (أبويه) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى. والهاء مضاف إليه. وإن كانت مجموعة جمع تكسير أعربت بالحركات. كقوله تعالى: {آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} (2) فـ (آباء) مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. وهو مضاف و (الكاف) مضاف إليه. و (الميم) علامة الجمع (لا تدرون) خبر. الثاني: أن تكون مكبرة كما في الأمثلة. فإن كانت مصغرة أعربت بالحركات نحو: جاء أُخَيُّ زيد. فـ (أُخَيُّ) فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، وهو مضاف و (زيد) مضاف إليه. الثالث: أن تكون مضافة كما في الأمثلة. فإن لم تضف أعربت بالحركات قال تعالى: {إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} (3) فـ (أبا) اسم (إن) مؤخر منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة (له) خبر (إن) مقدم وتقول: هذا أبٌ عطوفٌ. وسلمت على أبٍ عطوفٍ. الرابع: أن تكون الإضافة لغير (ياء) المتكلم كما في الأمثلة. فإن أضيفت لياء المتكلم أعربت بالحركات المقدرة كقوله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} (4) فـ (أخي) مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغل المحل بحركة المناسبة و (أخ) مضاف والياء مضاف إليه، والخبر (هو أفصح مني) و (هارون) عطف بيان مرفوع. وهذه الشروط تفهم من كلام المصنف؛ فإنه ذكر الأسماء الستة مفردة مكبرة مضافة لغير (ياء) المتكلم.   (1) سورة يوسف، آية: 100. (2) سورة النساء، آية: 11. (3) سورة يوسف، آية: 78. (4) سورة القصص، آية: 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 وأشار بقوله: (ذو مال) إلى أن (ذو) لا تكون من الأسماء الستة إلا إذا كانت بمعنى (صاحب) تقول: جاء ذو مال، أي: صاحب مال. بخلاف (ذو) الموصولة فليست بمعنى (صاحب) وإنما هي بمعنى (الذي) ولا تكون (ذو) موصولة إلا على لغة (طيئ) كما سيأتي إن شاء الله، وهي مبنية لا معربة نحو: جاء ذو سافر. فـ (ذو) اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. أي: جاء الذي سافر. وجملة (سافر) صلة. كما يشترط في (ذو) أن تضاف إلى اسم جنس ظاهر غير صفة كما في مثال المصنف، ونحو: زميلي ذو أدب. قال تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} (1) فـ (اللام) لام الابتداء (ذو) خبر (إن) مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه من الأسماء الستة. وقال تعالى: {وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} (2) . فـ (ذا) مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الألف. وهو مضاف و {الْقُرْبَى} مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة للتعذر. وقال تعالى: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) } (3) فـ (ذي) مجرور وعلامة جره الياء. وهو مضاف و (حجر) مضاف إليه. والمراد باسم الجنس: الاسم الجامد غير المشتق (4) الذي وضع للمعنى الكلي المجرد، كالعلم والمال والفضل ونحوها. بخلاف: جاءني ذو قائم. فلا يصح، لأنه مشتق.   (1) سورة الرعد، آية: 6. (2) سورة الإسراء، آية: 26. (3) سورة الفجر، آية: 5 و (حجر) أي: عقل. (4) الاسم الجامد: ما لم يؤخذ من غيره، وهو إما اسم ذات، وهو الدال على معنى يقوم بذاته كـ (رجل) ، أو اسم معنى، وهو ما لا يقوم بذاته كـ (بياض) والمشتق: ما أخذ من غيره كـ (قائم) مأخوذ من (القيام) . وسأذكر ذلك إن شاء الله في أول باب التمييز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وأشار بقوله: (فوه) إلى أنه لا يعرب بالحروف إلا بشرط أن تُحذف منه الميم. فتقول: فوك رائحته طيبة. نظف فاك بالسواك. كرهت رائحة فيك. ففي الأول مرفوع بالواو، وفي الثاني منصوب بالألف، وفي الثالث مجرور بالياء، فإن بقيت الميم أُعرب بالحركات تقول: هذا فمٌ. ونظفت فمًا. ونظرت إلى فمٍ. وقوله: (وَحَمُوهَا) بإضافة (الحمُ) إلى ضمير المؤنث، لبيان أن (الحمُ) أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وابن عمه. وقد يطلق على أقارب الزوجة فيقال: حموه. بالإضافة للمذكر. قوله: (وَالأَفَصَحُ اسْتِعْمَالُ (هَنٍ) كَغَدٍ) . الهنُ: اسم يكنى به عن أسماء الأجناس، تقول هذا هن زيد، أي: فرس زيد - مثلاً - وقيل كناية عما يستقبح ذكره، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا) (1) . و (الهن) إذا استعمل مجردًا عن الإضافة فهو اسم منقوص، أي محذوف اللام، وهي الواو، لأن أصله (هَنَوٌ) فيعرب بالحركات، نحو: هذا هنٌ. ورأيت هنًا. ومررت بهنٍ. فإن أضيف فجمهور العرب تستعمله كذلك. تقول: هذا هنُكَ، رأيت هنَكَ، ومررت بهنِكَ. وبعضهم يعربه بالحروف فيجريه مُجْرى (أب وأخ) فيقول: هذا هنوك، ورأيت هناك، ومررت بهنيك. وهي لغة قليلة. وعليها ورد ذكره مع الأسماء الخمسة. (2-3) المثنى وجمع المذكر السالم قوله: (وَالمُثَنَّى كَالزَّيْدَانِ فَيُرْفَعُ بِالأَلِفِ وجَمْعَ المُذَكَّرِ السَّالِمَ كالزيدون فَيُرْفَعُ بالواو ويُجَرَّانِ ويُنْصَبَانِ بِالْيَاءِ) . ذكر الباب الثاني والثالث مما خرج عن الأصل وأعرب بالعلامات الفرعية. وهما: المثنى وجمع المذكر السالم.   (1) أخرجه أحمد وإسناده صحيح [انظر الصحيحة للألباني رقم 269] ومعناه: أن من تعزى وانتسب إلى القوم فقال: يا لفلان، يا لبكر.. (فأعضوه بهن أبيه) أي قولوا له: اعضض بهن أبيك. بلفظ صريح دون كناية، مبالغة في التشنيع عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 فالمثنى: ما دل على اثنين بزيادة في آخره، صالح للتجريد وعطف مثله عليه. نحو جاء الطالبان. فهو لفظ دال على اثنين. بزيادة في آخره، وهي الألف والنون، صالح لتجريده من هذه الزيادة، فتقول جاء طالب. ويصح أن تعطف عليه مثله، فتقول جاء طالب وطالب آخر. وقولنا: (ما دل على اثنين) هذا جنس في التعريف يدخل فيه كل ما دل على اثنين كرجلين، وشفعٍ، واثنين واثنتين، وكلا وكلتا. وقولنا: (بزيادة في آخره) هذا قيد يخرج ما دل على اثنين وليست فيه زيادة مثل (شفع) فليس بمثنى. وإن دل على اثنين. وقولنا: (صالح للتجريد) : هذا قيد ثان يخرج ما دل على اثنين لكن لا يصح إسقاط الألف منه، وهو اثنان واثنتان، وكلا وكلتا، نحو: جاء اثنان. إذ لا يصح: اُثْنٌ. وقولنا: (وعطف مثله عليه) هذا قيد ثالث، يخرج ما لا يصح عطف مثله عليه، كالقمرين، إذ لا يصح قمر وقمر. كما يقال: جاء طالب وطالب آخر. وحكم المثنى أنه يرفع بالألف نيابة عن الضمة نحو: جاء طالبان. فـ (طالبان) فاعل مرفوع وعلامة رفعه الألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى. وينصب ويجر بالياء. كقولك: رأيت طالبين. فـ (طالبين) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة لأنه مثنى. وتقول: مررت بطالبين فـ (طالبين) اسم مجرور بالباء وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة لأنه مثنى. (1) وأما جمع المذكر السالم فهو: ما دل على أكثر من اثنين بزيادة في آخره صالح للتجريد وعطف أمثاله عليه.   (1) هذه لغة جمهور العرب في المثنى. ومن العرب من يلزم المثنى الألف رفعًا ونصبًا وجرًا وعليه ورد حديث (لا وتران في ليلة) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وهو حديث صحيح. فـ (لا) نافية للجنس. (وتران) اسمها مبني على الألف في محل نصب (في ليلة) خبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 نحو: قدم المجاهدون. فهو اسم دال على أكثر من اثنين. بزيادة في آخره وهي الواو والنون. صالح للتجريد من هذه الزيادة فتقول: مجاهد. وعطف أمثال هذا المجرد عليه فتقول: قدم مجاهد من الشام ومجاهد من العراق ومجاهد من مصر. وحكمه: أنه يرفع بالواو نيابة عن الضمة نحو يفوز الرجال العاملون فـ (العاملون) صفة لـ (الرجال) وصفة المرفوع مرفوع وعلامة رفعه الواو، لأنه جمع مذكر سالم. وينصب ويجر بالياء نحو: ساعدت الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. فـ (الآمرين) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء، لأنه جمع مذكر سالم. وتقول: يرضى الله عن المحسنين. فـ (المحسنين) اسم مجرور بـ (عن) وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم. قوله: (وَكِلاَ وكِلْتَا مَعَ الضَّمِيرِ كَالْمُثَنَّى) . لما ذكر المثنى شرع في ذكر ملحقاته وهي التي لا ينطبق عليها التعريف كما تقدم، وهي أربعة (كلا، وكلتا، واثنان، واثنتان) . أما كلا وكلتا فهما من الأسماء الملازمة للإضافة، ولهما حالتان: الأولى: أن يضافا إلى الضمير، فيعربان إعراب المثنى. نحو: اتفق الشريكان كلاهما، وخرجت البنتان كلتاهما. رأيت الطالبين كليهما. رأيت الأختين كلتيهما. بُرَّ بوالديك كليهما. سلمت على الخالتين كلتيهما. فـ (كلاهما) كلا: توكيد معنوي لما قبله. مرفوع مثله. وعلامة رفعه الألف لأنه ملحق بالمثنى. والهاء مضاف إليه، و (ما) علامة التثنية. و (كليهما) منصوب بالياء، و (بوالديك كليهما) مجرور بالياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 الثانية: أن يضافا إلى الاسم الظاهر، فتلزمها الألف، ويعربان إعراب الاسم المقصور. وذلك بالحركات المقدرة. نحو: جاء كلا الرجلين، ورأيت كلا الرجلين، ومررت بكلا الرجلين. فـ (كلا) فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. وكذا يقال في حالتي النصب والجر. وهذه الحالة تفهم من كلام المصنف، لأنه لما قال: (مع الضمير كالمثنى) علم أنهما مع الاسم الظاهر ليس كذلك، وإلا لم يكن لتخصيص الضمير فائدة. قوله: (وَكَذَا اثْنَانِ واثْنَتَانَ مُطْلَقاً وإِنْ رُكِّبَا) . ذكر الثالث والرابع مما يلحق بالمثنى وهما: اثنان واثنتان. فيعربان إعراب المثنى مطلقًا. أي بلا شرط، سواء كانا مفردين - أي غير مضافين - وهو الغالب. نحو: حضر في المسجد اثنان. ورأيت اثنين. وسلمت على اثنين. فـ (اثنان) فاعل مرفوع بالألف لأنه ملحق بالمثنى. أو كانا مضافين نحو: هذان اثنا زيدٍ، فـ (اثنا) خبر مرفوع بالألف. و (زيد) مضاف إليه. وكذا إن كانا مركبين نحو: حضر في الفصل اثنا عشر طالباً. ورأيت اثني عشر طالبًا. ودخلت على اثني عشر طالبًا. فـ (اثنا) فاعل مرفوع بالألف لأنه ملحق بالمثنى و (عشر) مبني على الفتح لا محل له. قوله: (وَأولو وعِشْرُونَ وأَخَوَاتُهُ) . لما ذكر جمع المذكر السالم شرع في ذكر ملحقاته. وهي التي لا ينطبق عليها التعريف. ولم تتحقق فيها الشروط، ولكنها تعرب إعرابه، وذلك أن الذي يجمع من الكلمات جمعًا مذكرًا سالمًا نوعان: - الأول: العلم، نحو: حضر المحمدون، بخلاف: رجل، فلا يجمع، ما لم يصغر. فإن صغر جاز جمعه، كرجيلون. الثاني: الصفة، نحو: لا تصغِ إلى الكاذبين. والمراد بها ما دل على معنى وذات. وشروط العلم أربعة: 1- أن يكون لمذكر. فإن كان لمؤنث كزينب، لم يجمع. 2- أن يكون لعاقل، فإن كان لغير عاقل كـ (لاحق) علم على فرس، لم يجمع. 3- أن يكون خاليًا من التاء، فإن كان فيه تاء كـ (طلحة) ، لم يجمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 4- أن يكون خاليًا من التركيب، فإن كان مركبًا كـ (بعلبك) ، لم يجمع. وشروط الصفة ستة: 1- أن تكون لمذكر. فإن كانت لمؤنث كـ (حائض) ، لم تجمع. 2- أن تكون لعاقل. فإن كانت لغير عاقل كـ (سابق) صفة لفرس، لم تجمع. 3- أن تكون خالية من تاء التأنيث. فإن كانت غير خالية كـ (علامة) لم تجمع. 4- ألا تكون من باب (أفعل فعلاء) فإن كانت من باب (أفعل) الذي مؤنثه (فعلاء) لم تجمع كـ (أخضر خضراء) . 5- ألا تكون من باب (فعلان فعلى) فإن كانت من باب (فعلان) الذي مؤنثه (فعلى) لم تجمع كـ (شبعان وشبعى) . 6- ألا تكون مما يستوي فيه المذكر والمؤنث. فإن كانت منه لم تجمع كـ (صبور) فإنه يقال: خالد صبور. وهند صبور. فالملحقات التي ذكر المصنف - رحمه الله - لم تتحقق فيها هذه الشروط كما سنبين إن شاء الله. وقوله: (أولو) مبتدأ، وخبره قوله: (كالجمع) كما سيأتي - إن شاء الله - فـ (أولو) ملحق بجمع المذكر. لأنه لا مفرد له من لفظه. فيعرب إعراب الجمع، تقول: جاء أولو العلم، رأيت أولي العلم، واستمعت إلى أولي العلم. فـ (أولو) فاعل مرفوع بالواو، لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، و (العلم) مضاف إليه، وكذا ما بعده. قال تعالى: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (1) ، وقال تعالى: {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (2) ، وقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (3) ففي الأولى مرفوع بالواو، لأنه فاعل، وفي الثاني منصوب بالياء، لأنه منادي، وفي الثالث مجرور بالياء.   (1) سورة البقرة، آية: 269. (2) سورة البقرة، آية: 197. (3) سورة الزمر، آية: 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 قوله: (وَعِشْرُونَ وأَخَوَاتُهُ) المقصود بـ (أخواته) : الأعداد من ثلاثين إلى تسعين بدخول الغاية، وهي ملحقة بجمع المذكر لأنه ليس لها مفرد. فتعرب إعراب الجمع. نحو: عندي عشرون كتابًا. اشتريت عشرين كتاباً، استفدت من عشرين كتاباً، فـ (عشرون) مبتدأ مؤخر مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكر، قال تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (1) وقال تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (2) وقال تعالى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (3) . قوله: (وعَالَمُونَ) مفرده (عَالَم) ولكنه ليس بعلم ولا صفة، بل هو بمنزلة اسم الجنس. لأن المراد به: كل من سوى الله تعالى. فهو ملحق بجميع المذكر فيعرب إعرابه. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (4) فـ (العالمين) اسم مجرور وعلامة جره (الياء) لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. قوله: (وَأَهْلُونَ) مفرده (أهل) ، ولكنه ليس بعلم ولا صفة. بل هو اسم جامد. فهو ملحق بالجمع. فيعرب بإعرابه. نحو: أهلونا نحرص على تربيتهم. فـ (أهلونا) مبتدأ مرفوع بالواو لأنه ملحق بالجمع. و (نا) مضاف إليه، قال تعالى: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} (5) وقال تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} (6) وقال تعالى: {إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} (7) فالأول فاعل، والثاني مفعول به. والثالث مجرور. قوله: (وَوَابلُونَ) مفرد (وابل) وهو المطر الغزير، وهو ملحق بالجمع، لأنه ليس بعلم ولا صفة وهو - أيضاً - لغير العاقل.   (1) سورة الأنفال، آية: 65. (2) سورة الأحقاف، آية: 15. (3) سورة المعارج، آية: 4. (4) سورة العنكبوت، آية 6. (5) سورة الفتح، آية: 11. (6) سورة المائدة، آية: 89. (7) سورة الفتح، آية: 12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 قوله: (وَأرَضُونَ) بفتح الراء، جمع (أرض) وهو علم لمؤنث. ولم يسلم فيه بناء المفرد عند جمعه، فإن مفرده (أرض) بسكون الراء. والجمع بفتحها. وجمع المذكر السالم لابد أن يسلم فيه بناء المفرد فلا يحصل فيه تغيير لا في حركة ولا في حرف من زيادة أو نقصان عدا الواو والنون والياء والنون. وقوله: (وَسِنُونَ وبَابُهُ) سنون: مفرد هـ (سنة) وهو ليس بعلم. وهو لمؤنث، ومختوم بالتاء، ولغير العاقل. فهو ملحق بجمع المذكر السالم في إعرابه بالواو رفعًا وبالياء نصبًا وجرًا. نحو: هذه سنونَ خِصبٍ، أقمت عنده سنين، درست النحو خمسين سنين. وقوله: (وَبَابُهُ) أي باب سنين. والمراد به: كل اسم ثلاثي حذفت لامه (1) وعوض عنها تاء التأنيث المربوطة، ولم يعرف له عند العرب جمع تكسير معرب بالحركات و (سنة) اسم ثلاثي أصله (سَنَوٌ) بدليل جمعه على (سنوات) حذفت لامه وهي (الواو) لأن وزنه (فَعَلٌ) وعوض عنها تاء التأنيث. وليس له جمع تكسير في اللغة العربية. ومثله: عِضَةٌ (بمعنى: كذب وافتراء) وجمعها: عِضُون. وأصل المفرد: عِضَوٌ. فهو اسم ثلاثي حذفت لامه. وعوض عنها تاء التأنيث. وليس له جمع تكسير. قال تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ (91) } (2) فـ (عضين) مفعول ثان لـ (جعل) منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. والمعنى: أنهم فرَّقوا القول في القرآن فقال بعضهم: سحر، وقال بعضهم: كهانة، وقال بعضهم: أساطير الأولين.   (1) اللام هي الحرف الثالث الأصلي للكلمة. سميت لاما لأنها تقابل اللام في الميزان الصرفي (فعل) . فمثلاً: سنوٌ السين فاء الكلمة والنون عين الكلمة والواو لام الكلمة. (2) سورة الحجر، آية: 91. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 ومثله عِزَةٌ (بكسر العين وفتح الزاي وهي الفرقة من الناس) وجمعها: عِزُون، قال تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) } (1) فـ (عزين) حال منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. والمعنى: أنهم جماعات عن يمين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعن شماله. قوله: (وبنون) هذا جمع مفرده: (ابن) لكنه لم يسلم من التغيير، فقد حذفت منه الهمزة وتحركت الباء، فأُلحق بجمع المذكر السالم في إعرابه بالحروف، قال تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) } (2) وقال تعالى: {جعل لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} (3) ، وقال تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) } (4) . ففي الآية الأولى: مبتدأ مؤخر مرفوع بالواو، وفي الثانية: مفعول به منصوب لـ (جعل) وعلامة نصبه الياء وفي الثانية: مجرور وعلامة جره الياء. قوله: (وعِليُّون) هو اسم لأعلى الجنة، وهو في الأصل جمع، ثم سُمِّي به، فلذا أُلحق بهذا الجمع، فأعرب إعرابه، قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) } (5) فالأولى مجرورة بالياء. والثانية مرفوعة بالواو على أنها خبر (ما) . قوله: (وشبهه) أي: شبه عليين مما هو في الأصل جمع ثم سمى به كـ (زيدون) - علماً - فتقول: هذا زيدونَ، ورأيت زيدينَ ومررت بزيدينَ. فنعربه إعراب هذا الجمع. قوله: (كالجمع) خبر المبتدأ، وهو قوله: (أولو) وما عُطف عليه - كما تقدم - أي: جميع ما ذكر كالجمع المذكر السالم في إعرابه بالحروف. 4- ما جمع بألف وتاء   (1) سورة المعارج، آية: 37. (2) سورة الطور، آية: 39. (3) سورة النحل، آية: 72. (4) سورة الشعراء، آية: 133. (5) سورة المطففين، آية 18، 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 قوله: (وَأُولات ومَا جُمَعَ بِأَلِفٍ وتَاءَ مزيدَتَيْن ومَا سُمِّي بهِ مِنْهُمَا فَيُنْصَبُ بالْكَسْرَةِ نحو: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ} (1) و {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ} (2)) . هذا الباب الرابع مما يعرب بالعلامات الفرعية. وهو ما جمع بألف وتاء مزيدتين. وبعضهم يقول: جمع المؤنث السالم. والتسمية الأولى أجود، لأن بعض المفردات التي جمعت هذا الجمع ليست مؤنثة مثل: اصطبل واصطبلات. وحمَّام وحمَّامات. كما أن بعض المفردات تغيرت فلم تسلم عند الجمع مثل: سَجْدَة وسَجَدات. وحُبْلى وحُبْليات، وصحراء وصحروات، لكن ما دام أنه اصطلح على هذه التسمية فلا مانع من إطلاقها. ويكون قولنا: (المؤنث السالم) ليس قيدًا. وقوله: (مَا جُمَعَ بِأَلِفٍ وتَاء) أي بسبب ألف وتاء. والمعنى: أن الدلالة على الجمع بسبب وجود الألف والتاء. نحو: جاءت فاطمة. فهذا مفرد. فإذا قلنا: جاءت الفاطمات. صار جمعاً بسبب الألف والتاء. وهذا يقتضي ألا تكون الألف أو التاء موجودة في المفرد. ولهذا قال: (مزيدتين) مع أن هذه اللفظة لا يحتاج إليها إن كانت الباء في قوله (بألف وتاء) سببية. وإنْ كانت للمصاحبة فلابد من قيد الزيادة (3) . وحكم هذا الجمع أنه يرفع بالضمة على الأصل نحو: فازت المتحجباتُ، وينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة نحو: هنَّأت المتحجبات فـ (المتحجبات) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة، لأنه جمع مؤنث سالم. وأما الجر فهو: بالكسرة على الأصل نحو: أثنيت على المتحجباتِ.   (1) سورة العنكبوت، آية: 44. (2) سورة الصافات، آية: 153. (3) لأن مثل: قضاة وأبيات جمع فيه ألف وتاء وليس مما نحن فيه - كما سيأتي - والأظهر أن (الباء) متعلقة بالفعل (جُمع) وعليه فلا داعي لقيد الزيادة إلا لغرض التوضيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 فيخرج بالألف الزائدة: الألف الأصلية نحو: قضاة وغزاة، فإن التاء فيهما وإن كانت زائدة. إلا أن الألف فيهما أصلية، لأنها منقلبة عن أصل، لأن أصل (قضاة) قُضَيَة (بضم القاف وفتح الضاد والياء) لأنها من (قَضَيت) تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا فصارت (قضاة) . فينصب بالفتحة على الأصل نحو: أكرمت قضاةَ البلد. ويخرج بالتاء المزيدة: التاء الأصلية، كتاء بيت وأبيات، وميت وأموات، وصوت وأصوات، فإن التاء فيها أصلية بدليل وجودها في المفرد. فلا يكون مما جُمع بألف وتاء، بل ينصب بالفتحة على الأصل قال تعالى: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} (1) فـ (أمواتًا) خبر (كان) منصوب بها وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. وقال تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} (2) . فـ (أصوات) مفعول به منصوب بالفتحة. (3)   (1) سورة البقرة، آية: 28. (2) سورة الحجرات، آية: 2. (3) إذا قلت: بنت وبنات. فهذا الجمع ينصب بالكسرة. وصوت وأصوات هذا الجمع ينصب بالفتحة مع أن التاء في مفرد كل منهما، والفرق أن الدلالة على الجمع في الأول بسبب الزيادة. والثاني بسبب الصيغة؛ لأنه على وزن من أوزان جموع التكسير فاعرف ذلك فإنه نافع في هذا الباب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 قوله: (وَأُولات) هذا الأول مما يلحق بجمع المؤنث السالم، لأنه لا مفرد له من لفظه بل من معناه. وهو (صاحبات) ومفرده (صاحبة) ، وهو ملازم للإضافة لاسم جنس (1) ظاهر، ولهذا يعرب إعراب الجمع بدون تنوين. تقول: جاءت أولاتُ أدب، ورأيت أولاتِ أدب، ومررت بأولاتِ أدب. قال تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (2) فـ (أولات الأحمال) مبتدأ مرفوع بالضمة، (والأحمال) مضاف إليه، والجملة بعده خبر، والتقدير: (أجلُهن وَضْعُ حمِلهن) وقال تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} (3) فـ (أولات حمل) خبر (كان) منصوب بالكسرة. واسمها نون الإناث المدغمة في نون (كان) . قوله: (ومَا سُمِّي بِهِ مِنْهُمَا) هذا النوع الثاني مما يلحق بهذا الجمع. وهو ما سمي به من هذا الجمع وملحقاته. وهو المراد بقوله: (منهما) أي ما سمي به من لفظ (أولات) وما سمي به مما جمع بألف وتاء، والمراد بالتسمية أن ينقل لفظ الجمع إلى العلمية فَيُنزَّل منزلة المفرد. نحو (فاطمات، زينبات) ونحوهما مما صار علماً على امرأة. ومثله: (عرفات) (علم على المشعر المعروف) . تقول: هذه عرفاتٌ، ورأيت عرفاتٍ، ومررت بعرفاتٍ. فترفعه بالضمة، وتنصبه وتجره بالكسرة مع التنوين (4) مراعاة لظاهره، وهو أنه جمع مع أن مدلوله مفرد (5) ، ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} (6) 5- ما لا ينصرف   (1) تقدم تعريف اسم الجنس في باب الأسماء الستة. (2) سورة الطلاق، آية: 4. (3) سورة الطلاق، آية: 6. (4) هذا تنوين المقابلة الذي يحلق جمع المؤنث السالم. (5) من العرب من يحذف التنوين. ومنهم من يعربه إعراب الممنوع من الصرف مراعاة لمفرده وهو أنه علم مؤنث مفرد فيمنع من الصرف للعلمية والتأنيث. (6) سورة البقرة، آية: 198. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 قوله: (وَمَا لاَ يَنْصَرِفُ فَيُجرُّ بِالْفَتْحَةِ نَحْوُ بِأَفْضَلِ مِنْهُ إِلاَّ مَعَ أَلْ نَحْوُ بِالأَفْضَلِ أَوْ بِالإِضَافَةَ نَحْوُ بِأَفْضَلِكُمْ) . هذا الباب الخامس مما خرج عن الأصل وأعرب بعلامة فرعية، وهو الممنوع من الصرف. أي الممنوع من التنوين. وهو: الاسم المعرب الذي لا يدخله التنوين، لوجود علتين من علل تسع، أو واحدة تقوم مقامها. مثل: أحمد. فيه العلمية ووزن الفعل. و (عطشان) فيه الوصفية وزيادة الألف والنون. و (مساجد) فيه علة واحدة، وهي صيغة منتهى الجموع. وهو يرفع بالضمة. وينصب بالفتحة. ويجر بالفتحة - أيضًا - نيابة عن الكسرة. نحو: حضر أحمدُ، رَدَّ الله يوسفَ إلى يعقوبَ. ويستثنى من ذلك مسألتان يجر فيهما الممنوع من الصرف بالكسرة على الأصل: الأولى: إذا كان مضافاً (1) نحو: وعظت في مساجدِ القرية. ونحو: مررت بأفضلِكم. الثانية: إذا كان مقترناً بأل نحو: سألت عن الأفضلِ من الطلاب. وسيأتي إن شاء الله تعالى شرح لهذا الباب في آخر الكتاب عند ذكر علامات منع الاسم من الصرف. 6- الأمثلة الخمسة قوله: (وَالأَمْثِلةَ الْخَمَسْةَ وهِيَ تَفْعَلاَنِ وتَفْعَلُونَ بِالْيَاءِ والتَّاءِ فِيهمَا وتَفْعَلينَ فَتُرْفَعُ بثُبُوتِ النُّونِ وتُجْزَمُ وتُنْصَبُ بِحَذْفِهَا نَحْو: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} (2)) . هذا الباب السادس مما خرج عن الأصل وأعرب بعلامات فرعية وهو باب الأمثلة الخمسة. وهذا التعبير أولى من (الأفعال الخمسة) ، لأن هذه ليست أفعالاً بعينها كالأسماء الستة. وقوله: (والأمثلة) معطوف على ما تقدم، منصوب بالفتحة. والأمثلة الخمسة هي: 1- كل مضارع متصل بألف تدل على اثنين غائبين نحو: الرجلان يجريان.   (1) فإن كان مضافاً إليه جر بالفتحة نحو: كتابُ يوسفَ جديدٌ. (2) سورة البقرة، آية: 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 2- كل مضارع متصل بألف تدل على اثنين مخاطبين نحو: أنتما تصلحان بين الناس. 3- كل مضار متصل بواو تدل على جماعة الغائبين نحو: العلماء يحفظون الشريعة. 4- كل مضارع متصل بواو تدل على جماعة المخاطبين نحو: أنتم تهذبون الأخلاق. وإلى هذه الأربعة أشار المصنف بقوله: (وهي تفعلان وتفعلون. بالياء والتاء فيهما) فالياء للغائب. والتاء للمخاطب. 5- كل مضارع متصل بياء تدل على المخاطبة نحو: أنت تهذبين الأطفال. وحكمهما: ترفع بثبوت النون نيابة عن الضمة نحو: المؤمنون يؤمنون بالغيب. فـ (يؤمنون) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون نيابة عن الضمة، لأنه من الأمثلة الخمسة، والواو فاعل، قال تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} (1) وقال تعالى: {فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} . (2) وتنصب وتجزم بحذفها نيابة عن السكون والفتحة (3) نحو: اختلف الشريكان ولم يتفقا، فعل مضارع مجزوم بـ (لم) وعلامة جزمه حذف النون، لأنه من الأمثلة الخمسة. ونحو: المجدون لن يتأخروا. فـ (يتأخروا) فعل مضارع منصوب بـ (لن) وعلامة نصبه حذف النون. والألف والواو في المثالين: فاعل. قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} (4) فالأول مجزوم بحذف النون (5) . والثاني منصوب بحذفها أيضًا. 7- الفعل المضارع المعتل   (1) سورة الصف، آية: 2. (2) سورة المائدة، آية: 107. (3) قد تحذف النون لغير ناصب أو جازم كقوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا. ولا تؤمنوا حتى تحابوا" - رواه مسلم برقم (93) - فحذفت النون في قوله: (ولا تؤمنوا) لغير ناصب أو جازم وهي لغة صحيحة. قليلة الاستعمال. (4) سورة البقرة، آية: 24. (5) لكن ما الذي جزم المضارع، أهو (إن) أم (لم) ؟ سيأتي ذلك في جوازم المضارع عند الكلام على (لم) إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 قوله: (وَالْفِعْلَ الْمُضَارعَ الْمُعْتَلَّ الآخِرِ، فَيُجْزَمُ بِحَذْفِ آخِرِهِ نَحْوُ لَمْ يَغْزُ ولَمْ يَخْشَ ولَمْ يَرْمِ) . هذا الباب السابع مما خرج عن الأصل وأعرب بعلامات فرعية وهو الفعل المضارع المعتل الآخر. وهو ما في آخره واو كـ (يدعو) أو ألف كـ (يخشى) أو ياء كـ (يرمي) . فهذا يرفع بضمة مقدرة على الألف والواو والياء نحو: ينهى الإسلام عن الكذب، المؤمن يدعو إلى الإسلام بأخلاقه، العاقل يهتدي بنصح المجربين، فـ (ينهى) فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر و (يدعو) فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل. ومثله (يهتدي) . وينصب بفتحة مقدرة على الألف نحو: لن يسعى العاقل فيما يضره. فـ (يسعى) فعل مضارع منصوب بـ (لن) وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. وبفتحة ظاهرة على الواو والياء. نحو: لن يدعوَ المؤمن إلا ربه، فـ (يدعو) فعل مضارع منصوب بـ (لن) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، ونحو: لن يرتقيَ الحسود. وإعرابه كسابقه. ويجزم بحذف حرف العلة الذي في آخره. وهذا هو الذي خرج فيه الفعل المعتل عن الأصل. وأما الرفع والنصب فهما باقيان على الأصل، إلا أنهما قد يكونا ظاهرين أو مقدرين. وسيأتي ذكر ذلك في الإعراب التقديري. ومثال المعتل بالألف المجزوم: لا تنسَ وعدك. فـ (لا) ناهية. و (تنس) فعل مضارع مجزوم بـ (لا) وعلامة جزمه حذف حرف العلة وهو الألف. ومثال المعتل بالواو: لا تدعُ غير الله. ومثال المعتل بالياء: لم يهتدِ الناس إلا بهذا الدين. الإعراب التقديري قوله: (تُقَدَّرُ جمِيعُ الْحَرَكاتِ في نَحْوِ غُلاَمِي والْفَتَى ويُسَمَّى الثَّاني مَقْصُوراً) . تقدم أن علامات الإعراب نوعان: 1- علامات ظاهرة. وهي الأصل، وتقدمت أمثلتها. 2- علامات مقدرة. وهذا الفصل معقود لذكرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 والمراد بالإعراب التقديري: أن العلامة الإعرابية - كالضمة أو الفتحة - لا تظهر على الحرف الأخير من اللفظ المعرب لسبب مما يأتي. (1) والذي يقدر فيه الإعراب خمسة أنواع: - 1- الاسم المضاف لياء المتكلم. فتقدر فيه حركات الإعراب جميعها لا لكون الحرف الآخر منه لا يقبل الحركة لذاته. بل لأجل ما اتصل به وهو (الياء) . فمثال الرفع: كتابي جديد، والنصب: حفظت كتابي من الضياع، والجر: نقلت من كتابي، فـ (كتابي) مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. وهو مضاف والياء مضاف إليه. وفي المثال الثاني (كتابي) مفعول به منصوب بفتحة مقدرة.. الخ. وفي الثالث مجرور بكسرة مقدرة ... إلى آخره. (2) 2- المقصور: وهو كل اسم معرب آخره ألف لازمة. وتُقَدَّر فيه جميع حركات الإعراب. لأن آخره ألف، والألف لا تقبل الحركة لذاتها.   (1) الإعراب التقديري غير الإعراب المحلي. فالتقديري يكون في الأسماء المعربة أو الأفعال وهو على الحرف الأخير فقط. أما الإعراب المحلي فهو في الأسماء المبنية والجمل التي لها محل من الإعراب وهو على الكلمة المبنية كلها. فإذا قلت: هذا كتاب. فـ (ذا) اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. ومعنى (في محل رفع) : أننا لو وضعنا كلمة معربة مكان اسم الإشارة لكانت مرفوعة.. وهكذا لو قلت: رأيت طفلاً يبكي، فجملة (يبكي) في محل نصب صفة، فإنك لو قلت: رأيت طفلاً باكيًا. لكانت الصفة المفردة منصوبة فالجملة في محل نصب. (2) أو يقال مجرور بالكسرة الظاهرة، وهو أيسر من التقدير ما دام أن الكسرة موجودة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 فمثال الرفع: رضا الوالدين سعادة للولد، فـ (رضا) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. مثال النصب: لا تتبع الهوى. فـ (الهوى) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. ومثال الجر: الحِمْيةُ نافعة للمرضى. فـ (المرضى) اسم مجرور بـ (اللام) وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. 3- قوله: (وَالضَّمَّةُ والْكَسْرَةُ فِي نَحْوِ الْقَاضِي ويُسَمَّى مَنْقُوصاً) . هذا النوع الثالث مما يعرب بالحركات المقدرة وهو المنقوص. وهو: اسم معرب آخره ياء لازمة غير مشددة، قبلها كسرة نحو: القاضي، الساعي، الداني. فهذا يقدر عليه من علامات الإعراب الضمة والكسرة للثقل نحو: الساعي للخير كفاعله. فـ (الساعي) مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل، ونحو: على الباغي تدور الدوائر. فـ (الباغي) اسم مجرور وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل. 4- قوله: (وَالضَّمَّةُ والْفَتْحَةُ في نَحْوِ يَخْشَى) . هذا النوع الرابع مما يعرب بالحركات المقدرة. وهو الفعل المضارع المعتل بالألف فتقدر فيه الضمة والفتحة. نحو: المتقي يخشى ربه، فـ (يخشى) فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، ونحو: لن يرضى العاقل بالأذى، فـ (يرضى) فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر. 5- قوله: (وَالضَّمَّةُ في نَحْوُ يَدْعُو ويَقْضِي) . هذا النوع الخامس مما يعرب بالحركات المقدرة. وهو الفعل المضارع المعتل بالواو والياء فتقدر فيه الضمة نحو: الموحِّد لا يدعو إلا الله. فـ (يدعو) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعة ضمة مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل. ونحو: أنت تربي أولادك على الفضيلة، فـ (تربي) فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 قوله: (وَتَظْهَرُ الْفَتْحَةُ في نَحْوِ إِنَّ الْقَاضِيَ لَنْ يَقْضِىَ وَلَنْ يَدْعُوَ) . أي أن الفتحة - لخفتها - تظهر مع الياء في الأسماء والأفعال. وعلى الواو في الأفعال. نحو: (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتشيَ) (1) فـ (الراشيَ) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. وكذا (المرتشيَ) . ونحو: لن تعطيَ الفقير شيئاً إلا أُجِرْتَ عليه. فـ (تعطى) فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. ونحو: (لن يسموَ أحد إلا بأدبه) وإعرابه كالذي قبله. إعراب الفعل المضارع 1- رفع الفعل المضارع قوله: (يُرْفَعُ الْمُضَارعُ خَالِيًا مِنْ نَاصِبٍ وجَازِمٍ نَحْوُ يَقُومُ زَيدٌ) تقدم أن المضارع له حالتان: حالة إعراب، وحالة بناء. وتقدم البحث في بنائه. وهذا بحث في إعرابه. وهو إما رفع أو نصب أو جزم. وقوله: (خَالِيًا مِنْ نَاصِبٍ وجَازِمِ) أي: أن الذي رفع المضارع هو خلوه وتجرده من الناصب والجازم، نحو: يقوم خالد بواجبه. فـ (يقوم) فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والرافع للمضارع - وهو التجرد - عامل معنوي ليس له وجود في الكلام كالعامل اللفظي، فإن دخل عليه ناصب نصبه وهو عامل لفظي. أو جازم جزمه، وهو عامل لفظي. وسيأتي ذلك مفصلاً. واعلم أن المصنف لم يقيد المضارع بكونه خاليًا من النونين: نون التوكيد ونون الإناث، لأنه يُعلم مما تقدم. 2- نصب الفعل المضارع قوله: (وَيُنْصَبُ بِـ لَنْ، نَحْوُ: {لَنْ نَبْرَحَ} (2)) . شرع المصنف - رحمه الله - في الحالة الثانية للمضارع المعرب وهي النصب. فينصب إذا تقدم عليه أحد النواصب الأربعة، وهي:   (1) أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي وهو حديث صحيح. (2) سورة طه، آية: 91. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الأول: (لن) وهي حرف نفي واستقبال أي: نفي الحدث في الزمان المستقبل. لأنها إذا دخلت على المضارع صار خاصاً بالمستقبل نحو: لن يحضر الضيف. قال تعالى: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} (1) فـ (لن) حرف نفي واستقبال ينصب الفعل المضارع. و (نبرح) فعل مضارع ناقص. يرفع الاسم وينصب الخبر. منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. واسمه ضمير مستتر وجوبًا تقديره (نحن) ، والخبر (عاكفين) . قوله: (وَبَكَيِ الْمَصْدَرِيَّةِ نَحْوُ {لِكَيلَا تَأْسَوْا} (2)) . الناصب الثاني للمضارع (كي) المصدرية. وعلامة المصدرية أن تسبق بـ (لام) التعليل، نحو: جئت لكي أستفيدَ. فـ (لكي) اللام حرف جر. و (كي) حرف مصدري ونصب و (أستفيدَ) فعل مضارع منصوب بـ (كي) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره (أنا) و (كي) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور باللام، والتقدير: جئت للاستفادة. قال تعالى: {لِكَيلَا تَأْسَوْا} (3) أي: تحزنوا، فـ (تأسوا) فعل مضارع منصوب بـ (كي) وعلامة نصبه حذف النون، لأنه من الأمثلة الخمسة. والواو: فاعل. و (كي) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور باللام، والتقدير: لعدم أساكم. (4) وإنما قال المصنف: (المصدرية) احترازاً من (كي) التعليلية وهي التي تقع بعدها (أنْ) المصدرية نحو: جئت كيما أن تزورني غداً. فيتعين أن تكون (كي) حرف جر للتعليل. و (أن) هي الناصبة للمضارع. قوله: (وَبِإِذَنْ مُصَدَّرَةً وهُوَ مُسْتَقْبَلٌ مُتَّصِلٌ، أَوْ مُنْفَصِلٌ بِقَسَمٍ نَحْوُ: إِذَنْ أُكْرِمَكَ. وإِذَنْ والله نَرْمِيَهُمْ بِحَرْبٍ) .   (1) سورة طه، آية: 91. (2) سورة الحديد، آية: 23. (3) سورة الحديد، آية: 23. (4) قال في المصباح: وأسِىَ أسىً من باب تَعِبَ: حزن فهو أسِيٌّ مثل حزين اهـ وجئنا في التقدير بكلمة (عدم) من (لا) النافية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 هذا الناصب الثالث وهو (إذن) وهي حرف جواب وجزاء غالبًا فإذا قلت لمن قال: أزورك غدًا إن شاء الله: (إذن أكرمك) فقد أجبته وجعلت إكرامك جزاء زيارته. ولا تنصب المضارع إلا بثلاثة شروط ذكرها المصنف. الأول: أن تكون مصدرة، أي: في أول الكلام. فإن كانت في وسط الكلام لم تنصب المضارع نحو: أنا إذن أكرمُك. برفع المضارع بعدها. الثاني: أن يكون المضارع مستقبلاً. فإن كان حالاً أهملت. كما لو حدثك إنسان بحديث فقلت له: إذن أصدقك، برفع المضارع، أي أصدقك في الحال لا في المستقبل. الثالث: أن يكون المضارع متصلاً بها لم يفصل بينهما فاصل. فإن كان فاصل أهملت، كأن يقول لك: أزورك غدًا إن شاء الله. فتقول: إذن أخي يكرمك، برفع المضارع. وقوله: (أَوْ مُنْفَصِلٌ بَقَسَمٍ) هذا مستثنى من الفصل. والمعنى أن الفصل بالقسم لا يؤثر على عمل (إذن) نحو: أزورك غدًا. فتقول: (إذن والله أكرمَك) بنصب المضارع. وقوله: (نَحْوُ إِذَنْ أُكْرِمَكَ) هذا مثال جمع الشروط الثلاثة. فـ (إذن) حرف جواب وجزاء ونصب. و (أكرم) فعل مضارع منصوب بـ (إذن) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. وقوله: (وَإِذَنْ والله نَرْمِيَهُمْ بِحَرْبٍ) هذا شطر بيت وهو بتمامه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 إذن والله نرميهم بحرب … … تُشِيبُ الطفلَ من قبل المشيب (1) وساقه المصنف شاهدًا على أن المضارع نُصِبَ بـ (إذن) مع الفصل بينهما بالقسم وهو (والله) . قوله: (وبِأَن الْمَصْدَريَّةِ ظَاهِرَةً نَحْوُ: {أَنْ يَغْفِرَ لِي} (2) مَا لَمْ تُسْبَقْ بِعِلْم نَحْوُ: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} (3) ، فَإن سُبِقَتْ بِظَنٍّ فَوَجْهَانِ نَحْوُ: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (4) . هذا الناصب الرابع من نواصب المضارع وهي (أن المصدرية) . وهي أقوى النواصب لأنها تعمل ظاهرة ومقدرة. وإنما أخرها المصنف لطول الكلام فيها، و (أن المصدرية) هي المنسبكة مع مدخولها بالمصدر. نحو: يسرني أن تزورنا. فـ (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل (يسر) أي: يسرني زيارتك لنا. وقيدت بالمصدرية احترازًا من (أن) المفسِّرة. و (أن) الزائدة. و (أن) المخففة من الثقيلة.   (1) إعرابه: إذن: حرف جواب وجزاء ونصب (والله) الواو: حرف قسم وجر. ولفظ الجلالة اسم مقسم به مجرور. والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف. (نرميهم) نرمي: فعل مضارع منصوب بـ (إذن) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: نحن. والهاء مفعول به والميم علامة الجمع. (بحرب) جار ومجرور متعلق بـ (نرمي) (تشيب) فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره (هي) يعود إلى الحرب (الطفل) مفعول به. والجملة في محل جر صفة لـ (حرب) (من قبل) جار ومجرور متعلق بـ (تشيب) و (المشيب) مضاف إليه. (2) سورة الشعراء، آية: 82. (3) سورة المزمل، آية: 20. (4) سورة المائدة، آية: 71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 أما المفسِّرة فهي التي تأتي لإفادة التبيين والتفسير، فتكون بمعنى (أي) المفسرة، وهي المسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه، كما في قوله تعالى: {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ} (1) فجملة (إذ أوحينا ... ) فيها معنى القول دون حروفه، و (ما يوحى) هو عين (اقذفيه في اليم) في المعنى. وأما الزائدة فهي الواقعة بعد (لما) الحينية؛ كقوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} (2) أو قبل (لو) كقوله تعالى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) } (3) . وهي تفيد تقوية المعنى وتوكيده. وقوله: (ما لم تسبق ... إلخ) هذا في بيان ضابط (أنْ) المصدرية، والتفريق بينها وبين (أنْ) المخففة من الثقيلة التي تذكر في باب (إنَّ) وللفرق بين المصدرية والمخففة نقول: اعلم أن لـ (أن) ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يتقدم عليها ما يدل على اليقين والتحقق. مثل: علم، وأيقن ونحوهما. فهذه مخففة من الثقيلة. تنصب الاسم وترفع الخبر. ولها ثلاثة أحكام: - 1- أن اسمها ضمير الشأن (4) محذوف. 2- رفع المضارع بعدها. 3- فصل المضارع منها - في الغالب - بحرف من حروف أربعة: -قد. -أحد حرفي التنفيس (أي الاستقبال وهما: السين، وسوف) . -أحد حروف النفي الثلاثة: لا، لن، لم. -لو.   (1) سورة طه، آية: 38، 39. (2) سورة يوسف، آية: 96. (3) سورة الجن، آية: 16. (4) ضمير الشأن: ضمير يأتي في صدر جملة بعده، تفسر دلالته وتبين المراد منه. سمي بذلك لأنه يرمز للشأن. والمراد به: مضمون الكلام. ومن أحكامه: أنه يعود على ما بعده، وأنه لابد أن يكون مبتدأ أو اسماً لناسخ. وأنّ مفسره لا يكون إلا الجملة. وتكون خبرًا له أوللناسخ، وصيغته (هو) أو (هي) فلا يكون للمثنى ولا للجمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وهذا الفصل للتفريق بينها وبين المصدرية. وسيأتي إن شاء الله الكلام على ذلك في باب (إن وأخواتها) . مثالها: أيقنت أنْ سيندمُ الظالمون، فـ (أن) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشِأن محذوف. وتقديره: أنه، أي: الحال والشأن. وجملة (يندم الظالمون) خبرها. ومنه قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} (1) فـ (أن) مخففة، واسمها ضمير الشأن محذوف، والسين حرف استقبال و (يكون) فعل مضارع ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر. مرفوع بالضمة (منكم) خبر (يكون) مقدم (مرضى) اسمها مؤخر. والجملة في محل رفع خبر (أنَّ) المخففة، والمصدر المؤول (أن سيكون) في محل نصب سد مسدّ مفعولي (علم) . الحالة الثانية: أن يتقدم عليها ما يدل على الظن والرجحان مثل: ظن، خال، حسب، ونحوهما. فيجوز أن تكون مخففة من الثقيلة ويرفع المضارع بعدها وتأخذ الأحكام السابقة، وأن تكون مصدرية ناصبة للمضارع. وهو الأكثر والأرجح، لأن الأصل بقاء الظن على بابه. لأن الرفع يلزم عليه تأويل الفعل باليقين. ومنه قوله تعالى: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (2) فقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي برفع (تكون) على أنها مخففة. و (حسبوا) بمعنى (أيقنوا) ؛ لأن (أن) للتأكيد. والتأكيد لا يجوز إلا مع اليقين. وقرأ الأربعة الباقون من السبعة بنصب (تكون) على أنها هي الناصبة للمضارع. و (حسب) بمعنى الشك. لأن (أن) الناصبة ليست للتوكيد، بل الأمر قد يقع وقد لا يقع. وهذا معنى قوله: (فإن سُبِقَتْ بظن فوجهان) أي: الرفع باعتبارها مخففة، والنصب باعتبارها مصدرية ناصبة للمضارع.   (1) سورة المزمل، آية: 20. (2) سورة المائدة، آية: 71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 الحالة الثالثة: أن لا يسبقها علم ولا ظن. بل تقع في كلام يدل على الشك أو على الرجاء والطمع (1) فهذه ناصبة للمضارع وجوبًا، وهذه الحال تفهم من كلام المصنف. مثال ذلك: أرجو أن ينتصر الحق، فـ (أن) مصدرية، والمضارع بعدها منصوب. قال تعالى: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} (2) . قوله: (وَمُضْمَرَةً جَوَازاً بَعْدَ عَاطِفٍ مَسْبُوق باسْم خَالِص نَحْوَ: ولُبْسُ عَبَاءَةٍ وتَقَرَّ عَيْني. وبَعْدَ اللاَّمِ نَحْوَ: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} (3)) . اعلم أن (أن) المصدرية تنصب المضارع ظاهرة ومضمرة، ولها ثلاث حالات: الأولى: أن تضمر جوازًا. الثانية: أن تظهر وجوبًا. الثالثة: أن تضمر وجوبًا. فيجوز إظهارها وإضمارها في موضعين: الأول: أن تقع بعد عاطف مسبوق باسم خالص من معنى الفعل والمراد به: الاسم الجامد المحض الذي ليس في تأويل الفعل، والغالب أن يكون مصدراً، والعاطف واحد من أربعة وهي: (الواو - الفاء - ثم - أو) . مثال (الواو) قول المرأة: (1) ولُبْسُ عباءةٍ وتقرَّ عيني … … أحبُّ إلي من لبس الشفوف (4)   (1) الشك: إدراك الشيء مع احتمال ضد مساوٍ، والظن: إدراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح. والرجاء والطمع بمعنى: الأمل. (2) سورة الشعراء، آية: 82. (3) سورة النحل، آية: 44. (4) الشفوف جمع: شف (بفتح الشين أو كسرها) وهو الثوب الذي يشف عما تحته لكونه رقيقًا والمعنى: أن هذه المرأة تتمنى حالتها الأولى وهي أن لبس عباءة من صوف غليظ أحب إليها من الثياب الرقيقة الناعمة. وهي امرأة من أهل البادية نقلت إلى الحاضرة. إعرابه: (ولبس) مبتدأ (وتقر) الواو عاطفة. وتقر: فعل مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة بعد الواو. (عيني) فاعل مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. والياء مضاف إليه: (أحب) خبر المبتدأ (من لبس) جار ومجرور متعلق بـ (أحب) (الشفوف) مضاف إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 فـ (تقر) مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة جوازًا بعد واو عاطفة على اسم خالص من معنى الفعل وهو (لُبْسُ) . ومثال (الفاء) : إن دراستي النحو فاستفيدَ منه أحبُّ إلي من دراسة البلاغة. ومثال (ثم) : إن جمعي المال ثم امسكَه دليلُ الحرمان. ومثال (أو) : قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} (1) . بنصب (يرسل) بإضمار (أن) ، و (أن) والفعل في تأويل مصدر معطوف على (وحيًا) أي: إلا وحياً أو إرسالاً. قرأ بذلك السبعة عدا نافعًا المدني فقد قرأ برفع (يرسل) (2) وقول المصنف (مسبوق باسم خالص) احتراز من الاسم غير الخالص، وهو ما فيه معنى الفعل، كاسم الفاعل. نحو: المتكلم فيستفيد الطالب هو المحاضر، فـ (المتكلم) اسم فاعل. فيه معنى الفعل وهو واقع موقعه، لأنه صلة لـ (ال) ، والأصل في الصلة أن تكون جملة، فهو بمنزلة (يتكلم) فكأن التقدير: الذي يتكلم. فلما جاءت (ال) عُدِلَ إلى اسم الفاعل، لأن الفعل لا يصلح صلة لها، فيجب رفع الفعل (يستفيد) ؛ لأنه معطوف على اسم غير خالص من معنى الفعل. الموضوع الثاني: أن تقع (أن) بعد لام الجر. ويقع المضارع بعدها مباشرة سواء كانت اللام للتعليل - وهي التي يكون ما بعدها علة لما قبلها - نحو: حضرت لأستفيد. فـ (أستفيد) فعل مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة جوازًا بعد لام التعليل. قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} (3) .   (1) سورة الشورى، آية: 51. (2) إما على الاستئناف والقطع عما قلبه. أو أنه على إضمار مبتدأ أي: أو هو يرسل، أو أنه معطوف على (وحياً) على أنه حال لأن (وحيًا) في تقدير الحال، فكأنه قال: إلا موحيًا أو مرسلاً. (3) سورة النحل، آية: 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 أو كانت اللام لبيان العاقبة وتسمى (لام الصيرورة) - وهي التي يكون ما بعدها نتيجة مترتبة على ما قبلها - كقوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} (1) فاللام هنا ليست للتعليل؛ لأنهم لم يلتقطوه لذلك، وإنما التقطوه ليكون لهم قرة عين. فكانت عاقبته أن صار لهم عدوًا وحزنًا. أو كانت اللام زائدة. وهي الواقعة بعد فعل متعد - وفائدتها التوكيد - كقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (2) فالفعل (يريد) متعدٍّ، ومفعوله هو المصدر المنسبك من (أن) المضمرة جوازًا بعد اللام ومن المضارع بعدها. وهذه اللام زائدة بين الفعل ومفعولة والتقدير: إنما يريد الله إذهاب الرجس عنكم. قوله: (إلاَّ فيِ نَحْوِ: {لِئَلَّا يَعْلَمَ} (3) ، {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ} ، فَتَطْهَرُ لاَ غَيْرُ) . هذه الحالة الثانية لـ (أن) وهي إظهارها وجوبًا، وذلك في مسألة واحدة. وهي أن تقع بين (لام الجر) و (لا) ، سواء كانت (لا) نافية أم زائدة. فمثال النافية: أحضر مبكرًا لئلا يفوتني الدرس. قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} (4) فـ (لئلا) اللام حرف تعليل وجر. و (أن) حرف مصدري ونصب. و (لا) نافية. والهمزة في (لئلا) هي همزة (أن) . وأما نونها فمدغمة في (لا) فلا تظهر لفظًا ولا خطًا. و (يكون) فعل مضارع ناقص، يرفع الاسم وينصب الخبر، منصوب بـ (أن) و (للناس) خبر مقدم و (حجة) اسمه مؤخر.   (1) سورة القصص، آية: 8. (2) سورة الأحزاب، آية: 33. (3) سورة الحديد، آية: 29. (4) سورة النساء، آية: 165. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 ومثال الزائدة المؤكدة قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} . أي: ليعلم أهل الكتاب. فـ (لا) حرف زائد إعراباً، مؤكد معنى، إذ لو كانت نافية لفسد المعنى. قوله: (وَنَحْو: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} (1) فَتُضْمَرُ لا غَيْرُ) . شرع المصنف - رحمه الله - في الكلام على الحالة الثالثة، وهي إضمار (أن) وجوبًا. فتعمل (أن) مضمرة وجوبا في مواضع: 1- بعد (لا الجحود) والجحود: هو النفي. وهي اللام المسبوقة بكونٍ ماض منفي. نحو: ما كان الصديق ليخونَ صديقه، لم يكن الغِنَى ليُطغيَ كرام النفوس. (اللام) في (ليخون) و (ليطغى) لام الجحود. وتفيد توكيد النفي، لأن الأصل: ما كان يفعل. ثم أدخلت اللام لتقوية النفي، وسميت لام الجحود، لملازمتها الجحد وهو النفي. وهذا اصطلاح، وإلا فالجحد هو الإنكار. ومنه قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} وقوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} (2) فـ (ليعذبهم) اللام: لام الجحود، ويعذب: فعل مضارع منصوب بـ (أن) المضمرة وجوبا بعد لام الجحود، والهاء مفعول به. والميم علامة الجمع. والجملة صلة الموصول الحرفي (أن) (3) ، والمصدر المؤول مجرور باللام. والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر (كان) والتقدير - والله أعلم - وما كان الله مريدًا لتعذيبهم. قوله: (كَإضْمَارهَا بَعْدَ (حَتَّى) إذا كَانَ مُسْتَقْبَلاً نَحْو: {يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} (4)) .   (1) سورة الأنفال، آية: 33. (2) سورة النساء، آية: 137. (3) الحروف المصدرية، ومنها (أن) تسمى: الموصولات الحرفية ولا بدَّ لها من صلة بعدها. ويُسبك الموصول الحرفي مع صلته سبكاً ينشأ عنه المصدر المؤول. (4) سورة طه، آية: 91. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 هذا هو الموضع الثاني لإضمار (أن) وجوبًا، وهو أن تقع بعد (حتى) (1) وشرط نصب المضارع بـ (أنْ) بعدها، أن يكون الفعل مستقبلاً، نحو: لا يُمدح الولد حتى يَنالَ رضا والديه، فـ (ينال) فعل مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة وجوبًا بعد (حتى) ، وهو فعل مستقبل، ومنه قوله تعالى: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} فـ (حتى) حرف غاية وجر، والمصدر المؤول من (أنْ) المضمرة وما بعدها في محل جر بـ (حتى) ، والتقدير، - والله أعلم - حتى رجوعِ موسى. فإن كان الفعل بعدها غير مستقبل بأن كان زمن الفعل هو زمن النطق لم ينصب المضارع، بل يرفع، وتكون (حتى) ابتدائية. وما بعدها مستأنف (2) ، نحو: يجري الماء بين الزروع حتى تشربُ، فالفعل (تشربُ) مرفوع وجوبًا، لأن معناه (وهو الشرب) حاصلٌ ابتداءً في وقت التكلم. فزمن الشرب والنطق واحد. قوله: (وَبَعْدَ أَوِ التَّي بِمَعْنَى (إلَى) نَحْوُ: لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أَوْ دْرِكَ الْمُنَى. أو الَّتي بِمَعْنَى (إلاَّ) نَحْوُ: وكُنْتُ إذَا غَمَزْتُ قَنَاةَ قَوْمٍ كَسَرْتُ كُعُوبَهَا أوْ تَسْتَقِيمَا) .   (1) حتى في اللغة العربية أربعة أنواع: أ-حرف عطف. تفيد تشريك ما بعدها مع ما قبلها في الحكم. نحو: وصل الحجاج مزدلفة حتى المشاة. ب-حرف جر، يجر الاسم الصريح، وهو يدل على الانتهاء بمنزلة (إلى) نحو: انتظرتك حتى غروب الشمس. ج- حرف ابتداء. وتدخل على الجملة. وتكون مستأنفة لا محل لها. كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) متفق عليه، فـ (حتى) ابتدائية و (الشوكة) مبتدأ (يشاكها) خبر [على أحد الأوجه] . 2- د- حرف جر يجر المصدر المؤول من (أن) المضمرة وجوبًا وما دخلت عليه. وهي المذكورة هنا. (2) سأذكر تعريف الاستئناف قريباً إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 3- الموضع الثالث الذي تضمر فيه (أن) وجوبًا: (أو) العاطفة. التي بمعنى (إلى) الغائية، أو بمعنى (إلا) . الاستثنائية. فتكون (أو) بمعنى (إلى) إذا كان المعنى قبلها ينقضي شيئاً فشيئًا. نحو: تحبَّبْ إلى إخوانك أو تنالَ رضاهم. فالفعل (تنال) منصوب بـ (أن) مضمرة وجوبا بعد (أو) وهي بمعنى (إلى) إذ يصح أن يقال: تحبَّبْ إلى إخوانك إلى أن تنال رضاهم. والتحبب إلى الإخوان يتطلب وقتًا ولا يتم دفعة واحدة، ومنه قول الشاعر: لأستسهلن الصعب أو أُدرك المنى … … فما انقادت الآمال إلا لصابر (1) فالفعل (أُدرك) منصوب بـ (أن) مضمرة وجوباً بعد (أو) وهي بمعنى (إلى) لأن إدراك المنى يحصل شيئًا بعد شيء. وتكون (أو) بمعنى (إلا) إذا لم يصح وقوع (إلى) موقعها، نحو: يعاقب المسيء أو يعتذر. فالفعل (يعتذر) منصوب بـ (أن) مضمرة وجوبًا بعد (أو) وهي بمعنى (إلا) ، إذ يصح أن يقال: يعاقب المسيء إلا أن يعتذر. ولا يصح وقوع (إلى) موقعها لفساد المعنى، لأن الاعتذار لا يكون غاية للعقاب، ومنه قول الشاعر:   (1) المعنى: يقول إنه يستحمل الشدائد حتى يبلغ ما يتمناه ويرجوه. فإن ما يرجى من المطالب لا يناله إلا الصابرون. إعرابه: (لأستسهلن) اللام واقعة في جواب قسم مقدر. واستسهل: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد. ونون التوكيد حرف لا محل له من الإعراب والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره (أنا) (الصعب) مفعول به (أو) حرف عطف بمعنى إلى، (أدرك) فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد أو، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنا، (المنى) مفعول به للفعل (أدرك) (فما) الفاء للتعليل و (ما) نافية (الآمال) فاعل. (إلا) أداة استثناء ملغاة (لصابر) جار ومجرور متعلق بـ (انقاد) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 (1) وكنتُ إذا غَمَزْتُ قناةَ قومٍ … كسرتُ كُعُوبَها أوتستقيما (1) فالفعل: (تستقيم) منصوب بـ (أن) مضمرة وجوبًا بعد (أو) وهي بمعنى (إلا) أي: إلا أن تستقيم فلا أكسر كعوبها. ولا يصح أن تكون بمعنى (إلى) لأن الاستقامة لا تكون غاية للكسر. قوله: (وَبَعْدَ فَاءِ السَّبَبيَّةِ أوْ وَاو الْمَعِيَّةِ مَسْبُوقَتَين بِنَفْي مَحْض أَوْ طَلَب بِالْفِعْلِ نَحْو: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} ، {وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} ، {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ} ، ولاَ تَأكُلِ السَّمَكَ وتَشْرَبَ اللبَنَ) . 4- ذكر هنا الموضع الرابع والخامس مما تضمر فيه (أن) وجوبًا. فالرابع أن تقع (أن) المصدرية بعد (فاء) السببية. إذا كانت مسبوقة بنفي محض أو طلب بالفعل. فهما شرطان: الأول: أن تكون الفاء للسببية. وهي التي يكون ما قبلها سببًا في حصول ما بعدها.   (1) إذا غمزت: هززت. قناة: رمح، كعوبها: جمع كعب. والمراد هنا طرف الرمح. ومعناه: أنه إذا شرع في إصلاح قوم مفسدين لا يرجع عن ذلك إلا إذا استقاموا وصلحوا وإلا كسرهم وآذاهم. كما أنه إذا أراد إصلاح رمح معوج لا يتركه إلا إذا استقام واعتدل وإلا كسره. إعرابه: وكنت: كان فعل ماض ناقص والتاء اسمها. (إذا) ظرف مضمن معنى الشرط (غمزت) فعل وفاعل في محل جر بإضافة (إذا) إليها. وهو فعل الشرط. (قناة قوم) مفعول به. ومضاف إليه (كسرت) فعل وفاعل. والجملة لا محل لها جواب (إذا) (كعوبها) مفعول به ومضاف إليه. (أو تستقيما) أو: بمعنى (إلا) وتستقيم: فعل مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة وجوباً. والألف للإطلاق والفاعل ضمير مستتر تقديره (هي) . و (أن) ما دخلت عليه من تأويل مصدر معطوف بـ (أو) على مصدر متصيد من الفعل السابق أي: حصل مني كسر لكعوبها أو استقامة منها. (إذا) وشرطها وجوابها في محل نصب خبر (كان) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الثاني: أن تكون مسبوقةً بنفي محض، أي: خالص من معنى الإثبات، لم ينتقض نفيه بـ (إلا) ولا بنفي آخر يزيل أثره ويجعل الكلام مثبتًا، أو مسبوقةً بطلب بالفعل. أي: بصيغة الفعل، أو ما ألحق به. كما سأذكر إن شاء الله (1) . فمثال النفي: لم يُسألْ فيجيبَ. فالفعل (يجيب) منصوب بـ (أن) مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية. لأن السؤال سبب في الإجابة. وقد تقدم عليها نفي لم ينتقض. ومنه قوله تعالى: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} (2) فـ (يموتوا) مضارع منصوب بأن مضمرة وجوباً وعلامة نصبه حذف النون. وأما الطلب فهو نوعان: 1- طلب محض: وهو ما كانت دلالته على الطلب بلفظه وصيغته، وهو الأمر نحو: احترم الصديق فتدومَ لك صداقته، والنهي نحو: لا تغشَّ في البيع فتكسدَ تجارتك. ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} (3) فـ (يحلَّ) مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة وجوبًا، والدعاء نحو: ربِّ وفقني فلا أنحرفَ. 2- طلب غير محض: وهو ما كانت دلالته على الطلب تابعة لمعنى آخر يتضمنه وهو التخضيض نحو: هلا تزورنا فتحدثَنا، ومنه قوله تعالى: {لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} (4) فـ (أصدق) مضارع منصوب بأن مضمرة وجوباً. والتمني نحو: ليت لي مالاً فأتصدَّقَ منه، ومنه قوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} (5) فـ (أفوز) مضارع منصوب بأن مضمرة وجوباً في جواب التمني. والعرض نحو: ألا تزورنا فتحدثَنا.   (1) انظر: حاشية الصبان (3/301) النحو الوافي (4/365) . (2) سورة فاطر، آية: 36. (3) سورة طه، آية: 81. (4) سورة المنافقون، آية: 10. (5) سورة النساء، آية: 73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 والاستفهام نحو: هل تزورنا فتحدثَنا، ومنه قوله تعالى: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} (1) ، فـ (يشفعوا) مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة وجوباً في جواب الاستفهام، وعلامة نصبه حذف النون. والترجي نحو: لعلك تتقي الله فتفوزَ برضاه، ومنه قوله تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} (2) بنصب (فأطلع) على قراءة حفص عن عاصم. وهو منصوب لأنه وقع بعد فاء السببية في جواب الترجي، وقرأ بقية السبعة بالرفع على (أبلغُ) . وقوله: (وَبَعْدَ فَاء السَّبَبِيَّةِ) احتراز من العاطفة على صريح الفعل ومن الاستئنافية، فأما العاطفة فكقوله تعالى: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} (3) فالفعل (يعتذرون) معطوف على (لا يؤذن) فهو مرفوع مثله. لِيدلَّ على نفي الإِذنِ والاعتذارِ أي: لا إذن ولا اعتذار. وأما الاستئنافية فنحو: ألم تسألْ عليًا فيخبرُك. برفع (يخبرك) على الاستئناف. وقوله: (بِنَفْي مَحْضٍ) احترز من النفي غير المحض، وهو ما انتقض بـ (إلا) ، نحو: ما تأتينا إلا فتحدثُنا. برفع المضارع بعد الفاء. وقوله: (أَوْ طَلَبٍ بِالْفِعْلِ) احتراز من الطلب بالاسم نحو: صه فنحدثُك، فإنه (صه) يفيد الطلب، وهو طلب السكوت، لكنه طلب باسم وليس بفعل، لأن (صه) اسم فعل أمر. فَيُرفع المضارع بعد الفاء. (4) 5- الموضوع الخامس: أن تقع (أن) بعد (واو) المعية إذا كانت مسبوقة بنفي محض أو طلب بالفعل. فهما شرطان: -   (1) سورة الأعراف، آية: 53. (2) سورة غافر، آية: 36، 37. (3) سورة المرسلات، آية: 36. (4) هناك قول آخر وهو للكسائي ومن وافقه وهو اعتبار الفاء للسببية ونصب المضارع بعدها وهو رأي وجيه [النحو الوافي 4/366] [شرح الشذوذ ص (305) ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الأول: أن تكون الواو للمعية. وهي التي تفيد مصاحبة ما قبلها لما بعدها بمعنى أنهما يحصلان معاً في زمن واحد يجمعهما. الثاني: أن تكون مسبوقة بنفي محض أو طلب بالفعل. فمثال النفي: لن يأمر الناصح بالأمانة ويخونَ. فالفعل (يخون) منصوب بـ (أن) مضمرة وجوبًا بعد واو المعية. لأن المنفي هو مصاحبة الخيانة للنصح بالأمانة. وقد تقدم على (الواو) نفي محض لم ينتقض، ومنه قوله تعالى: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (1) فـ (يعلم) مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة وجوبًا بعد (واو) المعية. وقد سُبِقَتْ بالنفي (ولما يعلم) (2) . وأما الطلب فمنه: الأمر نحو: أيها الصديق اغفر هفوتي واغفرَ هفوتك لتدوم صداقتنا. والنهي نحو: لا تأمر بالصدق وتكذبَ. والاستفهام: نحو: هل حفظت الأحاديث وأسمعَها منك؟ والعرض نحو: ألا تزورنا ونكرمَك. والتحضيض نحو: هلا أديت واجبك ويشكرَك أبوك. والتمني نحو: ليت لي مالاً وأحجَّ منه. ومنه قوله تعالى: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (3) فقد قرأ حفص وحمزة (ولا نكذبَ) بالنصب جوابًا للتمني بعد واو المعية، وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص (ونكون) بالنصب - أيضًا - ورفعهما الباقون عطفًا على (نُرَدُّ) (4) . والترجي نحو: لعل الله يشفيني وأزورَك. قوله: (وَلاَ تَأكُلِ السَّمَكَ وتَشْرَبَ اللبَنَ) يجوز في الفعل (تشرب) ثلاثة أوجه: - الأول: النصب على أن الواو للمعية في جواب النهي. ويكون القصد النهي عن الجمع بينهما.   (1) سورة آل عمران، آية: 142. (2) لما: أداة جزم (يعلم) مضارع مجزوم بالسكون وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين. (3) سورة الأنعام، آية: 27. (4) انظر: الكشف لمكي (1/427) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الثاني: الجزم عطفا على (تأكل) ويكون القصد النهي عن كل واحد منهما. أي لا تأكل السمك ولا تشرب اللبن. الثالث: الرفع على أن الواو للحال أو للاستئناف (1) . ويكون القصد النهي عن الأول وإباحة الثاني أي: لا تأكل السمك حال شرب اللبن. أو لك شرب اللبن. 3- جزم الفعل المضارع قوله: (فَإنْ سَقَطَتِ الْفَاءُ بَعْدَ الطّلَبِ وقُصِدَ الجزاء جزم نحو قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ} وشرط الجزم بعد النهي صحة حلول: (إن لا) محله، نحو لا تدنُ من الأسد تسلم. بخلاف يأكلك) . لما فرغ المصنف - رحمه الله - من الكلام على نصب المضارع. شرع في الكلام على جزمه. والجازم نوعان: 1- جازم لفعل واحد. … … … … 2- جازم لفعلين. فالجازم لفعل واحد خمسة: 1- الطلب. وذلك بأن يتقدم على المضارع أمر أو نهي أو استفهام أو غيرها من أنواع الطلب المتقدمة، ويتجرد المضارع من (الفاء) ويُقْصَدُ به الجزاء، بمعنى: أن هذا المضارع متسبب وناتج عن ذلك الطلب. فالشروط أربعة: الأول: أن يتقدم لفظ دال على الطلب.   (1) الاستئناف النحوي: عدم عطف ما بعد الحرف على ما قبله إن وُجِدَ حرف العطف، وإلا فهو قطع إحدى الجملتين من الأخرى، فالأول كقوله تعالى: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ} والثاني كقوله تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} . أما الاستئناف البياني فهو: ما وقع جواباً لسؤال مقدر معنى كقول أبي تمام. السيف أصدق أنباءً من الكتب … في حده الحدُّ بين الجدّ واللعب فالشطر الثاني جواب لسؤال ناشئ عن الجملة الأولى، وتقديره: لماذا كان السيف أصدق من الكتب؟ وهذا من مباحث البلاغيين في علم المعاني. والجملة الاستئنافية غير الابتدائية. فالابتدائية الواقعة في أول الكلام، والاستئنافية الواقعة في أثناء الكلام، ولكنها منقطعة عما قبلها، وقيل هما بمعنى واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 الثاني: أن يقع بعده مضارع مجرد من الفاء. الثالث: أن يقصد الجزاء. الرابع: إن كان الطلب بغير النهي كالأمر فشرطه: صحة المعنى بوضع (إن) الشرطية وفعل مفهوم من السياق موضع الطلب، وإن كان الطلب بالنهي فشرطه: أن يستقيم المعنى بحذف (لا) الناهية ووضع (إن) الشرطية وبعدها (لا) النافية محل (لا) الناهية. مثال ذلك: عامل الناس بالحسنى يألفوك، فالفعل (يألفوك) مجزوم وعلامة جزمه حذف النون، لأنه من الأمثلة الخمسة، وقد تقدم عليه طلب، وهو الأمر (عامل) ، والجازم له هو وقوعه في جواب الطلب (1) . ومنه قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ} (2) فـ (أتل) مضارع مجزوم بحذف حرف العلة وهو الواو. لوقوعه في جواب الطلب (تعالوا) وقد قُصِدَ الجزاء، إذ المعنى: تعالوا فإن تأتوا أتل عليكم. فالتلاوة مسبَّبة وناتجة عن مجيئهم. ومثال النهي: لا تعجل في أمورك تسلمْ. فالفعل (تسلم) مجزوم لوقوعه في جواب الطلب وهو النهي. ويصح أن تضع (إن) قبل (لا) فتقول: إلا تعجل في أمورك تسلم. أي: إن لا تعجل ... فإن لم يتقدم طلب بل تقدم نفي أو خبر مثبت لم يصحَّ جزم المضارع، بل يجب رفعه نحو: ما تأتينا تحدثُنا، ونحو: أنت تأتينا تحدثُنا. برفع (تحدثنا) في المثالين. وإن لم يقصد الجزاء وجب الرفع - أيضاً - نحو: ائتني برجل يحبُّ الله ورسوله. فلا يجوز جزم المضارع (يحبُّ) لعدم قصد الجزاء، لأن المحبة ليست ناتجة عن الإتيان به. وإنما المراد هذه صفته. وكذا إذا لم يستقيم المعنى عند إحلال (إن) الشرطية و (لا) النافية معاً محل (لا) الناهية. نحو: لا تدن من الأسد يأكلُك، برفع: (يأكلك) ولا يجوز جزمه إذ لا يصح: إن لا تدن من الأسد يأكلك.   (1) هذا أيسر الآراء في العامل الذي جزم المضارع الذي تجرد من الفاء. وللنحاة كلام طويل في ذلك محله الكتب المطولة كشرح الأشموني بحاشية الصبان (3/309) . (2) سورة الأنعام، آية: 151. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 وكذا إذا لم يستقم المعنى بوضع (إن) وفعل مفهوم من السياق موضع الطلب نحو: أين منزلك أقفُ في السوق. برفع (أقفُ) ، ولا يجوز جزمه إذ لا يصح أن يقال - مثلاً - إن تعرفني بيتك أقفْ في السوق. لعدم استقامة المعنى. قوله: (وَيُجْزَمُ أَيْضًا بِـ (لَمْ) نَحْوَ: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (1) ، وَ (لَمَّا) نَحْوُ: {لَمَّا يَقْضِ} (2) وَباللاَّم وَلاَ الطَّلَبيَّتَيْن نَحْوُ: {لِيُنْفِقْ} (3) ، {لِيَقْضِ} (4) ، {لَا تُشْرِكْ} (5) ، {لَا تُؤَاخِذْنَا} (6)) ذكر المصنف بقية ما يجزم فعلاً واحداً وهي الأربعة الباقية. وهي: - 2- لم: وهي حرف نفي مختص بجزم المضارع، يقلب زمنه من الحال والاستقبال إلى الزمن الماضي، (7) نحو: لم يحضر الضيف، ومنه قوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (8) . وقد تدخل عليه   (1) سورة الإخلاص، آية: 3. (2) سورة عبس، آية: 23. (3) سورة الطلاق، آية: 7. (4) سورة الزخرف، آية: 77. (5) سورة لقمان، آية: 13. (6) سورة البقرة، آية: 286. (7) إذا دخلت على (لم) أداة الشرط فإن المضارع يتجرد للزمان المستقبل. ويبطل تأثير (لم) في قلب زمانه إلى الماضي كقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} لكن ما الذي جزم المضارع أهو (إن) أم (لم) ؟ قيل: إنه (لم) لأنه عامل شديد الاتصال بمعموله ولم يقع إلا مع الفعل المستقبل في اللفظ. و (إن) قد دخلت على الماضي في اللفظ وقد وليها الاسم نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} وقيل: (إن) لسبقها ولقوتها لأنها تؤثر في زمن الفعل ولفظه. والأول وجيه. مع أن هذا الخلاف لا قيمة له لأن المضارع مجزوم على أي حال. (8) يجوز أن يكون المنفي بلم قد انقطع فتقول: لم يقم خالد وقد قام، ويجوز أن يكون متصلاً بزمن الإِخبار ومن أمثلته هذه الآية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 همزة الاستفهام التقريري (1) فلا تغير عمله. كقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (2) ، فالهمزة للاستفهام، و (لم) حرف نفي وجزم وقلب و (نشرح) فعل مضارع مجزوم. 3- لما الجازمة. وهي مثل (لم) فيما تقدم، كقوله تعالى: {كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} (3) . فـ (يقض) مضارع مجزوم بـ (لما) وعلامة جزمه حذف حرف العلة. وهو الياء. والكسرة قبله دليل عليه. 4- لام الطلب. فإن كان من أعلى إلى أدنى فهو أمر، كقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (4) ، وإن كان من أدنى إلى أعلى فهو دعاء، نحو: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} (5) ، وإن كان من المساوي لمساويه فهو التماس، كقولك لزميلك: لِتَركبْ معي. 5- لا الطلبية. فإن كان من أعلى إلى أدنى فهو نهي، كقوله تعالى: {لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} (6) ، وإن كان من أدنى إلى أعلى فهو دعاء، نحو: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (7) وإن كان من المساوي لمساويه فهو التماس، كقول لزميلك: لا تتأخر في الحضور. أدوات الشرط قوله: (وَيَجْزِمُ فِعْلَيْنِ إِنْ وَإذْ مَا وَأَيُّ وأَيْنَ وأَنَّى وأَيَّانَ ومَتَى وَمَهْمَا وَمَنْ وَمَا وَحَيْثُما، نَحْوُ: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} (8) ، {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (9) ، {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} (10) ، ويُسَمَّى الأَوَّلُ شَرْطًا وَالثَّانيِ جَوَابًا وَجَزَاءً) .   (1) الاستفهام التقريري هو حمل المخاطب على الإقرار بما يعرفه. (2) سورة الشرح، آية: 1. (3) سورة عبس، آية: 23. (4) سورة الطلاق، آية: 7. (5) سورة الزخرف، آية: 77. (6) سورة لقمان، آية: 13. (7) سورة البقرة، آية: 286. (8) سورة النساء، آية: 133. (9) سورة النساء، آية: 123. (10) سورة البقرة، آية: 106. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 هذا القسم الثاني من جوازم المضارع وهو ما يجزم فعلين. وقد ذكر المصنف إحدى عشرة أداة. منها ما هو اسم له محل من الإعراب ومنها ما هو حرف لا محل له من الإعراب. وسأبين ذلك إن شاء الله فأقول: - 1- إِنْ: وهي حرف شرط جازم لا محل له. وهي تفيد تعليق وقوع الجواب على وقوع الشرط، من غير دلالة على زمان أو مكان أو عاقل أو غير عاقل. نحو: إن تصحب الأشرار تندم. ومنه قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} فـ (إن) حرف شرط جازم و (يشأ) فعل الشرط مجزوم بالسكون، والفاعل ضمير مستتر. (يذهبكم) جواب الشرط مجزوم. والفاعل ضمير مستتر. والكاف مفعول به، والميم علامة الجمع. 2- إذ ما: وهي حرف شرط جازم - على الأرجح (1) - فلا محل له من الإعراب. وهي لمجرد تعليق الجواب على الشرط، مثل (إن) واتصالها بـ (ما) الزائدة شرط في جزمها، نحو: إذا ما تفعل شرًا تندم. فـ (إذ ما) حرف شرط جازم (تفعل) فعل مضارع مجزوم بالسكون لأنه فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت (تندم) فعل مضارع مجزوم بالسكون لأنه جواب الشرط، والفاعل ضمير مستتر كالذي قبله. 3- أيُّ: بالتشديد. اسم شرط جازم. وهي بحسب ما تضاف إليه. فتكون للعاقل نحو: أيُّهم يَقُمْ أقمْ معه. فـ (أيُّ) اسم شرط جازم مبتدأ مرفوع، ولغير العاقل نحو: أيَّ الكتب تقرأ أقرأ. فـ (أيَّ) اسم شرط جازم مفعول مقدم منصوب، وتكون للزمان نحو: أيَّ يوم تسافر أسافرْ، وللمكان نحو: أيَّ بلد تسكنْ أسكنْ. فـ (أيَّ) اسم شرط جازم منصوب على الظرفية الزمانية في الأول ولمكانية في الثاني. وإن أضيفت إلى مصدر فهي مفعول مطلق نحو: أيَّ نفعٍ تنفعِ الناس يشكروك عليه.   (1) تقدم أن المصنف - رحمه الله - رجح أن (إذ ما) اسم شرط. وهنا رجحتُ أنها حرف شرط اختيارًا لما مشى عليه في أوضح المسالك. لأن شبهها بـ (إن) أقوى من شبهها بـ (متى) وهو قول سيبويه كما في التصريح (2/247) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 … ومن أمثلتها قوله تعالى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (1) فـ (أيًا) (2) اسم شرط جازم منصوب بـ (تدعوا) على المفعولية (ما) حرف زائد إعرابًا مؤكد معنى. و (تدعوا) فعل الشرط مجزوم بحذف النون لأنه من الأمثلة الخمسة، والواو فاعل، وجملة (فله الأسماء الحسنى) جواب الشرط في محل جزم. 4- أين: اسم شرط جازم. ويحسن اتصالها بـ (ما) ليتمكن الشرط. وهي موضوعة للدلالة على المكان، ثم ضمنت معنى الشرط. فتكون في محل نصب على الظرفية المكانية. نحو: أينما تذهبْ أصحبْكَ. ومنه قوله تعالى: {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ} (3) فـ (أين) اسم شرط جازم، مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية المكانية، متعلق بالفعل بعده، و (ما) حرف زائد إعراباً مؤكد معنى، و (يوجهه) فعل الشرط، و (لا يأت) جواب الشرط مجزوم بحذف حرف العلة - وهو الياء - وقوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ} (4) فـ (أينما) كما تقدم. وهو متعلق بالفعل بعده و (تكونوا) فعل الشرط. والواو فاعل لـ (كان) التامة. لأنها بمعنى (توجدوا) ، وجواب الشرط (يدرككم) . 5- أنى: اسم شرط جازم، وهي موضوعة للدلالة على المكان، ثم ضمنت معنى الشرط، فهي في محل نصب على الظرفية المكانية، مثل (أين) نحو: أنى ينزلْ ذو العلم يكرمْ. فـ (أنى) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية المكانية (ينزل) فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط، (يكرم) فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط.   (1) سورة الإسراء، آية 110. (2) والتنوين في (أيا) عوض عن المضاف إليه أي: أيَّ اسم تدعوا فله الأسماء الحسنى. وزيدت (ما) على أحد القولين لتأكيد ما في (أي) من الإبهام. (3) سورة النحل، آية: 76. (4) سورة النساء، آية: 78. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 6- أيان: اسم شرط جازم، وهي موضوعة للدلالة على مطلق الزمان ثم ضمنت معنى الشرط، فهي في محل نصب على الظرفية الزمانية نحو: أيان يكثرْ فراغ الشباب يكثرْ فسادهم. فـ (أيان) اسم شرط جازم مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية الزمانية (يكثر) فعل الشرط (يكثر فسادهم) جواب الشرط مجزوم و (فسادهم) فاعل. والهاء مضاف إليه، والميم علامة الجمع. 7- متى: اسم شرط جازم. مثل (أيان) . نحو: متى يأتِ فصل الصيف ينضجِ العنب. 8- مهما: اسم شرط جازم على الأرجح، وهي لغير العاقل، ثم ضمنت معنى الشرط، وهي في الإعراب مثل (مَنْ) الآتية، نحو: مهما تنفقْ في الخير يُخْلفْهُ الله. فـ (مهما) اسم شرط جازم في محل نصب مفعول مقدم. ومنه قوله تعالى عن قوم موسى عليه الصلاة والسلام: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} (1) فـ (مهما) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ (وتأتنا) فعل الشرط وهو مع فاعله خبر (مهما) {فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} الجملة في محل جزم جواب الشرط.   (1) سورة الأعراف، آية: 132. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 9- من: اسم شرط جازم وهي للعاقل، وتكون في محل رفع مبتدأ إن كان فعل الشرط لازمًا نحو: من يكثرْ كلامه يكثرْ ملامه. أو ناسخاً نحو: من يكنْ عجولاً يكثرْ خطؤه. أو متعديًا واقعًا على أجنبي منها (1) نحو: من يحترم الناس يحترموه. ومنه قوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (2) . فـ (من) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، (يعمل) مضارع مجزوم وهو فعل الشرط وفاعله ضمير مستتر، والجملة خبر المبتدأ (مَنْ) (سوءاً) مفعول به، (يجز) جواب الشرط مجزوم بحذف حرف العلة وهو الألف. … وتكون في محل نصب مفعول به إذا كان فعل الشرط متعدياً واقعاً على معناها، نحو: من تساعدْ أساعدْه. فـ (من) مفعول مقدم. … وإن سبقت بحرف جر أو بمضاف فهي في محل جر نحو: عمَّن تتعلم أتعلم، كتابَ من تقرأ أقرأ. 10- ما: اسم شرط جازم. وهي لغير العاقل. وإعرابها كإعراب (من) نحو: ما تقرأ يفدْك. ومنه قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (3) فـ (ما) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول مقدم لـ (ننسخ) و (ننسخ) فعل الشرط (نأت) جواب الشرط مجزوم بحذف حرف العلة وهو الياء.   (1) أي ليس فيه ضمير يعود عليها مثل كملة (الناس) في المثال المذكور. بخلاف الواقع على معناها فالمراد به الأداة نفسها كما في المثال المذكور بعد. (2) سورة النساء، آية: 123. (3) سورة البقرة، آية: 106. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 11- حيثما: اسم شرط جازم، واتصالها بـ (ما) الزائدة شرط في جزمها. وهي في محل نصب على الظرفية المكانية نحو: حيثما تجدْ صديقًا وفيًا تجدْ كنزًا ثمينًا. قال تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (1) فـ (حيثما) اسم شرط جازم مبني على الضم في محل نصب خبر (كان) (2) و (ما) زائدة إعراباً مؤكدة معنى (كنتم) كان: فعل ماض ناقص مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء: اسمها، والميم: علامة الجمع. (فولوا) الجملة في محل جزم جواب الشرط. قوله: (ويسمى الأول شرطاً) أي ويسمى الأول من الفعلين المجزومين بأحد هذه الأدوات شرطاً، لتعليق الحكم عليه. وكونه شرطًا لتحقق الثاني. قوله: (والثاني جواباً وجزاء) أي ويسمى الفعل الثاني جواب الشرط، لأنه مترتب على الشرط كما يترتب الجواب على السؤال (وجزاء) لأن مضمونه جزاءٌ لمضمون الشرط. قوله: (وَإِذَا لَمْ يَصْلُحْ لِمُبَاشَرَةِ الأَدَاةِ قُرِنَ بالفَاءِ نَحْوُ {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (3) أَوْ بإِذَا الفُجَائِيَّةِ نَحْوُ {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} (4)) . لما ذكر المصنف أدوات الشرط الجازمة، ذكر القاعدة العامة في وجوب اقتران جواب الشرط بالفاء. فقال: (وإذا لم يصلح لمباشرة الأداة قرن بالفاء) أي إذا لم يصلح جواب الشرط (لمباشرة الأداة) أي: بأن يكون في محل فعل الشرط (قرن بالفاء) أي وجوبًا. ليحصل الربط بين الشرط والجزاء، إذ بدونها لا يكون ربط.   (1) سورة البقرة، آية: 144. (2) على أنها ناقصة. فإن كانت تامة بمعنى: (وجدتم) فاسم الشرط مبني على الضم في محل نصب متعلق بـ (ولوا) أو (كنتم) . (3) سورة الأنعام، آية: 17. (4) سورة الروم، آية: 36. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 مثال ذلك: من سعى في الخير فسعيه مشكور، فجواب الشرط (سعيه مشكور) لا يصلح أن يكون في محل الشرط. لأنه جملة اسمية، وأداة الشرط لا تدخل على الجمل الأسمية، فأُتي بالفاء للربط بين جملة الجواب وجملة الشرط (1) . وأشهر الأنواع التي يجب اقترانها بالفاء ما يأتي: - 1- الجملة الاسمية. كما تقدم، ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (2) 2- الجملة الفعلية التي فعلها طلبي نحو: إن حياك أحد بتحية فحيه بأحسن منها. ومنه قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (3) . 3- الجملة الفعلية التي فعلها جامد (4) نحو: من يطلق لسانه فليس بسالم. ومنه قوله تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ} (5) . 4- الجملة الفعلية التي فعلها مسبوق بـ (لن) نحو: إن صحبت الأشرار فلن تسلم، ومنه قوله تعالى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} (6) . 5- الجملة الفعلية التي فعلها مسبوق بـ (قد) ، نحو: من مدحك بما ليس فيك فقد ذمك، ومنه قوله تعالى: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} (7)   (1) وهذه الفاء زائدة ليست للعطف ولا لغيره. ولا تفيد معنى إلا عقد الصلة والربط المعنوي بين جملة الجواب وجملة الشرط. (2) سورة الأنعام، آية: 17. (3) سورة آل عمران، آية: 31. (4) الفعل الجامد: هو الذي لا يتصرف فلا يأتي منه مضارع ولا أمر ولا مصدر ولا أي اشتقاق آخر بل يلزم حالة واحدة. مثل: ليس، نعم، بئس، عسى. (5) سورة الكهف، آية: 39. (6) سورة آل عمران، آية: 115. (7) سورة يوسف، آية: 77. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 6- الجملة الفعلية التي فعلها مسبوق بـ (ما) ، نحو: إن تجتهد فما أقصرُ في مكافأتك، ومنه قوله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} (1) . 7- الجملة الفعلية التي فعلها مسبوق بالسين نحو: مهما تُخْفِ من طباعك فستظهرُ للناس، ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} (2) . 8- الجملة الفعلية التي فعلها مسبوق بـ (سوف) نحو: من ظلم الناس فسوف يندمُ، ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} (3) . وقوله: (أو بإذا الفجائية) أي قد تغني (إذا) الفجائية عن الفاء. وهي خاصة بالجملة الاسمية. ولم يقيدها المصنف بالجملة الاسمية لأنها لا تدخل إلا عليها. ومعناها الدلالة على المفاجأة في الحال. ولابد أن يسبقها كلام، وأرجح الأقوال في إعرابها أنها حرف لا محل له من الإعراب. مثالها قوله تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} (4) فـ (إذا) حرف دال على المفاجأة مبني على السكون لا محل له من الإعراب (هم) مبتدأ، وجملة (يقنطون) في محل رفع خبر. والجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط (إن) . النكرة والمعرفة قوله: (الاِسْمُ ضَرْبَانِ نَكِرَةٌ وهُوَ مَا شَاعَ في جِنْسٍ مَوْجُودٍ كَرَجُلٍ أوْ مُقَدَّرٍ كَشَمْسِ، ومَعْرِفةٌ وهِيَ سِتَّةٌ ... ) . الاسم باعتبار التنكير والتعريف ضربان: الأول: نكرة. الثاني: معرفة. فالنكرة: ما شاع في جنس موجود أو مقدر. أي النكرة اسم يدل على واحد ولكنه غير معين. لأنه فرد شائع في أفراد الجنس.   (1) سورة الحشر، آية: 6. (2) سورة الطلاق، آية: 6. (3) سورة التوبة، آية: 28. (4) سورة الروم، آية: 36. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 فكلمة (طالب) لا تدل على طالب معين. لأنه لفظ شائع في جميع أفراد الطلاب من زيد وعمرو وبكر وغيرهم. لا يخص فرداً بعينه. وهذا الجنس نوعان: 1- جنس موجودٌ في الخارج تعدُّدُه كلفظ رجل، وطالب، وكتاب. فكل منها شائع في جنس الرجال والطلاب والكتب. وتعدده في الخارج موجود مشاهد. 2- جنس مقدرٌ وجودُ تعدُّدِه في الخارج. كشمس. فِإنها موضوعة لما كان كوكبًا نهاريًا يزيل ظهوره وجود الليل. فحقها أن تصدق على متعدد كما أن رجلاً كذلك. وإنما تخلف ذلك من جهة عدم وجود أفراد له في الخارج، ولو وجدت لكان هذا اللفظ صالحًا لها. والنكرة لها علامتان: - 1- أن تقبل (ال) وتؤثر فيها التعريف، مثل: كتاب، رجل. تقول: الرجل شجاع. الكتاب جديد. 2- ما تقع موقع ما يقبل (ال) مثل: (ذو) بمعنى: صاحب. نحو: جاء ذو علم. أي: صاحب علم. فـ (ذو) نكرة. وهي لا تقبل (ال) ، لكنها واقعة موقع ما يقبل (ال) ، وهو صاحب. وقوله: (وَمَعْرِفَةٌ وهِيَ سِتَّةٌ) المعرفة اسم يدل على شيء معين، وهي ستة: الضمير، والعلم، واسم الإشارة، واسم الموصول، والمعرَّف بـ (ال) ، والمضاف لواحد منها (1) . أنواع المعارف 1- الضمير قوله: (الضَّمِيرُ وهُوَ مَا دَلَّ عَلَى مُتَكَلِّمٍ أَوْ مُخَاطَبٍ أَوْ غائِبٍ) . هذا القسم الأول من المعارف وهو الضمير وهو لفظ يدل على متكلم كـ (أنا) أو مخاطب كـ (أنت) أو غائب كـ (هو) والضمير هو أعرف المعارف - بعد لفظ الجلالة وضميره (2) - وأعرف الضمائر ضمير المتكلم، ثم المخاطب، ثم الغائب.   (1) وبقي من أنواع المعارف: النكرة المقصودة في باب المنادى نحو: يا طالب أجب [إذا كنت تريد واحداً معينًا] ولعله تركه لأنه سيذكره في بابه. (2) إنما كان لفظ الجلالة أعرف المعارف لأنه لا يحتمل إلا المولى جل وعلا بخلاف بقية المعارف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 قوله: (وَهُوَ إِمَّا مُسْتَتِرٌ كالمُقَدَّرِ وُجُوباً في نحْوِ أَقْومُ وتَقُومُ أَوْ جَوَازاً في نحْوِ زَيْدٌ يَقُومُ، أوْ بَارِزٌ) . الضمير من حيث ظهوره في الكلام وعدم ظهوره قسمان: الأول: بارز: وهو ماله صورة في اللفظ، كالتاء من: كتبتُ الواجب. الثاني: مستتر: وهو الذي ليس له صورة في اللفظ (1) ، وهو نوعان: 1- مستتر وجوبًا. … … … 2- مستتر جوازًا. فالمستتر وجوبًا: هو الذي لا يحل محله اسم ظاهر ولا ضمير منفصل يرتفع العامل به، نحو: أقوم بصلة رحمي. ففاعل (أقوم) ضمير مستتر وجوبًا تقديره (أنا) وهذا الضمير لا يحل محله اسم ظاهر، فلا تقول: أقوم خالد - مثلاً - ولا ضمير منفصل فلا تقول: أقوم أنا. على أن يكون فاعلاً بل هو توكيد للضمير المستتر. والاستتار الواجب له مواضع منها: 1- مع فعل الأمر المسند للواحد، نحو: أقم الصلاة. وأما قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (2) فـ (أنت) توكيد للضمير المستتر. و (زوجك) معطوف على الضمير المستتر. (3) 2- مع الفعل المضارع الذي في أوله همزة المتكلم، نحو: أستيقظ مبكرًا. 3- مع الفعل المضارع الذي في أوله النون، نحو: نحن لا نحب السهر. 4- مع الفعل المضارع الذي في أوله تاء خطاب الواحد، نحو: أنت تحب الكتب المفيدة.   (1) ولا يكون الضمير المستتر إلا مرفوعًا لأنه فاعل. أو نائبه. (2) سورة البقرة، آية: 35. (3) انظر تعليقاً في آخر باب: المفعول معه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وأما المستتر جوازًا: فهو الذي يحل محل محله الاسم الظاهر، أو الضمير المنفصل، وهو المرفوع بفعل الغائب، نحو: خليل يواظب على الصلاة. أو الغائبة نحو: آمنة تحسن الحجاب، وغيرهما (1) . قوله: (أوْ بَارِزٌ وهُوَ إمَّا مُتَّصِلٌ كَتَاءِ قُمْتُ وكَافِ أَكْرَمَكَ وهَاءِ غلاَمِهِ، أَوْ مُنْفَصِلٌ كأنَا وأنتَ وهُوَ وإِيَّايَ) . تقدم أن الضمير البارز هو ما له صورة في اللفظ. وهو قسمان: 1- متصل: وهو الذي لا يبتدأ به في الكلام ولا يقع بعد (إلا) كالتاء في قولك: استمعتُ للمحاضرة. 2- منفصل: وهو الذي يبتدأ به ويقع بعد (إلا) ، نحو: أنت تهذب أولادك. فـ (أنت) ضمير منفصل، لأنه ابتدئ به. ويصح وقوعه بعد (إلا) نحو: لا يقوم بالواجب إلا أنت، فـ (أنت) فاعل (يقوم) . والضمير المتصل ينقسم بحسب موقعه من الإعراب ثلاث أقسام: الأول: ما يكون في محل رفع فقط - كأن يكون فاعلاً أو نائب فاعل أو اسمًا لناسخ، مثل: (كان) أو إحدى أخواتها، ونحو ذلك - وهو خمسة ضمائر: التاء المتحركة نحو: ألقيتُ في الحفل كلمة، وألف الاثنين، نحو: الولدان سمعاً النصيحة، وواو الجماعة نحو: المصلون خرجوا وياء المخاطبة نحو: أنتِ تحبين الفضيلة، ونون الإناث نحو: أنتن تهذبن أولادكن.   (1) هنا قاعدة لا بأس بها في هذا الموضع وهي أنه إذا كان الضمير المستتر مقدراً بـ (أنا) أو (نحن) أو (أنت) فهو مستتر وجوبًا. وإن كان مقدراً بـ (هو) فهو مستتر جوازًا إلا في مواضع يسيرة مع أفعال الاستثناء مثل: خلا، وعدا، وليس، ومع فعل التعجب الماضي، وفاعل (نعم وبئس) إذا كان ضميرًا مفسَّراً بتمييز على أحد القولين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 الثاني: ما يكون في محل نصب أو جر - كأن يكون مفعولاً، أو اسمًا لناسخ مثل (إنّ) أو إحدى أخواتها، أو مضافاً إليه، ونحو ذلك، وهو ثلاثة: ياء المتكلم نحو: حفظت كتابي، كتابي جديد، وكاف المخاطب. نحو: أمرك أستاذك بحفظ كتابك، وهاء الغائب، نحو: البنت تهذبها أمها. والابن يهذبه أبوه. الثالث: ما يكون في محل رفع أو نصب أو جر. وهو (نا) نحو قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (1) . وأما المنفصل فهو بحسب الإعراب قسمان: 1- ما يكون في محل رفع فقط، وهي اثنا عشر ضميرًا، (أنا) و (أنت) و (هو) وفروعها. نحو: أنت تحضر مبكرًا. فـ (أنت) ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. 2- ما يكون في محل نصب فقط. وهي اثنا عشر ضميرًا (إياي) و (إياك) و (إياه) وفروعها. نحو: إياك كافأ المدرس. فـ (إياك) مفعول مقدم (2) . مبني على الفتح في محل نصب. قوله: (ولاَ فَصْلَ مَعَ إِمْكَانِ الوَصْلِ إلاَّ في نَحْوِ الْهَاءِ مِنْ سَلِنيهِ بمَرْجُوحِيَّةٍ وظَنَنْتُكَهُ وكُنْتُهُ بِرُجْحَانٍ) . القاعدة في باب الضمير أنه متى أمكن الإتيان بالضمير المتصل فإنه لا يعدل إلى الضمير المنفصل، لأن الغرض من وضع الضمير الاختصار، والمتصل أشد اختصارًا من المنفصل. تقول: أكرمتك. ولا تقول: أكرمت إياك. لأنه أمكن الوصل. وقد يتعين الإتيان بالضمير منفصلاً، ولا يمكن الإتيان به متصلاً كأن يقع الضمير بعد (إلا) نحو: ربنا ما نرجوا إلا إياك. أو يتقدم الضمير على عامله نحو: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3) . وهذه القاعدة يستنثى منها ثلاث مسائل - كما ذكر ابن هشام - يجوز فيها الاتصال والانفصال، والخلاف إنما هو في الأرجح منهما.   (1) سورة آل عمران، آية: 16. (2) هذا هو الأيسر أن نعتبر الجميع ضميرًا بدون تجزئة (إيا) و (االكاف) . (3) سورة الفاتحة، آية: 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 المسألة الأولى: أن يكون الضمير ثاني ضميرين أولهما أعرف من الثاني، والعامل فيهما فعل غير ناسخ - كأعطى وأخواتها - وذلك كـ (الهاء) من قولك: الكتاب سلنيه. فيجوز في (الهاء) الاتصال، ويجوز الانفصال: نحو: الكتاب سلني إياه. والياء للمتكلم مفعول أول، والهاء للغائب مفعول ثان، وضمير المتكلم أعرف من ضمير الغائب بمعنى: أنه أشد تمييزًا لمسماه. وقوله: (بَمرْجُوحِيَّةٍ) أي أن الانفصال في هذه المسألة مرجوح. فيكون الاتصال أرجح لأنه الأصل. ولأنه مؤيد بالقرِآن قال تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} (1) .فـ (يكفي) فعل مضارع، والكاف مفعول أول، والهاء مفعول ثان، والميم علامة الجمع. ولفظ الجلالة فاعل. وقال تعالى: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} (2) فـ (نلزم) فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر والكاف مفعول أول، والميم علامة الجمع، والواو حرف إشباع و (ها) مفعول ثان. وقال تعالى: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا} (3) فـ (يسأل) فعل مضارع. والكاف مفعول أول، والميم علامة الجمع. والواو حرف إشباع، و (ها) مفعول ثان، والفاعل ضمير مستتر. ومن الانفصال قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها" (4) فـ (الكاف) مفعول أول، و (إياها) مفعول ثان. المسألة الثانية: أن يكون الضمير ثاني ضميرين، أولهما أعرف من الآخر، والعامل فيهما فعل ناسخ - كظن وأخواتها - نحو: الصديق ظَنَنْتُكَهُ. فـ (الكاف) مفعول أول، و (الهاء) مفعول ثانٍ. فيجوز الاتصال، ويجوز الانفصال. فتقول: الصديق ظننتك إياه. المسألة الثالثة: أن يكون الضمير خبراً لـ (كان) أو إحدى أخواتها. نحو: الصديق كُنْتَهُ. ويجوز: الصديق كنت إياه. بالانفصال.   (1) سورة البقرة، آية: 137. (2) سورة هود، آية: 28. (3) سورة محمد، آية: 37. (4) أخرجه أبو داود رقم (2549) وهو حديث صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وقوله: (بِرُجْحَانٍ) أي: أن الانفصال في هاتين المسألتين أرجح من الوصل عند الجمهور، لأنه خبر في الأصل. وحق الخبر الفصل قبل دخول الناسخ، وعند جماعة الوصل أرجح؛ لأنه الأصل. ومؤيد بالقرآن قال تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ} (1) فالكاف مفعول أول، والهاء مفعول ثان، والميم علامة الجمع، و (قليلاً) مفعول ثالث، ومثله (ولو أراكهم كثيرًا) ، وقال - صلى الله عليه وسلم - في شأن ابن صياد: "إن يَكُنْهُ فلن تسلط عليه، وإلا يكنه فلا خير لك في قتله"، فالهاء في قوله: (يكنه) خبر (يكن) . وقد جاء متصلاً. وهو عائد على الدجال، واسم (يكن) ضمير يعود على ابن صياد (2) . والحق أن كلاً من الفصل والوصل واردٌ عن العرب في المسائل الثلاث بكثرة تبيح القياس، وعليه فهذا الترجيح والخلاف مما لا طائل تحته، والله أعلم. 2- العلم قوله: (ثُمَّ الْعَلَمُ وَهُوَ: إِمَّا شَخْصِيٌ كَزَيْدٍ أَوْ جِنْسيٌ كَأُسَأمَةَ) . هذا القسم الثاني من أنواع المعارف وهو: العلم. وهو قسمان: 1- علم شخصي. … … … … 2- علم جنسي. والعلم الشخصي: هو الذي يعين مسماه مطلقاً. نحو: جاء خالد. هذه مكة. وقولنا: يعين مسماه: يخرج النكرة لأنها لا تدل على معين.   (1) سورة الأنفال - آية: 43. واعلم أن كلام الجمهور من أن الضمير خبر في الأصل لا يتأتى في هذه الآية لأن الضمير الذي جاء متصلاً وهو الهاء ليس خبرًا في الأصل بل هو مبتدأ والخبر في الأصل هو قوله (قليلاً) [حاشية يس على شرح الفاكهي 1/192] . (2) الحديث متفق عليه، وابن صياد واسمه (صاف) فيه بعض أوصاف الدجال، وقد هَمَّ عمر - رضي الله عنه - بقتله، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقطع بأنه الدجال ولا غيره فقال ذلك لعمر رضي الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وقولنا: مطلقاً. أي بلا قرينة. وهذا لإخراج بقية المعارف، فإن كل واحد منها لا يعين مسماه إلا بقرينة، كما سيأتي إن شاء الله، وسمى علم شخص؛ لأنه يدل على شخص معين معلوم. (1) أما العلم الجنسي: فهو الذي لا يخص واحدًا بعينه، وإنما يصلح للجنس كله. كقولك: هذا أسامة، (للأسد) ، فهذا لفظ صالح لكل أسد. وسمى (علم جنس) لأنه موضوع لكل فرد من أفراد الجنس. فـ (أسامة) يصلح لكل أسد و (ثُعَالة) يصلح لكل ثعلب، و (أم عِرْيَطٍ) لكل عقرب، وهكذا. قوله: (وَإِمَّا اَسْمٌ كَمَا مَثًَّلْنَا، أَوْ لَقَبٌ كَزَيْنِ العَابِدِينَ، وَقُفَّةَ (2) أَوْ كُنْيَةٌ كَأَبِي عَمْرو وَأَمِّ كُلْثُومٍ) . العلم الشخصي باعتبار وضعه ثلاثة أقسام: 1- اسم: وهو ما أطلق على الذات أولاً، نحو: عاصم، هند. 2- كنية: ما أطلق على الذات بعد التسمية وصُدِّرَ بأب، نحو أبو حفص عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ثاني الخلفاء الراشدين، أو أم، نحو: أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - راوية الحديث. 3- لقب وهو ما أطلق على الذات بعد التسمية، وأشعر بمدح كالمأمون والرشيد، أو ذم، كالجاحظ، والسفَّاح. قوله: (وَيُؤّخَّرُ اللَّقَبُ عَنِ الاِسْمِ تَابِعًا لَهُ مُطْلَقًا، أَوْ مَخْفُوضًا بإِضَافَتِهِ إِنْ أُفْرِدَا كَسَعِيدِ كُرْزٍ) .   (1) الأصل في العلم ِأنه لا يضاف ولا تدخل عليه (أل) المعرفة، لأنه معرفة بالعلمية فيستغنى بها عن أي تعريف آخر. لكن إن حصل لصاحبه مشارك في اسمه خرج عن كونه معرفة وجرى مجرى الأسماء الشائعة التي تحتاج إلى إيضاح وتعيين فيحتاج إلى تعريف بالإضافة - مثلاً - نحو: زيدكم، خالدكم ... وتكون معارف بالإضافة لا بالعلمية، انظر: شرح المفصل لابن يعيش (1/44) . (2) القُفَّة: القرعة اليابسة. والقفة: ما يتخذ من خوص كهيئة القرعة تضع فيه المرأة القطن ونحوه. وجمعها قفف. مثل غرفة وغرف (المصباح المنير) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 إذا اجتمع الاسم مع اللقب وجب تأخير اللقب عن الاسم، فتقول: عمر الفاروق ثاني الخلفاء الراشدين؛ لأن اللقب بمنزلة الصفة لإشعاره بالمدح أو الذم، وهي تتأخر عن الموصوف. (1) أما من حيث إعراب اللقب فقد ذكر المصنف أنه يعرب بإعراب الاسم، فيكون تابعًا له في رفعه ونصبه وجره. على أنه بدل منه أو عطف بيان. وقوله: (مطلقًا) أي سواء كان اللقب والاسم مفردين، أي: غير مركبين. نحو: جاء سعيدٌ كرزٌ (2) ورأيت سعيدًا كرزًا. ومررت بسعيدٍ كرزٍ. أم مركبين نحو: جاء عبدُ الله زينُ العابدين. أم مختلفين إفرادًا وتركيباً، مثل: جاء زيدٌ زينُ العابدين، وجاء عبدُ الله كرزٌ. ففي هذه الحالات الأربع يتبع اللقبُ الاسمَ في إعرابه. ويجوز في الحالة الأولى - وهي أن يكونا مفردين - إضافة الاسم إلى اللقب. فيكون اللقب مجرورًا بالإضافة، مراداً بالأول المسمى والثاني الاسم، نحو: جاء سعيدُ كرزٍ. لكن المختار في هذه الحالة الاتباع - كغيرها من الحالات - لأنه أيسر، ولأن الاتباع لا يحتاج إلى التأويل المذكور. لأنه يلزم على القول بالإضافة إضافة الشيء إلى نفسه، وهذا ممنوع كما ذكر النحويون في باب الإضافة. 3- اسم الإشارة قوله: (ثُمَّ الإشَارَةُ وهِيَ ذَا للْمُذَكَّرِ وذي وذِهِ وتِي وتِهِ وتَا لِلْمُؤَنَّثِ، وذَانِ وتَانِ لِلْمُثَنَّى بِالأَلِفِ رَفْعاً، وبالْيَاءِ جَرَّاً ونصبْاً، وأُولاَءِ لِجَمْعِهِمَا) . القسم الثالث من أقسام المعارف اسم الإشارة: وهو اسم يعين مسماه بإشارة حسية أو معنوية. فمثال الإشارة الحسية: هذا كتاب مفيد.   (1) قد يتقدم اللقب إذا كان أشهر من الاسم، كقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ} فالمسيح لقب وقد تقدم على الاسم (عيسى) . (2) كرز كبُرْج: خُرْج الراعي، بضم الخاء. وهو وعاء معروف، وعلى وزنه (فُعَّل) معناه: اللئيم والخبيث والحاذق (قاموس) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 ومثال الإشارة المعنوية: هذا رأي صائب. ولأسماء الإشارة تقسيمان: الأول: ما يلاحظ فيه الإفراد والتذكير وفروعهما، وهو ثلاثة أقسام: 1- ما يشار به للمفرد. فللمذكر (ذا) مثل: هذا تاجر صدوق، فـ (ها) للتنبيه (1) . و (ذا) اسم إشارة مبني على الكسون في محل رفع مبتدأ (تاجر) خبر (صدوق) صفة، وللمؤنث (ذي) نحو: هذي الفتاة تحسن الحجاب، و (ذه) بإسكان الهاء أو كسرها، وهو الأكثر نحو: هذه البنت مهذبة. و (تي) نحو: تيك المرأة تعرف معنى التربية، و (ته) بإسكان الهاء أو كسرها، و (تا) . 2- ما يشار به للمثنى، فللمذكر (ذان) في حالة الرفع، و (ذين) في حالتي النصب والجر، نحو: هذان عالمان جليلان، صافحت هذين العالمين، سلمت على هذين العالمين. وللمؤنث (تان) في حالة الرفع، و (تين) في حالتي النصب والجر. نحو: هاتان بنتان عاقلتان، تصدقت على هاتين المرأتين الكبيرتين. فـ (ها) للتنبيه (تان) اسم إشارة مبني على الألف (2) في محل رفع مبتدأ (بنتان) خبر. 3- ما يشار به للجمع بنوعيه. وهو لفظه (أولاء) نحو: هؤلاء الطلاب يحبون الفائدة. وهو مبني على الكسر دائماً كما تقدم في الأسماء المبنية. قوله: (وَالْبَعِيدُ بِالْكَافِ مُجَرَّدَةً مِنَ اللاَّمِ مُطْلَقاً، أَوْ مَقْرُونَةً بِهَا إلاَّ في الْمُثَنَّى مُطْلَقاً، وفِي الْجَمْعِ فِي لُغَةِ مَنْ مَدَّهُ وفِيمَا تَقَدَّمَتْهُ هَا التَّنْبِيهِ) .   (1) لأنها تنبه المخاطب إلى المشار إليه. (2) هذا هو الأولى في اسم الإشارة المثنى أنه مبني لا معرب، طردًا للباب على طريقة واحدة إذ لا معنى لإخراج حالة التثنية من البناء إلى الإعراب، ثم إن الظاهر أنهما ليسا مثنيين حقيقيين بل هما صيغتان وضعتا ابتداء للمثنى. فإن من النحاة من يرى أن ألف التثنية في (هذان) هي ألف (هذا) والنون للفرق بين الواحد والمثنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 التقسيم الثاني لأسماء الإشارة: ما يلاحظ فيه المشار إليه من جهة قربه أو بعده، فله مرتبتان: الأولى: أن يكون المشار إليه قريباً. وتستعمل فيه أسماء الإشارة، بدون زيادة (كاف) أو (لام) . نحو: هذا مطر غزير. الثاني: أن يكون المشار إليه بعيداً. وتستعمل فيه أسماء الإشارة بزيادة الكاف، نحو: ذاك رجل مقبل. أو الكاف واللام، نحو: ذلك الرجل (1) أقبل إلينا. وهذه الكاف حرف خطاب لا محل له من الإعراب وليست بضمير لأنها لو كانت ضميرًا لكانت مضافاً إليه، وأسماء الإشارة لا تضاف. وأما اللام فهي حرف دال على المبالغة في البعد تزاد قبل الكاف نحو: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} (2) فـ (ذا) اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، و (اللام) للبعد و (الكاف) حرف خطاب (الكتاب) بدل أو عطف بيان (لا) نافية للجنس (ريب) اسمها مبني على الفتح في محل نصب (فيه) خبر (لا) والجملة خبر المبتدأ. (3) وهذه اللام ملازمة للكاف إلا في التثنية فلا تزاد. ولا في الجمع في لغة من مده فقال: (هؤلاء) ، أما من قصره فقال: (أولى) فإنه يزيد اللام فيقول: (أُولا لك) وكذا فيما تقدمته (ها) التنبيه فلا يجوز: هذا لك. ولا تزاد أيضًا في أسماء الإشارة للمؤنث. 4- الاسم الموصول قوله: (ثُمَّ الْمَوْصُولُ، وهُوَ الَّذِي والَّتي واللَّذانِ واللَّتانِ بِالأَلِفِ رَفْعاً وبِالْيَاءِ جَرًّا ونَصبْاً ولِجَمْعِ الْمُذَكَّرِ الَّذينَ بِالْيَاءِ مُطْلَقاً والأُولَى ولِجَمْعِ الْمُؤنَّثِ اللاَّئي واللاتيِ) .   (1) ذكرنا فيما مضى أن الاسم المحلى بـ (أل) بعد اسم الإشارة إن كان مشتقًا فالأحسن إعرابه نعتًا نحو: ذلك الفاضل أقبل إلينا، وإن كان جامدًا كالرجل فالأحسن إعرابه بدلاً أو عطف بيان. (2) سورة البقرة، آية: 2. (3) في الآية أعاريب أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الرابع من أقسام المعارف. الاسم الموصول وهو: اسم يعين مسماه بقيد الصلة المشتملة على عائد. نحو: حضر الذي فاز ابنه فـ (الذي) اسم موصول مبهم، لا يدل على معين، وجملة (فاز ابنه) هي الصلة التي عينت المراد، وقد اشتملت على عائد يعود على الاسم الموصول، وهو: الضمير. وهو قسمان: الأول: اسم موصول مختص: وهو ما كان نصًا في الدلالة على بعض الأنواع لا يتعداها - وهو المراد هنا - وله ثمانية ألفاظ: 1- الذي: للمفرد المذكر، نحو: جاء الذي أخذ الجائزة. فـ (الذي) اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. 2- التي: للمفرد المؤنث، نحو: حضرت التي كتبت النصيحة، فـ (التي) اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. 3- اللذان (1) : للمثنى المذكر - رفعًا - واللذين نصبًا وجراً، نحو: قدم اللذين تبرعا بالمال. فـ (اللذان) اسم موصول مبني على الألف في محل رفع فاعل. (2) 4- اللتان: للمثنى المؤنث، وحكمه كالذي قبله. نحو: حضرت اللتان ضمدتا الجراح. شكرت اللتين ضمدتا الجراح. 5- الذين: لجمع الذكور. وهو بالياء (مطلقًا) أي في حالة الرفع والنصب والجر، نحو: أحب الذين علموني، فـ (الذين) اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. 6- الألى: لجمع الذكور، نحو: سرني الألى ساهموا في الدعوة. فـ (الألى) اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. 7- اللائي: لجمع المؤنث، ويجوز إثبات الياء وحذفها. نحو: حَضَرتِ اللائي جمعن الصدقات. فـ (اللائي) اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. وإن حذفت الياء فهي مبنية على الكسر. 8- اللاتي: لجمع المؤنث - أيضًا - وهي كالتي قبلها.   (1) تكتب اللذان بلامين فرقا بينهما وبين الذين، التي لجمع الذكور منعاً من الالتباس في حالتي النصب والجر.. (2) انظر ما تقدم في اسم الإشارة المثنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 قوله: (وَبِمَعْنى الْجِمِيعِ مَنْ ومَا وأَيٌّ وأَلْ في وصْفٍ صَريحِ لِغَيْرِ تَفْضيل كَالضَّارِبِ والْمَضْرُوبِ وذُو فيِ لُغَةِ طَيِّىءٍ، وذا بَعْدَ مَا أَوْ مَنْ الاسِْتِفهَامِيَّتَيْنِ) . هذا القسم الثاني من الأسماء - الموصولة وهو الموصول المشترك. وهو الذي لا يختص بنوع معين، وإنما يصلح للواحد وغيره، دون أن تتغير صيغته، والصلة هي التي تحدد المراد، وهو ستة: 1- من: وهي اسم موصول مبني على السكون، وتكون كثيرًا للعالِم (1) نحو: خرج من ألقى المحاضرة. ولغيره قليلاً نحو: من مخلوقات الله من يمشي على أربع. 2- ما: وهي اسم موصول مبني على السكون، وهي لغير العالِم كثيرًا نحو: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ} (2) . فـ (ما) اسم موصول مبتدأ (عندكم) عند: ظرف مكان منصوب متعلق بمحذوف صلة (ما) وهو مضاف. والكاف مضاف إليه. والميم علامة الجمع. وجملة (ينفد) خبر المبتدأ. ولغيره قليلاً نحو: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (3) . فـ (ما) اسم موصول فاعل (يسبح) والجار والمجرور (في السموات) متعلق بمحذوف صلة الموصول. 3- أيٌّ: وهي موصول مبني على الضم، إذا أضيفت وحذف صدر صلتها، نحو سلمت على أيُّهم أفضلُ. فـ (أيُّ) . مبنية على الضم في محل جر، لأنها أضيفت إلى الضمير، وصدر صلتها - وهو المبتدأ - محذوف، لأن الأصل: هو أفضلُ. وتعرب بالحركات فيما عدا ذلك نحو: كافأت أيَّهم هو مجتهد، فـ (أيَّ) مفعول به منصوب بالفتحة.   (1) اختار بعض النحاة أن يقال: (من) للعالم، بدل العاقل. لأن الله تعالى وصف نفسه بالعلم. وهي قد تستعمل في الدلالة عليه سبحانه في مثل (سبحان من يسبح الرعد بحمده) [انظر: الأدب المفرد للبخاري مع شرحه: فضل الله الصمد (2/185) ] . (2) سورة النحل، آية: 96. (3) سورة الجمعة، آية: 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 4- أل: وهي اسم موصول - وإن كانت على صورة الحرف - (1) وإعرابها يظهر على ما بعدها. وقوله: (في وصف صريح لغير تفضيل) أشار به إلى أن (ال) لا تكون اسماً موصولاً إلا بثلاثة شروط: الأول: أن تكون مع وصف. وهو ما دل على معنى وذات. الثاني: أن يكون الوصف صريحًا. والوصف الصريح: هو الاسم المشتق الذي يشبه الفعل في التجدد والحدوث شبهًا قويًا. بحيث يمكن أن يحل الفعل محله، وذلك هو اسم الفاعل نحو: أعجبني القارئ. واسم المفعول نحو: تصفحت المكتوب، وصيغ المبالغة نحو: فاز السابقون إلى الخيرات. الثالث: أن يكون الوصف لغير تفضيل. فإن كان لتفضيل كالأفضل والأعلم، فهي حرف تعريف، وليست موصولة، فلا تكون بمعنى (الذي) . 5- ذو: وهي اسم موصول عند قبيلة (طيئ) نحو: زارني ذو تعلم، أي: الذي تعلم. وهي مبنية على السكون في محل رفع أو نصب أو جر حسب موقعها في الجملة. 6- ذا: وأصلها اسم إشارة. وتأتي موصولة بمعنى (الذي) (2) بشرط أن تسبق بـ (ما) أو (من) الاستفهاميتين (3) نحو: ماذا عملت من الخير؟ ومن ذا عندك؟ فـ (ما) اسم استفهام مبتدأ و (ذا) اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر. وجملة (عملت) صلة.   (1) وإنما كانت اسمًا - على الراجح - لأن الضمير في نحو: حضر القائم بواجبه، يعود عليها والضمير لا يعود إلا على اسم. ولا مرجع له سواها. (2) الفرق بين (ذا) الموصولة والإشارية، أنها إن دخلت على مفرد فهي اسم إشارة نحو: من ذا الكاتب، أي: من هذا؟ لأن المفرد لا يصلح صلة لها، وإن دخلت على جملة أو شبه جملة فهي موصولة. (3) ويشترط فيها ألا تكون ملغاة. ومعنى الإلغاء: أن تركب (ما) أو (من) مع (ذا) تركيباً يجعلهما كلمة واحدة في المعنى والإعراب فمثلاً: ماذا عملت؟ يصح اعتبارها موصولة. كما ذكرنا. ويصح إلغاؤها واعتبار (ماذا) اسم استفهام مفعولاً مقدمًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 قوله: (وَصِلَةُ ألْ الْوَصْفُ، وصِلَةُ غَيْرِهَا إِمَّا جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ ذَاتُ ضَمير طِبْقٍ للْمَوْصُولِ يُسَمْى عَائِداً أو ظرفٌ أو جارٌ ومجرور، تامّان، متعلِّقان باستقرَّ محذوفاً) . يحتاج الاسم الموصول إلى صلة بعده توضح معناه وتزيل إبهامه - كما تقدم - وهذه الصلة ثلاثة أنواع: 1- الوصف: وهذا خاص بـ (ال) الموصولة. وقد مضى الكلام عليه. 2- الجملة اسمية أو فعلية. وشرطها أمران: الأول: أن تكون خبرية. ليكون مضمونها معلوماً عند المخاطب قبل الكلام نحو: جاء الذي زارنا بالأمس. فإن كانت إنشائية لم يصح وقوعها صلة نحو: جاء الذي أكرمْهُ. لأن الإنشائية لا يقع مضمونها إلا بعد ذكرها، فلا تكون معروفة عند المخاطب. فيفوت الإيضاح المقصود من الصلة. الشرط الثاني: أن تشتمل الجملة على ضمير يرجع إلى الاسم الموصول. وهو المسمى بـ (العائد) . وشرطه: أن يكون مطابقاً للاسم الموصول في إفراده وتثنيته وجمعه وتذكيره وتأنيثه، نحو جاء الذي فاز، أي: هو. وجاءت التي فازت، أي: هي. وجاء اللذان فازا. وجاء الذين فازوا. وجاءت اللاتي فُزْنَ. فجملة (فاز) وما بعدها، صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. 3- الظرف والجار المجرور، ويشترط في وقوعهما صلة أن يكون تامين أي: يحصل بالوصل بكل منهما فائدة. تزيل الإبهام وتوضح المراد، من غير حاجة لذكر متعلقهما، نحو: عرفت الذي عندك. وصافحت الذي في الدار. فالظرف (عندك) والجار والمجرور (في الدار) حصل في الوصل بهما فائدة؛ لأنهما متعلقان بمحذوف يدل على مجرد الوجود العام. فهو واضح وبَيِّنٌ لا حاجة إلى ذكره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وقوله: (مُتَعلِّقَانِ باسْتَقَرَّ مَحْذُوفاً) أي أن الظرف والجار والمجرور إذا وقعا صلة فلا بد أن يكون متعلَّقهما فعلاً نحو: استقر - حصل - ثبت، ولا بد أن يكون محذوفاً ولا يصح تقديره بوصف مثل: كائن، ومستقر؛ لأن الصلة لا تكون إلا جملة؛ لأنها هي التي تزيل الإبهام، ولا يجوز ذكره لعدم الحاجة إليه في كشف المراد. (1) قوله: (وَقَدْ يُحْذَفُ نَحْوُ: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} (2) ، {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} (3) {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} (4) ، {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} (5)) . الضمير في قوله (وقد يحذف) أي العائد. وهو إما أن يكون مرفوعًا أو منصوبًا أو مجرورًا. وشرط حذفه: أمن اللبس، وذلك بأن لا يصلح الباقي بعد حذفه لأن يكون صلة كاملة. لاشتماله على ضمير غير ذلك الضمير المحذوف. فمثلا جاء الذي هو أبو مسافر، لا يجوز حذف العائد المرفوع (هو) ؛ لأن الباقي بعد الحذف مشتمل على عائد وهو (الهاء) .   (1) الكون العام: هو الذي يدل على مجرد الوجود العام دون شيء آخر زائد عليه نحو: سلمت على الذي عندك. فـ (عندك) لا يفيد شيئاً أكثر من الدلالة على وجود الشخص وجودًا مطلقاً. فهو متعلق بمحذوف تقديره: استقر، ولا حاجة لذكره، وأما الكون الخاص: فهو الذي يدل على معنى زائد على مجرد الوجود العام. فإن دل عليه دليل حذف وإلا وجب ذكره فمثلاً: عرفت الذي قرأ عندك. لا يجوز حذف المتعلق (قرأ) لعدم ما يدل عليه. ونحو: ذاكر خالد في المسجد وعاصم في المنزل. فتقول: بل عاصم الذي في المسجد. أي بل عاصم الذي ذاكر في المسجد. فصح حذفه لوجود الدليل. (2) سورة مريم، آية: 69. (3) سورة يس - آية 35. والتمثيل بالآية إنما يتم على قراءة حمزة والكسائي وأبي بكر بحذف الهاء (وما عملت) . لكن كتبت الآية برسم المصحف على قراءة حفص بإثبات الهاء. (4) سورة طه، آية: 72. (5) سورة المؤمنون، آية: 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 ومثال حذف العائد المرفوع: كثر الإقبال على حلقات العلم التي هي كفيلة بإصلاح الفرد والمجتمع. فيجوز حذف العائد المرفوع (هي) ، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} (1) فـ (أيُّهم) اسم موصول مبني على الضم في محل نصب مفعول به، والهاء مضاف إليه، والميم علامة الجمع. و (أشدُّ) خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هو) ، وهو العائد. ومثال حذف العائد المنصوب: لا تقل ما لا تعلم وإن قلَّ ما تعلم. فـ (ما) اسم موصول في الموضعين، وقد حذف العائد المنصوب، وتقديره: ما لا تعلمه وإن قلَّ ما تعلمه. ومنه قوله تعالى: {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} فـ (ما) اسم موصول مبني على السكون في محل جر عطف على قوله: {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} (2) ، وجملة (عملت) صلة، والعائد محذوف أي: عملته. وقد قرأ أبو بكر والكسائي وحمزة بحذف العائد، وقرأ الباقون بذكره على الأصل. (3) ومثال المجرور بالإضافة: ابذل ما أنت باذل في وجوه البر، فـ (ما) اسم موصول، وقد حذف العائد المجرور بالإضافة، والتقدير: ما أنت باذله، ومنه قوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} (4) فـ (ما) اسم موصول مفعول به. وقد حذف العائد؛ لأنه مجرور بالإضافة، والتقدير: قاضيه. ومثال المجرور بالحرف: استفد مما يستفيد العقلاء، أي: استفد مما يستفيد منه العقلاء، فحذف العائد المجرور بالحرف. ومنه قوله تعالى: {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} (5) فـ (مما) : من: حرف جر. و (ما) اسم موصول مبني على السكون في محل جر. وجملة (تشربون) صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، والعائد محذوف تقديره: مما تشربون منه. 5- المعرَّف بـ (ال)   (1) سورة مريم، آية: 69. (2) سورة يس، آية: 35. (3) انظر: الكشف لمكي (2/216) والتبصرة له ص (32) . (4) سورة طه، آية: 72. (5) سورة المؤمنون، آية: 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 قوله: (ثُمَّ ذو الأَدَاةِ وهِيَ أَلْ عِنْدَ الخَلِيل وسيبَويْهِ لاَ اللاَّمُ وحْدَها خِلافاً لْلأَخْفَش، وتَكُونُ لِلْعَهْدِ نَحْوُ: {فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ} (1) ، وجَاءَ الْقَاضِي، أوْ لِلْجِنْس كَأَهْلَكَ النَّاسَ الدِّينَارُ والدِّرْهُم، {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (2) ، أَوْ لاِسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِهِ نَحْوُ: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (3) أَوْ صِفَاتِهِ نحْوُ: زَيدٌ الرَّجُلُ) . هذا القسم الخامس من المعارف: وهو المعرَّف بـ (ال) وقد اختلف النحويون في حرف التعريف في مثل (الغلام) فقال الخليل بن أحمد: المعرِّف هو (ال) أي: الحرفان معاً، والهمزة همزة قطع أصلية بدليل فتحها. وُصِلَتْ (4) ، لكثرة الاستعمال. وهذا هو الراجح لسلامته من دعوى الزيادة. وقال سيبويه والأخفش: المعرف هو اللام وحدها (5) والهمزة زيدت للنطق بالساكن، فلا مدخل لها في التعريف. و (ال) المعرفة ثلاثة أنواع:   (1) سورة النور، آية: 35. (2) سورة الأنبياء، آية: 30. (3) سورة النساء، آية: 28. (4) همزة الوصل: كل همز يثبت في الابتداء ويسقط في الدرج. وهمزة القطع كل همز يثبت في أول الكلام وفي درجه. ولها بحث في آخر الكتاب إن شاء الله. (5) هذا هو المشهور عند النحاة وقد نص عليه ابن هشام في شرحه على (القطر) مخالفاً ما في المتن. وذكر السجاعي في حاشيته على شرح القطر ص (52) أن هذا قول آخر لسيبويه وهو أن حرف التعريف ثنائي. ولكن همزته همزة وصل. معتد بها في الوضع ومثل هذا الخلاف لا يستفيد منه الطالب ولا سيما المبتدئ، فكان على المصنف - رحمه الله - ألا يذكره. انظر: الجنى الداني ص (138) (192) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 1- لتعريف العهد أي: تعريف ذي العهد. بمعنى: الشيء المعهود، وهي التي تدخل على النكرة فتفيدها درجة من التعريف تجعل مدلولها فردًا معينًا بعد أن كان مبهمًا شائعًا، والعهد ثلاثة أنواع: (أ) عهد ذكري: وهو أن يكون مدخول (ال) تقدم له ذكر في الكلام، كقوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} (1) وفائدتها: التنبيه على أن مصحوبها هو الأول بعينه (2) . ب- عهد ذهني: وهو أن يكون مدخول (ال) معلومًا لدى المخاطب، نحو: جاء القاضي، إذا كان بينك وبين مخاطبك عهد في قاضٍ خاص، قال تعالى: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} (3) ج- عهد حضوري: وهو أن يكون مصحوب (ال) حاضراً، كقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (4) . أي: اليوم الحاضر، وهو يوم عرفة؛ لأن الآية نزلت فيه. 2- لتعريف الجنس. وهي التي تدخل على لفظ الجنس لبيان حقيقته الذاتية القائمة في الذهن دون التعرض لأفراده. نحو: أهلك الناس الدينار والدرهم أي: جنسهما، وليس المراد كل فرد. فإن من الدنانير والدراهم ما يكون زادًا لصاحبه إلى الجنة. ومنه قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (5) (6) أي: من هذه الحقيقة لا من كل شيء اسمه ماء.   (1) سورة النور، آية: 35. (2) انظر مغني اللبيب ص (861) وما بعدها. (3) سورة التوبة، آية: 40 (4) سورة المائدة، آية: 3. (5) سورة الأنبياء، آية: 30. (6) كل شيء: مفعول به للفعل (جعلنا) لأنه بمعنى خلقنا. و (حي) صفة لـ (شيء) فإن كان (جعلنا) بمعنى: صيرنا. فـ (كل شيء) مفعول أول (من الماء) مفعول ثان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 3- للاستغراق: وهي الداخلة على واحد من الجنس لإفادة الاستغراق والشمول. وعلامتها صحة وقوع (كل) موقعها. وهي إما لاستغراق الأفراد كقوله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (1) أي: كل فرد من أفراد الإنسان ضعيف. أو لاستغراق صفات الأفراد، نحو: خالد الرجل. أي الجامع لصفات الرجال المحمودة. إذ لو قيل: خالد كل رجل، على وجه المبالغة والمجاز لصحَّ، بمعنى أنه اجتمع فيه ما افترق في غيره من الرجال. ومنه قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} (2) أي الكتاب الكامل في الهداية الجامع لصفات جميع الكتب المنزلة وخصائصها. والفرق بين هذه الأقسام الثلاثة: أن العهدية يراد بمدخولها فرد معين، والتي لتعريف الجنس يراد بمصحوبها نفس الحقيقة، لا ما تصدق عليه من الأفراد، والتي للاستغراق يراد بمصحوبها كل الأفراد حقيقة، أو مجازا ً (3) . قوله: (وإبْدَالُ اللاَّم ميماً لُغَةٌ حِمْيَرِيَّةٌ) أي إبدال اللام في (ال) المعرِّفة لغة لقبيلة حِمْيَرٍ من قبائل اليمن. فيقولون في (الغلام) : أمغلام، وفي (الفرس) : أمفرس. 6- المضاف لمعرفة قوله: (وَالمُضَافُ إلَى وَاحدٍ مِمَّا ذُكِرَ، وهُوَ بِحَسَبِ مَا يُضَافُ إلَيْه إلاَّ المُضَافَ إلَى الضَّمِيرِ فَكالْعَلَمِ) . هذا القسم السادس من أقسام المعارف. وهو النكرة المضافة لواحد من أقسام المعرفة. فإذا أضيفت النكرة للضمير أو العلم أو اسم الإشارة أو لاسم الموصول، ِأو المعرف بـ (ال) اكتسبت التعريف وصارت معرفة.   (1) سورة النساء، آية: 28. (2) سورة البقرة، آية: 2. والآية تقدم إعرابها في آخر اسم الإشارة. (3) انظر: الجنى الداني ص (195) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 ورتبة المضاف في التعريف كرتبة ما أضيف إليه، فـ (سيرةُ عمرَ - رضي الله عنه - حميدةٌ) في رتبة العلم. (وعملُ هذا الصانِع متقن) في رتبة الإشارة (ولا تصغ إلى وعدِ مَنْ لا يفي) في رتبة الموصول. و (عاقبةُ الصبرِ محمودة) في رتبة ذي الأداة، ولا يستثنى من ذلك إلا المضاف إلى الضمير فليس في رتبة المضمر، وإنما هو في رتبة العلم - على القول الصحيح الذي اختاره ابن هشام في شرح الشذور (1) - بدليل أنك إذا قلت: مررت بخالد صاحبِك أعربت (صاحبِك) نعتاً لـ (خالد) ، وهو علم. فلو كان المضاف إلى الضمير في رتبة الضمير لكانت الصفةُ أعرفَ من الموصوف؛ لأن الضمير أعرف من العلم، وهذا لا يجوز. فدل على أن المضاف إلى الضمير في رتبة العلم. والقول الثاني أن ما أضيف لمعرفة فهو في رتبتهما حتى الاسم المضاف للضمير فهو في رتبة الضمير، وليس في رتبة العلم، لأن الأنسب أن تكون الصفة التي سيقت للإيضاح - كما في المثال المذكور - أعرف من الموصوف العلم. ثم إنه لا يلزم إعراب (صاحبك) صفة. بل يجوز كونه بدلاً أو عطف بيان. وهذا القول وجيه في نظري، والله أعلم. (2) باب المبتدأ والخبر قوله: (المُبْتَدَأ والْخَبَرُ مَرْفُوعانِ: كالله رَبُّنا، ومُحمَّدٌ نَبِيُّنا) . المبتدأ قسمان: 1- مبتدأ له خبر، وهو الغالب. 2- مبتدأ له مرفوع سد مسد الخبر، وسيأتي إن شاء الله.   (1) شرح الشذور ص (156) . (2) انظر حاشية الصبان (1/107) الحاشية العصرية على شرح الشذور ص (400) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 والمبتدأ اسم (1) في أول جملته غالباً مجرد عن العوامل اللفظية (2) نحو: ربنا. فلفظ الجلالة اسم جاء في أول الجملة، لم يدخل عليه عامل لفظي كحرف جر أصلي، أو فعل أو غيرهما فيكون مبتدأ، أما نحو: في الدار رجل، فليست كلمة (الدار) مبتدأ؛ لوجود العامل اللفظي وهو حرف الجر (في) ، وشرط المبتدأ أن يتجرد من العامل اللفظي، فالجار والمجرور خبر مقدم. و (رجل) مبتدأ مؤخر، لأنه تجرد عن العوامل اللفظية. وأما الخبر فهو: المسند الذي تتم به مع المبتدأ فائدة (3) نحو: العلم نافع. فـ (نافع) مسند تمت به مع المبتدأ وهو (العلم) فائدة. فيكون خبراً. وخرج بهذا التعريف فاعل الوصف - كاسم الفاعل مثلاً - نحو: أقائم خالد؟، فإنه وإن تمت به مع المبتدأ فائدة، لكنه مسند إليه لا مسند. وخرج بقولنا: (مع المبتدأ) . نحو انتصر. في قولك: انتصر الحق، فإنه وإن كان مسنداً تمت به الفائدة لكن ليس مع مبتدأ، بل مع الفاعل.   (1) قد يكون الاسم صريحًا وهو ما لا يحتاج في اسميته إلى تأويل وهو الغالب نحو: الكتاب جديد، وقد يكون مؤولاً وهو المصدر المسبوك من (أن) المصدرية نحو: (وأن تصوموا خير لكم) . أي: وصومكم خير لكم. (2) يستثنى من العامل اللفظي حرف الجر الزائد والشبيه بالزائد فإنه يدخل على المبتدأ فإذا قلت: هل من رجل موجود. فـ (رجل) مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. ونحو، رب رجل قائم. رجل: مبتدأ. كما في الذي قبله. ولا أثر للحرفين (من) و (رب) لأن المبتدأ تجرد عن العوامل الأصلية. (3) هذا هو الأصل والغالب أن الخبر يتمم بنفسه الفائدة مع المبتدأ، لأن المبتدأ محكوم عليه. والخبر محكوم به كما في الأمثلة. وقد يتممها أحياناً بمساعدة لفظ آخر كالنعت في مثل قوله تعالى: {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} فإن معنى الخبر (قوم) معلوم. والذي تمم الفائدة الأساسية هو النعت بعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وحكم المبتدأ والخبر الرفع. ورافع المبتدأ عامل معنوي، وهو الابتداء. وهو وجود المبتدأ في أول الجملة لا يسبقه شيء، ورافع الخبر عامل لفظي، وهو المبتدأ مثل: القرآن شفاء. فـ (القرآن) مبتدأ مرفوع بالابتداء، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة (شفاء) خبر مرفوع بالمبتدأ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. قوله: (ويَقَعُ المُبْتَدَأُ نَكِرَةً إنْ عَمَّ أَوْ خَصَّ نَحْوُ مَا رَجُلٌ في الدَّارِ، و {أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} (1) ، و {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} (2) وخَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ الله) (3) . الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة؛ لأن المبتدأ محكوم عليه والخبر هو الحكم. كقولك: خالد حاضر. ولا يجوز الحكم على مجهول، لعدم الفائدة، فلا تقول: طالب مجتهد. ويصح وقوع المبتدأ نكرة إذا أفادت. وتحصل الفائدة بأمرين: الأول: أن تكون النكرة عامة لكل فرد من أفراد الجنس، سواء كانت عامة بنفسها، نحو: كلٌ يموت، أو بغيرها ... نحو: ما رجل في الدار. لأن النكرة في سياق النفي تعم. وكقوله تعالى: {أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} (4) لأن النكرة في سياق الاستفهام تعم. و (إله) مبتدأ (ومع الله) خبر. الثاني: أن تكون خاصة في فرد من أفراد الجنس نحو: نومٌ مبكرٌ أفضلُ من سهر، ومنه قوله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} (5) فالمتبدأ (عبد) خاص؛ لأنه وُصِفَ فحصلت به فائدة ليست للعبد الذي لم يوصف. وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: " خمس صلوات كتبهن الله " فالمبتدأ (خمس) خاص؛ لأنه أضيف فاتضح المراد من الخمس التي كُتِبَتْ وأنها خمس صلوات. و (كتبهن الله) خبر.   (1) سورة النمل، آية: 60. (2) سورة البقرة، آية: 221. (3) انظر الموطأ للإمام مالك رحمه الله (1/123) . (4) سورة النمل، آية: 60. (5) سورة البقرة، آية: 221. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 قوله: (وَالْخَبَرُ جُمْلَةٌ لَهَا رَابطٌ كَزَيْدٌ أَبُوهُ قائمٌ، {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} (1) ، {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ} (2) ، وزَيْدٌ نِعْمَ الرَّجُلُ، إِلاَّ في نحوِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3)) . الخبر ثلاثة أنواع: 1- مفرد: وهو ما ليس جملة ولا شبه جملة، نحو: العلم نافع. المشي مفيد. 2- جملة: وهي ما تألفت من مسند ومسند إليه. 3- شبه جملة: وسيأتي. أما الجملة فهي إما اسمية أو فعلية: فالاسمية نحو: الإسلام رايته عالية. فـ (الإسلام) مبتدأ أول مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه الضمة. (رايته) مبتدأ ثان. والهاء مضاف إليه (عالية) خبر المبتدأ الثاني مرفوع وعلامة رفعه الضمة، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول. (4) والفعلية نحو: الصدق يهدي إلى البر، فـ (الصدق) مبتدأ (يهدي) فعل مضارع. وفاعله ضمير مستتر جوازاً تقديره: "هو" يعود إلى (الصدق) والجملة خبر. وإذا وقعت الجملة خبراً فلا تخلو: إما أن تكون نفس المبتدأ في المعنى أو لا، فإن كانت نفس المبتدأ في المعنى لم تحتج إلى رابط يربطها بالمبتدأ نحو: حديثي العملُ ثمرةُ العلمِ. فـ (حديثي) مبتدأ أول، والياء مضاف إليه، و (العمل) مبتدأ ثان، و (ثمرة العلم) خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول.   (1) سورة الأعراف، آية: 26. (2) سورة الحاقة، آية: 1، 2. (3) سورة الإخلاص، آية: 1. (4) إذا كان الخبر جملة اسمية فلابد من اشتمال الكلام على مبتدأ أول ومبتدأ ثان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 فهذه الجملة الواقعة خبراً عن المبتدأ (حديثي) مطابقة له في المعنى لأن الحديث هو: العملُ ثمرةُُ العلم، والعملُ ثمرةُ العلم هو: الحديث، ومنه قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) فـ (هو) مبتدأ. و (الله أحد) مبتدأ وخبره. والجملة خبر المبتدأ الأول. وهي مرتبطة به لأنها نفسه في المعنى. (2) فإن لم تكن جملةُ الخبر نفسَ المبتدأ في المعنى فلا بد فيها من رابط يربطها بالمبتدأ، لتكون شديدة الاتصال بالمبتدأ. ولولا الرابط لكانت أجنبية. لأن الأصل في الجملة أنها كلام مستقل. فإذا جاء الرابط عُلِمَ أنها خبر للمبتدأ. وهذا الرابط أنواع: 1- الضمير العائد على المبتدأ. وهو أصل الروابط وأقواها، نحو: المجتهد يفوز بغايته، فـ (المجتهد) : مبتدأ، وجملة (يفوز بغايته) خبر، والهاء هي الرابط، ونحو: خالد أبوه قائم. فـ (خالد) مبتدأ و (أبوه قائم) مبتدأ وخبره. والجملة خبر المبتدأ الأول والرابط الهاء قال تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (3) فـ (المطلقات) مبتدأ ((يتربصن)) فعل وفاعل خبر.والرابط نون الإناث. 2- الإشارة إلى المبتدأ نحو: الاجتهاد ذلك أساس النجاح، فـ (الاجتهاد) مبتدأ أول (ذلك أساس النجاح) مبتدأ وخبره. والجملة خبر المبتدأ الأول، والرابط اسم الإشارة العائد على المبتدأ الأول.   (1) سورة الإخلاص، آية: 1. (2) هذا الإعراب على أن (هو) ضمير الشأن أو الحديث أو الخبر أي: الحديث الحق الله أحد. والوجه الثاني: (هو) مبتدأ، بمعنى المسؤول عنه، لأن المشركين قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انسب لنا ربك؟ فأنزل الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ} رواه الترمذي وحسنه الألباني. ولفظ الجلالة خبره و (أحد) بدل أو خبر لمبتدأ محذوف أو خبر بعد خبر. (3) سورة البقر، آية: 228. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 ومنه قوله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} (1) فـ (لباس) مبتدأ أول (التقوى) مضاف إليه. و (ذلك خير) مبتدأ وخبره، والجملة خبر المبتدأ الأول. والرابط اسم الإشارة العائد على المبتدأ الأول. 3- إعادة المبتدأ بلفظه. وأكثر ما يكون ذلك في مواضع التفخيم نحو الإخلاصُ ما الإخلاصُ؟ ـ (الإخلاص) مبتدأ أول (ما الإخلاص) مبتدأ وخبر، والجملة خبر المبتدأ الأول، ومنه قوله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} (2) أو التهويل نحو: الحربُ ما الحربُ؟ ومنه قوله تعالى: {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ} (3) فـ (الحاقة) مبتدأ أول (ما الحاقة) مبتدأ وخبره، والجملة خبر المبتدأ الأول، والرابط بينهما إعادة المبتدأ بلفظه. 4- أن يكون الرابط عمومًا يدخل تحته المبتدأ، نحو: الوفيُّ نعم الرجل، فـ (الوفي) مبتدأ و (نعم الرجل) فعل وفاعل، والجملة خبر المبتدأ. والرابط بينهما العموم. وذلك لأن (ال) في (الرجل) للعموم. و (الوفي) فرد من أفراده، فدخل في العموم فحصل الربط. قوله (وَظَرْفاً مَنْصُوباً نحْوُ: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} (4) وجاراً ومَجْرُوراً كـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (5) وتَعَلُّقُهُمَا بِمسْتَقرٍ أو اسْتَقَرَّ مَحْذُوفَيْنِ) . هذا القسم الثالث من أقسام الخبر وهو شبه الجملة (6) والمراد به: الظرف بنوعيه - الزماني والمكاني - والجار والمجرور، وشرط الإخبار بهما حصول الفائدة.   (1) سورة الأعراف، آية: 26. (2) سورة الواقعة، آية: 27. (3) سورة الحاقة، آية: 1، 2. (4) سورة الأنفال، آية: 42. (5) سورة الفاتحة، آية: 2. (6) أطلق على الظرف والمجرور (شبه الجملة) لأنهما أشبها الجملة في كونهما متعلقين بالفعل أو ما يشبهه وأنه لا يتم معناهما إلا بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 مثال ظرف الزمان: الصومُ يومَ الخميس، فالصوم مبتدأ (يوم) ظرف منصوب متعلق بمحذوف خبر، (الخميس) مضاف إليه. ومثال ظرف المكان: المسجدُ أمامَ المنزل، فـ (المسجد) مبتدأ (أمام) ظرف منصوب متعلق بمحذوف خبر، (المنزل) مضاف إليه. ومثال الجار والمجرور: الكتاب في الحقيبة، فـ (الكتاب) مبتدأ (في الحقيبة) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر. والمشهور عند النحاة أن الخبر هو المتعلَّقُ المحذوف. فيقدر فعلاً نحو استقر، أو اسماً نحو: مستقر. (1) ومن أمثلة الظرف قوله تعالى: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} (2) فـ (الركب) مبتدأ (أسفل) ظرف مكان منصوب متعلق بمحذوف خبر تقديره (كائن) أو (مستقر) (منكم) متعلق بـ (أسفل) ، ومن أمثلة الجار والمجرور: قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3) فـ (الحمد) مبتدأ و (لله) جار ومجرور متعلق بحذوف خبر، تقديره (كائن) أو (مُسْتَحَقٌ) (ربِّ) صفة للفظ الجلالة، (العالمين) مضاف إليه مجرور بالياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. قوله: (وَلاَ يُخْبَرُ بالزَّمانِ عَنِ الذَّات، واللَّيْلَةَ الهِلاَلُ مُتَأوَّلٌ) .   (1) هناك قول آخر وهو أن الخبر الظرف والجار والمجرور، لأنهما يتضمنان معنى صادفاً على المبتدأ فيكونان في محل رفع خبر. وهذا رأي وجيه. وفيه تيسير ولاسيما على المبتدئين. (2) سورة الأنفال، آية: 42. (3) سورة الفتحة، آية: 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 يقع اسم الزمان خبرًا عن اسم المعنى، نحو: الصوم غدًا. ولا يقع خبرًا عن اسم الذات (1) نحو: محمد اليوم، لعدم الإفادة. لأن من شأن الذوات الاستمرار في جميع الأزمنة المقدرة لوجودها. فلا فائدة في الإخبار عنها بزمن مخصوص. بخلاف الأمكنة. كما سيأتي. وأما قولهم: (الليلةَ الهلالُ) . مما ظاهره الإخبار باسم الزمان عن اسم الذات، فهو موؤل على حذف مضاف هو اسم معنى، أي: الليلةَ طلوعُ الهلالِ، أو رؤية الهلال. فـ (الليلة) خبر مقدم، و (الهلال) مبتدأ مؤخر على حذف مضاف. وسكت المصنف - رحمه الله - عن اسم المكان لأنه يقع خبرًا عن الذات، نحو: الكتاب أمامك. وعن اسم المعنى، نحو: الاجتماع عندك. قوله: (وَيُغْنى عَنِ الْخَبَرِ مَرْفُوعُ وصفٍ مَعْتَمِدٍ عَلَى اسْتِفْهَامٍ أوْ نَفْيٍ نَحْوُ: أَقاطِنٌ قوْمُ سَلْمَى، وما مَضْروبٌ الْعَمْرانِ) . تقدم أن المبتدأ قسمان: مبتدأ له خبر، وقد مضى الكلام عليه، ومبتدأ له مرفوع أغنى عن الخبر. وهو المذكور هنا. (2) والمراد به: كل وصف مستغنٍ بمرفوعه في الإفادة وإتمام الجملة، والوصف: ما دل على معنى وصاحبه، كاسم الفاعل، واسم المفعول. وشرطه هنا: أن يُسْبَقَ بنفي أو استفهام. على القول المشهور.   (1) المراد باسم الذات هو الجسم الذي نحسه بالبصر أو بغيره من الحواس كالإنسان والشجرة والقلم والكتاب والهلال ... واسم المعنى: هو الأمر المفهوم غير المحسوس كالعلم والأدب والصوم ونحو ذلك. (2) القسمان يتفقان في التجرد عن العوامل اللفظية. وأن العامل فيهما معنوي وهو الابتداء. ويفترقان في أن المبتدأ الذي له خبر قد يكون اسمًا صريحًا وهو الغالب وقد يكون مؤولاً - كما تقدم - أما المبتدأ المستغني بمرفوعه فلا يكون إلا صريحًا. كما أنه لابد أن يعتمد على نفي أو استفهام. - كما سنذكر - بخلاف الأول فلا يشترط فيه شيء من ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 فمثال النفي: ما نافع الكذب، ما محبوب المغتاب. فـ (ما) نافية و (نافع) مبتدأ و (الكذب) فاعل سد مسد الخبر، و (ما محبوب) كالذي قبله. (المغتاب) نائب فاعل سد مسد الخبر. ومثال الاستفهام: أحاضر الضيف؟ أمكتوب الواجب؟، ومنه قوله الشاعر: أقاطنٌ قومُ سلمى أم نووا ظَعَنَا … … إن يظعنوا فعجيبٌ عيشُ من قَطَنَا (1) فـ (قاطن) مبتدأ. (قوم) فاعل سد مسد الخبر. وقد اعتمد على الاستفهام وهو الهمزة. ومثل المصنف بمثالين، لبيان أنه لا فرق بين أن يكون الوصف رافعًا للفاعل، أو لنائب الفاعل (2) . قوله: (وَقَدْ يَتَعَدَّدُ الْخَبَرُ نحْوُ: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} (3)) . يجوز تعدد الخبر لمبتدأ واحد، لأن الخبر وصف للمبتدأ في المعنى، والنعت يجوز تعدده، فكذا ما هو بمنزلته. والتعدد نوعان:   (1) أقاطن: أي أمقيم. من قطن: إذا أقام، ظعنا: بفتح الظاء والعين هو الارتحال. وقوله: (إن يظعنوا ... إلخ) أي أنه لا يطيق الحياة بعد ارتحالهم. إعرابه: (أقاطن قوم سلمى) أعرب في الأصل. (أم) حرف عطف (نووا) فعل ماض مبني على فتح مقدر على آخره المحذوف للتخلص من التقاء الساكنين، منع من ظهوره التعذر، والواو فاعل. (ظعنا) مفعول به (إن) حرف شرط جازم (يظعنوا) فعل مضارع فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف النون. والواو فاعل. (فعجيب) الفاء واقعة في جواب الشرط و (عجيب) خبر مقدم (عيش) مبتدأ مؤخر. وهو مضاف و (من) اسم موصول مضاف إليه مبني على السكون في محل جر (قطنا) فعل ماض مبني على الفتح. والألف للإطلاق. والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره (هو) يعود على (من) والجملة لا محل لها صلة. وجملة المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط. (2) ضابط ذلك: أنه إن كان الوصف اسم فاعل فما بعده فاعل. وإن كان اسم مفعول فما بعده نائب فاعل. (3) سورة البروج، آية: 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 1- أن يتعدد لفظاً ومعنى. وعلامة هذا النوع صحة الإخبار بكل خبر على انفراده. نحو: معهدُنا علميٌّ أدبيٌ، ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} (1) فـ (هو) مبتدأ و (الغفور) خبر أول و (الودود) خبر ثان، وقد تعدد الخبر في اللفظ والمعنى. وإذا استعمل هذا النوع بالعطف جاز اتفاقًا. 2- أن يتعدد لفظًا لا معنى، وعلامة هذا النوع عدم صحة الإخبار بكل خبر على انفراده، لقيام الخبر المتعدد مقام خبر واحد نحو: هذا البرتقال حلوٌ حامض. أي متوسط بين الحلاوة والحموضة، ولا يجوز الإخبار بكل خبر على انفراده؛ لأنه لا يتم المعنى المراد، ولا يجوز العطف؛ لأن المجموع بمنزلة الخبر الواحد في المعنى. قوله: (وَقَدْ يَتَقَدَّمُ نحْوُ: في الدَّار زَيْدٌ، وأَيْنَ زَيْدٌ) . اعلم أن الأصل تأخر الخبر عن المبتدأ؛ لأنه وصف له في المعنى، فاستحق التأخير كالوصف. وقد يتقدم على المبتدأ إما جوازاً وإما وجوباً. أما التقدم الجائز فضابطه: ألا يوجد في الكلام ما يوجب التقدم ولا ما يوجب التأخر. نحو: في الدار زيد. بتقديم الخبر، ويجوز تأخره على الأصل، نحو: زيد في الدار. وأما التقدم الواجب ففي أربعة مواضع: 1- أن يكون المبتدأ نكرة ليس لها مسوِّغ إلا تقدم الخبر، وهو ظرف أو جار ومجرور، نحو: في الإيجاز بلاغةٌ، عندي ضيفٌ. ولو أخر الخبر فقيل: بلاغةٌ في الإيجار، ضيفٌ عندي، لتوهم السامع أنه صفة لا خبر، لأن النكرة أحوج إلى الصفة منها إلى الخبر، ولبقي ينتظر الخبر. فإن كان للنكرة مسوِّغ جاز التقديم والتأخير، نحو: رجلٌ عالمٌ عندي، ويجوز: عندي رجلٌ عالمٌ. 2- أن يكون في المبتدأ ضمير يعود على بعض الخبر، نحو: لِمجالس العلم روادها، فالضمير في المبتدأ (روادها) يعود على بعض الخبر، وهو كلمة (مجالس) ، ولو أخر الخبر لعاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهو ممنوع هنا.   (1) سورة البروج، آية: 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 3- أن يكون الخبر له صدر الكلام في جملته (1) نحو: أين زيد (2) ؟ فـ (أين) خبر مقدم (زيد) مبتدأ مؤخر. 4- أن يكون الخبر محصورًا بـ (إنما) أو بـ (إلا) نحو: إنما القائد خالد، ما الهادي إلا الله، ففي الأول: قصرُ صفة القيادة على خالد، فالمحكوم عليه هو (خالد) وهو المتأخر والمحكوم به وهو صفة القيادة هو المتقدم، فـ (إنما) أداة حصر (القائد) خبر مقدم (خالد) مبتدأ مؤخر، وفي الثاني: قصرُ صفةِ الهداية على الله تعالى، فـ (ما) نافية (الهادي) خبر مقدم. (إلا) أداة حصر (الله) مبتدأ مؤخر. قوله: (وَقَدْ يُحْذَفُ كُلٌّ مِنَ المُبْتَدَأ والْخَبرِ نَحْوُ: {سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} (3) أَيْ عَلَيْكُمْ أَنْتُمْ) . بحذف كل من المبتدأ والخبر إذا دل عليه دليل، ولم يتأثر المعنى بحذفه. فمثال حذف الخبر أن يقال: من عندك؟ فتقول: خالد. التقدير: خالد عندي، ومنه قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} (4) فـ (ظلها) مبتدأ، وخبره محذوف دل عليه ما قبله، أي: وظلها دائم. وأما حذف المبتدأ فيكثر في المواضع الآتية:   (1) الألفاظ التي لها الصدارة هي: أسماء الاستفهام والشرط و (ما) التعجبية و (كم) الخبرية فإذا وقعت مبتدأ وجب تقديمه. وما وقع منها خبرًا وجب تقديمه أيضًا. (2) الذي يميز اسم الاستفهام الواقع مبتدأ أو خبراً هو جواب الاستفهام فإذا قيل في الجواب: زيد في المسجد. فـ (في المسجد) تقابل (أين) فدل على أنها خبر. (3) سورة الذاريات، آية: 25. (4) سورة الرعد، آية: 35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 1- في جواب الاستفهام، نحو: كيف الحال؟ فتقول: حسن. التقدير: الحال الحسن. ومنه قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} (1) أي: هي نار الله. 2- بعد (فاء) الجزاء، نحو: من أخلص في عمله فلنفسه. أي: فإخلاصه لنفسه. ومنه قوله تعالى: {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} (2) أي فالإبصارُ لنفسه، والعمى عليها. 3- بعد القول، كقوله تعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا} (3) أي: هو أساطير الأولين. وقد اجتمع حذف كل منهما وبقاء الآخر في قوله تعالى: {سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} (4) ، فـ (سلام) مبتدأ حذف خبره، أي: سلام عليكم. و (قوم) خبر حذف مبتدؤه، أي: أنتم قوم. قوله: (وَيَجِبُ حَذْفُ الْخَبَرِ قَبْلَ جَوَابَيْ لَوْلاَ، والْقِسَمِ الصَّرِيحِ، والْحَالِ المُمْتَنِع كَوْنُها خَبَراً، وبَعْدَ وَاوِ المُصَاحَبَةِ الصَّرِيحَةِ نَحْوُ: {لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} (5) ، ولَعُمْرُكَ لأَفْعَلَنَّ، وضَرْبِي زَيَداً قائماً، وكُلُّ رَجُلٍ وضَيْعَتُهُ) . يجب حذف خبر المبتدأ في أربع مسائل:   (1) سورة الهمزة، آية: 4، 5 و (ما) اسم استفهام مبتدأ و (أدري) فعل ماضٍ مبني على الفتح مقدر على الألف للتعذر، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به أول، وفاعله ضمير مستتر جوازاً تقديره (هو) يعود على (ما) ، والجملة خبر المبتدأ. وجملة (ما الحطمة) في محل نصب مفعول به ثانٍ للفعل (أدراك) . (2) سورة الأنعام، آية: 104. (3) سورة الفرقان، آية: 5. (4) سورة الذاريات، آية: 25. (5) سورة سبأ، آية: 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 1- أن يكون الخبر قبل جواب (لولا) الامتناعية. وهي الدالة على امتناع الثاني لوجود الأول، نحو: لولا الهواءُ ما عاش مخلوق. فحذف الخبر وهو لفظ (موجود) لوقوعه قبل جواب (لولا) إذ التقدير: لولا الهواء موجود ما عاش مخلوق. ومنه قوله تعالى: {لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} (1) ، فـ (أنتم) مبتدأ، والخبر محذوف أي: صددتمونا. بدليل {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ} (2) . 2- أن يكون الخبر قبل جواب القسم الصريح. وهو ما يعلم بمجرد لفظه كون الناطق به مقسماً نحو: لعمر الله (3) لأنصرن المظلوم، فـ (اللام) للابتداء (عمر الله) مبتدأ ومضاف إليه، والخبر محذوف وجوباً تقديره: قسمي. فإن لم يكن القسم صريحًا بأن غلب استعماله في غير القسم لم يجب الحذف، نحو: عهدُ الله لأفعلن الخير، أي: عهدُ الله عليَّ. فهذا ليس بصريح في القسم، بل هو محتمل قبل الإتيان بالجواب. إذ يصح أن يقال: عهدُ الله يجب الوفاء به، فلا يكون قسمًا.   (1) سورة سبأ، آية: 31. (2) التمثيل بهذه الآية للحذف الواجب فيه نظر. لأن الخبر كون خاص وهو (صددتمونا) دل عليه دليل (أنحن صددناكم) وحذف الخبر للدليل جائز لا واجب. فالأولى التمثيل بما يكون فيه الخبر كوناً عاماً كقوله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} وقد تقدم في باب الموصول معنى الكون العام والكون الخاص. (3) العمر، بضم العين وفتحها، هو البقاء والحياء. ولا يستعمل مع لام الابتداء إلا مفتوحًا؛ لأن القسم موضع التخفيف لكثرة استعماله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 3- أن يكون الخبر قبل حال لا تصلح خبرًا نحو: ضربي زيدًا قائمًا. فـ (ضربي) مبتدأ، والياء مضاف إليه. و (زيدًا) مفعول به للمصدر. و (قائمًا) حال من (زيد) والخبر ظرف محذوف مع جملة فعلية بعده أضيف إليها. والتقدير: ضربي زيدًا إذا كان قائماً [في المستقبل] وتقدر (إذ) في الماضي. و (كان) تامة. وهذه الحال لا تصلح خبرًا؛ لأن الخبر وصف للمبتدأ في المعنى، والضرب لا يوصف بالقيام. 4- إذا وقع الخبر بعد واو المصاحبة الصريحة، وهي التي يصح حذفها وَوَضْعُ كلمةِ (مَعَ) موضعَها. فلا يتغير المعنى بل يتضح نحو: كلٌّ رجلٍ وضيعتُه (1) فـ (كل) مبتدأ و (رجل) مضاف إليه و (ضيعته) معطوف على المبتدأ، والخبر محذوف، أي: مقترنان، وإنما حذف للعلم به، ولأن العطف يسد مسده. فإن لم تكن الواو للمصاحبة بل لمجرد التشريك في الحكم لم يحذف الخبر وجوبًا، نحو خالد وعاصم متباعدان. وكذا إن كانت للمصاحبة ولكنها ليست صريحة، نحو: الرجل وجاره مقترنان. وإنما لم تكن صريحة لأن الجار لا يلازم جاره، ولا يكون معه في الأوقات كلها أو أكثرها. باب كان وأخواتها قوله: (النَّواسِخُ لِحُكْم المُبَتَدأ والْخَبرِ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ. أَحَدُهَا كَانَ وأَمْسى وأَصْبَحَ وأَضَحْى وظَلَّ وبَاتَ وصَارَ ولَيسَ ومَا زَالَ ومَا فَتِئَ ومَا انْفَكَّ ومَا بَرِحَ ومَا دَامَ، فَيَرْفَْعنَ المُبَتَدأَ اسْماً لَهُنَّ ويَنْصِبْنَ الْخَبَرَ خَبَراً لَهُنَّ نحْوُ: {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} (2)) . لما فرغ ابن هشام - رحمه الله - من الكلام على المبتدأ والخبر ذكر النواسخ، وهي جمع ناسخ. والنسخ في اللغة يطلق على الإزالة، يقال: نسخت الشمس الظل: أزالته. فسميت بذلك لأنها تزيل حكم المبتدأ والخبر وتغيره. وهي من حيث العمل ثلاثة أنواع:   (1) الضيعة: بضاد معجمة: الحرفة والصناعة. (2) سورة الفرقان، آية: 54. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 1- ما يرفع المبتدأ وينصب الخبر. وهو "كان وأخواتها"، وما حمل على (ليس) من الحروف النافية، وأفعال المقاربة (1) . 2- ما ينصب المبتدأ ويرفع الخبر. وهو إن وأخواتها. ولا النافية للجنس. 3- ما ينصبهما معاً، وهو ظن وأخواتها. فـ (كان) وأخواتها ترفع المبتدأ ويسمى اسمها، وتنصب الخبر ويسمى خبرها، وقد ذكر المؤلف منها ثلاثة عشر فعلاً، وهي ثلاثة أقسام: (أ) ما يعمل هذا العمل بلا شرط، وهو ثمانية أفعال: 1- كان: ويفيد اتصاف الاسم بالخبر في الماضي مع الانقطاع نحو: كان الجو صحواً، أو مع الاستمرار، نحو قوله تعالى: {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} (2) فـ (كان) فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر، (ربك) اسمها مرفوع بها، والكاف مضاف إليه (قديراً) خبرها منصوب بها. 2- أمسى: ويفيد اتصاف الاسم بالخبر في وقت المساء نحو: أمسى الجو باردًا. 3- أصبح: ويفيد اتصاف الاسم بالخبر في وقت الصباح نحو: أصبح الساهر متعبًا. 4- أضحى: ويفيد اتصاف الاسم بالخبر في وقت الضحى نحو: أضحى الطالب نشيطاً. 5- ظل: ويفيد اتصاف الاسم بالخبر في جميع النهار غالبًا نحو: ظل الجوُّ حارًا. 6- بات: يفيد اتصاف الاسم بالخبر في وقت البيات وهو الليل نحو: بات الحارس ساهراً. 7- صار: يفيد تحول الاسم من حالته إلى الحالة التي يدل عليها الخبر نحو: صار الحديد بابًا.   (1) لم يذكر ابن هشام - رحمه الله - أفعال المقاربة في القطر. (2) سورة الفرقان، آية: 54. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 8- ليس: يفيد نفي الخبر عن الاسم في الزمن الحالي عند الإطلاق (1) نحو: ليست المكتبة مفتوحة. (ب) ما يعمل بشرط أن يتقدمه نفي أو نهي أو دعاء وهو أربعة: (زال، وبرح وفتئ وانفك) فمثال النفي: لا يزال البرد قارساً، فـ (لا) نافية و (يزال) فعل مضارع يرفع الاسم وينصب الخبر (البرد) اسمها (قارساً) خبرها. ومثال النهي: لا تفتأ محسنًا إلى الفقراء. فـ (لا) ناهية (تفتأ) فعل مضارع يرفع الاسم وينصب الخبر مجزوم. واسمه ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنت (محسنًا) خبر (تفتأ) (إلى الفقراء) متعلق بالخبر. ومثال الدعاء: لا زال بيتكم عامرًا بطاعة الله، فـ (لا) دعائية (زال) فعل ماض يرفع الاسم وينصب الخبر (بيتكم) اسمها والكاف مضاف إليه، والميم علامة الجمع (عامرًا) خبرها. وهذه الأربعة تدل على ملازمة الخبر للاسم ملازمة مستمرة لا تنقطع. أو مستمرة إلى وقت الكلام ثم تنقطع بعد وقت طويل أو قصير. فالأول نحو: ما زال الأدب حلية طالب العلم. ومثال الثاني: لا يزال الخطيب يتكلم.   (1) المراد بالإطلاق عدم وجود قرينة تدل على أن النفي واقع في الزمن الماضي، أو المستقبل كالمثال المذكور. فإن معناه: نفي فتح المكتبة الآن، وهو زمن المتكلم. فإن وجد قرينة تدل على أن النفي واقع في الماضي أو المستقبل عمل بها نحو: ليس خالد مسافراً أمس، أو غدا. وقد تكون للنفي المجرد من الزمن كقول العرب: ليس الإنسان الصورة إنما الإنسان العقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 (ج) ما يعمل بشرط أن تتقدمه (ما) المصدرية الظرفية، وهو (دام) ومعنى المصدرية: أنها تقدر بالمصدر وهو الدوام. والظرفية: لنيابتها عن الظرف وهو (مدة) ، ومثالها: لا أصحبك ما دمت منحرفًا. فـ (ما) مصدرية ظرفية. و (دام) فعل ماض ناقص. والتاء اسمها. و (ما) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بإضافة ظرف الزمان، والتقدير: مدة دوامك، ولما حذف الظرف نابت (ما) وصلتها منابه فاستحقت إعرابه. فهي في محل نصب (منحرفاً) خبر (ما دام) . ومعنى (ما دام) : استمرار المعنى الذي قبلها مدة محدودة، هي مدة ثبوت معنى خبرها لاسمها، فنفي الصحبة في المثال السابق، يدوم بدوام وقت معين محدود هو: مدة الانحراف. قوله: (وقَدْ يَتَوَسَّطُ الْخَبرُ نحْوُ: * فَلَيْسَ سَوَاءً عالِمٌ وجَهُولٌ *) . قد يتوسط الخبر- في هذا الباب- بين الاسم والفعل مع جميع الأفعال، وهذا التوسط نوعان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 1- توسط جائز: إذا لم يوجد ما يوجب التوسط ولا ما يوجب التأخر (1) نحو: كان الخطيب مؤثرًا. أو كان مؤثرًا الخطيب. ومن ذلك قوله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (2) فـ (حقاً) خبر (كان) مقدم (نصر المؤمنين) اسمها مؤخر. ومضاف إليه، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ} (3) فقد قرأ الكوفيون (4) وابن عامر بنصب (عاقبة) على أنه خبر مقدم لـ (كان) و (السُّوأى) اسمها مؤخر على أحد الأعاريب. والتقدير: (ثم كانت السوأى (5) عاقبة الذين أساءوا) . ومنه أيضًا قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} (6) فقد قرأ حمزة وحفص - من السبعة - بنصب (البرَّ) على أنه خبر (ليس) مقدم، والمصدر المؤول من (أن تولوا) اسمها مؤخر، أي: ليس البرَّ تولية وجوهِكم، وقرأ الباقون برفع (البر) على أنه اسم (ليس) والخبر هو المصدر المؤول، ومنه - أيضاً - قول الشاعر:   (1) وجوب التوسط سيذكر قريبًا إن شاء الله. وأما وجوب التأخر فمن مواضعه عدم تميز الاسم من الخبر لكون الإعراب مقدراً نحو: كان شريكي أخي. فـ (شريكي) اسم (كان) و (أخي) هو الخبر، ولا يجوز تقديمه على الاسم لوقوع اللبس. وفرق بين الجملتين. (2) سورة الروم، آية: 47. (3) سورة الروم، آية: 10. (4) الكوفيون هم: عاصم بن أبي النجود (م 127هـ) وحمزة بن حبيب الزيات (م 156) وعلي بن حمزة الكسائي (م 189) . وأما ابن عامر وهو عبد الله بن عامر فهو شامي (م 118) وبقية السبعة نافع بن عبد الرحمن المدني (م 169) وعبد الله بن كثير المكي (م 120) وأبو عمرو بن العلاء البصري (م154) وهؤلاء قرأوا بالرفع. (5) السوأى: جهنم. والحسنى: الجنة. (6) سورة البقرة، آية: 117. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 سلي إن جهلتِ الناسَ عنا وعنهمُ … … فليس سواءً عالمٌ وجهولُ (1) فـ (سواءً) خبر (ليس) مقدم. و (عالمٌ) اسمها مؤخر. وقوله (وقَدْ يَتَوَسَّطُ) يفيد أن الأصل تأخر الخبر، وتوسطه جائز. 2- توسط واجب: وذلك في موضعين: الأول: أن يكون الخبر محصوراً في الاسم نحو: ما كان مستفيدًا إلا المجدُّ. الثاني: أن يتصل بالاسم ضمير يعود على بعض الخبر نحو: كان في الفصل طلابُه، وقد تقدم إيضاح ذلك في باب المبتدأ والخبر. قوله: (وقَدْ يَتَقَدَّمُ الْخَبَرُ إلاَّ خَبَرَ دَامَ ولَيْسَ) . قد يتقدم الخبر على الاسم والفعل، وهذا التقدم نوعان: 1- تقدم جائز نحو: كان الجو باردًا. فتقول: باردًا كان الجو. 2- تقدم واجب. كأن يكون الخبر اسماً واجب الصدارة كأسماء الاستفهام نحو: أين كان الغائب؟ فـ (أين) اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب خبر (كان) مقدم (الغائب) اسمها مؤخر. ومنه قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (2) فـ (كيف) اسم استفهام في محل نصب خبر مقدم لـ (كان) و (عاقبة) اسمها.   (1) إعرابه: (سلي) فعل أمر مبني على حذف النون. وياء المخاطبة: فاعل. (إن) حرف شرط جازم (جهلت) فعل وفاعل. وهو فعل الشرط وجوابه محذوف دل عليه السياق. (الناس) مفعول به لـ (سلي) (عنا) جار ومجرور متعلق بـ (سلي) (وعنهم) معطوف على المجرور السابق (فليس) الفاء للتعليل (ليس) فعل ماض ناقص (سواء) خبر مقدم لـ (ليس) (عالم) اسم ليس مؤخر (وجهول) معطوف عليه. (2) سورة الروم، آية: 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 ولا يستثنى من أفعال هذا الباب إلا (دام، وليس) ، أما (دام) فلا يجوز تقدم الخبر على (ما) المتصلة بها، فلا تقول: لا أصحبك منحرفًا ما دمت، وعللوا لذلك بأن تقديم الخبر على (ما) يقتضي تقديم بعض الصلة على الموصول؛ لأن (ما) مصدرية. فهي موصول حرفي وما بعده صلة له، فلو قدم الخبر لزم منه تقدم بعض أجزاء الصلة، وهذا لا يجوز (1) . وأما تقدمه على (دام) وحدها فالظاهر الجواز، تقول: لا أصحبك ما منحرفاً دمت. وأما (ليس) فقد وقع الخلاف في جواز تقديم خبرها عليها. والمنع أرجح؛ لأن ذلك لم يرد في لسان العرب. قوله: (وتختَصُّ الْخَمْسَةُ الأُوَلُ بُمَرادَفَةِ صَارَ) . تختص الخمسة الأول من أفعال هذا الباب وهي: كان. أمسى. أصبح. أضحى. ظل. بمرادفة (صار) فتستعمل فيما يدل على التحول والانتقال نحو: احترق الخشب فكان ترابًا،   (1) انظر: شرح الأشموني بحاشية الصبان (1/233) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 ومنه قوله تعالى: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) } (1) أي: (صارت) ؛ لأن المعنى يقتضي هذا. وتقول: أصبح الكتاب مبذولاً، وإنما كانت بمعنى (صار) لأن المراد ليس مقصوراً على وقت الصباح، ومنه قوله تعالى: {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (2) وتقول: شرحت له باب (الفاعل) فأمسى واضحاً، وإنما كانت بمعنى (صار) لأن المراد ليس مقيداً بوقت المساء، وتقول: أضحى طلب العلم ميسورًا؛ لأن المراد ليس مقيداً بوقت الضحى. ومثال (ظل) : قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) } (3) وإنما كانت بمعنى صار، لأن وجهه لم يكن مسودًا قبل البشرى، وإنما تحول إلى السواد بعد ولادة البنت. قوله: (وغَيرُ لَيْسَ وفَتئَ وزَالَ بجَوَاز التَّمام أي: الاسْتِغْنَاء عَن الْخَبر نحْوُ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (4) ، {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) } (5) {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} (6)) .   (1) سورة النبأ، آية: 19، 20. (2) سورة آل عمران، آية: 103. (3) سورة النحل، آية: 58. وقيل: إنّ (ظلَّ) على بابها [انظر: تفسير البحر المحيط (5/488) ] . (4) سورة البقرة، آية: 280. (5) سورة الروم، آية: 17. (6) سورة هود، آية: 107. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 تختص غير (ليس، زال، فتئ) من أفعالها هذا الباب بجواز استعمالها تامة. ومعنى التمام: أن تستغنى بمرفوعها عن الخبر فتكون كغيرها من الأفعال التامة. ويعرب فاعلاً، نحو: إذا كان الشتاء فاجتهد في الصدقة. فـ (كان) فعل ماض تام بمعنى: جاء، و (الشتاء) فاعل، ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (1) فـ (ذو عسرة) فاعل (كان) وقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (2) أي تدخلون في المساء، و (تمسون) فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو فاعل، ومثله (تصبحون) . وقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} (3) أي ما بقيت و (السموات) فاعل، وقوله تعالى: {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} (4) أي: ترجع، و (الأمور) فاعل، وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} (5) فقوله: (لا أبرح) أي: لا أذهب. والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنا. وتقول: أضحينا. أي دخلنا في الضحى. و (نا) فاعل: وبات بالقوم، أي: نزل بهم ليلاً، والفاعل ضمير مستتر، وتقول: لو ظل الظلم هلك الناس. فـ (ظل) بمعنى دام. وتقول: فككت حلقات السلسلة فانفكت، أي: انفصلت، والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره (هي) . هذا هو المراد بالتمام في هذا الباب.   (1) سورة البقرة، آية: 280. (2) سورة الروم، آية: 17. (3) سورة هود، آية: 107. (4) سورة الشورى، آية: 53. (5) سورة الكهف، آية: 60. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وأما النقصان - الذي هو الأصل فيها - فمعناه احتياج هذه الأفعال إلى منصوب، إذ لا يتم معناها بذكر مرفوعها فقط، فإذا قلت: كان خالد. لم تدل إلا على الوجود المطلق الذي هو ضد العدم؟، وهذا غير مراد ولا مطلوب، فإذا جاء الخبر، وقلت: كان خالد مسافرًا، تحدد المعنى. وتم المراد. وأما (زال وفتئ وليس) فهي ملازمة للنقصان، فلا تستعمل تامة كما تقدم. والمراد (زال) التي مضارعها (يزال) ، أما (زال) التي مضارعها (يزول) فهي تامة، وليست من أفعال هذا الباب، نحو: صلاة الظهر إذا زالت الشمس. قوله: (وكانَ بِجَوَازِ زِيَادَاتِها مُتَوَسِّطَةً نحْوُ: ما كان أَحْسَنَ زَيْداً) . هذا معطوف على ما تقدم أي: وتختص كان عن باقي أخواتها بأحكام خاصة، وقد ذكر منها ابن هشام أربعة: الأول: جواز زيادتها، ومعنى زيادتها أنها غير عاملة، وأن الكلام يستغني عنها، ولا ينقص معناه بحذفها، وتزاد لإفادة التوكيد وتقوية الكلام، وعلى هذا فـ (كان) الزائدة غير (كان) الناقصة و (كان) التامة، وقد مضتا، وشرط زيادتها أمران: 1- أن تكون بلفظ الماضي. 2- أن تكون متوسطة بين شيئين متلازمين، كالمبتدأ والخبر نحو: (الكتابُ كان مفيدٌ) ، وبين (ما) وفعل التعجب نحو: (ما كان أحسن زيدًا) فـ (ما) تعجيبة مبتدأ و (كان) زائدة، و (أحسن) فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: هو، يعود على (ما) و (زيدًا) مفعول به، والجملة خبر. قوله: (وحَذْفِ نُونِ مُضَارِعَها المَجْزُومِ وصْلاً إنْ لَمْ يَلْقَهَا سَاكِنٌ ولاَ ضَمِيرُ نَصْبٍ مُتَّصِلٌ) . الثاني: مما تختص به كان: جواز حذف نون مضارعها، وذلك بخمسة شروط: 1- أن يكون المضارع مجزومًا، فلا حذف في نحو: من تكونُ له الجائزة؟ لعدم الجزم. 2- أن يكون الجزم بالسكون، ولم يذكره المصنف، لأنه الأصل والمتبادر عند الإطلاق، فلا حذف في نحو: إن تأخرتم لم تكونوا مستفيدين، لأن الجزم ليس بالسكون، وإنما بحذف النون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 3- أن لا يقع بعد النون ضمير نصب متصل، بخلاف قوله - صلى الله عليه وسلم -: لعمر - رضي الله عنه - في شأن ابن صياد "إن يَكُنْهُ فلن تسلط عليه، وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله" (1) فلا يجوز حذف النون، لأن بعدها ضمير نصب متصل، وهو الهاء. 4- أن لا يقع بعدها ساكن، بخلاف قولك (لم يكن الجوُّ صحوًا) فلا تحذف النون لوقوع الساكن بعدها، وهو لام التعريف. 5- أن يكون ذلك في حالة الوصل، فلا تحذف حال الوقف نحو (لم أكن) ؛ لأن النون في حالة الوقف ترجع وتظهر. والمثال: (لم يكُ طالبُ العلم مقصرًا) وقال تعالى: {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (2) وقال تعالى عن مريم: {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} (3) فقوله (ولم يك) أصله: لم يكوْنْ، فهو مجزوم بالسكون على النون، فالتقى ساكنان: الواو والنون، فحذفت الواو للتخلص من التقائهما، فصار: لم يكنْ، ثم حذفت النون تخفيفاً، فـ (لم يك) (لم) حرف نفي وجزم وقلب، و (يك) فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة للتخفيف. قوله (وحَذْفِها وحْدَهَا مُعَوِّضاً عَنَها (مَا) في مِثْل: أمَّا أَنْتَ ذَا نَفَرٍ، ومَعَ اسْمِهَا في مِثْلِ: إِنْ خيراً فَخَيرٌ، والْتَمِسْ ولَوْ خاتَماً مِنْ حَديدٍ) . الثالث: مما تختص به (كان) : جواز حذفها وبقاء اسمها وخبرها. وذلك بعد (أن) المصدرية، في كل موضع: أريد فيه تعليل شيء بشيء.   (1) تقدم معنى هذا الحديث في بحث الضمير. (2) سورة النحل، آية: 120. (3) سورة مريم، آية: 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 مثال ذلك: أمَّا أنت غنياً فتصدق. والأصل: تصدق لأن كنت غنيًا، فقدمت اللام: وما بعدها على (تصدق) للاختصاص. ثم حذفت اللام للاختصار والتخفيف، فصار: أن كنت غنيًا، ثم حذفت (كان) للاختصار، فانفصل الضمير فصار: أن أنت غنيًا: ثم أتى بـ (ما) الزائدة عوضاً عن (كان) ثم أدغمت النون في الميم فصار: أما أنت غنيًا، فـ (أما) عبارة عن (أن) المصدرية. المدغمة في (ما) و (أنت) اسم لكان المحذوفة و (غنيًا) خبرها ومثله قول الشاعر: (1) أبا خراشة أما أنت ذا نفر … فإن قومي لم تأكلهم الضبع (1) والأصل: فَخَرْتَ عليَّ لأن كنت ذا نفر. فعمل فيه ما ذكرنا. الرابع مما تختص به (كان) : جواز حذفها مع اسمها وبقاء خبرها وذلك بعد (إن) و (لو) الشرطيتين. نحو: المرء محاسب على عمله إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر. فـ (خيرًا) خبر لكان المحذوفة مع اسمها و (فخير) خبر لمبتدأ محذوف. والتقدير إن كان عمله خيرًا فجزاؤه خير، وإن كان عمل شرًا فجزاؤه شر.   (1) أبا خراشة: كنية المخاطب بهذا البيت. (ذا نفر) أي: جماعة (الضبع) المراد هنا السنوات المجدبة. … إعرابه: أبا خراشة: منادي بحرف نداء محذوف. منصوب بالألف، لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف و (خراشة) مضاف إليه مجرور بالفتحة، لأنه لا ينصرف للعلمية والتأنيث (أما أنت ذا نفر) أعربت في الأصل. (فإن) الفاء للتعليل و (إن) حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر (قومي) اسم (إن) منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم. والياء مضاف إليه (لم) حرف نفي وجزم وقلب. (تأكلهم) فعل مضارع مجزوم بالسكون والهاء: مفعول به ضمير متصل في محل نصب والميم: علامة الجمع (الضبع) فاعل (تأكل) والجملة في محل رفع خبر (إن) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 ومثال الحذف بعد (لو) قوله - صلى الله عليه وسلم -: (التمس ولو خاتمًا من حديد) (1) فـ (خاتمًا) خبر (كان) المحذوفة مع اسمها، والتقدير: ولو كان الملتمس خاتَماً من حديث. الحروف العاملة عمل (ليس) قوله: (وَمَا النَّافِيَةُ عِِنْدَ الحِجازِيِّينَ كلَيْسَ إنْ تَقَدَّمَ الاسم ولَمْ يُسْبَقْ بِإنْ ولاَ بِمَعْمُول الْخَبر إلاَّ ظَرْفاً، أوْ جاراً ومجْروراً، ولا اقْتَرَنَ الْخَبرُ بِإلاَّ نحْوُ: {مَا هَذَا بَشَرًا} (2)) . اعلم أنهم أجروا ثلاثة أحرف من حروف النفي مُجْرَى (ليس) في رفع الاسم ونصب الخبر، وهي: (ما) و (لا) و (لات) ، ولكل منها كلام يخصها. والكلام الآن في (ما) وهي حرف يفيد نفي المعنى عن الخبر في الزمن الحالي عند الإطلاق (3) وإعمالها عمل (ليس) لغة الحجازيين وبها جاء التنزيل، قال تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} (1) ، وقال تعالى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} (4) ، فـ (ذا) اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع اسم (ما) و (بشرًا) خبرها منصوب، و (هن) ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع اسم (ما) و (أمهاتهم) خبر (ما) منصوب وعلامة نصبه الكسرة، لأنه جمع مؤنث سالم، والهاء مضاف إليه، والميم علامة الجمع، ولا تعمل عندهم إلا بأربعة شروط: 1- أن يتقدم اسمها على خبرها، فإن تقدم الخبر بطل عملها، نحو: (ما الفقر عيبًا) فلو قيل: ما عيب الفقر، بتقديم الخبر بطل عملها. ووجب رفع ما بعدها على أنه مبتدأ وخبر. 2- ألا يقترن اسمها بـ (إنْ) الزائدة، فإن اقترن بطل عملها، نحو (ما إنِ الحقُ منهزمٌ) برفع (منهزم) على أنه خبر المبتدأ.   (1) متفق عليه. (2) سورة يوسف، آية: 31. (3) المراد بإطلاق عدم وجود قرينة تحدد المراد بالزمن. فإن وجدت أخذ بها. انظر ما تقدم في الكلام على (ليس) . (4) سورة المجادلة، آية: 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 3- ألا يتقدم معمول خبرها على اسمها، فإن تقدم بطل عملها، نحو (ما العاقلُ مصاحبًا الأحمقَ) فتقول: ما الأحمقَ العاقلُ مصاحبٌ، برفع مصاحب، لأنه خبر المبتدأ، إلا إن كان المعمول ظرفًا أو جارًا ومجرورًا، فيجوز إعمالها وإهمالها مع تقدمه، نحو: ما في الشر أنت راغبًا، وما عندي معروفك ضائعًا، والأصل: ما أنت راغبًا في الشر. وما معروفك ضائعاً عندي. 4- ألا يقترن الخبر بـ (إلا) فإن اقترن بطل عملها، نحو: ما دنياك إلا فانية. برفع (فانية) على أنه خبر المبتدأ. قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} (1) . قوله: (وكَذَا لاَ النَّافِيةِ في الشِّعْرِ بِشَرْطِ تَنْكِيرِ مَعْمُولَيْهَا نحْوُ: تَعَزَّ فَلاَ شَيءٌ عَلَىَ الأْرْضِ باقِياً … … ولاَ وَزَرٌ مِمَّا قَضى الله وَاقياً) الحرف الثاني مما يعمل عمل ليس: (لا) وهي النافية للواحد (2) وهي لنفي معنى الخبر في الزمان الحالي عند الإطلاق، نحو: لا طالب حاضرًا. أي: الآن، فـ (لا) نافية عاملة عمل ليس (طالب) اسمها مرفوع بها (حاضرًا) خبرها منصوب بها، وقد ذكر المصنف لإعمالها شرطين: الأول: أن يكون ذلك في الشعر خاصة، فلا تعمل في النثر. ولا يخفى أنه إذا اثبت السماع عن العرب فلا حاجة لتقييده بالشعر. الثاني: تنكير معموليها أي: اسمها وخبرها. فلا تعمل في المعرفة. ومن شواهد إعمالها في النكرات قول الشاعر: تعزَّ فلا شيء على الأرض باقيًا … ولا وَزَرٌ مما قضى الله واقياً (3)   (1) سورة آل عمران، آية: 144. (2) أي نفي حكم الخبر عن فرد واحد نحو: لا طالب غائباً. فتدل على نفي الغياب عن طالب واحد. وتحتمل أيضاً نفي الغياب عن الجنس كله. وهذا بخلاف (لا) النافية للجنس وسيأتي مزيد إيضاح لذلك في باب (لا) النافية للجنس إن شاء الله. (3) تعز: أي تصبَّرْ أمر من تعزى يتعزى. والوزر: بالفتح الملجأ، والواقي الحافظ، وإعرابه في الأصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 فـ (لا) نافية عاملة عمل ليس. (شيء) اسمها و (باقيًا) خبرها. وكذا الشطر الثاني. ويشترط لها زيادة على هذين الشرطين ما يشترط في عمل (ما) فلا يتقدم خبرها على اسمها. ولا ينتقض نفيها بـ (إلا) . قوله: (وَلاَتَ لكنْ في الحين، ولاَ يُجْمَعُ بَيْنَ جُزّءَيْها، والغَالِبُ حَذْفُ المَرْفُوعِ نَحْوُ: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} (1)) . الحرف الثالث مما يعمل عمل (ليس) : (لات) وهي حرف مبني على الفتح، تفيد نفي معنى الخبر في الزمن الحالي عند الإطلاق. وشرط عملها أمران: 1- أن يكون اسمها وخبرها لفظ (الحين) وما رادفه، كالساعة والوقت ونحوهما، وإعمالها في (الحين) أكثر. 2- أن يحذف أحدهما، والغالب حذف المرفوع، وهو اسمها، نحو: ندم الطالب المتأخر ولات وقت ندامة، أي: لات الوقتُ وقتَ ندامةٍ، والمعنى: ليس الوقت وقت ندامة، ومنه قوله تعالى: {فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} (2) بنصب (حين) وهي قراءة الجمهور، أي: ولات الحينُ حينَ مناصٍِ، فحذف الاسم، و (حينَ) خبرها منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والمناص: الفرار. باب (إنَّ) وأخواتها قوله: (الثَّانِي إِنَّ وأَنَّ لِلتَّأْكِيدِ، ولكِنَّ لِلاسْتِدْرَاكِ، وكَأَنَّ لِلَّتشْبِيهِ أَو الظَّنِّ، ولَيْتَ لِلتَّمَنِّي، ولَعَلْ لِلتَّرَجِّيِ أَو الإِشْفَاقِ أَو التَّعْلِيلِ، فَيَنْصِبْنَ المُبْتَدَأَ اسماً لَهُنّ، ويَرْفَعْنَ الْخَبَرَ خَبَراً لَهُنَّ) . الثاني من نواسخ الابتداء: (إن وأخواتها) وهي تنصب الاسم وترفع الخبر، وهي ستة أحرف: 1-2 إِنَّ، وأنَّ: ومعناهما التوكيد. أي: توكيد نسبة الخبر للمبتدأ، ورفع الشك عنها. نحو: إن القناعة كنز، علمت أن القناعة كنز.   (1) سورة ص، آية: 3. (2) سورة ص، آية: 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 3- لكنَّ: ومعناها: الاستدراك، وهو تعقيب الكلام بنفي ما يتوهم ثبوته نحو: الإخوان كثيرون ولكنَّ الأوفياءَ قليلون. أو إثبات ما يتوهم نفيه نحو: الكتاب رخيص لكنَّ نَفْعَهُ عظيم. 4- كأنَّ: وهي للتشبيه نحو: كأنَّ المعلمين آباء. أو الظن نحو: كأن خالدًا كاتب. (1) 5- ليت: وهي للتمني ومعناه: طلب الشيء المحبوب الذي لا يرجى حصوله إما لكونه مستحيلاً أو بعيد المنال. فالأول: ليت الشباب يعود. والثاني كقول منقطع الرجاء: ليت لي مالاً فأحجَّ منه. 6- لعل: وهي للترجي ومعناه: طلب الشيء المحبوب الذي يرجى حصوله، نحو: لعل المجاهد ينتصر. أو الإشفاق وهو توقع الأمر المخوف نحو: لعل العدو قادم. أو التعليل (2) كقوله تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (3) (4) . قوله: (فَيَنْصِبْنَ المُبْتَدَأَ اسماً لَهُنّ، ويَرْفَعْنَ الْخَبَرَ خَبَراً لَهُنَّ إِنْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِهنَّ مَا الحَرْفِيَّةُ، نَحْوُ: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ ے} (5) ، إِلاَّ لَيْتَ فَيَجُوزُ فيها الأَمْرَانِ) . أي أن هذه الأحرف تنصب الاسم، وترفع الخبر، بشرط ألا تتصل بهن (ما) الحرفية الزائدة، فإذا اتصلت بهن أحدثت أمرين: الأول: كَفُّها عن العمل، ولذا تسمى (ما الكافة) أي المانعة للحرف الناسخ من العمل.   (1) انظر الجنى الداني ص (572) . (2) هذا المعنى أثبته جماعة منهم الأخفش والكسائي وحملوا عليه الآية الكريمة ومن لم يثبت ذلك يحمله على الرجاء. والمعنى اذهبا على رجائكما. فالترجي راجع إلى البشر. وعزى القرطبي في تفسيره (11/200) هذا القول لكبراء النحويين كسيبويه وغيره، وانظر: المغني ص379. (3) سورة طه، آية: 44. (4) قولاً: مصدر منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (5) سورة النساء، آية: 171. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الثاني: إزالة اختصاصها بالأسماء، وتهيئتها للدخول على الجملة الفعلية، ولذا تسمى (ما المهيئة) . مثال عملها: إنَّ الحياة جهاد. فـ (إن) حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر، و (الحياة) اسمها منصوب بها (جهاد) خبرها مرفوع بها. ومثال اقترانها بـ (ما) : إنما الحياة جهاد. فـ (إنَّ) حرف توكيد مهمل و (ما) كافة. و (الحياة) مبتدأ و (جهاد) خبر. ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ ے} (1) فـ (إنَّ) حرف توكيد مهمل، و (ما) كافة، (الله) مبتدأ مرفوع بالضمة، (إله) خبر مرفوع (واحد) صفة مرفوعة. وقوله تعالى: {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} (2) . فـ (كأن) حرف تشبيه مهمل (ما) كافة (يساقون) فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون. والواو: نائب فاعل، وجملة (وهم ينظرون) حال من الواو. ويستثنى من ذلك (ليت) فيجوز فيها الإعمال والإهمال تقول: ليتما الحياةٌ خاليةٌ من الكدر، بنصب (الحياة) على الإعمال، ورفعها على الإهمال. وقول المصنف (ما الحرفية) احتراز من (ما) الاسمية، وهي الموصولة، فإنها لا تكفها عن العمل نحو: إنَّ ما في الغرفة طفل (3) ، أي: إن الذي في الغرفة طفل. ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ} (4) فـ (ما) اسم موصول وهي اسم (إن) ، و (صنعوا) صلة الموصول، والعائد محذوف. و (كيد) خبر (إن) والمعنى: إن الذي صنعوه كيد ساحر.   (1) سورة النساء، آية: 171. (2) سورة الأنفال، آية: 6. (3) ما) الموصولة تكتب مفصولة عن (إنَّ) بخلاف الزائدة، فيجب وصلها. (4) سورة طه، آية: 69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 قوله: (كإنِ المَكْسُورَةِ مُخَفَّفَةً) معنى هذا أنه كما يجوز الإعمال والإهمال في (ليتما) يجوز في (إنَّ) المكسورة الهمزة إذا خففت، وذلك بحذف النون الثانية المفتوحة، وإبقاء الأولى ساكنة وتحرك بالكسر لإلتقاء الساكنين نحو (إنِ القراءةُ لمفيدةٌ) ، والإهمال أرجح لزوال اختصاصها بالأسماء، وإذا أهملت لزمت اللام في خبر المبتدأ بعدها؛ لتفرق بينها وبين (إنْ) النافية، وسيأتي ذلك إن شاء الله. قوله: (فَأَمَّا لكِنَّ مُخَفَّفَةً فتُهْمَلُ) إذا خففت (لكن) أهملت وجوبًا لزوال اختصاصها بالأسماء، ويبقى معناها، وهو الاستدراك نحو: الكتاب صغير لكنْ نفعُه عظيمٌ، ومن دخولها على الجملة الفعلية قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} (1) فـ (لكن) حرف استدراك مهمل (كانوا) فعل ماض ناقص، والواو اسمها (هم) ضمير فصل لا محل له (2) (الظالمين) خبر كان. قوله: (وَأَمَّا أَنْ فَتَعْمَلُ، ويَجِبُ في غَيْرِ الضَّرُورِةَ حَذْفُ اسمهَا ضَمِير الشَّأْنِ، وكَوْنُ خَبَرِهَا جُمْلَةً مَفْصُولَةً إنْ بُدِئَتْ بِفِعْلٍ مُتَصَرِّفٍ غيْرِ دُعَاءٍ بـ (قَدْ) أَوْ تَنْفِيسٍ أَوْ نَفْي أَوْ لَوْ) . إذا خففت (أن) ترتب على ذلك أربعة أحكام: 1- بقاء عملها. 2- حذف اسمها وهو ضمير الشأن. 3- كون خبرها جملةً اسمية أو فعلية. 4- وجود فاصل في الأغلب بينها وبين خبرها، إذا كان جملة فعلية فعلها متصرف لا يقصد به الدعاء. فإن كان خبرها جملة اسمية أو فعلية فعلها جامد، أو فعلية فعلها متصرف وهو دعاء لم تحتج إلى فاصل يفصلها من (أن) ، لأن الفصل خشية التباسها بالناصبة للمضارع، والناصبة لا تقع في مثل ذلك، كما تقدم في نواصب المضارع.   (1) سورة الزخرف، آية: 76. (2) يصح أن يعرب توكيداً للضمير الواقع اسمًا لـ (كان) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 مثال الجملة الاسمية: (علمت أنْ حاتمٌ أشهرُ كرماءِ العرب) فـ (أن) مخففة، واسمها ضمير الشأن محذوف، أي: أنَّه، و (حاتم) مبتدأ و (أشهر) خبر، والجملة خبر (أن) المخففة، ومنه قوله تعالى: {وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) فـ (أن) مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، تقديره: أنه، أي: الحال والشأن، وجملة (الحمد لله) خبرها. (2) ومثال الجملة الفعلية التي فعلها جامد: علمت أنْ ليس للظلم بقاءٌ. ومنه قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (3) فـ (أن) مخففة، واسمها محذوف، (ليس) فعل ماض ناقص، (للإنسان) خبر ليس مقدم (إلا) حرف استثناء ملغى (ما) اسم موصول في محل رفع اسم ليس مؤخر، وجملة (سعى) صلة الموصول، وجملة (ليس) مع اسمها وخبرها في محل رفع خبر (أنْ) المخففة. ومثال الجملة الفعلية التي فعلها دعاء: قراءة نافع المدني لقوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} (4) بتخفيف (أنَّ) وكسر الضاد من (غضب) على أنه فعل ماض، وبقية السبعة قرأ بتشديد (أنَّ) ونصب ما بعدها. ففي هذه المواضع الثلاثة لا تحتاج (أن) المخففة إلى فاصل. وأما إذا كان خبرها جملة فعلية فعلها متصرف غير دعاء فإنه يؤتى - في الغالب - بفاصل من هذه الأشياء الأربعة:   (1) سورة يونس، آية: 10. (2) تقدم في نواصب المضارع أن (أن) لا تكون مخففة إلا إذا تقدم عليها ما يدل على اليقين. وأعربت هنا (مخففة) مع أنه لم يتقدم عليها ذلك. فالظاهر أن اشتراط تقدمه أغلبي. وقد نص على ذلك صاحب التصريح في نواصب المضارع (2/332) . (3) سورة النجم، آية: 39. (4) سورة النور، آية: 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 1- (قد) نحو: أيقنت أنْ قد خُظَّ ما هو كائن، قال تعالى: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} (1) فـ (أن) مخففة، واسمها ضمير الشأن محذوف. وجملة (صدقتنا) في محل رفع خبر (أنْ) ، والمصدر المؤول من (أن) وما بعدها في محل نصب. سدَّ مسد مفعولي (نعلم) . (2) 2- أحد حرفي التنفيس، أي: الاستقبال، وهما: (السين) نحو: إنْ لم تسمع نصحي فاعترف أنْ ستندم، قال تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} (3) (4) أو (سوف) نحو: علمت أنْ سوف يأتي ما قضى الله. 3- أحد حروف النفي الثلاثة التي استعملتها العرب في هذا الموضع وهي: (لا، لن، لم) نحو: أيقنت أنْ لا يضيعُ عند الله إحسان، قال تعالى: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} (5) ، ونحو: جزمت أنْ لن يضيعَ العرف بين الله والناس، ونحو قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} (6) فـ (أن) في هذه الآيات مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، والجملة المصدرة بحرف النفي في محل رفع خبرها. 4- (لو) والنص عليها في كتب النحاة قليل مع أنها كثيرة في المسموع، نحو: أوقن أنْ لو استفاد المسلم مما يسمع لصلح المجتمع، قال تعالى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} (7) . فـ (أن) مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، (لو) حرف شرط غير جازم، وجملة الشرط وفعله وجوابه في محل رفع خبر (أنْ) . وقد ورد ترك الفاصل في قول الشاعر:   (1) سورة المائدة، آية: 113. (2) راجع باب (ظن) وأخواتها. (3) سورة المزمل، آية: 20. (4) تقديم إعراب الآية في نواصب المضارع. (5) سورة طه، آية: 89. (6) سورة البلد، آية: 7. (7) سورة الجن، آية: 16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 علموا أنْ يؤمَّلون فجادوا … … قبل أن يُسألوا بأعظم سُؤْلِ (1) فأعمل (أن) المخففة في الاسم، وهو ضمير الشأن المحذوف وفي الخبر وهو جملة (يؤملون) ، ولم يأتي بالفاصل. قوله: (وَأمَّا كَأَنَّ فتَعْمَلُ ويَقِلُّ ذِكْرُ اسمهَا ويُفْصَلُ الْفِعْلُ مِنْهَا بِـ (لَمْ) أَوْ (قَدْ)) . إذا خففت (كأن) - بحذف نونها الثانية المفتوحة وإبقاء الأولى ساكنة - ترتب على تخفيفها أمور: 1- بقاء عملها. 2- جواز إظهار اسمها. وهذا قليل، والأغلب أنه ضمير الشأن محذوف، فمثال حذفه: كأنْ عصفورٌ سهمٌ في السرعة، فـ (كأن) مخففة واسمها ضمير الشأن محذوف. أي (كأنَّه) أي: الحال والشأن. وجملة (عصفور سهم) خبرها. ومثال ذكره: يدق البَرَدُ النافذة وكأنْ حجرًا صغيرًا يدق. 3- أن خبرها لابد أن يكون جملة إذا وقع اسمها ضمير شأن. فإن كانت اسمية لم تحتج لفاصل - كما تقدم في (أنْ) - وإن كانت فعلية فُصِلَ بـ (لم) مع المضارع، و (قد) مع الماضي.   (1) معناه: أن هؤلاء الأجواد علموا أن الناس يرجون معروفهم وإحسانهم فجادوا بالعطاء قبل أن يتوجه إليهم أحد بالسؤال. إعرابه: (علموا) فعل وفاعل. (أن) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف. (يؤملون) فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو نائب فاعل. والجملة خبر (أن) (فجادوا) الفاء عاطفة وجادوا: فعل وفاعل. والجملة معطوفة على جملة (علموا) الابتدائية فلا محل لها. (قبل) ظرف زمان منصوب متعلق بـ (جادوا) (أن) مصدرية (يسألوا) فعل ونائب فاعل. و (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بإضافة (قبل) إليه. (بأعظم سؤل) جار ومجرور ومضاف إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 مثال (لم) : كأن لم تنفعك نصيحتي، وقوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} (1) فـ (ها) مفعول أول لـ (جعل) و (حصيدًا) مفعول ثان. (كأن) مخففة. واسمها ضمير الشأن محذوف. وجملة (لم تغن) خبرها في محل رفع. ومثال (قد) : كأن قد طلع الفجر. فـ (كأن) مخففة، واسمها ضمير الشأن محذوف. وجملة (قد طلع الفجر) في محل رفع خبرها. قوله: (وَلاَ يَتَوَسَّطُ خَبَرُهُنَّ إلاَّ ظَرْفاً أَوْ مَجْرُوراً نَحْوُ {إِن فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} (2) {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا} (3)) . خبر هذه النواسخ نوعان: 1- أن يكون مفرداً أو جملة، وهذا لا يجوز توسطه بين الناسخ والاسم، ولو قُدِّم لبطل عمل الناسخ، وفسد الأسلوب. … مثال المفرد إنَّ الحقَّ منتصرٌ، فـ (الحق) اسمها، و (منتصر) خبرها. ومثال الجملة: إن الإسلام آدابه عالية، فـ (الإسلام) اسمها. (آدابه) مبتدأ (عالية) خبر المبتدأ، والجملة خبر (إنَّ) . 2- أن يكون شبه جملة - وهو الظرف والمجرور - وهذا يجوز توسطه نحو: إن العزَّ في طاعة الله، فتقول: إن في طاعة الله العزَّ، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26) } (4) فـ (في ذلك) خبر (إنَّ) مقدم (لعبرة) اسمها مؤخر، واللام للابتداء. وقال تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا} (5) فـ (لدينا) لدى: ظرف مكان منصوب بفتحة مقدرة على الألف المنقلبة (ياء) ، و (نا) مضاف إليه، وهو خبر مقدم، (أنكالاً) اسم (إن) مؤخر (6) ، والأنكال: جمع نِكْل، بكسر النون أي: قيودًا ثقالاً.   (1) سورة يونس - آية: 24. (2) سورة آل عمران، آية: 13. (3) سورة المزمل، آية: 12. (4) سورة النازعات، آية: 26. (5) سورة المزمل، آية: 12. (6) تقدم الخبر في هذا المثال واجب لأن الاسم نكرة كما تقدم في الابتداء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 والمراد بجواز التوسط: ما يقابل الامتناع، لا ما يقابل الوجوب، لأنه قد يجب التوسط. وقد يجب التأخر. فالحالات للخبر الظرفي ثلاث: 1- الجواز كما تقدم. 2- وجوب التوسط نحو: إن في الفصل طلابَهُ، كما تقدم في الابتداء. 3- وجوب التأخر نحو: إن السعادة لفي العمل الصالح، فلا يجوز تقديم الخبر؛ لوجود لام الابتداء (1) ، قال تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) } (2) . واعلم أن المصنف لما ذكر امتناع التوسط في غير الظرف والمجرور فهم منه امتناع التقدم على الحرف الناسخ، لأن امتناع الأسهل يستلزم امتناع غيره. ولا يلزم من تجويز توسط الظرف والمجرور تجويز التقدم على الحرف الناسخ، لأنه لا يلزم من تجويز الأسهل تجويز غيره. بخلاف العكس. قوله: (وَتُكْسَرُ إنَّ في الاْبتِداء نَحْوُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) } (3) وبَعْدَ الْقَسَم نَحْوُ: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) } (4) والْقَوْلِ نَحْوُ: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} (5) وقَبْلَ اللاَّمِ نَحْوُ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} ) (6) . لهمزة (إن) ثلاث حالات: وجوب الفتح، ووجوب الكسر، وجواز الوجهين.   (1) لأن دخول لام الابتداء على خبر (إن) مشروط بتأخره، كما سيأتي إن شاء الله. (2) سورة الانفطار، آية: 13. (3) سورة القدر، آية: 1. (4) سورة الدخان، آية 1 - 3. (5) سورة مريم، آية: 30. (6) سورة المنافقون، آية: 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 والقاعدة في هذه المسألة: أن كل موضع يحتاج فيه ما قبل (إنَّ) إلى مصدر أي: إلى مفرد (1) فإن الهمزة تفتح؛ لأن فتحها معناه: أن لمصدر المؤول يحل محلها، وكل موضع يحتاج فيه ما قبل (إن) إلى جملة فإن الهمزة تكسر. وكل موضع يصح فيه الوجهان فإن الهمزة يجوز فتحها وكسرها. فمثال وجوب فتحها: سرني أنك مواظب على الصف الأول، فيجب فتح همزة (إن) لأن المقام يستدعي فاعل (سرَّ) والفاعل لا يكون إلا مفردًا فـ (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل (سر) أي: سرني مواظبتك. وأما وجوب كسرها - وقد اقتصر عليه المصنف - ففي مواضع ذكر منها أربعة: 1- أن تقع (إن) في ابتداء الكلام سواء كان الابتداء حقيقياً كقوله تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) } (2) فـ (إن) حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر، و (نا) اسمها، وجملة (أنزلناه) خبرها. أو حكمياً كالواقعة بعد (ألا) الاستفتاحية كقوله تعالى: {أَلَّا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} (3) فـ (ألا) حرف استفتاح (إن) حرف ناسخ و (الهاء) : اسمها، والميم علامة الجمع (هم) ضمير فصل لا محل له (المفسدون) خبر إن.   (1) وذلك كالفاعل والمفعول به ونائب الفاعل والاسم المجرور بحرف. والمبتدأ والخبر. فهذه الأصل فيها أن تكون مفردًا. نحو: يسرني أن تصدق أي: صدقك، أتمنى أن تستقيم المرأة أي: استقامة المرأة، يخاف أن تزول النعم: أي: زوالها. عجبت من أن تتكبر أي: من تكبرك. أن تنصح الصديق أفضل، أي: نصحك، الغيبة أن تذكر أخاك بما يكره أي: ذكرك. (2) سورة القدر، آية: 1. (3) سورة البقرة، آية: 12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 2- أن تقع جوابًا للقسم وقد حذف فعل القسم، سواء ذكرت اللام في خبرها كقوله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) } (1) فـ (الواو) حرف قسم وجر، و (العصر) اسم مقسم به مجرور. وجملة (إن الإنسان لفي خسر) جواب القسم لا محل لها، أو لم تذكر، كقوله تعالى: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} (2) ، فـ (حم) خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذه حم. مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها حركة الأداء. (والكتاب) الواو حرف قسم وجر. و (الكتاب) اسم مقسم به مجرور، وجملة (إنا أنزلناه) جواب القسم لا محل لها. فإن ذكر فعل القسم وجب كسرها، بشرط وجود اللام، نحو: أحلف بالله إن التحيل على الربا لمحرم. قال تعالى: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ} (3) ، وإن لم توجد اللام جاز الوجهان نحو: أحلف أن ثمرة العلم العمل، فالكسر على أنها واسمها وخبرها جواب القسم، والفتح على أنها واسمها وخبرها مصدر منصوب بنزع الخافض سد مسد الجواب، والتقدير: أحلف على كون العمل ثمرة العلم. 3- أن تقع في صدر جملة محكية بالقول نحو: قال الأستاذ: إن السعادة في القناعة؛ لأن المحكي بالقول لا يكون إلا جملة في الأغلب، ومنه قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} (4) . فـ (قال) فعل ماض مبني على الفتح، والجملة من (إن) واسمها وخبرها في محل نصب مقول القول.   (1) سورة العصر، آية: 1، 2. (2) سورة الدخان، آية: 1، 3. (3) سورة التوبة، آية: 56. (4) سورة مريم، آية: 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 4- أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب وقد علق عن العمل (1) بسبب وجود لام الابتداء في خبرها نحو: علمت إن الإسراف لطريق الفقر، فـ (علمت) : (علم) فعل ماض ينصب مفعولين، والتاء: فاعل، وجملة (إن الإسراف لطريق الفقر) سدت مسد مفعولي (علم) ، ومنه قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} (2) ، فـ (يعلم) فعل مضارع ينصب مفعولين. وفاعله ضمير مستتر، وجملة (إنك لرسوله) سدت مسد مفعولي (يعلم) (3) . فإن لم توجد اللام في خبرها فُتحت أو كُسرت، نحو: علمت أنَّ المصارفَ الربويةَ بلاءٌُ. ومنه قوله تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} (4) ، فالقراءة بفتح همزة (إن) وهي واسمها وخبرها في تأويل مصدر سد مسد مفعولي (علم) . وأما جواز الوجهين في همزة (إن) وهي الحالة الثالثة فلها مواضع، وقد مر بعضها ولم يذكرها ابن هشام رحمه الله. قوله: (وَيَجُوزُ دُخُولُ اللاَّم عَلَى مَا تَأَخَّرَ مِنْ خَبَرِ إنَّ المَكْسُورَة أو اسمهَا أوْ مَا تَوَسَّط مِنْ مَعْمُولِ الخَبَرِ أوِ الْفَصْلِ، ويَجِبُ مَعَ المُخَفَّفَةِ إنْ اهْمِلَتْ ولَمْ يَظْهَرِ المَعْنَى) .   (1) التعليق إبطال العمل في اللفظ لا في المحل، وسيأتي ذلك في باب (ظن) إن شاء الله. (2) سورة المنافقون، آية: 1. (3) وذلك لأن الفعل منع من العمل في الظاهر فلم ينصب لفظ المفعولين، ولكنه في التقدير عامل. فلذا صارت الجملة في محل نصب قائمة مقام المفعولين وإنما منع الفعل من العمل لوجود لام الابتداء. (4) سورة البقرة، آية: 187. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 المراد بـ (اللام) : لام الابتداء. وهي لام مفتوحة يؤتى بها لقصد التوكيد، سميت بذلك، لكثرة دخولها على المبتدأ، أو ما أصله المبتدأ كقوله تعالى: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ} (1) ، فـ (اللام) للابتداء (أنتم) مبتدأ (أشد) خبر، (رهبة) تمييز، وقوله تعالى: {إِن فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} (2) . فدخلت اللام على اسم (إن) المؤخر. وأصله المبتدأ، وتقدم إعراب الآية قريباً. ودخول اللام نوعان: النوع الأول: دخول جائز. وهذا بعد (إن) المكسورة على أربعة أشياء: 1- خبر (إن) بشرط تأخره عن الاسم نحو: إن الكذب لممقوت. إن النجاة لفي الصدق. 2- اسم (إن) بشرط تأخره عن الخبر نحو: إن في حوادث الدهر لعبرة، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} (3) . 3- معمول خبر (إن) بشرط توسطه بين اسم (إن) وخبرها نحو: إنَّ الشدائدَ صانعةٌ أبطالاً، فتقول: إنَّ الشدائدَ لأبطالاً صانعةٌ. 4- ضمير الفصل، وهو ضمير يذكر بين المبتدأ والخبر، أو ما أصله المبتدأ والخبر (4) نحو: إن الدنيا لهي الفانية. قال تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (5) .   (1) سورة الحشر، آية: 13. (2) سورة آل عمران، آية: 13. (3) سورة سبأ، آية: 9. (4) ضمير الفصل يؤدي في الكلام معنى الحصر والاختصاص والتوكيد، وفي إعرابه خلاف والأظهر أنه لا محل له من الإعراب فهو مثل (كاف) الخطاب في أسماء الإشارة حيث قالوا: إنها حرف خطاب لا محل له مع أنها ضمير. وما بعد ضمير الفصل يعرب حسب حاجة ما قبله. (5) سورة الشعراء، آية: 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 النوع الثاني: الدخول الواجب. فيجب الإتيان باللام إذا خففت (إن) وأهملت ولم يظهر قصد الإثبات، وإنما لزمت اللام لتفرق بينها وبين إنْ النافية، ولهذا تسمى (اللام الفارقة) نحو: إنْ خالد لمسافر. فلولا وجود اللام لاحتمل أن يكون نفيًا لأن (إنْ) تأتي نافية. فإن عملت لم تلزم اللام لأنها لا تلتبس بـ (إن) النافية؛ لأن النافية لا تنصب الاسم وترفع الخبر نحو: إنْ خالدًا مسافر، فهو إثبات، وكذا (إذا) ظهر القصد بأن وجد قرينة تبين المراد، وهو التوكيد نحو: إنِ الاستقامةُ سعادةُ الدارين، فهي مخففة من الثقيلة مهملة، لأن المعنى يفسد على اعتبارها نافية. باب (لا) النافية للجنس قوله: (وَمِثْلُ إِنَّ لاَ النَّافِيَةُ للْجِنْسِ لَكِنْ عَمَلُهَا خَاصٌ بِالنَّكِرَاتِ المُتَّصِلَةِ بِهَا نَحْوُ: لاَ صَاحِبَ عِلْمٍ مَمْقُوتٌ. وَلاَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا عِنْدِي. وَإِنْ كَانَ اسْمُهَا غَيْرَ مُضَافٍ وَلاَ شِبْهَهُ بُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ في نَحْوِ: لاَ رَجُلَ وَلاَ رِجَالَ، وَعَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْكَسْرِ في نَحْوِ: لاَ مُسْلِمَاتٍ، وَعَلَى الْيَاءِ في نَحْوِ: لاَ رَجُلَيْنِ وَلاَ مُسْلِمينَ) . من نواسخ الابتداء: (لا) النافية للجنس، وهي مثل (إنَّ) في عملها، فتنصب الاسم - لفظًا أو محلاً - وترفع الخبر. ومعنى (النافية للجنس) أي: نفي الخبر عن الجنس كله على سبيل الاستغراق والشمول. فإذا قلت: لا طالبَ حاضرٌ، فقد نفيت الحضور عن جميع أفراد الطلاب، فلا يصح أن تقول: لا طالب حاضر بل طالبان، لأن هذا تناقض. بخلاف (لا) العاملة عمل (ليس) فإنها ليست نصًا في نفي الجنس. فهي تحتمل نفي الجنس، وتحتمل نفي الواحد (1) فإن قدرتها نافية للواحد صح أن تقول: لا طالبٌ حاضرًا بل طالبان، وإن قدرتها نافية للجنس لم يجز ذلك.   (1) وتقدم ذلك في الكلام عليها مع الحروف العامة عمل (ليس) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وهذا إن كان الاسم مفردًا. فإن كان مثنى أو جمعًا فالاحتمال موجود فيهما معًا نحو: لا عاقلين متشاتمان. لا مجدين مذمومون، ونحو: لا عاقلان متشاتمين، لا مجدون مذمومين، ففي هذا احتمال نفي الحكم عن الجنس كله أو نفي قيد التثنية فقط أو قيد الجمع فقط. وتسمى (لا) النافية للجنس (لا) التبرئة؛ لتبرئة أفراد الجنس عن حكم الخبر. وهي تختص بهذه التسمية لقوة دلالتها على النفي المؤكد أكثر من غيرها من أدوات النفي الأخرى. وقد ذكر ابن هشام لعملها شرطين: الأول: أن يكون اسمها وخبرها نكرتين: فلا تعمل في المعرفة. فإن دخلت على معرفة وجب تكرارها نحو: لا خالد في المسجد ولا هشام. الثاني: أن يكون الاسم مقدمًا والخبر مؤخرًا. فإن تقدم الخبر بطل عملها ووجب تكرارها، نحو: لا في المعهد طلاب ولا مدرسون، ومنه قوله تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} (1) (2) فـ (لا) نافية ملغاة. (فيها) خبر مقدم (غول) مبتدأ مؤخر (ولا) الواو عاطفة. و (لا) مؤكدة للنفي. (هم) مبتدأ. وجملة (ينزفون) خبر. والواو نائب فاعل. وإذا استوفت شروط عملها. فلا يخلو اسمها من ثلاث حالات: 1- أن يكون مفرداً، أي: كلمة واحدة، فالمفرد هنا: ما ليس بمضاف ولا شبيه بالمضاف، فيدخل فيه المفرد، نحو: لا سرورَ دائمٌ، وجمع التكسير نحو: لا كواكبَ طالعاتٌ. والمثنى نحو: لا ضدينِ مجتمعان. وجمع المذكر السالم نحو: لا متنافسينَ في الخير نادمون. وما جمع بألف وتاء نحو: لا متبرجاتٍ محترماتٌ.   (1) سورة الصافات، آية: 47. (2) أي: ما يغتال عقولهم وأجسامهم فيهلكهم {ولا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} أي: لا يسكرون عنها أي بسببها كما في خمر الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وحكم الاسم في هذه الحال أنه يبنى على ما كان ينصب به. فالمفرد وجمع التكسير يبنيان على الفتح، والمثنى وجمع المذكر السالم يبنيان على الياء. وما جمع بألف وتاء يبنى على الكسر، لأنه الأصل في هذا الجمع، ويجوز بناؤه على الفتح كما ذكر المصنف رحمه الله. فنحو: لا سرور دائم، لا: نافية للجنس تنصب الاسم وترفع الخبر. (سرور) اسمها مبني على الفتح في محل نصب (دائم) خبرها مرفوع بها وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. 2- أن يكون اسمها مضافاً، أي: مكونًا من كلمتين أضيفت الأولى إلى الثانية نحو: لا طالبَ علم ممقوتٌ. 3- أن يكون شبيهاً بالمضاف، أي: مكونًا من كلمتين للأولى تعلق بالثانية غير الإضافة (1) نحو: لا عاصيًا أباه موفق، لا عشرين درهماً عندي. وحكم الاسم في هذين الحالين أنه ينصب لفظًا. نحو: لا عاصيًا أباه موفق. لا: نافية للجنس (عاصيًا) اسمها منصوب بها وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. وفاعله ضمير مستتر. (أباه) مفعول به لاسم الفاعل، والهاء مضاف إليه، (موفق) خبر (لا) . قوله: (وَلَكَ في نَحْوِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ فَتْحُ الأَوَّلِ، وَفي الثَّانِي الْفَتْحُ وَالنَّصْبُ وَالرَّفْعُ كَالصِّفَةِ في نَحْو: لاَ رَجُلَ ظَرِيفٌ وَرَفْعُهُ فَيَمْتَنعُ النَّصْبُ، وإِنْ لَمْ تُكَرَّرْ لاَ أَوْ فُصِلَت الصِّفِةُ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُفْردَةٍ امْتَنَعَ الْفَتُحُ) . إذا تكررت (لا) مع النكرة وسبق الثانية عاطف نحو: (لا حول ولا قوة إلا بالله) جاز في النكرة الأولى وجهان: 1- البناء على الفتح لأنه اسم مفرد - كما تقدم - فيجوز في الثاني ثلاثة أوجه: (أ) البناء على الفتح (لا قوةَ) فتكون الثانية عاملة عمل (إن) .   (1) فيدخل فيه الرفع نحو: لا حاضرًا أبوه موجود. أو النصب كالمثال المذكور أو التعلق به نحو: لا راكبًا في السيارة موجود. أو العطف عليه نحو: لا ثلاثة وثلاثين عندنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 (ب) النصب (ولا قوةً) عطفًا على محل اسم (لا) وتكون الثانية زائدة للتوكيد، وهذا ضعيف؛ لأن فيه نصب المفرد وحقه البناء. (ج) الرفع (ولا قوةٌ) عطفًا على محل (لا) واسمها. وتكون الثانية زائدة أو عاملة عمل (ليس) أو مبتدأ و (لا) ملغاة. 2- ويجوز في الأول الرفع (لا حولٌ) على الابتداء أو على أن (لا) عاملة عمل ليس. فيجوز في الثاني الرفع والبناء على الفتح، ولا يجوز النصب، لأنه إنما جاز في الوجه الأول لإمكان العطف على محل اسم (لا) ، وهنا ليست بناصبة فيسقط النصب. ولهذا قال: (ورفعه فيمتنع النصب) أي: يجوز رفع الأول، وإذا رفعته امتنع نصب الثاني. فإن لم تتكرر (لا) نحو: لا مدرسَ وطالبٌ في المعهد أو طالبًا جاز في المعطوف (طالب) النصب عطفاً على محل اسم (لا) ، وجاز الرفع عطفًا على (لا) مع اسمها كما تقدم. أما إذا وقع بعد اسم (لا) نعت فإنه يجوز فيه ثلاثة أوجه: البناء على الفتح، أو النصب، أو الرفع، وذلك بثلاثة شروط: 1- أن يكون النعت مفرداً أي ليس مضافًا ولا شبيهًا به. 2- أن يكون اسم (لا) مفردًا. 3- ألا يفصل بين النعت والمنعوت بفاصل. مثال ذلك: لا مدرسَ مهمل ناجحٌ. فيجوز في النعت (مهمل) البناء على الفتح لتركبه مع اسم (لا) ، والنصب مراعاة لمحل اسم (لا) ، والرفع لمحلها مع اسمها؛ لأنهما بمنزلة المبتدأ المرفوع. وهذا معنى قوله: (كالصفة في نحو لا رجلَ ظريفٌ) فالشروط تستفاد من المثال. فإذا تخلف شرط امتنع البناء، وجاز النصب أو الرفع. على التوجيه السابق. فمثال تخلف الأول: لا مدرسَ مهملُ الطلابِ ناجحٌ. لأن النعت مضاف. ومثال تخلف الثاني: لا تاجرَ ملابسٍ خداعٌ ناجحٌ. لأن اسم (لا) ليس بمفرد بل هو مضاف. ومثال تخلف الثالث: لا طالبَ في الفصل ظريفٌ وظريفًا؛ لأنه فصل بين النعت والمنعوت. باب ظن وأخوتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 قوله: (الثَّالِثُ ظَنَّ ورَأَى وحَسِبَ ودَرَى وخَالَ وزَعَمَ ووَجَدَ وعَلِمَ القَلْبِيَّاتُ فَتَنْصِبُهُما مَفْعُولَيْن نَحْوُ: رَأَيْتُ الله أَكْبَرَ كُلّ شَيْءٍ) . هذا هو القسم الثالث من نواسخ الابتداء وهو (ظن وأخواتها) وهي أفعال تنصب المبتدأ والخبر على أنهما مفعولان. وهو المراد بقوله: (فتنصبهما) . وأفعال هذا الباب نوعان: 1- أفعال القلوب. وهي التي ذكر المصنف - رحمه الله - وهي التي معانيها قائمة بالقلب متصلة به كالعلم والظن والزعم ونحوها. 2- أفعال التحويل وهي التي تدل على تحول الشيء من حالة إلى أخرى مثل: جعل، صيَّر، نحو: جعلت الذهب خاتمًا. صيرت الزجاج لامعًا. ولم يذكرها المصنف. وأما أفعال القلوب فمنها: 1- ظن، والغالب كونها للرجحان، وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح، نحو ظننت الكتاب موجودًا. فـ (ظن) فعل ماض ناسخ ينصب مفعولين، والتاء فاعل. (الكتاب) مفعول أول (موجودا) مفعول ثان. 2- رأى، والغالب كونها لليقين - وهو الاعتقاد الجازم - فتكون بمعنى (علم) : نحو رأيت العلماء باقين ما بقي الدهر، ومنه قول الشاعر: رأيت اللهَ أكبرَ كلِّ شيء … … … محاولةً وأكثرَهم جنوداً (1) فلفظ الجلالة منصوب على التعظيم. و (أكبر) مفعول ثانٍ. 3- حسب وتفيد الرجحان في التغلب، فتكون بمعنى: (ظن) ، نحو حسب المهمل النجاح سهلاً.   (1) رأيت: فعل وفاعل. (الله) منصوب على التعظيم وهو المفعول الأول عند النحاة (أكبر) مفعول ثان (كل شيء) كل: مضاف إلى أكبر. وشيء مضاف إليه. (محاولة) تمييز (وأكثرهم) معطوف على (أكبر) (جنودًا) تمييز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 4- درى: وتفيد اليقين، فتكون بمعنى: (علم) نحو: دريتُ ثمرةَ العلِم العملَ (1) . 5- خال: وتفيد الرجحان في الغالب فتكون بمعنى: (ظن) نحو: خِلْتُ الدراسةَ متعةً. 6- زعم: وتفيد الرجحان في الغالب، فتكون بمعنى: (ظن) ، نحو أنت زعمت خالدًا جريئًا (2) . 7- وجد: وتفيد اليقين، فتكون بمعنى: (علم) ، نحو: وجدتُ الاستقامةَ طريقَ النجاةِ. 8- علم: وتفيد اليقين بكثرة، نحو: علمت الغيبةَ محرمةً. قوله: (وَيُلْغَيْنَ بِرُجْحَانٍ إنْ تَأَخَّرْنَ نَحْوُ: القَوْمُ في أَثَري ظَنَنْتُ، وبِمُسَاوَاةٍ إنْ تَوَسَّطْنَ نَحْوُ: وفي الأَرَاجِيزِ خِلْتُ اللُّؤْمُ والخَوَرُ) . أفعال هذا الباب لها ثلاثة أحكام: 1- الإعمال، وهو نصب المبتدأ والخبر، وهذا هو الأصل. وهو واقع في أفعال القلوب والتحويل. 2- الإلغاء. 3- التعليق. وهذان مختصان بأفعال القلوب. والإلغاء: إبطال العمل لفظًا ومحلاً. لضعف العامل بتوسطه، أو تأخره، وإلغاء العامل المتأخر أقوى من إعماله، نحو: الصدقُ نافعٌ علمتُ، فـ (الصدق) مبتدأ و (نافع) خبر، وقول الشاعر:   (1) نصب (درى) للمفعولين قليل. والأكثر أن يتعدى لواحد بالباء نحو: دريت بسفرك فإن دخلت عليه الهمزة تعدى بها لواحد وللثاني بالباء كما في قوله تعالى: {ولا أَدْرَاكُمِ بِهِ} فضمير المخاطب مفعول أول. والمجرور مفعول ثان. (2) الأكثر في (زعم) أن تتعدى لمعموليها بواسطة (أن) المؤكدة سواء كانت مشددة أو مخففة من الثقيلة كقوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} وقوله تعالى: {إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} والمصدر المؤول سد مسد مفعولي (زعم) . واستعملت (زعم) في هذه الآيات بمعنى: القول الباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 (2) القَوْمُ في أَثَرِي ظَنَنْتُ فَإِنَ يَكُنْ … … مَا قَدْ ظَنَنْتُ فَقَدْ ظَفِرْتُ وَخَابُوا (1) فالقوم: مبتدأ، وفي أثري: خبر، وظن: ملغاة. وأما المتوسط فقيل: إعماله أولى، لأنه الأصل، وقيل: إعماله وإلغاؤه سواء، كما ذكر المصنف، نحو: الصدقُ - علمت - نافعٌ، وقول الشاعر: (1) أبِالأراجيز يابن اللُؤمِ تُوعِدُنِي … … وفي الأراجيز خِلتُ اللؤمُ والخورُ (2) فـ (اللؤم) مبتدأ مؤخر و (في الأراجيز) خبر مقدم. وأُلغيت (خِلتُ) لتوسطها.   (1) أثري: بالفتح أي: خلفي: (فإن يكن ما قد ظننت فقد ظفرت) : أي: أن يكن ظني واقعًا فقد ظفرت إما بإفلاتي منهم أو بالوقعية بهم. إعرابه: (القوم) مبتدأ (في أثري) خبر والياء مضاف إليه (ظننت) فعل وفاعل (فإن) الفاء للتفريع. و (إن) حرف شرط جازم (يكن) فعل مضارع تام مجزوم بالسكون (ما) اسم موصول (فاعل) (يكن) (قد) حرف تحقيق. (ظننت) فعل وفاعل. (فقد) الفاء واقعة في جواب الشرط و (قد) حرف تحقيق (ظفرت) فعل وفاعل. في محل جزم جواب الشرط (وخابوا) معطوفة على جملة جواب الشرط. (2) الأراجيز: جمع أرجوزة بمعنى: الرجز أي: من بحر الرجز، ومن غيره: قصيدة، واللؤم: بضم اللام وبالهمزة: أن يجتمع في الإنسان الشح ومهانة النفس. والخور: بالفتح: الضعف. والمعنى: أتوعدني بالأراجيز وفيها اللؤم والضعف. إعرابه: (أبالأراجيز) الهمزة للاستفهام، والباء حرف جر. و (الأراجيز) اسم مجرور. متعلق بالفعل (توعدني) (يا) حرف نداء (ابن) منادى منصوب (اللؤم) مضاف إليه، (توعدني) فعل مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره (أنت) والنون للوقاية. والياء مفعول به (وفي الأراجيز) الواو للحال: (في الأراجيز) خبر مقدم (خلت) فعل وفاعل. والجملة لا محل لها من الإعراب معترضة. (اللؤم) مبتدأ مؤخر. (والخور) معطوف على (اللؤم) مرفوع مثله. وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب حال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وأما إذا تقدم الفعل - وهي الحالة الثالثة - فإنه لا يجوز الأهمال على المشهور من كلام العرب. قوله: (وَإنْ وَلِيَهُنَّ مَا أَوْ لا أو إن النَّافَياتُ أَوْ لاَمُ الابْتِدَاءِ أَوِ الْقَسَمِ أَوْ الاسْتِفْهَامُ بَطَلَ عَمَلُهُنَّ في الَّلفْظِ وُجوباً، وسُمِّيَ ذَلِكَ تَعْلِيقاً نَحُوُ: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى} (1)) . هذا الحكم الثالث المتعلق بأفعال القلوب - كما تقدم - وهو التعليق: وهو إبطال العمل لفظًا لا محلاً، لمجيء ماله صدر الكلام بعد الفعل. فمثلاً: علمت الإسبالَ محرمًا، نجد الفعل (عِلَمَ) قد نصب المفعولين لفظًا، فإذا قلنا: علمتُ للإسبالُ محرمٌ. لم نر الفعل نصب المفعولين في الظاهر، بسبب وجود مانع، وهو لام الابتداء، التي فصلت الفعل الناسخ عن مفعوليه؛ لأن لها الصدارة فلا يعمل ما قبلها فيما بعدها، لكن عمل الفعل في المحل. فـ (الإسبال) مبتدأ. (محرم) خبره، والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب سدَّت مسجد مفعولي (علم) ، أي: قامت مقامها لتعذر نصبهما لفظًا. والمعلِّق عن العمل أنواع: 1- حروف النفي (ما، لا، إن) نحو: علمت ما التحيلُ شجاعةٌ، وجدت لا الإفراطُ محمودٌ ولا التفريطُ، رأيت إنِ التَحَيُّلُ جائزٌ أي: ما التحيل جائز. 2- لام الابتداء نحو: علمت لزوال النعمة بكفرها. 3- لام القسم نحو: علمت ليحاسبن المرء على عمله. 4- الاستفهام وله صورتان. الأولى: أن تدخل همزة الاستفهام على أحد المفعولين، نحو: علمت أعليُّ مسافر أم مقيم.   (1) سورة الكهف، آية: 12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 الثانية: أن يكون أحد المفعولين اسم استفهام، نحو: علمت أيُّهم مواظب على الحضور، ومنه قوله تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى} (1) فاللام للتعليل، والمضارع بعدها منصوب بـ (أن) مضمرة جوازاً (أيُّ الحزبين) مبتدأ ومضاف إليه (أحصى) خبره. والجملة في محل نصب سدَّت مسد مفعولي (نعلم) (2) . باب الفاعل قوله: (الفَاعِلُ مَرْفُوعٌ كَقَامَ زَيْدٌ، وَمَاتَ عَمْرٌو، وَلاَ يَتأَخَّرُ عَامِلهُ عَنْهُ) . لما فرغ المصنف - رحمه الله - من الكلام على الجمل الاسمية، وهي المبتدأ والخبر، ونواسخ الابتداء، شرع في ذكر الجمل الفعلية، وأولها: الفاعل. والفاعل: ما قُدِّم الفعل التام أو شبهه عليه بالأصالة، وأسند إليه على جهة قيامه به أو وقوعه منه. وقولنا: (ما) أي لفظ، وهو الاسم الصريح نحو: جاء الحق، أو المؤول (3) نحو: يسرني أن تصدق. فـ (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل (يسر) أي: يسرني صدقُك. وقولنا: (قدم الفعل التام عليه) شامل للفعل المتصرف كما مُثَّلَ، والجامد. نحو: نعم القائد خالد. فـ (نعم) فعل ماض جامد (4) للمدح (القائد) فاعل (نعم) ، والجملة خبر مقدم، (خالد) مبتدأ مؤخر.   (1) سورة الكهف، آية: 12. (2) اعلم أن المصدر المؤول من (أنَّ) ومعموليها. و (أن) وما دخلت عليه يسد مسد المفعولين ويغني عنهما. وذلك لأن كل واحدة منهما بصلتها تتضمن مسندًا ومسندًا إليه مصرحًا بهما كقوله تعالى: {أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} وتقدم أمثلة لذلك أيضاً، فاعرف ذلك فهو مفيد في هذا الباب. لأنه كثير في القرآن وكلام العرب. (3) هو كل مصدر مسبوك من (أن) أو (أن) أو (ما) المصدرية. (4) تقدم تعريف الجامد في آخر أدوات الشرط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وخرج بالتام: الفعل الناقص ككان وأخواتها. فمرفوعها ليس فاعلاً كما تقدم (1) . وقولنا: (أو شبهه) أي: مما يعمل عمل الفعل، كاسم الفاعل نحو: ما نادم المتأني، فـ (ما) نافية (نادم) مبتدأ (المتأني) فاعل سد مسد الخبر، مرفوع بضمة مقدرة للثقل. وقد مضى ذلك في باب المبتدأ والخبر. وقولنا: (قُدِّم الفعل التام أو شبهه عليه بالأصالة) بفتح الهمزة يخرج نحو: (خالد) من قولك: (قائمٌ خالدٌ) لأن المسند وهو (قائم) وإن قدم لفظًا مؤخرٌ رتبة؛ لأنه خبر، فهو في نية التأخير. وقولنا: (على جهة قيامه به) لبيان أنه ليس معنى كون الاسم فاعلاً أن مسماه أحدث شيئاً، بل كونه مسندًا إليه على جهة قيامه به نحو: مات عمرو. فإن عمرًا لم يحدث الموت وإنما قام به. وقولنا: (أو وقوعه منه) ، هذا هو الأكثر أن الفاعل يقع منه الفعل نحو: جاء الضيف، وخرج بذلك نائب الفاعل نحو: أُكرِم الضيف، فإن الإسناد على جهة وقوعه عليه لا وقوعه منه. وقول المصنف: (الفاعل مرفوع) إشارة إلى الحكم الأول من أحكام الفاعل. وذلك أن للفاعل خمسة أحكام: الأول: الرفع. وقد يُجَرُّ لفظًا ويكون في محل رفع، وذلك في موضعين: - الأول: إذا أُضيف المصدر إلى فاعله نحو: سرني احترامُ خالدٍ أباه. فـ (احترام) فاعل (سرَّ) مرفوع بالضمة. وهو مضاف و (خالد) مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى فاعله. و (أباه) مفعول به للمصدر، لأن المصدر يعمل عمل فعله كما سيأتي إن شاء الله في أواخر الكتاب.   (1) إلا في حالة تمامها لأنها تأخذ حكم الفعل التام وقد مضت الأمثلة في باب (كان وأخواتها) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 الموضع الثاني: أن يجرَّ بحرف جر زائد (1) نحو: ما جاء من أحدٍ، فـ (من) حرف جر زائد (أحد) فاعل مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، ومنه قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (2) فـ (كفى) فعل ماض مبني على فتح مقدر، ومعناه: وفَّى وأغنى، أي: (حصل به الاستغناء) (بالله) الباء حرف جر زائد إعرابًا مؤكد معنى، ولفظ الجلالة فاعل في محل رفع (حسيبًا) تمييز. الحكم الثاني: أن عامله لا يتأخر عنه بل يتقدم عليه. فتقول: حضر الغائب، ولا يجوز: الغائب حضر. على أنه فاعل. بل على أنه مبتدأ. وفاعل (حضر) ضمير مستتر جوازًا تقديره هو يعود على (الغائب) . قوله: (وَلاَ تَلْحَقُهُ عَلاَمَةُ تَثْنِيَةٍ ولاَ جَمْع بَلْ يُقَالُ: قَامَ رَجُلاَنِ وَرِجَالٌ وَنِسَاءٌ، كما يُقَالُ: قَام رَجُلٌ. وَشَذَّ: " يَتَعَاقَبُونْ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ"، "أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ") . هذا الحكم الثالث: من أحكام الفاعل. وهو أن فعله يوحد مع تثنيته وجمعه، كما يوحد مع إفراده. ومعنى توحيده: أنه لا تلحقه علامة تثنية ولا جمع. بل يقال: قام رجلان. وقام رجال، وقامت نساء، كما يقال: قام رجل.   (1) إذا كان الفاعل مجرور اللفظ مرفوع المحل جاز في تابعه (من نعت أو عطف أو غيرهما) الجر مراعاة للفظ والرفع مراعاة للمحل نحو: سرني احترامُ خالدٍ العاقلُ أباه. ونحو ما جاءني من درهمٍ ولا كتابٌ. (2) سورة النساء، آية: 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 ومن العرب من يلحق الفعل علامة التثنية والجمع. فيقوله: قاما رجلان، وقاموا رجال، وقمن نساء، وعلى ذلك ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار". (1) فـ (يتعاقبون) فعل مضارع مرفوع بالنون، والواو حرف دال على الجمع. (ملائكة) فاعل. وقوله - صلى الله عليه وسلم - لورقة بن نوفل: " أوَ مخرجيَّ هُمْ" حين قال له ورقة: يا ليتني أكون حيًا إذا يخرجك قومك (2) . وهو بفتح الواو لأنها للعطف. والأصل: مخرجون، ثم حذفت النون للإضافة لياء المتكلم فصار: أوَ مخرجوى هم. فاجتمعت الواو والياء، في كلمة وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء ثم كسر ما قبل الياء للمناسبة، فـ (مخرجيَّ) اسم فاعل مضاف لياء المتكلم، مبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم و (هم) فاعل سد مسد الخبر. أو (مخرجي) خبر مقدم و (هم) مبتدأ مؤخر. وهذا هو الأرجح (3) .   (1) هذا الحديث متفق عليه. وله ألفاظ أخرى. واللفظ المذكور للبخاري في كتاب المواقيت (باب فضل صلاة العصر) ومعنى: (يتعاقبون) تأتي طائفة عقب طائفة ثم تعود الأولى عقب الثانية وإنما عبرت (بظاهر) تقليداً للفاكهي في شرحه للقطر؛ لأنه على رواية (إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم) لا تكون الواو حرفاً بل هي ضمير وهي الفاعل ولا شاهد فيه، وإطلاق الشذوذ على الحديث فيه نظر. انظر فتح الباري (2/33) . (2) أخرجه البخاري (1/3 فتح الباري) ومسلم (160) . (3) انظر: عمدة القاري (1/65) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وقوله: (وَتَلْحَقُهُ عَلاَمَةُ تأْنِيثٍ إِنْ كَانَ مُؤَنثًا كَـ (قَامَتْ هِنْدٌ، وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ) ، وَيَجُوزُ الوَجْهَانِ في مَجَازِيِّ التَّأْنِيثِ الظَاهِرِ نَحْوُ: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} (1) ، وَفِي الحَقِيقِيِّ المُنْفَصِلِ نَحْوُ: حَضَرَتِ القَاضِيَ امْرَأةٌ، وَالمُتَّصِلِ في بَابِ نِعْمَ وَبِئْسَ نَحْوُ: نِعْمَتِ المَرْأَةُ هِنْدٌ، وفي الجَمْعِ نَحْوُ: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ} (2) إلا جَمْعَي التَّصْحِيحِ فَكَمُفْرَدَيْهِمَا نَحْوُ: قَامَ الزَّيْدُونَ، وَقَامَتِ الهِنْدَاتُ، وإِنَّمَا امَتَنَعَ في النَّثْر مَا قَامَتْ إِلاَّ هِنْدٌ لأنَّ الفَاعِلَ مُذَكَّرٌ مَحْذوفٌ ... ) . هذا الحكم الرابع: من أحكام الفاعل، وهو أنه إن كان مؤنثاً لحقت فعله علامة التأنيث. وهي تاء ساكنة في آخر الماضي، نحو: قامت هند، طلعت الشمس، وتاء متحركة في أول المضارع، نحو: تقوم هند، تطلع الشمس. وتاء التأنيث مع الفعل لها حالتان: - 1- حالة وجوب. 2- حالة جواز. فالواجب في موضعين: 1- أن يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا حقيقي التأنيث (3) ليس مفصولاً عن فعله ولا واقعًا بعد (نعم أو بئس) نحو: عادت زينب. 2- أن يكون الفاعل ضميراً مستترًا يعود على مؤنث حقيقي التأنيث نحو: نجلاءُ وصلت رحمها. ففاعل (وصلت) ضمير مستتر جوازًا تقديره: (هي) ، أو يعود على مؤنث مجازي التأنيث نحو: الحديقة أزهرت. فالفاعل ضمير مستتر تقديره: (هي) . وأما التأنيث الجائز ففي أربع مسائل:   (1) سورة يونس، آية: 57. (2) سورة الحجرات، آية: 14. (3) المؤنث الحقيقي هو الذي يلد ويتناسل ولو عن طريق البيض والتفريخ وعكسه المجازي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 1- أن يكون المؤنث اسمًا ظاهرًا مجازي التأنيث، نحو: أخصبت الأرض، ومنه قوله تعالى: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} (1) ، بتأنيث الفعل مع الفاعل المجازي (موعظة) ، وجاء التذكير في قوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (2) . 2- أن يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا حقيقي التأنيث، وهو منفصل عن العامل بغير (إلا) نحو: حضرت القاضيَ امرأةٌ، وحضر القاضيَ امرأةٌ. فإن كان الفاصل (إلا) وجب ترك التاء في النثر، نحو ما قام إلا هند. لأن ما بعد (إلا) ليس هو الفاعل في الحقيقة، وإنما هو بدل من فاعل مقدر قبل (إلا) ، وهو مذكر، والتقدير: ما قام أحد إلا هند. 3- أن يكون العامل نعم أو بئس نحو: نِعْمَتِ المرأةُ فاطمةُ، ونعم المرأة فاطمة، وإنما جاز الوجهان، لأن الفاعل مراد به الجنس (3) فأشبه جمع التكسير - الذي يجوز فيه الوجهان - في أن المقصود به متعدد. 4- أن يكون الفاعل جمعًا لمذكر أو مؤنث، فالمذكر نحو: بدأ العمال. وبدأت العمال، قال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ} (4) والمؤنث نحو: عَرَفَتِ الفواطمُ قيمة الحجاب. أو عرف، فحَذْفُ التاءِ على تأويله بالجمع، فيكون مذكر المعنى. فكأن العامل مسند إلى هذا المذكر، وإثبات التاء على تأويله بالجماعة، فيكون مؤنث المعنى، فكأن العامل مسند إليه.   (1) سورة يونس، آية: 57. (2) سورة البقرة، آية: 275. (3) الجنس هو كلي صالح لأن يصدق على كثيرين مختلفين بالحقيقة، واقع في جواب (ما هو) . واسم الجنس هو الموضوع لكل فرد خارجي على سبيل البدل من غير اعتبار تعينه، فالإنسان جنس. والرجل أو المرأة اسم جنس. (4) سورة الحجرات، آية: 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 ويستثنى من ذلك جمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم، فإنه يحكم لهما بحكم مفرديهما، فتقول: حضر المدرسون؛ بترك التاء لا غير، كما تفعل في: حضر المدرس. وتقول: حضرت المعلمات؛ بالتاء لا غير، كما تفعل في: حضرت المعلمة. قوله: (وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي النَّثْر مَا قَامَتْ إلاَّ هِنْد؛ لأَنَّ الْفَاعِلَ مُذَكَّرٌ محْذُوفٌ كَحَذْفِهِ في نحَو: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) } (1)) و {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} (2) و {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} (3) ، وَيَمْتَنِعُ فِي غَيْرِهِنَّ) . ذكر المصنف - رحمه الله - أربعة مواضع يحذف فيها الفاعل: الأول: إذا وقع قبل (إلا) كما في المثال السابق: ما قام إلا هند. الثاني: فاعل المصدر كقوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا} (4) فـ (إطعام) مصدر. وفاعله محذوف، التقدير - والله أعلم - أو إطعامه يتيمًا، بالإضافة إلى الفاعل، و (إطعام) معطوف على قوله سبحانه: {فَكُّ رَقَبَةٍ (13) } (5) ، و (يتيماً) مفعول به للمصدر، و (ذي) صفة له، والمسغبة: المجاعة وشدة المؤونة. الثالث: في باب النيابة عن الفعال كقوله تعالى: {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} (6) وتقديره - والله أعلم - وقَضَى الله الأمرَ.   (1) سورة البلد، آية: 14. (2) سورة البقرة، آية: 210. (3) سورة مريم، آية: 38. (4) سورة البلد، آية: 14. (5) سورة البلد، آية: 13. (6) سورة البقرة، آية: 210. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الرابع: فاعل (أفْعِلْ) في التعجب، عند وجود ما يدل عليه كقوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} (1) التقدير - والله أعلم - وأبصر بهم، فحذف (بهم) من الثاني؛ لدلالة الأول عليه. فـ (أسمع) فعل ماض جاء على صيغة الأمر. (بهم) الباء: حرف جر زائد إعرابًا مؤكد معنى (هم) فاعل مبني على السكون، وهو مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها حركة البناء الأصلي في محل رفع فاعل. وقول المصنف - رحمه الله -: (ويمتنع في غيرهن) أي: لأن الفاعل عمدة، وكالجزء من الكلمة، وهذا فيه نظر، فإن هناك مواضع أخرى حُذِفَ فيها الفاعل (2) ، منها: أن يكون الفاعل واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، وفعله مؤكد بالنون نحو: هل تقومُنَّ بواجبكم، وهل تقومِنَّ بواجبكِ، فإن الفاعل محذوف، وهو الواو والياء، وقد مضى توضيحه في موضعه. قوله: (وَالأَصْلُ أَنْ يَلِيَ عَامِلَهُ، وَقَدْ يَتَأَخَّر جَوَازًا نَحْوَ: {وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) } (3) وَكَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسى عَلَى قَدَرٍ. وَوُجُوبًا نَحْوُ: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} (4) وَضَرَبَنِي زَيْدُ) . هذا الحكم الخامس من أحكام الفاعل وهو أن الأصل في الفاعل أن يقع بعد عامله. والأصل في المفعول أن يأتي بعدهما، نحو: حَرَّمَ الإسلام الغشَّ. وقد يتأخر الفاعل عن المفعول وهو نوعان: 1- تأخر جائز، وهو ما خلا من موجب التقديم أو التأخير، نحو: أخذ عاصمٌ جائزة، فتقول: أخذ جائزةً عاصمٌ. قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) } (5) فـ (آل) مفعول به مقدم، وهو مضاف و (فرعون) مضاف إليه، و (النذر) فاعل (جاء) مؤخر، ومنه قول الشاعر:   (1) سورة مريم، آية: 38. (2) انظر: حاشية الصبان (2/44) . (3) سورة القمر، آية: 41. (4) سورة البقرة، آية: 124. (5) سورة القمر، آية: 41. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 جاء الخلافة أو كانت له قدرًا … كما أتى ربَّهُ موسى على قدر (1) فقدم الشاعر المفعول به، وهو لفظ (ربَّه) على الفاعل (موسى) مع كون المفعول به مضافاً إلى ضمير يعود على الفاعل المتأخر. وإنما جاز عود الضمير على متأخر، لأنه متأخر لفظا متقدم رتبةً، لأن رتبة الفاعل قبل المفعول. 2- تأخر واجب. وذلك في ثلاث مسائل ذكر منها ابن هشام مسألتين: (1) الأولى: أن يتصل بالفاعل ضمير المفعول نحو: قرأ الكتابَ صاحبهُ، فـ (الكتاب) مفعول به مقدم، و (صاحبه) فاعل، ومنه قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} (2) فـ (إبراهيم) مفعول به مقدم (ربه) فاعل. وإنما وجب تقديم المفعول على الفاعل، لأنه لو أخر المفعول وقدم الفاعل لعاد الضمير على متأخر لفظًا ورتبة، وذلك لا يجوز إلا في الضرورة ومواضع مخصوصة (3)   (1) قوله: (قدرا) بالفتح، أي موافقة له ومقدرة. و (أو) بمعنى الواو. إعرابه: (جاء) فعل ماض وفاعله ضمير مستتر (الخلافة) مفعول به (أو) حرف عطف (كانت) كان: فعل ماض. والتاء اسمه. و (قدراً) خبر كان (كما) الكاف حرف جر. و (ما) مصدرية (أتى) فعل ماض (ربه) منصوب على التعظيم. مقدم على الفاعل. والهاء مضاف إليه (موسى) فاعل (على قدر) متعلق بـ (أتى) و (ما) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف نعت لمحذوف والتقدير: جاء الخلافة إتياناً كإتيان موسى ربه على قدر. (2) سورة البقرة، آية: 124. (3) هناك مواضع يعود الضمير فيها على متأخر لفظاً ورتبة لغرض بلاغي، وتسمى (مواضع التقدم الحكمي) يذكرها النحاة في آخر باب الفاعل ومنها: 1- فاعل نعم وبئس. ويأتي ذكره إن شاء الله. 2- مجرور (رب) نحو: ربه صديقًا يعين على الشدائد. 3- الضمير في باب التنازع إذا أعملت الثاني واحتاج الأول إلى مرفوع نحو: قاما وقعد أخواك. كما سيأتي إن شاء الله. ضمير الشأن والقصة نحو: إنها رابطة العقيدة قوية لا تنفصم، أي: الشأن أو الحديث أو القصة أن رابطة العقيدة فهو مفسر بالجملة بعده. لأنها نفس الحديث والقصة. وقد مضى ذكره في إعراب المضارع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 الثانية: أن يكون المفعول ضميرًا متصلاً بالفعل نحو: أكرمني صالح، فـ (الياء) مفعول به مقدم و (صالح) فاعل مؤخر. ولو قدم الفاعل فقيل: أكرم صالح إياي، لا نفصل الضمير مع إمكان اتصاله، وهذا لا يجوز إلا فيما اُستثني، كما تقدم في الضمير. الثالثة: أن يحصر الفاعل بـ (إنما) نحو: إنما ينفع المرءَ العملُ الصالُح، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (1) ، فـ (العلماء) فاعل (يخشى) ، أو يحصر بـ (إلا) على الأصح نحو: لا ينفع المرءَ إلا العملُ الصالح، وهذه المسألة لم يذكرها المصنف. قوله: (وَقَدْ يَجِبُ تَأْخِيرُ المَفْعُولِ كَضَرَبْتُ زَيْداً، وَمَا أَحْسَنَ زَيْدًا، وَضَرَبَ مُوسى عِيسى، بخِلافِ: أَرْضَعَتِ الصُغْرَى الكُبْرَى) . ذُكر فيما مضى أن الأصل تقدم الفاعل وتأخر المفعول. وقد يكون ذلك واجبًا، وذلك في ثلاث مسائل، ذكر منها ابن هشام مسألتين: الأولى: إذا كان الفاعل ضميرًا متصلاً والمفعول به اسمًا ظاهرًا نحو: أتقنت العمل؛ فلا يجوز تقديم المفعول على الفاعل بأن تقول: أتقن العمل أنا، لئلا ينفصل الضمير مع إمكان اتصاله، وهذا لا يجوز إلا فيما اُستثنى كما في باب الضمير. الثانية: إذا خيف التباس أحدهما بالآخر، وذلك إذا خفى الإعراب فيهما. ولم توجد قرينة تبين الفاعل من المفعول، نحو: أكرم موسى عيسى. فيجب كون (موسى) فاعلاً و (عيسى) مفعولاً. فإن وجد قرينة لفظية أو معنوية تبين الفاعل من المفعول لم يجب تقديم الفاعل وتأخير المفعول. فاللفظية نحو: وعظت عيسى ليلى، فـ (ليلى) فاعل، بدليل تأنيث الفعل. والمعنوية نحو: أرضعت الصغرى الكبرى، فـ (الكبرى) فاعل مؤخر عن المفعول.   (1) سورة فاطر، آية: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 الثالثة: أن يكون المفعول محصورًا بـ (إنما) نحو: إنما يقول المسلمُ الصدقَ، أو بـ (إلا) على الأصح، نحو: ما يقول المسلمُ إلا الصدقَ. فـ (الصدق) مفعول به - في المثالين - ويجب تأخيره عن الفاعل، وهذه المسألة لم يذكرها المصنف. قوله: (وَقَدْ يَتَقَدَّمُ عَلَى العَامِلِ جَوَازًا نَحْوُ: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا} (1) وَوُجُوبًا نَحْوُ: {أَيًّا مَا تَدْعُوا} (2)) . لما ذكر المصنف - رحمه الله - تقدم المفعول على الفاعل وتأخره عنه، ذكر تقدم المفعول على العامل. وأنه نوعان: - 1- تقدم جائز، وهو: ما خلا من موجب التقديم أو التأخير، نحو: كتب الطالب الواجب؛ فيجوز تقدم المفعول على الفعل، فيقال: الواجبَ كتب الطالبُ. ومنه قوله تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} (3) فـ (فريقًا) مفعول به منصوب قدم على عامله، وهذا التقديم جائز لا واجب. و (هَدَى) فعل ماض مبني على فتح مقدر، والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره (هو) أي: الله، (وفريقًا) مفعول به لفعل محذوف، أي: وأضل فريقًا. 2- تقدم واجب: وذلك إذا كان المفعول من الألفاظ التي لها الصدارة كأسماء الشرط وأسماء الاستفهام، نحو: أيَّ طالب تكرمْ أكرمْ. ومنه قوله تعالى: {فَأَيَّ آَيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ} (4) فـ (أيَّ) مفعول مقدم للفعل (تنكرون) ، وقوله تعالى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (5) فـ (أيًا) مفعول مقدم للفعل (تدعوا) و (ما) حرف زائد إعراباً مؤكد معنى، و (تدعوا) مجزوم بـ (أيًا) وعلامة جزمه النون، والواو فاعل، وتقدم ذكر الآية في أدوات الشرط.   (1) سورة الأعراف، آية: 30. (2) سورة الإسراء، آية: 110. (3) سورة الأعراف، آية: 30. (4) سورة غافر، آية: 81. (5) سورة الإسراء، آية: 110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 قوله: (وَإذَا كَانَ الفِعْلُ نِعْمَ أَوْ بِئْسَ فَالْفَاعِلُ إِمَّا مُعَرَّفٌ بِـ (ال) الجِنْسِيَّةِ نَحْوُ: {نِعْمَ الْعَبْدُ} (1) أَوْ مضَافٌ لِمَا هِيَ فِيهِ نَحْوُ: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} (2) أَوْ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ مُفَسَّرٌ بِتَمْييزٍ مُطابِقٍ لِلْمَخْصُوصِ نَحْوُ: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} (3)) . أي إذا كان الفعل العامل في الفاعل: نعم أو بئس. فالفاعل ثلاثة أنواع: الأول: أن يكون مقترنًا بـ (ال) الجنسية (4) نحو: نعم الخلقُ الوفاءُ بالوعد، وبئس الخلقُ خلفُ الوعد. فـ (نعم) فعل ماض (5) جامد لإنشاء المدح و (الخلق) فاعل (الوفاء بالوعد) مبتدأ مؤخر، وما قبله خبر متقدم، ومنه قوله تعالى: {نِعْمَ الْعَبْدُ} (6) ، فـ (العبد) فاعل (نعم) مرفوع بالضمة. الثاني: أن يكون الفاعل مضافاً لما اقترن بـ (ال) نحو: نعم قائدُ الإسلام صلاحُ الدين، وبئس زعيمُ القوم أبو جهل، ومنه قوله تعالى: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} (7) فـ (اللام) واقعة في جواب قسم مقدر، و (نعم) فعل ماض جامد لإنشاء المدح (دار) فاعل (المتقين) مضاف إليه والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب.   (1) سورة ص، آية: 30. (2) سورة النحل، آية: 30. (3) سورة الكهف، آية: 50. (4) هي التي تفيد العموم والشمول كما تقدم في: المعرَّف بأل وعلى هذا فتكون مدحت الجنس كله، ثم خصصت بالذكر الوفاء بالوعد فتكون قد مدحته مرتين. (5) هو فعل ماض لكنه تجرد من الدلالة على الزمن بعد أن تكونت منه ومن فاعله جملة إنشائية غير طلبية للمدح. ومثله (بئس) . (6) سورة ص، آية: 30. (7) سورة النحل، آية: 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 الثالث: أن يكون الفاعل ضميراً مستترًا وجوباً يعود على تمييز بعده يفسَّر ما فيه من الغموض والإبهام، نحو نعم صديقًا الكتاب، بئس خلقًا الكذب، ففي كل من (نعم) و (بئس) ضمير مستتر وجوبًا هو الفاعل، تقديره: (هو) مراداً منه الممدوح أو المذموم. ويعود على التمييز (صديقًا) و (خلقًا) أي: نعم الصديق صديقًا الكتاب. وبئس الخلق خلقًا الكذب. ومنه قوله تعالى: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} (1) . ففاعل (بئس) ضمير مستتر وجوبًا تقديره: (هو) أي: البدل، و (بدلاً) تمييز منصوب. وقول المصنف: (بتمييز مطابق للمخصوص) فيه مسألتان: الأولى: أن (نعم وبئس) بحاجة - في الغالب - إلى اسم مرفوع بعدهما، هو المقصود بالمدح أو الذم، ويسمى: المخصوص بالمدح أو الذم، وعلامته: أن يصلح وقوعه مبتدأ، والجملة قبله خبر، مع استقامة المعنى. نحو: نعم الخليفة أبو بكر - رضي الله عنه -، بئس جليس السوء النمامُ. فـ (أبو بكر) مخصوص بالمدح. و (النمام) مخصوص بالذم، وكلاهما يصلح أن يكون مبتدأ، فيقال: أبو بكر نعم الخليفة، والنمامُ بئس جليس السوء، والرابط بينهما العموم الذي في (ال) كما تقدم في الابتداء، والمشهور في إعرابه أن يكون مبتدأ مؤخرًا والجملة قبله خبر عنه، ويصح إعرابه خبرًا لمبتدأ محذوف وجوبًا. (2)   (1) سورة الكهف، آية: 50. (2) هذان وجهان في إعراب المخصوص، والأول أيسر، لسلامته من الحذف، وذكر الأشموني بحاشية الصبان (3/37) عن ابن كيسان أنه بدل من الفاعل، وهو بدل كل من كل. وهو وجيه لا يقوم على حذف ولا على تقديم ولا تأخير كما في الأوجه الأخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 المسألة الثانية: إذا كان الفاعل ضميرًا مستترًا مفسرًا بتمييز كما مضى، فلابد من مطابقة التمييز للمخصوص بالمدح أو الذم، فيتطابقان تذكيرًا وتأنيثًا وإفرادًا فتقول: نعم رجلاً محمد، ونعم رجلين المحمدان، ونعم رجالاً المحمدون. نعم أو نِعْمت فتاةً المتحجبة، أو فتاتين المتحجبتان، أو فتياتٍ المتحجبات. نائب الفاعل قوله: (يُحْذََفُ الْفَاعِلُ فَيَنُوبُ عَنْهُ فِي أَحْكَامِهِ كُلِّهَا مَفْعُولٌ بِهِ، فإنِْ لَمْ يُوجَدْ فَمَا اخْتَصَّ وتَصَرَّفَ مِنْ ظَرْف أَوْ مَجْرُورٍ، أَوْ مَصْدَرٍ) . نائب الفاعل (1) : هو ما حذف فاعله وأُقيم مُقامه. وقولنا: (ما) أي: اسم صريح نحو: نُقل الخبر، أو مؤول، نحو: يُخَاف أن تزيد الأسعار. فـ (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر نائب فاعل، أي: يُخَافُ زيادةُ الأسعار. وقولنا: حذف فاعله، أي لغرض لفظي أو معنوي، فاللفظي: كالمحافظة على السجع نحو: من طابت سريرتُه حُمدت سيرتُه، والمعنوي: كالعلم به، كقوله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} . (2) أو الجهل به نحو: سُرِقَ القلم؛ إلى غير ذلك من الأغراض التي هي من مباحث البلاغين في علم المعاني. وقولنا: (وأقيم مُقامه) أي أقيم النائب من مفعول به وغيره مُقام الفاعل. فيأخذ أحكامه كلها من إسناد العامل إليه. ووجوب تأخره عنه. واستحقاقه للاتصال به، وامتناع حذفه، وتأنيث الفعل له، إن كان مؤنثاً، وغير ذلك، فتقول في: أَكْرَمَ خالدٌ الغريبَ. أُكْرِمَ الغريبُ وفي: أَكرم خالدٌ فاطمةَ، أُكْرِمَت فاطمةُ. فإذا أريد حذف الفاعل لغرض من الأغراض ترتب على حذفه أمران:   (1) يسميه كثير من القدماء (المفعول الذي لم يسم فاعله) . وما ذكر أحسن، لأنه يكون نائب الفاعل غير المفعول به مما سيأتي. (2) سورة النساء، آية: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 1- تغيير صيغة الفعل، وهو تحويله من الفعل المبني للمعلوم إلى مبني للمجهول، إيذاناً بالنيابة، وهذا سيأتي بيانه إن شاء الله. 2- إقامة نائب عنه يَحُلُّ محله. وهو أربعة أشياء: الأول: المفعول به، وهو الأصل في النيابة عن الفاعل، ولهذا لا ينوب عنه غيره مع وجوده، كما يفهم من قول ابن هشام: (فإن لم يوجد) ، وتقدم له أمثلة. فإن كان الفعل يتعدى لمفعولين أنيب الأول مُناب الفاعل وبقي الثاني منصوباً، نحو: أَعطيتُ الفقير ثوباً، فتقول: أُعطي الفقيرُ ثوباً. فـ (أُعطي) فعل ماض مبني للمجهول (الفقير) نائب فاعل مرفوع (ثوباً) مفعول ثانٍ منصوب. الثاني: الظرف بنوعيه - الزماني والمكاني - ويشترط لنيابته عن الفاعل شرطان: 1- أن يكون متصرفًا. والمراد به ما يخرج من النصب على الظرفية، ومن الجر بـ (من) إلى التأثر بالعوامل المختلفة، كـ (زمن ووقت وساعة ويوم وقدام وخلف) ونحوها، بخلاف (سحر) - إذا أريد به سَحَرُ يوم بعينه - فلا يصلح أن يكون نائب فاعل؛ لأنه ملازم للنصب على الظرفية. وبخلاف: (عندَ) فإنه ملازم للنصب أو الجر بـ (من) . 2- أن يكون الظرف مختصاً. والمراد بالاختصاص - هنا - أن يزاد على معنى الظرفية معنى جديداً، ليزول الغموض والإبهام من معناه. وذلك إما بوصف أو إضافة أو علمية ونحوها. مثل: صِيْمَ يومُ الخميس، فـ (يوم) نائب فاعل مرفوع (1) . وقد حصل الاختصاص بإضافته إلى كلمة (الخميس) ، ونحو: جُلس وقتٌ طويلٌ. فـ (وقت) نائب فاعل مرفوع، تخصص بالوصف، ونحو: صيم رمضانُ، فـ (رمضان) نائب فاعل مرفوع، وقد تخصص بالعلمية، ونحو: جُلِسَ قدامُ الطلاب. فتخصص الظرف المكاني بالإضافة، بخلاف: جُلس وقت: فلا يصح، لعدم الفائدة. الثالث: مما ينوب عن الفاعل: المصدر، ويشترط لنيابته شرطان كالظرف:   (1) إذا صار الظرف نائب فاعل أو مبتدأ أو فاعلاً أو شيئاً آخر غير النصب على الظرفية فإنه لا يسمى ظرفًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 1- أن يكون متصرفاً، والمراد به ما يخرج من النصب على المصدرية إلى التأثر بالعوامل المختلفة، نحو: أَكْلٌ، كتابة، فَهْمٌ، جلوس وغيرها، بخلاف (مَعَاذَ اللهِ) فهو مصدر ميمي منصوب بفعل محذوف، أي: أعوذ بالله معاذًا، ولم يشتهر استعماله عن العرب ِإلا منصوبًا مضافًا، فلا يقع نائب فاعل، لئلا يُخْرَجَ عما استقر له في لسان العرب. 2- أن يكون مختصًا، والمراد بالاختصاص هنا: أن يكتسب المصدر من لفظ آخر معنى زائدًا على معناه المبهم المقصور على الحدث المجرد نحو: قُرئ قراءةٌ مجودةٌ، جُلس جلوسُ الخائف، بخلاف: قُرئ قراءة. لعدم الفائدة؛ لأن المصدر لم يفد معنى زائدًا على ما فهم من الفعل. الرابع: مما ينوب عن الفاعل: الجار والمجرور، وله شرطان: 1- أن يكون حرف الجر متصرفًا، والمراد به: ألا يلزم طريقة واحدة لا يخرج عنها إلى غيرها، مثل: في، عن، الباء ونحوها، بخلاف (مذ) و (منذ) الملازمين لجر الزمان، و (رُبَّ) الملازمة للنكرات. 2- أن يكون المجرور مختصًّا، والمراد بالاختصاص: أن يكتسب الجار مع مجروره معنى زائدًا إما بوصف أو إضافة أو غيرهما نحو: جُلس في حديقة واسعة، فُرح بانتصار المسلمين. ونائب الفاعل هو الجار والمجرور فيكون في محل رفع. (1) قوله: (وَيُضَمُّ أَوَّلُ الْفِعْلِ مُطْلَقاً، ويُشَاركُهُ ثَانِي نَحْو تُعُلَّمَ وثَالِثُ نحْوِ انْطُلِقَ، ويُفْتَحُ مَا قَبِلَ الآخرِ فِي الْمُضَارع، ويُكْسَرُ فِي الْمَاضِي ولَكَ فِي نَحْوِ قَالَ وبَاعَ الْكَسْرُ مُخْلَصاً ومُشَمًّا ضَماً والضَّمُّ مُخْلَصاً) .   (1) وهذا فيه تيسير.والقول والثاني أن نائب الفاعل هو المجرور وحده فهو مجرور في الظاهر ولكنه في محل رفع. فإن كان حرف الجر زائدًا نحو: ما أكرم من أحد. فلا خلاف في أن النائب هو المجرور وحده فهو مجرور لفظًا مرفوع محلاً. انظر (همع الهوامع للسيوطي 1/163) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 تقدم أن شرط النيابة عن الفاعل: تغيير صورة الفعل إيذانًا بهذه النيابة، وتفصيل ذلك كما يلي: 1- إذا كان الفعل ماضيًا صحيح العين خاليًا من التضعيف وجب ضم أوله وكسر ما قبل آخره، نحو: فَتَحَ العملُ بابَ الرزق فيقال: فُتح بابُ الرزق. فـ (فتح) فعل ماض مبني للمجهول (باب) نائب فاعل مرفوع و (الرزق) مضاف إليه. 2- إذا كان الفعل مضارعًا وجب ضم أوله وفتح ما قبل آخره، نحو: يحترم الناسُ العالِمَ، فيقال: يُحتَرَمُ العالمُ، فـ (يحترم) فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة (العالم) نائب فاعل مرفوع. وهذا معنى قوله: (يُضم أول الفعل مطلقًا) أي: ماضيًا كان أو مضارعًا، ثلاثيًا كان أو رباعيًا، مجردًا أو مزيدًا. كما سيأتي. 3- إذا كان الفعل مبدوءاً بتاء زائدة وجب ضم الحرف الثاني مع الأول نحو: تعَلَّم خليلٌ النحوَ، فيقال: تُعُلِّم النحوُ. 4- إذا كان الماضي مبدوءًا بهمزة وصل وجب ضم ثالثه مع أوله نحو: انطلق خالدٌ يومَ الخميس، فيقال: اُنطُلق يومُ الخميسِ. (1) إذا كان الماضي ثلاثيًا مُعَلَّ العين (1) جاز في فائه عند بنائه للمجهول ثلاثة أوجه، سواء كان واويًّا أو يائيًّا، وهي:   (1) هناك فرق بين معل العين ومعتل العين. فـ (معل العين) ما كان وسطه حرف علة وخضع لأحكام الإعلال كالقلب - مثلاً - نحو: قال، باع. فأصلهما قَوَلَ وبَيَعَ. فتحركت الواو والياء وفتح ما قبلهما فقلبتا ألفًا. 5- ومعتل العين ما كان وسطه حرف علة ولا يخضع لأحكام الإعلال مثل: عَوِرَ، هَيَفَ. [والهَيَفُ: ضمور البطن] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 الأول: إخلاص الكسر، فينقلب حرف العلة ياء، وهذا هو الأفصح، نحو: صام المسلمون رمضانَ، باع التاجر بضاعَتَهُ. فيقال: صِيمَ رمضانُ، وبيعت البضاعةُ. ومنه قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} (1) فـ (سيق) فعل ماض مبني للمجهول و (الذين) اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع نائب فاعل، وجملة (اتقوا ربهم) صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، و (زمراً) حال. الثاني: إخلاص الضم، فينقلب حرف العلة واواً، وهذا أضعف الأوجه، فيقال: صُوم وبُوع. الثالث: الإشمام وهو في النطق لا في الكتابة، وهو عند النحاة: النطق بحركة صوتية تجمع بين ضمة قصيرة وكسرة طويلة على التوالي السريع. باب الاشتغال قوله: (يَجُوزُ فِي نَحْو زَيْداً ضَرَبْتُهُ، أَوْ ضَرَبْتُ أَخَاهُ، أَوْ مَرَرْتُ بِهِ، رَفْعُ زَيْدِ بِالابْتِدَاءِ فَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ خَبَرٌ ونَصْبُهُ بِإضْمَارِ ضَرَبْتُ وَأَهَنْتُ وجَاوَزْتُ وَاجِبَةَ الْحَذْفِ، فَلاَ مَوْضِعَ لِلْجُمْلَةِ بَعْدَهُ) . الاشتغال: أن يتقدم اسم ويتأخر عنه عامل مشغول عن نصبه بالعمل في ضميره أو مضافٍ لضميره. مثال المشتغل بالضمير: الضعيفَ ساعدتُه، محمدًا مررتُ به. ومثال المشتغل بمضاف للضمير: خالدًا ضربتُ ابنه. في هذه الأمثلة تقدم اسم، وتأخر عنه فعل اشتغل عن نصبه بنصب الضمير العائد عليه، لفظاً كما في المثال الأول. أو محلاً كما في المثال الثاني، أو بنصب اسم متصل بالضمير العائد عليه كما في المثال الثالث، ولو لم يشتغل الفعل بنصب الضمير أو ما اتصل بالضمير لتسلط على الاسم السابق فنصبه. وأركان الاشتغال ثلاثة: مشغول عنه، وهو الاسم المتقدم، ومشغول وهو العامل، ومشغول به وهو ضمير الاسم السابق أو ما اتصل بضميره. وإذا وجد المثال على الهيئة المذكورة فالأصل أن ذلك الاسم يجوز فيه وجهان:   (1) سورة الزمر، آية: 73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الأول: راجح لسلامته من التقدير، وهو أن يعرب الاسم السابق مبتدأ، والجملة بعده خبر، وجملة الكلام حينئذ اسمية؛ لأنها مبدوءة باسم. الثاني: مرجوح لاحتياجه إلى تقدير، وهو أن ينصب الاسم السابق على أنه مفعول به لفعل محذوف وجوباً يفسره المذكور بعده. وهذا الفعل المحذوف لابد أن يكون موافقاً للمذكور، إما لفظًا ومعنى كالمثال الأول، فإن التقدير: ساعدت الضعيفَ ساعدته. أو معنى فقط كالمثال الثاني فإن تقديره: جاوزت محمدًا مررت به. أو غير موافق لفظًا ولا معنى، ولكنه لازم للمذكور كالمثال الأخير فإن تقديره: أهنت خالدًا ضربت ابنه. وعلى هذا الإعراب فما بعد الاسم السابق جملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب (1) وجملة الكلام حينئذ فعلية، لأنها مبدوءة بالفعل المحذوف وهذا معنى قوله: (فلا موضع للجملة بعده) . وقوله: (وَيَتَرَجَّحُ النَّصْبُ فِي نَحْو زَيْداً اضْرِبْهُ لِلطَّلَبِ، ونَحْوِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (2) مُتَأَوَّلٌ. وفِي نَحْوِ: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ} (3) لِلَّتَناسُبِ ونَحْوِ: {أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} (4) ومَا زَيْداً رَأَيْتُهُ لِغَلَبَةِ الْفِعْلِ) .   (1) هذا على أحد القولين والآخر أن الجملة التفسيرية تأخذ حكم الجملة المفسَّرة فإن كان لها محل فالتفسيرية لها محل نحو: خالدٌ الواجبَ يؤديه. فـ (يؤديه) في محل رفع خبر؛ لأنها مفسرة للجملة المحذوفة وهي في محل رفع خبر للمبتدأ (خالد) لأن التقدير: خالد يؤدي الواجب يؤديه، وإن لم يكن لها محل فالتفسيرية كذلك نحو: الضيف أكرمته، فلا محل للجملة المقدرة، لأنها مستأنفة فكذا التفسيرية. (2) سورة المائدة، آية: 38. (3) سورة النحل، آية: 5. (4) سورة القمر، آية: 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 تقدم أن الاسم المشغول عنه يجوز فيه الرفع والنصب، والرفع أرجح، ولا تكون المسألة حينئذ من باب الاشتغال؛ لعدم صدق التعريف عليه، لكنه قد يطرأ على الاسم السابق ما يرجح نصبه، أو يوجبه، أو يوجب الرفع، أو يجوز الوجهين على حد سواء. فيترجح نصب المشغول عنه في ثلاث مسائل: الأولى: أن يقع بعد المشغول عنه فعل دال على طلب، نحو: خالدًا أكرمه. فيترجح نصب المشغول عنه (خالداً) على رفعه؛ لأنه لو رفع لصارت الجملة بعده خبرًا. والإخبار بالجملة الطلبية - وإن كان جائزًا عند الجمهور - فهو على خلاف الأصل، لأن الطلبية لا تحتمل الصدق والكذب. فإن قيل: ما توجيه الرفع في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (1) فإن ظاهره أن الطلب خبر، وقد أجمع السبعة على الرفع؟ فالجواب: أنه متأول (2) كما قال ابن هشام رحمه الله على أن الخبر محذوف تقديره: (مما يتلى عليكم حكم السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ، فحذف الخبر (مما يتلى عليكم) ثم حذف المضاف (حكم) وأقيم المضاف إليه مقامه، والفاء حرف استئناف، وجملة الطلب استئنافية، لبيان الحكم فلم تقع خبرًا كما هو الظاهر.   (1) سورة المائدة، آية: 38. (2) هذا التأويل لسيبويه. وأما المبرد فالإعراب عنده على ظاهر الآية: فتكون جملة (فاقطعوا) خبراً. ولا تأويل. انظر معاني القرآن للزجاج (2/171) ، والكامل في اللغة والأدب للمبرد (2/822) . وانظر: كتاب سيبويه (1/142) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 المسألة الثانية: أن يكون الاسم المشغول عنه مقترنًا بعاطف مسبوق بجملة فعلية كقوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا} (1) فـ (الأنعام) منصوب بفعل محذوف، أي: وخلق الأنعامَ، وحَسُنَ النصب ليُعطف جملة فعلية وهي جملة: (والأنعامَ) على جملة فعلية تقدمت، وهي (خَلَق الإنسان) ، وهذا فيه تناسب، وهذه قراءة السبعة. المسألة الثالثة: أن يقع المشغول عنه بعد أداة يغلب أن يليها الفعل، كهمزة الاستفهام، وما النافية وغيرهما، نحو: أوالدَك احترمته؟ ومنه قوله تعالى: {أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} (2) فـ (بشراً) مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور، وجملة (نتبعه) تفسيرية، وإنما ترجح النصب؛ لأنه لو رُفِعَ لصار مبتدأ، ورَفعُ المبتدأ بعد همزة الاستفهام - مع جوازه - قليل، لكثرة دخولها على الأفعال. ومثلها (ما) النافية نحو: ما صديقًا أهنته، فـ (صديقًا) مفعول به لفعل محذوف، وجملة (أهنته) تفسيرية. قوله: (وَيَجِبُ فِي نَحْوِ: إنْ زَيْداً لَقيِتَهُ فَأَكْرِمُهُ، وهَلاَّ زَيْداً أَكْرَمْتَهُ لِوُجُوِبِه) .   (1) سورة النحل، آية: 4، 5. (2) سورة القمر، آية: 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 أي يجب نصب المشغول عنه إذا وقع بعد ما يختص بالفعل، كأداة الشرط نحو: إن خالدًا لقيته فأكرمه، أو أداة التحضيض نحو: هلا زيدًا أكرمته. أو أداة العرض (1) نحو: ألا الحديثَ حفظته. فيجب نصب ما بعد هذه الأدوات بفعل محذوف، لوجوب وقوع الفعل بعدها. ولو جاز الرفع على الابتداء لخرجت عن اختصاصها بالأفعال (2) . وقوله (لوجوبه) أي لوجوب وقوع الفعل بعد هذه الأدوات. قوله: (وَيجِبُ الرَّفْعُ فِي نَحْوِ خَرَجْتُ فَإذَا زَيْدٌ يَضْربُهُ عَمْروٌ لامْتِنَاعِهِ) . أي يجب رفع المشغول عنه إذا وقع بعد ما يختص بالابتداء، كـ (إذا) الفجائية (3) نحو: خرجت فإذا الغبارُ تثيره الرياح، برفع (الغبار) على أنه مبتدأ وما بعده خبر، و (إذا) حرف دال على المفاجأة، ولا يجوز نصبه بتقدير فعل. لامتناع وقوع الفعل بعدها.   (1) التحضيض: طلب الفعل بحث وإلحاح. والعرض: طلب الشيء برفق ولين. (2) أما رفعه على أنه فعال أو نائب فاعل لفعل محذوف فجائز كقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} فـ (أحد) فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور. وقوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} فالشمس: نائب فاعل لفعل محذوف. ويرى بعض النحاة أن هذا المرفوع لا يلزم إعرابه فاعلاً لفعل محذوف بل يعرب مبتدأ ولا حاجة إلى التقدير، وبعضهم يرى أنه فاعل للفعل المذكور بعدُ، ولا ضيرَ في الأخذ بهذا أو الذي قبله. (3) هي حرف دال على المفاجأة وقيل إنها ظرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وكذلك يجب الرفع إذا وقع الفعل المشتغل بالضمير بعد ماله صدر الكلام، كأدوات الشرط والاستفهام وغيرهما، نحو: الكتابُ إن استعرته فحافظ عليه. المريضُ هل زرتَه؟ فيجب رفع المشغول عنه في المثالين وهما: (الكتاب) و (المريض) ولا يجوز نصبه لأن ماله صدر الكلام لا يعمل ما بعده فيما قبله، وما لا يعمل لا يصلح أن يكون مفسرًا لعامل محذوف. (1) وقوله (لامتناعه) أي لامتناع الفعل بعد (إذا) الفجائية. قوله: (وَيَسْتَوِيَانِ فِي نَحْوِ زَيدٌ قَامَ أَبُوهُ وعَمْروٌ أَكْرَمْتُهُ لِلتَّكافُؤِ) . أي يجوز رفع المشغول عنه ونصبه على حد سواء. إذا وقع المشغول عنه بعد عاطف تقدمته جملة ذات وجهين، وفَسَّروا الجملة ذات الوجهين بأنها جملة اسمية وخبرها جملة فعلية. (2) نحو: زيد قام أبوه وعمرو أكرمته. فيجوز رفع (عمرو) على أنه مبتدأ خبره (أكرمته) وتُعطف جملة اسمية على جملة اسمية، وهي: زيد قام أبوه، ويجوز نصبه بفعل محذوف. وتُعطف جملة فعلية على جملة فعلية وهي (قام أبوه) وإنما جاز الوجهان على السواء (للتكافؤ) الحاصل على كلا التقديرين؛ لأن الجملة الأولى اسمية الصدر فعلية العجز، فإن راعيت صدرها رفعت. وإن راعيت عجزها نصبت، فالتشاكل بين المتعاطفين موجود على كلا التقديرين ولا مرجح. قوله: (وَلَيْسَ مِنْهُ {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) } (3) ، وأَزَيْدٌ ذُهِبَ بِهِ؟) .   (1) اعلم أن وجوب رفع المشغول عنه ليس من مسائل هذا الباب - كما تقدم -؛ لأن تعريف الاشتغال لا ينطبق عليه، لأن من شرطه أنه لو تفرغ العامل من الضمير (المشغول به) لنصب الاسم السابق (المشغول عنه) وهذا لا يتم فيما وجب رفعه. لأن المتقدم مرفوع. والمتأخر يطلب منصوبًا لا مرفوعًا. (2) الجملة إذا وقعت خبراً عن مبتدأ فهي الجملة الصغرى. والجملة التي يقع خبرها جملة هي الجملة الكبرى. وقد مضى ذلك عند تعريف الكلام. (3) سورة القمر، آية: 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 أي: ليس من باب الاشتغال قوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) } لعدم صحة تسلط العامل على ما قبله على قاعدة الاشتغال، إذ لو صحَّ لكان التقدير: فعلوا كل شيء في الزبر. وهو فاسد؛ لأنه يقتضي أنهم فعلوا في الزبر - أي صحف الأعمال - كل شيء مع أنهم لم يفعلوا فيها شيئًا، بل الكرام الكاتبون أو قعوا فيها الكتابة، وليس هذا هو معنى الآية، وإنما معناها - والله أعلم - أن كل شيء فعلوه ثابت في صحائف أعمالهم. فيجب رفع (كل) على أنه مبتدأ، وجملة (فعلوه) في محل جر صفة لـ (شيء) والخبر هو الجار والمجرور (في الزبر) . وكذا ليس من باب الاشتغال (أزيد ذُهِبَ به؟) ببناء الفعل للمجهول، لعدم صدق ضابط الباب عليه. إذ لو سلط العامل على ما قبله على قاعدة الاشتغال لم يَنْصِبْ، لأن الفعل (ذُهِبَ) لا يعمل النصب. لأنه فعل لازم مبني للمجهول، فالجار والمجرور في محل رفع نائب فاعل، ويجب رفع (زيدٌ) على أنه مبتدأ وما بعده خبر. أو على أنه مرفوع بفعل محذوف لأجل الهمزة - التي يكثر دخولها على الفعل - والتقدير: أَذَهَبَ زيدٌ فَذُهِبَ به؟ والأول أرجح لوضوحه وسلامته من التقدير. باب في التنازع قوله: (يَجُوز في نحْوِ ضَرَبَنِي وَضَرَبْتُ زَيْداً، إعْمَالُ الأوَّلِ واخْتَارَهُ الكُوفيُّونَ، فَيُضْمَرُ في الثَّانِي كُلُّ ما يَحْتَاجُهُ، أَوِ الثَّانِي، واخْتَارَهُ الْبَصْرِيُّونَ، فَيُضْمَرُ في الأوَّلِ مَرْفُوعُه فَقَطْ، نَحْوُ: جَفَوْني ولمْ أَجْفُ الأخِلاَّءَ ... ) . التنازع: توجه عاملين إلى معمول واحد، نحو: سمعتُ ورأيتُ القارئ. فكل واحد من (سمعتُ) و (رأيتُ) يطلب القارئ مفعولاً به ونحو: ضربني وضربت زيدًا، فالأول يطلب الاسم فاعلاً، والثاني يطلبه مفعولاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وقد يكون التنازع بين أكثر من عاملين. وقد يكون المتنازع فيه متعددًا، نحو: يجلس ويستمع ويكتب المتعلم. وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: " تسبحون وتَحْمَدُون وتكبرون دبرَ كلِّ صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين " متفق عليه. فـ (دُبُرَ) منصوب على الظرفية، و (ثلاثاً وثلاثين) منصوب على أنه مفعول مطلق وقد تنازعهما ثلاث عوامل. (1) ولا خلاف في جواز إعمال أيِّ العاملين أو العوامل، وإنما الخلاف في الأولى منهما فقال البصريون: الثاني أولى لقربه من الاسم، وقال الكوفيون: الأول أولى لتقدمه. فإن أعملت الأول في الاسم الظاهر أعملت الثاني المهمل في ضميره، ويؤتى بهذا الضمير سواء كان مرفوعًا نحو: قام وقعدا أخواك، أو منصوبًا، نحو: قام وأكرمتهما أخواك، أو مجرورًا نحو: قام ومررت بهما أخواك. فـ (أخواك) فاعل (قام) وقد عمل الثاني في ضمير هذا الاسم، ولا محذور في الإتيان بالضمير، لرجوعه إلى متقدم رتبة؛ لأن مرجع الضمير وهو (أخواك) معمول للعامل الأول. وإن أعملت الثاني في الاسم الظاهر أعملت اِلأول في ضميره ويؤتى بهذا الضمير إن كان مرفوعاً، لامتناع حذف العمدة، وإن لزم منه عوده على متأخر لفظًا ورتبة (2) فتقول: قاما وقعد أخواك. فـ (أخواك) فاعل (قعد) ، ومنه قول الشاعر: جفوني ولم أجفُ الأخلاءَ إنني … … لغير جميل من خَلِيلِيَ مهملُ (3)   (1) في هذا الحديث أعمل الأخير لقربه، وأعمل الأولان في ضميرهما وحذفا لأنهما فضلتان. والأصل: تسبحون الله فيه إياه، وتحمدون الله فيه إياه. (2) عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة واقع في مسائل أخرى أشرنا إلى بعضها في أواخر باب الفاعل (في الهامش) وذكرنا مسألة التنازع. (3) جفوني: من الجفاء وهو ترك المودة. والمعنى: هجرني الأصداقاء، فلم أقابلهم بالمثل. لأني أهمل وأترك ما ليس بحسن من أفعال أصدقائي. إعرابه: (جفوني) فعل ماض. والواو فاعل. والنون للوقاية. والياء مفعول (ولم أجف) جازم ومجزوم. وعلامة جزمه حذف حرف العلة. والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: (أنا) (الأخلاء) مفعول به (إنني) إن حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر، والنون للوقاية، وياء المتكلم اسمها (لغير جميل) جار ومجرور متعلق بـ (مهمل) و (جميل) مضاف إليه. (من خليلي) جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لـ (جميل) والياء مضاف إليه (مهمل) خبر (إن) مرفوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 فأعمل الشاعر الثاني وهو (لم أجف) في (الأخلاء) فنصبه على أنه مفعول به، وأعمل الأول في ضميره، وهو (واو الجماعة) ، وأثبت الضمير؛ لأنه وإن عاد على متأخر لفظاً ورتبة لكن مجيئه عن العرب دليل على جوازه هنا. وإن كان الضمير منصوبًا أو مجرورًا حذفته نحو: ضربت وضربني زيد، ومررت ومر بي زيد، ولا يؤتى بهذا الضمير إذ لو قيل: ضربته وضربني زيد، ومررت به ومر بي زيد. لعاد الضمير على متأخر لفظًا ورتبة، وهذا الضمير فضلة يستغني عنه الكلام، فيحذف. قوله: (وَلَيْسَ مِنْهُ ­ كَفَانيِ ولَمْ أَطْلُبْ قَلِيلٌ مِنَ المَالِ ­ لِفسَادِ المَعْنى) . أي ليس من باب التنازع قول امرئ القيس: ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة … … كفاني ولم أطلب قليل من المال (1)   (1) إعرابه: (لو) حرف امتناع لامتناع (أن) حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر (ما) مصدرية. (أسعى) فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة. والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: (أنا) و (ما) وما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوب لأنه اسم (أن) . (لأدني) جار ومجرور خبر (أن) و (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل لفعل محذوف تقديره: لو ثبت كون سعى لأدنى.. الخ. و (معيشة) مضاف إليه. (كفاني) فعل ماض. والنون للوقاية. والياء مفعول به. (ولم) الواو عاطفة. و (لم) أداة جزم (أطلب) فعل مضارع مجزوم. وفاعله ضمير مستتر. (قليل) فاعل (كفاني) (من المال) جار ومجرور صفة لـ (قليل) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 لأن من شرط التنازع صحة توجه كل واحد من العاملين إلى ذلك المعمول من غير فساد في اللفظ ولا في المعنى، وفي هذا البيت تقدم عاملان وهما: (كفاني) و (لم أطلب) وتأخر معمول واحد وهو (قليل من المال) ولو توجه إليه العاملان لفسد المعنى المراد. إذ يصير التقدير: (كفاني قليل من المال ولم أطلب قليلاً من المال) وهذا كلام غير مستقيم، فيتعين أن يكون مفعول (أطلب) محذوفاً، وتقدير الكلام: لو كان سعيي لأدنى معيشة كفاني قليل من المال ولم أطلب الملك، ومقتضى ذلك أنه طالب للملك. وهذا هو المراد، بدليل قوله بعده: ولكنما أسعى لمجدٍ مُؤثَّل … … وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي ومجد مؤثَّل: أي: قديم. باب في ذكر منصوبات الأسماء قوله: (المَفْعُولُ مَنْصُوبٌ وهُوَ خَمْسَةٌ: المَفْعُولُ بِهِ، وهُوَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ فِعْلُ الْفَاعِلِ كَضَرَبْتُ زَيْداً) . ذكر ابن هشام - رحمه الله - في هذا الباب المفاعيل الخمسة وهي: المفعول به، والمفعول المطلق، والمفعول له، والمفعول فيه، والمفعول معه، وقدمها على غيرها من المنصوبات الأخرى؛ لأنه الأصل وغيرها محمول عليها ومشبه بها، وكلها منصوبة. وبدأ بالمفعول به فقال: هو ما وقع عليه فعل الفاعل، كضربت زيدًا. فـ (زيدًا) مفعول به، لوقوع فعل الفاعل عليه، وهو الضرب، وهذا بخلاف بقية المفاعيل، فإن المفعول المطلق نفس فعل الفاعل، والمفعول له وقع لأجله، والمفعول فيه وقع فيه، والمفعول معه وقع معه، كما سيأتي إن شاء الله. قوله: (وَمِنْهُ المُنَادَى، وإنَّمَا يُنْصَبُ مُضَافاً كَيَا عَبْدَ الله أَوْ شَبِيهاً بِالمُضَافِ كَيَا حَسَناً وَجْهُهُ، ويَا طَالِعاً جَبَلاً، وَيَا رَفِيقاً بِالْعِبَادِ، أَوْ نَكِرَةً غَيْرَ مَقْصُودَةٍ، كَقَوْلِ الأعْمَى: يَا رَجُلاً خُذْ بَيدِي) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 من أنواع المفعول به: المنادى، وله أحكام تخصه؛ فلهذا أفرده بالذكر، وبيان كونه مفعولاً به أن قولك: يا عبدَ الله. أصله: أدعو عبدَ الله، فحُذِفَ الفعل، وأُنيب (يا) عنه. والمنادى: هو المطلوب إقباله بحرف نائب مناب (أدعو) (1) ، وهو قسمان: 1- منادى معرب، وهو ما يظهر فيه النصب. وهو المراد هنا. 2- منادى مبني، وهو الذي لا يظهر فيه النصب، ويأتي إن شاء الله. فينصب المنادى لفظًا في ثلاث مسائل: الأولى: أن يكون مضافًا، نحو: يا عبدَ الله، فـ (يا) : حرف نداء. و (عبد الله) منادى منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. وهو مضاف، ولفظ الجلالة مضاف إليه. الثانية: أن يكون شبيهًا بالمضاف. وهو ما اتصل به شيء من تمام معناه، كما يتصل المضاف بالمضاف إليه نحو: يا مسافراً إلى مكة استفد من وقتك. فـ (مسافرًا) منادى منصوب. وقد اتصل به شيء من تمام معناه لأننا إذا قلنا (يا مسافرًا) لم يتبين للسامع المراد كاملاً؛ لأن السفر يكون إلى بقاع شتى. فإذا قلنا: (إلى مكة) أتممنا المعنى وخصصناه كما يُخَصَّصُ المضاف بالمضاف إليه. وهذا الذي به التمام إما أن يكون اسماً مرفوعًا بالمنادى نحو: يا ضائعًا كتابه، فـ (يا) حرف نداء (ضائعًا) منادى منصوب (كتابه) فاعل لاسم الفاعل مرفوع، والهاء مضاف إليه، ومثله: يا حسناً وجهه. فـ (وجهه) فاعل للصفة المشبهة (حسنًا) . وإما أن يكون منصوبًا نحو: يا طالعًا جبلاً، فـ (طالعًا) منادى منصوب. وفيه ضمير مستتر هو فاعله، لأنه اسم فاعل، و (جبلاً) مفعول به منصوب لاسم الفاعل. وإما أن يكون مجروراً كما تقدم في المثال: يا مسافراً إلى مكة، ومثله: يا رفيقًا بالعباد. فـ (بالعباد) جار ومجرور متعلق بـ (رفيقًا) .   (1) الأصل في المنادى أن يكون اسمًا لعاقل، ليتأتى إقباله. وقد ينادى اسم غير عاقل لغرض بلاغي، ومنه قوله تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 المسألة الثالثة: أن يكون المنادى نكرة غير مقصودة كقول الأعمى: يا رجلا خذ بيدي، فـ (رجلاً) منادى منصوب؛ لأنه نكرة غير مقصودة، أما أنه نكرة فلأنه لا يدل على معين، وأما أنها غير مقصودة، فلأن الأعمى حين يقول: يا رجلاً، لا يوجه الخطاب إلى إنسان خاص، ولا يقصد به شخصاً دون آخر. قوله: (والمُفَردُ المَعْرِفَةُ يُبْنَى عَلَى مَا يُرْفَعُ بِهِ كَيَا زَيْدُ ويَا زَيْدَانِ، وَيَا زَيْدُونَ، ويَا رَجُلُ لِمُعَيَّنٍ) . هذا القسم الثاني من أقسام المنادى، وهو المنادى المبني، فيبنى بشرطين: الأول: أن يكون مفردًا، والمراد به هنا: ما ليس مضافاً ولا شبيهاً به، فيدخل فيه المفرد والمثنى والجمع. الثاني: أن يكون معرفة، أي: معينًا سواء كان معرفة قبل النداء وهو العلم كـ (خالد) ، أو معرفة بعد النداء بسبب الإقبال عليه، وهو النكرة المقصودة. والمنادى في هذا القسم يبنى على ما كان يرفع به قبل النداء حالة الإعراب، ويكون في محل نصب، فإن كان يرفع بالضمة بني على الضم من غير تنوين نحو: يا هشامُ تمهل، يا رجالُ أتقنوا أعمالكم، يا فاطماتُ اتركن الغيبة، وإن كان يُرفع بالألف بني على الألف، نحو: يا عليان قوما بالواجب. يا فتيان لا تعبثا بالأزهار، وإن كان يرفع بالواو بني على الواو نحو: يا محمدون صلوا أرحامكم، خذوا جوائزكم يا فائزون. فـ (هشام) في المثال الأول منادى مبني على الضم في محل نصب؛ لأن المنادى أصله مفعول به كما تقدم. وهكذا في بقية الأمثلة، فهو مبني على ما يرفع به. قوله: ((فَصْلٌ) وتَقُولُ يَا غُلامُ بِالثَّلاثِ وبالْيَاءِ فَتْحاً وإِسْكَاناً وبِالأَلِفِ) . ذكر ابن هشام - رحمه الله - في هذا الفصل حكم المنادى المضاف إلى ياء المتكلم، والمنادى المضاف إلى مضاف إلى ياء المتكلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 فأما الأول وهو المنادى المضاف إلى ياء المتكلم فلا يخلو: إما أن يكون المنادى كلمة (أب) أو (أم) أو غيرهما، فإن كان غيرهما. نحو: يا غلامي، جاز فيه ست لغات، ثلاث منها بإثبات الياء، وثلاث بحذفها، وهي كما يلي: الأولى: إثبات الياء ساكنة، فتقول: يا غلامي، قال تعالى: {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} (1) ، في قراءة من أثبت الياء ساكنة وهم نافع وأبو عمرو وابن عامر من السبعة، فـ (عبادي) منادي منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وهو مضاف وياء المتكلم ضمير مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. الثانية: إثبات الياء مفتوحة فتقول: يا غلاميَ، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} (2) فـ (عبادي) منادى منصوب - كما تقدم - وياء المتكلم ضمير مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه. الثالثة: قلب الكسرة التي قبل الياء المفتوحة فتحة، فتنقلب الياء ألفاً، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فتقول: يا غلامَا. قال تعالى: عن يعقوب عليه السلام: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} (3) فـ (أسفا) منادى منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. (4) وياء المتكلم المنقلبة ألفًا ضمير مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. وإلى هذه اللغات الثلاث أشار بقوله: (وبالياء فتحًا وإسكاناً وبالألف) .   (1) سورة الزخرف، آية: 68. (2) سورة الزمر، آية: 53. (3) سورة يوسف، آية: 84. (4) أو يقال: وعلامة نصبه الفتحة المقدرة منع من ظهورها الكسرة المنقلبة فتحة لمناسبة الياء المنقلبة ألفًا. والألف المنقلبة عن الياء في محل جر مضاف إليه. فتكون الفتحة في (يا غلام) ليست فتحة إعراب وإنما هي لأجل الألف المنقلبة عن ياء المتكلم. والأول فيه تيسير وبعد عن التكلف الذي لا داعي له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 اللغة الرابعة: حذف الياء الساكنة وإبقاء الكسرة دليلاً عليها فتقول: يا غلامِ، قال تعالى: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} (1) فـ (عباد) منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، والياء المحذوفة ضمير مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. اللغة الخامسة: قلب الياء ألفًا - كما تقدم - وحذف الألف وإبقاء الفتحة دليلاً عليها، فتقول: يا غلامَ. فـ (غلامَ) منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وياءُ المتكلمِ المنقلبةُ ألفًا محذوفةً مضافٌ إليه. اللغة السادسة: حذف الياء - مع ملاحظتها في المعنى - وبناء المنادى على الضم، فيضم الحرف الذي كان مكسوراً لأجل الياء. فتقول: يا غلامُ، فـ (غلام) منادى مبني على الضم في محل نصب لانقطاعه عن الإضافة لفظًا لا معنى. (2) وإلى هذه اللغات الثلاث أشار ابن هشام - رحمه الله - بقوله: (وتقول يا غلام بالثلاث) أي بالحركات الثلاث على الميم، وهي الكسرة والفتحة والضمة، من غير ياء، على ما تقدم بيانه. وهذه اللغات الست متفاوتة، فبعضها أقوى وأكثر استعمالاً من بعض. فأفصحها وأكثرها استعمالاً حذفُ الياء اكتفاءً بالكسرة، ثم إثبات الياء ساكنة ومفتوحة، ثم قلبها ألفًا، ثم حذف الألف اكتفاء بالفتحة. وأما اللغة السادسة فهي أضعفها، ولذا أهملها بعض النحاة فلم يذكرها بين اللغات الجائزة؛ لأنها لا تخلو من لبس في تَبَيُّنِ نوعها واضطرابٍ في إعرابها.   (1) سورة الزمر، آية: 16. (2) أو يقال: إنه يراعى أصله من ناحية أنه مضاف. فيكون منادى منصوبًا بالفتحة المقدرة منع من ظهورها الضمة التي جاءت لشبهه بالنكرة المقصودة، والمضاف إليه محذوف وهو ياء المتكلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 قوله: (وَيَا أَبَتِ ويَا أُمَّتِ وابْنَ أُمَّ ويَا ابْنَ عَمَّ بِفتْحٍ وكَسْرٍ، وإلْحَاقُ الألِفِ أوِ الْيَاءِ للأَوَّلَيْنِ قبيحٌ، ولِلآخَرَيْنَ ضَعِيفٌ) . ذكر النوع الثاني من أنواع المنادي المضاف إلى الياء، وهو أن يكون كلمة (أب) أو (أم) ، وذكر حكم المنادى المضاف إلى مضاف إلى ياء المتكلم. فإذا كان المنادى المضاف كلمة (أب) أو (أم) جاز فيه اللغات الست السابقة ولغات أربع أخرى وهي: 1- حذف ياء المتكلم. والإتيان بتاء التأنيث عوضاً عنها (1) مع بنائها على الكسر، وهذا هو الأكثر، نحو: يا أبتِ، يا أمَّتِ. ومنه قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ} (2) . فقد قرأ السبعة - عدا ابن عامر - بالكسر، لتدل الكسرة على الياء المحذوفة في النداء، وأصله قبل التعويض: يا أبي، وإعرابه: (يا) حرف نداء. (أبت) منادى منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف وياء المتكلم المحذوفة ضمير مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. والتاء حرف دال على التأنيث اللفظي مبني على الكسر لا محل له. 2- حذف الياء والإتيان بتاء التأنيث مفتوحة، نحو: يا أبتَ، ويا أمَّتَ، ومنه قراءة ابن عامر: (يا أبتَ) بالفتح. وإعرابه كما سبق غير أن التاء مبنية على الفتح.   (1) لا تكون تاء التأنيث عوضاً عن ياء المتكلم إلا في باب النداء في كلمتي (أب، أم) ، ووجود التاء فيهما يحتم أن يكون كل منهما منادى. ولا يصح استعمالهما في شيء آخر مع هذه التاء. (2) سورة مريم، آية: 42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 3- الجمع بين تاء التأنيث التي هي عوض، وألفٍ بعدها أصلها ياء المتكلم، نحو: يا أبتا، ويا أُمَّتا، فـ (أبتا) منادى منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، والتاء حرف دال على التأنيث اللفظي مبني على الفتح، والألف المنقلبة عن ياء المتكلم ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. (1) 4- الجمع بين تاء التأنيث التي هي عوض وياء المتكلم نحو: يا أبتي، ويا أمتي، فـ (أبتي) منادى منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة (2) ، والتاء للتأنيث حرف مبني على الكسر، والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. واللغتان الأخيرتان فيهما جمع بين العوض (وهي التاء) والمعوَّض (وهو ياء المتكلم) أو بدل المعوَّض وهو (الألف) ، وهذا ممنوع؛ ولهذا قال ابن هشام - رحمه الله -: (وإلحاق الألف أو الياء للأولين) وهما: يا أبت، ويا أمت (قبيح) لما ذكرنا، وسبيل ذلك هو الشعر على ما اختاره جماعة، واللغة الأخيرة أضعف من التي قبلها. أما إذا كان المنادى مضافاً إلى مضاف إلى ياء المتكلم. فإنه يجب إثبات الياء مفتوحة، أو ساكنة نحو: يا ابن أخي، يا ابن خالي؛ إلا إذا كان المنادى ابن أم أو ابن عم، أو ابنة أم أو ابنة عم، ففيه وجهان: الأول: حذف ياء المكلم وإبقاء الكسرة قبلها دليلاً عليها، وهو الأكثر، فتقول: يا ابنَ أمِّ ويا ابنَ عمِّ.   (1) من النحاة من قال إن هذه الألف في (يا أبتا) ليست منقلبة عن ياء المتكلم. وإنما هي حرف هجائي وزائد لمد الصوت، وعليه فلا إعراب لها. والتاء عوض عن الياء المحذوفة. (2) يلاحظ أن المنادى منصوب بفتحة ظاهرة في الصور الأربع؛ لأن تاء التأنيث توجب فتح مع قبلها دائماً. وهذا الإعراب أيسر من القول بأنه منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها الفتحة التي جاءت لمناسبة التاء. إذ لا داعي لذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 الثاني: حذف ياء المتكلم بعد قلبها ألفاً. وقلب الكسرة قبلها فتحة، فتقول: يا ابن أمَّ ويا ابن عمَّ. ومنه قوله تعالى عن هارون عليه السلام: {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} (1) {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي} (2) فقد قرأ ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي بكسر الميم على الوجه الأول، وقرأ الباقون بفتحها على الوجه الثاني. (3) وإعرابه: (ابنَ أمَّ) ابن: منادى بحرف نداء مقدر، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف و (أمَّ) بالفتح مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة منع من ظهورها الفتحة التي جاءت لقلب الياء ألفًا. وحذفت هذه الألف للتخفيف و (أمَّ) مضاف، والياء المحذوفة المنقلبة ألفًا في محل جر مضاف إليه. و (ابنَ أمِّ) على قراءة كسر الميم (ابن) كما تقدم و (أمِّ) مضاف إليه مجرور بالكسر الظاهرة (4) ، و (أم) مضاف والياء المحذوفة للتخفيف في محل جر مضاف إليه. (5) وأما إثبات الياء نحو (يا ابن أمي) أو الألف المنقلبة عن الياء نحو: (يا ابن أما) فهو ضعيف. وهذا معنى قوله: (وإلحاقهما) أي الياء والألف (للأخيرين) وهما: ابن أَمَّ، وابن عَمَّ (ضعيف) لا يكاد يوجد إلا في ضرورة الشعر. فصل: في أحكام تابع المنادى   (1) سورة الأعراف، آية: 150. (2) سورة طه، آية: 94. (3) الكشف لمكي (1/478) التبصرة له (32) . (4) هذا أيسر من إعرابه مجرور بكسرة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة (5) يجوز في حالة الفتح أن يقال إن المنادى قد ركب مع ما أضيف إليه تركيباً مزجيًا وصارا معًا بمنزلة (خمسة عشر) أو غيره مما يبنى على فتح الجزأين. ويقال في إعراب (ابن أم) منادى منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها حركة البناء التركيبي. وياء المتكلم المحذوفة مضاف إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 قوله: (وَيجْرِي مَا أُفْرِدَ أَوْ أُضِيفَ مَقْروناً بِألْ من نَعْتِ المَبْنيِّ وتَأْكِيدِه وبَيَانِهِ ونَسَقِهِ المَقْرُونِ بِألْ عَلَى لَفْظِهِ أَوْ مَحَلِّهِ، ومَا أضِيفَ مُجَرَّداً عَلَى مَحَلّهِ، ونَعْتُ أيٍّ عَلَى لَفْظِهِ، والْبَدَلُ والنَّسَقُ المُجَرَّدُ كَالمُنَادَى المُسْتَقِلِّ مُطْلَقاً) . تقدم أن المنادى قد يكون مفردًا فيبنى (1) ، وقد يكون مضافاً أو شبيهًا به، فينصب لفظه، وذكر هنا تابع المنادى المبني، وبيانه كما يلي: 1- إذا كان المنادى مبنيًا - وهو العلم والنكرة والمقصودة - وكان تابعه نعتًا، أو توكيدًا، أو عطف بيان، أو عطف نسق مقرونًا بـ (ال) جاز في هذا التابع وجهان: 1- الرفع مراعاة للفظ المنادى. 2- النصب مراعاة لمحله. بشرط أن يكون هذا التابع مفردًا عن الإضافة، أو مضافًا مقترنًا بـ (ال) ، مثال النعت: يا خالدُ العاقلُ. يا صالحُ الكريمُ الأب. ومثال التوكيد: أن تخاطب شباباً فتقول: أنتم رجال الغد يا شبابُ أجمعون أو أجمعين. ومثال عطف البيان: يا سعيدُ كرزٌ أو كرزًا. ومثال عطف النسق: يا خالدُ والضحاكُ. ومنه قوله تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} (2) فـ (جبال) منادى مبني على الضم في محل نصب و (الطير) بالنصب - على قراءة السبعة - معطوف على محل الجبال، والمعطوف على المنصوب منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.   (1) تقدم أن المنادى المبني في محل نصب؛ لأن أصله المفعول به. والدليل على أنه في محل نصب مجيء تابعه من نعت وغيره منصوبًا في الكلام الفصيح وليس في الجملة ما يصلح سببًا لنصبه إلا مراعاة المحل. (2) سورة سبأ، آية: 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وهذا القسم أشار إليه بقوله (ويجري ما أفرد) أي عن الإضافة (أو ما أضيف) حالة كونه (مقروناً بال من نعت) المنادى (المبني) وهو العلم، والنكرة المقصودة (وتأكيده) (و) عطف (بيانه ونسقه) أي: عطف النسق (المقرون بأل على لفظه) أي لفظ المنادى المبني. فيرفع مراعاة للفظه (أو محله) أي: أو يجري التابع على محل المنادى فينصب. 2- فإن كان التابع (من نعت أو توكيد أو بيان) مضافاً مجرداً من (ال) وجب نصبه مراعاة لمحل المنادى كما لو كان هو المنادى. مثال النعت: يا خليلُ كبيرَ القوم تكلم. ومثال التوكيد: يا شبابُ كلَّكَم أو كلَّهم (1) أنتم رجال الغد (خطابا لمعينين) . ومثال عطف البيان: يا محمدُ أبا عبد الله، فـ (أبا) عطف بيان منصوب بالألف، وما بعده مضاف إليه. وهذا القسم أشار إليه بقوله: (وما أضيف مجردًا على محله) أي ويجري ما أضيف من نعت أو توكيد أو بيان حالة كونه مجردًا من (ال) على محل المنادى دون لفظه فينصب فقط. 3- وإن كان التابع نعتاً، ومنعوته المنادى هو كلمة (أي) في التذكير و (أية) في التأنيث، وجب رفعه مراعاة للفظ ذلك المنادى، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) } (2) وقوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) } (3) فـ (يا) حرف نداء. و (أي) منادى مبني على الضم في محل نصب و (ها) حرف تنبيه. (الإنسان) نعت لـ (أيّ) مرفوع بالضمة، و (الكافرون) نعت (لأي) مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم. وهذا القسم أشار إليه ابن هشام - رحمه الله - بقوله: (ونعت (أيّ) على لفظه) أي: ويجري نعت (أي) و (أية) على لفظ هذا المنادى فيرفع فقط؛ لأنه المقصود بالنداء.   (1) القاعدة أنه إذا جيء مع تابع المنادى بضمير جاز أن يكون للغائب نظرًا للأصل، وجاز أن يكون للمخاطب لكون المنادى مخاطبًا في المعنى. (2) سورة الانفطار، آية: 6. (3) سورة الكافرون، آية: 1 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 4- وإن كان التابع بدلاً أو عطف نسق مجردًا من (ال) فإنه يعطى حكم المنادى المستقل؛ فيبنى إذا كان مفردًا معرفة، نحو: يا رجلُ زيدُ. ويا رجلُ وزيدُ. بالضم كما يبنى لو قلت: يا زيدُ. وينصب إذا كان مضافًا أو شبيهًا به نحو: يا زيدُ أبا عبد الله، ويا عليُّ وأبا عبد الله. بنصب (أبا عبد الله) ؛ لأنه مضاف، وهو ينصب لو كان منادى نحو: يا أبا عبد الله. دون النظر إلى المتبوع. وهذا القسم أشار إليه بقوله: (والبدل والنسق والمجرد كالمنادى المستقل مطلقًا) أي: إن البدل وعطف النسق المجرد من (ال) كالمنادى المستقل، فيبنى حيث يبنى المنادى، وينصب حيث ينصب وإن كان المتبوع خلاف ذلك، ولذا قال (مطلقًا) أي مبنيًا كان المنادى أو معربًا. هذا كله إذا كان المنادى مبنيًا، فإن كان معربًا - وهو المنادى المنصوب، ولم يذكره ابن هشام - نُصِبَ التابع مطلقًا (1) مراعاة للفظ المتبوع. مثال النعت: يا طالبًا مجتهدًا لا يؤثر عليك الكسالى (تقوله لغير معين) فـ (مجتهدًا) نعت منصوب. ومثال عطف البيان: يا مسلمين أهلَ العقيدة دافعوا عن دينكم. فـ (أهل العقيدة) عطف بيان منصوب. ومثال التوكيد: يا طلابًا كلَّكم أو كلَّهم احفظوا أوقاتكم. ومثال البدل: يا أبا محمد خالدًا تصدق على الفقراء. ومثال عطف النسق: يا أبا محمد وعليًا تصدقا على الفقراء. قوله: (ولَكَ في نَحْوِ: ¯ يَا زَيْدُ زيْدَ الْيَعْمَلاَتِ ¯ فَتْحُهُمَا أَوْ ضَمُّ الأوَّلِ) . إذا تكرر المنادي المفرد، وكان اللفظ الثاني المكرر مضافًا نحو: يا طالبُ العلم احرص على الفائدة. جاز في الأول وجهان:   (1) نعني بالإطلاق أن النصب في جميع التوابع لأن المتبوع منصوب، ومن النحاة من يرى أن البدل وعطف النسق المجرد من (أل) في حكم المنادى المستقل. ولو كان المنادى (المتبوع) منصوبًا. والرأي الأول أيسر وأقرب إلى قواعد اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 1- النصب على اعتبار أن هذا المنادى (الأول) مضافًا للمضاف إليه المذكور في الكلام، والاسم الثاني المكرر مقحماً بين المتضايفين (ويعرب توكيدًا لفظيًا للأول) (1) ، أو مضافًا إلى محذوف يماثل المذكور، وأصل الكلام: يا طالبَ العلِم طالبَ العلم. بإضافتين في الأسلوب الواحد، ويكون الاسم الثاني منصوبًا على أنه توكيد لفظي أو بدل أو عطف بيان أو مفعولاً به لفعل محذوف أو منادى بحرف نداء محذوف. 2- بناء الأول على الضم؛ لأنه مفرد معرفة (بالقصد والإقبال) في محل نصب. ويكون الثاني حينئذ توكيدًا لفظيًا أو بدلاً أو عطف بيان مراعى في الثلاثة محل المتبوع - لأنه في محل نصب كما ذكرنا - أو يكون منادى سقط منه حرف النداء، أو مفعولاً به لفعل محذوف، وبهذا تبين أن الثاني واجب النصب، والوجهان في الأول، ومن ذلك ما أشار إليه ابن هشام - رحمه الله - من قول الشاعر: (1) يا زيدُ زيدَ اليعملات الذُّبَّلِ … … … تطاول الليل عليك فانزلِ (2)   (1) وعلى هذا فيصح الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالتوكيد اللفظي. واغتفر ذلك لاتحاده بالأول لفظًا ومعنى. وقد أشار لذلك الشيخ يس في حاشيته على شرح الفاكهي على القطر (2/107) . (2) اليعملات: جمع يعملة. بياء مفتوحة بعدها عين ساكنة، وهي الناقة القوية على العمل والجمل يعمل، قال في القاموس: ولا يوصف بهما إنما هما اسمان. الذبل: جميع ذابل أي: ضامرة من طول السفر. فانزل: أي انزل عن راحلتك واحْدُ الإبل فإن الليل قد طال وحدث للإبل الكلال فنشطها بالحداء وأزل عنها الإعياء. إعرابه: يا زيد: يا: حرف نداء. زيد: بالضم منادي مبني على الضم في محل نصب لأنه مفرد علم. وزيد: بالنصب. منادى منصوب لأنه مضاف - كما ذكرنا في الشرح - (زيد اليعملات) بالنصب ليس إلا، ونصبه على الأوجه المذكورة. الذبل: صفة مجرورة: تطاول: فعل ماض مبني على الفتح (الليل) فاعل. (عليك) جار ومجرور متعلق بالفعل قبله (فانزل) الفاء استئنافية. و (انزل) فعل أمر مبني على السكون، وحرك بالكسر لأجل الروي، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا وتقديره (أنت) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 فصل في ترخيم المنادى قوله: (وَيَجُوزُ تَرْخِيمُ المُنَادَى المَعْرفَةِ، وهَوُ حَذُفُ آخِرِهِ تَخْفِيفاً، فَذُو التَّاءِ مَطْلَقًا كـ (يَا طَلْحُ، وَيَا ثُبُ) من أحكام المنادى: الترخيم. وهو: حذف آخره تخفيفاً على وجه مخصوص، فتقول: يا حارِ، في نداء: حارث، وفي نداء طفلة اسمها (عَزَّة) : يا عَزَّ. وقوله: (حَذفُ آخره) أي حذف آخر المنادى. ولم يقيده بكونه حرفًا ليشمل الحرف، والحرفين، وجزء المركب، كما سيأتي. وقوله: (تخفيفاً) أي لمجرد التخفيف، وفيه بيان أن أهم أغراض الترخيم هو التخفيف. وشروط الترخيم: أن يكون المنادى معرفة إما بالعلمية، وإما بالقصد والإقبال (وهو النكرة المقصودة) . والمنادى الذي يراد ترخيمه قسمان: الأول: مقترن بتاء التأنيث. الثاني: مجرد منها. أما المقترن بتاء التأنيث فيجوز ترخيمه (مطلقًا) أي: سواء أكان علماً، أم نكرة مقصودة، ثلاثيًا أم أكثر. فتقول في نداء (طلحة) : يا طلحَ (1) فـ (طلحَ) . منادى مبني على الضم على التاء المحذوفة للترخيم في محل نصب. وتقول في نداء (عائشة) : يا عائشَ (2) ، وتقول في نداء فتاة اسمها (هِبَة) ياهِبَ، وتقول في نداء (ثُبة) وهي الجماعة: يا ثُبَ. قوله: (وَغَيْرُهُ بِشَرْطِ ضَمْهِ وعَلَميَّتِه وَمُجَاوَزَتَهِ ثَلاَثَةَ أحْرُفٍ كَـ (يَا جَعْفُ ضَمَّا وَفَتحا) . هذا القسم الثاني من المنادى الذي يجوز ترخيمه، وهو المجرد من تاء التأنيث، فيشترط فيه - زيادة على ما تقدم - ثلاثة شروط: الأول: أن يكون مبنياً على الضم. الثاني: أن يكون تعريفه بالعلمية دون غيرها. الثالث: أن يكون متجاوزاً ثلاثة أحرف.   (1) يجوز فيه الضم: يا طلحُ - كما ذكر ابن هشام في القطر فهو منادى مبني على الضم في محل نصب. وكذا ما بعده. وسيأتي إن شاء الله ذكر ذلك. (2) ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - (مالك يا عائشَ) في حديث طويل رواه مسلم برقم (103) 974. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 فتقول في ترخيم (يا حارِثُ) : يا حارِ. و (يا سالِمُ) : يا سال، فإن كان غير مضموم نحو: يا عبدَ الله، أو كان معرفة بغير العلمية نحو: يا صاحبُ (لمعين) أو كان ثلاثيًا كـ (عمر) لم يجز ترخيمه. وأشار بقوله: (كيا جعفُ ضمًا وفتحًا) إلى كيفية ضبط المنادي بعد ترخيمه وأن لضبطه طريقتين: الأولى: قطع النظر عن المحذوف للترخيم، فيجعل الباقي كأنه اسم تام موضوع على تلك الصيغة، فيبني على الضم، فتقول في (جعفر) : يا جعفُ. وفي (سالم) : يا سالُ، وإعرابه: منادى مبني على الضم في محل نصب. وتسمى (لغة من لا ينتظر) . الثانية: أن يلاحظ المحذوف. ويعتبر كأنه باقٍ فيبقى ما كان قبله على حركته أو سكونه قبل الحذف، ويكون البناء على الضم مقصورًا على الحرف الأخير المحذوف، كما كان قبل حذفه، فتقول في (جَعْفَرٍ) : يا جعفَ. وفي (سَالمٍ) : يا سالِ. وفي نداء (طلحة) : يا طلحَ، وتقدم إعرابه. وتسمى هذه الطريقة: (لغة من ينتظر) . وقول ابن هشام (ضماً) إشارة إلى الطريقة الأولى. وقوله (وفتحًا) أي فتح الفاء من قوله: (يا جعف) وهي الطريقة الثانية. قوله: (وَيُحْذَفُ مِنْ نَحْوِ سَلْمَانَ وَمَنْصُورٍ وَمِسْكِينٍ حَرْفانِ وَمِنْ نَحْوِ: مَعْدِ يَكَرِبَ الكَلِمَةُ الثَّانَيَةُ) . المحذوف من آخر المنادى عند ترخيمه ثلاثة أقسام: القسم الأول: حذف الحرف الأخير وحده، وهو الأغلب، وتقدم له أمثلة. القسم الثاني: حذف الحرفين الأخيرين معًا، وشرط ذلك أن يكون المنادى علمًا مجردًا من تاء التأنيث اجتمعت فيه أربعة شروط: - 1- أن يكون معتلا (1) .   (1) اعلم أن الواو والألف والياء. إذا وقعت ساكنة بعد حركة تجانسها (وهي الفتحة قبل الألف، والضمة قبل الواو، والكسرة قبل الياء نحو: قام يقوم يقيم) سميت حروف علة ومد ولين. فإن سكنت وقبلها حركة لا تناسبها سميت حروف علة ولين نحو: فرعون، خير. فإن تحركت فهي حروف علة فقط نحو: حَوِرَ، هَيَفَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 2- أن يكون ساكناً. 3- أن يكون ما قبل الحرف الأخير زائدًا. 4- أن يكون رابعًا فصاعدًا. تقول في نداء (سلمان) : يا سلمُ - بفتح الميم وضمها - على ما تقدم، وتقول في نداء (منصور) : يا منصُ. بالضم ليس غير. وتقول في نداء (مسكين) على أنه علم: يا مسكُ. بخلاف نحو: سفرجل؛ فلا يحذف منه حرفان؛ لأن ما قبل الآخر ليس معتلاً، ونحو: هَبَيَّخ (1) لأن ما قبل الآخر ليس ساكنًا. وبخلاف: مختار (علمًا) ؛ لأن حرف العلة ليس زائدًا، لأن أصله الياء، فلابد من بقاء الألف. ونحو: سعيد؛ لأن الحرف المعتل ليس رابعًا، فهذه يقتصر فيها عند الترخيم على حذف الحرف الأخير فقط. القسم الثالث: حذف كلمة برأسها، وذلك في المركب المزجي، نحو: معدي كرب، فتقول: يا معدي. وفي خالويه: يا خالَ. (2) فصل في الاستغاثة والندبة قوله: (وَيَقُولُ المُسْتَغِيثُ: يَالله لِلْمُسْلِمِينَ بِفَتْحِ لاَم المُسْتَغَاثِ بِهِ إِلاَّ في لاَمِ المَعْطُوفِ الَّذِي لَمْ يَتَكَرَّرْ مَعَهُ (يَا) وَنَحْوُ: يَاَ زَيْدًا لِعَمْرٍو، وَيَا قَوْمِ لِلْعَجِبِ العَجِيبِ) .   (1) هبيخ: بفتح الهاء والباء الموحدة وتشديد الياء وبالخاء يطلق على الأحمق، وعلى من لا خير فيه، والوادي العظيم، والغلام الناعم، كما في القاموس. (2) ترخيم المركب المزجي بحذف كلمة غير مسموع عن العرب، ومن أجازه من النحاة فهو من باب القياس، وأكثرهم يرى عدم ترخيمه لعدم السماع ولأنه موضع إلباس، ورأيهم حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 الاستغاثة من أنواع النداء (1) وهي نداء من يُخَلِّص من شدة واقعة أو يعين على رفعها قبل وقوعها. وأداتها (يا) . فالأول: نحو يا لَلناس لِلغريق. الثاني: نحو: يا لَلحراس لِلأعداء. وأسلوب الاستغاثة لا يتحقق الغرض منه - وهو طلب النصرة والعون - إلا بثلاثة أركان. 1- حرف النداء (يا) دون غيره من حروف النداء، وهو مذكور دائماً. 2- المستغاث به. (وهو من يُطلب منه العون والمساعدة) وهو مجرور بلام مفتوحة دائمًا. إلا إذا عطف عليه مستغاث آخر، ولم تتكرر (يا) فتكسر. نحو: يا لَلعلماء ولِلمصلحين لِلشباب. فكلمة (المصلحين) ليست مستغاثاً أصيلاً لعدم وجود حرف النداء (يا) ولكنها لما عطفت على ما قبلها اكتسبت معنى الاستغاثة. 3- المستغاث له (وهو الذي يطلب بسببه العون لمعاونته ومقاومته) وهو مجرور بلام مكسورة كما تقدم، أو بـ (من) نحو: يا لَلقاضي من شاهد الزور. وللنحويين آراء في لام المستغاث به. وأحسنها أنها حرف جر فُتِحَتْ للتفريق بينها وبين لام المستغاث له. وهي ومجرورها متعلقان بحرف النداء (يا) ، لنيابته عن الفعل (ألتجئ) ونحوه. فمثلاً: يا لَلعلماء لِلجهال، تقول: (يا) حرف نداء واستغاثة. (للعلماء) اللام: حرف جر واستغاثة و (العلماء) اسم مجرور باللام، والجار والمجرور متعلقان بـ (يا) النائبة عن الفعل (ألتجئ) . للجهال: جار ومجرور متعلقان بـ (يا) . وقد ذكر المصنف للاستغاثة ثلاثة استعمالات: الأول: ما تقدم وهو أن يجر المستغاث به بلام مفتوحة وهو أكثر الاستعمالات.   (1) أصل الاستغاثة طلب الغوث، وهو إزالة الشدة، وطلب الاستغاثة ممن يقدر على إزالة الشدة جائز شرعاً. قال تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} لكن مع اعتقاد أنه مجرد سبب. وأما طلب الغوث من شيء لا يقدر عليه إلا الله فهذا لا يجوز لأنه شرك (انظر شرح كتاب التوحيد لابن عثيمين 1/261) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 الثاني: أن تحذف اللام، ويزاد في آخر المستغاث به ألف تكون عوضًا عن اللام المحذوفة، ولا يصح الجمع بين اللام والألف. نحو: يا عالمَا للجاهل. فـ (عالمَا) منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره الفتحة التي جاءت لمناسبة الألف، في محل نصب. الثالث: أن تحذف اللام ولا يزاد في آخره ألف، بل يجعل كالمنادى المستقل، وهذا أقل الاستعمالات، فتقول: يا خالدُ لعمرو. ومنه قول الشاعر: (1) ألا يا قومُ للعجب العجيب … … وللغفلات تعرض للأريب (1) فاستعمل المستغاث به وهو قوله (يا قوم) استعمال المنادى، فلم يلحق به اللام في أوله ولا الألف في آخره. قوله: (وَالنَّادِبُ، وَا زَيْدًا، وَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَا، وَا رَأْسَا، وَلَكَ إِلْحَاقُ الهَاءِ وَقْفاً) . الندبة: نداء المتفجع عليه لفقده، أو المتوجع منه، لكونه محلَّ ألم، فالأول كقول جرير في عمر بن عبد العزيز - رحمه الله -: حُمِّلتَ أمرًا عظيمًا فاصطبرت له … … وقمت فيه بأمر الله يا عمرا فقوله (يا عمرا) أسلوب ندبة. وليس نداء؛ لأن المقام مقام رثاء. والثاني نحو: وا ظهراه. والغرض من الندبة الإعلام بعظمة المندوب وإظهار أهميته أو شدته أو العجز عن احتمال ما به، وفيها إظهار الحزن وقلة الصبر.   (1) الغفلات: جمع غفلة وهي الإهمال وعدم الاحتياط "الأريب" العاقل المجرب. إعرابه: (ألا) أداة استفتاح وتنبيه (يا) حرف نداء واستغاثة، و (قوم) منادى مستغاث به منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة مناسبة ياء المتكلم المحذوفة اكتفاء بالكسرة. أو يكون مبنيًا على الضم في محل نصب. (للعجب) جار ومجرور متعلق بـ (يا) (العجيب) صفة للعجب (وللغفلات) معطوف على قوله (للعجيب) وجملة (تعرض للأريب) صفة في محل جر، وأجاز محمد عبد الحميد في إعرابه لشواهد شرح القطر أن تكون في محل نصب حال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 ولا يستعمل في المندوب من حروف النداء إلا حرفان: (وا) وهي الغالب عليه والمختصة به. و (يا) إذا وجد قرينة تدل على أن الأسلوب للندبة كما في بيت جرير المتقدم. وحكم المندوب حكم المنادى من حيث الإعراب. فيبنى على الضم إن كان مفرداً معرفة نحو: واعمرُ. فـ (وا) حرف نداء وندبة و (عمر) منادى مندوب مبني على الضم في محل نصب. وينصب لفظاً إذا كان مضافاً نحو: وا أميرَ المؤمنين، فـ (أميرَ) منادى مندوب منصوب وعلامة نصبه الفتحة و (المؤمنين) مضاف إليه. ولك أن تزيد في آخره ألفاً وهو أكثر حالات المندوب فتقول: وا عمرا، فـ (وا) حرف نداء وندبة (عمرا) منادى مندوب مبني على الضم المقدر بسبب الفتح المناسب لألف الندبة. والألف للندبة. ولك إلحاق (هاء) السكت بعد الألف عند الوقف. فتقول: (واعمراه) وإعرابه كالذي قبله، والهاء للسكت. وقول المصنف: (والنادب. وازيدا) معطوف على قوله: (ويقول المستغيث) أي: ويقول النادب (وا زيدا) . المفعول المطلق قوله: (والمَفْعُولُ المُطْلَقُ، وَهُوَ المَصْدَرُ الفَضْلَةُ المُسَّلَطُ عَلَيْهِ عَامِلٌ مِنْ لَفْظِهِ كـ (ضَرَبْتُ ضَرْباً) ، أَوْ مِنْ مَعْنَاهُ كـ (قَعَدْتُ جُلُوساً) . لما أنهى المصنف - رحمه الله - الكلام على المفعول به وما يتعلق به من أحكام المنادى، شرع في النوع الثاني من المفاعيل. وهو المفعول المطلق. وقوله: (والمفعول المطلق) معطوف على قوله في باب المفعول (المفعول منصوب، وهو خمسة: المفعول به، والمفعول المطلق ... ) . وهو: المصدر الفضلة المسلط عليه عامل من لفظه أو من معناه، نحو: انتصر الحق انتصارًا (1) فـ (انتصارًا) مفعول مطلق. لأنه مصدر: انتصر ينتصر انتصارًا، وفضلة، أي: يستغنى عنه في الكلام، فليس ركناً في الإسناد. إذ ليس مسندًا ولا مسندًا إليه. وقد نصبه عامل من لفظه وهو: (انتصر) .   (1) المصدر هو الذي يأتي ثالثاً في تصاريف الفعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 ونحو: قعدت جلوسًا. فـ (جلوساً) مفعول مطلق؛ لأنه مصدر جلس يجلس جلوسًا. وفضلة كما تقدم، وقد نصبه عامل من معناه وهو (قعدت) ، لأن القعود والجلوس متحدان في المعنى دون المادة. وتعريف المصنف للمفعول المطلق بأنه: المصدر إنما هو باعتبار الغالب، وإلا فقد يكون المفعول المطلق غير المصدر كما سيأتي في الأشياء التي تنوب عن المصدر. (1) وحكم المفعول المطلق: النصب، ويستفاد هذا من قوله: (الفضلة) لأن الفضلات حكمها النصب، فيخرج نحو: كلامُك كلامٌ حسن، فليس من هذا الباب، لأنه عمدة، وليس بفضلة. ومعنى (مفعول مطلق) : أي لم يقيد بحرف جر أو غيره كبقية المفاعيل، كالمفعول به، والمفعول معه، وإنما أُطلق عن التقييد، لأنه المفعول الحقيقي لفعل الفاعل، حيث لم يوجد من الفاعل إلا ذلك الحدث، نحو: جلس الضيف جلوسًا. فالضيف قد أوجد الجلوس نفسه وأحدثه بعد أن لم يكن. بخلاف باقي المفعولات فإنها ليست بمفعول الفاعل، وتسمية كل واحد منها مفعولاً إنما هو باعتبار إلصاق الفعل به، أو وقوعه لأجله، أو فيه، أو معه. فلذلك احتاجت للتقييد. والمفعول المطلق ثلاثة أقسام: 1- مؤكد لعامله نحو: أكرمته إكراماً، قال تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) } (2) فـ (الواو) حرف قسم وجر، و (الصافات) اسم مقسم به مجرور، (صفاً) مفعول مطلق منصوب باسم الفاعل قبله.   (1) بين المصدر والمفعول المطلق عموم وخصوص من وجه يجتمعان في نحو: تثور البراكين ثورانًا. وينفرد المصدر في نحو: أعجبتني قراءتك؛ لأنه مرفوع والمفعول المطلق لا يكون مرفوعًا. وينفرد المفعول المطلق في نحو: ضربته سوطًا؛ لأنه ليس بمصدر. (2) سورة الصافات، آية: 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 2- مبين لنوع عامله، بأن يدل على هيئة صدور الفعل، نحو: رجع القهقرى (1) ، نظرت للعالم نظر الإعجاب والتقدير، قال تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} (2) . فـ (الصفح) مفعول مطلق منصوب، (الجميل) وصف منصوب. 3- مبين لعدد عامله، بأن يدل على مرات صدور الفعل نحو: قرأت الكتاب قراءتين. قوله: (وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ غَيْرُهُ كـ (ضَرَبْتُهُ سَوْطاً) ، {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (3) {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} (4) {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) } (5) . يجوز حذف المصدر وإنابة غيره عنه. وحكم هذا النائب: النصب دائماً على أنه مفعول مطلق. وليس بمصدر، إذ مصدر العامل المذكور في الكلام قد حذف. والضمير في قوله: (وقد ينوب عنه) يعود إلى المصدر لا إلى المفعول المطلق كما هو المتبادر، والأشياء التي تنوب عن المصدر كثيرة منها: 1- الآلة التي تستخدم لإيجاد معنى ذلك المصدر المحذوف، نحو: ضربته سوطًا، فـ (سوطًا) مفعول مطلق نائب عن المصدر منصوب بالفتحة. والأصل: ضربَ سوطٍ، فحذف المصدر، وأقيمت آلته مقامه. 2- عدده. نحو: سجد المصلي أربعًا. فـ (أربعًا) مفعول مطلق نائب عن المصدر المحذوف، والأصل: سجوداً أربعاً. ومنه قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (6) فـ (ثمانين) مفعول مطلق منصوب بالياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، والأصل: جلدًا ثمانين، فحذف المصدر، وأقيم العدد مقامه.   (1) القهقرى: الرجوع إلى الخلف. (2) سورة الحجر، آية: 85. (3) سورة النور، آية: 4. (4) سورة النساء، آية: 129. (5) سورة الحاقة، آية: 44. (6) سورة النور، آية: 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 3- ما دل على كلية أو بعضية (1) بشرط الإضافة لمثل المصدر المحذوف، نحو: أتقن العامل عمله كلَّ الإتقان. فـ (كلَّ) مفعول مطلق، ومنه قوله تعالى: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} (2) فـ (كلَّ) مفعول مطلق نائب عن المصدر المحذوف، والأصل: ميلاً كلَّ الميل. ومثال بعض: أهمل الطالب بعضَ الإهمال. ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) } (3) فـ (بعض) مفعول مطلق نائب عن المصدر. قوله (وَلَيْسَ مِنْهُ {وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا} (4)) . أي ليس مما ينوب عن المصدر: صفته في قوله تعالى: {وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا} خلافاً للمعربين في قولهم: إن (رغدًا) مفعول مطلق نائب عن المصدر المحذوف. والأصل: أكلاً رغدًا. فحذف الموصوف ونابت صفته منابه. بل (رغدًا) حال من الضمير العائد على المصدر الدال عليه الفعل، والتقدير: وكُلا حال كون الأكل رغدًا. ومعنى (رغدًا) أي: طيباً هنيئاً. وما قاله ابن هشام - رحمه الله - ليس متعيناً. بل يجوز إعراب (رغدا) حالاً، ويجوز إعرابها مفعولاً مطلقًا نائبًا عن المصدر المحذوف.ويكون مما نابت فيه الصفة عن المصدر. وقد أجاز المصنف في أوضح المسالك إقامة صفة المصدر مُقامه. نحو: سرت أحسنَ السير (5) . أي: سيرًا أحسن السير. المفعول له   (1) هذا أولى من التعبير بـ (كل وبعض) لأنه يوهم اختصاص الحكم بهما وليس كذلك. بل يدخل فيها نحو: ضربته جميع الضرب، وغاية الضرب، ونصف الضرب ونحوها (2) سورة النساء، آية: 120. (3) سورة الحاقة، آية: 44. والظاهر أن كلمة (بعض) مفعول به منصوب للفعل (تَقَوَّل) ، والله أعلم. (4) سورة البقرة، آية: 35. (5) أوضح المسالك (2/213) ، وانظر: مشكل إعراب القرآن لمكي (1/38) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 قوله: (وَالمَفْعُولُ لَهُ، وَهُوَ المَصْدَرُ المُعَلِّلُ لِحَدَثٍ شَارَكَهُ وَقْتًا وَفَاعِلاً كـ (قُمْتُ إجْلاَلاً لَكَ) فَإِنْ فَقَدَ المُعَلِّلُ شَرْطًا جُرَّ بِحَرْفِ التَّعْلِيلِ نَحْوُ: {خَلَقَ لَكُمْ} ) (1) . وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ … … ... … ... … ... … ... … ... وفَجئْتُ وَقَدْ نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَا … … ... … ... … ... … ... … ... هذا النوع الثالث من المفاعيل: وهو المفعول له، ويسمى المفعول لأجله، ومن أجله. وقول المصنف (والمفعول له) معطوف على قوله في باب المفعول (المفعول منصوب، وهو خمسة: المفعول به، والمفعول المطلق، والمفعول له) . وقد عرفه بقوله: (المصدر المعلِّل لحدث شاركه وقتًا وفاعلاً) ومثاله: قمت إجلالاً لك. فـ (إجلالاً) مصدر: أجلَّه وأجلله إجلالاً أي: عَظَّمَهُ، وهو معلِّل للحدث، وهو: القيام، وزمن الإجلال والقيام واحد. وفاعل القيام وفاعل الإجلال واحد أيضًا، فيكون مفعولاً له. أي فُعِل له الفعل. وحكمه جواز النصب إذا وجدت فيه هذه الشروط الثلاثة: 1- أن يكون مصدراً؛ لقوله: (وهو المصدر) . 2- أن يفيد التعليل؛ لقوله: (المعلِّل لحدث) بكسر اللام مشددةً، أي: الواقع علة. 3- أن يتحد المصدر مع عامله في الوقت والفاعل؛ لقوله: (شاركه وقتًا وفاعلاً) أي: شارك المعلِّلُ الحدثَ فيهما. كما مضى بيانه. فإن فُقِدَ منها شرط (2) وجب جره بحرف دال على التعليل (كاللام) أو (من) أو غيرهما.   (1) سورة البقرة، آية: 29. (2) أي غير التعليل. فالتعليل لابد منه. إذا لو فقد التعليل لم يجز الجر أصلاً وإنما يجب النصب على المفعولية المطلقة نحو: قتلته صبراً. فـ (صبراً) مصدر لكنه لا يفيد التعليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 فمثال ما فَقَدَ المصدرية: قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (1) فالمخاطبون في قوله: (لكم) علة للخلق. وليس ضميرهم مصدراً، لذا جُرَّ باللام. ومثال ما فَقَدَ الاتحاد في الفاعل قول الشاعر: (1) وإني لتعروني لذكراكِ هِزَّة … … كما انتفض العصفور بلله القطر (2) فقوله (لذكراكِ) : مصدر. مجرور باللام الدالة على التعليل، وهو علة لِعَرْوِ الهِزَّة، وإنما جُرَّ لاختلاف الفاعل، لأن فاعل العرو: الهزة، وفاعل الذكرى: هو المتكلم؛ لأن المعنى: لذكري إياكِ. ومثال ما فَقَدَ الاتحاد في الوقت قول الشاعر: (2) فجئت وقد نضَّت لنوم ثيابها … … لدى السِّتر إلا لِبْسَةَ المتفضِّل (3)   (1) سورة البقرة، آية: 29. (2) تعروني: تنزل بي، لذكراك: لتذكري إياك هزة: رعدة وانتفاضة. القطر: المطر. إعرابه: (وإني) : إن حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر، والياء: اسمه (لتعروني) اللام: لام الابتداء. وهي المزحلقة. (وتعرو) فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو للثقل. والنون للوقاية. والياء مفعول به. (لذكراك) اللام حرف جر. وذكرى: مجرور باللام وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذر. والكاف مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله (هزة) فاعل تعرو. والجملة خبر (إن) (كما) الكاف حرف جر. و (ما) مصدرية. (انتفض) فعل ماض (العصفور) فاعل. و (ما) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف. والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لهزة. والتقدير هزة كائنة كانتفاض العصفور. (بلله) بلل: فعل ماض. والهاء مفعول به. (القطر) فاعل، والجملة في محل نصب حال من العصفور. (3) نضت، بالضاد المعجمة مشددة أو مخففة، أي: خلعت. لبسة المتفضل، بكسر اللام: هيئة من اللبس. والمتفضل: هو الذي بقي في ثوب واحد. … إعرابه: (جئت) فعل وفاعل (وقد) الواو للحال. (قد) حرف تحقيق (نضت) فعل ماض. والتاء للتأنيث. والفاعل: هي. والجملة في محل نصب حال (النوم) جار ومجرور متعلق بـ (نض) (ثيابها) مفعول به والهاء مضاف إليه (لدى) ظرف مكان متعلق بـ (نض) منصوب بفتحة مقدرة على الألف للتعذر (الستر) مضاف إليه (إلا) أداة استثناء (لبسة) منصوب على الاستثناء (المتفضل) مضاف إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 فقوله (لنوم) مصدر. مجرور باللام الدالة على التعليل، وهو علة لخلع الثياب، وإنما جُرَّ لاختلاف الوقت؛ لأن زمن خلع الثياب سابق على زمن النوم. والمفعول لأجله يكون مجردًا من (ال) والإضافة، وهذا يكثر نصبه نحو: ضربت ابني تأديبًا. وقد يأتي محلى بـ (ال) ، وهذا يكثر جره نحو: ضربت ابني للتأديب. وقد يأتي مضافًا، وهذا يستوي نصبه وجره نحو: ضربت ابني تأديبه. أو لتأديبه. المفعول فيه قوله: (وَالمَفْعُولُ فِيهِ، وَهُوَ مَا سُلِّطَ عَليْه عَامِلٌ عَلَى مَعْنَى (في) مِن اسْم زَمانِ كَـ (صُمْتُ يَوْمَ الخَمِيس) أَوْ حِينًا أَوْ أسْبُوعًا، أَوِ اسْمِ مَكانٍ مُبْهَم وَهُوَ الجِهَاتُ السِّتُّ كَالأَمَام وَالفَوْقِ وَاليَمِينِ وَعَكْسِهِنَّ وَنَحْوِهِنَّ كَـ (عِنْدَ، وَلَدَى) والمَقَادِيرِ كَـ (َالفَرْسَخِ) وَمَا صِيغَ مِنْ مَصْدَرِ عَامِلِهِ كـ (قَعَدْتُ مَقْعَدَ زَيْدٍ)) . هذا الرابع من المفعولات وهو المفعول فيه. وهو الظرف. وقوله (والمفعول فيه) معطوف كما تقدم. وهو: كل اسم زمان أو مكان سُلِّطَ عليه عامل على معنى (في) ، كقولك: صمت يومَ الخميس، صليت خلفَ مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام. فـ (يوم) اسم زمان، و (خلف) اسم مكان. وكل منهما قد سلط عليه عامل (1) فنصبه. وهو (صمت، صليت) وتسلط هذا العامل إنما هو على معنى (في) الظرفية. ولذا صح أن يقال: إن ظرف الزمان يبين الزمن الذي حصل فيه الفعل، وظرف المكان يبين المكان الذي حصل فيه الفعل، فـ (يوم) مفعول فيه منصوب بالفتحة، و (الخميس) مضاف إليه. وكذا: خلف مقام إبراهيم.   (1) العامل في المفعول فيه قد يكون فعلاً كما مثل، وقد يكون غيره نحو: الطائرة مرتفعة فوق السحاب. فـ (فوق) منصوب باسم الفاعل. ونحو: (المشي يمين الطريق أسلم) فالظرف منصوب بالمصدر قبله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 فشرط المفعول فيه أن يكون الظرف متضمنًا معنى (في) مع جميع الأفعال، وخرج بذلك ما لم يتضمن معنى (في) أصلاً. وهو الظرف الواقع مبتدأ أو خبراً أو فاعلاً أو مفعولاً أو غير ذلك، فليس من باب المفعول فيه، نحو: يومُ الجمعة يومٌ مبارك. ومنه قوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ} (1) أي: القيامة القريبة. فـ (يوم) منصوب على أنه مفعول به ثانٍ لـ (أنذر) لا على أنه مفعول فيه - لما تقدم - لأن المقصود إنذارهم يوم القيامة ذاته. وخرج بقولنا: (مع جميع الأفعال) ما تضمن معنى (في) مع بعض الأفعال دون بعض نحو: دخلت الدارَ. فـ (الدارَ) وإن تضمن معنى (في) مع الفعل (دخل) ونحوه. لكن لا يصح أن يقال: صليت الدار، جلست الدار، على معنى (في) ، فليست كلمة (الدار) منصوبة على الظرفية، بل على المفعولية، لأن الفعل (دخل) يتعدى تارة بنفسه وتارة بحرف الجر. واعلم أن جميع أسماء الزمان تقبل النصب على الظرفية بأنواعها الثلاثة وهي: 1- اسم زمان مختص (2) : وهو ما يقع جواباً لـ (متى) ، نحو: متى صمتَ؟ فتقول: يومَ الخميس. فـ (يومَ) مفعول فيه منصوب وعلامة نصبه الفتحة. و (الخميس) مضاف إليه. 2- اسم زمان معدود: وهو ما يقع جوابًا لـ (كم) ، نحو: كم جلست في مكة؟ فتقول: جلست أسبوعًا، أو جلست شهرًا، فـ (أسبوعًا) مفعول فيه منصوب. 3- اسم زمان مبهم: وهو لا يقع جوابًا لشيء منهما، كحين ووقت ومدة. فهو يدل على زمان غير محدود. نحو: انتظرتك وقتاً. فـ (وقتاً) مفعول فيه منصوب. وأما أسماء المكان فلا ينصب منها على الظرفية إلا ما كان مبهماً (وهو ما لا يختص بمكان بعينه) وهو ثلاثة أقسام كما ذكر المصنف:   (1) سورة غافر، آية: 18. (2) يكون الاختصاص بالعلمية كـ (رمضان) أو بالإضافة كـ (يوم الخميس) أو بـ (أل) مثل: اليوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 1- أسماء الجهات الست. وهي: الفوق والتحت، والأعلى، والأسفل، واليمين، والشمال. وذات اليمين، وذات الشمال، والوراء والأمام (1) نحو: وقف المتكلم أمامَ المصلين، جلست يمينَ الباب، سرنا في الطريق ذاتَ اليمين، فكل من (أمام، يمين، ذات اليمين) منصوب على أنه مفعول فيه. ويلحق بأسماء الجهات: ما أشبهها في شدة الإبهام والاحتياج إلى ما يعين معناها، مثل: عند، لدى، ناحية، مكان. تقول: جلست عندَ الباب. تركت الكتاب لدى الطالب، أي: عنده فـ (عندَ) ظرف مكان منصوب، و (لدى) ظرف مكان منصوب بفتحة مقدرة على الألف للتعذر. 2- أسماء المقادير: أي الدالة على مسافة معلومة كالفرسخ والبريد والميل. نحو: سرت فرسخًا، مشينًا في المزرعة ميلاً، قطع الفرس بريدًا. (2) 3- ما صيغ من المصدر على وزن (مَفْعَل) للدلالة على المكان. وشرط نصبه: أن يكون عامله من لفظه. وهو معنى قول المصنف: (وما صيغ من مصدر عامله) نحو: وقفت موقفَ الخطيبِ. قعدت مقعدَ المدرس.فـ (موقفَ) مأخوذ من المصدر (وقوفاً) الذي هو مصدر عامله (وقف) ، فيكون منصوباً على أنه مفعول فيه، وكذا (مقعد) في المثال الثاني. فإن كان عامله من غير لفظه وجب جره بـ (في) نحو: جلست في مقعد المعلم.   (1) الجهات ست فقط: وأما أسماؤها فكثيرة. ولهذا ذكرنا أكثر من ستة أسماء. (2) الميل ألف باع. والباع أربعة أذرع والذراع: مسافة ما بين طرفي المرفق إلى نهاية طرف الأصبع الوسطى من اليد وهو يعادل = 46.2سم. فتكون مسافة الميل = 1000 × 4 × 46.2 = 1848م. والفرسخ ثلاثة أميال أي ما يعادل 5540م، والبريد = أربعة فراسخ أي 22176م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 واعلم أن اسم الزمان أو المكان إن فارق النصب على الظرفية إلى حالة لا تشبهها كأن يقع فاعلاً أو مبتدأ أو خبرًا أو مفعولاً فهو متصرف ولا يسمى ظرفًا في هذه الاستعمالات، كما تقدم، وإن لم يفارق النصب على الظرفية أصلاً، أو فارقها إلى حالة تشبهها، وهي الجر بـ (من) ، فهو ظرف غير متصرف. فالأول نحو (سحر) إذا أريد به سحر يوم بعينه نحو: أتيتك سحرَ يوم الخميس فـ (سحر) مفعول فيه منصوب. والثاني مثل: عندَ، لدنْ، قبلُ، بعدُ. نحو: جلست عندَك ساعةً. جئتك من لدنْ زيدٍ. (1) فـ (عند) مفعول فيه منصوب، و (لدن) مفعول فيه مبني على السكون في محل جر. المفعول معه قوله: (وَالمَفْعُولُ مَعَهُ، وَهُوَ اسْمٌ فَضْلةٌ بَعْدَ وَاوٍ أُرِيدَ بِهَا التَّنْصِيصُ عَلَى المَعِيَّةِ مَسْبُوقَةٍ بِفعْلٍ أَوْ مَا فِيهِ حُرُوَفُهُ وَمَعْنَاهُ كـ (سِرْتُ وَالنِّيلَ) و (أَنَا سَائِرٌ وَالنِّيلَ)) . هذا القسم الخامس والأخير من المفعولات. وهو المفعول معه. وهو: اسم فضلة بعد واوٍ بمعنى (مع) ، مسبوقةٍ بفعل أو ما فيه حروفه ومعناه.   (1) لدن: ظرف مبني على السكون في محل نصب على الظرفية في أكثر لغات العرب، يأتي للدلالة على بدء الغاية الزمانية أو المكانية. ولم يرد في القرآن إلا مجرور بـ (من) . فيكون مبنياً على السكون في محل جر، كقوله تعالى {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} وهو من الأسماء الملازمة للإضافة لمفرد أو جملة. وانظر: الكشف لمكي (2/54) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 نحو: سرت والنيلَ. وِأنا سائر والنيلَ. فـ (النيلَ) مفعول معه منصوب، لأن المقصود سرت مع الطريق الذي يقارن النيل. وهو اسم لدخول (أل) . وفضلة: لأنه يستغنى عنه، فليس ركنًا في الإسناد. إذا هو زائد على المسند والمسند إليه. والواو بمعنى (مع) وقد سُبقت في المثال الأول بفعل، وفي الثاني باسم فاعل، وهو (سائر) ، وفيه معنى الفعل وحروفه (1) . وخرج بقوله: (اسم) نحو: سرت والشمس طالعة. لأن الواو داخلة على جملة، ونحو: لا تأكل وتتكلمَ، لأن الواو وإن كانت للمعية لكنها داخلة على فعل. وبقوله: (فضلة) نحو: تشارك خالد وصالح؛ لأن ما بعد الواو عمدة؛ لأن الفعل (تشارك) يقتضي أن يكون فاعله متعددًا. وبقوله: (بمعنى مع) نحو: جاء بكر وخالد قبله. وبقوله: (مسبوقة بفعل) نحو: كلُّ طالبٍ وكتابُه. فإن الواو بمعنى (مع) لكن لم يتقدم فعل ولا شبهه. قوله: (وَقَدْ يَجِبُ النَّصْبُ كَقَوْلِكَ: لاَتَنْهَ عَنِ القَبيح وَإِتْيَانَهُ، وَمِنْهُ: (قُمْتُ وَزَيْدًا) و (مَرَرْتُ بِكَ وَزَيْدًا) عَلَى الأَصَحِّ فِيهمَا، وَيَتَرَجَّحُ في نحْوِ قَوْلِكَ: كُنْ أَنْتَ وزَيْدًا كالأخِ. ويَضْعُفُ فِي نَحْوِ: (قَامَ زيْدٌ وعَمْرٌو)) . للاسم الواقع بعد (الواو) المسبوقة بفعل أو ما في معناه حالات: الأولى: وجوب نصبه على أنه مفعول معه، وذلك إذا كان العطف ممتنعاً لمانع معنوي، أو صناعي يعود إلى الإعراب.   (1) ذكر ابن هشام في المغني (ص 471) : (أن واو المفعول معه لم تأت في القرآن بيقين) . ومعنى ذلك أنه لم يأت في القرآن آية يتعين فيها النصب على أنه مفعول معه، بل يحتمل ذلك ويحتمل العطف. كقوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} وقوله تعالى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 فالأول كقولك: لا تنه عن القبيح وإتيانَه، فيجب نصب ما بعد الواو على أنه مفعول معه. أي: لا تنه عن القبيح مع إتيانه. ولا يجوز عطفه، لأن المعنى على العطف: لا تنه عن القبيح ولا تنه عن إتيانه، وهذا تناقض يفسد المراد. والثاني: كقولك: قمت وزيداً، ومررت بك وزيدًا، فيجب نصب (زيدًا) في المثالين على المعية، ولا يصح العطف؛ أما الأول؛ فلأنه لا يجوز العطف على الضمير المرفوع المتصل إلا بعد التوكيد بضمير منفصل، نحو: قمت أنا وزيدٌ. وأما الثاني؛ فلأنه لا يعطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار مع المعطوف نحو: مررت بك وبزيد. ومن النحاة من لا يشترط في المسألتين - مسألتي العطف - شيئًا فعلى هذا يجوز العطف. ولهذا قال ابن هشام - رحمه الله -: (على الأصح فيهما) . أي على الأصح من القولين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 الحالة الثانية: جواز النصب والعطف، والنصب على المعية أرجح للفرار من عيب معنوي نحو: كن أنت وصالحًا كالأخ. فنصب (صالحًا) على أنه مفعول معه أحسن من رفعه عطفاً على الضمير المستتر في (كن) ؛ لأنك لو عطفت لزم أن يكون صالحًا مأمورًا، وأنت لا تريد أن تأمره. وإنما تريد أن تأمر مخاطبك بأن يكون مع صالح كالأخ. (1) الحالة الثالثة: جواز الوجهين. والعطف أرجح، وذلك إذا أمكن العطف بغير ضعف في اللفظ ولا ضعف في المعنى، نحو: قام خالد وعصام؛ لأن العطف هو الأصل، ولا مضعف له، فيترجح. باب الحال قوله: (وَهُوَ وصْفٌ فَضُلَةٌ يَقَعُ في جَوَابِ كَيْفَ: كَـ (ضَرَبْتُ اللِّصَّ مَكْتُوفًا)) . لما أنهى ابن هشام - رحمه الله - الكلام على المفعولات، شرع في الكلام على بقية منصوبات الأسماء، ومنها الحال، وهو نوعان: 1- حال مؤكدة، وهي التي يستفاد معناها بدونها، وستأتي إن شاء الله في باب التمييز . 