الكتاب: النحو المصفى المؤلف: محمد عيد الناشر: مكتبة الشباب عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- النحو المصفى محمد عيد الكتاب: النحو المصفى المؤلف: محمد عيد الناشر: مكتبة الشباب عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم مقدمة : عاشت صورة هذا الكتاب في عقلي ووجداني زمنا طويلا، وكانت هناك مجموعة أسباب تعاونت جميعًا على هذه المعايشة الطويلة، ثم دفعتْ أخيرا إلى تنفيذه بعد أن هيّأتُ نفسي لأهلية تأليفه، ورسمت خطته التي التزمتها في كل أبوابه وأفكاره، وهذه المقدمة ينبغي أن توضح للقارئ -بإيجاز- الجانبين السابقين من دوافع التأليف والنهج الذي التزمته في تنفيذ هذا المؤلف. من هذه الأسباب أن طول الصحبة لكتب مسائل النحو القديمة -مطولة ومختصرة، نثرا ونظما- تؤكد لدى كل منصف أن هذه الكتب صعبة الفهم على الشّادين في النحو، بل إن بعضها يتعذر استيعابه على الدارسين المتخصصين أنفسهم، وذلك لامتلائها بالحشو والفضول، أو كما يقول ابن مضاء: "بالمماحكات والتخييل" ففيها حشود من المجادلات الذهنية العقيمة وألوان من العلل والعوامل التي يسوغها منطق العقل لا منطق اللغة، يضاف لذلك كله تخريجات مجهدة واستطرادات شتى وفروع من المسائل متفرقة وغير ذلك، مما ينطمس معه وجه النحو الأصيل تحت ركام المزيف الدخيل. لذلك أحسست -بعد طول الصحبة مع هذه المؤلفات- أن هذا الجهد المشكور للنحاة -رحمهم الله- بعضه مفيد للغة، وبعضه طفيلي معوق عن الوصول لما هو مفيد، بل إن هذا الأخير هو الغالب على مطولات النحو من مؤلفات المتأخرين، ورأيت أن الواجب بذل جهد مخلص لتخليص المفيد من الطفيلي المعوق والإبقاء على "نحو اللغة" لا "نحو الصنعة". ومن هذه الأسباب أن تخصصي في الدراسات العليا هيأ لي -بكل ظروفه- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 أن أعايش القضية السابقة في وجهيها الأصيل والدخيل درسًا وتقويمًا وموازنة وكان مجال ذلك كله "منهج النحو العربي" أو بعبارة أخرى: الأسس التي أحكمته وتحكمت فيه، مما كشف لي بطريقة علمية محددة ما كنت أحس به من قبل غائمًا غير محدد، فتعرفت -على قدر جهدي واجتهادي- على مسار التفكير في النحو، وكيف نما وتعقد ثم كان لي من ذلك كله موقف علمي يستند إلى الدراسات اللغوية الحديثة أعانني على فهمه أستاذي العالم الجليل الدكتور "تمام حسان" ولم يكن قوام هذا الموقف النقد فقط، بل النقد والتصحيح، لم يكن قوامه تشخيص الداء وحده، بل تشخيص الداء والدواء جميعا، هذا مع التعاطف التام مع كل ما في كتاب النحو العربي من أصيل صحيح ورفض ما هو طفيلي مزيف. صار الإحساس الغائم إذن حقيقة محددة، وأصبحت الشكوى الممرورة منهجًا مدروسًا، وانتهت مرحلة الرفض الانفعالي المهوّش، وبدأت مرحلة الفهم المتزن المدروس، وخرجت من دخان الظنون والتخمين إلى مناخ أقرب ما يكون إلى التحديد واليقين، فازددت اقتناعا بضرورة تصفية النحو من أوشابه وعلاجه من أوصابه والكشف عن وجهه الصحيح المشرق. وفي أثناء ذلك كنت أعيش التجربة في صورة أخرى غير صورة الكتب القديمة والمنهج، كنت أعيشها مع الدارسين المتخصصين من طلاب اللغة الذين يجأرون بالشكوى كل حين من النحو وصعوباته التي تتمثل في تشتت أفكاره وكزازة عرضه، وتجمد أمثلته، وغرابة شواهده وتهافت الكثير منها، مما يترتب عليه تلقائيا التمزق والتململ والكراهية والشكوى المستمرة، مع أن هؤلاء الحانقين الشاكين هم الذين سيحملون -فيما بعد- أمانة تعليم اللغة للصغار والكبار في العالم العربي ومسئولية الكلمة المكتوبة والمنطوقة في حياتنا الأدبية والعلمية. وفي هذا التصوير السابق للشكوى والتذمر كثير من الحق مع الأسف!! وهو أحد الأسباب التي دفعتني للخروج من الاقتناع الفكري المجرد إلى التصميم العملي على تأليف هذا المكتوب "النحو المصفى" ملتزما في تأليفه النهج التالي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 1- قبل كتابة أي موضوع "كالحال مثلا" أراجع كثيرًا من كتب مسائل النحو القديمة كشروح الألفية ومؤلفات ابن هشام وغيرهما للإحاطة التامة بكل أفكار الباب كما عرضته هذه المصادر الأصيلة. 2- أقوم -بعد ذلك- بتصفية ما لا فائدة فيه وما لا ضرر في تركه كالمجادلات الذهنية والاستطرادات الجانبية والتمارين غير العملية والمسائل المقحمة في غير موضعها وفلسفات العوامل والخلاف حولها والعلل والتعلات والتخريجات الظنية وغير ذلك مما لا يفيد نطقًا وأساء إلى كتاب النحو العربي، وعوق فهمه وأطال نصه، ليبقى بعد ذلك جوهر الموضوع وخطه الواضح الأصيل. ولا حاجة بي إلى القول بأن هذه التصفية تتم في إطار منهج مدروس -وإن كان غير منظور- هو ما أفدته في دراستي العليا للماجستير والدكتوراه، فهي تصفية مضبوطة لا مندفعة، واعية لاعشوائية. وسيجد القارئ في بعض الأحيان هزًّا لبعض المسائل التقليدية ونقضا لها مع ذكر الرأي فيها بعد عرضها في إيجاز شديد كما قررها النحاة -رحمهم الله- وهذا عمل متعمد وراءه منهج علمي مدروس، وهو في الوقت نفسه جانب من جوانب التصفية التي استهدفها هذا الكتاب ومؤلفه. 3- نظمت الأفكار المصفاة للموضوع -كل موضوع- بطريقة تصل إلى الذهن متكاملة، ومن أقرب طريق، وقدمت هذه الأفكار المنظمة ملخصة في سطور قليلة عند بدايته لتقدم للقارئ بنظرة واحدة سريعة ما هو قادم عليه من دراسة الباب كله. 4- عرضت الأفكار -بترتيبها في مقدمة الباب- بأسلوب سهل مساوٍ لا كزازة فيه ولا غموض ولا تزيّد، أسلوب مفهوم معاصر واضح لا يقف أبدًا حاجزا بين القارئ وفهم الأفكار، فلا يضيع منه أيّ جهد في غير الفهم نفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 5- استخدمت أمثلة حديثة "بدل زيد وعمرو" تنمي عقل الدارس وتصقل وجدانه وتزيد خبرته، وتقربه من لغة الحياة المعاصرة وما تعبر عنه من ثقافة وتجارب، بالإضافة إلى مهمتها الأساسية في إفهام القواعد دون تكلف أو صنعة وكثيرًا ما بدأت بتلك الأمثلة بين يدي الأفكار، لتكون وسيلة الاستقراء والاستنتاج، للتخفيف من منهج عرض النحو المعياريّ الجاف. ومع ذلك التزمت -في أثناء عرض الأفكار- ذكر ثروة النحو من الشواهد نثرًا وشعرًا إلا ما تهافت نصه أو أدى إلى مجادلات لا طائل وراءها، وفي بعض الأحيان لا أقتصر على تقديم الشاهد يتيمًا ضائع المعنى، بل أقدمه ضمن مقطوعته التي توضح معناه، وتعطف الدارس إليه. 6- وضعت بعد كل قسم مجموعة من النصوص للتدريب، اخترتها من الأدب العربي القديم نثرًا وشعرًا، ووراء هذا الاختيار مضمونها الراقي إنسانيا واجتماعيا ووضعت بعد كل منها أسئلة لم أقدم حلها، وهذه الأسئلة لتطبيق قواعد القسم الذي جاءت بعده على النص، ليكون حلها وسيلة الفهم والمراجعة والتطبيق. وبعد: فقد يكون الكلام السابق أهون الأشياء إذا مر عليه القارئ مرًّا سريعًا وهو يتجشأ أو يتثاءب، ولكنه -في حقيقة الأمر- أصعب الأشياء إذا ما تصورنا أن خطاه تنقلت عبر أكثر من سبعمائة صفحة هي حجم هذا الكتاب، وأنه جشمني من الجهد والإجهاد ما أهبه خالصا لوجه الله.. والعلم. وإني لأدعو الله أن ينتفع به القارئ قدر ما تعبت فيه!! وأن يتحقق المرجوّ منه بقدر نبل الهدف من تأليفه: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} . القاهرة في 20 أغسطس سنة 1971 محمد عيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 تمهيد لدراسة الجملتين الأسمية والفعلية: الكلمة والكلام : 1- المقصود بالكلمة لدى النحاة، وإطلاقها أحيانًا على الكلام 2- صور الكلمة العربية "الاسم، الفعل، الحرف" معناها، علاماتها 3- المقصود بالكلام لدى النحاة، والفرق بينه وبين الكَلِم 4- صور الكلام العربي وحصرها في الجملتين الاسمية والفعلية معنى الكلمة: البُشْرى، اليُسْر، السُّهولة، العذْب، بَشَّر، يَسَّر، سَهُل، عَذُب، نَعَمْ، أجَلْ، مِنْ، لَيْتَ، لَعَلَّ. كل من الألفاظ السابقة يطلق عليها "كلمة" سواء أكانت اسمًا أم فعلًا أم حرفًا. لكن ينبغي قبل الفهم النظري للمقصود بالكلمة لدى النحاة التعرف على ما يقصد بالكلمات: "اللفظ، القول، المفرد". فاللفظ: هو النطق المشتمل على بعض الحروف سواء أكان هذا المنطوق له معنى أم لم يكن. فالكلمات "نبيه، رائع، المقْتَحِف، التَّرّان" كلها ألفاظ، ومن البيّن أن للأوليين معنى، أما الأخيرتان فلا معنى لهما. والقول: هو النطق الدال على معني فقط، فالكلمتان "نبيه، رائع" قول، أما الكلمتان "المقْتَحِف، التَّرّان" فليستا من القول في شيء. والمفرد: يقصد به هنا ما لا يدل جزؤه على جزء معناه، فمثلا كلمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 "عَذْب" مكونة من حروف ثلاثة هي "ع. ذ. ب" فلو أخذ كل منها مستفردا ما دل على شيء من العذوبة التي تفيدها الكلمة مجتمعة الحروف. وعلى هذا: يمكن فهم التعريفين التاليين للكلمة، وهما يمثلان تحديد الكلمة لدى معظم النحاة. جاء في ابن عقيل: الكلمة هي اللفظ الموضوع لمعنى مفرد. ا. هـ. وجاء في قطر الندى: الكلمة قول مفرد. ا. هـ. وهذان التحديدان متساويان تمامًا؛ لأن "اللفظ الموضوع لمعنى" تساوي تمامًا "القول". والمهم من ذلك كله أن الكلمة -وستتردد كثيرا في دراستنا- تطلق على ما له الصفات التالية مجتمعة: أ- النطق، فدراسة النحو كلها تقوم على النطق فعلا لا على الخط أو غيره من الأمور الدالة. ب- أن يكون هذا النطق دالا على معنى، فلا علاقة لنا إذن بما لا معنى له من الهراء أو الألفاظ المشوهة. ج- المفرد -كما حدد فيما سبق- فإن النطق المركب له موقف آخر سيأتي في الحديث عن الكلام. هذا التحديد السابق هو المعنى المشهور "للكلمة" لغة ونحوا، لكنها قد تستخدم عن طريق المجاز البلاغي دالة على كلام كثير جملة أو عبارة أو قصيدة أو خطبة، فلنتأمل ما يلي: - قول القرآن في حديث عن الكافر: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} 1   1 من الآية 99 من سورة "المؤمنون". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 - قول القرآن: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} 1. - ما روي عن الرسول من قوله: "أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد": ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ ... وكلُّ نعيمٍ لا محالةَ زائلُ2 - ويتردد بيننا كثيرًا قولنا: "بدأ الحفلُ وتوالى الخطباءُ يلقون كلماتِهم". صور الكلمة العربية: الإحْسَان، الجميل، الشُّكر، خيرٌ، محبةٌ، جمالٌ. "أسماء". أحسَنَ، شكَرَ، يُجَامِل، يُواسِي، اصْنَع المعروف. "أفعال". مِنْ، إلَى، في، ليت، لمْ، هلْ. "حروف". الكلمة العربية تأتي في صور ثلاث "اسم، فعل، حرف". جاء في قطر الندى: الدليل على انحصار أنواع الكلمة في هذه الثلاثة "الاستقراء" فإن علماء هذا الفن تتبعوا كلام العرب، فلم يجدوا إلا ثلاثة أنواع، ولو كان ثمَّ نوع رابع لعثروا على شيء منه ا. هـ. فالنظر في الكلام العربي وملاحظته وتصنيفه هو ما يطلق عليه "الاستقراء" والاستقراء هو الأساس الذي أدى إلى معرفة أن الكلمة العربية أنواع   1 من الآية 119 من سورة هود. 2 صحيح مسلم، الجزاء الرابع، كتاب الشعر. ومن البيّن أن حديث الرسول قد أطلق على هذا البيت أنه "كلمة صادقة" لما تضمنه من معنى ديني حكيم خلاصته: أن الله هو الحقيقة الباقية، وكل شيء غيره باطل، وكل نعيم في الحياة زائل. والاستشهاد بالحديث كله -نثرًا وشعرًا- هو إطلاق "الكلمة" على بيت شعري كامل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 ثلاثة اسم وفعل وحرف، وينبغي التعرف على كل من هذه الأنواع الثلاثة تعرفًا كاملًا من ناحيتين: أ- تحديد معناه. ب- علاماته التي يعرف بها. الاسم: يقصد به: ما دلَّ على معنى في نفسه، وليس الزمن جزءًا منه، مثل "محمد، خالد، النَّدى، الزرع، البهجة". والعلامات التي يتميز بها الاسم عن كل من الفعل والحرف خمس هي: 1- الجر: مثل قولنا "عَلَى البَاغِي تدورُ الدَّوائر". 2- التنوين: مثل "قوةٌ خيرٌ من ضعف، وصراحةٌ خيرٌ من نفاق". 3- النداء: مثل "يا محمد، يا خالد" ومن ذلك قول القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} 1 وقوله: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ} 2. 4- أل: كما جاء في قول المتنبي: الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني ... والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ3 5- الإسناد للاسم: بمعنى أن يكون الاسم متحدثًا عنه، بأن يكون مثلا مبتدأ وله خبر يتحدث عنه به، أو أن يكون فاعلا أو نائب فاعل   1 من الآية الأولى من سورة "التحريم". 2 من الآية 48 من سورة "هود". 3 هذا البيت لأبي الطيب المتنبي، وليس شاهدًا من شواهد النحو؛ لأن المتنبي -فيما يراه النحاة- لا يستشهد بشعره، وإنما ذكر للتمثيل به فقط حيث ضم البيت سبع كلمات بها علامة الاسم "أل" وهي "الخيل، الليل، البيداء، السيف، الرمح، القرطاس، القلم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 ويتحدث عنه بالفعل، كقولنا "أخذتُ موضعي بين شَبابِ الوطنِ فنحن جميعًا مسئولون عن مستقبله" فالتاء في "أخذتُ" اسم، دل على ذلك إسناد الفعل "أخذ" إليها، والضمير "نحن" اسم، دل على ذلك أيضًا الإسناد إليه، حيث أكمله الخبر "مسئولون". يقول ابن هشام: وهذه العلامة هي أنفع علامات الاسم، وبها تعرف اسميَّة "ما" في قوله تعالى: {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ} 1، {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} 2 ألا ترى أنها قد أسند إليها "الأخيرية" في الآية الأولى، و"النفاد" في الآية الثانية، و"البقاء" في الآية الثانية، فلهذا حكم بأنها فيهن اسم موصول ا. هـ. تلك علامات الأسماء، وينبغي التنبه للملاحظتين الآتيتين: الأولى: أنه ليس من اللازم أن تكون هذه العلامات أو واحدة منها موجودة فعلا في الاسم، بل المقصود أنه بالإمكان قبولها وإن لم توجد فيه بمعنى أن الاسم يمكن أن يقبلها أو واحدة منها وإن لم توجد فيه. الثانية: لا يعني ذكر هذه العلامات الخمس أنه لا بد لكل اسم أن يقبلها جميعًا، ولكن يكفي أن يقبل واحدة منها فقط، ليعلم أنه اسم، فبعض الأسماء يقبل العلامات الخمس، مثل كلمة "رجل" وبعضها الآخر يقبل أربعا منها مثل "محمد" فإنه لا تدخل عليه "أل"، وبعضها الآخر يقبل واحدة فقط مثل بعض "الضمائر" فإنها لا تقبل إلا الإسناد، تقول "ظُلِمْتُ وأنتَ شاهِدٌ".   1 من الآية 11 من سورة الجمعة. 2 من الآية 96 من سورة النحل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وخلاصة الأمر في ذلك أنه يكفي في تمييز الاسم مجرد قبول علامة من العلامات، كما أنه يكفي من ذلك علامة واحدة فأكثر. الفعل: يقصد به: ما دل على معنى في نفسه والزمن جزء منه، مثل: "ثَابَرَ، تَفَوَّقَ، يُثَابِرُ، يَتَفَوَّقُ، ثَابِرْ، تَفَوَّقْ". والفعل يأتي في ثلاث صور هي: "الماضي، المضارع، الأمر" ولكل منها علامة تميزه. فالماضي: علامته أحد أمرين: 1- قبول تاء التأنيث الساكنة -وهي حرف- مثل: "من حقّ الأمّ التكريمُ والاحترامُ، فقد حملتْ ابنَها وغَذَّتْه ومنحتْه العطفَ والرعاية". 2- تاء الفاعل -وهي اسم ضمير- سواء أكانت للمتكلم أم المخاطب تقول "أخلصتُ إليك فرَعيتَ إخلاصي ووفيتُ لك فاحترمتَ وفائي". المضارع: علامته مجموع أمرين: 1- قبول الحرف "لمْ" في أوله، كقول القرآن: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} 1. 2- أن يكون مبدوءًا بحرف من أربعة: "الهمزة، النون، الياء، التاء". وهي ما يطلق عليها حروف "أَنَيْتُ"، وتسمى أيضًا "أحرف المضارعة" وهذه الحروف يبدأ بها المضارع، فتجيء مضمومة إذا كان عدد أحرف الماضى أربعة أحرف، مثل: "أُجاهد، أُقْدم، نُحرّر" وتكون مفتوحة فيما عدا ذلك مثل "تَهدِي، يَنْصَح، يَرْتَقِي، يَنْتَصِر، يَستمع".   1 الآية 3، 4 من سورة "الإخلاص". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 والأمر: علامته مجموع أمرين: 1- أن يدل على الطلب: بأن يكون معناه موجها للمخاطب يطالبه بفعل شيء ما، مثل "عامِل النَّاس بما تُحِبُّ أنْ يُعاملوك به" ومثل "استفْتِ قلبَك ولو أفتاك المُفْتُون". 2- أن يقبل ياء المخاطبة، فالفعلان السابقان "عَامِلْ، استفْتِ" يمكن إسنادهما إلى ياء المخاطبة، كقول الطبيب مخاطبا إحدى الممرضات: "عامِلِي المرْضى برفْق، وخُذي رأيي قبل تنفيذِ العلاج" الحرف: هو ما لا يظهر معناه في نفسه، بل مع غيره. فالحروف "الواو، الفاء، لا، بلْ، ليت، لعلَّ" لا يظهر معناها ولا يتضح إلا إذا انضم إليها غيرها من الأسماء والأفعال في الجمل، كأن تقول مثلا "ظهر الحقُّ والباطلُ فاتَّبعتُ الأوّل لا الأخيرَ". وعلامة الحرف التي يتميز بها عن الاسم والفعل أنه لا يقبل شيئًا من علامات الأسماء ولا الأفعال، فالحرف "بلْ" مثلا -من حروف العطف- لا يتصور معه تنوين أو جر أو غيرهما من علامات الأسماء، كذلك لا يتصور معه تاء التأنيث أو تاء الفاعل أو "لمْ" أو ياء المخاطبة من علامات الأفعال. هذا.. وفي نهاية هذا الموضوع ينبغي معرفة عدة أمور جانبية تتفرع على ما سبق من معرفة الأسماء والأفعال والحروف وهي: أولا: من شعر الفرزدق يهجو أعرابيًّا من "بني عذرة" قدَّم إليه عبد الملك بن مروان الشعراء الثلاثة "جريرًا والفرزدق والأخطل"، ففضل جريرا على صاحبيه، قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 يا أَرْغَمَ اللهُ أنفًا أنت حامِلُه ... يا ذا الخنَى ومقالِ الزُّورِ والخَطَلِ ما أنتَ بالحكَم الترْضَى حكومَتُه ... ولا الأصيلِ ولا ذي الرّأيِ والجدلِ8 ففي البيت الأول دخل حرف النداء على الفعل في "يا أرغم" وهي من علامات الأسماء، والرأي أن المنادى اسم محذوف، والتقدير "يا هذا أرغم الله" أو أن "يا" حرف للتنبيه لا للنداء، ومثل ذلك أيضا قول القرآن: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} 2، وقول الرسول: "يا رُبَّ كاسيةٍ في الدُّنيا عاريةٌ يوم القيامة" حيث دخلت "يا" في الآية على الحرف "ليت" وفي الحديث على الحرف "رُبّ". وفي البيت الثاني دخلت "أل" على الفعل في "التُرضَى"، وهي من علامات الأسماء. وقد علق ابن هشام على هذا البيت الثاني بقوله: ذلك ضرورة قبيحة، وإن استعمال مثل ذلك في النثر خطأ بإجماع ا. هـ.   1 أرغم الله أنفا: الرغام هو التراب، ومعنى العبارة: عفر أنفه بالتراب والمقصود: الإذلال والإهانة. الخنى: الفحش. الخطل: سوء الرأي. الجدل: قوة الحجة في المناقشة. ومعنى البيتين: إنك ذليل مهان فاحش، كلامك زور ورأيك فاسد، فلست كفئا للحكم بين الناس، فلا أنت شريف، ولا ذو رأي سليم أو حجة مقبولة. والشاهد في البيتين: دخول بعض علامات الأسماء على الأفعال، إذ دخل حرف النداء "يا" على الفعل "أرغم" ودخلت "أل" على "ترضى". والرد على ذلك أن "يا" لم تدخل على الفعل، بل دخلت على منادى محذوف وهو اسم، أو هي للتنبيه لا النداء، وأما دخول "أل" على الفعل فهو -كما قال ابن هشام- ضرورة قبيحة. 2 من الآية 26 من سورة "يس". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 ثانيا: دخلت تاء التأنيث على حروف ثلاثة هي "رُبَّ، ثُمَّ، لا" فجاء في نصوص فصيحة قولهم "رُبَّتَ، ثُمَّتَ، لاتَ" والتاء علامة للفعل الماضي. والرأي أن هذه التاء -كما ترى- محركة، بخلاف ما إذا جاءت مع الفعل فإنها تكون ساكنة، وهذه التاء -مع هذه الحروف- لا تفيد التأنيث الحقيقي، بل هي لتأنيث اللفظ فقط، بمعنى أنها تدل على أن لفظ هذه الحروف مؤنث دون أن تفيد معنى التأنيث بوجود شيء مؤنث. ثالثا: الكلمات "لَيْسَ، عَسَى، نِعْمَ، بِئْسَ" أفعال ماضية -في أحسن الآراء- إذ تقبل علامة الماضي وهي تاء التأنيث، تقول: "ليستْ الآمالُ قريبةً، لكن عستْ أن تتحقَّق" وتقول "نعمت الأخلاقُ الفضائل وبئست الانحرافاتُ الرَّذائلُ" ومن ذلك قول الشاعر: نعمتْ جزاء المتَّقين الجنَّة ... دارُ الأمانِي والمُنَى والمِنَّة1 رابعا: الكلمتان "هاتِ، تعالَ" من أفعال الأمر -في أحسن الآراء- إذ تقبلان علامة فعل الأمر وهي الدلالة على الطلب مع قبول ياء المخاطبة، وتقول الطالبة لزميلتها "تَعَالَيْ إليَّ اليومَ وهاتِي معكِ المحاضراتِ والمراجع".   1 الأمانيّ: جمع أمنيّة -بتشديد الياء فيهما- والأمنية والمنى بمعنى واحد هو الرغبة الشديدة. المنة: العطية والهبة، فالجنة موضع الرغبة من الناس، وهي هبة من الله للناس. وفي البيت دليل على أن كلمة "نعم" فعل ماضٍ لقبولها تاء التأنيث الساكنة في "نعمت". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 ومن ذلك قول امرئ القيس: إذا قلتُ هاتِي نَوِّليني تمايَلَتْ ... عليَّ هَضِيمَ الكَشْحِ رِيَّا المخلخل1 قال ابن هشام: والعامة تقول: "تعالِي" بكسر اللام، وعليه قول بعض المحدثين: "أبو فِرَاس يخاطب حمامة": أيا جارتَا ما أنصفَ الدَّهرُ بيننا ... تعالِي أقاسِمْك الهمومَ تعالِي2 والصواب الفتح، كما يقال: "اخْشَيْ واسعيْ" ا. هـ. معنى الكلام: لاحظ الأمثلة الآتية: الغِنى عفَّةُ النَّفس عما في أيدي الناس كلام   1 هضيم الكشح: نحيلة الخصر. ريا المخلخل: ممتلئة الساقين. الشاهد في البيت: أن كلمة "هات" فعل أمر، إذ دلت على الطلب وقبلت ياء المخاطبة، فاستخدمها الشاعر "هاتي". 2 ورد هذا البيت ضمن مقطوعة شعرية لأبي فراس الحمداني، أولها قوله: أقول وقد ناحت بقربي حمامة ... أيا جارتا لو تعلمين بحالي وأبو فراس -في رأي النحاة- لا يحتج بشعره، وإنما جاء البيت للتمثيل به فقط، وموضع التمثيل: أن ابن هشام يرى أن أبا فراس قد استخدم نطق العامة إذ جاء بالفعل "تعالي" مكسور اللام حين إسناده لياء المخاطبة. والذي أراه أن أبا فراس لم يستخدم لغة العامة، وإنما كسرت اللام في الكلمة الأولى بتحريف الرواية، وفي الكلمة الأخيرة من أجل القافية، إذ إن اللام فيها مكسورة. هذا. وقد نقل عن أهل الحجاز أنهم ينطقون اللام مكسورة في هذا الفعل حين إسناده لياء المخاطبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 إذا استغنيت عما في أيدي الناس فأنت أغنى الناس. "كلام". إذا تطلعت لما في أيدى الناس ..... "كلام". ينبغي أن نتذكر مرة أخرى هنا ما قلناه تمهيدًا لمعرفة "الكلمة" عن "اللفظ، القول" من أن "اللفظ" هو النطق المشتمل على بعض الحروف سواء أكان له معنى أم لم يكن، وأن "القول" هو النطق الدال على معنى فقط فلنصطحب مفهوم هاتين الكلمتين ابتداء قبل تحديد المقصود من الكلام. جاء في ابن عقيل: الكلام المصطلح عليه عند النحاة عبارة عن "اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها" ا. هـ. وجاء في شذور الذهب "الكلام: قول مفيد" ا. هـ. ومن البيّن أن هذين التعريفين متساويان تمامًا، فإن "اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها" في الأول تساوي تمامًا "القول المفيد" في الثاني وتوضيح الأمر في ذلك أن "الكلام" في عرف النحاة هو ما توافرت له الصفات الآتية مجتمعة: 1- النطق: لأن النطق هو أساس دراسة النحو، فلا شأن للنحو إذن بالكلام النفسي الذى يدور في خواطر الإنسان دون أن تنطقه الشفاه فعلا كما قال الأخطل: إن الكلامَ لَفِي الفؤاد وإنَّما ... جُعِل اللِّسان على الفؤاد دليلًا1 فالنحو لا شأن له بكلام الفؤاد، وإنما يوجه همَّه لما نطقه اللسان فقط   1 تضمن بيت الأخطل إطلاق الكلام على ما يتصوره الإنسان في نفسه من المعاني، وأن اللسان ترجمان النفس. ولا شأن للنحو بكلام النفس، وإنما شأنه بما نطق به اللسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 كما أنه لا شأن للنحو بالكلام الذي يفهم من الخط وحده دون أن ينطق وهو ما يفهم من النظر بالعين دون نطق اللسان، كقول العرب "القلمُ أحدُ اللِّسانين" وتسميتنا ما في المصحف "كلام الله". كما أنه لا شأن للنحو أيضًا بالكلام الذي يفهم من الإشارة، أي بحركات العين أو اليدين أو الرأس أو غيرهما من أجزاء الجسم، وكذلك إضاءة علامات المرور باللون الأحمر أو الأخضر، فكل ذلك وإن كان يشير إلى كلام يفهم منه، كما قال عمر بن أبي ربيعة: أشارتْ بطرْف العينِ خيفةَ أهلها ... إشارةَ محزونٍ ولمْ تَتَكَلَّمِ1 فأيقنتُ أن الطَّرْفَ قد قال مرحبًا ... وأهلا وسهلًا بالحبيبِ المُتَيَّم لكنه كلام غير منطوق، ولذلك لا يدخل في الكلام الذي يعترف به النحو. كما أنه لا شأن للنحو بالكلام الذي تدل عليه الحال، وفي الدلالة التي تفهم من المشهد دون نطق، كأن تنظر إلى مستشفى فتعرف أن "هنا مرضى" أو أن تمر على الجامعة، فتدلك على أن "حضارة الأمة تصنع هنا" وكما قال نصيب بن رباح يمدح سليمان بن عبد الملك: فعاجُوا فأثْنَوا بالذي أنت أهلُه ... ولو سكتوا أثنتْ عليك الحقائب2   1 تضمن البيتان إشارة بطرف العين دون نطق، وقد فهم من هذه الإشارة -كما قال ابن أبي ربيعة- مرحبا وأهلا وسهلا. لكن هذا الفهم من الإشارة لا يعتد به في الكلام المصطلح عليه لدى النحاة لأنه ليس نطقا. 2 عاجوا: انعطفوا ومالوا، أثنوا: الثناء: ذكر الخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 "فثناء الحقائب" دلالة حال، لكنه ليس نطقا، فهو خارج عن مصطلح النحو في الكلام. ب- أن يكون لهذا المنطوق معنى يفهم منه، فلا شأن لنا بالهراء اللغوي الذي لا معنى له. ج- أن يكون هذا المنطوق مفيدا فائدة يحسن السكوت عليها، وذلك أن يتم بها معنى متكامل يتكون منه ومن أمثاله الفكرة أو الموضوع الذي يريد المتكلم نقله إلى السامع. وبهذه الصفة الأخيرة يفرق بين الكلام وما يسمى "الكلم" -بفتح الكاف وكسر اللام- فإن هذا الأخير يطلق على ما تكون من ثلاث كلمات فأكثر، أفاد أم لم يفد، فلنتأمل الآتي: - قولنا "الصحافةُ لسانُ الأمة" كلام، وهو في الوقت نفسه كلم. - قولنا "الصحافة رسالة" كلام، لكن ليس كلمًا، لنقصه عن ثلاث كلمات. - قولنا "إذا تحررت الصحافة" كلم، لكنه غير كلام لأنه غير مفيد، ولا شأن للنحو بدراسة "الكلم" وإنما شأنه أن يدرس "الكلام" سواء صح أن يطلق عليه أنه "كلم" أم لا. صور الكلام: ورد في بعض كتب النحو تقسيم الكلام إلى "خبر، إنشاء" فالأول مثل قولنا "صدرت الصحفُ اليومَ وهي تحملُ أنباء مثيرة" والثاني مثل "هل نشرت الصحف الخبر اليوم؟! ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 والحق أن هذا التقسيم بلاغي لا شأن للنحو به، وإنما هو من اهتمام دارسي الأدب، أما الصور التي يتكون منها الكلام -كما فهم فيما سبق- فإنها تنحصر في أمرين: الجملة الاسمية: وهي ما تكونت من اسمين أسند أحدهما للآخر لإفادة المعنى، مثل "العلمُ حضارةٌ، والجهلُ تخلفٌ". الجملة الفعلية: وهي ما تكونت من فعل واسم بحيث يتم بهما المعنى مثل "يصنعُ العلماءُ حضارة الأمة ويُعَوِّقُ الجُهَّالُ تقدمها". هذا، ويتفرع على هذين الركنين الأساسيين للكلام صور كثيرة بدخول الحروف معهما، وكذلك في اختلاف الأسماء بين الجامدة والمشتقة وأيضا في اختلاف صور الأفعال بين الماضي والمضارع والأمر، وأيضا في وجود الفضلات -كالمفعول به وأمثاله- مع هذه الجمل، وأيضا دخول حروف الشرط -الجازمة وغير الجازمة- عليهما. ومن أجل ذلك كله يمكن أن يتصور أن صور الكلام الذي تنطق به العربية لا يكاد يحيط به الحصر، وإن كان الأمر كله يرجع إلى الجملتين الاسمية والفعلية. وخلاصة هذا الموضوع كله ونتيجته تتلخصان في الآتي: أ- وحدة الجملة العربية هي "الكلمة" بمفهومها السابق تحديده. ب- وحدة اللغة العربية هي "الكلام" بمفهومه السابق تحديده أو بعبارة أقرب: الجملتان الاسمية والفعلية. ج- موضوع دراسة النحو العربي هو الجملتان الاسمية والفعلية وما يتعلق بكلتا الجملتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الإعراب والبناء الإعراب مدخل ... الإعراب والبناء: أولا: الإعراب تمهيد: يحدد معنى الإعراب عبارة واحدة هي: "أثر ظاهر أو مقدَّر يجليه العامل في آخر الكلمة" ا. هـ قطر الندى. يقول شوقي: وللحرِّيَّةِ الحمراءِ بابٌ ... بكلّ يدٍ مضرّجةٍ يُدَقُّ فكلمات هذا البيت جميعا "الحرّيّة، الحمراء، كل، يد، مضرجة، يُدق" معربة، والإعراب في آخر الكلمات "الحريةِ، الحمراءِ، كلِّ، يدٍ، مضرجةٍ" -كما وردت في البيت- هو الكسرة التي هي شكل آخرها أما الإعراب في آخر الكلمتين "باب، يدق" -كما وردتا في البيت أيضا- فهو الضمة، والأولى اسم، والثانية فعل مضارع ... وينبغي قبل دراسة ما يتعلق بهذا الباب عرض التعليقات الآتية حول التعريف السابق: أولا: أن الإعراب يقصد به شكل أواخر الكلمات فقط، فهو في قول "شوقي" السابق ضمة الباء في "بابٌ" وضمة القاف في "يدقُّ" وكسر التاء في كلمة "الحريةِ" والهمزة في "الحمراءِ" واللام في "كلِّ" والدال في "يدٍ" والتاء في "مضرجةٍ" أما بقية حروف الكلمة -غير الآخر- مما يطلق عليه علميًّا اسم "بقية الكلمة" فلا شأن للنحو بالبحث فيه، وإنما هو من اختصاص علم آخر هو "علم الصرف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 ثانيا: الإعراب لا يتحقق إلا في جملة كاملة، فشكل أواخر الكلمات -الإعراب- لا يتحدد إلا بدخولها ضمن "الكلام" كما سبق تحديده، فالكلمات المفردة وحدها لا يعرف إن كانت معربة أو مبنية إلا بتصور دخولها في جملة مفيدة، وحيئنذٍ تأخذ وظيفة نحوية "مبتدأ، خبر، فاعل، مفعول.. إلخ" فيظهر عليها الشكل الذي هو الإعراب معبّرا عن هذه الوظيفة. وهذا يفسر لنا جانبا من اهتمام النحو بدراسة كيفية تأليف الجملة العربية اسمية أم فعلية. ثالثا: يترتب على الأمر السابق مباشرة أن نعرف أن الكلمة المعربة هي الكلمة التي تدخل جملا مختلفة، وحين تتغير وظيفتها النحوية من جملة لأخرى يتغير شكل آخرها أيضا، ومثال ذلك كلمة "الحرية" فهي كلمة معربة يدل على ذلك وضعها في الجمل الثلاث الآتية: الحرِّيَّةُ أثمنُ شيءٍ في الحياة. تعشقُ النفوسُ العاليةُ الحريةَ وتموتُ من أجلها راضيةً. فقد الحريةِ يساوي فُقدَانَ الحياةِ. فالكلمة في الجملة الأولى مبتدأ، وهي مُشَكَّلَةٌ بالضمة، وحين تغيرت وظيفتها في الجملة الثانية فصارت "مفعولا به" شكلت بالفتحة، وحين تغيرت وظيفتها في الجملة الثالثة فصارت "مضافة إليه" شكلت بالكسرة، هذه الكلمة "الحرية" معربة بتغير وظيفتها في الجمل المختلفة. رابعا: إن الإعراب -فيما يرى النحاة- أثر لعامل يجلبه في آخر الكلمة من فعل أو غيره، والحق أن العامل موضوع ذهني شائك لا داعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 مطلقا للإكثار فيه، وينبغي الاقتصار على القدر الضروري منه وفي أضيق الحدود، ويجب الانصراف عما دار حوله من مناقشات مجهدة لا طائل وراءها. خامسا: الدراسة للإعراب تتكون من جوانب ثلاثة هي: 1- ألقاب الإعراب وتوزيعها بين المعرب من الأسماء والأفعال. 2- الإعراب الأصلي والفرعي. 3- الإعراب الظاهر والمقدر. وسنتناول كل واحد من هذه الثلاثة بالشرح المفصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 أنواع الإعراب: لاحظ الأمثلة الآتية: أنواع الإعراب أربعة هي: 1- الرفع: ويوصف به الاسم المعرب والفعل المضارع المعرب، وذلك إذا أخذ كل منهما في الجملة وظيفة نحوية من وظائف الرفع كالمبتدأ أو الخبر أو الفاعل أو اسم كان للاسم، وكذلك تجرد الفعل من الناصب والجازم، تقول "يعرفُ العقلاءُ وهم صامتون ويتحدثُ الحمقى وهم جاهلون". 2- النصب: ويوصف به أيضا الاسم المعرب والفعل المضارع المعرب وذلك أيضا إذا أخذ كل منهما في الجملة وظائف النصب كالمفعول به أو الظرف أو الحال بالنسبة للاسم، وكذلك إذا وقع الفعل المضارع بعد أداة من أدوات النصب، قال القرآن: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ} 1 فكلمة "يُضلُّ"   1 من الآية 115 من سورة التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 فعل مضارع منصوب بعد لام الجحود، وكلمة "قوما" اسم منصوب مفعول به وكلمة "بعد" اسم منصوب ظرف مكان. 3- الجر: ويوصف به الاسم المعرب فقط، فالجر من خصائص الأسماء وإنما يكون الاسم مجرورًا إذا جاء في جملته في إحدى وظائف الجر، وذلك بعد حرف من حروف الجر، أو وقع "مضافًا إليه" بعد اسم آخر، كقول الرسول: "مِنْ حُسْنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيه" فكلمة "حُسنِ" مجرورة بالحرف "من" وكلمة "إسلام" مجرورة "مضاف إليه" لكلمة "حسن" وكلمة "المرء" مجرورة أيضا "مضاف إليه" لكلمة "إسلام". 4- الجزم: ويوصف به الفعل المضارع المعرب فقط، إذا جاء في موضع للجزم بعد حروفه أو بعد أدوات الشرط التي تجزمه، كقول القرآن: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} 1. والخلاصة أن ألقاب الإعراب أربعة، رفع ونصب ويوصف بهما الاسم المعرب والفعل المضارع المعرب، وجر ويكون في الاسم المعرب فقط، وجزم ويكون في الفعل المضارع المعرب فقط.   1 الآية 3 من سورة الإخلاص. إعراب الآية: {لَمْ يَلِدْ} لَمْ: حرف نفي وجزم وقلب، يَلِدْ: فعل مضارع مجزوم بالحرف "لَمْ" وعلامة جزمه السكون، والفاعل ضمير مستتر تقديره "هو" يعود على "الله" السابق ذكره في السورة. {وَلَمْ يُولَدْ} الواو: حرف عطف، لَمْ: حرف نفي وجزم وقلب، يُولَدْ: فعل مضارع مجزوم بالحرف "لم" وعلامة جزمه السكون، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره "هو" يعود على "الله"، والجملة "لم يولد" معطوفة على جملة "لَمْ يَلِدْ" بالواو. {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} الواو: حرف عطف، لَمْ: حرف نفي وجزم وقلب، يَكُنْ: فعل مضارع ناسخ يرفع المبتدأ وينصب الخبر مجزوم بالحرف "لَمْ" وعلامة جزمه السكون، له: جار ومجرور متعلق بكلمة "كُفُوًا" الآتي بعده، كُفُواً: خبر "يَكُنْ" مؤخر مرفوع بالضمة، وجملة: {لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} معطوفة بالواو على الجملة السابقة عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 الإعراب الأصلي والفرعي: كان الرسولُ عظيمًا في رِضاهُ وغضبِه. يتسامحُ في أذاه، لكن من أخلاقِهِ أن يغضبَ لمحارمِ الله. ولم يؤثرْغيرُ ذلك من حياتِه الشَّريفة. فسلوكُه قدوةٌ للمهتدين يستمدون منه الهُدَى. سبق أن الإعراب هو الشكل الذي يكون في آخر الكلمات المعربة من الأسماء والأفعال، إذ تأتي في مواضع الإعراب الأربعة: الرفع والنصب والجر والجزم. هذا الشكل يكون أصليًّا كما يكون فرعيًّا، وكل من الأصلي والفرعي -فيما أرى- مجرد مصطلحين دراسيين في النحو لحصر الشكل الذي يرد في آخر الكلمات المعربة دون أن يعني ما يتبادر إلى الذهن من هذه التسمية فلم يكن أحدهما أصلا للآخر في استعمال اللغة على الإطلاق. فالإعراب الأصلي مظاهره أربعة هي: 1- الضمة للرفع -في الأسماء والأفعال- كما هو واضح في الأمثلة السابقة في الكلمات "الرسول، يتسامح، غير، سلوك، قدوة". 2- الفتحة للنصب -في الأسماء والأفعال- كما هو واضح في الأمثلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 السابقة في الكلمات "عظيما، يغضب، الهدَى" والكلمة الأخيرة منصوبة بفتحة مقدرة على آخرها كما سيأتي شرح الإعراب المقدر فيما بعد. 3- الكسرة للجر -في الأسماء فقط- كما وردت في الأمثلة في الكلمات "رِضَى، غضَب، أخلاق، محارم، الله، حياة، الشريفة" والكلمة الأولى مجرورة بكسرة مقدرة. 4- السكون للجزم -في الأفعال فقط- كما هو واضح في الأمثلة في جزم الفعل "يؤثر" بعد الحرف "لم". وخلاصة الأمر أن علامات الإعراب الأصلية هي الضمة للرفع والفتحة للنصب والكسرة للجر والسكون للجزم! الإعراب الفرعي: يقصد به ما لم يكن واحدا من الأربعة السابقة فهو ما جاء شكلا في آخر الكلمات المعربة في حالة الرفع غير الضمة، وفي حالة النصب غير الفتحة، وفي حالة الجر غير الكسرة، وفي حالة الجزم غير السكون، فكلمة "المهتدين" -في الأمثلة السابقة- مجرورة بالياء لا بالكسرة أو بعبارة أخرى مجرورة بالياء نيابة عن الكسرة، وكلمة "يستمدون" في الأمثلة مرفوعة بثبوت النون، أو بعبارة أخرى مرفوعة بثبوت النون نيابة عن الضمة، وهكذا. هذا، والأبواب التي فيها الإعراب الفرعي سبعة، إجمالها في الجدول الآتي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 هذه هي الأبواب السبعة إجمالا، وإليك الحديث عن كل واحد منها تفصيلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الأسماء الستة: 1- الأسماء الستة وإعرابها 2- عددها، خمسة أو ستة، من استعمال العرب لها 3- الصفات العامة لإعرابها بالحروف 4- الصفات الخاصة بكل من الكلمتين "ذو، فم" الأسماء الستة وإعرابها: هذه الأسماء هي: "أب، أخ، حم، فم، ذو، هن"، ويقصد بكلمة "حم" -كما جاء في قطر الندى- أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وابن عمه، على أنه ربما أطلق على أقارب الزوجة. ا. هـ. وعلى هذا فالأكثر في اللغة أن يقال: "حموها" والقليل في اللغة أن يقال: "حموه" وأما كلمة "هن" فهي كناية عما يستقبح ذكره، أو هي كناية عن العورة في الرجل والمرأة. هذه الأسماء السابقة ترفع بالواو نيابة عن الضمة، وتنصب بالألف نيابة عن الفتحة، وتجر بالياء نيابة عن الكسرة، نقول: "أخوك رِحمُكَ وقوتُك فهو جديرٌ بعطفِك ونُصرتك"، وتقول: "فقد الرّسول أباه وهو في بطن أمه فاستقبل الحياة يتيما"، وتقول: "لا تسخرْ مِنْ ذي الحاجة فربَّما احتجْت يوما مثلَه". فكلمة "أخوك" في المثال الأول مبتدأ مرفوع بالواو، وكلمة "أباك" في المثال الثاني مفعول به منصوب بالألف، وكلمة "ذي الحاجة" في المثال الثالث مجرورة بحرف الجر "من" وعلامة الجر الياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 عددها من استعمال العرب لها: يصف بعض المعربين هذه الأسماء بأنها "ستة" ويصفها آخرون بأنها "خمسة" وكلا الفريقين مصيب في وصفه، فما حقيقة الأمر في هذا الموضوع وما أساسه العلمي؟ ينبغي أن يعلم -باختصار شديد- أن العرب الفصحاء الذين اعتمد عليهم النحاة في وضع القواعد لم يكونوا قبيلة واحدة متحدة النطق دائما وإنما كانوا مجموعة من القبائل المختلفة النطق أحيانا في المسلك اللغوي الواحد، مما يترتب عليه في دراسة النحو وجود آراء مختلفة -حول المسألة الواحدة- وكل رأي يعتمد على نطق عربي فصيح لإحدى القبائل الموثَّقة. وخير مثال للفكرة السابقة هذه الأسماء التي معنا، فقد ورد فيها عن العرب الفصحاء الاستعمالات الثلاثة الآتية: الأول: الاستعمال المشهور "لغة التمام". وهو إعرابها بالحروف، حيث تستعمل في حالة الرفع بالواو، وفي حالة النصب بالألف، وفي حالة الجر بالياء، وإنما سميت "لغة التمام" لأن كلمة "أب" على حرفين فقط، والأسماء المعربة في اللغة تبدأ بثلاثة أحرف، فإذا انضم إلى هذين الحرفين الواو أو الألف أو الياء في الإعراب فقد تمت الكلمة وكملت بهذه الحروف، ويستعمل هذا الاستعمال ستة أسماء هي التي سبقت معرفتها في أول هذا الموضوع. الثاني: لغة القصر ويكون بإلزامها الألف دائما رفعًا ونصبًا وجرًّا، فهي اسم مقصور تقدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 عليه الحركات الثلاث -كما سيعلم في إعراب المقصور- مثلها في ذلك مثل الكلمات "هُدَى، مصطفَى، مَرْمَى" ومن ذلك قول الراجز مما هو منسوب لرؤبة بن العجاج: إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها1 ومن أمثال العرب "مُكْره أخاك لا بطل"2 والذي يستعمل هذا الاستعمال كلمات ثلاث هي "أب، أخ، حم". الثالث: لغة النقص ويكون باستعمالها على حرفين فقط: فهي ناقصة عن ثلاثة أحرف، وهذا أقل عدد للكلمات العربية المعربة، وحينئذٍ تعرب بالعلامات الأصلية، فتشكل بالضمة رفعا والفتحة نصبا والكسرة جرا، ومن ذلك قول القرآن   1 الشاهد في هذا البيت في الشطر الأول "إن أباها وأبا أباها" بتكرار كلمة "أبا" ثلاث مرات ملتزمة الألف، وهي أولا في وظيفة النصب، لأنها اسم "إن" والثانية في وظيفة نصب أيضا، لأنها معطوفة عليها، والثالثة في وظيفة الجر، لأنها مضاف إليه، وقد التزمت جميعا الألف، وهذه لغة بعض العرب في استعمال بعض الأسماء الستة. 2 مثل يضرب لمن يقوم بعمل عظيم حتمت عليه الظروف القيام به لا بطولة حقيقية. ويستدل به على إلزام بعض الأسماء الستة الألف، فكلمة "أخاك" في وظيفة للرفع إذ هي مبتدأ، ومع ذلك التزمت الألف. إعراب المثل: مكره: خبر مقدم مرفوع بالضمة، أخاك: مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر، و "أخا" مضاف والكاف مضاف إليه، لا بطل: لا: حرف عطف، بطل: معطوف على "مكره" والمعطوف المرفوع مرفوع وعلامة رفعه الضمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 {إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً} 1 وقول الرسول: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعِضُّوه بهَنِ أبيه ولا تكنوا" 2 وقول رؤبة يمدح عديّ بن حاتم الطائي: بأبِه اقتدى عَدِيّ في الكَرَم ... ومن يُشَابِهْ أَبَهُ فما ظلم3 والذي يستعمل هذا الاستعمال أربع كلمات هي "أب، أخ، حم، هن" فما علاقة ذلك كله بعدد هذه الأسماء وكونها خمسة أو ستة؟ إن بعض النحاة يرى أن كلمة "هن" لم يستعملها العرب الاستعمال الأول "التمام" ولا الاستعمال الثاني "القصر" ولم تستعمل إلا الاستعمال الأخير فقط "لغة النقص" ورتب على ذلك أن الأسماء التي تعرب بالحروف خمسة لا ستة.   1 من الآية 78 من سورة يوسف. 2 جاء في حاشية الصبان "ج1 ص69" نسبة الحديث إلى النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، وقد ورد في الجامع الصغير للسيوطي بلفظ: "إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه.." وكلتا الروايتين دليل لما نحن فيه. 3 الشاهد في البيت مجيء كلمة "أب" ناقصة عن ثلاثة أحرف. فتعرب بالحركات الأصلية، وهي في الشطر الأول من البيت مجرورة في "بأبه" وعلامة جرها الكسرة على الباء، وفي الشطر الثاني في "يشابه أبه" مفعول به منصوب بالفتحة على الباء. إعراب البيت: بأبه: الباء حرف الجر، أب: مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة و "أب" مضاف وضمير الغائب مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر، والجار والمجرور متعلق بالفعل "اقتدى"، اقتدى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، عدي: فاعل مرفوع بالضمة، في الكرم: جار ومجرور متعلق بالفعل "اقتدى"، من: أداة شرط جازمة تجزم فعلين، وهما فعل الشرط والجواب، يشابه: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بالسكون، والفاعل ضمير مستتر، أبه: أب: مفعول به منصوب بالفتحة، وضمير الغائب مضاف إليه مبني على الضم في محل جر، فما ظلم: الفاء واقعة في جواب الشرط، ما: حرف نفي، ظلم: فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب والفاعل ضمير مستتر، والجملة في محل جزم جواب الشرط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 وهناك رأي مقابل لهذا الرأي، وهو أن العرب الفصحاء استعملوا كلمة "هن" على لغة "التَّمام" وسمع عنهم مثل "هَنُوكَ مِمَّا يَعِيبُك" وقولهم أيضًا "استُرْ هَنَا أهْلِك" فهو أيضًا يعرب بالحروف، فالأسماء التي تعرب بالحروف إذن ستة لا خمسة. جاء في ابن عقيل: وأما "هن" فالفصيح فيه أن يعرب بالحركات الظاهرة على النون ولا يكون في آخره حرف علة، والإتمام جائز، لكنه قليل جدا وأنكر الفراء جواز إتمامه، وهو محجوج بحكاية سيبويه الإتمام عن العرب ومن حفظ حُجَّةٌ على من لم يحفظ. ا. هـ. الصفات العامة لإعرابها بالحروف: المقصود بأنها "عامة" أنه يجب أن تتوافر في كل هذه الأسماء السابقة فليست خاصة باسم منها دون الآخر. وهذه الصفات تلخصها عبارة واحدة هي: "أن تكون هذه الأسماء مفردة مكبرة مضافة لغير ياء المتكلم". وهذه العبارة المجملة تحمل الصفات الآتية تفصيلا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 أ- أن تكون هذه الأسماء مفردة لا مثناة ولا مجموعة. ب- أن تكون هذه الأسماء مكبرة لا مصغرة، مثل "أُبَيّ، أخي". ج- أن تكون مضافة لاسم ظاهر مثل "أبو العباس" أو لضمير مثل "أخوك". د- أن تكون مضافة لغير ياء المتكلم. هذه الصفات الأربع يجب توافرها مجتمعة في الأسماء الستة لتعرب بالواو رفعًا وبالألف نصبًا وبالياء جرًّا. - جاء في القرآن: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 1. - وجاء في الحديث: "ولو كنت متخذًا خليلًا لاتَّخذت أبا بكر خليلا" 2. فالكلمات "أخوه، أبينا، أبانا" في الآية معربة بالحروف وهي مستوفاة للشروط الأربعة السابقة، والأولى مرفوعة بالواو، والثانية مجرورة بالياء، والثالثة منصوبة بالألف، وكلمة "أبا بكر" في الحديث معربة أيضا بالحروف، لاستيفائها الشروط، وهي منصوبة بالألف "مفعول به" للفعل "اتخذ". فإذا لم تتوافر إحدى هذه الصفات أو أكثر، فإن الاسم لا يعرب إعراب الأسماء الستة، بل يكون له إعراب آخر على حسب نسبته إلى باب غير هذا الباب مما لا داعي هنا لتفصيل القول فيه   1 من الآية 8 من سورة يوسف. 2 من حديث في صحيح البخاري، الجزء الخامس، باب فضائل أصحاب النبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 الصفات الخاصة بالكلمتين "ذو، فم": المقصود بأنها "خاصة" أنها يجب أن تتوافر في هاتين الكلمتين فقط بالإضافة إلى الشروط العامة السابقة. - ذو: تقول "ذو الفضل، ذو العلم، ذو الخلق، ذو ثروة، ذو نجابة، ذو إحساس" ففي هذه الأمثلة وأشباهها تعرب "ذو" بالحروف -بالواو رفعًا وبالألف نصبًا وبالياء جرًّا- لاستيفائها الصفات العامة السابقة بالإضافة إلى الصفتين الخاصتين التاليتين: أ- أن تكون بمعنى صاحب، يعني إذا قلت: "ذو خلق" فهو بمعنى "صاحب خلق" وإذا قلت: "ذو ثروة" فهو بمعنى "صاحب ثروة". ب- أن تكون مضافة لاسم ظاهر فقط، لا لضمير، فإن إضافتها لضمير لا يكاد يستعمل في اللغة، قال المتنبي: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم1 وقال زهير:   1 العقل فهم وتقدير وإحساس، والجهل غباء وترك وبلادة، وصاحب العقل يشقى بتقديره وإحساسه وإن كان في النعيم، وصاحب الجهل يسعد بغبائه وبلادته وإن كان في الشقاء وهذا البيت للمتنبي، وقد سيق للتمثيل به لا الاستشهاد؛ فإن المتنبي -في رأي النحاة- لا يستشهد بشعره. وموضع التمثيل به: استعمال كلمة "ذو" مضافة للاسم الظاهر في قول الشاعر "ذو العقل" وهي بمعنى "صاحب" وقد استوفت الشرطين الخاصين بها فأعربت بالحروف، فهي في البيت مبتدأ مرفوع بالواو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ومَنْ يَكُ ذا فَضْلٍ فيبخلْ بفضله ... على قومِهِ يُستَغنَ عنه ويُذْممِ1 - فم: تقول: "فُو المنافِق يُخْرِجُ الكذب، فمِنْ فِيهِ تَخْرُجُ نَارُ الضغائن" وتقول: "أَغلِق فاك عن الكلام الضَّار" فهي في "فو المنافق" مبتدأ مرفوع بالواو، ثم استعملت في "من فيه" مجرور بالحرف "من" بالياء، أما في "أغلق فاك" فهي مفعول به منصوب بالألف، ولكي تعرب هذا الإعراب يجب أن تتجرد من الميم، فكلمة "فم" لا تعرب بالحروف   1 استعمل الشاعر: "ذو" من الأسماء الستة في "ذا فضل" حيث استوفت شرطي إعرابها بالحروف، وهي في البيت خبر "يكن" منصوبة بالألف. إعراب البيت: من: أداة شرط جازمة تجزم فعلين، فعل الشرط والجواب، يك: فعل مضارع ناسخ يرفع المبتدأ وينصب الخبر، فعل الشرط، مجزوم بسكون النون المحذوفة للتخفيف، وأصله "يكن" واسمه ضمير مستتر، ذا فضل: ذا خبر "يك" منصوب بالألف، لأنه من الأسماء الستة، فضل: مضاف إليه مجرور بالكسرة، فيبخل: الفاء: حرف عطف، يبخل: فعل مضارع معطوف على "يك" مجزوم بالسكون، والفاعل ضمير مستتر تقديره "هو"، بفضله: الباء: حرف جر، فضله: مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة، وفضل مضاف وضمير الغائب مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر، والجار والمجرور متعلق بالفعل "يبخل"، على قومه: على: حرف جر، قومه: قوم: مجرور بالحرف "على" قوم مضاف وضمير الغائب مضاف إليه، والجار والمجرور متعلق بالفعل "يبخل"، يستغن: فعل مضارع جواب الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، عنه: جار ومجرور نائب فاعل الفعل "يستغن"، ويذمم: الواو: حرف عطف، يذمم: معطوف على الفعل "يستغن" مجزوم بالسكون وحرك بالكسر من أجل القافية، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره "هو". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 بل بالحركات الأصلية، وهذا بالإضافة إلى الصفات العامة التي سبق شرحها. قال عمر بن أبي ربيعة: قالتْ ورأسِ أبي ونعمةِ والدي ... لَأُنَبِّهَنَّ الحيَّ إن لم تَخرجِ فخرجْتُ خوف يمينها فتبسَّمتْ ... فعلمتُ أن يمينها لم تحرج فلثمتُ فاها آخِذًا بقُرونها ... فعلَ النزيفِ بِبَرْدِ ماءِ الحشرجِ1   1 لم تحرج: لم تأثم، بمعنى أنها يمين غير صادقة، النزيف: من عطش عطشًا شديدًا حتى يبست عروقه، الحشرج: النقرة في الجبل يصفو فيها الماء، القرون: خصل الشعر. ويدل البيت الأخير على إعراب "فو" بالحروف، وذلك في جملة "لثمت فاها" حيث خلت الكلمة من الميم، واستوفت الشروط العامة الأخرى، وهي في البيت "مفعول به" منصوب بالألف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الاسم الذي لا ينصرف: 1- العلاقة بين ما ينصرف وما لا ينصرف 2- عرض عام لصفات منع الصرف 3- يتفرع على هذا الباب المسائل الآتية: أ- عودة الممنوع من الصرف للإعراب الأصلي ب- صرف الممنوع من الصرف عند الحاجة ج- منع صرف الأسماء المنصرفة عند الحاجة العلاقة بين المنصرف وغير المنصرف: لاحظ المجموعتين الآتيتين من الجمل: الاستشهادُ في سبيل المبدأ رجولةٌ وشرفٌ "رجولةٌ، شرفٌ" منونتان مرفوعتان بالضمة ويعيش الأحرارُ حياتهم رجولةً وشرفًا "رجولةً، شرفًا" منونتان منصوبتان بالفتحة ويسقطون -حين موتهم- على رجولةٍ وشرفٍ "رجولةٍ، شرفٍ" منونتان مجرورتان بالكسرة يقول الرسول: الساكتُ عن الحق شيطان أخرسُ "أخرسُ" غير منون، مرفوع بالضمة ونقول، من تكلم فيما لا يعنيه كان إنسانًا أحمقَ "أحمق" غير منون، منصوب بالفتحة والعاقل من لا يثرثر بحديث أحمقَ "أحمقَ" غير منون مجرور بالفتحة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 ينبغي أولا أن يفهم المقصود من الكلمتين "منصرف، غير منصرف" فإن المنصرف هو الاسم المنون تنوين التمكن مثل "رجولة، شرف، قوة، عزة، أمين، عادل" وأما غير المنصرف فهو الاسم غير المنون -لأسباب سيأتي شرحها- مثل "أخرس، أحمق، معاوية، يزيد، أحمد، عمر، عثمان، ظمآن، ريَّان" والتنوين يقصد به علميا: نون ساكنة تلحق آخر الاسم لفظًا لا خطًّا، بمعنى أنها تنطق ولا تكتب. إذا علم ذلك، فما هي العلاقة بين الاسم المنصرف والاسم الممنوع من الصرف؟ أو بعبارة أخرى: ما هي وجوه الموازنة بين الاثنين؟ إن ذلك يتلخص في الآتي: أولا: يتفق المنصرف وغير المنصرف في شيئين: 1- أن كلا منهما يرفع بالضمة، تقول: "كان إبراهيمُ خليلَ الله، وكان محمدٌ خاتمَ الأنبياء". 2- أن كلا منهما ينصب بالفتحة، تقول: "بعث الله إبراهيمَ ومحمدًا لهداية الناس". ثانيا: يفترق المنصرف وغير المنصرف في شيئين: 1- أن المنصرف منون، وغير المنصرف لا ينون، مثل: "محمد" و "إبراهيم". 2- أن المنصرف يجر بالكسرة على الأصل، وغير المنصرف يجر بالفتحة على خلاف الأصل، تقول: "يرجع نَسَبُ محمدٍ إلى إبراهيمَ عليهما السلام". صفات ما يمنع الصرف: تتدرج هذه الصفات -بصورة عامة- تحت صنفين رئيسين: الصنف الأول: ما يمنع من الصرف لوجود صفة واحدة فيه الصنف الثاني: ما يمنع من الصرف لوجود صفتين فيه وكل من هذين الصنفين في حاجة إلى بيانه تفصيلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 الصنف الأول: ما يمنع من الصرف لصفة واحدة. ورد ذلك في اللغة في نوعين من الأسماء: 1- صيغة منتهى الجموع لاحظ الأمثلة: - مدائن، منائر، ستائر، قواعد، معالم، مساجد، نوادر، دعائم، كتائب، خنادق، بنادق، صواعق، مراوح. - مصابيح، عصافير، أغاريد، أهازيج، تماثيل، أقاصيص، أكاذيب، مزاريق، مفاتيح. يقصد بهذا الجمع علميا: كل جمع بعد الألف الدالة على الجمع فيه حرفان أو ثلاثة أحرف أوسطهما ساكن، والأول مثل "بنادق" والثاني مثل "عصافير" وإنما سمي هذا الجمع بهذه التسمية لسببين: أولهما: أنه لا يمكن جمعه بعد ذلك، بخلاف "رجال" مثلا فإنه يمكن جمعه فيقال "رجالات" فهذا النوع من الجموع نهاية الجمع ولا جمع بعده. وثانيهما: أنه جمع يأتي على صورة لا يمكن أن تتحقق في المفردات فلا يمكن أن نجد في المفردات كلمات مماثلة في وزنها للكلمات التي تأتي في هذا الجمع، فكأنما هو غاية الجموع؛ لتفرده بأوزانه الخاصة التي لا يشاركه المفرد فيها. 2- ألف التأنيث مقصورة وممدودة. لاحظ الأمثلة: - سلوى، ليلى، لُبْنى، سُعدى، ذِكْرى، بَرَدَى، قَتْلَى، جَرْحى، دعْوى، حرَّى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 5- نجلاء، صحراء، بيداء، حمراء، خضراء، أثرياء، فقراء، يوم أربعاء وعاشوراء، قرفصاء، كبرياء، خيلاء. فألف التأنيث المقصورة ما جاءت في آخر الاسم دالة على التأنيث مفتوحا ما قبلها مثل "بَرَدَى". وألف التأنيث الممدودة -في تصور النحاة- ألف في آخر الكلمة قبلها ألف، فنقلب الثانية همزة، مثل "صحراء" أصلها -في التصور الذهني- "صحراا" فقلبت الثانية همزة، ولهذا سميت ممدودة؛ لأنها في الحقيقة مع الألف السابقة عليها حرف مدّ طويل، تنطق مع امتداد النَّفَس. وهنا ينبغي التنبيه لأمرين فيما يتعلق بألف التأنيث الممدودة: الأول: أن إطلاق ألف التأنيث عليها لا يتفق مع ما ورد في اللغة، فقد تكون في كلمة تدل على التأنيث مثل "نجلاء" وقد تأتي في كلمات لا دلالة فيها على التأنيث مثل "أطباء، أقرباء، أربعاء" فإطلاق "ألف التأنيث الممدودة" عليها مجرد اصطلاح في مقابل "ألف التأنيث المقصورة" ولا يراد منه حقيقة دلالته. الثاني: أن الألف الممدودة المكونة من ألفين تنقلب الثانية فيهما همزة يجب لكي يكون الاسم معها ممنوعا من الصرف من توفر صفتين فيها: 1- أن تكون واردة بعد ثلاثة أحرف فصاعدا، فإن جاءت بعد اثنين صرفت الكلمة، مثل "رُغاءٌ، رِعاءٌ، بِناءٌ، نِداءٌ، رِداءٌ". 2- أن تكون زائدة في الكلمة التي وردت فيها، فإن كانت أصلية أو منقلبة عن أصل صرفت الكلمة مثل "أعداءٌ، أسماءٌ، أبناءٌ، نداءٌ، رداءٌ". الصنف الثاني: ما يمنع من الصرف لصفتين إحدى هاتين الصفتين دائما واحدة من اثنتين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 - العلمية: وذلك أن يكون الاسم دالا على ذات محدّدة، مثل: "عمر، عثمان، معاوية، عائشة، خديجة". - الوصفية: وذلك أن يكون الاسم دالا على معنى ينسب إلى غيره مثل: "عطشان، غضبان، أخضر، أصفر". لكن، يجب أن ينضم لكل واحدة من هاتين الصفتين السابقتين -العلمية أو الوصفية- صفة ثانية في الاسم الذي يمنع من الصرف، فالعلمية أو الوصفية بمفردها لا تمنع الاسم من الصرف، فوجود إحدى هاتين الصفتين -وإن كان ضروريا- لازم للمنع من الصرف، لكن إحداهما لا تستقل وحدها بهذا الأمر. فليس كل ما كان علما أو صفة ممنوعا من الصرف، لوجود أعلام أو صفات -وهذا هو الأكثر في اللغة- منصرفة، مثل "محمد، خالد" علمين ومثل "قويّ، شجاع" صفتين. لكن الممنوع من الصرف لا بد أن يكون علما أو صفة -بالتحديد السابق- مع ضم صفة أخرى للعلمية أو الوصفية كما هو مفصل في الآتي: أولا: ما يجب أن ينضم للعلمية من الصفات، وهي ست صفات: 1- التأنيث بغير الألف: لاحظ الأمثلة: فاطمة، عائشة، أمينة، أميرة، فريدة، كريمة، نفيسة، نادية، نبيلة، يسرية، شادية، فادية، حسنية، "مؤنث لفظا ومعنى" حمزة، معاوية، أسامة، طلحة، سلامة، "مؤنث لفظا لا معنى" زينب، سعاد، سهير، عفاف، ناهد، هيام، وجدان،آمال، أحلام، إجلال، إنصاف، بوران، "مؤنث معنى لا لفظا" الأعلام المؤنثة تأتي في اللغة العربية في ثلاث صور هي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 أ- مؤنث لفظا ومعنى: وهو ما كانت به علامة التأنيث "التاء" ومعناه دال على مؤنث، مثل "فاطمة، يسرية" وهذا النوع يمنع من الصرف قطعا من غير احتراز. ب- مؤنث لفظا لا معنى: وهو ما كانت به علامة التأنيث "التاء" لفظًا، لكن معناه مذكر مثل "معاوية، حمزة" وهذا النوع يمنع أيضا من الصرف مثل سابقه. ج- مؤنث معنى لا لفظا: وهو ما كان خاليا لفظا من التاء، لكنه في المعنى يدل على المؤنث مثل "بوران، إحسان". وفي هذا النوع تفصيل لمنعه من الصرف، ذلك أنه إن كان زائدا على ثلاثة أحرف -مثل كل الأمثلة السابقة- منع من الصرف مطلقا دون محترزات فإذا كان ثلاثيا محرك الوسط مثل "سحَر، ملَك، سقَر" منع أيضا من الصرف، وإن كان ثلاثيا ساكن الوسط أعجميا -أصله غير عربي- منع من الصرف، مثل "حمْص، كَرْك، بلْخ". وإن كان ثلاثيا ساكن الوسط غير ما سبق، مثل "هنْد، دعْد، مصْر" جاز فيه الوجهان الصرف وعدم الصرف، ومما ورد من ذلك ما يلي: - قول القرآن: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} 1. - قول القرآن: {اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} 2 ففي الآية الأولى وردت "مصر" ممنوعة من الصرف، وفي الثانية جاءت مصروفة.   1 من الآية 99 من سورة يوسف. 2 من الآية 61 من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 - قول جرير: لم تتلفَّعْ بفضْل مئْزرِها ... دعْدٌ ولم تُسقَ دعْدُ في العُلَب1 فكلمة "دعد" الأولى منصرفة، والثانية ممنوعة من الصرف. 2- العجمة: لاحظ الأمثلة الآتية: "إدوارد، ألفونس، جونسون، ميخائيل، لندن، برلين، طهران، أنقرة، باريس". يقصد بالعجمة: أن يكون الاسم علما في غير اللغة العربية، ثم استعمل فيها علما كما هو، سواء أكان ذلك فيما استعملته العربية من غير اللغات الأخرى قديما مثل "أذربيجان، نهاوند، فيروز، بطرس" أم ما تستعمله اللغة الآن من أعلام اللغات المعاصرة، مثل "بيفن، نيكسون، جورج". ومن المعروف أنه في أثناء الترجمة يحافظ المترجم على الأعلام المنقولة كما هي دون تغيير، وهذه الأعلام تمنع من الصرف. ويقول العلماء: إن أسماء الأنبياء كلها ممنوعة من الصرف لهذه الصفة   1 الإزار: الرداء، وفضل الإزار: بقية الرداء، والتلفع بالإزار: لفه على الجزء الأعلى من الجسم، وهو من عمل نساء الأعراب، العلب: جمع علبة وهي الإناء الذي يشرب فيه الأعراب، وعادة ما يكون من الجلد "كالقربة". يقول: إن "دعد" حضرية غنية في كسائها وشربها، وليست أعرابية خشنة فهي لاتتلفع بفضل الرداء مثلهم، ولا تشرب الماء في آنيتهم. الشاهد في البيت: ورود كلمة "دعد" فيه مرتين مصروفة في الأولى وغير مصروفة في الثانية، إذ هي علم ثلاثي مؤنث ساكن الوسط غير أعجمي، وهذا يصح صرفه ومنعه من الصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 "العجمة" مثل: "إسحاق، يعقوب، داود، سليمان، يوسف، موسى، هارون، أيوب، زكريا، يحيى، عيسى، إلياس، إدريس". لكن يستثنى من هذه الأسماء ستة فهي مصروفة وهي: "محمد، صالح، شعيب، هود، نوح، لوط" جاء في القرآن: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} 1 وجاء فيه: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} 2 وجاء فيه: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} 3. 3- التركيب المزجي: لاحظ الأمثلة الآتية: "نيويورك، حضرموت "من مدن اليمن الجنوبية"، بعلبك "قلعة في لبنان"، معديكرب "أحد أسماء الجاهلية"، بختنصّر "أحد ملوك الفرس"، بورسعيد. الكلمات السابقة من التركيب المزجي.. ومعناه أن تمتزج كلمتان فتصيرا كلمة واحدة ويكون الإعراب حينئذٍ على آخر الكلمتين الممزوجتين، تقول "نيويوركُ من أكبر المدن الأمريكية" وتقول "إن بورسعيدَ مدينةٌ ذاتُ شهرة بطوليّة بين مدن العالم الحديثة"، وتقول "يستلهم السَّياحُ عِبَرَ التَّاريخ من أطلالِ بعلبكَّ" فالمركب المزجي يرفع بالضمة وينصب بالفتحة ويجر بالفتحة، كما ترى في الأمثلة. كل ذلك إذا لم يكن المركب المزجيّ مختوما بكملة "وَيْهِ" مثل "سيبويه، نفطويه، درستويه"، فإن كان كذلك فإنه يبنى دائما على الكسر وليس من هذا الباب.   1 من الآية الأولى من سورة نوح. 2 من الآية 65 من سورة الأعراف. 3 من الآية 29 من سورة الفتح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 4- زيادة الألف والنون: لاحظ الأمثلة الآتية: "عثمان، مروان، نعمان، سليمان، لقمان، عمران، عمان" زيادة الألف والنون مع الأعلام، وإنما تعتبران زائدتين إذا جاءتا بعد ثلاثة أحرف من الكلمة، جاء في القرآن: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ} 1 وجاء أيضا: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} 2، وجاء أيضا: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} 3 فكلمة "لقمان" في الآية الأولى مرفوعة بالضمة، وفي الثانية منصوبة بالفتحة، أما كلمة "عمران" في الآية الثالثة فهي مجرورة بالفتحة. 5- وزن الفعل: لاحظ الأمثلة الآتية: سبَّحَ، أحمد، يزيد، ثعلب، نرجس" المقصود بوزن الفعل أن تأتي أسماء الأعلام على وزن خاص بالأفعال ولا يكون في الأسماء مثل: "سبَّح: علما" فإن وزن "فعّل" لا يكون إلا في الأفعال مثل: "جمَّع، قدَّم، أمَّن". كذلك يقصد بوزن الفعل أن تأتي أسماء الأعلام وفي أولها زيادة تكون في الأفعال عادة مثل حروف المضارعة "الهمزة، النون، الياء، التاء" وأن يكون على وزن يأتي في الفعل -وإن لم يكن خاصا به- وذلك مثل "أحمد،   1 من الآية 13 من سورة لقمان. 2 من الآية 12 من سورة لقمان. 3 من الآية 35 من سورة آل عمران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 يزيد، تغلب، نرجس" أعلاما، تقول "استولى يزيدُ بن معاويةَ على الدولة دون مشورة المسلمين" وتقول: "قبيلةُ تغلبَ إحدى قبيلتين اشتركتا في حرب البسوس". 6- العدل: أشهر ما نسب له هذه الصفة أعلام معدودة جاءت على وزن "فُعَل" وهي "عُمَر، زُفَر، مُضَر، قُثَم، جُشَم، جُمَح، دُلَف، ثُعَل، هُبَل، زُحَل، قُزَح" قالوا: مثلا في كلمة "عُمَر" وهو علم، أصله "عامر" فعدل عن هذا الأصل إلى "عمر" ومثله الباقي؛ وهذا غريب!! فمن الذي يمكنه أن يحقق هذا الأصل المدَّعى!! الحق أن هذا تكلف دعا إليه بحث النحاة عن صفة ثانية تنضم للعلمية، فلم يجدوا غير هذا الادعاء المتكلف الذي لا ترتاح إليه النفس. قال ابن هشام: مثال العدل مع العلمية "عُمَر، زُفَر، زُحَل، جُمَح، دُلَف" فإنها معدولة عن "عامر، زافر، زاحل، جامح، دالف" وطريق معرفة ذلك أن تتلقّى من أفواههم ممنوع الصرف، وليس فيه مع العلمية ظاهرة، فيحتاج إلى تكلف دعوى العدل فيه ا. هـ. وخلاصة الأمر أن الأسماء الاثني عشر السابقة وردت في اللغة ممنوعة من الصرف ويعبر عنها أهل صناعة النحو بأنها ممنوعة من الصرف للعلمية والعدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 ثانيا: ما يجب أن ينضم للوصفية من الصفات، وهو ثلاث صفات: 1- زيادة الألف والنون: لاحظ الأمثلة الآتية: "فرحان، شبعان، ملآن، غضبان، جوعان، ظمآن". الكلمات السابقة صفات وفي آخر كل منها ألف ونون زائدتان، فكل منها ممنوع من الصرف للوصفية وزيادة الألف والنون، تقول: "أسعد لكريم فرحان ولا آسف على لئيم غضبان"، وهذه الصفات الممنوعة من الصرف تأتي على وزن "فعلان" فقط. 2- وزن الفعل: لاحظ الأمثلة الآتية: "أجْمَل، ألْطَف، أحْسَن، أعزّ، أكْرَم، أجلّ، أشْرَف، أحْمَر، أخْضَر". ويقصد بذلك الصفات التي على وزن "أفعل" فهذه جميعا تمنع من الصرف للوصفية ووزن الفعل؛ لأن وزن "أفْعَل" أقرب للفعل منه للاسم، تقول: "لا فرق في الإسلام بين أسودَ وأبيضَ"، وتقول "الصّبرُ أجْدرُ بالكريم عند الشِّدة"، وهذه الصفات الممنوعة من الصرف تأتي على وزن "أفْعَل" فقط. 3- العدل: الصفات التي نسب إليها "العدل" محصورة في كلمات معينة هي: أ- كلمة "أُخَر" في قول القرآن: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 1.   1 من الآية 184 من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 فهي في الآية صفة لكلمة "أيام" مجرورة بالفتحة لأنها ممنوعة من الصرف للوصفية والعدل، والوصفية أمر مفهوم فيها لدلالتها على معنى ينسب لغيرها، أما العدل فقد خضع لتصور ذهني ملخصه في الآتي: كلمة "أخَر" جمعٌ مفرده كلمة "أخرى"، وكلمة "أخرى" مؤنث مذكره كلمة "آخر"، وكلمة "آخر" اسم تفضيل على وزن "أفْعَل" مثل "أعْظَم، أجْمَل، أكْرَم" واسم التفضيل ما دام مجردا من "أل" والإضافة فإنه يستعمل دائما مفردا مذكرا، فلا يثنى أو يجمع أو يؤنث، فنقول: "العاملُ أكرمُ من الكسول والعاملون أكرمُ من الكسالى" فبقي اسم التفضيل مفردا في المثالين. وعلى ذلك، فقد كان من المفروض في الآية -في صنعة النحو- أن يقال: "فعدة من أيامٍ آخر" فتكون الكلمة مفردة، لكن عدل عن ذلك إلى "أُخَر" مجموعة. وخلاصة الأمر أن هذه الكلمة "أُخَر" ممنوعة من الصرف، وهي وصف عدل عن غيره بالتصور الذهني السابق. ب- ما جاء على وزن "فُعَال ومَفْعَل" من الأعداد "1: 10" "أُحَاد ومَوْحد، ثُنَاء ومَثْنَى، ثُلَاث ومَثْلَث، رُبَاع ومَرْبَع" وهكذا حتى عشرة، فلنلاحظ الأمثلة: مر صف الجنود ثُلَاث، "معناه: ثلاثة ثلاثة" تقدم الواقفون إلى شباك السينما أُحَادَ أُحَادَ، "معناه: واحدًا واحدًا" في المساء تعودُ الطيورُ إلى أعشاشِها في جماعات خُمَاسَ وسُدَاسَ، "معناه خمسة خمسة وستة ستة" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 قال القرآن: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} 1. وقال {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} 2. قال ابن هشام: وهي معدولة عن ألفاظ العدد الأول مكررة، فأصل "جاء القوم أُحَادَ" جاءوا واحدا واحدا، وكذا الباقي ا. هـ. ومعنى هذا أن هذه الألفاظ -بهذه الصورة- يستغنى بها عن أسماء العدد الأصلية مكررة فنلجأ إليها في الاستعمال اختصارا، فكلمة "رُبَاع" تغني عن "أربعة أربعة" وكلمة "مثلث" تغني عن "ثلاثة ثلاثة" فاستخدام هاتين الصيغتين -فُعَال ومَفْعَل- من الأعداد يغني عن استخدام الأعداد الأصلية مكررة، وهذا هو معنى العدل فيها. المسائل المتفرعة على هذا الباب: يتفرع على هذا الباب -بعد معرفة أصوله السابقة- مسائل ثلاث هي: أ- عودة الممنوع من الصرف للإعراب الأصلي ب- صرف الممنوع من الصرف عند الحاجة ج- منع صرف الأسماء المنصرفة عند الحاجة وإليك بيان هذه الأمور الثلاثة:   1 من الآية 2 من سورة النساء. 2 من الآية 1 من سورة فاطر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 عودة الممنوع من الصرف للإعراب الأصلي: لاحظ الأمثلة الآتية: ما شيءٌ بأنبلَ من المروءة. فالمروءة من أنبلِ الصفات. ومن الأنبلِ لك أن تتصف بهذه الصفة. الاسم الذي لا ينصرف -بكل أنواعه السابقة- يرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجر بالفتحة أيضا: فهذا الاسم يخرج عن الأصل في حالة الجر فقط، لكنه يعود لهذا الأصل مرة أخرى، فيجر بالكسرة في حالتين: 1- أن يضاف 2- أن تتصل به الألف واللام فكلمة "أنبل" في الأمثلة السابقة ممنوعة من الصرف للوصفية ووزن الفعل، وهي مجرورة بالفتحة في المثال الأول، وفي المثال الثاني عادت للأصل فجرت بالكسرة؛ لأنها مضافة، وفي الثالث عادت للأصل، فجرت بالكسرة لاتصالها بالألف واللام. قال ابن مالك: وجُرَّ بالفتحةِ ما لا ينصرف ... ما لم يُضَفْ أو يَكُ بعد "أل" رَدِف صرف الممنوع من الصرف: من صفات الاسم الممنوع من الصرف أنه لا ينون -كما سبق- لكن عند حاجة المتكلم إلى تنوينه فإنه يترك هذا الأصل، فينون مع استحقاقه منع التنوين، وتتحقق هذه الحاجة في النثر والشعر على التفصيل الآتي: 1- في النثر: لإرادة التناسب، وذلك أن تكون بعض الكلمات منونة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 والأخرى غير منونة فتنون الأخيرة لتناسب ما جاءت معه من الكلمات المنونة ومن ذلك: - جاء في القرآن: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيراً} 1 فكلمة "سلاسل" ممنوعة من الصرف، وكلمة "أغلالا" مصروفة، وقد قرئت الآية بتنوين الكلمة الأولى لتناسب الثانية، وجاءت القراءة: "إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلًا وَأَغْلالاً وَسَعِيراً" لقصد التناسب. 2- في الشعر: للضرورة، والمقصود بذلك ضرورة موسيقى الشعر ونغمه التي تتمثل في أوزانه وقوافيه، فإذا لم تستقم هذه الموسيقى إلا بتنوين الاسم الممنوع من الصرف، كانت تلك ضرورة تبيح للشعراء هذا التنوين، ومن ذلك قول امرئ القيس: ويوم دخلتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ ... فقالتْ: لَكَ الويْلاتُ إنكَ مُرْجِلِي2 فكلمة "عنيزة" ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث، وصرفت في البيت لضرورة الشعر. منع صرف الأسماء المنصرفة: كما أبيح للشاعر أن يصرف الممنوع من الصرف، يباح له أيضا العكس،   1 الآية 4 من سورة الإنسان. 2 الخدر: المكان المخصص للنساء في البيت، والمقصود به هنا الهودج، لك الويلات: دعاء عليه بالهلاك والعذاب، ولا يقصد به حقيقته، بل هو تصوير للتدلل والإعجاب، إنك مرجلي: جاعلني أسير على رجلي لهلاك البعير. والشاهد في البيت: كلمة "عنيزة" فهي أصلا ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث، وقد نونت هنا لضرورة الشعر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وهو أن يمنع صرف الأسماء المنصرفة -وهي ضرورة موضع خلاف- لأن مجال الشعر ضيق بالوزن والقافية وعدد التفاعيل، فيباح له ما لا يباح لمن ينطق نثرا، ومن ذلك: - قول ذي الإصبع العدواني يمدح عامر بن الطفيل بالطول وفراهة الجسم: ومِمَّنْ ولَدوا عامـ ... ـرُ ذو الطّولِ وذو العرضِ1 - قول الأخطل في أحد القادة الذين هزموا الخوارج: طلب الأزَارِقَ بالكتائب إذ هوتْ ... بشبيب غائلةُ النفوس غدورُ2 فالكلمتان "عامر، شبيب" في البيتين منعتا من الصرف -مع أنهما منصرفتان- لضرورة الشعر.   1 الشاهد في البيت أن كلمة "عامر" في الأصل مصروفة، لكنها منعت الصرف في البيت لضرورة الشعر. 2 الأزارق: فرقة من الخوارج، شبيب: أحد زعماء الخوارج، غائلة النفوس: الموت. والشاهد في البيت: منع صرف كلمة "شبيب" لضرورة الشعر مع أنها في الأصل مصروفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 المثنى: 1- المقصود بالمثنى وكيفية إعرابه 2- صفات الاسم الذي يصح تثنيته 3- ما ألحق بالمثنى من الأسماء المثنى وكيفية إعرابه: نزل الفريقان أرْضَ الملعب. ولعبا الشَّوطين بجهد وافر. وفاز فريقُنا بهدفين لهدفٍ واحد. الكلمات "الفريقان، الشوطين، هدفين" كلمات مثناة، ومثلها ما لا يكاد يحصى من الكلمات مثل: "الصديقان، الوفيان، البحران، النّهران، الكتابان، الصفحتان، الزميلان، الزميلتان". فالمثنى يقصد به كل اسم دلَّ على اثنين أو اثنتين وأَغنى عن المتعاطفين بزيادة ألف ونون أو ياء ونون في آخره ا. هـ. وعلى ذلك فإن المثنى هو ما اجتمعت له الصفات الثلاث الآتية: أ- أن يدل على اثنين أو اثنتين. "الصديقان، الصديقتان" لا فرق بين المذكر والمؤنث، فكل منهما يأتي مثنى. ب- أن يغني عن المتعاطفين، وذلك أن يكون ذكر المثنى اختصارا لمفردين يعطف كل منهما على الآخر فبدلا من أن نقول: "فريق وفريق" تغني عنهما "فريقان" وبدلا من أن نقول: "هدف وهدف" تغني عنهما "هدفان". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 ج- أن يأتي في آخره ألف ونون زائدتان أو ياء ونون زائدتان وهذه الزيادة هي التي أفادت التثنية، وأغنت عن إطالة الكلام بالمفردات المتعاطفة. والمثنى يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها، ففي المثال "نزل الفريقان أرض الملعب" كلمة "الفريقان" فاعل مرفوع بالألف، وفي المثال "لعبا الشوطين بجهد وافر" كلمة "الشوطين" ظرف زمان منصوب بالياء، وفي المثال الأخير "فاز فريقنا بهدفين" كلمة "هدفين" مجرورة بالياء. هذا هو الأصل في إعراب المثنى، وهو اللغة الفصحى المشهورة التي ينبغي لنا اتباع نهجها والنطق على أساسها. لكن ينبغي أن نتذكر هنا مرة أخرى ما سبق من أن النحاة جمعوا اللغة من قبائل متعددة، ومما نقلوه أن بعض القبائل تنطق المثنى بالألف دائما رفعًا ونصبًا وجرًّا، وروي من ذلك الشواهد الآتية: - قول المتلمس: فأطْرَقَ إطراقَ الشُّجاع ولو رأى ... مسَاغًا لنَابَاهُ الشُّجاعُ لصَمَّما1   1 الشجاع: في أحد معانيه: ذكر الحيات، المساغ: المدخل السهل، صمم -كما يقول القاموس- من معانيها: عض الناب. ومعنى البيت: أن الشخص الذي يتحدث عنه صبر على مضض ولو وجد وسيلة يهاجم منها عدوه لسلكها، فهو كالحية الذكر في إطراقها وصبرها على من تهاجمه ولو وجدت مدخلا لمهاجمته لعضته بنابها. والشاهد في البيت: قوله: "لناباه" في الشطر الثاني، فإن "النابان" مثنى وهي مجرورة باللام، ومع ذلك لزمت الألف على اللغة التي تلزمه الألف دائما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 - قول آخر: تزودَ منَّا بين أذْنَاهُ طعنةً ... دعتْه إلى هَابِي الترابِ عقيمَ1 والذي أراه أن هذه لغة ضعيفة لا يعوَّل عليها، وينبغي معرفتها فقط دون النطق على أساسها. صفات الاسم الذي يصح تثنيته: ليست كل الأسماء في اللغة صالحة للتثنية، فالاسم الذي يثنى تتوافر له صفات خاصة يمكن فهم معظمها من المسلك العملي الذي تأتي عليه الأسماء المثناة، وأهم هذه الصفات -باختصار- هي: 1- أن يكون مفردا: وهذا بدهي، فإن المثنى لا يثنى مرة أخرى وكذلك الجمع. 2- أن يكون معربا: وهذا أيضًا بدهي، فإن الأسماء المبنية -كما سيأتي- لا تتغير، فهي لا تثنى، أما الكلمات "هذان، هاتان، اللذان اللتان" فهي ملحقة بالمثنى لا مثناة. 3- أن يكون نكرة: مثل "ورقة، شجرة" نقول "ورقتان شجرتان" لكن الأعلام مثل "محمد، عمر، عليّ" تثنى، فنقول: "محمدان، عمران، عليَّان" وكذلك الأسماء التي بها الألف واللام مثل "الشوط،   1 هابي التراب: التراب الدقيق الناعم، عقيم: يقال: طعنة عقيم إذا كانت نافذة. وخلاصة المعنى: يصف رجلا من أعدائهم قتل، فيقول: لقد نال منا طعنة نافذة ألقته ميتا على التراب وبين التراب. والشاهد في البيت: قوله "أذناه" فإنه مثنى وهو مضاف إلى كلمة "بين" وقد لزم الألف على لغة من يلزمه الألف دائما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الطريق" تقول: "الشوطان، الطريقان" فكيف يستقيم هذا الشرط مع ذلك؟ يتصور أهل صنعة النحو أن هذه الأعلام قبل تثنيتها شملها التنكير بمعنى أن الاسمين "محمد، محمد" قبل تثنيتهما اختلط كل منهما بالآخر بحيث لا يتميز هذا من ذاك ثم حدثت التثنية. وبالمثل يتصور أن كلمة: "الشوطان" ليست تثنية "الشوط" المقترن بالألف واللام، بل هي تثنية "شوط" النكرة، ثم دخلت عليه الألف واللام. والحق أن هذا تكلف لا داعي إليه، وأن المثنى -فيما أعتقد- يأتي للنكرات والمعارف دون تفريق. 4- ألا يكون مركبا: سواء أكان مركبا مزجيا مثل "مَعْدِيكَرب" أو إسناديا مثل "جادَ الربُّ" أو إضافيا مثل "عبد الله" فهذه كلها لا تثنى بطريقة مباشرة، بل هناك وسائل لتثنيتها كالآتي: أ- المركب المزجي والإسنادي حين التثنية تسبقهما كلمة "ذَوَا" مع المذكر، أو "ذَوَاتَا" مع المؤنث وتبقى الكلمة المركبة دون تثنية، فيقال "ذَوَا مَعْديكرب" أو "ذَوَا جَادَ الرّب". ب- المركب الإضافي تثنى الكلمة الأولى منه، فنقول "عَبْدَا الله". 5- أن يكون المفردان اللذان يكوّنان المثنى متفقين في اللفظ والمعنى وهذا بدهي، فلا يثنى مثلا "فاطمة، سامية" لاختلافهما لفظا ومعنى. 6- أن يكون المفرد الذي يثنى له نظير مماثل، وهذا أيضًا بدهي، فلا يثنى الشيء المفرد مثل: "الله، الأرض، الشمس، القمر" فوجود شيئين متشابهين ضروري للتثنية. تلك أهم الصفات الضرورية في الاسم الذي يثنى، وهي في عبارة واحدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 "أن يكون مفردا معربا منكرا غير مركب، وله مماثل متفق معه في اللفظ والمعنى" ومعظم هذه الشروط بدهي يمكن استنتاجه دون ذكره. ما ألحق بالمثنى من الأسماء: المقصود من الإلحاق -عموما- ورود كلمات في اللغة تعرب إعراب ما ألحقت به، لكنها لم تستوف شروطه ا. هـ. ويتحقق هذا في ثلاثة من أبواب الإعراب الفرعي هي: "المثنى وجمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم" وسيأتي شرح الأسماء الملحقة بكل واحد من الأخيرين في موضعه. والمقصود -إذن- من الإلحاق بالمثنى ورود كلمات في اللغة لها صورة المثنى وتعرب إعرابه بالألف رفعا وبالياء نصبا وجرا، لكنها ليست مثناة حقيقة لفقدان بعض شروط الاسم الذي يصح تثنيته، فهي إذن ملحقة بالمثنى لا مثناة. والأسماء الملحقة أربع مجموعات هي: المجموعة الأولى: هذان، هاتان، اللذان، اللتان: ومفرداتها على الترتيب هي: "هذا، هاتِه، الذي، التي" فالأولان من أسماء الإشارة، والأخيران من الأسماء الموصولة، وكل من أسماء الإشارة والأسماء الموصولة مبني، وقد اشترط فيما يثنى -كما سبق- أن يكون معربا فهذه الأسماء إذن ليست مثناة حقيقة، ولكنها وردت معربة إعراب المثنى فهي ملحقة به. - جاء في القرآن: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} 1.   1 من الآية 19 من سورة الحج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 - جاء في القرآن: {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} 1. المجموعة الثانية: اثنان واثنتان: هاتان الكلمتان لا مفرد لهما على الإطلاق، فليستا من المثنى حقيقة لكنهما وردتا معربتين إعرابه، فهما ملحقتان به. - جاء في القرآن: {فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} 2. - وجاء في القرآن: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} 3. المجموعة الثالثة: كلا، كلتا: هاتان الكلمتان أيضا لا مفرد لهما، فليستا من المثنى، بل هما ملحقتان بالمثنى؛ لورودهما معربتين إعرابه بالألف رفعا وبالياء نصبا وجرا، تقول: "صاحبت صديقيَّ كليهما الليلة" وتقول: "اشتركت في الرحلتين كلتيهما" لكن حول هاتين الكلمتين ينبغي التنبه للملاحظتين المهمتين الآتيتين: الأولى: أن هاتين الكلمتين تعربان إعراب المثنى إذا أضيفتا إلى الضمير فقط، أما حين تضافان للاسم الظاهر فإنهما تلزمان الألف وتعربان بالحركات المقدرة على الألف مثل الأسماء المقصورة، فلنلاحظ الأمثلة الآتية: الصّفتان -المروءةُ والوفاء- كلتاهما حميدتان، "مرفوع بالألف ملحق بالمثنى مضاف للضمير". كلتا الصفتين -المروءةُ والوفاءُ- حميدتان، "مرفوع بالضمة المقدرة على الألف مضاف للظاهر"   1 من الآية 29 من سورة فصلت. 2 من الآية 60 من سورة البقرة. 3 من الآية 14 من سورة يس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 في الحياة النجاح والفشل، وقد خضت التجربتين كلتيهما، "منصوب بالياء ملحق بالمثنى، مضاف للضمير" في الحياة النجاح والفشل وقد خضت كلتا التجربتين، "منصوب بالفتحة المقدرة على الألف مضاف للظاهر". الثانية: أن هاتين الكلمتين -سواء أضيفتا للضمير أم الظاهر- لفظهما مفرد ومعناهما مثنى، فلهما جانبان: الإفراد والتثنية. ويترتب على ذلك أنهما إذا وقعتا مبتدأ وأخبر عنهما، فإن الخبر يصح فيه الإفراد مراعاة للفظهما، ويصح التثنية مراعاة لمعناهما، ويصح هذان الأمران أيضا إذا عاد عليهما ضمير في كلام لاحق لهما، فلنلاحظ الأمثلة: إن الصديقين متفاهمان وكلاهما متفق مع الآخر. "كلمة: متفق، مفردة مراعاة للفظ". إن الصديقين متفاهمان وكلاهما متفقان. "كلمة: متفقان، مثناة مراعاة للمعنى". - جاء في القرآن: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً} 1. جاءت الآية "آتَتْ" بإفراد الضمير المستتر، ولم تجئ "آتَتَا" بالتثنية. - قال عبد الله بن معاوية: كلانا غَنِيٌّ عن أخيه حياته ... ونحن -إذا مُتنا- أشد تغانِيَا2   1 من الآية 33 من سورة الكهف. 2 معنى البيت: كلانا مستغن عن الآخر في الحياة، ونحن أشد غنى بعد الموت = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 فجاءت كلمة "غني" خبرا مفردا مراعاة للفظ المبتدأ، ولو راعى المعنى لقال: "غنيان". المجموعة الرابعة: ما سمى بالمثنى ويقصد بذلك أن يطلق المثنى على أحد الأشخاص، فيكون اسما له مثل: "محمدين، حسنين، عزين" فهذه الأسماء مثناة في اللفظ، ولكنها تطلق على المفرد فمعناها غير مثنى، ولذلك لم تكن مثناة وإنما ألحقت بالمثنى، فترفع بالألف وتنصب وتجر بالياء بناء على هذا الاعتبار السابق. والذي أراه -إن لم يجانبني الصواب- أن هذه الأسماء المثناة التي سمي بها يجب أن تلتزم نطقها -حين أطلقت على الأشخاص- وتعرب   = الشاهد في البيت: جملة "كلانا غني" فهي مبتدأ وخبر، والمبتدأ كلمة "كلانا" وقد أخبر عنها بمفرد هو "غني" مراعاة للفظه. إعراب البيت: "كلانا" كلا: مبتدأ مرفوع بالألف، ملحق بالمثنى، نا: مضاف إليه مبني على السكون في محل جر، "غني": خبر المبتدأ مرفوع بالضمة، "عن أخيه" عن: حرف جر، أخيه: مجرور وعلامة جره الياء، لأنه من الأسماء الستة، وضمير الغائب مضاف إليه، "حياته" حياة: ظرف زمان منصوب بالفتحة، وضمير الغائب مضاف إليه، "ونحن" الواو: حرف استئناف، نحن مبتدأ مبني على الضم في محل رفع، "إذا": أداة شرط، "متنا": فعل وفاعل جملة الشرط، وجواب الشرط محذوف، والجملة الشرطية معترضة بين المبتدأ والخبر، "أشد": خبر المبتدأ مرفوع بالضمة، "تغانيا": تمييز منصوب بالفتحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 بالحركات الأصلية على آخرها بالضمة رفعًا وبالفتحة نصبًا وبالكسرة جرًّا فتقول: "اسمِي محمدٌ واسمُ أخي محمدينُ" بضم النون رفعا، وتقول: "يُطلق القرويون على أبنائهم الاسمَ حسنينَ" بفتح النون نصبا، إذ إن هذه الألفاظ المثناة بعد استعمالها أعلاما لا يكاد الناطق بها يلتفت إلى معناها المثنى، فكأنما صارت علما مفردا كسائر الأعلام المفردة، وهي لا تنون نظرا لأصلها قبل التسمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 جمع المذكر السالم : 1- المقصود بجمع المذكر السالم وكيفيه إعرابه 2- صفات الاسم الذي يجمع هذا الجمع 3- ما ألحق بجمع المذكر السالم من الأسماء جمع المذكر وكيفية إعرابه: - من القرآن: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} 1. {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} 2. {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} 3. الكلمات: "المؤمنون، خاشعون، المنافقين، الكافرين" مما يطلق عليه اسم "جمع المذكر السالم" ومثلها كثير جدا مما لا يكاد يحصى، مثل: "مهتدون، متماسكون، متراحمون، متواضعون، متعففون، راضون، نابهون، أكرمون". فجمع المذكر السالم يقصد به: اسم دلَّ على أكثر من اثنين مع سلامة لفظ مفرده بزيادة واو ونون أو ياء ونون في آخره. ا. هـ. ومن ذلك التعريف يعلم أن جمع المذكر السالم ما اجتمعت له الصفات الآتية: أ- أن يدل على ثلاثة فصاعدا، فكلمة: "مواطنون" تدل على عدد يبدأ من ثلاثة إلى ما لا نهاية، وهذا يفسر لنا تسميته "جمعا".   1 الآية 1، 2 من سورة المؤمنون. 