الكتاب: شرح الآجرومية المؤلف: د حسن بن محمد الحفظي   [الكتاب مرقم آليا] ---------- شرح الآجرومية لحسن حفظي حسن حفظي الكتاب: شرح الآجرومية المؤلف: د حسن بن محمد الحفظي   [الكتاب مرقم آليا] الدرس الأول المقدمة في اللغة حمدًا لك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وصلاةً وسلامًا دائمين متتابعين على من أرسله الله رحمة للعالمين نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين. أيها الإخوة الموجودون هنا، أيها المشاهدون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذه هي الحلقة الأولى من حلقات البرنامج الذي سنقوم بإذن الله تعالى بتقديمه في قناة المجد الفضائية، التي نسأل الله عزّ وجلّ أن يوفقها لتسير على هذا السير وعلى هذا النهج القويم. ونحن هنا بإذن الله تعالى سنقوم بشرح مقدمة الآجرومية، وهي مقدمةٌ مختصرةٌ موجزةٌ لقيت عنايةً كبيرةً من العلماء منذ ألفها مؤلفها رحمه الله تعالى، ولم تلقى العناية في الشروح فقط، ولكنا أضافت إلى ذلك أنها نُظمت شعرًا، وشُرح هذا النظم، فلقيت لها من العناية الشيء الكثير، مما يدل على العناية التي لقيتها هذه المقدمة - وهي المقدمة الآجرومية - أكررها مرةً ثانيةً حتى يثبت اسمها، حتى نعرف ما الذي سنقوم بشرحه. ذكر حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون عددًا من المؤلفات التي شُرحت بها هذه المقدمة، وأرى لزامًا علينا في بداية الأمر أن نبدأ بمقدمات لابد منها حتى ندخل في هذا العلم ونحن نعرف ما يتعلق به من المقدمات. وأول ما نبدأ به إن شاء الله تعالى التحدث عن أهمية تعلم اللغة العربية، والأصل الأصيل من أصول اللغة العربية وهو علم النحو، وسننظر إن شاء الله تعالى مدى هذه الأهمية، وسنتحدث بعد هذا إن شاء الله تعالى عن علاقة علم النحو بعلوم الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية، وبعد هذا إن شاء الله تعالى سنتحدث عن بداية التأليف في هذا العلم، وعن خصائص اللغة العربية، ونتحدث ربما قليلا عن أطوار التأليف في هذا العلم. وأرجو أن يكون الموجودون هنا متابعين لأنه سيوجه إليهم أسئلة إن لم يُوجهوا أسئلة في نهاية الحلقة إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 وحتى يكون التواصل بيننا وحتى نُبعد الملل عن أنفسنا لابد أن يتخلل لقاءنا هذا وفي اللقاءات القادمة إن شاء الله بعض الحديث عما يتعلق بهذا العلم. نبدأ بالحديث عن أهمية هذا العلم وهو النحو، النحو فرعٌ من فروع اللغة العربية، وهو فرعٌ له أهميته لما يترتب عليه من استقامة الألسنة، واستقامة حديث المُتحدث واستقامة اللسانين. هم يجعلون القلم أحد اللسانين، واللسان الآخر هو اللسان المعروف المُتحدَّث به، فاستقامة اللسانين تستلزم منا أن نعرف أصول هذا العلم، ونعرف تركيب الكلام بعضه إلى بعض، ونعرف ما يتعلق به. أقول أهمية هذا العلم -وهو علم النحو- تتبين لنا في حث عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما قال: "تعلّموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم"، وكتب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: "أما بعد، فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي"، هذا من كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما أرسل أبي موسى الأشعري ذلك. قال ابن الأثير رحمه الله: وفي حديث عمر رضي الله عنه "تعلموا السنن والفرائض واللحن كما تتعلمون القرآن"، والمقصود باللحن الكلام وأصول العربية، وفي رواية أخرى "تعلموا اللحن في القرآن كما تتعلمونه"، والضمير هنا يعود إلى القرآن، كما تتعلمون القرآن تعلموا ما يتعلق به من العربية، قال ابن الأثير: يريد تعلموا لغة العرب بإعرابها، وقال الأزهري: معناه تعلموا لغة العرب في القرآن واعرفوا معانيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 وبدون شك أن هذه النصوص نكتفي بها لأنها تضعنا على الطريق الصحيح لبيان مكانة هذا العلم ومنزلته، تعلمون يا أيها الأحباب أن علوم الدين الإسلامي متعددة ومتنوعة، وكل علمٍ يؤدي إلى مصلحة للإسلام والمسلمين فهو من علوم الدين الإسلامي، سواءٌ أكانت علاقته مباشرة بعلوم الدين الإسلامي أم كانت علاقة ليست مباشرةً تمامًا، وإنما هي بعيدة نوعًا ما، لكن في النهاية تصب في مصلحة المسلمين، فإذًا ما دامت حاجة المسلمين قائمةً إذا تعلموا علمًا من العلوم فإنه يُصبح تعلمه على الأقل فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإلا أثم الجميع، وهذا العلم –أقصد علم النحو- ليس من فروض الكفاية وإنما هو وسيلةٌ لمعرفة كتاب الله عزّ وجلّ ومعرفة سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. نبدأ أولا بالعلاقة بين هذا العلم والقرآن الكريم، اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم لا تدرك أهميتها إلا بقدر ما تتعلق بمعرفة كتاب الله عزّ وجلّ ومعرفة أسراره، وبدون شكٍ يا أيها الأحباب أن معرفة أسرار التعبير في القرآن الكريم إذا لم تكن مدركًا بأصول هذا العلم وما يتعلق به أيضًا من التقديم والتأخير ومن الإيجاز ومن الإطناب وما شاكل ذلك من علوم البلاغة العربية، فإنك لن تصل إلى معرفة أسرار القرآن الكريم ومعرفة حقيقة ما أمر الله به عزّ وجلّ. يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "وإنما يُعرف فضل من عرف كلام العرب وعلم العربية وعرف علم البيان ونظر في أشعار العرب وخطبها ومقالاتها في مواطن افتخارها ورسائلها وأراجيزها وأسجاعها فعلم منها تلوين الخطاب ومعدوله وفنون البلاغة ودروب الفصاحة وأجناس التجنيس وبدائع البديع ومحاسن الحكم والأمثال، فإذا علم ذلك في هذا الكتاب العزيز ورأى ما أودعه الله سبحانه فيه من البلاغة والفصاحة وفنون البيان فقد أوتي فيه العجب العجاب"، هذه علاقة تعلم اللغة العربية بمعرفة أسرار كتاب الله عزّ وجلّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 أما علم التفسير فقد اشترطوا فيمن يتصدى لهذا العلم أن يكون عالمًا باللغة العربية وبكل فنونها، وأولها فن النحو، فإنه إذا لم يكن متقنًا لهذا العلم فإنه يبعد عليه أن يكون مُفسرًا تفسيرًا قويمًا، لأن بعض الكلام فيه تقديم وفيه تأخير، انظروا مثلا إلى قول الله عزّ وجلّ ? إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ? [فاطر: 28] ، لو لم تعرف أن العلماء هنا يجب تأخيرها مع أنها فاعل لأنها هي المحصورة، لو لم تعرف هذا لنقص عليك شيءٌ وأنت تتصدى لتفسير كتاب الله عزّ وجلّ. نص أبو حيّان في كتابه البحر المحيط فيما يحتاج إليه علم التفسير من علوم فقال: "النظر في كتاب الله تعالى يكون من وجوه، الوجه الأول: علم اللغة اسمًا وفعلا وحرفًا، ويؤخذ ذلك من كتب اللغة. الوجه الثاني: معرفة الأحكام التي للغة العربية من جهة إفرادها ومن جهة تركيبها، ويؤخذ ذلك من كتب النحو. الوجه الثالث: كون اللفظ أو التركيب أحسن وأفصح، ويؤخذ ذلك من علم البيان والبديع"، ثم ذكر أربعة أوجه أخرى تؤخذ من معرفة أسباب النزول وأصول الفقه وعلم العقيدة وعلم القراءات، هذه أصول من يريد التفسير، فإذًا لابد له أن يكون متقنًا لهذا العلم حتى يتصدى لهذا العمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 ما علاقة هذا العلم بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم؟ تعلمون يا أيها الأحباب أن الحديث هو المصدر الثاني للتشريع، ومعرفة أسراره ومعانيه والمراد منه والأحكام المستخلصة منه يتوقف على معرفة اللغة العربية نحوًا وصرفًا ولغةً وبلاغةً، وبخاصة أمثلة الأسماء وأبنية الأفعال وجهات الإعراب، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأدَّاها كما سمعها، فرب حامل فقهٍ غير فقيه، وربَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يُلزمنا أن نعرف مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلامه حتى نبلغه كما أراد صلى الله عليه وسلم، هذه علاقتنا بعلم الحديث. أما علاقتنا بعلم الفقه وأصوله، لاشك أن المطلع على أصول الفقه يعرف معرفةً تامةً مدى هذه العلاقة، وأن كثيرًا من أبواب أصول الفقه كأنك تدرسه في أبواب علم النحو، لا فرق بينهما في كثيرٍ من الأمور. أما علم العقيدة فارتباطها بعلوم اللغة العربية ارتباطٌ وثيقٌ قويٌّ، ذلك أن العقيدة الصحيحة إنما تؤخذ من الكتاب والسنة، وفهمها بتأويلٍ وبدون تأويل مُعتمدٌ على معرفة اللغة العربية وعلومها المختلفة، وللأسف الشديد فقد زاغ كثيرٌ ممن زاغ عن العقيدة الصحيحة بسبب عدم الفهم الصحيح للغة العربية، أو بسبب التأويل المنحرف عن القصد الحقيقي الصحيح، فزاغوا وأزاغوا مع الأسف الشديد. هذه أبرز علوم الدين الإسلامي ومدى علاقتها باللغة العربية، وننتقل بعد ذلك إلى معرفة بداية التأليف في هذا العلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 اعلموا يا أيها الأحباب أن هذا العلم –وهو علم النحو- اختلف في من كان له قصب السبق، وأكثر الأقوال وأقواها تقول إنه أبو الأسود الدؤلي بناءً على أمرٍ من الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ونحن هنا نقول إن سبب تأليف هذا العلم إنما هو- يا أيها الأحباب- توسع الفتوحات الإسلامية ودخول العجم بين العرب واختلاطهم بهم وفساد الألسنة بناءً على هذا الاختلاط. ويُروى في الكتب التي تؤلف لتاريخ النحو روايات كثيرة، تبين هذه الروايات انتشار اللحن قبيل الأمر بالتأليف في هذا العلم، ويُروى في حديثٍ ضعيف أن رجلا لحن بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم –وهو إن لم يكن موضوعًا فهو ضعيف-، لكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما لحن هذا الرجل بحضرته قال (أرشدوا أخاكم فقد ضل) ، وأنا كنت في بدايات أول ما كنت أتحدث عن تاريخ النحو أذكر هذا الحديث حتى تبين لي أنه ضعيف. على كل حال يُروى روايات أخرى عن صور من انتشار اللحن في الكلام، منها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ على قومٍ يُسيئون الرمي فقرّعهم وأنّبهم على ذلك، فقالوا له: إنَّا قومٌ مُتعلمين، فقال رضي الله عنه: والله لخطؤكم في لسانكم أشد عليّ من خطئكم في رميكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 كما طلب عمر من أحد ولاته أن يُقنِّع كاتبه سوطًا، وهذا كتبه عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن قنِّع كاتبك سوطًا، لم؟ لأن أبا موسى الأشعري أمر كاتبه أن يكتب كتابًا لعمر بن الخطاب، فكتب في الكتاب "من أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب"، فرد عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "عزمتُ عليك لمَّا ضربت كاتبك سوطًا"، للحنه في قوله "من أبو موسى الأشعري"، والصور التي يذكرونها للحن كثيرة، وقبل قليل ذكرتُ لكم أن القول الصحيح والأقوى في من بدأ التأليف في هذا النحو أنه هو أبو الأسود الدؤلي بإشارة من الإمام علي رضي الله عنه، ويُقال إن أبا الأسود الدؤلي قدّم ورقة مكتوبة إلى علي بن أبي طالب كتب فيها تقسيم الكلام إلى اسمٍ وفعلٍِ وحرف، ثم قال "الاسم ما دلّ على المُسمَّى، والفعل كذا، والحرف كذا"، فأُعجب علي بن أبي طالب بهذا وقال: "ما أحسن هذا النحو الذي نحوْتَ"، لذلك يقول بعضهم إن السبب في تسمية هذا العلم بعلم النحو كلمة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما قال "ما أحسن هذا النحو الذي نحوت"، والمقصود بكلمة نحو كما تعلمون أو كما ربما يتبادر إلى الذهن هو الاتجاه أو القصد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 أما الحديث عن خصائص اللغة العربية، فاللغة العربية في الحقيقة اختصت بخصائص عديدة، ولها ميزات كثيرةٌ، ذكر بعضها المؤلفون، وأذكر لكم بعض الإيجاز عن هذه الخصائص التي اختصت بها لغة القرآن، يقول المؤلفون إن من أعظم خصائص اللغة العربية سعة مادتها، وغنى حصيلتها، ويدل على ذلك ما نُقل عن الخليل بن أحمد صاحب كتاب العين الذي ذكر أن ما يمكن تكوينه بتركيب أحرف الهجاء وتقليب الكلام، لأن كتاب العين للخليل بن أحمد مبنيٌّ على تقاليب الكلام، كيف ذلك؟ يقول مثلا كلمة "علم" مكونة من ثلاثة أحرف، العين واللام والميم، فيبدأ بمادة علم مثلا لأنها بالعين، وكتابه مُسمَّى بكتاب العين لأنه بدأه بحرف العين، فيقول يُعطيك معنى علم، ثم يُعطيك معنى "لمع"، ثم يُعطيك معنى "ملع" إذا كان لها معنى، ثم هكذا يُقلب تقاليب الكلمة، يُنسب إليه أنه يقول إن عدد التراكيب التي يمكن أن تكون من تقاليب الكلام بعضه إلى بعض في اللغة العربية يربو على اثني عشر ألف ألف، هذا كلامهم، والمقصود الآن اثني عشر مليون كلمة، طبعًا أكثر هذه التقاليب لا تُستعمل، وإنما يُستعمل آلافٌ محدودة قد أحصاها بعضهم فقال إن المواد التي يمكن أن تُركب لا تزيد على ثمانين ألف مادة. الخاصية الثانية من خصائص هذه اللغة لغة القرآن الكريم، يذكر المؤلفون أن اللغة العربية من خصائصها أنها لغة الفكر والثقافة والعقيدة، لما يزيد على ألف مليون من المسلمين، وإنك لترى كل مسلمٍ مُلزمًا أن يتحدث على الأقل في صلواته ودعواته وأذكاره باللغة العربية، تجد المسلمين في شتَّى أنحاء العالم على الأقل لو لم يتحدَّثوا إلا في صلواتهم باللغة العربية وفي قراءة فاتحة الكتاب، فهي هذه اللغة لغتهم إلزامًا على الأقل في صلواتهم، وتجد كثيرًا من المسلمين يقرأ أو يتعلم هذه اللغة لأنها لغة القرآن الكريم، ولتقوى علاقته بهذا الكتاب وبسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 ثالث هذه الخصائص للغة العربية أنهم يصفونها بأنها لغة اشتقاق، موادها كثيرة، ويمكن الاشتقاق من كل مادة صيغًا كثيرة تفي بحاجة العلوم،وبحاجة المخترعات، وتؤدي المطلوب منها، وهذا الاشتقاق كما يذكر المؤرخون للغات عمومًا لا يوجد له نظير في كثرته وقبول كل مادة منه في اللغات الأخرى. رابع هذه الخصائص تنوع أساليبها وعباراتها، فأنت تجد بعض الألفاظ فيها ألفاظٌ حقيقية، بعض الألفاظ فيها ألفاظٌ مجازية، بعض الألفاظ فيها ألفاظ مُكَنَّى بها، بعض الألفاظ فيها ألفاظٌ مُصرَّحٌ بها، فأساليبها متعددة، ولا توجد هذه الخاصية في كثيرٍ من اللغات الأخرى، لا أقول لا توجد في كل اللغات، كثير من اللغات لا توجد فيها مثل هذه الخاصية. خامس هذه الخصائص لهذه اللغة أنها أقرب لغات الدنيا إلى قواعد المنطق، يعني تجد أن مخارج الحروف وتجد أن تركيب الحروف بعضها إلى بعض أقرب إلى المنطق كما يقول الدارسون للغات، أنا لا أقول هذا الكلام من عندي، ولكن الدارسين للغات نصوا على أن اللغة العربية أقرب إلى قواعد المنطق من أي لغة أخرى، وعباراتها سليمة طيِّعة تطاوع من أراد أن يصوغ منها صيغًا مناسبةً لمعانٍ متعددة. سادس هذه الخصائص كما ذكر الأستاذ أنور الجندي في كتابه "الفُصحى لغة القرآن" أنه توصل علم اللغات المقارن -فيما نُقل عن الأستاذ محمد أديب السلاوي- قال إنها بلغت رقمًا قياسيًّا في الكمال، وإنها معبرةٌ بطبيعتها عن العلوم المختلفة، هذا الكلام يقوله من يُقارن بين اللغات ويوازن بينها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 سابع هذه الخصائص أن جميع مفرداتها قابلةٌ للتصريف إلا ما ندر، مما ندر كلمة "عسى" ما تتصرف، كلمة "ليس" لا تتصرف، كلمة "نعم" لا تتصرف، أيضًا شئ عام الحروف كلها لا تتصرف، أما الأفعال فهي قابلةٌ للتصريف، بل إن الأصل في التصريف للأفعال، الأسماء كذلك يمكن أن يكون الاسم مفردًا، يمكن أن يكون مثنى، يمكن أن يكون مجموعًا، يمكن أن يكون مصغرًا، يمكن أن يكون منسوبًا، وهكذا. إذًا كل مفرداتها تقبل التصريف إلا ما ندر، وهذا في الحقيقة يعنيننا على أن نصوغ لكل شيءٍ ما يخصه، متى ما أردنا إلى اسم الفاعل أتينا به، متى ما أردنا إلى اسم المفعول الذي وقع عليه الفعل أتينا به، وهكذا، فهذه اللغة والمفردات قابلةٌ للتصريف. ثامنُ هذه الخصائص أنه نظرًا لسعتها وثرائها فإنه يوجد فيها ما يُسمَّى بالمترادفات، وهو تعبيرٌ عن الشيء الواحد بألفاظٍ متعددة، مثلا يذكرون أن للسيف عدد كبير من الأسماء، يذكرون للجمل كثير من الأسماء، هذا دليلٌ على ثراء هذه اللغة، إذا كان المعنى الواحد يمكن أن يُعبَّر عنه بألفاظٍ متعددة، فإن هذا دليلٌ على ثراء هذه اللغة. يُقابل هذا ما يُسمَّى بالاشتراك وهو أن يكون اللفظ الواحد يُطلق على معانٍ متعددة، على سبيل المثال كلمة العين، تطلق على العين الجارية، تطلق على العين المبصرة، تُطلق على الجاسوس، وهكذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 ولكن شيءٌ آخر ننبه عليه وهو أن بعضهم يقول لا يوجد ترادف لا في اللغة ولا في القرآن ولا في الشعر ولا في غيره، لم؟ قالوا كل لفظٍ له معنًى خاص به، فمثلا إذا قلت إن السيف يُطلق عليه اسم الفيصل، قال لأنه يفصل في القضايا لقوة من يستعمله، يُسمى حسامًا، يقول لا، هذا لا يُسمى حسامًا إلا إذا كان له كذا وكذا، مُهند، لا يُسمى مهندًا إلا إذا كان منسوبًا إلى الهند، وهكذا، فإذًا بعضهم ينفي وجود الترادف في اللغة، ويقول لا يوجد ترادفٌ في اللغة وإنما كل لفظٍ خاصٌ بالمعنى الذي أُطلق عليه، فهذا هو ثامن خصائص هذه اللغة. من خصائصها التي يذكرها المؤرخون أيضًا أنها لا توجد في غيرها ما يُسمَّى بالإيجاز، المعنى الكبير تؤديه بألفاظٍ قليلة، ويقول بعضهم حينما عرّف البلاغة: البلاغة هي الإيجاز، وكتب بعضهم رسالةً مطوَّلةً جدًا ثم اعتذر في آخرها فقال: يؤسفني يا أخي أنه ليس عندي وقت للإيجاز، معنى هذا أن الإيجاز أصعب من الإطناب، وهذه خاصية اختصت بها هذه اللغة. من خصائصها وهي الخاصية العاشرة أن مفرداتها غنية جدًا ويمكن زيادتها عن طريق الاشتقاق والتوليد إلى ما لا نهاية، مثلا نأخذ الجذر "سَلِمَ"، سَلِمَ معناها نجى، و"سَلَّمَ" –اختلفت الصيغة بمجرد زيادة حرف- معناها ألقى التحية، و"سالم" دخل في السلم، و"أسلم" انقاد، و"الإسلام" الخضوع لله، و"تَسَلَّمَ" أخذ شيئًا، و"استلم" لمس الحجر الأسود بالشفة أو باليد، وهناك "مُسلم" و"مُتسلِّم" و"مُسالم" وإلى آخره، صيغٌ كثيرةٌ وكل صيغة لها معنى جديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 من الخصائص أيضًا أن بعض صيغها لا يمكن التعبير عنه باللغات الأخرى كما يقول المؤرخون للغات، يقولون صيغة "تفاعل" و"انفعل" و"افتعل" و"استفعل" هذه الصيغ ليست موجودةً في اللغات الأخرى، وإنما لابد أن يؤتى بكلمتين أو بثلاث كلمات حتى يؤدى معنى التفاعل أو التفعل أو الانفعال أوالاستفعال أو ما شاكل ذلك كما يقول أيضًا مؤرخو اللغة، ونحن نبرأ إلى الله إذا كان هذا الكلام غير صحيح. من الخصائص أيضًا أنه لم يدخل في اللغة العربية من اللغات الأخرى إلا ألفاظ قليلة محدودة، هذا طبعًا عند بداية التأليف في علوم اللغة، لمَّا نقلوا العلوم الأخرى لم يحتاجوا إلى أن ينقلوها بالغات التي نُقلت منها مثل علم الطب وعلم الفلسفة وعلم الفلك وما شاكل ذلك، لم ينقلوها بألفاظ الذين ألّفوا بها، ولكنهم استغنوا بمادة هذه اللغة فألَّفوا بها الكتب، ولم يدخل إلا ألفاظٌ قليلةٌ محدودة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 أبرز خصائص هذه اللغة أن أبناءها المتحدثين بها بعد ألفٍ وخمسمائة سنة أو أكثر لا يزالون يفهمون ما كُتب بها منذ مئات السنين، في حين أن اللغات الأخرى يكاد يستحيل أن يقرأ غير المتخصصين ما كُتب بها بعد بضع مئاتٍ من السنين، وهذه الحقيقة لا ينكرها أحدٌ من أصحاب اللغات الأخرى، والسبب في هذا يا أيها الأحباب هو أن هذه اللغة حُفظت بحفظ كتاب الله عزّ وجلّ، يقول الله سبحانه وتعالى ? أنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ? [الحجر: 9] ، هذه اللغة لغة دين، ولغة كتاب، والمحافظة عليها تؤجر عليها إذا قصدت بها خدمة كتاب الله عزّ وجلّ، والله سبحانه وتعالى تكفّل بحفظ كتابه فحُفظت هذه اللغة، ولذلك تجد كثيرًا ممن يريد الهجوم على كتاب الله عزّ وجلّ أو الهجوم على الدين الإسلامي ما يستطيع أن يهاجم مباشرةً على كتاب الله خاصةً ممن في قلوبهم زيغ، ولكنه يأتي إلى اللغة فيهجم عليها بغرض أن يتوصل من هجومه هذا إلى الهجوم على كتاب الله عزّ وجلّ، فيدعو إلى الكتابة مثلا بالأحرف اللاتينية، يدعو إلى العامية، وما شاكل ذلك، فلا يستطيع أن يهجم مباشرةً على كتاب الله عزّ وجلّ، أو يتخفى من وراء هجومه على كتاب الله عزّ وجلّ بهجومه على اللغة العربية لغة القرآن الكريم، وهذا الجانب في الحقيقة تصدى له كثيرٌ ممن أراد الله عزّ وجلّ أن يجعل على أيديهم الخير فدافعوا، والحمد لله رب العالمين أن كل الدعوات ما تلبث أن تضمحل وتنصرف عن ذلك. من خصائص اللغة أيضًا خاصية أخرى وهي خاصية التوليد والاشتقاق، فيبقى معك بعض الأحرف ثم تولد مادةً أخرى، وتصوغ منها مواد أخرى حتى تصل إلى مرادك للمجيء بألفاظٍ جديدة لمسمياتٍ جديدة أنت مُحتاجٌ إليها. هذه أبرز الخصائص التي تتعلق باللغة العربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 ونقف عند هذا الحد في هذا اليوم، ونستمع إن كان لديكم أسئلة متعلقة بهذه المقدمة، وفي حلقتنا القادمة إن شاء الله تعالى سنبدأ في شرح الآجرومية، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد. أتلقى منكم الأسئلة إذا كان لديكم سؤال أو أنا أسألكم إذا كنتم مستعدين لذلك. سأل أحد الطلبة: أحسن الله إليكم يا شيخ، حضرتك قلت في أول الكلام أن هذه اللغة ليست فرض كفاية، فهي فرض عينٌ لأهميتها في فهم هذا الدين. أجاب الشيخ: بارك الله فيك يا أخي وجزاك خيرًا، هذا سبق لسان، لعله إذا قام بأصولها وما تحتاج إليه من يكفي فلعله يسقط الإثم عن الباقين، ولا أستطيع أن أحكم بأنها فرض عين على كل مسلم وإلا ألزمنا كل المسلمين بما لا يستطيعون، فربما كان هذا سبق لسانٍ مني، جزاك الله خيرًا على هذا التنبيه. ولكن هذه اللغة فعلا أقل ما يُقال إن تعلمها من فروض الكفاية، إذا لم يقم به من يكفي فإنه سيأثم الجميع، والحمد لله أنه على مر الزمن يوجد من يقوم بأمر هذه اللغة ومن يعتني بها، والحمد لله أولا وآخرًا. سأل الشيخ: من ترون أنه هو أول من بدأ في التأليف في علم النحو؟ أجاب أحد الطلبة: ذُكر في أول من ألف في النحو عدة أقوال، وأقواها كما ذكرتم أبو الأسود الدؤلي بأمر من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. سأل الشيخ: هل تعرفون أشخاص آخرين غير علي بن أبي طالب وأبو الأسود الدؤلي يمكن أن ينسب إليه هذا العلم؟ أجاب أحد الطلبة: نُسب هذا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لكنه لا يوجد له سند. سأل الشيخ الطالب الذي أجاب: يعني هل نُسب إليه أنه بدأ في التأليف هو؟ أجاب الطالب: لا، هو أول من أمر. علق الشيخ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 أما هذا فعلا، يُنسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بالتأليف في علم اللغة، بل إنه تذكر رواية أن أعرابيًّا دخل المدينة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسمع القارئ يقرأ قول الله عزّ وجلّ ? وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ? [التوبة: 3] ، كان هذا القارئ يقرؤها "أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ" فقال الأعرابيُّ: وأنا أبرأ مما بريء الله منه، فأُخذ الأعرابي إلى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، فلما سأله قال: إني سمعت كذا وكذا، فأمر عمر رضي الله عنه ألا يُعلم القرآن إلا من عنده معرفةٌ باللغة العربية وبما يُحيل المعنى أو يقلب المعنى، وأنتم ترون في مثل هذا أنه قلب الله، يعني أن الله تبارك وتعالى يتبرأ من المشركين ويتبرأ من رسوله، وهذا لم يحصل، وإنما الموجود في القرآن الكريم ? أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ? أي ورسوله أيضًا بريءٌ من المشركين. يُقال أيضًا إن عمر بن الخطاب أول من أمر بالتأليف في النحو، ويُقال أيضًا إنه علي ابن أبي طالب، ويُقال إن أبا الأسود الدؤلي من نفسه، ويُقال إن أبا الأسود الدؤلي كان مع ابنته فسمعها تقول: يا أبت ما أحسنُ السماءِ، فقال لها: نجومها، قالت: يا أبت أنا لا أسأل وإنما أتعجب، قال: إذًا فافتحي فاكِ وقولي: ما أحسنَ السماءَ، ولعل هذا من الأشياء التي دعت أبا الأسود الدؤلي، وفيه قصص كثيرة تُذكر في سبب تأليف هذا العلم. أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 الدرس الثاني الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نبدأ في هذه الحلقة مستعينين بالله عزّ وجلّ، كنت وعدتُ في الحلقة الماضية أن نتحدث في أطوار التأليف في هذا النحو، ولكني نسيتُ، فنتحدث بإيجاز في بداية هذه الحلقة عنه أطوار التأليف في هذا العلم، ثم ننتقل بعده بإذن الله تعالى إلى شرح ما تيسر من المقدمة الآجرومية. أطوار التأليف في هذا العلم تبدأ من بداية عصر أبي الأسود الدؤلي، ويُقسمونها أربعة أقسام: الطور الأول: هو طور الوضع والتكوين. الطور الثاني: هو طور النشأة والنمو. الطور الثالث: هو طور النضج والكمال. الطور الرابع: هو طور البسط والتوسع في التأليف، البسط في هذا العلم وشرحه، وذكر التفاصيل الموجودة فيه، هذا هو آخر الأطوار المعتد بها في التأليف. وإلا لا يزال إلى الآن يؤلف في هذا العلم، صحيح أنه الآن لا يوجد قواعد جديدة يؤلفها الناس، لكنهم يوازنون بين ما مضى من قواعد وما مضى من تأليفات، ويرجحون بعض الأقوال بوجود أدلة جديدة أو نحو ذلك. نتحدث عن هذه الأطوار تحدثًا يسيرًا وسريعًا إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 أما الطور الأول فهو طور الوضع والتكوين وهو بصريٌ خالصٌ، ويبدأ من أول عصر أبي الأسود الدؤلي وينتهي بأول عصر الخليل بن أحمد الفراهيدي، أي ما يقارب قرنًا من الزمان، لم يكن للنحويين الكوفيين في هذا الوقت شروعٌ في التأليف في هذا العلم، وإنما كان المؤلفون كلهم من البصرة، وأما الكوفيون فقد نفعونا نفعًا كبيرًا في هذا الوقت، وهو أنهم كانوا يجمعون كلام العرب، صحيح أنهم جمعوا أحيانًا الغث مع السمين، لكنهم تفرغوا في هذا الوقت كله إلى جمع كلام العرب من أماكن متعددة من القبائل العربية، وأخطئوا خطأً يسيرًا في أنهم اعتمدوا على بعض القبائل التي اختلطت بالأعاجم أو التي كانت في أطراف الجزيرة العربية، لكن الغالب في ما جمعوه في الفترة الأولى حينما كانوا مشغولين بجمع الأخبار والأشعار الغالب فيه أنه يمكن أن يُعتد به ويُبنى عليه القواعد الصحيحة السليمة. هذا هو الطور الأول، قلنا طورٌ بصريٌّ يبدأ من عصر أبي الأسود، وينتهي بأول عصر الخليل. ويقسمون هذا الطور الأول طبقتين: الطبقة الأولى: من أبرزهم أُناسٌ ممن قيل إنهم هم الذين بدؤوا في التأليف في النحو، وأبرزهم أربعة، ويُقال يُنسب إلى كل واحدٍ منهم أنه هو الذي بدأ في التأليف في علم النحو. واحد اسمه عنبسة بن معدان الفيل، الثاني اسمه نصر بن عاصم، والحقيقة أنه الذي قام بضبط المصحف بالحركات، ولكنه ليس هو المؤلف أو البادئ الحقيقي لهذا العلم، الثالث عبد الرحمن بن هُرمز، الرابع يحيى بن يعمر. هذه هي الطبقة الأولى، وكثير من الناس يقولون إن هؤلاء الأربعة هم الذي بدؤوا التأليف في هذا العلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 الطبقة الثانية من الطور الأول: أبرز علمائها عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وعيسى ابن عمر، وأبو عمرو بن العلاء، وكلهم لم يصل إلينا شيءٌ من مؤلفاتهم، وإن كان يُنسب إلى أبي عمرو بن العلاء كتاب في القراءات، وهو واحدٌ من القراء السبعة كما تعلمون، ويُنسب إلى عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي كتاب أسماءه "الهمز"، يعني تصريفات الهمزة، ويُنسب إلى عيسى بن عمر كتابان، واحد اسمه الجامع، وواحد اسمه الإكمال، وقد عنهما الخليل بيتين من الشعر: ذهب النحو جميعًا كله غير ما ألف عيسى بن عمر ذاك إكمالٌ وهذا جامع فهما للناس شمسٌ وقمر على كل حال هذا هو الطور الأول، وللأسف لم يصلنا ـ فيما أعلم ـ من كتب هذا الطور شيءٌ. الطور الثاني: وهو طور النشأة والنمو، هذا بدأ الكوفيين فيه يشاركون البصريين في التأليف، وكانوا في بداية هذا العصر لا توجد بينهم مناقشات ولا محاورات ولا شيءٌ، يعني كانوا إخوانًا يتعلم بعضهم من بعضٍ، ويتعلم الكوفيون من البصريين الأوائل. وهذا الطور يبدأ بالنسبة للبصرة بعصر الخليل بن أحمد، وبالنسبة للكوفة يبدأ بأبي جعفر الرؤاسي، وينتهي بالنسبة للبصرة إلى عصر المازني، ويبدأ بالنسبة للكوفة من أبي جعفر الرؤاسي إلى ابن السكيت، في هذا الطور اشتركت المدرستان في التأليف، واشتركوا في بدايات الحوار والنقاش فيما بينهما، لكنه لم يقوَ، لأنهم لا يزالون إلى الآن ـ أعني الكوفييّن ـ يعترفون بأساتذتهم ويقدرونهم لأنهم أخذوا علمهم في النحو في بداية الأمر عن البصريين. هذا هو الطور الثاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 أما الطور الثالث فهو طور النضج والكمال، وهو أيضًا بصريٌ كوفيٌّ، ويبدأ بالنسبة للبصرة من المازني وينتهي بالمبرد، المُتوفَّى سنة 286هـ، أما بالنسبة للكوفة فإنه يبدأ بعصر ابن السكيت وينتهي بعصر ثعلب أبي العباس. وبالمناسبة يا إخوان، يوجد عندنا شخصية مشهورة في الكوفة اسمها أبو العباس، وشخصية مشهورة أيضًا في البصرة اسمها أبو العباس، فإذا أُطلق اسم أبو العباس في البصرة فهو المبرد، وإذا أُطلق اسم أبو العباس في الكوفة فهو ثعلب. يوجد عندنا أيضًا شخصيتان متشابهتان، إحداهما بصرية والثانية كوفية، البصري هو أبو عمرو بن العلاء، الكوفي هو أبو عمرو الشيباني، هذه على الهامش. المهم أنه في هذا العصر بدأت المدرستان يقوى عودهما، وبدأ التأليف على أشده، وبدأ أيضًا انفصال الصرف عن النحو، وانفصال ما يتعلق بالأخبار والأشعار في كتب أُخرى، يعني بدأ النحو يستقل بالتأليف فيه، وبدأ الصرف يستقل بالتأليف فيه، وبدأ شيءٌ مهمٌ جدًا وهو النقاش والحوار بين المدرستين، والتنافس الشديد، كلٌ يرغب أن يكون هو المقدم، ففي هذا العصر وهو طورٌ استوى فيه النحو وقام على سوقه وانفصل النحو عن الصرف وانفصل أيضًا ما يتعلق بالأخبار والأشعار فأُلفت لها كتبٌ مستقلة، ولم تعد تدخل في مؤلفات النحويين هنا أو هناك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 الطور الرابع: هو ما يُسمى بطور الترجيح والبسط في التأليف، أيها الأحباب إن عاصمة الخلافة انتقلت إلى بغداد، واتجه العلماء وغير العلماء إلى بغداد، فأصبح من يُشار إليهم بالبنان في هذه العاصمة عاصمة الخلافة الإسلامية في بغداد، وليس كل هذا العصر وهو عصر البسط في التأليف والترجيح بغداديٌّ، بل هو يمتد إلى ثلاثة قرون أو أكثر، وصار يشمل مناطق متعددة، فصار موجودًا في بغداد، وفي الشام، وفي مصر، وفي الأندلس، طبعًا نحن نتحدث عن التأليف في هذا العلم، وصار المؤلفون هنا لا يأتون بقواعد جديدة كثيرة اعتمادًا منهم على القواعد السابقة، لأن القواعد السابقة مبنيّةٌ على ما سُمع من كلام الله عزّ وجلّ أولا، ما عُرف ما حُفظ من كتاب الله على ما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان بعضهم يتردد في الاستشهاد بالحديث نظرًا لإجازة روايته المعنى، مع أننا نرى أن الاستشهاد بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُقدم عليه شيءٌ إلا القرآن الكريم. لكن يجب أن يكون ثابتًا أن هذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى لو قالوا إن من الأشياء التي يمكن أن يرد بها الاستشهاد بالحديث أن دخول الأعاجم في سند الحديث ربما كان سببًا فيمكن أن يُجاب على كل النقاط الذي ذكرت، هم ذكروا أربع نقاط رئيسية في سبب عدم الاستشهاد بالحديث: أولها: إجازة روايتها بالمعنى، وهذا أقوى دليلٌ عندهم. الثاني: دخول الأعاجم في سنده، يعني في سند الحديث. الثالث: دخول ما يُسمى بالإدراج، يعني ألا يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يكون من كلام الراوي الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. الدليل الرابع: وجود أحاديث موضوعة وضعيفة، فيقولون هذه الأحاديث الموضوعة لا يمكن أن نستشهد بها لأنها ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 والجواب عن الأول وهو الاستشهاد بالحديث إذا كان مرويًّا بالمعنى، نقول لهم إنهم اشترطوا في صحة رواية الحديث بالمعنى أن يكون هذا الراوي عالمًا بأصول اللغة، فاهمًا لما يحيل المعنى ولما يُمكن أن يُغيِّر في المعنى المراد، فإذا كان ذلك كذلك فإنهم أجازا رواية الحديث المعنى، وإلا فلا. الثاني وهو دخول الأعاجم في سند الحديث، هذا يمكن أن يجاب عنه يا أيها الأحباب بأن هؤلاء الأعاجم سيكونون أحرص من أهل العربية نفسها على تأدية لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصهخوفًا من الوقوع في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، الحديث رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كذب عليَّ مُتعمِّدًا فليتبوَّأ مقعده من النار) ، هذا لا يمكن إلى أن يحرف في الكلام خوفًا من أن لا يكون هو المعنى المراد الذي أراده صلى الله عليه وسلم فسيؤدي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصه وفصه. أما دخول الإدراج، فنقول من المدرج؟ المدرج إما صحابي وإما تابعي، وهؤلاء ممن تقولون إنه يُحتج بكلامهم، لنفرض أن هذا المدرج لم يتبين لنا هل هو من نص الحديث أم من المدرج، فنقول: المدرج هذا إنما هو صحابيٌّ، وأنتم تعتدون بقوله، لأنه في الوقت الذي لا زلتم تعتدون به، وإما أن يكون تابعيًّا، وكذلك أنتم تعتدون به، لأنهم حدّدوا إلى حدود مائة وخمسين من الهجرة في الحاضرة، وإلى حدود مائتان وخمسين من الهجرة في البادية، هؤلاء يُستشهد بكلامهم. أما الدليل الرابع فهذا سهل الرد عليه جدًا وهو الأحاديث الضعيفة والموضوعة، نقول لهم إذا كان حديثًا موضوعًا فنحن معكم لا نقبله لأنه ليس حديثًا، مادام موضوعًا فليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن لا نحتج به، وكذلك الضعيف بقدر الإمكان نتوقى أن نستشهد به؛ لأنه قد يكون ليس حديثًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 نعود لموضوعنا، أقول اعتمد النحويون في التأليف على القرآن الكريم، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الشعر، وقد حددت لكم المدة التي يستشهدون فيها، وهي حدود مائة وخمسين من الهجرة في الحاضرة، ومائتين وخمسين من الهجرة في البادية، وأيضًا اعتمدوا على أصلٍ عظيمٍ جدًا يُسمى بالقياس، يقيسون ما لم يُسمع على ما سُمع، فإذا ورد شيء قد قاله من يُحتج بكلامه فإننا نقيس عليه ما يُشبهه من الأساليب الأخرى، فهذه الأصول التي اعتمدوا عليها في التأليف. أقول مرة أخيرة الطور الرابع هو طور الترجيح والبسط في التأليف، وهو بغدادي شامي مصري أندلسي، وقد كانت مهمة الناس في حينه هو النظر في المسائل والترجيح فيما بينها وتقوية الأدلة، أو سرد الأدلة إن كانت موجودة من قبل أو ترجيح بعضها على بعض أو زيادة أدلة مما جد فيما بعد مما لم يطلع عليه السابقون، وهذا يعني كنا نريد أن تكون مختصرة موجزة ولكنها طال الكلام بنا فيها فنبدأ بعون الله تعالى الآن في النظر في كتاب الأجرومية. الآجرومية أولاً هذا العنوان، سمة لكتاب اسمه المقدمة الآجرومية، أو مقدمة في النحو لابن آجروم ومؤلفه هو محمد بن محمد بن داود الصنهاجي أبو عبد الله المشهور بابن آجروم، ومعناه يقولون بلغة البربر الفقير الصوفي، هذا معناه معنى كلمة آجروم بلغة البربر والمؤلف رحمه الله تعالى ألف لنا هذه المقدمة وتتابع الناس على شرحها، ونحن بإذن الله تعالى سنبدأ في شرحها مستعينين بعونه تعالى، وهذا الكتاب في الحقيقة كما ذكرت لكم قبل قليل أو كما ذكرت في الحلقة الماضية أنه قد تتابع الناس على شرحه وأذكر لكم بعض الشروح الآن التي ذكرها حاجي خليفة في كتابة كشف الظنون في أسماء الكتب والفنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 قال من الشروح التي ذكرها شرح ابن أبي إسحاق، شرح أبي إسحاق إبراهيم بن محمد المعروف ببرهان الدين المتوفى سنة تسعمائة وستة عشر، وشرح حسن بن حسين الطولوني المتوفى سنة ثمانمائة وستة وثلاثين وشرح محمد بن محمد المالكي المعروف بالراعي الأندلسي المتوفى سنة ثمانمائة وثلاثة وخمسين وسماه المستقل بالمفهومية في شرح ألفاظ الآجرومية وشرحها أيضا الشيخ خالد بن عبد الله الأزهري المتوفى سنة تسعمائة وخمسة وله كتاب في إعرابها وعلى شرح الشيخ خالد الأزهري حاشية للعلامة أبي بكر بن إسماعيل الشنواني المتوفى سنة ألف وتسعة عشر، وللشنواني شرح مطول للآجرومية قال عنه حاجي خليفة: جمع فيه نفائس الأقوال، ولا يزال الناس إلى الآن يتتالون ويتتابعون في دروس خاصة وفى دروس عامة وفى تأليف لشرح هذه المقدمة وذلك لأنها امتازت بوجزتها ووفائها بمعظم أبواب النحو، يعني يأتي بكلام موجز غير مخل، وفى الوقت نفسه يستوفي الحديث عن جميع الأبواب أو عن معظم الأبواب إذ لم نقل عن جميعها وسيتبن ذلك إن شاء الله تعالى، ومن آخر ما أعلمه أُلف من شروحها كتاب حاشية الآجرومية للشيخ عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم المتوفى سنة ثلاثمائة واثنين وتسعين من الهجرة ومن أوسع الشروح التي اطلعت عليها مقدمة شرح الشيخ أحمد بن على الرملي المتوفي سنة تسعمائة وواحد وسبعين، وقد حققه الدكتور على بن موسى الشوملى وعدد صفحاته مائتان وسبعون صفحة غير الفهارس وللأستاذ محمد محي الدين عبد الحميد، شرح عنوانه التحفة السنية بشرح المقدمة الآجرومية عدد صفحاتها مائة وثمانية وعشرون، وهذا الشرح شرح قيم وشرح طيب وشرح يمتاز بالتمثيل وبالسهولة واليسر، هذه حقيقة الشرح شرح الرملي أكبر وأوسع ومستوفى وشرح الشيخ أو الأستاذ محمد محي الدين عبد الحميد شرح وافي إلى حد ما، وعدد صفحاته كما قلت لكم مائة وثمانية وعشرون صفحة وهذا يعني آخر ما يمكن أن يقال بالنسبة للشروح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 نبدأ مستعينين بالله عزّ وجلّ كما بدأ المصنف أيضاً الآجرومية بقوله: ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، ورد حديث من الرسول صلى الله عليه وسلم (كل أمر ذي بال، لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أقطع) وفى هذا الحديث مقال ذكر الألباني رحمه أنه ضعيف جداً، وقال ابن حجر في سنده ضعف، وقيل ما قيل عن هذا الحديث، على كل حال فقد بدأ المصنف مصنفه هذا ببسم الله الرحمن الرحيم، والبسملة هذه فيها كلام كثير للنحويين واللغويين في أصل اشتقاق كلمة اسم، وفى أصل اشتقاق كلمة لفظ الجلالة، وفى كلمة الرحمن وفى كلمة الرحيم، ولكننا لا نطيل الحديث فيه وإنما نأخذ كلاماً موجزاً جداً فأما كلمة اسم فإن بعضهم يرى أنها من الوسم لكونه علامة على من يسمى به، وبعضهم يرى أنه من السمو لأنه يعدو على المسمى ويدل على ما تحته هذا عن كلمة اسم، أما لفظ الجلالة ففيها كلام طويل وأذكر أن لسان العرب ذكر فيها عدداً من الصفحات، في أصل هذه الكلمة وفى شواهدها وفيما يتحدث فيها، ومن أبرز ما قال هل هي مأخوذة من الإله وحذفت الهمزة للتخفف فصارت الله، أو من لاه أو وله أو ما شاكل ذلك كلام أيضاً طويل في أصل اشتقاق هذه الكلمة وأما المراد منها فهو بدون شك المألوه أو المعبود، هذا هو المراد بلفظ الجلالة، بسم الله، الرحمن الرحيم صفتان تثبتان لله عزّ وجلّ الرحمة يقال إن الرحمن فيها مبالغة أكثر من الرحيم ويقال العكس، يقال إن صيغة فعيل أكثر من صيغة فعلان للدلالة على المبالغة ويقال العكس، وعلى كل حال فهاتان الصفتان لله سبحانه وتعالى قد وصف بهما نفسه وفيهما من المبالغة ما فيهما سواء أكانت هذه أو تلك فالمهم أن تلك الصيغتين في كل منهما مبالغة وسواء كانت الرحمن أكثر مبالغة أم الرحيم أكثر مبالغة ففيهما الصفة نفسها وإنما يؤتي بصيغة التفضيل للدلالة اشتراك أمرين في صفة وزيادة إحداهما على الأخرى في تلك الصفة انتهينا من هذا، يقال أيضاً بالنسبة للنحويين يتحدثون عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 إعراب بسم الله الرحمن الرحيم ويقولون أيضاً إن أنواع الجر في الكلام يعني يمثل به بلفظ البسملة فالجر إما أن يكون بحرف الجر وإما أن يكون بالإضافة وإما أن يكون بالتبعية وقد اجتمعت كلها في البسملة فأما حرف الجر فهو قوله باسم فلفظة اسم مجرور بالباء، وأما الإضافة فإن لفظ الجلالة هنا مجرور بالإضافة بإضافة اسم إليه وأما التبعية فلأن الرحمن تابع للفظ الجلالة مجرور والرحيم أيضاً تابع ثان فهذا أنواع الجر اجتمعت في البسملة وننصرف إلى غيرها. قال المصنف (الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع) وهذه أمور تحتاج لها إلى وقت طويل ولكنا نوجز الحديث فيها إن شاء الله تعالى، أما ذكره لتام هنا فشبيه به تعريف ابن مالك في قوله كلامنا لفظ مفيد لكنه زاد هنا بكلمة المركب وكلمة الوضع، طبعاً ابن مالك تعرفون كلامه شعر نظم كلامه نظم فقد يكون محاصراً ما يستطيع أن يزيد في الكلام أما هذا فكلامه منثور وكلامه صحيح وكلام ابن مالك صحيح نقول في شرح كلام ابن آجروم اللفظ ما اللفظ؟ اللفظ هو الصوت المشتمل على بعض الحروف، هذا هو اللفظ سواء أفادت معني أم لم تفد معنى، فأنت إذا قلت: "و"، وإذا قلت: حسن هذا لفظ، وإذا قلت: بيت هذا لفظ، وإذا قلت: إنسان هذا لفظ، وإذا قلت ديز مقلوب زيد هذا لفظ، كل شيء لفظ، فهو أعم ما يقال فيما سنتحدث عنه لأننا ربما تحدثنا عن اللفظ والقول والكلم والكلمة والكلام ربما نتحدث عن هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 قال (الكلام هو اللفظ المركب) لا يكون الكلام غير مركب، بل إن النحو كله على التركيب، تعرف أن الكلمة مبنية وتعرف أنها معربة أو تعرف أنها فاعل أو تعرف أنها مبتدأ أو تعرف أنها خبر إذا كانت مركبة، أما إذا كانت غير مركبة كقولك مثلاً بيت، وجدار وأرض وسقف وإلى أخره هذه ليست كلاماً، ولا تعتبر نحواً لا نعرف لا نقول فاعل ولا نقول ولذلك يقولون لما تعدت حروف الهجاء مثلاً أ، ب، ت، ث تسكنها كلها ولا تقول أٌ، بٌ، تٌ، ثٌ لأنها ما لها محال من الإعراب ما لم تكن مركبة، فإذا كان الكلام مركباً بعضه إلى بعض فهو علم النحو فالمقصود بالمركب هنا أن يكون أكثر من كلمة لابد، لابد أن يكون أكثر من كلمة، قولك محمد حاضر هذا كلام، قولك قم هذا كلام أنت قبل قليل تقول لابد أن يكون مكون من كلمتين، فلماذا قلت قم كلام أقول لك نعم، قم كلام لأنها كلمة ظاهرة وكلمة مخفية أما الكلمة الظاهرة فهي قم اللفظ اللام والميم، أما الكلمة المخفية فهي الضمير المستتر وهذا مستتر وجوباً، وهذا لابد أن تقدره لأنه عمدة ولأنه فاعل، فصار عندنا كلمتان، فسواء كان هذان اللفظان مذكورين، أم كان واحد منهما مقدراً، فإذا لابد أن يكون الكلام مركباً، اللفظ المركب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 بعد هذا لابد أن يكون مفيداً، فإن لم يكن مفيداً حتى لو كان مركباً فليس كذلك، هل عندنا شيء يكون مركب وغير مفيد؟ قال: نعم، عندنا شيء يسمونه الكلم وهو ما تكون من ثلاث كلمات فأكثر سواء أفاد أم لم يفد، فإذا قلت مثلاً إذا جاء عبد الله فهذا كلمٌ لكونه مكون من أربع كلمات وليس كلاماً؛ لأنه لم يفد فائدة يحسن السكوت عليها، وليس كلمة لأنه مركب، هل هو لفظ يا أيها الأحباب؟ الجواب: نعم، لأن اللفظ هو الصوت، فمجرد ما تقول أي صوت، سواء كان كلمة كلمتين ثلاث، مفيد غير مفيد، هذا لفظ، إذاً الكلام هو اللفظ المركب المفيد، لابد أن يفيد فائدة يحسن السكوت عليها فإذا قلت مثلاً: محمدٌ مجتهدٌ، فهذا كلام، فإذاً هل نعده كلماً؟ لا نعده كلماً، لماذا؟ قال لأنه أقل من ثلاث كلمات والكلم لابد أن يتكون من ثلاث كلمات فأكثر، فإذا قلنا إذا جاء محمد فهذا كلم وليس كلاماً وليس كلمة، فإذا قلنا إذا جاء محمد أكرمته، فإن هذا كلاماًَ وكلم وقول ولفظ يعني كل هذه تنطبق عليه. بقينا في كلمة واحدة في التعريف وهي كلمة بالوضع، فما المراد بها؟ اختلف شراح ابن آجروم أو مقدمة ابن آجروم في المراد بقوله بالوضع فبعضهم يقولون المراد بكلمة الوضع، القصد أن يكون المتكلم قاصداً إفادة السامع، وبعضهم يقول لا ليس المقصود به القصد وإنما المقصود به أن يكون مما تعارف العرب على وضعه، يعني ما تأتي بكلمة ليست مشهورة عند العرب بأنها تفيد فائدة ديز تجتهد مثلاً هذه لم يتواضع العرب على معرفة مثل هذا الكلام فهو كلام حتى لو أنه لو قلت أنه إن هاتين كلمتان متقابلتان ويمكن أن يقول واحد الأولى منهم مبتدأ والثاني خبراً، تكون مبتدأً والثانية خبراً لكنها ليست من الكلام الذي وضعه العرب، إذا لابد أن يقول ولعل هذا هو الأقوى في تفسير قوله الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 بعد هذا ننتقل إلى بيان بعض الأمور المتعلقة بهذا فنقول: الكلام انتهينا من شرحه الكلمة تعريفها هي القول المفرد، فما القول إذاً؟ القول هو اللفظ لكن لابد فيه زيادة، القول هو اللفظ الدال على معنى ولا يلزم أن يكون مفيداً فائدة يحسن السكوت عليها، لا، لكن يدل على معنى هذا القول، المفرد هو عكس المركب، حتى تكون كلمة واحدة فقط، أما المركب فلابد أن يكون من كلمتين فأكثر، إذاً عندنا الكلمة هي القول المفرد اللفظ هو الصوت المشتمل على بعض الحروف القول هو اللفظ الدال على معنى، الكلم هو يعرّفه ابن هشام بقوله هو اسم جنس جمعي واحدته كلمة، ولابد أن يكون مكوناً من ثلاث كلمات فأكثر لكن لا يشترط فيه الإفادة، فقد يجتمع الكلام والكلم، وقد ينفرد كل واحد منهما بصفة، لكن الكلمة والكلام ما يجتمعان، والقول يمكن أن يكون كلاماً، ويمكن أن يكون كلماً، واللفظ عام في الجميع، لأنه لا يلزم إلا لفظة واحدة فقط يعني خروج صوت من اللسان سواء أكان هذا الصوت دالاً على معني أم لم يكن دالاً على معني، فأقول قد يجتمع الكلام والكلم وقد ينفرد كل واحد منهما، فأما اجتماعهما فنحو قولك إذا جاء عليٌ أكرمته، وأما انفراد الكلم فقولك إذا جاء عليٌ وأما انفراد الكلام فقولك جاء محمدٌ. واضح هذا الكلام؟ حتى ننتقل إلى غيره، هذه مقدمات لابد منها، ولا تستصعبوا الأمر فهو سيسهل إن شاء الله تعالى لكننا نحن في البداية والتأسيس هذا شرطه لابد أن يتأسس على معناً قوي نكتفي بهذا الإيضاح قول المصنف الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، وننتقل بعده إن شاء الله في اللقاء القادم إلى شرح غيره، والآن الأمر إليكم إذا كنتم تريدون توجيه بعض الأسئلة المتعلقة بهذا اللقاء، تفضل. سأل أحد الطلبة: لا يمكن أن يكون معنى الوضع أنه موضوع بأحرف عربية؟ أجاب الشيخ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 هو هذا الكلام الذي رجحناه، لكن على ما اصطلح عليه العرب، هو إذا كانت الألفاظ فقط عربية فقد تكون مركبة في داخل الكلمة الواحدة تركيباً لم يتواضع العرب عليه أو لم يتواطئ العرب على أنه دال على معنى فإذاً لا نقبله، حتى لو كان مثلاً كلمة ديز حروفها كلها عربية لكنها ليست مما اتفقوا على أنه يعني يمكن أن يكون دالاً على معناً معين إذاً لابد أن يكون دالاً على معناً موضوع متعارف عليه عند العرب. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خير فضيلة الشيخ، ذكرتم أن أهل الكوفة تلاميذ أهل البصرة وكانوا على ود ثم انقلب عليهم أهل الكوفة، فما هي أسباب الانقلاب عليهم وأيهما المعتمد الآن مذهب البصرة أم مذهب أهل الكوفة؟ أجاب الشيخ: أما هذه المعركة التي جرت واستمرت فترات طويلة بين الكوفيين والبصريين، فلعل منشأها هو التنافس العلمي في بداية الأمر يعني في أول ما بدأ الكوفيون كانوا يعني مجرد تلاميذ للبصريين وكانوا يقرون بكل ما عندهم ويعترفون به لكن لما بدأ يقوى عودهم تعرف أنت التنافس العلمي بين المتعاصرين في أغلب الأحيان حتى علماء الشريعة في بعض الأحيان يقوم بينهم ومشهور بين ابن حجر والعيني يعني هما من علماء الشريعة يعني فيهم فضل كبير، لكن التنافس العلمي لا ينكر فقل ربما كان هذا هو الدافع للتنافس، أما المعتمد الآن فأغلب ما نعتمد عليه نحن وهذا تلقيناه عن مشايخنا هو كلام البصريين لقوة منهجهم في الاستدلال وأنهم لم يكونوا يعتمدون على الشاهد والشاهدين والثلاثة وفى الوقت نفسه كانوا يتوخون الأخذ عن يعني المعتد بكلامه أكثر وعن من لم يختلطوا بالأعاجم فنحن نعتمد في كثير من الأحيان على البصريين، ولكن إذا تبين لنا أن الرأي الكوفي دليل قوي وشواهده كثيرة فنحن نرمي بالرأي الآخر عرض الحائط ونأخذ برأي صاحب الدليل القوي ويعني تعدد شواهده نأخذه ولا نتردد. سأل أحد الطلبة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 ما أزهى فترات الطور الرابع الذي قلناه في التأليف؟ أجاب الشيخ: والله لعل أحسن الأوقات وهو الطور الرابع الذي بدأ بغدادياً مصرياً شامياً أندلسياً يعني في بداياته صحيح أن في حدود القرن السادس الهجري والسابع الهجري أيضاً كانت هناك مؤلفات قوية جداً لابن مالك رحمه الله ولابن يعيش له كتب وللرازي له كتب مؤلفة نحوية جيدة، في هذا العصر يعني قوة التأسيس كانت في العصور الأولى في القرن الثالث في القرن الرابع صحيح لعل هذا أزهى هذه العصور والله أعلم بالصواب. سأل أحد الطلبة: ذكرت فضيلة الشيخ في المفيد هل يشترط في الإفادة إفادة جديدة أم إفادة معلومة عند السامع من قبل؟ أجاب الشيخ: ممكن أن تكون جديدة وممكن أن تكون معلومة عند السامع من قبل، لأن الأصل أن تخاطب المخاطب بما يعرف هذا الأصل فيه فإن جد عليه جديد فلابد أن تعطيه ما يوضح له هذا الجديد، إذا كنت تريد أن تفيده فائدة جديدة فلابد أن يكون عندك ما تقوي به هذه الفائدة الجديدة وإلا فإن كنت تعطيه معلومة قديمة فإنما تؤكدها له وقد يكون هذا التأكيد إدعاء يعني تريد إدعاءً أن تؤكد له هذه المعلومة لأنك تعرف أنه يعرفها، لكن الأصل أن تفيده فائدة إما معلومة عنده لتؤكدها وإما أن تفيده فائدة جديدة فتأتي بأدلتها الجديدة والله أعلم. سأل أحد الطلبة: فضيلة الشيخ ذكرت أن مذهب أهل البصرة غالباً ما يكون المعتمد الآن فكيف يهتم العلماء بمقدمة ومؤلفه معروف أنه من أهل الكوفة؟ أجاب الشيخ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 فعلاً معروف أن ابن آجروم اعتمد في كثير من الأحيان على آراء الكوفيين وفعلاً هناك أدلة سنذكرها إن شاء الله عند الشرح لكن هذا لا يمنع أيض ـ نعم ـ أن نأخذ من الكوفيين ولهم علماء وفيهم فضل كثير لكن أنا أقول إن إذا كان رأيان بصري وكوفي فإننا نظر إلى الدليل القولي الأصل أن ننظر إلى الدليل القولي، لكن إذا كان عندنا الرأي البصري والأدلة متساوية فنأخذ الرأي البصري والله أعلم بالصواب، ونكتفي اليوم بهذا القدر، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. الدرس الثالث الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على من أرسله الله رحمةً للعالمين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين. أيها الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نواصل بإذن الله تعالى شرح ما يتيسر من الآجرومية. انتقل المصنف إلى بينان أقسام الكلام، فقال: (وأقسامه ثلاثة: اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ جاء لمعنى) . (أقسامه) الضمير يعود إلى الكلام، لأنه قبل قليل كان يعرف الكلام، فهو هنا قسم بالنظر إلى الكلام، بعض النحويين يقسم بالنظر إلى الكلم، فيقول: الكلم اسم وفعل وحرف، بعضهم يقسمه بالنظر إلى الكلمة فيقول: الكلمة اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ، أو بعضهم يرى: اسمٌ أو فعلٌ أو حرفٌ، والمسألة في هذا سهلةٌ والحمد لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 يقول (وأقسامه ثلاثة) ، لماذا لم تكن أربعة؟ لماذا لم تكن اثنين؟ لماذا لم تكن أكثر؟ اختلف الناس في السبب في الاقتصار على هذه الثلاثة، فناس نظروا إلى المعنى، وناس نظروا إلى الاستقراء، فمنهم من يرى أنه باستقراء كلام العرب لم يوجد إلا هذه الأقسام الثلاثة، وناس نظروا إلى أن المعنى في الكلمة إن كان لها معنى في ذاتها غير مرتبطٍ بزمن فهي الاسمٌ، وإن كان لها معنى في ذاتها مرتبطٌ بزمن فهي الفعلٌ، وإن كان معناها فيما تدخل عليه فهي الحرف، فهذان قولان في سبب الاقتصار على هذا، بعضهم يرى أن السبب هو أنه لم يوجد في كلام العرب سوى هذه الأنواع الثلاثة، ولذلك اكتفى النحويون بالنظر فيها بالاستقراء، بعضهم يقول لا، بل المعنى للكلمة، إن كان لها معنى في نفسها مرتبط بالزمن فهي الفعل، غير مرتبطبالزمن في الاسم، ليس لها معنى في نفسها وإنما معناها فيما تدخل عليه في الحرف، وسيتبين إن شاء الله تعالى الحديث في ذلك تمام التَبَيُّن بإذن الله تعالى. أنت إذا قلت "بيت" فإن هذه تدل على معنًى في نفسها غير مقترن بزمن فهي اسمٌ، فإذا قلت "أكرم" هذه تدل على معنى وهو الإكرام، لكنه مقترنٌ بزمن، فإذا قلت "إنَّ" هذه لا تدل على معنىً حتى تدخل على شيءٍ، "إنَّ الله غفورٌ رحيمٌ" حينئذٍ تبين معنى التأكيد والمراد في أي شيءٍ تؤكده، فدل على أن هذه الكلمة حرفٌ وليست اسمًا وليست فعلا، سيأتينا إن شاء الله في الفصول القادمة بعض الكلام فيما يتعلق إذا جاء عندنا كلام، كيف نميز أن هذه الكلمة اسم أو هذه الكلمة فعل أو هذه الكلمة حرف، فلكلٍ علامات ستتبين إن شاء الله تعالى فيما يلي من الأمور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 قال المؤلف: (فالاسم يُعرف بالخفض) وهذه عبارةٌ كما يقول صاحبكم إنها من عبارات الكوفيين، البصريون يعبرون بالجر مكان الخفض، ولا مشاحة في الاصطلاح، فهو عبر بالخفض بناءً على ما يعتبره الكوفيون، وسنجد أن بعض المسائل الأخرى اعتمد فيها المصنف رحمه الله على أراء الكوفيين وعلى مصطلحاتهم، قال: (فالاسم يُعرف الخفض، والتنوين، ودخول الألف واللام) . الحق أن هذه الثلاثة أمور أعظم ما يتميز به الاسم، ابن مالك جعلها خمسة، وغيره أوصلها عشرة، وربما زاد بعضهم، ابن مالك ماذا يقول؟ بالجر والتنوين والندا وال ومسندٍ للاسم تمييزٌ حصل يعني حصل تمييز الاسم بواحدةٍ من هذه العلامات، إذا وجدت الكلمة مجرورة فاعلم أنها اسم لأن الأفعال لا تجر والحروف لا تُجر، إذا وجدت أن الكلمة منونةً فاعلم أنها اسم، ولا يوجد التنوين في غير الأسماء، إذا وجدت الألف واللام داخلتين على كلمة فاعلم أنها اسم، سواءٌ كانت الـ هذه معرِّفة أو موصولة أو نحو ذلك فإنها لا تدخل إلا على الأسماء، وسنستثني بعض الاستثناءات سنذكرها إن شاء الله، أما كلام ابن مالك الذي قاله وهو إدخاله على علمتين أخريين وهما النداء والإسناد، فالنداء نحو قولك "يا عمر"، بل "يا الله"، تنادي ذا العزة والجلال بـ يا، فهذه إذا وجدت الكلمة مناداةً، مناداةً لأنه قد يدخل حرف النداء على غير الأسماء، لكنه في الحقيقة داخلٌ على مقدر، قال الله عزّ وجلّ ? قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ? [يس: 26] ، فدخلت على "ليت"، في الواقع أنهم أولوا هذا فقالوا إنها داخلةٌ على مُنادى مُقدر "يا سامعون ليت قومي يعلمون"، أو أن نقول هذه ليست حرف نداء، وإنما هي حرفٌ للتنبيه فقط وليست للنداء حتى تستمر قاعدتنا على ما هي عليه، فالنداء علامة من علامات الأسماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 نعود نأخذها واحدةً واحدةً، (الخفض) ، ما المراد بالخفض؟ الخفض هو أن يكون الاسم مجرورا، بم يكون الجر؟ يكون بواحدٍ من حروفٍ الجر، وسيأتي بيانها إن شاء الله، أو يكون بالإضافة، أو يكون بالتبعية، وقد ذكرت في الحلقة الماضية أنها مجموعة كلها في قولك بسم الله الرحمان الرحيم، فكلمة "اسم" مجرورة بالباء، ولفظ الجلالة مجرورٌ بالإضافة، و"الرحمن" مجرورٌ بالتبعية، لأنه صفة لفظ الجلالة. هل يعني دخول حرف الجر على الكلمة أنه لابد أن تكون اسمًا؟ الجواب لا، لأن حرف الجر قد يدخل في ظاهر اللفظ على غير الأسماء، كقولك مثلا "عجبت من أن حضر عبد الله"، فـ "من" حرف جر وقد دخلت على "أن"، و"أن" حرف وليست اسمًا، فهل هذا صحيح في ظاهر اللفظ؟ نعم، هي دخلت على، و"أن" ليست اسمًا وإنما هي حرف، لكن الواقع أنها دخلت على اسم، كيف هذا؟ أين هذا الاسم الذي تتحدث عنه؟ "أن" وما دخلت عليه تؤول المصدر، والمصدر اسم، فكأنك قلت "عجبت من حضور عبد الله"، فهي في الحقيقة داخلة على الاسم، لكن الاسم هذا مؤول، ولولا الحذف والتقدير والتأويل لعرف النحو كل واحد، فلابد أن تتنبهوا إلى مثل هذا. إذًا دخول حرف الجر على الكلمة ليس دليلا قاطعًا على أن هذه الكلمة اسم، ولكن هو في حقيقة الأمر لو تدبرت الموضوع لوجدت أنه لا يدخل فعلا إلا على أسماء، سواءٌ كانت أسماء ظاهرة مثل "مررت بالرجل"، أو كانت مؤولةً كما ذكرنا لكم قبل قليل في قولك "عجبت من أن حضر محمد"، فيكون التقدير "عجبت من حضور محمد"، هذا هو الخفض أو الجر كما يعبر به البصريون. (والتنوين) ، التنوين يا أيها الأحباب هو نون ساكنة تلحق الآخر لفظًا لا خطًا لغير توكيد، هذا هو تعريف التنوين، "محمدٌ صالحٌ مجتهدٌ" "حاضرٌ" غائبٌ" "مسافرٌ" "بيتٌ" "دارٌ" إلى آخره، هذه كلها أسماء لأنه دخلها التنوين. يقسم النحويون التنوين أربعة أقسام: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 القسم الأول: وهو أعظم أنواع التنوين دلالةً على اسمية الكلمة، هو المسمى بتنوين التمكين، وهو الداخل على الأسماء المعربة المنصرفة، كالأمثلة التي ذكرتها قبل قليل، "بابٌ" "دارٌ"، وهكذا. القسم الثاني: هو تنوين التنكير، وهو الداخل على الأسماء المبنية للدلالة على تنكيرها، كقولك مثلا "مررت بسيبويه وسيبويهٍ آخر"، الثاني مجهول لك، أما سيبويه الأول غير منون فهو معرفة، فإذا أدخلت التنوين على كلمة مبنية للدلالة على أن هذه الكلمة نكرة وليست معروفة فاعلم أن هذا التنوين يُسمى بتنوين التنكير. يقولون إذا قلت "إيهِ" فمعناها زدني من هذا الحديث الذي تتحدث به، وإذا قلت "إيهٍ" بالتنوين معناه زدني من أي حديث، وإذا قلت "صهْ" فأنت تقول له اسكت عن هذا الحديث فقط، فإذا قلت "صهً" فمعناه لا تتكلم بكلمة، يعني ما تقصد معنًى معينًا وإنما تقصد النهي عن كل شيءٍ، فمتى ما رأيت التنوين داخلا على كلمة مبنية فاعلم أنه للتنكير. القسم الثالث: هو التنوين المسمى بتنوين المقابلة، وهو اللاحق بجمع المؤنث السالم في مقابلةٍ النون في مع المذكر السالم، تقول "مسلماتٌ" و"نظرتُ إلى مسلماتٍ" و"مررتُ بمسلماتٍ"، يقولون هذا التنوين اللاحق بجمع المؤنث السالم هو في مقابلة النون في جمع المذكر السالم، ولذلك سموه بتنوين المقابلة، فهو يلحق جمع المؤنث السالم. القسم الرابع: تنوين العوض، هو ثلاثة أقسام: 1- إما تنوين عوض عن جملة، كقول الله عزّ وجلّ ? وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ?4? بِنَصْرِ اللَّهِ ? [الروم: 4، 5] ، وقوله الله عزّ وجلّ ? وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ? [المرسلات: 24] ، إذ الأصل أنها تُضاف إلى الجمل، فإذا حذفت المضاف إليه تُعوض عنه بالتنوين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 2- وتنوين العوض عن جملة يلحق بكلمتين فقط هما "إذ" و"إذا"، ومنهم بالنسبة لـ"إذا" قول الله عزّ وجلّ ? وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ? [الإسراء: 76] ، يقولون التقدير لهذه الآية الكريمة ـ والله أعلم ـ: "وإذا حصل ذلك لا يلبثون خلافك إلا قليلا"، فحُذفت جملة "حصل ذلك" وعُوِّض عنها بالتنوين، هذا تنوين العوض عن جملة. 3- أو تنوين عوض عن كلمة واحدة، ففي ثلاث كلمات هي: كل، وبعض، وأي، قال الله عزّ وجلّ ? بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ? [النساء: 25] ، التقدير والله أعلم "بعضكم من بعضكم". أما "أي" فشاهدها قول الله عزّ وجلّ ? أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? [الإسراء: 110] ، حُذف المضاف إليه وهو كلمة واحدة، ? وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? [الأعراف: 180] ، وقوله عزّ وجلّ ? أَيًّا مَا تَدْعُوا ? [الإسراء: 110] أي مدعوٍ أو اسمٍ أو نحو ذلك، الله أعلم كيف يكون تأويلها، لابد أن تكون متعلقةً بسياق الآية. المهم أن التنوين هنا عوضٌ عن كلمة واحدة. أما "كل" فقولك "كلٌ يجتهد"، فالتقدير "كلنا يجتهد" مثلا، أو "كل رجلٍ يجتهد"، فحُذف المضاف إليه وعوِّض عنه بالتنوين، وهذا تنوين عوض عن كلمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 4- أما التنوين الذي يأتي عوضًا عن حرفٍ واحد: فهو في نحو "غواشٍ" و"جوارٍ"، يقولون كلمة "غواشٍ" كما قال الله عزّ وجلّ ? مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ? [الأعراف: 41] ، أصلها "غواشيُ" لأنها على وزن فواعل، وفواعل صيغة منتهى الجموع فهي ممنوعة من الصرف لعلةٍ واحدة، فاستثقلت ـ كما يقولون ـ الضمة على الياء فسكنت، ثم حُذفت الياء هذه وعُوِّض عنها التنوين، قال الله عزّ وجلّ ? وَالْفَجْرِ ?1? وَلَيَالٍ عَشْرٍ ? [الفجر: 1، 2] ، أصلها ـ والله أعلم ـ "ولياليُ"، تُستثقل الضمة أيضًا على الياء فتُحذف ثم تُحذف الياء ثم يُعوض عنها التنوين. هذا هو تنوين العوض عن حرف. إذًا تنوين العوض ثلاثة أنواع، تنوين عوض عن جملة ? وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ?4? بِنَصْرِ اللَّهِ ? [الروم: 4، 5] ، تنوين عوض عن كلمة كقول الله عزّ وجلّ ? بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ? [النساء: 25] ، وقوله عزّ وجلّ ? أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? [الإسراء: 110] ، وأما تنوين العوض عن حرفٍ واحد فهو في نحو قول الله عزّ وجلّ ? وَالْفَجْرِ ?1? وَلَيَالٍ عَشْرٍ ? [الفجر: 1، 2] . هذا هو التنوين وقد انتهينا منه. فيه كلام طويل في التنوين لا نتعرض له من حيث أن بعضهم زاد في التنوين، سمَّى واحدًا منهما بتنوين الترنم، وسمَّى الثاني بالتنوين الغالي، وكلا هذين التنوين ليسا مما يخص الأسماء، ولذلك تدخل على الأفعال وتدخل على الحروف، فلا نتحدث عنها لأنها ليست داخلةً معنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 أما دخول الألف واللام، فمتى ما وجدت الكلمة يا أخي مُقترنةً بـ"الـ" سواءٌ كانت هذه "الـ" جنسية أو عهدية أو موصولية أو غيرها فاعلم أن هذه الكلمة التي دخلت عليها اسم، كـ "الرجل"، قال الله عزّ وجلّ ? كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ ? [هود: 24] ، و? وَالْفَجْرِ ?1? وَلَيَالٍ عَشْرٍ ? [الفجر: 1، 2] ، وما شاكل ذلك. هذه كلها دخلت عليها "الـ" فهذا دليلٌ على أن الكلمة التي دخلت عليها "الـ" اسمٌ وليست فعلا ولا حرفًا. قال الشاعر: ما أنت بالحكم الترضي حكومته ولا الأصيل ذي الرأي والجدل دخلت "الـ" هنا على كلمة "تُرضى"، مع أن كلمة "تُرضى"، فماذا يُقال عنه؟ قال يُكتفى بهذا الشاهد، وهي أولا لا تدخل على فعل ماض، ودخلت على الفعل المضارع لمشابهته لاسم الفاعل، فدخولها هنا خاصٌ بالشعر، ثم إنه لا يأتي في النثر أبدًا، لا يأتي إلا في ضرورة الشعر، ويُحفظ ولا يُقاس عليه، وقد ورد له عدة شواهد كلها داخلة على الفعل المضارع، ولكننا نقول يُكتفى بما ورد. أما النداء فقد انتهيت منه قبل قليل، وهو دخول حرف النداء على الكلمة، وليس مجرد دخوله دليلا على أن الكلمة اسم، ومنه كما ذكرتُ لكم قبل قليلٌ قول الله عزّ وجلّ ? قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ? [يس: 26] . انتهينا من الحديث عن علامات الأسماء، الخفض والتنوين ودخول الألف واللام والنداء. بقي مما ذكر ابن مالك الإسناد إلى الاسم، وهذا في الحقيقة علامة جيدة، لأن بعض الأسماء لم تُعرف اسميتها إلا بهذه العلامة، ولا يصح لها شيءٌ من العلامات الأخرى وهي الضمائر، الضمائر ليس عندنا دليلٌ على أنها أسماء إلا بهذه العلامة وهي الإسناد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 أولا: ما معنى الإسناد، الإسناد في اللغة هي الإمالة، تقول "أسندت الخشبة إلى الجدار" بمعنى "أملتها إليه"، هذا في اللغة، لكن الإسناد في اصطلاح النحويين هو الحديث عن الشيء، أو نسبة شيءٍ إليه، فأنت إذا قلت "قمتُ" فقد أسندت القيام إليك، أي نسبته إليك، التاء هذه ظاهرها أنها حرف لأنها مكونة من كلمةٍ واحدة، فليس عندنا دليلٌ على اسميتها إلا هذا الإسناد وهو الحديث عنه. "أنت مخلصٌ"، ليس عندنا أيضًا دليلٌ على أن "أنت" اسم إلا بالإسناد إليه، لماذا؟ لأننا نقول الضمير لايصلح لدخول حرف الجر، ولا يصلح للتنوين، ولا يصلح للنداء، ولا يُنادى إلا شاذًّا وفي الشعر خاصةً، لا يُنادى الضمير إلا شذوذًا، ومنه قول الشاعر: يا أبجر بن أبجر يا أنتَ أنت الذي طلقت عام جُعْتَ الشاهد دخول حرف النداء على الضمير، والشاهد أيضًا أن الضمائر لا يصلح لها شيءٌ من العلامات الأخرى، لا يصلح لها نداء، ولا تظهر عليها علامات الخفض حتى نقول إنه مخفوض، ولا يصلح للتنوين، ولا تدخل عليه "الـ"، فلا يبقى له إلا هذه العلامة الوحيدة وهي الإسناد كما ذكر بن مالك رحمه الله، مع أن مصنفنا رحمه الله اكتفى بهذه العلامات الثلاث، وهي أبرز العلامات في الحقيقة. بعد هذا نتحدث عن بعض كلام المصنف رحمه الله وهو قوله (وحروف الخفض وهي: من وإلى وعن وعلى وفي ورب والكاف واللام وحروف القسم وهي: الواو والباء والتاء) . هو لا يزال يتحدث عن علامات الأسماء، واستطرد فذكر لنا حروف الخفض أو حروف الجر، ابن مالك ذكر حروف الجر فعدها عشرين حرفًا، اشترك معه ابن آجروم في معظم هذه الحروف، نذكر لكم أبيات من ابن مالك في ألفيته، قال: هاك حروف الجر وهي من إلى حتى خلا حاشا عدا في عن على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 مُذ منذ رُب اللام كي واو وتا والكاف والباء ولعل ومتى هذه عشرون حرفًا، وبعض هذه الحروف في الحقيقة لا يُستعمل حرف جر إلا أحيانًا عند بعض القبائل، وأحيانًا شاذًّا، ومن هذه الحروف التي تُستعمل قليلا جدًا حروف جر "لعل" و"متى"، فالأصل في "لعل" أنها للترجي، وليست حرف جر، ولكن ورد منه في بعض لغات العرب قول الشاعر: فقلت ادع أخرى وارفع الصوت جهرة لعل أبي المغوار منك قريب فـ"أبي" هنا جاءت مجرورةً ب"لعل"، وهذا قليلٌ جدًّا، ويختص بلغات بعض العرب. أيضًا "متى" لا تُستعمل إلا عند بعض العرب أيضًا، وهي بعض القبائل، ولعلها عُقيل أو هُذيل، يقولون "أخرجها متى كمه"، يعني من كمه، ومنه قول الشاعر "متى لجج خضر لهن نئيج" يعني من لجج، فهي تُستعمل بمعنى من، ولكنه أيضًا قليلٌ وخاصٌّ ببعض لغات العرب. أما من وإلى وعن وعلى وفي والباء واللام فهذه كلها تجر الظاهر والمضمر، تدخل على الأسماء الظاهرة فتجرها، وتدخل على الأسماء المضمرة فتجرها، طبعًا الأسماء الظاهرة مبنية، ولكنها تكون في محل جر، قال الله عزّ وجلّ ? وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ? [الأحزاب: 7] ، "من" دخلت على الكاف ـوهو ضمير ـ ونوح، وقال الله عزّ وجلّ ? وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ? [المائدة: 18] ، وقال سبحانه وتعالى ? وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ? [البقرة: 210] ، فجرت مرةً الظاهر ومرةً المضمر، وقال الله عزّ وجلّ ? طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ? [المطففين: 19] ، فدخلت عن على اسمٍ ظاهر، وقال الله عزّ وجلّ ? رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ? [المائدة: 119] ، دخلت على "هم" في الأول وعلى الهاء في الثاني، أما على نحو قول الله عزّ وجلّ ? عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ? [الأعراف: 89] ، ودخولها على الضمير نحو قولك "عليك أن تعمل كذا وكذا". أما "في" نحو قول الشاعر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وفي النفس حاجاتٌ وفيك فطانةٌ وهو أشعر الناس أبو الطيب المتنبي، فالنفس هنا اسم ظاهر و"فيك" دخلت على الضمير. و"رُبَّ"، هذه "رُبَّ" تختص بالدخول على الأسماء الظاهرة، وهي أيضًا حرفٌ يدل على التقليل غالبا، ويدل على التكثير أحيانًا، وبعضهم يرى العكس، المهم أنها خاصةٌ بالدخول على الأسماء الظاهرة، "رُبَّ رجلٍ لاقيته فأكرمته". أما الباء فكقول الشاعر: بالله يا ظبيات الحي قلن لنا ليلاي منكن أم ليلى من البشر وكقولك مثلا "مررتُ به أو بك أو بهم"، أو "مررتَ بنا"، إلى آخره، المهم أنها تجر الظاهر وتجر الضمير. أما الكاف فخاصةٌ بالدخول على الأسماء الظاهرة، قال الله عزّ وجلّ ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ? [الشورى: 11] ، وهي حرفٌ يدل على التشبيه، "محمدٌ كعليٍّ" أو "زيدٌ كخالدٍ"، إلى آخره. أما اللام فنحو قول الله عزّ وجلّ ?لله مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ? [البقرة: 284] ، وكقول الله عزّ وجلّ ? لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ? [البقرة: 255] ، فأحيانًا تدخل على الاسم الظاهر وأحيانًا تدخل على الضمير وتجرهما على السواء. أما حروف القسم فهي بعض هذه الحروف، منها الباء، الباء حرف قسم، والواو تدخل على كل الأسماء الظاهرة ويُقسم بها، "والله" "ورب الكعبة" "والرحمن" "والرحيم"، وهذه طبعًا نحن بوصفنا مسلمين لا يجوز أن ندخلها للقسم إلا على ما يتعلق باسم الله عزّ وجلّ أو بصفةٍ من صفاته، أما لو قال واحدٌ وحياتك أو نحو ذلك فهو جائزٌ لغةً، أما شرعًا فإنه لا يجوز الإقسام إلا بالله عزّ وجلّ، ولا يجوز الإقسام بغيره أبدًا، لأن نفس القسم بالشيء دليلٌ على التعظيم، ولا يستحق التعظيم الحقيقيَّ إلا الله سبحانه وتعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 هذه الواو، وأما الباء فتدخل على لفظ الجلالة، فتقول "بالله أن تعمل كذا وكذا"، هذا إذا كانت للقسم، أما إذا كانت حرف جر لا يُراد به القسم فهي تدخل على كل شيءٍ، فتدخل هذه الباء على لفظ الجلالة وعلى غيرها من أسماء الله سبحانه وتعالى متى ما أردت القسم. التاء، الغالب أنها تدخل على لفظ الجلالة، قال الله عزّ وجلّ ? وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ? [الأنبياء: 57] ، "تالله" فأقسم بالله سبحانه وتعالى، بعضهم يجيز الدخول على لفظ الرحمن، فيقول "تالرحمن"، بعضهم يجيز أيضًا ـ على قلة ـ دخولها على قولك "ربي" فتقول "تربي"، بعضهم يجيز دخولها على كلمة "رب الكعبة" فتقول "ترب الكعبة"، هذه التاء على ألفاظ محدودة، يعني ما يجوز أن تقول "تالرحيم" مثلا، ولم يرد، فهي خاصة بالأربعة ألفاظ التي ذكرتها لكم، والغالب أن تكون داخلةً على لفظ الجلالة وحده. هذه بالنسبة لحروف الجر التي ذكرها ابن آجروم، بقيت بعض حروف الجر، وهي في باب الاستثناء، وهي مشتركة أحيانًا تصير أفعالا وأحيانًا تصير حروفًا، أحيانًا تصير حروف جر وأحيانًا تصير أفعالا، وهي ثلاثة خلا وعدا وحاشا، كيف تميز أنها فعل أو أنها حرف جر؟ انظر إلى الاسم الذي بعدها، فإن كان منصوبًا فهي فعل استثناء، وإن كان مجرورًا فهي حرف دالٌّ على الاستثناء فتكون حرف جر. هذه الحروف الثلاثة، وطبعًا ابن آجروم لم يذكر هذه الحروف الثلاثة، خلا وعدا وحاشا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 تناوب حروف الجر، وقوع بعض حروف الجر موقع بعض للدلالة على المعنى أو تضمين الفعل الذي تعلق بحرف جر معنى فعلٍ آخر، هذا خلاف بين النحويين، ما المعتمد في فيه؟ هل تقع قال الله عزّ وجلّ ? وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ? [طه: 71] ، هل "في" هنا تدل على الظرفية أو تدل على أنها بمعنى على؟ أو أنه تضمين "أصلبنكم" معنى فعلٍ يتعدى بـ"في"، هذا خلافٌ بين النحويين في ذلك، والمسألة في هذا سهلة، والذي أراه أن بعض الحروف لها معنًى أصلي يغلب أن يكون هو المقصود به، مثلا "من" تدل في الأصل على التبعيض، لكن يمكن أن تدل لابتداء الغاية سواءٌ في الزمان أو المكان، ويمكن أن تكون للتعليل، قال الشاعر: يغضي حياءً ويُغضى من مهابته وهكذا، المهم أن لها معنًى أصليٌّ، ولها معانٍ أخرى ليست بأصلية يمكن أن تكون عليها، هذا الذي أرجحه في هذه المسألة، وإلا بعضهم يقول لا، الحروف يمكن أن تضع أي حرف مكان أيِّ حرفٍ مطلقًا، ويمكن أن تقول لا، بل لكل حرفٍ معنًى واحدٌ فقط وإنما التغيير في الفعل الذي دخل عليه فتُضمنه معنًى يصح أن يكون داخلا على هذا الحرف المُستشهد به، فهذا بالنسبة لاستعمال حروف الجر من ناحية معناها، والله أعلم بالصواب. الآن نقف عند هذا الحد ونتلقى الأسئلة منكم إذا كان لديكم بعض الأسئلة، وأنا أسألكم فيما ما مر شرحه إن شاء الله. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، قلتم في تعريف التنوين هو النون الداخلة على الاسم لفظًا تفارقه خطًّا لغير التوكيد، فهل إذا دخلت في التوكيد فلا يكون اسمًا؟ أجاب الشيخ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 بارك الله فيك، هذا سؤالٌ جيدٌ، وأنا ما شرحتُ تعريف التنوين شرحًا تامًّا، وإلا فله مُحرزان، أن أعيد التعريف مرةً ثانية، التنوين: نونُ ساكنة تلحق الآخر لفظًا لا خطًّا لغير توكيد، أحيانًا تكون الكلمة نون ساكنة وفي الأخير ولكنها للتوكيد، فإذا كانت تدل على التوكيد فليست داخلة على الاسم بل هي داخلة على فعل، قال الله عزّ وجلّ ? لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ? [العلق: 15] ، وقال الله عزّ وجلّ ? لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ ? [يوسف: 32] ، فالنون في ? لَيَكُونً ? صحيحٌ نون ساكنة وتلحق الأخير وتلفظ ولا تُكتب، لكن هذه النون وردت هنا للتوكيد، إذا كانت دالة على التوكيد فإنها لا تدخل على الأسماء، بل إن التوكيد علامة من علامات الأفعال، والله أعلم بالصواب. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خيرًا، نرجو من فضيلتكم أن تمثلوا لنا في خلا وحاشا وعدا. أجاب الشيخ: بار الله فيك، هذه أولا لا ترد إلا في الاستثناء، لا ترد بهذا المعنى إذا كنا نقصد بها حرف جر إلا في الاستثناء، فتقول "قام القوم خلا زيد وحاشا عمرٍو وعدا زيدٍ"، فإذا دخلت عليها "ما" تحولت، لا تصير حرف جر، ويصير ما بعدها منصوبًا، تصير فعل متى ما دخلت "ما"، تقول "دخل القوم ما خلا زيدًا" لابد أن تقول "زيدًا" ما تقول "زيدٍ"، لأن ما هذه تحولها إلى فعل وتصرفها عن الحروف، فهذا التمثيل بالنسبة لخلا وحاشا وعدا إذا كانت في الاستثناء خاصةً وإذا كانت حروف جر، ولا تكون حروف جر إلا في الاستثناء فقط. سأل الشيخ: أنا أريد منكم من يتحدث عن الحرف الذي يدل على التقليل غالبًا وعلى التكثير أحيانًا، وقال بعضهم بالعكس. أجاب أحد الطلبة: الحرف الذي يدل على التقليل غالبًا أو التكثير هو "رُبَّ". سأل الشيخ: تُمثل له؟ أجاب الطلبة: "رُبَّ رجلٍ لاقيته فأكرمته". أكمل الشيخ كلامه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 هذا كلامٌ صحيحٌ، بارك الله فيك. لكن أنا أريد أن أنبه على مسألة الاختلاف في الدلالة على التقليل وعلى التكثير، الذين يرون أنها دالةٌ على التكثير كثير، والذين يرون أنها دالة على التقليل قليل، ولذلك يستشهدون بقول الشاعر: ألا رُبَّ مولودٍ وليس له أبٌ وذي ولد لم يلده أبوان يقولون هذه لا يوجد إلا واحدٌ وواحد، مولود وليس له أبٌ وهو عيسى بن مريم، وذي ولدٍ شخص عنده أولاد وليس له أبوان، من هو؟ آدم عليه السلام، وهذا ما يوجد من كل واحدٍ منهما إلا واحد، لكن في قول الرسول صلى الله عليه وسلم (يا رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ يوم القيامة) ، فـ"رُبَّ" على التكثير، فبعضهم وهو الغالب والكثير من النحويين أنهم يرون أنها تدل على التكثير، والقليل يرون أنها تدل على التقليل غالبًا. هذه "رُبَّ"، أريد من حروف الجر التي تدخل على الظاهر والمُضمر مع التمثيل. أجاب أحد الطلبة: من الحروف التي تجر الظاهر والمضمر من وإلى وعن وعلى. سأل الشيخ: واحد منها مع تمثيله؟ أجاب الطلبة: ? وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ? [البقرة: 210] ، ? وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ? [المائدة: 18] . أكمل الشيخ كلامه: بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونكتفي بهذا القدر اليوم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 الدرس الرابع الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نواصل الحديث في شرح ما يتيسر من الآجرومية. قال المصنف رحمه الله (والفعل يُعرف ب "قد" والسين وسوف وتاء التأنيث الساكنة) ، هذه علامات الأفعال، إذا وجدت الكلمة مبدوءةً بـ "قد" فاعلم أنها فعلٌ، فعل ماضي أم فعل مضارع؟ الوجهان، يمكن أن تدخل على الفعل الماضي، وهذا يدل على التحقيق، ويمكن أن تدخل على الفعل المضارع، وهذا يدل على التقليل غالبًا وعلى التحقيق أحيانًا. "قد يعلم الله الذين يخالفونك"، هذه للتحقيق، لكن "قد يجيء محمدٌ" هذه للتقليل، "قد أمر فلانٌ بكذا وكذا" للتحقيق، ولا يوجد وجه آخر. إذًا قد لا تدخل على الأسماء، وطبعًا من باب أولى أن لا تدخل على الحروف، وإنما تدخل على الأفعال، هل تدخل على فعل الأمر؟ الجواب لا، هل تدخل على الفعل الماضي؟ الجواب نعم، هل تدخل على الفعل المضارع؟ الجواب نعم، ما دلالتها إذا دخلت على الفعل الماضي؟ التحقيق قولا واحدًا، ما دلالتها إذا دخلت على الفعل المضارع؟ التقليل غالبًا، والتحقيق أحيانًا، ? قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا ? [النور: 63] ، وهو يعلم سبحانه بدون شكٍ في ذلك. (والفعل يُعرف بـ"قد" والسين وسوف) ،ماذا يُسمّى هذان الحرفان؟ يُسميان حروف التنفيس، وأحيانًا يُسميان حروف التسويف، السين وسوف، السين يقولون إنها أقرب من سوف، "سوف" أبعد، "سوف أسافر" يعني بعد مدة، "سيجيء محمدٌ" يعني بعد قليلٌ، فالبعض يرى أنهما حرفان للتنفيس، والبعض يرى أنهما حرفان للتسويف، أما السين فأقرب من سوف مدةً، هذا كما يقول أهل اللغة. والسين و"سوف" لا يدخلان إلا على الفعل المضارع، لا تدخلان على الفعل الماضي، ولا تدخلان على الفعل الأمر، فهما خاصان بالفعل المضارع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وأما تاء التأنيث الساكنة، فاعلم بارك الله فيك أن تاء التأنيث أنواع، أحيانًا تكون اسمًا، وأحيانًا تكون حرفًا، فأما إن كانت اسمًا فهي الضمير إذا كانت للمخاطبة، مثل "أقبلتِ يا فاطمة" و"ذهبتِ يا هند"، فإن التاء الموجودة هذه هي تاء التأنيث، ولكنها كما ترون متحركة هنا، أما تاء التأنيث الساكنة فهي التي يقصدها المصنف هنا وهي حرفٌ، تدخل على الأفعال الماضية فقط، ولا تدخل على غيرها، وتدخل في آخر الفعل الماضي، "قامت هندٌ" و"حضرت دعدٌ" و"سافرت فاطمةُ". يعني إذا قلت "قد قامت الصلاة"، التاء هنا ساكنة أم متحركة؟ هي ساكنة في الأصل ولكنها لالتقاء الساكنة حُركت، فسواءٌ كانت بقيت على سكونها أم حُركت لالتقاء الساكنين. فإذًا عندنا التاء بأنواعها، متى ما وجدت التاء موجودةً في آخر الكلمة فاعلم أن هذه الكلمة فعل ماضي. هل هناك تاءاتٌ أخرى؟ نعم، عندنا تاء الفاعل، وهي ثلاثة أنواع، تاء المتكلم، وتاء المخاطب، وتاء المخاطبة، هذه التاء يسمونها تاء الفاعل، ولا تلحق إلا بالفعل الماضي، وكذلك تاء التأنيث الساكنة لا تلحق إلا آخر الفعل الماضي. يوجد عندنا تاء حرف ومتحرك وعلامة للفعل أيضًا، وهي التاء التي تلحق أول الفعل المضارع إذا كان المقصود به المخاطبة، "أنتِ تقومين يا هند"، فالعلامة هذه قد تكون في أول الفعل المضارع، وقد تكون في آخر الفعل الماضي، أعني التاء "أنتِ تقومين يا هند"، ولابد أن يكون المقصود بها المخاطبة بالنسبة للفعل المضارع، لأن عندنا تاء أحيانًا تكون دالةً على الغائب مثل "هندٌ تقوم"، أو "أنت تقوم"، فلابد أن يكون المقصود بها المخاطبة، فهي تلحق الفعل المضارع، وهي دالة على أن الكلمة فعل. المهم أن تاء التأنيث الساكنة، والتاء إذا كانت اسمًا بأنواعها لا تلحق إلا الأفعال، قال ابن مالك: بتا فعلت وأتت ويا افعلي ...... ونون أقبلنّ فعل ينجلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 يعني ينجلي الفعل بواحدةٍ من هذه العلامات الأربع، أعيدها مرةً ثانية، "بتا فعلت" يعني تاء المخاطبة مثلا أو تاء الفاعل عمومًا، "وأتت" يعني تاء التأنيث الساكنة، "ويا افعلي" هذه ياء المخاطبة، ولا تلحق إلا الأفعال أبدًا "ونون أقبلنّ" هذه نون التوكيد ولا تلحق إلا الأفعال كما ذكرنا لكم في اللقاء الماضي. الآن عندنا ثلاثة أنواع من الأفعال، فما علامة الفعل الماضي؟ وما علامة الفعل المضارع؟ وما علامة فعل الأمر؟ كيف يتبين لنا أن هذه الكلمة فعلٌ ماضي؟ أما الفعل الماضي فعلامته قبول التاء، سواءٌ أكانت تاء الفاعل أم كانت تاء التأنيث الساكنة، ولا تقع إلا في آخره، تقول "ضربتَ" و"ضربتُ" و"ضربتِ" و"ضربتْ"، هذه التاء دليلٌ على أن الكلمة التي لحقتها فعلٌ ماضٍ، فالفعل الماضي علامته قبول التاء، قال ابن مالك " وماضي الأفعال بالتا مز" أي ميز الفعل الماضي بقبوله التاء في آخره، سواءٌ كانت للفاعل أو كانت للتأنيث. أما علامة الفعل المضارع فهي قبوله لـ "لم"، وقبول السين، وقبول سوف، إذا قبلت الكلمة دخول واحدة من هذه العلامات فهي فعلٌ مضارع، ولا تقع هذه الأدوات إلا قبل الفعل المضارع، ولا يصح أن تدخل لا على الماضي ولا فعل الأمر ولا الأسماء طبعًا من باب أولى، ولذلك قال ابن مالك أيضًا " فعل مضارع يلي لم كيشم". في بعض الأحيان تدل الكلمة على معنى المضارع، ولكنها لا تقبل دخول "لم"، وفي بعض الأحيان تدل الكلمة على معنى الفعل الماضي ولكن لا يقبل التاء، وما ذكرنا فعل الأمر، ولكن سنذكره ثم بعد هذا نعود إلى هذه الأمور الثلاثة المُستثناة، في بعض الأحيان تدل الكلمة على معنى الأمر ومع ذلك لا يقبل علامة الأمر التي سأذكرها بعد قليل، فماذا نفعل في هذا الأمر؟ ننظر بعد قليل بعد أن نذكر لكم علامة فعل الأمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 علامة فعل الأمر مكونة من أمرين، الدلالة على الطلب وقبول نون التوكيد، لابد من الأمرين مجتمعين: 1 ـ الدلالة على الأمر. 2 ـ وقبول نون التوكيد. قولك مثلا "اضربنّ"، هذه قبلت النون ودلت على الأمر، وإذا قبلت النون ولم تدل على الأمر فهي فعل مضارع كما ذكرنا قبل قليل، وإذا لم تقبل النون ودلت على الأمر فهي اسم فعل أمر مثل "صه" بمعنى اسكت ومثل "دراكي" ومثل "جَلاسي" ومثل "مه" بمعنى كفَّ وما شاكل ذلك. إذا دلت الكلمة إلى معنى الفعل المضارع ولم تقبل نون التوكيد أو لم تقبل دخول "لم" عليها فإنها حين إذٍ اسم فعل مضارع، مثاله "وي" بمعنى أتعجب، "أُوَّهْ" بمعنى أتوجع، "أُفٍّ" بمعنى أتضجر، هذه كلها تدل على الفعل المضارع، ولكنها لا تقبل دخول "لم" عليها، فهي اسم فعل مضارع. الفعل الماضي أو ما يدل على الزمن الماضي، هل يوجد منه ما يدل على الزمن الماضي ولا يقبل علامة الفعل الماضي؟ نعم، يوجد مثلا "هيهات" بمعنى بَعُدَ، و"شَتَّان" بمعنى افترق، هذه كلها تدل على الزمن الماضي ولكن لا تقبل تاء التأنيث ولا تاء الفاعل. فهذه علامات الأفعال جمعها المصنف هنا في بعض العلامات فقال (الفعل يُعرف بقد والسين وسوف وتاء التأنيث الساكنة) ، ومع الأسف لم يأت بعلامةٍ لفعل الأمر، ولكن فعل الأمر كما أخبرتكم لابد من اجتماع علامتين فيه حتى يدل على الأمر. هذه علامات الأفعال. ننتقل بعد هذا إلى قول المصنف (والحروف ما لا يصلح معه دليل الاسم ولا دليل الحرف) ، كيف تعرف أن الكلمة حرف؟ تعرف يا أخي بارك الله فيك بطريقة وهي أن تجرب علامات الأسماء، فإذا قبلت الكلمة علامةً من هذه العلامات فهي اسم، وإذا لم تقبل لم تقبل فانتقل إلى علامات الأفعال وجرب عليها، فإذا لم تقبل علامةً من هذه العلامات فهي حرفٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وهناك طريقة ثانية وهي أن تنظر إلى المعنى، فإن كان للكلمة معنًى في نفسها غير مقترن بزمن فهي اسم، إن كان للكلمة معنًى في نفسها مقترنًا بزمن فهي فعل، إن كانت الكلمة ليس لها معنًى في نفسها وإنما معناها فيما تدخل عليه فهي حرفٌ، والله أعلم بالصواب. ولذلك قال المصنف هنا (والحروف ما لا يصلح معه دليل الاسم ولا دليل الحرف) ، فما كان كذلك فهو حرفٌ، والله أعلم بالصواب. والحروف يا إخواني أنواع، الحروف منها ما يختص بالدخول على الأسماء، وهي حروف الجر وإن وأخواتها، وحروف تختص بالدخول على الأفعال، وهي الجوازم ونواصب الأفعال، وحروف مشتركة تدخل على الأسماء وعلى الأفعال، والحروف المشتركة هذه مثل همزة الاستفهام و"هل" في الاستفهام فإنها يمكن أن تدخل على الأسماء ويمكن أن تدخل على الأفعال، والأولى طبعًا دخولها على الأفعال، ولكنها قد تدخل على الأسماء وقد تدخل على الأفعال، والله أعلم بالصواب. ننتقل الآن إلى قضية جديدة، بعد أن انتهى المصنف رحمه الله من الحديث عن علامات الأسماء وعلامات الأفعال وعلامات الحرف، وعلامة الحرف علامة عديمة، وهي أن تجرب عليها علامات الأسماء فإذا قبلت خرجت، أو تجرب عليها علامات الأفعال فإذا قبلت خرجت، وإذا لم تقبل علامةً من علامات الأسماء ولا من علامات الأفعال فهي حرفٌ بدون شكٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 ننتقل بعد هذا إلى حديث المصنف عن الإعراب، والآن دخل بنا في باب الجمل، لأن باب الإعراب والبناء خاصّان بالجمل، ولا تعرف أن هذه الكلمة مبنية ولا مُعربة ولا أنها فاعل ولا أنها مفعولٌ به ولا أنها مُبتدأ ولا أنها خبر إلا إذا كانت في جملة، وهذا قول المصنف هنا (الإعراب هو تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليه لفظًا أو تقديرًا) ، بعضهم يُعرف الإعراب وبعضهم يُعرف المُعرب، والمسألة في هذا سهلةٌ، إما أن تعرف بشيءٍ معنويٍّ وإما أن تعرف بشيءٍ محسوسٍ، الذين يعرفون بشيءٍ محسوسٍ هم الذين يعرفون المعرب، والذين يعرفون بشيءٍ معنويٍّ هم الذين يعرفون الإعراب، فالمصنف هنا اعتمد على الناحية المعنوية، فقال الإعراب هو تغيير أواخر الكلم، الكلم جمع كلمة أو اسم جنس جمعي للكلمة، واسم الجنس الجمعي هو الذي يُفرق بينه وبين واحده بالتاء في المفرد، مثل كلم وكلمة، وشجر وشجرة، وتمر وتمرة، إلى آخره. فإذا وجدت أن الكلمة بسبب ما يدخل عليها من العوامل مرة تكون مرفوعة ومرة تكون منصوبة ومرة تكون مجرورة ومجرة تكون مجزومة فاعلم أن هذه الكلمة مُعربة، وإذا رأيتها ثابتةً في كل أحوالها مهما تغيّرت العوامل عليها فاعلم أن الكلمة مبينة، فأنت تستطيع أن تقول هذا الجدار مبنيٌّ لأنه لا يتحرك، أما المعرب فإنه يتحرك آخره، يعني تتغير حركته، تقول "جاء رجلٌ" و"رأيتُ رجلا" و"مررتُ برجلٍ"، "رجل" لما صارت فاعلا صارت مرفوعة ولما صارت مفعولا به صارت منصوبة ولما دخل عليها حرف الجر صارت مجرورة دليلٌ على أنَّ كلمة "رجل" معربة وليست مبنية لتغيرها بسبب تغير العوامل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 يقولون إن كلمة "حيث" مبنية، ويجيزون فيها أن تقول "جلستُ حيثُ زيدٌ جالسٌ" و"جلستُ حيثَ زيدٌ جالسٌ" وتقول "جلستُ حيثِ زيدٌ جالسٌ"، ومع ذلك يعدونها مبنية مع أنها تغيرت حركتها، فهل عندنا من مخرجٍ من هذه المشكلة؟ الجواب نعم، لأننا حددنا لك هنا أن يكون سبب التغيير هو بتغير دخول العوامل، العامل هنا في حيث لم يتغير لأنك تقول "جلستُ حيثُ" و"جلستُ حيثَ" و"جلستُ حيثِ" فما الذي تغيّر؟ التغير في لغات العرب فقط، لأن بعض العرب وهو الغالب الكثير يبنيها على الضم، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ? [البقرة: 149] ، فلم يقل "وَمِنْ حَيْثِ"، ولكن بعض لغات العرب ـ وهي أقل منها درجةً ـ يجعلها مبنيةً على الفتح فيقول "من حيثَ"، وبعضهم يرى أنها مبنية على الكسر، وهذا قليل. إذًا الإعراب المُعتد به أو التغير المعتد به هو ما كان بسبب دخول العوامل، أما ما لم يكن بسبب دخول العوامل وإنما هو بسبب اختلاف لغات العرب فلا نعده من المعرب، وإنما نعده مبنيًّا، هذا قول المصنف (الإعراب هو تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليه لفظًا أو تقديرًا) ، الذين عرّفوا المعرب قالوا المعرب: هو الذي يتغير آخره بسبب ما يدخل عليه من عوامل، والمسألة في هذا سهلةٌ والحمد لله رب العالمين. قوله (الإعراب هو تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليه لفظًا أو تقديرًا) (لفظًا) انتهينا منه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 الآن ننتقل إلى الإعراب التقديري، أحيانًا تكون الكلمة لا تظهر عليها علامة الإعراب مطلقًا لأنها مكسورة مثلا، أو لأنها متصلة بياء المتكلم، مثلا تقول "جاء موسى" و"رأيت موسى" و"مررتُ بموسى"، "موسى" هنا مُعرب، لكنه مرفوعٌ بضمة مقدرة، "رأيت موسى" منصوب بفتحة مقدرة، "مررتُ بموسى" مجرور بكسرة مقدرة، إذًا لماذا لا تقول إنه مبنيٌّ طالما لم يتغير حاله؟ أقول لك لأن هذه الكلمة اسمٌ والأسماء الأصل فيها الإعراب، ولا تُبنى إلا إذا شابهت الحروف، وهذا ليس بينه وبين الحروف أي شبه –أي كلمة "موسى" ـ، فنقول صحيحٌ أنه مُعرب، لكن علامات تقديرية. هذا نوعٌ مما تُقدر عليه جميع علامات الإعراب. النوع الثاني: مما تُقدر عليه جميع علامات الإعراب هو المُضاف إلى ياء المُتكلم مثل "هذا كتابي" و"ورأيتُ كتابي" و"قرأتُ في كتابي"، "هذا" مُبتدأ، "كتاب" خبرٌ مرفوعٌ وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الباء، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة للياء، لماذا؟ لأن الياء هذه –أي ياء المتكلم ـ لا يقع ما قبلها إلا مكسورًا، ولذلك إذا دخل عليها فعلٌ يجيئون بنون الوقاية حتى تقي الفعل من الكسر، لأن الفعل لا يُكسر. إذًا هذه تُقدر عليها جميع علامات الإعراب، بعضهم هنا قال إن المضاف إلى ياء المتكلم اكتسب البناء من إضافته إلى الياء لأن الياء مبنية فهو مبنيٌّ، لكن الصواب أنه مُعربُ، وأنه معربٌ بحركاتٍ مقدرة، ومنع من ظهروها اشتغال المحل بحركة المناسبة. هذا بالنسبة للمضاف إلى ياء المتكلم، بعضهم يرى أنه في منزلةٍ بين المنزلتين، لا هو معربٌ ولا هو مبنيٌّ بل قسمٌ مُستقلٌ بنفسه، الذي هو المُضاف إلى ياء المتكلم، لكن نعود مرةً أخرى ونقول لا، بل هو معرب، ومعربٌ بعلاماتٍ مقدرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 أحيانًا يكون الإعراب التقديري في بعض الأحيان، فمثلا الاسم المنقوص مثل "القاضي" و"الساعي" و"الداعي" و"المرتدي" وإلى آخره، هذه مختومة بياء، وما قبل الياء مكسور، هذه تُسمى أسماء منقوصة أو ناقصة، هذه تظهر عليها العلامة الإعرابية في حالة النصب، أما في حالة الجر وفي حالة الرفع فلا تظهر عليها العلامة الإعرابية، أقول "جاء القاضي" و"ورأيتُ القاضيَ" و"مررت بالقاضي"، في حالة الرفع وفي حالة الجر ساكنة ولكن الحركات مقدرة عليها، ويقولون إن هذا التقدير للثقل وليس للتعذر، فالتقدير في الأسماء المنقوصة للثقل. الفعل المضارع المختوم بالواو أو الياء تُقدر عليه العلامة الإعرابية في حالة الرفع فقط، تقول "محمدٌ يدعو ربه" و"محمدٌ يرمي عدوه" في حالة الرفع، فأما إذا جئت بالنصب فإن الفتحة تظهر فتقول "محمد لن يدعوَ الشيطان" أو "لن يدعوَ عدوه" وتقول "لن يرميَ أحبابه"، ظهرت عليها الفتحة، أما في حالة الجزم نحذف حرف العلة، تقول "لم يدعُ" و"لم يرمِ" و"لم يسعَ"، "واحذف جازما ثلاثهن تقض حكما لازما"، هذا في الفعل المضارع المعتل الآخر، وسيأتينا بيانه إن شاء الله. إذًا قد تكون العلامة مقدرةٌ مطلقًا، يعني في كل الأوقات رفعًا ونصبًا وغيرها، وقد تكون في بعض الحالات كما رأيتم وكما مثلنا في حالة الاسم المنقوص وفي حالة الاسم المقصور والفعل المضارع المعتل الآخر والكلمة المضافة إلى ياء المتكلم، ونكون بهذا أنهينا الحديث عن الإعراب الظاهر والإعراب المقدر. البناء: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 المبني هو الذي لا يتغير آخره بسبب ما يدخل عليه من العوامل، ولم يذكر هذا الكلام ابن آجروم رحمه الله، لم يذكر المبني اكتفاءً بالمعرب، قال الإعراب هو تغيير أواخر الكلم، ومعناه عكسه هو المبني، البناء هو عدم تغيير أواخر الكلم بسبب ما يدخل عليه من العوامل، تقول "جاء من أحبه" و"رأيتُ من أحبه" و"مررتُ بمن أحبه"، "من" هذه اسم موصول، وقد جاءت ساكنة في الأحوال الثلاثة، في الرفع والنصب والخفض، معنى هذا أنها كلمة مبنية، ولا تتأثر بما يدخل عليها من العوامل، و"من" اسمٌ موصولٌ مبني لا يتأثر بما يدخل عليه من العوامل، فهذا هو المبني. ولا بأس أن نعد لكم المبنيات، المبنيات هي: 1 ـ الحروف كلها مبنية بدون استثناء، لا يوجد حرف إلا وهو مبنيٌّ. 2 ـ الضمائر كلها مبنية، لا يوجد ضميرٌ إلا وهو مبنيٌّ. 3 ـ أسماء الإشارة، وسأعود لأسماء الإشارة بعد قليل. 4 ـ الأسماء الموصولة. 5 ـ أسماء الشرط. 6 ـ أسماء الاستفهام. 7 ـ أسماء الأفعال. 8 ـ أسماء الأصوات، وهذه قليلة الاستعمال. نعود إلى بعض الأسماء التي ذكرتها لكم وقُلتُ إنها مبنية، عندنا في أسماء الإشارة لفظان وهما "هذان" و"هاتان"، تكون في حالة الرفع بالألف وفي حالة النصب والجر بالياء، فهل هي معربة بهاتين الصورتين أو مبنية؟ في هذا خلاف، لكن الصحيح أنها معربة، إذًا "هذان" و"هاتان" تُرفعان بالألف وتُنصبان وتجران بالياء، والبقية كل أسماء الإشارة مبنية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 الأسماء الموصولة يوجد فيها ثلاثة ألفاظ "اللذان" و"اللتان" و"أي"، أما "أي" فقولا واحدًا معربة إذا كانت موصولة أو إذا كانت استفهامية أو إذا كانت شرطية إلا في حالة واحدة وهي إذا كانت اسمًا موصولا وقد أُضيفت وحُذف صدر صلتها كقول الله عزّ وجلّ? لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ? [مريم: 69] ،اعلم بارك الله فيك أن كلمة "أَيُّ"هنا في محل نصب مفعول به، ولم يقل "أَيَّهُمْ"،لماذا؟ قال لأنها اسمُ موصولٌ مُضافٌ وقد حُذف صدر صلتها، لأن التقدير والله أعلم "أَيُّهُمْ هُوَ أَشَدُّ"، وقد أُضيفت إلى كلمة "هُمْ" فهي هنا مبنية، فيما عدا ذلك كلما رأيت "أي" فأعربها، قال الله عزّ وجلّ ? فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ? [الأنعام: 81] ،هنا استفهامية، قال الله عزّوجلّ? أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? [الإسراء: 110] ، وكقولك مثلا "أيَّ رجلٍ قابلتَه؟ " و"بأيِّ رجلٍ مررت"، فهذه "أي" معربة. "اللذان" و"اللتان" رفعًا بالألف، ونصبًا وجرًا بالياء، أهما مُعربان أم مبنيان؟ فيه خلاف، والصحيح أنهما مُعربان، يعني إعراب المثنى، بقية الأسماء من الثمانية أمور التي ذكرتها لكم كلها مبنية، والله أعلم بالصواب. انتهينا من باب المُعرب والمبني أو مما يتحدث فيه المصنف في باب المُعرب والمبني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 قال المصنف (وأقسامه أربعة) ، أقسام ماذا؟ الضمير عائد إلى ماذا؟ إلى الإعراب، لأنه لم يتحدث عن المبني، فقال (أقسامه أربعة: رفعٌ ونصبٌ وخفضٌ وجزمٌ، فللأسماء من ذلك الرفع والنصب والخفض، ولا جزم فيها، وللأفعال من ذلك الرفع والنصب والجزم، ولا خفض فيها) ، لأن الخفض خاصٌّ بالأسماء، والجزم خاصٌّ بالأفعال، ولا يوجد عندنا اسم مجزوم، ما تقولون في "من" وفي "مهما"؟ أليست ساكنة الآخر؟ تقول "جاء من نحبه" مثلا، أو "سافر من أوده"، و"رأيت من أوده"، ألا ترى أنها ساكنة الآخر ونحن نقول إن الجزم خاصٌّ بالأفعال، ومن هذه اسم موصول، الجواب عن هذا أنها هنا مبنية وليست مجزومة، هناك فرقٌ بين الجزم والبناء، فالجزم علامة إعراب، والسكون علامة بناء، فالجزم المقصود به هنا علامة من علامات الإعراب، ولا تقع في الأسماء. (رفعٌ ونصبٌ وخفضٌ وجزمٌ، فللأسماء من ذلك الرفع والنصب والخفض) تقول "هذا زيدٌ"، و"رأيتُ زيدًا" و"نظرت إلى زيدٍ"، فهذه أخذت العلامات الإعرابية الثلاثة وهي الرفع والنصب والجر أو الخفض كما عبّر صاحبنا هنا. (وللأفعال من ذلك الرفع والنصب والجزم، ولا خفض فيها) تقول "محمدٌ يقوم"، و"محمدٌ لن يقوم"، و"محمد لم يقم"، فـ "يقوم" فعلٌ معرب وقد تحرك بالحركات الثلاث وهي الرفع في قولك "يقومُ" لأنه لم يتقدم عليه ناصب ولا جازم، والنصب في قولك "لن يقومَ" لأنه تقدمت عليه "لن"، والجزم في قولك "لم يقم"، لأنه تقدمت عليه "لم" الجازمة، ولا يوجد في الأفعال خفض. أحيانًا في آخر البيت من القصيدة تُحركه بالكسر لكنه ليس من أجل أن الفعل يجوز أن تكسره، مثلا في قول زُهير: أمن أُمِّ أوفى دمنةٌ لم تكلمِ بحومانة الدراج فالمتثلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 "لم تكلم"، "تكلم" هنا فعل مضارع، وأصله "لم تتكلم"، دخلت عليها "لم"، ومع ذلك رأينا أن الفعل هنا عليه الكسرة كما ترون، ولكننا لا نقول إنه مكسور ولكن نقول من أجل الإشباع، لأنه لو قال "لم تكلمْ" لا يكن عنده فرصة للإشباع، فحول السكون إلى كسرة. ونكتفي بهذا القدر اليوم، ونتوجه إليكم بالأسئلة أو تتوجهون أنتم بالأسئلة التي لديكم متعلقة بما في هذا الباب. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، قلنا أن التقدير لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظًا أو تقديرًا، هل يجوز أن يُحمل التقدير هاهنا على العوامل؟ أجاب الشيخ: لا، وحفظك الله، العوامل هي التي تؤثر بسبب دخولها، أما التقدير فلا أظن أن له وجه نحمله على أن يكون العامل مقدرًا، يكون العامل مقدرًا في حروف الجر أحيانًا، يُحذف حرف الجر ويُقدر، مثلا يقولون في واو "رُبَّ" إن الكلمة التي تأتي مجرورة بعد واو "رُبَّ" تكون مجرورة بحرفٍ مقدر، لكن الصواب في أن المصنف هنا أراد بأن التقدير في علامة الإعراب نفسها، إما أن تكون ظاهرة أو أن تكون مقدرة، هذا الظاهر لي، والله أعلم. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خيرًا يا شيخ، ذكرتم أن حروف الخفض لا تدخل إلا على الأسماء، فكيف يُوجَّهُ قول القائل "سقطتُ من على شجرة"؟ أجاب الشيخ: هذا أحيانًا ربما تحدثنا فيه أو لم نتحدث، لا أدري ربما توسعنا في هذا، يقولون بعض حروف الجر تُستعمل أحيانًا حروفًا وأحيانًا أسماءً، كالكاف مثلا، الكاف يقولون تأتي بمعنى "مثل" و"على" وتأتي بمعنى "فوق"، فحينئذٍ يجوز دخول حرف الجر عليها لأنك ضمنت الحرف الذي هو في الأصل حرف معنى اسمٍ آخر فجاز دخول حرف الجر عليه، ومنه قول الشاعر "غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها"، وهي حروف مجموعة وأظنها خمسة حروف تأتي أحيانًا أسماءً فتدخل عليها حروف الجر لأنها تحولت دلالتها من الحروف إلى الأسماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، قلنا في مثال الكلمات المعربة ولكن تقديرًا منع من ظهور العلامة عليها الاستثقال أنها تكون معربة، فهل في كلمة "قاضي" مثلا أو كلمة "ليالي" إن حذفنا الياء فنقول مثلا "مررتُ بقاضٍ من القضاة" فهل هنا تكون معربة تقديرًا؟ أجاب الشيخ: بارك الله فيك، سؤال جميل جزاك الله خيرًا عليه، إذا قلت "مررتُ بقاضٍ" فكيف تُعربها؟ تقول "مَرَّ": فعلٌّ ماضٍ، والتاء: فاعل، والباء: حرف جر، و"قاضٍ": اسم مجرور بحركة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، الساكنان هما الياء هذه التي استثقلت عليها الحركة فسكنت، والساكن الثاني هو التنوين، فلما اجتمع التنوين والياء -والياء حرف علة متطرفة ـ حذفوا الياء، فالحركة مقدرة على الياء المحذوفة. سأل الشيخ: توجد بعض الكلمات مبنية، ومع ذلك تتغير حركة آخرها، فما توجيه ذلك؟ وما هذه الكلمات؟ أجاب أحد الطلبة: الكلمة هي "حيث"، وتوجيهها حسب لسان العرب. سأل الشيخ الطالب: تحكم عليها بأنها مبنية أم معربة؟ أجاب الطالب: هي مبنية، لكن يُوجه رفعها أو خفضها أو نصبها حسب لغات العرب، وليس هذا لأن الكلمة نفسها معربة. أكمل الشيخ كلامه: هذا كلام حق، بارك الله فيك. ونكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الدرس الخامس الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا، سهل لنا يا رب أمورنا، واغفر لنا ذنوبنا، وارحمنا برحمتك، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا يا أرحم الراحمين. لازلنا في مجالس العلم، ونتحدث في بعض أبواب الآجرومية، وقد وصلنا إلى بعض التفصيلات في علامات الإعراب، لأنه لما انتهى المصنف من ذكر أنواع الإعراب شرع الآن في علامات هذا الإعراب، كيف يكون الرفع؟ كيف يكون النصب؟ كيف يكون الجر؟ كيف يكون الجزم؟، وأحوال هذه الأمور بتفصيلٍ نوعًا ما، وسيفصله تفصيلا آخر في ما بعد، ولكننا سنمشي في التفصيل الأخير بإيجازٍ شديد إن شاء الله تعالى. المصنف انتهى من بيان أن الاسم والفعل يشتركان في نوعين من أنواع الإعراب، هما الرفع والنصب، وأن الأفعال تختص بالجزم، وأن الأسماء تختص بالجر أو بالخفض كما هي عبارة الكوفيين، والآن بدأ يتحدث في معرفة علامات الإعراب فقال: (باب معرفة علامات الإعراب: للرفع أربع علامات: الضمة، والواو، والألف، والنون) ، هذه العلامات هي علامات الإعراب، وقبل أن نشرع في هذه التفاصيل لابد أن نعرف معرفةً يقينية غير منسية علامات الإعراب الأصلية، لأن ما سواها إنما هو علاماتٌ فرعية، فالعلامة الأصلية للرفع هي الضمة، والعلامة الأصلية للنصب هي الفتحة، والعلامة الأصلية للخفض هي الكسرة، والعلامة الأصلية للجزم هي السكون، ويتفرع عن كل واحدة من هذه العلامات بعض الفروع، والمصنف قد بدأ في ذكر هذه الفروع، فبدأ بالعلامات التي تكون للرفع، ذكر أولا العلامة الأصلية منها، العلامة الأصلية للرفع هي الضمة، ويتفرع عنها -يعني يكون الرفع أحيانًا- بغير الضمة، ولكنه علامةٌ فرعيةٌ، فالضمة هي الأصلية، ويتفرع عنها أحيانًا الواو، قد تكون الكلمة مرفوعةً بالواو، وقد تكون الكلمة مرفوعةً بالألف، وقد تكون الكلمة مرفوعةً بالنون، هذه ثلاث علامات فرعية، والعلامة الأصلية هي الضمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ثم فصل المصنف فبيّن أن الضمة تكون في حالات، وأن الألف تكون في حالات، وأن الواو تكون في حالات، وأن النون تكون في حالات، فنتبين الآن إن شاء الله تعالى، قال المصنف رحمه الله (فأما الضمةفتكون علامةً للرفع في أربعة مواضع: في الاسم المفرد، وفي جمع التكسير، وفي جمع المؤنث السالم، وفي الفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيءٌ) ، وهذا كلامٌ حقٌ، الضمة هي العلامة الأصلية، وتكون في المواضع الأربعة هذه التي نذكرها تباعًا. أولا: الاسم المفرد، سواءٌ أكان معرفةً أم نكرة، مذكرًا أم مؤنثًا، فإن علامة الاسم المفرد هي الضمة، ولا تهتم وتظن أنه يقصد بالضمة غير الضمتين في حالة التنوين مثلا، لا، ليس هذا مقصوده، وإنما المقصود إن كانت الكلمة منصرفة فستكون طبعًا مع التنوين، بخاصة إذا لم تدخل عليها ال، وإن كانت غير منصرفة أو دخلت عليها ال فإنها ستكون بالضمة فقط، فنبدأ فنقول الضمة هي علامة للرفع في الاسم المفرد. الاسم المفرد معروف طبعًا أنه ليس مثنًى ولا مجموع، وقوله (الاسم) يخرج الفعل والحرف، فإن الفعل لا شأن له في هذا الموضع، والحرف أيضًا كما قررنا أن الحروف كلها مبنية، قال صلى الله عليه وسلم (المسلمُ أخو المسلم) ، (المسلمُ) مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو اسمٌ مفرد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 أما الموضع الثاني الذي يُرفع بالضمة فهو جمع التكسير، واعلموا بارك الله فيكم أن ما يدل على الجمع أنواع، منها جمع التكسير، منها جمع المذكر السالم، منها جمع المؤنث السالم، منها اسم الجمع، منها اسم الجنس الجمعي، هذه كلها تدل على الجموع، ولكل واحدٍ منها تعريف، فنبدأ بتعريف جمع التكسير الذي هو في بابنا الآن، ولا بأس أن نضم معه اسم الجنس الجمعي واسم الجمع لأن علامتهما أيضًا هي الضمة، فأما جمع التكسير فهو ما دلّ على أكثر من اثنين ولم يسلم مفرده من التغيير، لذلك سُمِّي تكسيرًا لأن مفرده يتكسر، يتكسر بمعنى أنها تتغير حركاته أحيانًا، تتغير بعض الحروف فيه، ينقلب حرف إلى حرف، وهكذا، كلمة "رجل" جمعها "رجال"، كلمة "مسجد" جمعها "مساجد"، انظر بارك الله فيك إلى "رَجُل" الأول الراء مفتوحة والجيم مضمومة، ثم لما جمعتها قلتَ "رِجَال"، فتغيرت الحركة في الراء والجيم معناه أنه لم يسلم مفرده من التغيير، هذا هو جمع التكسير. "مَسْجِد" تقول في جمعه "مَسَاجِد"، تغيرت السكون إلى فتحة، وهكذا، فمادام لم يسلم مفرده من التغيير فهو جمع تكسير، ما علامة الرفع في جمع التكسير سواءٌ أكان مصروفًا ككلمة "رجال" أم غير مصروف ككلمة "مساجد"؟ علامة رفعه هي الضمة، قد انتهينا من تعريفه. ننتقل الآن إلى اسم الجمع، واسم الجنس الجمعي، أما اسم الجمع يا أيها الأحباب فإنه ما دل على أكثر من اثنين لكن لا مفرد له من لفظه، مثلا "نساء" مفردها "امرأة" لا مفرد له من لفظه، "قوم" مفرده "رجل"، "رهط" مفرده "واحد"، وهكذا، هذه كلها تُسمَّى بأسماء الجموع، وكلها علامة رفعها الضمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 ننتقل إلى اسم الجنس الجمعي، اسم الجنس الجمعي يا أيها الأحباب هو أيضًا ما دل على أكثر من اثنين، ولكن يُفرَّق بينه وبين واحده بالتاء في المفرد، يعني التاء تكون في المفرد والجمع يكون خاليًا منها، وهذا هو الغالب فيه، تقول "شجر" هذا اسم جنس جمعي، مفرده "شجرة"، فيها تاء، تقول "تمر" مفرده "تمرة"، تقول "لبن" مفرده "لبنة"، "كلم" -كما مر بنا- مفرده "كلمة"، فإذا كان يُفرق بينه وبين واحده بالتاء، والتاء تكون في المفرد هذا يُسمى باسم الجنس الجمعي. فيه نوع آخر من اسم الجنس الجمعي، هو الذي يُفرق بينه وبين واحده بياء النسب في المفرد، تقول "عرب" و"عربي"، و"روم" و"رومي"، و"ترك" و"تركي"، المفرد فيه ياء النسب، والجمع ليست فيه ياء النسب، هذا كله يُسمى باسم الجنس الجمعي، وكذلك هذا النوع علامة إعرابه الضمة، وسواءٌ كان منونًا أم غير منونًا، الغالب فيه أن يكون منونًا إلا أن تدخل عليه "ال"، فإن "ال" والتنوين لا يجتمعان. نعود مرة ثانية إلى جموع التكسير، أنبه إلى أنها نوعان، نوعٌ منها يُسمى جموع قلة، ونوعٌ منها يُسمَّى جموع كثرة، جموع القلة هذه تكون من الثلاثة إلى العشرة، وجموع الكثرة ما زاد على ذلك، وفي بعض الأحيان يحل جمع الكثرة محل جمع القلة لأنه لا يجود جمع قلة، أو بالعكس يحل جمع القلة مكان جمع الكثرة لأنه لا يوجد جمع كثرة في هذا اللفظ. المهم أن عندنا أربعة أوزان جموع قلة، وما عداها جموع كثرة، وقد أحصاها بعضهم فزادت على ثلاثين وزنًا –يعني جموع الكثرة-، أما جموع القلة فهي أربعة أوزان، جمعها ابن مالك في قوله: أفعلة أفعل ثم فعلة ثمة أفعال جموع قلة "أفعلة" مثل "رغيف" و"أرغفة"، "أفعل" مثل "عبد" و"أعبد"، "أفعال" مثل "ثوب" و"أثواب" و"قفل" و"أقفال"، "فعلة" نحو "فتى" و"فتية"، هذه جموع القلة، ولم يسلم مفردها من التغيير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 أما جموع الكثرة فهي أوزان كثيرة، مثل "مساجد"، مثل "رجال"، وأوزانها كثيرة، أربعة وثلاثون وزنًا، أوصلها بعضهم إلى هذا العدد، مثلا وزن "فُعْل" مثل "حُمر"، ووزن "فِعَل" مثل "كِسَر"، ووزن "فَعَلَة" مثل "سحرة"، ووزن "فعلى" كـ"جرحى"، ووزن "فُعَّل" كـ"صائم" و"صُوَّم"، وهكذا، هذه كلها جموع تكسير، وتدل على الكثرة. ننتقل الآن إلى النوع الثالث مما يُرفع بالضمة، وهو جمع المؤنث السالم، وجمع المؤنث السالم بعضهم يُسميه تسميةً أحسن من هذه التسمية، وهو أن يُسمَّى بما جُمع بألفٍ وتاءٍ مزيدتين، لماذا قلنا إنه أفضل؟ لأنه في بعض الأحيان ما يسلم مفرده من التغيير، وفي بعض الأحيان يجيء هذا الجمع جمعًا لغير مؤنث، مثلا تقول في "سجدة" يكون جمعها "سجدات"، "ركعة" "ركعات"، ما سلم مفرده من التغيير، تقول أيضًا في جمع "حُبلى" "حُبليَات" لم يسلم جمعه من التغيير، فكيف نسميه جمع مؤنثٍ سالمًا؟!، ما سمَّيناه جمع مؤنثٍ سالم، سميناه ما جُمع بألفٍ وتاءٍ مزيدتين. وفي بعض الأحيان يكون هذا الجمع ليس جمعًا لمؤنث، يُقال "اسطبل" تجمعه على "اسطبلات"، وهو مذكر، تقول في جمع سرادق "سرادقات"، وهكذا، فإذًا الأوْلى أن يُسمَّى هذا ما جُمع بألفٍ وتاءٍ مزيدتين. إذًا لماذا سماه بعض النحويين جمع مؤنث سالم؟ لأن الغالب فيه أن يكون جمعًا لمؤنث، وأن يكون سالمًا، "حسنة" "حسنات"، "درجة" "درجات"، سلم مفرده من التغيير، فهذا هو الغالب، ومن أجل هذا سُمِّي بهذه التسمية. قال صلى الله عليه وسلم (الظلم ظلماتٌ يوم القيامة) ، "ظلمات" هنا جمع مؤنث سالم، وقد جاء مرفوعًا، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. انتهينا مما يُرفع بالضمة، وقلنا إنه أربعة مواضع، أولها الاسم المفرد، ثانيها جمع التكسير، ثالثها جمع المؤنث السالم، وبقي النوع الرابع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 والآن ننتقل إلى النوع الرابع وهو الفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيءٌ، هو يريد بهذا الاستثناء أن يُخرج ما يُسمى بالأفعال الخمسة، الأفعال الخمسة يتصل بالفعل المضارع إما ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة، وسيأتي بيانه إن شاء الله إذا وصلنا له، فهذا لم يتصل لا بألف الاثنين ولا واو الجماعة ولا ياء المخاطبة، هذا يُرفع بالضمة، وسواءٌ أكانت الضمة ظاهرةً أم كانت الضمة مقدرة لا يضير، فتقول "محمدٌ يشرب الماء"، وتقول "محمد يسقي جاره"، هذه ما ظهرت عليها الضمة، ولكنها مقدرة، لا يضير سواءٌ أكانت ظاهرة أم مقدرة، أسألكم سؤالا، هل ندخل في الفعل المضارع ما كان منونًا؟ ولماذا؟ أجاب أحد الطلبة: التنوين ليس من علامات الفعل. أكمل الشيخ كلامه: بارك الله فيك، صحيح، قلنا في الأسماء قبل قليل في جمع المؤنث السالم وفي اسم المفرد وفي جمع التكسير، قلنا إنه لا يمكن أن تكون منونة ويمكن أن تكون غير منونة، أما هنا فلا، ليس فيه تنوين، هذا هو الفعل المضارع، الفعل المضارع يُرفع بالضمة، سواءٌ أكانت الضمة ظاهرةً أم مقدرة، بشرط ألا يتصل بآخره شيءٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 أحيانًا تتصل بآخره غير هذه الأشياء الثلاثة التي ذكرتها، وهي ألف الاثنين وواو الجماعة وياء المخاطبة، أحيانًا يتصل بآخره نون التوكيد، فحينئذٍ يكون مبنيًّا، أحيانًا يتصل بآخره نون النسوة، حينئذٍ يكون مبنيًّا، وسيتبين هذا فيما بعد إن شاء الله. المهم أن حق الفعل المضارع أن يكون معربًا، ولا يُبنى إلا في حالتين، الحالة الأولى أن تتصل به نون النسوة، قال الله عزّ وجلّ ? وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ? [البقرة: 228] ، "يتربص" هنا فعل مضارع، ولم يسبقه لا ناصبٍ ولا جازم، ومع ذلك بُني على السكون لاتصاله بنون النسوة، وكذلك قال الله عزّ وجلّ ? وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَالصَّاغِرِينَ? [يوسف: 32] ، "يُسجن" هنا فعل مضارع، حقه أن يكون مرفوعًا لأنه لم يتقدم عليه لا ناصب ولا جازم، ومع ذلك جاء هنا مبنيًّا على الفتح، فالفعل المضارع –مرة أخيرة- حقه أن يكون معربًا، ولا يُبنى إلا في حالتين، الحالة الأولى أن تتصل به نون النسوة فيُبنى على السكون، والحالة الثانية أن تتصل به نون التوكيد فيُبنى على الفتح. وهذا آخر ما يُقال في العلامة الأولى التي ذكرها المصنف. ننتقل الآن إلى قول المصنف في العلامة الثانية، وهي علامة فرعية للرفع، وهي الواو، قال المصنف (وأما الواو فتكون علامةً للرفع في موضعين، في جمع المذكر السالم، وفي الأسماء الخمسة) ، ثم عدد الأسماء الخمسة فقال (وهي: أبوك وأخوك وحموك وفوك وذو مالٍ) ، هذا هو العدد الذي ذكره المصنف من الأشياء التي تُرفع بالواو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 اعلم بارك الله فيك أن الواو علامة للرفع، ولكنها علامةٌ فرعية، وتكون في موضعين، الأول: في جمع المذكر السالم، والموضع الثاني: في الأسماء الستة أو في الأسماء الخمسة، بعضهم يجعلها ستة، وسنذكر هذا عند الحديث عنها، لكن الأصوب أنها خمسة أسماء فقط. فنبدأ أولا بالحديث في جمع المذكر السالم، هذا حقه أن يكون جمعًا لمذكر، فلا يكون جمعًا لمؤنث، وثانيًا حقه أن يسلم مفرده من التغيير، تقول في جمع "مسلم" "مسلمون"، و"صالح" "صالحون"، و"زيد" "زيدون"، و"عمرو" "عمرون"، إلى آخره، هذا الجمع ليس كل كلمة تُجمع جمع مذكر سالم، بل لابد أن تجتمع ثلاثة أمور رئيسة، ثم يتفرع عنها بعد ذلك أمورٌ أخرى: الشرط الأول: أن يكون لمذكر. الشرط الثاني: أن يكون لعاقل. الشرط الثالث: أن يكون خاليًا من التاء. لمذكر يخرج به المؤنث، لعاقل يخرج به غير العاقل، مثلا عندك حصان سميته "سابقًا"، لا تجمعه فتقول "سابقون"، لا يجوز لأنه لغير عاقل، ثم عندك مثلا "طلحة" لا تجمعها على "طلحين" مثلا، وإنما تقول "طلحات"، "معاوية" "معاويات"، لمَ؟ لأنها مختومة بالتاء، فلابد من اجتماع ثلاثة أمور، الأول أن يكون لمذكر، الثاني أن يكون لعاقل، الثالث أن يكون خاليًا من التاء، وبعدها هذا فلابد أيضًا أن يكون إما علمًا غير مركب تركيبًا مزجيًا ولا تركيبًا إسناديًّا، مثلا "تأبط شرًّا" هذا علم، لا يجوز أن تجمعه جمع مذكرٍ سالم، إذًَا لكونه مركب تركيبًا إسناديًّا، مثلا معدي كرب هذا مركب تركيبًا مزجيًّا، لا يجوز أن تجمع جمع مذكرٍ سالم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 إذًا أن يكون إما علم غير مركبٍ تركيبًا مزجيًّا ولا تركيبًا إسناديًّا، وإما أن يكون وصفًا، المقصود بالوصف هنا اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة، أفعال التفضيل، وما شاكل ذلك، ولكن اشترطوا فيه شرطًا إضافيًّا أيضًا أن يكون وصفًا يقبل مؤنثه التاء أو يدل على التفضيل، "مسلم" ما تقول في مؤنثه؟ "مسلمة"، يصح أن تجمعه، "جريح" لا تستطيع أن تجمعه، لما؟ لأن جريح هذه مؤنثها "جريح"، إذًا "أفضل" و"أكبر" هل يجوز أن تجمعهما جمع مذكر سالمٍ؟ تقول نعم يجوز، ومؤنثه لا يقبل التاء لأن مؤنثه كبرى أو فضلى، تقول لأنه يدل على التفضيل، إذا دل على التفضيل ما فيه مانع، قال الله عزّ وجلّ ? وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ? [آل عمران: 139] ، "الأعلى" فجمع على "الأعلين"، إذًا لابد أن يكون لمذكرٍ عاقلٍ خالٍ من تاء التأنيث، وأن يكون بعد هذا إما علم غير مركب تركيبًا مزجيًّا ولا تركيبًا إسناديًا، أو أن يكون وصفًا يقبل مؤنثه التاء أو يدل على التفضيل، فهذا هو الذي يُجمع جمع مذكر سالم. ومن أجل هذه الشروط الكثيرة وجدناهم ألحقوا به عددًا كبيرًا من الألفاظ لأنهم وجدوها تُرفع بالواو، وتُنصب وتُجر بالياء، فما هذه الأشياء التي ألحقوها؟ ألحقوا مثلا "عالمون"، قالوا لأن مفرده "عالم"، والعالم كل ما سوى الله، ونحن قلنا قبل قليل أنه لابد أن يكون لعاقل، وكل ما سوى الله يكون فيه العاقل ويكون فيه غير العاقل، فما يمكن أن يكون الجمع أقل من المفرد، فقالوا هذا ملحقٌ بجمع المذكر السالم، "عشرون" وبابه، عشرون، ثلاثون أربعون إلى تسعين، هذه كلها ملحقة بجمع المذكر السالم، "وابلون" وهو المطر الغزير كذلك، "أهلون" كذلك، "أرضون" كذلك، "بنون" كذلك، "سنون" كذلك، كل هذه ملحقة بجمع المذكر السالم، تُرفع بالواو وتنصب وتجر بالياء، هذا هو جمع المذكر السالم بإيجاز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 بعضهم فيما أُلحق بجمع المذكر السالم يُجيز فيه غير أن يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء، فيقول مثلا يجوز في "سنين" أن نعاملها معاملة "غسلين"، يعني نلزمها الياء ونجعل الحركات على آخرها، ومنه ما رُوي عن الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله (اللهم اجعلها عليهم سنينًا كسنينِ يوسف) ، لكن لو قيل مثلا "سنينَ" لكان ملحقًا بجمع المذكر السالم، (كسنينِ يوسف) لأنه تُحذف النون للإضافة، وهذه روايةٌ للحديث، لكن الحديث أيضًا له رواية أخرى تكون خارجة عن هذا المقياس، تكون مرفوعةً بالضمة ومنصوبة بالفتحة ومجرورة بالكسرة، هذه بعض اللغات الجائزة فيها، ولا نريد أن نطيل في هذا المبحث. ننتقل الآن إلى الأسماء الخمسة أو الأسماء الستة، أما الأسماء الخمسة وقد مثلها المصنف بقو له، وهي: أبوك وأخوك وفوك وحموك، ثم قال وذو مالٍ، ولم يقول وذوك، ما لفتت انتباهكم يا إخواني، أنا أقول لكم لماذا؟ لأنهم يقولون إن الأصل في "ذو" ألا تُضاف إلى الضمير، أما بقية الأسماء الأخرى فإن إضافتها إلى الضمير أو غير الضمير واحد ما فيها إشكال، "أبو محمدٍ" أو"أبوك"، و"أبوهم" و"أبوك" إلى آخره، لكن هذه الأسماء الخمسة يُشترط لإعرابها بالواو رفعًا والألف نصبًا والياء جرًا أربعة شروط، لا يمكن أن تُعرب هذا الإعراب إلا إذا اجتمعت فيها أربعة شروط: الشرط الأول: أن تكون مفردًا، فإن كانت مثناةً أعربت إعراب المثنى، تقول "جاء الأبوان"، ورأيت "الأبوين"، ترفع بالألف، وتنصب وتجر بالياء، وإن كان جمعًا فإن كان جمع تكسير رفعته بالضمة، تقول "هؤلاء آباؤك"، "وآباء عليٍّ وإخوانه وأحماؤه" إلى آخره، وإن كان جمع مذكر سالم –وهذا قليلٌ- فإنه يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء. الشرط الثاني: أن يكون مُكبَّرًا، فإن كان مصغرًا أُعرب بالحركات أيضًا، تقول "هذا أبيُّ عليٍّ"، "رأيتُ أُبيَّ عليٍّ"، و"مررت بأُبيِّ عليٍّ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 الشرط الثالث: أن يكون مضافًا، فإن لم يكن مضافًا بأن كان مقطوعًا عن الإضافة أو مفردًا فإنه يُعرب بالحركات الظاهرة، تقول "هذا أبٌ"، و"رأيتُ أبًا"، و"مررتُ بأبٍ" أو "نظرتُ إلى أبٍ"، قال الله عزّ وجلّ ? إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا ? [يوسف: 78] ، ? أَبًا ? اسم إن مؤخر منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، ولا تغتر بهذه الألف الموجودة في آخره، فإنها ألفٌ ناتجة عن تنوين الفتح. الشرط الرابع والأخير: أن تكون الإضافة إلى غير ياء المتكلم، فإن مضافًا إلى ياء المتكلم أُعرب بحركاتٍ مقدرة على ما قبل الياء، قال الله عزّ وجلّ ? إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ? [ص: 23] ، "أخ" هنا حقها أن تكون مرفوعة، فلو كانت مستوفيةً للشروط لرفعت بالواو، ولكنها هنا مرفوعة بضمة مقدرة على ما قبل الياء منعًا من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. نعيد الشروط مرةً ثانيةً وأخيرة، يُشترط لإعراب الأسماء الستة بهذا الإعراب أربعة شروط: 1- أن تكون مفردةً. 2- أن تكون مكبرةً. 3- ثلاثة أن تكون مضافةً. 4- أن تكون إضافتها إلى غير ياء المتكلم. يشترطون أيضًا في كلمة "فو" أن تكون خالية من الميم، فإن كانت الميم معها فإنها تُعرب بالحركات الظاهرة، تقول "هذا فمُه"، "رأيت فمَه"، و"نظرتُ إلى فمِه"، ويشترطون في "ذو" أيضًا أن تكون بمعنى "صاحب"، هل تكون ذو بغير معنى "صاحب"؟ نعم، تكون "ذو" على لغة الطائيين اسمًا موصولا مشتركًا، يعني يُطلق على المفرد والمثنى والمجموع كله بلفظٍ واحد، وعلى المذكر والمؤنث، تقول "جاء ذو أحبه" يعني الذي أحبه، و"جاء ذو أحبهما"، و"جاء ذو أحبهم"، وهكذا، فتكون واردةً للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والمجموع على لغة الطائيين، فإذا كانت بهذه اللغة فإنها لا تدخل معنا في بابنا، ولا تُرفع بالواو ولا تُنصب بالألف ولا تجر بالياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 إذًا يُشترط في الأسماء الستة الشروط التي ذكرتها لكم، ويُضاف إليها شرطٌ خاصٌّ بـ"فو"، وشرطٌ آخر خاصٌّ بـ"ذو"، "ذو" أن تكون معنى "صاحب"، ولا يجوز أن تكون غير ذلك. هذه الأسماء فيها لغتان أخريان، لا بأس أن نذكرهما على وجه السرعة، يُجيزون في الأسماء الستة لغتين أخريين، اللغة الأولى إلزامها الألف في كل أحوالها، ويُسمونه بإعراب المقصور، تقول "هذا أباك"، و"رأيتُ أباك"، و"مررتُ بأباك"، ويستشهدون له بقول الشاعر "إن أباها وأبا أباها"، طبعًا الشاهد فيه الأخيرة "أباها"، لأنها في محل جر مضاف إليه، قالوا ألزموها الألف، هذه اللغة أشهر من اللغة التي ستأتي الآن. اللغة الثالثة هذه تُسمَّى بلغة النقص، والمقصود بلغة النقص أن يُحذف الألف والواو والياء من آخر الاسم هذا المعرب إعراب الأسماء الستة، فيُعرب بحركاتٍ ظاهرة، فتقول "هذا أبُ محمدٍ"، و"رأيتُ أبَ محمدٍ"، و"مررتُ بأبِ محمدٍ"، لكن هذه اللغة قليلة، وليست جائزةً في كل الأسماء الستة، وإنما هي خاصَّة بثلاثة أسماء، وهي "الأب" و"الأخ" و"الحمو"، أما "فو" و"ذو" فلا تدخل فيها هذه اللغة، لا لغة القصر، ولا لغة النقص، هاتان اللغتان جائزتان في ثلاثة أسماء، هذا الذي أحببت أن أشير إليه. ما شاهد لغة النقص؟ لغة النقص يعني الإعراب بالحركات، شاهدها قول الشاعر: بأبِه اقتدى عديٌّ في الكرم ومن يُشابه أبه فما ظلم موضع الشاهد في "أبِه" الأولى و"أبَه"، فإنها هنا جرّت بالكسرة، وهنا نصبت بالفتحة. ولا بأس أن نختم الحلقة باستقبال أسئلتكم إذا أرتم حتى ننتقل إلى موضوعٍ جديد في اللقاء القادم، إن كان عندكم أسئلة أو أنا أسأل. سأل أحد الطلبة: ما الاسم السادس؟ أجاب الشيخ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الاسم السادس هو اسمٌ ترددتُ في قوله، ولم يذكره كثيرٌ من النحويين، وهو كلمة "هنو"، و"هنو" هذه يُكنَّى بها عما يُستقبح ذكره، ويرى بعضهم أنها تدل على الشيء القليل، ويرى بعضهم أنها تدل على الشيء الحقير، والغالب فيها أن تُعرب بالحركات الظاهرة، حتى لو كانت مستوفية للشروط، ولكن بعضهم جعلها داخلةً ضمن الأسماء الستة، فأعربها بالواو رفعًا وبالياء جرًا والألف نصبًا، لكن الغالب فيها أن تُعرب هذا الإعراب الذي ذكرته لك، وهو أن تكون اسمًا عاديًّا لا شأن لها، وكثيرٌ من النحويين لا يذكرون هذا الاسم. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، ذكر المؤلف هنا قوله (وحموكَ) ، ومعروف أن الحمو هو قريب الزوج، فنقول "حموكِ"؟ أجاب الشيخ: بارك الله فيك، سؤالٌ طيب وجيد، ودليلٌ على تنبهك، لأن الحقيقة أن الحمو هو قريب الزوج، وليس قريب الزوجة، يعني هذا هو المعروف في اللغة أن الحمو قريب الزوج، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحمو الموت) ، لما سُئل عن دخول الحمو على الزوجة، فهو في الأصل كما ذكرتُ، ولو حركت كلمة هذه جعلتها بالكسرة لكان أولى، وهذا سؤالٌ جيدٌ بارك الله فيك. ما بقي عندكم أسئلة، أنا أسأل ولو سؤالا واحدًا إذا تمكنَّا إن شاء الله تعالى. ما الذي يُشترط لجمع الكلمة جمع مذكرٍ سالمًا؟ أجاب أحد الطلبة: أن يكون لمذكر، وأن يكون لعاقل، وأن يكون خاليًا من تاء التأنيث، فإن كانت التاء موجودة جمعناه جمع مؤنثٍ سالم، حتى لو دل على مذكر ولعاقل، مثل "طلحة" أو "معاوية" فإننا نجمعهما جمع مؤنثٍ سالمًا. سأل الشيخ: أعطوني شيئًا مما ألحق بجمع المذكر السالم، يعني أُعرب إعرابه مع أنه غير مستوفي للشروط. أجاب أحد الطلبة: مثل كلمة بنون. سأل الشيخ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ما الذي ينقصها، نحن قلنا في الشروط أن يكون لمذكرٍ عاقلٍ خالٍ من التاء، هذا مذكر وعاقل وخالي من التاء، فما الذي نقص من الشروط؟ ما سلم مفرده من التغيير، فيه شيء ثاني مهم جدًا، لأننا قلنا فيه شروط إضافية بعد هذا، قلنا أن يكون إما علمًا وإما وصفًا، وهذا ليس علمًا وليس وصفًا، يعني لا هو اسم فاعل ولا هو اسم مفعول ولا هو علم على شخصٍ بعينه. هذا واحدٌ، تزيدوننا مما ألحق بجمع المذكر السالم، وهو كثير، عشرون وبابه، الثلاثون والأربعون والخمسون والستون إلى التسعين. بقي شيءٌ مهمٌ جدًا نسيتُ أن أذكره، وهو أن مما أُلحق بجمع المذكر السالم ما سُمي به من هذا الجمع، مثلا تسمي واحدًا "زيدون"، وكما قال الله عزّ وجلّ ? كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ?18? وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ?19? ? [المطففين: 18، 19] ، "عليُّون" هو اسمٌ لموضعٍ في أعلى الجنة، جعلنا الله وإيّاكم من أهلها، ? كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ? جُرَّ بالياء، ? وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ? رُفع بالواو. فيه عندنا إشكال هنا، لا سميت شخص بـ "زيدين"، فماذا تفعلون؟ أو سميت شخصًا بـ "زيدون"، فماذا تفعلوا فيه في الرفع والجر والنصب؟ في الحقيقة هم اختلفوا فيه، لعلنا إن شاء الله في لقائنا القادم نوضح لكم ذلك. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 الدرس السادس الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا. أيها الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قبل أن نواصل الحديث أريد الرجوع قليلا إلى الملحق بجمع المذكر السالم مما سُمِّي به من هذا الجمع، لأننا كنا بدأنا في سؤالٍ ولم ننهي الكلام فيه، أو لعلنا أجبنا بعض الإجابات المغلوطة أو الخطأ. أقول ما سُمي به من هذا الجمع لا يخلو من أن يكون بالواو والنون أو بالياء والنون، فبعض النحويين يرى أنه مطلقًا يعامل معاملة جمع المذكر السالم سواءٌ أكان مسمًّ بالياء والنون، أي سمّيت شخصًا "زيدين" مثلا، أو كان بالواو والنون كقولك "زيدون"، فإنه يُعامل معاملة جمع المذكر السالم، يعني يُرفع بالواو وينصب ويجر بالياء، بعضهم يرى خلاف هذا، ولعل الصواب في الثاني، وهو أنه إذا كان مُسمى بالواو والنون، أن تبقي الواو والنون، تقول "جاء زيدونٌ" و"رأيتُ زيدونًا" و"مررتُ بزيدونٍ"، وإن كان بالياء والنون فتُبقي الياء والنون في كل الحالات وتعربه بحركاتٍ ظاهرة، لكن هذا ليس هو الرأي الغالب عند النحويين، لكني أنا الذي أرى أنه الأيسر والذي يدل على المقصود، بوصف العلم مُسمًّى بالواو والنون، فلو قلت "رأيتُ زيدين" فيُحتمل ألا يتنبه المخاطب إلى أنك تقصد الشخص المعين الذي اسمه زيدون فيتوقع شيئًا آخر، أقول لعل هذا هو الأصوب، والله أعلم بالصواب. ثم ننتقل بعد هذا إلى حديث المصنف عن علامة الرفع وهي الألف، قال المصنف: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 (وأما الألف فتكون علامةً للرفع في تثنية الأسماء خاصةً) ، فقط الألف تكون علامةً للرفع في المثنى ولا تكون في غيره، قال الله عزّ وجلّ ? قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ ? [المائدة: 23] ، الشاهد عندنا في قوله ? قَالَ رَجُلَانِ ? فإنه مرفوعٌ بالألف، فما المثنى؟ المثنى هو ما دل على اثنين وأغنى عن المتعاطفين بزيادة ألفٍ ونون أو ياء ونون في آخره، هذا هو تعريف المثنى، "ما دل على اثنين" يخرج ما دل على واحد وما دل على أكثر من اثنين، "وأغنى عن المتعاطفين" يُغني عن قولك "جاء مسلمٌ ومسلمٌ" فتقول "جاء مسلمان"، هذا أغنى عن المتعاطفين، "بزيادة ألفٍ ونون أو ياءٍ ونون في آخره"، الدلالة جاءت من هذه الزيادة، فلو كانت الدلالة على التثنية جاءت من غيرها فإنه لا يدخل في بابنا، مثلا يقولون "شفع" يدل على اثنين، "زوج" يدل على اثنين، هذا لا يُعامل معاملة المثنى لأن الدلالة على الاثنين لم تأت من الألف والنون ولا من الياء والنون، وإنما جاءت من الصيغة نفسها أو من الكلمة نفسها، وهي ألفاظ قليلة، فلابد أن يكون دالا على اثنين ومغنيًا عن المتعاطفين وتكون هذه الدلالة بزيادة ألفٍ ونون أو ياء ونون في آخره. المثنى يُرفع بالألف وينصب ويجر بالياء، وسيأتينا بيان هذا، ونسينا أن نقول لكم أن الأسماء الستة تُرفع بالواو وتنصب بالألف وتجر بالياء، ونسينا أيضًا أن نقول في جمع المذكر السالم أنه يُرفع بالواو ويُنصب ويجر بالياء، فأرجو ألا تنسوا هذا لأن هذه قواعد رئيسة، يعني الإعراب بالعلامات الفرعية وبالعلامات الأصلية كثيرًا من يُخطئ فيها بعض الناس، فإذا أتقناها بالأمثلة والأدلة بإذن الله تعالى لا ننساها ولا نُخطئ فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 لازلنا في المثنى، المثنى أُلحق به أربعة ألفاظ، وأُلحق به أيضًا ما سُمِّيَ به من المثنى نحو "زيدان" و"حسنين" وما شاكلها، فأما الأربعة الألفاظ فهي "اثنان" و"اثنتان"، لماذا لا نقول إنهما مثنيان؟ السبب أن مفردهما ليس من لفظهما، مفردهما "واحد"، معناه أنه ليست تثنية "واحد" وإلا لقلنا "واحدان" مثلا، "اثنان" و"اثنتان" بدون شرط، يعني سواءٌ أكانا مفردين يعني بدون إضافة، أم كانا مُضافين أو غير ذلك، تقول "جاء رجلان اثنان"، و"رأيتُ رجلين اثنين"، و"مررتُ برجلين اثنين"، و"اثنتان كذلك". أُلحق به أيضًا لفظان آخران بشرط، وهما "كلا" و"كلتا"، لكن هنا يُشترط أن يكونا مضافين إلى الضمير، فإن كانا مضافين إلى اسمٍ ظاهرٍ أُعربا إعراب المقصور، قال الله عزّ وجلّ ? كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا ? [الكهف: 33] ، ? كِلْتَا ? هنا ليس مرفوعًا بالألف، وإنما مرفوعٌ بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر لأنه مضاف إلى ? الْجَنَّتَيْنِ ?، قال الله سبحانه وتعالى ? إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا ? [الإسراء: 23] ، هنا أُضيفت إلى الضمير فتُعرب بالألف رفعًا، "رأيتُ الرجلين كليهما"، "مررت بالرجلين كليهما"، يُرفع بالألف وينصب ويُجر بالياء لأنه مضافٌ إلى الضمير، لكنك تقول "رأيتُ كلا الرجلين"، و"جاء كلا الرجلين"، و"مررتُ بكلا الرجلين"، فتُلزمها الألف لأنك تعربها إعراب القصور وتحركها بحركاتٍ مقدرةٍ على الألف منع من ظهورها التعذر، وهذه كما قلنا لابد فيها من الإضافة إلى الضمير حتى تُعرب إعراب المثنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 بقي اللفظ الأخير وهو ما سُمي به من المثنى، نحو "زيدان" و"حسنين"، أغلب النحويين كما قلنا في جمع المذكر السالم أنهم يلحقونه بالمثنى فيعربونه بالألف رفعًا وبالياء نصبًا وجرًا، وأرى شيئًا آخر، أرى أنه إن كان بالألف مثل زيدان أن تعربه إعراب الممنوع من الصرف، يعني ترفعه بالضمة وتنصبه وتجره بالفتحة، لماذا؟ لأنه علمٌ في آخره ألفٌٌ ونونٌ زائدتان، اجتمعت فيه علتان، وإن كان بالياء أن تعربه بالحركات الظاهرة منونة، فتقول "جاء حسنينٌ" و"رأيتُ حسنينًا" و"مررتُ بحسنينٍ"، هذا حقه فيما أرى، وإن كان معظم النحويين لا يرون ذلك، معظمهم يرون أنه يُعرب إعراب المثنى لأنه ملحقٌ به، مثل ما أُلحق نحو "عليين" في باب جمع المذكر السالم. هذا آخر ما يُقال في المثنى، وما فيه إشكالات كثيرة، والحمد لله. بعضهم يلزمه الألف مطلقًا، ولكن هذه لغةٌ ضعيفةٌ مهجورة، بعضهم يلزمه الألف مطلقًا لأن يرفع وينصب ويجر بحركاتٍ مقدرة على الألف، ومنه قول الشاعر: إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاه ولم يقل "غايتيها". ننتقل بعد هذا إلى العلامة الثالثة وهي النون، قال المصنف رحمه الله (وأما النون فتكون علامةً للرفع في الفعل المضارع إذا اتصل به ضمير تثنيةٍ أو ضمير جمع أو ضمير المؤثنة المخاطب) ، عندنا ثلاثة ضمائر، لماذا كانت أفعالا خمسة أو كما يقولون الأفعال الخمسة والأمثلة الخمسة؟ قال لأن مع الألف له صورتان، ومع الواو له صورتان، ومع الياء له صورة واحدة، صارت عندنا خمس صور، نمثل بمثالٍ واحدٍ، "أنتما تكتبان" و"هما يكتبان"، هذه بالتاء أو بالياء، "أنتم تكتبون" و"هم يكتبون" و"أنت تكتبين"، صارت خمس صور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 نعرف الأفعال الخمسة أو الأمثلة الخمسة، الأفعال الخمسة أو الأمثلة الخمسة: هي كل فعلٍ مضارعٍ اتصلت به ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة، حق هذا النوع أن يُرفع بثبوت النون، وأن يُنصب وأن يُجزم بحذف النون، وهذه ما فيها مشكلةٌ، والحمد لله رب العالمين، قال الله عزّ وجلّ ? وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ? [الأعراف: 22، طه: 121] ، هذا اتصلت به ألف الاثنين ورفع بثبوت النون، وقال الله عزّ وجلّ ? فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ? [الأعراف: 169] ، ? يَأْخُذُونَ ? و ? يَقُولُونَ ?، وقال الله عزّ وجلّ ? قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ? [النمل: 33] ، ? تَأْمُرِينَ ? هنا اتصلت به ياء المخاطبة ورُفع بثبوت النون، وقال الله عزّ وجلّ ? قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ? [هود: 73] ، ? أَتَعْجَبِينَ ? هنا فعل مضارع مرفوعٌ وعلامة رفعه ثبوت النون، ما فيه إشكالات والحمد لله، باب الأفعال الخمسة انتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 ننتقل الآن إلى قضية أخرى من كلام المصنف، قد انتهى من ذكر علامات الرفع، وتحدث الآن في علامات النصب فقال: (وللنصب خمس علامات: الفتحة وهي الأصل، والألف، والكسرة، والياء، وحذف النون) ،هذه خمس علامات، نأخذها واحدةً واحدةً لأن المصنف فصلها فقال: (فأما الفتحة فتكون علامة للنصب في ثلاثة مواضع، في الاسم المفرد) وقد مر بنا تعريفه، تقول "إن محمدًا مجتهدٌ"، "محمدًا" هذا منصوبوعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، و"إن موسى غائبٌ"،"موسى" منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف، أمثل بهذا وهذا حتى تعلم أنه سواءٌ أكانت الفتحة ظاهرة أم مقدرة لا يضير. هذا الاسم المفرد انتهينا منه. جمع التكسير، واسم الجمع، واسم الجنس الجمعي انتهينا منها أيضًا، والعلامة فيها مثل العلامة هذه، علامة النصب هنا الفتحة، وهي العلامة الأصلية، فهو يُنصب بالفتحة، جمع التكسير "إن الرجالَ موجودون"، "الرجالَ" منصوبة وعلامة نصبها الفتحة الظاهرة على آخرها، وكذلك لو جعلت اسم جمع أو اسم جنس جمعي فإنه يُعامل المعاملة نفسها، قال الله عزّ وجلّ ? إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ? [يس: 55] ، ? أَصْحَابَ ? منصوبة، وهو جمع تكسير، هذا إذا كانت الكلمة جمع تكسير. أما الفعل المضارع فهو يُنصب أيضًا بالفتحة إذا لم يتصل بآخره شيءٌ، يقول (فأما الفتحة فتكون علامةً للنصب في ثلاثة مواضع، في الاسم المفرد) وقد انتهينا منه، (وفي جمع التكسير) وقد انتهينا منه، (وفي الفعل المضارع إذا دخل عليه ناصبٌ) ، يعني لابد أن يكون متقدمًا عليه ناصبٌ، وشرط ألا يتصل بآخره شيءٌ، لأن لو اتصل به واو جماعة أو ألف اثنين أو ياء مخاطبة فإنه يُنصب ويكون علامة نصبه حذف النون، هنا لم يتصل بآخره شيءٌ، قال الله عزّ وجلّ ? قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ? [طه: 91] ، عندنا ? نَبْرَحَ ? تقدمت عليه "لن"، وعندنا ? يَرْجِعَ ? تقدمت عليه "حتى"، سواء كانت "حتى" أو المقدرة أو أن مقدرة بعدها فيه خلاف في هذا، المهم أن ? نَبْرَحَ ? و? يَرْجِعَ ? فعلان مضارعان منصوبان بالألف ولم يتصل بهما شيءٌ في آخرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 من المضارع المختوم بألفٍ مكسورة مثلا حتى يكون الإعراب تقديريًّا قول الله عزّ وجلّ ? وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ? [الأحزاب: 37] ، ? تَخْشَى ? هنا فعل مضارع منصوب بفتحة مقدرة على الألف. الفتحة انتهينا منها، الفتحة تكون في الاسم المفرد، وفي جمع التكسير، وفي المضارع الذي لم يتصل بآخره شيءٌ بشرط أن يتقدم عليه ناصبٌ. قال المصنف رحمه الله (وأما الألف) وهي العلامة الثانية من علامات النصب (فتكون علامةً للنصب في الأسماء الخمسة) ، كما ذكرنا قبل قليلٍ لما تحدثنا في باب الأسماء الخمسة قلنا أنها تُرفع بالواو وتنصب بالألف، نحو قولك "رأيتُ أباك وأخاك" وما أشبه ذلك، قال الله عزّ وجلّ ? قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا ? [يوسف: 17] ، ? يَا أَبَانَا ? "يا" حرف نداء، "أبا" هذه منادى منصوب، وعلامة نصبه الألف، وهو مستوفي للشروط التي ذكرناها قبل ذلك. والشروط مرةً أخرى أربعة: 1- أن يكون مفردًا. 2- يكون مكبرًا. 3- أن يكون مضافًا. 4- أن يكون مضافًا إلى غير ياء المتكلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 في هذه الآية كذلك، ? يَا أَبَانَا ? مضاف، ومفرد، ومضاف إلى غير ياء المتكلم، ومكبر. قال الله عزّ وجلّ ? قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ ? [الأعراف: 111، الشعراء: 36] ، ? أَخَاهُ ? هذه معطوفة على الهاء في ? أَرْجِهْ ?، وقد جاءت منصوبة وعلامة نصبها الألف، وقال الله عزّ وجلّ ? إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا?12? وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ ? [المزمل: 12، 13] ، ? ذَا ? هنا من الأسماء الخمسة، وقال الله سبحانه وتعالى ? لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ? [الرعد: 14] ، ? فَاهُ ? هنا جاءت منصوبةً وعلامة نصبها الألف، هذه سهلة. ننتقل بعد هذا إلى قول المصنف (وأما الكسرة فتكون علامةً للنصب في جمع المؤنث السالم) ، هذه علامة فرعية، لأننا كما قلنا لكم يا أيها الأحباب إن العلامة الأصلية للنصب هي الفتحة، فالعلامة الفرعية هنا هي الكسرة، ذلك أن جمع المؤنث السالم يُرفع بالضمة وينصب ويُجر بالكسرة، قال الله عزّ وجلّ ? وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ? [النساء: 25] ، فعندنا المحصنات هنا جمع مؤنث سالم، وقد جاء منصوبًا، وعلامة نصبه الكسرة الظاهرة على آخره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 جمع المؤنث السالم هو ما دل على أكثر من اثنتين وزيد في آخره ألفٌ وتاء، لابد أن تكون الألف والتاء زائدتين، يعني ليست من بينة الكلمة، مثلا في كلمة "بيت" كبيت من الشعر مثلا، لما تجمعها تكون "أبيات"، لكن التاء أصلية، فلا نعاملها هذه المعاملة، "ميت" تقول فيه "أموات" آخره ألف، "غزاة"، تعاملها هذه المعاملة؟ لا، لأن الألف هذه منقلبة عن واو، فهي أصلية، فلابد أن تكون الألف والتاء زائدتين حتى تعربها هذا الإعراب، ويُلحق بجمع المؤنث السالم أمران، الأول لفظٌ واحد وهو لفظ "أولات"ملحق بجمع المؤنث السالم ويُعامل معاملته، لماذا لا نجعله جمع مؤنث سالم؟ لأنه لا مفرد له من لفظه، مفرد "أولات" "صاحبة". قال الله عزّ وجلّ ? وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ ? [الطلاف: 6] ، فـ ? أُولَاتِ ? هنا خبر كان وهو منصوب وعلامة نصبه الكسرة، وهو مما أُلحق بجمع المؤنث السالم، لأنه لا مفرد به من لفظه. النوع الثاني مما أُلحق بجمع المؤنث السالم هو ما ألحق به من هذا الجمع، نحو "أذرعات" و"عرفات"، وما شاكلها، فإن هذا ليس جمعًا وإنما هو واحد، فهذا يُعامل معاملة جمع المؤنث السالم في القول الصحيح، وإن كان بعضهم يرى أنه يعامل معاملة الممنوع من الصرف، والصحيح أنه يُرفع بالضمة وينصب ويجر بالكسرة، يعني معاملة جمع المؤنث السالم، وبعضهم يرى أنه يُعامل معاملة الممنوع من الصرف لأن فيه أمرين وهما العلمية والتأنيث، ولكن الصواب أنه يُعامل معاملة جمع المؤنث السالم، ومنه قول الشاعر: تنورتها من أذرعات وأهلها أدنى دارها نظر عال فـ "أذرعات" هذه تُعامل معاملة جمع المؤنث السالم، وهو اسم لمدينة بالشام أو لقريةٍ بالشام، والله أعلم بالصواب. هذا جمع المؤنث السالم وليس فيه طويل كلام، يُنصب بعلامةٍ فرعية وهي الكسرة نيابةً عن الفتحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 ننتقل إلى قول المصنف (وأما الياء فتكون علامةً للنصب في التثنية وفي الجمع) ، طبعًا يقصد في الجمع جمع المذكر السالم، وأما التثنية فمعروفة، وقد سبق أن شرحنا التثنية وسبق أن شرحنا الجمع، فعلامة النصب في المثنى وفي جمع المذكر السالم هي الياء، قال الله عزّ وجلّ ? مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ? [الرحمن: 19] ، ? الْبَحْرَيْنِ ? هنا مثنى، وقد جاء منصوبًا وعلامة نصبه الياء، وقال الله عزّ وجلّ ? إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ? [القمر: 54] ، ? الْمُتَّقِينَ ? هنا اسم "إن" منصوب وعلامة نصبه الياء، وكذلك ما أُلحق بجمع المذكر السالم أو بالمثنى فإنه يُنصب مثله، قال الله عزّ وجلّ ? وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ? [البقرة: 51] ، فـ ? أَرْبَعِينَ ? هنا منصوب نصبه الياء، وهكذا فيما شاكل ذلك. ننتقل إلى قول المصنف (فأما حذف النون فيكون علامةً للنصب في الأفعال الخمسة التي رفعها بثبات النون) ، مرت بنا الأفعال الخمسة، وتعريفها كل فعلٍ مضارع اتصلت به ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة، رفع الأفعال الخمسة بثبوت النون، نصب الأفعال الخمسة بحذف النون، قال الله عزّ وجلّ ? يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ? [النور: 17] ، ? تَعُودُوا ? فعل مضارع من الأفعال الخمسة منصوب لأن "أنْ" تقدمت عليه فنصبته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 قال الله عزّ وجلّ ? وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ? [البقرة: 237] ، هذه قضية ما كنت أُريد الحديث عنها، ولكن مادام قرأنا الآية، فإنه قد يتبادر إلى الذهن هنا أنَّ ? يَعْفُونَ ? من الأفعال الخمسة، ومع ذلك لم تُنصب بحذف النون، والواقع أنها ليست من الأفعال الخمسة، لأن النون هذه نون النسوة، وأن الفعل مبني لاتصاله بنون النسوة، فهو مبنيٌّ على السكون في محل نصب بـ "أنْ"، ويوازن النحويون بين قولك "الرجال يعفون" و"النساء يعفون" من عدة أوجه، فـ "الرجال يعفون" معرب، و"النساء يعفون" مبني، "الرجال يعفون" الواو هذه واو الجماعة فاعل، و"النساء يعفون" الواو هذه من الفعل "يعفو"، يعني حرف من الفعل، "الرجال يعفون" وزن "يعفون" فيها "يفعون" لأن لامها محذوفة، "النساء يعفون" وزن "يعفون" فيها "يفعلن"، ما كنت أريد الحديث عن هذا لأن فيه تطويلا، لكن مادام قلناها لا بأس. لكن مما نُصب به الفعل المضارع بحذف النون قول الله عزّ وجلّ ? وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ? [النساء: 128] ، الشاهد عندنا في قوله ? أَنْ يُصْلِحَا ?، فإن يُصلح فعل مضارع منصوب، وعلامة نصبه حذف النون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 المصنف انتهى من النصب الآن، من علامات النصب الأصلية والفرعية، وانتقل إلى علامات الخفض أو الجر ـ كما يسميه البصريون ـ قال المصنف (وللخفض ثلاث علامات: الكسرة وهي الأصل، والياء والفتحة) ، ثم تحدث عن الكسرة فقال (فأما الكسرة فتكون علامةً للخفض في ثلاثة مواضع: في الاسم المفرد المُنصَرِف) "مررتُ برجلٍ" أو "بامرأةٍ" أو "بالرجل" أو "بالمرأة"، لكنلابد أن يكون هذا الاسم منصرفًا، لأنه إذا كان غير منصرف فإنه يُجر بالفتحة نيابة عن الكسرة كما سيأتي بيانه إن شاء الله، (وفي جمع التكسير المُنصَرِف) أيضًا المنصرف، مثل كلمة "رجال"، "مررتُ برجالٍ"، (وفي جمع المؤنث السالم) ، جمع المؤنث السالم يعرب بعلامة فرعية في النصب، ولكن علامته الأصلية في الجر هي الكسرة، فهذا واضحٌ والحمد لله رب العالمين، ? بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ ? لفظ الجلالة مجرور وعلامة جره الكسرة لأنه مضاف إليه، "اسم" مجرور بالباء، "الرحمن" مجرور بالتبعية. قال الله عزّ وجلّ ? وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ? [آل عمران: 154] ، "صدور" و"قلوب" جمع تكسير، وقد جاء مجرورًا بالكسرة. الموضع الثالث الذي يُجر بالكسرة هو جمع المؤنث السالم، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ? [فاطر: 38] ، ? السَّمَاوَاتِ ? هنا جمع مؤنث سالم، وقد جاء مجرورًا وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 قال المصنف (وأما الياء فتكون علامةً للخفض في ثلاثة مواضع: في الأسماء الخمسة، وفي التثنية والجمع) ، وهو يقصد جمع المذكر السالم، لأن جمع التكسير يجر بالكسرة، قال الله عزّ وجلّ ? ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ ? [يوسف: 81] ، ? أَبِيكُمْ ? اسم من الأسماء الخمسة، وقد جاء مجرورًا بالياء لأنه تقدمت عليه "إلى"، وقد قال الله عزّ وجلّ ? ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ ? [التحريم: 10] ، فـ ? عَبْدَيْنِ ? مثنى مجرور وعلامة جره الياء، وكذلك الملحق به نحو قول الله عزّ وجلّ ? إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ? [التوبة: 40] ، ? اثْنَيْنِ ? ملحق بالمثنى، وقد جاء مجرورًا بالياء، وأما جمع المذكر السالم فكقولك مثلا "مررتُ بالمسلمين" أو "بالصالحين" أو "بالمهتدين" أو نحو ذلك. قال المصنف (وأما الفتحة فتكون علامة للخفض في الاسم الذي لا ينصَرِف) ، هذه علامة فرعية، الأصل في الجر أو الخفض أن يكون بالكسرة، أما الاسم الممنوع من الصرف فإنه يُجر بالفتحة نيابةً عن الكسرة، واعلموا بارك الله فيكم أن الحديث في باب الممنوع من الصرف حديث طويل، لأنه ليس كل كلمة تُمنع من الصرف، أولا الممنوع من الصرف خاص بالأسماء، لا يجوز أن يأتي في الأفعال، لا يُقال الفعل هذا ممنوع من الصرف، بل هو خاصٌّ بالأسماء، ثانيًا ليست كل كلمة تُمنع من الصرف، لأن الأصل في الأسماء أنها مصروفة، ولكن يمتنع من الصرف ما اجتمعت فيه علتان من علل تسع، أو علة واحدة تقوم مقام علتين، وقد جمعوا العلل في بيتين من الشعر فقالوا: عدل، ووصف، وتأنيث، ومعرفة وعجمة، ثم جمع، ثم تركيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 والنون زائدة من قبلها ألف ووزن فعل وهذا القول تقريب يعني ليس كل في الباب ممنوعٌ من الصرف، وإنما هو تقريبٌ للأذهان حتى نُبين ما اجتمع فيه علتان أو ما انفرد بعلةٍ واحدة. نبدأ بما يكفي فيه علةٌ واحدة ليكون ممنوعًا من الصرف، وهو نوعان: النوع الأول: صيغة منتهى الجموع، مثل "مساجد" و"مصابيح"، فإن هذه لا تنتظر فيها علةً أخرى، بمجرد ما تأتي هذه الصيغة فامنعها من الصرف، ما معنى تمنعها من الصرف؟ يعني لا تنونها، ويعني أيضًا أن تجرها بالفتحة نيابةً عن الكسرة، وهذا تُسمّى صيغة منتهى الجموع، مثالها "مساجد" و"مصابيح"، وفيها كلامٌ طويلٌ، ولن نتعرض له. النوع الثاني: الذي يُكتفى فيه بعلة واحدة هو ما خُتم بألف التأنيث الممدودة أو المقصورة، هذه سواءٌ أكانت معرفةً أم نكرةً، مفردةً أم مجموعةً، صفةً أو اسمًا أو أي شيءٍ من الأشياء، بمجرد ما تجد ألف التأنيث المكسورة أو الممدودة في آخر الكلمة فامنعها من الصرف، "وليلى" هذه علم، "جرحى" هذه جماعة، "زكريا" هذا مذكر لكنه مختوم بألف التأنيث، "صحراء" هذه مؤنثة مختومة بألف التأنيث الممدودة، وهكذا، مباشرة امنعها من الصرف يعني لا تنونها، وجرها بالفتحة نيابةً عن الكسرة. انتهينا مما يُكتفى فيه بعلة واحدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 ويوجد أيضًا أشياء لابد أن يجتمع فيها علتان ولا تكفي علة واحدة، فيه شيء منها مع الوصفية وفيه شيء منها مع العلمية، فنقول يجتمع الوصف مع الألف والنون الزائدتين مثل "غضبان" و"سكران"، ويجتمع الوصف مع العدل مثل كلمة "أُخر" ومثل "مثنى" و"ثُلاث" و"رُباع"، لأن هذه ممنوعة من الصرف للوصفية والعدل، كلمة "مثنى" معدولة عن "اثنين اثنين"، و"ثلاث" عن "ثلاثة ثلاثة"، و"أُخر" معدولة عن "آخر"، بقي واحد من الوصف وهو أن يكون وصفًا على وزن أفعل نحو قولك "أكبر" و"أفضل" و"أطول" و"أقصر" و"أحسن" و"أبهى" و"أجمل"، وما شاكل ذلك، هذه كلها ممنوعة من الصرف لعلتين، العلة الأولى الوصفية والعلة الثانية وزن "أفعل"، وهذه فيها كلامٌ طويلٌ لكننا سنتركه. ننتقل إلى النوع الثاني وهو ما اجتمع مع العلمية علةٌ أخرى، لكن إن شاء الله تعالى يكون في بداية الحلقة القادمة. نستمع الآن إلى الأسئلة منكم إن وُجد، وإلا أسألكم أنا. سأل أحد الطلبة: بالنسبة للاسم "أبو" إذا جاء في اسم أو كنية مثل "أبو بكر" أو "أبو هريرة" فهل يُعرب أم ماذا؟ أجاب الشيخ: الذي يُستعمل في كلام العرب هو أنه يُرفع بالواو ويُنصب بالألف ويُجر بالياء، هذا المستعمل في كلام العرب، وإن كانوا الآن يُلزمونه ما سُمِّي به، مثل أبو ظبي يقولون "جئتُ من أبو ظبي"، يُقال هذا وهو علم، لكن الصواب والله أعلم أن يُعامل معاملة الأسماء الخمسة، وهذا أخالف فيه قاعدتي التي ذكرتها لكم في باب ما سُمّي به من جمع المؤنث السالم، لأن هذا هو المسموع من كلام العرب، فنقف على المسموع من كلام العرب. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، في ما يُغني عن المتعاطفين في قولي مثلا "جاء العمران"، هل إذا قلنا "جاء العمران" نقصد أبا بكر وعمر تدخل في هذا؟ أجاب الشيخ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 بارك الله فيك، سؤالٌ جيد، هي تدخل في هذا، أحيانًا يغلبون، وهو ما يُسمى بالتغليب، يقولون الأبوان للأب والأم، ويقولون العمران لأبي وعمر رضي الله عنهما، وما شاكل ذلك، فهل تُعرب إعراب المثنى، أنا أرى أنها تُعرب إعراب المثنى وأنها مثله تمامًا لأنه تدل على اثنين وتُغني عن المتعاطفين، وفيها زيادة ألف ونون في آخرها، فهي مُستوفية للشروط فتُعرب إعرابه بإذن الله تعالى. سأل الشيخ: كيف تُعربون الممنوع من الصرف؟ كيف ترفعونه؟ كيف تنصبونه؟ كيف تجرونه؟ وما المقصود بكلمة ممنوع من الصرف؟ أجاب أحد الطلبة: الممنوع من الصرف أي ممنوع من التنوين. علق الشيخ: هذا هو الغالب أن معنى كلمة ممنوع من الصرف يعني ممنوع من التنوين، أحسنت بارك الله فيك. وما حكمه؟ نمنعه من التنوين هذا صحيح، فيه شيء آخر نعامل الممنوع من الصرف به. أجاب أحد الطلبة: إذا دخل عليه حرف الجر يُجر بالفتحة. أكمل الشيخ: يُجر بالفتحة نيابةً عن الكسرة، هذا كلامٌ حقٌ وبارك الله فيك. أكل كلمة يمكن أن نمنعها من الصرف أم لابد أن هناك بعض الأشياء؟ أجاب أحد الطلبة: هناك بعض الأشياء. سأل الشيخ: هل تذكر لنا شيئًا من العلل التي تُمنع الكلمة بسببها من الصرف؟ أي علة سواءٌ مما يُكتفي فيه بعلة واحدة أو بأكثر من علة؟ أجاب أحد الطلبة: صيغة منتهى الجموع. سأل الشيخ: تعرف لنا صيغة منتهى الجموع هذه؟ أجاب الطالب: مثل "مساجد". علق الشيخ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 هذا مثالها، لكنهم يعرفونها يا أيها الأحباب بقولهم: صيغة منتهى الجموع هي كل جمعٍ ثالثه ألفٌ زائدة بعدها حرفان نحو "مساجد" أو ثلاثة أحرف وسطها ساكن نحو "مصابيح"، وقس على هذا. لماذا اشترطنا كلمة وسطها ساكن، قال ليخرج نحو "ملائكة"، لأن ملائكة مستوفية للشروط هذه، لكن بعد الألف ثلاثة حروف الحرف الأوسط غير ساكن وإنما هو متحرك، فهذه نصرفها ولا نمنعها من الصرف. سأل الشيخ: كيف تنصبون المثنى؟ ما علامة نصب المثنى؟ أجاب أحد الطلبة: الياء. سأل الشيخ: وعلامة جر المثنى؟ أجاب الطالب: الياء. سأل الشيخ: وعلامة الرفع في جمع المذكر السالم؟ أجاب أحد الطلبة: الواو. سأل الشيخ: أيضًا يُشارك جمع المذكر السالم في الرفع بالواو شيءٌ فما هو؟ أجاب أحد الطلبة: الأسماء الخمسة. علق الشيخ: نعم، يشترك هذان الاثنان في الرفع بالواو، وهما الأسماء الخمسة وجمع المذكر السالم. سأل الشيخ: الياء علامة للنصب في أي شيء؟ أجاب أحد الطلبة: في جمع المذكر السالم، في المثنى. سأل الشيخ: مثل لنا. أجاب الطالب: مثل "حسنين". علق الشيخ: اترك هذه، هذه ملحقة، أعطنا ما هو متفق عليه. أجاب الطالب: مثال "أخوين". علق الشيخ: "إن الأخوين مجتهدان". وبارك الله فيكم، نكتفي بهذا القدر، وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 الدرس السابع الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نواصل الحديث في الممنوع من الصرف، الممنوع من الصرف انتهينا مما يُمنع لعلةٍ واحدة، وانتهينا أيضًا مما يُمنع لعلتين، والوصفية واحدة من العلتين، قلنا الوصف ووزن "أفعل"، والوصف وزيادة الألف والنون، والوصف والعدل، وقد انتهينا من هذا. ننتقل الآن إلى نوعٍ آخر مما يُمنع لعلتين وهو ما كانت إحدى العلتين العلمية، يقولون يُمنع الاسم من الصرف إذا اجتمعت فيه علتان إحداهما العلمية، العلمية وماذا؟ العلمية والألف والنون، مثل "عثمان" و"سلطان"، العلمية والتأنيث، وليس كل مؤنثٍ علم يُمنع من الصرف، بل لابد أن يكون إما مختومًا بالتاء أو زائدًا على ثلاثة أحرف، أو ثلاثة أحرف ووسطه متحرك، أو ثلاثة ووسطه ساكن ولكنه اسم أعجمي، الأمثلة "فاطمة ممنوعة من الصرف لأنها مختومة بالتاء، "سحر" هذه ممنوعة ثلاثية ومتحركة الوسط، "زينب" ممنوعة من الصرف لأنها أربعة أحرف، "ماه" "وجور" أسماء لأعلام أعجمية، يعني مدن أعجمية، هذه ممنوعة من الصرف، صحيح أنها ثلاثية وساكنة الوسط لكنها مؤنث وأعجمي تمنع من الصرف، لكن "هند" و"دعد"، يجوز لك الوجهان على السواء فيهما أن تصرف وأن تمنع، يجوز أن تقول "جاءت هندٌ"، ويجوز أن تقول "جاءت هندُ"، و"مررت بهندٍ" و"مررتُ بهندَ"، أنت حر إذا ثلاثيًّا ساكن الوسط، ومنه كما يرى بعضهم قول الله عزّ وجلّ ? اهْبِطُوا مِصْرًا ? [البقرة: 61] ، على أن المقصود مصر التي نحن فيها الآن، مصر العلم على هذا البلد على أنه هو المقصود، وبعضهم يرى أنها ليست علمًا في هذه الآية، وإنما ? اهْبِطُوا مِصْرًا ? من الأمصار أيّ مصر، لكن على الرأي الذي يرى أنها علم تكون حينئذٍ مصروفة، لأنه يجوز الوجهان فيما كان ثلاثيًّا ساكن الوسط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 انتهينا من العلم المؤنث ومن العلم المختوم بالألف والنون، بقي الآن العلم الموازن للفعل، مثل "شمّر" ومثل "يزيد" و"تغلب" و"يشكر" و"أحمد"، وهكذا، هذه كلها ممنوعة من الصرف للعلمية ووزن الفعل. النوع الرابع العلم المركب تركيبًا مزجيًّا، نحو "بعلبك" و"حضر موت" و"معدي كرب" وما شاكل ذلك. النوع الخامس العلم المعدول، يمثلون له بنحو "عُمر"، يقولون "عمر" معدولٌ عن "عامر"، و"زُحَل" و"زُفَر" وما شاكل ذلك، ما كان وزن فُعَل وهو معدولٌ عن فاعل فإنهم يمنعونها من الصرف للعلتين العلمية والعدل، وهذه خمسة أنواع، وهناك خمسة أنواع، وهنالك نوعان يمتنعان من الصرف مطلقًا لعلة واحدة، وثلاثة مع الوصفية، وخمسة مع العلمية، صار المجموع عشرة أنواع كل هذه تُمنع من الصرف، بقي أن نشير إلى ما نبهني إليه أخوكم وهو أن الممنوع من الصرف يرجع إلى أصله فيُجر بالكسرة ولكن لا يرجع إليه التنوين، فهو يرجع إلى أصله فيُجر بالكسرة وذلك في حالتين: 1- الحالة الأولى: أن تدخل عليه "ال"، قال الله عزّ وجلّ ? وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ? [البقرة:187] ، مجرورة بالكسرة. 2- الحالة الثانية: أن يُضاف، فإذا وقع مضافًا رجع إلى أصله أيضًا فجر بالكسرة، انتبهوا إلى آيتين أذكر فيهما اسمًا واحدًا مرة جاء منصرفًا ومرة جاء غير منصرف، قال الله عزّ وجلّ ? وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا ? [النساء: 86] ، هنا لأنه لم يُضَف جاء مجرورًا بالفتحة، ممنوعًا من الصرف لعلتين، وقال الله عزّ وجلّ ? لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ? [التين: 4] ، جاءت كلمة ? أَحْسَنِ ? مصروفةً لأنها مضافة إلى كلمة تقويم، حينئذٍ نعيدها إلى أصلها فنجرها بالكسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 لكن اعلم بارك الله فيك التنوين لا يعود إليه إلا في الضرورة الشعرية أو في مواضع حددوها وذكروها، قالوا إن الممنوع من الصرف في بعض الحالات يرجع إليه التنوين، منها الضرورة الشرعية، ومنها مراعاة الفواصل، "ويوم دخلت الخدر خدر عنيزةٍ"، "عنيزة" هنا جاء منونًا مصروفًا، وفي قراءة قول الله عزّ وجلّ ? سَلَاسِلًا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا ? [الإنسان: 4] ، جاءت ? سَلَاسِلًا ? منونة لمناسة أغلالا وسعيرًا لأنها مناسبة لها، هذه في قراءة، القراءة الأخرى ? سَلَاسِلَ ? بدون تنوين. وقالوا أيضًا العلم إذا زالت عنه علميته فإنه يرجع إلى أصله فيُصرف، مثلا دخلت "رُبَّ"، و"رُبَّ" لا تدخل إلا على النكرات، فقلتَ "رُبَّ عمرٍ قابتله" و"رُبَّ يزيدٍ قابلته"، لأن ذهبت عنه العلمية، فما بقي فيه إلا علة واحدة فيعود إلى أصله فيُصرف ويُنون. وهذا آخر الحديث في باب الممنوع من الصرف، وأيضًا نحن لم نعط الممنوع من الصرف كل ما يستحق لأنه بابٌ طويل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 ننتقل الآن إلى قول المصنف (وللجزم علامتان: السكون والحذف) ، فأما السكون فيكون علامةً للجزم في الفعل المضارع الصحيح الآخر، إذا كان عندك فعلٌ مضارعٌ صحيح الآخر لم يتصل به ألف الاثنين ولا واو الجماعة ولا ياء المخاطبة، صحيح الآخر أي ليس آخره حرف علة، ليس آخره ألف ولا واو ولا ياء، فإنك تقول "لم يشربْ محمد" و"لم يحضرْ" و"لم يُسافرْ" و"لم ينمْ"، نقول "لم ينم" هذه فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون لأنه صحيح الآخر ولم يتصل به ألف الاثنين ولا واو الجماعة ولا ياء المخاطبة. هذا النوع الأول ومنه قول الله عزّ وجلّ ? قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ? [يوسف: 77] ، ? إِنْ ? حرف شرط، و ? يَسْرِقْ ? فعل مضارع مجزوم بـ ? إِنْ ? وعلامة جزمه السكون. قال المصنف رحمه الله (وأما الحذف فيكون علامةً للجزم في الفعل المضارع المعتل الآخر، وفي الأفعال الخمسة التي رفعها بثبوت النون) ، نبدأ بالفعل المضارع المعتل الآخر، الفعل المضارع المعتل الآخر إما أن يكون مختومًا بالألف نحو "يسعى" أو مختومًا بالواو نحو "يدعو" أو مختومًا بالياء نحو "يرمي"، إذا أدخلت عليه الجازم فإنك تحذف حرف العلة من آخره، فتقول "لم يدعُ" و"لم يسعَ" و"لم يرمِ"، قال الله عزّ وجلّ ? أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ? [الفيل: 1] ، ? تَرَ ? فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وقال الله عزّ وجلّ ? وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ ? [المؤمنون: 117] ، ? يَدْعُ ? فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وقال سبحانه ? مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ? [الأعراف: 178] ، ? يَهْدِ ? أصله "يهدي" ولما دخل عليه الجازم حُذف حرف العلة من آخره، هذا هو المعتل الآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وأما الفعل المضارع الذي اتصل به ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة فمن شواهده قول الله عزّ وجلّ ? إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ? [التحريم: 4] ، ? تَتُوبَا ? فعل مضارع مجزوم بـ ? إِنْ ? وعلامة جزمه حذف النون، وقال الله عزّ وجلّ ? وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ ? [البقرة: 283] ، الشاهد عندنا في قوله ? وَلَا تَكْتُمُوا ? فقد حُذفت النون هنا لدخول لا الناهية عليه، وقال الله عزّ وجلّ ? فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ? [مريم: 26] ، الشاهد عندنا في قوله ? تَرَيِنَّ ? لأنه تقدم عليه "إنْ" الشرطية وبعدها "ما زائدة" فحُذف منها حرف العلة، "إن تسعيْ في الخير تُثابي"، أصله طبعًا "تسعين" و"تُثابين"، لكن لما دخلت عليها "إن" الشرطية حُذف منها النون، وهذا آخر ما يُقال في هذا الموضوع وهو علامات الجزم، إما السكون وإما الحذف، السكون للفعل المضارع الصحيح الآخر، والحذف في موضعين، في الفعل المضارع المعتل وفي الأفعال الخمسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 ننتقل الآن إلى قول المصنف (المُعرَبات قسمان) ، وهنا يأتي المصنف بتفصيلاتٍ جديدة هي مكررة في الأبواب السابقة، ولكنه أتى بها بصورة أخرى، وسنمشي معه أيضًا في تصويره هذا الجديد، قبل قليل كان يتحدث عن علامات الإعراب، الآن يتحدث عن المعرب نفسه، فيقول (المُعرَبات قسمان: قسميُعرَبُ بالحركات، وقسم يعرب بالحروف) ، ثم قال (فالذي يُعرَبُ بالحركاتِ أربَعَةُ أنواع: الاسم المفرد، وجمع التكسير، وجمع المؤنث السالم، والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء) ،وهذه كلها واضحة جدًا، وسبق أن شرحناها، كل هذه تُعرب الحركات، لا تُعرب الحروف. الاسم المفرد "جاء محمدٌ" و"هذا بابٌ" و"ذلك رجلٌ"، هذه حركات، وجمع التكسير "هؤلاء رجالٌ مسلمون"، وجمع المؤنث "هؤلاء المسلماتِ صالحاتٌ"، كذلك والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيءٌ يُعرب بالحركات سواءٌ كانت الحركة ظاهرة أو غير ظاهرة، مثل "يدعو" ومثل "يضرب"، فإنه يُرفع بالضمة ويُنصب بالفتحة ويُجزم بالسكون، هذه هي الحركات الأصلية. وقال المصنف أيضًا (وكلها) يعني الأشياء التي ذكرها قبل قليل، وهي الاسم المفرد، وجمع التكسير، وجمع المؤنث السالم، والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيءٌ، قال (وكلها تُرفَعُ بالضمة، وتُنصَبُ بالفتحة، وتُخفَضُ بالكسرة، وتُجزَمُ بالسكون) ، استثني منها الممنوع من الصرف فإنه سيأتي بيانه، الممنوع من الصرف يُجر بالفتحة، وجمع المؤنث السالم يُنصب بالكسرة، وسيستثنيه المصنف، سيذكره بعد قليل، إذًا هذه كلها ترفع بالضمة وتنصب بالفتحة وتُخفض بالكسرة وتُجزم بالسكون يعني بالعلامات الأصلية. قال المصنف (وخرج عن ذلك) أي عن هذه القاعدة التي ذكرها قبل قليل (وخَرَجَ عن ذلك ثلاثةُ أشياء: جمع المؤنث السالم يُنصَبُ بالكسرة، والاسم الذي لا ينصَرِفُ يُخفَضُ بالفتحة، والفعل المضارع المُعتَلُّ الآخِر يُجزَمُ بحذف آخره) ، هذه استثناها من الكلام الذي قاله قبل قليل. ثم انتقل بعد ذلك إلى قوله (والذي يُعرَبُ بالحروف أربعة أنواع: التثنية، وجمع المُذَكَّر السالم، والأسماء الخمسة، والأفعال الخمسة) ، ما الأفعال الخمسة؟ سبق أن مرت بنا عدة مرات، لكنه هنا مثل لها تمثيلا، وقال (وهي: يَفعلانِ، وتَفعلانِ، ويَفعلون، وتفعلون، وتفعلين) ، هذه الأشياء كلها إعرابها بالحروف وليس بالحركات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 ثم بعد هذا يفصل أيضًا تفصيلا سبق أن شرحناه، لكن لا بأس أن نتتبعه على حسب كلامه، قال (فأما التثنيةُ فتُرفَعُ بالألف، وتُنصَبُ وتُخفَضُ بالياء) ، وهذا سبق أن ذكرناه وشرحناه ومثلنا له، قال (وأما جمع المذكر السالم فيُرفَعُ بالواو، ويُنصَبُ ويُخفَضُ بالياء) وهذا سبق أن ذكرناه وشرطه وشرحه وكل ما يتعلق به، قال (وأما الأسماء الخمسة فتُرفَعُ بالواو، وتُنصَبُ بالألف، وتُخفَضُ بالياء) ، وقد ذكرنا شروطها والحديث فيها، وقلنا إنه ليس كل الأسماء الخمسة هذه دائمًا تُرفع بالواو وتُنصب بالألف وتجر بالياء، ولكنها إذا اجتمعت فيها هذه الشروط. ثم بعد هذا قال المصنف رحمنا الله وإياه (وأما الأفعال الخمسة فتُرفَعُ بالنون وتُنصَبُ وتُجزَمُ بحذفها) ، وهذا الكلام كله قد شرحناه، لا نحتاج إلى زيادة، لكن نذكر بعض الأمثلة، قال الله عزّ وجلّ ?المر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ? [الرعد: 1] ، ?يُؤْمِنُونَ ? فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، قال الله عزّ وجلّ ? وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ? [البقرة: 95] ، الشاهد عندنا في قوله ? يَتَمَنَّوْهُ ?، فإنه فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه حذف النون، وأما المجزوم فنحو قول الله عزّ وجلّ ? فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ? [النساء: 91] ، والشاهد عندنا في ? يَعْتَزِلُوكُمْ ? و? يُلْقُوا ? و? يَكُفُّوا ? فإنها كلها مجزومة وعلامة جزمها حذف النون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 بعد هذا انتقل المصنف رحمه الله إلى بابٍ جديدٍ وهو باب الأفعال ، فقال (الأفعالُ ثلاثة: ماضٍ، ومُضارعٌ، وأمر، نحو: ضَرَبَ، ويَضرِبُ، واضرِبْ) ، وقد سبق أن ذكرنا لكم يا أيها الأحباب أن الكلام أو الكلمة أو الكلم ثلاثة أقسام، إما اسم، وقد ذكرنا لكم علاماته وانتهينا منه، وإما فعل، وذكرنا لكم أيضًا علامة الفعل الماضي وعلامة الفعل المضارع وعلامة فعل الأمر، ولسنا بحاجة إلى إعادتها، والنوع الثالث وهي الحروف وأنها لا علامة لها، وإنما يُجرب عليها علامات الأفعال وعلامات الأسماء فإن قبلتها فهي واحدٌ منهما وإن لم تقبل فهي حرفٌ. فعندنا الفعل الماضي "ضرب" والفعل المضارع "يضرب" وفعل الأمر "اضرب"، وعلى كل حال فهذا حديثه في باب الأفعال. قال المصنف رحمنا الله وإياه (فالماضي مفتوحُ الآخر أبدا) ، هنا الآن بدأ يتحدث في تفصيلات أحكام الأفعال، أيها الإخوة إن الأصل في الأفعال أن تكون مبنية، وإن كان صاحبنا هنا سيذكر أن فعل الأمر مُعربٌ وليس مبنيًّا لأنه حكم عليه بأنه مجزومٌ دائمًا، وهذا رأيُ الكوفيين واتبعه لأنه كثيرًا ما يتبع آراء الكوفيين، لكننا نرى أن الأصل في الأفعال أنها مبنية، لذلك الفعل الماضي عند الجميع مبنيٌّ، والفعل المضارع مُعربٌ عند الجميع ما لم يتصل به نون التوكيد أو تتصل به نون النسوة، وفعل الأمر الصحيح أو الأقوى فيه أنه مبنيٌّ، وإن كان صاحبنا كما سيذكر بعد قليل أنه مُعرب، ولكنه قال هو مجزومٌ أبدًا، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الأفعال كلها تدل على أمرين، تدل على الحدث والزمان، فإن دل على الزمن الماضي فهو ماضٍ، وإن كان مُحتملا للدلالة على الحاضر أو المستقبل فهو مضارع، وإن دل على المستقبل فقط فهو أمرٌ، لكنه في الوقت نفسه يدل على أمرين هما الحدث والزمان، أنت إذا قلت "ضرب" فهي متضمنةٌ لأمرين هما الحدث وهو الضرب والزمان وهو وقوعه في الزمن الماضي، وكذلك في "يضرب" تدل على أمرين وهما الحدث أيضًا والزمن، والزمن هنا صالحٌ للآن أو للمستقبل، وكذلك في "اضرب" تدل على حدث الضرب وتدل على أنه مأمورٌ به في الوقت المستقبل. ويقول المصنف (فالماضي مفتوحُ الآخر أبدا) ، هذا هو الصواب، وإن كان بعضهم يرى أن الفعل الماضي إذا اتصل به ضمير الرفع المتحرك كله، يعني سواء تاء المتكلم أو تاء الغائب.. إلخ، أو "نا" أو نون النسوة، متى ما تصل به ضمير الرفع المتحرك فإنه يُبنى على السكون، بعضهم يرى ذلك، وبعضهم يرى أيضًا أن الفعل الماضي إذا اتصلت به واو الجماعة بُني على الضمة، لكن الصواب في هذه المسألة أن الفعل الماضي حقه أن يكون مبنيًا على الفتح، فإذا اتصلت به التاء مثلا فإنه يكون مبنيًّا على الفتح لكن سُكِّن آخره لاتصاله بهذا الضمير، سُكّن فقط وإلا فهو على الفتح المقدر، وكذلك في "ضربوا" أو "أكرموا" فهي مبينة على فتحٍ مقدر وإنما ضُم لمناسبة واو الجماعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 قال المصنف (فالماضي مفتوحُ الآخر أبدا) ، إذًا نعتمد قول المصنف في هذه القضية وهو أن حق الفعل الماضي أن يكون مبنيًّا على الفتح، أما إذا اتصلت به واو الجماعة فيُضم آخره لمناسبة الواو، وإن اتصل به ضمير الرفع المتحرك وهو تاء المتكلم وتاء المخاطب وتاء المخاطبة ونون النسوة و"نا" الفاعلين، فإنه حينئذٍ يُسكن آخره، ولكنه أيضًا يُحكم عليه بأنه مبنيٌّ على الفتح، والمسألة في هذا سهلة، إن قلت إنه مبنيّ على الضم فلا إشكال قد قالها غيرك، وإن قلت إنه مبنيٌّ على السكون فلا إشكال، وإن قلت إنه مبنيٌّ على الفتح فهو أولى فقط، لكن الثاني جائز وليس فيه إشكال، وقد قاله غيرنا. قال المصنف أيضًا (والأمر مجزومٌ أبدا) ، تعبير المجزوم يا إخواني يعني أن الكلمة معربة، وهو يرى أن فعل الأمر معرب بناءً على ما يره الكوفيون، الكوفيون يرون أنه مجزوم بلام أمر مقدرة، فأنت إذا قلت "جلس" فكأنك قلت "لتجلس"، يعني كأنك تقدر قبله لامًا لتكون هذه اللام هي التي جزمته، لام أمر مقدرة، لكن البصريون لا يرون ذلك، ويرون أنه مبنيٌّ دائمًا، لكن مبني على ماذا؟ مبنيٌّ على ما يُجزم به مضارعه، فإن كان مضارعه يٌجزم بالسكون بُني على السكون، يُجزم بحذف النون بُني على حذف النون، يُجزم بحذف حرف العلة يُبنى على حذف حرف العلة، قال الله عزّ وجلّ ? ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ? [النحل: 125] ، ? ادْعُ ? فعل أمر مبنيٌّ على حذف حرف العلة، لأنه لو كان مضارعًا لقلنا "لم يدع" فحذفنا آخره، وكذلك تقول "اجلس" مثل ما تقول "لم يجلس"، فتبنيه على السكون، وهكذا، وتقول "لم يحضروا"، وتقول "احضروا"، فيكون مبنيًّا على حذف النون، فهذا هو فعل الأمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 ثم قال المصنف رحمن الله وإياه (والمضارع ما كان في أوله إحدى الزوائدِ الأربعِ التي يجمَعُهَا قولُك: أنَيتُ، وهو مرفوعٌ أبدا، حتى يدخُلَ عليه ناصِبٌ أو جازِم) ، إذًا الفعل المضارع معرب باتفاق، هذه لا خلاف فيها، هل يُبنى الفعل المضارع؟ الجواب نعم، في حالتين هما: أن تتصل به نون التوكيد المباشرة، هذا الأول، الموضع الثاني أن تتصل به نون النسوة، إذا اتصلت به نون التوكيد بُني على الفتح، قال الله عزّ وجلّ ? لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ ? [يوسف: 32] ، وقال سبحانه ? وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ? [يوسف: 228] ، أما إذا لم يتصل به نون التوكيد ولا نون النسوة فهو مُعربٌ، يعني يُرفع بالضمة وينصب بالفتحة ويُجزم بالسكون أو نحو ذلك كما سيتبين لنا إن شاء الله تعالى. يقول (والمضارع ما كان في أوله إحدى الزوائدِ الأربعِ التي يجمَعُهَا قولُك: أنَيتُ) ، طبعًا لابد أن يكون الفعل المضارع مبدوءً بواحد من هذه الزوائد الأربع، إما الهمزة نحو "أكرم" أو "أجلس"، وإما النون نحو "نكتب" أو "نذهب"، وإما الياء نحو "يكتب" أو "يلعب"، وإما التاء نحو "تقوم هندٌ" أو "أنت تقوم"، فهذا لابد أن يكون مبدوءً بواحدٍ من هذه الأربع، وأيضًا علامته كما ذكرنا فيما مضى أن يصح دخول لام عليه، فإن لم يصح دخول لام عليه، فإنه لا يكون فعلًا مضارعًا؛ لأنك تجد في بعض الأحيان بعض الكلمات مبدوءة بواحد من هذه الأحرف مثل "محمدٌ أكرم من عليٍّ" مثلا، هذه "أكرم" صيغة تفضيل ومع ذلك مبدوءة بالهمزة، لكن ما تصلح أن تجعل قبلها كلمة "لم"، معناها أن العلامة الأصلية للفعل المضارع "لم" لم تصح أن تدخل عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 ويقول (وهو مرفوعٌ أبدا، حتى يدخُلَ عليه ناصِبٌ أو جازِم) إذًا حق الفعل المضارع أن يكون مرفوعًا، ولذلك يُقال في الفعل المضارع إنه مرفوعٌ لأنه لم يسبقه ناصبٌ ولا جازم، هذه علة رفعه، يعني ما يحتاج إلى علة، أما إذا دخل عليه ناصبٌ أو جازمٌ فإنه يُنصب أو يُجزم بحسب الداخل عليه. نذكر النواصب، قال (فالنَّواصبُ عَشَرَة، وهي: أَنْ، ولَنْ، وإذنْ، وكَيْ، ولام كي، ولام الجُحُود، وحتى، والجوابُ بالفاء والواو وأو) ، وهذه كل واحدةٍ منها تحتاج إلى شرحٍ وبيانٍ وأمثلة، أما مثل "أنْ" وهي أم الباب، لم جعلوها أم الباب؟ قالوا لأنها تعمل ظاهرةً ومضمرة، ظاهرة نحو قول الرسول صلى الله عليه وسلم (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه) ، هذا حينما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان، قال (الإحسان أن تعبد) ، فـ (تعبد) فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتحة، بسبب تقدم "أنْ" عليه، هذا بالنسبة لـ "أنْ"، "أنْ" أول النواصب. ثم بعد هذا "لن"، قال الله عزّ وجلّ ? قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ? [طه:91] ، "لن" تقدمت على الفعل ? نَبْرَحَ ? فنصبته، فهي من النواصب، نواصب الفعل المضارع، و"لن" هذه يا أيها الأحباب دائمًا وأبدًا تنصب الفعل المضارع، "أن" أحيانًا يُنصب الفعل المضارع بعدها، طبعًا هو الغالب، لكن أحيانًا تكون مخففة من الثقيلة فلا يُنصب، قال الله عزّ وجلّ ? عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى ? [المزمل: 20] ، فـ "يكون" هنا فعل مضارع، مع أنها تقدمت عليها "أن" هنا، لكنها ليست أن الناصبة، وإنما هي أن التي أصلها "أنَّ"، لأن التقدير -والله أعلم- "علم أنّه سيكون منكم مرضى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 أما حتى فشاهدها قول الله عزّ وجلّ ? حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ? [طه: 91] ، فـ ? يَرْجِعَ ? فعل مضارع منصوب، هل هو منصوب بـ "حتى"؟ هذا قول الكوفيين، هل هو منصوب بـ "أن" مضمرة بعد "حتى" هذا قول البصريين، وأنتم أحرار، لو قلت "حتى" ما فيه مشكلة، وهذا أخف وأيسر، أيسر أن تقول إنه منصوبٌ بـ "حتى"، ولا إشكال فيه، وهذا ظاهرٌ في هذا المجال فلا نحتاج إلى تقدير، ولكن لو قلت فهذا رأيٌّ قد سُبقت إليه. قال الله عزّ وجلّ ? قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ? [القصص: 17] ، ? أَكُونَ ? هنا فعل مضارع منصوب بـ "لن". أما "إذًا" يا أيها الأحباب فليست تنصب الفعل المضارع مطلقًا، يعني تنصبه أحيانًا بثلاثة شروط: الشرط الأول: أن تكون متصدرةً في جملتها. الشرط الثاني: أن تكون دالة على المستقبل، يعني يجيئك شخص فيقول "آتيك غدًا"، فتقول له "أنت إذًا أكرمَك"، يعني أنت إذا جئتني غدًا أكرمتك، هذه دلت على المستقبل فنصبت الفعل المضارع. هذان شرطان، الشرط الأول أن تكون متصدرة، الشرط الثاني أن تكون دالة على المستقبل. الشرط الثالث: ألا يُفصل بينها وبين الفعل المضارع بأي فاصلٍ غير القسم، القسم ليس فيه مانع "إذًا والله أكرمَك" "إذًا" هنا تنصب الفعل المضارع، لكن لو قلت "إذًَا محمدٌ" فتقول "يُكرمُك" لأنك فصلت بغير القسم. فثلاثة شروط لإعمال إذًا. يستشهدون للفصل بالقسم مع إعمال إذًا بقول الشاعر: إذًا والله نرميَهم بحربٍ تُشيب الطفل من قبل المشيب "إذًا" متصدرة في جملتها، ودالة على المستقبل، وقد فُصل بينها وبين الفعل نرمي بالقسم، هذا يجوز ولا إشكال فيه. ونكتفي في هذه الحلقة بهذا القدر، ونستمع إلى أسئلتكم إلى أردتم أو أسألكم أنا. سأل أحد الطلبة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 لماذا يوضع ألف مكان النون عند حذف النون في الفعل المضارع، مثل "يكونواْ"؟ أجاب الشيخ: الألف هذه ما تُكتب إلا مع واو الجماعة، وهذه تُسمى الألف الفارقة بين الفعل الذي الواو من أصل الكلمة مثل "يعفو" مثلا، والواو التي هي واو الجماعة، إذا كانت الواو للجماعة فإنه يُكتب بعدها ألف عندما يكون الفعل منصوبًا أو مجزومًا، ولا يُكتب بعدها ألف إذا كانت الواو هذه ليست واو الجماعة وإنما هي واو الفعل من أصل الكلمة، مثل "يدعو"، تقول "محمدٌ يدعو"، فهذه ما تُكتب بعدها ألف، لكن "المحمدون لن يحضروا"، الواو هذه للجماع، أو "لن يدعوا" مثلا، هذه تُكتب بعدها واو، لكن هذه الألف تُسمى بالألف الفارقة. لكن أنا ظننتك تسأل عن كتابة الألف في إذًا، تكتب بالنون أم تكتب بالألف هذه فيها خلاف، ولكن المبرد لقد قال "أشتهي أن أكوي يد من يكتب إذًا بدون نون"، هو يشتهي ذلك، لكننا لا نوافقه، ويرى بعضهم أن المسألة فيها تفصيل، فإن كانت إذًا عاملة داخلة على الفعل المضارع فإنها تُكتب بالنون، وإذا كانت "إذًا" ليست عاملةً أو "إذا" الشرطية التي جاءها التنوين في آخرها مثل قول الله عزّ وجلّ ? وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ? [الإسراء: 76] ، فإنها لا تُكتب بالنون، والمسألة في هذا فيها سعةٌ، والحمد لله. والذي نراه أن "إذًا" تُكتب بالنون إذا كان بعدها فعلٌ مضارع سواء أعملت أم لم تعمل. سأل الشيخ: الفعل المضارع يُبنى في حالتين، فما هما؟ أجاب أحد الطلبة: يُبنى الفعل المضارع إذا اتصلت به نون النسوة أو نون التوكيد الخفيفة أو الثقيلة. علق الشيخ: بارك الله فيك، صحيح، يُبنى إذا اتصلت به نون النسوة، على ماذا؟ أجاب أحد الطلبة: على السكون. علق الشيخ: على السكون، صحيح، وإذا اتصلت به نون التوكيد؟ أجاب أحد الطلبة: على الفتح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 علق الشيخ: بُني على الفتح، بارك الله فيك، هذا كلامٌ حق. سأل الشيخ: نواصب الفعل المضارع مر بنا الحديث عن بعضها، وتحدثنا عن "إذًا" وتحدثنا عن "أنْ" وتحدثنا عن "لن"، واشترطنا للنصب بعد إذًا ثلاثة شروط، أريد ذكر بعضها. أجاب أحد الطلبة: 1- أن تكون متصدرةً في جملتها. 2- ألا يفصل بينها وبين الفعل بفاصل غير القسم، فإنه يجوز الفصل به. 3- أن يكون الفعل الذي بعدها دالا على المستقبل، وهذا كلامٌ حقٌ، وبارك الله فيك. سأل الشيخ: أيضًا ذكرنا مما ذكرنا أنّ "أنْ" أحيانًا لا يُنصب الفعل المضارع بعدها، فمتى يكون ذلك؟ أجاب أحد الطلبة: عندما تكون "أنّ" المخففة. علق الشيخ: صحيح، إذا كان أصلها "أنّ" ثم خففناها فصارت "أنْ" فإن الفعل المضارع بعدها لا يُنصب بها، فإن تكون مخففة من الثقيلة ولا تكون عاملةً، ويكون اسمها محذوفًا أو مقدرًا، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى ? [المزمل: 20] ، فإن "أن" هنا لم تنصب الفعل المضارع لهذا السبب. سأل الشيخ: الفعل الماضي مبنيٌ دائمًا على الفتح، هذه العبارة صحيحة أم غير صحيحة؟ أجاب أحد الطلبة: العبارة صحيحة، ولكن ممكن في بعض الأقوال يُبنى على الضم متى أُلحقت به واو الجماعة، لكن هو الأصح والأفضل أنه مبنيٌّ على الفتح، وإنما ضُمّ آخره بسبب مناسبة واو الجماعة. علق الشيخ: صحيح بارك الله فيك، وأيضًا يُبنى على صورة أخرى، فما هي؟ أجاب أحد الطلبة: يُبنى أيضًا على السكون إذا اتصلت به بعض التاءات مثل تاء المتكلم أو المخاطب أو المخاطبة أو نا الفاعلين أو نون النسوة. علق الشيخ: بارك الله فيك، هذا كلامٌ حقٌ، هذا كلامٌ صحيح، وأحسنت جزاك الله خيرًا. سأل الشيخ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 يقول المصنف إن للمثنى علامتين إعرابيتين فقط، فما هما؟ أجاب أحد الطلبة: للمثنى علامتين إعرابيتين فقط، يُنصب ويُجر بالياء ويُرفع بالألف. علق الشيخ: يُرفع المثنى بالألف ويُنصب ويُجر بالياء، هذا كلامٌ حقٌ. ونكتفي بهذا القدر من الأسئلة، وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 الدرس الثامن الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، اللهم صلي وسلم وبارك على من أرسلته رحمةً للعالمين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين. أيها الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نواصل الحديث في شرح ما يتيسر من الآجرومية، وقد وصلنا إلى حديث المصنف رحمه الله عن نواصب الفعل المضارع، ومثلنا بكلمة "أنْ" و"لنْ"، وذكرنا شروط "إذًا" وما يتعلق بها، ومثلنا لها أيضًا. قال المصنف (وكي) ، "كي" حرفٌ يدل على التعليل، وهو ينصب الفعل المضارع لكن بشرط أن تكون "كي" هذه مصدرية، ما معنى كونها مصدرية؟ قال تؤول مع ما بعدها بمصدر، فإن لم تكن مصدريةًً كأن كانت تعليلية فإنها لا تنصب الفعل المضارع، تقول "جئتُ لكي أتعلم"، و"جئتُ كي أن أتعلم"، و"جئتُ لكي أن أتعلم"، و"جئت كي أتعلم"، بعضها ينصب الفعل المضارع، وبعضها لا ينصب الفعل المضارع، الفعل المضارع منصوبٌ في الأحوال كلها، لكن ما الذي نصبه سننظر إن شاء الله؟ أما قولك "جئت لكي أتعلم" فكي هنا مصدرية لأن تأويل الكلام "جئتُ للتعلم" فهي الناصبة للفعل المضارع، أما قولك "جئت كي أن أتعلم" ففي هاتين الصورتين ليست هي الناصبة للفعل المضارع، الناصب في قولك "جئتُ كي لأتعلم" أو "كي أن أتعلم" ففي هاتين الصورتين ليست هي الناصبة للفعل المضارع، الناصب في قولك "كي لأتعلم" هو "أنْ" المضمرة، والناصب في قولك "كي أن أتعلم" هو "أنْ" الظاهرة هذه، وليست "كي" لأنها تعليلية ولا تنصب الفعل المضارع. هناك صورتان يُحتمل أنها هي الناصبة ويُحتمل أنها غير الناصبة، الصورتان هما ألا تسبقها اللام ولا تتلوها أن كقولك "جئتُ كي أتعلم"، هنا يجوز أن تكون مصدرية فتكون هي الناصبة، ويجوز أن تكون تعليلية فيكون الناصب هو "أنْ" مقدرة بعدها. الصورة الخامسة هي أن تسبقها اللام وتتلوها "أنْ"، في هذه الصورة يجوز لك أن تجعلها هي الناصبة، ويجوز لك أن تجعلها غير ناصبةٍ، وذلك كقولك "جئتُ لكي أن أتعلم"، صحيح أن استعمال هذا قليل، لكنه لو ورد فأنت حينئذٍ تعربه بهذا الإعراب، لك أن تجعلها هي الناصبة، ولك أن تجعل الناصب هو "أنْ" المذكورة بعدها، والأولى أن يكون الناصب هو "أنْ" وليست "كي" هي التي نصبت الفعل المضارع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 قال المصنف رحمه الله (ولام كي) ، أيضًا هذه تنصب الفعل المضارع عند الكوفيين، أما البصريون فإنهم يرون أن ناصب الفعل المضارع بعد اللام هو "أنْ" مقدرة، وقد يكون لهم بعض العلة، ذلك أنهم يقولون اللام الأصل فيها أنها حرف جر، فهل تعمل اللام في الأسماء وتعمل بنفس العمل في الأفعال أو بعملٍ آخر في الأفعال، تجر الأسماء وتنصب الأفعال؟!، هذا هو السبب الذي منع البصريين من إعمال اللام، فقالوا ننصب الفعل المضارع بـ "أنْ" مضمرة بعد اللام، أحيانًا يكون إضمارًا واجبًا وأحيانًا يكون إضمارًا جائزًا، في قول الله عزّ وجلّ ? وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ? [الأنفال: 33] ، ? لِيُعَذِّبَهُمْ ? يقولون "أنْ" مضمرة بعد اللام وجوبًا هنا، لأن هذه تُسمّى لام الجحود، قال الله عزّ وجلّ ? وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ? [الأنعام: 71] ، قالوا "أنْ" هنا مضمرة جوازًا، لماذا؟ قال لأنها ظهرت في بعض الآيات، قال الله تعالى ? وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ? [الزمر: 12] ، فمادام أنها ظهرت فيجوز إظهارها وإضمارها. والذي نعتد به أنّ "أنْ" تُقدر بعد اللام لتكون ناصبةً للفعل المضارع، حتى ما يكون للام عملان، عمل في الأسماء وهو الجر وعمل في الأفعال وهو النصب، لكن صاحبنا هو اعتبر لام "كي" وهي اللام الدالة على التعليل ولام الجحود، اعتبرها أو عدّاهما هما الناصبتان للفعل المضارع، وله ذلك، وقد قال به غيره، وأنتم لكم أن تقولوا ذلك إذا أردتم من باب التخفيف، وإن أرتم من باب الدقة فيما أرى فهو أن تقولوا إن اللام إما لام الجحود أو لام التعليل، إن الفعل المضارع بعدها منصوبٌ بأن مضمرة، وتكون "أن" وما دخلت عليه مؤولة بمصدر، ويكون هذا المصدر مجرورًا باللام، والله أعلم بالصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 قال المصنف أيضًا (وحتى) ، أما "حتى" قد قال الفرّاء رحمه الله "أموتُ وفي نفسي شيءٌ من حتى"، ومعه حقٌ، أو ومعه بعض الحق، يا أيها الأحباب اسمعوا إلى قول الله عزّ وجلّ ? سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ? [القدر: 5] ، جاءت هنا جارةً للأسماء، واسمعوا إلى قول الله عزّ وجلّ ? قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ? [طه: 91] ، وانظروا إلى قول العرب "مرض زيدٌ حتى لا يرجونه"، "يرجون" فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، يعني جاء بعد "حتى" فعل مضارع مرفوع، جاء بعد "حتى"فعل مضارع منصوب، جاء بعد "حتى" اسمٌ مجرور، فما لكم لا تقولون رحم الله الفراء إذ مات وفي نفسه شيءٌ من حتى؟!، لكنكم إن شاء الله ما تموتون وفي أنفسكم شيءٌ من "حتى"، لأن المسألة في هذا سهلة، إني أخيركم بين أن تجعلوها ناصبةً للفعل المضارع ولا تُعملوها في الأسماء، أو أن تقدروا بعدها "أنْ" وتريحوا أنفسكم، إذا نصبت الفعل المضارع فهو منصوبٌ بأن مضمرة بعدها، وإذا لم تنصبه فلا إشكال، لأنها لا تعمل شيئًا، أما عملها في الأسماء فهو واضح جدًا في نحو قول الله عزّ وجلّ ? سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ? [القدر: 5] . لكم الخيار أن تأخذوا رأي الفرّاء فتموتوا وفي أنفسكم شيءٌ من "حتى"، لكم ذلك، ما أردتم فاجعلوا الكلام الذي قلتُ لكم نبراسًا، وهو أنها إذا دخلت على الأسماء الظاهرة تجرها، تجر الأسماء الظاهرة كقول الله عزّ وجلّ ? سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ? [القدر: 5] ، وأنها إن دخلت على الأفعال فإن عملت فيها فالنصب ليس بها وإنما هو بـ "أنْ" مضمرة وجوبًا بعدها، وإن لم تعمل شيئًا فلا إشكال، الحمدلله، لأن الأصل فيها أنها تعمل في الأسماء فقط، هذا الذي نريد أن نقوله عن حتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 أما قول المصنف (والجواب بالفاء والواو وأو) ، فالفاء المقصودة هنا هي الفاء السببية، والواو المقصودة هنا هي واو المعية، و"أو" هنا هي "أو" التي تأتي بمعنى "إلا" أو تأتي بمعنى "حتى"، يعني ليس يُنصب الفعل المضارع مطلقًا بعد هذه الحروف، بل لابد أن تكون الواو واو المعية، والفاء فاء السببية، و"أو" "أو" التي بمعنى "إلا" أو التي بمعنى "حتى". لاستسهلن الصعب أو أدرك المنى … … فما انقادت الآمال إلا لصابر "أو" هنا بمعنى "حتى"، "لاستسهلن الصعب حتى أدرك المنى"، هنا يُنصب الفعل المضارع بـ "أنْ" مضمرة وجوبًا بعد "أو". وكنت إذا غمزتُ فتاة قوم ..... كسرت كعوبها أو تستقيم "أو" هنا بمعنى "إلا"، والتقدير "إلا أن تستقيما"، إذا استقامت انتهينا، هذه "أو". أما الفاء فالفاء السببية لا يُنصب الفعل المضارع بعدها مطلقًا، بل لابد أن يكون مسبوقًا إما بنفيٍّ خالصٍ أو بطلبٍ بالفعل، قال الله عزّ وجلّ ? وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ? [طه: 81] ، ?فَيَحِلَّ? فعل مضارع منصوب بعد الفاء السببية المسبوقة بالطلب وهو النهي ? وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ?، وقال الله عزّ وجلّ ? لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ? [فاطر: 36] ، "يموتوا" فعل مضارع منصوب بعد الفاء السببية المسبوقة بالنفي الخالص. ما أنواع الطلب التي يُنصب الفعل المضارع بعدها؟ أنواع الطلب هي: الأمر والنهي والدعاء والاستفهام والتمني والترجي والعرض والتحضيض، إذا سُبقت الفاء السببيّة بواحدٍ من هذه الثمانية فإنك تنصب الفعل المضارع بعدها بـ "أنْ" مضمرة وجوبًا، وكذلك إذا سُبقت بالنفي، ومثلها تمامًا واو المعية، واو المعية يقولون من شواهدها قول الشاعر: فقلتُ ادعي وأدعوَ إن أندى ...... لصوتٍ أن ينادي داعيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 "أدعو" هنا الواو الذي سبقته هي واو المعية، و"أدعو" فعل مضارع منصوب بـ "أنْ" مضمرة وجوبًا بعد واو المعية، وهي مسبوقة بطلب وهو الأمر، ومنه قول الشاعر "رب وفقني فلا أعدل" الفاء سببية، وجاءت باء مسبوقة بالأمر، ومنه قول الشاعر أيضًا: يا ناق سيري عنقا فسيحا ..... إلى سليمان فنستريح "نستريح" فعل مضارع منصوب بعد الفاء السببية، قال الله عزّ وجلّ ? وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ?36? أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ? [غافر: 36، 37] ، الفاء سببية ومسبوقة بـ ? لَعَلِّي ?، وهو يدل على الترجي، وقال الله عزّ وجلّ ? يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا ? [النساء: 73] ، هذه أيضًا مسبوقة بالتمني وهو كلمة "ليت"، وقال الله عزّ وجلّ ? وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ ? [المنافقون: 10] ، ? لَوْلَا ? هذه تدل على التحضيض، ? فَأَصَّدَّقَ ? جاءت بعد ما يدل على التحضيض، والله أعلم بالصواب. وقال الله عزّ وجلّ ? أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ? [آل عمران: 142] ، هذه واو المعية ومسبوقة بالنفي وهو قوله ? لَمَّا يَعْلَمِ ?، وقال الله عزّ وجلّ ? وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ ? [الأنعام: 27] ، ? يَا لَيْتَنَا ? هنا تدل على التمني، والواو للمعية، و ? نُكَذِّبَ ? فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الواو، وقول الشاعر: ألم أك جاركم ويكون بيني وبينكم المودة والإخاء هنا الواو للمعية، و"ألم" تدل على الاستفهام، وقول الشاعر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيم "تأتي" هنا مسبوقٌ بواو المعية، وواو المعية مسبوقة بقوله "لا تنه" وهذه أيضًا مسبوقة بالطلب، مما يذكرون في هذا الباب يقولون "لا تأكل السمكة وتشربَ اللبن" أو "وتشربُ اللبن" أو "وتشربْ اللبن"، يجوز لك الأوجه الثلاثة، "لا تأكل السمك وتشرب اللبن"، يجوز في كلمة "تشرب" ثلاثة أوجه، إن قلت "لا تأكلِ السمك وتشربُ اللبن"، فأنت حينئذٍ نهيته عن أكل السمك وأجزت له شرب اللبن، هذه الصورة الأولى، الصورة الثانية "لا تأكلِ السمك وتشربِ اللبن"، باعتبار أنك حركتها هنا لالتقاء الساكنين، وأصلها "تشربْ" بالسكون، معنى هذا أنك حرّمت عليه أكل السمك وشرب اللبن، أما قولك "لا تأكل السمك وتشربَ اللبن" فالواو للمعية، يعني يجوز لك أن تأكل السمك وحده أو تشرب اللبن وحده، لكن الممنوع هو الجمع بينهما، وانظر بارك الله فيك إلى هذه الدقة في هذه الحركات الثلاث، مرة منعه من أكل السمك وأجاز له شرب اللبن لما تكون مرفوعة، لأنها تكون واو استئنافية ويكون تقدير الكلام "ولك شرب اللبن"، ومرة منعه من الاثنين فقال له "لا تأكلِ السمك وتشربِ اللبن"، يعني لأنه جزم الأول وجزم الثاني بالعطف، عطفه على الحكم الأول، ومرة أجاز له أكل السمك وحده أو شرب اللبن وحده، والذي منعه هو أن يجمع بينهما، وذلك إذا جعلت الواو للمعية، هذا مما يُقال في هذا الجانب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 بعد هذا انتقل المصنف إلى الحديث عن جوازم الفعل المضارع فقال (والجوازِمُ ثمانيةَ عَشَر، وهي: لَمْ، لَمَّا، ألَمْ، ألَمَّا، ولام الأمر والدعاء، ولا في النَّهيِ والدعاء، واِنْ، ومَنْ، ومهما، واِذْما، وأَيُّ، ومتى، وأَيَّانَ، وأينَ، وأَنَّى، وحَيثُمَا، وكيفما، وإذا في الشِّعر خاصة) ، هذه هي المسائل التي ذكرها المصنف، وفي كلامه بعض التفصيلات التي نريد أن نذكرها لكم، منها أنه جمع بين الأدوات التي تجزم فعلا واحدًا والتي تجزم فعلين، لأن أدوات الشرط تجزم فعلين، والأدوات الأخرى وهي: لَمْ، لَمَّا، ألَمْ، ألَمَّا، ولام الأمر والدعاء، و"لا" في النَّهيِ والدعاء كذلك، أيضًا مما يمكن أن يُتحدث فيه في هذا الموضوع أنه جعل "لَمْ" و"َأَلَمْ" حرفين، وهما حرف واحدٌ، لأن "ألم" هي نفس "لم" لكن زيدت عليها همزة الاستفهام، فالعمل لـ"لم" وليس لهمزة الاستفهام، وكذلك فعل مع "لمّا"، فإنه قال فيها (لَمَّا، ألَمَّا) ، والحقيقة أنهما واحد، وعند عد هذه الأدوات التي ذكرها ربما كانت أقل أو أكثر إذا حسبنا أن "لم" نفس "ألم" و"ألمْ" هي نفس "ألمّا"، فسيكون فيه بعض الكلام. على كل حال له في منهجه أن يفعل ما يشاء، لكنه لو فصل بينهما فقال هذه الأدوات تجزم فعلا واحدًا وهذه الأدوات تجزم فعلين لكان أولى، أما أمثلتها وشواهدها فكثيرة والحمد لله رب العالمين، أولا استشهد لـ"لم"، ومنها قول الله عزّ وجلّ ? وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ? [البقرة: 164] ، فـ "لم" هنا جازمة، ونقصص فعل مضارع مجزوم، أما "ألم" فنحو قول الله عزّ وجلّ ? أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ? [الفيل: 1] ، أما "لمّا" فنحو قول الله عزّ وجلّ ? كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ? [عبس: 23] ، فـ "لمّا" هنا هي الجازمة، ويقض هذا فعلٌ مضارعٌ مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وعلى كل حال "لمّا" لها استعمالات أخرى لكن ليس هذا مجال ذكرها، ومما جُزم به في "لمّا" قول الله عزّ وجلّ ? وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ? [الجمعة: 3] ، فـ "لمّا" هنا جازمةٌ للفعل يلحقوا، وعلامة جزمه حذف النون. الجازم الرابع وهو "ألمّا"، ولم يرد شيءٌ في القرآن الكريم جُزم فيه الفعل المضارع بهذا الحرف، ولكن أورد الشيخ أحمد الرملي في كتابه شرح الآجرومية بعض الشواهد، ومنها قول الشاعر: إليكم يا بني بكر إليكم ألما تعرفوا منا اليقين فـ "تعرفوا" هنا فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بـ "ألمّا"، وعلامة جزمه حذف النون. أما الجازم الخامس فهو لام الأمر ولام الدعاء، ويُفرق بينهما بأن لام الأمر تكون من الأعلى للأدنى، ولام الدعاء تكون من الأدنى للأعلى، في نحو قول الله عزّ وجلّ ? وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ? [الزخرف: 77] ، هذه تُسمّى بلام الدعاء لأنها من الأدنى إلى الأعلى، أما إذا كانت من الأدنى إلى الأعلى فكقولك لابنك مثلا "لتقم"، "لتذهب"، "لتفعل كذا"، "لتركب"، "لتجلس"، وهكذا، هذه هي لام الأمر، ومنها قول الله عزّ وجلّ ? لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ? [الطلاق: 7] ، فاللام هنا هي لام الأمر. وكذلك يُقال في "لا" الناهية والدعائية، لأن "لا" الناهية هي التي يكون الأمر فيها من الأعلى إلى الأدنى، وأما "لا" الدعائية فهي بعكسها، يكون من الأدنى إلى الأعلى، يعني "لا" الناهية هي من الأعلى إلى الأدنى، و"لا" الدعائية بالعكس، من الأدنى إلى الأعلى، منها قول الله عزّ وجلّ ? فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ? [هود: 81] ، فـ "لا" هنا ناهية لأنها من الأعلى إلى الأدنى، ومنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهبًا ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 أما "لا" الدعائية فمن شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ? [البقرة: 286] ، ومنه قوله سبحانه ? رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ? [آل عمران: 8] ، وهكذا. الأداة السابعة من أدوات الجزم هي "إنْ"، وطبعًا الآن سنبدأ في أدوات الشرط، وقد انتهينا من الأدوات التي تجزم فعلا واحدًا، نعيدها مرة ثانية، هي "لم" و"لمّا"، وكما قال صاحبنا "ألم" و"ألمّا"، وهما واحد مثل "لم" و"لمّا"، لكنه زادت عليهما همزة الاستفهام، وكذلك الأداة الخامسة هي لام الطلب، وتُطلق على لام الأمر ولام الدعاء، وأيضًا لا الناهية ولا الدعائية، وقد انتهينا من هذه الست جميعًا. أما الأداة السابعة فهي تجزم فعلين، الأول فعل الشرط والثاني جواب الشرط، وهي أم الباب وهي "إن" الشرطية، وقبل الحديث عن أدوات الشرط أذكر لكم أنها ثلاثة أقسام، قسمٌ منها مُتفق على أنه حرف، وقسم منها مُتفق على أنه اسم، وقسم منها مُختلف فيه أهو اسمٌ أم حرف، فأما المتفق على حرفيته فهو "إن" التي هي أم الباب، وأما المختلف فيه فهو حرف أو اسم فكلمةٌ واحدة وهي "إذما"، وبعضهم يُضيف إليها "مهما"، لكن أكثر كلامهم عن كلمة "إذما" أهي حرفٌ أم اسم؟ والصواب أنها اسم، بقية الأدوات الشرطية كلها أسماء، فنبدأ بأم الباب وهي "إنْ"، قال الله عزّ وجلّ ? إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ? [آل عمران: 120] ، "إنْ" أداة شرط، "تمسس" هذا فعل الشرط وهو مجزوم، "تسؤ" هذا جواب الشرط، وهو مجزوم. بعد هذا "من" الشرطية، وكما ذكرت لكم هذه مُتفق على أنها اسم، قال الله عزّ وجلّ ? وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَ ? [آل عمران: 161] ، ? يَغْلُلْ ? فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه السكون، ? يَأْتِ ? مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 الأداة التاسعة هي "مهما"، وهي من الأدوات التي قلت لكم قبل قليل إنه حصل فيها خلاف أهي اسم أم حرف، وعلى كل حال ترى هذا لا يؤثر في عملها شيئًا، عملها تجزم فعلين، سواء أكانت اسمًا أم كانت حرفًا، من شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ? [آل عمران: 132] ، "تأتِ" فعل مضارع مجزوم -وهو فعل الشرط-، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، ? فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ? كل الكلام هذا في محل جزم جواب الشرط، والفاء الموجودة هذه فيه تقترن في مثل هذه الحالة، واقترانها واجب، يعني اقترانها بجواب الشرط واجب، لكن متى يكون ذلك؟ يجب اقتران جواب الشرط بالفاء يا أيها الأحباب في مواضع متعددة يجمعها عنوان واحد، العنوان هو ألا يصلح جواب الشرط لأن يقع فعلا للشرط، ما يصلح أن تنقل جواب الشرط وتجعله فعلا للشرط، حينئذٍ يجب اقتران الجواب بالفاء، أما الفروع فهي أن يكون الجواب جملة اسمية، أو جملة فعلية طلبية، أو جملة فعلية فعلها جامد، أو جملة فعلية مسبوقة بـ"لن"، أو جملة فعلية مسبوقة بـ "ما"، وهكذا، وسنذكر لكم بعض الأمثلة لها إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 قال الله عزّ وجلّ ? وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [الأنعام: 17] ، الفاء هنا واجبة لأن الجواب هنا جملة اسمية، قال الله عزّ وجلّ ? قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ? [آل عمران: 31] ، جواب الشرط هنا جملة فعلية طلبية، قال الله عزّ وجلّ ? فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ ? [الكهف: 40] ، عسى هنا فعل ماضي جامد يجب اقترانه بالفاء، قال الله عزّ وجلّ ? قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ? [يوسف: 77] ، إذا كانت الجملة مبدوءة بـ "قد" وجب اقترانها بالفاء، قال الله عزّ وجلّ ? وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ? [التوبة: 28] ، كذلك إذا كانت الجملة مبدوءة بكلمة "سوف" فإنه يجب اقترانها بالفاء، وقال الله عزّ وجلّ ? وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ? [آل عمران: 115] ، وهذه الجملة الواقعة جوابًا للشرط هنا مبدوءة بـ "لن"، وقال الله عزّ وجلّ ? فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ ? [يونس: 72] ، بدأت جملة الجواب بـ "ما"، فيجب اقترانها بالفاء، وقد تُحذف هذه الفاء جوازًا، لكنه ليس الكثير، الكثير أن تكون ثابتة في هذه المواضع التي ذكرتها، ومما وردت فيه محذوفة قول الشاعر "من يفعل الحسنات الله يشكرها "، "الله" مبتدأ، "يشكرها" جملة خبرية، والجملة هنا الواقعة جوابًا للشرط جملة اسمية، ومع ذلك لم تقترن بالفاء، ولكن الكلام كما ترون شعر، فلا بأس بأن يكون خاليًا من الفاء، ولكنه خاصٌّ بالشعر. هذا المواضع التي يجب فيها اقتران جواب الشرط بالفاء، وقد جاءت عرضًا لأننا ذكرنا الآية التي استشهدنا بها في الحرف الذي قبل قليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الآن ننتقل إلى كلمةٍ جديدة من أدوات الشرط، وهي كلمة "إذما"، وقد ذكرت لكم أيضًا إنها من المواضع المختلف فيه أهو اسمٌ أم حرف، "إذما" لم ترد في القرآن الكريم، ولكنها وردت في قول الشاعر: وإنك إذما تأتي ما أنت آمرٌ به تُلفي من إيّاه تأمر آتي هذا شبيهٌ في المعنى بقول الله عزّ وجلّ ? أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ? [البقرة: 44] ، هذا إذا أمرت شيئًا وأردت أن يُنفذ فابدأ بنفسك، فهذا مضمون هذا البيت، يقول: وإنك إذما تأتي ما أنت آمرٌ ...... به تُلفي من إيّاه تأمر آتي إذا فعلت ما تأمر به فسوف تجد من تأمره قائمًا به. الأداة الأخرى والجديدة هي "أي" الشرطية، وهي الأداة الحادية عشرة، وهي كما ذكرتُ لك في حلقة ماضية معربة دون بقية أدوات الشرط، أدوات الشرط كلها مبنية إلا كلمة "أي" فإنها معربة، من شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? [الإسراء: 110] ، فعل الشرط هنا هو قوله ? تَدْعُوا ?، و ? مَا ? زائدة، وقوله عزّ وجلّ ? فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى? هذه الجملة واقعة في جواب الشرط. الأداة الثانية عشرة هي "متى"، وهي وكلمة "أي" وكلمة "أيّان"، وكلمة "أنّى" ترد أحيانًا أسماء استفهام وترد أحيانًا جازمةً، مرة ثانية، "متى" تأتي استفهامًا وتأتي شرطًا، "أيّ" تأتي استفهامًا وشرطًا، "أين" تأتي استفهامًا وتأتي شرطًا، "أيّان" كذلك، "أنّ" كذلك، والذي يُميز لك الشرطية عن الاستفهامية السياق، قال الله عزّ وجلّ ? وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ? [السجدة: 28] ، بدون شك أن متى هنا استفهامية، وقال الشاعر: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ....... متى أضع العمامة تعرفوني هذه بدون شك أنها شرطية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 الأداة الثالثة عشرة، هي كلمة "أين" وأيضًا لم ترد شرطية في القرآن الكريم، وفي كثيرٍ من الأحيان يقرنون بها "ما" فيقولون "أينما"، أما كونها مقرونة بـ "ما" فقد وردت في القرآن الكريم، لكن مجردة من "ما" لم ترد شرطية في القرآن الكريم، ومما وردت فيه قول الله عزّ وجلّ ? أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ ? [النساء: 78] ، ? تَكُونُوا ? هو فعل الشرط، وهو مجزوم وعلامة جزمه حذف النون، و ? يُدْرِكُكُمُ ? جواب الشرط، ومن ورود "أين" الاستفهامية قول الله عزّ وجلّ ? يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ? [القيامة: 10] ، فهذه استفهامية. الأداة الرابعة عشرة هي "أيّان"، من ورودها استفهامية قول الله عزّ وجلّ ? يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ? [الأعراف: 187] ، هذه استفهامية، أما ورودها شرطية فلم ترد في القرآن الكريم شرطية، ومنه قول الشاعر "فأيّان ما تعدل به الريح ينزل"، فـ "تعدل" هو فعل الشرط، وينزل هو جواب الشرط، ومثله قول الشرط "أيّان نؤمنك تأمن غيرنا"، "نؤمنك" هو فعل الشرط، و"تأمن غيرنا هو جواب الشرط". أما الأداة الخامسة عشرة فهي "أنّا"، وهي اسم شرطٍ، وتأتي كثيرًا اسم استفهام، وفيها دلالة على الظرفية، ومما وردت فيه قول الله عزّ وجلّ ? أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ? [البقرة: 259] ، هذه استفهام، وقوله عزّ وجلّ ? قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا ? [آل عمران: 37] ، أما ورودها شرطية ففي قول الشاعر: فأصبحت أنّى تأتها تستجر بها ...... تجد حطبًا حزلا ونازًا تأجج "تأتها" هذا فعل الشرط، و"تجد حطبًا" هذا جواب الشرط، ونقف عند جواب الشرط هذا، ونتقبل الأسئلة منكم إذا كان لديكم أسئلة. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، قلتم أن "لم" و"لمّا" بنفس ....... قاطع الشيخ الطالب: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 بالمناسبة يا أخ شريف همزة "إن" تُكسر بعد القول مطلقًا، بعد القول ومشتقاته، "قول" "يقول" "قال" "قل"، كلها اكسر همزة "إن" فيه موضع سنذكره إذا وصلنا باب "إن" وأخواتها إذا يسّر الله سبحانه وتعالى ذلك. أكمل الطالب سؤاله: جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، قلتم إن "لم" و"لمّا" بنفس المعنى، ولكن علمنا أن "لم" حرف نفي وجزم وقلب، و"لما" نفي وجزم وقلب، ولكن هناك فرق أن "لما" تفيد أنه لم يحدث هذا الفعل حتى القول، حتى قول هذه الكلمة، ...... ، فنرجو التفصيل. أجاب الشيخ: أولا أنا لم أوازن بين "لم" و"لما"، وإنما قلت إن "لم" و"ألم" واحد، وإن "لمّا" و"ألمّا" واحد، فهمتني يا بني، هذا الذي قلته، هذا الذي أذكره، أما الموازنة بين "لم" و"لمّا" فيقولون بينها أربعة أوجه من الشبه وبينها أربعة أوجه من الاختلاف، فأما أوجه الشبه فهي: 1- أن كل واحدةٍ منهما حرف. 2- وأن كل واحدةٍ منهما للنفي. 3- وأن كل واحدة منهما للجزم. 4- وأن كل واحدة منهما تقلب معنى الفعل المضارع من الدلالة على الحال والاستقبال إلى الدلالة على الماضي. أما الاختلاف بينهما فاثنان خاصّان بـ "لم"، واثنان خاصّان بـ "لمّا": فأما "لم" تختص بجواز مصاحبتها للشرط: 1- ومنه قول الله عزّ وجلّ ? وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ? [المائدة: 67] ، ? وَإِنْ لَمْ ? ولا يجوز أن تقول "وإنْ لمّا"، هذه واحدة. 2- الثاني مما تختص به "لم" أنه يجوز انقطاع مجزومها قبل النطق بها، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ? [الإنسان: 1] ، ثم كان، يعني هو لمّا كان في بطن أمه لم يكن شيئًا مذكورًا، ثم خرج إلى الدنيا وصار شيئًا مذكورًا، ثم لما كبر صار ملكًا، صار كذا، صار كذا، صار كبيرً، ...... ، هذه ما تختص به لم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 أما ما تختص به "لمّا" يا أيها الأحباب فهو أمران: 1- الأمر الأول أنه يجوز حذف مجزومها، فتقول "قاربتُ المدينة ولمّا"، إذا كان في الكلام ما يدل عليه، يعني ولما أدخلها، ولا يجوز ذلك في "لم". 2- والأمر الثاني الذي تختص به "لمّا" هو أنّه يُتوقع حدوث مدخولها، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ? [الحجرات: 14] ، يعني وسيدخل إن شاء الله، المهم أنه يُتوقع حدوث ما تدخل عليه، بعكس "لمّ". هاتان ميزتان لـ "لم"، وهاتان ميزتان للـ "لمّا"، ولم أرد أن أتحدث عنهما، ولكن مادام سألت عنهما فهذا هو الجواب، وغفر الله لي ولك. سأل أحد الطلبة: هل يُوافق أهل البصرة أهل الكوفة في عدد النواصب؟ أجاب الشيخ: لا، ما يُوافقونهم لأنهم لا يعتبرون الفاء ولا الواو ولا اللام ولا "حتى"، لا يعدونها ناصبة، وإنما يقولون الناصب هو "أن" مضمرة بعد كل واحدة من هذه الأدوات، معناه أنه يختلف العدد عندهم. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خيرًا، لم يذكر المؤلف "منْ" في الجوازم، فهل هي عند البصريين دون الكوفيين، أم غير ذلك؟ أجاب الشيخ: "من" هذه ذكرها، هي مذكورة بارك الله فيك وقد مثلنا لها، ? وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَ ? [آل عمران: 161] . سأل أحد الطلبة: فضيلة الشيخ، المؤلف لماذا قدّم النواصب على الجوازم؟ أجاب الشيخ: وهذا أمرٌ عاديٌّ، وفيما أعلم أن كل المؤلفين يقدمون النواصب على الجوازم، مع أنه كان الأصل فعلا أن يُقدم الجازم مع الفعل لكون الجازم هو الأصل في الأفعال، الأصل في الأفعال أن الجزم مُختصٌّ بها، فكان الأصل أن تُقدم الجوازم، هذا سؤالٌ جميلٌ بارك الله فيك. نكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحابته أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الدرس التاسع الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين. أيها الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لازلنا نواصل الحديث في شرح مقدمة ابن آجروم النحوية، وقد وصلنا في اللقاءات الماضية إلى الحديث في جوازم الفعل المضارع، وأنهينا الحديث في بعضها، ونعيد ذكر الجوازم حتى نتذكرها، وبعدها إن شاء الله تعالى نتحدث في الحرف أو في الكلمة التي وصلنا إليها من أدوات الشرط، إذ يقول ابن آجروم (والجوازِمُ ثمانيةَ عَشَر، وهي: لَمْ، لَمَّا، ألَمْ، ألَمَّا، ولام الأمر والدعاء، ولا في النَّهيِ والدعاء، وإِنْ، ومَنْ، ومهما، وإِذْما، وأَيُّ، ومتى، وأَيَّانَ، وأينَ، وأَنَّى، وحَيثُمَا، وكيفما، وإذا في الشِّعر خاصة) ، وقد وصل الحديث بنا إلى "أنَّى"، وقلنا إن كلمة "أنّى" لم ترد في القرآن الكريم شرطية، وإنما وردت استفهامية، ومما وردت فيه استفهاميةً قول الله عزّ وجلّ ? قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ? [البقرة: 259] ، ومنه قوله سبحانه ? يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ? [آل عمران: 37] ، وأما ورودها شرطية فقد ورد في الشعر، ومنه قول الشاعر: فأصبحت أنّى تأتها تستجر بها تجد حطبًا جزلا ونارًا تأجج فعندنا "أنّى" هنا، وقد اتفقنا فيما مضى على أنها اسم، فـ "أنّى" هذه أداة الشرط، وهي اسمٌ، و"تأتِ" هذا هو فعل الشرط، ومجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة، و"تستجر" هذا بدلٌ من فعل الشرط "أنّى تأتها تستجر بها تجد حطبًا"، لأن الجواب في قوله "تجد حطبًا"، ومنه قول الشاعر أيضًا: خليليَّ أنّى تأتياني تأتيا أخاً غير ما ... يرضيكما لا يُحاوِلُ"أنّى تأتياني تأتيا"، فـ "تأتياني" هذا هو فعل الشرط، أما النون الموجودة هذه فليست نون الرفع في الفعل المضارع، وإنما هي نون الوقاية، وقد ذكرتُ لكم أن ياء المتكلم يجب أن يكون ما قبلها مكسورًا، ولذلك حتى يسلم الفعل من الكسر أتوا له بنون الوقاية حتى تقيه من الكسر، فالنون الموجودة هنا هي نون الوقاية، بقي أن نعرف أن جواب الشرط هو قوله "تأتيا"، وهو مجزوم وعلامة جزمه حذف النون. الأداة السابعة عشرة هي "حيثما"، وهي اسم شرطٍ قولا واحدًا لا خلاف في ذلك، وهي متضمنةٌ للظرفية المكانية، ومما وردت فيه في القرآن الكريم شرطية قول الله عزّ وجلّ ? وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ? [البقرة: 150] ، فـ "حيثما" هي الأداة، و"كان" هو فعل الشرط، وجملة ? فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ? هي جواب الشرط. أما الأداة الثامنة عشرة هي "كيفما"، وقد تبع المصنف رأي الكوفيين في عد كيفما من أدوات الشرط، وبعضهم لا يعدها أداة شرطٍ، ولم ترد شرطية في القرآن الكريم، وإنما وردت بدون ما ـ في القرآن الكريم ـ استفهامية، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ? قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ? [النمل: 69] ، أما ورودها شرطية فيمكن أن تمثل له بقولك "كيفما تكن أكن معك"، فـ "كيفما" هي الأداة، و"تكن" هو فعل الشرط، و"أكن" هو جواب الشرط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 بقيت الأداة الأخيرة التي ذكرها المصنف، وكثيرٌ من النحويين لا يذكرها، وهي "إذا"، لأن الأصل في "إذا" أنها ظرفٌ لما يُستقبل من الزمان، وأنها أداة شرطٍ غير جازمة، لكنه أوردها لأنه يرد الجزم بها لكن في الشعر خاصة، لا تأتي جازمة إلا في الشعر، بل هو نص في كتابه على أنها لا تجزم الأفعال إلا في الشعر خاصة، والنحويون حينما يعربونها يقولون "إذا" ظرفٌ لما يُستقبل من الزمان، خافضٌ لشرطه، منصوبٌ بجوابه، معنى هذا أنها تحتاج إلى جملة شرطية وتحتاج إلى جملة جوابية، فأما جملة الشرط فهي في محل جر مضاف إليه، لم؟ لأن إذا من الأدوات التي تحتاج دائمًا إلى أن تكون مضافةً إلى جملة، فتُضاف إلى جملة الشرط، وهي ظرف والظرف يحتاج إلى مُتعلق، فمتعلقه هو جواب الشرط. هذا في إعراب النحويين، أن "إذا" ظرف لما يُستقبل من الزمان، خافضٌ لشرطه، منصوبٌ لجوابه، وبعضهم يقول "إذا" شرطية غير جازمة، ولم يرد جزمها لفعل الشرط إلا في الشعر، وقد يكون هذا من باب الضرورة، ومنه ما ورد في قول الشاعر: استغني ما أغناك ربك بالغنى ...... وإذا تصبك خصاصةٌ فتجمل هنا "تُصب" أصله "تُصيب"، ولكن لمّا دخلت عليه "إذا" هنا واحتاج في الوزن حذف الياء هذه وسكّن الباء فصارت مجزومة، صار فعلا مضارعًا مجزومًا بـ "إذا" الشرطية، وهي لا تجزم ـ كما قلت أكثر من مرة ـ إلا في الشعر خاصة. وهذا هو الحديث عن آخر أداة ذكرها المصنف في الأدوات التي تجزم الأفعال المضارعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وبعد هذا ننتقل إلى باب جديد، وإلى منحًى آخر، وهو الحديث عن الجمل، وقد بدأ بالحديث عن الجمل الاسمية، ذلك أنه تحدث عن باب مرفوعات الأسماء ، فقال (باب مرفوعات الأسماء) ، ثم قال (المرفوعاتُ سبعة، وهي: الفاعل، والمفعول الذي لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، والمبتدأ وخبره، واسم كان وأخواتها، وخبر إنَّ وأخواتها، والتابع للمرفوع، وهو أربعة أشياء: النَّعتُ، والعطفُ، والتوكيد، والبَدَل) ، وهذا بابٌ طويلٌ جدًا، لأنه ليس بابًا واحدًا وإنما هو أبوابٌ متعددة. نبدأ في حديث المصنف عن الباب الأول من المرفوعات، وهو باب الفاعل، والفاعل يا أيها الأحباب عمدة، والعمدة لا يجوز حذفه ولا إسقاطه، والفاعل حكمه أنه يستحق الرفع، ولذلك ذكر المصنف باب الفاعل في أول أبواب المرفوعات، قال المصنف رحمنا الله وإياه: (باب الفاعل: الفاعل: هو الاسم المرفوعُ المذكورُ قبلَهُ فِعلُهُ) وهنا ذكر لنا بعض الأحكام المتعلقة بالفاعل، ذلك أن الفاعل حقه أن يكون مرفوعًا، وأيضًا حق الفاعل أن يتقدم عليه عامله، والعامل قد يكون فعلا وقد يكون غير فعل، قد يكون فعلا كقولك "قام عبد الله"، وقد يكون غير فعل نحو قوله عزّ وجلّ ? مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ? [النحل: 69] ، فـ ? مُخْتَلِفٌ ? اسم فاعل، و ? أَلْوَانُهُ ? فاعلٌ به، ومع ذلك فهو ليس فعلا وإنما هو اسم فاعل، طبعًا الفاعل قال المصنف في تعريفه (هو الاسم) ، ومعنى ذلك أنه يخرج من عندنا الفعل، فالفعل لا يكون فاعلا، ويخرج من عندنا الحرف، فالحرف لا يكون فاعلا، فلابد أن يكون الفاعل اسمًا، ثم قال (المرفوع) ، والمرفوع هذا حكم من أحكام الفاعل، وأحكامه سبعة كما يذكرها بعض النحويين، فالمرفوع هذا حكمٌ من أحكام الفاعل، وكان الأولى أن يؤجل الحديث عن حكمه حتى ننتهي من تعريفه، لكن المصنف هذا شأنه في كثيرٍ من الأبواب، وسيتبين ذلك إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 المهم أن الاسم المرفوع المذكور قبله فعله هو الفاعل، وطبعًا قد يكون اسمًا صريحًا مثل قولك "قام محمدٌ"، أو "حضر عبد الله"، وقد يكون اسمًا مؤولا، يعني أن يكون "أنْ" وما دخلت عليه، أو "أنّ" وما دخلت عليه، أو "لو" وما دخلت عليه، يعني قد يكون مصدرًا مؤولا، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ? أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ? [العنكبوت: 51] ، فـ"يكفي" هذا فعل، والهاء هنا مفعولٌ به، الميم للجمع، وأنّ وما دخلت عليها في تأويل المصدر فاعل، وتأويله والله أعلم "أولم يكفهم إنزالنا"، فالفاعل هنا ليس اسمًا صريحًا وإنما هو مصدرٌ مؤول. ثم قال المصنف رحمه الله (المذكور قبله فعله) ، قد يكون الرافع للفاعل فعلا، كقولك حضر زيدٌ، وقد يكون الرافع له اسم فاعل كما ذكرنا قبل قليل، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ? [النحل: 69] ، فـ ? مُخْتَلِفٌ ? هذا اسم فاعل، و ? أَلْوَانُهُ ? هذا فاعلٌ، والذي عمل فيه الرفع هو اسم الفاعل، وقول المصنف (المذكور قبله فعله) هذا يشترطه البصريون أنه لابد أن يكون الفعل متقدمًا على الفاعل وإلا فلا يُعتبر فاعلا، يعني إذا قلتَ مثلا "محمدٌ حضر"، من الذي فعل الحضور؟ طبعًا هو محمدٌ، لكنه لا يُعرب هنا فاعلا، لأنه تقدم على عامله، هذا هو القول المعتد به، وإن كان الكوفيون يرون جواز تقديم الفاعل على فعله، فيعربون "محمدٌ" هنا فاعلا، ولا يهمهم قوله متقدم، لكن الصواب والله أعلم أن "محمدٌ" هنا مبتدأ، و"قام" فعل ماضٍ، والفاعل ضميرٌ مستترٌ يعود على محمد، والجملة هذه واقعة في محل رفع خبر المبتدأ "محمدٌ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 قال المصنف (وهو) يعني الفاعل، (على قسمين: ظاهر ومضمر) ، المقصود بقوله (ظاهر) يعني أنه يكون اسمًا ظاهرًا، وأما المقصود بقوله إنه مضمر، فالمقصود به الضمائر، ثم قال المصنف رحمه الله (فالظاهر نحو قولِك: قام زيدٌ، ويقوم زيدٌ، وقام الزَّيدانِ، ويقومُ الزَّيدانِ، وقامَ الزَّيدونَ، ويقوم الزَّيدون، وقام الرجالُ، ويقومُ الرجالُ) ، أما قوله (قام زيدٌ) فالفاعل هنا اسمٌ ظاهرٌ مفرد، وأما قوله (ويقوم زيدٌ) فلا اختلاف بينهما في الفاعل، وإنما الاختلاف في العامل، لأن الأول عامله فعلٌ ماض، والثاني عامله فعلٌ مضارع، ولا إشكال. ثالث الأمثلة (وقام الزَّيدانِ) ، (الزَّيدانِ) هنا مثنى، والعامل الذي رفع قوله (الزَّيدانِ) هو قوله (قام) ، وهو هنا فعلٌ ماضٍ، مثله قوله (وقامَ الزَّيدونَ) ، فإن العامل هنا أيضًا فعلٌ ماضٍ، و (الزَّيدونَ) فاعلٌ ولكنه جمع مذكرٍ سالم، (الزَّيدانِ) مثنى ومرفوع بالألف، و (الزَّيدونَ) فاعلٌ، وهو مرفوعٌ أيضًا وعلامة رفعه الواو. أما قوله (ويقوم الزَّيدون) فهو من حيث الفاعل واحد، لأن الفاعل هنا جمع مذكر سالم مرفوعٌ وعلامة رفعه الواو، أما عامله الذي رفعه فهو قوله (يقوم) وهو هنا فعلٌ مضارع. أما المثال الخامس فهو قوله (وقام الرجالُ) ، (الرجالُ) هنا جمع تكسير، وهو مرفوعٌ وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والذي رفعه فعلٌ ماضٍ، ومثله من حيث الفاعل قوله (يقومُ الرجالُ) لأنه جمع تكسير أيضًا، لكن العامل هنا تغير وهو أنه فعلٌ مضارع، ولا إشكال فيه، والحمد لله رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وطبعًا لا يضير يا بني أن يكون الفاعل مذكرًا أو مؤنثًا، ولا يضير أن يكون معرفةً أو نكرة، كله واحد لا إشكال، فهذا حكمه أولا أنه عمدة، حكمه ثانيًا أنه مرفوع، حكمه ثالثًا أنه يأتي بعد العامل، والعامل قد يكون غير فعلٍ. أنبه هنا إلى شيءٍ آخر وهو أن الفاعل قد يجيء مجرورًا لفظًا ولكنه مرفوعٌ محلا، وهذا في حالتين: حالة يكون مجرورًا بحرف جرٍ زائد، نحو قول الله عزّ وجلّ ? أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ ? [المائدة: 19] ، فـ ? بَشِيرٍ ? هنا فاعل، وهو مجرورٌ بـ ? مِنْ ?، مجرورٌ لفظًا مرفوعٌ محلا، لأن حقه أن يكون مرفوعًا، ومثله قول الله عزّ وجلّ ? وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ? [النساء: 79] ، فلفظ الجلالة هنا مرفوعٌ، لأنه فاعل لـ ? كَفَى ?، ولكنه مجرورٌ في اللفظ بالباء الموجودة هذه. ومنه أيضًا نوعٌ آخر يكون الفاعل مجرورًا بإضافة المصدر إليه، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ? [البقرة: 251] ، ? وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ ? الذي يدفع هو الله سبحانه وتعالى، وهو هنا فاعل، لكن مجرورٌ لفظًا، ولك في إعرابه وجهان، أن تقول لفظ الجلالة هنا مضاف إليه مجرور وتسكت، ويمكن أن تقول لفظ الجلالة هنا فاعل مجرورٌ لفظًا مرفوعٌ محلا من إضافة المصدر إلى عامله. هذا، وقد قال المصنف بعد هذا من ضمن الأمثلة التي ذكرها للفاعل، قال (وقامَ أخوكَ، ويقوم أخوك) ، وهذان المثالان متشابهان من حيث الفاعل، لأن الفاعل اسم من الأسماء الخمسة مرفوع وعلامة رفعه الواو، لكن الاختلاف بينهما في العامل، فالعامل في الأول فعلٌ ماضٍ، والعامل في الثاني فعلٌ مضارع، وهذه سهلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 أما قوله بعده (وقامَ غُلامي، ويقومُ غُلامي) ، فهذا فيه إشكالٌ يسير، وهو أن الفاعل هنا مضاف إلى ياء المتكلم، وقد ذكرنا أكثر من مرة أن المضاف إلى ياء المتكلم لابد أن يكون ما قبل الياء فيه مكسورًا، لذلك نقول عند إعرابه إن كلمة غلام هنا فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، و"قام" و"يقوم"، "قام" هنا فعل ماضٍ، و"يقوم" هذا فعلٌ مضارعٌ ولا إشكال فيه والحمد لله رب العالمين. وقد ذكر المصنف في البداية أن الفاعل نوعان، ظاهرٌ ومضمر، وسترون هنا أن الضمائر التي ذكرها في أمثلته كلها ضمائر متصلة، هل يأتي الفاعل ضميرًا منفصلا؟ نعم، ولكنه لابد أن يوجد فاصل نحو قولك مثلا "ما قام إلا هو"، و "ما قام إلا أنت"، و"ما حضر إلا أنا"، هذا هو الفاعل إذا كان ضميرًا متصلا لابد أن يوجد فيه فاصلٌ حتى يكون هو الفاعل، أما المذكور هنا فهو كله ضمائر متصلة. قال المصنف (والمُضمَر اثنا عشر، نحو قولك: ضَربْتُ، وضربْنَا، وضَرَبْتَ، وضَرَبْتِ، وضربْتُمَا، وضربْتُم، وضرَبْتُنَّ، وضَرَبَ، وضَرَبَتْ، وضَرَبَا، وضَرَبُوا، وضَرَبْنَ) ، كل هذه الضمائر ظاهرة إلا في موضعٍ واحد، وهو قوله (ضَرَبَ) ، فإن فاعله ضميرٌ مستتر، لكن البقية ظهر فيها الفاعل، فنبدأ بقوله (ضربتُ) ، فالتاء هنا ضمير المتكلم الواحد، وهو فاعلٌ مبنيٌّ على الضم في محل رفع، والبقية كلها يا أيها الأحباب مبينة في محل رفع، لذلك لا نحتاج إلى تكرار هذا، لأننا كما قلنا قبل إن الضمائر كلها مبنية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 و (وضربْنَا) ، "نا" هنا هي "نا" الفاعلين، وتصلح للواحد المعظم نفسه، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ? [الحجر: 9] ، وهي في الأصل ليست للواحد، لكنها لأكثر من واحد، سواء كان المتكلم اثنين أو أكثر، وسواء أكانا مذكرين أم مؤنثين أم ذكورا أم إناثا، فإن "نا" تصلح للجميع، تصلح لما عدا الواحد، إلا أن الواحد أيضًا المعظم لنفسه تصلح له أيضًا، هذه "نا". أما قوله (ضَرَبْتَ، وضَرَبْتِ، وضربْتُمَا، وضربْتُم، وضرَبْتُنَّ) فهذه كلها ضمائر المخاطب، أما الأول فهو المفرد، وأما الثاني وهو (ضَرَبْتِ) فالمفردة، وأما (ضربْتُمَا) فهو للاثنين، سواءٌ أكانا مذكرين أم مؤنثين، وأما (ضربْتُم) فهو لجماعة الذكور، وأما (ضرَبْتُنَّ) فهو لجماعة الإناث. ننتقل إلى ضمير الغيبة، أما ضمير الغيبة فقد ذكر المصنف فيه (ضَرَبَ) في اللفظ الأول، والفاعل هنا ليس ظاهرًا، وإنما هو مستتر، وهو ضمير تقديره "هو"، ولابد أن يكون هناك شيءٌ يعود إليه هذا الضمير، مثل "محمدٌ ضرب"، أما قوله (ضَرَبَا) فالألف هنا للاثنين، لو كان مؤنثًا لقال ضربتا، أما (ضربوا) فهي لجماعة الذكور، وأما (ضربنّ) فهي لجماعة الإناث. وكما ترون يا أيها الأحباب أنبه إلى شيءٍ آخر، وهو أن الفعل الماضي في هذه الأوجه مبنيٌّ، والذي هو مبنيٌّ عليه إما أن تكون مبنيٌ على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك، وإما أن تكون هو مبنيٌّ على الفتح وإنما سُكّن آخره لاتصاله بضمير الرفع المتحرك، وهذا أولى، لكن الثاني جائز، ولا إشكال فيه، والثاني أسهل وأيسر، طبعًا إلا في قوله (ضَرَبَ) فهذا مبنيٌّ على الفتح ظاهر، وفي قوله (ضربا) هذا مبنيٌّ على الفتح لأنه لم يتصل بمتحرك، لأن الألف هنا ساكنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 هذا آخر ما يُقال في باب الفاعل، وإن كان فيه بعض الأحكام، وهي من حيث الأصل في ترتيب الجملة الفعلية التي فيها فاعل، الأصل أن يُبدأ بالفعل ثم يُذكر الفاعل بعده ثم يُذكر المفعول به، وقد يُخالف هذا الأصل، وأحيانًا تكون المخالفة واجبة، وأحيانًا تكون المخالفة جائزة، وقد يُلتزم هذا الأصل وجوبًا. أذكر لكم بعض هذه المواضع فقط ولن أطيل فيها، نبدأ بالتزام الأصل، التزام الأصل إما جائز وإماواجب، فالجائز نحو قولك "أكرم محمدٌ عليًّا"، يمكن أن تقول "أكرم عليًّا محمدٌ"، ويمكن أن تقول "عليًّا أكرم محمدٌ"، ما فيه إشكال، هذه صورة، وهذه صورة جائزة. فيه صورة أخرى واجب التزام الأصل، كقولك "أكرم موسى عيسى"، لأن الفاعل هنا لا تظهر عليه علامة أنه مرفوع، ولا تظهر علامة النصب على المفعول به، فإذا لم توجد في الكلام قرينة لفظية ولا معنوية فإنه يجب التزام الأصل، يعني يجب أن يكون المتقدم في هذين اللفظين ـ أعني موسى وعيسى ـ هو الفاعل، فإذا ظهر في الكلام ما ينبئ بأن المتقدم هو المفعول به والفاعل هو المتأخر فلا إشكال، مثلا قولك "أرضعت الصغرى الكبرى"، طبعًا المرضع هو "الكبرى"، هذه قرينة معنوية، لا مانع، و"أكل الكمثرى موسى"، الآكل هو موسى، لا مانع أن يتأخر لأنه معروف، "أكرم موسى العاقلَ عيسى"، عيسى أخرناه، لماذا مع أنه فاعل، ويوجد تشابه والحركة غير ظاهرة؟ لا، فيه ظهور وهو أن موسى هذا موصوفٌ بقوله العاقل، معنى هذا أن المتقدم مفعول به وأن الفاعل متأخر، هذا من ناحية التزام الأصل وعدم التزامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 أحيانًا يجب توسط المفعول به بين الفعل والفاعل، يذكرون من شواهده قول الله عزّ وجلّ ? وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ? [البقرة: 126] ، توسط المفعول به بين الفعل والفاعل وجوبًا، لم؟ لأنك لو أخرت المفعول به وأتيت بالترتيب فقلت في الكلام العادي "وإذ ابتلى ربُه إبراهيم" لعاد الضمير في "ربه" على كلمة إبراهيم وهي متأخرة لفظًا ورتبة، وهذا لا يجيزه معظم النحويين. ومن مخالفة الأصل وجوبًا، وذلك بتقديم المفعول به على الفعل والفاعل أن يكون المفعول به من الألفاظ التي لها الصدارة، كأن يكون اسم استفهام مثلا، أو أن يكون اسم شرط، كقول الله عزّ وجلّ ? أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? [الإسراء: 110] ، ? أَيًّا ? هنا مفعول به مقدم وجوبًا، لم؟ لأن أسماء الشرط لها الصدارة، "أيّ رجلٍ قابلت؟ "، هذه أيضًا من الألفاظ التي لها الصدارة فيجب تقديمها. فإذًا في بعض الأحيان يجب التزام الأصل، في بعض الأحيان يجب مخالفة الأصل، وفي بعض الأحيان تكون المسألة جائزة، والحمد لله رب العالمين. بقي نقطة أخرى، لكن ربما يذكر المصنف هذا الكلام فيما بعد، لكن إن ذكرها ما أعدنا شرحها، وإن لم يذكرها فنكون قد شرحناها، وهي أن الفاعل قد يكون مؤنثًا، وقد يكون مؤنثًا تأنيثًا حقيقيًّا، فيجب أن تُلحق علامة بالفعل تدل على أن الفاعل مؤنث، كقولك "أكرمت هندٌ جارتها"، فالتاء في "أكرمت" واجبة الذكر، لأن "هند" مؤنث حقيقي التأنيث غير مفصولٍ عن عامله. هل يجوز لنا مع كون الفاعل مؤنثًاحقيقي التأنيث ألا نؤنث الفعل أو ألا نلحق به علامة دالة على التأنيث؟ نعم، لكن بشرط أن يُفصل بين الفعل والفاعل، يعني يمكن أن تقول "أكرمت اليوم هندٌ جارتها"، ويمكن أن تقول "أكرم اليوم هندٌ جارتها"، لأن هند فُصلت عن العامل مع أنها مؤنث حقيقي التأنيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وجه ثاني، وهو أنه إذا كان الفاعل مؤنثًا مجازي التأنيث فإن لك أن تؤنث الفعل ولك أن تذكره، فتقول مثلا "نمتْ الشجرة"، و"طلعت الشمس"، ويمكن أن تقول "نمى الشجرة" و"طلع الشمس"، ولا إشكال فيه، إذًا إذا كان الفاعل مجازيًّ التأنيث أو كان الفاعل مؤنثًا مفصولا عن عامله جاز لك أن تؤنث الفعل وأن تذكره. بقيت نقطة من أحكام الفاعل ضرورية جدًا، وهي أن الفاعل قد يكون مثنًّى، وقد يكون مجموعًا، فهل نلحق بالعامل علامة تدل على أن الفاعل مثنًّى أو مجموع كما فعلنا مع المؤنث؟ الجواب أن الكثير في كلام العرب ألا يُلحق، وهذا هو الوارد في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كثيرٍ مما ثبت عمن يُحتج بكلامهم، قال الله عزّ وجلّ ? وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ? [الفرقان: 8] ، وقال سبحانه ? وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ ? [يوسف: 30] ، فلم يرد هنا دلالة على أن الفاعل جماعة، وقال الله سبحانه وتعالى ? قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ ? [المائدة: 23] ، فـ ? قَالَ ? مسند إلى مثنّى وهو ? رَجُلَانِ ?، ومع ذلك لم يلحق بالفعل علامة تدل على أنه فاعل مثنى، وهذا هو الغالب الكثير من كلام العرب. ولكن قد ورد في القرآن الكريم وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وفي بعض كلام العرب ـ وهو كثير ـ، لكنه ليس مقاربًا أبدًا لعدم ذكر هذا، ورد إلحاق علامة تدل على أن الفاعل مثنى أو مجموع، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ? [الأنبياء: 3] ، وقوله سبحانه ? ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ? [المائدة: 71] ، وقوله صلى الله عليه وسلم (يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكة بالنهار) . وقول الشاعر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 يلومونني في اشتراء النخيل أهلي وقول الآخر: أُلفيتا عيناك عند القفا … … … أولى فأولى لك ذا وقيه وقول الشاعر أيضًا: نتج الربيعُ محاسناً ....... ألقحنها غرُّ السحائب هذا كما ترون اتصل بالعامل هنا علامات تدل على أن الفاعل مثنى أو مجموع، وهذا جائز، ولكنه قليلٌ، مادام ورد في كتاب الله سبحانه وتعالى، وورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي المعتد به من كلام العرب فنحن نستجيزه، ولكنه ليس كثيرًا، بل الغالب خلافه. فنقف الآن عند هذا الحد، ونستمع منكم الأسئلة إذا كان لديكم أسئلة، أو أنا أسأل. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، قال المصنف رحمه الله (الفاعل هو الاسم المرفوع المذكور قبله فعله) ، وقلنا أن المذكور قبله فعله هذا شرط البصريين، وعلمنا أن المصنف رحمه الله من الكوفيين، فلم اختار هذا الشرط؟ وسؤالٌ آخر، في "أكرمت هندٌ"، كيف يكون إعراب التاء هاهنا؟ أجاب الشيخ: أما سؤالك الأول، وهو لماذا اتبع رأيَ البصريين في هذا الشأن، في الحقيقة أن على الأقل حتى الكوفيون ليس الغالب عندهم أن يتقدم، لكنهم يجيزونه جوازًا، يجيزون أن يتقدم الفاعل على عامله، ولكنه جواز وليس هذا هو الغالب، فلعل هذا اتبع الغالب في كلام العرب وهو أن يتقدم العامل ويتأخر عنه فاعله. أما سؤالك الثاني وهو كيف نعرب نحو قولنا "أكرمت هندٌ جارتها"، فالتاء هنا بارك الله فيكم جميعًا هي حرف لا محل له من الإعراب، التاء تاء التأنيث لا محل له من الإعراب، وما بعده هو الفاعل، "أكرمت هندٌ"، "هندٌ" هي الفاعل، وأما هذه فأتي بها للدلالة على أن الفاعل مؤنث. سأل أحد الطلبة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، سؤالٌ متعلقٌ بنصب الجوازم، ذكرتم في "إذما" أنها اسمٌ على الأصح وهذا الذي رجحتم، لكن وجدنا بعد الشراح قال هي حرفٌ على الأصح، فهل لهذا الخلاف سبب؟ أجاب الشيخ: أولا هذه مسألة خلافية فلكلٍ رأيه في الترجيح، ولكن الذي دفعني إلى ترجيح كون كلمة "إذما" اسم هو أن "إذ" وحدها إذا لم تلحقها "ما" باتفاق اسم، فإذا لحقتها "ما" فلا يضيرها ذلك، فتبقى على اسميتها، هذا هو الذي دفعنى إلى ترجيح ذلك، وهي اسمٌ ظرفٌ يدل على الزمن الماضي، هذا هو السبب الذيدفعني إلى ترجيح هذا الجانب. سأل أحد الطلبة: فضيلة الشيخ جزاكم الله خيرًا، ذكر في الفاعل أنه مرفوع، فهل يمكن القياس على بعض كلام العرب بأن جعلوا الفاعل منصوبًا كقولهم "كسر الزجاجُ الحجرَ"، فهل يمكن القياس عليها؟ أجاب الشيخ: طبعًا لا يُقاس عليها، لأن هذا أولا لغة لبعض العرب، وهي لغة إذا سمحنا بها فستضيع المسألة، فنحن لا نقيس عليها لأن الأصل في الفاعل أنه مرفوع، لكن يقولون "خرق الثوبُ المسمارَ"، و"كسر الزجاجُ الحجرَ"، يقولون إذا كانت المسألة واضحة جدًا أين الفاعل وأين المفعول فلا مانع من ذلك، لكن المسألة هي من ناحية الجواز فقط، ولكنها ليست قياسية، فنكتفي بما سُمع فيها، وإلا لو فتحنا الباب فهانت الأمور جدًا. سأل أحد الطلبة: فضيلة الشيخ، ما تعريف المضمر؟ أجاب الشيخ: المضمر المقصود به الضمائر عمومًا، والضمائر ثلاثة أنواع، إما ما يدل على متكلم نحو "أنا"، وإما ما يدل على "مُخاطب" نحو "أنت"، وإما ما يدل على غائب نحو "هو"، فهذا هو الذي يُقال في تعريف الضمائر. نكتفي بهذا القدر اليوم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 الدرس العاشر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أريد أن أنبه إلى نقطة في الدرس الماضي وهي إذا ورد عندنا نحو قول الله عزّ وجلّ ? وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ? [الأنبياء: 3] ، فكيف نعربه؟ طبعًا هو الغالب ألا يلحق بالفعل ما يدل على أن الفاعل مثنى ولا مجموع، هذا هو الغالب في كلام الله عزّ وجلّ وفي كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وفي كل ما ورد عن العرب، لكن إذا ورد فكيف نعربه؟ المسألة في هذا سهلة والحمد لله، لك ثلاثة أوجه في الإعراب، ونطبق على قول الله عزّ وجلّ ? ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ? [المائدة: 71] : الوجه الأول: أن تقول الواو هذه حرف يدل على أن الفاعل جماعة لا محل له من الإعراب، والفاعل هو قول الله سبحانه ? كَثِيرٌ ?، هذا الوجه الأول. الوجه الثاني: أن تقول لا، بل الواو هذه هي الفاعل، و ? كَثِيرٌ ? بدلٌ منها. الوجه الثالث: أن تقول لا، بل الواو هذه فاعل، والجملة وهي قوله ? عَمُوا ? خبر مقدم، و? كَثِيرٌ ? مبتدأ مؤخر. هذا توجيه ما ورد من مثل هذا، وهو كما قلت أكثر من مرة قليلٌ وليس كثيرًا، ولكنه صحيحٌ جائز، وهو في لغة طيِّء وبعض أزد شنوءة، هو في لغتهم مشهورٌ هذا، إلحاق علامة تدل على أن الفاعل مثنى أو مجموع، هذه لغةٌ لبعض العرب، وهي جائزة صحيحة فصيحة، ولكنها ليست الغالبة، وليست الكثيرة بحسب ما ورد في الكلام المعتد به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 ننتقل الآن إلى باب النائب عن الفاعل، قال المصنف (وهو الاسم المرفوعُ الذي لم يُذكَر معه فاعلُهُ) ، وفي رأيي أن هذا التعريف ليس جامعًا ولا مانعًا، أما كونه غير جامع، فإنه لمّا عرفه قال هو الاسم المرفوع، وليس كل أنواع النائب عن الفاعل تكون مرفوعة، بل ينوب عن الفاعل أحيانًا الجار والمجرور، وأحيانًا الظرف، وأحيانًا المصدر، ومع ذلك لا تكون مرفوعة، فليس كل ما ينوب عن الفاعل مرفوعًا. هذه واحدة، أما كونه غير مانع فإنهم يدخلوا في هذا التعريف نحو قولك مثلا "محمدٌ حاضرٌ"، "محمد"ٌ مبتدأ وهو مرفوع، و"حاضرٌ" خبر وهو مرفوع، ولم يذكر مع كلمة "محمدٌ" فاعلها، ولذلك قد يدخل على هذا التعريف أن تعرب كلمة "محمدٌ" هنا على أنها نائب فاعل لأنه لم يُذكر معها فاعل، إذًا نقول هذا التعريف ليس جامعًا وليس مانعًا، لكن لو ذُكر مثلا الذي إذا حُذف الفاعل ينوب غيره منابه مع تغييرٍ في الصيغة يمكن أن يكون هذا الكلام مقبولا. وقد تتساءل، ألم تقل لنا يا أستاذ إن الفاعل عمدة، فلماذا نحذفه وننيب غيره منابه؟ نقول لا يخلو أن يُحذف الفاعل وينوب غيره مقامه لإغراض، أحيانًا تكون الأغراض لفظية، وأحيانًا تكون الأغراض معنوية، أما كون الأغراض لفظية فكاستقامة الوزن في الشعر، ويُمثلون له بقول الأعشى: علقتها عرضا وعلقت رجلا غيري وعُلق أخرى غيرها الرجل فـ "عُلق" هنا في مواضعها الثلاثة قد بُنيت للمفعول لأنه لو ذكر فقال "علقني الله بها" مثلا، لانكسر الوزن عليه، فهذا غرضٌ لفظي، هناك غرضٌ لفظيٌّ آخر، وذلك في السجع، إذا أرادوا استقامة السجعة فقد يحذفون الفاعل ويقيمون غيره مقامه، فمثلا يقولون "من طابت سريرته حُمدت سيرته"، قالوا لو قالوا "حمد الناس سيرته" لكان هذا انتقضت عليه السجعة لأن الأول هنا كما ترون "من طابت سريرته"، فستصير سيرته هذه منصوبة، فسيقولون "حمد الناس سيرته" فتختل السجعة، هذان الغرضان لفظيان، ويوجد هناك أغراض معنوية، وهي كثيرةُ، أذكر لكم بعضها. أما من الأغراض المعنوية فقد يكون ـ وهذا أغلب ما يكون ـ: للجهل بالفاعل، الفاعل غير معروف، فتقول مثلا "سُرق المتاع"، لأنك ما تعرف من السارق، فتحذف الفاعل وتقيم غيره مقامه، هذا الأول. الثاني: الخوف من الفاعل، أنك لو ذكرت مثلا "سرق زيدٌ المتاع" لأتى الفاعل هذا وسرق متاعك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 أيضًا الخوف على الفاعل، وذلك في قولك مثلا "سُرق المتاع"، لأنك لو ذكرت اسمه لتسلطت عليه الشرطة وأمسكته وقطعت يده على سبيل المثال. من ذلك مثلا يقولون العلم بالفاعل، الفاعل معلوم ما يحتاج أنك تذكره، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ? [الأنبياء: 37] ، الخالق معروفٌ فلا تحتاج إلى ذكره. قالوا ومنهم، من الأغراض المعنوية، تنزيه ذكر الفاعل مع المفعول به، وذلك كقولك مثلا "خُلق الخنزير"، فتنزه أن تذكر اسم الله عزّ وجلّ مع لفظ الخنزير، وهناك أغراض معنوية كثيرة يُحذف الفاعل من أجلها ويقوم غيره مقامه. اتفقنا على أنه يُحذف الفاعل غيره مقامه، فما الأشياء التي تقوم مقامه، أربعة أشياء: الأول: المفعول به، وهو أكثر ما ينوب عن الفاعل، حتى يرى بعض النحويين أنه إذا وُجد المفعول به في الكلام لا يجوز أن تنيب غيره مع وجوده، سواءٌ تقدم المفعول به أم تأخر، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? وَقُضِيَ الْأَمْرُ ? [البقرة: 210] ، أصل الكلام والله أعلم "وقضى الله الأمر"، فحُذف لفظ الجلالة وهو الفاعل وأقيم المفعول به مقامه، ومنه قول الله سبحانه ? وَغِيضَ الْمَاءُ ? [هود: 44] ، لو ذُكر الفاعل لقال ـ والله أعلم قد يكون هذا هو التقدير ـ "وغاض الله الماء"، لكن حُذف الفاعل وأُقيم غيره مقامه وهو المفعول به هنا، فإذا وُجد المفعول به فهو ينوب عن الفاعل مقدمًا، وهذا هو الغالب الكثير أنه هو الذي ينوب عن الفاعل، المفعول به. وينوب عنه أيضًا على خلافٍ في بعضها ثلاثة أمور، هي: 1 - المجرور، وبعضهم يرى أنه الجار والمجرور. 2 - الظرف المتصرف المختص. 3 - المصدر المتصرف المختص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 نبدأ بالمجرور، المجرور فيه خلاف في إنابته عن الفاعل، بعضهم لا يرى أنه نيابته عنه، ولكنه قد ورد في القرآن الكريم قول الله عزّ وجلّ ? وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ? [الأعراف: 149] ، فبعض المعربين يرون أن الجار والمجرور نائبان عن الفاعل، لكن المانعون يقولون لا، النائب عن الفاعل مقدر، وهو ضمير يعود على المصدر المفهوم من سُقط، فيقدرون "فلمّا سُقط هو" أي السقوط، من أين أخذتم السقوط؟ قالوا مفهومًا من قوله ? سُقِطَ ?، و ? فِي أَيْدِيهِمْ ? جار ومجرور متعلق بـ ? سُقِطَ ?، هؤلاء المانعون، لكن الصواب والله أعلم أنه يجوز نيابة الجار والمجرور عن الفاعل، هذا هو النوع الثاني. أما النوع الثالث: الذي ينوب عن الفاعل فهو الظرف، لكن اشترطوا فيه أن يكون متصرفًا وأن يكون مختصًّا، أن يكون متصرفًا يعني ألا يلزم النصب على الظرفية، فإن كان دائمًا منصوبًا على الظرفية من "حيث" و"إذ" و"إذا" فإنه لا يجوز أن ينوب عن الفاعل، هذا هو المقصود بالتصرف، إذًا، فهل هناك ظرفٌ متصرف؟ نعم، مثل كلمة "يوم"، "يوم" هذه تقع مبتدءًا، وتقع خبرًا، وتقع فاعلا، وتقع غير ذلك من أنواع الإعرابات، قال الله عزّ وجلّ ? وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ? [الإنسان: 7] ، ? يَوْمًا ? هنا صارت مفعولا به وليست ظرفًا، وتقول "يوم الجمعة يومٌ مباركٌ"، تصير مبتدأ وخبر، وتقول "أعجبني يوم الجمعة" فتكون فاعلا، إذًا هي متصرفة، فيجوز أن تنوب عن الفاعل، هذا هو المقصود بالتصرف، التصرف هو أن يخرج عن النصب على الظرفية إعراباتٍ أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 أما الاختصاص، هم اشترطوا أن يكون متصرفًا مختصًا، فالاختصاص يكون بواحدٍ من أربعة أمور، إما بأن يكون موصوفًا كقولك مثلا "صيم يومٌ حارٌّ"، هذا موصوف، وإما أن يكون مضافًا كقولك "صيم يومُ الخميس"، وإما أن يكون علمًا كقولك "صيم رمضانُ"، وإما أن يكون ـ بارك الله فيك ـ مقترنًا بـ "أل" العهدية، كأن يكون بينك وبين بعض إخوانك أو المخاطب حديث عن يوم الاثنين مثلا فتقول "صيم اليوم"، المقصود باليوم هذا هو المعهود بينك وبين المُخاطب، حينئذٍ يجوز، فلابد لنيابة الظرف عن الفاعل أن يكون متصرفًا وأن يكون مختصًا، والتصرف قد وضحناه، والاختصاص قد وضحناه. وكذلك يُشترط في المصدر أن يكون متصرفًا وأن يكون مختصًا، نمثل له أولا، قال الله عزّ وجلّ ? فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ? [الحاقة: 13] ، ? نَفْخَةٌ ? هنا نائب عن الفاعل، وهي مصدر، والمصدر هنا متصرف، لأنه يمكن أن يكون غير منصوبٍ على الظرف، يمكن أن يكون مبتدءًا، يمكن أن يكون خبرًا، مثل ما قلنا في الظرف، كلمة ? نَفْخَةٌ ? يمكن أن تكون كذلك، هذا من ناحية التصرف، ونذكر بعض المصادر غير متصرفة، كلمة "سبحان"، هذه علمٌ على التسبيح، هذه ليست متصرفة لأنها لا تجئ إلا منصوبة على الظرفية، كلمة "معاذ الله"،"معاذ الله" هذه ملازمة للنصب على المصدرية، فلا يمكن أن تنيبها عن الفاعل، هاتان الكلمتان لا تنوبان عن الفاعل لأنهما ملتزمتان النصب على المصدرية، أما إذا كانت الكلمة صالحة لأن تكون مبتدءًا وخبرًا وفاعلا ومفعولا به وفي مواضع الإعراب المختلفة فلا مانع أن تنيبها عن الفاعل، ككلمة ? نَفْخَةٌ ? في هذه الآية الكريمة، هذا بالنسبة للتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 أما الاختصاص يا أيها الأحباب فكما قلنا قبل قليل في الأشياء التي تكون فيها مختصة، وذلك بأن يكون إما موصوفًا وإما مضافًا وإما مقترنًا بـ "أل" العهدية، ولا يوجد عندنا مصدر علم إلا كلمة سبحان كما قلنا قبل قليل فهي علمٌ على التسبيح وما شاكلها، يعني توجد مصادر قليلة أعلام، لكنها ما تصلح نيابة عن الفاعل لأنها ملازمة للنصب على الظرفية، يعني تنتقل من ناحية أخرى. فإذًا لابد أن تقول "ضُرب ضربٌ شديدٌ"، وإما مضاف كقولك "ضُرب ضرب الأمير" أو "ضرب السلطان" أو "ضرب القوي"، وإما مقترنًا بـ "أل" العهدية بأن يكون بينك وبين المخاطب مثلا عهد عن ضرب المعروف، أو تتحدثون عن ضربٍ ما، فتقول له "ضُرب الضرب"، يعني الذي بيني وبينك العهد فيه. هذه الأشياء هي التي تنوب عن الفاعل، أعيدها إجمالا مرةً ثانية، المفعول به، وهذا إذا وجد لا ينوب غيره منابه في بعض أقوال النحويين، لا ينوب غيره إلا هو الذي ينوب فقط، والثاني الجار والمجرور على خلافٍ في ذلك، والثالث هو الظرف المتصرف المختص، والربع هو المصدر المتصرف المختص، ونكون بهذا أنهينا الحديث في باب النائب عن الفاعل. بل في هذه الجزئية الأولى في باب النائب عن الفاعل لأن المصنف سيتحدث بعد قليل في موضوع آخر وهو أنه إذا حذفت الفاعل وأقمت غيره مقامه فلابد أن تغير صيغة الفعل، وإلا فكل شيء يبقى على حاله، وذلك في قول المصنف (فَإِنْ كَانَ اَلْفِعْلُ مَاضِيًا ضُمَّ أَوَّلُهُ وَكُسِرَ مَا قَبْلَ آخِرِهِ, وَإِنْ كَانَ مُضَارِعًا ضُمَّ أَوَّلُهُ وَفُتِحَ مَا قَبْلَ آخِرِهِ) ، هذه التغييرات لازمة في الفعل إذا بنيته للمفعول، أو بعبارة أخرى إذا جعلت الكلام على حذف الفاعل وإنابة غيره منابه، فلابد أن تفعل الأشياء الآتية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 أولا: لابد أن ننظر إلى الفعل الماضي، أما الفعل الماضي بارك الله فيكم فإنك تضم أوله وتكسر ما قبل آخره، فتقول "أَكْرَمَ" تقول فيه "أُكْرمْ"، وفي "استخرج" تقول "استُخرِج"، وفي "نَظَرَ" تقول "نُظِرَ"، وتقول في "ضَرَبَ" "ضُرِبَ"، وفي "جاهد" "جوهد"، وفي "بايَع" "بويِع"، وهكذا، وفي "باع" ماذا تقول؟ تضم أوله أم تكسر أوله؟ وفي قال تقول "قول" أم تقول "قيل"، بارك الله فيك، الكثير من لغات العرب أن يكسروا الأول بدل ضمه في "باع" و"قال"، فيقولون "قيل" و"بيع"، هذا الكثير في كلامهم، ولكن بعض العرب يُبقي أوله مضمومًا ويقلب الياء واوًا، والواو تبقى على حالها، فيقول في "باع" "بوع"، ويقول في "حاك" "حوك"، ويقول في "صام" "صوم"، وفيه لغة ثالثة ولكنها قليلة وهي ما يسمونه بالإشمام، أن تُشم الكسر شيئًا يسيرًا من الضم. نعود إلى شواهد هذه اللغة القليلة، لأننا نستشهد للقليل، أما الكثير فهو موجود ولا إشكال فيه، يقولون مما ورد في ذلك قولهم: ليتَ وهل ينفع شيئًا ليتُ ...... ليتَ شبابًا بوع فاشتريت الكثير فيه طبعًا "بيع"، ولكنه ورد في هذا الشاهد "بوع"، يعني بإبقاء الأول مضمومًا وبقلب الياء واوًا، هل هذا صحيحٌ؟ نعم، لا إشكال فيه لكنه ليس هو الغالب، وقالوا أيضًا من شواهده قول الشاعر: حوكت على نيرين إذ تُحاكُ ......... تختبط الشوك ولا تُشاكُ "حوكت"، والكثير فيها أن يُقال "حيكت"، هذا هو النظر للفعل الماضي، النظر للفعل الماضي أنه يُضم أوله ويُكسر ما قبل آخره، إلا إن كان أجوف، نحو "قال" و"باع"، فإن حقه أن يُكسر أوله في أكثر كلام العرب، فيُقال في "باع" "بيع"، وأن يُقال في "صام" "صيم"، وأن يُقال في "قال" "قيل"، وهكذا، هذا الفعل الماضي، وقد يُضاف إلى هذا بعض الأشياء، لكن طالما أن المصنف ما تحدث عنها نحن نتركها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 إذا كان الفعل مضارعًا فإنه أيضًا يُضم أوله، لكن يُفتح ما قبل آخره، فنقول مثلا في "يَستخرِج" "يُستخرجُ"، ونقول في "يَنطلِق" "يُنطلقُ"، ونقول في "يَضربُ" نقول فيه "يُضرب"، ونقول في "يَكْرِمُ" نقول فيه "يُكرمُ"، وهكذا، الفعل المضارع يُضم أوله ويُفتح ما قبل آخره، و"يبيع" كيف نقول فيها؟ و"يقوم" كيف نقول فيها؟ و"يصوم" كيف نقول فيها؟ نقول في "يبيع" "يُباع"، ونقول في "يصوم" "يُصام"، ونقول في "يقول" "يُقال"، وهذه علل صرفية تحدث لبعض حروف العلة، فتنقلب إلى حرف آخر، وهذا الذي يُقال فيما يحصل من تغييرات إذا بنينا الفعل للمفعول. وأنبه قبل الخروج من هذه القضية إلى أن بعضهم يقول إذا طلبت منه إعراب نحو "أُكرم عبد الله"، يقول "أُكرم" فعل ماضي مبني للمجهول، والحقيقة أن هذا تعبير جائز لكنه ليس أقوى من الذي أذكره لكم بعد قليل، يعني الأقوى أن تقول فعل ماضي مبني للمفعول، لأنه ليس دائمًا يكون الفاعل مجهولا، ففي نحو قول الله عزّ وجلّ ? خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ? [الأنبياء: 37] ، هل تستطيع أن تقول الفاعل مجهول هنا، طبعًا ليس مجهولا، فتقول هذا الفعل مبني للمفعول. تقول مبني للمفعول، لكن أحيانًا ينوب غير المفعول به، كأن ينوب الظرف أو ينوب المصدر، أو ينوب الجار والمجرور، فما مخرجك؟ مخرجي سهل والحمد لله، كل هذه مفعولات، المفعول به خلاص قولا واحدًا، المصدر مفعول مطلق، الظرف مفعول فيه، بقي المجرور فقط، المجرور أصله مفعول به، لكن الفعل لم يتعد إليه، فعدي بحرف الجر، بواسطة حرف الجر، فكلها مفعول، معنى هذا أنه سلم لنا قولنا مبني للمفعول، وهو أولى من إعراب بعضهم أن الفعل مبنيٌّ للمجهول، وأظن هذا واضح، والحمد لله رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 ننتقل إلى قول المصنف (وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ ظَاهِرٍ, وَمُضْمَرٍ) ، يعني أن نائب الفاعل قد يكون اسمًا ظاهرًا وقد يكون ضميرًا، ننظر إلى أمثلته، أما أمثلته فنحو قولك "ضُرب زيدٌ"، و"يُضرب زيدٌ"، و"أكرم عمرٌو"، و"يُكرم عمرٌو"، هذه بعض الأمثلة النائب عن الفاعل فيها اسم مفرد ظاهر، أما العامل فأحيانًا يكون ماضيًا وأحيانًا يكون مضارعًا، هل يكون أمرًا؟ الجواب لا، لا يُبنى الفعل للمفعول إلا في هذين الاثنين في الماضي والمضارع، ولا يوجد في فعل الأمر، ولذلك لمّا تحدثنا عن التغييرات التي تحصل لم نذكر فعل الأمر، وإنما ذكرنا الفعل الماضي فقلنا كذا، وقلنا الفعل المضارع يُفعل به كذا، فننظر إلى قوله "ضُرب زيدٌ"، "زيدٌ" نائب عن الفاعل، "يُضرب زيدٌ" "زيدٌ" نائب عن الفاعل، "عمرٌو" كذلك نائب عن الفاعل، "أُكرم" و"يُكرمُ"، لكن الفعل الذي قبلها فعل مبني للمفعول، وهو أولى، ولو قلت مبني للمجهول ما فيه إشكال، لأن أكثر ما يُبنى هذا الفعل يبنى للمجهول، أكثر ما يؤتي بهذه الصيغة لأن الفاعل مجهول، هذه أكثر بدون شك، لكن لو قلت على التعبير الذي ذكرته لك فهو أولى من ناحية الأولوية، ويلزم أحيانًا. ثم قال المصنف رحمن الله وإياه (وَالْمُضْمَرُ اِثْنَا عَشَرَ) ، لأنه هنا سيذكر لكم ضمير المتكلم، ويذكر ضمير المخاطب، ويذكر ضمير الغائب، فقال رحمه الله (وَالْمُضْمَرُ اِثْنَا عَشَرَ, نَحْوَ قَوْلِكَ "ضُرِبْتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وَضُرِبْنَا, وَضُرِبْتَ, وَضُرِبْتِ, وَضُرِبْتُمَا, وَضُرِبْتُمْ, وَضُرِبْتُنَّ, وَضُرِبَ, وَضُرِبَتْ, وَضُرِبَا, وَضُرِبُوا, وضُربن") ، هذه بالنسبة للغائب، أقول المذكور عندي هنا هو (ضُرِبْتُ) التاء هنا نائبة عن الفاعل، (وضُرِبْنَا) تاء المتكلم المفرد، و"نا" لغير المفرد من المتكلمين أو المتكلميْن أو المتكلمات أو المتكلمتين، يعني يجوز للمذكر والمؤنث لما عدا الواحد، ونحو قولك "ضُربتَ" هذا للمخاطب، و"ضُربتِ" و"ضُربتما"، و"ضُربتم" و"ضُربتنّ". وأيضًا يُقال "ضُربَ"، و"ضُربتْ"، و"ضُربا"، و"ضربتا"، و"ضُربوا"، و"ضُربنّ"، "ضُربَ" هذا للواحد، و"ضُربتْ" هذه الواحدة، و"ضُربا" هذان الاثنان، و"ضربتا" طبعًا للغائبتين، و"ضُربوا" للغائبين، و"ضُربنّ" للغائبات، والله أعلم بالصواب، هذا آخر ما يُقال في باب النائب عن الفاعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وننتقل الآن إلى باب المبتدأ والخبر ، قال المصنف رحمه الله (بَابُ اَلْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ: اَلْمُبْتَدَأُ: هو اَلِاسْمُ اَلْمَرْفُوعُ اَلْعَارِي عَنْ اَلْعَوَامِلِ اَللَّفْظِيَّةِ) . المبتدأ لا يكون إلا اسمًا، ولا يكون فعلا، ولا يكون جملةً، ولا يكون حرفًا، (اَلْمَرْفُوعُ) حق المبتدأ أن يكون مرفوعًا، (اَلْعَارِي عَنْ اَلْعَوَامِلِ اَللَّفْظِيَّةِ) ، يُخرج بقوله (اَلْعَارِي) أن يتقدم عليه مثلا حرف جر، أو أن يتقدم عليه إن وأخواتها، وأن يتقدم عليه كان وأخواتها، أو أن يتقدم عليه ظنّ وأخواتها، فإنه سوف يتغير الحكم، أما تقدم الجار عليه فأحيانًا لا يتغير إلا قليلا، نحو قولك مثلا "بحسبك درهمٌ"، فالباء هنا يقولون حرف جار زائد، و"حسب" هنا مجرور لفظًا مرفوعٌ محلا لأنه مبتدأ، ودرهمٌ خبر، فهو هنا لم يعر عن العوامل اللفظية، لكن الحرف الموجود هنا حرف جر زائد، لكن لو كان حرف جر أصليًّا لما جاز لنا أن نعربه مبتدأ، لأنه لابد أن يعرو عن العوامل اللفظية. مما يمكن أن يُنظر فيه من العوامل اللفظية إنّ وأخواتها، يتغير الحكم حينئذٍ، ما يصير تعربه مبتدأ، يصير تعربه اسم إنّ، كان وأخواتها كذلك، لا تعربه مبتدءًا وإنما تعربه اسم كان، ظن وأخواتها كذلك ما تعربه مبتدءًا وإنما تعربه مفعول أول، وهكذا. في بعض الأحيان يا إخواني لا يصير اسمًا صريحًا، وأحيانًا يكون اسمًا صريحًا، قال الله عزّ وجلّ ? مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ? [الحجرات: 29] ، ? مُحَمَّدٌ ? هذا مبتدأ، وهو اسمٌ صريحٌ واضح، وقال الله سبحانه وتعالى ? وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ? [البقرة: 184] ، أنت قلت قبل قليل إن المبتدأ لا يكون إلا اسمًا، "أنْ" هذه حرف، و"تصوموا" فعل مضارع، فكيف تعرب هذه الجملة، قال هو ظاهره ليس اسمًا، ولكن في حقيقته هو اسمًا، لأن أنْ وما دخلت عليه تؤولان بمصدر، ويُعرب هذا المصدر مُبتدءًا، والتقدير في هذه الآية ـوالله أعلم ـ "وصيامكم خيرٌ لكم"، لأن "أنْ" هذه تؤول مع ما بعدها بمصدر، فإذاً يجوز أن يكون المبتدأ اسمًا ظاهرًا أن يكون مؤولا وذلك إذا كانت داخلةً عليه "أنْ" المصدرية أو "لو" المصدرية أو ما شاكل ذلك، هذا هو المبتدأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 أما الخبر فقد عرفه المصنف في قوله (وَالْخَبَرُ هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَرْفُوعُ اَلْمُسْنَدُ إِلَيْهِ, نَحْوَ قَوْلِكَ "زَيْدٌ قَائِمٌ" وَ"الزَّيْدَانِ قَائِمَانِ" وَ"الزَّيْدُونَ قَائِمُونَ ") ، أما قوله المسند إليه فهذا خطأٌ لأن الخطأ ليس مُسندًا إليه، المُسند إليه هو المبتدأ، فغيروها بارك الله فيكم، أقول الخبر: هو الاسم المرفوع المسند، هو مُسند إلى المبتدأ، المبتدأ هو المسند إليه، أما الخبر فهو مُسند وليس مُسندًا إليه، مثل له بعدد من الأمثلة، طبعًا هذه الأمثلة تصلح للمبتدأ وتصلح للخبر، وهو قوله "زيدٌ قائمٌ"، و"الزيدان قائمان"، و"الزيدون قائمون"، فإن كلمة "زيد" مبتدأ، و"قائم" خبر، و"الزيدان" مثنى وهو مبتدأ، و"قائمان" خبر وهو مثنى، و"الزيدون" مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الواو، وقائمون خبره. أما قوله (اَلْمُسْنَدُ إِلَيْهِ) فهو كما بينتُ لكم يحتاج إلى إعادة نظر، لأنه قد تكون في بعض النسخ لم يُذكر فيها كلمة إليه. والأصل في المبتدأ أن يكون مفردًا، ولا يكون المبتدأ إلا مفردًا، لا يكون جملة ولا يكون غيرها، أما الخبر فالأصل فيه والغالب أن يكون مفردًا، لكن قد يكون جملةً وقد يكون شبه جملة، أما كونه جملةً فهذا يُشترط فيه أن تكون الجملة مشتملة على رابطٍ يربطها بالمبتدأ، يعني ما يجوز لك أن تقول "زيدٌ سافر عبد الله"، "زيدٌ" مبتدأ، وجملة "سافر عبد الله" ما تصلح أن تكون خبرًا، لأنه لا رابط بين جملة الخبر والمبتدأ، لكن لو أكملت عليها كلمة واحدة "سافر عبد الله أخوه"، هذا صحيح لوجود الرابط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 والرابط أنواع، النوع الأول وهو أقوى الروابط وأكثرها شيوعًا الضمير، يعني أن يكون في الخبر ضميرٌ يعود على المبتدأ، كقولك مثلا "زيدٌ أكرمته"، فالهاء هذه تربط جملة الخبر بالمبتدأ، وهذا أقوى الروابط، لكن هناك عدد من الروابط متروكة إن شاء الله إلى لقائنا القادم، ونتقبل الآن الأسئلة منكم إذا كان لديكم أسئلة. سأل أحد الطلبة: فضيلة الشيخ، جزاكم الله خيرًا، قال (الخبر هو الاسم المرفوع المسند) ، نعرف أن الخبر قد يقع جملة وشبه جملة، أليس فيه قوله (الاسم) يعني خروج شبه الجملة والجملة؟ أجاب الشيخ: بارك الله فيك، هذا الكلام حقٌ، وهذا الكلام الذي جعلني أتتطرق إلى أنه في بعض الأحيان يكون الخبر جملةً وأحيانًا يكون شبه جملةٍ، يعني ـجارًا ومجرورً ـ أو ظرفًا، وكلامك صحيح، وهذا الكلام عليه مأخذ، يعني على كلام المصنف فيه مأخذ لأن قوله (هو الاسم) يدل على أنه لا يكون غير اسم، ولا يكون جملةً ولا يكون شبه جملة، لكن طبعًا هذا هو الغالب، الغالب في الخبر أن يكون اسمًا، وأن يكون مفردًا أيضًا، هذا الغالب فيه. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خيرًا، قال المؤلف (بَابُ اَلْمَفْعُولِ اَلَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ) ، فلماذا ذكر هذا والمعروف أن التسمية نائب الفاعل؟ فهل هناك فرقٌ بين التسميتين؟ أجاب الشيخ: أولا لا مشاحّة في الاصطلاح كما يقولون، وكثير من المؤلفين القدامى لا يقول "باب النائب عن الفاعل"، وإنما يقولن "باب المفعول الذي لم يُسم فاعله"، يعني هذا تعبيرٌ قديم، وهو لاضير عليه فيه، هو مفعول ولم يُسم فاعله يعني لم يُذكر فاعله من، حتى في الإعراب بعضهم لا يقول نائب فاعل وإنما يقول هو مفعول ما لم يُسم فاعله، لكن الأولى من ناحية الإعراب أن يُقال فيه إنه نائب عن الفاعل. أما من ناحية تسميته بهذه التسمية فهذا اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 سأل الشيخ: متى يجب أن تُلحق بالعامل علامة تدل على أن الفاعل مؤنث؟ أجاب أحد الطلبة: إن كان ليس هناك فاصلٌ بين الفعل والفاعل. علق الشيخ: بارك الله فيك، إذا لم يوجد فاصلٌ بين الفعل والفاعل وكان الفاعل مؤنثًا حقيقي التأنيث، فإنه لو كان مجازي حتى لو كان متصلا بفاعله فلا إشكال، تؤنث أو تذكر، تقول "طلع الشمس" وتقول "طلعت الشمس"، والأولى طبعًا "طلعت الشمس"، لكن الثاني جائز، فإذا كان الفاعل مؤنثًا حقيقي التأنيث غير مفصولٍ عن عامله وجب إلحاق علامة تدل على أن الفاعل مؤنث، هذا كلامٌ حقٌ، وبارك الله فيك. سأل الشيخ: إذا كان الفاعل مثنًى أو مجموعًا، فما الكثير في الفعل أو في العامل، هل نلحق به علامةً تدل على أن الفاعل مثنًّى أو مجموع، أو لا نلحق؟ أجاب الطالب: لا نلحق. علق الشيخ: هذا الغالب، ولكن الوجه الثاني جائز أم غير جائز؟ أجاب الطالب: جائز. سأل الشيخ: هل تحفظ شيئًا من شواهده؟ أجاب أحد الطبة: مثل قول الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف ? قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا ? [الأعراف: 23] . علق الشيخ: لا، هذه ليست شاهدًا لهذا، لأن الفاعل هنا غير مذكور، يعني ليس مصرحًا به بعد ? قَالَا ?، وإنما الألف هذه هي الفاعل نفسها. أجاب طالبٌ آخر: ? ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ? [المائدة: 71] . علق الشيخ: صحيح، هذا هو الشاهد، ولم يرد إلا في موضعين من القرآن، هما قول الله عزّ وجلّ ? وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ? [الأنبياء: 3] ، والموضع الثاني ? ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ? [المائدة: 71] ، ولم يرد في غيرهما في القرآن الكريم كله. نكتفي بهذا القدر اليوم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 الدرس الحادي عشر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين. اللهم إنّا نسألك يا حي يا قيوم أن تيسر لنا أمورنا وتغفر لنا ذنوبنا، ونسألك يا حي يا قيوم أن تعلمنا ما ينفعنا وأن تنفعنا بما علمتنا وأن تزيدنا علمًا. أيها الاخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نواصل الحديث في الخبر إذا كان جملة، قلنا في اللقاء الماضي إنه لابد أن تشتمل الجملة على رابطٍ يربطها بالمبتدأ، هذا الرابط أنواع، النوع الأول والأقوى والكثير والغالب هو أن يكون الرابط ضميرًا، ومن ذلك قولك مثلا "محمدٌ سافر أخوه"، فالهاء في قولك "سافر أخوه" هذه عائدةٌ على المبتدأ، وهي التي ربطت جملة الخبر بالمبتدأ. وقد يكون هذا الضمير مذكورًا وقد يكون مقدرًا، يوجد قراءة في قول الله عزّ وجلّ ? وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ? [النساء: 95] ، فيها قراءةٌ أخرى، ? وَكُلٌّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ? [النساء: 95] ، وتكون ? وَكُلٌّ ? مبتدأ، و ? وَعَدَ ? هذه جملة ليس فيها ضمير في ظاهر الأمر، ولكنه مقدر، والتقدير والله أعلم " وَكُلٌّ وَعَدَهُ اللَّهُ الْحُسْنَى"، ويقولون مثلا "العسل رطلان بدرهم"، هذا ليس مذكورًا فيه أي رابط، لكن الرابط مقدر، وتقديره "رطلان منه"، أي من العسل، فقد يكون الضمير مذكورًا، وقد يكون مقدرًا، هذا هو الرابط الأول، وهو أقوى الروابط وأكثرها شيوعًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 الرابط الثاني الإشارة إلى المبتدأ، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ? [الأعراف: 26] ، ? لِبَاسُ ? مبتدأ، و ? التَّقْوَى ? مضاف إليه، و ? ذَا ? اسم إشارة، واللام للبعد، والكفاف للخطاب، و ? خَيْرٌ ? خبر المبتدأ، طبعًا ? ذَا ? اسم إشارة مبتدأ ثاني، و? خَيْرٌ ? خبر المبتدأ الثاني، وجملة ? ذَلِكَ خَيْرٌ ? خبر المبتدأ الأول، أين الرابط؟ هو الإشارة إلى المبتدأ في قوله ? ذَلِكَ ?، لأنه يشير إلى ? لِبَاسُ ?، هذا الثاني. الثالث: إعادة المبتدأ بلفظه في جملة الخبر، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? الْقَارِعَةُ ?1? مَا الْقَارِعَةُ ?2? ? [القارعة: 1، 2] ، أُعيد لفظ المبتدأ في جملة الخبر، فـ ? الْقَارِعَةُ ? مبتدأ، و ? مَا ? اسم استفهام خبر مقدم، و ? الْقَارِعَةُ ? مبتدأ مؤخر، وجملة ? مَا الْقَارِعَةُ ? خبر المبتدأ الأول، والرابط هو إعادة لفظ المبتدأ في جملة الخبر. أحيانًا يكون الرابط العموم، يعني أن يكون في جملة الخبر لفظٌ أعم من المبتدأ، يعني يدخل المبتدأ ضمن هذا العموم، وذلك في نحو قولهم "محمدٌ نعم الرجلُ"، فـ "محمدٌ" مبتدأ، و"نعمَ" فعل ماضٍ جامد، و"الرجلُ" فاعلٌ لـ "نعمَ"، وجملة "نعم الرجلُ" خبر لـ "محمدٌ"، والرابط الذي ربط هو كلمة "الرجل"، لأن الرجل تعم محمدًا وتعم غيره، فصار بهذا هو الرابط، فالرابط قد يكون أيضًا العموم الموجود في جملة الخبر، وهذه هي روابط جملة الخبر بالمبتدأ. أما الظرف والجار والمجرور فيقعان خبرين، ولكن لابد أن تكون مفيدة فائدة يحسن السكوت عليها، كقولك مثلا "عبد الله في المنزل"، و"عبد الله عندك"، لكن لا يجوز أن تقول مثلا "زيدٌ بك"، لأنها ما أفادت شيئًا، هو جار ومجرور صحيح، لكننا لم نستفد منه شيئًا، أما في قولك "محمدٌ عندك"، أو "زيدٌ في داره"، فهنا الظرف والجار والمجرور أفادت معنًى يحسن السكوت عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وهنا خلاف بين النحويين في إعراب الجار والمجرور والظرف إذا وقعا خبرين، كيف تعربهما؟ هل نقول الجار والمجرور هو الخبر؟ أو نقول مُتعلق الجار والمجرور هو الخبر؟ أو نقول الاثنين، المتعلق والجار والمجرور؟ أو المتعلق والظرف هما الخبر؟ أقوالٌ ثلاثة لك أن تعرب بأي واحدٍ منها، لك أن تقول الجار والمجرور هو الخبر، أو تقول متعلَق الجار والمجرور هو الخبر، أو تقول ـ وهو أولى في رأيي ـ الجار والمجرور ومتعلقه هما الخبر، والمسألة في هذا سهلة، والحمد لله رب العالمين. لكن يشترط أيضًا ـ وأكرر مرة ثانية ـ في الخبر إذا كان ظرفًا أو جارًا ومجرورًا أن يكون مفيدًا، وإلا فإنه لايصح الإخبار به. ننتقل إلى قول المصنف (والمبتدأ قِسْمَانِ ظَاهِرٌ وَمُضْمَرٌ، فَالظَّاهِرُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ) ، ما تقدم ذكره أين؟ في قوله في الأمثلة ("زَيْدٌ قَائِمٌ" وَ"الزَّيْدَانِ قَائِمَانِ" وَ"الزَّيْدُونَ قَائِمُونَ ") ، هذه كلها أسماءٌ ظاهرة، سواء كانت مفردة، مثنّاةً، مجموعةً، مؤنثةً، مذكرةً فيه، لا إشكال، هذا كله مما كان فيه المبتدأ اسمًا ظاهرًا. ثم قال (والمضمر اثنا عشر وهى: أنا ونحن وأنتَ وأنتِ ووأنتما وأنُتم وأنتن وهو وهى وهما وهم وهن نحو قولك (أنا قائم) و (نحن قائمون) وما أشبه ذلك) تقيس عليه، أولا أنبه إلى أن هذه الضمائر التي ذكرها المصنف هنا ضمائر منفصلة، ولا يقع المبتدأ ضميرًا متصلا، ما السبب في أنه لا يقع ضميرًا متصلا؟ أن الضمير المتصل لا يستقل بنفسه، الضمير المتصل لا يُبتدأ به الكلام قولا واحدًا، لأنه غير مستقل بنفسه، فلا تستطيع أن تقول "تَ مجتهد"، لا يمكن هذا، هذا ضمير متصل صحيح، لكنه لا يستقل بنفسه، ولا يُبتدأ به الكلام عند الجميع، هذا بإجماع، ولذلك كل الضمائر التي ذكرها هنا ضمائر رفعٍ منفصلة، واثنان منها للمتكلم، وخمسة للمخاطب، وخمسة للغائب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 أما التي للمتكلم فللمفرد "أنا"، ولما عدا المفرد سواء أكان مثنًّى للمذكر أو للمؤنث أو كان لأكثر من اثنين للمذكر أو للمؤنث "نحن"، وكذلك "أنتَ"، هذا للمخاطب، و"أنتِ" للمخاطبة، و"أنتما" للمخاطبين وللمخاطبتين، و"أنتم" لجماعة الذكور، و"أنتن" لجماعة الإناث، و"هو" للغائب الواحد، و "هي" للغائبة الواحدة، و"هما" للغائبين للغائبتين، و"هم" لجماعة الذكور الغائبين، و"هنّ" لجماعة الإناث، ومثّل لنا بماثلين وعليك أن تقيس، مثل ما قلتًَ "أنا قائمٌ" و"نحن قائمون" يجوز أن تقول "هم قائمون"، يجوز أن تقول "هو قائمٌ" أو "أنت قائمٌ" أو "أنتم قائمون" أو نحو ذلك، فهذه الضمائر لابد كما ترون يا أيها الأحباب أن تكون منفصلةً، ولا يجوز الابتداء بالضمير المتصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 قال الله عزّ وجلّ ? نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ? [الحجر: 49] ، ? أَنَا ? مبتدأ، وهو ضمير ويدل على الواحد، وقال صلى الله عليه وسلم (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة) ، (نحن) مبتدأ وهو لجماعة الذكور، طبعًا هنا يصلح لكل شيءٍ، قال الله عزّ وجلّ ? وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ? [الأنبياء: 83] ، ? أَنْتَ ? هنا مبتدأ، وهو ضمير المخاطب، وقال الله عزّ وجلّ ? بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ? [القصص: 35] ، هذا للمثنى، وقال الله عزّ وجلّ ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ? [النساء: 43] ، ? أَنْتُمْ ? مبتدأ، وهو ضمير للجماعة، وقال صلى الله عليه وسلم (هو عليها صدقة، وهو لنا هدية) ، فابتدأ بالضمير المنفصل، وقال الله سبحانه وتعالى ? فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ? [طه: 20] ، ? هِيَ ? مبتدأ، و ? حَيَّةٌ ? خبر، وقال سبحانه وتعالى ? وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي ?، ثم قال سبحانه ? وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ ? [الأحقاف: 17] ، ? هُمَا ? هذا مبتدأ. و"هم" و"هنّ" إلخ، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ? هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ? [آل عمران: 7] ، ? هُنَّ ? هذه وقعت مبتدءًا، وهكذا في بقية الضمائر، يجوز أن تبتدأ بضمير الرفع المنفصل "أنا" و"نحن" للمتكلم وغيره، و"أنتَ" و"أنتِ" و"أنتم" و"أنتما" و"أنتن" للمخاطبين، و"هو" و"هي" و"هما" و"هم" و"هنّ" للغائبين، سواء أكان ذلك من ناحية المفرد أو غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 ثم قال المصنف رحمنا الله وإيّاه، وهذا يا شيخ يرد على جوابك الذي ذكرته قبل قليل وهو أنه نص في الأول قال (الخبر اسمٌ مرفوعٌ) ، هنا يرد على الكلام بأنه قسّم لنا الخبر فجعله مفردًا وغيره، فقال (والخبر قسمان: مفرد وغير مفرد فالمفرد نحو "زيد قائمٌ") ، "قائمٌ" هذه مفرد، "هندٌ قائمةٌ"، "هم قائمون"، "قائمون" مفرد، "هما قائمان"، "قائمان" مفرد، طبعًا ليس المقصود بالإفراد هنا ما ليس مثنًّى ولا مجموعًا، المقصود هو ما يخالف الجملة وغيرها، يعني قد يكون مفردًا وقد يكون جملة وقد يكون شبه جملة. ثم قال المصنف رحمنا الله وإياه (وغير المفرد أربعة أشياء: الجار والمجرور، والظرف، والفعل مع فاعله، والمبتدأ مع خبره، نحو قولك: "زيد في الدَار"، و"زيد عندك"، و"زيد قام أبوه"، و"زيد جاريته ذاهبةٌ") أما قوله ("زيدٌ في الدار") فالخبر هنا هو الجار والمجرور، ولك يا شيخ الأوجه الثالثة التي ذكرناها في إعرابه، فتقول الجار والمجرور هو الخبر، أو تقول متعلق الجار والمجرور هو الخبر، أو تقول الجار والمجرور ومتعلقه هما الخبر، لك ما تشاء، والمسألة في هذا سهلة، وأنت مسبوقٌ في أي إعرابٍ أعربت به من هذه الأوجه الثالثة، لكني أرى أن الأولى أن يُقال إن الاثنين هما الخبر، ونخرج بهذا من أي مشكلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 أما قوله ("زيدٌ عندك") فـ"عند" هنا هو الظرف الواقع خبرًا، وسواءٌ أعربته بأي وجه من الأوجه الثلاثة التي ذكرت لك فالمسألة في هذا سهلة، وأما قوله ("زيد قام أبوه") فالخبر هنا جملة فعلية، وكما ترون الرابط هنا هو الهاء الموجودة في قوله "قام أبوه"، فإنها ربطت جملة الخبر بالمبتدأ، وهذا أكثر ما يكون الرابط، وأما قوله ("زيد قام أبوه"، و"زيد جاريته ذاهبةٌ") ، فـ"جاريته" مبتدأ ثاني، والهاء الموجودة في قوله "جاريته" تعود إلى "زيد"، وهي الرابط الذي ربط جملة الخبر بالمبتدأ، وأكثر ما يكون الرباط كما ذكرت لكم يكون بالضمير، فـ"جاريته" مبتدأ ثاني، و"ذاهبةٌ" خبر، وجملة "جاريته ذاهبةٌ" في محل رفع خبر المبتدأ الأول. قال الله عزّ وجلّ ? وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ? [الذاريات: 22] ، الجار والمجرور متعلقان بمحذوفٍ خبر مقدم، أو خبر مقدم، أو هو ومتعلقهما خبر مقدم، أما رزقكم فهو مبتدأ مؤخر، وهذا ورد فيه الجار والمجرور خبرًا. يتحدثون أيضًا في هذا الباب عن أن اسم الزمان لا يصلح أن يكون خبرًا عن الذوات، فلا تقول "محمدٌ يوم الجمعة" مثلا، لا يصلح أن يكون خبرًا عن الذوات، ولكنه يُمكن أن يكون عن المعاني، فتقول "السفر يوم الجمعة"، لا مانع، أما الذوات فإنهم لا يجيزون وقوع ظرف الزمان خبرًا لها، وقد ورد قليلا وهم يؤولونه، ومن ذلك قول العرب "الليلةَ الهلالُ"، "الهلالُ" ذات، وهو مبتدأ، وقد أخبر عنه بظرف الزمان هو "الليلة"، فماذا يُقال في مثل هذا؟ قالوا سهلة، هذه نؤولها، نجعل كلمة الهلال حلت محل مُضافٍ محذوف، والتقدير "الليلةَ طلوع الهلال" حتى نخرج من هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 يذكرون كلامًا قاله امرؤ القيس لما أُخبر بمقتل أبيه قال "رحم الله أبي، ضيّعني صغيرًا، وحمّلني دمه كبيرًا، اليوم خمرٌ، وغدًا أمرٌ، لا صحو اليوم ولا سكر غدًا"، هذا كلامٌ منسوبٌ إلى امرئ القيس، وامرؤ القيس ممن يُعتد بكلامه لأنه جاهلي، فأولوا هذا "اليوم" ظرف، وقد وقع خبرًا، والخمر هذا اسم ذات، فكيف وقع اسم الزمان خبرًا لاسم الذات، قالوا نؤوله، نجعل كلمة "خمر" هذه وقعت موقع مضافٍ محذوف أو مقدر، ويكون التقدير "اليوم شربُ خمرٍ"، أما قوله "وغدًا أمرٌ" فلا إشكال فيها، لأن الأمر معنويٌّ وليس ذاتًا، هذا ما يُقال من ناحية اسم الزمان، وهذا ما أحببتُ التنبيه إليه. مما يُذكر في هذا الباب، وهو باب المبتدأ والخبر أن الأصل في المبتدأ أن يكون معرفةً، ولا يقع نكرةً إلا بمسوّغ، والمسوغات أوصلها بعضهم إلى أكثر من ثلاثين مسوغًا، ولكن نكتفي بذكر بعضها، وهو ما أشار إليه ابن مالك رحمه الله في ألفيته إذ قال: وَلاَ يَجُوْزُ الابْتِدَا بِالْنَّكِرَهْ … … ... مَا لَمْ تُفِدْ كَعِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ وَهَلْ فَتَىً فِيْكُمْ فَمَا خِلٌّ لَنَا … … وَرَجُلٌ مِنَ الْكِرَامِ عِنْدَنَ وَرَغْبَةٌ فِي الْخَيْر خَيْرٌ وَعَمَلْ ....... بِرَ يَزِيْنُ وَلْيُقَسْ مَا لَمْ يُقَلْ فذكر ستة مسوغات للابتداء بالنكرة، فنكتفي بالحديث عن هذه المسوغات الستة، وليُقس عليها ما لم نذكره، إن المسوغات أولها كما ذكر ابن مالكٍ رحمه الله إذ قال: وَلاَ يَجُوْزُ الابْتِدَا بِالْنَّكِرَهْ مَا لَمْ تُفِدْ كَعِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 المسوغ الأول الذي ذكره ابن مالك هو أن يكون الخبر ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا مقدمًا على المبتدأ، يعني يكون المبتدأ متأخرًا وهو نكرة، والخبر ظرفٌ أو جارٌّ ومجرور ومتقدم، ولذلك مثّل بقوله " كعند زيدٍ نمرة"، "عند زيد" ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، و"نمرة" هذه مبتدأ مؤخر، وهذه نكرة ولا مسوغ لها إلا هذا الذي ذكرته، وهو أنه تقدم الخبر على المبتدأ، والخبر هنا ظرف، ومثله الجار والمجرور تمامًا. قال "وهل فتًى فيكم"، هذا هو المسوغ الثاني، وهو أن يتقدم على النكرة ما يدل على العموم كالاستفهام، حتى لو كان المبتدأ نكرةً وهو اسم استفهام فإنه مسوغ من المسوغات، وقد يكون الاستفهام تقدم على النكرة، كقول ابن مالك في هذا "هل فتًى فيكم"، فـ"فتًى" هذا نكرة، وهو مبتدأ، وقد تقدمت عليه "هل" فهي التي سوّغت الابتداء بالنكرة. أما الثالث فهو قوله " فما خلٌ لنا "، وهذا أيضًا من الأشياء التي تدل على العموم، وذلك أن النفي إذا تقدم على النكرة فإنها تدل على العموم، يقولون النكرة في سياق النفي تدل على العموم، فقوله "فما خلٌّ لنا"، "خلٌّ" هنا نكرة وقد ابتدئ به جوازًا لوجود مسوغ وهو تقدم النفي عليها. الرابع قوله "ورجلٌ من الكرام عندنا"، "رجلٌ" هذا نكرة، و"من الكرام" هذه صفة للرجل، فإذا كانت النكرة موصوفةً فإن هذا مسوغٌ للابتداء بها، فـ"عندنا" هذه هي الخبر، وأما قوله "من الكرام" فهي الصفة لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 ثم قال " ورغبةٌ في الخير خبرٌ"، "رغبةٌ" هذه نكرة، وقد ابتدئ بها، ذلك لأنها عملت، والعمل هنا هو تعلق الجار والمجرور بها، فهذا الذي جوّز الابتداء بها، والأخير قوله "وعملُ برٍّ يزين"، "عمل" هذه نكرة، وأُضيفت إلى نكرة، فالإضافة هذه سوّغت الابتداء بها، طبعًا لو أُضيفت إلى معرفة فلا إشكال لأنها تكتسب التعريف من المضاف إليه، أما هنا فقد أضيفت إلى نكرة فقل شيوعها قليلا، فكان هذا مسوغًا للابتداء بالنكرة، هذه المسوغات نكتفي بها، وإن كان بعضهم يُكثر في ذكر مسوغات الابتداء بالنكرة فيوصلها إلى أكثر من ثلاثين مسوغًا. ننتقل إلى قول المصنف رحمنا الله وإيّاه (بَابُ اَلْعَوَامِلِ اَلدَّاخِلَةِ عَلَى اَلْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ) ، تعلمون كما ذكرنا أن المبتدأ والخبر حقهما أن يكونا مرفوعين، لكن قد يتغير هذا الحكم، بل يتغير حكم المبتدأ والخبر فلا يصيران مبتدءًا وخبرًا، وذلك إذا دخل عليهما بعض الأدوات التي سنذكرها الآن إن شاء الله، فقال (بَابُ اَلْعَوَامِلِ اَلدَّاخِلَةِ عَلَى اَلْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ) ، ثم قال (وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ كَانَ وَأَخَوَاتُهَا وَإِنَّ وَأَخَوَاتُهَا وَظَنَّ وَأَخَوَاتُهَا) ، هذه العوامل بعضها يرفع المبتدأ وينصب الخبر وهي كان وأخواتها، وبعضها يعكس فينصب المبتدأ ويرفع الخبر وهو إن وأخواتها، وبعضها ينصب الاثنين وهما المبتدأ والخبر فيجعلهما مفعولين وهي ظن وأخواتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 ثم يبدأ المصنف رحمنا الله وإياه في الحديث عن باب كان وأخواتها ، فيقول (فَأَمَّا كَانَ وَأَخَوَاتُهَا, فَإِنَّهَا تَرْفَعُ اَلِاسْمَ, وَتَنْصِبُ اَلْخَبَرَ) ، المقصود بالاسم هنا المبتدأ، الذي كان مبتدءًا صار اسمًا لكان، يعني لا تعربه مبتدءًا لأنه لم يصر في بداية الكلام، بل صار هنا اسمًا لكان أو اسمًا لإحدى أخواتها، وصار مرفوعًا، وعند إعرابه تقول هذه الكلمة اسم كان مرفوعة وعلامة رفعها الضمة مثلا أو الألف أو الواو حسب ما يكون. وأما الخبر فإنه يكون منصوبًا في هذا الباب، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ? وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ? [النساء: 134] ، فـ"كان" هذه فعل ماضٍ ناقص ناسخ، إذا اكتفيت ببعضها فقلت فعل ماضٍ ناقص يكفي، لو قلت ناسخ لا بأس لأنه نسخ الحكم الموجود قبلها وهو أن المبتدأ والخبر كانا مرفوعين فصار واحدًا منهما مرفوعًا وصار الآخر منصوبًا، فـ"كان" فعلٌ ماضٍ ناقص، ولفظ الجلالة اسمها مرفوع، و ?سَمِيعًا ? خبرها منصوب. يُقال عن هذا الباب كله إنه الأفعال الناقصة، ولا خلاف في شيءٍ منها إلا في كلمة واحدة وهي كلمة "ليس"، فإن بعضهم يرى أنها حرف، وذلك لجمودها، لأنه لا يأتي منها لا مضارع ولا أمر، فبعضهم يرى أنها حرف لذلك، والصواب الذي نعتد به أنها فعلٌ ناقص، ودليلنا على فعليتها إلحاق تاء التأنيث بها، كقولك "ليست هندٌ حاضرةٌ"، وكقولك "لستُ موجودًا"، أو "لستُ غائبًا"، فإلحاق التاء أكبر دليلٍ على أنها فعلٌ وليست حرفًا، لأن التاء لا تدخل على الحروف، وإنما تدخل على الأفعال، وهذا دليلٌ واضح على فعليتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 ثم قال المصنف رحمنا لله وإياها (وهي) ، الآن بدأ يعدد أخوات "كان"، فقال (وَهِيَ كَانَ, وَأَمْسَى, وَأَصْبَحَ, وَأَضْحَى, وَظَلَّ, وَبَاتَ, وَصَارَ, وَلَيْسَ, وَمَا زَالَ, وَمَا اِنْفَكَّ, وَمَا فَتِئَ, وَمَا بَرِحَ, وَمَا دَامَ) ، وانظر بارك الله فيك إلى الفرق في كلامه، فإن الأول منه لم يقل في بدايته "ما"، وأما الأخير وهو من قوله "ما زال" إلى الأخير بدأه بحرف النفي "ما"، وهذا دليلٌ على أنه يُشترط في أربعة أفعالٍ منها أن تكون مسبوقةً إما بنفيٍّ أو بشبه النفي، وشبه النفي هو النهي والدعاء، وإلا فلا تعمل هذا العمل، الذي هو عمل كان وأخواتها. فأما الأفعال الأولى التي ذكرها فهي (كَانَ, وَأَمْسَى, وَأَصْبَحَ, وَأَضْحَى, وَظَلَّ, وَبَاتَ, وَصَارَ, وَلَيْسَ) ، هذه لا تحتاج إلى قيدٍ ولا شرط، بل تعمل هذا العمل مباشرةً، سواء كانت منفية أم غير منفية، أما "ليس" فما يمكن أن تكون منفية لأنها هي متضمنةٌ للنفي، وأما "كان" فتدل على حدوث شيءٍ في الزمن الماضي، و"أمسى" على حدوثه في وقت المساء، و"أصبح" على حدوثه في وقت الصباح، و"أضحى" في وقت الضحى، و"ظل" يقولون إنها خاصّةٌ بالنهار، يعني حصل هذا العمل في وقت النهار، و"بات" يقولون هي خاصّةٌ بالليل، ومما يدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم (فإنه لا يدري أين باتت يده) ، فهذا لا يُطلق في "بات" إلا على المساء، وكذلك "صار" تدل على التحول، وأما "ليس" فهي دالة على النفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 ثم نأتي إلى الأفعال الأخيرة التي يُشترط فيها تقدم النفي أو شبهه، وهي أربعة، و" دام" لها شرطٌ آخر سنذكره إن شاء الله، أما الأربعة التي يُشترط فيها تقدم النفي أو شبهه فهي "زال" و"فتئ" و"انفك" و"برح"، هذه لابد ن يتقدم عليها نفي، أو شبه النفي وهو الدعاء كما قلتُ أو النهي، أما دام فإنه يُشترط لعملها هذا العمل أن تكون مسبوقةً بـ"ما" المصدرية الظرفية، وسنذكر بعض الأمثلة إن شاء الله لهذه الأفعال نتتبعها واحدةً واحدةً. لكن نذكر ما ذكره المصنف هنا في قوله (وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا نَحْوَ كَانَ, وَيَكُونُ, وَكُنْ, وَأَصْبَحَ وَيُصْبِحُ وَأَصْبِحْ, تَقُولُ "كَانَ زَيْدٌ قَائِمًا, وَلَيْسَ عَمْرٌو شَاخِصًا" وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) ، يقول لا يلزم أن يكون الفعل هنا بلفظ الماضي، بل لا مانع أن يعمل هذا العمل وهو بلفظ المضارع، أو بلفظ الأمر وخاصة في الأفعال التي تتصرف، لأن بعضها لا يتصرف، فأما الذي لا يتصرف وهو "ليس" فلا نحتاج إلى شيءٍ، لكن الأفعال المتصرفة لا يضير أن تكون لفظ الماضي أو المضارع أو الأمر أو حتى لو كانت بلفظ اسم الفاعل أو اسم المفعول أو غيره، لا يضر، فهي تعمل هذا العمل. من شواهد إعمال هذه الكلمات أو هذه الأفعال قول الله عزّ وجلّ ? ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ? [البقرة: 196] ، انظروا بارك الله فيكم إلى ? يَكُنْ ?، فإنها طبعًا ليست بلفظ الماضي، وإنما هي بلفظ المضارع، وقد عملت هذا العمل، و ? أَهْلُهُ ? هنا هي اسمها وهو مرفوعٌ بالضمة، أما ? حَاضِرِي ? فهو خبرها، طبعًا ? حَاضِرِي ? أصله " حَاضِرِينَ"، ولكن للإضافة تُحذف النون، فهو خبر "كان" منصوب، وعلامة نصبه الياء، أما من شواهد "أمسى" قول الشاعر: فمن يكن أمسى بالمدينة رحلُه فإنّي وقيّارٌ بها لغريب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 " أمسى بالمدينة رحلُه"، "أمسى" فعل ماض ناقص، "بالمدينة" جار ومجرور خبر مقدم، "رحلُه" اسم "أمسى" مؤخر، وهنا كما ترون تقدم خبر "أمسى" على اسمها، وهذا لا إشكال فيه، وفي كثيرٍ من منها لا إشكال في تقدم الخبر على الاسم أو توسط الخبر بين الفعل والاسم، ولا إشكال في كثيرٍ منها، بل تقدمه عليها، يعني تقول "نائمًا كان عبدُ الله"، أو "نائمًا كان زيدٌ"، فتُقدم الخبر على "كان" وعلى اسمها، لا مانع، ومن شواهد "أصبح" قول الله عزّ وجلّ ? وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ? [القصص: 10] ، ? أَصْبَحَ ? فعل ماضٍ ناقص، ? فُؤَادُ ? هذا اسمها، ? فَارِغًا ? هذا خبرها، أما "أضحى" فمن شواهده قول الشاعر: أضحى التنائي بديلا عن تدانينا وناب عن طيب لُقيانا تجافين " أضحى التنائي"، "أضحى" هذا فعلٌ ناقص، و" التنائي" هذا اسمها، و"بديلا" هذا خبرها، طبعًا "التنائي" هنا ساكن الآخر لأنه اسم منقوص، فهو مرفوع بضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل، هذه "أضحى"، أما "بات" فمن شواهدها قول الشاعر: بات يعشيها بعضب باتر يقصد في أسوقها وجائر فـ"بات" هنا فعلٌ ناقص، واسمها ضميرٌ مستترٌ يعود على المذكور في البيت قبله، و" يعشيها" هذه الجملة واقعة في محل نصب خبر "بات"، أما صار فمن شواهدها قول الرسول صلى الله عليه وسلم (فيُميتهم إماتةً حتى إذا صاروا فحمًا أذن في الشفاعة) ، (صارَ) واسمها الواو ضمير في محل رفع، و (فحمًا) هذا خبرها، أما "ليس" فمن شواهد إعمالها هذا العمل قول الله عزّ وجلّ ? لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ ? [الغاشية: 6] ، هذه ? لَيْسَ ?، وخبرها الجار والمجرور متقدم هنا، و ? طَعَامٌ ? اسمها مؤخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 ننتقل الآن إلى الأفعال التي تحتاج إلى سرد، وهي أن يتقدم عليها نفيٌّ أو شبهه، وهي أربعة، نعيدها مرة ثانية "زال" و"فتئ" و"برح" "انفك"، هذه لابد أن يتقدم عليها إما نفي وإما شبهه، انظروا إلى قول الشاعر: ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر " لا زال منهلا بجرعائك القطر"، "لا" هنا دعائية، و"زال" هي الفعل الناقص، و"منهلا" هذا خبرها مقدم، و"القطر" هذا اسمها مؤخر، فقوله "لا زال" هنا فعلٌ ماضٍ كما رأيتم ومسبوقٌ بلا الدعائية، وهذا مستوفٍ للشروط، أما "انفك" وما يليها فسنؤجلها لوقتٍ آخر لنتحدث عنها، ونستمع الآن إلى الأسئلة منكم إذا كان لديكم أسئلة متعلقة بالموضوع. سأل أحد الطلبة: ? لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ ? [الغاشية: 6] ، هل الخبر هنا مقدم وجوبًا؟ أجاب الشيخ: لا يلزم، ممكن أن تؤخر الخبر. سأل الطالب: فماذا نقول؟ أجاب الشيخ: يمكن أن تقول "ليس طعامٌ لهم"، وإن كان "طعام" هنا نكرة وتحتاج إلى مسوغ لأنها كانت أصلها مبتدءًا والمبتدأ يحتاج إلى مسوغ، لكن لا مانع، لأن كلمة "طعام" ما دام دخلت عليها "ليس" فإن "ليس" تحتاج إلى اسمٍ وخبر، واسمها سيكون مرفوعًا، فمادام مرفوعًا فلا إشكال فيه. سأل أحد الطلبة: هل يُشترط المطابقة في المبتدأ والخبر في الإفراد والتثنية والجمع؟ أجاب الشيخ: نعم، بدون شك، هذا من شروط المبتدأ والخبر أن يكونا متطابقين إفرادًا وتثنيةً وجمعًا، ولا يصلح أن يكون المبتدأ مُثنًّى فتُخبر عنه بالمفرد، أو يكون المبتدأ جمعًا فتخبر عنه بالمثنى، لابد أن يكون هذا متسقًا لأنه حتى بعض الأحيان يشترطون إذا كان الخبر مشتقًا يرون أنه يتحمل الضمير الذي يعود على المبتدأ، فلابد أن يكون الضمير مطابقًا للمبتدأ. سأل أحد الطلبة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 فضيلة الشيخ، جزاكم الله خيرًا، ذكرتَ في الأفعال هذه أن فهيا المتصرف وغير المتصرف، ومن الأفعال التي لا تنصرف "ليس"، أما "دام" هل الصحيح فيها أنها لا تنصرف أم تنصرف؟ أجاب الشيخ: "دام" فيها خلاف هل هي متصرفة أم هي جامدة، ولكن الصحيح أنه يجوز استعمالها ـ إذا استوفت الشروط ـ وهو تقدم "ما" المصدرية الظرفية عليها يصح أن يأتي منها الماضي والمضارع، أما الأمر فلا يأتي، لأنه لابد من تقدم "ما" المصدرية الظرفية عليها، فهي متصرفة تصرفًا جزئيًّا، بعضهم لا يجيز حتى صيغة الفعل المضارع ويُلزم أن تكون بصيغة الماضي فقط. سأل أحد الطلبة: جزاكم، لماذا سُميَّت أفعال كان وأخواتها وإن وأخواتها وظن وأخواتها أفعالا ناقصة؟ أجاب الشيخ: سُميت هذه الأفعال أفعالا ناقصة لأنها لا تكتفي بمرفوعها، لا تكتفي بالفاعل، تعرفون أن الأفعال في الأصل لابد لكل فعلٍ من فاعل، فإذا قلتَ "قام محمدٌ" هذه جملة تامة، لكن إذا قلتَ "كان محمدٌ" فهي لا تزال تحتاج إلى شيءٍ يكملها، فمن أجل هذا نقول إنها ناقصة تحتاج إلى تكملة لهذا الأمر. ونكتفي بهذا القدر اليوم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 الدرس الثاني عشر حمدًا لك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وصلاةً وسلامًا دائمين متتابعين على الرحمة المهداة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا. أيها الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نواصل الحديث في باب كان وأخواتها، وقد وصلنا إلى الأفعال التي تحتاج لعمل هذا العمل أن يتقدم عليها نفيٌ أو شبهه، وانتهينا من الحديث عن "زال"، ومثلنا لها ـ بل استشهدنا ـ بقول الشاعر: ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى ...... ولا زال منهلا بجرعائك القطر وقلنا إن "زال" هنا تقدمت عليها "لا" الدعائية، وخبرها هو "منهلا" ومتقدم هنا، و"القطر" اسمها مؤخر. أما انفك فيستشهدون لها، وقد جاءت بلفظ الفعل المضارع في هذا البيت، يستشهدون لها بقول الشاعر: ليس ينفك ذا غنًى واعتزازي ...... كل ذي عفّةٍ مُقلٍ قنوع فـ"ليس" هنا هي النفي الذي تقدم على كلمة "ينفك" وأجاز أن نعملها عمل كان وأخواتها، أما "ينفك" فجاءت بلفظ الفعل المضارع، وقد تقدم هنا خبرها على اسمها هو قوله "ذا غنًى"، و"ذا" اسم من الأسماء الخمسة وهو مضاف إلى كلمة "غنًى" ومنصوب وعلامة نصبه الألف، أما اسمها فهو قوله "كلّ ذي عفةٍ"، وقد جاء مؤخرًا كما ترون. أما فتئ يا أيها الأحباب فيستشهدون له بقول الله عزّ وجلّ ? قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ? [يوسف: 85] ، والشاهد في قوله تفتأ هنا صحيح أنه لم يتقدم عليها في ظاهر اللفظ نفي، ولكن النفي مقدر، لأن التقدير والله أعلم " لَا تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ "، فـ ? تَفْتَأُ ? هنا جاء بلفظ الفعل المضارع، واسم ? تَفْتَأُ ? هنا ضمير مستتر تقديره "أنت"، و? تَذْكُرُ يُوسُفَ ? هذه الجملة في محل نصبٍ خبر. أما "برح" فمن شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ? [طه:91] ، ? نَبْرَحَ ? تقدمت عليها ? لَنْ ? فمعناها أنها استوفت شرطها وهو النفي، و? نَبْرَحَ ? هنا فعل مضارع، وهو منصوبٌ ب? لَنْ ?، و? عَاكِفِينَ ? خبر ? نَبْرَحَ ?، وأما اسمها فهو ضميرٌ مستترٌ تقديره "نحن"، " لَنْ نَبْرَحَ نَحْنُ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 أما "دام" فقد ذكرنا لكم أنه يُشترط لعملها أن تتقدم عليها "ما" المصدرية الظرفية، أما كونها مصدرية فلأنها تؤول مع ما بعدها بمصدر، وأما كونها ظرفية فلأنها تدل على المدة، وانظروا إلى نحو قول الله عزّ وجلّ ? وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ? [مريم: 31] ، فإن التأويل فيها أو التقدير ـ والله أعلم ـ "مدة دوامي حيًّا"، فـ"مدة" هذه أخذنا منها الظرفية، و"دوامي" هذه أخذنا منها المصدرية، أما "دام" هنا فاسمها هو التاء، و ? حَيًّا ? هو خبرها، فقوله سبحانه ? وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ? "دام" استوفت شروطها بتقدم "ما" المصدرية الظرفية عليها، وعملت هذا العمل، ذلك أن التاء هنا ضمير متصل مبني على الضم في محل "رفع" اسم "دام"، و? حَيًّا ? هو خبرها. يُقال كلام كثير عن تقدم أخبارها عليها أو توسط الأخبار بينها وبين أسمائها، أما التوسط فقد رأيتم من الأمثلة أنه جائز وكثير، "ولا زال منهلا بجرعائك القطر"، وفي قول الله عزّ وجلّ ? لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ ? [الغاشية: 6] ، لا مانع من أن يتوسط الخبر بين الفعل وبين الاسم. أما تقدم أخبارها عليها فباتفاق لا يجوز تقدم خبر "دام" عليها، لم؟ لأن "ما" المصدرية من الألفاظ التي لها الصدارة، فلا يتقدم شيءٌ من متبوعاتها عليها، أما ليس ففيها خلافٌ طويلٌ، والصحيح أنه لا يجوز تقدم خبرها عليها لأنه لم يرد له شواهد، أما بقية الأفعال فباتفاق لم يُخالف في جواز تقدم أخبارها عليها أحدٌ إلا إن كان النفي الذي نشترطه في الأدوات التي يُشترط فيها تقدم النفي عليها، إن كان النفي بـ"ما" فإنهم لا يجيزون تقدم الخبر عليها، أما إن كان النفي بـ"لا" أو بـ"لن" أو بغيرها فلا مانع من تقدم أخبارها عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 ثم ننتقل بعد هذا إلى بابٍ جديدٍ وهو باب إنّ وأخواتها، قال المصنف (وَأَمَّا إِنَّ وَأَخَوَاتُهَا فَإِنَّهَا تَنْصِبُ الاسْمَ وَتَرْفَعُ الْخَبَرَ) ، كما ترون عملها عكس عمل كان وأخواتها، لأن في كان وأخواتها كان الاسم هو المرفوع والخبر هو المنصوب، أما هنا فبالعكس، إن وأخواتها يكون اسمها منصوبًا ويكون خبرها مرفوعًا. ثم قال ابن آجروم رحمه الله (وهي) يعني يعدد الآن إن وأخواتها، فيقول (وَهِيَ: إِنَّ، وَأَنَّ، وَلَكِنَّ، وَكَأَنَّ، وَلَيْتَ، وَلَعَلَّ، تَقُولُ: إِنَّ زَيْدًا قَائِمٌ، وَلَيْتَ عَمْرًا شَاخِصٌ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) مثل لنا بمثالين، أحدها لـ"إن" والآخر لـ"ليت"، وعليك أن تقيس، وهنا فيه اختلاف بينها وبين كان وأخواتها من حيث توسط الخبر ومن حيث تقدم الخبر عليها، فأولا بإجماع لا يجوز تقدم أخبارها عليها، أما توسط الخبر بين "إن" واسمها أو "ليت" واسمها أو "لعل" واسمها فإنه جائزٌ بشرط أن يكون إمّا ظرفًا وإما جارًا ومجرورًا، وإذا كان غير ذلك فلا يجوز، فلا يجوز أن تقول "إنّ مجتهدٌ زيدًا"، هذا بإجماع، ويجوز أن تقول "إنّ في الدار زيدًا"، تقدم خيره وهو جار ومجرور، قال الله عزّ وجلّ ? إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا ? [المزمل:12] ، فـ ? لَدَيْنَا ? هذا هو خبر ? إِنَّ ?، و ? أَنْكَالًا ? هو اسمها وقد تأخر، ولا إشكال فيه لأن الخبر هنا ظرف، أما لو كان غير ظرفٍ فبإجماع لا يجوز، هذا فارقٌ دقيقٌ بين كان وأخواتها وإن وأخواتها. هنا كانت المسألة مفتوحة من حيث توسط الخبر، سواءٌ أكان ظرفًا أم غيره، أما هنا فلا يجوز أن يتوسط الخبر إلا إذا كان ظرفًا أو جارًا ومجرورًا، ولا يجوز تقدمه مطلقًا وبإجماع لا خلاف في ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 مثل لنا بمثالين فقال "إن زيدًا قائمٌ"، "إنّ" حرف توكيد ونصب، ويمكن أن تقول "إنّ" حرفٌ ناسخ، هذه كلها حروف، وهناك أفعال في باب كان وأخواتها، أقول "إنّ" حرف ناسخ، أو "إنّ" حرف توكيد ونصب، "زيدًا" اسمها منصوب، "قائم" خبرها، ومثله قولك "ليت عمرًا شاخصٌ"، فـ"ليت" حرفٌ ناسخ، وعمرًا اسمها، وشاخصٌ خبرها. قال المصنف (وَمَعْنَى إِنَّ وَأَنَّ لِلتَّوْكِيدِ) ، أما "إنّ" فبإجماعٍ أنها تدل على التوكيد، وأما "أنّ" فبخلافٍ، فيها خلافٌ هل تدل على التوكيد أو لا تدل على التوكيد، من شواهد "إنّ" قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان (إنّ أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخصم) ، فأبغض هنا اسم "إنّ"، و"الألدُّ" خبرها، و"الخصم" يمكن أن تجعلها خبرًا ثانيًا ويمكن أن تجعلها صفةً لـ"الألد"، وقال الله عزّ وجلّ، وهذا شاهدٌ لإعمال "أنّ"، قال الله عزّ وجلّ ? أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ? [مريم:83] ، فـ"أنَّ" هذه من أخوات "إنّ"، وهي ناسخة، و"نَا" اسمها ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب، وقوله سبحانه ? أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ ? هذه الجملة واقعة في محل رفع خبر "أنَّ". قال المصنف (وَلَكِنَّ لِلِاسْتِدْرَاكِ) ، ومن شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ? [يونس: 44] ، فـ ? النَّاسَ ? هنا اسم ? لَكِنَّ ? منصوب، وجملة ? أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ? فـ ? أَنْفُسَهُمْ ? مفعول ? يَظْلِمُونَ ? مُقدّم، فـ ? أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ? هنا في محل رفع خبر ? لَكِنَّ ?، و ? لَكِنَّ ? هنا حرفٌ يدل على الاستدراك، وهذا معناه الذي ذكره المصنف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 مما يُقال في ? لَكِنَّ ? بعضهم يرى أنها حرفٌ واحدٌ، وبعضهم يقول لا، إنها مركبة من حرفين، من "لا" النافية و"كأنّ" وخُففت بحذف الهمزة، والصواب أنها حرف واحدٌ، ولذلك لا نحتاج إلى تطويلٍ في هذا الموضوع. أما "كأنَّ" يا أيها الأحباب فهي حرفٌ يدل على التشبيه، كما قال المصنف هنا، من شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ? [القصص: 82] ، ? وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ ?، ? كَأَنَّ ? حرفٌ ناسخٌ، ? اللَّهَ ? لفظ الجلالة اسمها منصوب على التعظيم، ? يَبْسُطُ الرِّزْقَ ? هذه الجملة في محل رفع خبر ? كَأَنَّ ?، و"كأنّ" كما ترون دالة على التشبيه. قال المصنف أيضًا (وَلَيْتَ لِلتَّمَنِّي، وَلَعَلَّ لِلتَّرَجِي) ، فما الفرق بين التمني والترجي، التمني طلب ما يستحيل حصوله أو ما يبعد حصوله، التمني طلب المستحيل أو ما يبعد حصوله، وأما الترجي فهو طلب ما هو قريب الحصول أو ممكن الحصول أو متوقع الحصول أيضًا، من شواهد ذلك قول الله صلى الله عليه وسلم في ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم سهر، فلما قدم المدينة قال (ليت رجلا من أصحابي صالحًا يحرسني الليلة) ، فـ (رجلا) هذا اسمها، و (من أصحابي) هذه جار ومجرور صفة لرجل، و (صالحٌ) صفة ثانية، وجملة (يحرسني) في محل رفع خبر (ليت) . من شواهد "لعل" قول الله عزّ وجلّ ? اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ? [الشورى: 17] ، فـ ? لَعَلَّ ? حرف ناسخ، و ? السَّاعَةَ ? اسمها، و ? قَرِيبٌ ? خبرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 لا بأس أن نذكر في ختام هذا الموضوع ما يتعلق بـ"لعل" من ما ذكره المرادي في كتابه، قال المرادي: و"لعل" لها ثمانية معانٍ، أولها كما ذكرنا قبل قليل الترجي، ومنها قولك "لعل الله يرحمنا"، ففي هذا المثال رجاؤك رحمة الله، المعنى الثاني من معانيها الإشفاق، كقولك "لعل العدوَّ قادم"، فأنت تتوقع وصوله أو تخاف منه أو تشفق منه فتقول ذلك، من معاني "لعل" التعليل، ومنه قول الله عزّ وجلّ ـ على سبيل المثال، وهو كثير ـ ? وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ? [البقرة: 150] ، أي "ولتهدوا" والله أعلم، من معانيها كما ذكر المرادي الاستفهام، ومنه وقول الله عزّ وجلّ ? وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ? [عيسى: 3] ، قال لأن المعنى هنا "وما يدريك هل يزكّى"، فكأنها دالة على الاستفهام في هذه الآية الكريمة، قال ومن معانيها الشك، ومنه أن تقول وأنت شاكٌّ في مجيء شخص "لعله يجيء"، أنت تشك في مجيئه، وهذه بعض المعاني التي أوردها المرادي في كتابه "الجنى الداني في حروف المعاني"، وهو كتابٌ قيم ذكر فيه الحروف عمومًا وخاصة التي لها معانٍ متعددة أو مختلفة، منها حروف الجر، منها إنّ وأخواتها، منها "إلا" وهكذا، ذكر لها معاني متعددة. هذه إنّ وأخواتها وقد انتهينا من الحديث فيها، ولا إشكال فيها إلا من ناحية تقدم أخبارها عليها كما ذكرتُ لكم أنه لا يجوز بإجماع، ومن ناحية توسط أخبارها بينها وبين أسمائها، وإلا فلا إشكالات فيها والحمد لله رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 ننتقل إلى بابٍ جديد ذكره المصنف وهوباب ظنّ وأخواتها، فقال المصنف رحمنا الله وإياه (وَأَمَّا ظَنَنْتُ وَأَخَوَاتُهَا فَإِنَّهَا تَنْصِبُ الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ عَلَى أَنَّهُمَا مَفْعُولَانِ لَهَا) ، تقول "ظننتُ زيدًا مجتهدًا"، "ظنَّ" فعلٌ ماضٍ، والتاء فاعل، "زيدًا" مفعول به أول، و"مجتهدًا" مفعولٌ به ثانٍ، فبعد أن كانت كلمة "زيدٌ مجتهدٌ" كانت مبتدءًا وخبرًا دخلت عليها "ظنّ" فنسخت حكمها فجعلت المبتدأ مفعولا به أولا، والخبر مفعولا به ثانيًا، وغيرت حكم الرفع إلى النصب، فصار المبتدأ منصوبًا على أنه مفعول به أول، وصار الخبر منصوبًا على أنه مفعول به ثاني. قال المصنف أيضًا (وَهِيَ: ظَنَنْتُ، وَحَسِبْتُ، وَخِلْتُ، وَزَعَمْتُ، وَرَأَيْتُ، وَعَلِمْتُ، وَوَجَدْتُ، وَاتَّخَذْتُ، وَجَعَلْتُ، وَسَمِعْتُ؛ تَقُولُ: "ظَنَنْتُ زَيْدًا قَائِمًا"، وَ"رَأَيْتُ عَمْرًا شاخصًا"، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) ، نبدأ بآخر كلمة قالها لأنه قليلا ما ذُكرت هذه الكلمة وهي كلمة "سمعتُ"، هو ذكرها وقد سبقه بعض النحويين وهو الفارسي، ذكرا أنها من أخوات ظنَّ وأنها تنصب مفعولين، لكن بشرط أن يكون المفعولان اللذان تنصبها "سمع" ليس كلامًا، يعني لو قلتَ "سمعتُ زيدًا" هنا تنصب مفعولا به واحد، يعني "سمعتُ كلام زيدٍ". فهذه لا تنصب إلا مفعولا به واحد، لكن لو قلت "سمعتُ زيدًا مجتهدًا"، هذه هي التي تنصب مفعولين، وكما قلتُ لكم إنه قليلٌ من النحويين ذكرها في باب ظنّ وأخواتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 ثم نعود من الأول فنقول هذه الأفعال تدخل على المبتدأ والخبر فتنصبهما مفعولين، هذه الأفعال لابد أن تكون معانيها متعلقةً بالقلب أو بالفكر، ولذلك يسميها بعضهم باب الأفعال القلبية، أو باب الأفعال التي تنصب مفعولين، أو باب ظن وأخواتها، هناك تسميات متعددة لهذا الباب، لكن لابد أن تكون معانيها متعلقةً بالقلب أو بالفكر أو بالعقل أو ما شاكل ذلك. بعضها يدل على اليقين في الخبر، وبعضها يدل على الرجحان، وبعضها يحتمل الأمرين ويغلب فيه مثلا الرجحان وبعض آخر يغلب فيه اليقين، وكل واحدةٍ منها سنبين عندما نذكرها إن شاء الله تعالى ما الأصل فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 فنبدأ أولا بـ"ظنّ"، "ظنّ" الكثير والغالب فيها أن تدل على الرجحان في الخبر، من شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ? [هود: 27] ، "ظنّ" هنا دالة على الرجحان في الخبر، والكاف مفعول به أول، و ? كَاذِبِينَ ? مفعولٌ به ثان. أما ورودها دالة على اليقين في الخبر ـ وهذا قليل، فالغالب فيها أن تدل على الرجحان ـ فنحو قول الله عزّ وجلّ ? وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ?45? الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ?46? ? [البقرة:45، 46] ، هؤلاء الخاشعون متيقنون بأنهم ملاقون الله سبحانه وتعالى، فليس مترجحًا عندهم، بل هو يقين، ولذلك خشعوا في صلاتهم، ? وَإِنَّهَا ? يعني الصلاة، ? وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ?45? الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ?46? ?، أين مفعولاها؟ "أنّ" وما دخلت عليه سدّت مسدّ المفعولين، بعضهم يرى أن "أنّ" وما دخلت عليه مفعول به أول، والمفعول به الثاني مقدر، فيكون التقدير في هذه الآية الكريمة "يظنون ملاقاة ربهم حاصلة"، وهكذا انهجوا هذا النهج في كل ما ورد في باب "ظنّ" وأخواتها "أنّ" وأخواتها فإنه يمكن أن تؤولها بمصدر فتجعلها كافية أو سادة مسد المفعولين، أو تقول لا، هذا مصدر وهو المفعول به الأول والمفعول به الثاني مقدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 من شواهد "حسب" قول الله عزّ وجلّ ? وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا ? [الإنسان: 19] ، "حسب" هنا الغالب فيها أن تدل على الرجحان في الخبر، "حسب" هذا هو الفعل، والتاء فاعل، و"هم" مفعول به أول، و? لُؤْلُؤًا ? مفعولٌ به ثانٍ، أما ورود حسب ـ وهو قليل ـ دالةً على اليقين في الخبر فكقول الشاعر: حسبت التقى والجود خير بضاعة رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقل "حسبت التقى والجود خير"، فـ"التقى" هو المفعول به الأول، و"خير" هو المفعول به الثاني. أما "خال" يا أيها الأحباب فكذلك، الكثير والغالب فيها أن تكون دالة على الرجحان في الخبر، ولكن قد ترد دالة على اليقين في الخبر، ومنه قول الشاعر: إخالك إن لم تغضض الطرف ذا هوى يسومك ما لا يُستطاع من الوجد "إخال" هذا فعلٌ مضارع، والكاف مفعولٌ به أول، و"ذا هوًى" مفعولٌ به ثاني منصوب، وعلامة نصبه الألف لأنه من الأسماء الخمسة، أما ورود خال دالة على اليقين في الخبر فهو قليل، ولكن يستشهدون له بقول الشاعر: دعاني الغواني عمهن وخلتني لي اسم فلا أدعى به وهو أول يعني أن الغواني قلن لي "يا عم"، وهو لا يريد أن يقلن له "يا عم" لأنه يرى نفسه شبابًا، فيقول " وخلتني لي اسم فلا أدعى به وهو أول "، يعني أحسن أن يُقال لي فلان، ولا يقلن "يا عم"، المهم أن "خال" هنا تدل على اليقين، لأنه متأكد أن له اسم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 أما "زعم" فلا تدل إلا على الرجحان في الخبر، ولا تدل إلا على الرجحان في الخبر، ولا تدل على اليقين، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ? [الجمعة: 6] ، ومنه قوله سبحانه ? زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ? [التغابن: 7] ، وأكثر ما تتعدى به "زعم" أن تكون داخلة على "أنَّ" واسمها وخبرها، أو على "أنْ" وما يتلوها من مصدر أو ما يؤول بمصدرٍ بعدها، هذا أكثر ما يجئ الفعل زعم، وقد ورد ناصبًا لمفعولين ليس فيهما لا "أنْ" ولا "أنَّ"، ومنه قول الشاعر: زعمتني شيخًا وليستُ بشيخٍ إنما الشيخ من يدب دبيبً " زعمتني شيخًا "، الياء مفعول به أول، و"شيخًا" مفعول به ثاني. أما "وجد" فهي أحيانًا تكون قلبية، وأحيانًا بمعنى عثر على ضالته، يعني وجدها، وأحيانًا تكون بمعنى حقد عليه، "وجد على فلانٍ" يعني حقد عليه، فإذا كانت بمعنى حقد فهي ما تتعدى إلى شيءٍ، لا تنصب أصلا مفعول به، وإن كانت بمعنى عثر على ضالته فهي تنصب مفعولا به واحد، تقول "وجد محمدٌ بعيره"، أو "قلمه" أو "كتابه"، وأما في هذا الباب فإنها تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، في قول الله عزّ وجلّ ? وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا ? [الكهف: 53] ، من أي الأنواع هذه؟ هذه من مثل قولك "وجد فلانٌ ضالته". أما ورودها ناصبةً لمفعولين فنحو قول الله عزّ وجلّ ? تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ? [المزمل: 20] ، ? تَجِدُوهُ ? مفعول به أول، و ? خَيْرًا ? مفعولٌ به ثاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 أما "رأى" فالكثير والغالب فيها أن تكون دالة على اليقين في الخبر، وقد ترد دالة على الشك أو على الرجحان في الخبر، ومن ذلك جُمع بين الدلالتين في قول الله عزّ وجلّ ? إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ?6? وَنَرَاهُ قَرِيبًا ?7? ? [المعارج: 6، 7] ، فأما قوله سبحانه ? إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ? فإن هذه الرؤية تدل على الرجحان في الخبر، لأنه يترجح عندهم بعد قيام الساعة، أما قوله سبحانه ? وَنَرَاهُ قَرِيبًا ?، فإن هذا يدل على اليقين في الخبر، وهو الغالب فيها. قبل أن ننتقل عن "رأى"، "رأى" أحيانًا تأتي بصرية، وأحيانًا تأتي علمية وهي التي ذكرناها في هذه الآية الكريمة، وأحيانًا تأتي حُلمية، يعني من "الحُلم" وهو المنام، فإذا كانت بصرية فإنها تنصب مفعولا به واحد فقط، تقول "رأيتُ محمدًا"، أو "رأيتُ الباب"، أو "رأيتُ الأرض"، إلخ، لا تنصب إلا مفعولا به واحد، وإن كانت قلبية فإنها تنصب مفعولين كما ذكرت لكم قبل قليل، ? إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ?6? وَنَرَاهُ قَرِيبًا ?7? ? [المعارج: 6، 7] ، وإن كانت حُلمية فكذلك، تنصب مفعولين، قالوا ومنه قول الشاعر: أبو حنشٍ يؤرقني وطلق ...... وعمّارٌ وآونة أُثالى أراهم رفقتي حتى إذا ما ...... تجافى الليل وانخزل انخزال إذا أنا كالذي يجري لورد .... إلى آلٍ فلم يدرك بلال " أراهم رفقتي حتى إذا ما تجافى الليل وانخزل انخزالا "، الآن دليل على أن هذه الرؤية رؤية منامية، والشاهد عندنا في قوله " أراهم رفقتي"، فإن "أرى" هنا حُلمية، وقد نصبت مفعولين، الأول هم قولهم "هم"، والثاني هو قوله "رُفقتي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 أما "علم" فهي مثل رأى في الدلالة، ذلك أن الغالب فيها أنها تدل على اليقين في الخبر، ولكن أيضًا قد تدل على الرجحان، أما دلالتها على اليقين فمن شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ? [محمد: 19] ، ? فَاعْلَمْ ? يعني تيقن أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك، وأما دلالتها على الرجحان فقد وردت في مواضع قليلة، ولكن منها قول الله عزّ وجلّ ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ? [الممتحنة: 10] ، لأن المعنى هنا ـ والله أعلم ـ "فإن ترجح لديكم إيمانهن"، لأن اليقين الله وحده هو المطلع عليه، أنت لا تستطيع أن تحكم بأن فلانًا مؤمن أو أنه ليس مؤمن، لكن الذي يترجح لديك هو إيمانه أو يترجح عدم إيمانه، فالظاهر ـ والله أعلم ـ أن علم في هذه الآية تدل على الرجحان في الخبر. ومن الأفعال التي ذكرها المؤلف "اتَّخذ"، و"اتخذ" ليست من الأفعال القلبية وإنما هي فعلٌ يدل على التصيير، والأفعال الدالة على التصيير تدخل أيضًا على المبتدأ والخبر فتنصبهما مفعولين، ولكن معانيها ليست متعلقة بالقلب، ومن شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ? [النساء: 125] ، ? اتَّخَذَ ? هذا فعلٌ ماضٍ، ? اللَّهُ ? لفظ الجلالة فاعل، ? إِبْرَاهِيمَ ? مفعولٌ به أول، و? خَلِيلًا ? مفعولٌ به ثانِ. فيه كلمة "اتخذ" بعضهم يخفف فيقول "تخذ"، وهي تعمل العمل نفسه فتنصب مفعولين، ومن شواهدها قول الشاعر: تخذتُ غراز إثرهمُ دليلا وفروا في الحجار ليعجزوني "تخذ" هذا فعل ماضٍ، والتاء فاعل، و"غراز" مفعول به أول، و"دليلا" مفعولٌ به ثاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 من الأفعال أيضًا التي ذكرها المصنف "جعل"، و"جعل" الموجودة عندنا في هذا الباب نوعان، واحد منها للظن أو متعلق معناه بالقلب، ونوعٌ آخر للتصيير، وكلا الأمرين يعملان العمل نفسه، فينصبان مفعولين، مما كان معناه متعلقًا بالقلب قول الله عزّ وجلّ ? وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا ? [الزخرف: 19] ، يعني اعتقدوهم، ما صيروهم طبعًا، لكنهم اعتقدوا أن الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا، فالملائكة هنا مفعول به أول لـ"جعل"، والواو طبعًا في ? جَعَلُوا ? فاعل، و? إِنَاثًا ? مفعولٌ به ثانٍ. أما "جعل" التي بمعنى "صيّر" فلعل من شواهدها ما رواه الشيخان من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قوله (جعل الله الرحمة مائة جزءٍ، فأمسك عنده تسعًا وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه) ، اللهم ارحمنا برحمتك يا رب العالمين، انظر إلى هذه الرحمة العظيمة، ? وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ? [الأعراف: 156] ، هذه الرحمة التي يتراحم بها الخلق في هذه الدنيا كلها جزءٌ واحدٌ مما ادخره الله ليوم القيامة، نسأل الله العلي القدير أن يرحمنا وإيّاكم، الشاهد عندنا في قوله (جعل الله الرحمة مائة جزءٍ) ، (جعل) هذا هو الفعل الذي بمعنى "صيّر"، و (الله) لفظ الجلالة فاعل، و (الرحمة) مفعولٌ به أول، و (مائة جزءٍ) مفعول به ثاني، وهو مضاف طبعًا وكلمة (جزءٍ) مضاف إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 أما "سمع" فقد أنهينا الحديث فيها في بداية الأمر، وقد أهمل المصنف رحمه الله بعض أفعال التصيير فلم يذكرها، ويذكر بعض النحويين هذه الأفعال، أنا أذكر لكم بعضها ونترك بعضها الآخر، من الأفعال التي ذكرها بعض النحويين "ودّ"، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ? [البقرة: 109] ، ومن أفعال التصيير أيضًا التي تركها المصنف"ترك"، ومنها قول الله عزّ وجلّ ? وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ? [الكهف: 99] ، فـ"ترك" فعلٌ يدل على التصيير. وأيضًا منها "صيّر"، وهي فعلٌ أيضًا يدل على التصيير بصيغته وبلفظه، هذه الأفعال التي تركها المصنف، ونكتفي بهذا القدر بالنسبة للأفعال التي تركها المصنف، ونستمع منكم إذا أردتم أن تسألوا شيئًا متعلقًا بهذه الحلقة أو بغيرها. سأل أحد الطلبة: ما تعريف ظنّ وأخواتها؟ وما الفرق بينها وبين باقي الأفعال؟ أجاب الشيخ: أولا بارك الله فيك، هذا الباب يُسمّى باب أفعال القلوب أحيانًا، ويُسمى باب ظن وأخواتها، ويسمى باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر فتنصبهما مفعولين، فمن خلال هذه التسميات يمكن أن نأخذ الفرق بينها وبين بقية الأفعال، وهي أن معظم الأفعال لا تنصب مفعولين، وإنما ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر وظن وأخواتها وكذلك الأفعال الدالة على التصيير. هناك أفعال تنصب مفعولين أيضًا ولكن ليس أصل المفعولين مبتدءًا وخبرًا، وهي ما يسمونه بباب أعطى، وباب كسا، "كسوتُ زيدًا جُبّةً" مثلا، و"أعطيتُ عمرًا دينارًا"، "عمرو" و"دينار" ليس أصله مبتدءًا وخبرًا، فهذا يميزها عن بقية الأفعال أنها تنصب مفعولين. وأما تعريفها فلا أعرف شيئًا يمكن أن نقوله فيه إلا أن نقول إنها أفعالٌ متعلقةٌ بالقلب في الغالب، وأحيانًا تكون أفعالا دالة على التصيير، وهي تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر. سأل أحد الطلبة: بارك الله فيكم فضيلة الشيخ، إذا أُلحقت ما بأخوات إن فهل تُبطل عملها أم لا؟ أجاب الشيخ: هذا مما تركته اختصارًا، ولكن بارك الله فيك حين سألت عنه، "ما" إذا دخلت على إنّ وأخواتها فإنها تبطل عملها قولا واحدًا وتهيؤها للدخول على الجمل. ونكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 الدرس الثالث عشر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته. أرحب بكم في بداية هذه الحلقة وننتقل إلى موضوع جديد من الموضوعات التي أشار إليها أو ذكرها ابن آجروم رحمه الله تعالى وهو أول باب من أبواب التوابع وهو باب النعت والتوابع لفظ يشمل عدد من الأمور يتبع فيها المتأخر المتقدم في إعرابه، يعني أنه يأخذ حركته رفعاً كانت أو نصباًَ أو خفضاًَ أو جزما، وسيتبين ذلك إن شاء الله تعالى من الأمثلة التي سنذكرها ومما نتحدث فيه بإذن الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 أول هذه الأبواب التي ذكرها المصنف رحمه الله قوله (باب النعت، النعت تابع للمنعوت في رفعه ونصبه وخفضه وتعريفه وتنكيره، تقول قام زيد العاقل ورأيت زيداً العاقل ومررت بزيد العاقل) وهذا كما ترون يا أيها الأحباب كلمة عاقل هي النعت بعضهم يسمي هذا الباب باب الصفة، بعضهم يسميه باب النعت وهذه تسميات واصطلاحات ولا مشاحة في الاصطلاح قلت كلمة العاقل صفة لزيد أهلا بك وسهلاً قلت كلمة العاقل نعت لزيد أهلا به وسهلا، الغالب في النعت أن يكون وصفاً وأن يكون مشتقاً، الغالب في النعت أن يكون وصفاً والوصف المقصود به اسم الفاعل اسم المفعول، الصفة المشبهة أفعال التفضيل ما شاكل ذلك هذا المقصود بالوصف وأما كونه مشتقاً فهذا هو الغالب والكثير وقد يأتي جامداً قد يأتي جامداً ولكنه قليل ولابد أن تؤوله بمشتق، وإلا فلا يصح فمثلاً إذا قلت مررت برجل عدل، عدل هذا جامد لأنه مصدر فلابد أن تؤوله بأنك تقصد المبالغة في كونه عادلاً وعادل هذا مشتق، فإذاً لا يقع النعت إلا إما مشتق وإما مؤول في المشتق إذا كان جامداً فهو مؤول بالمشتق وهذا متعارف عليه عند النحويين بعضهم يعرف النعت بقوله النعت تابع يدل على معنى في متبوعه، يدل على معنى في متبوعه، فأنت إذا قلت مثلاً في مثال المصنف هنا، قام زيد العاقل، فالنعت هو كلمة العاقل وهي تدل على معنى في كلمة زيد وهو المتبوع، وهو المتبوع فهذا هو تعريف النعت عند بعضهم المصنف هنا لم يعرف النعت وإنما قال هو تابع للمنعوت في رفعه يعني بيّن لنا حكم النعت أنه يأخذ حكم المنعوت رفعاً ونصباًَ وخفضاً ولم يذكر لنا جزم وربما ذكره فيما بعد، وربما ذكره فيما بعد، لكن طبعاً أظهر ما يظهر أو ظهر شيء في هذا هو يعني التبيعة في الاسم بحيث يكون إن الاسم مرفوعاً صار مرفوعا، منصوباً صار منصوباً، مجروراً صار مجروراً، أما في الأفعال فقد يكون بعضها يعني تكرر معه الجازم وربما تبين لنا من ذلك يعني من بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 الأمثلة التي ستأتي إن شاء الله تعالى الأمثلة التي ذكرها المصنف هي صالحة طابعة للرفع وللنصب وللخفض وهو الجر كما يعبر به بعضهم وأما كونه كون النعت تابعاً للمتبوع في حركاته الإعرابية فهذا لا خلاف فيه ولابد أن يكون حاصلاً سواء كان نعتاً حقيقياً أم كان نعتاًَ سببياً، وسنبين الفرق بينهما يعني إذا قلت قام زيد العاقل، فالعاقل هذه نعت حقيقي لكلمة زيد لكن لو قلت قام زيد العاقل أبوه فهذا نعت سببي لأنك وصفته بشيء له علاقة به له علاقة به هذا يختلف في بعض الأحكام لكنه من ناحية الحركة إلزامي فالجميع سواء كان النعت حقيقياً أم كان النعت سببيا لابد أن يوافق وأيضاً لابد أن يوافق النعت منعوتة تعريفاً وتنكيرا، إذا كان المنعوت معرفة فلابد أن يكون النعت معرفة وإذا كان نكرة تقول مررت برجل صالحٍ ولا يجوز أن تقول مررت برجل الصالح مثلاً وتقول رأيت الرجل الصالح ولا يجوز أن تقول رأيت الرجل صالحاً إلا على معناً آخر، على أن تكون صالحاً هذه ليست نعتاً وإنما هي حال فإذاً اتفقنا على أمرين: الأمر الأول: أن النعت يتبع منعوته في حركاته الثلاث رفعاً ونصباً وخفضاً. والأمر الثاني: أنه يتبع منعوته في تعريفه وفى تنكيره، وهذا يعني شبه مجمع عليه الثاني، شبه مجمع عليه، ولم يخالف إلا الأخفش فقد خالف مخالفة يسيرة لا أريد التطويل في الحديث عنها وعند الرجوع إلى كتاب معاني القرآن وجدنا فيه غير ما ينسبون إليه، غير ما ينسبون إليه، في هذا الموضوع لأنه قال: إنه يجوز أن تنعت النكره بالمعرفة إذا كان النعت ثانياً، يعني تنعت أول شيء بنكرة ثم تنعت بعد هذا بمعرفة هذا يقولون أو ينسبون إليه أن هذا الكلام موجود في كتابه وعند العودة إلى كتابه لم نجده في كتاب معاني القرآن للأخفش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 النعت السببي يا أيها الأحباب، هو مثل قولك مررت برجل مسلمة أمه، مررت برجل مسلمة أمه، انظر رجل هذا مذكر ولما ذكرت يعني النعت السببي جعلت التذكير والتأنيث تابعاً لما بعده وليس تابعاً له، فإذاً عندنا عدد من الأمور خمسة لابد أن يوافق فيها النعت المنعوت مطلقاً، وخمسة أحياناً يوافق وأحياناً لا يوافق، فأما النعت الحقيقي فيوافق في كل شيء الخمسة الباقية هي الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، إذا كان النعت حقيقياً لابد من الموافقة في كل شيء وإن كان النعت سببياً لابد من الموافقة في الخمسة الأول وهي الحركات الثلاث والتعريف والتنكير أما التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع، فهو تابع لما بعده وانظر إلى قولنا الذي ذكرناه قبل قليل مررت برجل مسلمة أمه انظر إلى الحركة موافقة ومسلمة هذه جاءت مؤنثة مع أن المنعوت مذكر لماذا قال لأنها رفعت كلمة أم وأم هذه مؤنث فأنت تنظر لما بعده وكذلك في الإفراد والتثنية والجمع فإنه ينظر لما بعده في النعت السببي، ممرت برجل مسلمة أمه وتقول أيضاً رأيت طالبة مسلماً أبوها مسلماً نعت لطالبة ولكنه نعت سببي فأنت نظرت حينئذ إلى ما بعده فذكرته تبعاً لما بعده ولم تنظر إلى ما قبله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 أحياناً بالنسبة للإفراد والتثنية والجمع، أحياناً لا تستطيع أن تطابق ما بعده فتقول مثلاً جاء الرجل المجتهد إخوانه، المجتهد هذا واحد وإخوانه هؤلاء جماعة يجوز لك طبعاً أن تقول المجتهدون إخوانه لكن الأولى في هذا ويترجح أن تفرد تبعاً لكلام الذي قلناه في نحو قول الله تعالى ? ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ? [المائدة:71] لأن هذا المتأخر مرفوع على أنه فاعل لكلمة المجتهد والأصل في مثل هذا ألا تُلحق به ما يدل على أن الفاعل مثنى أو مجموع فهذا هو يعني الذي يمكن أن يتوقف فيه، من حيث أنه في بعض الأحيان لا يترجح أما الجواز هو جائز لكن لا يترجح مطابقته لما بعده في الإفراد والتثنية والجمع نذكر الصفات مرة ثانية نعددها: واحد: الرفع، النصب، الخفض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 ثلاثة بل أربعة: التذكير، والتأنيث هذه لابد من الموافقة فيها سواء أكان النعت حقيقياً أم سببياً، ثم بعد هذا هناك خمسة أخرى يمكن أن توافق ويمكن ألا توافق، وذلك في النعت السببي، فالنعت السببي هذا تنظر فيه من ناحية التذكير والتأنيث تطابق لما بعده ومن ناحية الإفراد والتثنية والجمع أيضاً تنظر لما بعده ولكنه ليس دائماً، يجوز لك المطابقة بالنسبة للإفراد والتثنية والجمع لما بعده خوفاً من الوقوع في اللغة التي قلنا إنها قليلة طبعاً ولكنها جائزة في نحو قول الرسول صلى الله عليه وسلم (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار) ، فهذا هو الذي يقال عن النعت والمصنف هنا ذكر بعد النعت شيئاً متعلقاً بالنعت وهو أنواع المعارف ولعله ذكر ليبين أنه إذا كان المنعوت معرفة فلابد أن يكون النعت معرفة، وإذا كان المنعوت نكرة فلابد أن يكون النعت نكرة فمن أجل هذا ذكر أنواع المعارف بعده وسيطول الحديث فيها لذلك يعني سيطول الحديث فيها لأنها أبواب متعددة وليست باباً واحداً لذلك سيتأخر الحديث عن بقية التوابع حتى ننتهي من المعارف، حتى ننتهي من المعارف، ولذلك قال الصنف والمعرفة خمسة أشياء، بعض النحويين يجعلها ستة، بعض النحويين يجعل المعارف ستة وبعضهم يجعلها سبعة، وصاحبنا هنا اكتفى بستة بل اكتفى بخمسة الذي يذكره معظم النحويين يجعلونها ستة أنواع فيقولون المعارف هي: الضمير، والعلم، واسم الإشارة، والاسم الموصول، والمعرف بـ ال، والمضاف إلى واحد من هذه الخمسة، معظم النحويين، بعض النحويين يزيد واحداً نوعاً من المعارف وهو النكرة المقصودة بالنداء، يعني إذا كان أمامك رجل وأنت تقصد هذا الرجل فتناديه فتقول يا رجل، هذه بعضهم يلحقها بباب المعارف ويقول إنها اكتسبت التعريف من قصدها بالنداء، من قصدها بالنداء ولكن بعضهم لا يذكرها ومعظم النحويين لا يذكر هذا، أيضاً معظم النحويين، لا يجعل المعارف خمسة كما ذكر صاحبنا هنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وهو قد أسقط الاسم الموصول، صاحبنا أسقط الحديث عن الاسم الموصول وبدأ بالحديث عن الضمائر فقال الاسم والمعرفة خمسة أشياء، الاسم المضمر نحو أنا وأنت، والضمير فيه كلام طويل جداً ولكن نبدأ بتعريفه ثم نذكر لكم بعض تقسيماته ولن نطيل الحديث فيها إن شاء الله تعالى، لكن تعريفه هو ما دل على متكلم كأنا أو مخاطب كأنت أو غائب كهو هذا هو الضمير، هذا هو الضمير ما دل على متكلم كأنا أو مخاطب كأنت أو غائب كهو ثم بارك الله فيك يقسمون الضمير عدة تقسيمات أول هذه التقسيمات أنه ينقسم إلى مستتر وبارز فأما المستتر فهو الذي لا صورة له باللفظ الموجود عندك كقولك مثلاً قم فإن فيه ضميراً مستتراً، وأما البارز فهو ما كان له صورة في اللفظ كقولك أنا مؤمن أو قولك كنت فإن التاء ضمير وهو بارز مذكور هذا هو التقسيم الأول التقسيم الثاني يقسمون الضمير من ناحية الاتصال والانفصال فيقولون الضمير إما متصل وإما منفصل، والضمير المتصل هو الذي لا يبتدأ به الكلام ولا يقع بعد إلا، الضمير المتصل هو الذي لا يبتدأ به الكلام ولا يقع إلا بعد إلا الضمير المنفصل، هو الذي يمكن أن يبتدأ به الكلام ويمكن أن يكون في آخر الكلام مثلا لا مانع أقول، الضمير المنفصل هو الذي يمكن أن يبتدأ به الكلام ويمكن أن يقع بعد إلا قال الله عزّ وجلّ? اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ? [البقرة: 255] وقال سبحانه وتعالى? أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ? [يوسف: 40] هذا ضمير منفصل منصوب في إياه وهذا ضمير منفصل مرفوع في قوله عزّ وجلّ ?إِلَّا هُوَ ? ففى كل هذه الأمور إذا كان للضمير يبتدأ به كقولك أنا مسلم أو يقع بعد إلا فهو ضمير منفصل، وإن كان لا يبتدأ به ولكن له صورة في اللفظ تراه أمامك تتحدث به تتكلم به فهذا ضمير متصل لا يبتدأ به ولا يقع إلا بعد إلا قال الله عزّ وجلّ ?وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى? [طه:13] أنا هنا ضمير رفع منفصل ثم هناك تفسير آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 يقسمون الضمير المنفصل بل قبل هذا نأخذ الضمير المتصل يقسمون الضمير المتصل من حيث المواقع الإعرابية ثلاثة أقسام، الضمير المتصل له من حيث المواقع الإعرابية ثلاثة أقسام القسم الأول ما لا يقع إلا في محل رفع، وهو خمسة ضمائر الألف يعني ألف الاثنين، وواو الجماعة وياء المخاطبة ونون النسوة وتاء الفاعل مرة ثانية هذه الضمائر الخمسة لا تقع إلا في محل رفع وهي ألف الاثنين، وواو الجماعة وياء المخاطبة ونون النسوة وتاء الفاعل سواء كانت للمتكلم أم للمخاطبة أم لغيره انتهينا من هذا. ننتقل إلى النوع الثاني من الضمائر المتصلة وهو ما لا يقع في محل رفع بل يقع إما في محل نصب أو في محل جر وهو ثلاثة ضمائر وهي ياء المتكلم وهاء الغائب وكاف المخاطبة مرة ثانية هذه الضمائر لا تقع في محل رفع بل إما أن تقع في محل نصب وإما أن تقع في محل جر وهي ياء المتكلم وكاف المخاطب وهاء الغائب لا تقع في محل رفع أبداً. النوع الثالث بارك الله فيكم، هو ما يقع في محال الإعراب الثلاثة أحياناً يقع في محل رفع وأحياناً يقع في محل نصب وأحياناً يقع في محل جر وهو ناء المتكلمين خاصة قال الله عزّ وجلّ ?رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ ? [آل عمران:193] فـ "نا" في ربنا في محل خفض مضاف إليه وإننا في محل نصب وسمعنا في محل رفع. وهذا تقسيم الضمائر المتصلة المتصلة من ناحية الإعراب أو من ناحية المواقع الإعرابية بعضها لا يقع إلا في محل رفع وبعضها يقع في محل رفع أو في محل نصب وبعضها يقع في محل الإعراب الثلاثة وهو ضمير واحد وهو "نا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 أما الضمائر المنفصلة يا أيها الأحباب فإنها أيضاً لها تقسيم من الناحية الإعرابية فإن بعضها يقع في محل رفع فقط، وبعضها يقع في محل نصب فقط ولا يوجد ضمير منفصل يقع في محل جر، مرة ثانية الضمائر المنفصلة إما أن تكون في محل رفع وهي يسمونها بضمائر الرفع المنفصلة وإما أن تكون في محل نصب وهي التي يسمونها بضمائر النصب المنفصلة ولا يوجد عندنا ضمائر جر منفصلة، لا يوجد عندنا ضمائر جر منفصلة. نبدأ بضمائر الرفع المنفصلة، هي اثنا عشر ضميراًُ، أولها ضميران للمتكلم وهما أنا ونحن أما أنا فللواحد وأما نحن فلمن عاداه وأيضاً يوجد ضمائر رفع للمخاطب وهي خمسة أنت للمخاطب وأنتِ للمخاطبة وأنتما للمخاطبين وللمخاطبتين وأنتم للمخاطبين وأنتن للمخاطبات وأظن هذا واضح وكل هذه ضمائر رفع منفصلة بقي خمسة ضمائر للغائب وهي: هو للغائب الواحد وهي للغائبة، وهما للغائبين وللغائبتين، وهم للغائبين وهن للغائبات وأمثلتها لا تحصى من القرآن الكريم ومن غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 هذه ضمائر الرفع المنفصلة، أما ضمائر النصب المنفصلة فكذلك هي اثنا عشر لفظاً قلت هنا لفظاً وقلت هناك اثنا عشر ضميراً لماذا؟ لأن قولي هنا لفظاً مبني على خلاف، ما نوع الضمير فيها وهل كل واحد منها ضمير ما يخصه أو أن الضمير لفظة واحدة فيها سننظر إن شاء الله بعد الانتهاء من سردها سنذكر هذه الضمائر ضمائر النصب المنفصلة اثنان للمتكلم وهما إياي للواحد وإيانا لمن عداه وأما المخاطب فله خمسة ضمائر وهي إياك للواحد وإياك للمخاطبة وإياكما للمخاطبين وللمخاطبتين وإياكم للمخاطبين وإياكن للمخاطبات هذه ألفاظ بعد قليل سنرى هل هي ضمائر فعلاً أو بعضها ضمير، أما الغائب فإن الواحد يقال عنه إياه والواحدة يقال إياها غائبة والغائبان والغائبتان يقال إياهما والغائبين يقال إياهم والغائبات يقال إياهن، ثم نعود إلى ما وعدتكم به وهو النظر أين الضمير من هذه معظم الأقوال ترى أن الضمير هو إياه واحدة وأن ما لحق به مثل الياء في إياي أو الكاف في إياك إنما هي حروف تدل على نوعية صاحب الضمير أهو متكلم أم مخاطب أم غيره بعضهم يرى العكس يرى أن إي إنما هي عامود وإنما الضمير هو الياء في إياي أو الكاف في إياك وهذا إنما جاء ليعتمد عليه هذا الضمير لأنه سيصير ضميراً متصلاً والضمير المتصل كما ذكرنا لا يعتمد على نفسه ولا يبتدأ به الكلام. قول ثالث: أن إي هي الضمير وأن الياء ضمير أيضاً وقد أضيف أحدهما إلى الآخر، يعني صار عندنا ضميران بعضهم يقول لا إي اسم والهاء ضمير وقد أضيف الاسم إلى الضمير والصواب في ذلك والله أعلم أن إياي كلها ضمير ولماذا تفرعون وتكثرون الكلام علينا فنحن نرى أن إياي كلها أو إياك أو إياه أو إياهما كلها ضمير واحد وهو ضمير نصب متصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 سؤال: قلتم لا يوجد ضمير جر منفصل، أنا أقدم السؤال قبل أن تسألوني فأسأل نفسي هذا السؤال إذا كان عندنا مثلا توكيد التوكيد تعرفون أنه يتبع ما قبله فأنا أريد أن أؤكد ضميراً في محل جر فماذا أفعل؟ ما عندي ضمير منفصل يمكن أن أؤكد به، تقول جئت أنت، أنت توكيد للتاء ورأيتك أنت، أنت توكيد للكاف مع أن أنت ضمير رفع والكاف ضمير نصب، مررت بك ماذا تفعل به؟ مثله، أكدت بضمير الرفع المنفصل أي ضمير متصل يعني سواء كان في محل رفع أو في محل نصب أو في محل جر، أكدت بضمير الرفع المنفصل كل ضمير متصل على أي حالة إعرابية كان، فإذاً لسنا بحاجة إلى ضمير جر منفصل، السبب في هذا يا أيها الأحباب أنا لم نجد بكلام العرب شيئاً، ليس في كلام العرب ضمير جر منفصل فلذلك اكتفينا بأن نؤكد إذا احتجنا لضمير يكون في محل جر أن نأتي بضمير الرفع وهو يغني، ولكن هل يجوز أن تقول مررت بك إياك، بعضهم أجاز وقالوا إن النصب قريب من الجر، النصب قريب من الجر فلا بأس أن تؤكد به لكن الأولى كما ذكرت لكم وهذا موجود في كلام العرب أن تؤكد بضمير الرفع المنفصل، أن تؤكد بضمير الرفع المنفصل في قول الله عزّ وجلّ ? يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ? [البقرة:40] هذا ضمير نصب منفصل، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (اليد العليا خير من اليد السفلى) فاليد العليا هي المنفقة والسفلى هي السائلة وقوله هي هذا ضمير رفع منفصل وقال الله عزّ وجلّ ? إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ? [الفاتحة:5] فإياك ضمير نصب منفصل وقال الله عزّ وجلّ ?وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ? [النساء:131] هذا ضمير نصب منفصل وقال سبحانه وتعالى ? أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ? [يوسف: 40] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 هذا ضمير نصب منفصل والأمثلة والشواهد على ذلك كثيرة الأمثلة والشواهد على ضمائر الرفع المنفصلة وعلى ضمائر النصب المنفصلة كثيرة أما شواهد الضمائر المتصلة فنحو قول الله عزّ وجلّ ? يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ? [آل عمران:43] الياء في هذه المواضع الثلاثة ضمير متصل مبني في محل رفع وقال صلى الله عليه وسلم مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه يوصيني الياء هنا ضمير متصل في محل نصب بيوصي ? قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ? [لأعراف: 156] الياء هنا في محل جر مضاف إليه وقال الله سبحانه وتعالى ? قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ? [مريم:30] الياء هنا في محل نصب وقال سبحانه وتعالى ? مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى? [الضحى:3] فالكاف في ودعك في محل نصب وفى ربك في محل جر ما ودعك ربك لأنها مضاف إليه وقال سبحانه وتعالى ? قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ? [الكهف: 37] له الهاء هنا في محل جر صاحبه في محل جر مضاف إليه يحاوره في محل نصب وقال الله سبحانه وتعالى كما ذكرت لكم قبل ?رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ ? فجاءت نا هنا في هذه المواضع الثلاثة مختلفة الإعراب في قوله سبحانه ربنا هذه في محل جر مضاف إليه إننا في محل نصب سمعنا في محل رفع هذه هي الضمائر المتصلة والضمائر المنفصلة وقد ذكرت لكم بعض الأمثلة المتعلقة بها في قول الله عزّ وجلّ ? وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ? [الإسراء: 31] هذا من الضمائر المنفصلة ومنه قول الله عزّ وجلّ ? وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ? [يونس: 28] هذه من ضمائر النصب المنفصلة وقال سبحانه وتعالى ? رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ? [لأعراف: 89] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 هذه من ضمائر الرفع المنفصلة وقال سبحانه وتعالى ? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ? [الحجر:9] إنا نحن أما إنا فضمير متصل أما نحن فضمير منفصل هذه أنواع الضمائر. أشير إلى نقطة الضمير يا أيها الأحباب يُؤتى به للإيجاز والاختصار، فالأصل أنه كلما أمكنك أن تأتي بالضمير متصل فلا تعدل إلى المنفصل لا تعدل إلى المنفصل يعني مثلا تقول نعبدك يا ربي ولا يجوز أن نعبد إياك يا ربي لأنه أمكن المجيء بالضمير المتصل لكن لو قدمت هذه الكاف وهو لا يبتدأ بها فلا يمكن الابتداء بها فإنك حينئذ تقول إياك نعبد فتأتي بالضمير المنفصل فإذاً كلما أن تأتي بالضمير متصلاً فلا تعدل إلى أن تأتي به منفصلاً كلما أمكنك ذلك ويستثنى من ذلك مسألتان: المسألة الأولى: أن يكون العامل عاملاً في ضميرين، أولهما أعرف وليس مرفوعا أولهما أعرف من الثاني وليس مرفوعاًَ وذلك نحو قول الله عزّ وجلّ ? أَنُلْزِمُكُمُوهَا ? [هود:28] فهنا يجوز لك لو في غير القرآن الكريم أن تقول أنلزمكم إياها لا مانع. المسألة الثانية: هو أن يكون الضمير خبراً لكان أو لإحدى أخواتها فإنك مخير بين أن تأتي به متصلاً أو تأتي به منفصلاً، فتقول الصديق كانه زيد، تأتي به متصل ويجوز أن تقول الصديق كان إياه زيد، فإذاً أعيد القاعدة مرة أخيره أنه كلما أمكنك المجيء بالضمير متصلاً فلا تعدل إلى انفصاله لا تذهب إلى انفصاله إلا في هذين الموضعين الذين ذكرتهما لكم وفى الضمير تفصيلات كثيرة لم أحب أن أتطرق إليها لأنها ستخرج بنا عن مستوى شرح هذا أو هذه المقدمة، فاكتفيت بذكر ما ذكرته لكم من الحديث عن الضمير وبعد هذا إن شاء الله تعالى سننتقل إلى نوع أو إلى باب جديد من أبواب المعارف وهو باب العلم لكنه سيكون إن شاء الله في لقاءنا القادم فأما الآن فأترك لكم الفرصة لتقديم الأسئلة وأرى الأسئلة الأيدي مرتفعة ومحتشدة، فتفضل يا شيخ. سأل أحد الطلبة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 ما معنى إياك وهل هناك فرق بين إياك التي تكلمنا عنها وإياك للتحذير مثل إياك أن تفعل ذلك؟ أجاب الشيخ: بارك الله فيك سؤال جيد، أما إياك التي يقصد منها التحذير فهي في الأصل كاف المخاطب، هي في الأصل التي يقصد منها التحذير هي في الأصل كاف المخاطب ولكنها فصلت عن فعل التحذير لأنه مضمر لأن تقدر أحذرك فلما فصلت امتنعت أن تبقى بها لأنها ضمير متصل ففصلتها فصارت إياك، هذه في التحذير، أما في إياك نعبد وإياك نستعين فهي نفسها هي الضمير لكن الفرق بينهما أن تلك كانت متصلة بالفعل والفعل أمر وجوباً لأن صيغة التحذير هذه هي وأما في إياك نعبد فأنت قدمت المؤخر أصله نعبدك لكن قدمته لغرض القصد إياك نعبد، يعني نعبدك وحدك. سأل الطالب: ويفعل نفس الفعل في الإعراب؟ أكمل الشيخ: والعمل هو هو يعني هي معمولة لفعل طبعاً إياك نعبد معمولة للفعل المتأخر أما إياك أن تعمل كذا وكذا، فهي معمولة للفعل المقدر، بارك الله فيك، تفضل. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ، قلتم فضيلتك أن النكرة المقصودة بالنداء بعضهم يلحقها بالتعريف. أكمل الشيخ: نعم بالمعارف، يعني يجعلها من أنواع المعارف، صحيح. أكمل الطالب: فهل هذا القول صحيح؟ أكمل الشيخ: نعم هو صحيح. أكمل الطالب: وإن كان صحيحاً فكيف يعربون مثلت فضيلتك قلت يا رجل، فكيف لو قلنا يا رجل المهام الصعبة، فيكون رجل هنا معرفة وبعدها معرف فكيف يعربونها؟ أجاب الشيخ: يا رجل إذا سكت فهي نكره لكن لو قلت يا رجل المهام الصعبة فأنت الآن عرفتها ولكن ليس التعريف بواسطة النداء، في المثال الثاني وإنما هو باسط الإيضاح لأنك أضفتها إلى معرفة بارك الله فيك، نعم تفضل. سأل أحد الطلبة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 فضيلة الشيخ جزاكم الله خير في الاسم المضمر ثم جاء بالاسم العلم قدم الاسم المضمر على الاسم العلم، ونعرف أن الاسم العلم يدل على شيخ مثلا تقول محمد، فلماذا كان الاسم المضمر أعرف من الاسم العلم؟ أجاب الشيخ: بارك الله فيك هذا سؤال جيد، طبعاً أنا ما أحببت أن أتحدث عن ترتيب المعارف ولكن كان سيأتي ترتيبها يعني تلقائياً لكن هم فعلاً بدءوا ومعظم النحويين يبدءون بالضمير ويقولون إن الضمير أعرف المعارف ويليه في التعريف العلم ويليهما اسم الإشارة ثم الاسم الموصول، ثم المعرف بـ ال ثم المضاف إلى واحد من هذه المعارف بحسب ما أضيف إليه ما عدا المضاف إلى الضمير أو المضاف إلى العلم فإنهما في مرتبة واحدة، أما الباقي فعلى نفس الترتيب فالنحويون يرون أن هذا هو ترتيب المعارف أنه يبدأ بالضمير وهو أعرف المعارف عندهم، والعلم يليه إلا لفظاً واحداً وهو لفظ الجلالة، فهو أعرف من الضمائر ومن غيرها، فهذا الذي يقال في هذا الجانب، يعني ترتيبها هو كذلك، ونكتفي اليوم بهذا القدر. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 الدرس الرابع عشر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. أيها الأخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نواصل الحديث بإذن الله تعالى في شرح ما يتيسر من الآجرومية وقد انتهينا في لقاءنا الماضي عن أول نوع من أنواع المعارف وهو الضمير. واليوم نتحدث بإذن الله تعالى في باب العَلَمِ. والعلَمُ لا يشمله تعريف واحد لأنه قسمان رئيسان لا يدخل بعضهما في بعض، فأما القسم المشهور المعروف فهو العلم الشخصي. والقسم الثاني يسمى بالعلم الجنسي. والثاني ليس مشهوراً وليس متداولاً لكن سنعطي لمحة يسيره عنه.فأما العلم الشخصي يا أيها الأحباب فهو الذي يعني يعرّفونه بقولهم هو الذي يعين مسماه تعيناً مطلقاً، فقولهم في التعريف يعين مسماه يدخل في جميع المعارف لأنها كلها تعين مسماها وقولهم تعييناًَ مطلقاً يخرج كل المعارف الأخرى غير العلم لماذا؟ لأن المعارف الأخرى لا تعين مسماها أو ما تطلق عليه تعريفاً مطلقاً بل تحتاج إلى قرينة ثانية حتى تعرفه، ومن أجل هذا من أجل أنه يتعرف مباشرة تعريفاً مطلقاً رأى بعضهم تقديم العلم وجعله في أول المعارف، والحق أن يعني أكثر النحويين يقدمون الضمير على العلم، المهم أن تعريف العلم بقولهم هو الذي يعين مسماه تعييناً مطلقاً يخرج بقية المعارف بقوله تعييناً مطلقاً لماذا؟ قال لأن الضمير إما أن يدل على تكلم أو خطاب أو غيبة فهو يعين مسماه بأمرين بكونه ضميراً وبالخطاب أو بالغيبة أو بالتكلم هذا مثلاً أيضاً اسم الإشارة يتعرف بكونه اسم إشارة وبالإشارة إليه بالحضور، أيضاً الاسم الموصول يتعرف أيضاً بواسطة صلته، ذو الأداة أو ما دخلت عليه "أل" يتعرف بسبب "أل" فكلها أنواع المعارف الأخرى يعني تحتاج إلى أمرين إلى التعريف، أما هذا العلم الشخصي فإنه لا يحتاج إلا إلى أمر واحد حتى يعين مسماه تعيناً مطلقاً، تقول لي إذا قلنا محمد فمحمد ليس واحد وإنما هو يطلق على عدد كبير جداً من الناس، أقول لك إن بينك وبين المخاطب أو بينك وبين الحاضرين واحد فقط هو المقصود بقولك محمد ولذلك يتعين مباشرة بمجرد ما تقول محمد أو تقول عبد الله أو تقول زين العابدين أو نحو ذلك، هذا هو الذي جعلهم يجعلون العلم يعين مسماه تعييناً مطلقاً فهذا هو أول تقسيم له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 أما العلم الجنسي فسأذكر لمحة موجزة عنه يسيره، هو أيضاً يعين مسماه لكن ليس تعييناً مطلقاً بل كتعيين ما دخلت عليه “أل” الجنسية، وذلك أنك تقول أسامة تقصد به واحداً من الأسود لا تقصد به أسداً بعينه، فهو مثل ما تقول الرجل يبين لك هذا الجنس ولذلك سموه بالعلم الجنسي ونكتفي بهذا القدر في العلم الجنسي ثم نعود إلى تقسيمات العلم الأخرى، يقسمون العلم عدة تقسيمات سنأخذ بعضها التقسيم الأول أنه ينقسم إلى مرتجل ومنقول. فأما المرتجل فهو الذي وضع من أول أمره علماً يمثلون له بكلمة سعاد فإنها ليست منقولة عن شيء آخر، ويمثلون بكلمة أدد فإنه ليس منقولا عن شيء آخر، هذا هو المرتجل. أما المنقول فكثير وهو الغالب، فقد يكون منقولاً عن مصدر لقولهم فضل، لأنه مصدر فَضُلَ يَفْضُلُ فَضْلاً، وقد يكون منقولاً عن اسم فاعل كقولهم سالم أو مجاهد، أو مكرم، أو نحو ذلك، وقد يكون منقولاً عن اسم مفعول كقولهم مثلاً محمد أو محمود، وقد يكون منقولاً عن أفعل تفضيلا أو اسم تفضيل كقولهم أكرم، وقد يكون منقولاً عن فعل إما ماضٍ كسحر أو سجى، وقد يكون منقولاً عن فعل مضارع كيزيد وتغلب ويشكر، وقد يكون منقولاً عن جملة والجملة التي سمعت عن العرب هي الجملة الفعلية قالوا مثلاً تأبط شراً هذا اسم علم ولكنه لم يسمع النقل عن الجملة الاسمية لكن لا مانع. قياساً على ما ورد من الجملة الفعلية هذا هو العلم المنقول وهذه أنواعه، هذه أنواع العلم المنقول. ننتقل إلى تقسيم آخر مهم في هذا الباب وهو أنهم يقسمون العلم قسمين: قسم مفرد، وقسم مركب، فأما المفرد فنحو حسن وصالح ومحمد وزيد وعبيد وما شاكل هذا كله مفرد وأما المركب فيقسمونه ثلاثة أقسام: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 القسم الأول: هو المركب الإضافي وهو كثير كعبد الله وعبد الرحمن وزين العابدين وأبي بكر، وإلى آخره وأم كلثوم وما شاكل ذلك هذه كلها مركبات تركيباً إضافياً سنعود له بعد قليل إذا تبين كيف نعربه. الثاني: هو المركب المزجي، والمركب المزجي يقسمونه قسمين: قسم منه مختوم بكلمة "ويه" وقسم منه غير مختوم بكلمة "ويه" فأما المختوم فنحو سيبويه نفطويه وخمرويه، وأما غير المختوم فنحو معدي كرب وبعلبك وحضرموت وما شاكلها هذا هو العلم المركب تركيباً مزجياً وسنعود له إن شاء الله. أما الأخير: فهو المركب تركيباً إسنادياً والمقصود به هو ما تكون من جملة والغالب في هذه الجملة أن تكون فعلية لأن هذا هو المسموع عن العرب أما الجملة الاسمية فلم تسمع عن العرب لم يسمع التسمية بالجملة الاسمية يعني ما سمعناه أنهم سموا شخصاً مثلاً بزيد مجتهد ما سمعنا بهذا. لكننا سمعناهم يسمون بتأبط شراً، جد ثدياها وكذا وكذا وإلى آخره، مجموعة من الأسماء جمل فعلية انتهينا؟ لا بل نعود أقول المركب الإضافي يعني علامة الإعراب فيه تكون على الجزء الأول منه وأما الجزء الثاني فهو مجرور دائماً بالإضافة، تقول مثلاً: هذا عبد الله ورأيت عبد الله ومررت بعبد الله، فرأيت من الحركة الإعرابية على القسم الأول منه أما المركب تركيباً مزجياً، فهو في استعمالهم قسمان قسم منه يعرب إعراب الممنوع من الصرف يعني يرفع بالضمة وينصب ويجر بالفتحة ولا ينون وهو غير المختوم بكلمة "ويه" نحو معدي كرب وبعلبك وحضرموت وما شاكل هذا تقول هذه حضرموتُ وزرت حضرموتَ ونظرتُ إلى حضرموتَ. وأما القسم الثاني: فهو المختوم بكلمة "ويه"، وأغلب العرب يبنونه على الكسر فيقولون مثلاً جاء سيبويه ورأيت سيبويه ومررت بسيبويه، لو سألت عن سبب بنائه، تقول: لأنه مختوم بكلمة ويه مما جعله أشبه بأسماء الأصوات وأسماء الأصوات مبينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 نأتي إلى المركب تركيباً إسنادياً، أما المركب تركيباً إسنادياً بارك الله فيكم فنحو تأبط شراً هذا يقولون يلزم حالة واحدة ويعرب بحركات مقدرة على آخره فتقول جاء تأبط شراً ورأيت تأبط شراً وممرت بتأبط شراً وعند الإعراب نأخذ واحدة صورة منها مررت بتأبط شراً مررت فعل وفاعل والباء حرف جر تأبط شراً اسم مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية لأنه يلزم صورة واحدة. ما دام يلزم صورة واحدة لما لم تقولوا إنه مبني؟ قال لأنه اسم والأسماء الأصل فيها الإعراب ولا تبني إلا إذا أشبهت الحروف وليس بينه وبين الحروف أي شبه، وأظن هذا الكلام واضح ولا نحتاج إلى مزيد. بقي تقسيم أخير في باب العلم، وهو أنهم يقسمونه ثلاثة أقسام: يقسمونه إلى اسم، ولقب، وكنية، فيقولون إذا بُدِأت الكلمة بأب أو أم فهي كنية، إذا دل على رفعة المسمى أو على ضعته فهو لقب، إذا لم يكن على أي صورة من هاتين الصورتين فإنه الاسم، يعني مثلاً كلمة زيد هذه اسم، كلمة أبي بكر هذه كنية، كلمة زين العابدين هذه لقب لكونها تضمنت مدحاً، كلمة كرز وهو خرج الراعي لو سميته سقفاً بكرز هذا يقولون إنه لقب، المهم أنه متى تضمنت الكلمة مدحاً أو ذماً أو دلالة على رفعة المسمى أو على ضعته فهي لقب، متى بدأت الكلمة بكلمة أب أو بكلمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 أم فهي كنية، متى خلت من ذلك فهي اسم لعل الأرجح في هذا التقسيم أن يقال ينظر إلى ما سمى به الولد الوالد ولده عند ولادته فإن كان مبدوءاً بلفظ أب مثلاً أنه سمى ولده أبو بكر في بداية أول ما ولد فهل نعد هذه كنية أو نعده اسماً؟ الصواب في رأيي أو الأرجح على الأقل، الأرجح أن تقول ما سمى الوالد به ولده عند ولادته هو الاسم، ثم بعد هذا إذا أُطلق عليه بأن كُني بأبي عبد الله أو أبي زيد أو أبي عمرو أو إلى آخره هذه كنية أو اشتهر بشيء ما فمُدح به أو ذم به هذا هو اللقب هذا هو الأرجح، وإن كانوا يقسمون على التقسيم الأول الذي ذكرت لكم فيقولون ما بُدأ بأب أو أم فهو كنية، ما دل على رفعة المسمى أو ضعته فهو لقب، ما لم يكن كذلك فهو اسم ولكم أن تختاروا واحداً من هذه الخيارات الموجودة عندكم، انتهينا من العلم باختصار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 ننتقل إلى اسم الإشارة، أما اسم الإشارة فله ألفاظ محدودة وهو النوع الثالث من أنواع المعارف، يشار إلى المفرد المذكر بهذا، ويشار إلى المفردة المؤنثة بهذه وهاته وذي وتي وذه وته، أما المثني المذكر فيقال فيه في حالة الرفع هذان ويقال فيه في حالتي النصب والجر هذين، وأما المثنى المؤنث فيقال فيه في حالة الرفع هاتان ويقال فيه في حالتي النصب والجر هاتين، وأما جماعة الذكور وجماعة الإناث فيشار إليهم بلفظ واحد وهو أولاء أو هؤلاء، وبالمناسبة فإن الهاء الموجودة في بعض أسماء الإشارة ليست من اسم الإشارة، وإنما هي حرف للتنبيه وأما الاسم الإشارة فهو ما عداها فمثلاً في الإشارة إلى المفرد الحقيقة أن الإشارة إليه بكلمة ذا، يشار إليه بكلمة ذا، أما وجود هذه الهاء فإنما هي للتنبيه، حتى أنك لا تجدها في بعض الأحيان ? أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ? [البقرة:5] المهم أن أولئك هنا جاءت بدون هاء، وهكذا فإن الهاء ليست لازمة في اسم الإشارة وإنما اسم الإشارة هو بدونها، فيما يتحدث عنه في أسماء الإشارة أن هؤلاء خاصة بالعقلاء ولا تقول مثلا هؤلاء الأبواب، ولا تقول أكرمكم الله هؤلاء الحمر لا، وإنما تشير إليها بلفظ المفردة المؤنثة وتقول هذه الأبواب، وتقول هذه الحمر إلى آخره. المهم أن لفظ أولاء خاص بالعقلاء سواء أكانوا مذكرين أم كن مؤنثات هذا خاص بهم أما قول الشاعر: ذم المنازل بعد منزلة اللوى ...... والعيش بعد أولئك الأيام فقد أشار بأولئك إلى الأيام مع أنها غير عاقلة فالصحيح في روايته أنه بعد أولئك الأقوام، وحينئذ تبقى على الأصل، حتى لو قلنا إنها الرواية الصحيحة أولئك الأيام فنقول هذا استعمل في الشعر ولا يعتد به ولا يجرى عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 مما يتحدث عنه في باب أسماء الإشارة أن الإشارة نوعان إما قريب وإما بعيد، فالإشارة إلى القريب تقول هذا أو تقول ذا، أما الإشارة إلى البعيد فتقول فيها ذاك أو تقول ذلك ? ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ ? هذا دلالة على بعد منزلته وعلوها، ممكن أن تكون باللام وممكن أن تكون بدون لام تقول ذاك أو ذلك وبعضهم يجعل مراتب الإشارة ثلاثة: إشارة إلى القريب. وإشارة إلى المتوسط. وإشارة إلى البعيد. فأما الإشارة إلى القريب فهي ذا. وأما الإشارة إلى المتوسط فهي ذاك. وأما الإشارة إلى البعيد فهي ذلك. ولك الحرية في ذلك، هذه اللام تمتنع أحياناً ذلك أنه إذا كان اسم الإشارة مبدوءاً بالهاء امتنعت. اثنين: أنها تمتنع في المثنى مطلقاً سواء أكان مبدوءاً باللام أم غير مبدوء. ثلاثة: أنها تمتنع في الجمع على لغة من مده، لأن بعضهم يرى أنه يمكن أن تقول أولى مقصورًا وتقول أولاء ممدوداً فعلى لغة من مد تمتنع اللام. وهذا كل ما يقال في أسماء الإشارة، المصنف رحمنا الله وإياه، أهمل الحديث عن الاسم الموصول ولكننا مع ذلك ما قرأنا حديثه عن الاسم العلم، ولم نقرأه في اسم الإشارة، فأما الاسم العلم فقال: (والاسم العلم نحو زيد ومكة) زيد هذا علم على رجل، ومكة هذا علم على بلد، وهذا طبعاً من تقسيمات الأعلام أيضاً قد تكون على البلدان وقد تكون على القرى وقد تكون على الحيوانات حتى أيضاً يكون عند واحد، وقد تكون على ما لا يعقل من الجمادات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 ثم انتقل بعد هذا إلى الحديث في اسم الإشارة فقال (والاسم المبهم) ثم قال (نحو هذا وهذه وهؤلاء) المقصود بالمبهم يا أيها الأحباب الغامض في الأصل، وبعضهم يدخل في المبهم أمرين الأمر الأول أسماء الإشارة والأمر الثاني الأسماء الموصولة المصنف هنا اكتفى بالحديث عن أسماء الإشارة ومع ذلك فله عذره لأنه قال (والاسم المبهم نحو) لما قال نحو، معناه أن هناك شيئاً آخر غيره (نحو هذا وهذه وهؤلاء) ثم بعد هذا لم يتحدث المصنف عن الاسم الموصول ولكننا سنتحدث عنه لأهميته، أما تعريف الاسم الموصول أولاً هو النوع الرابع من أنواع المعارف، النوع الرابع من أنواع المعارف هو الاسم الموصول. ثانياً تعريفه: هو الاسم الذي يفتقر إلى صلة وعائد، يفتقر دائما محتاج إلى صلة ولا تتم الفائدة من الاسم الموصول إلا بصلته والصلة هذه لابد أن يكون فيها عائد، هذا هو الاسم الموصول، وهو ينقسم قسمين: قسم منه يسمى بالموصول الخاص، وهو أن يكون لكل نوع لفظ خاص به وقسم يسمى بالموصول المشترك وهو أن يكون اللفظ صالحاً للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والمجرور فأما الأسماء الموصولة الخاصة فهي: الذي للمفرد، والتي للمفردة، واللذان رفعاً للمثنى المذكر، واللذين نصباً وجراً للمثنى المذكر، واللتان للمثنى المؤنث رفعاً واللتين نصباً وجراً للمثنى المؤنث والذين لجماعة الذكور واللاتي واللائي لجماعة الإناث. هذه الأسماء الموصولة الخاصة لأن كل واحد منها يخص فئة معينة أما الأسماء الموصولة المشتركة فهي، بعضهم يكثرها وبعضهم يقللها ولكن نذكر لكم الأسماء الموصولة المشتركة هي لفظ "من" و"ما" وبعضهم يدخل معها "أل" ولفظ "أي" فهي اسم موصول مشترك ولفظ "ذو" عند الطائيين خاصةً فهم يستعملونه اسماً موصولاً مشتركاً نمثل على واحد من هذه الأسماء الموصولة المشتركة ونترك الباقي ولكم أن تقيسوا عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 أما الواحد هذا الذي سنمثل عليه فهو "من"، فتقول جاء من أحبه، وجاءت من أحبها، وجاء من أحبهما، سواء أقصدت مذكرين أم قصدت مؤنثين، فتقول جاءت من أحبهما وتقول جاء من أحبهم وجاء من أحبهن، فـ"من" هذا موصول مشترك عمَّ الجميع وتميز نوعه بواسطة صلته؛ لأن فيها ضميراً يدلك على المقصود من الاسم الموصول، هذا هو الموصول المشترك. والموصول الخاص جاء الذي أحبه وجاءت التي أحبها وجاء اللذان أحبهما، وجاءت اللتان أحبهما أيضاً، وجاء الذين أحبهم، وجاء اللاتي أحبهن، وهذا بيّن وواضح بالنسبة للأسماء الموصولة الخاصة أن كل واحد منها يأتي معه يعني ما يبينه، وهذا الاسم الخاص كل واحد منها خاص بفئة معينه ولا يطلق على غيره ولا يطلق على غير هذه الفئة، نحن اشترطنا في أول ما بدأنا في الحديث عن الاسم الموصول قلنا هو ما يفتقر إلى صلة وعائد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 فأما الصلة يا أيها الأحباب فالأصل فيها أن تكون: إما جملة فعلية، وأما جملة اسمية، ولكن قد تكون أيضاً جاراً ومجروراً، وقد تكون ظرفاً، فأما الجملة فيشترط فيها أن تكون خبرية، يشترط في الجملة أن تكون خبرية، ولا يصح أن تكون إنشائية، فيجب أن تقول مثلاً جاء الذي أكرمته، ولا يصح أن تقول جاء الذي أكرمه لأنها إنشائية هذه، أما إن كانت خبرية فلا مانع هذا جانب. الجانب الثاني أنها تحتاج، أن الجملة هذه لابد أن تشتمل على ضمير يربطها بالاسم الموصول فأنت إذا قلت جاء الذي أكرمته، فإن الهاء هذه عائدة على الاسم الموصول ومبينة لحاله، وبخاصة إذا كان الاسم الموصول مشتركاً فلابد من هذه الصلة لتبين نوع هذا الموصول أهو واحد أو اثنان مذكر أو مؤنث جماعة، لابد من الصلة أن تكون موجودة معه وهذا كما يعني بينت لكم، فصلة الموصول الأصل فيها أن تكون إما جملة فعلية وإما جملة اسمية، جاء الذي أبوه مجتهد أو أبوه مخلص أو أبوه مسافر وهكذا، يمكن أن تقيس على هذه العبارة يمكن أن تقيس على هذه العبارة هذا بالنسبة لصلة الموصول لابد أن تكون إما جملة فعلية وإما جملة اسمية. هل تكون غير ذلك؟ نعم، جاء الذي عندك أو عند عبد الله هذه ظرفية مكانية جاء الذي في المسجد أو رأيت الذي في المسجد، هذا جار ومجرور لا مانع، الجار والمجرور هنا والظرف ما متعلقه؟ الصواب أن متعلقة فعل لابد أن يتعلق بفعل لماذا؟ قال لأن الأصل في صلة الموصول أنها لابد أن تكون جملة، والجملة لابد أن يكون فيها فعل فلذلك إذا وردنا صلة للموصول وكانت هذه ظرفاً أو جاراً ومجروراً فلابد أن نعلقها بفعل هذا الحديث عن الأسماء الموصولة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 أما المعرف بـ "أل" فقد ذكره المؤلف، ولم يترك الحديث عنه كما ترك الحديث في باب الاسم الموصول، اكتفاءً منه بنوع واحد من المبهمات أو من المبهمين وهما اسم الإشارة والاسم الموصول؛ لأنه اكتفى بالحديث في اسم الأشارة، فأما المعرف بـ "أل" -يا أخي العزيز- فهو قال عنه المصنف (الاسم الذي فيه الألف واللام نحو الرجل والغلام) هذا كل حديثه عن الاسم المعرف بـ "أل" وهو النوع الخامس من أنواع المعارف. أنواع المعارف مرة ثانية: الضمير، العلم، اسم الإشارة، الاسم الموصول المعرف بـ "أل" هذا هو النوع الخامس منها وأما "أل" الداخلة على الاسم فيقسمها النحويون ثلاثة أقسام، لأنها إما للعهد أولتعريف الجنس أو للاستغراق، والعهد قد يكون عهداً ذكرياً وقد يكون عهداً ذهنياً وقد يكون عهداً حضورياً، نمثل لكل واحدة منها أما العهد الذكري فهو لابد أن يكون سبق لما دخلت عليه ذكره في الكلام السابق قال الله عزّ وجلّ ? إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً ?15? فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ ? [المزمل:15-16] أي رسول؟ هو المذكور سابقاً فـ "أل" الموجودة هنا هي "أل" التي للعهد الذكري، أما "أل" التي للعهد الذهني فنحو قولك مثلاً جاء الأستاذ تصلح لكل أستاذ لكن إذا كان بينك وبين المخاطب عهد في أستاذ معين فإنه لا ينصرف الذهن إلا إليه هذه "أل" المسماه بـ "أل" التي للعهد الذهني لأنه مخزون في الذهن أما العهد الحضوري فمنه قول الله عزّ وجلّ ? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ? [المائدة: 3] فإن "أل" في اليوم للعهد الحضوري يعني اليوم الذي نحن فيه الآن هذه "أل" العهدية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 أما “أل” الجنسية أيها الأحباب فيطلق عليها بعضهم “أل” التي تدل على الماهية، ومن ذلك نحو قول الله عزّ وجلّ ? وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ? [الأنبياء: 30] وجعلنا من الماء يعني من هذا الجنس فـ“أل” هنا تدل على الجنس. أما “أل” الاستغراقية التي تدل على الاستغراق فالاستغراق نوعان: إما استغراق حقيقي، وهو ما له أفراد يشملهم. وإما استغراق مجازي، وهو ما ليس له أفراد في الخارج ولكنك تطلقه على سبيل المبالغة. فأما الاستغراق الحقيقي فنحو قول الله عزّ وجلّ ? وَالْعَصْرِ ?1? إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ?2? إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ? [العصر:1-3] انتبه رحمك الله الإنسان هنا لو حذفت كلمة ال ووضعت مكانها كلمة كل فإنه يستقيم الكلام، لو قلت إن كل إنسان لفي خسر، ودليلك على ذلك أنه استثنى منه الإنسان واحد واستثنى منه جماعة هو قوله سبحانه وتعالى ? إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ? وهذا واضح في هذا الأمر ? وَالْعَصْرِ ?1? إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ? هذه “أل” التي للاستغراق الحقيقي، أما “أل” التي للاستغراق المجازي وهو ما بولغ فيه مبالغة فهي نحو قولك: أنت الرجل علماً، كأنك قلت أنت كل رجل، يعني لو وصف أي رجل في العالم بالعلم فأنت تجمع صفات العلم الموجودة فيه وهذا على سبيل المبالغة، ف “أل” الموجودة هذه “أل” التي تسمى التي للاستغراق المجازي أما الأولى في قول الله عزّ وجلّ ? وَالْعَصْرِ ?1? إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ? فهي للاستغراق الحقيقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 ننتقل بعد هذا إلى حديث المصنف عن المعرفة بالإضافة، يعني أن يكون الاسم نكرة فتضيفه إلى معرفة فيتعرف بالإضافة، وإذا أضفته إلى واحد مما مضى فهو الذي يمسى معرفة بالإضافة، قال المصنف (وما أضيف إلى واحد من هذه الأربعة) هو طبعاً اكتفى بذكر أربعة، الأصل في الكلمة أن تكون نكره ثم تضيفها إلى الضمير فتتعرف فمثلاً عندك كلمة قلم نجرب عليها نقول هذا قلمك، قلم نكرة أضفتها إلى الضمير تعرفت بالإضافة، هذا قلم محمد أضفتها إلى العلم تعرفت بواسطة هذه الإضافة، هذا قلم هذا أضفتها إلى اسم الإشارة، هذا قلم الذي رأيته أمس أضفتها إلى اسم الموصول، هذا قلم الأستاذ أضفتها إلى المعرف بـ "أل" تعرفت بواسطة الإضافة إلى واحد من هذه الخمسة وليس كما قال المصنف رحمه الله إلي واحد من الأربعة. قال صلى الله عليه وسلم (من سره أن يبسط له رزقه وينسئ له في أثره فليصل رحمه) رزقه هنا رزق نكره، أضفتها إلى الضمير فتعرفت بالإضافة وقال الله عزّ وجلّ ? لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ? [النحل: 103] فلسان نكره وأضفتها إلى الاسم الموصول فتعرفت وقول الله عزّ وجلّ ? وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً ? [هود: 17] كتاب نكره أضفتها إلى العلم فتعرفت بسبب الإضافة وقال الله عزّ وجلّ ?إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ? [آل عمران:68] النكرة هي كلمة ولي والمعرفة التي أضيفت إليها واكتسبت منها التعريف هي كلمة المؤمنين وهي معرفة بـ "أل". هذا عن ما أضيف إلى واحد من هذه الأربعة ننتقل إلى حديث المصنف عن النكرة قال المصنف (والنكرة كل اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون آخر، وتقريبه كل ما صلح دخول الألف واللام عليه، نحو الرجل والفرس) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 ولكننا لن نبدأ في شرحها لأن الوقت أوشك فسنترك المجال لكم لتوجيه الأسئلة، وإذا لم تسألوا سألت أنا إن شاء الله فيما مضى، تفضلوا بارك الله فيكم. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خير، لقد تخلل شرحكم ذكر أسماء الأصوات فما تعريفها مع التمثيل والإعراب؟ أجاب الشيخ: بارك الله فيكم، أولاً أسماء الأصوات هذه يقولون من الأسماء المبينة وهذه أسماء يعني يعبر بها عنصوتٍ معين فمثلاً يعبرون عن صوت الغراب مثلا بغاق، وعن صوت شيء كسرته أو أُلقى على الأرض كلمة قب، هذه بعض أسماء الأصوات المبنية وليس المقصود بها مثلاً صوت فحيح الأفعى أو رغاء الإبل أو ثغاء الشاة أو ما شاكل ذلك، ليس هذا هو المقصود وإنما المقصود التعبير عن بعض الأصوات للحيوانات أو للأشياء التي تستعملها وتتعامل معها وهذا كما مثلت لك قبل قليل. سأل الطالب: وكيف تعرب أسماء الأصوات؟ أكمل الشيخ: عفواً هي تلزم حالة واحدة لأنها مبنية أشبهت الحروف فبنيت، نعم تفضل. سأل أحد الطلبة: فضيلة الشيخ جزاكم الله خير، قلتم الضمير أظهر في المعرفة من الاسم العلم لأنه يدل على المراد بنفسه لمشاهدة مدلوله ألا نقول اسم الإشارة كذلك يكون أعرف من اسم العلم؟ أجاب الشيخ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 أما ترتيب المعارف على حسب الأعرفية أيها أعرف فقد اختلفوا فيه لكن أغلبهم يرتبون بادئين بالضمير فيقولون هو أعرف المعارف ثم يلونه بالعلم ثم يلونه بأسماء الإشارة، أنا وجدت بعضهم يقدم اسم الإشارة لأنه حاضر معك ولأن تعريفه بالإشارة إليه، فهذا قد يكون صحيحاً لكن الأولى فيه تصور أن يقدم الضمير على أنه أعرف المعارف لأن فيه شيئاً أو نوع واحد منها مثلاً وهو ضمير المتكلم وليس هناك شيء يكون أعرف من الشخص بنفسه، فهو يعرف نفسه أكثر مما يعرفه أي شيء أو أكثر مما يعرف أي شيئاً آخر فمن أجل هذا قدمه بعضهم لعله من أجل هذا قدم الحديث عن الضمير وجعل في أول أنواع المعارف، نعم تفضل. سأل أحد الطلبة: نعم جزاكم الله خير نريد إعراب قول الله عزّ وجلّ في سورة آل عمران ? هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ ? [آل عمران:119] . أجاب الشيخ: ? هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ ? أما هاء فهذه للتنبيه حرف للتنبيه لا محل له من الإعراب، لعلنا في لقاء آخر إن شاء الله يا أخي نعربها لك، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 الدرس الخامس عشر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. أيها الأخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أذكر أنك سألتني في حلقة ماضية عن إعراب قول الله عزّ وجلّ ? هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ ? فنبدأ بالحديث عنها ثم نعود إلى محاضرتنا إن شاء الله تعالى، أما هاء فهي حرف للتنبيه لا محل له من الإعراب، وأَنْتُمْ مبتدأ وهو ضمير مبني في محل رفع، أُولاءِ هذا اسم إشارة وهو بدل من أنتم ويمكن أن خبراً لها أَنْتُمْ أُولاءِ أما تحبونهم فهي جملة، وهي في الأصل فعل مضارع من الأفعال الخمسة مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون والواو فاعل، الجملة هذه إن جعلت أولاء بدلاً من أنتم فتحبونهم خبرٌ لأنتم وإن جعلت أولاء خبرٌ لأنتم فتحبونهم خبر ثان، هذا الذي نريد أن نقوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ثم نعود بعون الله تعالى إلى حديث المصنف عن النكرة قال المصنف (والنكرة كل اسم شائع في جنسه لايختص به واحد دون آخر وتقريبه كل ما صلح دخول الألف واللام عليه نحو الرجل والفرس) بعض النحويين يعرف النكرة: بأنها كل اسم شاع في جنس موجود أو مقدر، شاع بمعنى انتشر، في جنس يعني له أفراد، موجود قد يكون هذا الجنس موجوداً وقد يكون مقدراً، أما الجنس الموجود فكلمة رجل فإنه يطلق على كل إنسان ذكر بالغ فإذا قلت رجل فهذا واحد من هذا الجنس، وأما الجنس المقدر يعني ليس له أفراد فنحو كلمة شمس فإنها نكرة ولا يوجد منها إلا فرد واحد ومع ذلك عدوها نكرة، قال لماذا؟ قال لأن الأصل أن كل كوكب يظهر نهاراً ويزيل ضوءه ظلام الليل يطلق عليه شمس لكن ما عندنا إلا واحد من هذا النوع ومثله كلمة قمر، المهم أن هذا يا أيها الأحباب النكرة قد تكون في جنس الموجود الذي له أفراد، وقد تكون في جنس لا يوجد منه إلا فرد واحد قال الله عزّ وجلّ ? وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ? [غافر:28] رجل هنا نكرة ورجلاً أيضاً الثانية نكرة، وهي عبارة عن فرد من أفراد جنس موجودين، وقد قربها المصنف لنا بقوله (يمكن تقريبها بأن النكرة كل كلمة كل اسم يصلح دخول "أل" عليه) وقوله كل اسم هنا حتى إنه لم يقل كل اسم، لكننا قلنا كل اسم لأن تعريف الكلمة بأنها نكرة أو بأنها معرفة هذا خاص بالأسماء ولا يقال للفعل إنه نكرة ولا يقال إنه معرفة ولا يقال للحرف إنه نكرة ولا يقال عنه إنه معرفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 هذا كل ما يقال في النكرة والمعرفة سبق أن أنهينا الحديث عنها، وقد ذكرت لكم في أول ما بدأنا في المعارف أن المصنف إنما ذكر هذه الأنواع في باب النعت ذكر أنواع المعارف في باب النعت؛ ليبين لكم أن المنعوت إذا كان نكرة فلابد في النعت أن يكون نكرة، وإذا كان المنعوت معرفة فلابد أن يكون النعت معرفة؛ فاضطر إلى بيان أنواع المعارف فقال لكم المعارف هي كذا وكذا وقد أطلنا في الحديث في باب المعارف وننتقل إلى الباب الثاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 من أبواب التوابع التي ذكرها المصنف وهو باب العطف . قال المصنف: (وَحُرُوفُ اَلْعَطْفِ عَشَرَةٌ وَهِيَ: اَلْوَاوُ, وَالْفَاءُ, وَثُمَّ, وَأَوْ, وَأَمْ, وَإِمَّا, وَبَلْ, وَلَا, وَلَكِنْ, وَحَتَّى فِي بَعْضِ اَلْمَوَاضِعِ) أما باب العطف فهو التابع المتوسط بينه وبين متبوعه واحد من حروف العطف، مرة ثانية العطف هو التابع أو المعطوف المتوسط بينه وبين متبوعه واحد من حروف العطف فأقول جاء محمد وعبد الله، عبد الله هذا معطوف وهو تابع لمحمد لأنه توسط بينهما حرف من حروف العطف وهو الواو حرف من حروف العطف وهو الواو قال الله عزّ وجلّ ? وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ? [الحديد:26] انتبه بارك الله فيك أشير إلى أمر مهم وهو أن الواو في الصحيح لمطلق الجمع ولا تقتضي الترتيب لا تقتضي الترتيب وقد يعطف بها متقدم وقد يعطف بها مساوٍ وقد يعطف بها متأخر.انظر إلى قول الله عزّ وجلّ ? وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ ? عطف إبراهيم على نوح وإبراهيم متأخر عن نوح، الثاني قد يرد العكس قال الله عزّ وجلّ ? كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? [الشورى:3] انتبه بارك الله فيك يُوحِي إِلَيْكَ الكاف هنا المقصود به محمد صلى الله عليه وسلم وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ عطف بالواو المتقدم على المتأخر، وقد يعطف المصاحب ومنه قول الله عزّ وجلّ ? فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ? [العنكبوت:15] وهم نجو مع بعض هذا كل ما يقال عن الواو. ننتقل إلى الفاء، أما الفاء يا أيها الأحباب فهي تقتضي الترتيب والتعقيب لابد من دلالة الترتيب فيها، والترتيب هذا يعني مباشرة يجيء بعده ليس بينهما وقت طويل، والتعقيب كل شيء بحسبه أحياناً تقول جاء محمد فخالد وليس بينهما إلا وقت يسير جداً ولكنه يجوز لك أن تقول تزوج فلان فولد له، فالتعقيب هذا على كل شيء بحسبه في المدة التي يصلح أن يكون ما بين الزواج والولادة له ممكن أن تعطف بالفاء لأن كل تعقيب بحسبه. أحياناً وهو الغالب في الفاء أن تدل على السببية أن تكون مقتضية السببية ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ? فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ? [القصص: 15] القضاء عليه بسبب هذه الوكزة، أما الترتيب فقد اعترض عليه بعضهم يعني نحن ألزمنا أنه لابد من الترتيب اعترض عليه بنحو قول الله عزّ وجلّ ? وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ? [الأعراف:4] وجه الاعتراض أن الإهلاك بعد مجيء البأس، في حين أن مجيء البأس مذكور هنا بعد الإهلاك وقد أجيب عنه بأن المراد بقوله أهلكنا أردنا إهلاكها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 الحرف الثالث هو حرف ثم، لكن نحن ما ذكرنا لكم الأحرف التي ذكرها المصنف لا بأس أن نقرأها ثم نعود إلى تفصيل الحديث عنها يقول المصنف، قال المصنف رحمه الله (حروف العطف عشرة هي الواو والفاء وثم وأو وأم وإما وبل ولا ولكن وحتى في بعض المواضع) وحتى في بعض المواضع وهو يريد بهذا أن يبين أنه ليست في كل الأوقات حتى تكون عاطفة؛ لأنها كما ذكرت لكم أكثر من مرة أن لها أنواعاً متعددة وأن الفراء رحمه الله قال: "أموت وفى نفسي شيء من حتى". ننتقل إلى الحديث عن ثم، أما ثم فهي في اقتضاء الترتيب مثل الفاء ولكنها بين المعطوف والمعطوف عليه مدة أطول من الفاء فيسمونه الترتيب والتراخي، من شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً? [الزمر:21] انتبهوا رحمكم الله عطف بثم في هذه المواضع وهي بين كل فترة والثانية مدة قد تكون طويلة. ذكر بعض النحويين أن الفاء وثم يحل أحدهما محل الآخر، واستشهدوا بذلك بنحو قول الله عزّ وجلّ ? وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ?4? فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ? [الأعلى:4-5] لأن جعل المرعى غثاء أحوى يحتاج إلى ثم، لكن يحل يعني تتناوب ثم والفاء ولكن هذا ليس الغالب، الغالب أن الفاء للترتيب والتعقيب يعني مباشرة وأن ثم للترتيب والتراخي يعني بينهما مدة طويلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 ننتقل إلى الحرف الرابع وهو أو، ولا يخلو الكلام الذي ترد فيه أو عاطفة من أن يكون خبراً أو إنشاءً فإذا كان الكلام خبراً، فأحياناً يكون معناها الشك كقول الله عزّ وجلّ قالوا ?قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ? [الكهف: 19] وقد يراد بها الإبهام يعني تبهم على السامع وأن تعرف لكنك تبهم ومنه قول الله عزّ وجلّ ? وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ? [سبأ: 24] أما إن كان الكلام إنشاءً فإن "أو" قد تدل على التخيير وقد تدل على الإباحة، ما الفرق بينهما، الإباحة تجيز لك الجمع بين الاثنين والتخيير تجعلك ملزماً بواحد منهما، فأما الإباحة فنحو قولك جالس عبد الله أو محمد يمكن أن تجالس الاثنين ويمكن أن تختص بواحد منهما، وأما التخيير فنحو قولك تزوج هنداً أو أختها ليس لك أن تجمع بينهما فأنت تخيره في واحد منها، مما وردت فيها أو دالة على الإباحة نحو قول الله عزّ وجلّ ? وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ? [النساء:86] لك أن تردها هي بنفسها أو تزيد عليها هذا هو الحرف الخامس وقد انتهينا منه. وأما الحرف السادس فقد ذكره المصنف فهو "إما"، وكثير من النحويين ما يذكرون "إما" في حروف العطف، لماذا؟ قال لأنهم إذا قلت جاء إما زيد وإما عمرو فإن قلت إن إما الأولى عاطفة وقلت إنها عاطفة فأين المعطوف عليه وقلت إن إما الثانية هي العاطفة فماذا تفعل بالواو فالصواب أنها ليست داخلة معنا، ولكن لأن المصنف ذكرها هنا فنحن نذكرها أو نتحدث عنها قد تدل على الشك كقولك قابلت اليوم إما صالحاً وإما سعيداً وأنت شاك في ذلك، وقد تدل على الإبهام أيضاً فقولك أنت إما على حق وإما على باطل، وأنت تعرف أنه على حق أو على باطل لكنك تريد أن تبهم عليه، وقد تكون للتقسيم وذلك قولهم مثلاً الكلمة إما اسم وإما فعل وإما حرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 هذا حديث المصنف عن إما، هو ذكر إما وحدها ولكننا ذكرنا لكم بعض التفصيلات عنها أم، "أم" فهي الحرف السادس من الحروف التي ذكرها المصنف وهي سواء وهي من أمثلتها قول الله عزّ وجلّ ? سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ? [البقرة:6] ومن ذلك قول الشاعر: ولست أبالي بعد فقدي مالكاً ...... أموتي ناء أم هو الآن واقع "أم" في هذين الموضوعين هي أم المتصلة، لأنهم يقسمون أم قسمين أم متصلة وأم منقطعة، أما أم المتصلة فهي التي تأتي بين متساويين، وأما أم المنقطعة فهي التي تكون بمعني الإضراب في الغالب، فالمتصلة هي التي مثلتها لكم قبل قليل، وأما المنقطعة فهي التي تأتي بمعني بل، وقد تكون المتصلة مسبوقة باستفهام، وقد لا تكون مسبوقة بالاستفهام ففي قول الله عزّ وجلّ ?سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ? هذه سبقت باستفهام وكذلك في قول الشاعر: ولست أبالي بعد فقدي مالكاً ...... أموتي ناء أم هو الآن واقع كذلك وقعت بعد استفهام ونحو قول الله عزّ وجلّ ? أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَ? [النازعات:27] كذلك وقعت بعد الاستفهام وهكذا، وقد تقع بين جملتين اسميتين كقول الشاعر: لعمرك ما أدري وإن كنت دارياً ..... شعيث بن سهم أم شعيث بن منكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 هنا لم يذكر قبلها الاستفهام، وقد وقعت بين جملتين اسميتين ننتقل إلى أم المنقطعة وهي الخالية من همزة التسوية لا تسبقها همزة التسوية ولا همزة الاستفهام وهي دائماً تدل على الإضراب، وبعضهم يجعلها بمنزلة بل والهمزة، يعني بمنزلة حرفين، ويستشهدون له بنحو قول الله عزّ وجلّ ? أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ? [الطور:39] يقولون التقدير فيها بل أله البنات، وأحياناً لا تدل على الاستفهام، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ? [الرعد: 16] هنا أم لاتدل على الاستفهام أما في الأول في قول الله عزّ وجلّ ? أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ? فقد دلت على الاستفهام. أما الأداة السابعة التي ذكرها المصنف فهي بل، وبل حرف عطف لكن يشترط لها للدلالة على العطف أمران: الأمر الأول: أن تكون مسبوقة إما بإيجاب أو بأمر أو بنهي أو بنفي يعني لابد أن تكون مسبوقة بواحد من هذه الأمور إما أن تكون مسبوقة بكلام موجب أو بأمر أو بنهي أو بنفي، الثاني: أن يكون المعطوف بها مفرداً يعني فلا تعطف الجمل، ما تعطف الجمل، الأمثلة: قولك قام محمد بل علي هذه بعد كلام موجب، ليقم محمد بل علي هذه بعد أمر، لا يقم محمد بل علي هذه بعد نهي، ما قام محمد بل علي هذه بعد نفي، هذه بل العاطفة وكما رأيتم في الأمثلة التي ذكرناها المعطوف بها مفرد، وبعضهم يمنع دخولها بعد النفي ولكن الصحيح أنها يجوز أن تكون إما بعد إيجاب يعني كلام موجب وإما بعد أمر وإما بعد نهي وإما بعد نفي، وهذا النفي هو قد عارض فيه المبرد رحمه الله فقال: "لا يجوز أن تأتي بل بعد النفي" فلا يجوز عنده أن تقول ما قام محمد بل علي، لا يجوز عنده أن تكون بل هذه؛ لما تتضمنه من معنى الإضراب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 العاطف الثامن الذي ذكره المصنف هو لا، كلمة لا تعد حرف عطف أحياناً ويشترط النحويون شروطاً لجعلها عاطفة بعض هذه الشروط متفق عليه وبعضها مختلف فيه، نكتفي بذكر المتفق عليه، اتفقوا على اشتراط كونها مسبوقة بإيجاب أو أمر، وعلى كون معطوفها لابد أن يكون مفرداً فلا يكون جملة، من ذلك قولك هذا زيد لا عمرو، هذا كلام موجب والمسبوقة بالأمر كقولك اضرب زيداً لا عمرًا، وهذا المعطوف في الجملتين مفرد وهو كلمة عمرو ومسبوقة في الكلام الأول بكلام موجب وهو قوله هذا زيد ومسبوقة في الثاني بأمر وهو قوله اضرب زيداً. أما العاطف التاسع الذي ذكره المصنف فهو لكن كلمة لكن واشترطوا أيضاً لكونها عاطفة شروطاً: 1- أن يكون المعطوف بها مفرداً. 2- أن تسبق بنفي أو بنهي. 3- ألا تقترن بالواو، فإن اقترنت بالواو كان العطف للواو، وكانت هي حرفاً دالاً على الإضراب فقط ولابد أن تكون إما مسبوقة بنفي أو بنهي، ولابد أن يكون المعطوف بها مفرداً لابد أن يكون المعطوف بها مفرداً من أمثلتها قولك ما مررت برجل لكن امرأة وقولك من أمثلتها أيضاً لا يقوم عمرو لكن بكر. في نحو قول الله عزّ وجلّ ? مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ? [الأحزاب:40] لكن هنا ليست حرف عطف وإنما العطف هو للواو لأن الواو أقوى منها في العطف ما دامت اقترنت بالواو فإنها لا تعتبر عاطفة. أما الحرف الأخير الذي ذكره المصنف من حروف العطف فهو حتى والعطف بها قليل، لأن الغالب والكثير فيها أن تكون حرف جر ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ? سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ? [القدر:5] فهي هنا حرف جر ولذلك اشترطوا لها أن يكون المعطوف بها اسماً ظاهراً فلا يصح أن يكون ضميراً الثاني: أن يكون المعطوف بها بعضاً من المعطوف عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 الثالث: أن يكون غاية في زيادة أو في نقصان، المثال قولك مات الناس حتى الأنبياء الآن توافرت الشروط كلها. واحد أن المعطوف بها اسم ظاهر وهم الأنبياء. اثنين أنه بعض من المعطوف عليه لأن الأنبياء بعض الناس. الثالث أنه غاية إما في زيادة وإما في نقصان وهو غاية في الزيادة هنا، وأما الغاية في النقصان فقولك مثلاً غلبك الناس حتى الصبيان، فالصبيان هنا غاية ولكنه غاية في النقص، وقد ذكرنا شروط حتى وما يتعلق بها. ننظر إلى قول المصنف، رحمه الله بعد أن ذكر هذه الأدوات وبينا ما فيها وكيف تكون عاطفة، ننتقل إلى شرح قول المصنف (فإن عطفت على مرفوع رفعت أو على منصوب نصبت أو على مخفوض خفضت أو على مجزوم جزمت) هذا هو حق المعطوف أن تتبعه أو أن تعطيه حركة المعطوف عليه رفعاً أو نصباً أو خفضاً أو حتى جزماً، قال (تقول قام زيد وعمرو) هذا عطفت مرفوعاً على مرفوع (ورأيت زيداً وعمراً) هذا عطفت فيه منصوباً على منصوب (ومررت بزيد وعمرو) هذا عطفت فيه مجروراً على مجرور أو مخفوضاً على مخفوض. أما قوله (وزيد لم يقم ولم يقعد) ففي نفسي منها شيء لأنه كرر لم فلعل جزم الفعل الثاني بلم وليس جزماً بسبب العطف، والمثال الصحيح في رأيي أن يقال لم يقم زيد ويقعد، لم يقم ويقعد حينئذ يكون العمل للعاطف، أما إذا كررت لم فإنه سيكون العمل لها وهذا آخر ما يقال في باب العطف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 ننتقل بعده إلى باب التوكيد وهو باب من أبواب التوابع. التوكيد قال المصنف عنه (التوكيد تابع للمؤكد في رفعه ونصبه وخفضه وتعريفه) المصنف هنا لم يعرف لنا التوكيد وإنما ذكر لنا حكم التوحيد، والتوكيد يا أيها الأحباب قسمان: قسم منه يسمى بالتوكيد اللفظي ولم يذكره المصنف، والقسم الثاني وسيذكره المصنف هو التوكيد المعنوي. أما التوكيد اللفظي يا أيها الأحباب فهو أن تكرر اللفظ الأول بعينه سواء أكان اللفظ الأول اسما أو فعلا أو حرفا أو جملة هذا كله يسمى بالتوكيد اللفظي كله يسمى بالتوكيد اللفظي، والتوكيد اللفظي جائز وسائغ وموجود، إذا قلت جاء محمد محمد فقد أكدت الفاعل هنا وأتبعت هنا وإذا قلت جاء جاء محمد فقد أكدت المجيء، وإذا قلت إن محمداً إن محمداً مجتهد فقد أكدت التوكيد إن محمداً إن محمداً مجتهد، ألا يجوز أن تقول إن إن محمد مجتهد الصحيح أنه لا يجوز في الحروف توكيدها توكيداً لفظياً إلا أن تلحق معها ما اتصل بها إلا إذا كان الحرف هذا حرف جواب كأن يقول مثلاً نعم أولا أو أجل أو ما شاكل ذلك، ومن ذلك مما ورد فيه توكيد الحرف الذي هو حرف جوابي قول الشاعر: لا لا أبوح بحب بثينة إنها أخذت علي مواثقاً وعهود باح ولا ما باح يا أخوان؟ باح هو يقول لا لا أبوح، وأنت بحت يقول لأنها أخذت علي مواثقاً وعهودا أنا لا أبوح، ومع ذلك باح رحمنا الله وإياهم، المهم أن قوله لا لا فيها توكيد لفظي والتوكيد هنا لحرف جوابي لا مانع لكن لو كان الحرف ليس جوابياً كأن كان من حروف الجر أو إن وأخواتها أو نحو ذلك فلابد أن تعيد معه ما اتصل به تقول مثلاً في توكيد حرف الجر مررت بك بك ولا تقول مررت ببك، لا، لابد أن تقول مررت بك بك فتعيد معه ما اتصل به وكذلك لعل محمداً لعل محمداً مجتهد تكرر معه ما اتصل به هذا إذا كان حرفاً. ما توكيد الجملة؟ مثاله، مثال توكيد الجملة أو شاهده قول الله عزّ وجلّ ? أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ?34? ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ? [القيامة:34-35] هذه فيها توكيد لفظي للجملة، وهذا آخر ما يقال عن التوكيد اللفظي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 ننتقل بعد هذا إلى حديث المصنف عن التوكيد المعنوي لكن قبله أشير إلى أن مراد المؤلف في قوله في بداية باب التوكيد (التوكيد تابع للمؤكد في رفعه ونصبه وخفضه وتعريفه) هذا بارك الله فيكم خاص قوله وتعريفه خاص بالتوكيد المعنوي، أما بقية الأشياء وهي الرفع والنصب والخفض فإنها تنفعنا في باب التوكيد اللفظي والتوكيد اللفظي لا يشترط فيه أن يكون المؤَكَّد معرفة أو أن يكون المؤَكِّد معرفة، لا، بل التوكيد المعنوي هو الذي يشترط فيه ذلك فننتقل إلى كلام المصنف هنا وهو قوله (ويكون بألفاظ معلومة وهي النفس والعين وكل وأجمع وتوابع أجمع، وهي أكتع وأبتع وأبصع) كل هذه الثلاثة كلمات أكتع وأبتع وأبصع تعني ما تعني كلمة أجمع قال (تقول قام زيد نفسه، ورأيت القوم كلهم ومررت بالقوم أجمعين) وكلام المصنف كله عن التوكيد المعنوي، والتوكيد المعنوي يا أيها الأحباب إنما هو بألفاظ محدودة، أما التوكيد اللفظي فكما ذكرت لكم ليس له ألفاظ محدودة بل كل لفظ سواء كان اسماً أم فعلاً أم حرفاً أم جملة يجوز لك أن تؤكده توكيداً لفظياً، أما التوكيد المعنوي فهو خاص ببعض الألفاظ وهي التي ذكرها المصنف في قوله (النفس والعين وكل وأجمع وتوابع أجمع وهي أكتع وأبتع وأبصع) ويقال أيضاً جمعاء وكتعاء وبتعاء وبصعاء مع هذه، يعني مؤنثات هذه الألفاظ هي داخلة وجميع أيضاً من ألفاظ التوكيد وعامة أيضاً من ألفاظ التوكيد، هنا مسائل: المسألة الأولي: حكم التوكيد المعنوي من ناحية الإعراب هذا بينه المصنف من أن التوكيد المعنوي يتبع المؤكد رفعاً ونصباً وخفضاً، تقول جاء محمد نفسه ورأيت محمدًا نفسه ومررت بمحمد نفسه فتبعه في حركاته كلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 المسألة الثاني: قول المصنف تعريفه، المؤكد هنا في الأمثلة المذكورة كلها معرفة فهل يجوز في التوكيد المعنوي مجيء المؤَكَّد، المؤكَّد ما هو المؤكِّد؟ المؤكَّد مجيئه نكرة هذا قد ورد ولكنه قليل، ويشترطون للتوكيد المعنوي إذا كان المؤكد نكرة أن يكون محدوداً محصوراً كأن يكون سنة مثلاً حول (سنة) ساعة، يوم، أسبوع ما شاكل ذلك، ويستشهدون له بقول الشاعر: لكنه شاقه أن قيل ذا رجب ....... يا ليت عدة حول كله رجب فكل هنا توكيد معنوي وقد جاء المؤكد هنا كلمة حول وهي نكرة وهذا قليل. المسألة الثالثة: التوكيد بلفظي النفس والعين، كيف نؤكد بهما؟ يؤكد بهذين اللفظيين الواحد، تقول جاء محمد نفسه، ويؤَكَّد بهما أيضاً الجماعة، تقول جاء الرجال أنفسهم، ولا يؤَكَّد بها المثنى، لأن المثنى له لفظ خاص به، وهو لفظ كلا وكلتا يؤكد المثني المذكر بكلا ويؤكد المثنى المذكر بكلتا، فلذلك ما يؤكد بالنفس والعين إلا هذان الأمران وهما المفرد تقول جاء محمد نفسه والجماعة فتقول جاء الرجال أنفسهم وتقول في جماعة الإناث جاءت الهندات أنفسهن. المسألة الرابعة: أنه يجوز إدخال الباء على لفظي النفس والعين، فتقول جاء محمد بنفسه وجاء محمد بعينه، وجاء القوم بأنفسهم وجاء النساء بأنفسهن، ولابد من وجود ضمير يبين المؤكد أو له علاقة بالمؤكد إما مفرد أو مثني أو مجموع جمع مذكر أو جمع مؤنث، قف المثنى لا، المثنى سيأتي بيانه إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 المسألة الخامسة: التوكيد بلفظ كل الغرض منه إفادة العموم، وكل هذه لا يؤكد بها المثنى أيضاً وإنمايؤكد بها المفرد الذي له أجزاء تصلح للانفصال بعضها عن بعض وإلا فلا، يعني ما يجوز أن تقول جاء زيد كله لكنك تقول اشتريت الأرض كلها، الأرض واحدة وزيد واحد لكن زيد ما يتجزأ في المجيء، زيد لا يتجزأ في المجيء لكنك تقول أيضاً يجوز لك أن تقول بعت زيداً كله، هذا إذا كان زيد مملوك لك، لأنه يمكن أن تبيع بعضه فأنت تنظر إلى الجملة كلها فإن كان تصلح للتجزئة فلا مانع أن تذكر فيها لفظ يعني التوكيد بلفظ كل وإلا فلا، هذا بالنسبة لتوكيد المفرد أما بالنسبة لتوكيد الجماعة فإنه جائز أن تقول جاء القوم كلهم، وجاء النساء كلهن، وهكذا هذا ما دام يدل على الجماعة. المسألة السادسة: التي تذكر في لفظ أو في باب التوكيد هو شيء تركه المصنف وهو التوكيد بلفظ كلا وكلتا وهذان اللفظان خاصان بالمثنى يعني يؤكد بكلا المثنى المذكر ويؤكد بكلتا المثنى المؤنث، لكن انتبه لابد أن يكونا مقترنين بالضمير أما إذا كان مضافين إلى غير الضمير فليس توكيداً تقول جاء كلا المحمدين هذه ليس فيها توكيد لكن تقول جاء المحمدان كلاهما، وجاءت الهندان كلتاهما فحينئذ أكدت بلفظ كلا وكلتا مضفين إلى الضمير فإن كانا مضافين إلى اسم ظاهر فإنه لا يكون توكيد بهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 المسألة الثامنة: الألفاظ التي ذكرها المصنف وهي أجمع وأكتع وأبتع وأبصع وما شاكلها هذه ألفاظ قد تأتي للتوكيد بها وحدها فتقول جاء القوم أجمعون، ويمكن أيضاً أن تأتي بها بعد لفظ كل فتقول جاء القوم كلهم أجمعون، وانظروا إلى قول الله عزّ وجلّ ? فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ? [الحجر:30] فقد أكد بهذين اللفظين المتتاليين، أما توابع أجمع فهي يطلق عليها الحكم نفسه الذي ذكرناه مع أجمع، وهي أكتع وأبتع وأبصع وهل تأتي وحدها أو لابد أن تكون مع أجمع يجوز لك أن تأتي بها وحدها ولكن الأولى أن تكون مسبقة بكلمة أجمع والوجهان جائزان لكن هذا أفضل وأرجح. ونقف عند هذا الحد وهو نهاية باب التوكيد لنستمع إلى أسئلتكم إذا أردتم، تفضل. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خير، لقد قسم بعضهم العطف إلى عطف بيان وعطف نسق فما تعريف كليهما مع التمثيل. أجاب الشيخ: أولاً بارك الله فيك هذا سؤال جيد، وهذا الحديث أو الكلام في هذا الموضع أهمله المصنف فلم يتحدث عن عطف البيان، وهو واحد من التوابع وإهماله هو محق فيه، لأن البدل هو عطف البيان، عطف البيان والبدل بينهما تشابه كبير ولكنهم اشترطوا في البدل أن يصح حلوله محل المتبوع، محل المبدل منه ولذلك يجعلون العطف عطف البيان هذا في المواضع التي يمتنع فيها البدل، ولكن المصنف أهمله وبعض النحويين أهمله والصواب أن كل ما يصلح أن يعرب بدلاً يصح إعرابه عطف بيان، عطف البيان لا يشترط فيه حرف العطف وهذا الفرق بينها وبين عطف النسق الذي تحدثنا عنه فإن عطف النسق لابد أن يتوسط بين التابع والمتبوع واحد من الحروف العشرة التي ذكرنها وهي: الواو أو الفاء أو ثم أو إلى آخر الحروف التي ذكرنها وهذا سؤال جيد وأحسنت بذكره، وقد أعطينا لمحة موجزة عن عطف البيان، فلا نحتاج إلى إعادته، نعم، تفضل. سأل أحد الطلبة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 فضيلة الشيخ أثابكم الله، بعض النحاة يكتبون "أل" وبعضهم الألف واللام فما سبب الخلاف؟ أجاب الشيخ: هذا سهل في الحقيقة بعضهم يعتمد على لفظ الحرف نفسه، ولا يفصله تفصيلاً فيقول هذا باب "أل" التعريف وبعضهم يقول هذا باب الألف واللام المعرفة والمسألة في هذا سهلة ولا مشاحة في الاصطلاح، يعني هذا اصطلاح من بعض النحويين، بعضهم يكتفي بوجود كلمة "أل" وبعضهم يرى يقول الألف واللام، وهي واحدة ما في فرق بينهما. سأل أحد الطلبة: فضيلة الشيخ جزاكم الله خير قلت: إنه لابد أن يأتي بعد بل مفرد فإذا جاءت بعدها جملة فما يكون إعرابها؟ أجاب الشيخ: هذه تكون استئنافية ولا تكون عاطفة، نعم تكون استئنافية ولا تكون عاطفة وإنما يتبين العطف والإتباع في وجود المفرد بعدها. نكتفي بهذا القدر اليوم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 الدرس السادس عشر حمداً لك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على من أرسله الله رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. أيها الأخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نواصل الحديث بإذن الله تعالى في شرح ما يتيسر من الآجرومية، وقد وصلنا إلى باب البدل من أبواب التوابع، قال المصنف رحمه الله تعالى (بَابُ اَلْبَدَلِ، إِذَا أُبْدِلَ اِسْمٌ مِنْ اِسْمٍ أَوْ فِعْلٌ مِنْ فِعْلٍ تَبِعَهُ فِي جَمِيعِ إِعْرَابِهِ) . لم يعرّف البدل أيضاً، والبدل يعرّفه بعضهم في قوله: هو التابع المقصود بالحكم بلا واسطة، أما قوله التابع فيدخل فيه جميع التوابع، وأما قوله المقصود بالحكم فيخرج جميع التوابع ما عدا العطف؛ لأن العطف التابع مقصود بالحكم تقول جاء محمد وعلى يعني أن علياً مقصود بالحكم وهو المجيء.لكن كيف نخرج العطف؟ نخرجه بقولنا بلا واسطة، لأن العطف إنما يقصد المعطوف بواسطة حرف العطف، يعني قولنا في تعريف العطف هناك قلنا هو التابع الذي يتوسط بينه وبين متبوعه واحدٌ من حروف العطف هنا ما في توسط لا يوجد توسط، هذا تعريف البدل. قال المصنف (إِذَا أُبْدِلَ اِسْمٌ مِنْ اِسْمٍ أَوْ فِعْلٌ مِنْ فِعْلٍ تَبِعَهُ فِي جَمِيعِ إِعْرَابِهِ) أما اسم من اسم فلا إشكال، أما قوله فعل من فعل فهذا فيه إشكال يسير ذلك أنه ليس كل الأفعال يصلح فيها هذا؛ لأن الأفعال قسمان قسم منها معرب وقسم منها مبني، فالذي يصلح معنا طبعاً هنا هو الفعل المضارع، أما فعل الأمر فهو مبني سيبقى على حاله، وأما الفعل الماضي فهو مبني اتفاقاً سيبقى على حاله. قال المصنف (وهو) يعني البدل (وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ بَدَلُ اَلشَّيْءِ مِنْ اَلشَّيْءِ, وَبَدَلُ اَلْبَعْضِ مِنْ اَلْكُلِّ, وَبَدَلُ اَلِاشْتِمَالِ, وَبَدَلُ اَلْغَلَطِ, نَحْوَ قَوْلِكَ "قَامَ زَيْدٌ أَخُوكَ, وَأَكَلْتُ اَلرَّغِيفَ ثُلُثَهُ, وَنَفَعَنِي زَيْدٌ عِلْمُهُ, وَرَأَيْتُ زَيْدًا اَلْفَرَسَ", أَرَدْتَ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ اَلْفَرَسَ فَغَلِطْتَ فَأَبْدَلْتَ زَيْدًا مِنْهٌ) هذا كله كلام المصنف وقد قسم لنا في هذا الفصل البدل بأنواعه الأربعة. أما النوع الأول: وهو قوله بدل الشيء من الشيء، فهذا أفضل من تعبير بعضهم بقوله بدل الكل من الكل، ذلك لأنهم يكرهون دخول "أل" على كلمة كل وعلى كلمة بعض، فقوله بدل الشي من الشيء طيب، ولكنه رحمه الله وقع في الأمرين في النوع الثاني فقال: بدل البعض من الكل، بعضهم يهرب من هذا فيقول بدل بعض من كل، هذا يمشى قليلاً ولكنه ليس بذاك أيضاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وعلى كل حال لماذا يمنعون دخول "أل" على كل بعض السبب في هذا يا أيها الأحباب أن هذين اللفظين من الألفاظ الملازمة للإضافة فإذا لم تكن مضافة فإنها تكون منونة فيمتنع دخول أو اجتماع "أل" والإضافة، اجتماع "أل" والإضافة، من أجل هذا منعوا دخول ما منعوها يعني استضعفوا دخول "أل" على كل وعلى بعض، أما النوع الثالث وهو بدل الاشتمال، وأما النوع الرابع فهو بدل الغلط. نبدأ بها واحداً واحداً قال الله عزّ وجلّ ? الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ?1? اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ? [إبراهيم:1-2] إلى صراط العزيز، العزيز مضاف إليه الحميد صفة، الله بدل، ليش ما جعلنا لفظ الجلالة صفة ثانية؟ قال لأنه لفظ جامد ولا يصح إلا مع تأويله بمشتق فنحن نجعله بدلاً، فإذاً هذا بدل كلٍ من كل ? إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ?1? اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ? طبعاً في بدل كل من كل لا يلزم وجود ضمير يربط بين البدل والمبدل منه والمبدلِ منه قال الشاعر: أقسم بالله أبو حفصٍ عمر ..... عمر بدل كل من كل من أبي حفص وهذا ليس فيه ضمير وليس فيه رابط لا يوجد بينه رابط وكذلك في الآية التي ذكرناها قبل قليل هذا هو النوع الأول وهو ما يسمى ببدل كلٍ من كل أو بدل الكل من الكل معاً أو كما ذكر المصنف هنا بدل الشيء من الشيء بدل الشيء عامة من الشئ عامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 النوع الثاني من أنواع البدل: هو بدل بعض من كل، بدل البعض من الكل أو بدل بعض من كل لا يلزم فيه أن يكون البدل أقل من المبدل منه ولا مساوياً له ولا أكثر ما يلزم ما لك أن تقول مثلاً: أكلت الرغيف ثلثه، فيكون أقل أو أكلت الرغيف نصفه أو أكلت الرغيف ثلثيه لا مانع، هذا هو بدل بعض من كل. يقولون منه قول الله عزّ وجلّ ? ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ? [المائدة: 71] على الكلام الذي قلناه على اعتبار أن الواو هي الفاعل وأن قوله سبحانه كثيرٌ هذا بدل منه. اشترطنا أو نشترط في بدل البعض من الكل أو بدل بعض من كل وجود ضمير يربط بين البدل والمبدل منه لابد، قد يكون هذا الضمير ظاهراًَ كما في قول الله عزّ وجلّ الذي ذكرناه قبل قليل ? ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ? وقد يكون مقدراً ومنه قول الله عزّ وجلّ ? وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ? [آل عمران: 97] من بدل من الناس، ولا يوجد رابط هنا ولكنه يقدرونه بأن التقدير والله أعلم من استطاع إليه منهم سبيلا يعني من الناس. النوع الثالث: هو بدل الاشتمال. أولاً: ما الفرق بين بدل البعض وبدل الاشتمال، بدل البعض هو جزء واضح من المبدل منه أما بدل الاشتمال فليس واضحاً ولكنه مشتملاً عليه أو له علاقة به، يعني إما أن يكون كالبعض منه، وإما أن يكون مشتملاً عليه، تقول مثلاً أعجبني محمد علمه هذا العلم ليس جزءاً من محمد، ولكنك تقول قطعت محمداً يده اليد جزء منه هذا بدل بعض من كل، أعجبني محمد عمله هذا العلم ليس مشتملاً، أعجبني محمد ثوبه، هذا يقولون بدل اشتمال لأنه كالجزء منه ليس جزءاًَ منه أعجبني محمد سيارته، وما شاكل ذلك، إذا كان كالبعض أو له علاقة به ولكنه ليس بعضاً حقيقياً منه فإن هذا هو المسمى ببدل الاشتمال، هذا هو النوع الثالث وهو ما يسمى ببدل الاشتمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 أما النوع الرابع: فهو البدل أو ما يسميه بعضهم ببدل الغلط، وقد سماه ابن هشام رحمه الله بالبدل المباين، البدل المباين، وعلل لتسميته هذه بأنه قد يرد في يعني بأن الأصل أن الغلط هذا لا يمكن أن يكون في كلام الفصحاء، والكلام المعتد به؛ فلذلك سماه البدل المباين يعني المخالف لما قلبه، وقال: لا يخلو الكلام؛ لأنه وزعه أيضاً توزيعات أخرى قال: قد يسمى بدل النسيان، وقد يكون بدل الغلط أو نحو ذلك، وانظر إلى كلام ابن هشام رحمه الله قال: أقسمه ثلاثة أقسام لأنه لابد أن يكون مقصوداً بالحكم. فالأول: إن لم يكن مقصوداً ألبتة ولكن سبق اللسان إليه فهو بدل الغلط، إذا قلت رأيت زيد الفرس، أنت ما تقصد أن تقول زيد ولكن سبق إليه لسانك ثم استدرجت مباشرة فقلت الفرس فهذا غلط أخطأت فذكرت كلمة زيد فاستثنيت مباشرة، النوع الثاني أن يكون الأول مقصوداً ولكن بعدما تكلمت بعدما قلت رأيت زيداً تبين لك أنه ليس مقصوداً فحولت إلى كلمة الفرس هذا يسمى ببدل النسيان، وإن كان كل واحد منهما مقصوداً أنت قصدت أن تقول زيد ثم أعرضت عن كلمة زيد فقلت فلان، مثلاً رأيت زيداً محمداً فأنت قصدت كلمة زيد لكنك أضربت عنها يعني أعرضت عن الكلام بها ولا تريد إثبات رؤيتك له ولا نفيها لكنك قصدت ذكرها فهذا يسمى ببدل الإضراب، والثلاثة كلها يشملها قول المصنف- أعني ابن هشام رحمه الله- بما سماه بالبدل المباين، البدل المباين وعلى كل هذه الثلاثة أمور يصلح التطبيق على المثال القائل رأيت زيداً الفرس، فإن كنت ما تقصد إلا أن تقول الفرس ولكن سبق لسانك إلى كلمة زيد فهذا بدل غلط وإن كنت يعني قلت رأيت وأنت تقصد زيد لكن بعدما ذكرتها تبين لك أنها ليس المقصود بها هذا الحكم وإنما أنت تقصد أنك رأيت الفرس ولم ترَ زيداً فهذا يسمى ببدل النسيان، أما إن كنت قصدت الاثنين معاً فهذا يسمى ببدل الإضراب إن كان قصدهما واضحاً أو متماثلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 بالمناسبة يا إخواني البدل والمبدل منه لا يلزم تطابقهما في التعريف ولا في التذكير ولا في التأنيث ولا في شيء إلا في الإعراب، يعني لا يلزم إذا كان الأول معرفة يكون الثاني معرفة أو إذا كان الأول نكرة يكون الثاني نكرة أو إذا كان الأول مذكر يكون الثاني مذكراً لا يلزم، لا يلزم وانظروا إلى قول عزّ وجلّ ? وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ?52? صِرَاطِ اللَّهِ ? [الشورى: 52-53] صراط هذه نكرة الأول والثاني صراط الله معرفة بالإضافة وانظر إلى العكس في قول الله عزّ وجلّ ? كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ?15? نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ? [العلق:15-16] الناصية الأولى معرفة بـ "أل" والثانية نكرة ولا يلزم كما ذكرت لكم إذا كان الأول مذكراً أن يكون الثاني مذكراً، بل يمكن أن تبدل المؤنث بالمذكر والمذكر بالمؤنث إلى آخره، والمفرد من المثنى والمثنى من المفرد؛ لأن المقصود بالحكم هو البدل، فلا يهمك في المتقدم أياًَ كان نوعه، اللهم إلا أنك تراعي رحمك الله وبارك فيك تراعي حركة الإعراب، فالبدل لابد أن يأخذ حركة إعراب المبدل منه رفعاً ونصباً وجراً وجزماً أيضاً قال الشاعر: فأصبحت أنى تأتها تستجر بها ...... تجد حطباً جزلاً وناراً تأججا فأصبحت أنى تأتها تستجر بها، تستجر هذا بدل من تأتي وكل واحد منهما فعل مضارع مجزوم، كل واحد منهما فعل مضارع مجزوم، وهذا آخر ما نقوله في باب البدل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 ننتقل بعد هذا بعون الله عزّ وجلّ إلى حديث المصنف رحمنا الله وإياه عن باب المنصوبات ، قال المصنف (اَلْمَنْصُوبَاتُ خَمْسَةَ عَشَرَ, وَهِيَ اَلْمَفْعُولُ بِهِ, وَالْمَصْدَرُ, وَظَرْفُ اَلزَّمَانِ وَظَرْفُ اَلْمَكَانِ, وَالْحَالُ, وَالتَّمْيِيزُ, وَالْمُسْتَثْنَى, وَاسْمُ لَا, وَالْمُنَادَى, وَالْمَفْعُولُ مِنْ أَجْلِهِ, وَالْمَفْعُولُ مَعَهُ, وَخَبَرُ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا, وَاسْمُ إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا، وَالتَّابِعُ لِلْمَنْصُوبِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءٍ: النَّعْتُ وَالْعَطْفُ وَالتَّوْكِيدُ وَالْبَدَلُ) . وعند تعداد هذه الأمور سيظهر لكم خطأً في الإجمال، مجموع المنصوبات التي ذكرها إذا عددنا التوابع واحداًَ واحداً سينقص العدد إذا عددناها كلها النعت والعطف والتوكيد والبدل جعلنها تابع واحد سينقص العدد سيصير أربعة عشر، مع أنه ذكر خمسة عشر في البداية قال المنصوبات خمسة عشر وإن عددنا كل واحد من التوابع مستقلاً فستزيد على خمسة عشر فما الحل وما المشكلة؟ الحل والحمد لله موجود في بعض نسخ المقدمة الآجرومية، وأظن أحدكم سألني عن ذلك في إحدى الحلقات الماضية وهو أن في إحدى النسخ موجود وباب ظن وأخواتها، فيصير عد التوابع كلها واحداً هو باب ظن وأخواتها، هو الأخير، لكن النسخة الموجودة بين أيدينا لم يذكر فيها ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 ننتقل إلى حديث المصنف عن المفعول به وهو الباب الأول من الأبواب المنصوبة أو من أبواب المنصوبات.قال المصنف (بَابُ اَلْمَفْعُولِ بِهِ وَهُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ, اَلَّذِي يَقَعُ بِهِ اَلْفِعْلُ, نَحْوَ ضَرَبْتُ زَيْدًا, وَرَكِبْتُ اَلْفَرَسَ) الاسم يخرج الفعل ويخرج الحرف فلا يقع واحداً منهما مفعولاً به، ولا تقول للفعل إنه مفعول به لا فعل ماضي ولا فعل مضارع ولا فعل أمر، ويخرج الحرف أيضاً فلا يقال عن الحرف إنه مفعول به، كنا قد شرعنا في الحديث في باب المفعول به ، وقلنا إن قول المصنف الاسم يخرج الفعل ويخرج الحرف فلا يوصف واحداً منهما بأنه مفعول به لكن الاسم هذا أحياناً يكون اسماً صريحاً كقولك أكرمت محمدا، ً وأحيانا يكون اسماً مؤولا، من المؤول نحو قول الله عزّ وجلّ ? وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً ? [الأنعام:81] فأنى وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول به لقوله تخافون فلا يضير أن يكون الاسم صريحاً أو أن يكون مؤولاً. قال المصنف (وهو) يعني المفعول به (قسمان ظاهر ومضمر فالظاهر ما تقدم ذكره) يعني في قوله ضربت زيداً وركبت الفرس زيداً مفعولاًَ به والفرس مفعول به، (والمضمر قسمان، متصل ومنفصل) يعني أن الضمائر التي تقع مفعولاً به أو تعرب مفعولاً به نوعان، نوع منها ضمائر متصلة، ونوع منها ضمائر منفصلة، ثم بدأ في ذكر المتصل، فقال (فَالْمُتَّصِلُ اِثْنَا عَشَرَ, وَهِيَ ضَرَبَنِي) يعني ياء المتكلم (وَضَرَبَنَ) يعني نا الدالة على المتكلمين يعني على ما عدا الواحد من المتكلمين (وَضَرَبَكَ) وهذه الكاف للمخاطب الواحد (وَضَرَبَكِ) وهذه للمخاطبة (وَضَرَبَكُمَا) هذه للمثنى بنوعيه (وَضَرَبَكُمْ) وهذه لجماعة الذكور (وَضَرَبَكُنَّ) وهذه لجماعة الإناث المخاطب طبعاً في الضمائر الخمسة هذه وَضَرَبَكَ، وَضَرَبَكِ، وَضَرَبَكُمَا، وَضَرَبَكُمْ، وَضَرَبَكُنَّ كلها للمخاطب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 ثم ينتقل إلى الغائب فيقول (وَضَرَبَهُ) وهذا للمفرد الغائب (وَضَرَبَهَا) وهذه للغائبة (وَضَرَبَهُمَ) وهذا للغائبين والغائبتين (وَضَرَبَهُمْ) وهذه للغائبين (وَضَرَبَهُنَّ) وهذه للغائبات. قال الله عزّ وجلّ ? رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ? [إبراهيم:40] فالياء في اجعلني مفعول به وهي للمتكلم وقال الله عزّ وجلّ ? وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ? [البقرة:201] آتنا "نا" مفعول به لأتِ. وقال الله عزّ وجلّ ? قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ? [طه:72] الكاف مفعول به ضمير متصل وقال سبحانه وتعالى ? قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ? [يوسف:37] في المواضع الثلاثة كما مفعول به وهل هي كلها أو الكاف الصحيح أن الكاف هي المفعول به وأما ما فهي دلالة على أن المقصود المثنى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) ينهاكم، الكاف هذه دلالة على جماعة المخاطبين، وهي مفعول به الكاف مع الميم طبعاً، وقال سبحانه وتعالى ? يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيل? [الأحزاب:28] كن، وكن في هذين الموضوعين مفعول به للفعل أمتع وأسرح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وقال الله سبحانه وتعالى ? قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ? [الكهف:37] الهاء مفعول به وقال صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله رضي الله عنه حين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه تزوج ثيباً فقال له (فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك) تلاعبها هاء مفعول به لتلاعب وتضاحكها هاء مفعول به له أيضاً قال الله عزّ وجلّ ? وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ? [فصلت:29] نجعلهما هما هذه مفعول به لنجعل، وقال الله سبحانه وتعالى ? لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً ? [مريم:94] هم في الموضعين مفعول به، هذه الضمائر المتصلة كما ذكرها المصنف وقد استشهدنا لها جميعها. ننتقل الآن إلى الضمائر المنفصلة التي ذكرها المصنف وقال: (إنها تقع في محل نصب مفعول به) وعلى كل حال أنبه إلى أن الضمائر كلها مبنية وإنما هي في محل نصب، كل الضمائر كما أخبرتكم أكثر من مرة هذه صحيح أنها تكون مفعولاً أو تكون مجرورة أو تكون مرفوعة يعني في محل رفع، لكنها كلها مبنية وإنما يقال إنها في محل كذا محل رفع محل نصب إلى آخره. قال المصنف (وَالْمُنْفَصِلُ اِثْنَا عَشَرَ) يعني الضمير المنفصل الذي يقع في محل نصب على أنه مفعول به اثنا عشر لفظا وهو الكلام الذي سبق أن ذكرناه في باب الضمير في كلمة إيا، هل هي إياك مثلا كلها الضمير أو الأول عماد والثاني هو الضمير أو بالعكس الأول هو الضمير والثاني حرف يدل أو واحد منهما مضاف إلى الآخر كلام طويل لا نعيده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 لكن أذكر ما قال المصنف يقول (وَالْمُنْفَصِلُ اِثْنَا عَشَرَ وَهِيَ إِيَّايَ) هذه للمتكلم الواحد (وَإِيَّانَا) لما عداه من المتكلمِين أو المتكلمَين (وَإِيَّاكَ) للمخاطب الواحد (وَإِيَّاكِ) للمخاطبة (وَإِيَّاكُمَ) للمخاطَبين والمخاطبتين (وَإِيَّاكُمْ) للمخاطبين (وَإِيَّاكُنَّ) للمخاطبات (وَإِيَّاهُ) للغائب الواحد (وَإِيَّاهَا) للغائبة (وَإِيَّاهُمَا) للغائبين والغائبتين (وَإِيَّاهُمْ) للغائبين (وَإِيَّاهُنَّ) للغائبات. من الشواهد قال الله عزّ وجلّ ? يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ? [البقرة:40] إياي مفعول به مقدم لقوله ارهبون، وقال سبحانه وتعالى ? وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ? [يونس:28] إيانا تعبدون أصله تعبدوننا لكن لما تقدم الضمير فصله والمقصود به هنا أنه صار مفعولاً به وهو من الضمائر المنفصلة. وقال سبحانه وتعالى ? إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ? [الفاتحة:5] فوقع الضمير للمفرد المخاطب مفعولاً به وقال سبحانه وتعالى ? وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ? [سبأ:40] .ولم أجد في القرآن الكريم إياكما للمخاطبَين ولا للمخاطبتين على أنها مفعول به، لم أجدها في القرآن الكريم، الشاهد في قول الله عزّ وجلّ ? أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ? فإياكم هنا مفعول به وهي لجماعة المخاطَبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 أما قوله سبحانه وتعالى ?وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ? [البقرة: 172] فهذا الضمير فيه ضمير منفصل للغائب الواحد أما قوله سبحانه وتعالى ? وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ? [الأنعام: 151] فهو لجماعة الغائبين، وإياهم نحن نرزقكم وإياهم. ويمكن أن يمثل لضمير المخاطبة بقولك يا هند إياك أكرمت ويمثل للمخاطبين بقولك أيها الرجلان إياكما أجبت وللمخاطبتين بقولك أيتها الطالبتان إياكما كرمت وأما ضمير المخاطبات فيمكن أن يمثل له بقولك أيتها المعلمات إياكن كرمت، هذه أمثلة ضمائر النصب المنفصلة إذا وقعت مفعولاً به وقد انتهينا من الحديث في باب المفعول به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 فننتقل بعون الله تعالى إلى باب المصدر، والمقصود به هنا في هذا الباب باب المفعول المطلق كما سيتبين من حديث المصنف رحمنا الله وإياه، قال المصنف (بَابُ اَلْمَصْدَرِ اَلْمَصْدَرُ هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ, اَلَّذِي يَجِيءُ ثَالِثًا فِي تَصْرِيفِ اَلْفِعْلِ,، نحو ضَرَبَ يَضْرِبُ ضَرْبًا) هذا الكلام فيه نظر نوعاً ما، لأن قوله الذي يجيء تصريفه ثالثاً حينما تصرف الفعل ليس كل المصرفين يقولون ضرب يضرب ضرباً، بل بعضهم يقول ضرب، يضرب، اضرب، فمعني هذا أن اضرب على هذا التعريف ستكون مفعولاً مطلقاً، لكن يشفع له رحمه الله أن أكثر المصرفين يفعلون ذلك، أكثر الذين يصرفون الفعل يجعلون المصدر ثالثاً.قال المصنف (وَهُوَ) يعني المفعول المطلق (وَهُوَ قِسْمَانِ لَفْظِيٌّ وَمَعْنَوِيٌّ, فَإِنْ وَافَقَ لَفْظُهُ لَفْظَ فِعْلِهِ فَهُوَ لَفْظِيٌّ, نَحْوَ قَتَلْتُهُ قَتْلًا) كما ترون يا أيها الأحباب في التمثيل هنا بقوله قتلته قتلاً فإن المصنف يقصد به باب المفعول المطلق، المفعول المطلق لابد له من عامل العامل هذا قد يكون فعلاً، وقد يكون اسم فاعل، وقد يكون مصدراً مثل، قد يكون فعلاً، وقد يكون اسم فاعل، وقد يكون مصدراً، أما الفعل فنحو قول الله عزّ وجلّ ? وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً ? [النساء:164] تكليماً هذا مفعول مطلق، وأما المصدر فنحو قول الله عزّ وجلّ ? فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُوراً ? [الإسراء:63] جزاءً هذا مفعول مطلق وجزاء الأولى هي العامل فيها، وأما اسم الفاعل فنحو قول الله عزّ وجلّ ? وَالصَّافَّاتِ صَفّاً ? [الصافات:1] صفاً مفعول مطلق والعامل فيه هو الصافات،. وهذه في المواضع الثلاثة التي ذكرت لكم على تعريف المصنف هنا المصدر فيها لفظي؛ لأن المصدر موافق للفظ العامل، كلم تكليما، جزاؤكم جزاء، والصافات صفا، يعني متفقان وهذا الذي يسمى أو الذي سماه المصنف بأنه لفظي يعني أنه من لفظه. أما قول المصنف بعد هذا (وَإِنْ وَافَقَ مَعْنَى فِعْلِهِ دُونَ لَفْظِهِ فَهُوَ مَعْنَوِيٌّ) أحياناً يكون المفعول المطلق يكون من غير لفظ العامل، وأحياناً يكون بألفاظ أخرى ليست مصدراً أصلاً لكن المصنف هنا مثّل بمثالين مصادر فقال (نحو جَلَسْتُ قُعُودًا) وهذا ما يسمى بالمرادف القعود والجلوس (وقمت وُقُوفًا, وما أَشْبَهَ ذَلِكَ) يعني لك أن تقيس على هذا كل ما أشبه مما جاء مصدراً مخالفاً للعامل، لكن لابد أن يكون بينهما علاقة وإلا فلا يصلح، لابد أن يكون بين العامل والمفعول المطلق علاقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 طبعاً هو ذكر لنا نوعاً واحداً وهو المرادف فقال قعدت جلوساً، وقمت وقوفاً لكن يذكر النحويون أمثلة أخرى، فيقولون إن منها صفته وإن منها ضميره وإن منها مشاركه في مادته وإن منها مشاركه في عدده. ومن الأشياء التي تنوب عن المصدر، ضميره، ويستشهدون له بنحو قول الله عزّ وجلّ ?قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ? [المائدة:115] لا أعذبه الهاء هذه تعود على قوله عذاباً السابق وهو هنا يعرب مفعولاً مطلقاً نائباً عن المصدر المذكور سابقاً، مفعولا مطلق ليس من لفظ الفعل وإنما هو ضميره. مما ينوب عنه الإشارة إلى المفعول المطلق كقولك مثلاً ضربت ذلك الضرب، فذا اسم إشارة ليست في الأصل مفعولاً مطلقاً ولكنها هنا نابت عن المفعول المطلق. ومن ذلك أيضاً أن ينوب عنه اسم المصدر يعني لا تذكر المصدر وإنما تذكر اسم المصدر، ففي نحو قول الله عزّ وجلّ ? وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً ? [نوح:17] الأصل في مصدر أنبت أنه إنباتا لكن هنا وضع اسم المصدر مكان المصدر. نذكر لكم بقية الأمور الأخرى إن شاء الله تعالى، في حلقة قادمة، لكن نتوجه الآن إليكم إذا كنتم تريدون توجيه بعض الأسئلة المتعلقة بما ذكرناه، تفضل. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ، لو قلنا فهمت غاية الفهم، غاية هاهنا إعرابها نائب مفعول مطلق؟ أجاب الشيخ: هذه نائبة عن المصدر فالانتصاب على أنها مفعول به، نائبة عن المصدر لأنها نابت عن المصدر ولم تنب عن مفعول مطلق؛ لأنها هي مفعول مطلق، فهمت غاية الفهم، غاية الفهم وهذا يقولون مثل كل وبعض التي سنذكرها إن شاء الله في لقاء آخر، لكن لابد أن تكون مضافة أيضاً إلى المصدر وسنذكر بعض الأمثلة المتعلقة بهذا إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 سأل أحد الطلبة: فضيلة الشيخ جزاكم الله خير، قلت أنه في بعض النسخ ذكر باب ظن وأخواتها، فلماذا ذكرها في المرفوعات وحقها أن تذكر في المنصوبات لأنها تنصب مفعولين؟ أجاب الشيخ: هو الحق أنه قد يكون له بعض العذر وذلك أنه لما بدأ في النواسخ التي تنسخ حكم المبتدأ والخبر لم يحب أن يعزل ظن وأخواتها فيجعلها مع المنصوبات لأنها نواسخ للمبتدأ والخبر، ذكر كان وأخواتها ثم ذكر إن وأخواتها ثم ذكر ظن وأخواتها؛ لأنها كلها تنسخ حكم المبتدأ والخبر فقد يكون هذا يعني الذي يشفع له في ذكره لها هنا ولم يذكرها في باب المنصوبات وحقها فعلاً أن تكون في باب المنصوبات لأن كل المعمولين منصوبات. قال الشيخ: أنا أيضاً أسألكم بعض الأسئلة، من المنصوبات المفعول به، المفعول به قد يكون ظاهراً وقد يكون ضميراً، والضمير قد يكون منفصلاً وقد يكون متصلاً الضمير المنفصل له لفظ واحد يتكرر معه ما يحدد نوعه، فما هذا الضمير الذي يتكرر دائماً في أنواع في اثني عشر موضع؟ نعم. أجاب أحد الطلبة: الضمير هو إيا. أكمل الشيخ: إياى، ويلحق به ما يدل على أن المقصود المتكلم أو المقصود المخاطب أو المقصود الغائب، بارك الله فيك، صحيح ويلحق به أيضاً أحيانا ما يدل على أن المقصود مفرد أو مثنى أو مجموع مذكر أو مؤنث من أجل هذا يعني أن أيا تتكرر في كل المواضع. تذكرون لنا شيئاً من الضمائر التي تقع ضمائر متصلة تقع مفعولاً به أو تعرب مفعولاً به، من يذكر لنا شيئاً منه؟ نحن ذكرنا لكم لما تحدثنا عن الضمير بعض هذه الضمائر لكن ندع هذا حتى أيضاًَ نعفيكم، ونستمع إن تمكنا سألنا عنه في الحلقة القادمة إن شاء الله لانتهاء وقت الحلقة. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الدرس السابع عشر الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.أيها الأخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في حلقة ماضية تحدثنا عن بعض الأشياء التي تنوب في المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق لأن الأصل في المفعول المطلق أن يكون مصدراً ولكن هناك أشياء تنوب عنه وقد انتهينا من الحديث عن نيابة الضمير عنه في قوله عزّ وجلّ ? لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ ? [المائدة: 115] وعن نيابة اسم الإشارة عنه أحياناً في قولك ضربت ذلك الضرب وعن نيابة اسم المصدر عنه في نحو قول الله عزّ وجلّ والله أنبتكم من الأرض نباتاً. في قول الله عزّ وجلّ ? وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ? [المزمل:8] هذا أيضاً مما ناب فيه اسم المصدر عن المصدر لأن الأصل في مصدر تبتل أن يقال تبتُل وهنا قيل تبتيل فهو يسمى باسم المصدر، وقد ناب عن المفعول المطلق وهو يعرب قد ناب عن المصدر وهو يعرب هنا مفعولاً مطلقاً قبل أن ننتقل عن اسم المصدر والمصدر بعضهم ما يفرق بين المصدر واسم المصدر فيقول كلها مصادر، سواء جاءت على القاعدة القياسية أم لم تجيء على القاعدة القياسية لكن الصواب التفريق بينهم، فإن جاء على القاعدة الصرفية يعني في تغيير أو في جعل القاعدة المنتظمة فبها ونعمت، فهو مصدر وإلا فيسمى باسم المصدر فالأصل في مصدر أنبت مثلاً أن يكون إنباتاً لكن إذا قلت نباتاً فبعض النحويين يقول هو مصدر أيضاً بعضهم يقول لا هذا يشمل مصدر لأن المصدر حقه أن يكون على وزن إفعال حقه على أن يكون على وزن إفعال ننتقل بعد هذا بعض الأشياء التي تنوب عن المصدر وتعرب مفعولاً مطلقاً، وهما كلمتان كلمة كل وكلمة بعض، أما كل فمنها لكنهم يشترطون فيها حتى تنوب أن تكون مضافة إلى المصدر ومنه قول الله عزّ وجلّ ? فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ? [النساء: 129] فكل هنا مفعول مطلق مع أنها ليست مصدراً ولكنها أضيفت إلى المصدر ومنه قول الشاعر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن ألا تلاقي فكل هنا مفعول مطلق أما بعض فكقولك ظننت بعض الظن، هنا انظر إلى الظن هي مصدر ظننت وإلا ما يجوز يعني لو قلت مثلاً أظن بعض الأحيان أنه كذا وكذا، هذه لا تصلح ولا تعربها مفعولاً مطلق لأنها لم تضف إلى مصدر أظن لكن لو قلت أظن بعض الظن حينئذ تعربها على أنها مفعول مطلق. مما ينوب عن المصدر أيضاً العدد ولكن أيضاً بشرط أن يكون تميز هذا العدد مصدراً للفعل المذكور ومن قول الله عزّ وجلّ ? فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ? [النور: 4] وعلى هذا فإن هذه الأشياء كلها تنوب عن المصدر وتنتصب كل واحدة منها على أنها مفعول مطلق ولابد في بعضها من شروط وبعضها لا يشترط فيه شيء، يعني ينوب عن المصدر مباشرة بدون قيد ولا شرط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 ننتقل الآن إلى حديث المصنف عن باب الظرف بنوعيه: ظرف الزمان وظرف المكان.قال المصنف (بَابُ ظَرْفِ اَلزَّمَانِ وَظَرْفِ اَلْمَكَانِ ظَرْفُ اَلزَّمَانِ هُوَ اِسْمُ اَلزَّمَانِ اَلْمَنْصُوبُ بِتَقْدِيرِ "فِي" نَحْوَ اَلْيَوْمِ, وَاللَّيْلَةِ, وَغَدْوَةً, وَبُكْرَةً, وَسَحَرًا, وَغَدًا, وَعَتَمَةً, وَصَبَاحًا, وَمَسَاءً, وَأَبَدًا, وَأَمَدًا, وَحِينًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) أما قوله وما أشبه ذلك أيها الأحباب فكل اسم يدل علي الزمان إذا تضمن معني في فهو ظرف زمان كل اسم، ولذلك أغني عن ذلك قوله وما أشبه ذلك، سواء ذكره من ضمن الأشياء أم لم يذكره، كلما دلت الكلمة الزمان بشرط أن تتضمن معنى في، فهي ظرف زمان، انظروا إلى كلمتين سافرت يوم الجمعة، وانظروا إلى كلمة يوم في قول الله عزّ وجلّ ? وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ? [الإنسان:7] وفرق بينهما أيهما هو الظرف؟ لابد أن تكون الكلمة متضمنة معنى في، فأي هاتين الكلمتين متضمنة لمعنى في، في قولك سافرت يوم الخميس أو في قول الله عزّ وجلّ ? وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ? أما قولك سافرت يوم الخميس فهي ظرف لأنها كأنك قلت سافرت في يوم الخميس وأما قوله سبحانه وتعالى يخافون يوماً ليس المقصود أنهم يخافون في اليوم نفسه، وإنما هم يخافون اليوم نفسه، يخافون اليوم نفسه، لذلك لابد أن تنتبه إلى أن هذه الأسماء الدالة على الزمان إذا لم تتضمن معنى في فإنها لا تعرب ظرفاً بل تعرب على حسب موقعها من الإعراب مثلاً تقول يوم الجمعة يوم مبارك ما تعرب واحدة منها على أنها ظرفاً بل تقول يوم الأولى مبتدأ ويوم الثانية خبر، فانتبهوا لهذا بارك الله فيكم، قال الله عزّ وجلّ ? سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ? [الإسراء:1] ليلاً هنا منصوبة على الظرفية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 الزمانية وقال الله عزّ وجلّ ? فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَامَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ?45? النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً ? [غافر:45] هذان ظرفا زمان وقال سبحانه ? فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً? [مريم:11] بكرة وعشيا كل واحد منهما ظرف زمان وقال الله عزّ وجلّ ? إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ ? [القمر:34] انتبهوا سحر تدل على الزمان هنا ولكنها ليست ظرف زمان لكونها مجرورة بالباء، لكن يمكن أن تقول جئت يوم الجمعة سحر، أو السحر باعتبار أنها ظرف زمان، وفيها كلام طويل في كلمة سحر بعضهم يرى يعني يجعلها ممنوعة من الصرف، وبعضهم لا يمنعها من الصرف، بعضهم يمنع كلمة سحر من الصرف ويشترط لها طبعاً شروطاً وبعضهم ما يمنعها. وما دمنا ذكرنا الممنوع من الصرف فنحن نسينا شيئاً ما ذكرناه في باب الممنوع من الصرف تذكرته فيما أو ذكرني بعض أحبابنا الحاضرين، وهو أننا لم نذكر من الممنوع من الصرف الممنوع لعلتين العالمية والعجمة، فنذكره الآن تطوعاً وإن كان قد ذهب وقته لكن لا بأس من ذكره، الممنوع من الصرف للعالمية والعجمة، يشترط فيه لمنعه من الصرف أن يكون علماً في لغة العجم فإن لم يكن علماً عندهم حتى لو كان لفظاً أعجمياً وسميت به فإنه لا يمنع، فلو سميت مثلاًُ شخصاً بكلمة لجام، لجام هذه كلمة أعجمي، فإنك لا تمنعها من الصرف لأنها ليست علماً عندهم، أما كلمة إبراهيم وإسماعيل وما شاكل ذلك فهذه أعلام أعجمية. يشترطون شرطاً ثانياً هو أن يكون إما ثلاثة أحرف فأكثر، وثلاثة أحرف لابد أن يكون متحرك الوسط، أما إن كان ساكن الوسط فإنه لا يمنع من الصرف ثلاثي ساكن الوسط نحو هود ولوط هذه ليست ممنوعة من الصرف وإنما هي مصروفة قولاً واحداً ويشترط في منع العلم الأعجمى من الصرف شرطان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 الشرط الأول: أن يكون علماً في لغة العجم. الشرط الثاني: أن يكون على الأقل ثلاثة أحرف متوسطا أو وسطها متحرك فإن كان وسطها ساكن فإنه لا يمنع من الصرف. ثم نعود إلى موضوعنا ما الذي ذهب بنا إليه كلمة سحر، انظر إلى قول الله عزّ وجلّ ?أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ? [يوسف:12] فكلمة غداً هنا منصوبة على الظرفية الزمانية صباحاً ومساءً كما ذكر المصنف لم ترد في القرآن الكريم ولكنه ورد قول الله عزّ وجلّ ? فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً ? [العاديات:3] وصبحاً وصباحاً متقاربان وكل واحدة منهما ظرف زمان. كلمة مساء وردت في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت (كانت ليلتي التي يصير إليّ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مساء يوم النحر) مساء يوم النحر فذكر كلمة مساء هنا وهي كلمة منصوبة على الظرفية كلمة أبداًَ لم ترد في القرآن الكريم على أنها ظرفيه ويمكن أن تقول لا أفعله أبداً لا أفعل ذلك أبداً يعني مدى الدهر وهذا هو معناه. أما أمداً فمعناها كما ذكر صاحب اللسان الغاية، كالمدى فيقال ما أمدك؟ أي ما منتهى أمرك، ما أمدك؟ يعني ما منتهى أمرك، قال وفى التنزيل قول الله عزّ وجلّ ? وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ? [الحديد: 16] قال الأمد في هذه الآية ليس ظرف زمان، بل هو فاعل لقوله طال لأنه طبعاً لم يقصد منها معنى في، لم يقصد معنى في والأبد والأمد متقاربان، من الناحية الدلالية. ورد في القرآن الكريم لفظ حين منصوباً على الظرفية قال الله عزّ وجلّ ? وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ? [البقرة: 177] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 فهذا لفظ من الألفاظ التي ذكرها المصنف على أنها أسماء زمان وتنصب على الظرفية الزمانية وذلك أكرر، وأكرر، وأكرر لا تنسوا كل هذه الألفاظ إذ لم تكن بمعني في فليست ظرف زمان وإن كانت بمعني في أو متضمنة لمعني في فهي حينئذ منصوبة على الظرفية الزمانية وقد انتهينا من الظرف الزمان فننتقل بعده بعون الله تعالى بعون الله تعالى إلى ظرف المكان قال المصنف (وَظَرْفُ اَلْمَكَانِ هُوَ اِسْمُ اَلْمَكَانِ اَلْمَنْصُوبُ بِتَقْدِيرِ "فِي" نَحْوَ أَمَامَ, وَخَلْفَ, وَقُدَّامَ, وَوَرَاءَ, وَفَوْقَ, وَتَحْتَ, وَعِنْدَ, وَمَعَ, وَإِزَاءَ, وَحِذَاءَ, وَتِلْقَاءَ, وَثَمَّ, وَهُنَا, وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) هذه أو هذا تعداد لظروف المكان أو للأسماء التي تدل على المكان وتنصب على الظرفية وهذا هو القسم الثاني من المفعول فيه أو من ظرفي الزمان والمكان، طبعاً المصنف عرّفه هنا بقوله هو اسم المكان المنصوب بتقدير في اسم المكان يخرج كل لفظ لا يدل على المكان وقوله بتقدير في لابد أن يكون مقدراً في أن يكون متضمناً لمعنى في. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 هناك عدد من الألفاظ ذكرها المصنف لكن بعض هذه الأصناف مبني وبعضها معرب فالمبني طبعاً سيكون في محل نصب ومن المبنيات كلمة حيث فإنها تأتي دائماً مبنية على الضم في أغب كلام العرب ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ? اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ? [الأنعام: 124] وحيث هنا ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب، من الألفاظ التي ذكرها المصنف كلمة أمام، قال الله عزّ وجلّ ? بَلْ يُرِيدُ الْأِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ? [القيامة:5] فأمام هنا منصوبة على الظرفية المكانية ومن الظروف التي ذكرها أيضاً كلمة خلف ومن شواهدها قول الله سبحانه وتعالى ? وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ? [فصلت:25] خلف هنا منصوبة على الظرفية ومنها أيضاً كلمة بين ويمكن أن تمثل لكلمة بين بقولك محمد بين عليّ وعبد الله يعني في هذا المكان. من الظروف التي ذكرها أيضاً كلمة وراء قال الله عزّ وجلّ ? قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً? [الحديد: 13] فوراء هنا منصوبة على الظرفية المكانية وقال سبحانه وتعالى ? وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ? [يوسف: 36] ففوق هنا لفظ من الألفاظ الدالة على المكان وهو منصوب على الظرفية المكانية. شاهد تحت قول الله عزّ وجلّ ? لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ? [الفتح:18] تحت هذه تدل على المكان وهي منصوبة على الظرفية المكانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 أما عند فمن شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ? [النحل:96] عند تدل على الظرفية المكانية وقد جاءت هنا أو هي اسم مكان وقد جاءت هنا منصوبة على الظرفية المكانية بالمناسبة كلمة فوق وتحت وعند ودون والجهات الست كلها كل ما يدل على الجهات الست هذه الأصل فيها أن تكون منصوبة على الظرفية ولا تخرج عن ذلك إلا إلى الجر بمن فقط يعني ما تقع مبتدأ ولا خبراً ولا فاعلاً ولا مفعولاً به ولا فاعل الجهات الست وأول ودون هذه تنصب على الظرفية في الغالب أو تأتي مجرورة بمن فهي متصرفة تصرفاً جزئياً، وليست متصرفة تصرفاً تاماً أما كلمة مع فقد اختلف فيها أهي حرف فيكون ما بعدها مجروراً بهذا الحرف أو هي اسم على أنها ظرف والصواب والله أعلم أنها ظرف وما بعدها مجرور بالإضافة، ولا تقطع عن الإضافة إلا ويعوض عن الإضافة بالتنوين ومن ذلك مما وردت فيه ظرفاً مضافاً قول الله عزّ وجلّ ? يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ? [آل عمران:43] فهي هنا منصوبة على الظرفية وهي ظرف مكان أما تلقاء فمن شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ? [الأعراف:47] فتلقاء هنا منصوب على الظرفية. ثَم يقولون هي إشارة إلى المكان البعيد ولا تأتي إلا منصوبة على الظرفية ثَم، غير ثُم، ثُم حرف عطف وثَم ظرف مكان ويشار به إلى المكان البعيد، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ?وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ? [الشعراء:64] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 أما، هنا لها عدة ألفاظ إن كنت تشير إلى القريب تقول هنا فهي إشارة إلى المكان القريب وقد تضيف إليها اللام والكاف فتقول هناك أو هنالك، هناك مكان متوسط، وهنالك مكان بعيد، ولكنها في كل الأحوال إشارة إلى المكان، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ? فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ? [الأعراف:119] فهذا ما يتعلق بالظروف التي ذكرها المصنف رحمنا الله وإياه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 ننتقل بعد هذا إلى باب الحال قال المصنف: (بَابُ اَلْحَالِ اَلْحَالُ هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ, اَلْمُفَسِّرُ لِمَا اِنْبَهَمَ مِنْ اَلْهَيْئَاتِ, نَحْوَ قَوْلِكَ "جَاءَ زَيْدٌ رَاكِبًا" وَ"رَكِبْتُ اَلْفَرَسَ مُسْرَجًا" وَ"لَقِيتُ عَبْدَ اَللَّهِ رَاكِبًا" وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) قد يؤخذ على المصنف بعض ما في هذا التعريف.أولاً: قوله الحال هو الاسم، لا يكون الحال دائماً اسماً، لكن الغالب أن يكون الحال اسما بل قد يكون الحال جملة وقد يكون الحال جاراًَ ومجروراً وقد يكون الحال ظرفاً، فقوله الحال هو الاسم قد يؤخذ عليه ذلك، لكن قد يعفيه من هذا المأخذ أن الغالب في الحال أن يكون اسماً مفرداً الغالب في الحال أن يكون اسماً مفرداً، قد يؤخذ عليه أيضاً قوله المنصوب، لأن هذا حكم الحال ويقولون إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فكان الأصل أن يصور لنا الحال ثم يذكر حكمه ويقول حكمه أنه منصوب صحيح منصوب لاشك لكنه لا يذكر الحكم في التعريف وهذا مأخذ أخذوه على ابن مالك رحمه الله أيضاً إذ قال في ألفيته: الحال وصف فضلةٌ منتصبُ فذكر الحكم في التعريف فأخذوا عليه، من أي ناحية أخذوا عليه قالوا إن معرفة الحكم تتوقف على معرفة الحال ومعرفة الحال متوقف على معرفة الحكم، فيجيء ما يسمى بالدور، وهذا عند المناطقة أن يترتب معرفة كل شيء من الأمرين أو كل واحد من الأمرين على معرفة الأمر الآخر فما تصل إلى نتيجة تعريف ابن مالك أحسن نوعاً ما من تعريف صاحبنا هنا لأنه ذكر بعض أوصاف الحال فقال الحال وصف وقال الحال فضلة، الوصف المقصود به اسم الفاعل واسم المفعول واسم المشبه وما شاكل ذلك وهذا هو الكثير الغالب فيه وفضله يعني يمكن الاستغناء عنه وهكذا على كل حال صاحبنا هنا يقول الحال هو الاسم المنصوب فعلاً، حقه أن يكون منصوباً المفسر لما انبهم من الهيئات، ما انبهم ما غمض، ولم يتضح فيأتي الحال مفسراً لهذا الغامض، الغامض من أي شيء؟ من الذوات ولا من الأشكال؟ لا من الهيئات، وهي الأشكال، تقول قابلت زيداً ضاحكاً، أو مسروراً أو مغموماً أو باكياً فتبين هيئته أو راكباً أو ماشياً أو إلى آخره، تبين هيئة الذي قابلته وبعد فقولك قابلت زيداً راكباً من الراكب؟ أنت أو هو؟ يصح أن يكون الحال منك، وأن يكون الحال منه ولو قلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 قابلت زيداً راكبين يعني أنا وهو كل واحد منا راكب، ولو قلت قابلت زيداً راكباً ماشياً، فأيهما يكون لك وأيهما يكون له خذ القريب واعط القريب، وخذ البعيد واعط البعيد، فيكون الراكب هو زيد ويكون الماشي المتكلم قابلت زيداً راكباً ماشياً أنا أمشي وهو راكب لما لم نجعلها على الترتيب قال مادام أنك لابد أن تفرق بينهم فاجعل واحد منهم بجنب صاحبه والثاني خله بعيد اتركه بعيداً، هذا كلام طبعاً من اقتراح بعض المؤلفين يقول لابد أن تفرق فاجعل واحداً منهما للقريب وهو المفعول به واجعل الثاني للبعيد اجعل البعيد للبعيد والقريب للقريب. الأمثلة التي ذكرها المصنف هي قوله: جاء زيد راكباً، راكباً هنا اسم فاعل وهذا هو الأصل في الحال والغالب في الحال أن يكون مشتقاً، وقد يكون جامداً ولكنه قليل وسيأتي له بعض الأمثلة إن شاء الله تعالى. وكذلك قوله ركبت الفرس مسرجاً، هذا اسم مفعول، أما قوله لقيت عبد الله راكباً فكذلك عبد الله هنا هو إما أن يكون صاحب الحال التاء وإما أن يكون صاحب الحال هو عبد الله وفى الأولى جاء زيد راكباً زيد هو صاحب الحال بدون شك، لأن ما عنده أو ليس لا يوجد معه مفعول به، قال المصنف (وَلَا يَكُونَ اَلْحَالُ إِلَّا نَكِرَةً) فعلاً الحال حقه أن يكون نكره لماذا؟ قال لأننا سنشترط بعد قليل أن صاحب الحال لابد أن يكون معرفة، فلو كان الحال معرفة وصاحب الحال معرفة، لتُوهم في بعض الأحيان أن المتأخر صفة للمتقدم لتشابههما في التعريف، فمن أجل هذا اشترط في الحال أن تكون نكرة، وهذا أغلب ما ورد في كلام العرب وقد وردت معرفة في بعض كلامهم فقالوا: ادخلوا الأول فالأول، الأول هذه حال مع أنها معرفة دخل عليها ال قال لأنك تؤل الأول الأول هذه تؤل اللفظين جميعهما بقولك ادخلوا مترتبين فتؤولها بنكرة قالوا ومنه قول الشاعر وهذا شاعر يحتج به: فأوردها العراك ولم يزدها ..... ولم يشفق على نغط الدخال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 طبعاً هو هنا يتحدث عن شخص أورد إبله لتشرب وجعل بعضها يعرك بعضاً، ولم يشفق على بعضها من أنه لا يستطيع أن يشرب إذا كان ضعيفاً، وإنما أرسله وتركها تشرب. الشاهد عندنا في قوله أوردها العراك، فإن العراك هنا حال، مع أنها معرفة لدخول ال عليها ولك في توجيهها واحد من الأمرين أن تقول إن ال هذه زائدة ويجوز وهو الأولى أن تقول إن كلمة العراك مؤوله بنكرة فيكون التقدير فيها فأوردها معتركة، أو متعاركة قال المصنف (وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ اَلْكَلَامِ) وهذا منه إشارة إلى أن الأصل في الحال أن يكون متأخرا لكن يجوز أن تقدمه؟ نعم، يجوز أن تقول مثلاً قائماً رأيت زيداً، أو راكباً جاء عبد الله لا مانع لكن الأصل أن تكون متأخرة ولعل المقصود بكلامه هنا أنها فضلة، يعني إذا استوفت الجملة ركنيها الأساسيين الفعل والفاعل أو المبتدأ والخبر، فلا مانع أن تورد الحال وسواء أخرتها وهو الأصل أو قدمتها وهو جائز. في قول الله عزّ وجلّ ? وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ ? [البقرة: 91] مصدقاً هنا جاءت حالاً وجاءت متأخرة وهذا هو الأصل لكن لو قدمت الحال على صاحبها أو على الجملة كلها فلا مانع كما ذكرته لكم في الأمثلة، ثم قال المصنف أيضاً، ولا يكون صاحبها إلا معرفة، أما لا يكون مطلقاً ففيه نظر لأن صاحب الحال يمكن أن يكون نكرة لكن لابد معه من مسوغ، والمسوغات كثيرة أذكر لكم بعضها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 يعني يجيء الحال معرفة هذا هو الأصل صاحب الحال أن يجيء معرفة هذا هو الأصل أن يجيء نكرة، يجوز دائماً لا بمسوغ نعم، يأتي صاحب الحال نكرة ولا مسوغ له نعم، متى نادراً، نادراً يأتي وربما في الضرورة الشعرية يأتي بدون مسوغ، ننتقل الآن إلى بيان المسوغات التي تجيز مجيء صاحب الحال نكرة يقولون من المسوغات أن يكون صاحب الحال موصوفاً إذا كانت نكرة موصوفة، فلا مانع أن تأتي بالحال منها، ومنه قول الشاعر: نجيب يا رب نوحاً واستجبت له في فُلك ماخر في اليم مشحون مشحوناً هذه حال أين صاحبها؟ فُلك معرفة أم نكره؟ نكره، كيف ساغ لنا أن نأتي به صاحباً للحال وهو نكرة لأنه موصوف، أين الصفة قوله ماخر وقوله في اليم، موصوف بصفته، أيضاً المسوغ الثاني أن تتقدم الحال على صاحبه، النكرة حتى ولو لم يوصف، ومنه قول الشاعر: لميت موحشاً طلل موحشاً هذه حال، وصاحب الحال هي كلمة طلل وهي جاء صاحبها متأخراً ونكرة لا إشكال. من المسوغات أيضاً أن تقع النكرة مضافة، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ? [فصلت: 10] سواء هذه حال وصاحب الحال هو كلمة أربعة، وأربعة هذه نكرة وقد أضيف إلى كلمة أيام، فجاز مجيء الحال منها، يقولون أيضاً من مسوغات مجيء الحال من النكرة أن تكون مسبوقة بنفي، ويستشهدون له بنحو قول الله عزّ وجلّ ? وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ ? [الحجر:4] جملة ولها كتاب معلوم هذه جملة حالية أين صاحب الحال هو كلمة قرية، قرية معرفة أو نكرة؟ نكرة، ما الذي سوغ مجيء الحال وصاحب الحال نكرة قال: تقدم النفي عليها. من المسوغات أيضاً، تقدم النهي، النفي والنهي، النهي الآن ومنه قول الشاعر: لا يركنن أحد إلى الإحجام ...... يوم الوغا متخوفاً لحمام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 لا يركنن أحد، أحد هذه نكرة ومتخوفاً هذه حال، وصاحب الحال هو كلمة أحد الذي سوغ مجيء الحال من النكرة، هنا هو تقدم النهي عليها. من المسوغات تقدم الاستفهام على النكرة، يعني عندنا نفي ونهي واستفهام كل هذه مسوغات، من المسوغات تقدم الاستفهام، يستشهدون له بقول الشاعر: يا صاح هل حم عيش باقياً .... فترى لك العذر- أو لنفسك العذر - في إبعادها الأمل هل حم عيش، عيش هو صاحب الحال وهو نكرة وقد جاءت الحال هنا وهي قوله باقياً، والسبب أو الذي جوز لنا ذلك هو أن صاحب الحال هنا سبق باستفهام، هذا شرح كلام المصنف في باب الحال، بقيت بعض الإضافات في باب الحال أذكر لكم بعضها، الأصل في الحال أن تكون متنقلة أو منتقلة يعني متغيرة ليست ثابتة، تقول قابلت محمداً ضاحكاً، ضاحكاًَ ليس كل وقت ضاحك، ممكن أن يكون حزيناً ممكن أن يكون كذا ممكن أن يكون كذا، لكنك هذا الأصل في مجيء الحال أن تكون منتقلة يعني أن تكون متغيرة الأحوال ولا تقول قابلت محمداً طويلاً، أو قصيراً أو كريماً أو شريفاً أو بخيلاً، ما تقول هذا لماذا لأن الأصل في هذه الأشياء أنها ثابتة لكن يقولون قد ترد الحال ثابتة غير منتقلة قليلا ويستشهدون له بنحو قول الله عزّ وجلّ ?شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ ? [آل عمران:18] الله سبحانه وتعالى قائم بالقسط دائماً، وقد جاء الحال هنا، جاءت الحال هنا حالاً ثابتة مستمرة فلم تتغير وهذا أجازوه ولكنه قليل وليس كثيراً، يقال أيضاً من أوصاف الحال أن الأصل فيها أنها مشتق، وقد تأتي جامدة المشتقة سبق أمثلتها كثيرة، أما الجامدة فإنها يعني وردت لكنها لابد أن تؤولها بالمشتق وذلك مع وروده قليلٌ جداً، قالوا ومنهم قولهم: ادخلوا رجلاً رجلا، رجل هذه جامدة وقد وقعت حالاً هنا قالوا تأويلها مترتبين أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 متتابعين أومتتالين هذه كلها مشتقة أولناها بمشتق. من أوصافها أيضاً أنها نكرة دائماًَ وقد مر بيانه إن وقعت الحال معرفة وجب تأويلها بالنكرة من صفات الحال أنها نفس صاحبها في المعني، فإذا قلت جاء الطلاب مسرعين فالمسرعون هم الطلاب، وهذه بعض الصفات ذكرتها لكم في هذا الباب وأيضاً بقي من الصفات ما سنذكره لكم إن شاء الله في حلقة أخرى، ونتقبل الآن الأسئلة منكم، إذا كان لديكم أسئلة متعلقة بهذا الموضوع أو بغيره، تفضل. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خير وبارك الله فيكم، في قول الله عزّ وجلّ ? وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ? [التوبة: 25] هل يوم هنا جاءت للظرفية؟ أجاب الشيخ: نعم وقد تكون يا أخي في بعض الأحيان، قد يقدرون لها فعلاً ينصبها على أنها مفعول به وقد يكون في هذه الآية من هذا الباب، يقولون واذكر يوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم، ويمكن أن تكون متضمنة لمعنى في فيقول وفى يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم، لكن الظاهر لي والله أعلم أنها في هذا المقام مفعول به لفعل محذوف وهذا يرد كثيراً مع إذ، إذ تدل على الظرفية ويقولون في كثير من الأحيان وإذ قال موسى لقومه كذا وكذا، وإذا كذا، وإذ، يقولون واذكر إذا قال، واذكر إلى آخره، فلعل هذا هو المقصود والله أعلم بالصواب. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ، هل هناك ضابط لمعرفة العالمية مع العجمة، هل هناك ضابط لمعرفتها؟ أجاب الشيخ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 والله هذا بالرجوع إلى ما قالته المعاجم، المعاجم تورد في كثير من الأحيان أصل هذه الكلمة، وتبين لك هل هي يعني منقولة من العجمية إلى العرب أو أنها يعني أنها من أصل كلام العرب، وفى الغالب هناك ضوابط يذكرونها أنه إذا كانت الكلمة مثلاً مكونة من خمسة أحرف وسطها زاي أو وسطها صاد أو وسطها نون مثلاً فهذه ليست بعربية يقولون أحياناً فلولا بعض الضوابط، التي تدل على أن الكلمة أعجمية وهناك بعض كتب يعني أُلفت عن المعرب، منها كتاب اسمه المعرب للجواليقي قد يذكر بعض هذه الأصول التي سألت عنها وتكون الرجوع إلى المعاجم يعني كافياً في هذا المجال، قد يكون كافياً في هذا المجال لكن لا بأس من الرجوع لمثل هذا الكتاب، فهو قد ينبئك بالمقصود، نعم. في شروط أو في أوصاف الحال ذكرنا بعض الأشياء ولكن الظاهر أن الوقت انتهى فلذلك نقف عند هذا الحد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 الدرس الثامن عشر الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. أيها الأخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نواصل الحديث في باب الحال ونحن قد وصلنا إلى خواتيمه لأننا كنا قد بدأنا في الحلقة الماضية في الحديث عن بعض أوصاف الحال وذكرنا أن من أوصافها الغالبة أنها منتقلة يعني ليست لازمة، ولا ثابتة وأنها قد ترد لازمة لكنهم قليل، وذكرنا أيضاً أن من أوصافها أنها مشتقة، ولا تكون جامدة إلا في مواضع قليلة جداً وهذا هو الأصل.وذكرنا أيضاً أن من أوصافها أنها نكرة ولا تقع معرفة إلا قليلاً وذكرنا أن من أوصافها أن صاحبها لابد أن يكون معرفة ويقع نكرة بمسوغ ولم نذكر أنه ربما وقع نكرة بدون مسوغ ولكن هذا قليل ونادر جداً ولذلك يقولون من أمثالهم أو من كلامهم من كلام العرب المعتد به عليه مائةٌ بيضاً مائة هذه نكرة، وبيضاًَ هذه حال، وصاحب الحال هنا لم يأتي له مسوغ ولكن هذا نادر وقليل إذاً لابد من مسوغ من المسوغات، التي سبق أن ذكرناها بقي أن من أوصاف الحال أن الغالب فيها أن تكون اسماً مفرداً، مما ورد فيه اسم مفرداً قول الله عزّ وجلّ ?فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ? [القصص:21] فقوله عزّ وجلّ خائفاً هذه حال، وهي اسم مفرد وتصلح هذه الآية شاهداً لشيء مما هو خلاف الأصل في الحال وهو وقع يترقب هنا وهي جملة وقعت حالاً فعندنا هنا حالان وصحاب الحال هو الفاعل وهو موسى عليه السلام ?فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِف? خائفاً هذه هي الحال الأولى والحال الثانية جملة يترقب، ولكن الأصل كما ذكرنا في الحال أن تكون مفرداً أما وقوعها جملة فقد ورد، وتقع أيضاً شبه جملة، يعني تقع ظرفاً، وتقع جاراً ومجروراً، ولكن بالنسبة لوقوعها كجملة اشترطوا لها بعض الشروط:- الشرط الأول: قالوا لابد أن تكون خبرية وليست إنشائية. والثاني: قالوا ألا تكون يعني الجملة التي وقعت حالاً مصدرة بما يدل على الاستقبال كالسين، أو سوف أو ما شاكل ذلك لابد أن تكون خالية من أي دلالة على الاستقبال لأنها كما تعرفون حال والحال خلاف المستقبل، فإذا تصدرت بما يدل على المستقبل فمعنى هذا أنها ليست حالاً، فاشترطوا هذا الشرط وهذا أيضاً لا يجوز أيضاً أن تكون مصدرة بكلمة لن لابد أن تكون الجملة حالية خالية من كل حالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 الثالث مما اشترطوه: أن تكون مرتبطة يعني الجملة الواقعة حالاً أن تكون مرتبطة بصاحب الحال برابط، والرابط هذا نوعان: الواو أو الضمير وقد يكون يجمع بينهما قال الله عزّ وجلّ ? أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ ? [البقرة:243] فقوله سبحانه وتعالى ? وَهُمْ أُلُوفٌ ? هذه الجملة حالية وقد ارتبطت بالجملة السابقة أولاً هذه جملة حالية وخبرية ليست بإنشائية ليست لا أمر ولا نهي ولا دعاء ولا غير ذلك. الثاني أنها لم تتصدر بما يدل على الاستقبال فليست مسبوقة لا بالسين ولا بسوف ولا نحو ذلك ولا لن أيضاًَ، لأن لن تخلص الفعل بعد هذا الاستقبال، وأيضاً ارتبطت بصحاب الحال، برابطين الرابط الأول هو الواو، هذه الواو عند إعراب الجملة تقول حالية، أو دليل على أن الجملة التي تأتي بعدها هي حال أما الرابط الثاني فهو الضمير في قوله ?هُمْ? ? وَهُمْ أُلُوفٌ ? فقد ارتبطت بهذين الرابطين، وبهذا تعد هذه الجملة مستوفية الشروط مستوفية لشروط وقوع الحال جملة. بقي الإشارة إلى أن الحال قد يكون ظرفاً وقد يكون جاراً ومجروراً، أما وقوع الحال ظرفاً فلم أجده في القرآن الكريم، ولكني وجدت وقوع الحال جاراً ومجروراً في قول الله عزّ وجلّ ?فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ? [القصص:79] ففي زينته جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من فاعل في خرج، أما وقوعها ظرفاً فيمكن التمثيل له بقولك رأيت الهلال بين السحاب، على أن رأى بصرية، لأنه كما تعلمون أن رأى إذا كانت بصرية فإنه تنصب مفعولاً به واحداً ويكون قوله بين السحاب هذا متعلق محذوف حال من الهلال هذا حال من الهلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 أما تقديم الحال على صاحبها وعلى عاملها فالأصل أن تكون الحال متأخرة، ولذلك قال المصنف هنا ولا تجيء إلا بعد تمام الكلام يعني الحال، لا تجيء إلا بعد تمام الكلام هو يقصد بعد أن تستوفي الجملة مستلزماتها لكن قد تتقدم على الحال، قد تتقدم على العامل أعني الحال، وقد تتأخر وجوباً، وقد تتأخر جوازاً، أما تأخرها جوازاً فقولك مثلاً رأيت محمداً راكباً راكباً هذا جاء في موضعه، ولا إشكال فيه ويجوز تقديم راكباً هذه فتقول راكباً رأيت محمداً، لا إشكال لكن في بعض الأحيان يجب تأخير الحال، يجب أن تبقى في الأخير وذلك إذا كانت محصورة، يقولون ومنه قول الله عزّ وجلّ وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمبشرين هنا حال وقد جاءت في الأخير ولا يصح تقديمها لكونها محصورة هذا هو ما نقوله عن الحال. العامل في الحال الغالب فيها أن يكون فعلاً متصرف، ولكن لا يمنع أيضاً أن يكون فعلاً جامداً كما وقع فعل التعجب عاملاً في الحال في نحو قولهم: ما أحسن محمداً خطيباً، فخطيباً هنا حال والعامل فيه قوله ما أحسن وهي هنا فعل للتعجب وهو فعل جامد لأنه لا يجيء منه أي تصرف آخر وهذا آخر ما نقوله في باب الحال، وننتقل إلى باب شبيه بالحال، وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 باب التمييز . قال المصنف (اَلتَّمْيِيزُ هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلْمُفَسِّرُ لِمَا اِنْبَهَمَ مِنْ اَلذَّوَاتِ، نَحْوَ قَوْلِكَ "تَصَبَّبَ زَيْدٌ عَرَقًا"، وَ"تَفَقَّأَ بَكْرٌ شَحْمًا" وَ"طَابَ مُحَمَّدٌ نَفْسًا" وَ"اِشْتَرَيْتُ عِشْرِينَ غُلَامًا" وَ"مَلَكْتُ تِسْعِينَ نَعْجَةً" وَ"زَيْدٌ أَكْرَمُ مِنْكَ أَبًا" وَ"أَجْمَلُ مِنْكَ وَجْهًا") أول ما نقول في هذا الباب النظر إلى تعريفه فقد قال: تعريفه هو (اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلْمُفَسِّرُ لِمَا اِنْبَهَمَ مِنْ اَلذَّوَاتِ) لولا أن هذه الكلمة كلمة المنصوب موجودة في التعريف لما أخذنا عليه شيئاً ولكننا نأخذ عليه كلمة المنصوب كما أخذناها في باب الحال، لأن النصب حكم، والمفروض أن يتأخر الحكم حتى يتبين المحكوم عليه، لأنهم كما يقولون كما ذكرت سابقاً، الحكم على الشيء فرع عن تصوره، أما قوله الاسم فهذا لا يقع التمييز إلا اسماً، وهذا من فوارق بينه وبين الحال، الحال تقع جملة وتقع شبه جملة، التمييز لا يقع إلا اسماً ما يقع غير هذا. الفارق الثاني بين الحال والتمييز أن الأصل في الحال أنها مشتقة والأصل في التمييز أنه جامد، الأصل في الحال أنها مشتقة والأصل في التمييز أنه مشتق. الفارق الثالث في التعريف موجود، أن الحال لبيان الهيئة وأن التمييز لبيان الذات، الغموض في الذات وليس الغموض في الشكل، هذا في باب التمييز أما هناك فإن الغموض في الهيئة فهو يبين الهيئة في الحال، أما هنا فهو يبين الذات لأنها هي التي غامضة، قال الله عزّ وجلّ ? إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً ? [يوسف:4] التمييز هنا هو كلمة كوكب، والتمييز هنا جامد، ليس مشتقاً ليس أي نوع من أنواع المشتقات الغامض هنا ليس هيئة الأحد عشر وإنما هو ذات الأحد عشر لأننا ما ندري ما الذي رأى يوسف عليه السلام فلما قال كوكباً، تبين هذا الغموض الموجود في العدد، فالعدد هذا، هو الغامض ذاته وليست هيئة العدد هي الغامضة. التمييز نوعان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 نوع منه يسمى بالتمييز عن مفرد وليس المقصود بالمفرد هنا خلاف المثنى والمجموع لا بل هو خلاف الجملة، والنوع الثاني من التمييز هو التمييز عن نسبة وبعضهم يقول هو التمييز عن جملة يعني أن التمييز عن المفرد يكون الغموض في هذا المفرد الذي توضحه أما التمييز عن جملة فتكون أركان الجملة لا غموض فيها ما فيها غموض لكن في إسناد بعضها إلى بعض يأتي الغموض، فيجيء التمييز ليفسر هذا الغموض. من الفوارق بين التمييز والحال أن التمييز لا يتعدد بالعطف، التمييز ما يعتبر يعطف عليه، في حين أن الحال يمكن قال الله عزّ وجلّ ? فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ ? [القصص:21] ولو قلت غير القرآن الكريم ويترقب ما في مانع، يعني وتقول أيضاً لقيت فلاناً كذا وكذا، تذكر له وصفين أو ثلاثة أوصاف، وكلها تعطفها بالواو ما في مانع هذا في الحال أما هنا فإنه لا يتعدد التمييز بواسطة العطف. مما يذكر أيضاً من الفوارق بين التمييز والحال أن الحال يجوز تقديمها على صاحبها وعلى عاملها أما التمييز فإنه لا يجوز تقديمه على صاحبه ولا على عامله، إلا إذا كان العامل متصرفاً، إذا كان العامل فعلاً متصرفاً جاز تقديم التمييز عليه وهذا قليل، أيضاً لأن الأصل أيضاً أن يكون متأخراً ومما تقدم فيه التمييز على عامله قول الشاعر: أنفساً تطيب بليل المنى ..... وداعي المنون ينادي جهار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 فقوله نفساً هذا تمييز، وقد تقدم على عامله وهو قوله تطيب، أنفساً تطيب، قلنا في بداية الأمر إنهم قسموا التمييز قسمين القسم الأول تمييز عن مفرد والقسم الثاني تمييز عن نسبة ومن أمثلة التمييز عن المفرد ما يجيء مع العدد إذا كان الغموض في العدد هذا تمييز عن مفرد كقول الله عزّ وجلّ كما ذكرنا قبل قليل ?إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً ? هذه يسمونها تمييز عن مفرد صحيح أن أحد عشر ليست مفردة لكنهم ما يقصدون المفرد لخلاف المثنى والمجموع وإنما يقصدون المفرد الذي هو خلاف الجملة، أما التمييز عن النسبة، فإن أجزاء الجملة، لا غموض فيها، لكن الغموض في إسناد بعضها إلى بعض وانظر إلى قول الله عزّ وجلّ ? وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ? [مريم:4] الاشتعال معروف، والرأس معروف ولا إشكال فيها ليست غامضة لكن في إسناد الاشتعال إلى الرأس جاء الغموض، اشتعل ماذا؟ اشتعل نارا؟ اشتعل ماذا؟ فجاءت كلمة شيباً، لتميز، وتوضح وهذا معنى التمييز أصلاً التمييز هو التفسير أو التوضيح أو التبيين هذا معناه اللغوي، وانظر أيضاً إلى قول الله عزّ وجلّ ? وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً ? [القمر:12] فجرنا واضحة والأرض واضحة ما فيها غموض، لكن في إسناد التفجير إلى الأرض جاء الغموض فوضِحت بقول الله سبحانه وتعالى ? عُيُوناً ? ويجعلون منه قوله زيد أكرم من عمر أباً زيد أكرم من عمر أباً قد يكون أكرم منه من ناحية الأخلاق، قد يكون أكرم منه في أي شيء آخر لكن لما قال أكرم من زيد أباًُ تبين أن المقصود يعني الغموض في النسبة هنا لكن ليست في زيد ولا في عمر ولا في أكثر وإنما هي في نسبة بعضها إلى بعض فجاء التمييز ليوضح الغرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 من الأمثلة التي ذكرها المؤلف ("تَفَقَّأَ زَيْدٌ شَحْمًا") وهو مثل قوله أيضاً ("تَصَبَّبَ زَيْدٌ عَرَقًا") وهذه كلها من التمييز عن الجملة، أو كما ذكرت لكم قبل قليل التمييز عن النسبة يعني نسبة بعض الكلام لبعض أما في التصبب لا خلاف فيه لا غموض، وفي زيد لا غموض لكن في إسناد التصبب إلى زيد جاء الغموض أما يعني التمييز عن مفرد فمن أمثلته قول المصنف (اِشْتَرَيْتُ عِشْرِينَ غُلَامًا) العشرون هذه هي التي فيها الغموض وهذا يسمونه تمييز عن مفرد، وغلاماً ليوضح هذا الغموض الموجود في العشرين لأنه يمكن أنه اشترى عشرين سيارة اشترى عشرين كذا اشترى عشرين ... حتى قال غلاماً فتبين نوع المشترى، يحسن التنبيه أيضاً إلى أن النحويين يجعلون تمييز الاسم المفرد أربعة أنواع، تمييز الاسم المفرد أربعة أنواع: النوع الأول: العدد، يعني إذا كان الغموض في العدد فهذا يعدونه من تمييز المفرد، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً ? [الأعراف:155] سبعين هذا هو الغامض فجاءت كلمة رجلاً لتوضحه، أيضاً مما يعدونه من تمييز المفرد، إذا كان الاسم المبهم يدل على المقدار، والمقدار إما مساحة وإما كيل وإما وزن، فالمساحة كقولك مثلاً اشتريت ذراعين قماشاً، وأما الكيل فنحو قولك بعت صاعاً براً، وأما الوزن فنحو قولك اشتريت رطلين عسلاً هذا كله من التمييز ويسمونه تمييز عن مفرد. أيضاً النوع الثالث منه: ما يشبه المقدار، ويجعلون منه نحو قول الله عزّ وجلّ ? فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ? [الزلزلة:7] خيراً هنا تمييز ومثقال ذرة لا هو ميزان ولا هو مكيل ولكنه يشبه المقدار، يشبه المقدار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 أما النوع الرابع فهو يقولون ما كان فرعاً عن التمييز يقولون منه قولهم اشتريت خاتماً فضة، فالخاتم هنا فرع من الفضة، فرع منها فيقولون هذا نوع من التمييز مما ذكره المصنف قوله وهو يمثل للتمييز زيد أكرم منك أباً وأجمل منك وجهاً، وهذا ليس من تمييز المفرد، قد انتهينا من التمثيل للتمييز المفرد، هذا من النوع الثاني وهو التمييز عن النسبة، لأن الغموض كما ذكرت لكم ليس هو في زيد ولا في أكرم ولكنه في إسناد قوله أكرم إلى كلمة زيد وفى إسناد قوله أجمل إلى كلمة زيد، فهذا يسمونه تمييزاً عن النسبة، وقوله أباً هو التمييز، وقوله وجهاً هو التمييز، ثم قال المصنف رحمنا الله وإياه، ولا يكون إلا نكرة، وهذا حق ولكنه الغالب، الغالب في التمييز ألا يكون إلا نكرة، ولكن هناك بعض الأمثلة يحتمل إعرابها تمييزاً وليست نكرة، يستشهدون لمثل ذلك بنحو الله عزّ وجلّ ? وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ? [البقرة:130] يقولون نفسه هنا يمكن أن تعرب تمييزاً وهي كما ترون نفس مضافة إلى الضمير والضمير معرفة، معناها أنها اكتسبت التعريف، ويقولون أيضاً رأيتك لما أن عرفت وجوهنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 صددت وطبت النفس يا قيس عن عمر قالوا تقديره طبت نفساً، والنفس هنا دخلت عليها الـ فأما في الشعر في إشكال لأنه يمكن أن إنه للضرورة، ويمكن أن نقول إن الـ فيه زائدة، لأن التعريف هنا جاء بكلمة الـ أما في قول الله عزّ وجلّ ? إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ? فيمكن أن يجاب عنه بأن يقال الغالب أن يأتي التمييز نكرة وهذا قليل وقد جاء هذا من القليل، ولا يمتنع أن يرد الاستعمال القليل في القرآن الكريم لكنه ليس ممنوعاً بل هو صحيح فصيح، ويمكن كما ذكر بعض المفسرين والمعربين للقرآن الكريم أن تضمن معنى سفه معنى فعل آخر متعدد حتى تكون كلمة نفسه منصوبة بها وبعضهم يقول إن سفه بمعنى سفهه فتكون أيضاً نفسه هذه تكون مفعولاً لهذا الفعل الذي تضمناه معنى سفه والله أعلم بالصواب. قال المصنف (وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ اَلْكَلَامِ) هذه الجملة يا أيها الأحباب وردت في باب الحال ووردت هنا مرة ثانية، وأما التمييز فالغالب فيه أن يكون متأخراً عن المميز، ومتأخراً عن العامل هذا هو الأصل فيه، وتأخره هنا أكثر بكثير من باب الحال ولا نحفظ له شواهد، تقدم فيها إلا شواهد نادرة وقليلة، وذلك يشترطون فيه أن يكون العامل فعلاً متصرفاًَ ويستشهدون له بنحو قول الشاعر: أنفساً تطيب بنيل المنى .... وداعي المنون ينادي جهار فنفساً هنا هي التمييز وقد تقدمت على العامل وهو قوله تطيب، لكن العامل هنا فعل ومتصرف، فلا إشكال فيه، ويستشهدون له أيضاً بقول الشاعر: أتهجر ليلى بالفراق حبيبها ..... وما كان نفساً بالفراق تطيب فنفساً هنا أيضاً تمييز وقد تقدم على العامل وهو قوله تطيب، وهذا آخر ما يقال في باب الاستثناء لا إشكال فيه والحمد لله رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 ننتقل الآن إلى باب كبير أرجو ألا يكون صعباً وهو باب الاستثناء ، والاستثناء فيه مشكلات كثيرة لأنك تجد ما بعد إلا أحياناً يكون منصوباً وأحياناً يكون مرفوعاً، وأحياناً يكون جاراً ومجروراً ولا تدري إذا لم تكن ضابطاً لقواعده الرئيسة فإنك لا تستطيع معرفة ما السبب في هذا الاختلاف، مرة يصير كذا ومرة يصير كذا ومرة يصير كذا وقبل الشروع في هذا الباب نعرف لكم أولاً الاستثناء ثم أذكر لكم بعض التعريفات الضرورية، التي سترافقنا خلال مسيرتنا في هذا الباب وهي لابد أن تكون معلومة عندكم حتى ما نحتاج في كل مرة نكرر ونقول معنى كذا معنى كذا، فنبدأ أولاً بالاستثناء، الاستثناء تعريفه هو الإخراج، من مذكور أو مقدر بإلا أو إحدى أخواتها انظر رحمك الله، قام القوم إلا محمداً، أخرجت محمداً من القوم، بأي شيء؟ بإلا، لها أخوات؟ نعم، لها أخوات سنذكرها إن شاء الله فيما بعد، هذا تعريف الاستثناء مرة ثانية، الإخراج من مذكور وهو قوله القوم، أخرجنا منهم محمداً أو مقدر وذلك نحو قولك ما قام إلا عبد الله، فعبد الله مفرد ولكن لم نخرجه من شيء مذكور ولكنه من مقدر كأنك قلت ما قام أحد إلا عبد الله، من مذكور أو مقدر بإلا والمذكور معناه هنا إلا أو إحدى أخواتها ستأتي أو سيأتي ذكر أخواتها إن شاء الله حتى المصنف سيذكرها إن شاء الله، أما الأمور التي أقول لابد من ذكرها ومعرفتها أولاً فهي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 تعريفات لبعض الأمور المتعلقة بباب الاستثناء، أولاً الاستثناء يوصف بأنه تام ويوصف بأنه مفرق أحياناً، وأحياناً يوصف بأنه موجب وأحياناً يوصف بأنه غير موجب، وأحياناً يوصف بأنه متصل وأحياناً يوصف بأنه منقطع وهذه كلها لابد أن تعرفوا ما المراد بها، فأما الاستثناء التام فهو الذي ذكر فيه المستثنى منه، وأما الاستثناء المفرغ فهو عكسه، يعني الذي لم يذكر فيه المستثنى منه، وأما الاستثناء الموجب فهو الذي لم يسبق بنفي ولا بشبه نفي، وأما الاستثناء غير الموجب فهو المسبوق، بنفي أو بنهي أو باستفهام وأما الاستثناء المتصل فهو ما كان المستثنى فيه من جنس المستثنى منه وأما الاستثناء المنقطع فهو عكسه، ما كان المستثنى من غير جنس المستثنى منه، أذكر لكم أمثلتها كلها إن شاء الله. أما الاستثناء التام، فقولك قام القوم إلا علياً، على مستثنى من القوم والمستثنى منه مذكور في الكلام مذكور، أما الاستثناء المفرغ فنحو قولك ما قام إلا علي، لا يوجد مستثنى منه في اللفظ، أما الاستثناء غير الموجب، فنحو قولك ما حضر الرجال إلا عبد الله هذا مسبوق بنفي، وهذا يسمى غير موجب، أما الاستثناء الموجب، فهو كالمثال الأول، أول مثال ذكرته لكم، وهو قام القوم إلا عبد الله، وأما الاستثناء المتصل، فهو كما ذكرت لكم لابد أن يكون من جنس المستثنى منه وذلك كقولك مثلاً قام الرجال إلا محمداً، الاستثناء المنقطع، تقول قام الطلاب إلا فاطمة، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ? [النساء: 157] لأن اتباع الظن ليس من العلم، فهذا مما يعد من الاستثناء المنقطع وهذه أمور كما ذكرت لكم، لابد من بيانها أولاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 قال المصنف (وَحُرُوفُ اَلِاسْتِثْنَاءِ ثَمَانِيَةٌ وَهِيَ إِلاَّ، وَغَيْرُ، وَسِوَى، وَسُوَى، وَسَوَاءٌ، وَخَلَ، وَعَدَ، وَحَاشَا) وفى كلامه هذا نظر أولاً: قال لنا حروف الاستثناء، وليست كل هذه الكلمات حروفاً، فإن كلمة غير اسم وكلمة سوى اسم هذا الأول الثاني: عد لنا سِوَى، وَسُوَى، وَسَوَاءٌ على أنها ثلاث كلمات، وهي في حقيقتها كلمة واحدة وإنما فيها لغات، فيها لغات مختلفة، عن العرب بعضهم يقول سِوَى، وبعضهم يقول سُوَى وبعضهم يقول سَوَاءٌ. أما الأمر الثالث والأخير: فهو أنه ترك كلمتين يستثنى بهما لكنهما طبعاً قليلتا الاستعمال، وهما ليس ولا يكون من أدوات الاستثناء لكن استعمالها على كل حال قليل، نعود مرة ثانية فأقول لكم أدوات الاستثناء إذا أردنا الحق هي فعلاً ثمان منها حرفان، ومنها اسمان ومنها فعلان ومنها مترددان بين الفعلية والحرفية، فأما الحرفان فإلا حرف باتفاق وحاشا عند غير سيبويه، هذان الحرفان، أما الاسمان فهما غير وسوى، وأما الفعلان فهما كما ذكرت لكم قبل قليل ولم يذكرهما المصنف ليس ولا يكون، وأما المترددان فإلى الحرفية والفعلية يعني أحياناً يكونان حرفاً وأحياناً يكونان فعلاً، فهما خلا وعدا، لكن كيف تفرق؟ كيف تعرف أن خلا هذه المرة فعل أو حرف؟ قال إذا جاء ما بعدها مجروراً فهي حرف جر وإذا جاء ما بعدها منصوباً فهي فعل للاستثناء، وكلها تدل على الاستثناء، الأحكام التي ذكرتها لكم قبل قليل، أو التعريفات التي ذكرتها قبل قليل سترافقنا الآن لمعرفة متى يكون المستثنى مرفوعاً، أو منصوباً أو مجروراً، أو تابعاً أو غير تابع. فنبدأ أولاً فنقول: إذا كان الاستثناء، خلاص أنتم الآن عرفتم التعريفات إذا كان الاستثناء تاماً موجباً وجب نصب المستثنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 المثال: حضر الرجال إلا محمداً، المستثنى تام لأن الرجال مستثنى منه مذكورة والاستثناء موجب هنا لأنه لم يسبق بنفي ولا بنهي ولا باستفهام. إذا كان الاستثناء تاماً غير موجب، يعني مسبوق بنفي أو شبهه وكان متصلاً فإنه يجوز لك فيه أمران أن تتبع ما بعد إلا على ما قبلها يعني تعطيه نفس الحكم، أو تجعله منصوباً لكن الكثير أن تتبعه على ما قبله. مثاله: ما حضر الرجال إلا محمداً، أو إلا محمدٌ يجوز لك الأولى أن تقول إلا محمدٌ لأن الاستثناء غير موجب، وتام ومتصل، ويجوز لك أن تقول إلا محمداً ومنه قول الله عزّ وجلّ ?مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ? [النساء: 66] القراءة المتواترة إلا قليلٌ ولو قرأت إلا قليلاً وقد قرأت فهو جائز، يعني يجوز النصب والاستثناء هنا تام، غير موجب متصل أما إن كان الاستثناء تاماً غير موجبٍ منقطعاً يعني ليس من جنس المستثنى منه فالأولى وبعضهم يوجبه أن تنصب ما بعد إلا ويستشهدون له بنحو قول الله عزّ وجلّ ? مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ? [النساء: 157] فاتباع هنا منصوبة، لأن الاستثناء هنا تام غير موجب لكنه منقطع، منقطع لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه، ليس من جنس المستثنى منه، فإن كان الاستثناء مفرغاً فنرجئ الحديث عنه إن شاء الله إلى حلقة قادمة، والآن نترك لكم المجال لتوجيه الأسئلة إذا أردتم، تفضل. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ، ذكرنا في شروط الحال قال المؤلف ولا يكون إلا نكرة ولا يكون إلا بعد تمام الكلام، ولا يكون صاحبها إلا معرفة وفى باب التمييز قال ولا يكون إلا نكرة ولا يكون إلا بعد تمام الكلام، فشرط لا يكون صاحبها إلا معرفة هذا الشرط غير موجود في التمييز؟ أجاب الشيخ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 لا ليس موجوداً في التمييز لأنه قد يكون نكرة قد يكون الغامض نكرة لا يمنع، قال الله عزّ وجلّ ? إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً ? [يوسف: من الآية4] وأحد عشر هذه نكرة فلا يلزم وهذا من الفوارق بين الحال والتمييز، نعم بارك الله فيك سؤال جيد. أكمل الشيخ: نعم تفضل. سأل أحد الطلبة: بارك الله فيكم أي أنواع التمييزتضمنته الآية الكريمة في قول الله عزّ وجلّ ? وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً? [القمر:12] ؟ أجاب الشيخ: هذا من النوع الثاني وهو ما يسمى بتمييز النسبة يعني ما يكون الغموض فيه ليس في مفرد أو في الكلمة نفسها لأن الكلمة فجرنا واضحة والأرض واضحة، وإنما في إسناد فجرنا إلى الأرض جاء الغموض فجاء قوله سبحانه وتعالى عيوناً مميزاً. سأل أحد الطلبة: فضيلة الشيخ جزاكم الله خير، ذكرتم الفضلة وبعضهم يذكر العمدة فهل هناك ضابط للتوفيق بينهما؟ أجاب الشيخ: هذا على حسب استعمال العرب بعض الكلام يعدونه عمدة يعني لا يصح حذفه يذكرون منه الفاعل، والنائب على الفاعل لأنه يحل محل الفاعل ويذكرون أيضاً المبتدأ والخبر وما أصله المبتدأ والخبر يقولون هذه عمد لا يجوز حذفها وفي بعض الأحيان يجوز حذفها إذا دل عليها دليل، مثلاً الفاعل، يحذف ويحل محله نائب الفاعل، مثلا المبتدأ يحذف أحيانا لدلالة شيء من الكلام عليه، وكذلك الخبر يحذف أحياناً لدلالة شيء من الخبر أو من الجملة عليه لكن الأصل أنها عمد لا يجوز حذفها أما الفضلات فهي التي يمكن الاستغناء عنها فمثلاً إذا قلت أكرم محمدٌ علياً فإنه يمكن أن تكتفي بقولك أكرم محمد فعندنا فعل وفاعل وعلياً هذا فضلة هنا في هذا الموضوع يمكن حذفه ويمكن ذكره عند الحاجة. نعم فيه أي سؤال آخر؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 بقي أن أسألكم أنا عن بعض الأمور التي ذكرنها في الحلقة ومنها أنني ذكرت لكم أن المصنف ذكر أداتين من أدوات الاستثناء فما هما؟ لم يتركها، لم يتركها، لم يذكرها، وإنما تركها، تفضل يا أخي. أجاب أحد الطلبة: ليس ولا يكون. بارك الله فيك ونكتفي بهذا القدر اليوم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 الدرس التاسع عشر الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. أيها الأخوة الكرام، أيها المشاهدون الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كنا في حلقة ماضية أردنا الشروع في الاستثناء المفرغ أو المراد به ولكن أدركنا الوقت وأجلناه إلى حلقة أخرى وهاهو وقت بيانه فالاستثناء المفرغ يا أيها الأحباب هو الذي لم يذكر فيه المستثنى منه فما حكمه؟ حكمه كأن إلا غير موجودة في الكلام فتعرب ما بعدها بما يستحق ولو كانت غير موجودة قال الله عزّ وجلّ ? وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ? [آل عمران:144] تعرب ما نافية محمد مبتدأ رسول خبر وإلا أداة الاستثناء ملغاه إلا أداة استثناء ملغاة هذا إذا كام الكلام مفرغاً، إذا كان الكلام استثناء، تاماً منقطعاً فقولاً واحداًُ يجب نصب ما بعد الاستثناء قام الطلاب إلا طالبة وحضر الرجال إلا امرأة، هذه لا يجوز فيها فيما بعد إلا غير النصب لا يجوز فيما بعد إلا غير النصب ونذهب الآن إلى بعض ما ذكره المصنف لنكمل شرح باب المستثنى إن شاء الله تعالى. قال المصنف (فَالْمُسْتَثْنَى بِإِلَّا يُنْصَبُ إِذَا كَانَ اَلْكَلَامُ تَامًّا مُوجَبًا) هذا الكلام الذي ذكرناه لكم قبل قليل، قلنا إذا كان الكلام تاماً بأن ذكر فيه المستثنى منه، موجباً يعني لم يتقدم عليه نفي ولا شبه نفي فإنه يجب نصب ما بعد إلا وهذا الكلام الذي ذكره المصنف هنا وهو قوله (نَحْوَ "قَامَ اَلْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا" وَ"خَرَجَ اَلنَّاسُ إِلَّا عَمْرًا") الاستثناء هنا تام لأن المستثنى منه مذكور وهو قوله القوم والاستثناء هنا موجب لأنه لم يسبقه لا نفي ولا شبه نفي فحينئذ نعرب كلمة زيداً على أنها مستثنى منصوب وهنا واجب النصب، وليس فيه وجه آخر. قال المصنف (وَإِنْ كَانَ اَلْكَلَامُ مَنْفِيًّا) يعني غير موجب (تَامًّا) يعني ذكر فيه المستثنى منه (جَازَ فِيهِ اَلْبَدَلُ وَالنَّصْبُ عَلَى اَلِاسْتِثْنَاءِ) جاز في ماذا؟ في الاسم الواقع بعد إلا يجوز فيه وجهان الإتباع لما قبلها على أنه بدل أو عطف بيان الإتباع لما قبل إلا يعني تعطيه الحركة التي ضبط بها المستثنى منه، ضبط بالضمة تعطيه نفس الحركة ضبط بالفتحة تعطية نفس الحركة نفسها، تضبط بالكسرة تعطيه هذه الحركة نفسها، هذا يجوز فيه وجهان إما الإتباع على أنه بدل أو عطف بيان وإما النصب على الاستثناء وكل فصيح صحيح، وقد ذكرت لكم من أمثلته أو من شواهده قول الله عزّ وجلّ ? مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ? [النساء: 66] فيها قراءتان قراءة قليلٌ وهذا الوجه الشائع والكثير وهو أن تتبع ما بعد إلا بما قبلها في إعرابها لأن الواو هنا محلها رفع ووردت فيها قراءة عربية صحيحة فصيحة وهي ما فعلوه إلا قليلاً منهم وحينئذ يكون منصوباً على الاستثناء وهو وجه جائز ولكنه أقل من ذاك مثاله كما ذكر المصنف هنا (نَحْوَ "مَا قَامَ اَلْقَوْمُ إِلَّا زَيْدٌ" وَ"إِلَّا زَيْدًا") الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 قال المصنف (وَإِنْ كَانَ اَلْكَلَامُ نَاقِصًا) وهو الاستثناء المفرغ كما ذكرت لكم قبل قليل بعضهم يسميه الاستثناء الناقص وبعضهم يسميه الاستثناء المفرغ والمراد به الذي لم يذكر فيه المستثنى منه، لم يذكر فيه المستثنى منه، قال (كَانَ عَلَى حَسَبِ اَلْعَوَامِلِ) يعني أنك تعد أن إلا غير موجودة في الكلام فإن الكلام الذي قبل إلا يحتاج إلى فاعل فارفع ما بعد إلا على أنه فاعل يحتاج إلى خبر ارفعه على أنه خبر يحتاج إلى مفعول انصبه على أنه مفعول به وهكذا مهما احتاج إليه ما بعد إلا فافعلوا معه يعني إعربه على حسب العوامل الموجودة عندك وكأن إلا غير موجودة في الكلام مثاله قول المصنف هنا (نَحْوَ "مَا قَامَ إِلَّا زَيْدٌ") ما نافية قام فعل ماض إلا أداة استثناء ملغاة زيد فاعل لقام ومثله ("مَا ضَرَبْتُ إِلَّا زَيْدًا ") كما ذكر المصنف هنا ما نافية وضرب فعل ماضي والتاء فاعل وزيداً مفعول به وإلا أداة استثناء ملغاة، (وَ"مَا مَرَرْتُ إِلَّا بِزَيْدٍ") ما نافية ومررت فاعل وإلا أداة استثناء ملغاة وبزيد جار ومجرور متعلقان بقوله مررت وهذا لا إشكال فيه والحمد لله ثم قال (وَالْمُسْتَثْنَى بِخَلَا, وَعَدَا, وَحَاشَا, يَجُوزُ نَصْبُهُ وَجَرُّهُ) وهذا كلام صحيح وهو الكلام الذي قلته لكم إن خلا وحاشا وعدا بل خلا وعدا هذه باتفاق أنه يجوز نصب ما بعدها وجرها أما حاشا فعند غير سيبويه، سيبويه رأى أنها حرف وغيره يرى أنها فعل يعني يجوز أن تكون هكذا ويجوز أن هكذا والمصنف هنا قد اتبع الرأي القائل بأن حاشا يجوز في ما بعدها الوجهان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 إما الجر وإما النصب، قال (وَالْمُسْتَثْنَى بِخَلَا, وَعَدَا, وَحَاشَا, يَجُوزُ نَصْبُهُ وَجَرُّهُ) فإن نصب فهو المستثنى وإن جررت فالحرف فكلمة خلا أو عد أو حاشا حرف وهو مجرور بهذا الحرف فتقول (قام القوم خلا زيداًً و) يجوز خلا (زيدٍ وعدا عمراً و) عدا (عمرٍ وحاشا بكراً و) حاشا (بكرٍ) وهذه الأوجه جائزة وصحيحة وفصيحة بإذن الله تعالى. هذه الأمور متعلقة بالاستثناء إذا كان تاماً متصلاً وأما الاستثناء المنقطع فكما ذكرت لكم إنه يجب نصب ما بعد أداة الاستثناء في الاستثناء المنقطع وهو ما كان المستثنى فيه من غير جنس المستثنى منه، وسواء أكان الكلام موجباً أو غير موجب وطبعاً لابد أن يكون تاماً لأنه لا يكمن أن يكون من جنسه أو من غير جنسه وهو غير موجود فلابد أن يكون الاستثناء تاماً وهو ما ذكر فيه المستثنى منه هذا هو الاستثناء المنقطع وهذا هو آخر حديثنا في باب الاستثناء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 ننتقل إلى قول المصنف في اسم لا النافية للجنس قال (بَابُ لاَ، اِعْلَمْ أَنَّ "لَا" تَنْصِبُ اَلنَّكِرَاتِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ إِذَا بَاشَرَتْ اَلنَّكِرَةَ وَلَمْ تَتَكَرَّرْ "لَا" نَحْوَ "لَا رَجُلَ فِي اَلدَّارِ") وأنا أقول لك اعلم أن لا ملحقة بإن وأن لا حرف، فلماذا جعل لا مستقلة في باب وحدها، ولم يجعلها مع أخوات "إن" ما دام إنها تعمل نفس عمل إن وأخواتها الجواب عن هذا أيها الأحباب أن لا تعمل هذا العمل مطلقاً بل لابد في إعمالها هذا العمل من شروط، هذا الوجه الأول في سبب جعلها في باب مستقل. الوجه الثاني: أن اسم لا النافية للجنس أحياناً يكون مبنياً أما إن وأخواتها فأسمائها معربة لا تكون مبنية فمن أجل هذا وجب أن تكون لا النافية للجنس مستقلة بنفسها وقد ذكروا شروطاً لإعمالها، ذكر المصنف هنا أقوى هذه الشروط، أقوى الشروط أن يكون اسمها نكرة وأن يكون اسمها متصلاً بها وهذا الذي ذكره المصنف في قوله أن لا تنصب النكرات بغير تنوين، انتبه تنصب النكرات بغير تنوين متى؟ إذا باشرت النكرة، ومتى أيضاً؟ إذا لم تتكرر لا هذه أعظم إعمال لا النافية للجنس عمل إن وأذكر لكم الشروط الأخرى التي ذكرها النحويون أذكر الشروط كلها مع بعض الشرط الأول أن تكون لا نافية، لكن هل تكون لا غير نافية؟ نعم تكون ناهية أحياناً وتكون زائدة أحياناً فإذا لم تكن نافية فإنها لا تعمل هذا العمل، هذا الشرط الأول. الشرط الثاني أن تكون نافية للجنس أو أن يكون المنفي بها هو الجنس، إذاً هل تكون لا نافية لغير الجنس؟ الجواب نعم لا قد تكون نافية للوحدة، وذلك إذا قلت لا رجلٌ في الدارِ بل رجلان أنت ما تقصد نفي جنس الرجال، بل تقصد أنه لا يوجد واحد فقط بل يوجد أكثر من واحد هذه ماذا تعمل لا النافية للواحدة هذه تعمل عمل ليس يعني ترفع المبتدأ ويسمى اسمها وتنصب الخبر ويسمى خبرها هذا هو الشرط الثاني. الشرط الأول: أن تكون نافية. الثاني: أن يكون المنفي بها الجنس. الثالث: أن يكون اسمها نكرة هذا شرط لابد منه فإذا كان اسمها معرفة لم تعمل، لا تعمل عمل إلا، وسأذكر لكم بعد قليل إن شاء الله ما الذي يصير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 الشرط الرابع: أن يكون اسمها متصلا بها يعني ليس بينهما وساطة، الشرط الخامس: أن يكون خبرها نكرة، الشرط السادس: ألا يدخل عليها جار، لكن ما الذي يحصل إذا صار شيء من هذا الكلام قال، فإن لم تكن نافية لم تعمل، وإن كان المنفي بها هو الوحدة عملت عمل ليس وإن كان اسمها معرفة أهملت ووجب تكرارها فتقول لا زيدٌ في الدار ولا عمرٌ وإن كان اسمها غير متصل بها وجب أيضاً إهمالها ووجب تكرارها ومنه قول الله عزل ? لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ? [الصافات:47] لا فيها غول هنا فصل غول عن لا فلم تعمل لا شيئاً، ووجب تكرارها، فكررت. أن يكون اسمها نكرة متصلاً بها وأن يكون خبرها نكرة كذلك إذا كان اسمها نكرة فمن باب أولى أن يكون خبرها نكرة من باب أولى أن يكون خبرها نكرة، لأنه لا يخبر عن النكرة بالمعرفة قولاً واحداً الأخير من الشروط ألا تسبق بحرف جر، لكن إذا سبقت بحرف جر قال فإن حرف الجر يتعداها إلى ما بعدها فيجر ما بعدها فتقول جئت بلا كتاب ولا تقول بلا كتابا تقول جئت بلا كتاب وهذه معظم الشروط بل هذه الشروط التي اشترطت لإعمال "لا النافية للجنس" عمل "إن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 قال المصنف (فَإِنْ لَمْ تُبَاشِرْهَا وَجَبَ اَلرَّفْعُ وَوَجَبَ تَكْرَارُ "لَا" نَحْوَ لَا فِي اَلدَّارِ رَجُلٌ وَلَا اِمْرَأَةٌ") وهذا الكلام الذي قلناه ومثلناه بالآية الكريمة وهي قول الله عزّ وجلّ ? لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ? لا فيها غول لما فصل كررت وأهملت، قال المصنف: (فإن تكررت لا جاز إعمالها وإلغاؤها، فإن شئت قلت لا رجل في الدار ولا امرأة) وإن شئت قلت لا رجل في الدار ولا امرأةٌ، وهنا وقفة يا أيها الأحباب، اعلموا بارك الله فيكم أن لا إذا تكررت وهي مستوفية للشروط التي ذكرناها سابقاً، بحيث يكون مدخولها نكرة، وبحيث يكون اسمها متصلاً بها وبحيث يكون خبرها نكرة، وبحيث تكون غير مسبوقة بجار وبحيث تكون نافية، يعني كل الشروط مستوفية، فإذا تكررت لا جاز لك في اللفظين خمسة أوجه، ويمثلون له بنحو قولك لا حول ولا قوة إلا بالله، انتبه رحمك الله، يجوز لك أن تقول لا حول ولا قوة إلا بالله فتبني الأول والثاني يعني تعملها عمل إلا ويجوز أن تقول لا حول ولا قوة إلا بالله فتهملها في الاثنين ويجوز أن تقول لا حولَ ولا قوةٌ إلا بالله فتعملها في الأول وتهملها في الثاني، ويجوز أن تعكس فتقول لا حولٌ ولا قوةَ إلا بالله ووجه خامس ضعيف وهو أن تعملها في الأول وتنصب الثاني، فتقول لا حول ولا قوةً إلا بالله، وهذه الأوجه جائزة وفصيحة ولها شواهد من العربية وأولها من القرآن الكريم في نحو قول الله عزّ وجلّ ? لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ ? [البقرة: 254] وقد قرأت لا بيعَ فيه ولا خلةَولا شفاعة، فدل ذلك على جواز الأمرين، فيها وهذا كله صحيح فصيح ولا إشكال فيه والحمد لله رب العالمين، بقي في لا شيء وهو أن الكثير في خبرها أن يكون محذوفاً وبعضهم أوجب حذف خبرها، وبعضهم أوجب حذف خبرها ولكن الصحيح أنه يجوز أن يكون موجوداً وقد ورد في القرآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 الكريم وفى غيره، خبرها مذكوراً ومماورد فيه محذوفاً قول الله عزّ وجلّ ? وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ ? [سبأ:51] لا نافية للجنس وفوت اسمها وخبرها محذوف، والله أعلم بالصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 ننتقل بعد هذا إلى باب المنادى . قال المصنف (اَلْمُنَادَى خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ: المفرد اَلْعَلَمُ, وَالنَّكِرَةُ اَلْمَقْصُودَةُ, وَالنَّكِرَةُ غَيْرُ اَلْمَقْصُودَةِ, وَالْمُضَافُ, وَالشَّبِيهُ بِالْمُضَافِ) المنادي يا أيها الأحباب هو ما دخلت عليه أداة النداء والأصل في المنادي أن يكون منصوباًن الأصل فيه أن يكون منصوباً ولكنه في بعض حالاته يكون مبنياً على الضم أو على ما كان يرفع به، مثلاً كونه مثنى يكون مبنياً على الألف يكون جمع مذكر سالم، يكون مبنياً على الواو، وهكذا لكن الأصل فيه والكثير والغالب أن يكون المنادى منصوباً، مما ورد فيه المنادى منصوباً قول الله عزّ وجلّ ? يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ? [مريم:28] فيا هنا حرف نداء وأخت منادى منصوب وهو مضاف وهارون مضاف إليه قال الشاعر أيضاً: أفاطم مهلاً بعض هذا التذلل أحياناً يكون حرف النداء ليس هو يا مع أن يا هي أم الباب لكن أحياناً يكون غيرها، من الأدوات الهمزة هذه، أفاطم مهلاً ومنها أي ومنها أيا ومنها هيا، هذه بعض الأنواع لكن أكثرها استعمالاً، هو يا. مما وردت فيه أيا للنداء قول الشاعر: أيا أخوينا عبد شمس ونوفلا ....... أعيذكما بالله أن تحدثا حربا وأما هيا فقد وردت في قول الشاعر: ورفعت من صوتها هيا أبا … .وانصرفت وهي حصان مغضبة … … … كل فتاة بأبيها معجبة هيا أبا هذا موضع الشاهد عندنا. قال المصنف: (فَأَمَّا اَلْمُفْرَدُ اَلْعَلَمُ وَالنَّكِرَةُ اَلْمَقْصُودَةُ فَيُبْنَيَانِ عَلَى اَلضَّمِّ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ, نَحْوَ "يَا زَيْدُ" وَ"يَا رَجُلُ") قوله المنادى خمسة أنواع أولها: المفرد العلم، المفرد المقصود به ما لم يكن مضافاً، ولا شبيهاً بالمضاف هذا هو المفرد أما العلم فقد سبق تعريفه، وأنت إذا ناديت كلمة محمد مثلاً فإنك تبنيها على الضم فتقول يا محمدُ ويا حسنُ ويا زيدُ، ويا فهدُ ويا خالدُ ويا عثمانُ إلى أخره. النوع الثاني: من أنواع المنادى هو النكرة المقصودة وحكم النكرة المقصودة كحكم العلم في كونها تبنى أيضاً على الضم والمقصود بالنكرة المقصودة أن يكون أمامك شخص مثلاً لكنك تقصده بالنداء، فتقول يا رجل وأنت تقصد رجلاً بعينه، أو يا طالب، أو يا أستاذ، أو يا معلم، أو نحو ذلك، لكنك تقصد شخصاً بعينه، هذه نكرة في حقيقتها ولكنها نكرة مقصودة حقها أيضاً أن تكون مبينة على الضم. أما النوع الثالث: من أنواع المنادى فهو النكرة غير المقصودة، ولها حكم مخالف النكرة المقصودة، لأنها منصوبة، فما الفرق بين هذه وتلك، الفرق أن كليهما نكرة، لكن أن تقصد شخصاً بعينه أما النكرة المقصودة فلا تقصد شخصاً بعينه قول الأعمى مثلاً يا رجلاً خذ بيدي ما يقصد رجلاً بعينه، وإنما يقصد أي رجل، قول الشاعر مثلاً: أيا راكبا إما عرفت فبلغاً ندا ماي من نجران ألا تلاقي هو لا يقصد راكبا بعينه، وإنما يقصد أي راكب، حتى يؤدي تحيته، لأهله هذا إذا كان المنادى بهذه الصفة يعني نكرة، غير مقصودة، فإنه يكون منصوباً، وليست النكرة المقصودة يكون مبنياً على الضم. النوع الرابع: من أنواع المنادى هو المضاف، وأما المضاف يا أيها الأحباب، فمعروف معلوم عندكم وهو أن يكون في نحو عبد الله، أو عبد الرحمن، أو زين العابدين أو ما شاكل ذلك أو كلمة يا صاحب عمر، يا صاحب القلم، يا صاحب الكتاب وما أشبه ذلك هذه حكم المنادى فيها أن يكون منصوباً، وذلك إذا كان مضافاً والأمثلة عليه لا تحصى ولا تعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 أما الشبيه بالمضاف، فهو النوع الاخير من أنواع المنادى، والمقصود به يا أيها الأحباب، ما اتصل به شيء من تمام معناه كقولك مثلاً يا طالعاً جبلاً، ويا خيراً من زيدٍ ويا محموداً في فعله، ويا ثلاثة وثلاثين مثلاً ما هذا الكلام قال في كل واحد من هذه الأمثلة التي ذكرتها يكون ما بعد المنادى له علاقة، بالمنادى فمثلاً قولنا يا طالعاً لم يكمل المعنى هنا وإنما قصدنا الجبل قد يقصد طالع سلم مثلاً أو طالع كذا، أو طالعاً الوادي أو نحو ذلك، لا نحن نقصد يا طالعاً جبلاً فاتصل به شيء من تمام معناه هذا هو الشبيه بالمضاف ما حقه من الناحية الإعرابية حقه أن يكون منصوباً مثاله أيضاً يا حسناً وجهه، وجهه هذا فاعل لحسن لأنها صفة مشبهة ترفع الفاعل، هذا اتصل به شيئاً من تمام معناه، يا محموداً فعله، كذلك فعله نائب فاعل لمحمود كذلك قولك يا خيراً من زيد، هذا خيراً تعلق به الجار والمجرور المذكور بعده فهذا من المنادى الشبيه بالمضاف وقد ذكر المصنف ذلك فيما يستقبل من كلامه فقال مثلاً فأما المفرد العلم والنكرة المقصودة فيبنيان على الضم من غير تنوين وهذا الكلام الذي قلناه لكم قبل قليل لكنه بقي أنه كان الأولى أن يقول فيبنى على ما كان يرفع به لأنه ليس دائماً يبنى على الضم، مثلاً إذا ناديت اثنين، فإنك تقول يا مسلمان، إذا ناديت ثلاثة تقول يا مسلمون، فتبنيه مرة على الألف وتبنيه مرة على الواو والأصل إذا ناديت يا مسلم تقول يا مسلمُ يا مسلمُ فتبنيه على الضم إذا هو يبنى على ما كان يرفع به، إذا كان يرفع بالضمة بنى على الضم إن كان يرفع بالألف بني على الألف إن كان يرفع بالواو بني على الواو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 هذا إذا كان المنادى علماً أو كان نكرة مقصودة فإنه يبنى على الضم من غير تنوين ثم قال المصنف رحمنا الله وإياه (وَالثَّلَاثَةُ اَلْبَاقِيَةُ مَنْصُوبَةٌ لَا غَيْرُ) ما الثلاثة الباقية؟ هي المنادى المضاف مثل يا عبد الله والمنادى الشبيه بالمضاف نحو يا طالعاً جبلاً والمنادى إذا كان نكرة غير مقصودة كقول الأعمى يا رجلاً خذ بيدي هذه كلها حقها أن تكون منصوبة وقد ذكرنا لكم بعض الشواهد ومن ذلك مثلاً قول الشاعر بل قبله قول الله عزّ وجلّ ? يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ? [الرحمن:33] الشاهد عندنا في قوله ? يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ ? فإن يا حرفالنداء ومعشر منادى منصوب لكونه مضافاً إلى كلمة الجن ? يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ ? من المنادى الشبيه بالمضاف قول الشاعر: أداراً بحذوى هجت للعين عبرة ..... فماء الهوى يرفض أو يترقرق ومنه أيضاً من النكرة غير المقصودة البيت الذي سبق أن ذكرته لكم وهو قول الشاعر: فيا راكباً إما عرفت فبلغاً .... ندماي من نجران ألا تلاقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 انتهينا من الحديث في باب المنادى وننتقل بعده إلى الحديث في باب المفعول من أجله، ويسميه بعضهم باب المفعول له، ويسميه آخرون باب المفعول لأجله وأكثر التسميات أن يقال المفعول لأجله. قال المصنف رحمنا الله وإياه (بَابُ اَلْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ، وَهُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ, اَلَّذِي يُذْكَرُ بَيَانًا لِسَبَبِ وُقُوعِ اَلْفِعْلِ, نَحْوَ قَوْلِكَ "قَامَ زَيْدٌ إِجْلَالًا لِعَمْرٍو" وَ"قَصَدْتُكَ اِبْتِغَاءَ مَعْرُوفِكَ") .هذا هو المفعول لأجله أو المفعول له أو المفعول من أجله، وهو اسم فضلة منصوب اسم فلا يكون غير اسم وفضلة لأنها يمكن الاستغناء عنه، لأنه يمكن الاستغناء عنه ومنصوب، هذا حكمه أنه منصوب، المفعول لأجله وطبعاً هذا هو الغالب، في بعض الأحيان، يكون المفعول لأجله مجروراً بحرف التعليل، وسنذكر بيانه إن شاء الله في حينه، مما ورد فيه المفعول لأجله منصوباً قول الله عزّ وجلّ ? يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ? [البقرة: 19] فقوله عزّ وجلّ ? حَذَرَ الْمَوْتِ ? هذا منصوب لأنه مفعول لأجله والكثير الغالب في المفعول لأجله أن يكون مصدراً، الكثير الغالب في المفعول لأجله أن يكون مصدراً وقد يكون غير مصدر وإذا كان غير مصدراً فلابد أن يجر باللام كما سيأتي أو يجر بحرف التعليل، ومن ذلك مما ورد فيه المفعول لأجله، غير مصدر قول الشاعر: ولو أنما أسعى لأدنى معيشة كفاني ولم أطلب قليل من المال الشاهد عندنا في قوله لأدنى فإنه هنا أدنى أفعل تفضيل وقد جاء مفعولاًَ لأجله ولكنه مع ذلك جر باللام. وأيضاً يقولون إذا لابد يشترطون لنصب المفعول لأجله عدة شروط من ضمنها أن يكون مصدراً، فإذا كان غير مصدر جر بحرف التعليل، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ? وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ? [الرحمن:10] فالأنام هنا جر بحرف التعليل لأنه ليس مصدراً، ويشترطون أيضاً أن يتفق المصدر مع عامله في الوقت وفى الفاعل، يشترطون أن يتفق المصدر مع عامله في الوقت والفاعل وإلا فلا ينصب وإنما يجر بحرف التعليل، يقولون مما ورد فيه المصدر مخالفاً لعامله في الوقت قول الشاعر: وجئت وقد نضدت لنوم ثيابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 الشاهد في قوله لنوم نوم هنا مصدر لكن النوم ليس موافقاً للمجيء في الوقت وإنما هو مختلف وقد نضدت لنوم، نضدت بمعنى أزالت لنوم معروف النوم يتأخر عن إزالة الثياب، وهذا معنى قوله نضدت، أما الشاهد على اختلافهما في الفاعل فقول الشاعر: وإني لتعروني لذكراك هَزةٌ أو هِزةٌ لتعروني لذكراك ذكر هذا مصدر، ما الذي يعروه؟ تعروه الهزة ومن الذي يتذكر هو المتذكر إذا تذكرها عرته الهزة فاختلف الفاعل فيهما فوجب أن يجر بحرف التعليل، وهذا كل ما يقال في باب المفعول لأجله، ننتقل بعد هذا إلى (باب المفعول معه) . قال المصنف رحمنا الله وإياه (وَهُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ, اَلَّذِي يُذْكَرُ لِبَيَانِ مَنْ فُعِلَ مَعَهُ اَلْفِعْلُ, نَحْوَ قَوْلِكَ"جَاءَ اَلْأَمِيرُ وَالْجَيْشَ" وَ"اِسْتَوَى اَلْمَاءُ وَالْخَشَبَةَ") انتبه يا شيخ ضبط الجيش والخشبة هذا ضبطه بالفتحة وإلا كان معطوفاً على ما قبله، وإلا يكون معطوفاً على ما قبله فهو هنا مفعول لأجله ويشترطون - عفواً - هو هنا مفعول معه، فتقول جاء فعل ماضي الأمير فاعل الواو للمعية، الجيش مفعول معه منصوب ما الذي عمل فيه هو جاء بمصاحبة الواو وكقوله أيضاً استوى الماء والخشبة، استوى هذا فعل ماض الماء هذا فاعل الخشبة هذا مفعول به - عفوا ً مفعول معه يا شيخ بارك الله فيك، هذا باب في باب المفعول معه وله أمثلة وشواهد بعضها يلزم أن يكون منصوباً على أنه مفعول معه وبعضها لا يصح إلا أن يكون معطوفاً على ما قبله وبعضها يترجح هذا وبعضها يترجح هذا ولكن التطويل فيها لا أرى له داعياً لأن هذا استعماله أصلاً ليس بكثير، استعمال باب المفعول معه، ليس بكثير في كلام العرب ولكن مما ورد فيه كلام، أو مما ورد فيه المفعول معه من الشواهد قول الشاعر: فكونوا أنتم وبني أبيكم ..... مكان الكليتين من الطحال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 فكونوا أنتم وبني أبيكم، بني هذا منصوب على أنه مفعول معه، والأمثلة على هذا كثيرة ومن أظهرها، أن يكون الفاعل ضميراً ثم تأتي بعده بالواو، وتأتي بالمنصوب على أنه مفعول معه، بعدها مباشرة، وذلك نحو قولك قمت وزيداً، هذه يجب أن تنصب ما بعد الواو، ولا يجوز أن تقول قمت وزيد على أنه معطوف، لماذا؟ قال لأن الفاعل هنا ضمير متصل والأصل ألا يعطف على الضمير المتصل إلا بعد الفصل، بين الفاعل والمعطوف وهنا لم يصل فهنا يجب أن تقول قمت وزيداً بالنصب بنصب كلمة زيداً لأن هذا مما يمنعه معظم النحويين، يمنعون العطف على الضمير المتصل دون فاصل بينهما. بقي من المنصوبات خبر كان وأخواتها، واسم إن وأخواتها وهذه في الحقيقة سبق أن ذكرها في أبواب الرفع فلم يعيدها هنا المصنف ولذلك قال (وأما خَبَرُ "كَانَ" وَأَخَوَاتِهَا, وَاسْمُ "إِنَّ" وَأَخَوَاتِهَا) وهما منصوبان طبعاً (فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا فِي اَلْمَرْفُوعَاتِ, وَكَذَلِكَ اَلتَّوَابِعُ) يعني التي تتبع بالنصب (فَقَدْ تَقَدَّمَتْ هُنَاكَ) في باب التوابع، باب النعت والبدل والتوكيد وما شاكل ذلك فلذلك لم يعد المصنف ذكرها ولا الحديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 عنها، وإنما انتقل بعد هذا إلى باب المخفوضات وصل إلى باب المجرورات أو المخفوضات والمخفوضات خاصة بالأسماء ولا يأتي فيها أفعال لأن الأفعال لا يأتي فيها خفض كما هو معلوم فقال المصنف هنا (بَابُ اَلْمَخْفُوضَاتِ مِنْ اَلْأَسْمَاءِ) ثم قال (اَلْمَخْفُوضَاتُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مَخْفُوضٌ بِالْحَرْفِ, وَمَخْفُوضٌ بِالْإِضَافَةِ, وَتَابِعٌ لِلْمَخْفُوضِ) وهذه قد اجتمعت في البسملة كما ذكرت لكم قبل الآية فقولك بسم الله الرحمن الرحيم كلمة اسم مجرورة بالباء ولفظ الجلالة مجرور بالإضافة والرحمن مجرور بالتبعية، والرحيم أيضاً تابع فكل هذه مجرورات وقد تبين يعني اجتماع علامات الجر أو أسباب الجر في البسملة وقد بينت لكم ما فيها، التفصيلات في المخفوضات سنتركها إن شاء الله في حلقة أخرى ونترك الآن المجال لتوجيه الأسئلة إذا كان لديكم أسئلة، تفضل. سأل أحد الطلبة: بارك الله فيك، ما نوع الاستثناء في قول الله عزّ وجلّ في سورة آل عمران ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ? [النساء:29] ؟ أجاب الشيخ: هذا لعله يا أخي استثناء متصل وهو على كل حال غير موجب، لأنه مبدوء بالنهي، لا تأكلوا أموالكم، ولعله من الاستثناء المتصل لأن ما بعد إلا من جنس الذي قبلها إلا أن تكون تجارة فالتجارة هذه إلا أن يكون يعني متعلق قوله بالباطل فالتجارة ليست من الباطل فيكون استثناء منقطعاً هذا إذا حسبنا الجملة السابقة كلها مع بعضها فيكون من الاستثناء المتصل لأن التجارة هذه مسموح بها وليست من أكل الأموال بالباطل، وعلى هذا يكون الأرجح فيه والله أعلم أنه من الاستثناء المنقطع، لأننا سنحسب كل ما قبل إلا على أنه جملة واحدة متصل بعضها ببعض، بارك الله فيك، نعم تفضل. سأل أحد الطلبة: ذكرتم الاستثناء المفرغ، فكيف نعرف الاستثناء المفرغ؟ أجاب الشيخ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 الاستثناء المفرغ، عرفناه بأنه الذي لم يذكر فيه المستثنى منه، وهو يسميه بعضهم بالاستثناء الناقص لأنه نقص جزءاً من أركان الجملة التي فيها الاستثناء ذلك أن المستثنى منه غير موجود في الكلام وذلك كقول الله عزّ وجلّ ? وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ ? [آل عمران: 144] فإنه لم يذكر فيها المستثنى منه فأعرب كلمة محمد أعربت مبتدأً ورسول أعربت خبراً وفى الاستثناء المفرغ، لا تعد إلا كأنها غير موجودة في الكلام فيعرب الكلام بما يستحقه بحسب العوامل الموجودة، تفضل. سأل أحد الطلبة: فضيلة الشيخ جزاكم الله خير، ذكر المؤلف في حكم المنادى قال فأما المفرد العلم والنكرة المقصودة فيبنيان على الضم من غير تنوين، فلماذا ذكر التنوين والمعروف أن المبني لا ينون؟ أجاب الشيخ: لعلك بارك الله فيك في بداية الحلقة القادمة نستمع منك هذا السؤال لأن الوقت انتهى الآن. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 الدرس العشرون الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن سهلاً إذا شئت سهل لنا أمورنا واغفر لنا ذنوبنا وارحمنا برحمتك يا رب العالمين. أما بعد، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بداية أرجو منك إعادة السؤال الذي أجلناه في آخر الحلقة الماضية، وطلبنا منك تأجيله إلى هذه الحلقة، فتفضل بارك الله فيك. سأل أحد الطلبة: فضيلة الشيخ قال المصنف فأما المفرد العلم والنكرة المقصودة فيبنيان على الضم من غير تنوين، فلماذا ذكر التنوين في المبني والمعروف أنه لا ينون أجاب الشيخ: معروف طبعاً أن المبني لا ينون إلا نادراً وذلك إذا أردت تنكيره كقولهم مثلاً إيهٍ وصهٍ وما شاكل ذلك لكن صاحب الكتاب ليست هذه أول مرة يقول هذا الكلام بل قاله في باب لا النافية للجنس قال واسمها منصوب من غير تنوين لكن تعبيره بمنصوب تبعده نوعاً ما أما قوله هنا مبني على الضم من غير تنوين فهذا يؤكد لك أنه مبني وليس معرب هذا من باب التوكيد فقط. ونبدأ بعون الله تعالى في إكمال ما تبقي بإذن الله تعالى في قول المصنف (بَابُ اَلْمَخْفُوضَاتِ مِنْ اَلْأَسْمَاءِ، اَلْمَخْفُوضَاتُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مَخْفُوضٌ بِالْحَرْفِ, وَمَخْفُوضٌ بِالْإِضَافَةِ, وَتَابِعٌ لِلْمَخْفُوضِ) وقد ذكرت لكم في الحلقة الماضية أن مثاله نحو قولك بسم الله الرحمن الرحيم فلفظ اسم مجرور بالباء ولفظ الجلالة مجرور بالإضافة والرحمن مجرور بالتبعبة ثم قال المصنف رحمه (فَأَمَّا اَلْمَخْفُوضُ بِالْحَرْفِ فَهُوَ مَا يَخْتَصُّ بِمِنْ, وَإِلَى, وَعَنْ, وَعَلَى, وَفِي, وَرُبَّ, وَالْبَاءِ, وَالْكَافِ, وَاللَّامِ, وَبِحُرُوفِ اَلْقَسَمِ, وَهِيَ اَلْوَاوُ, وَالْبَاءُ, وَالتَّاءُ, وَبِوَاوِ رُبَّ, وَبِمُذْ, وَمُنْذُ) . الحقيقة أن المصنف سبق أن ذكر لنا حروف الجر في مكان آخر، في أول هذه المقدمة لما تحدث عن الحروف بل عن تقسيمات الكلام قال، ينقسم الكلام ثلاثة أقسام: اسم وفعل وحرف، ثم ذكر علامات الأسماء ثم ذكر علامات الأفعال ثم انتقل بعد هذا فذكر الحروف فلا نعيد ما سبق أن شرحناه في حروف الجر ولكننا نعلم يا أيها الأحباب أن هذه الحروف أولاً كلها مبنية، إن وأخواتها والحروف النافية والحروف الجازمة للفعل المضارع والحروف الناصبة للفعل المضارع كل هذه الحروف مبني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 نعرف قضية أخرى أن الحروف هذه أعنى حروف الجر خاصة بالدخول على الأسماء ولا تدخل على غيرها نعرف أيضاً أن هذه الحروف تعمل الجر في الأسماء فأما تكرارها هنا فلا بأس أن نذكر باستعراض سريع بعض الأمثلة التي وردت فيها هذه الحروف، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ? سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ? [القدر:5] فمطلع هنا مجرور بحتى ومن ذلك مثلاً قول الله عزّ وجلّ ? وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ ? [البقرة:85] من جرت الكاف وجرت ديار، وقول الله عزّ وجلّ ? وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ? [البقرة:8] من جرت الناس والباء جرت لفظ الجلالة وجرت اليوم في قوله وباليوم الآخر، وقول الله عزّ وجلّ ? يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ ? [الكهف: 31] في جرت الهاء وقال الله عزّ وجلّ ?أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ? [التوبة: 38] فجرت من كلمة الآخرة وقال الله عزّ وجلّ ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ? [المائدة:6] إلى الصلاة، الصلاة مجرورة بإلى، وهكذا وقال الله سبحانه وتعالى ? وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ? [البقرة: 217] والشاهد في قوله عن دينه فقد جرت عن هنا كلمة دين وقال الله عزّ وجلّ ? فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ ? [لأعراف:135] وقال الله عزّ وجلّ ? تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ? [الفرقان:1] وقال الله سبحانه وتعالى ? وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ? [المطففين:1] قال الله سبحانه وتعالى ? إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ? [غافر: 56] فجرت الباء وقال سبحانه وتعالى ? وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ? [البقرة:179] في جرت وقال سبحانه وتعالى ? الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ? [طه: 71] وأما رُب فمن شواهدها قول الشاعر: رب يوم بكيت منه فلما ..... صرت في غيره بكيت عليه رب يوم وقد جاءت رب هنا جارة لكلمة يوم والأمثلة على حروف الجر لا تحصى ولا تعد من حروف الجر، الكاف ومنه قول الله عزّ وجلّ ? أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ ? [الرعد: 16] فجرت الكاف ومنه قوله سبحانه وتعالى ? وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ ? [النحل: 77] فجرت الكاف هنا، والأمثلة على هذا كثيرة والحمد لله ولكننا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 سننتقل من هذا الباب إلى باب المخفوض بالإضافة ، فاسمعوا رحمكم الله تعالى قول المصنف (وَأَمَّا مَا يُخْفَضُ بِالْإِضَافَةِ, فَنَحْوُ قَوْلِكَ "غُلَامُ زَيْدٍ") اعلم بارك الله فيك أن الإضافة عامل للجر الاسم المضاف إليه مجرور فما الذي جره أهو المضاف الذي جر المضاف إليه أم حرف مقدر بينهما وهو الحرف الذي يؤدي معنى الإضافة لكنك إذا قلت هذا قلم محمد فكأنك قلت هذا قلم لمحمد فهل محمد هذه مجرورة بالإضافة أو مجرورة باللام المقدرة، قولان للنحويين والصحيح أنها مجرورة بالإضافة يعني الذي جرها هو الاسم المتقدم، حتى نسلم من التقدير، يعني للإضافة أحكام يقول الإضافة لا تقع إلا في الأسماء فلا يوجد فعل مضاف ولا مضاف إليه فإنما الإضافة خاصة بالأسماء الحكم الثاني أن التنوين والإضافة لا يجتمعان، إذا جاء التنوين ذهبت الإضافة وإذا جاءت الإضافة ذهب التنوين لا يجتمعان أبداً الحكم الثالث من أحكام الإضافة، أنها لا تجتمع الإضافة وال ولكن ليس هذا على إطلاقه فإنه قد يكون المضاف مقترناً بـ ال ومع ذلك يأتي المضاف إليه مجروراً لكن هذا قليل وله مواضع محدودة ويشترطون فيه، يعني لجواز أن تكون ال في المضاف والمضاف إليه لا يزال مجروراً يشترطون فيه، أن يكون المضاف عاملاً في المضاف إليه، هذا واحد.والشرط الثاني: أن يكون المضاف إليه مقترناً بـ ال أو مضافاً إلى مقترناً بـ ال أو مضافاً إلى ضمير ما فيه ال. انتبه رحمك الله تقول مررت بالضارب الرجل، الضارب هذه فيها ال وقد أضيفت إلى الرجل وهي مستوفية للشروط، لأن الضارب يعمل في الرجل، هذه واحدة، والشيء الثاني أن الرجل موجود فيه ال فهذا يجوز لا إشكال فيه، إلا أن يكون المضاف مثنىً أو مجموعاً جمع مذكراً سالماً وهو عامل في المضاف إليه فإنه لا يلزم في المضاف إليه أن يكون مقترناً بـ ال يعني تقول مررت بالضاربي زيد، لماذا؟ قال لأنه مثنى وزيد خالية من ال صحيح ومع ذلك جاءت مجرورة بالإضافة، ومنه قول الشاعر: إن يغنيا عني المستوطنا عدن فإنني لست يوماً عنهما بغني مرة ثانية: إن يغنيا عني المستوطنا عدن فإنني لست يوماً عنهما بغني المستوطنا هذا مثنى وقد جاء مقترناً بـ ال وأضيف على كلمة عدن وعدن خالية من ال لا إشكال لماذا؟ لأنه مثنى. الجمع، شاهده قول الشاعر: ليس الأخلاء بالمصغي مسامعهم ..... إلى الوشاة وإن كانوا ذوي عدد مرة ثانية: ليس الأخلاء بالمصغي مسامعهم ...... إلى الوشاة وإن كانوا ذوي عدد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 المصغي هنا أصله المصغون ولكن لما تقدمت عليه الباء جرت بالياء بالمصغي ثم أضيف إلى مسامعهم، مسامعهم هنا ليست مقترنة بـ ال لكن المضاف هنا وهم مقترناً بـ ال جمع مذكر سالم فلا إشكال في اتصاله بـ ال إذاًَ مرة أخيرة ال والإضافة لا يجتمعان، فلا تقول مثلاً هذا القلم رجل ولا هذا القلم الرجل، ما يجوز لأن المضاف هنا ليس وصفاً عاملاً في المضاف إليه، أما إن كان وصفاً عاملاً في المضاف إليه فهو نوعان، نوع منه يكون مثنىً أو مجموعاً هذا ما يلزم فيه أي شيء يمكنك أن تضيف فوراً ولو كان مقترناً بـ ال وأما إن كان ليس مثنىً ولا مجموعاً فلابد أن يكون المضاف إليه إما مقترن بـ ال وإما مضاف إلى مقترن بـ ال، أو مضاف إلى ضمير يعود على ما فيه ال. مثال المضاف إلى المقترن بـ ال الضارب الرجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 مثال المضاف إليه إذا كان مضافاً لما فيه ال رأيت الضارب رأس الجاني، وكذلك يجوز أن تقول رأيت الضارب رأس أخيه، لأن الهاء تعود على ما فيه ال وهو الضارب ننتقل إلى قول المصنف وهو يعني الإضافة (عَلَى قِسْمَيْنِ مَا يُقَدَّرُ بِاللَّامِ, وَمَا يُقَدَّرُ بِمِنْ) ثم قال رحمنا الله وإياه (فَاَلَّذِي يُقَدَّرُ بِاللَّامِ نَحْوُ "غُلَامُ زَيْدٍ") واعلموا بارك الله فيكم قبل أن نفصل أن بعضهم يقسم الإضافة من الناحية المعنوية ثلاثة أقسام فيقول أحياناً تكون بمعنى اللام كقولك هذا كتاب محمد كأنك قلت هذا كتاب لمحمد، وأحياناً تكون الإضافة بمعنى من وذلك في نحو قولك هذا ثوب خز وهذا خاتم حديدٍ فكأنك قلت هذا خاتم من حديد، أما الأخير فهو أن تكون الإضافة بمعنى في ومنه كما يقولون وذلك إذا كان المضاف إليه ظرفاً للمضاف ويستشهدون له بنحو قول الله عزّ وجلّ ? بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ? [سبأ: 33] يقولون التقدير والله أعلم بل مكرٌ في الليل والنهار، وقد بدأنا بقول المصنف ما يقدر باللام وما يقدر بمن فأما ما يقدر باللام فكما مثلت لكم، وأما ما يقدر بمن فكما مثل وأما قول الله عزّ وجلّ ? وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً ? [سبأ:33] وكقول الله عزّ وجلّ أيضاً ? يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ ? [يوسف:41] والشاهد عندنا في قوله يا صاحبي السجن لأنه أحياناً يكون الظرف ظرفاً زمانياً كقوله تعالى ? بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ ? وأحياناً يكون ظرفاً مكانياً كقول الله عزّ وجلّ ? يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ? وهذا هو المقصود بكلامه من أنه لابد أن يكون أو بقول بعض النحويين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 أن الإضافة قد تتضمن معنى فيه، أما قول المصنف فالذي يقدر باللام نحو غلام زيد هذا المثال وأمثاله أكثر ما تقع الإضافة عليه، أكثر شيء في الإضافة أن تكون بمعنى اللام وذلك كقولك هذا كتاب محمد أو هذا قلم عبد الله أكثر ما تكون الإضافة بمعنى اللام واللام هذه تعني الملكية، أو الاختصاصية أحياناً ما تكون ملكية مثلاً تقول هذا سرج الفرس هو لا يملك شيئاً لكنه مثل يعني يختص به، وهذا غطاء السرير ليس السرير يملك الغطاء وإنما هو من خصوصياته هذا أولاً أما ما كان بمعنى من فكقوله قال المؤلف (وَاَلَّذِي يُقَدَّرُ بِمِنْ, نَحْوُ "ثَوْبُ خَزٍّ" وَ"بَابُ سَاجٍ" وَ"خَاتَمُ حَدِيدٍ) والإضافة التي بمعنى من يا شيخ يشترط فيها أن يكون المضاف بعضاً من المضاف إليه وأن يصح هذا الشرط الثاني أن يصح الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف وذلك في نحو قولك هذا خاتم حديد انتبه يا شيخ الخاتم أليس بعض الحديد؟ بلى إنه بعض الحديد، طيب ألا يصح أن تقول الخاتم حديدٌ؟ يمكن يصح فيصح الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف فقد اجتمع الشرطان إذا الإضافة فيه بمعنى من هناك بعض الأحكام المتعلقة بالإضافة وهي مهمة وضرورية ولابد أن نذكرها وهي أن معظم النحويين يقسمون الإضافة قسمين، إضافة معنوية وإضافة لفظية فأما الإضافة المعنوية يا أيها الأحباب فهي التي يستفيد فيها المضاف من المضاف إليه إما تعريفاً وإما تخصيصاً يستفيد المضاف من المضاف إما التعريف وإما التخصيص، والمضاف الذي يستفيد من المضاف إليه التعريف نحو قولك قلم محمد فإن كلمة قلم كانت نكره فلما أضفتها إلى كلمة محمد اكتسبت التعريف وأما ما كان مستفيداً التخصيص فنحو قولك هذا قلم رجل، أنت حينئذ أضفتها إلى نكرة فلم تستفد التعريف ولكنها استفادت تقليل الشيوع والانتشار في الذاكرة فبدلا كانت عامة في أنك تقول هذا قلم فيمكن أن يكون قلم رجل يمكن أن يكون قلم امرأة يمكن أن يكون قلم طالب يمكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 أن يكون قلم زيد يمكن أن يكون قلم عبيد فلما ضيقت فقلت هذا قلم رجل خففت الاشتراك الذي كان موجوداً في كلمة قلم، هذا هو النوع الأول وهو يسمى بالإضافة المعنوية، الإضافة المعنوية وهي التي يستفيد فيها المضاف من المضاف إليه تعريفاً إذا كان المضاف إليه تعريفاً أو تخصيصاً إذا كان المضاف إليه نكرة. فأما الإضافة المعنوية فقد أنهينا الحديث فيها وهي ما يكتسب المضاف من المضاف إليه إما التعريف إذا كان المضاف إليه معرفة وإما التخصيص إذا كان المضاف إليه نكرة، أما الإضافة اللفظية فلا يستفيد المضاف من المضاف إليه إلا التخفيف فقط فمتى تكون الإضافة لفظية، تكون الإضافة لفظية انتبه إذا كان المضاف وصفاً عاملاً في المضاف إليه ما المراد بالوصف؟ المراد بالوصف اسم الفاعل أو اسم المفعول، أو الصفة المشبهة. مرة ثانية، تكون الإضافة اللفظية وهي التي لا يستفيد المضاف من المضاف إليه إلا التخفيف، وذلك إذا كان المضاف وصفاً، والمقصود بالوصف اسم الفاعل أو اسم المفعول أو الصفة المشبهة عاملاً في المضاف إليه، فهي تستفيد منه التخفيف، كيف التخفيف هذا؟ قال التخفيف هو أنه بدل أن تقول هذا ضارب زيداً، تحذف التنوين هذا فيخف الكلام فتقول هذا ضارب زيدٍ، إذاً ما هو دليلك على أن الإضافة اللفظية لا يستفيد المضاف من المضاف إليه تعريفاً ولا تخصيصيا ما دليلك؟ بيّن لنا إذا كان عندك دليل قال عندي أدلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 أولها: قول الله عزّ وجلّ ? هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ ? [المائدة: 95] هدياً نكرة أم معرفة أيها الإخوان؟ هدياً نكرة بالغ الكعبة، بالغ مضاف إلى الكعبة، الكعبة علم وقد أضيف أو على الأقل قل مقترنة بـ ال قد أضيفت بالغ إلى الكعبة لو كانت استفادت التعريف لما جاز أن نصف بها النكرة، هدياً بالغ الكعبة، وصف الهدي هذا بأنه بالغٌ الكعبة، ومع ذلك جاز وقوعه وصفاً لكلمة هدي مع أنها نكرة هذا من الأدلة التي وردت على أن المضاف في الإضافة اللفظية لا يستفيد من المضاف إليه تعريفاً ولا تخصيصا من ذلك، من الشواهد أيضا قول الله عزّ وجلّ ? وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ ?8? ثَانِيَ عِطْفِهِ? [الحج:9] انتبه رحمك الله، ثاني عطفه، ما إعراب ثاني عطفه؟ ثاني هذه حال وهي مضافة إلى عطفه، عطفه هذا معرفة لأنه عطف مضاف إلى الهاء والهاء هذه ضمير فقد اكتسبت عطف المعرفة أو التعريف بسبب الإضافة، ومع ذلك وقعت هذه الكلمة وهي كلمة ثاني وقعت حالاً، فلو كانت اكتسبت التعريف لما جاز، لأننا ذكرنا لكم أن الحال ما تكون معرفة وإنما تكون نكرة، هذا جانب أهمله المصنف رحمه الله، ولم يتحدث عنه، وهو من أكثر الضرورات للحديث عنه في تنويع أو في بيان المضاف أو في بيان الإضافة وتقسيمها إلى كونها إضافة لفظية أو كونها إضافة معنوية أيضاً يا أيها الأحباب قد يكتسب المضاف من المضاف إليه تذكيراً أحياناً وتأنيثاً أحياناً وقد يكتسب غير ذلك، وقد يكتسب التخصيص كما ذكرنا لكم فيما مضى من الأمثلة أما اكتساب المضاف من المضاف إليه، يقول مما استفاد منه المضاف التأنيث من المضاف إليه قراءة من قرأ قول الله عزّ وجلّ ? قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ ? [يوسف:10] قُرأت تلتقطه بعض السيارة، قُرأت تلتقطه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 بعض السيارة كلمة بعض هذه مذكر لكن بسبب إضافاتها إلى كلمة السيارة، وهي مؤنثة، اكتسبت التأنيث فجاز أن يقال تلتقطه بعض السيارة، العكس قد يكتسب المضاف المؤنث التذكير من المضاف إليه ومن ذلك قول الشاعر: إنارة العقل مكسوف بطوع هوى ..... وعقل عاصي الهوى يزداد تنوير فقوله إنارة هنا مؤنث وأضيفت إلى العقل، والعقل مذكر، لما أخبر عنها قال مكسوف فاستفادت كلمة إنارة، التذكير من كلمة العقل بدليل الإخبار عنها بقوله مكسوف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 من المسائل التي لم يذكرها ابن آجروم في باب الإضافة وكان ينبغي ذكرها ما ذكره ابن هشام في قوله الغالب في الأسماء أن تكون صالحة للإضافة والإفراد كغلام وثوب، ولكن بعض الأسماء تمتنع إضافتها الغالب فيها أنه يصلح كل كلمة أو الغالب في الأسماء أنها تصلح للإضافة بعض الأسماء يمتنع أن تضيفها يمتنع أن تجعلها مضافة من هذه الأسماء الضمائر ومنها أسماء الإشارة ومنها الأسماء الموصولة كلها ما عدا كلمة واحدة وهي كلمة أي فإن الأسماء الموصولة لا يجوز إضافتها وأسماء الإشارة لا يجوز إضافتها والضمائر لا يجوز إضافتها أبداً، هذه من الأشياء التي كان يجدر التنبيه بها أو التنبيه إليها، من الأسماء أيضاً ما هو ملازم للإضافة بعضها ملازم الإضافة إلى مفرد وبعضها ملازم الإضافة إلى الجمل وبعضها ملازم الإضافة إلى الضمير، وبعضها ملازم الإضافة إلى الاسم الظاهر وهكذا وبعضها يجوز أن يكون مضافاً لكذا ويكون مضافاً لكذا، مما يلزم الإضافة إلى المفرد ألفاظ يجوز قطعها عن الإضافة وهي مثل كلمة كل وكلمة بعض يمكن يعني هي في الأصل مضافة ولكن أحياناً تقطع عن الإضافة فتنون ويعوض التنوين عن المضاف إليه، منها أسماء ملازمة للإضافة دائماً تكون مضافة وهي كلمة أي، أي هذه لابد أن تكون مضافة ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ? فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ? [الأنعام: 81] أيضاً من الأسماء الملازمة للإضافة ولا يضير أحياناً تضاف إلى ضمير وأحياناً تضاف إلى اسم ظاهر كلمتان هما كلا وكلتا إذا أضيفتا إلى الضمير أعربتا إعراب المثنى وإذا أضيفتا إلى الاسم الظاهر أعربتا إعراب الاسم المكسور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 هناك أسماء أيضاً ملازمة للإضافة إلى الضمير فقط وهي كلمة واحدة، وهي كلمة وحد فلا تستطيع أن تقول وحد محمد مثلاً بل لابد أن تقول إما وحدي أو وحدنا أو وحدكم، أو ما شاكل ذلك كلمة وحد دائماً منصوبة على الحالية ومع أنها دائماً ملازمة للإضافة مع الضمير ومع ذلك تسامحوا فيها فجعلوا إعرابها حالاً مع أنها مضافة إلى معرفة، هذه من المعارف الملازمة للإضافة ولإعرابها حالاً من شواهدها قول الشاعر: أصبحت لا أحمل السلاح ولا ..... أملك رأس البعير إن نفر والذئب أخشاه إن مررت به ...... وحدي وأخشى الرياح والمطر الشاهد في قوله كلمة وحدي. من الأسماء أيضاً يا أيها الأحباب يلزم إضافته إلى الجمل وهي ألفاظ محدودة وهي إذ، وإذا، وحيث، هذه الأسماء الثلاثة لابد أن تكون دائماً مضافة إلى جمل ومن شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ ? [لأنفال: 26] إذ هنا مضافة إلى جملة أنتم قليل، وقال سبحانه وتعالى ? وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً ? [الأعراف: 86] . وأما حيث فمن شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ? [البقرة:149] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 مما يلازم الإضافة إلى الجمل الفعلية التي ذكرناها قبل قليل يجوز إضافتها إلى جمل اسمية أو جمل فعلية لكن الذي أذكره الآن يجب إضافته إلى جمل فعلية فقطن يجب إضافته إلى جمل فعلية وذلك كلمة لما عند من يرى أنها اسم بمعنى حين، إن بعضهم يرى أنها أداه للربط فقط وليست اسماً لكن الذين يرون أنها اسم يرون أنها واجبة الإضافة إلى الجمل الفعلية، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ? فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ ? [النمل: 10] الشاهد عندنا في قوله فلما رآها فقد أضيفت كلمة لما إلى جملة رآها وهذا واجب في إضافتها إلى الجمل لكن عند من يرى أنها ليست حرف للربط وإنما هي اسم فيرون أنها واجبة الإضافة وهناك من يرى أيضاً أن كلمة إذا مما يجب إضافته إلى الجمل الفعلية خاصة والحقيقة أنه بتتبع كلام الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وكلام المعتد به ممن يحتج بشعره وجدنا أن إذا تدخل على الجمل الإسمية كثيراً وانظر إلى أول سورة التكوير على سبيل المثال فإنك ستجد أن ما بعدها جمل اسمية مع أن بعضهم يرى أنها فاعل لفعل محذوف ونحن لسنا بحاجة إلى هذا التقدير ما دام يمكن أننا نعربها مبتدأ وما بعدها خبر لها فلا مانع ومنه أيضاً قول الله عزّ وجلّ ? فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ?8? وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ ?9? وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ?10? وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ? [المرسلات:8-11] كما ترون يا أيها الأحباب كلها هذه جاء بعد كلمة إذا جمل اسمية وهو أولى من اعتبارها اعتبار كل كلمة منها فاعل لفعل محذوف حتى نخص كلمة إذا لأنه يجب دخولها أو يجب إضافتها إلى الجمل الفعلية، هذا أولى عندي والله أعلم بالصواب، ونكتفي بهذا القدر من شرح هذا الكتاب الجليل ونسأل الله عزّ وجلّ أن يكون فيه النفع والفائدة للجميع لمن تكلم ولمن سمع، ولمن يسمع في مستقبل الأيام إنه ولي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 ذلك والقادر عليه قبل ختام هذه الحلقة نفتح المجال للأسئلة سواء في هذا الدرس أو فيما مضى من الدروس وتفضلوا بارك الله فيكم. سأل أحد الطلبة: جزاكم الله خير، سؤال يتعلق بدرس الاستثناء، حيث أنكم بارك الله فيكم لم تذكروا لنا المستثنى بغير وسوى؟ أجاب الشيخ: بارك الله فيكم ربما كان هذا لأني لم أرَ الموضع الذي تحدث فيه ابن آجروم عن غير وسوى وهو قد تحدث عن غير وسوى لكنه غير وسوى أولاً هما اسمان يدلان على الاستثناء. ثانياً هما دائماً يكون ما بعدهما وهو المستثنى مجروراً بالإضافة، مجرور دائماً ما بعد غير وما بعد سوى، والسؤال الآن عن غير وسوى كيف نعربها؟ أما سوى فلا تظهر عليها علامة الإعراب لأنها اسم مقصور فلا يتبين أهي مرفوعة أم منصوبة أم مجرورة فلسنا في مشكلة من كلمة سوى ولكنها في الصحيح تعامل معاملة غير، طيب ما معاملة غير، غير يا أيها الأحباب تعامل بما يستحقه الاسم الواقع بعد إلا فإذا كان الاسم الواقع بعد إلا في المثال الذي فيه كلمة غير يستحق أن يكون منصوباً فانصب كلمة غير إذا كان يستحق أن يكون مرفوعاًَ ارفع مجروراً جر وهكذا، هي تعامل بنفس، وأمثل لكم بعض الأمثلة حتى ينجلي الإشكال إذا قلت قام القوم غير رجل هذا نصب لأن الاستثناء تام موجب ما قام القوم غيرُ الأولى ويجوز أن تقول غيرَ ما ذكرت المستثنى هنا تقول ما قام غيرُ تقول أيضاً ما مررتُ بغيرِ إذا كان الاستثناء مفرغاً وتقول أيضاً ما مررت بأحدٍ غيرِ ويجوز لك مرجوحاً غيرَ لأن الاستثناء تام غير موجب إذا كان الاستثناء فيها منقطعاً يعني ما بعد غير ليس من جنس المستثنى فإنه يجب فيها النصب، فتقول قام الرجال غير امرأة، وما قام الرجال غير امرأة وهكذا ما دام المستثنى أو ما دام الاستثناء منقطعاً فإنك تعامل كلمة غير في غير ما يستحقه الاسم الواقع بعد إلا وأظن هذا واضح، تفضل. سأل أحد الطلبة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ، لما يقولون الجار والمجرور متعلقان بالفعل وما معناها أجاب الشيخ: بارك الله فيك، هذا سؤال كثيراً ما يسأل عنه، الظرف والجار والمجرور يقولون لا يستقلان بأنفسهما بل لابد أن يتعلقا بشيء أحياناً ما يتعلقان به يكون فعلاًُ وهذا هو الغالب، الغالب أن يكون ما يتعلقان به فعلاً وذلك إذا كان معك فعل في الجملة التي ذكرتها، فإنهما ما يتعلقان بالفعل المذكور هذا أحياناً يتعلقان بخبر محذوف كقولك زيد في الدار أحياناً يتعلقان بحال أحياناً يتعلقان بصفة أحياناً يتعلقان بفعل واقع صلة للاسم الموصول لكنهما لا يستقلان بنفسيهما بل لابد أن يكون هناك شيء يتعلقان به وهذا كثيراً ما يسأل عنه فلا لوم عليك في هذا السؤال بل هو سؤال في مكانه، نعم، تفضل. سأل أحد الطلبة: فضيلة الشيخ أفادكم الله ما ضابط التفريق بين لام الاختصاص ولام الاستحقاق ولام الملك؟ أجاب الشيخ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 لام الاستحقاق، ولام الاختصاص ولام الملك هذه أولاً بارك الله فيك وفى السامعين هذه من معاني اللام وحروف الجر أو معظم حروف بل كل حروف الجر لها معان بعضها يعني أصلي لها أو الغالب أن يكون بهذا الأصل وبعضها يكون معناً فرعياً، بعضها يكون معناً فرعياً، فعلى سبيل المثال اللام هذه التي ذكرت يقولون الأصل في اللام أنها للملكية للملك قال الله عزّ وجلّ ? لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ? [البقرة: 284] يعني ملك ما في السماوات والأرض لله أحيانا تكون دالة على الاختصاص، أحياناً تكون دالة على الاستحقاق أحيانا تكون دالة على التعليل أحياناً تكون كذا أحياناً تكون كذا فهذه من المعاني التي تقع لها حروف الجر وقد خص بعض النحويين كتباً ألفوها عن معاني حروف الجر أذكر منها مغني اللبيب عن كتب الأعاريب وهو لابن هشام فقد ذكر فيه معاني حروف الجر أذكر منها كتاب رصف المباني في حروف المعاني وهو كتاب للمالقي أذكر منها أيضاً كتاب الجنى الداني في حروف المعاني، وهذه الكتب كلها يعني كثيراً يعني ذكروا فيها كثيراً من المعاني المتعلقة بالحروف كل حرف على حاله وفيها تفصيلات دقيقة وتفصيلات طيبة، نعم: ما بقي عندكم إذاً ما بقي عندنا إلا أن نقول وبالله التوفيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 قد مرت بنا رحلة ونحن نقرأ في هذا الكتاب وهو كتاب مقدمة ابن آجروم في النحو وهو كتاب مختصر وجيز ولكن الله سبحانه وتعالى هيئ له من يقوم بشرحه على مدى الوقت منذ ألفه صحابه وإلى الآن ونحن من الذين قاموا بشرحه وقاموا بالاستماع إليه ولعل في تتبع الناس لهذا الكتاب وكثرة شرحهم له وعنايتهم به لعل فيه دلالة والله أعلم على نية الرجل كانت خالصة وكانت طيبة وقد قال السيوطي لما تحدث عن صاحب هذا الكتاب وعن تأليفه قال إنه ألفه وهو تجاه الكعبة، ألفه في البيت الحرام، ألف هذا الكتاب الصغير الموجز الذي أرى أنه نافع جداً لاحتوائه على كثير من أبواب النحو، احتواءً جعل هذه المادة ملمومة بشكل كبير جدأً ومستوعب فلم يدع في كثير من الأبواب شيئاً يمكن أن يقال إلا وقاله، صحيح إنه كان يقول هذا الكلام بإيجاز شديد ولكن هذا الإيجاز كان إيجازاً غير مخل في الغالب، ولك ليس النحو هو كلن لم يقل في كتابه هذا كل النحو إنما قال نتفاً من النحو تنفع لعامة الناس تنفع للمبتدأ فيحفظها وتنفع للمتوسط فيتوسع في شرحها وتنفع للمتقدم فيأخذ كتباً أخرى ينظر فيها ما يتعلق بهذه الأمور فينظر في شرحها وما قاله النحويون فيها. فأنا أرجو أن يكون في هذه المقدمة النفع الكثير لمن قرأها ولمن سمعها ولمن شرحها ولم يبقى لنا إلا أن نختم مجالسنا هذه بالدعاء المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك اللهم ونتوب إليك. اللهم اجعل عملنا هذا خالصاً لوجهك الكريم، وتقبله منا إنك أنت السميع العليم واغفر لنا وللسامعين والمشاهدين إنك ولى ذلك والقادر عليه. وصلِّ اللهم وسلم وبارك على من أرسلته رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302