2- حال مؤسسة أو مُبَيِّنَةٌ، وهي التي لا يستفاد معناها بدونها، وهي عبارة عما اجتمع فيه ثلاثة شروط:   (1) رجح ابن هشام النصب على الرفع لما ذكر، والظاهر وجوب النصب لا رجحانه، وأن الرفع ممتنع، لأنه لو رفع لعطف على الضمير من عطف المفرد على المفرد، وشرطه صلاحية المعطوف لمباشرة العامل وهو هنا غير صالح إذ لو باشره للزم أن يكون فعل الأمر رافعًا للظاهر وهو ممتنع. ولهذا قدر ابن مالك في نحو: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} فعلاً محذوفًا أي وليسكن، وأقره عليه ابن هشام في المعنى ص (754) ، بل تابعه عليه في أوضح المسالك (4/397) ، ويرى فريق من النحاة جواز العطف على الضمير في الآية الكريمة وأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع. وهو رأي جيد ولا داعي لتقدير عامل. ويكون من عطف المفرد على المفرد. وهو اختيار أبي حيان كما في تفسيره (1/306) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 الأول: أن يكون وصفًا، والمراد به - كما تقدم - ما دل على معنى وصاحبه كـ (راكب - وفرح - ومسرور) ونحوها. الثاني: أن يكون فضلة. والمراد به: ما ليس ركناً في الإسناد (1) . الثالث: أن يبين هيئة صاحبه عند وقوع الفعل. وهو معنى قوله المؤلف: (ويقع في جواب كيف؟) نحو: كيف جاء سلمان؟ فيكون الجواب هو لفظ الحال. فيقال: جاء سلمان فرحًا - مثلاً - وكيف ضربتَ اللص؟ فيقال: مكتوفاً. فـ (فرحًا) حال، وهو وصف، لأنه صفة مشبهة، وفضلة؛ لأنه ليس ركنًا في الإسناد، فهو زائد على المسند (جاء) والمسند إليه (سلمان) وقد بَيَّنَ هيئة الاسم الذي قبله وقت وقوع الفعل وهو (المجيء) (2) . فخرج بالشرط الأول نحو: رجعت القهقرى، فإنه وإن كان مبيناً لهيئة الفاعل، إلا أنه ليس بوصف، بل هو اسم للرجوع إلى الخلف.   (1) بعض الأحوال بمنزلة العمدة في إتمام المعنى الأساسي للجملة أو في منع فساده. فالأولى نحو: احترامي الطالب مهذبًا - وتقدم في مواضع حذف الخبر وجوبًا - والثانية نحو قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} فلو حذفت الحال لفسد المعنى لأنه يصير نفياً. ولهذا احتاج النحاة أن يعرفوا الفضلة في باب الحال تعريفًا خاصًا كما ذكرنا غير التعريف العام وهو أن الفضلة ما يستغنى عنه، ولو قالوا: الحال: وصف ليس ركنًا في الإسناد. لكان أدق. (2) الحال في مثل هذا المثال تسمى (الحال المقارنة) وهي التي يتحقق معناها في زمن تحقق معنى عاملها بدون تأخر. فزمن الفرح هو زمن المجيء. وتقابلها (الحال المقدرة) وهي الحال المستقبلة التي يتحقق معناها بعد وقوع معنى عاملها نحو: ادخلوا المسجد سامعين المحاضرة. فإن سماعهم متأخر عن زمن دخولهم. ومنه قوله تعالى: {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً} فـ (بيوتًا) حال من (الجبال) . وهي حال مقدرة؛ لأن زمن كون الجبال بيوتًا متأخر عن زمن نحتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وخرج بالثاني: الوصف الواقع عمدة، كالخبر نحو: عماد مسرور. وخرج بالثالث نحو: لله دره فارسًا، فإنه تمييز لا حال؛ إذ لم يقصد به الدلالة على الهيئة، بل التعجب من فروسيته، ووقع بيان الهيئة ضمنًا. قوله: (وشَرْطُهَا التَّنْكِيرُ) . أي: شرط الحال أن تكون نكرة - كما في الأمثلة - وقد وردت معرفة في ألفاظ مسموعة عن العرب، لا يقاس عليها، ومنها كلمة: (وحد) في نحو: جاء الضيف وحده، فـ (وحد) حال منصوبة، وهي معرفة؛ لأنها مضافة للضمير، وهي مؤولة بنكرة أي: منفردًا ونحو: ادخلوا الأولَ فالأولَ. فـ (الأول فالأول) حال منصوبة، وهي معرفة لدخول (ال) ، وهي مؤولة بنكرة، أي: مترتبين. قوله: (وصَاحِبِهَا التَّعْرِيفُ، أو التَّخْصِيصُ، أو التَّعْمِيمُ، أو التَّأخِيرُ نحو: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ} (1) {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) } (2) و (لميَّةَ مُوحِشاً طَلَلٌ)) . يشترط في صاحب الحال واحد من أربعة: الأول: التعريف. وهذا هو الأصل في صاحب الحال؛ لأنه أشبه المبتدأ في كونه محكوماً عليه بالحال. نحو: أقبل خالد ماشيًا. فـ (ماشيا) حال منصوبة من (خالد) وهو معرفة، لأنه علم. ومنه قوله تعالى: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ} (3) فـ (خشعًا) حال من فاعل (يخرجون) وهو معرفة؛ لأنه ضمير. ويصح وقوع صاحب الحال نكرة إذا وجد مسوغ وهو أحد الثلاثة الباقية وهي:   (1) سورة القمر، آية: 7. (2) سورة فصلت، آية: 10. (3) سورة الشعراء، آية: 208. . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 الثاني: التخصيص: ومعناه أن تتخصص النكرة بوصف أو إضافة؛ فالوصف نحو: جاء رجل ضعيف ماشيًا. فـ (ماشيًا) حال من (رجل) وهو نكرة لكنه وُصِفَ. والإضافة نحو: جاء ولدُ حفصةَ مسرورًا، ومنه قوله تعالى: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) } (1) . فـ (سواءً) حال من (أربعة) وهي مضافة. الثالث: أن تكون نكرة عامة لوقوعها بعد نفي أو شبهة نحو: ما ندم طالب مجتهدًا، ومنه قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) } (2) فـ (لها منذرون) جملة في موضع الحال من (قرية) وصح مجيء الحال من النكرة؛ لتقدم النفي عليها (3) . الرابع: أن يتأخر صاحب الحال نحو: أتاني سائلاً رجلٌ. فـ (سائلاً) حال من (رجل) ، ومنه قوله الشاعر: (1) لِمَيَّةَ موحشًا طَلَلُ … … يلوح كأنه خِلَلُ (4)   (1) سورة القمر، آية: 7. (2) سورة الشعراء، آية: 208. (3) وقد تأتي الحال وصاحبها ليس فيه شرط من هذه الشروط الأربعة كقول عائشة رضي الله عنها ( ... وصلى وراءه قوم قياماً) متفق عليه. وقول العرب: مررت بماء قعدة رجل. فـ (قعدة) حال من (ماء) . و (قيامًا) حال من (قوم) . ويجوز القياس على ما ورد من ذلك. لكن الإتيان بالمسوغ أفضل؛ محاكاة للكثير من كلام العرب. (4) طلل: ما تبقى بارزًا من آثار الديار. خلل: بكسر الخاء جمع خلة وهي بطانة تغشى بها أجفان السيوف. … إعرابه: (لمية) جار ومجرور. خبر مقدم. (موحشًا) حال تقدم على صاحبه (طلل) مبتدأ مؤخر (يلوح) فعل مضارع. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره (هو) يعود إلى (طلل) والجملة صفة لطلل. (كأنه) حرف تشبيه ينصب الاسم ويرفع الخبر. والهاء اسمه. (خلل) خبر كأن. والجملة حال من الضمير المستتر في (يلوح) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 فـ (موحشًا) حال من (طلل) وهو نكرة. وإنما جاز ذلك لتأخره عن الحال. (1) وقول المصنف: (وصاحبِها التعريفُ) معطوف على ما قبله. والتقدير: وشرطُ صاحبِها التعريف. باب التمييز قوله: (والتَمْيِيزُ، وهُوَ اسْمٌ فَضْلةٌ نَكِرَةٌ جَامِدٌ مُفَسِّرٌ لما انبهم مِنَ الذَواتِ) . التمييز من منصوبات الأسماء في غالب أحواله. وقوله: (والتمييز) بالرفع عطفًا على ما تقدم. وقد ذكر المصنف أن التمييز ما اجتمع فيه خمسة أمور: 1- أن يكون اسمًا. 2- أن يكون فضلة، وهو ما يمكن الاستغناء عنه. 3- أن يكون نكرة. 4- أن يكون جامدًا. (2) 5- أن يكون مفسرًا لما انبهم من الذوات. مثاله: اشتريت رطلاً عسلاً. فـ (عسلاً) تمييز؛ وهو اسم بدليل تنوينه، ونكرة؛ لأنه لا يدل على معين؛ وقد فَسَّر الإبهام في اسم الذات الذي قبله؛ لأن قولك: اشتريت رطلاً ... فيه إبهام، لأن السامع لا يفهم ما تريد بالرطل هل تريد عسلاً أو تمرًا أو سمنًا؟ فإذا قلت: عسلاً زال الإبهام، وفُهم المراد، لأنك ميزت له (الرطل) وبينت المقصود به، ولذلك يسمى لفظ (عسلاً) : تمييزاً. والاسم الذي قبله: مُمَيَّزًا، والتمييز والتبيين والتفسير ألفاظ مترادفة معناها واحد.   (1) هذا وجه الاستشهاد على ما أراد ابن هشام وفيه نظر؛ لأن النكرة قد تخصصت بالوصف بجملة (يلوح) فيكون من الثاني. إلا أن يقال. إن التقديم قد حصل فيكون مسوغًا والله أعلم. (2) الاسم الجامد هو الذي لم يؤخذ من غيره. وإنما وضع على صورته الحالية فليس له أصل يرجع إليه مثل: باب، رجل. غصن.. وهو إما اسم ذات كهذه الأمثلة. أو اسم معنى مثل: ذكاء، سماحة، فهم.. ويقابله المشتق وهو ما أخذ من غيره. كـ (قائم مذموم، حسن) . ومجئ التمييز جامدًا إنما هو باعتبار الغالب. وإلا فقد يكون مشتقًا نحو: لله در خالد فارسًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 قوله: (وَأَكْثَرُ وقُوعِهِ بَعْدَ المقَادِير، كَجَرْيبٍ نخْلاً، وصَاعٍ تَمْراً، ومَنَوَيْنِ عَسَلاً، والْعَدَدِ نَحْوَ: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} (1) إِلى تِسْعٍ وتِسْعِينَ، ومِنْهُ تَمْييزُ كم الاسْتْفْهَامِيةَ نَحْوِ: (كَمْ عَبْداً مَلَكَتْ) ، فأمَّا تَمْيِيزُ الخَبريةِ فَمَجْرورٌ مُفردٌ كَتَمْييزْ المائةِ ومَا فَوْقَهَا، أو مَجْمُوعٌ كَتَمْييزِ العَشَرَةِ ومَا دُونَها ولَكَ في تَمْيِيْزِ الاسْتِفْهَامِيَّة الْمَجْرُوِرَةِ بالحرْفِ جَرٌ ونَصْبٌ) . التمييز نوعان: 1- تمييز مفرد أو تمييز ذات. وهو المراد بقوله (وأكثر وقوعه) وهو الذي عرفه المصنف فيما مضى. 2- تمييز نسبة أو تمييز جملة. وهذا سيأتي إن شاء الله. فأما تمييز المفرد فأكثر مواضعه: 1- بعد المقادير وهي عبارة عن ثلاثة أشياء: المساحة، نحو: اشتريت جريبًا (2) نخلاً. بعته ذراعًا صوفًا. والكيل نحو: تصدقت بصاع تمرًا. والوزن نحو: أعطيته منوين (3) عسلاً. اشتريت رطلاً سمنًا. فـ (نخلاً) تمييز منصوب. وهكذا ما بعده.   (1) سورة يوسف، آية: 4. (2) الجريب في الأصل اسم للوادي ثم استعير للقطعة المميزة من الأرض. ويختلف مقدارها من مكان إلى مكان آخر. ويطلق الجريب على غير ذلك. (3) منوين تثنية منا كعصا. مقصور وهو الذي يوزن به. قيل هو رطلان ويطلق - أيضًا - على ما يُكال به السمن ونحوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 2- بعد العدد. والتمييز بعد العدد جمع مجرور مع الثلاثة والعشرة وما بينهما نحو: عندي خمسة أقلامٍ وثلاث مسَّاحاتٍ، ومفرد منصوب مع أحد عشر وتسعة وتسعين وما بينهما نحو: في الكتاب خمس وسبعون صفحةً، وفي كل صفحة تسعة عشر سطرًا، ومنه قوله تعالى: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} (1) وقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} (2) ومفرد مجرور مع المائة والألف نحو: في المزرعة ألف نخلةٍ ومائة شجرةٍ. ومن تمييز العدد: تمييز (كم) الاستفهامية (وهي الأداة التي يسأل بها عن معدود) . وهو مفرد منصوب بها نحو: كم حديثاً حفظت؟ فـ (حديثاً) منصوب على التمييز لـ (كم) . و (كم) مفعول مقدم. إلا إذا دخل عليها حرف جر فإنه يكون مجرورًا كما سيأتي. وأما تمييز (كم) الخبرية (وهي أداة للإخبار عن معدود كثير) فإن تمييزها مجرور دائمًا بإضافتها إليه. وهو إما مفرد - كما تقدم في تمييز المائة وما فوقها - نحو: كم مرةٍ يخطئ إلي أخي وأنا أغفر له. وإما جمع - كما تقدم في تمييز الثلاثة والعشرة وما بينهما - نحو: كم ساعاتٍ قضيتها لاهيًا لِلَّهِ وقوله: (وَلَكَ في تَمْيِيْزِ الاسْتِفْهَامِيَّة الْمَجْرُوِرَةِ بالحرْفِ جَرٌ ونَصْبٌ) . معناه أن (كم) الاستفهامية إذا دخل عليها حرف جر جاز في تمييزها الجر بـ (من) ظاهرة أو مقدرة، نحو: بكم ريالٍ اشتريت هذا الكتاب؟ بكم من ريال ... ؟ فإن وجدت (من) فهي ومجرورها متعلقان بـ (كم) ، وإلا فالتمييز مجرور بالإضافة، أو بـ (من) مضمرة. والوجه   (1) سورة يوسف، آية: 4. (2) سورة ص، آية: 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 الثاني في تمييزها النصب وتقدم. (1) قوله: (وَيَكُونُ التَّمْييزُ مُفسِّراً للنِّسْبَةِ مُحَوَّلاَّ كـ {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} (2) {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} (3) {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا} (4) أَوْ غَيْرَ مُحَوَّلٍ نَحْوَ: (امْتَلأ الإنَاءُ مَاءً)) . هذا النوع الثاني من نوعي التمييز وهو تمييز النسبة، وهو التمييز الذي يزيل الإبهام عن المعنى العام بين طرفي الجملة. وهو المعنى المنسوب فيها لشيء من الأشياء. مثاله: إذا قلت: طاب المكان. نجد أن في الجملة إبهاماً ولكنه لا يقع على كلمة واحدة - كما في تمييز المفرد أو تمييز الذات - وإنما ينصبُّ على الجملة كلها، وهو نسبة الطيب إلى المكان، إذا لا ندري ما المراد به؛ أهو هواؤه أم ماؤه أم تربته؟ فإذا قلنا: طاب المكان هواءً، تعين المراد واتضحت نسبة الطيب إلى المكان. ولذلك يسمى لفظ (هواء) تمييزاً؛ لأنه أزال إبهامًا في نسبة شيء إلى شيء. وتمييز النسبة نوعان: الأول: تمييز محول. وهو ثلاثة أقسام:   (1) أما إعراب (كمْ) فهي مبتدأ إذا وقع بعدها فعل لازم نحو: كم طالباً حضر؟، أو فعل متعدِّ استوفى مفعوله نحو: كم كتاباً قرأته. أو وقع بعدها ظرف أو جار ومجرور نحو: كم طفلاً عندك؟ كم طالباً في الفصل؟ . وتعرب مفعولاً به إذا وقع بعدها فعل متعدّ لم يستوف مفعوله نحو: كم كتاباً قرأت؟ وتعرب ظرفاً إذا وقعت على زمان أو مكان نحو: كم يوماً صمت؟ كم ميلاً مشيت؟ وإن وقعت على حدث فهي مفعول مطلق نحو: كم زيارة زرت المريض؟ وإن سبقت بحرف جر أو مضاف فهي في محل جر نحو: في كم ساعة تقرأ سورة البقرة؟ مساعدة كم فقيراً قدمت؟ وقد تصلح مبتدأ أو خبراً في نحو: كم مالك؟ ... (2) سورة مريم، آية 4. (3) سورة القمر، آية: 12. (4) سورة الكهف، آية: 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 1- محول عن الفاعل نحو: حَسُنَ الشاب خلقًا، فـ (خلقًا) تمييز نسبة لأنه أزال الإبهام في نسبة الحُسْن إلى الشاب. وهو محول عن الفاعل، إذ الأصل: حَسُنَ خُلُقُ الشاب. ومنه قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} (1) فـ (شيباً) تمييز نسبة محول عن الفاعل لأن أصله: واشتعل شيب الرأس. (2) 2- محول عن المفعول نحو: وفَّيتُ العمال أجوراً. فـ (أجورًا) تمييز نسبة، لأنه أزال الإبهام في نسبة التوفية إلى العمال، وهو منقول عن المفعول، والأصل: وفَّيت أجور العمال، ومنه قوله تعالى: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} (3) فـ (عيونًا) تمييز نسبة محول عن المفعول؛ لأن تقديره: وفجرنا عيون الأرض. 3- محول عن غيرهما كالمحول عن المبتدأ، وذلك بعد اسم التفضيل الصالح للإخبار به عن التمييز، نحو: الحرير أغلى من القطن قيمةً. فـ (قيمة) تمييز محول عن المبتدأ، إذ الأصل: قيمةُ الحرير أغلى من قيمة القطن. ومنه قوله تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا} (4) فـ (مالاً) تمييز محول عن المبتدأ، وأصله: مالي أكثر من مالك. القسم الثاني: من تمييز النسبة: تمييز غير محول. نحو: امتلأ الإناء ماءً، فـ (ماءً) تمييز غير محول عن شيء، بل هو تركيب وضع ابتداء هكذا (5) . ومنه قولهم: (لله دره فارسًا) . ونحوه مما يفيد التعجب. وهذا القسم قليل في الكلام.   (1) سورة مريم، آية 4. (2) وهذا التحويل لغرض المبالغة والتوكيد؛ لأن ذكر الشيء مجملاً ثم مفسرًا أوقع في النفس من ذكره مفسرًا من أول الأمر. (3) سورة القمر، آية: 12. (4) سورة الكهف، آية: 34. (5) إلا إذا قلنا إن التمييز المحول لا يلزم أن يكون فاعلاً للفعل المذكور فيصح أن يكون من المحول عن الفاعل والأصل: ملأ الماء الإناء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 قوله: (وقَدْ يُؤكِّدَانِ نَحْوُ: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (1) وقَوْلَه: (مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيِّة دِيناً) ومِنْهُ: (بِئْسَ الْفَحْلُ فَحْلُهُمُ فَحْلاً) خلافاً لسيبويه) . أي: قد يأتي الحال والتمييز مؤكدين. فلا تكون الحال لبيان الهيئة ولا يزيل التمييز إبهاماً. بل يفيدان مجرد التأكيد. فالحال المؤكدة: هي التي لا تفيد معنى جديداً سوى التوكيد نحو: لا تظلم الناس باغيًا. فـ (باغيًا) حال من الفاعل. وهي مؤكدة لقوله: (لا تظلم) ؛ لأن الظلم هو البغي. ولو حذفت لفهم معناها مما بقي من الجملة. ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} فـ (مفسدين) حال من الواو، وهي مؤكدة لقوله (لا تعثوا) ؛ لأن العَثْوَ هو الفساد معنى. وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (2) فـ (جميعًا) حال من (ما) وهي مؤكدة، لأن العموم مستفاد من لفظ (ما) . وأما التمييز المؤكد فكقول أبي طالب: ولقد علمت بأن دين محمد … … من خير أديان البرية دينا (3) فـ (ديناً) تمييز مؤكد لما سبقه، إذ لو حذف لفهم معناه مما بقي من الكلام. ومنه أيضاً قول جرير: والتَّغْلَبِيُّون بئس الفحلُ فحلُهمُ … فحلاً وأُمهمُ زَلاَّءُ مِنْطِيقُ (4)   (1) سورة البقرة، آية: 60. (2) سورة البقرة، آية: 29. (3) من خير: جار ومجرور خبر (أن) . و (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالياء. والجار والمجرور متعلق بالفعل (علم) . (4) الفحل: أراد به الأب (زلاء) بفتح الزاي وتشديد اللام وآخره همزة هي المرأة قليلة لحم الأليتين (منطيق) أي: تعظم عجيزتها بالخرق لتغطي هزالها بسبب امتهانها في الأعمال. وهذا دليل شدة الفقر وسوء الحال. إعرابه: (والتغلبيون) مبتدأ أول مرفوع بالواو. (بئس) فعل ماض جامد لإنشاء الذم (الفحل) فاعل بئس والجملة خبر مقدم (فحلهم) مبتدأ مؤخر. والهاء مضاف إليه والميم علامة الجمع. والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الأول. (وأمهم زلاء) مبتدأ وخبر مِنْطيقُ صفة أو خبر بعد خبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 فـ (فحلاً) تمييز مؤكد لما سبقه، إذ لو حذف لفهم معناه مما بقي من الكلام. وقول المصنف: (خلافاً لسيبويه) أي في هذا الشاهد. فإن سيبويه وأتباعه لا يجيزون الجمع بين فاعل (نعم) إذا كان اسمًا ظاهرًا وبين التمييز - كما في هذا البيت -، فلا تقول: نعم الرجل رجلاً إبراهيم. لأن التمييز لرفع الإبهام، ولا إبهام مع ظهور الفاعل. وعندهم أنه حال مؤكدة. والصحيح الجواز لوروده عن العرب شعرًا ونثرًا. أما الشعر فالشاهد المذكور وغيره (1) . وأما النثر فقول الحارث بن عباد لما بلغه قتلُ ابنه في حرب (البسوس) (2) : (نعم القتيلُ قتيلاً أصلح بين بكر وتغلب) فـ (قتيلاً) تمييز، والفاعل (القتيل) . ولا يلزم أن يكون التمييز لرفع الإبهام، فقد يكون للتوكيد كقوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} (3) فـ (شهرًا) تميز مؤكد لقوله سبحانه (إن عدة الشهور) ، كقولك: عندي من الرجال عشرون رجلاً. فـ (رجلاً) تمييز مؤكد لقولك (من الرجال) ، وإذا كانت الشواهد على الجواز كثيرة فلا حاجة إلى التأويل الذي لجأ إليه المانعون. باب المستثنى قوله: (والمُسْتَثْنَى بـ (إِلا) مِنْ كَلام تامٍّ مُوجَبٍ نحْوُ: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} (4) فَإِنْ فُقِدَ الإيجَابُ تَرَجَّحَ البَدَلُ في المُتَّصِلِ نحْوُ: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} (5) والنَّصْبُ في المُنْقَطِع عِنْدَ بَنِي تَمِيم، ووَجَبَ عِنْدَ الحِجَازِيِّينَ نحْوُ: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} (6)) .   (1) راجع باب نعم وبئس في الكتب المطولة. (2) وقعة بين بكر وتغلب من ربيعة. والبسوس. اسم امرأة. (3) سورة التوبة، آية: 36. (4) سورة البقرة، آية: 249. (5) سورة النساء، آية: 66. (6) سورة النساء، آية: 157. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 قوله: (والمستثنى) الظاهر أنه معطوف على (التمييز) . وعبر المصنف - رحمه الله - بالمستثنى؛ لأنه هو الذي من المنصوبات فهو أولى من التعبير بـ (الاستثناء) ؛ لأنه يحتاج للتأويل؛ لأنه مصدر بمعنى اسم المفعول. والمستثنى: هو الاسم المذكور بعد (إلا) أو إحدى أخواتها مخالفًا في الحكم لما قبلها، نحو: حضر الأصدقاءُ إلا علياً. فـ (علياً) مستثنى. و (الأصدقاء) مستثنى منه، وهو المحكوم عليه بالحضور، أما عليٌُّ فلم يثبت له هذا الحكم الذي ثبت لبقية الأصدقاء. فهو مستثنى منهم مخالفٌ لهم في الحكم. وأما حكم المستثنى من حيث الإعراب ففيه تفصيل. فالمستثنى بـ (إلا) يجب نصبه على الاستثناء في الأغلب (1) بشرطين: الأول: أن يكون الكلام تامًا (وهو أن يكون المستثنى منه مذكورًا) . الثاني: أن يكون الكلام موجبًا (وهو أن يكون خالياً من نفي أو نهي أو استفهام) ولا فرق في ذلك بين الاستثناء المتصل (وهو أن يكون المستثنى بعضًا من المستثنى منه) والمنقطع (وهو: ألا يكون المستثنى بعضًا من المستثنى منه) . مثال المتصل: قرأت الكتابَ إلا صفحةً. فـ (صفحةً) مستثنى منصوب بالفتحة. والكلام تام. موجب. وهو متصل. ومنه قوله تعالى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} (2) فـ (قليلاً) مستثنى بـ (إلا) منصوب بالفتحة. ومثال المنقطع: جاء القومُ إلا سيارةً فـ (سيارةً) مستثنى منصوب، وهو منقطع؛ لأنه ليس بعضًا مما قبله.   (1) قد ورد المستثنى بعد الكلام التام الموجب مرفوعًا في النثر والشعر فمن النثر ما ورد في صحيح البخاري: " فلما انصرفوا أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم ": وحديث " كل أمتي معافى إلا المجاهرون" متفق عليه (وقد ورد منصوبًا في بعض الروايات فيهما) ، وتخريج الرفع على أنه مبتدأ مذكور الخبر كما في الأول، ومحذوفه كما في الثاني، راجع كتاب (التوضيح لابن مالك ص41) . (2) سورة البقرة، آية: 249. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 فإن فقد الشرط الأول وهو: التمام فسيأتي حكمه إن شاء الله، وإن فقد الثاني وهو الإيجاب - بأن اشتمل الكلام على نفي أو شبهه - فلا يخلو من حالتين: - الحالة الأولى: أن يكون الاستثناء متصلاً، فيجوز فيه وجهان: الأول: نصبه على الاستثناء. الثاني: إعرابه بإعراب المستثنى منه، على أنه بدلٌ منه، بدلُ بعض من كل، للمشاكلة في الإعراب، تقول: لا تعجبني الكتبُ إلا النافعُ. بنصب (النافع) على الاستثناء، أو رفعه على أنه بدل من (الكتب) ، وبدل المرفوع مرفوع، ومنه قوله تعالى: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} (1) فقد قرأ السبعة - إلا ابن عامر - برفع (قليل) على أنه بدل من الواو في قوله تعالى: (ما فعلوه) . أما ابن عامر فقد قرأ بالنصب على الاستثناء. ولم يصرح المصنف - رحمه الله - بالنصب - وهو الوجه الأول - لكنه لما قال: (ترجح البدل) علم منه جواز النصب، لكن الاتباع على أنه بدل أرجح. الحالة الثانية: أن يكون الاستثناء منقطعًا. فيجب النصب على الاستثناء عند الحجازيين نحو: ما حضر القوم إلا فرسًا. بنصب (فرسًا) على الاستثناء. ومنه قوله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} (2) (3) فقد قرأ السبعة بالنصب على الاستثناء. وهو استثناء منقطع - على قول الجمهور - لأن اتباع الظن ليس بعضاً من العلم. ويجوز عند بني تميم اتباعه لما قبله في إعرابه فتقول: ما حضر القومُ إلا فرسٌ. بالرفع على أنه بدل من (القوم) ، وبدل المرفوع مرفوع، والنصب عندهم أرجح.   (1) سورة النساء، آية: 66. (2) سورة النساء، آية: 157. (3) ما لهم: (ما) نافية لا عمل لها (لهم) خبر مقدم (به) متعلق بمحذوف حال من (علم) أو من الضمير المستتر في الخبر المحذوف (من علم) من: حرف جر زائد إعرابًا لا معنى. (علم) مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وقول المصنف: (والنصب في المنقطع) معطوف على ما تقدم والتقدير: (وترجح النصب ... الخ) . قوله: (مَا لمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِمَا فالنَّصْبُ نحْوُ قَوْلِهِ: وَمَا لِيَ إِلا آلَ أَحْمَدَ شِيعَةٌ … … وَمَا لِيَ إِلا مَذْهَبَ الْحَقِّ مَذْهَبُ) أي: إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه - فيهما - أي في تقدم المتصل والمنقطع، إذا كان الكلام تاماً غير موجب وجب النصب. وامتنع الإبدال. نحو: ما حضر إلا عليًا الضيوف، ما قدم إلا فرسًا القوم، ومنه قوله الشاعر: (1) وما لي إلا آل أحمد شيعة … … وما لي إلا مذهب الحق مذهب (1) فقد نصب الشاعر المستثنى في الموضعين، لأنه مقدم على المستثنى منه، والأصل وما لي شيعةٌ إلا آلَ أحمدَ، وما لي مذهبٌ إلا مذهبَ الحقِّ، وإنما امتنع إعرابه بدلاً؛ لأنه لو رفع على البدلية لزم منه تقدم التابع (علياً) - كما في المثال - على المتبوع (الضيوف) أو يتغير الحال فيصير التابع متبوعًا. وكلاهما ممنوع. قوله: (أوْ فُقِدَ التَّمَامُ فَعَلَى حَسَبِ العَوَامِلِ نحْوُ: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} (2) ويُسَمَّى مُفَرَّغًا) .   (1) شيعة: أنصار وأشياع. مذهب الحق: طريق الحق. إعرابه: ما: نافية بطل عملها (لي) خبر مقدم (إلا) أداة استثناء (آل) مستثنى (أحمد) مضاف إليه (شيعة) مبتدأ مؤخر. والشطر الثاني مثله. (2) سورة القمر، آية: 50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 تقدم أن المستثنى يجب نصبه إذا كان الكلام تامًا موجبًا. وأن التام هو: ما ذكر فيه المستثنى منه، وذكر هنا أنه إذا فُقِدَ التمام - بأن لم يذكر المستثنى منه - فإن الاسم الواقع بعد (إلا) يعرب على حسب العوامل قبلها، كما لو كانت (إلا) غير موجودة، وتعرب (إلا) أداة استثناء ملغاة لا عمل لها. نحو: لا يسدي النصيحةَ إلا المخلصون، لا تصاحبْ إلا الأخيارَ. لا يصلح الناسُ إلا بالدين. فـ (المخلصون) في المثال الأول فاعل. و (الأخيار) في المثال الثاني مفعول به. و (الدين) في المثال الثالث مجرور متعلق بالفعل (يصلح) . ومنه قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) } (2) فـ (أمرنا) مبتدأ. و (نا) مضاف إليه و (إلا) أداة استثناء ملغاة (واحدة) خبر المبتدأ مرفوع. وهذا مثال الرفع. والنصب كقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} (1) فـ (الحقَّ) مفعول به منصوب للفعل (تقولوا) ، والجر كقوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (2) فـ (التي) متعلق بالفعل قبله. ويسمى هذا الاستثناء مفرغاً، لأن ما قبل (إلا) تفرغ للعمل فيما بعدها، كما في الأمثلة. وشرط الاستثناء المفرغ أن يتقدمه نفي أو شبهه (3) ، كالاستفهام في قوله تعالى: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} t (4) فـ (القوم) نائب فاعل. وإنما شُرِطَ ذلك؛ لأن الإثبات يؤدي إلى الاستبعاد، فلو قلت: رأيت إلا خالدًا، لزم منه أنك رأيت جميع الناس إلا خالدًا، وذلك محال عادة نظرًا للظاهر. قوله: (ويُسْتَثْنَى بـ (غَيْرِ وَسُوىً) خَافِضَيْنِ مُعْرَبَيْنِ بِإعْرَابِ الاسْمِ الَّذِي بَعْدَ (إِلاَّ)) .   (1) سورة النساء، آية: 171. (2) سورة العنكبوت، آية: 46. (3) انظر: شرح الألفية للمؤلف (1/437) . (4) سورة الأحقاف، آية: 35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 الأدوات التي يستثنى بها غير (إلا) ثلاثة أقسام: ما يخفض دائمًا وما ينصب دائمًا. وما يخفض تارة وينصب أخرى. فأما الذي يخفض دائماً فـ (غير) (1) و (سوى) (2) ومعنى (غير) : إفادة المغايرة. أي: الدلالة على أن ما بعدها مغاير لما قبلها في الحكم، وفيها بحثان: 1- بحث في المستثنى بعدها. وحكمه: الجر بها لإضافتها إليه. 2- بحث في إعرابها، لأنها اسم، وحكمها: أنها تعرب بما كان يعرب المستثنى بعد (إلا) على التفصيل السابق. فتقول: حضر الضيوف غيرَ خالدٍ، بنصب (غير) على الاستثناء؛ لأنه كلام تام موجب. كما تقول: حضر الضيوفُ إلا خالدًا. وتقول: ما حضر الضيوفُ غيرُ خالدٍ أو غيرَ خالدٍ. بالاتباع والنصب وتقول: ما حضر غيرُ خالد. برفع (غير) وجوباً؛ لأنه مفرغ، وتقول: ما حضر الضيوف غيرَ سيارة. بنصب (غير) عند الحجازيين، وجواز الاتباع عند بني تميم. وهكذا حكم (سوى) فهما متماثلان في المعنى والإعراب تقول: حضر الضيوف سوى خالدٍ. فـ (سوى) منصوب على الاستثناء. قوله: (وبِخَلا، وَعَدَا، وَحَاشَا، نَوَاصِبَ وَخَوَافِضَ. وَبِمَا خَلا، وَبِمَا عَدَا، وَلَيْسَ، وَلاَ يَكُونُ، نَوَاصِبَ) .   (1) استعمال (غير) في باب الاستثناء قليل. والأصل في استعمالها أن تقع صفة لنكرة كقوله تعالى: {نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} أو ما يشبه النكرة وهو المعرفة المراد به الجنس كالاسم الموصول في قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وتقع مبتدأ وخبراً لناسخ وغير ذلك. (2) أرجح الأقوال في (سوى) قول الكوفيين واختاره ابن مالك كما في الكافية. وهو أنها مثل (غير) فتأتي مرفوعة ومنصوبة ومجرورة لكثرة الشواهد من النثر والنظم على تأثرها بالعوامل المختلفة خلافاً لمن قال: إنها لا تكون إلا ظرفاً. راجع شرح المؤلف على الألفية (1/444) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 هذا القسم الثاني والثالث من أدوات الاستثناء - غير إلا - فالثاني ما ينصب فقط، وهو أربعة: ليس، ولا يكون، وما خلا، وما عدا، فأما (ليس) (ولا يكون) فإن المستثنى بهما يجب نصبه؛ لأنه خبرهما نحو: قرأت الكتاب ليس صفحةً، أو: لا يكون صفحةً، أما اسمهما فضمير مستتر وجوبًا تقديره: (هو) يعود على البعض المفهوم من الكل السابق الذي هو المستثنى منه، فمعنى: قرأت الكتاب ليس صفحة. أن المقروء كلٌّ استثنى بعضُه، أي قرأت الكتابَ ليس بعضُ الكتاب المقروء صفحةً، وجملة الاستثناء (ليس صفحة) في محل نصب حال، أو مستأنفة فلا محل لها من الإعراب. ويبقى ارتباطها بما قبلها من الناحية المعنوية فقط. وأما (خلا وعدا) فلهما حالتان كما ذكر المصنف: الأولى: أن تتقدمهما (ما) المصدرية. فيجب نصب المستثنى بهما على أنه مفعول به. والفاعل ضمير مستتر وجوبًا - كما تقدم في (ليس) تقول: نجح الطلاب ما عدا جابرًا. فـ (ما) مصدرية، و (عدا) فعل ماض. وفاعله ضمير مستتر و (جابرًا) مفعول به منصوب. و (ما) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مؤول بمشتق يقع حالاً أو ظرف زمان، والتقدير: نجح الطلاب مجاوزين جابرًا، أو وقت مجاوزتهم (1) جابرًا. الثانية: ألا تتقدمهما (ما) فيجوز نصب المستثنى بهما على أنه مفعول به، باعتبار أنهما فعلان، ويجوز جره باعتبار أنهما حرفا جر. تقول: نجح الطلاب عدا جابرًا بالنصب. أو جابرٍ، بالجر، فـ (عدا) حرف جر، و (جابرٍ) اسم مجرور بـ (عدا) ، وفي الجملة ما تقدم من جواز كونها في محل نصب على الحال أو مستأنفة لا محل لها. وأما الجار والمجرور فهو متعلق بالفعل قبله.   (1) إنما قدر اسم الفاعل والمصدر بـ (مجاوزين ومجاوزة) ؛ لأن فعل الاستثناء جامد لا يدخل بنفسه في صياغة المصدر المؤول. وإنما يؤول الفعل الذي بمعناه وهو (جاوز) والحرف المصدري لا يدخل على فعل جامد إلا في هذا الباب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وأما القسم الثالث فهو ما يخفض تارة، وينصب أخرى وهو (حاشا) والمستثنى بها منصوب على أنه مفعول به باعتبارها فعلاً، أو مجرور باعتبارها حرفًا، نحو: نجح الطلاب حاشا جابرًا، أو جابرٍ. والإعراب كما تقدم. ولا تسبقها (ما) على الأرجح. باب مخفوضات الأسماء قوله: (يُخْفَضُ الاِسْمُ إِمَّا بِحَرْفٍ مُشْتَركٍ وَهُوَ مِنْ، وَإِلَى، وَعَنْ، وَعَلَى، وَفِي، وَالَّلاَمُ، والْبَاءُ لِلْقَسم وَغَيْرِهِ، أَوْ مُخْتَصٍّ بالظَّاهِرِ: وَهُوَ، رُبّ، ومُذْ، ومُنْذُ، والكافُ، وَحَتَّى، وَوَاوُ القَسمِ وَتَاؤُهُ) . لما فرغ المصنف - رحمه الله - من المرفوعات والمنصوبات، ذكر المجرورات، وهي ثلاثة أقسام: الأول: مجرور بالحرف. الثاني: مجرور ب الإضافة . الثالث: مجرور بالتبعية لمتبوع مجرور، وهذا موضعه التوابع، وبدأ بالمجرور بالحرف؛ لأنه الأصل. (1) وحرف الجر نوعان: (1) الأول: مشترك بين الاسم الظاهر والمضمر، وهو سبعة، وقد ذكرها المصنف. الثاني: مختص بالاسم الظاهر. وهو سبعة ذكرها المصنف أيضًا وهي أربعة أقسام: 1- ما يختص بالنكرات وهو: (رُبَّ) . 2- ما يختص بالزمان وهو (مذ) و (منذ) . 3- ما يختص بلفظ الجلالة وهو (التاء) . 4- ما لا يختص بظاهر بعينه وهو: (الكاف) و (حتى) و (الواو) .   (1) حرف الجر من حيث الأصالة وعدمها ثلاثة أقسام: - 1- حرف جر أصلي وهو: ماله معنى خاص، ويحتاج إلى متعلَّق مذكور، أو محذوف والمتعلَّق هو: ما يوضح الجار والمجرور ويبينه كقولك: جئت من البيت، فالتعلق نوع من الارتباط الذي يوضح المعنى ويتممه. وهو ينعقد بين شبه الجملة - الظرف والجار والمجرور - وما قبلهما من فعل أو شبهه. 2- حرف جر زائد وهو: ما ليس له معنى خاص، وإنما يؤتى به للتوكيد، وليس له متعلق. نحو: ما جاء من أحد. 3- حرف جر شبيه بالزائد وهو ما له معنى خاص، كالحرف الأصلي وليس له متعلق كالزائد مثل: رُبَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 فالمشترك الذي يجر الاسم الظاهر والضمير سبعة وهي: 1- مِنْ: ولها معانٍ منها: بيان الجنس، وعلامتها: صحة وقوع الموصول موقعها مع ضمير يعود على ما قبلها إن بَيَّنت معرفة، كقوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} (1) أي: الذي هو الأوثان. لأن الرجس جنس عام يشمل الأوثان وغيرها. فإن بَينت نكرة فعلامتها: أن يقع موقعها الضمير وحده، كقوله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} (2) أي: هي ذهب. ومنها: التبعيض: أي الدلالة على البعضية وعلامتها: صحة وقوع (بعض) موقعها كقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ} (3) . ومنها: ابتداء الغاية في الأمكنة كثيرًا. وفي الأزمنة أحيانًا على الصحيح، وهذا هو الغالب عليها، والمارد بالغاية: المسافة، كقوله تعالى: {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} (4) وقوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} (5) (6) إلى غير ذلك من معانيها التي تؤخذ من الكتب المطولة مثل: (مغني اللبيب) وغيره. 2- إلى: ومن معانيها:   (1) سورة الحج، آية: 30. (2) سورة الكهف، آية: 31. (3) سورة البقرة، آية: 8. (4) سورة الإسراء، آية: 1. (5) سورة التوبة، آية: 108. (6) وقيل إن (من) ليست لابتداء الغاية بل هي بمعنى (في) انظر دراسات لأسلوب القرآن الكريم (1/3/324) وأوضح مثال للغاية الزمانية: حديث (فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 انتهاء الغاية مطلقاً - زمانية أو مكانية - وهو الغالب عليها كقوله تعالى: {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} (1) وقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (2) وتأتي للمصاحبة، بأن يصحَّ وضع كلمة (مع) موضعها، كقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} (3) . 3- عن: وأشهر معانيها: المجاوزة. ومعناها: ابتعاد شيء مذكور أو غير مذكور عما بعد حرف الجر بسبب شيء قبله. فالأول نحو: رميت السهم عن القوس، أي: جاوز السهم القوس بسبب الرمي. ومنه قوله تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} (4) والثاني نحو: أبو بكر رضي الله عنه. أي جاوزته المؤاخذة بسبب الرضى، ومنه قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} (5) وتأتي للبعدية، كقوله تعالى: {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} (6) . أي: حالاً بعد حال. 4- على: وأشهر معانيها: الاستعلاء. أي: العلو، حسياً كان نحو قوله تعالى: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22) } (7) أو معنويًا كقوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (8) وتأتي للتعليل كقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (9) أي: لهدايته إياكم. وتأتي للظرفية بمعنى (في) إذا جَرَّت الظرف كقوله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} (10) أي: في حين غفلة. 5- في: وأشهر معانيها:   (1) سورة الإسراء، آية: 1. (2) سورة البقرة، آية: 187. (3) سورة النساء، آية: 2. (4) سورة يوسف، آية: 29. (5) سورة التوبة، آية: 43. (6) سورة الانشقاق، آية: 19. (7) سورة المؤمنون، آية: 22. (8) سورة البقرة، آية: 253. (9) سورة البقرة، آية: 185. (10) سورة القصص، آية: 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 الظرفية، ومعناها: احتواءُ الشيء في داخله شيئاً آخر، كما يحتوي الظرف المظروف؛ نحو: القلم في الحقيبة، وقد يكون مجازًا إذا فقد الاحتواء، نحو: خالد في البرية. قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) } (1) . 6- اللام: وأشهر معانيها: المِلْكُ، وذلك إذا وقعت بين ذاتين الثانية منهما تملك حقيقة نحو: الكتاب لخالد. قال تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (2) ومن معانيها: الاستحقاق، وهي الواقعة بين معنى وذات كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} (3) ، ومن معانيها: التقوية للعامل بسبب ضعفه، إما لتأخره، كقوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} (4) أو لكونه فرعًا عن غيره كقوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) } (5) لأن (فَعَّالٌ) صيغة مبالغة، وهي فرع عن الفعل في العمل. 7- الباء: وأشهر معانيها: الإلصاق وهو مطلق التعلق، وهو حسي، نحو: أمسكت بزيد، أو معنوي نحو: طفت بالكعبة. أما القسم الثاني المختص بالاسم الظاهر فهو كما يلي: 1- رُبَّ:   (1) سورة القمر، آية: 54. (2) سورة البقرة، آية: 284. (3) 10) سورة الفاتحة، آية 2. وكون اللام في الآية للاستحقاق ذكره ابن هشام في المغني ص (275) . (4) سورة يوسف، آية: 43. (5) سورة هود، آية: 107. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وهو حرف جر شبيه بالزائد موضوع للتكثير والتقليل حسب القرينة، والأول أكثر. نحو رُبَّ رجلٍ عالمٍ لقيت، فـ (رُبَّ) حرف جر شبيه بالزائد، (رجلٍ) مبتدأ مرفوع بضمةً مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد، (عالم) صفة، وجملة (لقيت) خبر المبتدأ. وهو خاص بجر النكرة. ولابد أن يأتي بعدها نعت مفرد أو جملة أو شبهها، فالمفرد كما مثل. والجملة نحو: رب رجلٍ لازمك عرفته. وشبه الجملة: رب جالس عندك عرفته. ويجوز تخفيف الباء كما في قوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) } (1) في قراءة نافع وعاصم. وشدد الباقون. وهي هنا مكفوفة عن العمل بـ (ما) الزائدة إعرابًا المؤكدة معنى. 2- مُذْ، مُنْذُ: ولا يجر بهما من الاسم الظاهر إلا الزمن المعين نحو: ما رأيته منذُ يومِ السبت، أو مُذْ يومِ السبت. ويجوز رفع ما بعدهما على أنهما اسمان نحو: ما رأيته مذ يومُ السبت. فـ (مذ) مبتدأ (يومُ السبت) خبره. 3- الكاف: وأشهر معانيها التشبيه كقوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) } (2) وتأتي للتعليل كقوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} (3) وكقولنا في التشهد "كما صليت على إبراهيم" على أحد القولين. (4) 4- حتى:   (1) سورة الحجر، آية: 2. (2) سورة الشورى، آية: 32. (3) سورة البقرة، آية: 198. (4) وهذا القول يسلم من الإيرادات التي ترد على القول الثاني وهو المشهور عند كثير من أهل العلم وهو أن الكاف للتشبيه. والقول بأنها للتعليل ذكره الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري (11/161) ط: السلفية. وفيه بقية هذا الموضوع فراجعه إن شئت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 ومعناها الدلالة على انتهاء الغاية نحو: سهرت الليلة حتى السحر. والأصل دخول الغاية في حكم ما قبلها إلا إذا وجد قرينة. بخلاف (إلى) فإن الغاية لا تدخل معها كقوله تعالى: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (1) إلا بقرينة كقوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (2) أي: مع المرافق بدليل السنة. (3) 5- واو القسم وتاء القسم. والواو لا تختص بظاهر معين نحو: والله لأفعلن الخير أو: والرازق أو والذي نفسي بيده ونحو ذلك. ولا يجوز القسم إلا بالله تعالى أو صفة من صفاته، وأما التاء فلا يجر بها إلا لفظ الجلالة كقوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} (4) . الإضافة قوله: (أَوْ بِإضَافَةٍ إِلَى اسْم عَلَى مَعْنَى الَّلام كَغُلامِ زَيْدٍ، أَوْ مِنْ كَخَاتِمِ حَدِيدٍ، أَوْ فِي كـ {مَكْرُ اللَّيْلِ} (5) وَتُسَمَّى مَعْنَويَّةً لأنَّهَا لِلتَعْرِيفِ، أَوِ التَّخْصِيص، أَوْ بَإضَافَةِ الوَصْفِ إِلَى مَعْمُولِهِ كَـ (بَالِغَ الكَعْبَةِ. وَمَعْمُورِ الدَّارِ. وَحَسَنِ الوَجْهِ) . وَتُسَمَّى لَفْظِيَّةً لأنَّهَا لِمُجَرَّدِ التَّخْفِيفِ) . لما فرغ من ذكر المجرور بالحرف ذكر المجرور بالإضافة. وقوله: (أو بإضافة اسم) معطوف على قوله (بحرف) أي: يخفض الاسم بالحرف، أو بسبب إضافة اسم إليه، لأن العامل في المضاف إليه هو المضاف - على الأصح - لاتصال الضمير المضاف إليه به. والضمير لا يتصل ِإلا بعامله نحو: كتابك جديد، لا الإضافة نفسها، كما هو ظاهر عبارة المصنف - رحمه الله - (6) . والإضافة نوعان:   (1) سورة البقرة، آية: 187. (2) سورة المائدة، آية: 6. (3) إعراب القرآن للعكبري (1/421) . وانظر: حديث رقم (246) في صحيح مسلم. (4) سورة الأنبياء، آية: 57. (5) سورة سبأ، آية: 33. (6) المضاف عامل لفظي. والإضافة عامل معنوي. وتقدم ذلك في أول الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 النوع الأول: إضافة معنوية. وهي ما أفادت المضاف تعريفاً أو تخصيصًا، ولا يكون المضاف فيها وصفًا مضافًا إلى معموله. مثال ذلك: كتابُ خالدٍ جديدٌ. فكلمة (كتاب) إذا أخذت وحدها دلت على كتاب غير معين؛ لأنه (نكرة) فإذا قلت: كتابُ خالدٍ ... بالإضافة فقد عينته وعَرَّفته. وإذا قلت: أسمعُ بكاءً، من غير إضافة، كان لفظ البكاء عاماً يشمل بكاء الطفل وبكاء المرأة وبكاء الرجل ... ، فإذا أضفته إلى نكرة وقلت: أسمع بكاءَ طفلٍ، فقد خصصته وضيقت عمومه. وسميت الإضافة في المثالين (معنوية) ، لأنها أفادت المضاف أمرًا معنويًا هو التعريف في المثال الأول؛ لأن المضاف إليه معرفة. أو التخصيص في المثال الثاني؛ لأن المضاف إليه نكرة (1) وهذه الإضافة ثلاثة أقسام:   (1) هناك أسماء مسموعة عن العرب ملازمة للتنكير لا تفيدها الإضافة تعريفًا ولا تخصيصاً. مثل (غير) تقول: جاءني رجل غيرك. فتصف بها النكرة مع إضافتهما للضمير. إلا إذا وقعت بين ضدين. لا قسيم لهما مثل: العلم غير الجهل، فإنها تتعرف إن كان ما أضيف إليه معرفة. ومنه قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} فوقعت (غير) صفة للموصول وهو معرفة. وقد وقعت بين متضادين لأن المنعم عليه والمغضوب عليه متضادان. أو يقال الاسم الموصول لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم فهو قريب من النكرة. ومن الألفاظ التي لا تقبل التعريف: (حسب) نحو: هذا خالد حسبك من رجل. بالنصب على حال من (خالد) والحال لا يكون إلا نكرة. ومنها: مثل نحو: مررت برجل مثلك، ومنها ناهيك. بمعنى: حسبك وكافيك = = نحو: ناهيك بألفية ابن مالك والمعنى: ألفية ابن مالك ناهيك عن طلب غيرها لكفايتها في النحو: فـ (ناهيك) خبر مقدم (بألفية ... ) الباء حرف جر زائد. وألفية: مجرور لفظاً مرفوع محلاً على أنه مبتدأ مؤخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 1- أن تكون الإضافة بمعنى (من) البيانية، وذلك إذا كان المضاف إليه جنساً للمضاف، نحو: هذا خاتمُ حديدٍ، أي: خاتم من حديد. 2- أن تكون الإضافة بمعنى (في) الظرفية. وذلك إذا كان المضاف إليه ظرفًا واقعًا فيه المضاف، مكانيًا نحو: عثمان - رضي الله عنه - شهيد الدار. أي: شهيد في الدار. أو زمانيًا كقوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} (1) أي مكر في الليل والنهار. (2) 3- أن تكون الإضافة بمعنى (اللام) وهذا إذا لم يصلح تقدير (من) ولا (في) نحو: هذا غلام زيد أي: غلام لزيد. النوع الثاني: من نوعي الإضافة: الإضافة اللفظية، وإليها أشار بقوله: (أو بإضافة الوصف) فهو عطف على قوله: (أو بإضافة اسم) أي: يخفض الاسم بإضافة الاسم - كما مر - أو بإضافة الوصف العامل عمل الفعل إلى معموله. فالإضافة اللفظية: هي التي يكون فيها المضاف وصفًا عاملاً - وهو كل اسم فاعل أو مفعول بمعنى الحال أو الاستقبال. أو صفة مشبهة. ولا تكون إلا للدوام غالبًا. مثال ذلك: صانعُ المعروفِ مشكورٌ. فـ (صانعُ) مضاف. وهو اسم فاعل للحال أو الاستقبال. وقد أضيف إلى معموله، فإن المضاف إليه هنا مفعول به في المعنى للمضاف وهو (صانع) ، ومثل ذلك اسم المفعول نحو: محمودُ الخصالِ ممدوحٌ. والصفة المشبهة نحو: كثيرُ الكلامِ مذمومٌ، ومنه قوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (3) .   (1) سورة سبأ، آية: 33. (2) أي: بل مكركم بنا بالليل والنهار هو الذي جعلنا نكفر بالله. قالوه رداً على قولهم لهم (بل كنتم مجرمين) . وأصل المكر: صرف الغير عما يقصده بحيلة فإن تحرى بذلك فعلاً جميلاً فهو ممدوح وإلا فهو مذموم، قاله الراغب في مفرداته (ص471) . (3) سورة المائدة، آية: 95. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 وهذا النوع لا يستفيد فيه المضاف من المضاف إليه تعريفًا ولا تخصيصًا، أما الدليل على أنها لا تفيد المضاف تعريفًا فهو وقوع هذا المضاف نعتًا للنكرة في قوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (1) ، ولو كان المضاف (بالغَ) اكتسب التعريف من المضاف إليه ما صح وقوعه نعتًا للنكرة (هديًا) ، لأن المعرفة لا تكون نعتًا للنكرة. وأما الدليل على أنها لا تفيد المضاف تخصيصاً، فلأن تخصيص الصنع بالمعروف في: (صانعُ المعروفِ) ليس بجديد، لحصوله قبل الإضافة في نحو: فلانٌ صانعٌ معروفاً. وإنما فائدتها - كما قال المصنف رحمه الله -: (التخفيف) ومراده التخفيف اللفظي، بحذف التنوين أو النون كما سيأتي، ولهذا سميت الإضافة في هذا النوع لفظية، لأن فائدتها ترجع إلى اللفظ لا إلى المعنى كما في النوع الأول. قوله: (وَلا تُجَامِعُ الإضَافَةُ تَنْوِينًا، وَلا نُونًا تَالِيةً لِلإعْرَابِ مُطْلَقًا وَلا أَلْ إِلا فِي نَحْوِ: الضَّارِبَا زَيْدٍ، وَالضَّارِبُو زَيْدٍ، والضَّارِبُ الرَّجُلِ وَالضَّارِب رَأسِ الرَّجُلِ، وَبِالرَّجُلِ الضَّارِبِ غُلامِهِ) . ذكر المصنف الأحكام المترتبة على الإضافة وهي أحكام كثيرة ذكر منها أربعة: 1- كون المضاف إليه مجرورًا دائمًا، والعامل فيه الجر هو المضاف وهذا تقدم. 2- وجوب حذف التنوين إن وجد في آخر المضاف قبل إضافته، مثل: ركبت سيارةَ خَليلٍ. فحُذِفَ التنوين من (سيارة) ولو زالت الإضافة لعاد التنوين نحو: ركبت سيارةً جديدةً.   (1) سورة المائدة، آية، 95. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 3- وجوب حذف نون المثنى ونون الجمع المذكر السالم وملحقاتها إن وقع أحدهما مضافًا مختومًا بالنون. وهي النون التي تلي حرف الإعراب نحو: يسير الناس على جانبي الشارع، حاملو (1) العلم محترمون. فإن كانت النون ليست للتثنية ولا لجمع المذكر السالم وهي النون التي لا تلي الإعراب لم يجز حذفها مثل: المحافظة على الصلاة عنوانُ الاستقامِة، فلا تحذف النون؛ لأن علامة الإعراب وهي الضمة وقعت بعدها لا قبلها. وقوله: (مطلقًا) أي أن حذف التنوين والنون التالية للإعراب مطلق عن التقييد فلا يستثنى منه شيء، بخلاف ما سيأتي في حذف (ال) من المضاف فإنه يستثنى منه بعض المسائل. 4- وجوب حذف (ال) من صدر المضاف نحو: الكتاب جديد. فتقول: كتابُ القواعدِ جديدٌ. بحذف (ال) من المضاف، وهذا عام في الإضافة المعنوية واللفظية، ويستثنى من الإضافة اللفظية أربع مسائل. يجوز فيها الجمع بين (ال) والإضافة، وهي: الأولى: أن يكون المضاف مثنى نحو: الحافظا دروسِهما مكافآن. الثانية: أن يكون المضاف جمع مذكر سالمًا نحو: المتقنو أعمالِهم رابحون. الثالثة: أن توجد (ال) في المضاف والمضاف إليه معاً نحو: المنصفُ الناسِ محبوبٌ. الرابعة: أن يكون المضاف إليه مضافاً لما فيه (ال) نحو: المحبُ فعلِ الخيرِ سعيدٌ.   (1) لا تكتب الألف بعد الواو إلا إذا كانت ضميرًا وهي واو الجماعة نحو: المصلون خرجوا ولم ينتظروا. أما واو الفعل نحو: يدعو. وواو الاسم كالمثال المذكور فلا تكتب بعدهما الألف. وسنذكر ذلك إن شاء الله في آخر الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 الخامسة: أن يكون المضاف إليه مضافًا إلى ضمير يعود على لفظ مشتمل على (ال) نحو: العلم أنتم المدركو قيمتِه. بجرِّ (قيمته) وفيه ضمير يعود على (العلم) وهو مشتمل على أل. و (العلم) مبتدأ أول و (أنتم) مبتدأ ثان (المدركو) خبر المبتدأ الثاني مرفوع بالواو، وحذفت النون للإضافة، وهو مضاف و (قيمة) مضاف إليه. وهو مضاف والهاء مضاف إليه. والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول. باب - في ذكر الأسماء العاملة عمل أفعالها 1- اسم الفعل قوله: (يَعْمَلُ عَمَلَ فِعْلِهِ سَبْعَة ٌ: اسْمُ الفِعْلِ كَـ (هَيْهَاتَ، وَصَه، وَوَيْ - بِمَعْنَى: بَعُدَ - وَاسْكُتْ، وَأَعْجَبُ) وَلاَ يُحْذَفُ وَلا يَتَأَخَّرُ عَنْ مَعْمُولِهِ، و {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} (1) مُتَأَوَّلٌ، وَلاَ يَبْرُزُ ضَمِيرُهُ، وَيُجْزَمُ المُضَارعُ في جَوَابِ الطَّلَبِيِّ مِنْهُ نحْوُ: (مَكَانَكِ تُحْمَدِي أَوْ تَسْتَرِيحِي) وَلا يُنْصَبُ) . هذا الباب معقود للأسماء التي تعمل عمل أفعالها وقد ذكر المصنف - رحمه الله - منها سبعة: الأول: اسم الفعل. وهو كلمة تدل على معنى الفعل وتعمل عمله، ولا تقبل علاماته، نحو: صَهْ إذا تكلم غيرك. فـ (صه) متضمنة معنى فعل الأمر (اسكت) ، وتعمل عمله. فالفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت، بَيْدَ أنها لا تقبل علامة فعل الأمر، مثل: ياء المخاطبة. ولذا لم تُسَمَّ فعل أمر، بل دعيت اسم فعل أمر. واسم الفعل من حيث زمنه ثلاثة أقسام: الأول: اسم فعل ماض نحو: هيهات الأمل إذا لم يسعده العمل. فـ (هيهات) اسم فعل ماض، بمعنى: بَعُدَ، مبني على الفتح لا محل له. (الأمل) فاعل. الثاني: اسم فعل أمر، نحو: عليك نفسَك فهذبها. فـ (عليك) اسم فعل بمعنى (الزم) مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره (أنت) ، (نفسك) مفعول به لاسم الفعل منصوب بالفتحة، والكاف مضاف إليه.   (1) سورة النساء، آية: 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 الثالث: اسم فعل مضارع، نحو: وَيْ لشبابٍ لا يعمل. فـ (وي) اسم فعل مضارع بمعنى (أعجبُ) مبني على السكون لا محل له، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره (أنا) . ووروده بمعنى الأمر كثير. وبمعنى الماضي والمضارع قليل. ولاسم الفعل أحكام كثيرة ذكر المصنف - رحمه الله - بعضها ونزيد عليها ما نرى أهميته: 1- أسماء الأفعال سماعية (1) يقتصر فيها على ما ورد عن العرب بلفظه دون تغيير. والقياسي منها: ما صيغ من فعل ثلاثي تام متصرف على وزن (فَعَال) نحو: حَذارِِ أن تُبتلى بالعجب، سماعِ النَصحَ بمعنى: احذر واسمع. 2- أسماء الأفعال كلها مبنية على ما سمعت عليه عن العرب. وليس لها محل من الإعراب، فلا تكون مبتدأ ولا خبراً ولا فاعلاً ولا مفعولاً ولا شيئاً آخر يقتضي أن تكون في محل رفع أو نصب أو جر. 3- أنها تعمل عمل الفعل فترفع الفاعل حتماً. وتساير فعلها في التعدي واللزوم وهذا تقدم بيانه في الأمثلة التي أعربناها. 4- أن اسم الفعل لا يتأخر عن معموله. فلا تقول: نفسَك عليك، بتقديم المفعول وتأخير اسم الفعل. وأجاز الكسائي ومن وافقه تأخير اسم الفعل عن معموله مستدلاً بما ذكر المصنف في قوله تعالى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} (2) فـ (كتاب الله) مفعول به مقدم لاسم الفعل (عليكم) منصوب بالفتحة.   (1) أصل السماع هو الاستماع والمراد به عند النحاة: تلقى اللغة العربية من أهلها مشافهة. ويقابله القياس. ويطلقون السماعي على كل ما خالف القياس والقواعد المطردة. ولو ورد مسموعًا عن العرب (معجم المصطلحات النحوية ص 106، 107) . (2) سورة النساء، آية: 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وخرجه غيره على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره: كتب الله ذلك عليكم كتابًا و (عليكم) جار ومجرور متعلق بالفعل المحذوف، وليس من باب اسم الفعل، وقد دل على المحذوف قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} (1) لأن التحريم يستلزم الكتابة، لأنه لما قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} عُلم أن ذلك مكتوب، فكأنه قال: كتب الله ذلك عليكم كتابًا. 5- ومن أحكام اسم الفعل أنه لا يحذف بل لابد من ذكره، وهذا بخلاف الفعل فإنه يعمل مذكورًا ومحذوفًا. 6- أن اسم الفعل لا يبرز معه ضمير إذا أسند لمثنى أو جمع فتقول: صه، بلفظ واحد للمفرد والمثنى والجمع. والمذكر المؤنث. 7- أنه إذا كان دالاً على الطلب جاز جزم المضارع في جوابه تقول: نزالِ نحدثْك. بجزم المضارع، كما تقول: انزل نحدثك، كما تقدم في جزم المضارع في جواب الطلب، ومنه قول الشاعر: (1) وقولي كلما جشأت وجاشت … مكانِك تحمدي أو تستريحي (2)   (1) سورة النساء، آية: 23. (2) جشأت: الضمير المستتر يعود على نفسه. أي نهضت وثارت من فزع أو خوف (وجاشت) علت من الفزع ومعناه قريب من الأول. ومعنى الشطر الثاني: اثبتي والزمي مكانك يحمدك الناس ويشكروا لك الثبات وقوله (أو تستريحي) أي تطمئن خوالجك وتسكن ثورتك. إعرابه: (وقولي) معطوف على فاعل (أبى) في قوله قبل هذا البيت: أبت لي عفتي وأبى بلائي … … وأخذي الحمد بالثمن الربيح وإقحامي على المكروه نفسي … … وضربي هامة البطل المُشِيح وقولي ... فهو مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة وياء المتكلم مضاف إليه. (كلما) ظرف متعلق بالمصدر قبله (جشأت) فعل ماض. والتاء للتأنيث (مكانك) اسم فعل أمر مبني على الفتح والكاف حرف خطاب لا محل له. والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت. (تحمدي) فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بحذف النون لوقوعه في جواب اسم فعل الأمر. والياء نائب فاعل. (أو تستريحي) مثله. إلا أن الفعل مبني للمعلوم والياء فاعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 فـ (مكانك) اسم فعل أمر بمعنى (اثبتي) وجاء المضارع في جوابه مجزوماً وهو قوله (تحمدي) وعلامة كونه مجزومًا حذف النون منه. لأنه مسند لياء المخاطبة وهي النفس. وأما النصب فلا ينصب المضارع بعد الفاء في جواب الطلب منه فلا تقول: نزال فنحدثَك. بنصب المضارع (نحدثَك) بل يجب رفعه، وقد مضى بيان ذلك في الكلام على نواصب المضارع أول الكتاب. 2- المصدر قوله: (وَالمَصْدَرُ كَضَرْبٍ وَإِكْرَامٍ إِنْ حَلَّ محَلَّهُ فِعْلٌ مَعَ (أَنْ) أَوْ (مَا) وَلَمْ يَكُنْ مُصَغَّرًا وَلا مُضْمَرًا وَلا مَحْدُودًا وَلاَ مَنْعُوتًا قَبْلَ العَمَلِ وَلا مَحْذُوفًا وَلا مَفْصُولاً مِنَ المَعْمُولِ وَلا مُؤَخَّرًا عَنْهُ) . النوع الثاني: من الأسماء العاملة عمل الفعل : المصدر، والمصدر هو: الاسم الدال على الحدث المجرد، المشتمل على حروف فعل أو أكثر منها، نحو: بَذْلُ المال في الخير نَفْعٌ لصاحبه. فـ (بَذْل) مصدر: بَذَلَ، يبذل بذلاً، وهو يدل على حدوث البذل من غير زمن. وقد اشتمل على جميع حروف الفعل (بَذَلَ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وفي نحو: إكرام الضيف من آداب الإسلام. اشتمل المصدر على حروف فعله وزيادة الألف قبل آخره. (1) وقول المصنف: (والمصدر) بالرفع عطف على (اسم الفعل) والتقدير: يعمل عمل فعله سبعة: اسم الفعل والمصدر ... فيعمل المصدر عمل فعله الذي اشتق منه. فيرفع الفاعل وينصب المفعول به بواسطة أو بغيرها، وفي تمثيل المصنف - رحمه الله - للمصدر بقوله: (كضرب وإكرام) إشارة إلى أن المصدر المزيد يعمل عمل المجرد. وقد ذكر المصنف لعمله ثمانية شروط، واحد منها وجودي، والسبعة الباقية عدمية وهي كما يلي: 1- أن يصح أن يَحِلَّ محله (أن) والفعل. أو (ما) والفعل، نحو: يسرني أداؤك الواجب. فـ (أداءُ) فاعل (يسرُّ) وهو مصدر عَمِلَ عَمَل فعله، وقد أضيف إلى فاعله وهو (الكاف) ، ونصب المفعول (الواجب) ، ويمكن أن يحل محله (أن والفعل) أو (ما والفعل) فتقول: يسرني أن تؤدي الواجب. إن أردت المضي أو الاستقبال. أو يسرني ما تؤدي الواجب، إن أردت الحال.   (1) والمصدر يختلف عن اسم المصدر وإن كان يتفقان في الدلالة على الحدث لكن المصدر لا تنقص حروفه عن حروف فعله. واسم المصدر تنقص حروفه عن حروف فعله لفظاً وتقديرًا دون تعويض مثل: عطاء، فإنه مساو للمصدر: إعطاء في الدلالة على المعنى. لكنه خالفه بخلوه من الهمزة الموجودة في فعله. وقولنا: لفظًا وتقديرًا شرط في اسم المصدر. لإخراج ما خلا من بعض ما في فعله لفظًا ولم يخل منها تقديرًا فهو مصدر نحو: قتال مصدر قاتل، وقد خلا من الألف التي قبل التاء في الفعل. لكن خلا منها لفظًا ولم يخل منها تقديرًا. ولذلك نطق بها في بعض المواضع نحو: قاتل قيتالاً. لكن انقلبت الألف ياء لكسر ما قبلها. وأما حذفها فهو للتخفيف وكثرة الاستعمال. وقولنا: دون تعويض. احتراز مما فيه تعويض نحو: عدة. فإنه مصدر. وعد. وقد خلا من الواو التي في فعله لفظًا وتقديرًا لكن عوض عنها التاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 2- ألا يكون مصغرًا فلا يجوز: أُكَيلُكَ الطعام بسرعة مضر. تريد: أكلك الطعام. 3- ألا يكون ضميرًا. فلا يجوز: إكرامي الصديق مطلوب وهو جارًا أشد، تريد: وإكرامي جارًا أشد. 4- ألا يكون محدودًا. أي: مختومًا بالتاء الدالة على المرة الواحدة. فلا يصح ساءني ضربتك عليًا. لأن (ضربة) مصدر محدود. مختوم بتاء زائدة دالة على المرة الواحدة. فإن كانت التاء من صيغة الكلمة وليست للوحدة جاز أن يعمل المصدر نحو: إغاثتك الملهوف دليل مروءتك. 5- ألا يكون المصدر متبعاً بتابع كالنعت وغيره، قبل تمام عمله. فلا يجوز: أعجبني إكرامُك الطيِّبُ زيدًا. لأن (الطيب) صفة للمصدر (إكرام) وهو لم يستكمل عمله بنصب مفعوله (زيدًا) . 6- ألا يكون محذوفاً، لأنه إذا حذف لم توجد حروف الفعل الذي هو محمول عليه. 7- ألا يكون مفصولاً عن معموله بفاصل ليس معمولاً لهذا المصدر نحو: إني أقوى على إلقاءٍ في الحفل كلمةً نافعة، والأصل: إني أقوى على إلقاءٍ كلمةً نافعةً في الحفل. 8- ألا يتأخر عن معموله، فلا يجوز: ساءني زيدًا ضربُك. إلا إن كان المعمول ظرفًا أو جارًا أو مجرورًا فيجوز تأخره عنه، لوروده في القرآن، ولأنه يتوسع فيهما. قال تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} (1) (2) وقال تعالى: {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} (3) (4) . والأصل: بلغ السعي معه. حِوَلاً عنها. ولا داعي للتكلف في التأويل من غير داع، ولا سيما في القرآن.   (1) سورة الصافات، آية: 102. (2) السعي: مصدر للفعل الثلاثي: سعى. (3) سورة الكهف، آية: 108. (4) حولاً: مصدر للثلاثي (حال) ، أو اسم مصدر للفعل (تحوَّل) بمعنى التحول، صحت الواو ولم تقلب ياء، لأن الواو متحركة وليس بعدها ألف [انظر "معجم مفردات الإبدال والإعلال في القرآن الكريم " ص89 للدكتور أحمد الخراط] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 قوله: (وَإِعْمَالُهُ مُضَافًا أكْثَرُ نَحْوُ: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} (1) وقَوْل الشَّاعر: (أَلاَّ إنَّ ظُلْمَ نَفْسِهِ المَرْءُ بَيِّنٌ) . وَمُنَوَّنًا أَقْيَسُ نَحْوُ: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا} (2) وبـ (اَلْ) شَاذٌ نَحْوُ: (عجبت من الرزق المسيءَ إلهُهُ)) . ينقسم المصدر العامل إلى ثلاثة أقسام: الأول: المضاف. وإعماله أكثر من إعمال القسمين الآخرين. وهو ضربان: (أ) مضاف لفاعله. نحو: يسرني شكرُكَ المنعمَ. فـ (شكر) مصدر. وهو فاعل (يسرُّ) ، وهو مضاف والكاف مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله. (المنعمَ) مفعول به للمصدر، ومنه قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} (3) فـ (دفعُ) مبتدأ حذف خبره وجوبًا. وهو مضاف إلى فاعله. و (الناسَ) مفعول به للمصدر. (ب) مضاف لمفعوله نحو: من سوء التربية عصيانُ الآباءِ بنوهم. فـ (عصيان) مصدر، وهو مبتدأ مؤخر. وهو مضاف إلى مفعوله (الآباء) و (بنوهم) فاعل المصدر، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: " بني الإسلام على خمس.. وحجِّ البيتِ من استطاع إليه سبيلاً " فـ (حج) مصدر مضاف لمفعوله (البيت) و (من استطاع) فاعل المصدر. وقول الشاعر: ألا إنَّ ظلمَ نفسِه المرءُ بيّنٌ … … إذا لم يَصُنْها عن هوىً يغلب العقلا (4) فأضاف المصدر (ظلم) إلى مفعوله وهو (نفسه) ثم أتى بالفاعل بعد ذلك، وهو قوله: (المرءُ) والأصل: ألا إن ظلمَ المرءِ نفسَه بين ...   (1) سورة البقرة، آية: 251. (2) سورة البلد، آية: 14. ومعنى (مسغبة) : مجاعة. (3) سورة البقرة، آية: 251. (4) هذا البيت غير موجود في متن القطر الذي عليه شرح الفاكهي. ومعناه واضح. وقوله: (ألا) أداة استفتاح وتنبيه. والألف في قوله (العقلا) للإطلاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 الثاني: المنون. وإعماله أقرب إلى القياس من إعمال المضاف، لأنه يشبه الفعل في التنكير، وهو يلي المضاف في الكثرة نحو: واجب علينا تشجيعٌ كلَّ مجتهد، تقديره: واجب علينا أن نشجع كل مجتهد. ومنه قوله تعالى {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا} (1) فـ (إطعام) مصدر، معطوف على ما قبله وهو (فك رقبة) وهو منون نَصَبَ المفعول به وهو قوله (يتيماً) . والتقدير: أو أن يطعم يتيمًا. الثالث: المعرف بـ (ال) . وإعماله شاذ، لبعده عن مشابهة الفعل باقترانه بـ (ال) ، وهو أقل من سابقيه استعمالاً وبلاغة، نحو: المجدُّ سريع الإنجاز أعمالَه. بنصب (أعماله) على أنه مفعول به للمصدر وهو (الإنجاز) . ومنه قوله الشاعر: عجبت من الرزق المسيءَ إلهُهُ … … ومن ترك بعض الصالحين فقيرًا (2) (2) بنصب (المسيء) على أنه مفعول به للمصدر (3) وهو (الرزق) و (إلهه) بالرفع فاعل له. 3- اسم الفاعل   (1) سورة البلد، آية: 14. (2) هذا البيت ثابت في متن القطر الذي عليه شرح الفاكهي. وموجود في شرح ابن هشام على القطر. والمثبت في متن القطر شطر بيت آخر فانظره. (3) هذا ما ذكر الفاكهي في شرحه على القطر (2/195) وذكر محمد عبد الحميد في إعرابه لشواهد شرح القطر لابن هشام أنه بالجر مضاف إليه. ومعنى هذا البيت أن الشاعر يتعجب من أن الله تعالى يرزق بعض المسيئين ويترك بعض الصالحين فقيرً معدمًا. وقوله: (ومن ترك بعض الصالحين) فيه إضافة المصدر إلى مفعوله. و (فقيراً) أعربوه حالاً، وعندي أنه مفعول ثان للمصدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 قوله: (وَاسْمُ الفَاعِلِ كَـ (ضَاربٍ وَمُكْرِمٍ) ، فَإِنْ كَانَ بـ (اَلْ) عَمِلَ مُطْلَقًا، أَوْ مُجَرَّدًا فَبِشَرْطَيْنِ كَوْنُهُ حَالاً أَوِ اسْتِقْبَالاً وَاعْتِمَادُهُ عَلَى نَفْيٍ أَوِ اسْتِفْهَامٍ، أَوْ مُخْبَر ٍعَنْهُ، أَوْ مَوْصُوفٍ و {بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} (1) عَلَى حِكَايَةِ الحَالِ، خِلافًا لِلْكِسَائي. وَخَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأخِيرِ، وَتَقْدِيرُهُ خَبِيرٌ كَظَهِيرٍ خِلافًا لِلأخْفَشِ) . النوع الثالث من الأسماء العاملة عمل الفعل (اسم الفاعل) وقوله المصنف: (واسم الفاعل) معطوف على ما قبله كما تقدم في المصدر. واسم الفاعل: اسم مشتق للدلالة على معنى مجرد حادث وعلى فاعله. وقولنا: (معنى مجرد) المراد: هو الحدث، كالقيام، والقعود، في قولك: قائم، قاعد. ومعنى: (حادث) أي: عارض يتغير ويزول. وهذا هو الغالب في اسم الفاعل نحو: ندم الظالم فهو نادم. ويصاغ من الفعل الثلاثي على وزن (فاعل) كـ: ضارب، ومن غير الثلاثي على وزن مضارعه بعد إبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة وكسر ما قبل الآخر كـ: مُكْرِم، وهو يعمل عمل فعله فإن كان لازمًا رفع الفاعل، وإن كان متعديًا رفع الفاعل ونصب المفعول، ويأتي توضيح ذلك إن شاء الله. واسم الفاعل لا يخلو من حالين: الأولى: أن يكون مقترنًا بـ (ال) . الثانية: أن يكون مجردًا منها. فإن كان مقترناً بأل عمل بلا شرط، نحو: الكاتمُ سرَّ إخوانه محبوبٌ، فـ (الكاتمُ) مبتدأ. وفيه فاعل مستتر. (سرَّ) مفعول به لاسم الفاعل (محبوب) خبر المبتدأ.   (1) سورة الكهف، آية: 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وإن كان مجردًا عمل عمل فعله بشرطين (1) : الأول: أن يكون للحال أو الاستقبال. الثاني: أن يعتمد على نفي، أو استفهام، أو على مبتدأ، وهو المراد بقوله: (أو مخبرٍ عنه) . أو يعتمد على موصوف، وذلك بأن يقع اسم الفاعل خبرًا عن المبتدأ أو صفة. مثال اعتماده على نفي: ما حامدٌ السوقَ إلا من ربح. فـ (ما) نافية و (حامد) مبتدأ، وهو اسم فاعل. عمل عمل فعله. فرفع الفاعل الذي سد مسد الخبر وهو (من) الموصولة. ونصب المفعول المقدَّم وهو كلمة (السوق) . ومثال الاستفهام: أبالغٌ أنت قصدَك؟ فـ (بالغٌ) مبتدأ (أنت) فاعل سد مسد الخبر، (قصدَك) مفعول به لاسم الفاعل. والكاف مضاف إليه. ومثال اعتماده على مبتدأ: أنت حافظٌ غَيْبَةَ جارك. ومثال اعتماده على موصوف. صحبت رجلاً عارفًا حقوق الصداقة. فإن كان مفيدًا للمضي لم يعمل، فلا يصح أن تقول: محمد كاتبٌ واجبَه أمس، بنصب (واجبه) بل يجب فيه الإضافة فتقول: محمد كاتبُ واجبِهِ أمس، وخالف في ذلك الكسائي فأجاز عمله - وإن كان ماضيًا - محتجًا بقوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} (2) فـ (باسط) بمعنى الماضي. وخرجه غيره على أنه حكاية حال ماضية. ومعنى ذلك: أن يفرض المتكلم حين كلامه أن القصة واقعة الآن فهو يصفها. وعليه لا يكون (باسطٌ) ماضياً، وإنما هو حاضر. والسر في ذلك إحضاره في الذهن حتى كأنه مشاهد.   (1) عمل فعله تقدم ذكره. لكن ينبغي أن يعلم أن وجود هذين الشرطين لا يوجب عمله بل تجوز إضافته إلى مفعوله كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِه} فقد قرأ حفص بالإضافة. وقرأ الباقون بالتنوين ونصب (أمره) على المفعولية قال مكي: (وهما لغتان في إثبات التنوين في اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال وحذفه وقد مضى له نظائر) انظر الكشف عن وجوه القراءات السبع (2/239، 324) . (2) سورة الكهف، آية: 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وإن لم يعتمد اسم الفاعل لم يعمل. وخالف في ذلك الأخفش فأجاز عمله، واحتج بقول الشاعر: خبيرٌ بنو لِهْبٍ فلا تكُ ملغيًا … … مقالة لِهْبيٍّ إذا الطير مَرَّتِ (1) فإن قوله: (خبير) مبتدأ، وقوله (بنو لهب) فاعل سد مسد الخبر، ولم يعتمد اسم الفاعل على شيء مما ذكر.   (1) المعنى: أن بني لهب عالمون بزجر الطير وعيافتها - أي التكهن بأسمائها وحركاتها وأصواتها تفاؤلاً وتشاؤمًا - فإذا أخبرك لهبي بشيء من ذلك فصدقه ولا تلغ كلامه. ومعلوم أن التطيرّ من أعمال الجاهلية وهو نوع من الشرك يتنافى مع التوحيد أو ينقص كماله. إعرابه: فلا تك: مضارع مجزوم وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة للتخفيف واسمها ضمير مستتر وجوبًا تقديره (أنت) (ملغيًا) خبرها. (مقالة) مفعول به لاسم الفاعل (ملغيًا) (الطير) فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور، أو مبتدأ خبره ما بعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 والجمهور على اشتراط الاعتماد - كما تقدم - ولا حجة للأخفش في هذا البيت، لجواز حمله على التقديم والتأخير، بجعل الوصف وهو قوله (خبير) خبرًا مقدمًا. وقوله: (بنو لهب) مبتدأ مؤخر. والأصل: بنو لهب خبير، ولما كان هذا الحمل يلزم عليه الإخبار بالمفرد عن الجمع، قال المصنف - رحمه الله: (وتقديره (1) خبير كظهير) والمعنى: أن صيغة (فعيل) على وزن المصدر كالصهيل والنعيق. والمصدر يخبر به عن المفرد والمثنى والجمع بلفظ واحد فكذا ما هو على وزنه، وقد ورد ذلك صريحًا في قوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} (2) فـ (الملائكة) مبتدأ و (ظهير) خبر المبتدأ (3) . فأُخبر عن الجمع بالمفرد؛ لما تقدم، والله أعلم. 4- أمثلة المبالغة قوله: (وَالمِثَالُ وَهُوَ مَا حُوِّلَ لِلمُبَالَغَةِ مِنْ فَاعِلٍ إِلى فَعَّالٍ، أَوْ فَعُولٍ أَوْ مِفْعَالٍ بِكثْرَةٍ، أَوْ فَعِيلٍ، أَوْ فَعِلٍ بِقِلَّةٍ نَحْوُ: أَمَّا العَسَلَ فَأَنَا شَرَّابٌ) . النوع الأول: من الأسماء العاملة عمل الفعل (أمثلة المبالغة) وقول المصنف (والمثال) معطوف على ما قبله كما تقدم. والمراد به: كل اسم حُوِّلَ للمبالغة والتكثير (4) في الفعل من صيغة (فاعل) إلى إحدى الصيغ المذكورة. وهي خمس:   (1) هكذا في القطر وشرحه. وفي الفاكهي (2/199) بحذف الهاء، وعندي أنه أصح. (2) سورة التحريم، آية: 4. (3) كلام المصنف هنا مبني على أن الاعتماد على شيء شرط لعمل اسم الفاعل مطلقاً - في المرفوع والمنصوب - ولهذا عمل على تخريج البيت مع أن الوصف فيه لم يعمل في منصوب، والجمهور على أن ذلك شرط لعمله في المرفوع - إذا كان اسمًا ظاهرًا - وفي المنصوب، دون الضمير - المستتر والبارز - وقد حقق المصنف ذلك في المغني على ما ذكره الشيخ يس في حاشيته على شرح الفاكهي. (2/199) . (4) هما متغايران فالمبالغة باعتبار الكيفية، والتكثير باعتبار الكمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 1- فَعَّال: بتشديد العين. نحو: القائد الناجح ليس بهياب عند الفزع. ومنه ما حكاه سيبويه: أما العسلَ فأنا شراب. فـ (شراب) صيغة مبالغة، وقد عملت عمل الفعل. ففيها ضمير مستتر هو الفاعل. والمفعول (العسلَ) فهو منصوب. 2- فَعُول: بفتح الفاء، نحو: المؤمن شكورٌ ربَّه على نعمه، فـ (ربَّه) منصوب على التعظيم، والهاء مضاف إليه. 3- مِفْعال: بكسر الميم، نحو: الشجاعُ مِطْعانٌ عَدُوَّهُ. والتحويل إلى هذه الثلاث بكثرة. 4- فَعِيل: بكسر العين وبعدها ياء. نحو: المؤمن رحيمٌ بالضعفاء. 5- فَعِل: بكسر العين من غير ياء. نحو: لا تكن جزعًا عند الشدائد والتحويل إلى هذين بقلة. (1) فهذه الصيغ الخمس تعمل عمل اسم الفاعل - الذي يعمل عمل فعله - لإفادتها ما يفيده مكررًا، ولورود السماع عن العرب بإعمالها كما تقدم فيما حكاه سيبويه. ومنه قوله الشاعر: حَذِرٌ أمورًا لا تضير وآمنٌ … … ما ليس منجيَه من الأقدار (2) فأعمل الشاعر صيغة المبالغة (حَذِرٌ) عمل الفعل، فنصب بها المفعول وهو قوله: (أمورًا) .   (1) وردت صيغة (فعيل) في آيات كثيرة. ذكر منها الأستاذ: محمد عضيمة - رحمه الله - ما يزيد على ثلاثين آية. فانظرها في: دراسات لأسلوب القرآن الكريم (2/4/40) وانظر: حاشية الصبان (2/297) . (2) إعرابه: (حذر) خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هو. وفي (حذر) ضمير مستتر هو الفاعل (أموراً) مفعول به (لا تضير) لا: نافية. وتضير: فعل مضارع. والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره: هي. والجملة في محل نصب صفة لأمور (وآمن) معطوف على (حذر) وفيه ضمير مستتر هو الفاعل (ما) اسم موصول مفعول به لآمن. (ليس) فعل ماض ناقص. واسمه ضمير مستتر يعود على (ما) (منجيه) منجي: خبر (ليس) منصوب بالفتحة. وهو مضاف والهاء، مضاف إليه. من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله. (من الأقدار) متعلق بما قبله. وجملة (ليس) واسمها وخبرها لا محل لها صلة الموصول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وصيغ المبالغة تؤخذ من مصدر الفعل الثلاثي كما في الأمثلة المتقدمة، وأخذها من مصدر غير الثلاثي قليل مثل: معطاء، من الفعل (أعطى) ، ومثل: بشير ونذير، من الفعلين: (بَشَّرَ) و (أنذر) . (1) وسميت هذه الصيغ بأمثلة المبالغة لأنها مثال لكل ما جاء على وزنها، مثل: ضَرَّاب، وشَرَّاب، ونَفَّاع. ونحوها مما هو على وزن (فَعَّال) وكذا الباقي. 5- اسم المفعول قوله: (وَاسْمُ المَفْعُولِ كَمَضْرُوبٍ ومُكْرَمٍ، ويَعْمَلُ عَمَلَ فِعْلِهِ وهُوَ (2) كاسْمِ الفَاعِلِ) . النوع الخامس: مما يعمل عمل الفعل (اسم المفعول) وهو معطوف على ما تقدم. واسم المفعول: اسم مشتق للدلالة على معين مجرد وعلى من وقع عليه ذلك المعنى. نحو: مُنِحَ الفائزُ جائزةً فهو ممنوح. فاسم المفعول (ممنوح) يدل على معنى مجرد، وهو (منح الجائزة) غير مقيد بزمان، ويدل على الذات التي وقع عليها منح الجائزة. وهو يصاغ من الفعل الثلاثي على وزن (مفعول) كـ: مضروب ومن غير الثلاثي على وزن مضارعه بعد إبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة وفتح ما قبل الآخر كـ: مُكْرَم. واسم المفعول يعمل عمل فعله المبني للمجهول، فإن كان محلى بأل عمل مطلقاً بدون شرط نحو: المذمومُ خلقُه مبغض، قال تعالى في مصارف الزكاة {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} (3) فـ (قلوبهم) نائب فاعل لاسم المفعول. والميم علامة الجمع. والهاء مضاف إليه. وإن كان مجردًا عمل إذا تحققت له الشروط التي اشترطت لعمل اسم الفاعل.   (1) انظر: البحر المحيط (1/538) . (2) في متن القطر بشرح الفاكهي (وهما كاسم الفاعل) قال الشارح: (وهما) أي المثال واسم المفعول (كاسم الفاعل) في جميع ما اشترط لصحة عمله .... (3) سورة التوبة، آية: 60. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 فيرفع نائب الفاعل إن كان فعله متعدياً لواحد فتقول: الخبر منقول. فـ (الخبر) مبتدأ و (منقول) خبر. وهو اسم مفعول، وفيه نائب فاعل ضمير مستتر تقديره (هو) كما تقول: نقل الخبر. وإن كان فعله متعديًا لاثنين فأكثر. رَفَعَ واحداً بالنيابة ونَصَبَ غيره نحو: المجد ممنوح جائزةً. فـ (المجد) مبتدأ (ممنوح) خبر. وهو اسم مفعول، وفيه نائب فاعل ضمير مستتر تقديره. (هو) وهو المفعول الأول في الأصل. (جائزة) مفعول ثان. والأصل: منحت المجدَّ جائزة، ثم بُني للمجهول فقيل: مُنِحَ المجدُّ جائزة. ومن إعماله في المتعدي قوله تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} (1) فـ (جنات) بدل أو عطف بيان مما قبله وهو قوله تعالى: {لَحُسْنَ مَآَبٍ} (2) ، و (مفتحةً) حال من (جناتِ عدنٍ) و (الأبواب) نائب فاعل. 6- الصفة المشبهة باسم الفاعل قوله: (وَالصِّفَةُ المُشَبَّهَةُ بِاسْمِ الفَاعِلِ المُتَعَدِّي لِوَاحِدٍ، وَهِيَ الصِّفَةُ المَصُوغَةُ لِغَيْرِ تَفْضِيلٍ لإفَادَةِ الثُّبُوتِ كَحَسَنٍ وظَرِيفٍ وَطَاهِرٍ وَضَامِرٍ ... ) . النوع السادس مما يعمل عمل الفعل الصفة المشبهة وهي: الصفة المصوغة من فعل لازم لغير تفضيل، للدلالة على معنى قائم في الموصوف على وجه الثبوت. نحو: (الصبي فَطِنٌ) فـ (فَطِنٌ) صفة مشبهة. مأخوذة من مصدر الفعل الثلاثي اللازم (فَطِنَ) وهي لغير تفضيل قطعاً، لأن الصفات الدالة على التفضيل هي الدالة على أن اثنين اشتركا في صفة وزاد أحدهما على الآخر فيها، كـ: أعلم وأكبر، وهذه ليست كذلك، وإنما صيغت لدلالة على معنى - وهو (الفَطَانة) - قائمٍ في الموصوف، وهو (الصبي) ، على وجه الثبوت والدوام في سائر الأوقات، لا التجدد والحدوث في وقت دون آخر.   (1) سورة ص، آية: 50. (2) سورة ص، آية: 49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وهذا بخلاف اسم الفاعل نحو: خالد قائم. فهو وصف دال على صفة عارضة، لأن هذا القائم قد يجلس، فهذا الوصف لا يفيد الثبوت، وإنما يفيد التجدد والحدوث. وهذا شأن اسم الفاعل. (1) والصفة المشبهة لا تصاغ قياساً إلا من مصدر الفعل الماضي الثلاثي اللازم، وهي نوعان: 1- ما وازن المضارع في الحركات والسكنات كـ: طاهر القلب، وضامر البطن، فهما يوازنان: يَظْهُر، ويَضْمُر. وهذا قليل. 2- ما لم يوازن المضارع في الحركات والسكنات. كـ (حَسَنٍ) وظريفٍ. فهما غير موازنين للمضارع: يَحْسُن، ويَظْرُف. وهذا هو الكثير فيها. فإن كانت من غير الثلاثي وجبت موازنتها للمضارع نحو: منطلق اللسان، لأنها من غير الثلاثي اسم فاعل أو اسم مفعول أريد بهما الثبوت والدوام. وإلا فهي لا تصاغ إلا من الثلاثي كما عرفنا. ويراد بالموازنة: تساوي عدد الحروف المتحركة والساكنة في كل منهما، وأن يكون ترتيب المتحرك والساكن فيهما متماثلاً، ولا يلزم اتفاق نوع الحركة، فلو كان الأول مفتوحاً في أحدهما والثاني مضمومًا حصلت الموازنة والمجاراة. وسميت بـ (الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي لواحد) لوجود التشابه بينهما في أمور أهمها: 1- الدلالة على المعنى وصاحبه. كما تقدم في المثال، ولهذا لم تشبه اسم المفعول، لأنه لا يدل على الحدث وصاحبه.   (1) الصفة المشبهة تدل على الثبوت والدوام. واسم الفاعل يدل على التجدد والحدوث - كما بينا - ومثله اسم المفعول. وما جاء من الأوصاف على وزن اسم الفاعل أو اسم المفعول ودل على الثبوت فهو صفة مشبهة. تقول في اسم الفاعل: هذا الرجل طاهر القلب. راجح العقل. ولابد من إضافته إلى مرفوعه كما مثل. وتقول في اسم المفعول: الوالد مسموع الكلمة. ويجوز في الاسم بعده الرفع على الفاعلية لأن الصفة المشبهة لا ترفع نائب الفاعل. أو الجر أو النصب كما سيأتي في إعراب معمول الصفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 2- أنها عملت النصب - كما سيأتي - وكان الأصل أنها لا تنصب، لكونها مأخوذة من فعل لازم. 3- أنها تثنى وتجمع وتذكر وتؤنث مثل: (جميل جميلة) (جميلان، جميلتان) (جميلون، جميلات) . وقول المصنف: (المتعدى لواحد) إشارة إلى أنها لا تنصب إلا اسمًا واحدًا. ومع أنها توافق اسم الفاعل في هذه الأمور فهي تخالفه في أمور أخرى أهمها: 1- أنها لا تؤخذ إلا من الفعل اللازم. واسم الفاعل يصاغ من اللازم والمتعدي. 2- أنها تارة لا تجري على حركات المضارع وسكناته. وتارة تجري - كما تقدم -، واسم الفاعل لا يكون إلا مجاريًا للمضارع كضارب، فإنه مجار لـ (يَضْرِب) و (مُكْرِم) فإنه موافق لـ (يُكْرِم) . 3- أنها للزمن الحاضر الدائم، لأنها تفيد الثبوت والدوام. فلا تكون للماضي وحده. أو المستقبل وحده. أو الحاضر وحده. واسم الفاعل يكون لأحد الأزمنة الثلاثة. وسأذكر أمرين آخرين - إن شاء الله - في الكلام على معمول الصفة. قوله: (وَلا يَتَقَدَّمُهَا مَعْمُولُهَا، وَلا يَكُونُ أَجْنَبِيًّا وَيُرْفَعُ عَلَى الفَاعِلِيَّةِ، أَو الإِبْدَالِ ويُنْصَبُ عَلَى التَّمْيِيْزِ أَوِ التَّشْبِيهِ بِالمَفْعُولِ بِهِ وَالثَّانِي يَتَعَيَّنُ في المَعْرِفَةِ، ويُخْفَضُ بالإِضَافَةِ) . هذا بحث في معمول الصفة المشبهة. فله حكمان: الأول: أن لا يتقدم معمولها المنصوب عليها، فنحو: أخوك حسنُ رأيَه، بالنصب، لا تقول: أخوك رأيَه حَسنَ. بخلاف اسم الفاعل فيجوز تقديم منصوبة عليه نحو: كاتبٌ الدرسَ، فتقول زيد الدرسَ كاتبٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الثاني: أنه لا يكون أجنبيًا بل سببيًا، والمراد بالسببي: الاسم الظاهر المتصل بضمير يعود على صاحبها، كما في المثال السابق (1) بخلاف اسم الفاعل فإن معموله يكون أجنبيًا كما في المثال المتقدم ويكون سببيًا نحو: مررت برجل قائدٍ بعيرَه. وأما إعراب معمول الصفة، فإن الصفة المشبهة تعمل فيما بعدها، ويأتي معمولها على ثلاث حالات: الأولى: أن يكون مرفوعًا على الفاعلية. وهذا باتفاق. وحينئذ فالصفة خالية من ضمير موصوفها؛ لأنه لا يكون للشيء فاعلان. أو على الإبدال من ضمير مستتر في الصفة عند أبي عليِّ الفارسي. مثال ذلك: الخطيبُ طلقٌ لسانُه. فـ (الخطيب) مبتدأ (طلق) خبر (لسانه) لسان: فاعل للصفة المشبهة على قول الجمهور. أو الفاعل ضمير مستتر. و (لسان) بدل من هذا الضمير. و (الهاء) مضاف إليه. الثانية: أن يكون منصوبًا على شبه المفعولية إن كان معرفة (2) ، وعليه أو على التمييز إن كان نكرة، وإنما لم يكن مفعولاً به؛ لأنه تقدم أن الصفة لا تؤخذ إلا من مصدر الفعل اللازم. والفعل اللازم لا ينصب مفعولاً به. فكذا ما أخذ من مصدره، مثال المعرفة: أخوك حسن رأيَه، فـ (رأيه) منصوب على التشبيه بالمفعول به، ومثال النكرة: العدو شديد بأسًا، فـ (بأسًا) تمييز، وهو الأرجح، أو منصوب على التشبيه بالمفعول به. الثالثة: أن يكون مجرورًا بالإضافة، نحو: جارنا كريمُ الطبعِ. اسم التفضيل   (1) قد يكون الضمير ملفوظًا به كما في المثال. وقد يكون مقدرًا نحو: هذا الرجل سهل الخليقة، أي: منه. وقال الكوفيون: لا حذف في الكلام و (أل) الداخلة على السببي تغني عن الضمير وهو رأي جيد لخلوه من التقدير. والقاعدة أن كل ما لا يحتاج إلى تقدير فهو أولى مما يحتاج إلى تقدير. (2) ولا يجوز نصبه على التمييز لأن التمييز لا يكون إلا نكرة. كما تقدم في بابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 قوله: (واسْمُ التَّفْضِيلِ، وَهُوَ الصِّفَةُ الدَّالَّةُ عَلَى المُشَارَكَةِ وَالزِّيَادَةِ كَأَكْرَمَ، وَيُسْتَعْمَلُ بـ (مِنْ) وَمُضَافًا لِنَكِرَةٍ فَيُفْرَدُ وَيُذَكَّرُ وَبـ (اَلْ) فَيُطَابِقُ، وَمُضَافًا لمَعْرِفَةٍ فَوَجْهَانِ) . هذا النوع السابع مما يعمل عمل الفعل وهو اسم التفضيل وتعريفه: هو الصفة الدالة على المشاركة والزيادة. ومعنى المشاركة: أي اشتراك شيئين في صفة من الصفات، كالكرم، والشجاعة، والعلم ونحوها. ومعنى الزيادة: أي زيادة أحدهما على الآخر في هذه الصفة نحو: العلم أنفع من المال. والذي زاد يسمى (المفضَّل) والآخر يسمى: (المفضَّل عليه) أو (المفضول) . ويدل اسم التفضيل في أغلب صوره على الاستمرار والدوام. ويصاغ اسم التفضيل على وزن (أفعل) (1) من مصدر الفعل الذي يراد التفضيل في معناه، بشرط أن يكون هذا الفعل من الأفعال التي يجوز التعجب منها، وهي الأفعال الجامعةُ الشروطَ المذكورةَ في باب التعجب. وستأتي إن شاء الله. واسم التفضيل له ثلاث حالات: الأولى: وجوب إفراده وتذكيره، فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث. وذلك في صورتين:   (1) قد ورد حذف الهمزة في هذا الباب من كلمتي (خير وشر) نحو: الصلاة خير من النوم. ونحو: البطالة شر من المرض. وعللوا لذلك بكثرة الاستعمال. وقد ورد إثباتها في الحديث الصحيح " إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها" أخرجه مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 إحداهما: أن يؤتى بعده بالمفضَّل عليه مجروراً بـ (من) نحو: زيد أشجع من عمرو، والزيدان أشجع من عمرو، والزيدون أشجع من عمرو، وهند أشجع من عمرو، والهندان أشجع من عمرو، والهندات أشجع من عمرو، ومنه قوله تعالى: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} (1) فجاء اسم التفضيل (أحبُّ) مفرداً مع الاثنين. وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ} (2) فجاء اسم التفضيل (أحبَّ) مفرداً مع الجماعة. الصورة الثانية: أن يكون مضافاً إلى نكرة، فتقول: عليٌّ أفضل رجل، والعليان أفضل رجلين، والعليون أفضل رجال، وهند أفضل امرأة، والهندان أفضل امرأتين، والهندات أفضل نسوة. الحالة الثانية: وجوب مطابقته لموصوفه إفرادًا وتذكيراً وفرعيهما، وذلك إذا كان مقترناً بـ (ال) تقول: الولد الأكبر ذكي، والدار الكبرى جميلة ... وهكذا البقية، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} (3) وقال تعالى: {فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا} (4) .   (1) سورة يوسف، آية: 8. (2) سورة التوبة، آية: 24. (3) سورة النحل، آية: 60. (4) سورة طه، آية: 75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 الحالة الثالثة: جواز المطابقة وعدمها. وذلك إذا كان مضافًا لمعرفة تقول: الزيدان أفضل القوم. بعدم المطابقة، وإن شئت قلت: أفضلا القوم، بالمطابقة. ومن عدم المطابقة قول الله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ} (1) فـ (هم) مفعول أول لـ (تجد) و (أحرصَ) مفعولٌ ثانٍ. وقد جاء مفرداً. ولو طابق لقال: أحرصي، ومن المطابقة قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} (2) فـ (أكابر) مضاف إلى (مجرميها) وهو مفعول أول لـ (جعل) التي بمعنى (صيَّر) والمفعول الثاني هو الجار والمجرور (في كل قرية) على أحد الأعاريب، وقد جاء اسم التفضيل المضاف مطابقًا لموصوفه المقدر، أي: قومًا أكابر، ولو لم يطابق لقيل: أكبر مجرميها. قوله: (وَلا يَنْصِبُ المَفْعُولَ مُطْلَقًا، وَلا يَرْفَعُ في الغَالِبِ ظَاهِرًا إِلا في مَسْأَلَةِ الكُحْلِ) . ذكر المصنف - رحمه الله - عمل اسم التفضيل، وهو يحتاج إلى شيء من التفصيل، فأقول: اسم التفصيل أحد المشتقات العاملة عمل الفعل، فيصح أن يتعلق به الظرف، والجار والمجرور، نحو: هذا الخطيب أفصح في القول لساناً. فالجار والمجرور (في القول) متعلق بـ (أفصح) . وأما عمله: فقد ذكر المصنف أنه لا ينصب المفعول به (مطلقًا) أي: سواء كان اسمًا ظاهرًا أم ضميرًا، بل يصل إلى مفعوله باللام نحو: خالد أبذل للمعروف وأسرع للنجدة. أو بالباء نحو: عليٌّ أعرف بالنحو من خالد، أما الحال والتمييز فإن اسم التفضيل ينصبهما، فمثال الحال: خالد مفرداً أنفعُ من عمرو معانًا. فالعامل في الحالين: (مفرداً، معاناً) هو اسم التفضيل (أنفع) . ومثال التمييز: المتقدمون أكثر صلاحاً من المتأخرين، فـ (صلاحاً) تمييز منصوب باسم التفضيل.   (1) سورة البقرة، آية: 96. (2) سورة الأنعام، آية: 123. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وأما عمله الرفع فإنه يرفع الضمير المستتر باتفاق، نحو: العفة أكرم من الابتذال، فاسم التفضيل (أكرم) رافع ضميراً مستتراً هو فاعله. ولا يرفع الظاهر قياساً إلا إذا صح أن يقع في موضعه فعل بمعناه، وهذا مطرد في كل موضع يقع فيه اسم التفضيل بعد نفي أو شبهه كالنهي، ويكون مرفوعه أجنبياً مفضلاً على نفسه باعتبارين. مثال تقدم النفي: ما رأيت رجلاً أحسنَ في عينه الكحلُ منه في عين زيد. وهذا المثال يتردد في كتب النحو، وبه عرفت مسألةُ رفعِ اسمِ التفضيلِ الاسمَ الظاهرَ بمسألة الكحل. ففي المثال يصح وقوع الفعل موقع اسم التفضيل، فيقال: ما رأيت رجلاً يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد. وقد تقدم في المثال نفي بـ (ما) ، ومرفوع اسم التفضيل وهو (الكحل) أجنبي لم يتصل بضمير يعود على الموصوف، وقولنا: مفضلاً على نفسه باعتبارين. أي: أن هذا الأجنبي مفضل على نفسه باعتبارين مختلفين، فالكحل في عين زيد أحسن من الكحل نفسه في عين غيره من الرجال. فـ (أحسن) اسم تفضيل نعت لـ (رجل) و (الكحل) فاعل لاسم التفضيل مرفوع. ومثال النهي: لا يكن غيرُك أقربَ إليه الخيرُ منه إليك، فـ (أقرب) خبر (يكن) منصوب و (الخير) فاعل لاسم التفضيل. وأما الجر فإن اسم التفضيل يجر المفضول إذا كان مضافاً إليه، نكرةً كان، نحو العالم أقدرُ رجلٍ على إزالة مشكلات الناس، أو معرفة نحو: الذي يرى الأسد بكثرة أجرأُ الناس عليه. باب التوابع 1- النعت قوله: (يَتْبَعُ مَا قَبْلَهُ في إِعْرَابِهِ خَمْسَة ٌ: النَّعْتُ، وَهُوَ التَّابعُ المُشْتَقُّ أَوِ المُؤَوَّلُ بِهِ المُبَايِنُ لِلَفْظِ مَتْبُوعِهِ، وَفَائِدَتُهُ تَخْصِيصٌ أَوْ تَوْضِيحٌ أَوْ مَدْحٌ أَوْ ذَمٌّ أَوْ تَرَحُّمٌ أَوْ تَوْكِيدٌ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 التوابع جمع تابع، وهو لفظ متأخر دائماً يتقيد في نوع إعرابه بنوع الإعراب في لفظ معين متقدم عليه. يسمى (المتبوع) ، نحو: جاء الرجلُ المهذبُ. رأيت الرجلَ المهذبَ، سلمت على الرجل المهذبِ فلفظ (المهذب) تابع لكلمة (الرجل) في إعرابه رفعًا ونصبًا وجرًا. والتوابع خمسة وهي: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، وعطف النسق، والبدل. فالأول: النعت، وهو: التابع المشتق أو المؤول به المباينُ للفظ متبوعه. فقوله: (التابع) هذا جنس يشمل التوابع كلها. وقوله: (المشتق أو المؤول به) . فيه بيان الأشياء التي ينعت بها فذكر شيئين: 1- الاسم المشتق. وهو ما دل على معنى وصاحبه كـ (قائم، وكاتب، ومهذب، وحسن، وأفضل) . 2- المؤول بالمشتق. وهو الاسم الجامد المشبه للمشتق في المعنى، كاسم الإشارة نحو: مررت بزيد هذا. أي: الحاضر. و (ذي) بمعنى صاحب نحو: مررت برجل ذي مال. أي: صاحب مال. وأسماء النسب نحو: مررت برجل تميمي، أي: منسوب إلى تميم (1) . وخرج بذلك بقية التوابع، فإنها لا تكون مشتقة ولا مؤولة به، ألا ترى أنك تقول في التوكيد: جاء القوم أجمعون. وفي عطف البيان والبدل: جاء صالح أبو عبد الله، وفي عطف النسق: جاء خالد وهشام. فتجدها توابع جامدة. وما جاء في بعضها مشتقاً فليس بشرط فيه، فعطف النسق قد يكون بين مشتقين. ولكن ذلك ليس بشرط كما في النعت نحو: أبوك كريم وعالم. وكذا التوكيد اللفظي نحو: جاء خالد الفاضل الفاضل. وقوله: (المباين للفظ متبوعه) لإخراج التوكيد اللفظي (2) . لأنه عين متبوعه. وأشهر الأغراض التي يفيدها النعت ما يأتي:   (1) ومن المؤول بالمشتق الجملة الواقعة نعتًا كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} . والمصدر نحو: مررت برجل عدل. (2) ويبقى عطف النسق بين مشتقين داخلاً في تعريف المصنف إلا بالتفسير الذي ذكرنا وهو أنه ليس بشرط فيه بخلاف النعت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 1- التخصيص إن كان المتبوع نكرة، والمراد به: تقليل الاشتراك المعنوي في النكرة، وتضييق عدد ما تشمله، نحو: جاء رجل تاجر. 2- الإيضاح إن كان المتبوع معرفة، والمراد به: إزالة الاشتراك اللفظي فيها ورفع الاحتمال الذي يتجه إلى معناها: حضر خالد الكاتب. 3- مجرد المدح نحو: رضي الله عن عمر بن الخطاب الشاملِ عدلُه الرحيمِ قلبُه. 4- مجرد الذم نحو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. 5- الترحم- أي إظهار الرحمة والحنان لغيرك - نحو: اللهم ارحم عبدك المسكين. 6- التوكيد كقوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) } (1) فـ (واحدة) نعت لـ (نفخة) وهو للتوكيد؛ لأن الواحدة تفهم من اسم المرة (نفخة) . قوله: (وَيَتْبَعُ مَنْعُوتَهُ في وَاحِدٍ مِنْ أَوْجُهِ الإِعْرَابِ، وَمِنَ التَّعْريفِ وَالتَّنْكِيرِ، ثُمَّ إِنْ رَفَعَ ضَمِيراً مُسْتَتِراً تَبِعَ في واحِدٍ مِنَ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ، وَوَاحِدٍ مِنَ الإِفْرَادِ وَفَرْعَيْهِ، وَإِلاَّ فَهُوَ كَالفِعْلِ، وَالأَحْسَنُ جَاءَنِي رَجُلٌ قُعُودٌ غِلْمَانُهُ ثُمَّ قَاعِدٌ ثُمَّ قَاعِدُونَ) . النعت نوعان: 1- حقيقي: وهو ما دل على صفة في اسم قبله، نحو: أقمت في المنزل الفسيح، فـ (الفسيح) نعت حقيقي، لأنه دل على صفة في الاسم الذي قبله، وهو (المنزل) ، لأن المتصف بالفساحة حقيقة هو المنزل، فسمى هذا النعت: نعتاً حقيقيًا. وعلامته: أن يشتمل النعت على ضمير مستتر يعود على المنعوت.   (1) سورة الحاقة، آية: 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 2- سببي: وهو ما دل على صفة في اسم له ارتباط بالمتبوع، نحو: أقمت في المنزل الفسيح فناؤه. فـ (الفسيح) نعت، ولكنه ليس للمتبوع (المنزل) إذ ليست الفساحة - هنا - صفة المنزل. وإنما هي صفة لما بعده وهو (فناؤه) غير أنه لما كان للفناء ارتباط بالمنزل. جاز أن نقول عن صفة الفِنَاءِ إنها صفة للمنزل، ومن أجل ذلك يسمى لفظ (الفسيح) في هذا المثال نعتاً غير حقيقي أو نعتًا سببيًا (1) ، فـ (الفسيح) نعت مجرور بالكسرة (فناؤه) فاعل للصفة مرفوع بالضمة، والهاء مضاف إليه. وعلامته: أن يأتي بعد النعت اسم ظاهر مرفوع بالنعت، مشتمل على ضمير يعود على المنعوت. وأما مطابقة النعت لمنعوته فقد ذكر المصنف - رحمه الله - أن النعت بنوعيه يتبع منعوته في رفعه ونصبه وجره. وفي تعريفه وتنكيره. وأما ما يتعلق بالإفراد وفرعيه والتذكير والتأنيث. فإن كان النعت حقيقياً تبع منعوته في إفراده وتثنيته وجمعه وفي تذكيره وتأنيثه. وإن كان النعت سببياً فهو بمنزلة الفعل الذي يصح أن يحل محله ويكون بمعناه. فيلزم الإفراد، ويراعي في تذكيره وتأنيثه الاسم الذي بعده. مثال الحقيقي: هذا منزلٌ واسعٌ، سقيت كلبًا لاهثًا، اقبل النصح من أخٍ مخلصٍ، أكرمت الطالبَ المهذبَ. دخلت مكتبةً واسعةً، هاتان فتاتان عاقلاتان، عاشرت إخوانًا مستقيمين. مثال السببي: هذا منزل واسعٌ فناؤه، أكرمت الطالبَ المهذبةَ أخلاقُه، عاشرت إخواناً مستقيمةً أخلاقُهم. مررت بالرجلِ الجديدِة سيارتُه. وقول المصنف - رحمه الله -: (والأحسن جاءني رجل قعودٌ غلمانهُ ثم قاعد ثم قاعدون) .   (1) السببي هو الضمير العائد على المنعوت لأن السبب لغةً الحبل. والحبل من شأنه أن يربط به فلما كان الضمير يقع للربط أطلق عليه ذلك. وقيل: السبب هو الاسم المتصل بالضمير العائد على المنعوت لاتصاله بالسبب الذي هو الضمير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 معناه: أنه إذا كان السببي - وهو مرفوع النعت - جمع تكسير جاز أن يجمع النعت جمع تكسير، لجريانه مجرى المفرد. فتقول: هؤلاءِ زملاءٌ كرامٌ آباؤهم، وجاءني رجل قعود غلمانه، وجاز أن يفرد النعت فتقول: هؤلاءِ زملاءٌ كريمٌ آباؤهم. وجاءني رجلٌ قاعدٌ غلمانُه بالإفراد. وظاهر كلام المصنف أن جمعه أرجح من إفراده؛ لأنه قدم الجمع على الإفراد، وقيل إفراده أرجح؛ لأنه حلَّ محل الفعل، والفعل وإذا أسند لجمع أُفرد؛ فتقول: كَرُمَ آباؤهم، وقَعَدَ غلمانه، لا كرموا. وقعدوا، على اللغة المشهورة كما مضى في باب الفاعل. وهناك وجه ثالث - كما ذكر المصنف - وهو جمعه جمع مذكر سالم، وهذا ضعيف، كما نص عليه المصنف في الشذور. (1) قوله: (وَيَجُوزُ قَطْعُ الصِّفَةِ المَعْلُوم مَوْصُوفُهَا حَقِيقَةً أَوِ ادِّعَاءً رَفْعًا بِتَقْدِيرِ هُوَ، وَنَصْبًا بِتَقْدِيرِ أَعْنِي أَوْ أَمْدّحُ أَوْ أَذُمُّ أَوْ أَرْحَمُ) . الأصل أن النعت يتبع منعوته في إعرابه - كما تقدم - ويجوز لداع بلاغي قطع هذا النعت عن التبعية لمنعوته، فلا يتبعه في علامة الإعراب. بل يعطي إعراباً جديدًا، فإن كان المنعوت مرفوعًا وأردنا قطع النعت - لداع بلاغي (2) - قطعناه إلى النصب، نحو: جاء محمدٌ العالمَ، وإن كان المنعوت منصوبًا وأردنا قطع النعت قطعناه إلى الرفع نحو: رأيت محمدًا المسكينُ، وإن كان المنعوت مجروراً جاز قطعه إلى الرفع أو النصب نحو: آمنت بالأنبياءِ الهداةُ، أو الهداةَ.   (1) انظر: شرح شذور الذهب ص 432. (2) الغرض من القطع: غرض بلاغي محض وهو التشويق وتوجيه الذهن إلى هذا النعت المقطوع، وأنه ذو أهمية بالغة تستدعي مزيدًا من الانتباه. ولذا جعل في جملة جديدة الغرض منها إنشاء المدح أو الذم أو الترحم إلخ. ولهذا لا يستعمل القطع مع من يجهله لئلا يحكم على المتكلم بأنه أخطاء في حركة الكلمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 فرفْعُه على أنه خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: (هو) ، ونصبه بإضمار فعل تقديره: (أعني) في النعت الموضِّح. أو (أمدح) في المدح أو (أذم) في الذم، أو (أرحم) في الترحم، أو غير ذلك مما يناسب النعت، ويجب حذف المبتدأ أو الفعل إذا كان النعت المقطوع لمدح أو ذم أو ترحم؛ لأنه من العوامل الواجبة الحذف، فإن كان لغير ذلك جاز ذكره وحذفه. وشرط القطع أن يكون المنعوت معلومًا ومتعينًا بدون النعت، إما حقيقة أو ادعاء بأن ينزل المنعوت غير المعلوم منزلة المعلوم لأمر ما. فالمعلوم حقيقة كما تقدم، والمعلوم ادعاء نص عليه سيبويه في كتابه (1) فقال: (وقد يجوز أن تقول: مررت بقومك الكرامَُ - أي بالرفع والنصب - إذا جعلت المخاطب كأنه قد عرفهم، كما قال: مررت برجلٍ زيدٌ، فتنزله منزلة من قال لك: من هو؟ وإن لم يتكلم به، فكذلك هذا تنزله هذه المنزلة وإن كان لم يعرفهم) . ومن الأمثلة قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) } (2) فقد قرأ عاصم بنصب (حمالة) على أنه مفعول به لفعل محذوف وجوبًا تقديره: أذم، وقرأ بقية السبعة بالرفع على الاتباع؛ لأن نعت المرفوع مرفوع. 2- التوكيد قوله: (وَالتَّوْكِيدُ وَهُوَ إِمَّا لَفْظِيٌّ نحْوُ: (أَخَاكَ أَخَاكَ إِنَّ مَنْ لا أَخا لَهُ) وَنحْوُ: (أَتَاكِ أَتَاكِ الَّلاحِقُونَ احْبِسِ احْبِسِ) وَنحْوُ: (لاَ لاَ أَبُوحُ بِحُبِّ بَثْنَةَ إِنَّهَا) وَلَيْسَ مِنْهُ {دَكًّا دَكًّا} (3) و {صَفًّا صَفًّا} (4) . الثاني من التوابع : التوكيد المراد به: المؤكِّد - بكسر الكاف - من إطلاق المصدر مراداً به اسم الفاعل، ويقال: التأكيد - بالهمزة - والأول أفصح، كما في القاموس. وهو قسمان: لفظي، وهو المراد هنا، ومعنوي، ويأتي إن شاء الله.   (1) كتاب سيبويه (2/70) . (2) سورة المسد، آية: 4. (3) سورة الفجر، آية: 21. (4) سورة الفجر، آية: 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 فاللفظي: إعادة اللفظ الأول: بعينه، سواء كان اسمًا كقول الشاعر: (3) أخاك أخاك إنَّ من لا أخا له … كساع إلى الهيجا بغير سلاح (1) فـ (أخاك) مفعول به لفعل محذوف وجوبًا، لأنه من باب الإغراء تقديره: الزم أخاك - مثلاً - وهو منصوب بالألف لأنه من الأسماء الخمسة، والكاف مضاف إليه. و (أخاك) الثاني توكيد لفظي. أو كان فعلاً وحده، أو مع فاعله كقول الشاعر: فأينَ إلى أينَ النجاةُ ببغلتي … … أتاكِ أتاكِ اللاحقونَ احبسِ احبسِ (2) فقوله (أتاكِ أتاكِ) فيه توكيد الفعل بالفعل. و (اللاحقون) فاعل (أتاك) الأول، والثاني جيء به للتوكيد فلا فاعل له. وفي قوله: (احبسِ احبسِ) وقع الفعل الثاني مع فاعله المستتر توكيدًا للأول مع فاعله. أو كان حرفًا كقول الشاعر: (1) لا لا أبوح بحب بَثْنَةَ إنها … … أخذت عليَّ مواثقاً وعهودا (3)   (1) الهيجا: بالمد والقصر. وهنا بالقصر وهي الحرب. إعرابه: (إن) حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر (من) اسم موصول مبني على السكون في محل نصب اسم (إن) (لا أخا له) لا نافية للجنس. و (أخا) اسمها (له) خبرها، والجملة لا محل لها صلة. (كساع) جار ومجرور خبر (إن) . (2) النجاة: بهاء التأنيث وفي شرح الفاكهي (النجاء) بالمد وهو الإسراع. إعرابه: (فأين) الفاء بحسب ما قبلها و (اين) اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بفعل محذوف يدل عليه السياق والتقدير: فأين تذهب، ولو جعلته في محل جر بحرف مقدر يدل عليه ما بعده فلا بأس والتقدير: فإلى أين؟ (إلى أين) خبر مقدم (النجاة) مبتدأ مؤخر. (ببغلتي) جار ومجرور متعلق بالنجاة. (3) لا أبوح: لا أفشي ولا أظهر، بثنة: هي بثينة ولكن تصرف في اسمها تمليحاً. إعرابه: "لا" حرف نفي "لا" توكيد للأول (أبوح) فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر وجوباً تقديره (أنا) (بحب) جار ومجرور متعلقان بالفعل "أبوح" وهو مضاف و (بثنة) مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث (إنها) إن: حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر. والهاء اسمها. وجملة (أخذت) في محل رفع خبر (إن) (عليَّ) جار ومجرور متعلق بالفعل (أخذ) (مواثقاً) مفعول به منصوب وقد نونه للضرورة وإلا فحقه المنع من الصرف (وعهوداً) معطوف على ما قبله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 ثم ذكر المصنف - رحمه الله - أنه ليس من تأكيد الاسم قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) } (1) {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) } (2) . لأن معنى (دكًا دكًا) أي: دكًا بعد دك. وأن الدك كرر عليها حتى صارت منخفضة الجبال، وعلى هذا فهو (حال) ، والدكُّ هو حط المرتفع والتسوية، ومعنى (والملك صفًا صفًا) أي: تنزل ملائكة كل سماء فيصفون صفًا بعد صف محدقين بالجن والإنس. وعلى هذا فهو (حال) . والظاهر أن قوله تعالى (دكًا دكًا) من باب التوكيد، وعليه كثير من النحاة كما قال (الفاكهي) في شرحه على القطر (3) ، وجرى عليه ابن هشام نفسه في كتابه "شذور الذهب" (4) لأن الدك في القيامة مرة واحدة، بدليل قوله تعالى: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) } (5) فيكون اللفظ الثاني مؤكداً للأول. وأما قوله تعالى: (صفًا صفًا) فالظاهر أنه ليس بتوكيد، بل هو حال على ما تقدم، أي: مصطفين، أو ذوي صفوف كثيرة، والله أعلم. (6)   (1) سورة الفجر، آية: 21. (2) سورة الفجر، آية: 22. (3) مجيب النّدا (2/224) . (4) شرح شذور الذهب ص428. (5) سورة الحاقة، آية: 14. (6) هذا التقدير مبني على قولهم إن مجيء الحال مصدراً غير مقيس، وأنه لابد من تأويله بوصف. والصواب أنه مقيس لكثرة وروده في أفصح كلام وهو القرآن الكريم. ولا داعي للتأويل قال تعالى: {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً} وقال تعالى: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} وقال تعالى: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 قوله: (أَوْ مَعْنَويٌ، وَهُوَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنِ مُؤَخَّرَةً عَنْهَا إِنِ اجْتَمَعَتَا، وَيُجُمَعَانِ عَلَى أَفْعُلِ مَعَ غَيْرِ المُفْرَدِ، وَبِكُلٍ لِغَيْرِ مُثَنَّى إِنْ تَجَزَّأَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِعَامِلِهِ، وبِكِلا وَكِلْتَا لَهُ إِنْ صَحَّ وُقُوعُ المُفْرَدِ مَوْقِعَهُ وَاتحَدَ مَعْنَى المُسْنَد، وَيُضَفْنَ لِضَمِيرِ المُؤَكَّدِ، وَبِأَجْمَعَ وَجَمْعَاءَ وَجَمْعِهِمَا غَيْرَ مُضَافَةٍ) . النوع الثاني: التوكيد المعنوي وهو: تابع يذكر لرفع احتمال تقديرِ مضافٍ إلى المتبوع، أو إرادة الخصوص بما ظاهره العموم. فالأول: يكون بـ (النفس والعين) نحو: حادثني الأمير نفسه. فلو اقتصرنا على المؤكَّد (بفتح الكاف) لاحتمل أن يكون هناك مضاف محذوف، وأن الذي حادثك وكيله، أو أمين سره، أو رجل آخر من مساعديه، فإذا ذكر التوكيد ارتفع ذلك الاحتمال، فـ (نفسه) توكيد معنوي مرفوع، والهاء مضاف إليه. وإذا اجتمعا - النفس والعين - في اللفظ وجب تأخير (العين) عن النفس؛ لأن النفس عبارة عن جملة الشيء، والعين مستعارة في التعبير عن الجملة، فتقول: جاء خالد نفسُه عينُه. ولابد من اتصالهما بضمير مذكور عائد على المؤكَّد مطابق له في الإفراد والتذكير وفروعهما؛ ليحصل الربط بين التابع والمتبوع. ويجب إفرادهما مع المفرد - كما تقدم - وأما مع التثنية والجمع فيجمعان جمع تكسير للقلة على وزن (أَفْعُل) ، وهذا الجمع مع الجماعة واجب، ومع الاثنين أرجح من الإفراد، فتقول: جاء المحمدان أنفسُهما وأعينُهما (1) ، وجاء المحمدون أنفسُهم وأعينُهم، وتقول: جاءت الفاطمات أنفسُهن.   (1) هذا أفصح من قولك: (نفساهما) لأن العرب تكره الجمع بين تثنيتين في لفظ واحد. قال تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} فجمع ولم يثن مع أنهما قلبان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 وأما النوع الثاني: من التوكيد المعنوي وهو ما يراد به رفع احتمال إرادة الخصوص بما ظاهره العموم فهو لفظ (كل) نحو: قرأت القرآن كلَّه، فلو لم يؤت بكلمة (كل) لكان من المحتمل أن المراد من المقروء هو الأكثر أو الأقل أو النصف، فلما أردنا رفع هذا الاحتمال زدنا كلمة (كله) . ولا يؤكد بها إلا بثلاثة شروط: الأول: أن يكون المؤكَّد بها غير مثنى، وهو المفرد والجمع. الثاني: أن يكون المؤكد بها جمعاً له أفراد، أو مفرداً يتجزأ بنفسه، أو بعامله، فالأول نحو: حضر الضيوف كلُّهم، والثاني نحو: قرأت الكتاب كلَّه، والثالث نحو: اشتريت الحصان كلَّه؛ لأن الحصان يتجزأ باعتبار الشراء، ولا يجوز: جاء الضيف كلُّه؛ لعدم الفائدة من التوكيد؛ إذ يستحيل نسبه المجيء إلى جزء منه دون الآخر. الشرط الثالث: أن يتصل بها ضمير عائد على المؤكَّد كما في الأمثلة. فإن كان المؤكد مثنى فله لفظان: (كلا) للمثنى المذكر، و (كلتا) للمثنى المؤنث، نحو: نجح الأخوان كلاهما، وفازت البنتان كلتاهما، فلولا التوكيد (كلاهما) لكان من المحتمل اعتبار التثنية غير حقيقية، وأن الذي نجح هو أحدهما، ويؤكد بهما المثنى بشروط: 1- أن يصح حلول المفرد محلهما، ليمكن توهم إرادة البعض بالكل كما في المثالين بخلاف: اختصم الزيدان كلاهما، فلا يصح لعدم صحة حلول المفرد محلهما؛ لأن الاختصام لا يكون إلا بين اثنين، ومن النحاة من يجيز ذلك محتجًا بأن التوكيد قد يأتي للتقوية أيضاً لا لرفع الاحتمال فقط. 2- أن يتخذ معنى المسند إلى المؤكَّد، فإن اختلف المسند لم يصح نحو: مات زيد وعاش بكر كلاهما؛ لأن المسند (مات، وعاش) مختلف معناه. 3- أن يتصل بهما ضمير عائد على المؤكَّد بهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 ثم ذكر المصنف ما يتعلق بتقوية التوكيد، وأنه يؤكد بـ (أجمع) المفرد المذكر، وبـ (جمعاء) المؤنث (وجمعهما) فجَمْعُ أجمع: (أجمعون) ، وجَمْعُ جمعاء: (جُمَعُ) ولا يؤكد بها في الأكثر (1) إلا بعد (كل) ، فلهذا كانت غير مضافة لضمير المؤكَّد نحو: جاء الجيش كلُّه أجمعُ، قال تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) } (2) . فـ (كلهم) توكيد معنوي لـ (الملائكة) مرفوع مثله، والهاء مضاف إليه والميم علامة الجمع. (أجمعون) توكيد معنوي ثان، مرفوع بالواو وتقول: جاءت القبيلة كلُّها جمعاءُ. وجاءت النساء كلُّهن جُمَعُ. قوله: (وَهِيَ بِخِلافِ النُّعُوتِ لا يَجُوزُ أَنْ تَتَعَاطَفَ المُؤَكِّدَاتُ، وَلا أَنْ يَتْبَعْنَ نَكِرَةً، وَنَدَرَ: يَا لَيْتَ عِدَّةَ حَوْلٍ كُلِّهِ رَجَبُ) . ذكر المصنف مسألتين: المسألة الأولى: أن ألفاظ التوكيد مخالفة للنعوت المتعددة؛ في أن النعوت إذا تعددت جاز الإتيان فيها بالعطف وتركه؛ فتقول: جاء خالدٌ الفقيهُ الكاتبُ الخطيبُ. ويجوز: جاء خالد الفقيه والكاتب والخطيب. بواو العطف، لاختلاف معانيها. وأما ألفاظ التوكيد إذا اجتمعت (3) فإنها لا تتعاطف بل تورد متتابعة بدون فصل، فلا تقول: جاء عليٌّ نفسُه وعينُه، ولا جاء القوم كلُّهم وأجمعون. وذلك لأنها بمعنى واحد، والشيء لا يعطف على نفسه.   (1) واستقلالها بدون (كل) قليل قلة نسبية لا تمنع القياس لوروده في القرآن. كقوله تعالى عن إبليس: {لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} . (2) سورة الحجر، آية: 30. (3) لا يجوز اجتماعها إلا لداع بلاغي. وهو إزالة الاحتمالات إزالة لا تتم إلا بالتعدد. فإن كانت تتم بغيرها فلا داعي لتعدد التوكيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 المسألة الثانية: أن النعت كما يَتْبَعُ المعرفة كذلك يتبع النكرة، كما تقدم في بابه، ولا يجوز في ألفاظ التوكيد أن تتبع النكرة، لأنها معارف بالإضافة (1) فلا تقول: جاء رجل نفسه. وقد جاء في قول الشاعر: (2) لكنَّهُ شاقه أن قيل ذا رَجَبُ … … يا ليت عدةَ حولٍ كلِّه رجبُ (2) حيث أكد الشاعر النكرة. وهي قوله (حول) بـ (كل) ، وحَكَمَ عليه المصنف بأنه نادر. والصحيح جواز توكيد النكرة إذا اجتمع فيها أمران: الأول: أن تكون النكرة محدودة، وهي: التي تدل على زمن محدود بابتداء وانتهاء معينين، أو على شيء معلوم القدر، كشهر وحول. وأسبوع، ويوم، ودرهم، ودينار.   (1) هذا بالنسبة لألفاظ التوكيد الأصلية وهي النفس والعين وغيرهما. أما ألفاظ التوكيد الملحقة مثل: أجمع وجمعاء وأجمعون. فهي معارف بالعلمية لأن كل لفظ منها هو (علم جنس) يدل على الإحاطة والشمول. لأنها ممنوعة من الصرف والمانع هو تعريف العلمية. وقيل معرفة بنية الإضافة. (2) شاقه: أي أعجبه وهيجه. والشوق: نزوع النفس إلى الشيء والمعنى: أنه أعجبه وبعث الشوق إلى نفسه حين قيل له: هذا الشهر هو رجب. وتمنى أن السنة كلها (رجب) لما فيه من الأنس والسرور. إعرابه: (لكنه) لكن: حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر والهاء اسمه. (شاقه) شاق: فعل ماض. والهاء مفعول به (أن قيل) أن: مصدرية. وقيل: فعل ماض مبني للمجهول (ذا رجب) مبتدأ وخبر في محل رفع نائب فاعل. وأن ما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل (شاق) وجملة (شاق) وفاعله خبر (لكن) (يا) للتنبيه أو للنداء والمنادى محذوف. (عدة) اسم ليت (حول) مضاف إليه (كله) كل توكيد لـ (حول) والهاء مضاف إليه (رجب) خبر ليت. وقد ذكر محمد عبد الحميد أن الصواب (رجبا) بدليل الأبيات التي قبل هذا البيت. ويكون الشاعر نصب بـ (ليت) الجزأين معاً (المبتدأ والخبر) أما على رواية النحاة فهو خبر ليت مرفوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 الثاني: أن يكون لفظ التوكيد من ألفاظ الإحاطة والشمول. وذلك لورود السماع عن العرب كما ذكر المصنف، ولحصول الفائدة؛ لأن التوكيد يفيد النكرة شيئًا من التحديد والتخصيص يُقَرِّبُها من التعريف، فتقول: خرجت إلى الريف يومًا كلَّه، سافرت إلى مكة أسبوعاً جميعَه، تصدقت بدينارِ كلِّه. بخلاف: عملت زمنًا كَّله، أنفقت مالاً كلَّه، لتخلف الأمر الأول. وبخلاف: عملت يومًا نفسَه؛ لتخلف الأمر الثاني. 3- عطف البيان قوله: (وَعَطْفُ البَيَانِ، وَهُوَ تَابعٌ مُوَضِّحٌ، أَوْ مُخَصِّصٌ جَامِدٌ غَيْرُ مَؤَوَّلٍ، فَيُوَافِقُ مَتْبُوعَهُ كَأَقْسَمَ بِاللهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ، وَهذَا خَاتَمٌ حَدِيدٌ) . هذا النوع الثالث من التوابع وهو عطف البيان. وتعريفه: تابع موضِّح أو مخصِّص، جامد غير مؤول. وقوله: (تابع) . هذا جنس في التعريف يشمل التوابع الخمسة. وقوله: (موضح أو مخصص) أي موضح لمتبوعه إن كان معرفة بإزالة ما قد يطرأ عليها من الشيوع، بسبب تعدد مدلولها، أو مخصص له إن كان نكرة بتحديد مدلولها وتقليله، فـ (خالد) و (صالح) و (محمد) معارف، لكن قد يحصل لها شيء من الشيوع بسبب تعدد مدلولها. فلابد من شيء يوضح المراد. ويزيل الإبهام. و (رجل) لفظٌ مدلوله شائع كامل الشيوع فما جاء لتحديده وتقليله فهو مخصص له. وهذا القيد يخرج التوكيد كـ (جاء الأمير نفسُه) و عطف النسق نحو: قرأت التفسير والحديث، والبدل نحو: قضيت الدين نصفَه. فإنها لا توضح متبوعها ولا تخصصه. فإن وجد التوضيح في البدل والتوكيد فهو غير مقصود بهما بالذات. وقوله: (جامد) أي في الغالب، وهذا يخرج النعت فإنه يوافق عطف البيان في التوضيح والتخصيص - كما تقدم في بابه - لكنه مشتق. وقوله: (غير مؤول) أي غير مؤول بمشتق. وهذا يخرج النعت الجامد المؤول بمشتق، كاسم الإشارة نحو: مررت بعلي هذا. أي المشار إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 مثال توضيح المتبوع: أكرمت محمداً أخاك. فكلمة (أخاك) جاءت لتوضيح المراد بـ (محمد) ، إذ لولا هذا التابع لبقيت كلمة (محمد) - برغم أنها معرفة بالعلمية - بحاجة إلى مزيد من الإيضاح والتبيين كما تقدم. ومنه: أقسم بالله أبو حفص عمر. فـ (عمر) عطف بيان لـ (أبو حفص) وهو علم، وقد قصد به الإيضاح. ومثال تخصيص النكرة: سمعت كلمةً خطبةً كثيرة المعاني قليلة الألفاظ. فكلمة (خطبة) عطف بيان، جاءت لتخصيص النكرة وهو (كلمة) ؛ لأن مدلولاتها متعددة من شعر ونثر ... ومن خطبة ومقالة.. ولولا هذا التابع لبقيت هذه الكلمة على شيوعها وتعدد مدلولها. ومنه: هذا خاتمٌ حديدٌ. فـ (حديد) عطف بيان لـ (خاتم) ذكر لتخصيصه؛ لأن الخاتم قد يكون حديدًا أو ذهبًا أو غيرهما. وقول ابن هشام - رحمه الله -: إن عطف البيان يأتي للتوضيح أو التخصيص. هذا هو الأصل، وإلا فقد يأتي للمدح - على قول بعض المفسرين - كقوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} (1) فـ (البيت الحرام) عطف بيان. ومجيء عطف البيان معرفة تابعًا لمعرفة لا خلاف فيه.   (1) سورة المائدة، آية 97، وجعل بمعنى: صيَّر. فتنصب مفعولين الأول: (الكعبة) والثاني: (قياماً) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وأما مجيئه نكرة فمنعه قوم، محتجين بأن البيان كاسمه، والنكرة مجهولة، والمجهولا لا يبين المجهول، وأوجبوا البدلية فيما استند إليه المجيز، وأجازه آخرون وهو الحق؛ لوروده في آيات من القرآن، يتضح فيها عطف البيان، كقوله تعالى: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) } (1) فـ (صديد) نكرة. وهو عطف بيان لـ (ماء) وهو نكرة، وذلك أنه لما أبهم الماء بَيَّنَهُ بقوله: (صديد) ، وهو ما يخرج من أجواف أهل النار من قيح ودم وعرق. وكقوله تعالى: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} (2) فـ (زيتونه) عطف بيان لـ (شجرة) . وما احتج به المانعون مردود بأن بعض النكرات قد يكون أخص من بعض، والأخص يعين غيره. وعطف البيان يوافق متبوعه في إعرابه. وفي الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث، والتعريف والتنكير، على ما تقدم بيانه في باب النعت. وسمي بعطف البيان؛ لأنه بمنزلة التفسير والبيان للأول باسم آخر مرادف له يكون أشهر منه. قوله: (وَيُعْرَبُ بَدَلَ كُلٍ مِنْ كُلٍ إِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ إِحْلالُهُ مَحَلَّ الأَوَّلِ كَقَوْلِهِ: (أَنَا ابْنُ التَّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْرٍ) وَقَوْلِهِ: (أَيَا أَخَوَيْنَا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلا)) . القاعدة أن كل عطف بيان يصح أن يعرب بدل كل من كل؛ لما في البدل من تقرير معنى الكلام وتوكيده بكونه على نية تكرار العامل، إلا إذا امتنع إحلاله محل الأول فإنه يتعين كونه عطف بيان ولا يعرب بدلاً، كقول الشاعر: (1) أنا ابنُ التاركِ البكريِّ بشرٍ … … عليه الطيرُ تَرْقُبُهُ وقوعا (3)   (1) سورة إبراهيم، آية: 16. (2) سورة النور، آية: 35. (3) البكري: المنسوب إلى بكر بن وائل. وهو بشر بن عمرو البكري. والمعنى أن الشاعر يصف نفسه بالشجاعة وأنه ابن الذي قتل البكري وتركه مجندلاً في العراء، تنتظر الطير خروج روحه لتنقض عليه فتأكله، فهو شجاع من نسل شجعان. … إعرابه: (أنا) مبتدأ (ابن التارك) خبر ومضاف إليه (البكري) مضاف إليه من إضافة الوصف إلى مفعول (بشر) عطف بيان (عليه الطير) خبر مقدم ومبتدأ مؤخر (ترقبه) الجملة في محل نصب حال من (الطير) أو من ضميره المستتر في الخبر (وقوعاً) مفعول لأجله أو حال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 فـ (بشر) عطف بيان على قوله: (البكري) ، ولا يجوز أن يكون بدلاً منه؛ لأن البدل على نية تكرار العامل، فترفع المبدل منه وتضع البدل مكانه، فتقول التاركِ بشرٍ. ويلزم على هذا إضافة الوصف المفرد المقترن بـ (ال) إلى الخالي منها، وهذا لا يجوز، كما تقدم في باب الإضافة. وكقول الشاعر أيضًا: (2) أيا أخوينا عبد شمس ونوفلا … … أعيذكما بالله أن تحدثا حربا (1) فقوله: (عبد شمس) عطف بيان على قوله: (أخوينا) ، ولا يجوز أن يكون بدلاً منه؛ إذ لو كان بدلاً منه لكان على تقدير حرف النداء، فيلزم ضمُّ (نوفلاً) بدل فَتْحِهِ، لأنه مفرد معرفة. والرواية وردت بنصبه، فدل على أن قوله: (عبد شمس) ليس بدلاً. لأن الشاعر عطف عليه اسماً آخر بالنصب، مع كون ذلك المعطوف علمًا مفردًا. والصحيح جواز إعراب عطف البيان بدلاً في هذين البيتين، ولا داعي للضابط المذكور، فإن المعنى واضح على البدلية كوضوحه على عطف البيان. وهذا يتمشى مع ما ذكره ابن هشام في المغني (2) وذكره غيره من أنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل (3) ؛ أي: يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع. وكون العامل (وهو المضاف وحرف النداء كما في البيتين) لا يصح وقوعه قبل التابع لا يؤثر. إنما الضرر في عدم صحة وقوعه قبل المتبوع.   (1) عبد شمس ونوفل من أولاد عبد مناف. إعرابه: (أيا) حرف نداء (أخوينا) منادى منصوب بالياء لأنه مثنى و (نا) مضاف إليه (عبد شمس) عطف بيان منصوب (ونوفلا) معطوف عليه منصوب (أن تحدثا حربًا) في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف متعلق بالفعل (أعيذ) أي من إحداثكما حربًا. (2) المغني ص 908. (3) بل إن الصبان يصرح بأن هذا الاغتفار كثير انظر حاشيته على شرح الأشموني (2/261) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 وقولهم: إن البدل على نية تكرار العامل لا يلزم، فإن العرب أصحاب اللغة لا تدري من أمر هذه القاعدة شيئاً، ولن يترتب على إهمالها وعدم التمسك بها فساد في المعنى ولا في التركيب. وقد نقل الصبان في حاشيته على الأشموني عن المحقق الرضى قوله: (أنا إلى الآن لم يظهر لي فرق جلي بين بدل الكل من الكل وبين عطف البيان، بل لا أرى عطف البيان إلا البدل كما هو ظاهر كلام سيبويه ... ) . (1) 4- عطف النسق قوله: (وَعَطْفُ النَّسَق بِالْوَاوِ، وهِيَ لِمُطْلَق الْجَمْعِ) . هذا النوع الرابع من التوابع. وهو عطف النسق. وتعريفه: هو تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد حروف العطف الآتي ذكرها، والنَّسَقُ - بفتح السين - مصدر نسقت الكلام أنسُقه؛ أي: واليت أجزاءه، وربطت بعضها ببعض. والنَّسَقُ بمعنى المنسوق؛ أي الكلام المنسوق بعضه على بعض. وحروف العطف هي: 1- الواو: وهي لمطلق الجمع والاشتراك في الحكم بين المعطوف والمعطوف عليه. ولا تفيد الترتيب ولا المعية إلا بقرينة. فقد يكون المعطوف متأخرًا عن المعطوف عليه، نحو: تولي الخلافة أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} (2) . وقد يكون المعطوف سابقًا للمعطوف عليه، نحو: تولى الخلافة عمر وأبو بكر. قال تعالى: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} (3) . وقد يكون المعطوف مصاحباً للمعطوف عليه فلا تفيد ترتيباً، نحو: جاء خالد وعليٌّ معه. قال تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} (4) . قوله: (وَ (الْفَاءِ) لِلتَرْتِيبِ والتَّعْقِيبِ) .   (1) انظره أيضاً في شرح الكافية للرضى (2/379) وانظر: حاشية الصبان (3/88) وانظر شرح الفاكهي على القطر (2/232) . (2) سورة الحديد، آية: 26. (3) سورة الشورى، آية: 3. (4) سورة العنكبوت، آية: 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 2- الفاء: وتفيد التشريك في الحكم مع الترتيب والتعقيب. ومعنى الترتيب: مجيء المعطوف بعد المعطوف عليه (1) . ومعنى التعقيب: وقوع المعطوف عقب المعطوف عليه بلا مهلة. وهو في كل شيء بحسبه، تقول: دخل الخطيب فأنصت الناس، دخلت مكة فالمدينة. قال تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) } (2) . قوله: (وَ (ثُمَّ) للتَّرْتِيبِ والتَرَاخِي) . 3- ثم: وتفيد التشريك في الحكم مع الترتيب والتراخي. ومعنى التراخي: انقضاء مدة زمنية طويلة بين وقوع المعنى على المعطوف عليه ووقوعه على المعطوف. ومرجع تقدير المدة للعرف، نحو تولى الخلافة عمر ثم عثمان رضي الله عنهما. قال تعالى: {فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) } (3) . … قوله: (وَ (حَتَّى) لِلْغَايَةِ والتَدْرِيجِ لا للتَرتيبِ) . 4- حتى: وتفيد الاشتراك في الحكم مع الغاية والتدريج. ومعنى الغاية: النهاية. أي أن ما بعدها غاية لما قبلها ينتهي الحكم عنده. ومعنى التدريج: أن ينقضي ما قبلها شيئًا فشيئًا إلى أن يبلغ الغاية. ولهذا يشترط في المعطوف بها أن يكون بعضًا مما قبله، نحو: فَرَّ الجنود حتى القائد. ولا تفيد الترتيب، بل هي كالواو للجمع والاشتراك في الحكم، كما تقدم، لأنك تقول: حفظت القرآن حتى سورة البقرة. وإن كانت أول ما حفظت. قوله: (و (أو) لأَحَدِ الشَّيئينِ أو الأَشياءِ مُفيدةً بَعْدَ الطَّلبِ التَخييرَ أو الإباحة، وبَعدَ الخبرِ الشَّكَّ أو التَشْكِيكَ) .   (1) الترتيب نوعان: ترتيب معنوي؛ وهو أن يكون زمن تحقق المعنى في المعطوف متأخرًا عن زمن تحققه في المعطوف عليه. كما في الأمثلة. وترتيب ذكري؛ وهو وقوع المعطوف بعد المعطوف عليه بحسب التحدث عنهما لا بحسب زمانهما. نحو: حدثنا المحاضر عن أبي بكر فعثمان فعمر - رضي الله عنهم -. (2) سورة عبس، آية 21. (3) سورة عبس، آية: 21، 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 5- أو: وهي لأحد الشيئين أو الأشياء. فإن كانت مسبوقة بأمر فهي للتخيير، أو الإباحة، فمثال التخيير: تزوج حفصة أو أختها. ومثال الإباحة: اقرأ النحو أو البلاغة. والفرق بينهما جواز الجمع بين المتعاطفين في الإباحة دون التخيير. وإن كانت مسبوقة بخبر فهي للشك أو التشكيك. فالشك من المتكلم في الحكم نحو: حضر صالح أو عليٌّ. إذا كنت لا تعلم من حضر منهما، ومنه قوله تعالى: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} (1) والتشكيك: إيقاع السامع في الشك. ويعبر عنه بالإبهام - كما في المثال السابق - إذا كنت تعلم الحاضر منهما، ومنه قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (2) وتفيد أيضًا التقسيم نحو: الاسم: نكرة أو معرفة. قوله: (وَ (أَمْ) لِطَلَبِ التَّعْيينِ بَعْدَ هَمْزَةٍ دَاخِلَةٍ عَلَى أَحَدِ المُسْتَوِيَيْنِ) . 6- أم: وهي نوعان: الأول: متصلة. وهي التي تصل ما قبلها بما بعدها بحيث لا يستغني أحدهما عن الآخر. وتقع بعد: (أ) همزة التسوية الداخلة على جملة مؤولة بمصدر. والغالب أن تكون مسبوقة بكلمة (سواء) ، كقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} (3) ، فـ (سواء) خبر مقدم، والمصدر المؤول من همزة التسوية وما بعدها مبتدأ مؤخر. والتقدير: إنذارك وعدمه سواء. (ب) همزة الاستفهام يطلب بها وبـ (أم) التعيين، نحو: أخالد عندك أم خليل؟ فيكون الجواب: خالد - مثلاً - وتعرب (أم) المتصلة حرف عطف مبني على السكون لا محل له من الإعراب. الثاني: منقطعة. وهي التي لا تتقدم عليها همزة التسوية ولا همزة يطلب بها وبـ (أم) التعيين. وسميت منقطعة؛ لأنها تقع غالبًا بين جملتين مستقلتين لكل منهما معنى يخالف معنى الأخرى.   (1) سورة الكهف، آية: 19. (2) سورة سبأ، آية: 24. (3) سورة البقرة، آية: 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 ويكون معناها في الغالب الإضراب الإبطالي، وهو إبطال الحكم السابق ونفي مضمونه، والانتقال عنه إلى ما بعده. كقوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} (1) . أي: بل يقولون افتراه. فقد وقعت (أم) بين جملتين هما: (هذا سحر مبين) و (يقولون افتراه) وكل واحدة منهما مستقلة بمعناها عن الأخرى. والراجح أن (أم) المنقطعة ليست من حروف العطف، وإنما هي حرف ابتداء مبني على السكون يفيد الإضراب، ولا تدخل إلا على الجمل. قوله: (وَلِلرَدِّ عَنْ الْخَطَأِ في الْحُكْمِ (لا) بَعْدَ إِيجَاب. و (لَكِنْ) و (بَلْ) بَعْدَ نَفْي، ولِصَرْفِ الْحُكْمِ إلى مَا بَعْدَهَا (بَلْ) بَعْدَ إِيجَابٍ) . ذكر بقية الحروف وهي: لا، لكن، بل. فأما (لا) فهي لرد السامع عن الخطأ في الحكم إلى الصواب فيه. فتفيد نفي الحكم عن المعطوف. وقصره على المعطوف عليه. ويشترط لها أن يكون الكلام قبلها موجبًا لا منفيًا نحو: قرأت النحو لا البلاغة، يقال: ردًا على من اعتقد أن المتكلم قرأهما معاً أو أنه قرأ البلاغة فقط. وأما (لكن) فهي للاستدراك المتضمن رد السامع عن الخطأ في الحكم إلى الصواب فيه (2) . ويشترط لها أن تكون مسبوقة بنفي أو نهي، نحو: ما جاء الضيف لكن ابْنُهُ. ردًا على من اعتقد أن الجائي الضيف لا ابنه.   (1) سورة الأحقاف، آية: 7، 8. (2) يشترط في كونها عاطفة ألا تقترن بالواو. فإن سبقتها الواو فهي حرف ابتداء كقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} و (رسول) خبر لكان المحذوفة مع اسمها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وأما (بل) فيشترط دخولها على مفرد، ثم إن تقدم عليها نفي أفادت إقرار الحكم السابق وإثبات نقيضه لما بعدها نحو: ما جاء الضيف بل ابنه. فقد أثبتت نفي المجيء للضيف، وجعلت ضد هذا النفي وهو المجيء ثابتاً لابنه، وإن تقدم عليها كلام موجب - أي مثبت - أفادت الإضراب عن الحكم السابق وتركه وصرف الحكم إلى ما بعدها نحو: اشتريت كتابًا بل قلماً. 5- البدل قوله: (وَالْبَدَلُ، وَهُوَ تَابعٌ مَقْصُودٌ بِالحكْمِ بِلا وَاسِطَةٍ وَهُوَ سِتَّةٌ: بَدَلُ كُلٍّ نَحْوُ: {مَفَازًا حَدَائِقَ} (1) وَبَعْضٍ نَحْوُ: {مَنِ اسْتَطَاعَ} (2) وَاشْتِمَالٍ نَحْوُ: {قِتَالٍ فِيهِ} (3) وَإِضْرَابٍ وَغَلَطٍ وَنِسْيَانٍ نَحْوُ: تَصَدَّقْتُ بِدِرْهَمٍ دِينَارٍ بِحَسَبِ قَصْدِ الأَوَّلِ وَالثَّانِي، أَوِ الثَّانِي وَسَبْقِ اللِّسَانِ، أَوِ الأوَّلِ وَتَبَيُّنِ الخَطَإِ) . هذا النوع الخامس من التوابع. وهو البدل. وتعريفه: تابع مقصود بالحكم بلا واسطة بينه وبين متبوعه. نحو: حضر أخوك خالد، فـ (خالد) بدل من (أخوك) . وهو المقصود بالحكم وهو (الحضور) ليتضح المراد. وأن الأخ الذي حضر هو (خالد) دون بقية الإخوة. وكلمة الأخ لم يكن ذكرها مقصودًا لذاته، وإنما ذكرت تمهيدًا لما بعدها. وليكون الكلام أقوى في نفس السامع؛ لأنك تنسب فيه الحضور إلى (خالد) مرتين. مرة باعتبار أنه أخ، ومرة بذكر اسمه. وقوله: (تابع) جنس يشمل جميع التوابع.   (1) سورة النبأ، آية: 31، 32. (2) سورة آل عمران، آية: 97. (3) سورة البقرة، آية: 217. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 وقوله: (مقصود بالحكم) يخرج النعت والتوكيد وعطف البيان. لأنها مكملة للمتبوع المقصود بالحكم، لا لأنها هي المقصودة بالحكم، ويخرج به المعطوف بالواو ونحوها مثل: جاء صالح وعاصم، فإنه مقصود بالحكم وليس هو المقصود وحده، كما يخرج المعطوف بـ (لا) نحو: جاء صالح لا عاصم، فإن ما بعد (لا) ليس مقصودًا بالحكم. وكذا المعطوف بـ (بل) بعد النفي نحو: ما جاء صالح بل عاصم؛ لأن المقصود نفي المجيء عن الأول. وقوله: (بلا واسطة) يخرج المعطوف بـ (بل) بعد الإثبات نحو: جاء صالح بل عاصم. فإن الثاني وإن كان هو المقصود بالحكم لكنه بواسطة، فلا يكون بدلاً. وأقسام البدل ستة: 1- بدل كل من كل (1) وهو أن يكون الثاني مساوياً للأول في المعنى نحو: عاملت التاجر خليلاً. ومنه قوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) } (2) فـ (حدائق) بدل من (مفازًا) . وهو بدل كل من كل. (3)   (1) سماه ابن مالك - رحمه الله -: البدل المطابق لوقوعه في اسم الله تعالى في قوله تعالى: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللهِ} فقد قرأ السبعة (عدا نافعًا وابن عامر) بالجر على أنه بدل من (العزيز) . وقرأ نافع وابن عامر بالرفع على الابتداء والخبر (الذي) وصلته. قال ابن مالك: (وذكر المطابقة أولى لأنها عبارة صالحة لكل بدل يساوي المبدل منه في المعنى بخلاف (بدل الكل من الكل) فإنها لا تصدق إلا على ذي أجزاء (أي وذلك ممتنع هنا) الكافية وشرحها 3/1276) . (2) سورة النبأ، آية: 31، 32. (3) الذين قالوا إنه بدل كل قالوا: إنه بدل الجرم من المعنى، على حذف مضاف أي: فوز حدائق. وقيل إنه بدل بعض وقيل بدل اشتمال. وعليهما فالرابط مقدر. راجع تفسيري أبي حيان والألوسي عند هذه الآية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 2- بدل بعض من كل وهو أن يكون الثاني بعضًا من الأول. نحو: قضيت الدين ثلثه. ومنه قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (1) فـ (من استطاع) بدل من (الناس) وهو بدل بعض من كل؛ لأن المستطيع بعض الناس لا كلهم، ولابد فيه من ضمير يعود على المبدل منه. وهو مقدر في الآية. 3- بدل اشتمال وهو أن يكون المبدل منه مشتملاً على البدل بأن يكون دالاً عليه. بحيث إذا ذكر المبدل منه تشوفت النفس إلى ذكر البدل. نحو: نفعني خالد علمُه. فـ (علمُه) بدل اشتمال من (خالد) وهو منطوٍ تحته، وليس جزءاً منه. ولو قلت: نفعني خالد ... لم يتضح المراد، وهل نفعك علمه أو ماله أو جاهه؟ فإذا ذكر البدل اتضح المقصود. ومنه قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} (2) فـ (قتالٍ فيه) بدل اشتمال من (الشهر الحرام) وبينهما تعلق وارتباط بوقوع القتال فيه. وبدل الاشتمال كبدل البعض، لابد فيه من ضمير يعود على المبدل منه كما في الأمثلة. (3)   (1) سورة آل عمران، آية: 97. (2) سورة البقرة، آية: 217. (3) قد يلتبس على الطالب بدل البعض ببدل الاشتمال بجامع البعضية أو الجزئية في كل منهما. والفرق بينهما أن التابع في بدل البعض جزء حقيقي من المبدل منه وهو المتبوع نحو: أكلت الرغيف ثلثه. أما بدل الاشتمال فإنه التابع فيه ليس جزءًا أصيلاً من المتبوع بل هو أمر عرضي اشتمل عليه المبدل منه وهو المتبوع نحو: أعجبني خالد علمه أو حسنه أو كلامه أو فهمه ونحو ذلك مما قد يكون في أمر مكتسب كالعلم أو غير مكتسب وهو ملازم لصاحبه زمناً كالحسن أو غير ملازم كالكلام. وقد يكون الاشتمال تارة اشتمال الظرف على المظروف كالثوب وتارة لا يكون كالفرس. (انظر النحو الوافي 3/667، 669) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 4- بدل إضراب، وهو ما يذكر فيه المبدل منه قصدًا. ولكن يضرب عنه المتكلم ويتركه دون أن يتعرض له بنفي أو إثبات، ويتجه إلى البدل. 5- بدل غلط، وهو ما يذكر فيه المبدل منه غلطاً، ثم يذكر البدل لإزالة ذلك الغلط، فهو بدل من اللفظ الذي ذكر غلطاً، لا أنه هو الغلط. 6- بدل نسيان، وهو: ما يذكر فيه المبدل منه قصدًا. ثم يتبين للمتكلم فساد قصده. فيذكر البدل الذي هو الصواب، فهو بدل من اللفظ الذي ذكر نسيانًا، لا أن البدل ذكر نسيانًا، والفرق بين هذا وسابقه أن الغلط متعلق باللسان، والنسيان متعلق بالجنان. فالمبدل منه في الأول ذكر غلطًا، وفي الثاني ذكر نسيانًا، وهذه الأنواع الثلاثة لا تحتاج إلى ضمير يربط البدل بالمبدل منه. ومثالها: تصدقت بدرهم دينار. فهذا المثال يصلح للثلاثة، فإن كان المتكلم قصد الإخبار بالتصدق بالدرهم ثم أضرب عنه وتركه إلى الإخبار بالتصدق بالدينار. وجعل الأول في حكم المتروك فهو بدل إضراب، وهذا معنى قول المصنف: (بحسب قصد الأول والثاني) . وإن كان المتكلم أراد الإخبار بالتصدق بالدينار فسبق لسانه إلى الدرهم، فهو بدل غلط. وهذا معنى قوله: (أو الثاني وسَبْقِ اللسان) أي: أو قَصْدِ الثاني وَسَبْقِ اللسان إلى الأول. وإن كان قصد الإخبار بالتصدق بالدرهم فلما نطق به تبين له أن الصواب الإخبار بالتصدق بالدينار بظهور الخطأ في القصد الأول فهو بدل نسيان، وهذا معنى قوله: (أو الأول وتَبَيُّنِ الخطأ) أي: أو قَصْدِ الأول وتَبَيُّنِ الخطأ في قصده. باب في حكم العدد تذكيرًا وتأنيثًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 قوله: (العَدَدُ مِنْ ثَلاثَةٍ إلَى تِسْعَةٍ يُؤنَّثُ مَعَ المُذَّكَرِ وَيُذَكَّرُ مَعَ المُؤَنَّثِ دَائِمًا نحْوُ: {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} (1) . وَكَذَلِكَ العَشْرَةُ إِنْ لم تُرَكَّبْ، وَمَا دُونَ الثَّلاثَةِ، وَفَاعِلٌ كَثَالِثٍ وَرَابعٍ عَلَى القِيَاس دَائمًا، وَيُفْرَدُ فَاعِلٌ أَوْ يُضَافُ لِمَا اشْتُقَّ مِنْهُ أَوْ لمَا دُونَهُ أَوْ يَنْصِبُ مَا دُونَهُ) . ألفاظ العدد من حيث التذكير والتأنيث ثلاثة أقسام: ما يخالف المعدود في التذكير والتأنيث. فيذكر مع المؤنث ويؤنث مع المذكر، وهو من ثلاثة إلى تسعة، مفردًا كان نحو: عندي ثلاثة رجال، وأكرمت تسع نسوة، ومنه قوله تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} (2) أو مركباً مع العشرة، نحو نجح ثلاثة عشر طالبًا. أقمت في مكة تسع عشرة ليلةً. أو معطوفاً عليه نحو: في الفصل سبعة وعشرون طالباً. في المزرعة سبع وثمانون نخلة. 2- ما يوافق المعدود في التذكير والتأنيث، فيذكر مع المذكر، ويؤنث مع المؤنث. وهما العددان: واحد واثنان، مفردين نحو: في القرية مسجد واحد، ومدرسة واحدة، اشتريت كتابين اثنين وكراستين اثنتين، أو مركبين نحو: رأى يوسف عليه السلام أحد عشر كوكبًا. كتبت إحدى عشرة ورقة، عندي اثنا عشر كتابًا، واثنتا عشرة كراسة، أو معطوفًا عليهما نحو: حضر الوليمة واحد وعشرون رجلاً، وإحدى وعشرون امرأة. وكذا ما يصاغ من العدد على وزن (فاعل) مفرداً نحو: أزورك - إن شاء الله - في اليوم الثالث من الشهر في الساعة الرابعة عصراً، أو مركبًا، نحو: قرأت الحديث الرابعَ عشرَ، وفي الفقه المسألة السادسة عشرةَ. أو معطوفًا عليه نحو: جلست في المقعد الرابع والعشرين، يكثر تحري المسلمين ليلة القدر في رمضان في الليلة السابعة والعشرين.   (2) سورة الحاقة، آية: 7. 1- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 وهذا معنى قوله: (وما دون الثلاثة وفاعل كثالث ورابع على القياس دائمًا) أي: ما دون الثلاثة وهو: واحد واثنان، وفاعل: مثل العدد ثالث ورابع (على القياس دائماً) فيذكران مع المذكر، ويؤنثان مع المؤنث، مفردًا كان العدد أو مركبًا أو معطوفًا. 3- ما له حالتان وهو العشرة، فإن كانت مفردة فهي عكس المعدود نحو: عندي عشرة رجال، وعشر نساء، وإن كانت مركبة فهي موافقة للمعدود تذكيرًا وتأنيثًا. كما تقدم في أمثلة القسم الأول. وأما الأعداد: مائة وألف وألفاظ العقود - من عشرين إلى تسعين - فإنها تلزم صورة واحدة سواء كان المعدود مذكراً أم مؤنثاً نحو: في الفصل خمسون طالبًا، في المزرعة أربعون نخلة، قَلَّ من يعيش مائة سنة، على فضل العلم مائةُ برهانٍ وبرهانٍ. (1) ويصاغ من الأعداد على وزن (فاعل) من اثنين إلى عشرة؛ ليصف ما قبله ويدل على ترتيبه، وقد ذكر المصنف له أربع حالات: الأولى: الإفراد عن الإضافة، فيفيد حينئذ الاتصاف بمعناه مجردًا نحو: جاء الطالبُ الثالثُ في فصله. فـ (الثالثُ) صفة للطالب. الثانية: أن يضاف لما اشتق منه، فيفيد حينئذ أن الموصوف به بعض تلك العدة المعينة فتقول: جئت إلى المسجد يوم الجمعة وأنا ثالثُ ثلاثةٍ. أي: واحد من ثلاثة. قال تعالى: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ} (2) وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِن اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} (3) .   (1) إعراب تمييز العدد مضى في باب التمييز. (2) سورة التوبة، آية: 40. و (ثاني) حال، وهو مضاف و (اثنين) مضاف إليه. (3) سورة المائدة، آية: 73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 الثالثة: أن يضاف إلى ما تحته من العدد، فيفيد حينئذ معنى التصيير نحو: دخلت المسجد وأنا رابعُ ثلاثةٍ أي: جاعل الثلاثة بنفسه أربعة. قال تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} (1) . الرابعة: أن ينصب ما تحته لكونه اسم فاعل. واسم الفاعل ينصب المفعول، بشرط اعتماده، وكونه للحال أو الاستقبال - كما تقدم في بابه - وعلى هذا فيلحقه التنوين، لعدم الإضافة، فتقول: سأسافر غدًا - إن شاء الله - وأنا رابعٌ ثلاثةً، كما تقول: هذا كاتبٌ الواجبَ. فـ (ثلاثةً) مفعول به منصوب لاسم الفاعل (رابع) . باب في ذكر موانع الصرف قوله: (مَوَانِعُ صَرْفِ الاسْمِ تِسْعَةٌ يَجْمَعُهَا: وَزْنُ المُرَكبِ عُجْمَةٌ تَعْرِيفُهَا … … عَدْلٌ وَوَصْفُ الجَمْعِ زِدْ تَأْنِيثَا كَأَحْمَدَ وَأَحْمَرَ وَبَعْلَبَكَّ وَإِبْرَاهِيمَ وَعُمَرَ وَأُخَرَ وأُحَادَ وَمَوْحِدَ إِلى الأَرْبَعَةِ، وَمَسَاجِدَ وَدَنَانِيرَ وَسَلَّمَانَ وَسَكْرَانَ وَفَاطِمَةَ وَطَلْحَةَ وَزَيْنَبَ وَسَلْمى وَصَحْرَاءَ، فأَلِفُ التَّأْنِيثِ وَالجَمْعُ الَّذِي لا نَظِيرَ لَهُ في الآحادِ كُلِّ مِنْهُما يَسْتَأثِرُ بِالَمْنعِ، وَالبَوَاقِي لابُدَّ مِنْ مُجَامَعَةِ كُلِّ عِلَّةٍ مِنْهُنَّ لِلصِّفَةِ أَوِ العَلَمِيَّةِ) .   (1) سورة المجادلة، آية: 7، وقوله تعالى: (من نجوى) من حرف جر زائد إعراباً مؤكد معنى، و (نجوى) فاعل لـ (كان) التامة مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد وهو مضاف و (ثلاثة) مضاف إليه (إلا) أداة استثناء ملغاة (وهو) مبتدأ (رابعهم) خبر. والهاء مضاف إليه. والميم علامة الجمع، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب حال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 الأصل في الأسماء أن تكون منصرفة - أي منونة - وتمنع من الصرف - أي التنوين - إذا وجد فيها مانع من الموانع التي وضعها النحاة، للتمييز بين الاسم الممنوع من الصرف والاسم المنصرف، وقد تقدم في أول الكتاب تعريف الاسم الممنوع من الصرف. وعلامة الاسم الذي لا ينصرف وجودية، وعلامة المنصرف عدمية. وقد جمع بعضهم هذه العلامات في بيت من العشر كما ذكر المصنف - رحمه الله - وهذه العلامات هي: 1- وزن الفعل. 2- التركيب. 3- العجمة. 4- التعريف (والمراد به هنا العلمية دون غيرها من أقسام المعارف) . 5- العدل. 6- الوصف. 7- الجمع. 8- زيادة الألف والنون. 9- التأنيث. وقد أشار المصنف إلى أمثلتها على الترتيب المذكور في البيت الذي أورده (كأحمد) فيه الوزن والعلمية، (وأحمر) فيه الوزن والوصفية (بعلبك) فيه التركيب والعلمية (وإبراهيم) فيه العجمة والعلمية (وعمر) فيه العدل والعلمية (وأُخَر) بضم أوله وفتح ثانيه، فيه العدل والوصفية (ومساجد ودنانير) فيه الجمع أي: صيغة منتهى الجموع (وسلمان) فيه العلمية وزيادة الألف والنون. (وسكران) فيه الوصفية والزيادة، (وفاطمة) فيه التأنيث بالتاء والعلمية، ومثله: (طلحة) وفائدة ذكره، لبيان أنه لا فرق بين علم المؤنث وعلم المذكر (وزينب) فيه العلمية والتأنيث المعنوي (وسلمى) فيه التأنيث بالألف المقصورة (وصحراء) فيه التأنيث بالألف الممدودة. والعلامة الدالة على منع الاسم من الصرف قد تكون واحدة، وقد تكون اثنتين معًا - كما تبين من هذا العرض الموجز - لهذا كانت الأسماء الممنوعة من الصرف نوعين: الأول: ما يمنع صرفه لوجود علامة واحدة تستقل بالمنع دون مجامعة علامة أخرى، وذلك في موضعين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 1- إذا ختم الاسم بألف التأنيث المقصورة أو الممدودة (1) فالمقصورة ألف تجيء في نهاية الاسم المعرب لتدل على تأنيثه، ومثلها الممدودة إلا أن الممدودة لابد أن تسبقها - مباشرة - ألف زائدة للمد، فتنقلب ألف التأنيث همزة، فمثال المقصورة: للمؤمن في آخر الزمان الدرجاتُ العُلى، ما رأيت ملهى، قدمت إليك ببشرى، فـ (العُلى) صفة لـ (الدرجات) وصفة المرفوع مرفوع بضمة مقدرة على الألف للتعذر، و (ملهى) مفعول به منصوب بفتحة مقدرة للتعذر و (بشرى) اسم مجرور بفتحة مقدرة على الألف للتعذر نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف. ومثال الممدودة: جلست في روضة فيحاءَ، فـ (فيحاءَ) صفة لـ (روضة) مجرورة بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف. ولا فرق بين أن تكون الألف بنوعيها في اسم معرفة مثل: أروى وحواء، أو نكرة مثل: ذكرى وصحراء، أو في مفرد كما مُثِّل، أو جمع كجرحى وأصدقاء. 2- إذا كان الاسم على صيغة منتهى الجموع. والمراد بها: كلُّ جمع تكسيرٍ أولهُ مفتوح وبعد ألف تكسيره حرفان، أو ثلاثة أوسطها ساكن: نحو: لا تذهب إلى مجالسَ سيئةٍ فتسمعَ أحاديثَ لا خير فيها. وسميت بصيغة منتهى الجموع لانتهاء الجمع إليها، فلا يجوز أن يجمع بعدها مرة أخرى، بخلاف غيرها من الجموع فإنها قد تجمع، مثل: كلب، وأكلب وأكالب. ونَعْم وأنعام وأناعم. أما مثل: مساجد ومصابيح ومجالس ونحوها فلا جمع لها بعد ذلك.   (1) يقولون إنما استقلت بالمنع، لأن وجود ألف التأنيث وزيادتها في آخر الاسم علة لفظية لدلالتها على أن مدخولها مؤنث، والتأنيث فرع التذكير، وملازمتها له في جميع حالاته علة معنوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وقول المصنف: (والجمع الذي لا نظير له في الآحاد) أي أن صيغة منتهى الجموع لا نظير لها في الآحاد العربية. أي: لا مفرد على وزنه بل هو خاص بالجمع (1) وهذا فيه إشارة إلى علة المنع. وهي أنه لما كان هذا الوزن - كدراهم ودنانير - لا نظير له في الآحاد، منعوه من الصرف، والحق أن التعليل السليم هو نطق العرب ليس غير. قوله: (وَالبَوَاقِي لا بُدَّ مِنْ مُجَامَعَةِ كُلِّ عِلَةٍ مِنْهُنَّ لِلصِّفَةِ أًوِ العَلَمِيَّةِ وَتَتَعَيَّنُ العَلَمِيَّةُِ مَعَ التًَّرْكِيبِ وَالتَّأنِيثِ وَالعُجْمَةِ، وَشَرْطُ العُجْمَةِ عَلِمِيَّةٌ فِي العَجَمِيَّةِ وَزِيادَةٌ عَلى الثَّلاثَةِ، والصِّفَةِ أَصَالَتُهَا وَعَدَمُ قَبُولِهَا التَّاءَ، فَعُرْيَانٌ وَأَرْمَلٌ وَصَفْوَانٌ وَأَرْنَبٌ بِمَعْنَى قَاسٍ وَذَلِيلٍ مُنْصَرفَةٌ، وَيَجُوزُ في نَحْوِ هِنْدٍ وَجْهَانِ بِخِلاَفِ زَيْنَبَ وَسَقَرَ وَبَلْخَ، وَكَعُمَرَ عِنْدَ تَمِيم بَابُ حَذَامِ إِنْ لَمْ يُخْتَمْ بِرَاءٍ كَسَفَارِ وَأَمْسٍ لِمُعَيَّنٍ إِنْ كَانَ مَرْفُوعًا وَبَعْضَهُمْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيْهِما، وَسَحَرَ عِنْدَ الجَمِيعِ إِنْ كَانَ ظَرْفًا مُعَيَّنًا) . ذكر النوع الثاني مما يمنع من الصرف وهو الذي يُمْنَعُ صرفه لوجود علامتين معًا: علامة معنوية، والأخرى اللفظية (2) ، فالمعنوية: الصفة أو العلمية، واللفظية (زيادة الألف والنون، وزن الفعل، العدل، التركيب، التأنيث، العجمة) وقد فُهِمَ من كلامه أن الصفة والعلمية لا يجتمعان وهو كذلك. فيمنع العلم من الصرف فيما يأتي:   (1) أما لفظ (سراويل) فقيل: إنه مفرد مؤنث جاء على وزن أحد الجموع فاقتضى ذلك منعه من الصرف، وقيل: إنه جمع. وهناك أسماء جاءت على وزن صيغة الجمع مع دلالتها على مفرد وهي في الكتب المطولة. (2) هذه العلامات من وضع النحاة لتقريب مسائل هذا الباب والحق أن العلة هي السماع عن العرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 1- إذا كان مركبًا تركيبًا مزجيًا (وهو كل كلمتين امتزجتا حتى صارتا كالكلمة الواحدة) غير مختوم بـ (ويه) (1) نحو: هذا حضر موتُ ورأيت حضر موتَ، ومررت بحضر موتَ، والأفصح فيه أن يعرب ثاني جزءيه إعراب ما لا ينصرف، ويبني الأول على الفتح كما مُثِّل، ما لم يكن آخره ياء فيسكن (2) ، نحو: هذه قالىْ قلا (اسم مدينة) (3) رأيت قالىْ قلا، قرأت عن قالىْ قلا. 2- مع التأنيث، والمراد بغير الألف، لاستقلالها بالمنع كما مر، ويتحتم منعه من الصرف إن كان بالتاء مطلقًا: أي سواء كان علمًا لمؤنث، مثل: روى عدد من الرجال الحديث عن عائشةَ رضي الله عنها، أو لمذكر نحو: اشتهر معاويةُ بن أبي سفيان بالحلم، أو خاليًا منها وكان زائداً على ثلاثة كزينب وسعاد، أو محرك الوسط كـ: أَمَل - علم لمؤنث - أو أعجمياً كـ: بَلْخ وحِمْص، وهذا معنى قوله: (بخلاف زينبَ وسَقَرَ وبَلْخَ) أي: فإنها ممنوعة من الصرف حتمًا، وأما ساكن الوسط مثل: هِنْدَ، فيجوز فيه الصرف والمنع، كما ذكر المصنف - رحمه الله - تبعًا للفصيح المأثور، والمنع من الصرف أولى لوجود العلامتين التأنيث والعلمية. 3- مع العجمة. وهي أن تكون الكلمة غير عربية (4)   (1) لأن المختوم (بويه) مبني على الكسر، لأنه اسم صوت وأسماء الأصوات من باب أسماء الأفعال، وهي مبنية وعللوا بناءه على الكسر لالتقاء الساكنين. (2) مقابل الأفصح بناء الجزأين على الفتح في جميع إعرابه مثل بناء (خمسة عشر) بشرط أن يكون آخر الجزء الأول صحيحاً. فإن كان معتلاً بقي على سكونه واقتصر على بناء الجزء الثاني. (3) انظر معجم البلدان (4/299) . (4) تعرف عجمة الاسم بأمور غالبية وليست مطردة منها: أ-خروجه عن أبنية العرب نحو إسماعيل فإن مثل هذا الوزن مفقود في أبنية الأسماء في اللسان العربي. ب-نقل الأئمة. ج- أن يجتمع فيه ما لا يجتمع في كلام العرب، مثل الجيم والصاد كـ (صولجان) وهو المحجن، أو القاف والجيم نحو: منجنيق، أو في آخره زاي قبلها دال نحو: مهندز. ولهذا أبدلوا الزاي سيناً فقالوا: مهندس. وانظر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي (1/270) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 ولها شرطان: الأول: أن تكون الكلمة علمًا في لغة العجم، كإبراهيم وإسماعيل فلو كان عندهم غير علم، نحو: ديباج، ثم جعلناه علمًا وجب صرفه. (1) الثاني: أن يكون زائدًا على ثلاثة أحرف - كما مُثِّل - فإن كان ثلاثيًا لم يُمنع من الصرف، سواء كان ساكن الوسط مثل: نوح ولوط وهود (2) ، أو كان محرك الوسط مثل: شَتَر - علم على حصن -. وهذه الثلاثة (التركيب، التأنيث، العجمة) لا تؤثر في المنع من الصرف إلا مع العلمية. وأما الثلاثة الأخرى (الزيادة، والعدل، ووزن الفعل) فتكون مع العلمية والوصفية. 1- فيُمنع العلم من الصرف مع الألف والنون الزائدتين، مثل: عثمان، ورمضان، وعَمَّان. فإن كانتا أصليتين لم يُمنع من الصرف مثل: خان (3) ، ضمان. 2- ويمنع العلم من الصرف مع العدل، وهو تحويل الاسم من حالة إلى حالة أخرى مع بقاء المعنى الأصلي. (4) والواقع منه في المعارف يأتي على صور أهمها: أ-ما كان على وزن فُعَل علم لمذكر نحو: اقتد بعُمَرَ في عدله.   (1) من النحاة من لا يشترط علميته في لغة الأعاجم، وهذا رأي وجيه، وفيه تيسير دون الإساءة للغتنا؛ لأن الوقوف على علميته مع كثرة اللغات فيه عسر. وقد نسبه في (همع الهوامع 1/32) إلى الجمهور. (2) انظر: البحر المحيط (2/450) (4/178) كتاب سيبويه (3/235) وجميع أسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ممنوعة من الصرف إلا سبعة جمعت في قوله: تذكر شعيبًا ثم نوحًا وصالحاً … … وهودًا ولوطًا ثم شيثاً محمدا (3) دكان أو فندق. (4) وفائدة العدل إما التخفيف كما في: مثنى وأخر. أو التخفيف مع تمحضه للعلمية فيبتعد عن الوصفية كما في (عمر) المعدول عن (عامر) ، ثم اعلم أن العدل قد يكون تقديريًا وهو أن يقدر وجوده مع العلم، لئلا يكون المنع من الصرف بالعلمية وحدها، وقد يكون تحقيقاً وسيأتي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 ب-ما كان علماً لمؤنث على وزن (فَعَالِ) (1) نحو: ضُرب المثل بحذامَ في سداد الرأي، وهذا عند بني تميم. بشرط ألا يكون مختومًا بالراء كـ (ظفار) - بلد في اليمن - و (سفار) - اسم بئر - فإن ختم بها فأكثرهم يبنيه على الكسر، وهذا معنى قوله: (وكعُمَرَ عند تميم بابُ حذامِ) وقد تقدم ذلك في أول الكتاب. ج- لفظ (أمس) - مراداً به اليوم الذي قبل يومك مباشرة - فأكثر بني تميم يمنعه من الصرف في حالة الرفع، فيقول: مضى أمسُ ولم استفد شيئًا. بالرفع من غير تنوين، ويبنيه على الكسر في حالتي النصب والجر، ومنهم من يمنعه من الصرف مطلقًا. كما تقدم في أول الكتاب. وهذا معنى قوله: (وأمسِ لمعيَّن..) فهو معطوف على قوله (حذامِ) لأنه معدول عما فيه (ال) وهو الأمس. (2) وقول المصنف: (وبعضهم لم يشترط فيهما) أي: وبعض بني تميم لم يشترط ما اشترطه الجمهور منهم في باب (حذام) وفي (أمس) بل ذهب إلى إعرابهما إعراب ما لا ينصرف مطلقًا. د- لفظ (سَحَر) - إذا أريد به سَحَرُ يوم بعينه - نحو: جئت يوم الجمعة سحرَ، لأنه معدول عن السحر (3) ، فإن كان مبهماً أي: لا يدل على سحر معين صُرف كقوله تعالى: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} (4) . 3- ويمنع العلم من الصرف مع وزن الفعل، والمراد به أن يكون الاسم على وزن خاص بالفعل، أو يكون في أوله زيادة كزيادة الفعل، وهو مساو له في وزنه، فالأول كأن تسمي رجلاً بـ (عَلَّم) فإن هذا الوزن خاص بالفعل، والثاني مثل: أحمد ويزيد ونحوهما. وتمنع الصفة [وهي: ما دل على معنى وذات] من الصرف فيما يأتي: 1- مع زيادة الألف والنون، إذا كانت على وزن (فعلان) بشرطين:   (1) الحق أن منعه من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي. وأما العدل عن حاذمة فليس بواضح. (2) هذا تعليل متكلف والحجة هي السماع عن العرب. (3) هذا تعليل متكلف والحجة هي السماع عن العرب. (4) سورة القمر، آية: 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 الأول: أن تكون الوصفية أصيلة (أي: غير طارئة) ، مثل: عطشان، غضبان، سكران، ونحوها. الثاني: عدم قبولها التاء (1) ، إما لأنه لا مؤنث لها، لاختصاصها بالذكور مثل: لحيان لكبير اللحية. أولها مؤنث بغير التاء مثل: عطشان، فإن مؤنثه: عطشى، تقول: لا تبخل على عطشانَ ولا عطشى. فإن كانت الصفة ليست أصيلة، بل هي عارضة، أو كانت قابلة للتاء فإنه لا أثر لها في المنع. فالأول نحو: صفوان، بمعنى: قاسٍ، نحو: هذا رجل صفوانٌ قلبُه - بالتنوين - فهو منصرف، لأن وصفيته عارضة، إذ صفوانٌ في الأصل اسم للحجر الأملس ثم نُقل إلى الوصفية. والثاني: وهو ما يقبل التاء مثل: عريان، نحو: كسوت فقيرًا عريانًا، بالتنوين، لأن مؤنثه عريانة، بالتاء. 2- الصفة مع وزن الفعل، بالشرطين السابقين وهما: ألا تكون وصفيته طارئة، وألا يكون مؤنثة بالتاء، نحو: رُدَّ التحية بأحسنَ منها. فإن كانت وصفيته طارئة نحو: أرنبٍ، في قولنا: مررت برجلٍ أرنبٍ، لأن (أرنباً) اسم لدابة معروفة، أو كان مؤنثه بالتاء نحو: أرملٍ، في قولك: عطفت على رجلٍ أرملٍ، أي: فقير، لأن مؤنثه: أرملة. 3- الصفة مع العدل. وذلك إذا صيغت الصفة من الواحد إلى الأربعة، عل وزن (فُعَال ومَفْعل) نحو: جاء الضيوف ثُناءَ ومثنى، تريد أنهم جاءوا اثنين اثنين (2) فعدلت عن التكرار إلى مثنى، والغالب أن هذه الأعداد المعدولة تكون حالاً أو صفة أو خبراً.   (1) الظاهر أن هذا الشرط أغلبي بدليل أن كتب اللغة - كالقاموس - تذكر لكلمة (عطشان) مؤنثًا بالتاء وآخر بغير تاء. انظر النحو الوافي (4/217) . شرح الألفية للمؤلف (2/331) . (2) العدل من واحد إلى أربعة يسمى بالعدل التحقيقي؛ لأن هذه الألفاظ وردت عن العرب بصيغة تخالف الصيغة الممنوعة من الصرف بعض المخالفة مع اتحاد المعنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 وكذا كلمة (أُخَر) مؤنث (آخر) بمعنى مغاير. نحو: سجل التاريخ لعائشة أمِّ المؤمنين ولنساءٍ أُخرَ من أمهات المؤمنين أثرهن في حفظ السنة، وكان الأصل أن يقال: آخر بمد الهمزة، وفتح الخاء لأنه اسم تفضيل مجردٌ من أل والإضافة، فيلزم الإفراد والتذكير ولكن عدلوا عنه وقالوا: نساءٍ أُخَر، بضم الهمزة وفتح الخاء بلفظ الجمع، فمنع من الصرف للوصفية والعدل. والخلاصة أن الأسماء الممنوعة من الصرف ثلاثة أنواع: 1- ما يُمنع صرفه لعلامة واحدة وهو صيغة منتهى الجموع، وما فيه ألف التأنيث المقصورة أو الممدودة. 2- ما يُمنع صرفه للعلمية، ومعها علامة أخرى، وهي التركيب أو التأنيث أو العجمة. 3- ما يُمنع صرفه للعلمية أو الصفة، ومعهما الزيادة أو العدل أو وزن الفعل. والله أعلم. باب في التعجب وما يبنى منه فعلا التعجب واسم التفضيل قوله: (التَّعَجُّبُ لَهُ صِيغَتَانِ: مَا أَفْعَلَ زَيْدًا، وَإِعْرَابُهُ: مَا مُبْتَدَأٌ بِمَعْنَى شَيءٌ عَظِيمٌ، وَأَفْعَلَ فِعْلٌ مَاضٍِ فَاعِلُهُ ضَمِيرُ مَا، وَزَيْدًا مَفْعُولٌ بِهِ وَالجُمْلَةُ خَبَرُ ما. وَأَفْعِلْ بِهِ وَهُوَ بِمَعْنى: مَا أَفْعَلَهُ، وَأَصْلُهُ أَفْعَلَ، أَيْ صَارَ ذَا كَذَا كَأَغَدَّ الْبَعِيرُ أَيْ صَارَ ذَا غُدَّةٍ، فَغُيِّرَ اللَّفْظُ وُزِيدَتِ الْبَاءُ فِي الفَاعِلِ لإِصْلاحِ اللَّفْظِ، فَمِنْ ثَمَّ لَزِمَتْ هُنَا، بِخِلافِهَا فِي فَاعِلِ كَفَى) . التعجب: انفعال يحدث في النفس عند الشعور بأمر يُجهلُ سببه، والمراد بالانفعال: تأثر النفس عند الشعور بالأمر المذكور. وقول النحاة: إن التعجب مستحيل في حقه تعالى، لأنه لا يخفى عليه شيء، وأنه ينبغي صرف التعجب في نصوص القرآن والسنة للمخاطب، هذا فيه نظر، والصواب إثبات التعجب لله تعالى على ما يليق بجلاله، فإن التعجب نوعان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 1- أن يكون صادراً عن خفاء الأسباب على المتعجِّب فيندهش له ويستعظمه ويتعجب منه، وهذا مستحيل على الله تعالى؛ لأن الله لا يخفى عليه شيء. 2- أن يكون سببه خروج الشيء عن نظائره أو عما ينبغي أن يكون عليه مع علم المتعجب، وهذا هو الثابت لله تعالى (1) . وقد دلت النصوص على ثبوته، قال تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} (2) بضم التاء للفاعل، وهي قراءة حمزة والكسائي. وعلى هذه القراءة فالآية من آيات الصفات، وقال تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} (3) وقال تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} (4) ، وقال تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} (5) ، قال ابن أبي عاصم (6) في كتابه (السنة) : (بابٌ في تعجب ربنا من بعض ما يصنع عباده مما يُتقرب به إليه) وذكر حديث: (عَجِبَ ربنا تبارك وتعالى من رجلين: رجل قام من فراشه ولحافه .... الحديث) وهو حديث حسن، وحديث: (عَجِبَ ربك من راعي الغنم في رأس الشَّظِية من الجبل يؤذن ويقيم الصلاة) . إسناده جيد. وعلى هذا فتعريف النحاة للتعجب خاص بالنوع الأول المتعلق بالآدميين، كما نص على هذا الزجاج (7) وأما اعتبار القاعدة النحوية هي الأصل ثم تؤول النصوص بما يتمشى معها من اعتبار التعجب مصروفاً للمخاطبين فهذا غير صحيح. والله أعلم. والتعجب نوعان:   (1) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (6/123) وأضواء البيان للشنقيطي (6/680) . وانظر شرح لمعة الاعتقاد لابن عثيمين ص34، 35. (2) سورة الصافات، آية: 12. (3) سورة عبس، آية: 17. (4) سورة البقرة، آية: 175. (5) سورة مريم، آية: 38. (6) السنة لابن أبي عاصم (1/249) . (7) معاني القرآن (4/299) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 1- نوع لا ضابط له، وإنما يعرف بالقرينة. نحو: قول الله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} (1) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس" متفق عليه، وقولهم: لله دره فارسًا. 2- نوع قياسي، وله صيغتان وضعتا لإنشائه وهما: ما أَفْعلَهُ، وأَفْعِلْ به. فالأولى نحو: ما أوسع الحديقة لِلَّهِ فـ (ما) تعجبية، اسم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، وهي نكرة تامة، ومعنى نكرة: أنها بمعنى (شيء) أيِّ شيء، ومعنى (تامة) : أي أنها لا تحتاج إلا للخبر، فلا تحتاج لنعت أو غيره من القيود، وسوغ الابتداء بها تضمنها معنى التعجب، فصارت بمعنى: (شيء عظيم) . و (أوسع) : فعل ماض مبني على الفتح، بدليل لزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية، نحو: ما أفقرني إلى عفو الله. وهو غير متصرف بسبب استعماله في التعجب، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره (هو) يعود على (ما) و (الحديقة) مفعول به منصوب، والجملة خبر المبتدأ (ما) . والثانية نحو: أَقبِحْ بالبخل لِلَّهِ وهي بمعنى: ما أقبحه. فمدلول الصيغتين من حيث التعجب واحد، فـ (أقبح) فعل ماض جاء على صورة الأمر، مبني على فتح مقدر لمجيئه على هذه الصورة، وأصله (أَفْعَلَ) بصيغة الماضي، وهمزته للصيرورة، أي: أَقْبَحَ البخل بمعنى: صار ذا قبح، كقولهم: أبقلت الأرض، أي: صارت ذات بقل، وهو النبات، وأثمرت الشجرة، أي: صارت ذات ثمرة، فَغُيِّر اللفظ من صورة الماضي إلى الأمر لقصد التعجب، فَقَبُحَ إسناد صيغة الأمر إلى الاسم الظاهر، فزيدت الباء في الفعل فـ (الباء) زائدة. و (البخل) فاعل مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، والباء هنا لازمة لا يجوز حذفها، بشرط أن يكون المجرور بها اسماً صريحاً، فإن كان مصدرًا مؤولاً من (أنْ أو أنَّ) وصلتهما جاز حذفها. كقول القائل:   (1) سورة البقرة، آية: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 وقال نبي المسلمين تقدموا … … وأَحْبِبْ إلينا أن تكون المقدما (1) أي: وأحبب إلينا بكونك المقدمَ. وهذا بخلاف الباء في فاعل (كفى) فإنه يجوز تركها، فمثال ذكرها قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (2) فـ (الباء) حرف جر زائدًا إعرابًا مؤكد معنى، ولفظ الجلالة فاعل مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، و (شهيدًا) تمييز منصوب. وقد مضى ذلك في أول باب الفاعل. ومثال تركها أن تقول: كفى الإيمانُ زاجرًا عن المعاصي. وهذا الإعراب والتخريج الذي ذكر المصنف - رحمه الله - في هذه الصيغة هو المشهور، وذهب جماعة من النحاة إلى الإعراب الأتي: أقبح: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل ضمير مستتر وجوباً، تقديره: أنت، يعود على مصدر الفعل المذكور وهو (القبح) . (بالبخل) جار ومجرور متعلقان بالفعل، ويكون المعنى الملحوظ: يا قبح أقبح بالبخل، أي: لازمه ولا تفارقه. وهذا الإعراب أيسر من الأول، فالأخذ به حسن، ولا سيما للمبتدئين. قوله: (وَإِنَّمَا يُبْنَى فِعْلاَ التَّعَجُبِ وَاسْمُ التَّفْضِيلِ مِنْ فِعْلٍ ثُلاثِي مُثْبَتٍ مُتَفَاوِتٍ تَامٍّ مَبْنِيٍّ لِلْفَاعِلِ اسْمُ فَاعِلِهِ أَفْعَلَ) . ذكر المصنف شروط ما يبنى منه فعلا التعجب، وذلك بأن يُتعجب منه مباشرة، ولما شارك اسم التفضيل فعلى التعجب في هذه الشروط ضمه المصنف إليهما لقصد الاختصار، وهذه الشروط: 1- أن يكون فعلاً، فلا يبنيان من غير فعل. فلا يقال: ما أجلفه لِلَّهِ، من الجِلْفِ (وهو الرجل الغليظ الجافي) ولا ما أحمره!، من الحمار. 2- أن يكون ثلاثيًا، فلا يبنيان مما زاد على ثلاثة، مثل: دحرج وانطلق واستخرج.   (1) في البيت دليل على جواز الفصل بين فعل التعجب وفاعله وهو المصدر المؤول بالجار والمجرور وهو معمول لفعل التعجب. (2) سورة النساء، آية: 79. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 3- أن يكون مثبتًا، فلا يصاغان من فعل منفي، سواء كان النفي ملازمًا له نحو ما عاج (1) الدواء أي: ما نفع، أو كان غير ملازم نحو: ما حضر الغائب. 4- أن يكون معناه قابلاً للتفاوت أي: التفاضل والزيادة، ليتحقق معنى التعجب. فلا يصاغان مما لا تفاوت فيه، نحو: فني ومات. (2) 5- أن يكون الفعل تامًا (أي ليس ناقصًا) ، فلا يبنيان من (كان وكاد) وأخواتهما. 6- أن يكون مبنيًا للفاعل (أي للمعلوم) فلا يصاغان من فعل مبني للمجهول مثل: عُرِف، عُلِم، خوف الالتباس بالمبني للفاعل. وهو المبني للمعلوم، فإن أمن اللبس بأن كان الفعل ملازمًا للبناء للمجهول جاز ذلك، وقد سمع من كلامهم: ما أشغله، وما أعناه بحاجتك، فيصح: ما أزهى الطاووس، وما أهزل المريض، من شُغل وعُنى وزُهى (3) وهُزل. 7- ألا يكون اسم فاعله على أفعل، وموضع ذلك ما دل على عيب أو لون أو حلية أو شيء فطري نحو: عَرِج. فهو أعرج. وخَضِر فهو أخضر، وحَوِر فهو أحور (4) ، فلا يتعجب من ذلك. والصحيح ما قاله بعض الكوفيين من صحة مجيء التعجب مما يدل على الألوان والعيوب، لورود السماع عن العرب في باب أفعل التفضيل، من قولهم: أسودُ من حَلَكِ الغراب، وأبيضُ من اللبن، والحكم على ذلك بالشذوذ والمنع من القياس عليه غير مقبول. 8- وبقي شرط ثامن لم يذكره ابن هشام، وهو: ألا يكون الفعل جامدًا، مثل: نعم وبئس وعسى ونحوها.   (1) مضارعة يعيج أما عاج يعوج فمعناه: مال يميل. وهذا يأتي في النفي والإثبات. (2) إلا إن أريد وصف زائد عليه فيقال في نحو: مات عصام: ما أفجع موته، وأفجع بموته. (3) حكى ابن دريد فيما نقله في اللسان (4/361) : زها يزهو، أي: تكبر، وعليه فلا شذوذ لأنه من المبني للفاعل. (4) الحور: شدة سواد العين وشدة بياضها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 فإن كان الفعل ثلاثي أو ناقصًا أو كان الوصف منه على أفعل فإننا نتوصل إلى التعجب منه أو التفضيل بواسطة (ما أشد أو اشدد) ونحوهما، ونأتي بعد ذلك بمصدر ذلك الفعل صريحًا أو مؤولاً، ويكون منصوبًا على المفعولية بعد (أشد) ونحوه، ومجرورًا بعد (اشدد) ونحوه. وأما بعد أفعال التفضيل فهو منصوب على التمييز نحو: ما أشدَّ انطلاقَ خالد، واشدد بانطلاقه، ما أصعب أن يكون الدواء مراً، ما أشد خضرة الزرع. فـ (ما) مبتدأ و (انطلاق) مفعول به منصوب و (خالد) مضاف إليه، والجملة خبر المبتدأ. و (انطلاق) مصدر صريح. و (أن يكون) مصدر مؤول. و (اشدد) فعل ماض جاء على صورة الأمر، أو فعل أمر (بانطلاقه) الباء حرف جر زائد و (انطلاق) فاعل، أو الفاعل ضمير مستتر على ما تقدم في إعراب الصيغة. وتقول في التفضيل: خالد أكثرُ إعانةً من أخيه، فـ (خالد) مبتدأ و (أكثر) خبر و (إعانةً) تمييز (من أخيه) متعلق باسم التفضيل. وإن كان الفعل مبنياً للمجهول أو منفياً فنتوصل إلى التعجب منه بالواسطة المذكورة، ونأتي بمصدر الفعل مؤولاً نحو: ما أحسن أن يبذل المال في الخير. ما أضرَّ ألاَّ يصدق البائع. فـ (أن يبذل) في تأويل مصدر مفعول (أحسن) ، والتقدير: ما أحسنَ بذلَ المال. و (ألا يصدق) في تأويل مصدر منفي بـ (لا) ، والتقدير: ما أضرَّ عدمَ صدقِ البائع. ولا يتعجب من الفعل الجامد، ولا من الذي لا يتفاوت معناه مطلقًا لا بواسطة ولا مباشرة؛ لأن الجامد لا مصدر له فَيُنْصَبَ أو يُجَرَّ، والذي لا يتفاوت معناه ليس قابلاً للتفاضل، فلا يتحقق معنى التعجب. والله أعلم. باب في الوقف (1) وبعض مسائل الخط   (1) والمراد به هنا الوقف الاختياري. وهو الوقف المقصود لذاته فإن لم يقصد أصلاً بل عرض للقارئ بسبب ضيق النفس ونحوه فاضطراري، وإن قصد به اختبار حال الطالب هل يحسن الوقف فهو اختباري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 قوله: (الوَقْفُ في الأَفْصَحِ عَلَى نَحْوِ: رَحْمَةٍ بِالهَاءِ، وَعَلَى نَحْوِ: مُسْلِمَاتٍ بِالتَّاءِ) . الوقف: قطع النطق عند آخر الكلمة، ويتعلق به الأحكام الآتية: 1- إذا وقف على كلمة منتهية بتاء التأنيث التي قبلها متحرك قلبت التاء هاء، في أفصح اللغتين نحو: ما أشبه الليلة بالبارحهْ، ويجوز إبقاؤها - كما سيذكر المصنف - وكذا إن كان ما قبل التاء ساكناً معتلاً نحو: قد قامت الصلاه، فإن كان ما قبل التاء ساكنًا صحيحاً كأُخْتٍ وبِنْت، وقف عليها بالتاء من غير إبدال. وأما إذا كان جمعاً بالألف والتاء فالأفصح الوقف بالتاء، نحو: رُبَّ أكلةٍ منعت أكلاتْ، وبعضهم يقف بالهاء (1) - كما سيأتي - فقد سمع من كلامهم: كيف الأخوةُ والأخواه؟ قوله: (وَعَلَى نَحْو: قَاضٍ رَفْعًا وَجَرًّا بِالحَذْفِ، وَنَحْوُ: القَاضِي فِيهمَا بِالإِثْبَاتِ، وَقَدْ يُعْكَسُ فِيهِنَّ، وَلَيْسَ في نَصْبِ قَاضٍ وَالقَاضِي إِلا اليَاءُ) . 2- إذا وقف على الاسم المنقوص وهو ما آخره ياء مكسور ما قبلها، فإما أن يكون معرفة، وهو: المحلى بأل، أو نكرة، وهو: المنون، فإن كان منونًا فالأفصح الوقف عليه رفعًا وجرًا بحذف الياء نحو: جاء داعٍ، سلمت على داعٍ.   (1) وهم عرب طيئ كما في المطالع النصرية ص (145) وفي الأشموني (4/214) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 ويجوز الوقف عليه بإثبات الياء فتقول: جاء داعي، وسلمت على داعي. وقد قرأ ابن كثير - من السبعة - في قوله تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} (1) ، وقوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} (2) ، وقوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} (3) ، وقوله تعالى: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} (4) قرأ ابن كثير بياء في الوقف في الألفاظ الأربعة حيث وقعت، وقرأ الباقون بالحذف. (5) وإن كان غير منون فالأفصح الوقف عليه رفعًا وجرًا بالإثبات نحو: شر القلوب القلبُ القاسي، تدور الدوائر على الباغي، ويجوز الوقف عليه بحذفها، ومنه قوله تعالى: {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} (6) وقوله تعالى: {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ} (7) فقد قرأ الجمهور بالحذف، وقرأ ابن كثير بإثبات الياء. (8) فإن كان المنقوص منصوبًا ثبتت ياؤه مطلقًا محلى بأل، أو منونًا، فإن كان منونًا أُبدل من تنوينه ألف، نحو: كفى برسول الله - - صلى الله عليه وسلم - - إماماً وهاديا، قال تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا} (9) ، وإن كان غير منون وقف على الياء نحو: اشمل بمعروفك الدانيَ والقاصيْ. قال تعالى: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} (10) .   (1) سورة الرعد، آية: 7. (2) سورة الرعد، آية: 11. (3) سورة الرعد، آية: 34. (4) سورة النحل، آية: 96. (5) انظر الكشف لمكي (2/21) . (6) سورة الرعد، آية: 9. (7) سورة غافر، آية: 15. (8) انظر الكشف لمكي (2/24، 246) . (9) سورة آل عمران، آية: 193. (10) سورة القيامة، آية: 26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وقول المصنف (وقد يعكس فيهن) الضمير في قوله (فيهن) راجع إلى قلب تاء (رحمة) هاء. وإثبات تاء (مسلمات) وحذف ياء (قاض) وإثبات ياء (القاضي) فيوقف على (رحمة) بالتاء بدل الهاء، وعلى (مسلمات) بالهاء بدل التاء، وعلى (قاض) بالياء بدلاً من حذفها، وعلى (القاضي) بالحذف وقد ذكر ذلك كله. (1) قوله: (وَيُوقَفُ عَلَى (إِذًا) وَنَحْوِ: {لَنَسْفَعَنْ} (2) وَ (رَأَيْتُ زَيْدًا) بِالأَلِفِ كَمَا يُكْتَبْنَ) . 3- يجب في الوقف قلب النون الساكنة ألفاً في ثلاث مسائل: الأولى: إذن الجوابية، وهي حرف جواب وجزاء في نحو: أزورك غدًا إن شاء الله، فتقول: أكرمك إذا، وأصلها (إذن) ، فتبدل عند الوقف ألفاً كما يفعل بالمنون المنصوب - الذي سيأتي ذكره - وهذا على ما ذكر ابن هشام، وهو مذهب بصري، والكوفيون يكتبونها بالنون مطلقًا سواء كانت ناصبة أم لا، للفرق بينها وبين (إذا) الظرفية والفجائية، والقول الثالث للفراء وهو: أن الناصبة تكتب بالنون، والملغاة بالألف، وهذا في غير ما ورد في القرآن؛ لأن ما ورد فيه فهو سنة متبعة في رسمه مقصورة عليه. (3)   (1) اعلم أن هناك فرقا بين تاء التأنيث وهاء التأنيث وخلاصته كما يلي: 1- أن تاء التأنيث لا تبدل في الوقف هاء. وهاء التأنيث يوقف عليها بالهاء. 2- أن تاء التأنيث تكتب مبسوطة، وهاء التأنيث تكتب مربوطة. 3- أن تاء التأنيث لا تمنع من الصرف وهاء التأنيث تمنع من الصرف. 4- أن تاء التأنيث تكون في الأسماء والأفعال نحو: بنت خرجت، وهاء التأنيث لا تكون إلا في الأسماء مثل: فاطمة. أن هاء التأنيث يفتح ما قبلها دائماً لفظاً نحو حفصة وطلحة، أو تقديرًا نحو فتاة وقضاة. بخلاف تاء التأنيث فقد يكون ما قبلها ساكنًا نحو: بنت وأخت، وقد يكون متحركًا نحو: قالت ونعمت. راجع المطالع النصرية ص 141. (2) سورة العلق، آية: 15. (3) انظر المطالع النصرية ص135، 136. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 الثانية: نون التوكيد الخفيفة الواقعة بعد الفتحة نحو: احذرَنْ صحبة الفاسق، فتقول في الوقف: احذرا، ومنه قوله تعالى: {لَنَسْفَعَنْ} (1) وقوله تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ} (2) وقف جميع القراء عليها بالألف. (3) الثالثة: تنوين الاسم المنصوب: رأيت خالدًا، وعلى هذا جمهور العرب إلا ربيعة، فإنهم وقفوا بالحذف: رأيت خالدْ. وقوله: (كما يكتبن) أي أن الوقف في هذه المسائل الثلاث بالألف كما يكتبن بها. لأن الأصل في كتابة الكلمة أن تكتب بصورة لفظها بتقدير الابتداء بها والوقف عليها. قوله: (وَتُكْتَبُ الأَلِفُ بَعْدَ وَاوِ الجَمَاعَةِ كَقَالُوا دُونَ الأَصْلِيَّةِ، كَزَيْدٌ يَدْعُو، وَتُرْسَمُ الأَلِفُ يَاءً إِنْ تَجَاوَزَتِ الثَّلاثَةَ، كَاسْتَدْعَى وَالمُصْطَفَى أَوْ كَانَ أَصْلُهَا اليَاءَ كَرَمَى وَالْفَتَى، وَأَلِفاً في غَيْرِهِ كَعَفَا وَالعَصَا وَيَنْكَشِفُ أَمْرُ أَلِفِ الفِعْلِ بِالتَّاءِ كَرَمَيْتُ وَعَفَوْتُ، وَالاسْمِ بِالتَّثْنِيَةِ كَعَصَوَيْنِ وَفَتَيَيْنِ) . ذكر المصنف - رحمه الله - مسألتين من مسائل الكتابة:   (1) سورة العلق، آية: 15. (2) سورة يوسف، آية: 32. (3) لا بد من قرينة تدل على أن الألف في المثال المذكور أصلها نون التوكيد الخفيفة ولذا قال الفاكهي في شرح القطر (2/278) : (محل كتابة النون الخفيفة بالألف، عند عدم اللبس، أما إن حصل لبس نحو: لا تضربَنْ زيدًا واضربن عمرًا. فتكتب بالنون على الأصح؛ لئلا يلتبس أمر الواحد أو نهيه بأمر الاثنين أو نهيهما في الخط) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 الأولى: أنهم فرقوا بين الواو في قولك (زيد يدعو) وبينها في قولك (الطلاب لم يحضروا) فزادوا ألفاً بعد واو الجماعة، وجردوا الأصلية من الألف، قصدًا للتفرقة بينهما، وعلى هذا فتزاد الألف بعد الواو بشرط كونها ضميرًا في فعل ماض نحو: كتبوا، أو أمر نحو: اكتبوا، أو مضارعًا محذوف النون نحو: لم يكتبوا، فخرج بذلك: الواو التي من بنية الفعل نحو: ندعو الشباب إلى الاستقامة (1) والواو التي هي علامة الرفع في جمع المذكر السالم والأسماء الخمسة نحو: متقدمو العلماء هم أولو الفضل وذوو السبق، وخرج أيضًا: الواو التي لإشباع ضمة الميم، وتسمى (واو الصِّلة) كما في قول الشاعر: إلامَ الخلفُ بينكمُو إلاما … … وهذه الضجة الكبرى علاما وفيمَ يكيدُ بعضكمُو لبعض … … … وتبدون العداوة والخصاما الثانية: في كيفية رسم الألف المتطرفة فإن كانت رابعة فصاعدًا رسمت ياء نحو: استدعى، المصطفى، إلا إن كان قبلها ياء فترسم ألفًا مثل: دنيا، محيا، أحيا. كراهة اجتماع ياءين في الخط إلا (يحيى) علمًا فيرسم ياء، فرقًا بين كونه علمًا وكونه فعلاً، لأنه إذا كان فعلاً يكتب بالألف نحو: وسميته يحيى ليحيا. وإن كانت ثالثة نظر إلى أصلها فإن كان أصلها ياء رسمت ياء نحو: رحى، الفتى، وإن كان أصلها واواً رسمت ألفًا نحو: دعا، العصا. وطريقة الكشف عن الأصل أن الفعل يوصل بتاء المتكلم أو المخاطب فما ظهر فهو أصله، ألا ترى أنك تقول في رمى: رميت، وفي: دعا: دعوت. والاسم يثنى، فما ظهر فيها فهو أصله، ألا ترى أنك تقول: في الفتى والعصا: الفتيان والعصوان. والله أعلم. فصل في الكلام على مواضع همزة الوصل   (1) من المتقدمين من يكتب الألف بعد واو الفعل. انظر شرح النووي على صحيح مسلم عند الحديث رقم: 1534. وانظر المطالع النصرية ص152. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 ((فَصْلٌ) هَمْزَةُ اسْم بِكَسْرٍ وَضمٍ وَاسْتٍ وَابْنٍ وَابْنِم وَابْنَةٍ وَامْرِىءٍ وَامْرَأَةٍ وَتَثْنَيَتِهِنَّ وَاثْنَيْنِ وَاَثْنَتَيْنِ وَالغُلام وَايْمُنِ الله فِي القَسم بِفَتْحِهِمَا أَوْ بِكَسْرٍ في ايْمُنِ: هَمْزَةُ وَصْلِ، أَيْ تثْبُتُ ابْتِدَاءً وَتُحْذَفُ وَصْلاً، وَكَذَا هَمْزَةُ المَاضِي المُتَجَاوِزِ أرْبَعَةَ أَحْرُفٍ كَاسْتَخْرَجَ وَأَمْرِهِ وَمَصْدِرِهِ، وَأَمْرِ الثُّلاَثِيِّ كاقْتُلْ واغْزُ وَاغْزِي بَضَمِّهِنَّ، واضْرِبْ وَامْشُوا وَاذْهَبْ بِكَسرٍ كَالبَوَاقِي) . هذا الفصل معقود لبيان مواضع همزة الوصل وحركتها، وهي همزة سابقة في أول الكلمة تثبت في الابتداء، وتحذف في حال الوصل، بمعنى أنه ينطق بها عندما تكون في أول الكلمة، ولا ينطق بها عندما توصل الكلمة بغيرها. وأما كتابتها فتكتب مطلقًا نُطِقَ بها أم لم ينطق بها إلا في مواضع معينة (1) وهذا معنى قوله: (تثبت ابتداء وتحذف وصلاً) وتكتب ألفاً مجردة من الهمزة. وسميت بهمزة الوصل، لأنه يؤتى بها في أول الكلمة، ليتوصل بها إلى النطق بالساكن، لأن العرب لا تبدأ بساكن ولا تقف على متحرك. وقول المصنف - رحمه الله - (همزة اسم) مبتدأ، خبره قوله: (همزة وصل) وأما مواضعها: أ- فتدخل همزة الوصل سماعًا في عشرة أسماء وهي: 1- اسم. 2- است بمعنى الدبر. 3- ابن. 4- ابنم. وهو بمعنى (ابن) والميم فيه زائدة للتوكيد والمبالغة. 5- وابنة. 6- وامرؤ. 7- وامرأة. وكذا تثنية هذه الاسماء السبعة فهمزتها همزة وصل، بخلاف جمعهن، فإن همزاته همزات قطع مثل: الأسماء، الأبناء. 8- اثنان. 9- اثنتان.   (1) وهي مواضع حذف همزة الوصل راجع لها: المطالع النصرية ص167 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 10- ايمن الله، ولا يستعمل إلا في القسم، وهو اسم مفرد مشتق من اليُمْنِ بمعنى البركة، فإذا قال المقسم: ايمن الله لأفعلن، فكأنه قال: بركة الله قسمى لأفعلن، وهو مرفوع بالابتداء وخبره محذوف ويقال فيه: وايم الله. ب- وسمعت في حرف واحد هو (ال) نحو: الغلام. ج- لهمزة الوصل مواضع قياسية، هي: 1- الأمر من الماضي الثلاثي نحو: اكتب. اشرب. 2- ماضي الفعل الخماسي نحو: انطلَقَ، وأمره نحو: انطلقْ ومصدره نحو: انطلاق. 3- ماضي الفعل السداسي نحو: استخرجَ، وأمره نحو: استخرجْ ومصدره نحو: استخراج. ويبقى الفعل الرباعي فإن همزته همزة قطع، نحو: أعلنَ، وكذا أمره نحو: أعلنْ، ومصدره نحو: إعلان، وهذا يفهم من قوله: (المتجاوز أربعة) . وأما حركتها: 1- فوجوب الفتح في همزة (ال) لكثرة الاستعمال. 2- رجحان الفتح على الكسر في (ايمن) وهو معنى قوله (بفتحهما) فالضمير عائد إلى (الغلام وايمن) لكنه واجب في الأول، جائز في الثاني برجحان كما دل عليه قوله (أو يكسر في ايمن) . 3- رجحان الكسر على الضم في (اسم) فالضم فيها قليل جداً. 4- وجوب الكسر في كل فعل كسر ثالثه، نحو اضرب. اجلس. 5- وجوب الضم في كل فعل مضموم ثالثه ضمًا أصليًا، ويدخل في ذلك المبنى للمجهول نحو: انُطُلق واُستُخرج، وأمر الثلاثي المضموم العين ضماً متأصلاً نحو: اُكتب، اُدرس، اُغز، فإن كانت العين مكسورة نحو: اِضرب، أو كان الضم غير متأصل كُسِرت الهمزة نحو اِمشُو واِقضُوا، لأن أصلها: (امْشِيُوا، اقْضِيُوا) استثقلت الضمة على الياء فحذفت، ثم الياء لالتقاء الساكنين، وضمت العين لمناسبة الواو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 كما يدخل في ذلك ما كانت عينه مضمومة ولو تقديراً نحو: اُغزِي يا هند، وأصله: اغزُوِي، بالضم، بدليل وجوده إذا لم توجد ياء المخاطبة، نحو: يا محمد اِغزُ، فاستثقلت الكسرة على الواو فنقلت إلى ما قبلها، ثم حذفت الواو للساكنين، وبعضهم جوز كسر الهمزة نظراً للحالة الراهنة وهي أن ثالثه مكسور ليكون مثل: اِضرب. وعلى هذا فهم يراعوان في حركة همزة الوصل مجانسة الحرف الثالث وهو عين الكلمة فضموها في: اُكُتب، وكسروها في اِضرِب، وكان مقتضى ذلك أن يفتحوها في: اِذهْب، لكنهم تركوا المراعاة وأوجبوا الكسر لئلا يلتبس بالمضارع المسبوق بالهمزة حالة الوقف. وما عدا ذلك فتكسر همزته مراعاة للأصل فيها، فيدخل في قول ابن هشام (كالبواقي) الأسماء التسعة التي تقدم ذكرها وهي: است واثنتان وما بينهما، فكلها بكسر الهمزة، وكذا الفعل الماضي الخماسي والسداسي ومصدرهما والأمر منهما إلا الفعل المبني للمجهول كما تقدم. هذا ما أردنا كتابته على هذه المقدمة المفيدة إن شاء الله، والله أعلم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فهرس الموضوعات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 فهرس الموضوعات المقدمة الكلمة وأقسامها تعريف الكلمة أقسام الكلمة علامات الاسم أقسام الاسم من حيث الإعراب والبناء أقسام الاسم المبني على الكسر أقسام الاسم المبني على الفتح أقسام الاسم المبني على الضم أقسام الاسم المبني على السكون الفعل، أقسامه، علاماته، إعرابه أقسام الفعل علامة الفعل الماضي بناء الفعل الماضي ما اختلف في فعليته علامة فعل الأمر بناء فعل الأمر ما اختلف في كونه فعل الأمر علامة الفعل المضارع حركة أول الفعل المضارع حركة آخر الفعل المضارع علامة الحرف ما اختلف في حرفيته حكم الحرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 تعريف الكلام أقل ما يتألف منه الكلام أنواع الإعراب الإعراب بالعلامات الفرعية الأسماء الستة - إعرابها الأسماء الستة - شروطها الأفصح في الهن المثنى وجمع المذكر السالم تعريف المثنى حكم المثنى تعريف جمع المذكر السالم حكم جمع المذكر السالم ما يلحق بالمثنى شروط ما يجمع هذا الجمع المحلق بجمع المذكر السالم ما جمع بألف وتاء تعريف جمع المؤنث السالم ما يلحق بجمع المؤنث السالم ما لا ينصرف الأمثلة الخمسة بيان الأمثلة الخمسة إعراب الأمثلة الخمسة بيان الفعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 المعتل الفعل المضارع والمعتل حكم الفعل المعتل الإعرابي أنواع الإعراب الإعراب التقديري إعراب الفعل المضارع رفع الفعل المضارع نصب الفعل المضارع نواصب المضارع نواصب المضارع (لن) نواصب المضارع (كي) نواصب المضارع (إذن) نواصب المضارع (أن المصدرية) حالات أن حالات (أن) الناصبة إظهار (أن) جوازًا إظهار (أن) وجوبًا إضمار (أن) وجوبًا جزم الفعل المضارع ما يجزم فعل واحد أدوات الشرط ما يجزم فعلين اقتران جواب الشرط بالفاء النكرة والمعرفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 تقسيم الاسم إلى نكرة ومعرفة .أنواع المعارف الضمير تعريف الضمير .أقسام الضمير الاستتار الواجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 الاستتار الجائز تقسيم الضمير البارز .اتصال الضمير وانفصاله العلم تقسيم العلم وتعريف كل قسم اسم الإشارة تعريف اسم الإشارة ألفاظ الإشارة مراتب المشار إليه الاسم الموصول تعريف الموصول ألفاظ الموصول المختص ألفاظ الموصول المشترك صلة الموصول حذف العائد المعرف بـ (ال) أنواع (ال) المعرفة المضاف لمعرفة باب المبتدأ والخبر أقسام المبتدأ حكم المبتدأ والخبر مسوغات الابتداء بالنكرة وقوع الخبر جملة اشتراط الرابط وأنواعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 الإخبار بالزمان عن المعنى والذات ما يسد مَسَدَّ الخبر تعدد الخبر تقدم الخبر حذف المبتدأ والخبر وجوب حذف الخبر باب كان وأخواتها عمل كان وأخواتها أنواع كان ومعانيها توسط الخبر في هذا الباب تقدم الخبر في هذا الباب مجيء بعض الأفعال بمعنى صار استعمال هذه الأفعال ما تختص به كان جواز زيادة كان جواز حذف نونها جواز حذفها وإبقاء اسمها وخبرها جواز حذفها مع اسمها الحروف العاملة عمل (ليس) الحرف الأول (ما) الحرف الثاني (لا) الحرف الثالث (لات) باب (إن) وأخواتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 معانيها شروط علمها تخفيف (إن) تخفيف (لكن) تخفيف (أن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 تخفيف كأنَّ توسط الخبر في هذا الباب مواضع كسر همزة (إن) لام الابتداء في هذا الباب باب (لا) النافية للجنس عمل (لا) النافية للجنس الفرق بينها وبين العاملة عمل (ليس) شروط عملها حالات اسم (لا) تكرار (لا) نعت اسم (لا) باب (ظن) وأخواتها عمل (ظن) وأخواتها الإلغاء في هذا الباب تعريف الإلغاء التعليق في هذا الباب تعريفه وأنواعه باب الفاعل تعريف الفاعل أحكام الفاعل - الرفع تأخره عن عامله إفراد فعله في حالة تثنية الفاعل أو جمعه تأنيث الفاعل إذا أسند لفاعل مؤنث وجوب تأنيث الفعل جواز تأنيث الفعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 مواضع حذف الفاعل اتصال الفاعل بالفعل تأخير الفاعل جوازًا تأخير الفاعل وجوبًا وجوب تقديم الفاعل جواز تقديم المفعول على الفعل وجوب تقديم المفعول على الفعل أنواع فاعل (نعم) و (بئس) المخصوص وإعرابه نائب الفاعل تعريف نائب الفاعل ما يترتب على حذف الفاعل ما ينوب عن الفاعل تغيير شكل الفعل المسند لنائب الفاعل باب الاشتغال تعريف الاشتغال جواز الوجهين في الاسم السابق ترجيح نصب الاسم السابق وجوب نصب الاسم السابق وجوب رفع الاسم السابق جواز الوجهين في الاسم السابق ما ليس من باب الاشتغال باب التنازع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 تعريف التنازع مذاهب النحاة في ترجيح أحد العاملين إعمال الفعل المهمل في ضمير المنازع فيه ما ليس من باب التنازع باب في ذكر منصوبات الأسماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 بيان المفاعيل تعريف المفعول به أحكام المنادى تعريف المنادى وأقسامه وجوب نصب المنادى المنادى المبني المنادى المضاف لياء المتكلم المنادى المضاف إذا كانت كلمة (أب أو أم) فصل في أحكام تابع المنادى تابع المنادى المبني تابع المنادى المعرب إذا تكرر لفظ المنادى فصل في ترخيم المنادى تعريف الترخيم شروط الترخيم أحكام الترخيم ما يحذف للترخيم فصل في الاستغاثة والندبة تعريف الاستغاثة أركان الاستغاثة أسلوب الاستغاثة تعريف الندبة حرف الندبة حكم المندوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 المفعول المطلق تعريف المفعول المطلق حكم المفعول المطلق الإعرابي أقسام المفعول المطلق ما ينوب عن المصدر بعد حذفه المفعول له تعريف المفعول له حكم وشروط المفعول له أحوال المفعول له المفعول فيه تعريف المفعول فيه أسماء الزمان تقبل النصب على الظرفية ما يقبل النصب على الظرفية من أسماء المكان الظرف المتصرف وغير المتصرف المفعول معه تعريف المفعول معه أحوال الاسم الواقع بعد الواو باب الحال أقسام الحال تعريف الحال الحال لا تكون إلا نكرة حق صاحب الحال أن يكون معرفة أو نكرة بمسوغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 باب التمييز تعريف التمييز نوعا التمييز مواضع تمييز المفرد إعراب تمييز العدد تمييز (كم) الاستفهامية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 تمييز (كم) الخبرية جواز جر تمييز (كم) الاستفهامية تمييز النسبة نوعا تمييز النسبة مجيء التمييز والحال للتوكيد باب المستثنى تعريف المستثنى إعراب المستثنى تقدم المستثنى على المستثنى منه الاستثناء المفرغ الاستثناء بغير وسوى بقية أدوات الاستثناء باب مخفوضات الأسماء أنواع الجر تقسيم حروف الجر الحرف المشترك في معاني (من) الحرف المشترك في معاني (إلى) الحرف المشترك في معاني (عن) الحرف المشترك في معاني (على) الحرف المشترك في معاني (في) الحرف المشترك في معاني (اللام) الحرف المختص بالاسم الظاهر (رُب) الحرف المختص بالاسم الظاهر (مذ ومنذ) الحرف المختص بالاسم الظاهر (الكاف) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 الحرف المختص بالاسم الظاهر (حتى) الحرف المختص بالاسم الظاهر (واو القسم وتاؤه) الإضافة العامل في المضاف إليه الإضافة المعنوية الإضافة بمعنى حرف من حروف الجر الإضافة اللفظية الأحكام المترتبة على الإضافة حكم اقتران المضاف بـ (ال) باب في ذكر الأسماء العاملة عمل أفعالها الأسماء العاملة عمل الفعل اسم الفعل - تعريفه اسم الفعل - أقسامه اسم الفعل - أحكامه المصدر - تعريفه المصدر - عمله المصدر - شروط عمله المصدر -أقسام العامل عمل فعله اسم الفاعل - تعريفه اسم الفاعل - صياغته عمل اسم الفاعل المقترن بـ (ال) أمثلة المبالغة - تعريفها عمل صيغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 المبالغة اسم المفعول - تعريفه وصياغته عمل اسم المفعول الصفة المشبهة باسم الفاعل - تعريفها الصفة المشبهة باسم الفاعل - صياغتها ما تخالف فيه الصفة المشبهة اسم الفاعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 عمل الصفة المشبهة أحكام المعمول وجوب إعراب المعمول اسم التفضيل - تعريفه اسم التفضيل مم يصاغ اسم التفضيل - أحواله اسم التفضيل - عمله باب التوابع تعريف التابع النعت وتعريفه الأشياء التي ينعت بها أغراض النعت أحكام النعت مع منعوته قطع النعت عن منعوته التوكيد تقسيم التوكيد ما ليس من التوكيد التوكيد المعنوي وألفاظه ما يخالف فيه التوكيد النعت جواز العطف في النعت دون التوكيد حكم توكيد النكرة عطف البيان - تعريفه مجيء عطف البيان نكرة جواز إعراب عطف البيان بدلاً إلا ما استثني عطف النسق - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 تعريفه حرف العطف - الواو حرف العطف - الفاء حرف العطف - ثم حرف العطف - حتى حرف العطف - أو حرف العطف - أم بقية الحروف البدل - تعريفه البدل - أقسامه باب في حكم العدد تذكيرًا وتأنيثاً تقسيم ألفاظ العدد حكم العدد الذي على وزن فاعل باب في ذكر موانع الصرف الأصل في الأسماء الصرف ذكر العلامات إجمالاً ما يمنع صرفه لعلامة واحدة ما يمنع صرفه لعلامتين خلاصة الموضوع باب في التعجب وما يبنى منه فعل التعجب تعريف التعجب نوعا التعجب إعراب صيغة التعجب ما يصاغ منه فعلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 التعجب واسم التفضيل ما يتوصل به إلى التعجب من منافذ الشروط باب في الوقف وبعض مسائل الخط تعريف الوقف الوقف على ما آخره تاء الوقف على المنقوص قلب النون الساكنة ألفًا عند الوقف .فصل في الكلام على مواضع همزة الوصل تعريف همزة الوصل مواضع همزة الوصل القياسية حركة همزة الوصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310