2 من الآية 145 من سورة النساء. 3 من الآية 141 من سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 ب- أن هذا الجمع لا يطلق إلا على الذكور فقط، فكلمة "منافقون" يقصد بها جماعة الذكور فقط، وهذا يفسر لنا تسميته "مذكرا". ج- أن المفرد يبقى -حين الجمع- كما هو دون تغيير، فقط يضاف إليه الواو والنون أو الياء والنون، مثل: "متواضع" المفرد، يأتي منه هذا الجمع "متواضعون، متواضعين" فبقي المفرد سالما دون تغيير فيه، وهذا يفسر لنا تسميته "سالما". ولعله قد وضح تماما تسمية هذا الجمع بالكلمات الثلاث "جمع مذكر سالم". هذا الجمع يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء المكسور ما قبلها المفتوح ما بعدها، ففي الآيات السابقة -بدئ بها الموضوع- كلمة "المؤمنون" في الآية الأولى مرفوعة بالواو وفي الآية الأخيرة مجرورة بالياء، وكلمة: "المنافقين" في الآية الثانية منصوبة بالياء، وكلمة "الكافرين" في الآية الأخيرة مجرورة بالياء. هذا هو الأصل في إعراب جمع المذكر السالم -بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا- وهو اللغة الفصحى المشهورة التي ينبغي لنا النطق على طريقها. لكن ينبغي أن نتذكر هنا -كما قلنا غير مرة- أن اللغة رويت عن قبائل متعددة، ومما نقل عن العرب في إعراب جمع المذكر لغة أخرى لا شهرة لها ولا كثرة، والغرض من ذكرها هنا العلم بها دون التأثر بنطقها أو القياس عليها، وهي: بعض العرب يلزم جمع المذكر الياء دائما ويأتي على النون في آخره بالإعراب الأصلي، فتشكل بالضمة رفعا وبالفتحة نصبا وبالكسرة جرا ومما ورد من ذلك الشواهد الآتية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 - ما روي عن الرسول في دعائه على قريش: "اللَّهمَّ اجعلها عليهم سنينًا كسنينِ يوسف" 1 فكلمة "سنين" وردت في الحديث أولا منصوبة بفتحة النون، وثانيا مجرورة بكسرة النون. - قول الصمة بن عبد الله القشيري: دعانِيَ من نَجْدٍ فإنّ سنينَه ... لَعبْن بِنا شيبٍا وشَيَّبْنَنَا مُرْدا2   1 أوردت بعض كتب النحو -كالأشموني- الحديث بالصورة المذكورة لكن البخاري أورده في كتاب التفسير عن ابن مسعود بلفظ: "اللهم أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف" وعلى ذلك فلا دليل فيه، انظر "فتح المبدي ج3 ص193". الشاهد في الحديث: مجيء كلمة "سنين" فيه مرتين ملتزمة الياء ومعربة على آخرها بالحركات الأصلية، فهي في الأولى منصوبة ومنونة "سنينا" وفي الثانية مجرورة بالكسرة على النون في "كسنين يوسف" وقد جاءت على اللغة غير المشهورة. لكن للحديث رواية أخرى، هي: "اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف" وعلى هذه الرواية يكون قد جاء على اللغة الفصحى في إعراب جمع المذكر السالم فحذف التنوين من الكلمة أولا، وحذف النون منها ثانيا للإضافة. 2 دعاني: بمعنى اتركاني، المرد: جمع أمرد، وهو الشاب الذي لم ينبت في وجهه شعر. يقول: اتركا ذكر "نجد" وسيرته، فأنا أضيق بذلك ولا أطيقه، لما جرى لي به من الأحداث الجسام التي هزت الشيوخ وشيبت الشباب. الشاهد في البيت: موضعه في "سنينه" حيث لزمت الياء وأعربت على النون، فهي منصوبة اسم "إن"، وتلك لغة غير مشهورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 - قول ذي الإصبع العدواني: إنِّي أبِيٌّ أبِيٌّ ذو محافظة ... وابن أبِيٍّ أبِيٍّ من أبِيِّين1 وهي لغة قليلة الشهرة -كما ذكرنا- وينبغي -إن لم يجانبني الصواب- صرف النظر عنها وعن أمثالها مما ورد في جمع المذكر السالم من اللغات التي لا داعي لذكرها. صفات الاسم الذي يجمع هذا الجمع: الذي يجمع هذا الجمع من الأسماء المفردة صنفان: الصنف الأول: العلم ويقصد بالعلم: ما كان اسما لشخص أو شيء معين، مثل: "محمد، خالد" والعلم الذي يجمع هذا الجمع لا بد "أن يكون لمذكر عاقل خالٍ من تاء التأنيث" فلنلاحظ الأمثلة الآتية: - محمد، خالد، عامر، عمر، علي، أحمد. "يصح جمعها لاستيفاء الشروط". - سعاد، زينب، أسامة، معاوية. "لا يصح جمعها لفقدان بعض الشروط". الصنف الثاني: الوصف يقصد بالوصف: ما دل على ذات وصفة، وذلك بالتحديد   1 الأبيّ: الشهم الشجاع. وموضع الشاهد في البيت كلمة "أبيين" في آخره، فقد التزمت الياء وأعربت على النون فهي مجرورة بالحرف "من" بكسرة النون، وذلك على اللغة غير المشهورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 "اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة، اسم التفضيل، صيغ المبالغة". مثل: "ناجح، مسرور، فَرِح، أرْوَع، لَمَّاح". والوصف الذي يجمع هذا الجمع لا بد "أن يكون لمذكر عاقل خالٍ من التاء وليس على وزن أفْعَل فَعْلاء ولا فَعْلان فَعْلَى" فلنلاحظ الأمثلة: - مُخلِص، متفوِّق، مأمون، فَرِح، أحْسن، لمَّاح. "يصح جمعها لاستيفاء الشروط". - ناهِد، صاهل، نابح، راوية، علّامة، أخضر، خضراء، عطشان، عطشى. "لا يصح جمعها، لفقدان بعض الشروط". ما ألحق بجمع المذكر من الأسماء: المقصود بالملحق بجمع المذكر -كما سبق في المثنى- أن يكون الاسم على صورة جمع المذكر، وقد ورد في اللغة معربا إعرابه -بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا- لكنه لا ينطبق عليه مسلك الكلمات التي تجمع هذا الجمع وشروطها، فهو جمع في الصورة، وليس جمعا في الحقيقة، ولهذا يلحق بجمع المذكر في إعرابه ولا يعتبر جمعا. والأسماء التي تلحق بجمع المذكر تأتي في مجموعتين هما: المجموعة الأولى: أولو، عشرون وبابه، كلمة "أولو" بمعنى كلمة "أصحاب"، نقول: "أولو العزيمة، أولو المشورة" وباب "عشرون" يقصد به "ثلاثون، أربعون، خمسون، ستون، سبعون، ثمانون، تسعون" فهذا كله لا مفرد له من لفظه، إذ لا يقال: "أُول، عِشْر" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 - جاء في القرآن: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} 1. - جاء في القرآن: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} 2. - قول أبي المنهال الخزاعي يشكو الشيخوخة: إن الثمانين وَبُلِّغْتها ... قد أحْوَجَتْ سمعي إلى ترجُمَان3 المجموعة الثانية: بنون، أهْلون، عَالَمون، وَابِلون، أرَضون، سِنَون، وبابه: والمقصود بباب "سنون" كل ما كان مثله في المفرد والجمع مثل "مِئين، عِزِين، عِضِين" فهذه المجموعة كلها لها مفردات حقا هي على الترتيب "ابن، أهل، عالم، وابل، أرض، سنة" لكن هذا المفرد فيها جميعا لا يجمع جمع مذكر سالما؛ لأنه اسم جامد وليس علَما أو صفة. ويضاف إلى ذلك أن بعض هذه المفردات لغير عاقل مثل "أهل، عالَم، وابل" وبعضها غير عاقل ومؤنث مثل "أرض، سنة". وخلاصة الأمر في هذه المجموعة أن مفرداتها لا تصلح لجمع المذكر السالم ولذلك اعتبرت ملحقة به، ومن شواهدها:   1 الآية 22 من سورة النور. 2 من الآية 12 من سورة الزمر. 3 بلغتها: جملة دعائية للمخاطب بأن يطيل الله عمره حتى يبلغ الثمانين، ترجمان: الأصل أنه الذي ينقل الكلام من لغة لأخرى، والمقصود به هنا: الذي يبلغ الشيخ الطاعن في السن ما يقال لضعف سمعه. الشاهد في البيت: "الثمانين" فإنها ملحقة بجمع المذكر السالم، فتعرب إعرابه، وهي في البيت اسم "إن" منصوبة بالياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 - قول القرآن: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} 1. - قول القرآن: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 2. - قول الرسول: "من ظلم قيد شبرٍ من الأرض طُوِّقَهُ من سبع أرَضين" 3. - قال الشاعر: وما المالُ والأهْلون إلا ودائعُ ... ولا بدَّ يومًا أن تُردَّ الودائعُ4 - قول أبي تمام: أعوامُ وصلٍ كان ينسِي طولَها ... ذكرُ النَّوَى فكأنها أيَّامُ ثم انبرتْ أيامُ هجْرٍ أردفتْ ... بجوى أسى فكأنها أعوامُ ثم انقضتْ تلك السِّنون وأهلُها ... فكأنَّها وكأنهم أحلامُ5   1 من الآية 6 من سورة الكهف. 2 الآية الأولى من سورة الفاتحة. 3 صحيح البخاري، الجزء الثالث، كتاب المظالم والغصب. 4 موضع الشاهد: في كلمة "الأهلون"، فإنها ملحقة بجمع المذكر السالم وهي معطوفة على كلمة "المال" المرفوعة، فهي أيضا مرفوعة بالواو. 5 النوى: البعد، انبرت: جاءت، أردفت: جاء في أثرها. ذكرى مؤثرة، أعوام من السعادة مرت كأنها أيام، وأيام من التعاسة طالت كأنها أعوام، وانتهى الجميع، ولم يبق إلا ذكرى كأنها أحلام. والأبيات لأبي تمام، وهو -فيما يرى النحاة- لا يستشهد بشعره، وإنما جاءت على سبيل التمثيل. وموضع التمثيل: في البيت الأخير في كلمة "السنون" فهي ملحقة بجمع المذكر، وهي في البيت مرفوعة بدل من كلمة "تلك" وعلامة رفعها الواو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 المجموعة الثالثة: ما سمي بجمع المذكر مثل: "عابدين، ابن زيدون، سعدون، حمدون". فهذه من جموع المذكر السالم في اللفظ؛ لأنها في الأصل جمع "عابد، زيد، سعد، حمد" ثم سمي بها واحد فقط، فصار معناها غير جمع بل مفردا، فهي -لذلك- ملحقة بجمع المذكر، فتعرب -فيما يرى النحاة- إعرابه، بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرًّا. والذى أراه -إن لم يجانبني الصواب- أنه إذا سمى بجمع المذكر، فإنه يلتزم صورة التسمية، ويعرب بالحركات الأصلية على آخره؛ لأن هذا هو الذي يتفق مع الإحساس اللغوي بالكلمة بعد أن سمّي بها، إذ يتناسى أصلها، وتعتبر مفردا جاء على هذه الصورة الخاصة التي أطلق بها على المفرد فتقول: "من أصدقائي الأستاذُ عابدينُ" وتقول: "احترمتُ الصديقَ عابدينَ لوفائه" وتقول: "من أحياء القاهرة العريقة حَيُّ عابدينِ"، وهو لا ينون نظرا لأصله قبل التسمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 جمع المؤنث السالم "ما جمع بألف وتاء": 1- اسمه بين الشهرة والدقة، وكيفية إعرابه 2- ما يجمع هذا الجمع من المفردات 3- ما ألحق به من الكلمات اسمه وكيفية إعرابه: في مجتمعنا مثقَّفاتٌ طيباتٌ وفيه أيضًا جاهلاتٌ تافهاتٌ. وتفهمُ المثقفةُ واجباتِها وتؤديها بأمانةٍ وشرفٍ. وتعقِّدُ الجاهلةُ حياتَها بتصرفاتٍ رديئةٍ حمقاءَ. المشهور عن هذا الجمع أنه يطلق عليه اسم "جمع المؤنث السالم" وهذا هو الاسم الشائع بين المعربين والشَّادين في النحو. ويحدد هذا الإطلاق المشهور علميا بأنه: كل اسم دلَّ على أكثر من اثنتين مع سلامة مفرده وزيادة ألف وتاء في آخره ا. هـ. ومن هذا التحديد السابق تفهم الصفات التي روعيت في إطلاق الاسم السابق عليه "جمع المؤنث السالم" وهي: أ- أنه يدل على أكثر من اثنتين، بمعنى أنه يدل على ثلاثة فصاعدا فمثلا "عفيفات" تطلق على عدد كثير أقلُّه ثلاثة، وهذا يفسر تسميته "جمعا". ب- أن الغالب في المفردات التي تجمع كذلك أن تكون مؤنثة كما ورد في القرآن من وصف النساء الصالحات {مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ} 1   1 الآية 5 من سورة التحريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 ومفرداتها على التوالي: "مؤمنة، قانتة، تائبة، عابدة، سائحة" وكلها مؤنثة وهكذا معظم ما يأتي منه هذا الجمع، وهذا يفسر تسميته "مؤنثا". ج- أن الغالب في المفردات حين تجمع هذا الجمع أن تبقى كما هي دون تغيير، فتزاد الألف والتاء عليها، فتصير من هذا الجمع، مثل "مثقفة، طيبة، جاهلة، تافهة" مفردات، يأتي منها الجمع بزيادة الألف والتاء، فنقول: "مثقفات، طيبات، جاهلات، تافهات" دون تغيير في المفرد -سوى حذف تاء التأنيث منه إن وجدت- وهذا هو الغالب فيما يجمع هذا الجمع وهو ما يفسر تسميته "سالما". وأظنه قد وضح الآن معنى الكلمات الثلاث "جمع، مؤنث، سالم" وهو اسم الشهرة لهذا الجمع. د- أن الألف والتاء اللتين يتحقق بهما صورة هذا الجمع لا بد أن تكونا زائدتين على المفرد، وذلك بأن تكون بنية المفرد الأصلية خالية منهما، فلنلاحظ الأمثلة: - تحيات، مباركات، طيبات، مقبولات. "جمع مؤنث سالم الألف والتاء زائدتان". - قُضَاة، هُدَاة، بُنَاة، دُعَاة، رُقَاة. "جمع تكسير لا جمع مؤنث". - غُزَاة، رُمَاة، سُعَاة، جُفَاة. "الألف هنا أصلية". - أبْيَات، أصوات، أمْوات، أثبات. "جمع تكسير لا جمع مؤنث التاء أصلية". هذا هو الاتجاه المشهور، لكن أهل الدقة من علماء النحو -رحمهم الله- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 فضلوا على الاسم السابق اسما آخر هو "ما جمع بألف وتاء" فوافقوا بذلك الاتجاه المشهور في صفتين هما "الجمع، زيادة الألف والتاء" وصرفوا النظر على الصفتين الباقيتين وهما "مؤنث سالم" للآتي: أ- أن هذا الجمع كما يأتي من المفرد المؤنث، يأتي أيضا من المفرد المذكر، مثل: "تصرف، واجب، بيان، مطار، حمَّام" فتجمع على الترتيب "تصرفات، واجبات، مطارات، حمامات". وبناء على ذلك فلا داعي لأن يطلق على هذا الجمع أنه "مؤنث". ب- أن هذا الجمع -كما يأتي من المفرد السالم الذي لا يتغير حين جمعه- قد يتغير مفرده حين الجمع، مثل "زَهْرة، صَفْحة، غُرْفة، زَفْرة، ظُلْمة، ذِكْرى، عذراء" فتقول في جمعها على الترتيب: "زهرات، صفحات، غرفات، زفرات، ظلمات، ذكريات، عذراوات". مما لو تأملتها -أدنى تأمل- لوجدت أنه قد تغير من المفرد حركة أو حرف. وبناء على ذلك فلا داعي لأن يطلق على هذا الجمع أنه "سالم". والذي أختاره -بعد توجيه كلا المصطلحين- هو اسم "جمع المؤنث السالم" مراعاة لقربه من أذهان المبتدئين، وشهرته بين المعربين وأغلب المتخصصين. وعلى كل حال، فإن هذا الجمع يرفع بالضمة وينصب بالكسرة ويجر بالكسرة، فيخرج عن الأصل في حالة النصب فقط. وإذا عاودنا النظرة إلى الأمثلة التي بدأ بها الموضوع، فإن الكلمات "مثقفاتٌ، طيباتٌ، جاهلاتٌ، تافهاتٌ" مرفوعة جميعا بالضمة، أما كلمة "واجبات" فإنها منصوبة بالكسرة وكلمة "تصرفاتٍ" مجرورة بالكسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 - جاء في القرآن: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ} 1. - وجاء في القرآن: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} 2. - وجاء في القرآن: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} 3. ما يجمع هذا الجمع من المفردات: أهم الأسماء المفردة التي يأتي منها هذا الجمع صنوف أربعة هي: 1- ما كان في آخره تاء التأنيث مطلقًا، سواء أكان مؤنثا في المعنى أيضا مثل: "فاطمة، عائشة" أم كان مؤنثا في اللفظ فقط مثل: "معاوية، حمزة، طلحة، أسامة" وسواء أكان علما -كالأمثلة السابقة- أم صفة مثل: "مشهودة، عالية" فنقول في جمع المفردات السابقة جميعا على التوالي: "فاطمات، عائشات، معاويات، حمزات، طلحات، أسامات، مشهودات، عاليات". 2- ما كان في آخره ألف التأنيث مطلقا، سواء أكانت مقصورة مثل: "ليلى، نجوى، ذكرى" أم ممدودة مثل "لمياء، سمراء، لفَّاء" تقول في ذلك كله حين جمعه: "ليليات، نجويات، ذكريات، سمراوات، لفَّاوات". 3- ما كان خاليا من العلامتين السابقتين، ولكنه مؤنث تأنيثا معنويا مثل: "سعاد، زينب، سهير، ابتسام، إلهام" فتقول فيها جميعا: "سعادات، زينبات، سهيرات، ابتسامات، إلهامات". 4- ما كان خاليا من العلامتين السابقتين، ولكنه اسم جنس لغير العاقل   1 من الآية 38 من سورة ق. 2 من الآية 152 من سورة الصافات. 3 من الآية 168 من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 مثل: "حمّام، مطار، اشتباك، واجب" فنقول فيها على التوالي: "حمامات، مطارات، اشتباكات، واجبات". ما ألحق بجمع المؤنث من الكلمات: مرة ثالثة نتذكر أن المقصود بالملحق بجمع المؤنث السالم -مثل المثنى وجمع المذكر- وورد أسماء في اللغة على صورة جمع المؤنث وتعرب إعرابه ولكنها في الوقت نفسه ليست جمعا في الحقيقة، إذ لا تنطبق عليها شروطه أو لا يحمل معناه، فهي إذن ملحقة به؛ لأنها على صورته، ولكنها ليست منه، إذ لا ينطبق عليها شروطه ومعناه. والكلمات التي ألحقت بجمع المؤنث السالم تأتي في مجموعتين: المجموعة الأولى: أولات وهي المقابل المؤنث لكلمة "أولو" في معناه وإعرابه، فكما أن كلمة "أولو" بمعنى "أصحاب" فإن كلمة "أولات" بمعنى "صاحبات" مثل: "أولات العفة، أولات الرِّقَّة، أولات الخلق" وكما أن "أولو" تلحق بجمع المذكر في إعرابه فترفع بالواو وتنصب وتجر بالياء، فإن "أولات" تلحق بجمع المؤنث السالم، فترفع بالضمة وتنصب وتجر بالكسرة، تقول: "تتبرج أولاتُ النفوسِ الضعيفة بطريقة فاضحة مثيرة، لكن أولاتِ العفة يراعين في زينتهن الاعتدالَ والحشمة" ومن ذلك: - قول القرآن: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 1.   1 من الآية 4 من سورة الطلاق. إعراب الآية: {وَأُولاتُ} : مبتدأ مرفوع بالضمة، {الْأَحْمَالِ} : مضاف إليه مجرور بالكسرة، {أَجَلُهُنَّ} أجل: مبتدأ ثانٍ مرفوع بالضمة، وضمير الغائبات مضاف إليه، {أَنْ يَضَعْنَ} أن: حرف مصدري ونصب، يضعن: فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة في محل نصب، ونون النسوة فاعل مبني على الفتح في محل رفع، والمصدر المؤول من "أن والفعل" خبر المبتدأ الثاني والمبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول، {حَمْلَهُنّ} حمل: مفعول به منصوب بالفتحة وضمير الغائبات مضاف إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 - قول القرآن: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 1. المجموعة الثانية: سُمِّيَ به من هذا الجمع وذلك أن تصبح صورة هذا الجمع اسما لفتاة أو موضع، وهو كثير ومنه: "عطيات، عنايات، زينات، هنوات، سعادات، عزات، أملات، عرفات، أذرعات: وهو موضع بالشام". هذا النوع من الأسماء -كما هو واضح- جمع في اللفظ، لأن كل كلمة من هذه الكلمات لها مفرد ابتداء قبل التسمية به، ومفردات الأسماء السابقة على التوالي: "عطية، عناية، زينة، هناة، سعادة، عزة، أملة، عرفة، أذرعة". لكن هذا الجمع قد سمي به فأصبح بصورته في الجمع يطلق على واحد فقط، فمعناه إذن واحد، وإن كانت صورته الجمع، ولذلك ألحق بجمع المؤنث السالم، ولم يعتبر جمعا بعد التسمية به. وقد ورد في إعراب كلمات هذه المجموعة الوجوه الآتية:   1 من الآية 7 من سورة الطلاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 1- إعراب جمع المؤنث السالم وبقاء الكلمات منونة، تقول: "زارت عطياتٌ صديقتها زينات في بيتها وذاكرتا مع زميلتهما عنايات". 2- إعراب جمع المؤنث السالم وترك التنوين: تقول "عرفاتُ جبل قرب مكة، والمسلمون يقدسون عرفاتِ بالصعود عليه والمبيت فيه في موسم الحج". 3- إعراب الاسم الذي لا ينصرف: فيرفع بالضمة وينصب ويجر بالفتحة من غير تنوين، تقول: "اصطحبت عناياتُ زميلتها زيناتَ ومرَّتا على أملاتَ ليذهَبْن جميعًا للنزهة". ومن البيّن في هذه الوجوه الثلاثة أن الأول يراعي تماما الجمع قبل التسمية به، فيعربه بعد التسمية إعراب جمع المؤنث وينونه، والثاني يراعي الجمع قبل التسمية في الإعراب فقط، لكنه يلاحظ -بعد التسمية- أنه أصبح علما مؤنثا فيمنعه من التنوين، أما الوجه الثالث فيصرف النظر تماما عن الأصل -وهو الجمع- ويعتبره علما مؤنثا فيمنعه التنوين ويعربه إعراب ما لا ينصرف. وقد ورد بهذه الوجوه الثلاثة قول امرئ القيس يتغزل في معشوقته: ومثلِكِ بيضاء العوارِض طَفلةٍ ... لَعُوبٍ تُنَسِّيني إذا قمْتُ سِرْبَالِي لطيفة طيِّ الكشحِ غيرِ مُفَاضةٍ ... إذا انْفَتَلتْ مُرْتَجَّةٍ غيرِ مِتْفَالِ إذا ما استحمّتْ كان فيضُ حمِيمِها ... على مَتْنَتيها كالجُمانِ لَدَى الْجَالِي تنَوَّرتُها من أذرعات وأهلُها ... بِيَثْرِب أدْنَى دارِها نظرٌ عالِي1   1 العوارض: جمع عارض وهو صفحة الوجه، الطفلة: اللينة الناعمة، السربال: الثوب، الكشح: الخصر، غير مفاضة: غير مهدلة البطن، مرتجة: بضة الجسم، غير متفال: ليست كريهة الرائحة، متنتيها: جانبي ظهرها، الجمان: الفضة النقية، الجالي: الصيرف الذي يعد الفضة، أذرعات: بلد في الشام، يثرب: مدينة الرسول. يصف عشيقته بأنها بيضاء الوجه، لينة الجسم، رقيقة الخصر، بضة، طيبة الرائحة، نظيفة البدن، ينسدل الماء على جسمها كقطع الفضة البيضاء، ويتخيل أنه يرى -من شوقه- نارها مع بعد المكان -بعد الشام عن المدينة- وله عذره!! والشاهد في البيت الأخير: كلمة "أذرعات" فهي ملحقة بجمع المؤنث وقد وردت بروايات ثلاث: مكسورة منونة، ومكسورة غير منونة، ومفتوحة الآخر دون تنوين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 والشاهد في كلمة "أذرعات" في البيت الأخير، فقد رويت مكسورة منونه "أذرعاتٍ" على الوجه الأول، وبغير تنوين "أذرعاتِ" على الثاني ومفتوحة بغير تنوين "أذرعاتَ" على الوجه الأخير. والذى أراه -بعد فهم كل هذه الأوجه- أن الوجه الأخير أقرب إلى استعمال اللغة، إذ إن هذه الأسماء -بعد أن سمي بها- أصبحت لدى الناطق العادي أسماء مفردة مؤنثة، حيث يتوارى وراء هذا الاستعمال الأصل الذي نقلت عنه وهو الجمع، وهذا الاستعمال والإحساس به يرجح لديّ الوجه الأخير من اعتبارها "أعلاما مؤنثة" تعرب إعراب ما لا ينصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 الأفعال الخمسة : 1- المقصود بالأفعال الخمسة، وكيفية إعرابها 2- يتفرع على هذا الموضوع المسألتان الآتيتان: أ- اجتماع نون الرفع مع نون الوقاية ب- حذف نون الرفع لضرورة الشعر الأفعال الخمسة وكيفية إعرابها: لعلماءُ يصنعون عقلَ الأمَّة والأدباء يكوِّنون ضميرها. والأمَّةُ الواعيةُ تهتمُّ بعلمائِها ليؤدُّوا رسالتهم لها بإخلاص. فإنهم يشعرون بالمرارةِ واليأسِ إذا لم يجدوا الرِّعايةَ والتقدير. الأفعال الخمسة أو "الأمثلة الخمسة" هي صور خمس من الفعل المضارع تمثل نماذج يندرج تحتها كثير من الأفعال، وليس المقصود بها أفعالا معينة بذاتها. ويقصد بالأفعال الخمسة: كل فعل مضارع اتصل به ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة ا. هـ. ومقتضى الكلام السابق أن هذه الأفعال ثلاثة لا خمسة، لأن المضارع من هذه الأفعال يكون مع ألف الاثنين -وهذه واحدة- أو واو الجماعة -وهذه ثانية- أو ياء المخاطبة -وهذه ثالثة- فكيف صارت خمسة؟؟ الحق أن ألف الاثنين تأتي مع المضارع للغَائِبَيْن أو المخاطَبَيْن، ومثلها تماما واو الجماعة تكون للغائِبِين أو المخاطبِين، فهذه أربع صور، ويضاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 إليها صورة ياء المخاطبة، فتلك إذن خمس، فلنلاحظ الأمثلة الآتية: - يصنعان، يكوّنان، يؤديان، يشعران، يجدان. "مضارع مسند لألف الاثنين للغائِبَين". - تصنعان، تكوّنان، تؤديان، تشعران، تجدان. "مضارع مسند لألف الاثنين للمخاطَبَين". - يصنعون، يكوِّنون، يؤدُّون يشعرون، يجدون. "مضارع مسند لواو الجماعة للغائِبِين". - تصنعون، تكوّنون، تؤدون، تشعرون، تجدون. "مضارع مسند لواو الجماعة للمخاطَبِين". - تصنعين، تكوّنين، تؤدّين، تشعرين، تجدين. "مضارع مسند للمخاطبة". فهذه هي الأفعال الخمسة، ويعبر عنها أحيانا بالوزن الصرفي، فيقال -كما جاء في ابن عقيل- وهي "يفعلان، تفعلان، يفعلون، تفعلون، تفعلين". وإعراب الأفعال الخمسة يكون كالآتي: ترفع بثبوت النون نيابة عن الضمة، وتنصب بحذف النون نيابة عن الفتحة، وتجزم بحذف النون نيابة عن السكون. وإذا عاودنا النظر إلى الأمثلة التي بدأ بها الموضوع، وجدنا الأفعال، "يصنعون، يكونون، يشعرون" في الأمثلة مرفوعة -لتجردها من الناصب والجازم- بثبوت النون، والفعل "يؤدوا" منصوب -بعدم لام التعليل- بحذف النون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وأما الفعل "يجدوا" فهو مجزوم بعد "لم" وعلامة جزمه حذف النون. - جاء في القرآن: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} 1. - وجاء في القرآن: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} 2. - وجاء في القرآن: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} 3. ما يتفرع على ذلك: يتفرع على هذا الموضوع السابق مسألتان: الأولى: نون الرفع مع نون الوقاية لاحظ الأمثلة الآتية: "تَتذكرانِني، تَزورانِني، تُؤنسونَني، تُسعدونني". من البيّن أن هذه الأفعال الأربعة أصلها "تتذكران، تزوران، تؤنسون، تسعدون" والنون الموجودة ههنا هي نون الرفع، ثم جاء بعدها نون الوقاية وهي نون تتوسط بين الفعل وياء المتكلم لتقي الفعل من الكسر -كما قالوا- فصار على الصورة السابقة باجتماع النونين متجاورتين، الأولى نون الرفع والثانية نون الوقاية، وقد جاء نطق العرب لهاتين النونين على الصور الثلاث الآتية:   1 من الآية 281 من سورة البقرة. 2 الآية 78 من سورة المائدة. 3 من الآية 129 من سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 1- بقاء النونين على أصلهما، فينطق بهما معا -كما هو واضح في الأمثلة السابقة- وكما جاء في القرآن: {أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} 1، وقوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} 2. 2- إسكان النون الأولى -نون الرفع- وإدغامها في الثانية، فتصير نونًا مشددة، كما لو نطقنا الأمثلة السابقة "تتذكرانِّي، تزورانِّي، تؤسونِّي، تسعدونِّي" وقد قرئت بذلك الآية: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} 3. 3- أن تحذف النون الأولى تخفيفا للنطق، كما لو نطقنا الأمثلة السابقة: "تتذكرانِي، تزورانِي، تؤسونِي، تسعدونِي" وحينئذٍ يكون الفعل مرفوعا بالنون المحذوفة تخفيفا. الثانية: حذف نون الرفع لضرورة الشعر المعلوم -كما سبق- أن مجال الشعر ضيق لتقيد الشاعر بالوزن والتفاعيل المعدودة، والقافية اللازمة، ولذلك فإنه يباح للشاعر ما لا يباح للناثر، ومما يباح له أحيانًا حذف نون الرفع في الأفعال الخمسة إذا اضطر إلى ذلك، وقد ورد ذلك في شعر الفصحاء من شعراء الجاهلية والإسلام، ومن ذلك:   1 من الآية 17 من سورة الأحقاف. 2 من الآية 5 من سورة الصف. 3 الآية 54 من سورة الزمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 - قول طرفة بن العبد: يا لَك من قُبَّرةٍ بمَعْمَرِ خلَا لَكِ الجوُّ فبيضي واصْفِرِي ونقّري ما شئتِ أن تُنَقِّرِي قد رُفع الفخُّ فماذا تحذرِي لا بُدَّ يومًا أن تُصَادِي فاصْبِرِي1 وقد كان مقتضى الكلام أن يقول: "ماذا تحذرين" لكنه حذف النون لضرورة الوزن والقافية. - قول الشاعر يؤنب زوجه بطريقة رديئة: أبِيتُ أسْري وتبيتي تدلُكي وجهَكِ بالعنبر والمسْك الزكي2 وقد كان مقتضى الكلام أن يقول: "وتبيتين تدلكين" لكنه حذف النون لضرورة الوزن والقافية.   1 القبرة: طائر معروف، معمر: اسم مكان، اصفري: الصفير إرسال الصوت في طلاقة. والأبيات خطاب لقبرة صفا لها الجو وخلا، فلها أن تبيض وتزقزق وتنقر الأرض حيث تشاء دون خوف من الصياد وآلته، ثم يتوعدها أخيرًا بأنها سوف تصاد فيما بعد، وبعد الفرح الحزن. والأبيات تستخدم لكل من غرته السعادة العاجلة عن الشر الآجل. الشاهد فيها "فماذا تحذري" وكان حقه أن يقول: "فماذا تحذرين" لكن حذفت النون لضرورة الوزن والقافية. 2 يدل على امرأته بأنه يشقى ويتعب ويكدح، أما هي فعملها التزين والتطيب، مع أن هذا من طبائع الأمور!! الشاهد في "تبيتي" وكان من المفروض أن يقول "تبيتين" ولكنه حذف نون الرفع للضرورة الشعرية، ومثلها "تدلكي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 المضارع المعتل الآخر : - المقصود بالمضارع المعتل الآخر وأنواعه 2- معنى المصطلحين النحويين "التعذر، الثقل" 3- كيفية إعراب المضارع المعتل الآخر المضارع المعتل الآخر وأنواعه: - يهوَى، يرضَى، يبقَى، ينهَى، يرقَى. "معتل الآخر بالألف". - يبنِي، يهدِي، تفدِي، يُوفِي، يخفِي، يقضِي. "معتل الآخر بالياء". - يرجُو، يسمُو، يعلُو، يغزُو، يعدُو، يحلُو. "معتل الآخر بالواو". جاء في ابن عقيل: المعتل من الأفعال هو ما كان في واو قبلها ضمة نحو "يغزُو" أو ياء قبلها كسرة نحو "يرمِي" أو ألف قبلها فتحة نحو "يخشَى" ا. هـ. وتقريب هذه العبارة أن المضارع المعتل الآخر هو -كما يدل اسمه- ما كان في آخره حرف علة ألف أو واو أو ياء. ويترتب على ذلك بالضرورة أن أنواعه هي: معتل الآخر بالألف، معتل الآخر بالياء، معتل الآخر بالواو. معنى المصطلحين: التعذر، الثقل التعذر: استحالة ظهور الحركة على حرف العلة، حيث يتعذر على اللسان أن تظهر الحركة عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 ويكون ذلك مع المعتل بالألف مثل: "يهوَى، يرضَى" ولك أن تحاول إظهار الحركة -ضمة أم فتحة- على آخر هذين الفعلين وهو الألف وإنك لن تستطيع!! الثقل: صعوبة ظهور الحركة على حرف العلة، حيث يثقل على اللسان أن تظهر الحركة عليه، وإن كان يستطيع ذلك مع مشقة. ويكون ذلك مع المعتل بالواو أو الياء في بعض الحالات الإعرابية فمثلا الفعلان "تهْدِي، تسمُو" لو حاولنا إظهار الضمة عليهما، لأمكن ذلك، فنقول: "تهْدِيُ، تسْمُوُ" ولكن يكون ذلك ثقيلا على اللسان ويشق عليه النطق بها على الواو أو الياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 كيفية إعراب المضارع المعتل الآخر: لنتأمل الجدول الآتي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 الاستنتاج: مكن الاستنتاج من الجدول السابق بطريقتين أفقية ورأسية الطريقة الأولى: الأفقية تلخص في الآتي: أ- الفعل المضارع المعتل الآخر بالألف: تقدر عليه الضمة في حالة الرفع والفتحة في حالة النصب، ويجزم بحذف حرف العلة. ب- الفعل المضارع المعتل الآخر بالياء: تقدر عليه الضمة في حالة الرفع وتظهر عليه الفتحة في حالة النصب، ويجزم بحذف حرف العلة. ج- الفعل المضارع المعتل بالواو: تقدر عليه الضمة في حالة الرفع وتظهر عليه الفتحة في حالة النصب، ويجزم بحذف حرف العلة -مثل المعتل بالياء تمامًا. الطريقة الثانية: الرأسية تلخص في الآتي: أ- الفعل المعتل عمومًا: في حالة الرفع تقدر عليه الضمة. ب- الفعل المعتل عمومًا: في حالة الجزم يحذف منه حرف العلة. ج- الفعل المعتل في حالة النصب، تقدر الفتحة على المعتل بالألف وتظهر على المعتل بالياء والواو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 الإعراب الظاهر والمقدر : تمهيد: يحترمُ المواطنُ الشريفُ حرِّيَّاتِه وحرِّيَّاتِ الآخرين. لكنْ يَحْيَا بعضُ الناسِ لرغباتِه فقط ويتعامَى عن هوَى الآخرين. الإعراب الظاهر: هو ما كانت له علامة ظاهرة من علامات الإعراب سواء أكانت أصلية أم فرعية. والإعراب المقدر: هو ما لم تكن له علامة ظاهرة في الكلام، وإنما علامته مقدرة؛ إذ يتخيل له علامة للرفع أو النصب أو الجر. ويلاحظ في العبارتين السابقتين ما يلي: الكلمات "يحترم، المواطن، الشريف، بعض، الناس، رغبات" في كل منها علامة ظاهرة أصلية، هي الضمة أو الكسرة. أما الكلمتان "حريات، الآخرين" ففي كل منهما أيضا علامة ظاهرة فرعية هي في الأولى الكسرة وفي الثانية الياء. لكن الكلمات "يحيا، يتعامى، هوى" ليست فيها علامة ظاهرة، فليست هناك ضمة ظاهرة على آخر الفعل "يحيا" أو الفعل "يتعامى" وليست هناك كسرة ظاهرة على ألف كلمة "هوى"، ولذلك يتخيل على آخر كل منهما علامة إعراب مناسبة لوظيفته النحوية، ضمة أو فتحة أو كسرة. والخلاصة: أن الإعراب الظاهر ما له وجود فعلا على آخر الكلمة، أما الإعراب المقدر، فهو لا ينطق به، لكنه يتخيل على آخر الكلمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وينبغي -بعد هذا الفهم- أن نلاحظ الأمور الآتية: أولا: أن كل ما سبق شرحه من الإعراب الأصلي والفرعي -بأبوابه السبعة- إنما هو من الإعراب الظاهر، باستثناء المضارع المعتل الآخر وسيعرف بعد قليل الرأي فيه. ثانيا: أن الذي يقدر من علامات الإعراب إنما هو العلامات الأصلية فقط "الضمة، الفتحة، الكسرة" ولا تقدر العلامات الفرعية. ثالثا: الإعراب المقدر يكون في الفعل المضارع المعتل الآخر -كما سبق بيانه- على التفصيل الآتي: أ- في حالة الرفع مع كل أنواعه "المعتل بالألف أو الواو أو الياء". ب- في حالة النصب مع المعتل بالألف فقط. وقد سبق شرح ذلك فلا حاجة إلى إعادته. رابعا: يأتي الإعراب المقدر في أصناف ثلاثة من الأسماء هي: 1- المقصور: مثل "النُّهَى، الرِّضَى، العُلى". 2- المنقوص: مثل "السامي، الهادي، الداعي". 3- المضاف لياء المتكلم: مثل "بلادِي، وطنيِ، حياتيِ". وهذه الثلاثة في حاجة إلى بيان الإعراب المقدر فيها تفصيلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 الأسماء التي يقدر عليها الإعراب: المقصور، المنقوص، المضاف لياء المتكلم" 1- المقصود بالأسماء الثلاثة "المقصور، المنقوص، المضاف لياء المتكلم" 2- معنى المصطلحات النحوية الثلاثة "التعذر، الثقل، المناسبة" 3- كيفية إعراب الأسماء الثلاثة السابقة المقصود بالأسماء الثلاثة: البُشْرَى، اليُسْرَى، الشُّورَى، الهُدَى، الرِّضَى. "المقصور". - الهادِي، الراضِي، القاضِي، البانِي، الرامِي. "المنقوص". - وطنِي، أسرتِي، كليتِي، إيمانِي، عزيمتِي. "المضاف لياء المتكلم". والتحديد العلمي لهذه الأسماء الثلاثة هو: المقصور: هو الاسم المعرب الذي آخره ألف لازمة قبلها فتحة. ا. هـ. وهنا ينبغي التنبيه إلى أن وجود الألف في آخره إنما يقصد به النطق لا الكتابة، فكلمة مثل: "البشرى" اسم مقصور، إذ تنطق بالألف وإن كانت الكتابة بالياء، فالنحو لا شأن له -كما سبق القول- بالكتابة وإنما يدرس النطق. المنقوص: هو الاسم المعرب الذي آخره ياء لازمة قبلها كسرة. ا. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 المضاف لياء المتكلم: هو الاسم المعرب الذي كمل معناه بإضافة ياء المتكلم إليه. ا. هـ. فالاسم المعرب يطلق عليه مضاف وياء المتكلم يطلق عليها "مضاف إليه" فمثلا "وطني" مكونة من كلمتين هما "وطن، ياء المتكلم" بالفهم الآتي: 1- "وطن" هي "المضاف" لياء المتكلم، وآخره مكسور حين الإضافة، وهذا الاسم هو المقصود بالدراسة هنا. 2- ياء المتكلم هي "المضاف إليه" وهو اسم مبني في محل جر، ويقتضي كسر ما قبله دائمًا، ومما يقتضي كسر آخره -حين الإضافة- الاسم المضاف. المصطلحات الثلاثة: التعذر، الثقل، المناسبة. التعذر: هو -كما سبق في المضارع المعتل الآخر- استحالة ظهور الحركة على حرف العلة، حيث يتعذر على اللسان أن تظهر الحركة عليه. ويكون ذلك هنا مع الاسم المقصور، مثل: "الشُّورَى، الهُدَى" فالألف التي في آخر هذين الاسمين لا تقبل الحركة، ولك أن تجرِّب إظهار الحركة -ضمة أم فتحة أم كسرة- على هذين الاسمين، وإنك لن تستطيع النطق بها. الثقل: هو -كما سبق في المضارع المعتل الآخر- صعوبة ظهور الحركة على حرف العلة؛ حيث يثقل على اللسان أن تظهر الحركة عليه، وإن كان يستطيع ذلك مع مشقة. ويكون ذلك هنا مع الاسم المنقوص في بعض حالاته الإعرابية مثل: "الهادِي، القاضِي" فالياء التي في آخر هذين الاسمين يصعب نطقًا أن تشكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 بالضم، بأن يقال: "الهادِيُ، القاضِيُ" كما يصعب نطقًا أن تشكل بالكسر فيقال: "الهادِيِ، القاضِيِ"، فالنطق بذلك -وإن كان ممكنا- لكن فيه مشقة على اللسان، وهذا ما يسمى بالثقل. المناسبة: وجود حركة لازمة في آخر الاسم المعرب لمناسبة اسم آخر متصل به، وتسمى هذه الحركة حركة المناسبة، ويترتب على وجودها الضروري ألا تظهر على آخر الاسم حركات الإعراب. ويكون ذلك في المضاف لياء المتكلم، إذ تقتضي الياء -كما سبق- كسر آخر الاسم "المضاف" دائمًا لمناسبة الياء، مثل: "وطنِي، أسرتِي" حيث توجد في الكلمتين كسرة لازمة على "النون والتاء" لمناسبة الياء، فلا يستطاع نطقًا الإتيان معها بحركات الإعراب الأخرى، ضمة أم فتحة أم كسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 إعراب الأسماء الثلاثة: لنتأمل الجداول الآتي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الاستنتاج: من تأمل الجدول السابق يستنتج ما يلي: أ- الاسم المقصور: تقدر عليه الضمة والفتحة والكسرة للتعذر. ب- الاسم المنقوص: تقدر عليه الضمة والكسرة فقط للثقل، وتظهر عليه الفتحة. ج- الاسم المضاف إلى ياء المتكلم: تقدر عليه الضمة والفتحة والكسرة للمناسبة. والخلاصة: أن هذه الأسماء الثلاثة تقدر عليها جميعًا الحركات الثلاث -رفعًا ونصبًا وجرًّا- مع اختلاف السبب -ما عدا الاسم المنقوص في حالة النصب فإنه تظهر عليه الفتحة. فلنتأمل الشواهد الآتية: - جاء في القرآن: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} 1. فكلمة "الوادِي" اسم منقوص مجرور بالكسرة المقدرة على الياء للثقل. وكلمة "طوَى" اسم مقصور بدل من "الوادي" مجرور بالكسرة المقدرة على الألف للتعذر. - جاء في القرآن: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} 2. فكلمة "المنادي" اسم منقوص فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل.   1 من الآية 12 من سورة طه. 2 من الآية 41 من سورة ق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 - وجاء في القرآن: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} 1. كلمة "داعيَ" اسم منقوص مفعول به منصوب بالفتحة. - وجاء في القرآن: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} 2. فالكلمتان "أهلي، أمري" مجرورتان بالكسرة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها حركة المناسبة، والكلمتان "أخي، أزري" منصوبتان بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها حركة المناسبة. - قال زفر بن الحارث: أيذهبُ يومٌ واحدٌ إنْ أسأتُه ... بصالح أيَّامي وحسنِ بَلَائِيَا وقد ينبتُ المرْعَى على دِمَنِ الثَّرَى ... وتبقى حزَازَات النفوسِ كما هيا3 وفي هذين البيتين تعرب إعرابًا مقدرًا الكلمات "أيامي، بلائي، الثرى".   1 من الآية 21 من سورة الأحقاف. 2 الآيات 29، 30، 31، 32 من سورة طه. 3 الدمن: آثار الناس والديار، الحزازات: جمع "حزازة" وهي ألم القلب من الغيظ والحقد. المعنى: إن إساءة يوم واحد مني تمحو عند الناس ما قدمته من قبل من الحسنات، وهذا غير غريب على نفوس الناس وخستها، إذ تنطوي على الضغائن فلا تنساها، فتتلمس السقطات وتترك الحسنات، فالأرض أكرم منهم؛ إذ ينبت الزرع بعد الخراب وفوق الدمن. وفي البيت دليل: على أن الكلمتين "أيامي، بلائي" المجرورتين بالإضافة قدرت عليهما الكسرة لمناسبة الياء، وأن كلمة "الثرى" مجرورة بالإضافة أيضًا وقدرت عليها الكسرة للتعذر، لأنها اسم مقصور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 البناء مدخل ... ثانيا: البناء: تمهيد: يحدد معنى البناء عبارة واحدة هي: "لزوم آخر الكلمة حالة واحدة لا تتغير بتغير العوامل الداخلة عليها" ا. هـ. - يقول أحد الشعراء معاتبًا: وأنتَ الذي أخلَفْتَنِي ما وعدْتني ... وأشْمَتَّ بي من كانَ فيكَ يلومُ فكلمات هذا البيت جميعًا -ماعدا الكلمة الأخيرة- كلها مبنية والبناء في آخر الكلمات "أنت، الذي، أخلف، التاء، نون الوقاية، ياء المتكلم، ما، وعد، أشمت، الباء، ياء المتكلم، مَنْ، كان، في، الكاف". وقد اختلف شكل آخر كل واحدة منها عن الأخرى، فبعضها شكل بالفتحة مثل: "أنتَ، التاء، كانَ، الكاف" وبعضها شكل بالكسرة مثل: "نون الوقاية، باء الجر" وبعضها شكل بالسكون مثل: "الذي، أخلفْت، ياء المتكلم، ما، وعدْت، أشمتّ، منْ، في" ومع ذلك فإنها جميعا مبنية، إذ يلزم آخرها صورة واحدة لا يتحول عنها من جملة إلى أخرى، فمثلا الكلمات: "أنت، الذي، كان" لا يتغير آخرها أبدًا في أي جملة صادفتها في اللغة العربية بل تبقى الأولى دائما مفتوحة الآخر، والثانية ساكنة، والثالثة مفتوحة، وهذا هو المقصود بالبناء. لكن ينبغي قبل دراسة ما يتعلق بهذا الباب معرفة الملاحظات الآتية حول التعريف السابق: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 أولا: أن البناء يقصد به شكل آخر الكلمة فقط، فهو في كلمة "أنتَ" الفتحة، وفي كلمة "الذي" السكون، وفي كلمة "كانَ" الفتحة، ولا شأن للبناء ببقية حروف الكلمة أو شكلها، فهو خاصية تتجه إلى آخر الكلمة فقط. ثانيا: أن البناء لا يتحقق إلا في جملة واحدة -تماما كالإعراب- فالكلمة المفردة لا يمكن الحكم عليها إن كانت متغيرة معربة أو لازمة الشكل مبنية إلا بتصور دخولها في "كلام" -كما سبق تحديده- فإذا دخلت جملة مفيدة ولم يتغير آخرها من كلام لآخر، فهي مبنية، وإلا فهي معربة. ثالثا: يفهم من ذلك بداهة أن الكلمة المبنية هي التي لا يتغير آخرها من جملة لأخرى مهما كانت الوظائف النحوية التي تجيء لها، ولنأخذ نموذجا لذلك كلمة "هؤلاء" اسم الإشارة لجماعة الذكور والإناث، فهي كلمة مبنية، يدل على ذلك وضعها في الجمل الآتية: - قول القرآن: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} 1. - قول القرآن: {إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} 2. - قول القرآن عن المنافقين: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ} 3. فالكلمة في الآية الأولى مبتدأ ولزمت الكسر، وفي الآية الثانية اسم "إن" ولزمت أيضا الكسر، وفي الآية الثالثة مجرورة بالحرف "إلى" ولزمت الكسر أيضًا، فهذه كلمة مبنية لا يتغير شكلها في الجمل المختلفة.   1 من الآية 87 من سورة هود. 2 من الآية 27 من سورة الإنسان. 3 من الآية 41 من سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 رابعا: يترتب على ذلك بداهة أيضا أن علامات البناء هي الشكل الذي يلازم آخر الكلمة المبنية، سواء أكان هذا الشكل الملازم ضمة أم فتحة أم كسرة أم سكونًا، كما تنطق بذلك النماذج الآتية: - منذُ، حيثُ، قبلُ، بعدُ، أولُ، علُ. "مبني على الضم". - إنَّ، لعلَّ، ربَّ، كيفَ، أينَ، الآنَ، فهمَ. "مبني على الفتح". - هؤلاءِ، شرابِ، حذامِ، جيرِ، أمسِ. "مبني على الكسر". - مَنْ، مِنْ، ما، الذي، هلْ، بلْ، قدْ، افْهَمْ. "مبني على السكون". خامسا: الجوانب المهمة للدراسة في باب البناء تأتي في أمور أربعة هى: 1- البناء في الأسماء 2- البناء في الأفعال 3- البناء في الحروف 4- المحل الإعرابي للكلمات المبنية مع الوظائف النحوية المختلفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 البناء في الأسماء : 1- الرأي في أسباب بناء الأسماء 2- الأسماء المبنية بصورة عامة أسباب بناء الأسماء: معظم الأسماء العربية معرب، بمعنى أنه يتغير آخره بتغير وظائفه النحوية. ومن الأسماء ما هو مبني، بمعنى أنه يلزم آخره شكلا معينا لا يتغير، والأسماء المبنية في اللغة العربية يمكن حصرها وتحديدها كما سيأتي. لكن، لماذا بنيت الأسماء؟؟ لقد قدم النحاة العرب -بعد افتراض هذا السؤال- الإجابة عنه بكلام طويل مجهد يعجب الذهن، ولكنه لا يفيد اللغة، وما كان أغناهم عن الخوض فيه. والرأي المشهور عن ذلك في كتب النحو ما قرره ابن مالك -وأطال فيه شرَّاح الألفية- في قوله: والاسم منه معرب ومبني ... لشبهٍ من الحروف مُدْنِي ومقتضى هذا الرأي أن الاسم يبنى إذا أشبه الحرف -أيّ حرف- والحروف كلها مبنية -كما سيأتي- فيبنى أيضا ما يشبهها من الأسماء. وأوجه الشبه بين الاسم والحرف -باختصار شديد- أربعة هي: 1- الشبه الوضعي: بمعنى أن يكون الاسم موضوعًا على حرف هجائي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 واحد أو حرفين، فيشبه في ذلك الحروف، لأن الأصل فيها أن تكون على حرف هجائي أو حرفين. وأكثر ما يأتى ذلك في "الضمائر" فهي أسماء مبنية، لشبهها بالحرف في الوضع، مثلا "التاء" في "فهمت" حرف واحد، وأيضا "نا" في "فهمنا" حرفان. 2- الشبه المعنوى: أن يكون الاسم دالا على معنى تدل عليه بعض الحروف: مثلا "الاستفهام" معنى من المعاني يدل عليها الاسم "مَنْ" في قولك "مَنْ أوّلُ الفرقة، كما يدل عليه حرف الهمزة في قولك: "أعرفتَ صوابك من خطئك؟؟ " "فأسماء الاستفهام" مبنية لهذا الشبه المعنوي ومثلها في ذلك أيضًا "أسماء الشرط". 3- الشبه الاستعمالي: يقصد به أن يستعمل الاسم كما يستعمل الحرف فلا يتأثر بما قبله ولكن يؤثر فيما بعده، كالمثالين "نصارِ الحقَّ" و"إنَّ الحقَّ واضحٌ" فكلمة "نصارِ" اسم فعل نصب بعدها كلمة "الحق" وكلمة "إن" حرف نصب بعده كلمة "الحق" ورفع كلمة "واضح" فأشبهت الأولى الثانية استعمالا ولذلك بنيت مثلها، وكذلك كل "أسماء الأفعال". 4- الشبه في الافتقار اللازم: ويقصد به أن تكون هناك أسماء لا يعرف المقصود منها إلا بغيرها، تماما كما هو الأمر في الحروف، ومن ذلك "الأسماء الموصولة" في حاجة إلى جملة الصلة، ومعروف أن الحرف لا يفهم معناه إلا حين ينضم إليه غيره من الأسماء والأفعال. هذا هو الموضوع، وقد صورته باختصار شديد لنتبين الرأي فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 والحق أن دراسة هذا الموضوع كله مما يطلق عليه "نحو الصنعة" لا "نحو اللغة" للآتي: أولا: أنه بحث عن علة استعمال اللغة، وهذا منهج مرفوض، لأن المعتبر هو الاستعمال نفسه لا علته. ثانيا: أنه بحث في المشابهة بين مسلك لغوي ومسلك آخر، وهذا أيضًا مرفوض؛ لأن المعتبر هو استقراء النطق نفسه لا مشابهته لغيره. ثالثا: أن كل أنواع الشبه التي ذكرت عمل ذهني من افتراض العقل وهذا مرفوض أيضًا؛ لأن المعتبر صورة الاستعمال نفسه لا ما تصوره الذهن عنه. رابعًا: أن كل أنواع المشابهة المذكورة يمكن نقضه والرد عليه مما يؤدي إلى الإجهاد وإضاعة الجهد فيما لا طائل وراءه. لذلك كله، ينبغي أن نضرب صفحا عن سؤال "لماذا بني الاسم؟! " -بعد تصوره وتصور الإجابة عنه- فهو أمر غير مفيد للنطق ولا للدارسين كي نوجه اهتمامنا لما هو مفيد فقط من معرفة "الأسماء المبنية". الأسماء المبنية: من استقراء اللغة عرف أن الأسماء المبنية تكاد تنحصر في الآتي: 1- الضمائر: سواء أكانت ضمائر منفصلة مثل: "أنا، أنت، هو" أم ضمائر متصلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 مثل قول القرآن: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 1، وسيأتي بيان الضمائر في موضعه من دراسة "المعارف". 2- أسماء الإشارة: للمفرد والجمع بنوعيهما، المذكر من ذلك والمؤنث، مثل: "هذا، هذه، هاتِه، هنا، هناك، هؤلاء". أما أسماء الإشارة للمثنى: "هذان، هاتان" فيعربان إعراب المثنى كما سبق. 3- أسماء الموصول: للمفرد والجمع بنوعيهما المذكر والمؤنث، وهي: "الذي، التي، الذين، اللّاتي، اللّائي" وأيضًا أسماء الموصول المشتركة -سيأتي شرحها-، مثل "من، ما". أما أسماء الموصول للمثنى "اللذان، اللتان" فإنها تعرب إعراب المثنى كما سبق بيانه. 4- أسماء الاستفهام: وهي التي يسأل بها عن شيء ما، مثل: "مَنْ، مَا، أَيْنَ، كَيْفَ، مَتَى" فإنها جميعًا مبنية، جاء في القرآن: {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ؟} 2، وتقول لصديقك "كيف حالُك؟ وأين تسكُن؟ ومتى أقابِلُك؟؟ ". ويستثنى من أسماء الاستفهام "أيّ" فإنها معربة، تقول "أيُّ أيَّامِك   1 من الآية4 من سورة "ن". 2 من الآية 72 من سورة "القصص". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 أسعدُ؟ " فكلمة "أيّ" مبتدأ مرفوع بالضمة، وتقول: "من أيِّ ناحية قدمتَ؟ " فكلمة "أيّ" مجرورة بالكسرة. 5- أسماء الشرط: وهي التي تعلق شيئين أحدهما على الآخر، تقول: "من يصنع الخيرَ يسعدْ، ومن يصنع الشر يشقَ به" وسواء أكانت أدوات الشرط جازمة مثل: "مَنْ، مَا، مَهْمَا، مَتَى، أيَّان، أنَّى، حيثُما" أم كانت غير جازمة مثل: "إذا". 6- أسماء الأفعال: يقصد بها الأسماء التي تدل على معنى الفعل ولا تقبل علامته، ومنها ما يكون بمعنى الماضي مثل "هيهاتَ" بمعنى "بَعُدَ" و "شتَّانَ" بمعنى "افترق" ومنها ما يكون بمعنى المضارع مثل "وَيْ" بمعنى "أعجب"، و "أفّ" بمعنى "أتضجر"، ومنها ما يكون بمعنى الأمر مثل "صَهْ" بمعنى "اسكتْ" و "مَهْ" بمعنى "كُفَّ عن الحديث! ". وهذه الأنواع السابقة سيأتي الكلام عن كل واحد منها تفصيلا في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله، فلكل منها باب مستقل لدراسته. 7- المركب من الأعداد والظروف والأحوال: - ويقصد بالمركب من الأعداد "أحدَ عشرَ، إحدى عشرةَ" إلى "تسعةَ عشرَ، تسعَ عشرةَ" فهذه كلها تبنى على فتح الجزءين -ما عدا اثني عشر واثنتي عشرة قال القرآن: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} . - ويقصد بالمركب من الظروف أن تركب كلمتان تدلان على الزمان أو المكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 تركيب "أحد عشر" مثل "صباحَ مساءَ، يومَ يومَ، بينَ بينَ" فهذا كله يبنى على فتح الجزءين أيضًا. قال كعب بن زهير: ومن لا يصرف الواشين عنه ... صباحَ مساءَ يبغُوه خبالا1 وقال الشاعر: آتٍ الرزقُ يومَ يومَ فأجمل ... طلبًا وابغِ للقيامة زادا2   1 الواشون: جمع واش، وهو الذي ينقل الكذب بين الناس، ليفسد بين المتحابين والأصدقاء، الخيال: الجنون، وهذا هو الأصل، والمراد بلبال العقل واضطرابه بما يسمعه من كلام الوشاة. المعنى: إن من لا يصرف الواشين عنه، قصدوه في الصباح والمساء، وهو خليق بالبلبلة واضطراب العقل. الشاهد في البيت: في "صباح مساء" تركيب الكلمتين تركيب "أحد عشر" فجعلتا بمنزلة كلمة واحدة، وبنيت على فتح الجزءين، ويقال عنهما في الإعراب ظرف مركب مبني على فتح الجزءين في محل نصب. 2 أجمل: معناها: أحسن، ومنه قول القرآن: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} ، والجمال هو الحسن، ابغ: أطلب بإصرار. المعنى: شتان بين طلب الدنيا وطلب الآخرة، الأول مطلوب، لكن برفق فالرزق على الله، والثاني مرغوب بإصرار وقوة، فإنه الزاد الباقي. الشاهد: في قوله: "يوم يوم" حيث ركب اسما الزمان، وجعلا اسمًا واحدًا بمنزلة "أحد عشر" وبني المركب على فتح الجزءين. إعراب البيت: آت: خبر مقدم مرفوع بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة وأصله "آتي"، الرزق: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة، يوم يوم: ظرف زمان مبني على فتح الجزءين في محل نصب، أجمل: فعل أمر مبني على السكون والفاعل مستتر تقديره "أنت"، طلبا: مفعول به منصوب بالفتحة، وابغ: الواو: حرف عطف، ابغ: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، والفاعل مستتر تقديره "أنت"، للقيامة: جار ومجرور، زادا: مفعول به منصوب بالفتحة وجملة "ابغ للقيامة زادا" معطوفة على جملة "أجمل طلبا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وقول عبيد بن الأبرص: نحمِي حقيقتنا وبعـ ... ـض القوم يسقط بينَ بينَا1 - ويقصد بالمركب من الأحوال أن تركب كلمتان دالتان على الحال تركيب "أحد عشر" فتبنيان أيضا على فتح الجزءين، كقول العرب "فلان جارِي بيت بيت" أي "ملاصقا" 8- الأعلام المختومة بكلمة "ويه" وذلك مثل "سيبويه، عمرويه، نِفطويه، رَاهويه، دَرَسْتَويه" فهذه كلها تبنى على الكسر، كقولنا "ألف سيبويهِ كتابَه المشهور في النحو" وكقولنا "من علماءِ الصرف المشهورين ابنُ دَرَسْتَويهِ"   1 الحقيقة -كما جاء في القاموس- ما يحق حمايته من الأهل والعرض والمال. يعرض الشاعر بامرئ القيس فيقول: إننا نحمي أعراضنا ودماءنا وأموالنا بخلاف بعض الناس -ومنهم امرؤ القيس- الذين يسقطون قبل الوصول إلى أهدافهم. الشاهد: قوله "بين بين" حيث ركب اسما المكان تركيب "أحد عشر" فبني المركب على فتح الجزءين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 9- الأعلام المؤنثة على وزن "فَعَالِ": وذلك في لغة أهل الحجاز، مثل "حَذَامِ، قَطَامِ، رَقَاشِ، سَجَاحِ" فيبنى ذلك كله على الكسر، مثل "كانت سجاحِ زوجًا لمسيلمةَ الكذَّابِ الذي ادعى النبوة وارتد عن الإسلام" ومن ذلك قول النابغة: أتارِكَةٌ تَدَلُّلَها قطامِ ... رَضِينَا بالتحيةِ والسلامِ1 وقول الشاعر: إذا قالتْ حَذَامِ فصدِّقُوها ... فإن القولَ ما قالتْ حَذَامِ3 10- بعض أسماء الزمان والمكان مثل "أمس" مرادًا به اليوم الذي قبل يومنا -في لغل أهل الحجاز- وكذلك "إذ، الآن، حيث" كقول القرآن: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} وقوله: {الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} 3 وقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 4   1 أتاركة تدللها قطام؟ الاستفهام للتمني، قطام: اسم صديقته التي يهواها يقول: ليت "قطام" تترك الدلال فتجود بالوصل، ومع ذلك فأنا راض منها بالقليل، بالتحية والسلام!! الشاهد: كلمة "قطام" وهي علم على وزن "فعال" فتبنى على الكسر في لغة الحجازيين، وهي في البيت فاعل مبني على الكسر في محل رفع. 2 حذام: امرأة الشاعر، ويبدو أنها كانت مشهورة بالذكاء وحسن الرأي. الشاهد: كلمة "حذام" فهي مبنية على الكسر في لغة الحجازيين، وهي في البيت فاعل. 3 من الآية 71 من سورة البقرة. 4 من الآية 5 من سورة التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وقول أحد الأساقفة في الجاهلية: منع البقاءَ تقلُّبُ الشَّمسِ ... وطلوعُها من حيثُ لا تُمسِي وطلوعُها حمراءَ صافيةً ... وغروبُها صفراءَ كالورْسِ اليومُ أعلمُ ما يجيءُ به ... ومضى بفصلِ قضائِه أمسِ1 وينبغي التنبه إلى أنه إذا أريد بكلمة "أمس" يومٌ ما من الأيام الماضية أو دخلته "أل" أو أضيف أعرب بإجماع، مثل "ماضي العمر أمسٌ له والمستقبل بيد الله" و "مضى أمسُنا بخيره وشره، فلنعشْ يومنا" وفي القرآن: {فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} . ذلك أهم ما يبنى دائما من الأسماء، هناك أسماء يعرض لها البناء في استعمالات خاصة -كالمنادى المفرد العلم واسم "النافية للجنس"- وأسماء تبنى أحيانا وتعرب أحيانا أخرى، مثل "قبل، بعد، أسماء الجهات" وسيأتي شرح ذلك في موضعه من أبواب النحو المتفرقة مثل "لا: النافية للجنس، النداء، الإضافة" إن شاء الله.   1 البقاء: الخلود، الورس: الزعفران، فصل قضائه: ما حدث فيه. يقول: لا خلود في الحياة؛ إذ لا دوام على حالة واحدة؛ فالشمس تشرق حمراء وتغرب صفراء، وهي إحدى ظواهر الكون العظيمة، فكيف بالإنسان الضئيل إلى جانبها، بل من دلائل ضعف الإنسان وجهله أمام المستقبل أنه يعلم ما تقدمه له الأحداث فقط. الشاهد فيه: كلمة "أمس" في البيت الأخير، إذ بنيت على الكسر في لغة الحجازيين، وقد استوفت شرطها؛ إذ أريد بها اليوم السابق مباشرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 البناء في الأفعال : 1- الماضي: يبنى على الفتح في الأصل، وقد يبنى على الضم أو السكون 2- الأمر: يبنى على ما يجزم به مضارعه 3- المضارع: يبنى على الفتح مع نون التوكيد المباشرة، وعلى السكون مع نون النسوة بناء الماضي: - نبغَ، لَمَعَ، ابتهجَ، كَرُمَ، عملَ، اجتهدَ، أفادَ، تميَّزَ، تقدَّمَ. "مبني على الفتح". - جاهدُوا، ثابرُوا، تفوقوا، نجحُوا، سعدُوا، تعاهدُوا، تواصلوا، أحبُّوا، أخلصُوا. "مبني على الضم". - أخلصْتُ، ضحَّيْتُ، استرحْتُ، أمِنْتُ، اتفقْنا، تعاهدْنا، نفَّذنا، فزْنا. "مبني على السكون". الفعل الماضي مبني دائمًا ولا محل له من الإعراب في الأصل، وبناؤه كالآتي: أ- الأصل أن يبنى على الفتح، مثل قولنا: "نبغَ المجتهدُ وحققَ الفوزَ لنفسه" فكل من الفعلين "نبغ، حقق" مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. ب- يبنى على الضم إذا اتصلت به واو الجماعة، إذ يقتضي ذلك ضم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 آخره نطقًا حين تتصل به الواو، كقولنا: "في بداية الإسلام، المؤمنون صدَّقُوا واخلصُوا، والمنافقون كذَّبُوا وخادعُوا" فكل من الأفعال الأربعة "صدَّقُوا، أخلصُوا، كذَّبُوا، خادعُوا" مبنية على الضم لاتصالها بواو الجماعة. ج- يبنى على السكون إذا اتصل به ضمير رفع متحرك "التاء، نا، نون النسوة" كقولك: "قابلْتُ أصدقائي فاصطحبْنا وذهبْنا إلى شاطئ النيل فوجدْنا زميلاتِنا وقفْنَ منتظراتٍ قدومنا، فذهبْنا جميعًا في رحلة ترفيهية بريئة". فالأفعال "قابلْتُ، اصطحبْنا، وجدْنا، ذهبْنا، وقفْن" كلها كما ترى مبنية على السكون لاتصالها بضمير الرفع المتحرك. وهنا فكرة جانبية مهمة ينبغي التنبه إليها وهي بناء الفعل الماضي المعتل الآخر مثل: "هَدى، سَمَا، رضِيَ، لقِيَ" إذ ينبغي التعرف على كيفية بنائه في المراحل الثلاث السابقة نفسها كالآتي: أ- يبنى على الفتح باعتبار الأصل، لكن هذا الفتح يكون مقدرا على المعتل بالألف، إذ لا يمكن ظهوره عليها، ويظهر على المعتل بالياء، تقول: "دَعَا الرسولُ إلى شريعة الهُدَى فرضِيَ بها المهتدون ونَأى عنها الهالكون" فالفعلان "دعا، نأى" مبنيان على الفتح المقدر على الألف للتعذر، وأما الفعل "رضِيَ" فإنه مبني على الفتحة الظاهرة. ب- إذا اتصلت به واو الجماعة -سواء أكان معتلا بالألف أم الياء- حذف منه حرف العلة وبني على الضمة المقدرة على هذا الحرف المحذوف تخفيفًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 جاء في القرآن عن المنافقين: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} 1. وجاء في القرآن عن سليمان وجنوده: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ} 2. ج- إذا اتصل به ضمير الرفع المتحرك بني على السكون مثل غيره تقول: "الزميلات الفاضلات أصغَيْنَ إلى صوت الفضيلة ولبَّيْنَ داعِيَ الأخلاق وسمَوْنَ بأنفسهن عن الشبهات". وخلاصة الموضوع في بناء الفعل الماضي تتلخص في الآتي: 1- الفعل الصحيح الآخر يبنى على الفتح أصلا، ويبنى على الضم إذا اتصلت به واو الجماعة وعلى السكون إذا اتصل به ضمير الرفع المتحرك. 2- الفعل المعتل الآخر، مثل السابق تمامًا إلا في حالتين: أ- إذا كان معتلا بالألف بني على الفتح المقدر على الألف. ب- إذا اتصلت به واو الجماعة حذف منه حرف العلة، وبني على الضم المقدر على هذا الحرف المحذوف. بناء الأمر: لاحظ الأمثلة الآتية: من كلام العرب: ألِنْ جانبك لقومك يحبّوك، وتواضعْ لهم يرفعوك. ومن كلام الرسول: "ارضَ بما قسم الله لك تكنْ أغنى الناس". ومن كلام عمر: علّموا أولادَكم العوم والرّماية ومروهم فلْيَثِبُوا على الخيل وَثْبًا   1 من الآية 87 من سورة التوبة. 2 من الآية 8 من سورة النمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 بناء الأمر: هناك عبارة مشهورة بين المشتغلين بالنحو تلخص كيفية بناء فعل الأمر، وهي "فعل الأمر يبنى على ما يجزم به مضارعه" ا. هـ وتقريب هذه العبارة إلي الذهن أننا إذا تصورنا فعلا مضارعا معربا مجزوما، ثم أتينا منه بالأمر، فإن الأخير يأخذ شكل مضاعره الذي جاء منه تماما، مع ملاحظة أن الشكل في المضارع إعراب، وأن الشكل في الأمر بناء وتفضيل العبارة السابقة يتضح من الجدول الأتي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 الاستنتاج: أولا: الفعل الصحيح الآخر: يجزم مضارعه بالسكون، ويبنى الأمر منه على السكون. ثانيا: الفعل المعتل الآخر: يجزم مضارعه بحذف حرف العلة، ويبنى الأمر منه على حذف حرف العلة. ثالثا: الأفعال الخمسة: تجزم في المضارع بحذف النون: ويبنى الأمر منها على حذف النون. وأعتقد -بعد هذا الشرح والتفصيل- أنه قد اتضح معنى العبارة المشهورة "الأمر يبنى على ما يجزم به مضارعه". فلنتأمل النصوص الآتية: - جاء في القرآن: {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً} 1 فالفعل "آتِ" مبني على حذف حرف العلة، والفعل "هَيِّئْ" مبني على السكون. - وجاء في القرآن: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} 2 فكلا الفعلين "اذْهبا، قُولا" مبني على حذف النون. - جاء في الحديث الشريف "اتَّقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنةَ تمحُها، وخالق النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَن"3. فالفعل "اتّق" مبني على حذف حرف العلة، والفعلان "أتبع، خالق" مبنيان على السكون.   1 من الآية 10 من سورة الكهف. 2 الآيتان 43، 44 من سورة طه. 3 انظر الفتح الكبير ج1 ص33 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 بناء المضارع: ينبغي منا فهم الأفكار الثلاث الآتية عن بناء المضارع وهي: أ- نون التوكيد المباشرة وغير المباشرة. ب- نون النسوة. ج- الموازنة بين نون التوكيد ونون النسوة. وكل واحدة من هذه النقاط في حاجة إلى بيان مستقل. أ- نون التوكيد المباشرة وغير المباشرة. تأتي نون التوكيد مع الفعل المضارع في صورتين، مفتوحة مشددة، مثل: "تبذلَنَّ، تُنَاضِلَنَّ، تُدَافِعَنَّ" أو ساكنة مثل: "تَبْذُلَنْ، تُنَاضِلَنْ، تُدَافِعَنْ" وجاء في القرآن استخدام النونين في آية واحدة هي: {لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ} 1 وتسمى المفتوحة المشددة "نون التوكيد الثقيلة" كما تسمى الساكنة "نون التوكيد الخفيفة". هذه النون -بنوعيها- تأتي مع الفعل المضارع فتفيد تأكيد معناه وتقويته وتثبيته، فإذا قلت: "لأناضلَنَّ حتى تتحققَ حريتي كاملة" فهذا لا شك أقوى من قولك: "أنَاضِلُ حتى تتحققَ حريتي كاملة" بدون نون التوكيد. وهناك عبارة مشهورة بين المشتغلين بالنحو عن هذه النون مع الفعل المضارع هي "المضارع يبنى إذا باشرته نون التوكيد ويعرب إذا لم تباشره نون التوكيد" فمتى إذن تكون النون مباشرة للمضارع فيبنى، أو غير مباشرة فيعرب!!   1 من الآية 36 من سورة يوسف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 نون التوكيد تأتي مع الفعل المضارع مباشرة وغير مباشرة. فالمباشرة: هي التي تتصل بالفعل دون أن يفصل بينها وبينه فاصل ويكون ذلك إذا كان الفعل للواحد -متكلمًا أو مخاطبًا أو غائبًا- وجاء معه نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة مثل "أنالَنَّ، تدفعنَّ، يصلَنَّ" الأمثلة السابقة، فإذا باشرت النون الفعل بني على الفتح. غير المباشرة: هي التي يفصل بينها وبين الفعل فاصل ولو مقدرا. ويكون ذلك إذا كان الفعل من الأفعال الخمسة -للواحدة أو الاثنين أو الجماعة- وجاءت معه نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة، مثل "تحترمِنَّ، تكفَّانِّ، تكفُّنَّ" في الأمثلة السابقة، فإن النون لم تباشر الفعل فيها جميعا فالفعل معرب إعراب الأفعال الخمسة وإن كان مؤكدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 ولتوضيح عدم مباشرة النون مع الأفعال السابقة ينبغي تأمل التحليل الآتي لهذه الأفعال: تكفَّانِّ: أصل الفعل "تكُفّ" ثم أسند لألف الاثنين، فصار من الأفعال الخمسة "تكفَّانِ" فأكد بالنون فصار. "تكفَّانِ نَّ" فحذفت نون الرفع تخفيفا لتوالي الأمثال -تكرار النون- وكسرت نون التوكيد، بعد الألف، فصار "تكفانِّ" فالنون لم تباشر الفعل لوجود فاصل لفظي بينهما وهو "ألف الاثنين". إعراب: تكفَّانّ: فعل مضارع من الأفعال الخمسة مرفوع بالنون المحذوفة تخفيفا وألف الاثنين فاعل، والنون حرف للتوكيد. تحترِمِنَّ: أصل الفعل "تحترم" ثم أسند لياء المخاطبة، فصار من الأفعال الخمسة "تحترِمِين" فأكد بالنون فصار "تحترِمينَّ ن" فحذفت نون الرفع تخفيفا لتوالي الأمثال، فصار "تحترمِي ن" ثم حذفت ياء المخاطبة لالتقاء الساكنين فصار "تحترِمنَّ" فالنون لم تباشر الفعل لوجود فاصل تقديري هو "ياء المخاطبة". إعراب: تحترِمِنَّ: فعل مضارع من الأفعال الخمسة مرفوع بالنون المحذوفة تخفيفا، وياء المخاطبة المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل، والنون حرف للتوكيد. - تكفُّنَّ: مثل السابقة تماما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 هذا، ومما ورد من التوكيد بالنون المباشرة وغير المباشرة النصوص الآتية: - جاء في القرآن: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} و {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} 1. - وجاء في القرآن مخاطبا مريم: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} 2. - ومن كلام عمر عن تاركي صلاة الجماعة: والله لأحرقَنَّ عليكم البيوتَ أو لتخرجُنَّ لصلاة الجماعة. - ومن كلام عمر لعلِيّ وابن عباس: والله لتُبَايِعَانِّ وأنتما طائعان أو لتبايعانِّ وأنتما كارهان. ب- نون النسوة وهم اسم مكون من حرف هجائي واحد هو النون المفتوحة المخففة دالة على جماعة الإناث -غائبات أو مخاطبات- ويسند إليه الفعل المضارع فيبنى على السكون، ويكون الفعل مع نون النسوة جملة كاملة من "فعل وفاعل" الفعل هو المضارع والفاعل هو نون النسوة "اسم ضمير" تقول: "الضرورات يُبِحْنَ المحظورات" وتقول: " المثقفات يدبِّرْنَ شئونهن بحكمة وفهم". ومن ذلك الشواهد الآتية: - جاء في القرآن: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} 3.   1 من الآية 186 من سورة آل عمران. 2 الآية 26 من سورة مريم. 3 من الآية 30 من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 - وجاء في القرآن: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} 1. - وجاء في القرآن: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} 2. ج- الموازنة بين نُونَي التوكيد والنسوة مع المضارع. من الكلام السابق يمكن استنتاج وجوه الموازنة بين الصورتين -المضارع المتصل بنون التوكيد، والمضارع المتصل بنون النسوة- مما يتضح في الجدول الآتي:   1 من الآية 30 من سورة النور. 2 من الآية 23 من سورة الأحزاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 البناء في الحروف : 1- الحروف كلها مبنية سواء أكانت: أ- على حرف هجائي واحد أم أكثر ب- عاملة أم غير عاملة الحرف هو القسم الثالث من الكلمة، ويقصد به -كما سبق- ما يظهر معناه مع غيره من الكلمات أسماء وأفعالا، وهذا غير الحروف الأبجدية "أ، ب، ت، ث" ... إلخ. وهناك عبارة مشهورة بين المشتغلين بالنحو، تقول: "قاعدة نحوية، كل الحروف مبنية" ويندرج تحت هذه العبارة السابقة التفصيل الآتي: أولا: الحروف كلها مبنية بصرف النظر عن عدد الحروف الأبجدية التي يتكون منها الحرف، إذ تأتي الحروف النحوية بالتكوين التالي: 1- على حرف هجائي واحد: مثل "الباء" في قولك: "بالله" أو "الكاف" في قول القرآن: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} 1 أو "الواو" في قولك "أحترم العفة والعزّة". 2- على حرفين من حروف الهجاء: مثل "في، عن، أنْ، لنْ، كي، لم، لا". 3- على ثلاثة أحرف هجائية: مثل: "إنَّ، أنَّ، ليت، إلى، رُبَّ، على، نَعَمْ، بَلَى، جَيْرَ".   1 من الآية 45 من سورة الكهف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 4- على أربعة أحرف هجائية مثل "كأنَّ، لولا، حتَّى، لعلَّ". 5- على خمسة أحرف هجائية مثل "لكنَّ". ثانيا: الحروف كلها مبنية بصرف النظر عن كونها -كما يقول النحاة- عاملة أو غير عاملة. ويقصد بالحروف العاملة ما تؤثر فيما بعدها من الأسماء والأفعال رفعًا أو نصبًا أو جرًّا أو جزمًا، ومن ذلك: 1- الحروف الناسخة "إنَّ وأخواتها" فهي تنصب الاسم وترفع الخبر وهي: "إنَّ، أنَّ، ليت، لعلَّ، لكنَّ، كأنَّ". 2- حروف الجر، ويجر الاسم بعدها، ومنها "من، إلى، عن، على، في، رب، منذ، الكاف، الباء، اللام". 3- حروف نصب المضارع، وهي "أنْ، لنْ، إذن، كي". 4- حروف جزم المضارع، ومنها "لم، لما، لام الأمر، لا: الناهية، إن، إذ ما" .... إلخ. ويقصد بالحروف غير العاملة: ما لا يكون لها أثر إعرابي فيما بعدها وذلك كثير جدًّا، ومنه: 1- حروف النفي مثل "ما، لا". 2- حروف الاستفهام مثل "الهمزة، هل". 3- حروف العطف، ومنها "الواو، الفاء، ثُم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 المحل الإعرابي للكلمات المبنية : من كلام الرسول: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب". ومن القرآن: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} . ويقول الشاعر: لاتمدَحَنَّ امرءًا حتى تُجَرِّبَه ... ولا تذُمَّنَّه من غير تجريب معلوم أن الكلمة المعربة -اسما أو فعلا- حين تقع في وظيفة نحوية من وظائف الرفع أو النصب أو الجر أو الجزم "مبتدأ، خبر، فاعل، مفعول ... إلخ" تكون مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة أو مجزومة، ويتغير شكلها بحسب الوظائف النحوية المختلفة، كما في قولنا في "محمدٌ رسول الله" و "إن محمدًا رسول الله" فكلمة "محمد" في المثال الأول "مبتدأ مرفوع بالضمة وفي المثال الثاني "اسم إنّ" منصوب بالفتحة. فكأنما وظائف الرفع والنصب والجر والجزم أصلا للكلمات المعربة؛ إذ يظهر على آخرها مقتضى تلك الوظائف من الشكل الإعرابي الأصلي والفرعي، على ما سبق شرحه. ويقصد هنا بالمحل الإعرابي للكلمات المبنية: أن تقع الكلمة المبنية -اسما أو فعلا- أيضا في وظيفة نحوية من وظائف الرفع أو النصب أو الجر أو الجزم -وهي أصلا الكلمات المعربة- فتكون تلك الكلمات المبنية في محل رفع أو نصب أو جر أو جزم، بمعنى أن تلك الكلمات في موضع هو في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 الأصل لكلمة معربة، وقد حلت هي محلها، ولذلك توصف -من المعربين- بأنها في محل رفع أو نصب أو جر أو جزم بحسب الوظيفة التي شغلتها. ففي حديث الرسول نجد كلمة "أنا" من الكلمات المبنية، وقد وقعت مبتدأ -مرتين- في محل رفع. وفي الآية الكريمة الكلمات المبنية "هذا، التي، هي" والأولى اسم "إن" في محل نصب، والثانية بعد "لام الجر" في محل جر، والثالثة مبتدأ في محل رفع. وفي البيت الشعري نجد الفعل "تمدحَنَّ" مبني لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة وقد وقع بعد حرف الجزم "لا" فهو في محل جزم، ومثله تماما الفعل "تذمَّنَّ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 تدريبات : التدريب الأول: قال "إبراهيم النبهاني" في "التجلُّد والصبر"1: تعزَّ فإنّ الصبر بالحرّ أجمل ... وليس على ريب الزمان معوَّل فلو كان يُغني أن يرى المرء جازعًا ... لحادثة أو كان يغني التذلّل لكان التَّعزي عند كل مصيبة ... ونازلة بالحر أولى وأجْمل فكيف وكل ليس يعدو حِمامه ... وما لامرئ عما قضى الله مزحل فإن تكن الأيام فينا تبدّلت ... ببُؤسى ونُعمى والحوادث تفعل فما لينت منَّا قناة صليبة ... ولا ذلَّلَتنا للتي ليس تجمل ولكن زحلْناها نفوسًا كريمة ... تحمل ما لا يُستطاع فتحمل وقينا بحسن الصبر منّا نفوسنا ... فصحتْ لنا الأعراض والناس هُزَّل 1- الكلمات "تعزّ، كيف، التي، ليس، رحلناها، لكنْ" مبنية، ما نوعها من المبنيات؟؟ وما شكل بنائها؟؟ 2- الكلمات "أجمل، أولى، بؤسى، نُعمى، حوادث" ممنوعة من الصرف، اذكر صفات منعها منه، ثم أعربها كما وردت في النص. 3- في النص خمسة أفعال معتلة، بينها، ثم صف حكمها من حيث البناء والإعراب.   1 ديوان الحماسة لأبي تمام، الجزء الأول، ص88، مطبعة السعادة، القاهرة 1927. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 4- في البيت الثالث اسمان أحدهما منقوص والآخر مقصور: حددهما ثم أعربهما كما وردا في البيت. 5- ما الدليل على أن "نا" اسم في العبارات "فينا، منا، رحلنا، وقينا". 6- الكلمات "معول، جازعًا، مَزْحَل، قناة، نفوسًا" صفها من حيث الوظيفة النحوية والشكل كما وردت في الأبيات. 7- في الجملتين "ما لامرئ عما قضى الله مزحل، تحمل ما لا يستطاع" استعملت "ما" ثلاث استعمالات مختلفة، وضحها. 8- الكلمات "حادثة، مصيبة، صليبة" اجمعها جمع تكسير، وضع كل جمع منها في ثلاث جمل مفيدة مرفوعًا ومنصوبًا ومجرورًا مع ضبطه بالشكل. 9- اذكر الجمع السالم للكلمات "جازع، حادثة، نائبة، هزل" واستخدم الجمع في كلام مفيد. 10- اختر أحد الأبيات في النص، ثم أعرب كلماته كلها مع التزام ذكر الوظيفة والشكل في الإعراب. التدريب الثاني: لمَّا احتُضر ذو الإصبع العدواني1 دعا ابنه أسيدًا فقال له: يا بني إن أباك قد فني وهو حي، وعاش حتى سئم العيش، وإنى موصيك بما إن   1 ورد هذا النص في كتاب " الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني، الجزء الثالث ص6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 حفظْتَه بلغْتَ في قومك مابلغتُه، فاحفظ عني: ألن جانبك لقومك يحبوك وتواضع لم يرفعوك، وابسطْ لهم وجهك يُطيعوك، ولا تستأثر عليهم بشيء يُسوِّدوك، وأكرمْ صغارهم كما تُكرم كبارهم، يكرمْك كبارهم، ويكبر على مودّتك صغارهم، واسمح بمالك، واحْمِ حريمك، وأعززْ جارك، وأعن من استعان بك، وأكرمْ ضيفك، وأسرع النهضة في الصَّريخ، فإن لك أجَلًا لا يعدوك، وصُنْ وجهك من مسألة أحد شيئًا". 1- نادى ذو الإصبع ابنه بقوله: "يا بني" -بضم الباء وفتح النون- ولو كان له أبناء كثيرون لقال: "يا بني" -بفتح الباء وكسر النون- مع تشديد الياء فيهما، وازن بين الصورتين. 2- الأفعال "دعا، فني، عاش، سئم" بم تسمى صرفيا؟؟ استعملها في كلام مفيد مسندة لضمائر الرفع المتحركة، ثم صغ المضارع منها واستعمله في كلام مفيد على أن يكون صورة من صور الأفعال الخمسة. 3- جملة "لا تستأثر عليهم بشيء يسوّدوك" أعربها، ثم خاطب بها المفرد والمثنى والجمع بنوعيه مع تأكيد الفعل "تستأثر" بالنون الثقيلة أو الخفيفة واذكر بعد التأكيد بالنون إعرابه أو بناءه. 4- من أفعال الأمر التي وردت في النص "ألن، تواضع، أكرم، احمِ، أعِن" زنها صرفيا، ثم اذكر شكل بناء كل منها. 5- ضمير المخاطب "الكاف" تكرر ذكره في هذا النص مع الأفعال والأسماء، اذكر عبارة نحوية واحدة تلخص الفرق في استعماله مع الاثنين. 6- الكلمات "ذو الإصبع، أسيدًا، أباك، موصيك، أجلا، شيئا" صفها من حيث الوظيفة والشكل كما وردت في النص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 7- "وهو حي، بلغت في قومك، استعان بك، لايعدوك" صف الجمل السابقة من حيث الفعلية والاسمية، ثم اذكر مواقعها النحوية كما وردت في النص. التدريب الثالث: كان أبو فراس الحمداني في أسر الروم، فسمع حمامة تنوح على شجرة قريبة من سجنه، فأنشد هذه الأبيات1: أقول وقد ناحت بقُربي حمامة ... أيا جارَتا لو تعلمين بحالي معاذ الهوى ما ذقت طارقة النّوَى ... ولا خطرتْ منك الهُمومُ ببالي أتحمل محزونَ الفؤاد قوادمٌ ... على غصن نائي المسافة عالي أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا ... تعالي أقاسمك الهموم تعالي تعالي تَرَيْ روحا لديّ ضعيفة ... تردّدُ في جسم يعذب بالي أيضحك مأسور، وتبكي طليقة ... ويسكت محزون ويندب سالي لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة ... ولكن دمعي في الحوادث غالي 1- أثار البيت الرابع حوله مناقشة نحوية مفيدة، ما هي؟! وما رأيك فيها؟! 2- الكلمات قُرْبِي، جارتا، خالي، الهوى، النوى، عالي، نائي، سالي، دمعي، غالي" وردت في النص بهذا الترتيب، اذكر ما يقدر عليها من حركات الإعراب الأصلية مع سبب هذا التقدير.   1 ديوان أبي فراس، ص218، طبع بيروت سنة 1961. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 3- كلمة "قوادمٌ" في البيت الثالث، ما المسوغ لصرفها مع أنها أصلا غير مصروفة، وضح ذلك من وزن البيت عروضيا. 4- كلمتا القافية في الشطرين "ولا خطرت منك الهموم ببالي، تردد في جسم يعذب بالي" متفقتان في الصورة ومختلفتان في الإعراب، اشرح ذلك. 5- ما حكم الكلمات الثلاث "بيننا، لديّ، لكنَّ" من حيث الإعراب والبناء؟ 6- اضبط بالشكل الكلمات الآتية، وبين سبب الضبط "حمامة، معاذ، محزون، ضعيفة، مقلة"، راجع قبل الضبط سياقها في الأبيات. 7- الفعلان المضارعان "أقاسم، ترى" مجزومان في جواب الطلب فما علامة الجزم في كل منهما؟! 8- هات الجمع السالم من الصفات "محزون، عالي، ضعيفة، طليقة، ناء، بال" ثم استعمله منصوبا في جملة مفيدة. 9- في البيت السادس، لو وجه الشاعر لنفسه وللحمامة الخطاب، فبدأ بقوله: "أأضحك مأسورا.." فكيف ينطق باقى الجمل! 10- أعرب البيت الأخير من هذا النص ملتزمًا في كل كلمة ذكر الوظيفة والشكل. التدريب الرابع: حضرت "الخنساء" حرب "القادسية" ومعها بنوها أربعة رجال، فقالت لهم1:   1 خزانة الأدب، ج1، ص25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 "يَا بَنِيَّ، أنتم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله غيره إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجَّنت حسبكم ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب العظيم في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فإذا أصبحتم غدا فاغدُوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، ولله على أعدائه مستنصرين". فلما أضاء لهم الصبح، باكَرُوا مراكزهم، فتقدموا واحدا بعد واحد ينشدون الأراجيز، فقاتلوا حتى استُشهدوا جميعًا، فلما بلغها الخبر، قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته. 1- "إنكم لبنو رجل واحد" كلمة "بنون" لماذا اعتبرت ملحقة بجمع المذكر السالم؟! اذكر إعرابها كما وردت في الجملة. 2- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} اذكر حكم الأفعال التي وردت في هذه الآية من حيث البناء والإعراب. 3- كلمة "الأراجيز" من أي أنواع الجموع؟ اذكر مفردها، وهات بعد ذلك عشر كلمات أخرى مماثلة لها في الوزن والمفرد والإعراب. 4- "مراكزهم، الأراجيز" هكذا وردت الكملتان في النص، فما موقعهما النحوي؟! أدخلهما بهذه الصورة في كلام تام مجرورتين ثم اشرح مسلكهما النحوي مستشهدا بما ذكرت من جمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 5- وردت جموع المذكر "مختارين، المسلمين، الكافرين، مستبصرين" اذكر الوظيفة والشكل لهذه الجموع كما وردت في سياق النص. 6- الكلمتان "امرأة، أعداء" لماذا لم تمنعا من الصرف مع أن الأولى مؤنثة وفي آخر الثانية ألف المد؟ 7- أعرب بالتفصيل الجمل الآتية "معها بنوها أربعة رجال، ماخنت أباكم، قاتلوا حتى استشهدوا جميعا". التدريب الخامس: قال العباس بن الوليد بن عبد الله لمسيلمة بن عبد الملك1: ألا تقْنَى الحياء أبا سعيد ... وتُقصر عن مُلاحاتى وعَذْلي فلولا أن أصلك حين تُنْمَى ... وفرعك منتمى فرعي وأصلي وأني إن رميتُك هضْتُ عظمي ... ونالتني إذا نالتك نبلي لقد أنكرتنى إنكار خوف ... يضم حشاك عن شربي وأكلي كقول المرء "عمرو" في القوافي ... "لقيس" حين خالف كل عدل2 "عذيريَ من خليلَيَ من مُرَادٍ ... أريد حياته ويريد قتلي   1 يلاحظ أن النص الشعري الآتي موجه من ابن أخ إلى عمه. وقد ورد النص في كتاب الأمالى، لأبي على القالي طبع دار الكتب سنة 1926، ص14. 2 عمرو: هو عمرو بن معديكرب، قيس: هو قيس بن مكشح وكان صديقا لعمرو، ومن البيّن أنَّ البيت الأخير في المقطوعة من كلام عمرو بن معديكرب "وقد اقتبسه العباس بن الوَليد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 1- "تنمِي، منتَمَى" وازن بين الكلمتين من حيث التسمية النحوية والإعراب، ثم طبق الأخير على ما ورد في النص. 2- "أنكرتني، ملاحاتي" اتصلت بكل منهما ياء المتكلم، وازن بين صلتها بهما. 3- جاء في البيت الثالث الكلمتان "عَظمي، نَبلي" وهما متفقتان في التسمية، لكن اختلف موقعهما النحوى في سياق البيت، اشرح ذلك. 4- "عذيري من خليلي من مراد" ما معنى هذه الجملة؟؟ أعربها بالتفصيل. 5- "أريد حياته ويريد قتلي" في شطر البيت كلمتان وقعتا مفعولا به حددهما، ثم وازن بينهما من حيث الشكل الإعرابي. 6- "أبا سعيد، تقصر، إنكار خوف، حين، عمرو" اذكر الوظيفة والشكل للكلمات السابقة كما وردت في سياق جمل النص. 7- الأفعال "رمى، هاض، أنكر، خالف" بم تسمى صرفيا؟ صغ من كل منهما فعل الأمر في صورتي المجرد من الإسناد والمسند لواو الجماعة، ثم اذكر كيف يبنى في الحالتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 النكرة و المعرفة النكرة ... النكرة والمعرفة: أولا: النكرة: 1- المقصود بالنكرة لدى النحاة 2- العلامات التي تستخدم لمعرفة الاسم النكرة طالب، كتاب، كلية، جامعة، رحلة، زهور، أشجار، طيور، مياه، جداول، استمتاع، راحة هدوء، نشاط، قوة. النكرة -كما جاء في قطر الندى- عبارة عما شاع في جنس موجود أو مقدر. ا. هـ. والمقصود بهذه العبارة أن يكون اللفظ مما يندرج تحته أفراد كثيرون لا يختص به واحد دون آخر، فكلمة "طالب" مثلا تطلق -بلفظها- على ما لا يحصى من أفراد الطلاب، وكذلك كلمة "شجرة يمكن استخدامها -كما هي- لتطلق على ملايين الأشجار مختلفة الأشكال والألوان، ومثل ذلك أيضا كلمة "شمس" فإنها بلفظها تطلق على كل جرم مضيء فهي نكرة بهذا الاعتبار -اعتبار اللفظ- وإن كان لا يوجد منها في الحقيقة والواقع إلا فرد واحد فقط. هذا، وتستخدم إحدى العلامات التالية للتعرف على الاسم النكرة. 1- أن يقبل "أل" فالكلمات "طالب، أشجار، راحة" كلمات منكرة ومعناها شائع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وهي تقبل "أل" فيقال: "الطالب، الأشجار، الراحة" فتدل حينئذٍ على طالب معين، وأشجار حديقة خاصة مثلا، وراحة معهودة بين المتكلم والمخاطب. 2- أن يدل على ما يقبل "أل" فالكلمات "ذو" بمعنى صاحب و "من" بمعنى شخص ما و "ما" بمعنى شيء، في قولك: "عاش عمرُ ذا ضمير حي فاحترمه كل من يحبه وكل من يكرهه" فإن كلمة "ذا ضمير" بمعنى "صاحب ضمير" وكلمة "صاحب" تقبل "أل" فيقال "الصاحب" وكلمة "من" بمعنى "إنسان" وهذه الأخيرة تقبل "أل" فيقال "الإنسان". 3- أن تقبل الكلمة حرف الجر "رُبَّ". ذكر هذه العلامة ابن هشام، فإن كلمة "رُبَّ" لا تدخل إلا على النكرات، تقول "رُبَّ صمتٍ خيرٌ من كلام" و "رُبَّ فقيرٍ خيرٌ من غنيٍّ" فكل من الكلمتين "صمت، فقير" نكرتان بهذه العلامة. ومن ذلك قول سويد بن كاهل اليشكري: رُبَّ مَنْ أنضَجْتُ غيظًا قلبَهُ ... قد تمنَّى لي موتا لم يُطَعْ3   1 الغيظ: أشد الغضب، وإنضاج الغيظ: يقصد به الوصول إلى منتهاه، لم يطع: لم ينفذ ما أراد. يقول: من الناس عدو لي مغتاظ مني أشد الغيظ، وإنه ليتمنى موتي، ومع ذلك لم تتحقق أمنيته ولم يحدث ما أراد. الشاهد: في قوله: "رب من أنضجت غيظا" فإن "من" نكرة بمعنى "إنسان" بدليل دخول الحرف "رب" عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 - وقول أمية بن أبي الصلت: لَا تضيقَنَّ بالأمور فقد تُكـ ... ـشَفُ غماؤها بغير احتيالِ ربما تكْرَهُ النفوسُ من الأمـ ... ـرِ له فُرْجة كحَلّ العقالِ1   1 الغماء: الكرب والأحزان، الاحتيال: الحذق وجودة النظر والقدرة على التصرف "الشطارة"، الفرجة: -كما يقول القاموس- التفصي من الهم بمعنى الخروج منه، العقال: الحبل الذي يربط به البعير، حل العقال: في غاية اليسر. المعنى: هون عليك ولا تهتم بالشدائد، فبعد العسر يسر، وربما انكشفت الأحزان بدون مجهود، ورب أمر يضيق به الإنسان والخروج منه سهل ميسور كحل العقال. الشاهد: في البيت الثاني "ربما تكره النفوس" فإن "ما" بمعنى "شيء" في نكرة والدليل على ذلك دخول "رب" عليها. إعراب البيتين. لا تضيقن: لا: ناهية، تضيقن: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد في محل جزم، وفاعله ضمير مستتر تقديره "أنت" والنون حرف توكيد مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، بالأمور: جار ومجرور متعلق بالفعل "تضيقن"، فقد تكشف غماؤها: قد: حرف تحقيق، تكشف: فعل مضارع مرفوع بالضمة، غماؤها: نائب فاعل مرفوع بالضمة، وضمير الغائبة مضاف إليه، بغير: جار ومجرور، احتيال: مضاف إليه مجرور بالكسرة. "ربما" رب: حرف جر شبيه بالزائد، ما: نكرة بمعنى "شيء" مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، تكره: فعل مضارع مرفوع بالضمة، النفوس: فاعل مرفوع بالضمة، من الأمر: جار ومجرور، وجملة "تكره النفوس من الأمر" صفة لكلمة "ما"، له: جار ومجرور خبر مقدم شبه جملة، فرجة: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة، والجملة من المبتدأ والخبر خبر المبتدأ "ما"، كحل: جار ومجرور شبه جملة صفة الكلمة "فرجة"، العقال: مضاف إليه مجرور بالكسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 المعرفة مدخل ... ثانيًا: المعرفة من القرآن الكريم: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ} . ومن شعر المتنبي: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعتْ كلماتي مَنْ به صمَمُ في الآية وبيت الشعر كلمات معارف هي "هذا، أنا، الذي، من" فالكلمة الأولى اسم إشارة، والثانية ضمير، والثالثة والرابعة من أسماء الموصول. فالمعرفة -بالمعنى الدقيق- هي الاسم الذي وضع ليستعمل في معين ا. هـ وفي هذه العبارة المختصرة أمران مهمَّان جدًّا هما: الأول: أنه قد ورد في اللغة العربية أنواع خاصة من الأسماء "عددها ستة، ستأتي" معدة لكي تستعمل معارف، بمعنى أنها مهيأة لكي تدل على ما هو محدود ومعين. الثاني: أن هذه الأسماء لا يظهر تحديد معناها إلا في حال الاستعمال في جمل مفيدة، فالاستعمال الفعلي هو المجال العملي الذي يظهر فيه تحديد معنى هذه الأسماء ودلالتها على معين، سواء أكان شخصًا أم شيئا من الأشياء. مثلا كلمة "هذا" من أسماء الإشارة، وأسماء الإشارة في اللغة العربية من كلمات اللغة التي أعدت ليمكن استخدامها في الدلالة على شيء معين، لكن كلمة "هذا" وحدها تبقى عامة الدلالة، فهي صالحة -هكذا- للاستخدام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 في الإشارة لما لا يكاد يحصى من الأشخاص والأشياء، أما حين تستخدم في جملة مفيدة كما في آية القرآن: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ} حينئذٍ تتحدد دلالتها بالاستعمال فهي في الآية تشير إلى القرآن الكريم فقط. وكلمة "أنا" من الضمائر، والضمائر أعدت في اللغة ليمكن استخدامها في الدلالة على معين، لكن كلمة "أنا" وحدها تبقى عامة الدلالة، إذ هي صالحة لكي يستخدمها ما لا يمكن حصره من المتكلمين، فإذا استخدمت عمليا في جملة تامة كما في قول المتنبي "أنا الذي نظر الأعمى" تحدد معناها ودلت على متكلم واحد هو المتنبي نفسه، وهكذا بقية المعارف المعول فيها على الاستعمال نفسه. وأسماء المعارف التي وردت في اللغة ستة هي: 1- الضمير: كقول الرسول: "أنا النبي لا كذب، أنا ابنُ عبد المطلب" 1. 2- العلم: كقول القرآن {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} 2. 3- الإشارة: كقول القرآن: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} 3. 4- الموصول: كقول القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ} 4. 5- ما فيه "أل" كقول العرب: "الإنسانُ عبْدُ الإحسان". 6- ما أضيف لواحد مما سبق: كقولنا "شرفنا من شرف الوطن". وسنتناول هذه الأنواع الستة واحدًا بعد الآخر.   1 رجز يقال: إن النبي ارتجزه في غزوة "حنين والطائف". 2 من الآية 28 من سورة الفتح. 3 من الآية 92 من سورة الأنبياء. 4 من الآية 30 من سورة فصلت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 الضمير : 1- المقصود بالضمير لدى اللغويين والنحاة 2- صور استعمال الضمير في اللغة هي: أ- الضمير المستتر جوازًا أو وجوبًا ب- الضمير البارز، متصلا ومنفصلا 3- العبارة المشهورة "لايُعدل عن الاتصال إلى الانفصال" وما يتفرع عليها 4- نون الوقاية قبل ياء المتكلم مع الأفعال والحروف والأسماء الضمير: جاء في القاموس "الضُّمْر" الهُزَال ويقال منه: "ضَمَر ضُمورا" بمعنى: هزل وضعف و"الضمير" السر وداخل الخاطر ا. هـ. فهذه المادة إذن تستعمل في الهزال والضعف أو الخفاء والستر، ومن العبارات الدارجة بيننا الآن "ضمر الجسم" بمعنى ذبُل وهزل، وأيضًا "خلِّ ضميرك نظيف" و "خلِّ عندك ضمير سليم" والمقصود من ذلك النية الطيبة الصالحة التي هي منشأ الأخلاق الكريمة. ويبدو أن النحاة -كما رأى ابن هشام- قد راعوا الجانب اللغوي في إطلاق هذا اللفظ على بعض كلمات اللغة؛ لأن بعض الضمائر قليل الحروف مثل التاء في "صاحبت" وبعضها الآخر مستتر لا يبين، كقولنا: "لا تأسفْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 فاليُسْرُ يعقُبُ العُسْر" ففي الفعلين "تأسف، يعقب" ضمير مستتر. وعلى كل، فالضمير يقصد به نحويًّا "ما دل على متكلم أو مخاطب أو غائب، مثل: أنا، أنت، هو". ا. هـ. صور للضمير في اللغة: يأتي الضمير في الكلام العربي على الصور الآتية: أولا: الضمير المستتر: العاقلُ يبتعدُ عن الشبهات والأحمقُ يحومُ حولها. فابتعدْ عن الشبهاتِ تأمن التقوُّلات. الضمير المستتر -كما يدل اسمه عليه- ما ليس له صورة في اللفظ، وإنما يتخيل ذهنيًّا وجوده مختبئًا خلف الفعل وكذلك الأسماء التي تشبه الفعل، ففي المثالين السابقين استتر مع الفعلين "يبتعد، يحوم" ضمير تقديره "هو" ومع الفعلين "ابتعدْ، تأمنْ" ضميره تقديره "أنت" وكلاهما غير موجود ولكنه متخيل. وفوق ذلك، وإغراقا في التخيل!! اعتبر الضمير المستتر نوعين: مستتر جوازا ومستتر وجوبا بالفهم التالي: 1- المستتر جوازا هو ما يمكن أن يقوم مقامه في جملته الاسم الظاهر بمعنى أنه يمكن أن ينطق في موضعه اسم ظاهر بغير صعوبة في هذا النطق، كما يبقى المعنى العام للجملة سليما بصورة عامة. ففي المثال "العدلُ يحقِّقُ الأمْنَ" الضمير مستتر جوازا، إذ يمكن القول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 في هذا المثال "العدل يحقِّقُ فرضُه الأمْن" ومثل ذلك "العاقلُ يبتعد عن الشبهات" الضمير مستتر جوازا، إذ يمكن القول "العاقل يبتعدُ سلوكُه عن الشبهات". ب- المستتر وجوبا وهو -على عكس السابق- لا يمكن أن يحل محله في جملته الاسم الظاهر بمعنى أنه يصعب نطقا وضع اسم ظاهر في موضعه، ففي قولنا "خُذْ الرفيقَ قبل الطَّريق" وقولنا: "ابتعد عن الشبهات" ضمير مستتر وجوبا مع الفعلين "خذْ، ابتعدْ" إذ لا يمكن وضع اسم ظاهر موضعه، ولك أن تحاول ذلك فإنك لن تستطيع!! وأهم المواضع التي يستتر فيها الضمير وجوبا هي: 1- فعل الأمر للواحد المخاطب: تقول لزميلك: "افهمْ محاضراتك ودوِّنْها وراجعها بعدَ ذلك" ومن ذلك قول القرآن: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} 1 فالفاعل مع أفعال الأمر "افهمْ، دوِّنْ، راجعْ، خذْ، أأمرْ، أعرضْ" مستتر وجوبا تقديره "أنت". 2- الفعل المضارع المبدوء بحرف المضارعة الهمزة: كقولك: "أفهم محاضراتي وأدونها وأراجعها بعد ذلك" وكما جاء في القرآن من قول الرسول لقومه: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 2 فالفاعل مع الأفعال "أفهمُ، أدونُ، أراجعُ، أبلغُ، أنصحُ، أعلمُ" مستتر وجوبا تقديره "أنا".   1 الآية 199 من سورة الأعراف. 2 من الآية 62 من سورة الأعراف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 3- الفعل المضارع المبدوء بحرف المضارعة النون: ومن ذلك ما نردده في دعائنا "نستغفرُ الله العظيمَ ونتوب إليه" وما جاء في القرآن: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} 1 فالفاعل مع الأفعال "نستغفر، نتوب، نخفي، نعلن" مستتر وجوبا تقديره "نحن". 4- الفعل المضارع الذي أوله التاء لخطاب الواحد المذكر: كقولك لزميلك: "عليك أن تُؤدِّيَ واجبك وتتركَ الباقي على الله" ومن ذلك ما جاء في القرآن لخطاب الرسول {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} 3 فالفاعل للأفعال "تؤدي، تترك، تهدي" ضمير مستتر وجوبا تقديره "أنت". 5- صيغة التعجب "ما أفعله": كقولنا: "ما أجملَ الفضيلةَ وما أسْوَأ الرذيلة" ومن ذلك قول الشاعر: ما أحسنَ الدِّينَ والدنيا إذا اجتمعا ... وأقبحَ الكُفْرَ والإفلاسَ بالرَّجلِ2 ففاعل أفعال التعجب "أجمل، أسوأ، أحسن، أقبح" ضمير مستتر وجوبا تقديره "هو" يعود إلى "ما: التعجبية". 6- فاعل "خلا، عدا، حاشا" إذ تأتي أفعالا في الاستثناء: مثل "سيفنى كل شيء في الحياة ما خلا وجهَ الله" وسيأتي الحديث عنها.   1 من الآية 28 من سورة إبراهيم. 2 من الآية 56 من سورة القصص. 3 في البيت دليل: على أن فاعل فعل التعجب -على رأي البصريين- مستتر وجوبا، وذلك في البيت مع الفعلين "أحسن، أقبح". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 ثانيًا: الضمير البارز: أنت مسئولٌ عن سيرتِك بين الناس بسلوكك. فإذا صاحبتَ الأشرَار استحققت الذَّمَّ وسوءَ الظن. الضمير البارز -كما يدل اسمه عليه- ما له صورة في اللفظ، بمعنى أن يكون له حروف منطوقة فعلا لا متخيلة، ومن ذلك في المثالين السابقين كلمة "أنت" وأيضا ضمير المخاطب "الكاف" في "سيرتك، سلوكك" وضمير المخاطب "التاء" في "صاحبت، استحققت". والضمير البارز -بحسب صورته اللفظية- نوعان: بارز متصل وبارز منفصل على التوضيح التالي: أ- البارز المتصل فالمتصل -كما يدل اسمه عليه- ما لا يستقل بنفسه نطقًا، وإنما لا بد أن يتصل بغيره فعلا أم اسما أم حرفا، تقول: "مَنَحَنَا وطنُنا الحريةَ والحياةَ ومن واجبنا أن نُكَافِئَه بهما عند الحاجة" فالضمائر في هذه العبارة متصلة إذ يلاحظ أن الضمير "نا" اتصل أولا بالفعل "منح" ثم بالاسمين "وطن واجب" وضمير الغائب "الهاء" اتصل بالفعل "نكافئ" وضمير الغائب "هما" اتصل بحرف الجر الباء، فلنلاحظ الشواهد الآتية للضمائر المتصلة: - قول القرآن: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} 1. - قول الرسول: "إذا كانُوا ثلاثةً، فلا يتناجى اثنان دونَ الثَّالث   1 من الآية 193 من سورة آل عمران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 حتى يَختلِطُوا بالناسِ أجْلَ أن يُحزنَه" 1. - قول المجنون: فحبّي لها حبٌّ تمكنَ في الحَشَا ... فما إن أرَى حُبًّا يكونُ له مِثْلُ2 هذا، وينبغي التنبه إلى الملاحظتين الآتيتين عن المتصل: الأولى: ذكر "ابن مالك" دليلا على عدم استقلال هذا الضمير بأنه لا يبتدأ به ولا يقع بعد الحرف "إلَّا" فإن هذين الموضعين -المبتدأ وما بعد إلا- لا يشغلهما إلا الاسم المستقل بنفسه، ولك أن تجرب الإتيان بأي ضمير متصل -من ضمائر الأمثلة السابقة- في هذين الموضعين، وإنك لن تستطيع!! الثانية: أن هذا الضمير يجيء في محل رفع ونصب وجر، كما اتضح من الأمثلة السابقة، وكقولك: "وصلْنَا لهدفِنَا ولم تُقَابِلْنَا صعوباتٌ معوّقة". ب- البارز المنفصل: المنفصل -كما يدل اسمه عليه أيضًا- ما يمكن أن يستقل بنفسه نطقًا ولا يحتاج إلى كلمة أخرى يتصل بها، كما نقول: "نحن مُقدّرون للحرية، فهي إحساسٌ نبيلٌ وتضحية" فكل من الضميرين "نحن، هي" يندرج تحت اسم "المنفصل" إذ يستقل نطقا ولا يعتمد على غيره.   1 صحيح البخاري، الجزء الثامن، كتاب الاستئذان. 2 الحشا: يقول القاموس: ما في البطن، والمراد أنه امتلأت به نفسه، ما إن أرى: "إن" هنا حرف زائد؛ لأنه يمكن إزالته من الكلام دون أن يختل المعنى. وفي البيت: من الضمائر المتصلة ياء المتكلم في "حبي" وضمير الغائب في "له". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وبناء على ذلك يفهم ما يوصف به هذا الضمير من أنه يمكن الابتداء به ويقع بعد الحرف "إلَّا" كقولنا: "ما هو إلَّا إلهٌ واحد ولا نعبد إلا إيّاه" فإن هذين الموضعين -كما سبق- من مواضع الاسم المستقل بنفسه نطقا والضمير البارز المنفصل يأتي فيهما، وهذا دليل على استقلاله. هذا، والضمائر المنفصلة محصورة الألفاظ في مجموعتين: المجموعة الأولى: ضمائر الرفع وهي اثنتا عشرة لفظة: "أنا، نحن، أنتَ، أنتِ، أنتما، أنتم، أنتن، هو، هي، هما، هم، هنّ". المجموعة الثانية: ضمائر النصب وهي أيضا اثنتا عشرة: "إيَّاي، إيَّانا، إيّاكَ، إيّاكِ، إيَّاكما، إيَّاكم، إيّاكنّ، إيّاه، إياها، إيّاهما، إيّاهم، إيّاهنّ". فالمجموعة الأولى لا تجيء إلا في مواضع الرفع: "مبتدأ، فاعل" إلخ، أما الثانية فإنها لا تأتي إلا منصوبة "مفعول به، مستثنى" إلخ. فلنتأمل النصوص الآتية: - قول القرآن: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 1. - قول على: "إيَّاكم والْمُثْلَةَ ولو بالكلبِ العَقُور". - ما أورده الجاحظ عن بعض الأعراب: إذا أنتَ لم تدفع بحلمِك جاهلًا ... سفيهًا ولم تقْرِنْ به من يُجَاهِلُهْ لَبِسْتَ له ثوبَ المذلّةِ صاغِرًا ... فأصبح قد أوْدَى بحقِّك باطله2   1 الآية 4 من سورة الفاتحة. 2 لم تقرن به: يقال: قرن الشيء: جمعه به، ومعنى العبارة لم تستعمله معه، يجاهله: بمعنى يجهله. معنى البيتين: إذا لم تستعمل الحلم مع الجاهل السفيه الذي لا يفرق بين العلم والجهل، غلبك وضاع حقك معه، لأن التكليف الاجتماعي مختلف بينك وبينه. يدل البيت على أن الضمير المنفصل "أنت" من ضمائر الرفع، إذ هو فاعل بفعل محذوف يفسره الفعل المذكور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 بين الاتصال والانفصال: تأمّل العبارتين الآتيتين: أسأتَ إليّ فسامحتُك عن فَهْم ومقدرة. "صحيحة لُغَوِيًّا". أساءَ أنتَ إلى أنَا فسامَحَ أنَا إياك عن فهم ومقدرة. "خطأ لُغَوِيًّا". من البيِّن أننا في اللغة العربية نستعمل العبارة الأولى، ولا نستعمل العبارة الثانية، ولو نطق أحد أمامنا العبارة الثانية، لأثار في أنفسنا الشك في عربيته وربما أثار ابتسام السخرية منه!! والفرق بين العبارتين أن الأولى استعملت الضمائر فيها متصلة، والثانية استعملت فيها منفصلة، إذ إن اللغة الفصحى تستعمل الضمائر المتصلة وتترك نظائرها المنفصلة ميلا إلى الإيجاز وتوفير الجهد كما هو واضح -بأدنى تأمل- في العبارتين السابقتين. وعلى ذلك نفهم العبارة النحوية المشهورة "كل موضع أمكن أن يؤتى فيه بالضمير المتصل لا يجوز العدول عنه إلى المنفصل" ا. هـ. لكن ... وردت في اللغة استعمالات لا تتفق مع القاعدة العامة السابقة أو بعبارة أوضح: يصح فيها الانفصال مع إمكان الاتصال، أو بعبارة مباشرة يصح فيها الاتصال والانفصال جميعًا، وتنحصر هذه الاستعمالات في الموضعين الآتيين للضمير: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 1- خبر كان وأخواتها الذّلَّةُ كَانَهَا اليهودُ - الذّلَّةُ كان اليهودُ إيّاها. القسوةُ صَارَهَا الإسرائيليون - القسوةُ صار الإسرائيليون إيَّاها. إذا كان الضمير خبرا "لكان أو إحدى أخواتها" وصح فيه الاتصال والانفصال، فإن لك أن تستعمله بهما جميعا، وقد ورد كلا الاستعمالين في نصوص صحيحة، ومن ذلك: - قول الرسول لعمر بن الخطاب وقد هم بقتل ابن صياد: "إنْ يكُنْهُ فلنْ تُسلّط عليه، وإلا يكنْه فلا خيرَ لك في قتْلِه" 1. - قول الشاعر: ليت هذا اليومَ شهرٌ ... لا نرى فيه عريبا ليس إيَّايَ وإيَّاك ... ولا نخشى رقيبا2 - ومن شعر عمر بن أبي ربيعة: لئن كان إيَّاه لقد حَالَ بَعْدَنا ... عن العَهْدِ والإنسانُ قد يتغيَّرُ3   1 رواه البخاري في كتاب الجنائز، انظر "فتح المبدي ج2 ص34، 35". 2 العريب: يقال: ما بها عريب ومعرب، بمعنى: ما بها أحد. فأمنية الشاعر: أن يطول يومهما وتنقطع عنهما العيون، فيخلو كل منها بالآخر. الشاهد في البيت الثاني "ليس إياي وإياك" حيث وقع الضمير خبرًا للفعل "ليس" وجاء منفصلا. 3 حال: تغير، عن العهد: عما نعهده من مرحه وجماله وشبابه. والبيت تصوير لحديث إحدى صديقاته عنه، تقول: لقد تغير عما كنا نعهده. فيه من المرح والفتوة إلى الكآبة والضعف. الشاهد في البيت: قوله: "كان إياه" حيث جاء خبر "كان" ضميرًا منفصلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 2- المفعول الثاني: الصديقُ المخلصُ ظننتُكَهُ - الصديقُ المخلصُ ظننتُكَ إيَّاه. فإذا الإنسانُ الغادرُ علمتُكَهُ - فإذا الإنسان الغادرُ علمتكَ إيَّاه. إذا جاء الضمير في موضع المفعول الثاني، وكان المفعول الأول ضميرا أقوى منه "المتكلم أقوى من المخاطب والمخاطب أقوى من الغائب" فإن الذي وقع مفعولا ثانيًا يصح فيه الاتصال والانفصال، ويتحقق هذا مع كل الأفعال التي تنصب مفعولين على الإطلاق. وقد ورد كل من الاتصال والانفصال في نصوص صحيحة فصيحة، ومن ذلك: - قول القرآن: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} 1. - ما ينسب للرسول في حديث الرقيق: "إن الله ملكَكُم إيَّاهم، ولو شاء لَمَلَّكَهُم إيَّاكم"2.   1 من الآية 53 من سورة الأنفال. 2 ساق "الأشموني" هذه العبارة دون أن يذكر أنها حديث، وكذلك "ابن هشام" في "أوضح المسالك" وقد بحثت عنه قدر جهدي، فلم أعثر عليه في كتب الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 - قول الشاعر: بُلِّغْتُ صُنْعَ امرئ بَرٍّ إِخَالُكَهُ ... إذ لم تزلْ لاكْتِسَابِ الحمْدِ مبْتَدِرَا1 - قول الآخر: أخي حسبتُكَ إيَّاه وقد مُلِئَتْ ... أرجاءُ صدرِكَ بالأضْغَانِ والإِحَنِ2 أما الذي خاض فيه النحاة في الموضع الثاني من تفصيل وترجيح للوجهين -الاتصال والانفصال- وما ترتب على ذلك من الخلاف وتعدد الآراء فإنه جهد شاق!! ولا حاجة بنا إليه.   1 البر، بفتح الباء: الصادق، مبتدرا، بمعنى مبادر: وهو من يسرع إلى الشيء. المعنى: لقد بلغني عمل لإنسان صادق، وأظنك صاحبه، إذ المعهود فيك أنك سباق إلى الأعمال الحميدة. الشاهد: في "إخالكه" حيث اجتمع ضميران مع الفعل "إخال" وهو ينصب مفعولين والأول هنا أعرف من الثاني، فيصح في الثاني الاتصال والانفصال، وقد جاء المفعول الثاني متصلا وهو ضمير الغيبة. 2 أرجاء: نواحي، الأضغان: الأحقاد، الإحن، الأحقاد أيضًا. المعنى: لقد كنت أظنك أخا مخلصا، فإذا بك عن العكس من ذلك عدو حقود. الشاهد في "حسبتك إياه" فإن الفعل حسب ينصب مفعولين، وهما معه ضميران الأول ضمير المخاطب، والثاني ضمير الغائب، فيصح في الثاني الاتصال والانفصال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 نون الوقاية قبل ياء المتكلم: لاحظ الأمثلة الآتية: أفادنِي التَّجريبُ في الحياة أكثر من النظر. فإنَّنِي أفدتُ من الخطأ الفعليِّ أكثر من الوعظ الكلاميّ. فكان الخطأ مني، وكانت معرفةُ الصواب منِّي أيضًا. في الأمثلة السابقة نجد قبل ياء المتكلم في "أفادني، إنني، مني" نونًا فصلت بين ياء المتكلم بعدها والكلمة التي قبلها -سواء أكانت فعلا أم حرفًا- وهذه النون تسمى "نون الوقاية". جاء في ابن عقيل: وسميت بذلك: لأنها تقي الفعل من الكسر. ا. هـ. ومعنى ذلك أن ياء المتكلم يناسبها كسر ما قبلها، كما تقول "بلدي، أهلي" وآخر الفعل -كما عرفنا قبلا- لا يكسر، فحين يتصل بياء المتكلم يؤتى بهذه النون لتتحمل هي الكسرة بدلا من الفعل، أو بعبارة ابن عقيل "لتقي الفعل من الكسر" فكان ذلك سبب التسمية، ثم حملت هذا الاسم معها مع الحروف حين تتصل بها. هذا وتجيء نون الوقاية قبل ياء المتكلم -كما ذكرنا- مع الأفعال والحروف والأسماء على التفصيل الآتي: أولا: نون الوقاية مع الأفعال: وهي لازمة قطعًا مع كل الأفعال -الماضي والمضارع والأمر- قبل ياء المتكلم، تقول: "بلغتني رسالتُك ويُسعدنِي أن ألقاك فشرّفْني بزيارتك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 ثانيًا: نون الوقاية مع الحروف: وتأتي مع حروف محدودة عددها ثمانية، وهي الحروف الستة الناسخة التي تنصب المبتدأ أو ترفع الخبر "إنَّ، أنَّ، كأنَّ، لكن، ليت، لعل" وحرفان من حروف الجر هما "من، على" على التفصيل الآتي: 1- مع الحروف الأربعة "إنَّ، أنَّ، كأنَّ، لكنَّ" إذا اتصلت بها ياء المتكلم، لك أن تأتي معها بنون الوقاية ولك تركها، وكلا الاستعمالين صحيح لغويا، تقول: "إنَّنِي صاحبُ هدفٍ واضح في حياتي، قد تَعُوقُنِي عنه الصعابُ لكنَّنِي مصمِّمٌ على الوصول إليه" ولك أن تقول: "إنِّي صاحبُ هدف واضح في حياتي، قد تعوقني عنه الصعاب لكنِّي مصمِّمٌ على الوصول إليه". 2- مع الحرف "ليت" إذا اتصلت به ياء المتكلم، الفصيح في اللغة أن تذكر نون الوقاية، جاء في القرآن: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} ، ويقل حذف النون معها جدًّا. 3- مع الحرف "لعل" إذا اتصلت به ياء المتكلم، الفصيح في اللغة ألا تذكر نون الوقاية، تقول: "سأبذل قُصَارَى جُهْدِي لعلِّي بذلك أحققُ أمل أسرتي ووطني"، ويقل مجيء النون معها جدًّا، فهي عكس "ليت". 4- مع الحرفين "من، عن" إذا اتصلت بهما ياء المتكلم، الفصيح أن تجيء معهما بنون الوقاية، فمن كلام الرسول في خطبة الوداع قوله: "اسمعُوا عنِّي، فلعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدًا" وتقول لزميلك: "اسمع منِّي هذا الحديث، وبلغ عنِّي هذا الخبر" ويقل جدا حذف النون معهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 ثالثًا: نون الوقاية مع الأسماء: وتأتي مع كلمة واحدة شائعة الاستعمال ومألوفة وهي "لَدُنْ" بمعنى: عند وناحية، كما تأتي أيضًا مع كلمتين لا يكاد أحد يستعملهما بالنون "قط، قد" بمعنى "حسب ويكفي" ولن نتعرض هنا للكلمتين الأخيرتين إذ لا يستعمل "قطْنِي، قدْنِي"، أما كلمة "لَدُنْ" إذا اتصلت بياء المتكلم فالفصيح أن تتوسط نون الوقاية، فتقول: "لَدُنِّي" ويقل حذف النون فنقول: "لَدُنِي" وقرئت الآية: {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً} 1 بتشديد النون على اللغة الفصحى، وبتخفيفها على غير الفصحى.   1 من الآية 76 من سورة الكهف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 العَلَم: 1- المقصود بالعَلَم لدى اللغويين والنحاة 2- يطلق على العلم المصطلحات الآتية: أ- الاسم، الكنية، اللقب ب- المرتجل، المنقول ج- علم الشخص، علم الجنس العَلَم: إبراهيم، محمد، مكة، طنطا، عدن، قريش، تغلب، تميم، ثقيف، أبو بكر، الصديق، عمر، الفاروق، أبو عوف، عبد الرحمن، أبو السباع، إسماعيل. جاء في القاموس: العلم شيء منصوب في الطريق يهتدى به، والجبل ورسم الثوب ورقمه، والرَّاية وما يعقد على الرمح. ا. هـ. ويفهم من هذا أن كلمة "العلم" في اللغة تأتي لمعان متعددة، منها: العلامة، كما في علامات الطرق التي توضح المسالك وما توصل إليه كاللوحات التي نضعها الآن في الطريق وفي مداخل المدن، وبها معلومات تهدي المسافر في رحلته، ومنها أيضًا: الجبل، وهذا المعنى قد ورد في القرآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ} 1 وفي الشعر في قول الخنساء ترثي أخاها صخرًا: وإن صخرًا لتأتَمُّ الهداةُ به ... كأنه عَلَمٌ في رأسِه نارُ2 ومنها اليوم نسمع عن "نشيد العلم" و "علم مصر الخفاق" و "ارفعوا العلم عاليا". أما لدى النحاة، فإن الذي يفهم من كلامهم أن "العلم" يقصد به الاسم الذي يتعين المقصود منه من اللفظ نفسه بمجرد النطق به، سواء أكان المقصود منه إنسانا أم حيوانا، حيا أم جمادا. ا. هـ. فالاسم "العلم" إذن له صفتان: أ- تعيُّن المقصود منه ب- أن يفهم هذا التعيُّن من اللفظ نفسه بمجرد النطق به وبمراجعة الكلمات السابقة، نجد مثلا أن الاسم "إبراهيم" يتحدد المقصود منه بمجرد نطقه، سواء أقصد المتكلم به "الخليل أبا الأنبياء" أم قصد منه صديقًا له اسمه "إبراهيم" مما يحدده سياق الكلام، وأيضا كلمة "مكة" يتحدد المقصود منها بمجرد نطقها بأنها: البقعة المقدسة في ضمير المسلمين من أرض الله، وكذلك الباقي من الأعلام المذكورة.   1 الآية 24 من سورة الرحمن. 2 ورد هذا البيت شاهدًا على أن كلمة "العلم" تطلق على الجبل فإن معنى بيت الخنساء: إن صخرًا معروف كأنه الجبل الذي اشتعلت النار في قمته فيراه كل الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 الاسم، الكنية، اللقب - إبراهيم، محمد، عبد الله، عمر، فاطمة، عائشة. "اسم". - أبو الأنبياء، أبو القاسم، أبو بكر، أبو حفص، أم كلثوم، بنت الشاطئ. "كنية". - الخليل، خاتم الأنبياء، الصديق، الفاروق، كوكب الشرق، "لقب". يطلق على "العلم" المصطلحات الثلاثة "اسم، كنية، لقب" وبعبارة أخرى: أن الأعلام منها ما هو اسم، ومنها ما هو كنية، ومنها ما هو لقب وتحديدها كالآتي: الاسم: وهو أغلب الأعلام، ما يطلقه الوالدان على ولدهما عند الولادة ابتداء، مثل: "إبراهيم، أحمد، عمر، عثمان" وغيرهما مما لا يكاد يحصى، فلكل منا اسم يعرفه جيدًا، ويعرفه عنه أهله وأصدقاؤه والمتعاملون معه. الكنية: ما يطلق على الإنسان بعد التسمية، وقد صدّر "بأب أو أم أو ابن أو بنت" في الغالب، مثل: "أبو الفوارس، أم هانئ، ابن خلدون، بنت الشاطئ". اللقب: ما يطلق على الإنسان بعد التسمية أيضًا، وأشعر بمدح أو ذم مثل: "الصديق، الفاروق، السفاح، المهدي". ولو أجلنا النظر فيما حولنا، لوجدنا استعمال هذه الثلاثة مما يتردد على أسماعنا باستمرار، فكم نسمع من أسماء الناس في اليوم الواحد!! وكم نجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 الناس -وبخاصة في الأحياء الشعبية- ينادون الرجال والنساء "بأبو فلان وأم فلان" وأيضًا ألقاب العائلات التي ينسب إليها الناس، فيتمايز بعضهم عن البعض الآخر. لكن ينبغي التنبه إلى ملاحظتين مهمتين جدًّا تتعلقان بهذه الثلاثة. الأولى: الترتيب بينها: فإذا اجتمعت هذه الثلاثة أو اثنان منها في جملة واحدة فلا ترتيب بينها في كل الحالات إلا في حالة واحدة هي "اجتماع الاسم واللقب" فيجب حينئذٍ أن يتأخر اللقب عن الاسم، ولا يصح تقدمه عليه. الثانية" إعرابها: يتبع المتأخر منها المتقدم، ويعرب على أنه: "بدل" منه أو "عطف بيان" له في كل الحالات إلا حالة واحدة هي "اجتماع الاسم واللقب مفردين" -غير مركبين- مثل: "إبراهيم الخليل" و "عمر الفاروق" فإنه يصح في هذه الصورة فقط وجهان: إتباع الثاني للأول -كبقية الحالات الأخرى- أو إضافة الأول للثاني والبصريون يوجبون في هذه الصورة الإضافة فقط. فلنطبق هاتين الملاحظتين على الاستعمالات الآتية: - من علماء النحو أبو محمد عبد الله جمال الدين بن هشام المصري. - ومن أصحاب الرسول أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة الصديق. - ومن شعراء مصر شوقي أمير الشعراء وحافظ شاعر النيل. - ومن زعمائها السياسيين سعد زغلول وجمال عبد الناصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 المُرتَجَل، المَنْقُول: يطلق على العلم أيضًا أحد المصطلحين "مرتجل، منقول" بالتحديد الآتي: المرتجل: هو ما لم يسبق له استعمال قبل العلمية في غيرها، بمعنى أنه استعمل علمًا منذ البداية فلا نكاد نعرف له استعمالا غير ذلك، مثل: "معاوية، عثمان، مروان، سعاد، مصر، مكة، عكاظ" فكل هذه أعلام مرتجلة فإنه قد سمي بها من غير سابقة استعمال، والارتجال معناه: التكلم من غير تهيؤ سابق، وهذا المعنى ينطبق على استعمال الأعلام المرتجلة. المنقول: هو ما سبق له استعمال في غير العلمية، ثم نقل إليها، وأهم الاستعمالات التي يحدث النقل منها ما يلي: 1- المصادر: مثل "فضْل، شُكْر، زيْد، عقُل" أعلاما. 2- اسم الفاعل: مثل "مُحسِن، مُقبِل، مُؤمِن، فَاضِل، حَارِث، شاكر، هاشم، حافظ". أعلامًا. 3- اسم المفعول: مثل "محمد، محمود، محفوظ، مبروك، مهديّ" أعلامًا. 4- الصفة المشبهة: مثل "حسن، نبيه، سعيد، سميح" أعلامًا. 5- الفعل: مثل "أحمد، يزيد، يحيى، تغلب" أعلامًا. 6- الجار والمجرور والظرف، مثل "في سبيل التاج، نحو النور". 7- الجملة: مثل "جاد الرب، فتح الله، جاد المولى" وما ورد عن العرب من أعلام أصلها جمل، مثل "تأبَّطَ شَرًّا" الشاعر الجاهلي المعروف وأيضًا "شَابَ قرْناها، يتَلَمَّظَان" علمين لقبيلتين، قال الشاعر يتوعد قبيلة "شاب قرناها": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 كذَبْتم، وبيتِ الله، لا تَنْكِحُونها ... بني شابَ قرْناها تُصَرُّ وتُحْلَبُ1 وقال الآخر يهجو قبيلة "يتلمظان": إذا ما قيل: أيُّ الناسِ شرٌّ ... فشرُّهُمُ بنو يتَلَمَّظَانِ2 وقد سبق -في باب ما لا ينصرف- كيفية معاملة الأعلام المنقولة عن الجمل. إعراب: فشرهم بنو يتلمظان شر: مبتدأ مرفوع بالضمة، بنو: خبر مرفوع بالواو، يتلمظان: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون وواو الجماعة فاعل، و"يتلمظان" كلها مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة منع من ظهورها حكاية الجملة للتسمية بها. علم الشخص، علم الجنس يطلق على العلم -بحسب معناه- أحد المصطلحين "علم الشخص، علم الجنس" بالفهم الآتي:   1 الصر: -كما جاء في القاموس- شد ضرع الناقة لحلبها، والعطف في "وتحلب" التفسير والبيان، والبيت خطاب لأهل امرأة هم قبيلة "شاب قرناها" رفضوا زواجها من الشاعر، يقول: إنكم لن تستطيعوا تزويجها من غيري فلتبقوها إذن عندكم دون زواج كأنما هي ناقة من إبلكم محبوسة للرعي والحلب ولا يخفى ما في ذلك من التهكم!! الشاهد في "شاب قرناها" فهو علم منقول من جملة كاملة مكونة من الفعل "شاب" والفاعل "قرناها". 2 الشاهد في البيت "يتلمظان" فهو علم على قبيلة معينة، وهو منقول من جملة كاملة مكونة من الفعل "يتلمظ" مسندا إلى "ألف الاثنين" من الأفعال الخمسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 علم الشخص: يقصد به -كما هو واضح من اسمه- ما يتحدد المقصود منه بذاته باستعمال اللفظ الدال عليه، مثل "أحمد، خالد، مكة، بغداد" وكل ما سبق من حديث عن العلم إنما يقصد منه "علم الشخص". وعلم الجنس: يقصد به -كما هو واضح منه اسمه أيضا- ما وضع في اللغة للدلالة على تحديد الجنس كله لا على تحديد فرد منه، مثل "أسامة" وضعتها العرب لتكون علما يقصد منه كل أسد، ومثل "ثُعَالة" وضعتها العرب لتكون علما يقصد منه كل ثعلب. فهذا النوع الأخير من الأعلام لا يقصد به "فرد محدد" بل يقصد به "جنس محدد" فمعناه في الحقيقة شائع كالنكرة، وإن كان من حيث اللفظ معرفة باعتبار تخصيصه بالدلالة على النوع كله، لذلك، فإن الألفاظ التي وردت لهذا النوع الأخير في اللغة تكاد تكون محصورة ومعظمها غريب الاستعمال الآن، ومن ذلك: "أسامة" للأسد، "ثُعَالة" للثعلب، "ذُؤَالة" للذئب، "أمُّ عِرْيَط" للعقرب، "أبو جَعْدَة" للذئب، "أبو المضَاء" للفرس، "أبو الدَّغْفَاء" للأحمق، "سُبْحَانَ" للتسبيح وتنزيه الله، "يَسَارِ" للميسرة، "فجارِ" للفسق والفجور، "بَرَّة" للبر وعمل الخير. فكل هذه الألفاظ وضعتها العرب للدلالة على المعاني السابقة، بحيث لا يفهم منها غيرها، فأشبهت الأعلام الحقيقية التي تخصصت في تعيين الذوات أناسا أم أماكن أم قبائل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 أسماء الإشارة : 1- المقصود بالإشارة لدى اللغويين والنحاة 2- أهم أسماء الإشارة التي وردت في اللغة مع بيان ما هي له 3- استعمال الحروف الثلاثة "ها: التنبيه، الكاف، اللام" مع أسماء الإشارة 4- العبارة النحوية المشهورة "اسم الإشارة لمن تشير إليه والكاف لمن تخاطبه" والتطبيق عليها المقصود بأسماء الإشارة: جاء في القاموس: أشار إليه: أوْمَأ، ويكون بالكف والعين، والحاجب ا. هـ. فالإشارة إذن هي الإيماء إلى شيء أو شخص بواحد من هذه الثلاثة وغيرها، ويتحقق هذا أحيانًا دون نطق على الإطلاق، كما نرى مثلا في ملعب الكرة حين يرفع حارس الخط الراية مشيرًا بذلك إلى خروج الكرة عنه وكذلك حين يفعل "الحكم" لإيقاف اللعب بالصفارة، أو تحديد موضع الكرة بيده، فكل هذه من الإشارة بالمعنى اللغوي. أما لدى النحاة: فالإشارة -كما يرى ابن هشام - كل اسم دل على مُسَمَّى وإشارة إلى ذلك المُسَمَّى ا. هـ. ويفهم من هذه العبارة المختصرة أن المعتبر في النحو من هذا الباب ما توافرت له الصفات الآتية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 أ- أن يكون كلمة منطوقة من نوع الاسم. ب- أن يكون لهذا الاسم معنى يطلق عليه، إنسانًا أم حيوانًا أم شيئًا من الأشياء. ج- أن يدل هذا الاسم -بالإضافة لمعناه- على الإشارة إلى هذا المعنى الذي يدل عليه، ولا مانع حينئذٍ أن يصحب هذه الإشارة المعنوية التي يحملها الاسم أصلا إشارة مادية بالكف أو العين أو الحاجب أو غيرها، كما سبق في إيراد المعنى اللغوي. - من كلام الرسول: "إن هذا الدِّينَ متينٌ فأوغِل فيه برفق" 1. - ومن القرآن: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً} 2. - ويقول الفرزدق: أولئك آبائي فجئْني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جريرُ المجامِعُ3 ففي هذه النصوص السابقة ثلاثة من أسماء الإشارة هي "هذا، تلك، أولئك" على التوالي، وقد اجتمعت فيها الصفات الثلاث السابقة، فالكلمة الأولى "هذا" في الحديث اسم يقصد به "الدين" ويشير إليه، والكلمة الثانية "تلك" اسم أيضًا يقصد به "الجنة" ويشير إليها، والكلمة الثالثة "أولئك" اسم أيضًا يقصد به "الآباء" ويشير إليهم.   1 للحديث رواية أخرى هي: "إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق" وسواء أكانت هذه أم تلك فلا تغير في الاستدلال به على ما سقناه له "انظر الفتح الكبير ج1 ص425". 2 الآية 23 من سورة مريم. 3 في البيت اسم إشارة "أولئك" للجمع، وقد تحدد المقصود منها بواسطة ما يحمله من معنى الإشارة حين استعماله في البيت؛ إذ قصد منه "آباء الفرزدق". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 ولعلنا بذلك نفهم السبب في عدّ "أسماء الإشارة" من المعارف، إذ يتحدد معناها بسبب ما تحمله من الإشارة إلى المقصود، وما يصحبها أحيانا من الإشارات الحسية. أسماء الإشارة: "المشار إليه" مفردٌ أو مثنى أو جمع، وكل من هذه الثلاثة مذكر أو مؤنث، وقد جاء في اللغة العربية ألفاظ تدل على ذلك كله على التفصيل الآتي: 1- المفرد المذكر أشهر ما ورد له لفظ واحد هو "ذا" ويستعمل منه "هذا، ذاك، ذلك" وجاء في القرآن: {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ} 1. 2- المفرد المؤنث وأهم ما ورد من الألفاظ "ذهِ، ذِي، تِه" ويبدو أن الكلمتين الأوليين لا تكادان تستعملان بغير حرف التنبيه "ها"، فيستعمل منهما "هذِه، هذِي" -مع استعمالها مجردتين- وأن الكلمة الأخيرة تستعمل أيضًا هذا الاستعمال، فيقال "هاته المرأة" لكن أكثر ما تستعمل مع اللام والكاف اللاحقتين بها، فيقال "تلك" جاء في القرآن: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} 2 وجاء أيضا: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} 3. ومن استعمال "هذي" قول أبي العلاء المعري:   1 الآية 70 من سورة النساء. 2 الآية 94 من سورة العنكبوت. 3 الآية 141 من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 صاحِ هذِي قبورُنا تملأ الرُّحْ ... بَ فأين القبورُ من عهد عَادِ1 3- المثنى المذكر: ورد له لفظ واحد "ذان" ويستعمل منه "هذان، ذانك" تقول: "هذان صديقان مخلصان، فإن هذين الصديقين يحزنان لأجلي في الضَّراء ويفرحان لي في السراء". 4- المثنى المؤنث: وقد ورد له لفظ واحد هو "تان" ويستعمل منه "هاتان، تانك" تقول "في العالم الآن دولتان كبيرتان، وعلى هاتين الدولتين مسئولية مصير العالم"، وقد مر الحديث عن هاتين الكلمتين في ملحقات المثنى. 5- جمع الذكور والإناث: وقد ورد لكليهما لفظ واحد هو "أولاء" فيستعمل منه "هؤلاء، وأولئك" يقال: "إن وِزْرَ القادةِ أكبرُ من وِزْرِ الأتباع، فهؤلاء يأمرون وأولئك يأتمرون" ومن شعر جرير: سرت الهمومُ فَبِتْنَ غيرَ نِيَامِ ... وأخو الهمومِ يَرُومُ كلَّ مرَامِ ذُمَّ المنازلُ بعد منزلة اللّوَى ... والعيشُ بعد أولئك الأيامِ2   1 الرحب: الاتساع، والمقصود: الفضاء المتسع. والبيت قد جيء به للتمثيل فإن أبا العلاء المعري، في رأي النحاة، لا يستشهد بشعره. وموضع التمثيل هو كلمة "هذي" مستعملة للمفردة المؤنثة، وبأولها "ها" للتنبيه. 2 المنازل: جمع منزل أو منزلة، والمقصود به: مكان النزول، اللوى: اسم مكان معين. معنى البيتين: لقد توزعت الهموم على أصحابها، وصاحب الهم تتوزعه الأفكار والهواجس، ومن الهم الفراق، فكل مكان مذموم ما عدا، "اللوى" لما قضيت فيه من أيام صافية مبهجة. الشاهد في البيت الثاني في كلمة "أولئك" إذ استخدمت للإشارة إلى الجمع "الأيام" وبآخرها كاف الخطاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 هذا وفي اللفظ لغة أخرى تنسب إلى "بني تميم" وهي "القصر" فينطق بدون الهمزة الأخيرة هكذا "أولي" وهي لغة لا يكاد أحد يستعملها الآن في الإشارة. 6- الإشارة للمكان: وردت ألفاظ تخصصت للإشارة إلى المكان، بمعنى أنها لا تستعمل إلا في ذلك، وإن كانت الألفاظ السابقة كلها تستعمل أيضًا في المكان وغيره وهذه الألفاظ هي: - هنا، ههنا. " إشارة للمكان القريب". - هناك، هنالك، ثمة. "إشارة للمكان البعيد". تقول: "هنا أرضنا وحريتنا، وليس ثمة حياة بدون أرض حرة" ومن التعبيرات المشهورة الآن في الاستعمال "ومن ثم" وجاء في القرآن: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} 1 وجاء أيضا: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} 2. إعرب: هنا أرضنا هنا: اسم إشارة للمكان؛ ظرف مبني على السكون في محل نصب شبه جملة خبر مقدم.   1 الآية 17 من سورة "الأحزاب". 2 الآية 85 من سورة "الشعراء". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 أرض: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة، "نا" مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر. الحروف التي تأتي مع أسماء الإشارة: هي حروف ثلاثة "ها: التنبيه، كاف الخطاب، لام البعد" وينبغي مع كل واحد من هذه الثلاثة بيان موضع صلته بأسماء الإشارة، والمعنى الذي يفيده، ثم تحديد أسماء الإشارة التي يتصل بها على التوضيح التالي: - ها: التنبيه تأتي سابقة أسماء الإشارة، وحينئذٍ لا تكتب ألفها غالبا، وهي -كما يقول ابن هشام- حرف جيء به لتنبيه المخاطب على المشار إليه، فهي إذن حرف تنبيه، وهكذا يصفها المعربون. وتسبق جميع أسماء الإشارة التي سبق توضيحها، فنقول: "هذا، هذه، هذي، هاته، هذان، هاتان، هؤلاء". - كاف الخطاب وتلحق آخر أسماء الإشارة عند استعمالها للشيء أو الشخص البعيد فقط، وهي -كما يقول ابن هشام- حرف لمجرد الخطاب لا موضع له من الإعراب، فهي إذن حرف للخطاب لا للمخاطب، وهكذا يصفها المعربون وتلحق أيضًا جميع أسماء الإشارة بصورة عامة، فنقول: "ذاك، ذيك، ذانك، تانك، أولئك" وتتغير بحسب من تخاطبه، كما سيأتي بيانه. - لام البعد وتتوسط بين أسماء الإشارة وكاف الخطاب، وتفيد كما هو واضح من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 تسميتها "البعد"، بل إنها لتفيد في استعمالها مع الكاف شدة البعد، وهكذا يصفها المعربون. وتأتي مع أسماء الإشارة المفردة فقط، بشرط تجردها من حرف التنبيه "ها" بل إنها -إن لم يجانبني الصواب- تأتي مع كلمتين فقط هما "ذا، تي" فنقول فيهما: "ذلك، تلك". ولعله قد اتضح بعد ذلك ما يردده المعربون من قولهم: "ها: حرف تنبيه، واللام: للبعد، والكاف: حرف خطاب". أسماء الإشارة مع حرف الخطاب: مما يقال في موقف القضاء: ذلك حقِّي أيها القاضي. وأولئكم شهودي عليه أيها المستشارون. من العبارات النحوية الذائعة الصيت عن باب الإشارة ما يقال: "اسم الإشارة لمن تشير إليه، والكاف لمن تخاطبه" وتتضمن هذه العبارة الأمرين الآتيين: الأول: أن أسماء الإشارة يُراعى في لفظها ما تشير إليه مفردًا أو مثنى أو جمعًا مذكرًا أو مؤنثًا. الثاني: أن حرف الخطاب "الكاف وما تفرع عنها" يُراعى في لفظها المخاطب، مفردًا أو مثنى أو جمعًا، مذكرًا أو مؤنثًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وكل هذا مفهوم مما درسناه سابقًا، والجديد هنا أن أسماء الإشارة وحرف الخطاب إذا استعملا معا -بأن كان هناك من تشير إليه ومن تخاطبه- وجب أن يُراعى في كل منهما ما هو موجَّه إليه من حيث الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث. ففي المثال الأول "ذلك حقِّي أيها القاضي" روعي في اسم الإشارة "ذا" الإفراد والتذكير، لأن المشار إليه "الحق" كذلك ... كما روعي في حرف الخطاب "الكاف" أيضا الإفراد والتذكير، لأن المخاطب "القاضي" كذلك. وفي المثال الثاني "أولئكم شهودي أيها المستشارون" روعي في اسم الإشارة "أولاء" الجمع والتذكير، لأن المشار إليه "الشهود" كذلك كما روعي في الخطاب أنه موجه لجماعة الذكور وهم "المستشارون" فجيء بحرف الخطاب في صيغة الجمع المذكر في "أولئكم". فلنطبق المبدأين السابقين على النصوص الآتية: - ما جاء في القرآن عن المؤمنين: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 1. - ما جاء في القرآن في خطاب موسى: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ} 2.   1 من الآية 5 من سورة البقرة. 2 من الآية 12 من سورة القصص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 - حكاية القرآن قول يوسف مخاطبا رفيقيه في السجن: {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} 1. - قول النابغة في الاعتذار للنعمان بن المنذر: أتاني أَبَيْتَ اللَّعْنَ أنك لمتني ... وتِلكَ التي أهْتَزُّ منها وأغضَبُ2   1 من الآية 37 من سورة يوسف. 2 أبيت اللعن: اللعن هو الطرد والإبعاد، وجاء في أساس البلاغة: أبيت اللعن: هي تحية الملوك في الجاهلية، أي: لا فعلت ما تستوجب به اللعن. وفي البيت دليل استعمال اسم الإشارة "ته" مع كاف الخطاب، وقد أشير به إلى المفردة المؤنثة، والخطاب للمفرد المذكر وهو النعمان نفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 أسماء الموصول : 1- المقصود بالموصول لدى اللغويين والنحاة 2- جوانب الحديث عن الموصول تفصيلا هي: أ- أسماء الموصول المختصة والمشتركة ب- صلة الموصول الجملة وشبه الجملة ج- عائد الصلة المذكور والمحذوف الموصول: جاء في القاموس: وصل الشيء وَصْلا: لَأَمَه، وأوْصل الشيء واتَّصل: لم ينقطع، والوُصْلة بالضم: الاتصال. ا. هـ. ويتلخص ما يفهم من هذا النص أن هذه المادة تفيد "الالتحام والاتصال اللازم بين شيئين" وينبني عليه أن "الموصول" يقصد منه: ما التحم به غيره متصلا به اتصالًا وثيقًا لا ينفصل، سواء أكان ذلك في الماديات أم في المعنويات أم في الكلام، فحنفية المياه بعد لحمها بالماسورة تصير موصولة بهذه الماسورة، وقطعة الخشب إذ تكون جزءًا من أجزاء الكرسي، فتأخذ موضعها منه ملتصقة به بالغراء والمسامير تلتحم به وتكون موصولة ببقية أجزائه، وحين ننطق عبارة في نفس واحد فنقول مثلا ما قاله الرسول: "إذا كانوا ثلاثةً، فلا يتناجى اثنان دون الثالث حتى يختلطوا بالناس أجْلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 أن يحزنه" 1 فإن كل كلمة من هذه العبارة موصولة بما قبلها وما بعدها من الكلمات، إذ نطقت معها متصلة دون انقطاع. أما الموصول الذي يدرس في النحو، فيقصد منه -كما ذكر ابن هشام- كل اسم افتقر إلى صلة وعائد ا. هـ. ويتبين من النص السابق أن ما يطلق عليه "الموصول" في النحو يتوافر له الصفات الثلاثة الآتية متكاملة: أ- أن يكون كلمة منطوقة من نوع الاسم ب- أن تكون له صلة تتصل به، فتبين المقصود منه وتحدد معناه ج- أن تشتمل هذه الصلة على ضمير عائد على اسم الموصول؛ يربط جملة الصلة به تلك هي المكوّنات الأساسية لتحقق الموصول نحويًّا، وهي مرة أخرى باختصار "اسم الموصول، صلة الموصول، العائد على الموصول". - جاء في القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} 2. ففي هذه الآية الكريمة اسما موصول هما "الذين، التي"، وصلة الأول جملة: "قالوا: رَبُّنا الله" والعائد فيها هو ضمير الجماعة "الواو" في "قالوا" أما صلة الثاني فجملة "كنتم توعدون" والعائد غير موجود فيها، لكنه   1 صحيح البخاري، الجزء الثامن، من كتاب الاستئذان. 2 الآية 30 من سورة فصلت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 يقدر، والأصل مع هذا التقدير "التي كُنتُم توعدُون بها". هذا، وينبغي التنبيه للملاحظتين الآتيتين: الأولى: أن أسماء الموصول من المعارف، فإن وجود الصلة معها يزيل غموضها ويحدد المقصود منها؛ لأن من شروط الصلة -كما سيأتي- أن يكون معناها معلومًا للسامع، تقول: "زميلي الذي بذل جُهْدَه ولم يُوَفَّقْ خيرٌ لديّ من زميلي الآخر الذي أهمل واجبه، واعتسف النجاح". الثانية: أن دراسة هذا الباب كله -بعد تحديد معناه السابق- يجب أن تتناول أركان الموصول الثلاثة وهي "أسماء الموصول، الصلة، العائد" على التفصيل الآتي. أسماء الموصول: المتصور أن يعبر الموصول عن المفرد والمثنى والجمع، وكل من هذه الثلاثة مذكر أو مؤنث، وقد ورد في اللغة فعلا من أسماء الموصول ما يعبر عن ذلك كله بطريقتين: الطريقة الأولى: أسماء الموصول المختصة: يقصد بها: ما ورد في اللغة من أسماء الموصول، وكل منها مخصص للدلالة على واحد من الأمور الستة السابقة على التفصيل والتوضيح الآتي: - المفرد المذكر ورد له لفظ واحد هو "الذي" جاء في القرآن: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} 1 وتقول: "أحب   1 من الآية الأولى من سورة الأنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 الصديقَ المخلصَ الذي يشاركني السَّراء والضَّراء، وأكرهُ الصاحبَ المنافق الذي أجِدُه في السراء، ويهربُ في الضراء". - المفرد المؤنث: ورد له لفظ أيضا هو "التي" وجاء في القرآن: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً} 1، وتقول: "أغلى بقاعِ الأرض البقعة التي وُلِدْتُ بها، ونشأتُ في رحابها، وأحبُّ الناس لديّ الأسرةُ التي كَفَلَتْنِي ورعتْني، وأحق الخلق بإحساني أمي التي أنا قطعة منها". - المثنى المذكر: ورد له أيضًا لفظ واحد هو "اللذان" ويجيء في حالتي النصب والجر بالياء "اللَّذَيْن" جاء في القرآن على لسان المستضعفين يوم القيامة: {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإنْسِ} 2 ومن العبارات التي ترددها الإذاعة "قلبُ العالم العربيّ مصرُ، وجناحاه اللذان ينهض بهما المشرقُ العربيّ والمغربُ العربيّ". المثنى المؤنث: ورد له أيضًا لفظ واحد هو "اللتان" ويجيء في حالة النصب والجر بالياء "اللَّتَيْن" يقال: "من الرَّحلاتِ المثيرة في عصرنا الحاضر الرّحلتان الأوليان اللَّتان وصل الإنسانُ فيهما إلى القمر، فقد تابعهما كلُّ سكَّانِ الأرضِ بإعجابٍ وانبِهار".   1 الآية 25 من سورة مريم. 2 من الآية 29 من سورة فصلت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 - الجمع المذكر: ورد له في اللغة لفظان هما "الذين، الأُلَى" جاء في القرآن: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} 1 وقال الشاعر: رأيتُ بني عمّي الألى يخذُلونَني ... على حَدَثَانِ الدهرِ إذ يتقلَّب1 فمن البيّن أن كلمة "الألى" في هذا البيت لجماعة الذكور، بدليل الضمير العائد عليها في "يخذلون" ويمكن في البيت أن يوضع مكانها كلمة "الذين". هذا ما قررته معظم كتب النحو، لكن جاء في شرح ابن عقيل قوله نصًّا: يقال في جمع المذكر "الأُلَى" مطلقا عاقلا أو غيره، نحو "جاء الأُلَى فعلوا" وقد يستعمل في جمع المؤنث، وقد اجتمع الأمران في قول أبي ذؤيب الهذلي: وتلك خطوبٌ قد تملَّتْ شبابَنا ... قديما فتُبْلينا المنونُ وما نُبْلِي وتُبْلِي الأُلَى يستلئمون على الأُلَى ... تراهنَّ يوم الرَّوْعِ كالحِدَإِ القُبْلِ3   1 الآيتان 5، 6 من سورة الفاتحة. 2 حدثان الدهر: نوائبه. يشكو من بني عمه: إذ تنتابه الأحداث والمصائب فيتقاعسون عن نصرته الشاهد في البيت: كلمة "الأُلَى" إذ وردت في البيت اسم موصول لجماعة الذكور، وهو ما جرى عليه معظم النحاة. 3 خطوب: كوارث، تملت شبابنا، جاء في القاموس: يقال ملاك الله حبيبك: متعك به، وأن تتمتع الخطوب بالشباب كارثة!! إذ تمتص صباهم وتأكلهم، المنون: الموت، يستلئمون: يلبسون اللأمة وهي الدرع، الحدأ: جمع حدأة وهي الطائر المعروف، والمقصود بها الخيول، القبل: التي في عيونها حور. المعنى: لقد أصبنا قديما بخطوب جسام أفنت شبابنا وأبطالنا، شبابنا لمت بهم، وأبطالنا أبلتهم، وكانوا في الحرب وهم يمتطون الخيول السريعة الحادة النظر كالحدإ في سرعتها وحدة نظرها. وقد استشهد ابن عقيل بالبيت الأخير على استعمال "الألى" لجماعة الذكور والإناث، كما جاءت في البيت مرة قصد بها "الأبطال" ومرة أخرى قصد بها "الخيول" ومن رأي ابن عقيل ان استعمالها لجماعة الذكور أكثر من استعمالها لجماعة الإناث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 فقال "يستلئمون" ثم قال "تراهنَّ" ا. هـ. فقد استعملت كلمة "الأُلَى" في شاهد ابن عقيل مرتين، الأُلَى لجماعة الذكور وأريد بها "الأبطال" وعاد عليها الضمير لجماعة الذكور في "يستلئمون" والثانية لجماعة الإناث وأريد بها "الخيول" وعاد عليها ضمير جماعة الإناث في "تراهن" فاستعملت كلا الاستعمالين في بيت واحد. فابن عقيل -رحمه الله- يقرر أنها تستعمل لجماعة الذكور والإناث لكنّ استعمالها للذكور أكثر. لكن بتأمل النصوص التي جمعتها عن هذه الكلمة "الألي" اتضح لي -إن لم يجانبني الصواب- أنها تستعمل حقا لجماعة الذكور، لكن استعمالها لجماعة الإناث أكثر، ومن دلائل الأخير ما يلي: - ما ينسب للمجنون من قوله: أظنُّ هَواها تَارِكِي بمَضَلَّةِ ... من الأرض لا مَالٌ لديَّ ولا أهلُ ولا أحدٌ أفضي إليه وَصِيَّتِي ... ولا صاحبٌ إلا المطيَّةُ والرحْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 مَحَا حُبُّها حُبّ الأُلَى كن قبلها ... وحلَّتْ مكانًا لم يكنْ حُلَّ من قبلُ فحُبّي لها حبٌّ تمكن في الحَشَا ... فما إنْ أرى حُبًّا يكون له مثلُ1 فإن كلمة "الألي" في البيت الثالث لجماعة الإناث، بدليل مجيء نون النسوة ضميرًا عائدًا عليها في "كنّ". - قول الشاعر: تهيّجني بالوصلِ أيامنا الْأُلَى ... مرَرْنَ علينا والزمانُ ورِيقُ2   1 المضلة: المنطقة التي يضل من يسلكها، أفضي: أذكر أسراري، المطية والرحل: المطية: ما يركب كالبعير ونحوه، والرحل: ما يوضع على المطية للركوب. يقول: إن هواها قد أصابني بالخبال، والمرجح لدي أنني سأضرب في الأرض حتى أنزل في تيه منها، فأفقد هناك دون مال ولا أهل ولا صاحب غير مطيتي ورحلي، وهما لا يغنيان عني شيئا، ولا عجب!! فهواها منفرد في قلبي إذ أزال كل حب قبلها منه، وهو متمكن في فؤادي تمكنًا لا نظير له بين المحبين. الشاهد: في "الألى كن قبلها" حيث استعمل "الألى" لجماعة الإناث وفي رأيي أن هذا هو الغالب في استعمالها. 2 الوريق: الكثير الورق، والشجرة يكثر ورقها في أيام الربيع فتمنح الظل والخضرة، والمقصود من "الزمان الوريق" الزمن الذي فيه الراحة والبهجة. المعنى: تستثير ذكرياتي الأيام الجميلة -أيام الوصل- التي مرت عَلَيّ مع الحبيب في راحة وبهجة. الشاهد: في "الألى" حيث أريد بها جماعة الإناث، وعاد الضمير عليها كذلك في "مررن" وفي رأيي أن هذا هو الغالب على استعمالها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 فهي في هذا البيت أيضًا لجماعة الإناث؛ بدليل مجيء نون النسوة عائدا عليها في "مَرَرْنَ". والخلاصة أن هذه الكلمة جرت معظم كتب النحو على جعلها لجماعة الذكور -ومن رأي ابن عقيل أنها تستعمل لجماعة الذكور والإناث وللأول منهما أكثر- ومن رأيي أنها تستعمل لكلا الجمعين، لكنها للإناث أكثر اعتمادا على النصوص التي وردت عنها. - جماعة الإناث: ورد لذلك لفظان هما "اللَّاتِي، واللَّائِي" وقد يستعملان بغير الياء الأخيرة، فينطقان "اللَّاتِ، اللَّاءِ" تقول: "لمجتمعنا العربي تقاليده مع المرأة، ومن هذه التقاليد التصوّنُ والعفة، لذلك تُحترم فيه الفتيات الّلاتي يحترمْنَ هذه التقاليد، كما تحتقر فيه الأخرياتُ اللَّائي يخرجْنَ عليها". الطريقة الثانية: أسماء الموصول المشتركة أو العامة: يقصد بها ما ورد في اللغة من أسماء الموصول صالحا للاستعمال -بلفظه كما هو- في الحالات الست السابقة "المفرد والمثنى والجمع، المذكر منها والمؤنث" حيث يتحدد المقصود منه من سياق الكلام والضمير العائد عليه فلنلاحظ الأمثلة الآتية: إن من يحترمُ نفسَه لا يفعَلُ الأمورَ الرّخيصة. إن من تحترمُ نفسها لا تُعَرِّضُ أنوثَتَها للمهانة. إن من يحترمون أنفسهم ينقدونها قبل نقد الآخرين لهم. ففي الأمثلة الثلاثة السابقة كلمة "من" اسم موصول، وهي في المثال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 الأول للمفرد المذكر، وفي الثاني للمفردة المؤنثة، وفي الثالث لجماعة الذكور فهي في الأول بمعنى "الذي" وفي الثاني بمعنى "التي" وفي الثالث بمعنى "الذين" ولم يتغير لفظها في الأمثلة الثلاثة، والذي حدد معناها -في كل مثال- سياق الكلام والضمير العائد عليها، فهذه الكلمة يطلق عليها "اسم موصول مشترك". وأسماء الموصول المشتركة -كما وردت في كتب النحو- ستة "منْ، ما، أيّ، ذا، ذو، أل" والثلاثة الأولى من هذه الأسماء الستة "من، ما، أيّ" تستعمل هذا الاستعمال مطلقا وبدون شروط، أما الثلاثة الأخيرة "ذا، ذو، أل" فلا تستعمل هذا الاستعمال إلا تحت ظروف خاصة بكل منها، سيأتي شرحها، بل إن اعتبار الكلمة الأخيرة "أل" من أسماء الموصول أمر يثير الغرابة، وقد رفض اعتبارها من أسماء الموصول من يعتدّ بهم من النحاة. لذلك، فإنه من المفيد أن نتناول هذه الأسماء الستة في مجموعتين، تضم الأولى الأسماء الثلاثة المتداولة الاستعمال، وتضم الأخرى ما لا يكاد يعرف استعماله إلا المتخصصون في صناعة النحو. المجموعة الأولي "منْ، ما، أيّ" 1- مَنْ: لاحظ الأمثلة الآتية: إن من قصَّر به عمله، لم يسرعْ به نسبه. وإن منْ يصنع المعروف في غير أهله يندم عليه. أخلص لمن يحبّونك واحذرْ منْ يعادونك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 "مَنْ" اسم موصول مشترك، والأصل فيها أن تكون للعاقل، وجاء في القرآن: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} 1 لكن ربما استعملت في غير العاقل على خلاف الأصل، ومن ذلك ما ينسب للمجنون من قوله: بكيتُ على سِرْبِ القَطَا إذ مررْنَ بي ... فقلتُ ومثلي بالبُكاءِ جَدِيرُ أسربَ القطا هل مَنْ يُعِيرُ جناحَه ... لعلِّي إلى من قد هوِيتُ أطيرُ2 فإن كلمة "مَنْ يعير جناحه" قصد بها "القطا" وهم غير عقلاء. 2- ما: لاحظ الأمثلة الآتية: قيمتُك بما تعملُه لا بما تقولُه. فتذكَّرْ مِن تجاربِ حياتك ما نفعتْكَ لا ما آلمتْك. "ما" من الأسماء الموصولة المشتركة، والأصل فيها أن تكون لغير العاقل ومن ذلك ما جاء في القرآن: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} 3.   1 من الآية 41 سورة النور. 2 القطا: جمع قطاة، وهي طائر من طيور الصحراء، السرب: الجماعة. يقول: حين مرت بي جماعة القطا بكيت وأنا جدير بالبكاء!! لأني بعيد عن حبيبتي يضنيني الشوق إليها، لذلك طلبت من الطير أن يعيرني واحد منها جناحه لعلّي أستخدمه في الذهاب السريع إليها. الشاهد: في البيت الثاني في قوله: "هل من يعير جناحه" فهي اسم موصول قصد بها غير العاقل. 3 أول سورة الحشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وربما استعملت للعاقل على غير الأصل، كما جاء عن العرب قولهم: "سُبْحانَ ما سخّركُنَّ لنا" وقولهم: "سُبحانَ ما يسبّح الرَّعْدُ بحمدِه". 3- أي: لاحظ الأمثلة الآتية: ابدَأْ بالصدقة على أيِّ الناسِ هو أقربُ إليك. ابدَأْ بالصدقة على أيِّ المحتاجين هم أقربُ إليك. "أي" من أسماء الموصول المشتركة، وتستعمل للعاقل وغيره، ويلاحظ أنها في المثال الأول للمفرد المذكر، فهي بمعنى "الذي" وفي المثال الثاني لجماعة الذكور، فهي بمعنى "الذين". هذا، وينبغي هنا التنبه إلى فكرة جانبية خاصة بكلمة "أي" من حيث الإعراب والبناء إذ سبق في الحديث عن "بناء الأسماء" أن الأسماء الموصولة كلها مبنية، أما كلمة "أي" خاصة فإنها معربة -كما هو واضح في المثالين السابقين- وتبنى على الضم في حالة واحدة يلخصها العبارة النحوية المشهورة "أن تضاف ويحذف صدر صلتها" ومما ورد لذلك الشواهد الآتية: - جاء في القرآن: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً} 1 قرئت الآية ببناء كلمة "أي" على الضم. - قول غسان بن وعلة: إذا ما لقيتَ بني مالكٍ ... فسلِّمْ على أيُّهم أفضلُ2   1 من الآية 66 من سورة مريم. 2 الشاهد في البيت أن "أي" استعملت اسم موصول وهي مبنية على الضم إذ أضيفت وحذف صدر صلتها، والصلة هي "أفضل" فهي خبر لمبتدأ محذوف تقديره "هو أفضل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 فقد روي البيت ببناء كلمة "أيّ" على الضم. المجموعة الثانية "ذا، ذو، أل" 4- ذا: لاحظ الأمثلة الآتية ماذا تصنعُ مع الأحمقِ إذا أساء إليك؟! مَنْ ذا يوافقونك على ردّ عدوانه؟! مَنْ ذا ينصفونك حين الإعراض عنه؟! الأفضل -يا صاحبي- ألَّا تعرض نفسك لأمثاله. المشهور في استعمال كلمة "ذا" في اللغة أنها إشارة، ولها استعمال آخر أقل شهرة، إذ تكون اسم موصول مشتركًا بشرط أن تتوافر لجملتها الصفتان الآتيتان: أ- أن يتقدم عليها أحد اسمي الاستفهام "مَنْ، ما". ب- أن يبقى لكل من اسم الاستفهام "منْ، ما" واسم الموصول "ذا" استقلاله فيعتبران كلمتين مستقلتين، فإذا اندمجتا معا، فأصبحتا كلمة واحدة بمعنى "أيّ شخص، أو: أيّ شيء" خرجت كليّة من باب الموصول. ويلاحظ في الأمثلة السابقة أن "ذا" قد اجتمعت لها الصفات التي تؤهلها لأن تكون اسم موصول، فهي في المثال الأول بمعنى "الذي" وفي المثالين الثاني والثالث بمعنى "الذين"، ولنتأمل -مع ذلك- الشواهد الآتية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 - ما جاء في القرآن: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} 1. - ما جاء في القرآن: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً} 2. - قول الأعشى يمدح شعره: وقصيدةٍ تأتي الملوكَ غريبةٍ ... قد قلتُها لِيُقَالَ من ذا قَالَهَا3 - قول أمية بن أبي عائذ الهذلي: ألا إن قلبي لَدَى الظاعِنين ... حزينٌ فمن ذا يُعَزِّي الحزينَا4   1 من الآية 245 من سورة البقرة. 2 من الآية 30 من سورة النحل. 3 المعنى: إن كثيرا من قصائدي غريب بديع أمدح بها الملوك فتروع الناس وتبهرهم حين يسمعونها من الرواة فيتساءلون: من قائلها!! استحسانا لها وإعجابا!! الشاهد: في "من ذا قالها" فإن "ذا" اسم موصول بمعنى "الذي" وقد استوفى الشرطين اللازمين لاستعماله اسم موصول. 4 الظاعنين: جمع "ظاعن" وهو الراحل المفارق. الشاهد: في البيت قوله "من ذا يعزي الحزينا" فإن "ذا" بمعنى "الذي" فهي اسم موصول وقد استوفت الصفتين اللازمتين لاستعمالها كذلك. إعراب البيت: ألا: أداة استفتاح، إن: حرف توكيد ناسخ ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، قلبي: اسم إن منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم وياء المتكلم مضاف إليه، لدى: ظرف مكان منصوب بفتحة مقدرة على الألف، شبه جملة خبر أول للحرف "إن"، الظاعنين: مضاف إليه مجرور بالياء. حزين: خبر ثانٍ مرفوع بالضمة، من: اسم استفهام مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، ذا: اسم موصول بمعنى "الذي" خبر المبتدأ مبني على السكون في محل رفع، يعزي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء الثقل، والفاعل ضمير مستتر تقديره "هو"، الحزينا: مفعول به منصوب بالفتحة، والألف القافية: وجملة "يعزي الحزينا" كلها صلة الموصول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 5- ذو "لغة طيِّئ": المشهور عن استعمال كلمة "ذو" في اللغة أنها بمعنى "صاحب" ومن الأسماء الستة، تقول "الأمين ذو مروءة والخائن ذو نذالة"، لكن لها استعمال آخر لا يكاد يعرفه إلا المتخصصون في دراسة اللغة، إذ تكون اسم موصول مشتركًا، وينسب هذا الاستعمال الأخير إلى قبيلة "طيِّئ" ومن شواهده: - سمع بعضهم يقسم قائلا "لا وذو في السماءِ عرشُه". - وسمع بعضهم يمدح قائلا: "بالفضل ذو فضّلكم الله به، والكرامة ذاتُ أكرمكم الله بها". - ومن شعر سنان الطائي: فإنّ الماءَ ماءُ أبي وجدّي ... وبئري ذو حفرتُ وذو طَوَيْتُ1   1 طويت البئر: بنيتها بالحجارة. الشاهد في البيت "بئري ذو حفرت وذو طويت، إذا استعملت "ذو" اسم موصول، فإن العبارة بمعنى "الذي حفرت والذي طويت" ومن البيّن أن قائل البيت طائي فهذا الاستعمال إنما هو في لغة قبيلة الشاعر، وظهر أثر لهجته في اللغة الفصحى -في الشعر- لكن لم يقدر لهذا الاستعمال الذيوع والانتشار في اللغة الفصحى لكل العرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 - ومن شعر قوّال الطائي: أظنُّكَ دونَ المالِ ذو جئتَ طالبًا ... ستلقاك بيضٌ للنّفوسِ قَوابضُ1 والذي أراه أن استعمال "ذو" في اللغة اسم موصول إنما هو لهجة خاصة بقبيلة "طيِّئ" لم يقدر لها الذيوع والانتشار في استعمال الفصحى المشتركة ولذلك ينبغي فهمها في هذا الإطار السابق، والاقتصار على معرفة النصوص التي وردت لها فقط، دون أن نتجاوز ذلك لاستخدامها في نطقنا الآن. 6- أل: المشهور أن "أل" حرف لتعريف الاسم مثل: "الثقة، الاحترام، الأمانة، الشرف" -وسيأتي ذلك- لكن لها استعمال آخر لا يكاد يعرفه إلا بعض النحاة، إذ تكون اسم موصول مشتركًا مع "اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة" كقولك: "أحترمُ الإنسانَ الصّادقَ في حديثه الجازمَ إرادته النّافذ إلى غايته، وأحتقر الإنسانَ الكاذبَ في قوله المتردّد في رأيه المتخاذل في عمله" إذ يرى بعض النحاة أنها اسم موصول في الكلمات "الصادق، الحازم، النافذ، الكاذب، المتردّد، المتخاذل" وصلتها الوصف بعدها. والذي أراه -موافقًا في ذلك أبا الحسن الأخفش- أن "أل" لا تكون إلا حرف تعريف، ولا تجيء اسم موصول.   1 البيض: السيوف، القوابض من صفات السيوف، كأنما تقبض الأرواح. يخاطب أحد الطامعين في أموال فيقول: أرجح أنه بدل المال الذي تطلبه ستلقاك السيوف التي تقبض روحك. الشاهد "ذو جئت طالبا" فإن "ذو" بمعنى "الذي" فقد استعملت اسم موصول والقائل من قبيلة "طيئ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 صلة الموصول: يقصد بالصلة: ما اتصل باسم الموصول مباشرة دون فاصل بينهما ليوضِّح به المتكلم المراد من اسم الموصول، ويتحدد به للسامع المراد منه تقول: "إن الذي أمِنْتُه على أسراري قد خانها، فكان بذلك أعْدَى أعدائي" فالصلة هي "أمنته على أسراري" ومن البيّن أنها جاءت بعد اسم الموصول "الذي" مباشرة فوضحت مراد المتكلم منه، وحددت أيضًا المقصود به للسامع. وقد استعملت اللغة العربية صورتين للصلة على التوضيح الآتي: الصورة الأولى: الجملة: لاحظ الأمثلة الآتية: الأمّةُ التي تتبعثرُ قُواها يقلُّ جهدُها ويضعفُ تأثيرُها. والأمّةُ التي قُواها متماسكةٌ يتضاعفُ جهدُها ويقوى تأثيرها. الصلة في المثالين السابقين هي الجملتان "تتبعثر قواها، قواها متماسكة" ومن البيّن أن الأولى جملة فعلية وأن الثانية جملة اسمية، فجملة الصلة تكون فعلية، كما تكون أيضًا اسمية. لكن ينبغي التنبه إلى أنه ليست كل الجمل الفعلية والاسمية صالحة لأن تجيء صلة؛ بل إن الجملة التي تقع صلة لا بد أن تتوافر لها الصفات الآتية مجتمعة: أ- أن تكون جملة خبرية لا إنشائية "كالأمر والنهي والاستفهام" -وهذا أمر بدهي- فإن الاستعمال اللغوي يرفض أن تكون هذه الأخيرة صلة، فلا يستعمل في اللغة "جاء الذي قابِلْهُ" ولا "جاء الذي هل قابلتَه؟ ". ب- أن تكون معلومة للسامع -وهذا أيضا بدهي- فإن الصلة -كما سبق- هي التي توضح اسم الموصول، وتحدد للسامع المقصود منه، وهي تؤدي هذه المهمة بالنسبة له إذا كان معناها معروفًا لديه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 ج- أن تشتمل الجملة على ضمير يعود إلى اسم الموصول -وهذا أيضًا أمر بدهي- فإن الارتباط بين اسم الموصول والصلة يتحقق بهذا الضمير وبدونه تنفك العلاقة بينهما، فلا يستفاد المعنى الذي تهدف إليه منهما. الصورة الثانية: شبه الجملة: لاحظ الأمثلة الآتية: يجب أن نُحافظ على القوة التي في الوَحْدة. ويجب أن نحذرَ الضَّعفَ الذي في الفُرقة. فليس المرءُ بنفسه فقط، بل بمن معه من الأصدقاء والأعوان. الصلة في هذين المثالين هي على التوالي "في الوحدة، في الفرقة، مع" ومن البيّن أنها في هذه الثلاثة جار ومجرور أو ظرف، وكلاهما يندرج تحت ما يطلق عليه اسم "شبة الجملة" -فالصلة إذن قد تكون شبه جملة- جارًّا ومجرورًا أو ظرفًا. لكن من رأي النحاة أن الصلة ليست هي الجار والمجرور والظرف، بل هي فعل محذوف متخيل يتعلق به هذان الاثنان، ففي عبارة "القوة التي في الوحدة" ليستْ هي الجار والمجرور "في الوحدة" بل هي فعل تقديره مع التخيل "القوة التي تتحقق في الوحدة" فهذا الفعل المتخيل هو الصلة، وهو الذي يتعلق به الجار والمجرور. والذي أراه -تيسيرا على المبتدئين واتفاقًا مع رأي بعض النحاة في خبر المبتدأ- أنه يمكن مع التسامح اعتبار الجار والمجرور والظرف أنفسهما الصلة ولا حاجة إلى التخيل والتقدير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 عائد الصلة: لاحظ ما يلي من الأمثلة: صديقُك يحبُّ ما أحببتَهُ ويكرهُ ما كرهتَهُ "العائد مذكور". وعدوُّك يكرهُ ما أحببتَ ويحبُّ ما كرهتَ "العائد محذوف". العائد: هو الضمير الذي يجيء في جملة الصلة ومعناه معنى اسم الموصول فيفيد ربط تلك الجملة باسم الموصول، ليؤدي الاثنان معا المعنى المقصود. وبما أن الضمير العائد يحمل معنى اسم الموصول، فإنه يجب أن يطابقه في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث. والأصل في الضمير العائد أن يكون مذكورًا لفظًا في جملة الصلة، وقد يغيب عن الجملة إذا فهم من سياق الكلام وظروفه، فيحذف من الجملة لفظًا ويعتبر موجودًا تقديرًا. وبمعاودة النظر للمثالين السابقين يلاحظ أن العائد في المثال الأول مذكور وهو ضمير الغائب في "أحببتَهُ، كرهتَه" وقد غاب في المثال الثاني "أحببت، كرهت" ولا يضل المرء في التعرف عليه، إذ تقديره أيضًا "أحببته، كرهته". هذا، وقد ورد حذف العائد كثيرًا في نصوص صحيحة فصيحة، ومن نماذجها -على كثرتها- الشواهد الآتية: - جاء في القرآن: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً} 1 تقديره: أيهم هو أشد. - جاء في القرآن: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} 2 تقديره: تسرونه وتعلنونه.   1 الآية 69 من سورة مريم. 2 الآية 29 من سورة النحل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 - جاء في القرآن: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} 1 وتقديره: بما تؤمر به. - قول العرب: "ما أنا بالذي قائلٌ لك سوءًا" تقديره: بالذي هو قائل لك سوءًا. - قول الشاعر: لا تنوِ إلا الذي خيرٌ فما شقِيَتْ ... إلَّا نفوسُ الأُلَى للشرِّ ناوُونا2   1 الآية 94 من سورة الحجر. 2 الإنسان بنياته، من نوى الخير سعد، ومن نوى الشر شقي، فلا تنوِ إلا الخير، خير لك. الشاهد في "الذي خير" فقد حذف العائد، وتقدير الكلام "الذي هو خير". والمحذوف مبتدأ، ومثله تمامًا عبارة "الألى للشر ناوونا" في آخر البيت. إعراب البيت: لا: ناهية تجزم المضارع، تنو: فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة، إلا: أداة استثناء ملغاة، الذي: مفعول به مبني على السكون في محل نصب، خير: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "هو خير" والجملة صلة الموصول، ما: حرف نفي، شقيت: شقي فعل ماض والتاء للتأنيث، إلا: أداة استثناء ملغاة، نفوس: فاعل مرفوع بالضمة، الألى: مضاف إليه مبني على السكون في محل جر، للشر: جار ومجرور متعلق بكلمة "ناوونا" بعده، ناوونا: خبر لمبتدأ محذوف وتقدير الكلام "هم ناوون" مرفوع بالواو، لأنه جمع مذكر والألف للقافية، والجملة صلة الموصول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 تقديره: "إلا الذي هو خير". - قول الشاعر: من يُعْنَ بالحمْدِ لم ينطِقْ بما سَفَهٌ ... ولا يَحِدْ عن سبيلِ المجد والكَرَم1 تقديره "بما هو سفه". - قول طرفة: ستُبدِي لك الأيّام ماكنتَ جَاهِلًا ... ويأتيكَ بالأخبارِ مَنْ لم تُزَوَّدِ2 تقديره "ما كنت جاهله". قول الآخر: إن تُعْنَ نفسُك بالأمر الذي عُنِيتْ ... نفوسُ قومٍ سَمَوْا تظفرْ بما ظَفِرُوا3   1 من أراد حمد الناس، لا ينطق القبيح، ولا يميل عن طريق المجد والكرم. الشاهد: في "بما سفه" فإن "ما" اسم موصول، وعائد الصلة محذوف وتقدير الكلام "بما هو سفه" والعائد المحذوف مبتدأ خبره كلمة "سفه". 2 لم تزود: لم تكلفه بالبحث عنها. يقول: كل خاف سيعلم، ستكشفه لك الأيام، ويخبرك به الناس طواعية دون أن تكلفهم أو تطلبه منهم. الشاهد: في "ما كنت جاهلا" فقد حذف عائد الصلة، وأصله "ما كنت جاهله" والعائد المحذوف مضاف إليه في محل جر. 3 يتأثر المرء بمن يقتدي به من الناس، فإن اقتديت بأناس سمت نفوسهم سموت وظفرت مثلهم. الشاهد: في عبارة "الذي عنيت" فقد حذف العائد، وأصل الكلام "عنيت به" والعائد المحذوف مجرور بالياء، ومثله أيضًا "بما ظفروا" فأصله "ظفروا به". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وقد حذف العائد في هذا البيت مرتين، مرة في الشطر الأول، وتقديره "الذي عنيت به" ومرة في الشطر الأخير، وتقديره "بما ظفروا به". ومن البيّن -بتأمل هذه النصوص- أن العائد المحذوف قد يكون مرفوعًا وقد يكون منصوبًا وقد يكون مجرورًا، أما ما خاضت فيه كتب النحو من تفصيلات حول هذه الفكرة، فهو أمر مجهد وشاق دون فائدة كبيرة "ولك الرجوع إليها إن شئت". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 المعرَّف بالألف واللام: أولا: "أل" المعرِّفة: تطلق عليها المصطلحات الآتية: 1- أل: العهديّة، والفرق بين العهد الذهني والذّكرِي 2- أل: الجنسية، والمقصود بالجنس الذي تحدده 3- أل: الاستغراقيّة، وما تعنيه من الأفراد ثانيا: "أل" غير المعرِّفة: وتطلق عليها المصطلحات الآتية: 1- أل: الزائدة، وصلتها بما تزاد عليه من الأسماء 2- أل: لِلَمْح الصفة، وما تجيء معه من الأعلام 3- أل: للغَلَبَة، وما تدخل عليه من الأعلام أولا: "أل" المعرِّفة الصديق، الزميل، النصيحة، الحقيقة، الحرية، الأساتذة، الطلاب، الناس، الملائكة، القصة، المسرحية، الحساسية، الرقة. كل الكلمات السابقة في أولها: "الألف واللام" وهذه علامة على أن الاسم الذي دخلت عليه معرفة، بمعنى أن وجود الألف واللام في أوله أفاد تحديده -نوعًا ما من التحديد- بعد أن كان شائعًا لا يدخل تحت الحصر والتعيين، فلنوازن مثلا بين "الصديق، الزميل" وفيهما الألف واللام ومقابلهما المجرد منها "صديق، زميل" حيث يلاحظ أن الصورة الأولى تستعمل في موقف التحديد والتعيين، والثانية في موقف الشيوع والعموم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 والألف واللام المعرفة حين تستخدم مع الأسماء يطلق عليها أحد المصطلحات الثلاثة التالية: 1- العهْديّة اتفقت مع الصّديق الزميل على أن نذهب إلى القناطر في النيل. وضربنا لذلك موعدًا، والتقينا في الموعد المحدّد. ووجدنا مركبا على الشاطئ، فركبنا المركب إلى هناك. يقصد بالعهد: الأمر المتفق عليه بين المتكلم والسامع، فهو أمر محدد مفهوم لكل منهما، فتدخل "أل" على الاسم لإفادة المعنى السابق. ففي المثال الأول أربع كلمات فيها "أل" هي "الزميل، الصديق، القناطر، النيل" وبين المتكلم والسامع ما يشبه الاتفاق على المقصود بهذه الكلمات الأربع، فدخلت "أل" عليها لإفادة ما يطلق عليه "العهد الذهني". وفي المثالين التاليين كلمتان فيهما "أل" هما "الموعد، المركب" وقد تقدم لهاتين الكلمتين ذكر في المثالين، فقيل أولا: "موعد، مركب" بدون "أل" -وفي هذا نوع من الألفة- ثم دخلت "أل" عليهما بعد ذلك لإفادة ما يطلق عليه "العهد الذِّكري" أي: ذكرهما من قبل في الكلام. وعلى ذلك، فلنطبق إفادة "أل" العهد الذِّهني أو الذِّكري على النصوص الآتية: - جاء في القرآن: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا، وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} 1. - جاء في القرآن: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ   1 الآيتان من 5، 6 من سورة الشمس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} 1. - من كلام الرسول: "اليدُ العُلْيا خيرٌ من اليد السُّفْلى، وابدأْ بمن تعُول" 2. 2- أل: الجنسية: - الصحفُ أوسعُ انتشارًا من الكتب، لكن الكتب أعظمُ فائدةً من الصحف. - العدلُ فوق الرحمة لتحقيق المصلحة العامَّة، لكن الرحمةُ أجملُ من العدل في علاقات الأفراد. الكلمات العامة مثل: "صحف، كتب، عدْل، رحمة" لكل منها "مفهوم" كما أنها تطلق على "أفراد"، فكلمة "صحف" مثلًا لها مفهوم يمكن تصوره بصورة عامة حين نطقها، كما أنها تطلق على أفراد كثيرين مثل: "الأخبار، الأهرام، الجمهورية، الحرية، الثورة" وكلها أسماء صحف عربية. ويقصد بتعريف الجنس: أن يتخصص الاسم بدخول "أل" عليه في الدلالة على مفهوم الاسم العام مع صرف النظر عن الأفراد التي تندرج تحته. ففي المثالين السابقين نجد الكلمات "الصحف، الكتب، العدل، الرحمة". قد دخلت عليها "أل" فتخصص المقصود بها في الدلالة على "مفهومها".   1 من الآية 35 من سورة النور. 2 رواه البخاري في كتاب الزكاة "انظر: فتح المبدي ج2 ص65". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 العام دون النظر إلى "الأفراد" وفي هذا نوع من التحديد للاسم، فهو تعريف له، فحين نقول: "الصحفُ أَوْسَعُ انتشارًا من الكتب" نقصد أن هذا الصنف "الصحف" أوسع انتشارًا من ذاك "الكتب" بصرف النظر عن الأفراد إذ قد تكون إحدى الصحف المصرية الخاملة مثلا أقل انتشارًا من إحدى قصص "نجيب محفوظ" الواسعة الانتشار، ويمثل النحاة لذلك بقولهم: "الرجلُ أفضلُ من المرأة" وقولهم: "أهلك النّاسَ الدينارُ والدرهم". 3- أل: الاستغراقيّة: يمتاز الإنسانُ عن الحيوانِ بالعقل. ويتميزُ الرجل عن المرأةِ بصفاتٍ جسميّة خاصة. يقصد بتعريف الاستغراق: أن يتخصص الاسم بدخول "أل" عليه في الدلالة نصًّا على أن المقصود به كل الأفراد التي تندرج تحته بصرف النظر عن مفهومه العام، فهو بهذا المعنى على العكس من تعريف الجنس الذي سبق ذكره. يلاحظ في المثالين السابقين أن الكلمات "الإنسان، الحيوان، الرجل، المرأة" دخلت عليها "أل" فتخصص المقصود بها في الدلالة نصًّا على استغراق كل الأفراد التي تندرج تحتها، فكل فرد من "الإنسان" يمتاز عن كل فرد من "الحيوان" بالعقل -ماعدا المجانين والبلهاء طبعًا- وكل فرد مما يطلق عليه "الرجل" يتميز -ولايمتاز- عن كل فرد مما يطلق عليه "المرأة" بصفات جسميَّة تفصل الرجولة عن الأنوثة والذي أفاد معنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 "كل فرد" مع هذه الأسماء هو دخول "أل" عليها، فهذا نوع من التحديد والتعريف لها، ومن شواهد الاستغراق ما جاء في القرآن من قوله: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} 1. بعد هذا الفهم لتعريف الجنس أو استغراق الأفراد بواسطة "أل" ينبغي أن نضع في الاعتبار الملاحظتين الآتيتين عنها: 1- أن لها مع الاسم -في النوعين- بعض التحديد، فالأولى -الجنسية- تخصصه في الدلالة على مفهومه العام، والثانية -الاستغراقية- تخصصه في الدلالة على كل أفراده، لذلك يعتبر الاسم معرفة. 2- أن الاسم -حتى مع التخصيص بها- يبقى له جهة عموم سواء من حيث معناه -في الجنسية- أو أفراده -في الاستغراقية- لذلك يعامل أحيانًا على أنه نكرة كما سيأتي في بعض أبواب النحو. ثانيا: "أل" غير المعرّفة: الكلمات "الذي، السَّمَوءل، العبَّاس" جاء في أول كل منها "أل" وهي معارف بدون الحاجة إليها، ذلك أن "الذي" اسم موصول، أما "السَّموءل، العباس" فإنهما من الأعلام، فمجيء الألف واللام في أول الكلمات لم يجعلها معارف، كما كان الأمر مثلا في كلمات سبق ذكرها مثل "الصديق، الزميل، القناطر" ولذلك يطلق على "أل" في الكلمات "الذي، السموءل، العباس" بأنها غير معرفة.   1 من الآية 28 من سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 ويقصد بها: ما لم تفد الاسم التعريف بدخولها عليه، إذ هو معرفة بدونها، أو أنها طرأت عليه استعمالا في الشعر لضرورة الوزن الذي لا يستقيم بغيرها. هذا: وقد وردت "أل" غير المعرّفة مع بعض الأسماء العربية ويطلق عليها مع هذه الأسماء المصطلحات الثلاثة الآتية: 1- أل: الزائدة: وهي التي لا تفيد التعريف -كما سبق- وليس لها أي معنى آخر مع الاسم بل تعتبر جزءا منه أو طارئة عليه، وقد وردت مع الأسماء الآتية: - الأسماء الموصولة المختصة "الّذي، الّتي، اللّذان، اللّتان، الّذين، الألى، اللّائي". - بعض الأعلام التي أطلقت على أصحابها وفيها الألف واللام، مثل "السَّمَوءَل، الْيَسَع، العُزَّى". - ورودها طارئة في بعض الأبيات الشعرية على بعض الأسماء لضرورة الوزن، ومن ذلك: - قول الشاعر يخاطب ابنه: ولقد جنيتُكَ أكْمُؤًا وَعساقِلا ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر1   1 جنيتك: بمعنى جنيت لك، أكمؤا جمع "كمء" وهو نوع من التمر، العساقل: جمع عسقول، وهو أيضًا نوع من التمر، بنات الأوبر: نوع من التمر الرديء. يخاطب ابنه بأنه جنى له من النخل ثمرًا جيدا هو "الأكمؤ والعساقل" وأنه نهاه عن التمر الرديء وهو "بنات الأوبر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 فإن "بنات أوبر" -بدون الألف واللام- علم على نوع من التمر الرديء وطرأت عليها "أل" لضرورة الشعر. - قول الراجز: بَاعدَ أمَّ العمرِ عن أسيرِها حُرَّاسُ أبوابٍ لَدَى قُصُورِها1 فإن "أم العمرو" أصلها "أم عمرو" بدون الألف واللام، وطرأت "أل" لضرورة الشعر. - قول رشيد اليشكري يهجو قيس بن مسعود اليشكري: رأيتُكَ لما أنْ رأيتَ وُجُوهَنَا ... صددْتَ وطِبْتَ النَّفسَ يا قيسُ عن عمرو2   1 الشاهد: في "أم العمر" فأصلها "أم عمر" فهي علم بغيرالألف واللام وجاءت في الشعر بالألف واللام، وهذه لغة الشعر الخاصة. 2 طبت النفس: بمعنى: رضيت، يا قيس: قيس بن مسعود، عن عمرو: صديق لقيس، وكان قوم الشاعر قد قتلوه. يقول: حين رأيتنا فررت من وجوهنا ورضيت عن قتل صديقك، ولا يخفى ما في البيت من التهكم!! الشاهد: في "طبت النفس" فالأصل "طبت نفسا" لأن "نفسا" تمييز والتمييز لا يكون إلا نكرة، ودخلت "أل" على التمييز من أجل لغة الشعر الخاصة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 فالأصل "وطبت نفسًا" وطرأت "أل" على التمييز لضرورة الشعر. 2- أل لِلَمْح الصفة: وهي التي لا تفيد التعريف -كما سبق- لكنها تدل على لمح صفة الأصل في الأعلام التي اتصلت بها، فلنلاحظ ما يلي: - عبَّاس، ضحَّاك، حارث، قاسم، حسن، حسين، فضل. "صفات أو مصادر". - عبَّاس، ضحَّاك، حارث، قاسم، حسن، حسين، فضل. "أعلام منقولة بدون: أل". - العبَّاس، الضحَّاك، الحارث، القاسم، الحسن، الحسين، الفضل. "أعلام منقولة وبها: أل". المقصود هنا هو النوع الأخير من الأعلام المنقولة وفيها "أل" فإن اتصال "أل" يفيد "لمح الصفة" وهي الإشارة إلى المعنى الذي نقلت منه قبل أن تستعمل علمًا، مثلا كلمة "عبَّاس" صيغة مبالغة من "العبوس" فإذا نقلت علمًا، فسمي شخص ما "عبَّاس" دون "أل" صرف النظر عن معناها الأصلي، أما إذا نقلت علمًا فسمّي شخص ما "العبَّاس" وفيه "أل" كان في ذلك إشارة إلى الأصل الذي نقلت عنه الكلمة، أو بعبارة أخرى "لَمْحًا لصفة الأصل" من أنه كثير العُبوس، ومثل ذلك أيضا "الضحاك، القاسم، الحارث، الحسن، الحسين، الفضل، النّعمان" فإن "أل" فيها جميعا للمح الأصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 3- أل: للغلبة وهي ما لا تفيد تعريف الاسم -كما سبق- لكنها تدل على أن الأسماء التي دخلت عليها صارت أعلامًا بالغلبة، فلنلاحظ الآتي: - عقَبة، بيت، مدينة، كتاب، أعْشى. "كلمات عامة = نكرات". - العقَبة "الميناء"، البيت "الكعبة"، المدينة "المنورة"، الكتاب "لسيبويه"، الأعشى "الشاعر". "أعلام بالغلبة". بالموازنة بين الكلمات السابقة قبل دخول "أل" عليها وبعد دخولها نلاحظ أنها قبل دخول "أل" نكرات، وحين دخلت عليها "أل" أصبحت أعلامًا، فالأداة "أل" في هذه الأسماء للغلبة، أي أن الاسم بها قد فاز -بنفسه لا بواسطة "أل"- بمكان أو شيء أو شخص محدد فأصبح علمًا عليه، وتخلص بذلك من عموم دلالته على الأماكن والأشياء والأشخاص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 المضاف إلى المعرفة : من كلام الرسول: 1- "اللَّهم اهْدِ قومي فإنهم لا يعلمون". 2- "إن الله جعل الحقَّ على لسانِ عمرَ وقلبِه". ومن القرآن: 3- {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} . 4- {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} . 5- {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . في كلام الرسول والقرآن أسماء مضافة إلى معارف، وهي على الترتيب في النصوص السابقة: "قومي، لسان عمر، مثل هذا، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، رَبِّ الْعَالَمِينَ" على التوضيح الآتي: - كلمة "قوم" مضاف، والمضاف إليه ضمير هو "ياء المتكلم". - كلمة "لسان" مضاف، والمضاف إليه عَلَم هو "عمر". - كلمة "مثل" مضاف، والمضاف إليه اسم إشارة هو "هذا". - كلمة "صراط" مضاف، والمضاف إليه اسم موصول هو "الذين". - كلمة "رب" مضاف، والمضاف إليه فيه "أل" هو "العالمين". لذا: فإن الكلمات المضافة في هذه النصوص تعتبر معارف ما دام المضاف إليه معرفة، إذ يسري إلى المضاف التعريف الذي في المضاف إليه، ولعله قد اتضح من الشرح السابق العبارة النحوية المشهورة "المضاف للمعرفة معرفة" وهذا الحكم خاص بالإضافة المعنوية، كما سيأتي في باب "الإضافة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 تدريبات : التدريب الأول: قال أبو العباس المبرّد: مما يؤثر من حكيم الأخبار وبارع الآداب ما حُدّثنا به عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: دخلت يومًا على أبي بكر الصديق في علته التي مات فيها، فقلت له: أراك بارئًا يا خليفة رسول الله!! فقال: أَما إني على ذلك لشديد الوجع، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشدّ عَلَيّ من وجعي، إني ولَّيتُ أموركم خيركم في نفسي، فكلكم وَرِمَ أنفه أن يكون له الأمر من دونه، والله لتتخذُنَّ نضائد الديباج وستور الحرير ولتألَمُنَّ النوم على الصوف الأذْربيّ كما يألم أحدكم النوم على حَسَك السَّعدان، والذي نفسي بيده لأن يُقَدَّم أحدكم فتضرب عنقه في غير حدّ خيرٌ له من أن يخوض غَمَراتِ الدنيا، يا هاديَ الطريق جُرْت، إنما هو -والله- الفجر أو البُجْر!! فقلت: خفض عليك يا خليفة رسول الله، فإن هذا يهيضك إلى ما بك فوالله ما زلتَ صالحا مصلحا، لا تأسَ على شيء فاتك من أمر الدنيا، ولقد تخلَّيتَ بالأمر وحدك فما رأيتَ إلا خيرا.   1 الكامل في اللغة والأدب، لأبي العباس المبرد، الجزء الأول، ص6. حسك السعدان: الحسك: الشوك، والسعدان: نبت كثير الشوك، الصوف الأذربي: صوف جيد منسوب إلى "أذربيجان" في فارس، البجر "بضم الباء": الشر والأمر العظيم، يهيضك: مأخوذ من "هيض العظم" إذا كسر مرة ثانية بعد جبره من الكسر الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 1- ورد في هذه المحادثة الأعلام الستة: "أبو العباس المبرّد، عبد الرحمن بن عوف، أبو بكر الصديق" عين منها الاسم واللقب والكنية، اذكر ما يكنى به عادة من يطلق عليه "عبد الرحمن". 2- "حُدّثنا به، أراك بارئًا، قلت له، إني وليت أموركم خيركم في نفسي" اذكر المحل الإعرابي للضمائر المتصلة البارزة في الجمل السابقة، ثم اذكر المقابل لكل منها من الضمائر البارزة المنفصلة. 3- "لتتخذُنَّ نضائد الديباج، لتألمنَّ النوم على الصوف، خفض عليك يا خليفة رسول الله، لا تأس على شيء فاتك" ميز الضمائر المحذوفة والمستترة في الجمل السابقة، ثم أعربها جميعًا. 4- بم نستدل على أن الكلمات "يوما، حدّ، خير، شيء" نكرات؟ 5- كلمة "ما" في عبارة "ما حدثنا به" يمكن أن تعتبر اسم موصول أو نكرة، وجّه الاعتبارين. 6- من أي أنواع المعارف الكلمات "بارع الآداب، أموركم، الوجع، الحرير، الفجر". 7- "أما إني على ذلك لشديد الوجع" لو كان بحضرة أبي بكر مع ابن عوف شخص آخر أو اثنان فكيف تنطق العبارة السابقة!! 8- "مما يؤثر من حكيم الأخبار، في علته التي مات فيها، والذي نفسي بيده" في العبارات السابقة أسماء موصولة، حدد نوعها، ونوع جملة الصلة معها من حيث الاسمية والفعلية. 9- اذكر الموقع النحوي للمصادر المؤوّلة في "أن يكون له الأمر، كما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 يألم أحدكم، لأن يقدم أحدكم، من أن يخوض غمرات الدنيا"، راجع أولا سياقها في النص قبل ذكر الموقع. 10- "والله ما زلت صالحًا مصلحا.."، هذه الجملة حتى آخر النص جزء من رد ابن عوف الأخير، أعرب هذا الجزء كله ملتزمًا في الإعراب الوظيفة والشكل. التدريب الثاني: قال المتنبي1: صحب الناسُ قبلنا ذا الزمانا ... وعناهم من أمره ما عنانا وتولوا بغُصّةٍ كلُّهم منـ ... ـه وإن سر بعضهم أحيانا ربما تحسن الصنيعَ لياليـ ... ـه، ولكن تكدرُ الإحسانا وكأنما لم يرضَ فينا بريب الد ... هرُ حتى أعانه من أعانا كلما أنبت الزمانُ قناةً ... ركَّب المرء في القناة سنانا ومراد النفوس أصغر من أن ... نتعادى فيه وأن نتفانى غير أن الفتى يلاقي المنايا ... كالحاتٍ ولا يلاقي الهوانا ولو أن الحياة تبقى لحيٍّ ... لعددنا أضلَّنا الشجعانا وإذا لم يكن من الموت بدٌّ ... فمن العجز أن تكون جبانا كلّ ما لم يكن من الصعبِ في الأنـ ... ـفس سهلٌ فيها إذا هو كانا   1 التبيان شرح ديوان أبي الطيب المتنبي، لأبي البقاء العكبري، طبع الحلبي سنة 1926 الجزء الرابع ص239. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 1- "ذا الزمانا" من أيِّ أنواع المعارف هاتان الكلمتان!! أعربهما كما وردتا في البيت الأول. 2- "ما عَنانا، منْ أعانا" بيّن في هاتين العبارتين الموصول والصلة والعائد. 3- "سَرّ، تُكدر، لم يرض، نتعادَى، يلاقي، تبقى، تكون": وردت هذه الأفعال في النص بهذا الترتيب وفيها ضمائر مستترة، قدر هذه الضمائر، واذكر بعد ذلك ما استتر منها جوازًا أو وجوبا. 4- اذكر محل الضمائر البارزة المتصلة في "قبلنا، عنانا، تولَّوا، كأنَّا، أعانه، عددنا، أضلَّنا" رفعا أو نصبا أو جرا. 5- البيت الخامس جملة شرطية كاملة، حدّد أجزاءها، ثم عين نوع الأسماء فيه من حيث التعريف والتنكير. 6- من الموصولات الحرفية "أنْ، أنَّ" فما موقع المصدر المؤول منهما في العبارتين "أن نتعادى، أن الفتى يلاقي المنايا" راجع سياق الأبيات. 7- ما معنى البيت الأخير؟! أعربه كله ملتزمًا في الإعراب الوظيفة والشكل. 8- "كلهم، أحيانا، الصنيع، أصغر، كالحات، بد" اذكر نوع الكلمات السابقة من حيث التعريف والتنكير، اضبطها في جملها ثم بين سبب الضبط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 الجملة الأسمية: المبتدأ والخبر : أولا: المبتدأ 1- المبتدأ الذي له خبر وما له مرفوع يغني عن الخبر 2- ورود المبتدأ معرفة أو نكرة ثانيا: الخبر 1- صورة الخبر "مفرد، جملة، شبة جملة" 2- روابط جملة الخبر بالمبتدأ 3- الإخبار بالظرف عن اسم الذات واسم المعنى 4- تعدّد الخبر للمبتدأ الواحد ثالثا: ما يتعلق بجملة المبتدأ والخبر 1- التطابق بين المبتدأ والخبر 2- الترتيب في جملة المبتدأ والخبر 3- الذكر والحذف لكل من المبتدأ والخبر صورتا المبتدأ: ينبغي ابتداء التعرف على معاني الكلمات الثلاث: "الاسم الصريح، الاسم المؤول بالصريح، الوصف". الاسم الصريح: كما يدل عليه اسمه، ما له صورة منطوقة، وأكثر ما يرد هذا النوع مما يعبر عنه صرفيَّا بالاسم الجامد، سواء أكان اسم ذات أم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 اسم معنى، مثل "شجرة، زهرة، نبات، طائرة، شجاعة، إقدام، انتصار، حرية، إعجاب". المؤول بالصريح: يقصد به: اسم المعنى "المصدر" المأخوذ من حروف المصادر وما دخلت عليه، وحروف المصادر خمسة "أنَّ، أنْ، كي، ما، لو" والمشهور منها الأربعة الأولى، أما الحرف الأخير فلا شهرة له، ويستعمل حرفًا مصدريًّا بعد الفعلين "ودَّ، يودّ". الوصف: يقصد به -كما جاء في كتب النحو- ما دل على معنى وصاحبه وهو من الأسماء المشتقة "اسم الفاعل، اسم المفعول، أمثلة المبالغة، الصفة المشبهة، اسم التفضيل" مثل: "ناقد، مشهور، ذوَّاق، أديب، نبيه، أسْمى، أجْمل". فلنتأمل الأمثلة الآتية: أ- القلبُ سرُّ الإنسان، واللسانُ عنوانُه. والمرءُ بأصْغَريْه، قلبِه ولسانِه. "المبتدأ اسم صريح". ب- وأن تُفْشِيَ أسرارَك لغيركَ وبالٌ عليك، فمن المفيد لَك أن تحتفظ بأسرارك لنفسك. "المبتدأ اسم مؤول بالصريح". جـ- أضائقٌ صدرُكَ بسرِّك فتفشيه للناس! أضامنٌ أنت حينذاك ألَّا يُشاع ويذاع؟! يا صاحبي: ما نافعٌ إفشاءُ الأسرارِ، لكن قد يضرّ. "المبتدأ وصف". الصورة الأولى مبتدأ له خبر: يقصد بها: ما كان المبتدأ فيها اسما صريحا أو مؤولا بالصريح، تقول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 "القرآنُ كتابُ الإسلام ومحمدٌ رسولُه"، وفي القرآن: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} 1 وفي القرآن: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً} 2. الصورة الثانية مبتدأ له مرفوع يغني عن الخبر: ويقصد بها: ما كان المبتدأ وصفا، تقدمه نفي أو استفهام، ورفع بعده اسما ظاهرًا أو ضميرًا منفصلًا. وفي هذا الوصف السابق للجملة التي يأتي فيها المبتدأ من هذه الصورة تلاحظ الصفات التالية: أ- أن يكون المبتدأ وصفًا، وقد سبق بيان ذلك. ب- أن يتقدم على الوصف نفي أو استفهام. ج- أن يكون الاسم المرفوع بالوصف ظاهرًا أو ضميرًا منفصلًا فالصفات الثلاث السابقة ينبغي أن تتحقق مجتمعة في الجملة التي يأتي فيها المبتدأ من الصورة الثانية، وحينئذٍ يكون الاسم المرفوع بعد الوصف مغنيا عن خبره ومن ذلك: - قول القرآن: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ} 3. - قول الشاعر: خليليَّ ما وافٍ بعهديَ أنتما ... إذا لم تكونا لي علَى من أقاطعُ4   1 من الآية 184 من سورة البقرة. 2 من الآية 39 من سورة فصلت. 3 من الآية 46 من سورة مريم. 4 الشاهد في هذا البيت "ما واف أنتما" فإن كلمة "واف" من المبتدأ الذي له مرفوع يغني عن الخبر، فهو مبتدأ وكلمة "أنتما" ضمير منفصل فاعل سد مسد الخبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 - قول الآخر: أقَاطِنٌ قومُ سَلْمَى أم نَوَوْا ظَعْنا ... إن يظعنوا فعجيبٌ عيشُ من قَطنَا1 إعراب: ما نافع إفشاء الأسرار. ما: حرف نفي، نافع: مبتدأ مرفوع بالضمة، إفشاء: فاعل لكلمة "نافع" مرفوع بالضمة سد مسد الخبر، الأسرار: مضاف إليه مجرور بالكسرة. هذا هو الأصل في تحقيق صورة المبتدأ الذي له مرفوع يغني عن الخبر وهو الاتجاه المشهور بين جمهور النحاة من البصريين. لكن، خالف الكوفيون في الصفة الثانية، فأجازوا تحقيق هذه الصورة دون أن يتقدم على الوصف نفي أو استفهام، وورد على هذا الرأي من الشواهد: - قول زهير الضبي: فخيرٌ نحن عند النّاسِ منكم ... إذا الدّاعي المثوِّبُ قالَ يا لَا2   1 يقال: قطن بالمكان: أقام به، ويقال: ظعن عن المكان: فارقه ورحل. يتساءل في أسى عن قوم حبيبته "سلمى" أيبقون مقيمين أم نووا الرحيل!! لئن كانت الأخيرة فلن يبقى مقيمًا بعدهم، لأنه لا طاقة له بالبقاء مع رحيلهم. الشاهد: في قوله "أقاطن قوم سلمى" فإن كلمة "قاطن" مبتدأ له مرفوع أغنى عن الخبر، وهو كلمة "قوم" فهي فاعل به سد مسد الخبر. 2 الداعي المثوب: الصارخ المستنجد رافعًا ثوبه ملوحا به، يا لا: أسلوب استغاثة، حذف منه المستغاث به، وأصله: يا للنجدة!! يقول: إنهم عند الشدة خير الناس، إذ هم أهل النصرة للمستنجد المستغيث. الشاهد: في "خير نحن" إذ ساقه بعض النحاة للاستدلال على أن كلمة "خير" مبتدأ له مرفوع يغني عن الخبر، وهو كلمة "نحن" والمبتدأ لم يعتمد على نفي أو استفهام، والرد أن الجملة مبتدأ وخبر على التقديم والتأخير، فلا دليل فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 فكلمة "خير" مبتدأ، وكلمة "نحن" فاعل به سد مسد الخبر، ولم يتقدم على المبتدأ نفي ولا استفهام. - قول الآخر: خَبيرٌ بنو لِهْبِ فلا تكُ مُلْغِيًا ... مقالة لِهْبِي إذا الطيرُ مَرّتِ1 فكلمة "خبير" مبتدأ، وكلمة "بنو" فاعل سد مسد الخبر، ولم يتقدم على المبتدأ نفي ولا استفهام. وأصحاب الاتجاه الأول من رأيهم أن ما ورد في البيتين من "خير نحن عند الناس" و "خبير بنو لهب" إنما هما مبتدأ وخبر على التقديم والتأخير فهما من الصورة الأولى لا من الثانية، والبيتان موضع أخذ ورَدّ بين الاتجاهين السابقين مما لاداعي لذكره والإطالة فيه. ورود المبتدأ معرفة أو نكرة: جاء في قطر الندى: الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة لا نكرة، لأن النكرة مجهولة غالبا، والحكم على المجهول لا يفيد ا. هـ. وجاء في الأشموني: لم يشترط سيبويه والمتقدمون لجواز الابتداء بالنكرة   1 بنو لهب: قبيلة من العرب مشهورة بزجر الطير ومعرفة الغيب. يقول: إن بني لهب لهم خبرة وعلم بزجر الطير، فإذا أخبروك بما علموه فلا تكذبهم فيما يقولون. الشاهد: في "خبير بنو لهب" إذ استدل به بعض النحاة على أن كلمة "خبير" مبتدأ له مرفوع يغني عن الخبر وهو "بنو لهب" دون أن يعتمد الوصف على نفي أو استفهام، والرد أن الجملة مبتدأ وخبر على التقديم والتأخير، فلا دليل في البيت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 إلا حصول الفائدة، ورأي المتأخرون أنه ليس كل أحد يهتدي إلى مواضع الفائدة، فتتبعوها، فمن مُقِلٍّ مُخِلٍّ، ومن مُكْثِرٍ مُورِدٍ ما لا يصح أو مُعَدِّدٍ لأمور متداخلة. ا. هـ. ويؤخذ من هذين النصين ما يلي: أولا: أن الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة، تقول: "الصداقةُ الوفاءُ والإخلاص فأنت وفيٌّ وأنا مخلصٌ فنحن أصدقاء. ثانيا: أن الأصل في المبتدأ ألا يكون نكرة، فإن الاستعمال لا يقبله والنطق بذلك لا يفيد، فلا تقول مثلا "صديقٌ وفيٌّ، أو الوفي" على أن كلمة "صديق" مبتدأ وما بعدها خبر؛ لأن ذلك لا يفيد شيئًا مقنعًا. ثالثا: خرج عن هذا الأصل السابق ما إذا أفادت النكرة، فإنه يصح الابتداء بها، ومعنى الفائدة: أن تكون الجملة التي استخدمت فيها النكرة مؤدية معنى مفيدًا يقبله الاستعمال، ويقنع به السامع، كما تقول: "في الصّدقِ نجاةٌ وفي الكذبِ هلاكٌ" وكما تقول: "عملٌ صغير دائم خيرٌ من عملٍ شاقٍ منقطع" أو "مرحُ ساعةٍ مجدّدٌ للنشاطِ كلَّ اليوم"، وإلى هنا اتفق النحاة. لكن، تحديد مواضع الفائدة أو بعبارة أخرى: تتبع صور استعمال النكرة "مبتدأ" في اللغة العربية هو الذي اختلف حوله الاجتهاد، والأمر -كما قال الأشموني- موزع بين "من مُقِلٍّ مُخِلٍّ، ومن مُكْثِرٍ مُورِدٍ ما لا يصح أو مُعَدِّدٍ لأمور متداخلة". وعلى كل حال، فلنختر مما ذكر عشرة مواضع هي -فيما أظن- من أكثر مواضع استعمال النكرة المفيدة في الابتداء: 1- أن يكون الخبر شبه جملة مفيدًا متقدمًا على مبتدأ، مثل "عند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 الحصولِ على الهدفِ راحةٌ وأيضًا في اليأس منه راحةٌ". 2- أن يكون المبتدأ نكرة عامة في سياق النفي أو الاستفهام، مثل "أجبنٌ مجتمعٌ إلى نفاق، هذه كارثة!! " وما ورد في الأثر "لا أحدٌ أصبرُ على أذى سمعه من الله" 1. 3- أن تكون موصوفة، كقولك: "حياةٌ قصيرةٌ مفيدة أحسنُ من حياة طويلة تافهة" ومن ذلك قول القرآن: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} 2. 4- أن تكون مضافة لنكرة، كما جاء في الحديث: "خمسُ صلواتٍ في اليوم والليلة" 3، وكما تقول: "أداءُ واجبٍ بإخلاص سعادةٌ للضمير وإرضاءٌ لله". 5- أن يتعلق بها شيء من تمام معناها، كقولك: "معاونةٌ للضعيف مروءةٌ وسخريةٌ منه نذالةٌ". ومن ذلك ما جاء في الأثر: "أمرٌ بمعروف صدقةٌ ونهيٌ عن منكر صدقةٌ". 6- أن يقصد بها الدعاء أو التعجب، كما نقول في حياتنا العادية "سلامٌ عليكم" وأيضًا "عجبٌ لأمركم" ومن ذلك قول الشاعر: عجبٌ لتلك قضية وإقامتي ... فيكم على تلك القضية أعجبُ4   1 صحيح مسلم ج4 ص2160. 2 من الآية 221 من سورة البقرة. 3 صحيح مسلم ج1 ص41 ويوضح الخبر المحذوف رواية أخرى للحديث: "خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة". 4 الشاهد في قوله: "عجب لتلك قضية" فإن كلمة "عجب" بلفظها تدل على التعجب، إذ تفيد معنى الدهشة، وهذا مسوغ لمجيئها نكرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 7- أن تقع في أول الجملة الحالية، تقول: "سرت على شاطئ النيل وبهجةٌ تملأني وعدتُ إلى البيت ونشاطٌ يغمرني" ومن ذلك قول الشاعر: سَرَيْنَا ونجمٌ قد أضاءَ فمُذْ بَدَا ... مُحَيَّاك أخفى ضوؤه كلَّ شارق1 8- أن تقع بعد "إذا: المفاجأة" كقولك: "صحوت من النوم فإذا بُشرى فى انتظاري". 9- أن تقع بعد لام الابتداء، كما جاء في الأثر: "لغُدوةٌ في سبيل الله أو رَوْحَةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها" 2. 10- أن تقع بعد الحرف "لولا" كما تقول: "لولا شرٌّ ما عُرف الخير ولولا ذنبٌ ما كانت توبة" ومن ذلك قول الشاعر: لولا اصطبارٌ لأوْدَى كلُّ ذي مِقَةٍ ... لمّا استقلتْ مَطَايَاهُنَّ للظَّعْنِ3   1 سرينا: سرنا ليلا، محياك: وجهك. يقول: إنك وضيء الوجه، مشرق المحيا، ووجهك في وضاءته وإشراقه يفوق النجوم المضيئة المشرقة. الشاهد: في قوله: "ونجم قد أضاء" فإن كلمة "نجم" مبتدأ نكرة، جملة "قد أضاء" خبر، والجملة كلها حال، ووقوع كلمة "نجم" في أول الجملة الحالية سوغ مجيئها نكرة. 2 صحيح مسلم ج3 ص1499. 3 أودى: هلك، مقة: حب، استقلت: نهضت، مطاياهن: المطايا: الدواب، الظعن: الرحيل. يقول: حين بدأت الرحلة وفيها حبيبته، شق عليه ذلك، ولولا الصبر على شدة الفراق لهلك. الشاهد: في كلمة "اصطبار" فهي مبتدأ نكرة، وخبرها محذوف، وسوغ مجيئها نكرة وقوعها بعد كلمة "لولا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 وبعد. فإذا كانت هذه المواضع مما يشق على المرء حصره، فإن الأمر مرجعه أولا وأخيرا إلى ما سبق قوله من أن الاستعمال هو الذي يحدد الفائدة وبالفائدة يسوغ الابتداء بالنكرة. صور الخبر: لاحظ الأمثلة الآتية: الشورى مبدأٌ ديموقراطي عظيم. وأهل الشورى الواعون من أبناء الأمة لا العوام. "الخبر مفرد". فالآراءُ المختلفةُ تُوَصِّلُ إلى الصواب المتفق عليه. والرأيُ الواحدُ خَطَؤُه محتملٌ. وتجاربُ الأممِ دلالتُها أكيدةٌ على ذلك. "الخبر جملة". فالصوابُ في المشورة والخطأ في الاستبداد. وقد قيل: يد الله مع الجماعة. "الخبر شبه جملة". الخبر مطلقًا -كما جاء في ابن عقيل- المنتظم منه مع المبتدأ جملة ا. هـ. ويأتي على الصور التالية: - الخبر المفرد: يقصد به -في هذا الباب- ما ليس جملة ولا شبه جملة وإن كان مثنى أو مجموعًا، تقول: "العلمُ رسالةٌ والعلماءُ هداةٌ" وتقول: "الرّأيان مختلفان ونحن أصدقاء مع ذلك". - الخبر الجملة: يقصد به ما تكون من جملة كاملة فعلية أو اسمية، تقول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 "العلمُ يحتاجُ للإخلاص، العلمُ طريقه شاقٌّ" وأهم ما يشترط في الخبر الجملة أن يشتمل على ضمير يعود على المبتدأ، وسيأتي تفصيل ذلك. - شبه الجملة يقصد به الظرف والجار والمجرور، نقول: " الحياةُ للحياة والغيبُ عند الله" وتقول: "مع الضِّيقِ الفرجُ ومع العسرِ اليسرُ" وفي القرآن: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} 1. وإنما سميت هذه "شبه جملة"؛ لأن النحاة تخيلوا متعلقا لكل من الجار والمجرور والظرف، وهذا المتعلق المحذوف يقدر فعلا أو شبه فعل بطريقة مناسبة لسياق الكلام، فمثلا جملة "الحياة للحياة" تعرب هكذا: الحياة: مبتدأ مرفوع بالضمة، للحياة: اللام حرف جر، الحياة مجرور باللام وعلامة جره الكسرة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره "الحياة تعاش للحياة أو معاشة للحياة" وهذا المحذوف هو خبر المبتدأ، ومثله الظرف ومن البيّن أن هذا التخيل هو سر هذه التسمية. والحق أن هذا عناء مجهد، والأحسن -فيما أعتقد- أن يكون كل من الجار والمجرور والظرف "شبه جملة خبر" دون بحث عن محذوف مقدر. جاء في ابن عقيل: وذهب أبو بكر بن السَّرَّاج إلى أن كلا من الظرف والمجرور قسم برأسه، وليس من قبيل المفرد ولا من قبيل الجملة، نقل عنه هذا المذهب تلميذه أبو على الفارسي في الشيرازيات ا. هـ. وهذا كلام في غاية الأهمية، وفيه غنى عن التقدير والمشابهة.     ــــ 1 الآية 22 من سورة الذاريات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 روابط جملة الخبر بالمبتدأ: لاحظ الأمثلة التالية: - الظلْم مرتَعُه وَخِيمٌ. والحمقُ عاقبتُه الندامةُ الرابط الضمير. - الإحسانُ ذلك خُلُقٌ كريم. والإساءةُ تلك خلّةٌ ذميمة. الرابط الإشارة للمبتدأ. - الإحسانُ لا يضيعُ الإحسانُ مع الكريم. الإساءةُ لا ينسى الإساءةَ إلا الأحمقُ. إعادة المبتدأ بلفظه. - نِعْمَ الإحسانُ المروءةُ. وبئسَ الإساءةُ النَّذَالةُ. العموم في الخبر - شِعارُنا: اللهُ أكبرُ والعزَّةُ للعرب. لا حاجة للرابط. لعل من المفيد أن يذكر هنا الفكرة اللغوية التالية: اللغة مسلك اجتماعي يصدق عليه ما يصدق على أنواع السلوك الاجتماعية الأخرى، وفي علاقاتنا الاجتماعية إذا قامت صلة بين شخص ومن هو قريب له، لم تكن في حاجة إلى دلائل تثبتها، أما إذا قامت العلاقة بين شخص وأجنبي عنه، احتاجت إلى ما يسوغها من نسب أو منفعة أو صداقة. هذه الفكرة الاجتماعية السابقة تصدق على المبتدأ في علاقته بجملة الخبر فإذا كان الخبر هو نفس المبتدأ في المعنى -كلاهما من وادٍ واحد- لم يحتج الخبر إلى رابط يربطه بالمبتدأ، كقولك "اعتقادُنا: اللهُ واحدٌ ومحمدٌ رسولٌ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وما ورد في القرآن من قوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 1، وقول الرسول: "أفضلُ ما قلتُه أنا والنبيون من قَبلي: لا إله إلا الله" 2. أما إذا كانت جملة الخبر أجنبية عن المبتدأ -كلاهما من وادٍ مختلف عن الآخر- ففي هذه الحالة لا بد من رابط يربطها بالمبتدأ، وهو أحد الأمور التالية: 1- الضمير الذي يعود على المبتدأ من جملة الخبر، كقول القرآن: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 3 وقوله: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} 4. 2- إعادة المبتدأ بلفظه في الخبر، كقول القرآن: {الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ} 5 وقوله: {الْقَارِعَةُ، مَا الْقَارِعَةُ} 6. ويأتي الأسلوب السابق غالبا في موقف التهويل والتفخيم. 3- أن يكون في الخبر إشارة للمبتدأ، مثل قول القرآن: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} 7. 4- أن يكون في الخبر لفظ عام يشتمل على المبتدأ وغيره، وغالبًا ما يأتي   1 الآية الأولى من سورة الإخلاص. 2 بحثت عن هذا الحديث -قدر جهدي- فلم أعثر عليه. 3 من الآية 83 من سورة الأنفال. 4 من الآية 26 من سورة الرعد. 5 الآية الأولى من سورة الحاقة. 6 الآية الأولى من سورة القارعة. 7 من الآية 26 من سورة الأعراف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 ذلك في أسلوب المدح أو الذم، كما يقال: "بئس الخلقُ الخيانةُ" أو "نعم الدّينُ الإسلامُ". الإخبار بالزمان أو المكان عن اسم الذات واسم المعنى: ينبغي أولًا التعرف على معاني الكلمات الآتية: - اسم الذات: يقصد به ما دل على شيء له حجم من إنسان أو غيره أو بتعبير أحد المحدثين: "والمراد به الجسم في أي وضع كان" وذلك مثل "خالد، أحمد، كتاب، ورقة، زهرة". - اسم المعنى: وقد سبق بيانه في أول المبتدأ بأنه الاسم الذي يدل على المعنى المجرد، ويمثله في اللغة العربية المصدر بأنواعه المختلفة مثل "شجاعة، عزم، إصرار، حرية، انتصار، فرح". - اسم المكان: وهو ما يدل على مساحة من الأرض أو الفضاء مثل "أمام، خلف، قدام، حيث، عند، لدى، إزاء، هنا، هناك". - اسم الزمان: وهو ما يدل على وقت مثل "يوم، ليلة، لحظة، شهر، حول، ساعة، لحظة، برهة". ولقد سبق أن اسم الزمان أو المكان إذا استعملا ظرفين -باستيفاء شروط الظرف- فإنهما يقعان خبرا مما أطلق عليه "شبه جملة" تقول: "النيَّةُ قبل العمل" وتقول: "النصرُ مع الصبر". فإذا لم يستوفيا شروط الظرف، فإن اسم الزمان أو المكان -كأي اسم آخر- يحتل الوظائف النحوية المختلفة -مبتدأ أو خبرا أو فاعلا أو غيرها- تقول: "اليومُ العيدُ وهو يومٌ مبارك وقد أظلَّتْنا ساعاتُه ونحن في سرور وأمن وحرية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 من المتصور إذن في جملة المبتدأ والخبر أن يكون المبتدأ فيها اسم ذات أو اسم معنى، وأن يكون الخبر مع كل واحد منهما اسم الزمان أو اسم المكان فتلك أربع صور من الناحية العقلية. لكن، هنا فكرة مهمة جدًّا، احتكم إليها علماء النحو حين أوردوا المستعمل من هذه الصور الأربع وغير المستعمل، تلك الفكرة تلخصها عبارة واحدة هي: يصحّ الإخبار باسم الزمان أو المكان عن غيره مطلقًا إذا أفاد. ا. هـ. "الفائدة" هي أساس ما يقبل وما يرفض، والفائدة يقصد بها أن تؤدي الجملة معنى تامًّا متكاملا يمكن أن يصمت بعده المتكلم، ويقنع به السامع دون نبوّ أو نشاز. وقد أدى استقراء الكلام العربي لمعرفة ما يفيد وما لا يفيد من الصور الأربع السابقة إلى ما يلي: أولا: ما يفيد، وهي صور ثلاث: - الأولى: أن يكون المبتدأ اسم معنى والخبر اسم زمان، كقولك: "الباطلُ ساعةٌ والحقُّ إلى يوم السَّاعة". - الثانية: أن يكون المبتدأ اسم معنى والخبر اسم مكان، كقولك: "العدلُ قبل الرّحمة والعفوُ عند المقدرة". - الثالثة: أن يكون المبتدأ اسم ذات والخبر اسم مكان، كقولك: "شارفْنا نهاية الرحلة بالطائرة والمدينةُ تحتنا والمطارُ قربنا". هذه الصور الثلاث السابقة هي التي استعملتها اللغة، والحديث بها مفيد كما ترى في الأمثلة السابقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 ثانيا: ما لا يفيد وهي صورة واحدة، حيث يكون المبتدأ اسم ذات والخبر اسم زمان وهي صورة يرفضها الاستعمال اللغوي؛ لأنها لا تفيد شيئًا، إذ ما معنى أن نقول: "الشجرةُ الساعة، الورقةُ الآن، الصحيفةُ الحين"، هذا كلام لا معنى له ولا فائدة فيه، ومن أجل ذلك لم تستعملها اللغة، ونص النحاة على رفضها. لكن، أوردت كتب النحو بعض عبارات قديمة فيها الإخبار باسم الزمان عن اسم الذات ومن أشهرها: - قول امرئ القيس: اليومَ خمرٌ وغدًا أمرٌ. - قول امرئ القيس: اليومَ قِحَافٌ وغدًا نِقَافٌ1. - قول العرب: الرّطَبُ شَهْرَيْ ربيع. - قول العرب: الليلةَ الهلالُ. - قول الشاعر: أكلّ عامٍ نَعَمٌ تَحْوُونَه ... يُلْقِحه قومٌ وتنْتِجونه2   1 القحاف: الآنية، النقاف: الحرب وتحطيم الرءوس. 2 النعم: الإبل والشاء، يلقحه: يخصبه، والإلقاح: الإخصاب، ومن ذلك في القرآن: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} لأنها تحمل الإخصاب، من شجرة لأخرى، تنتجونه: معناها ترعونه حتى يلد. المعنى: إن هذا ظلم وجشع، إذ تأخذون جهود غيركم وثمرة عملهم، فتستولون على الإبل والشاء التي أخصبها غيركم لتنتجوها عندكم. الشاهد: في "أكل عام نعم" فإن الخبر هنا هو "كل عام" وهو اسم زمان والمبتدأ "نعم" وهو اسم ذات، وهذا من العبارات السماعية التي وردت وفيها الإخبار بالزمان عن الذات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وقد خضعت هذه العبارات لتأويلات لا طائل تحتها، والحق أن المتأمل لهذه الاستعمالات يحسّ نُبُوّها عن الذَّوق اللغوي السليم، وينبغي الاقتصار على ما سمع منها. تعدد الخبر: لاحظ الأمثلة التالية: العملُ حقٌّ واجبٌ شرفٌ ... البطالةُ ضياعٌ مهانةٌ مذلةٌ الخبر صفة في المعنى، وكما أن الإنسان أو الشيء قد يوصف بأكثر من صفة، فإنه يمكن أيضًا أن يخبر عنه بأكثر من خبر، فيكون المبتدأ واحدا والخبر متعددا، ففي المثال الأول أخبر عن "العمل" بأخبار ثلاثة هي "حق، واجب، شرف" وفي المثال الثاني أخبر عن المبتدأ "البطالة" بأخبار ثلاثة هي "ضياع، مهانة، مذلة" وهكذا ورد في نصوص فصيحة صحيحة. - قال القرآن: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ، فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 1. - ومن رجز رؤبة: من يك ذا بَتٍّ فهذا بَتِّي مُقَيِّظٌ مُصَيِّفٌ مُشَتِّي أخذتُه من نعجاتٍ سِتِّ   1 الآيات 14، 15، 16 من سورة البروج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 سودٍ، نعاجٌ كنعاجِ الدَّشْتِ1 - قال حميد بن ثور يصف الذئب: ينامُ بإحْدى مُقْلَتَيْهِ ويتَّقي ... بأخرى المنايا فهو يقظانُ هاجعُ2 ذلك هو أصل الموضوع، ومع ذلك فإنه ينبغي التنبه للأمرين التاليين: الأول: أن الأخبار المتعاطفة لا تعتبر من هذا الأسلوب، فهناك فرق بين: أن نقول: النفاقُ غشٌّ كذبٌ خداعٌ. وأن نقول: النفاقُ غشٌّ وكذبٌ وخداعٌ. إذ يلاحظ أن الأخبار في الأول متجهة كلها إلى المبتدأ "النفاق" وأما في الثاني فقد اتجه منها للمبتدأ الاسم الأول فقط، أما الثاني فهو متجه للأول بواسطة حرف العطف، والثالث متجه للثاني بواسطة حرف العطف وهكذا. من أجل ذلك تعتبر الصورة الأولى من تعدد الخبر، أما الثانية فليست من تعدد الخبر. الثاني: أن الأخبار المتعددة قد تكون من نوع واحد، أي من المفردات أو الجمل أو شبه الجمل، وقد تختلف، فيكون بعضها مفردا وجملة وشبه جملة، تقول: "طوال الليل أنا ساهرٌ أتَملمَلُ".   1 بت: كساء سميك خشن "العباءة"، مقيظ: "القيظ" شدة الحر، الدشت: -كما جاء في القاموس- الصحراء. يقول: إن لي -كالناس- كساء من صوف يقيني الحر والقر، وألبسه في الصيف والشتاء، إنه مصنوع من صوف نعجات ست سود كنعاج الصحراء. الشاهد: في "مقيظ مصيف مشتي" فإنها أخبار متعددة لمبتدأ محذوف وتقديره "وأنا مقيظ مصيف مشتي". 2 هاجع: "الهجوع" النوم ليلا، المنايا: جمع "منية" وهي الموت يقول: إن هذا الذئب حذر شديد الحذر، إنه يغمض إحدى عينيه ويفتح الأخرى، ليتقي بها مفاجآت الموت، فهو نائم يقظان. الشاهد: في قوله: "هو يقظان هاجع" فقد تعدد الخبر "يقظان هاجع" لمبتدأ واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 - وقال القرآن: {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} 1. - قال عَلِيّ بن أبي طالب -فيما ينسب إليه- مرتجزا: أنا الذي سمّتني أمّي حَيْدَرَه كلَيْثِ غاباتٍ غليظِ القَصَره أَكِيلُكُمْ بالسّيف كَيْلَ السَّنْدَرَه2 فالخبر في البيت الأول مفرد "الذي"، وفي الثاني شبه جملة "كليث" وفي الثالث جملة كاملة وهي "أكيلكم بالسيف". التطابق بين المبتدأ والخبر: البخيلُ عدوُّ نفسه وعدوُّ الناس.   1 الآية 20 من سورة طه. 2 حيدرة: من أسماء الأسد، القصرة: أصل العنق، السندرة: -كما جاء في القاموس- نوع من الكيل غراف جراف. يقول: إني شجاع اسمي "حيدرة" فأنا كالأسد الغليظ العنق القوي الوثب أجرف بسيفي الأعداء كما يعرف الكيل الغراف الجراف الحب. الشاهد: أنه جاء في هذا الرجز أخبار متعددة مختلفة النوع هي على التوالي "الذي، كليث، أكيلكم" والأول مفرد، والثاني شبه جملة، والأخير جملة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 والحريصُ صديقُ نفسهِ وعدوُّ الناس ... والكريمُ صديقُ نفسِه وصديقُ الناس في الأمثلة الثلاثة السابقة يلاحظ التطابق التام بين المبتدأ والخبر من حيث العدد والنوع، فالمبتدأ والخبر كلاهما مفرد مذكر، ولو تغير الأمر في هاتين الصفتين لتطابقا أيضًا تقول: "البخلاءُ أعداءُ أنفسهم وأعداءُ الناس" وتقول: "الحريصان صديقا أنفسِهما وعدوَّا الناس" وتقول: "الكريماتُ صديقاتُ أنفسهنّ وصديقاتُ الناس" فالمبتدأ الذي له خبر يجب أن يتفق معه خبره في اثنين من خمسة: أ- الإفراد والتثنية والجمع ب- التذكير والتأنيث أما المبتدأ الذي له مرفوع يغني عن الخبر، فإن الأمر فيه يختلف، إذ يرد على الصور الثلاث الآتية: الصورة الأولى: التطابق في الإفراد ما صديقٌ البخيلُ لنفسه أو للناس ... ما بغيض الكريمُ لنفسه أو للناس في هذه الصورة -من حيث الصناعة النحوية- يمكن أن يكون الوصف من المبتدأ الذي له مرفوع يغني عن الخبر، وتعرب الكملتان "البخيل الكريم" على أنهما فاعل سد مسد الخبر للوصفين "صديق، بغيض" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 ويمكن أن يكون الوصف خبرا مقدما، والاسم المرفوع بعده مبتدأ مؤخر، فالخبر في المثالين هو الوصف المقدم "صديق، بغيض" والاسم المرفوع هو المبتدأ المؤخر، وهو في المثالين "البخيل، الكريم". الصورة الثانية: التطابق في غير الإفراد ما أصدقاءُ البخلاءُ لأنفسهم أو للناس. ما بغيضان الكريمان لأنفسهما أو للناس. في هذه الصورة يتعين أن يكون الوصف خبرا مقدّما والاسم المرفوع مبتدأ مؤخر، ولا يكون الوصف من المبتدأ الذي له مرفوع يغني عن الخبر إذ يكون حينئذٍ فاعلا به، والوصف عاملا له، وعامل الفاعل لا يثنى ولا يجمع في اللغة الفصحى، ومن أجل ذلك يتعيين هنا أن يكون الوصف خبرا مقدما وهو في المثالين "أصدقاء، بغيضان" والاسم المرفوع مبتدأ مؤخر، وهو في المثالين "البخلاء، الكريمان". الصورة الثالثة: عدم التطابق ما صديقٌ البخلاءُ لأنفسهم أو للناس. "صحيح لغويًّا. ما بغيضٌ الكرماءُ لأنفسهم أو للناس."صحيح لغويًّا. ما أصدقاءُ الكريمُ لنفسه أو للناس. "خطأ لغويًّا". ما بغيضان البخيلُ لنفسه أو للناس. "خطأ لغويًّا". الذي جاء في اللغة الفصحى في عدم التطابق أن يكون الوصف مفردا والمرفوع بعده مثنى أو جمعا، وحينئذٍ يتعين أن يكون الوصف مبتدأ، والمرفوع بعده أغنى عن الخبر، وعلى ذلك فإن الوصفين "صديق، بغيض" في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 المثالين مبتدأ، وأما الكلمتان "البخلاء، الكرماء" فهما فاعل أغنى عن الخبر. لكن لم يرد في اللغة الفصحى العكس، بأن يكون الوصف مثنى أو جمعا والمرفوع بعده مفرد، فلم تستعمل اللغة ذلك، والحديث به خطأ، استنادا لرفض الاستعمال في اللغة. والخلاصة في هذا الموضوع كله ما يلي: 1- إذا تطابق الوصف والمرفوع بعده في الإفراد، صح في الوصف أن يكون مبتدأ والمرفوع بعده أغنى عن الخبر، كما يصح فيه أن يكون خبرا مقدما، والمرفوع بعده مبتدأ مؤخر. 2- أما إذا تطابقا في غير الإفراد، تعين أن يكون الوصف خبرا مقدما والمرفوع مبتدأ مؤخر. 3- وإذا لم يتطابقا -فيما استعملته الفصحى- تعين أن يكون الوصف مبتدأ، والمرفوع بعده أغنى عن الخبر. الترتيب في جملة المبتدأ والخبر: لاحظ الأمثلة الآتية: بلادُنا مزدحمةٌ بالسكان. وتلك مشكلةٌ خطيرةٌ لمواردنا. "الترتيب على الأصل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 مزدحمةٌ بالسكان بلادُنا. مشكلةٌ خطيرة تلك لمواردنا. "الخبر مقدم على المبتدأ". الأصل أن تأتي الجملة الاسمية علي الترتيب الأصلي -بأن يتقدم المبتدأ ويتأخر الخبر- لكن اللغة الفصحى استخدمت فيها الجملة الاسمية كثيرا على غير الأصل، إذ يتقدم الخبر على المبتدأ، ومن ذلك قول القرآن: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} 1 وقوله أيضا: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} 2 وقول العرب: "منشوءٌ من يشنؤك"3. فالترتيب بين المبتدأ والخبر -في استعمال الفصحى- ترتيب مطلق والذي يميز المبتدأ من الخبر ظروف الكلام، تلك التي تعين المحكوم عليه من الحكم، والأول هو المبتدأ -تقدم أم تأخر- والثاني هو الخبر -تقدم أيضا أم تأخر-. لكن هذا الإطلاق في الترتيب بين الاثنين يصير مقيدا بتحديد موضع المبتدأ والخبر على التفصيل التالي: أولا: وجوب تقدم المبتدأ وتأخر الخبر وذلك ينحصر في اتجاهين رئيسين:   1 الآية 5 سورة القدر. 2 الآية 27 من سورة يس. 3 جاء في القاموس المشنوء: المبغض ولو كان جميلا، وهذه الجملة تستعمل في موقف الدعاء، ومعناها "مكروه من يكرهك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 1- أن يكون الترتيب هو وسيلتنا الوحيدة لمعرفة المبتدأ والخبر، بأن نتعرف على المبتدأ بأنه قد جاء أولا، ونتعرف على الخبر بأنه قد جاء ثانيا. ولا دليل لدينا غير ذلك، حينئذٍ يجب تقدم المبتدأ وتأخر الخبر؛ فإن الخبر لو تقدم، لأدى إلى ارتباك في تحديد وظائف الكلمات في الجملة الاسمية أو إلى ارتباك آخر باختلاط الجملة الاسمية بالفعلية، نقول: "الأصدقاءُ المخلصون" ويقول الرسول: "الدِّينُ المعاملةُ" فالكلمتان "الأصدقاءُ، الدين" مبتدآن، والكلمتان "المخلصون، المعاملة" خبران، ولو تقدم الخبر هنا لاختلط الأمر، إذ يمكن أن تكون حينئذٍ الكلمتان الأخيرتان هما الخبر، فيما لو قلت: "المخلصون الأصدقاء" أو قلت: "المعاملة الدين" والمتكلم لا يريد ذلك. وينطبق هذا نفسه على قولنا: "الحق ينتصر، والباطل يندحر" إذ لو تقدم الخبر فقلنا: "ينتصر الحق، ويندحر الباطل" لأدى إلى اختلاط الجملة الاسمية بالفعلية، والمتكلم يقصد الأولى لا الثانية. فإذا تعين الخبر بسياق الكلام -بحيث يمكن التعرف عليه تقدم أم تأخر- حينئذٍ لا يلتزم فيه تحديد موضعه، ومن ذلك الشواهد التالية: - قول الكميت: كلامُ النبيّين الهُدَاةِ كلامُنا ... وأفعالَ أهلِ الجاهليةِ نفعلُ1 - قول حسان بن ثابت يهجو:   1 معنى البيت: كلامنا طيب وفعلنا رديء، نتكلم كلام النبيين ونفعل أفعال الجاهلية. الشاهد في الشطر الأول، فإن المبتدأ هو "كلامنا" والخبر "كلام النبيين" وكل منهما متعين من معنى الكلام، لأن أصل الجملة "كلامنا كلام النبين" ولذلك لا يلزم بينهما ترتيب، وقد جاء الخبر مقدما في البيت. الإعراب: كلام: خبر مقدم مرفوع بالضمة، النبيين: مضاف إليه مجرور بالياء، الهداة: صفة للنبيين مجرور بالكسرة، كلامنا "كلام" مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة، وضمير المتكلمين مضاف إليه، أفعال: مفعول به مقدم منصوب بالفتحة، أهل: مضاف إلى "أفعال" مجرور بالكسرة، الجاهلية مضاف إلى "أهل" مجرور بالكسرة، نفعل: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر تقديره "نحن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 قبيلةٌ أَلْأمُ الأحياءِ أكرمُها ... وأغدرُ الناس بالجيران وافيها1 - العبارة المأثورة في قولهم: أبو يوسف أبو حنيفة2. 2- أن يوجد في المبتدأ أو الخبر دليل لفظي يحدد موضوع المبتدأ والخبر فيوجب هذا الدليل أن يأتي المبتدأ أولا، أو يوجب هذا الدليل أن يأتي الخبر أخيرا، فلنتأمل الأمثلة التالية: - ما غرض الدِّين من بيان الخير والشر!. وأيُّ السبيلين أسْلَمُ للإنسان!. "المبتدأ اسم استفهام "ما، أي"، فيجب تقدمه".   1 الشاهد في كلا الشطرين: إذ إن كلا من المبتدأ والخبر متعين، إذ هو مفهوم من سياق الكلام، والأصل "أكرمها ألأم الأحياء" و "وافيها أغدر الناس بالجيران" فقدم الخبر على المبتدأ، وهو لا بأس به ما دام مفهومًا. 2 أبو يوسف: تلميذ أبي حنيفة، وأبو حنيفة أستاذه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 - لَلْغَرضُ سعادةُ الإنسان في الحياة. "المبتدأ متصلة به لام الابتداء، فيجب تقدمه". - فإنّما الخيرُ سلامٌ وأمنٌ، وما الشرُّ إلّا تعاسةٌ وضررٌ. "الخبر وقع في أسلوب القصر البلاغي بعد "إلا، إنما"، فيجب تأخيره". الاستعمال العربي هو الذي حدد الترتيب هنا بأنه يجب أن يأتي على الأصل -المبتدأ أولا والخبر ثانيا- ذلك أنه باستقراء هذا الاستعمال وجد أن أسماء الاستفهام -ومثلها الشرط- تأتي في بداية الكلام، فإذا كان المبتدأ واحدا منها وجب تقدمه، وكذلك إذا اتصل بالمبتدأ "لام الابتداء" فإنه يأتي أولا، وهي متقدمة عليه -وهكذا ارتضى الأسلوب العربي- ويترتب على ذلك بداهة أن يتأخر الخبر. وفي الجانب المقابل فإن الخبر إذا جاء في أسلوب القصر "مقصورا عليه" فإنه يجب تأخره، ويترتب على ذلك بداهة أن يتقدم المبتدأ. هذا، وقد ورد على غير هذا الاتجاه بعض الشواهد، وهي -في رأي النحاة- شاذة، وفي رأيي أنها لغة الشعر الخاصة، ومن ذلك: - قول الكميت: فيا ربّ هل إلا بكَ النّصرُ يُرْتَجَى ... عليهم وهل إلا عليكَ المعوَّلُ1   1 المعول: السند والملاذ الشاهد: في الشطر الثاني "هل إلا عليك المعول" حيث قدم الخبر المحصور "بإلا" وكان من الواجب تأخيره، وذلك شاذ فيما يرى النحاة، وهو -في رأيي- لغة الشعر وما تبيحه في الرتبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 - قول الآخر: خَالِي لأنت ومن جرير خالُهُ ... ينل العلاءَ ويكرم الأخوالا1 وخلاصة هذا الموضوع كله في عبارة واحدة: "يتقدم المبتدأ ويتأخر الخبر حتما إذا كان هذا الترتيب وحده هو الذي يهدينا في التعرف على المبتدأ والخبر، أو إذا كان في الجملة دلائل لفظية تحدد موضع المبتدأ أولا أو الخبر أخيرا". ثانيا: تقدم الخبر وتأخر المبتدأ: لاحظ الأمثلة التالية: - أين العدالةُ في الدنيا وكيف السبيلُ إليها؟. الخبر هنا اسم استفهام "أين، كيف"، ويجب تقدمه. - فما في طبع البشر عموما إلا الظلمُ، وإنّما في بعضهم الخيرُ. المبتدأ وقع في أسلوب القصر البلاغي بعد "إلا، إنما"، فيجب تأخره. - ففي ظلمِ الإنسان لأخيه متعتُه، وفي سيطرةِ القوي على الضعيف نفعُه. المبتدأ اشتمل على ضمير يعود على شيء في الخبر.   1 الشاهد: في "خالي لأنت" فإن لام الابتداء إنما تدخل على المبتدأ ويجب أن تكون معه في بداية الكلام، لكنه تأخر معها، وهذا خلاف الأصل وقد دعا إليه لغة الشعر الخاصة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 - وقد قيل، مع القويِّ حقٌّ وللضعيفِ ذلّةٌ. تقدم الخبر سوغ الابتداء بالنكرة. إنما يجب تقدم الخبر وتأخر المبتدأ إذا وجد في الكلام دلائل لفظية تقتضي تقدم الخبر أو تقتضي تأخر المبتدأ، وذلك بأن تحتم تلك الدلائل عكس الترتيب في الجملة الاسمية -حينئذٍ لا يستعمل الخبر إلا مقدما، وبداهة لا بد أن يتأخر المبتدأ- تماما كما كان الأمر في تقدم المبتدأ وتأخر الخبر مع اختلاف الموقف في الصورتين. فإذا كان الخبر اسم استفهام مثل "أين، كيف" فإنه يجب أن يذكر في الكلام أولا، وبداهة أن المبتدأ يجب تأخره، كما تقول: "أين الغايةُ قبل المذْهب؟ ". وإذا جاء المبتدأ والخبر في أسلوب قصر بلاغي، والمبتدأ "مقصور عليه" في أحد الأسلوبين "ما وإلّا، إنما" ففي هذه الحالة يجب تأخر المبتدأ وبداهة أن الخبر يجب تقدمه، كقولنا: "ما للبخيلِ إلّا المهانةُ، وإنّما من عمله جزاؤه". كذلك إذا كان في المبتدأ ضمير يعود على شيء في الخبر، حينئذٍ يجب تأخير المبتدأ من أجل هذا الضمير، لكي يتقدم نطقا الخبر الذي يرجع الضمير إلى شيء فيه، كما ورد من قول المجنون: دعا المحرمون الله يستغفرونه ... بمكة يومًا أن تُمَحَّى ذنوبُهَا وناديتُ يا ربَّاهُ، أوَّلَ سُؤْلَتِي ... لنفسيَ لَيْلى ثم أنت حَسيبُها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 أهَابُكِ إجلالًا وما بك قدرةٌ ... عليَّ ولكنْ مِلْءُ عينٍ حبيبُها1 ومن ذلك أيضًا ما سبق ذكره في مسوغات الابتداء بالنكرة، إذ يكون خبرها ظرفا أو جارًّا ومجرورًا مقدمًا عليها. تلك الأمور السابقة وغيرها من المسوغات -مما لم يذكر- يجمعها كلها عبارة واحدة هي "يتقدم الخبر على المبتدأ حتما إذا وجد في الجملة دلائل لفظية تحدّد موضع الخبر أولا، وموضع المبتدأ أخيرا". الحذف في الجملة الاسمية: لاحظ النصوص الآتية للتعرف على المحذوف فيها من المبتدأ والخبر: من القرآن: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ} . من القرآن: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} . من القرآن: {سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُون} . من كلام العرب: رميةٌ من غير رَامٍ.   1 استغفر الحجاج ربهم، فسألوه أن يمحو ذنوبهم، أما أنا فقد سألته شيئًا آخر سألته "ليلى" وهذا كل ما طلبته لنفسي، وما عداه تركته له، إن الحبيب يملأ عين الحبيب فيجله ويخضع له، وأنا أجلك خضوعًا لا خوفًا، فلا قدرة لك على إخافتي، لكن لك جلال إخضاعي. الشاهد: في "ملء عين حبيبها" حيث اتصل المبتدأ "حبيبها" بضمير يعود على الخبر "ملء عين" ولذلك تقدم الخبر، وتأخر المبتدأ؛ ليعود الضمير على شيء مذكور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 الأصل في الكلام العربي أن يكون مذكورًا، ولا يصح حذفه، فإن الحذف ضد الأصل، لكن من رأي النحاة الحذف، وهذا يحدث في أبواب كثيرة -ستأتي- ومن هذه الأبواب باب المبتدأ والخبر، فكل من المبتدأ والخبر قد يغيب عن الكلام إذا دل سياق الكلام وظروفه على الغائب دون وجوده، فيعتبر كأنه موجود ذهنيًّا، ليكمل هذا "العمل الذهني" الموجودَ الباقي منهما، فتتم الجملة بالطرف المنطوق فعلا، والطرف المقدر ذهنًا، ومن ذلك قول القرآن: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} 1 أي "دائم" وقول قيس بن الخطيم: نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راضٍ والرأي مختلف2 وأصل الكلام "نحن بما عندنا راضون" فحذف الخبر. لكن قد ينقلب هذا الحذف أمرا لازما فلا يمكن النطق بالمحذوف إطلاقا -وهذا غريب- ويشمل الحذف كلا من المبتدأ أو الخبر على التفصيل التالي: أولا: حذف المبتدأ وجوبا: تكاد كتب النحو تتفق في ذلك على أربعة مواضع مشهورة لهذا الحذف هي: 1- مع الخصوص بالمدح أو الذم -في بعض الآراء- مثل: "نعم الخلقُ الاستقامةُ وبئس الخلقُ الانحرافُ" وسيأتي تفصيله في موضعه.   1 من الآية 35 سورة الرعد. 2 الرأي بيننا مختلف! نحن راضون برأينا، وأنت راضٍ برأيك. الشاهد: في "نحن بما عندنا" فإن الخبر محذوف جوازا، تقديره "نحن بما عندنا راضون". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 2- في النعت المقطوع: كقولنا: "إن من شعراءِ العصر الحديث حافظًا شاعرُ النيل" وسيأتي تفصيله في موضعه أيضًا. 3- ما حكى أبو على الفارسي -رحمه الله- من قول العرب: "في ذمَّتي لأفعَلَنَّ كذا" وتقديره "في ذمَّتِي يَمِينٌ". 4- ما جاء في لسان العرب من الشواهد التالية نثرا وشعرا: - قول القرآن: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} 1. - قول منذر بن درهم الكلبي: وأحدثُ عهدي من أميمةَ نظرةٌ ... على جانبِ العلياءِ إذْ أنا واقفُ فقالتْ حنانٌ ما أتى بك ههنا ... أذو نسبٍ أم أنت بالحيِّ عارفُ فقلتُ أنا ذو حاجةٍ ومسلّمٌ ... فَضُمَّ علينا المأزِقُ المتضايفُ2   1 من الآية 141 من سورة يوسف. 2 أحدث عهدي: بمعنى آخر عهدي، حنان: العطف والشفقة، ضم علينا المأزق المتضايف "ضم" ضاق، "المأزق" المكان الضيق، "المتضايف" المحاط بالحزن والهم، فمعنى العبارة: ضاق علينا المكان المحاط بالهم والأحزان. يقول: آخر عهدي "بأميمة" أنني ألقيت عليها نظرة، وتحادثنا، قالت: إنني أشفق عليك! لم تقف هنا؟! ألك نسب في حَيِّنَا، أم أنت من رواده العارفين به؟! قلت: إن لي هنا حاجة هي أنت، وقد أتيت للتحية، ثم لم نكثر الحديث فقد ضاق بنا المكان المحاط بالعيون والأحزان. الشاهد: في "حنان" فإنه خبر لمبتدأ محذوف، وتقدير الكلام "شعوري حنان". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 فكلمة "حنان" في البيت الثاني خبر لمبتدأ محذوف تقديره "شعوري حنان". - ما ورد من قول العرب "سمع وطاعة" بمعنى "خلقي سمع وطاعة". ثانيا: حذف الخبر وجوبًا: تكاد كتب النحو تتفق أيضا على ذكر أربعة مواضع مشهورة لهذا الحذف فلنلاحظ أولا الأمثلة التالية: لولا المرضُ ما عُرفت الصِّحة. وايمن الله، إن الصحة أغلى من كنوز الأرض. ولذلك قيل عن السعادة العبارة "الصحةُ وراحةُ البال". فابتهاجُ المرءِ مُعَافًى واكتئابُه مريضًا. هذه المواضع الأربعة التي يحذف فيها الخبر وجوبًا هي: 1- أن يكون المبتدأ بعد كلمة "لولا" كقولنا في الدعاء "اللهم لولا أنتَ ما اهتدينا، ولا تصدّقنا ولا صلَّيْنا، فأنزلَن سكينةً علينا" هذا هو الرأي المشهور، وفي المسألة كلام كثير لا حاجة إليه هنا. 2- أن يكون المبتدأ من الألفاظ التي تستخدم في القسم فقط، أو بتعبير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 كتب النحو "نصٌّ في اليمين" كقول القرآن: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} 1. 3- أن يتعاطف المبتدأ مع اسم آخر بواو تدل على المصاحبة -بمعنى مع- ومن ذلك العبارة النحوية المشهورة "كلُّ رجلٍ وضيعتُه". 4- ما ورد في الأسلوب العربي من أمثال، قول الرسول: "أقربُ ما يكون العبدُ من ربه وهو ساجد" 2، انظر الهامش.   1 الآية 72 سور الحجر. 2 صحيح مسلم ج1 ص350. جاء في "ابن عقيل" تفسير هذا الأسلوب بقوله: أن يكون المبتدأ مصدرا، وبعده حال سدت مسد الخبر، وهي لا تصلح أن تكون خبرا، فيحذف الخبر وجوبا لسد الحال مسده، مثل "ضربي زيدا قائما" ثم أضاف: والمضاف إلى هذا المصدر حكمه كالمصدر مثل "أتمُّ تبييني الحق منوطا بالحكم" ويقدر الخبر المحذوف قبل الحال التي لا تصلح خبرا هكذا "إذ كان" للماضي و "إذا كان" للمستقبل. فتكون "إذ، أو، إذا" ظرفا هو الخبر المحذوف، وتعرب "كان" تامة، وفيها ضمير مستتر هو الفاعل، وهو صاحب الحال المذكورة. إعراب جملة "ضربي زيدًا قائمًا" ضربي: ضرب مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وياء المتكلم: مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله، زيدًا: مفعول به منصوب بالفتحة، قائمًا: حال سدت مسد الخبر، والأصل "إذ كان قائما". - حاول إذن إعراب الحديث الموجود في الأصل بعد هذا الفهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 نواسخ المبتدأ والخبر مدخل ... نواسخ المبتدأ والخبر: تمهيد: معنى النسخ جاء في قطر الندى: النواسخ جمع ناسخ، وهو في اللغة من النسخ بمعنى الإزالة، يقال: نسخت الشمس الظل: إذا أزالته، وفي الاصطلاح: ما يرفع حكم المبتدأ والخبر ا. هـ. ومن المعلوم أن المبتدأ والخبر وظيفتان نحويتان تشغلهما عادة الأسماء -أو ما يقوم مقامها من الجمل أو شبه الجمل- وكل اسم يشغل إحدى هاتين الوظيفتين فإنه يأخذ شكلًا خاصًّا هو علامات الرفع الأصلية أو الفرعية. فلنلاحظ الأمثلة: القارئُ الجادُّ إنسانٌ مستنيرٌ. صار القارئُ الجادُّ إنسانًا مستنيرًا. إنّ القارئَ الجادَّ إنسانٌ مستنيرٌ. علمتُ القارئَ الجادَّ إنسانًا مستنيرًا. بملاحظة الأمثلة السابقة يتضح أن المبتدأ قد تتغير وظيفته فقط ويبقى شكله وقد تتغير وظيفته وشكله كلاهما، وأن الخبر يصدق عليه الكلام السابق نفسه؛ إذ تتغير وظيفته فقط ويبقى شكله، وقد تتغير وظيفته وشكله كلاهما. من أجل ذلك فإنه يمكن أن يفهم ما جاء مختصرًا في عبارة "قطر الندى" من أن النسخ هو "ما يرفع حكم المبتدأ والخبر" بطريقة أكثر تفصيلا ووضوحًا على النحو التالي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 النسخ: هو إزالة حكم المبتدأ والخبر من حيث "الوظيفة والشكل" كلاهما أو من حيث "الوظيفة" وحدها إذا دخل على الجملة أفعال أو حروف خاصة. والنواسخ على ذلك: هي تلك الأفعال الخاصة أو الحروف التي يتغير معها المبتدأ والخبر من حيث الوظيفة والشكل أو من حيث الوظيفة. وهذه النواسخ هي الأبواب السبعة التالية: 1- كان وأخواتها: كقولنا: "صَارَ الصّعبُ سهلًا". 2- كاد وأخواتها: كقولنا: "كاد الصّعبُ يهونُ". 3- الحروف التي بمعنى "ليس" مثل: "ما الصّديقُ خائنًا". 4- إن وأخواتها: مثل: "إن الكذب قبيح". 5- لا: النافية للجنس: مثل "لا صدق قبيح". 6- ظن وأخواتها: مثل: "علمتُ الصّدْقَ مُنْجِيًا". 7- أعلم وأرى وأخواتهما: مثل: "أَرَيْتُ الجاحدَ الدّليلَ واضحا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 كان وأخواتها : 1- الأفعال التي ترفع الاسم وتنصب الخبر "عددها، شروطها، صورها". 2- ترتيب الجملة مع هذه الأفعال. 3- معنى المصطلحين النحويين "التمام، النقصان". 4- ما تختص به "كان" وحدها من الأحكام. أ- زيادتها حشوا في الكلام. ب- حذفها مع اسمها. ج- حذف نونها. الصنف الأول من الأفعال النواسخ "كان وأخواتها" وللتعرف على هذه الأفعال تمامًا ينبغي النظر إليها من نواحٍ ثلاث، هي على الترتيب "عددها، شروطها، صورها". عددها: هي ثلاثة عشر فعلا، وإليك هذه الأفعال ومعانيها: 1- كان: وهي لاتِّصاف الاسم بالخبر في الماضي، تقول: "كان الحفلُ رائعًا، وكانت الليلةُ ممتعةً". 2- أمسى: لاتّصاف الاسم بالخبر مساء، تقول: "أمسى الجوُّ منعشًا وأمست الرياحُ رخاءً". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 3- أصبح: وهي لاتِّصاف الاسم بالخبر في الصباح، تقول: "أصبح الضوءُ ساطعًا، وأصبحت الرؤيةُ واضحةً". 4- أضحى: وهي لاتِّصاف الاسم بالخبر في وقت الضحى، تقول: "أضحت الشمسُ متوهِّجَةً وأضحى الجوُّ حارًّا". 5- ظل: وهي لاتِّصاف الاسم بالخبر طوال النهار، تقول: "ظلَّ المؤمنُ صائمًا". 6- بات: وهي لاتِّصاف الاسم بالخبر في الليل، تقول: "بات القَلِقُ مسهَّدًا" أو "بات الشرطيُّ ساهرًا". 7- صار: وهي لتحول الاسم إلى الخبر، تقول: "صار المهملُ مجتهدا وصار الكسولُ نشيطا". 8- ليس: وهي تفيد نفي معنى الخبر عن الاسم تقول: "ليس الصدقُ مهلكا، وليس الكذبُ منجيًا". 9، 10، 11، 12 الأفعال الأربعة: "زال، برح، فَتِئَ، انْفَكَّ" ومعناها دوام اتصاف الاسم بالخبر، تقول: "ما زالت اللغةُ العربيةُ حيّةً متجدّدةً، وما بَرحَ أهلُها محافظين عليها، وما انْفَكَّ التفاهمُ بها ميسورًا بين العربِ جميعًا". 13- دام: ومعناها بقي واستمر، وتفيد في جملتها دوام اتصاف اسمها بالخبر ما بقي كل منهما مرتبطا بالآخر، تقول: "لن يُغْلَبَ العربُ ما داموا متَّحدين". ذلك هو أصل الباب يتكون من هذه الأفعال الثلاثة عشر مع معانيها السابقة، ولكن يتفرع على هذا الأصل السابق الأمران التاليان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 الأول: أن الأفعال الخمسة "كان، أمسى، أصبح، أضحى، ظل" تستعمل في اللغة بمعنى "صار" أي أنها تفيد التحول والانتقال، وهذا الاستعمال يطلق عليه في اللغة اسم "التّضمين" ومعناه أن يتحمل فعل له معنى خاص معنى فعل آخر، وحينئذٍ يأخذ حكمه، ومن ذلك: - قول القرآن: {وَفُتِحَتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً، وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} 1. - قول القرآن {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} 2. - قول الشاعر: ثم أضْحَوا كأنهم ورقٌ جـ ... ـفَّ فألوَتْ به الصَّبا والدَّبُورُ3   1 الآيتان 9، 10 سورة النبأ. 2 الآية 58 سورة النحل. 3 ألوت به: أهلكته والمقصود هنا: بعثرته وأضاعت أثره، الصبا والدبور: نوعان من الرياح. يقول: إن هؤلاء هلكوا وتشتتوا كالورق الجاف الذي مزقته وبعثرته الرياح. الشاهد "أضحوا فإنها في البيت بمعنى "صار" واسمها "واو الجماعة" وخبرها محذوف تقديره "مشتتين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 قول النابغة: أمستْ خلاءً وأمسى أهلُها احتملوا ... أخْنَى عليها الذي أخْنَى على لبد1 الثاني: وردت أفعال أخرى -غير الأفعال السابقة التي هي أصل الباب- بمعنى الفعل "صار" أيضًا عن طريق "التضمين" وهي -كما أوردها الأشموني- عشرة أفعال "آضَ، رَجَعَ، عَادَ، استَحَالَ، قَعَدَ، حَارَ، ارتَدَّ، تَحَوَّلَ، غَدَا، رَاحَ" فلنتأمل الشواهد التالية: - قول الرسول: "فلا ترجعوا بعدي كفَّارا، يضربُ بعضُكم رِقَاب بعض" 2. - قول الرسول: "فاسْتَحَالَتْ غربا" 3. - قول الشاعر: وكان مُضِلِّي مَنْ هُدِيتُ بِرُشْدِهِ ... فَلِلَّهِ مُغْوٍ عاد بالرُّشْدِ آمِرا4   1 احتملوا: رحلوا، أخنى عليهم: أهلكهم، لبد: بضم اللام، اسم نسر يقال إنه عاش طويلا. الشاهد. في "أمست خلاء" فإن الفعل "أمسى" بمعنى "صار" ومثله أيضا "أمسى أهلها احتملوا". 2 صحيح مسلم ج1 ص82. 3 اسم "استحالت" ضمير يعود على "الدلو" المذكورة في حديث طويل "صحيح البخاري ج5 ص6". 4 صور المضل هاديا، وهذا عجيب، فقد انقلب المغوي مرشدا. الشاهد "عاد بالرشد آمرا" فإن الفعل "عاد" بمعنى "صار" يرفع الاسم وينصب الخبر. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 - قول الشاعر: إنَّ العداوةَ تستحيلُ مودّةً ... بتدارُكِ الهفواتِ بالحَسناتِ1 - قول امرئ القيس: وبدَّلتُ قَرْحًا دَامِيًا بعد صحّةٍ ... لعلَّ مَنَايَانَا تحوّلْنَ أبْؤُسا2 وهذه الأفعال الأخيرة ليست موضوعة أصلا لتكون من النواسخ، وإنما   = الإعراب: كان: فعل ماض ناقص يرفع المبتدأ وينصب الخبر، مضلي: اسم كان مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وياء المتكلم مضاف إليه، من: اسم موصول خبر كان مبني على السكون في محل نصب، هديت: هدى فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك، والضمير نائب فاعل، برشده: جار ومجرور، والجملة كلها صلة الموصول، لله: جار ومجرور شبه جملة خبر مقدم، مغو: مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة تخفيفًا وأصله "مغوي"، عاد: فعل ماض ناقص بمعنى "صار" يرفع المبتدأ وينصب الخبر، واسمه ضمير مستتر تقديره "هو"، بالرشد جار ومجرور، آمرا: خبر الفعل "عاد" منصوب بالفتحة. 1 الشاهد: في "تستحيل مودة" فإنه مضارع "استحال" بمعنى "صار" يرفع الاسم وينصب الخبر، واسمه ضمير مستتر، "مودة" خبره. 2 القرح: الجرح، المنايا جمع "منية" وهي الموت، أبؤس: جمع "بأساء" وهي الشدة والكرب. يقول: لقد أصبت بالجروح الدامية بعد الصحة، فأنا أموت بطيئًا، أموت كل يوم، بسبب ما أنا فيه من شدة!! الشاهد: في "تحولن أبؤسا" فإن الفعل "تحول" بمعنى "صار" يرفع المبتدأ وينصب الخبر، واسمه نون النسوة، وكلمة "أبؤسا" خبره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 تصير ناسخة إذا ورد استعمالها بمعنى الفعل "صار" أي أنها حين تتضمّن معنى هذا الفعل ينسخ معها حكم المبتدأ والخبر، فيرفع الأول وينصب الثاني. شروطها: لاحظ الأمثلة التالية: - كان العربُ -في الجاهلية- جُهَّالًا متفرقين. - وصار الإسلامُ حضارتَهم وقوتهم. - وأصبحتْ لغةُ القرآنِ أسلوبَهم ووحدتهم. لا يحتاج إلى شروط - وما زال الدِّينُ سَنَدًا قويا لأخلاقهم. - وما برحت الفصحى وسيلةَ صلتهم ثقافيا واجتماعيا يحتاج لتقدم نفي أو شبهه - وسيبقى العربُ أقوياء ما داموا محافظين على دينهم ولُغَتهم. يحتاج لتقدم "ما" المصدرية الظرفية. الأفعال الثلاثة عشر التي ترفع المبتدأ وتنصب الخبر يمكن تصنيفها من حيث شروطها إلى الأنواع الثلاثة التالية: الأول: ما يحتاج إلى شروط إطلاقًا، وذلك ثمانية أفعال هي "كان، أمسى، أصبح، أضحى، ظل، بات، صار، ليس" تقول: "كان الطريقُ موحشا، وأمسى الغريبُ وحيدا" وتقول: "بات العاصي مسهَّدا وصار ليلُه كئيبا". الثاني: ما يجب معه -حين يرفع الاسم وينصب الخبر- أن يتقدم عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 "نفي أو نهي أو استفهام إنكاري" وهو أربعة أفعال "زال، برح، فتئ، انفكّ". - قال القرآن: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} 1. - قال الشاعر: صَاحِ شمِّر ولا تزلْ ذاكرَ المو ... تِ فنيسانُه ضلالٌ مبين2 - قال ذو الرُّمَّة: ألا يا اسْلَمِي يا دارَ ميٍّ على البلى ... ولا زال مُنْهلًّا بجرْعائِك القَطْرُ3 هذا.. والأصل في النفي والنهي والاستفهام الذي يتقدم على هذه الأفعال أن يكون مذكورًا لفظًا، لكن ربما وردت هذه الأفعال وبعدها الاسم مرفوع والخبر منصوب دون أن يتقدم عليها شيء من ذلك، وحينئذٍ   1 من الآية 118 من سورة هود. 2 شمر: المقصود: اعمل بجد. الشاهد: في "لا تزل ذاكر الموت" حيث تقدم على الفعل "تزل" النهي فرفع الاسم ونصب الخبر. 3 البلى: القدم والتهدم، جرعاء: الفضاء الرملي المنبسط، القطر: المطر. يقول: إننى أدعو لحبيبتي "مى" بالسلامة والخير، فلتسلم ديارها من عوادي الزمان، ولينهل المطر عليها بالخير والخصب. الشاهد: في "لا زال منهلا بجرعائك القطر" فقد تقدم على الفعل "زال" الدعاء ولذلك رفع الاسم ونصب الخبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 ينبغي أن يقدر معها النفي اطرادا للقاعدة، وهذا قليل في اللغة، ومن هذا القليل: قول القرآن: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} ، تقديره "لا تفتؤ"1 - قول خليفة بن نزار: تنفكُّ تسمع ما حييـ ... ـتَ بهَالِكٍ حتى تكونه2 تقديره "لا تنفك". الثالث: ما يجب أن يتقدم عليه "ما" المصدرية الظرفية وهو الفعل "دام" كقول القرآن: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} . صورها: يقصد بذلك الصور الصرفية التي يمكن أن تأتي من هذه الأفعال وهذه الصور هي "الماضي، المضارع، الأمر، المصدر، اسم الفاعل فمثلا الفعل "أصبح" يمكن أن يأتي منه "أصبح، يصبح، أصبح، إصباح، مصبح" وكذلك "أمسى" يمكن أن يأتي منه " أمسي، يمسي، أمس، إمساء، ممسي" وهكذا. وفائدة هذا الموضوع هنا: أن الصيغ التي تأتي من هذه الأفعال حكمها حكم الأفعال الماضية فيرفع الاسم معها، وينصب الخبر. وهذه الأفعال الثلاثة عشر -من حيث الصور التي تأتي منها- تنقسم إلى الأنواع الثلاثة التالية: الأول: ما يتصرف تصرفا مطلقا، إذ يأتي منه "الماضي والمضارع   1 من الآية 85 من سورة يوسف. 2 الشاهد: في قوله: "تنفك تسمع ما حييت" فإنه يقدر معها نفي محذوف أي "لا تتفك تسمع ما حييت". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 والأمر والمصدر واسم الفاعل" وذلك سبعة أفعال هي "كان، أمسى، أصبح، أضحى، ظل، بات، صار" تقول: "راقب الطبيبُ المريضَ في بَيَاتِه مُستريحا، ووجده في النهار مُصبحًا هادئا" وتقول: "كلّ مهملٍ صائرٌ إلى الضياع" ومن ذلك قول الشاعر: ببذْلٍ وحِلْمٍ سادَ في قومه الفتى ... وكونُك إيّاه عليك يَسيرُ1 وقول الآخر: وما كلُّ من يُبدي البَشَاشَةَ كائنا ... أخاك إذا لم تُلْفِه لك مُنجِدا2 الثاني: ما يتصرف تصرفا ناقصا، إذ يأتي منه "الماضي والمضارع واسم الفاعل" ولا يأتي منه "الأمر والمصدر" وهو أفعال الدوام والاستمرار "زال، برح، فتئ، انفك" ومن ذلك ما ينسب إلى عَلِيٍّ: "ما يزال الرجلُ عالِمًا ما طلب العلم، فإذا ظنَّ أنه قد علم فقد جَهِل" ومن ذلك أيضًا قول الحسين بن مطير الأسدي: قضى الله يا أسماءُ أنْ لستُ زائلًا ... أحبُّك حتى يُغْمِضَ الجفنَ مُغْمِضُ3 الثالث: ما لا يتصرف مطلقًا، بل يبقى على ما هو عليه من الماضي وذلك الفعلان "ليس -باتفاق-، دام -على الأصح-" فلا يأتي منهما   1 الشاهد: في البيت "كونك إياه" فإن مصدر "كان" هو "كون" وضمير المخاطب "الكاف" مضاف إليه اسمه "وكلمة" "إياه" خبره. 2 الشاهد: في البيت "كائنا أخاك" فإن اسم الفاعل من "كان" هو "كائن" واسمه ضمير مستتر، وكلمة "أخاك" خبره منصوب بالألف. 3 الشاهد: "زائلا أحبك" فإن "زائلا" اسم الفاعل من "زال" واسمه ضمير مستتر تقديره "أنا" وجملة "أحبك" في محل نصب خبره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 "مضارع ولا أمر ولا مصدر ولا اسم فاعل" وما ورد من استخدام اللغة من "دام" مثلا "يدوم، دم، دائم" فإنه -فيما رأى العلماء- من "دام" التامة، لا من "دام" التي ترفع الاسم وتنصب الخبر. ترتيب الجملة مع هذه الأفعال لاحظ الأمثلة التالية: - كان الضَّباب كثيفًا، وصارت الرّؤيةُ متعذرةً. الترتيب على الأصل. - كان كثيفًا الضبابُ، وصارت متَعذِّرةً الرؤيةُ. الخبر متوسط بين الفعل الناسخ والاسم. - كثيفا كان الضبابُ، متعذرةً صارت الرّؤيةُ. الخبر تقدم على الفعل الناسخ والاسم. الترتيب في جملة كان وأخواتها يأتي على الصور الثلاث الآتية: الصورة الأولى: أن يكون الترتيب على الأصل، فيأتي هكذا "الفعل الناسخ + الاسم + الخبر" ومن ذلك قول القرآن: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً} 1. الصورة الثانية: أن يتوسط الخبر بين الفعل الناسخ والاسم، فيأتي الترتيب هكذا "الفعل الناسخ + الخبر + الاسم" ومن ذلك قول القرآن: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} 2.   1 من الآية 14 من سورة الفتح. 2 من الآية 48 من سورة الروم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 - وقول السموءل بن عاديا: سلي إنْ جهلْتِ الناس عنَّا وعنهم ... فليس سواءً عالم وجهولُ1 - وقول الآخر: لا طِيبَ للعيش ما دامتْ منغَّصَةً ... لذّاتُهُ بادِّكارِ الموتِ والهَرَمِ2 - وقول الآخر: ما دام حافظَ برّي من وثقتُ به ... فهو الذي لستُ عنه راغبًا أبدا3 الصورة الثالثة: أن يتقدم الخبر على الناسخ، وبذلك يكون الترتيب "الخبر + الفعل الناسخ + الاسم" تقول: "مَطْلَبًا كريما ما زالت الحرّيةُ وغنمًا كبيرا يصبح الحصول عليها". هذا هو أصل الموضوع، يصح في الخبر أن يتأخر، ويمكن أن يأتي في الكلام متوسطًا، ويمكن أن يأتي متقدما على الفعل الناسخ نفسه. لكن ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار -مع هذا الأصل- الملاحظات الآتية:   1 الشاهد: في "ليس سواء عالم وجهول" حيث توسط الخبر وهو "سواء" بين الفعل الناسخ وهو "ليس" والاسم المؤخر وهو "عالم وجهول". 2 منغصة: مكدرة، ادكار: تذكر، الهرم بفتح الهاء والراء: أقصى الكبر. يقول: إن الحياة لا تصفو ما دامت مكدرة بتذكر الشيخوخة وما فيها من متاعب، والموت وما فيه من عدم. الشاهد: في "ما دامت منغصة لذاته" حيث توسط الخبر وهو كلمة "منغصة" بين الفعل الناسخ "ما دام" والاسم "لذاته". 3 يقول: ما دام من أثق به أهلا الثقة، يحفظ السر ولا يفشيه، فإنني سأبقيه صفيا ونجيا، ولن أعدل عنه إلى غيره. الشاهد: في "ما دام حافظ سري من وثقت به" فقد توسط الخبر "حافظ سري" بين الفعل الناسخ "ما دام" والاسم "من وثقت به". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 أولا: يمكن أن يتصور صورة رابعة مع هذه الصور الثلاث، وهي تقدم الاسم على الناسخ، إذ يقال في "أصبح الجوُّ صحوًا" "الجوُّ أصبح صحوًا" وهذا أمر غير وارد هنا؛ لأن الجملة كلها تصير اسمية مكونة من مبتدأ هو كلمة "الجو" والخبر هو الجملة الناسخة، وقد جاءت مرتبة على الأصل، فهي بهذا الاعتبار من الصورة الأولى. ثانيا: لم يرد في اللغة تقدم الخبر على الفعلين "ليس، دام" وهذا هو رأي جمهور النحاة، وفي المسألة حديث طويل لا حاجة إليه هنا. ثالثا: إذا كان خبر المبتدأ مما يجب أن يتأخر عن المبتدأ، أو مما يجب تقدمه على المبتدأ، ثم دخل عليه الفعل الناسخ، فإنه يبقى له موضعه في الترتيب وجوبا، فالكلام هنا إذن إنما هو عن المبتدأ والخبر اللذين يصح فيهما التقدم والتأخر. رابعا: هناك خلاف كثير متشعب حول ما إذا تقدم معمول الخبر، ويقصد به ما إذا كان الخبر فعلا أو اسما شبيها بالفعل وله مفعول، فجاء حينئذٍ بعد الفعل الناسخ مباشرة، مثل "بات الشرطيُّ مؤدّيًا واجبه" حيث يقال "بات واجِبَه الشرطيُّ مؤدِّيا" والحق أن هذا الخلاف لا فائدة فيه وأن تأويلات النحاة للنصوص التي وردت عنه تأويلات متكلفة، والذي أراه أن هذا الاستعمال يقبله الذوق اللغوي وبخاصة في الشعر، وأنه قد ورد في نصوص صحيحة لا داعي لإجهادها ذهنيا بالتأويل المتكلف، ومن ذلك: - قول الشاعر: باتت فؤاديَ ذاتُ الخالِ سالبةً ... فالعيشُ إن حُمَّ لي عيشٌ من العَجَبِ1   1 الخال: -كما جاء في القاموس- شامة في البدن، حم لي: قدر لي يقول: إن هذه المرأة الجميلة -ذات الخال- استولت على قلبي وأخذته فكيف أعيش دون قلب، لو حدث هذا لكان من العجب!! الشاهد في "باتت فؤادي ذات الخال سالبة" وأصل الجملة "باتت ذات الخال سالبة فؤادي" فكلمة "فؤادي" مفعول به لاسم الفاعل "سالبة" وقد تقدم المفعول به فجاء بعد الفعل الناسخ مباشرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 - قول الآخر: لئن كان سَلْمَى الشّيبُ بالصدِّ مُغْريًا ... لقدْ هَوَّنَ السُّلوانَ عنها التَّحَلُّمُ1 التمام والنقصان: لاحظ الأمثلة التالية: - كان الإسلامُ مغلوبًا في أوّل الدعوة. - ثم صار المسلمون أقوياءَ أعزّاء. - فأصبح الدينُ بهم غالِبًا عزيزًا. الأفعال الناسخة ناقصة.   1 الصد: الإعراض والمنع، التحلم: تكلف الحلم والهدوء، والمقصود التعقل. يقول: إن الشيب صفاء وقيد، إن كان قد أغرى "سلمى" بالصد والإعراض فإنه قدم لي التعقل الذي عاونني في تحمل صدها والسلو عنها. الشاهد: في "كان سلمى الشيب بالصد مغريًا" فأصل الجملة "إن كان الشيب مغريا سلمى بالصد" فكلمة "سلمى" مفعول به لاسم الفاعل "مغريا" وقد تقدم المفعول، فجاء بعد الفعل الناسخ مباشرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 - في الحديث: "كان اللهُ ولا شيءَ معه فخلق السمواتِ والأرض". - وتقول: نمت حتى أضحيت. - وتقول: تأخرت في الطريق حتى أمسيت. الأفعال الناسخة تامة. يلاحظ أن الأفعال "كان، صار، أصبح" في مجموعة الأمثلة الأولى احتاجت الجملة التي وردت فيها إلى اسم مرفوع بعدها، ثم إلى اسم منصوب ولم يتم معناها إلا بوجود هذا الأخير، وهو في الأمثلة السابقة "مغلوبا، أقوياء، غالبا" على التوالي. أما المجموعة الثانية من الأفعال وهي "كان، أضحى، أمسى" فقد ورد بعدها اسم مرفوع فاعل بها، واكتفت به، ولم تحتج إلى الاسم المنصوب وهذا الاسم المرفوع في الأمثلة هو على التوالي "الله" في المثال الأول، وضمير المتكلم في المثالين الأخيرين. وعلى ذلك يمكن فهم المصطلحين النحويين "النقصان، التمام" بما يلي: النقصان: عدم اكتفاء الفعل بالاسم المرفوع بعده، بل يبقى المعنى ناقصًا محتاجًا إلى الإكمال، حتى يأتي الاسم المنصوب، فتكمل الجملة، ويكون معناها تعليق الخبر على المبتدأ بواسطة الفعل الناقص، أو بعبارة أخرى: نسبة الخبر للاسم بواسطة الفعل الناقص، كقول القرآن: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} 1 وقوله: {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً} 2.   1 من الآية 27 من سورة الإسراء. 2 الآية 6 من سورة الواقعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 والأفعال الناقصة هي التي تنسخ المبتدأ والخبر، فترفع الأول، وتنصب الثاني، وهي هدف الدراسة في باب "كان وأخواتها". التمام: معناه اكتفاء الفعل بالاسم المرفوع بعده فيتم المعنى تمامًا دون حاجة إلى المنصوب، وهذا المعنى التام يحدده الأسلوب الذي ورد فيه كقول القرآن: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} 1 وقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} 2 وكما تردد العبارة "ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن" وقول امرئ القيس: تطاول ليلُك بالإثمِدِ ... وبات الخليُّ ولم تَرْقُدِ وبات وباتتْ له لَيلةٌ ... كليلة ذي العَائِرِ الأرْمَدِ3 والأفعال التامة لا علاقة لها بنسخ المبتدأ والخبر، بل هي أفعال عادية والمرفوع بعدها فاعل تتم به الجملة. هذا، وجميع أفعال هذا الباب "الثلاثة عشر" تستعمل ناقصة وتامة -بالفهم السابق- ما عدا ثلاثة أفعال هي "ليس، زال، فتئ" فلا تستعمل إلا ناقصة فقط.   1 الآية 17 من سورة الروم. 2 من الآية 107 من سورة هود. 3 الإثمد: اسم موضع، الخلي: الخالي من الهموم، العائر: القذى في العين، الأرمد: المصاب بالرمد. يقول عن نفسه: لقد قضيت ليلة مكربة "بالإثمد" كما يقضيها صاحب العين الوجيعة المقذاة، فتطاول على الليل وامتد، ونام خلي النفس وسهرت. الشاهد: في استعمال الفعل "بات" تاما في البيتين في المرات الثلاث التي تكرر فيها في قوله "بات الخلي" وقوله "بات وباتت له ليلة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 ما تختص به "كان" دون أخواتها: تفردت "كان" وحدها -دون أفعال الباب- بورودها في اللغة باستعمالات خاصة هي: أ- زيادتها في الكلام ب- حذفها مع اسمها ج- حذف نونها وكل واحد من الثلاثة في حاجة إلى تفصيل القول معه. زيادة "كان" في الكلام: لاحظ الأمثلة الآتية: - ما كان أرْوَعَ ظهورَ الإسلام، وما كان أسرعَ انتشاره. "زائدة بين ما وفعل التعجب". - ويوم ظهر الإسلامُ ارتفع -كان- صوتُ العدل. "زائدة بين الفعل والفاعل". - بعد أن عاش الناس في ظلامٍ -كان- دامسٍ. "زائدة بين الموصوف والصفة". لفهم هذا الموضوع ينبغي الإحاطة بالأمور الثلاثة الآتية: أ- المقصود بزيادتها في الكلام ب- الصيغة التي ترد عليها حين الزيادة ج- المواضع التي تزاد فيها جاء في قطر الندى: ولا نعني بزيادتها أنها لم تدل على معنى ألبَتَّة، بل إنها لم يؤت بها للإسناد ا. هـ. ومن هذا الكلام المركز نفهم زيادة "كان" بالصفتين التاليتين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 الأولى: أن المقصود بزيادتها أن تقع حشوا بين أمرين متلازمين فلا تحتاج إلى مرفوع ولا إلى منصوب، فهي فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. الثانية: أنه ليس معنى الزيادة أنها لا معنى لها في الكلام، وإلا كان ذكرها عبثًا فيه، بل إنها تفيد الكلام الدلالة على معنى المضي، أي الدلالة على أن معنى الجملة التي وردت فيها قد حدث في الماضي، تقول متذكرا ظهور النتيجة: "ما كان أسْعَدَ الناجحين بنجاحهم، وما كان أرْوَعَ إشراق وجوههم". فمن البيّن أن وجود "كان" في الجملتين صرف معناهما إلى المضي، ولولا ذلك لكان الكلام مطلقًا لا تحديد له من حيث الزمن. أما الصيغة التي ترد عليها حين الزيادة فهي الماضي دون بقية الصيغ الأخرى التي جاءت من الماضي كالمضارع والأمر إلى آخره. وقد وردت زيادتها بلفظ المضارع في الرجز التالي الذي ينسب إلى "أم عقيل" بن أبي طالب ترقص به ابنها: أنتَ -تَكونُ- ماجدٌ نبيلُ إذا تهبُّ شَمْأَلٌ بَليلُ تُعْطِي رجالَ الحَيِّ أو تُنيلُ1 وهذا قد تفرد عن استعمال اللغة، فهو -كما يرى النحاة- شاذ.   1 شمأل: لغة في الشمال، والمقصود: ريح تهب من ناحية الشمال، بليل: رطبة. الشاهد: في قولها: "أنت تكون ماجد نبيل" فإن الفعل "تكون" زائد بين المبتدأ والخبر، وجاءت زيادته بلفظ المضارع، مع أن المعروف عن زيادة "كان" أنها تأتي بلفظ الماضي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 أما عن مواضع زيادتها فقد جاء في ابن عقيل ما يلي: وذكر "ابن عصفور" أنها تزاد بين الشيئين المتلازمين ا. هـ، هكذا بهذا الإطلاق!! ومن الأشياء المتلازمة أداة التعجب وفعل التعجب، الفعل ومرفوعه، الصلة والموصول، الصفة والموصوف، الجار والمجرور، فأي اثنين من ذلك جميعه وردت بينهما "كان" فإنها تكون حينئذٍ زائدة، وهذا الرأي أوجه الآراء التي دارت حول هذا الموضوع، مما لا داعي لذكره هنا. على أنه ينبغي أن يفهم أن المقصود "بالتلازم" هو وجود الصلات النحوية بين الشيئين المتلازمين، مما لا يترتب عليه بالضرورة وجودهما متواليين في الكلام، فالفعل والفاعل مثلا متلازمان بهذا الاعتبار، وإن لم يكن من اللازم مجيئهما متواليين، تقول مثلا: "يستفيد العاقل من الأحداث" أو "يستفيد من الأحداث العاقل". ومما ورد من زيادتها الشواهد التالية: - قول العرب "ولدتْ فَاطمةُ بِنتُ الخُرْشُبِّ الأنماريَّةُ الكَمَلَةَ من بني عَبْس: لم يوجد -كان- أفضل منهم". - قول الشاعر: أبا خالدٍ ما كان أدْهَى مصيبة ... أصابت مَعَدًّا يوم أصبحتَ ثاوِيَا1   1 ثاويا: المقيم بالمكان إقامة طويلة، ويطلق على الميت، والبيت في الرثاء الشاهد: قوله: "ما كان أدهى مصيبة" حيث جاءت "كان" زائدة بين "ما" التعجبية وفعل التعجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 - قول الآخر: سَرَاةُ بني أبي بكرٍ تَسَامَى ... عَلَى كان المسَوّمةِ العِرَابِ1 - من الشواهد التي اختلف حولها الرأي قول الفرزدق: فكيف إذا مررتَ بدارِ قوم ... وجيرانٍ لنا كانوا كرَامِ2 وتوضيح الرأي في ذلك كما يلي: 1- أن "كان" هنا ناقصة وليست زائدة؛ لأنه لم يتحقق فيها صفة الزيادة من تجردها من الإسناد، بل هي مسندة إلى واو الجماعة، وبذلك تكون "واو الجماعة" اسمها والجار والمجرور "لنا" خبر مقدم، والجملة كلها صفة لكلمة "جيران" وجاءت بعدها صفة أخرى هي كلمة "كرام"، وهذا رأي وجيه. 2- أن "كان" هنا زائدة -مع إسنادها لواو الجماعة- بين الصفة   1 سراة جمع "سري" وهو الشريف النبيل، تسامى: تعلو وتركب المسومة: التي لها علامة يعرف بها أصحابها، العراب: نوع من الخيول الأصيلة. المعنى: إن هؤلاء الأشراف من "بني بكر" فرسان يركبون خيولا أصيلة عربية خاصة بهم. الشاهد: قوله "على كان المسومة العراب" حيث جاءت "كان" زائدة بين الجار والمجرور. 2 الشاهد في البيت -كما هو موضح في الأصل- أن "كان" ناقصة لا زائدة وأن جملة "كانوا لنا" في محل جر صفة؛ لأن "كان" أسندت لواو الجماعة، ورأي آخر أن "كانوا" كلها زائدة مع إسنادها لواو الجماعة، والجار والمجرور "لنا" صفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 والموصوف، والذي يفهم من هذا الرأي أن الجار والمجرور "لنا" صفة لكلمة "جيران" وأن "كانوا" كلها زائدة مع إسنادها لواو الجماعة وكلمة "كرام" صفة أخرى، وهذا فيما أرى توجيه مرجوح. حذف "كان" مع اسمها: لاحظ الأمثلة الآتية: - تتوالى الحروبُ في الدنيا إنْ حقًّا وإنْ باطلا. - ويذكر المتحاربون دائمًا أسبابا لحربِهم إن صِدقًا وإن كذِبًا. حذفت كان واسمها بعد "إنْ". - وفي بعض الظروف تَصير الحربُ ضرورةً ولو صعبةً. - ففي سبيل الحرّيَّة يهونُ ما يُبْذَلُ ولو أرْواحًا. حذفت كان واسمها بعد "لو". باستقراء الأساليب العربية وجد أن "كان واسمها" يحذفان من الكلام إذا تقدم عليهما إحدى أداتي الشرط "إن، لو" ففي المثال الأول "تتوالى الحروبُ في الدنيا إنْ حقًّا وإنْ باطلا" تقدير الكلام "إن كانت الحروب حقا وإن كانت الحروب باطلا"، وفي المثال الأخير "ففي سبيل الحرية يهون ما يبذل ولو أرواحا" تقدير الكلام "ولو كان المبذول أرواحا". وهذا الحذف -بعد هاتين الأداتين- جائز لا واجب، بمعنى أنه يمكن أن تنطق الجملة كاملة دون حذف -وهذا هو الأصل- كما يمكن نطقها بالحذف وهذا خلاف الأصل، فمثلا إذا قلنا "تقبَّل النُّصحَ ولَوْ مُرًّا" يمكن أن نقول "تقبلْ النّصحَ ولو كان النُّصحُ مُرًّا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وقد ورد من ذلك الشواهد التالية: - قول الرسول: "لا يتمنّى أحدُكم الموتَ إمّا مُحسِنًا فَلَعَلَّه يزدادُ، وإمّا مُسِيئا فلعلّه يَسْتَعْتِبُ" 1. - قول الرسول عن المهْر في الزّواج: "انظر ولو خاتمًا من حديد" 2. - قول النعمان بن المنذر: قد قيلَ ما قيلَ إنْ صِدْقًا وإن كَذِبًا ... فما اعتذارُكَ من قولٍ إذا قيلا3 - قول الشاعر: انطِقْ بحقٍّ وإنْ مستخرِجًا إحَنًا ... فإنّ ذا الحقِّ غلّابٌ وإن غُلِبَا4   1 البخاري ج9 ص84. 2 صحيح البخاري ج7 ص7. 3 الشاهد: في قوله: "إن صدقا وإن كذبا" حذف كان واسمها بعد "إن الشرطية" وتقدير الكلام "إن كان القول صدقا وإن كان القول كذبا". 4 الإحن: جمع إحنة، وهي الحقد والغضب. يقول: قل الحق وإن أغضب الناس وأغاظهم منك، فالحق قوي وأنت منتصر في النهاية وإن غلبت في البداية!! الشاهد: في "وإن مستخرجا إحنا" إذ حذفت كان واسمها بعد "إن" والتقدير "وإن كنت مستخرجا إحنا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 - قول الآخر: لا يأمنُ الدّهرَ ذو بغْيٍ ولو مَلِكًا ... جنودُه ضاق عنها السَّهْلُ والجبلُ1 هذا.. وقد أوردت كتب مسائل النحو صورة أخرى للحذف، وهي حذف "كان" وحدها دون اسمها وخبرها. قال ابن هشام بالنص: وكثر ذلك بعد "أن" المصدرية في مثل "أمَّا أنت منطَلِقًا انطلقتُ" أصله "انطلقتُ لأن كنتَ منطلقا" ثم قدمت اللام وما بعدها على "انطلقت" للاختصاص، ثم حذفت اللام للاختصار، ثم حذفت "كان" لذلك، فانفصل الضمير، ثم زيدت "ما" للتعويض، ثم أدغمت النون في الميم للتقارب ا. هـ. والحق أن هذه الكلام السابق -بما فيه من تقديم وتأخير وحذف وزيادة وإدغام- صناعة ذهنية مجهدة، هدفها تسويغ حذف "كان" في مثل هذا الأسلوب، وإن كانت اللغة -وهي أسلوب التعبير السَّلِس- تبرأ تماما من تلك الصناعة النحوية. والذي أراه -إن لم يجانبي الصواب- أنه لا حذف في هذا الأسلوب   1 البغي: الظلم والطغيان. الشاهد: في "ولو ملكا" حيث حذفت كان واسمها بعد "لو" والتقدير "ولو كان الباغي ملكًا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وإعرابه كالآتي: أمَّا: حرف شرط وتفصيل، أنت مبتدأ، منطلقا حال، انطلقت جملة فعلية في محل رفع خبر، والعائد محذوف تقديره "أمَّا أنت منطلقا انطلقتُ مثلك". وهذا الإعراب السابق يتوافق مع إعرابه جملة "أما" في صورها اللغوية، فهو أمر لا جديد فيه، ولكنه مريح من عناء التصور الذهني المجهد للأسلوب الذي معنا. حذف نون "كان": تحذف "نون كان" من الفعل تخفيفا اذا اجتمع لجملتها الصفات التالية: أ- أن تكون بلفظ المضارع "أكون، يكون، تكون، نكون". فلا تحذف نون الماضي ولا الأمر ولا غيرهما من الصيغ التي ترد منها. ب- أن يكون المضارع مجزوما، فلا تحذف إذن من المضارع المرفوع أو المنصوب. ج- أن يكون المضارع مجزوما بالسكون مثل "لم يكن" فإن كان من الأفعال الخمسة، لا تحذف نون الفعل؛ لأن جزمه -كما سبق- بغير السكون. د- أن يكون الحرف الذي يلي النون حرفا متحركا، فإن وليها ساكن لا تحذف نون الفعل. هـ- ألا يكون الفعل متصلا بضمير نصب متصل فإن اتصل به هذا الضمير لا تحذف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 هذه الصفات المتعددة إذا اجتمعت في جملة الفعل الناسخ "يكون" صح حذف نونه من الكلام، وهو حذف جائز لا واجب، فإنه يصح أيضًا ذكرها وإن اجتمعت كل هذه الصفات التي ذكرها قطر الندى في عبارة واحدة هي "وحذف نون مضارعها المجزوم بالسكون إن لم يلقها ساكن ولا ضمير نصب متصل" ومن ذلك قول القرآن: {قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيّاً} 1، وقول علقمة: ذهبتَ منَ الهِجْرانِ في كل مَذْهَبِ ... ولم يكُ حقًّا كلُّ هذا التجَنّبِ2 ومنه قول المتنبي: ومن يكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مريضٍ ... يجدْ مُرًّا به الماءَ الزّلَالَا3   1 الآية 20 من سورة مريم. 2 الشاهد: في "لم يك حقا كل هذا التجنب" حيث حذفت نون "يكن" تخفيفا، لاستيفاء الشروط. 3 البيت حكمة تقال لكل شخص اصطبغت نظرته للناس والأشياء صبغة خاصة، فكل شيء أمامه خاضع لنظرته، تماما كصاحب الفم المريض المر يجد مذاق كل شيء مرا. موضع التمثيل: في "من يك ذا فم مر مريض" حيث حذفت نون "يكن" لاستيفائها الشروط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 الحروف النافية الناسخة : ما، لا، لات 1- ما: في لغة الحجازيين نثرا وشعرا "وصف جملتها، شروط عملها" 2- لا: في لغة الحجازيين نثرا وشعرا "وصف جملتها، شروط عملها" 3- لات، في اللغة المشتركة عامة نثرا وشعرا "وصف جملتها، شروط عملها" تمهيد: الأصل في الحروف الثلاثة "ما، لا، لات" -وبخاصة الأولين منها- أن تستعمل مع الجملة الفعلية والاسمية جميعًا، تقول: "لا يجبنُ قلبُ المؤمن وما يخافُ إلا الله" وتقول: "ما المؤمنُ جبانٌ ولا كبيرَ عنده إلا الله" فإذا دخلت على الجملة الفعلية، أفادت معنى النفي فقط دون تغيير في وظائف كلماتها النحوية، أما إذا دخلت على الجملة الاسمية -المبتدأ والخبر- اختلف الأمر إذ تتغير وظائف ركنيها برفع المبتدأ ونصب الخبر -كما هو واضح في دراستنا هنا- أو نصب المبتدأ ورفع الخبر كما سيأتي في "لا" النافية للجنس، لكن هذا التغيير يحدث في الجملة الاسمية مع هذه الحروف في المناخ الآتي: أولا: أنه نطق للفصحى في لغة بعض القبائل دون البعض الآخر، أو في لغة القبائل جميعًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 ثانيا: أنه لا بد من توافر صفات خاصة -شروط- لتغيير جملة المبتدأ والخبر معها. وإليك هذه الحروف الثلاثة مراعى في عرض كل منها الجانبان السابقان ما: الحجازية -ما المخلصُ مضاعًا وإن تأخّر جزاؤه. -وما الغشاشُ ناجيا وإن تأخّر عقابه. نطق الحجازيين. - ما المخلصُ مضاعٌ وإن تأخر جزاؤه. - وما الغشَّاشُ ناجٍ وإن تأخر عقابه. نطق التميميين. اختلف العرب الفصحاء في نطق الفصحى حين تستعمل "ما" النافية مع الجملة الاسمية، إذ نطقها أهل الحجار بطريقة خاصة، ونطقها بنو تميم بطريقة أخرى، ونقل إلينا وصف كلا النطقين على التفصيل التالي: أهل الحجاز: يرفعون الاسم بعدها وينصبون الخبر، وبذلك تكون الجملة معها مماثلة تمامًا لها مع الفعل"ليس" فهي إذن حرف ناسخ يرفع بعدها الاسم، وينصب الخبر، كما أن "ليس" فعل ناسخ يرفع بعده الاسم وينصب الخبر، ومن ذلك: - قرأ الحجازيون الآيتين {مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} 1 وكذلك: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ} 2 برفع المبتدأ ونصب الخبر.   1 من الآية 31 سورة يوسف. 2 من الآية 2 سورة المجادلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 - قول الشاعر ينذر قومه بجيش مهاجم: وأنا النّذيرُ بحَرَّةٍ مُسْوَدَّةٍ ... تصلُ الجيوشُ إليكم أقوَادَهَا أبناؤها متَكنِّفون أباهم ... حَنِقُو الصُّدورِ، وما هم أولادَهَا1 أما بنو تميم: فإنهم يبقون الجملة على ما كانت عليه قبل دخول "ما" فتبقى جملة من مبتدأ وخبر، وكلاهما مرفوع، والذي أفادته "ما" هو معنى النفي فقط، وقد قرئت الآيتان السابقتان على لغتهم هكذا: "مَا هَذَا بَشَرٌ" و"مَا هُنَّ أُمَّهَاتُهِمْ" برفع الكلمتين "بَشَرًا، أُمَّهَاتِهِمْ" التزاما للغتهم في القراءة. لكن أهل الحجاز لا ينطقون برفع الاسم ونصب الخبر إلا إذا استوفت الجملة صفات خاصة من أهمها ما يلي:   1 النذير: الذي يخبر خبر السوء، حرة: أصلها الأرض ذات الحجارة السود، ومن ذلك "حرة المدينة" والمقصود هنا: الكتيبة المغيرة لكثرة ما تحمل من الحديد، أقوادها: جماعاتها، أبناؤها: فرسان الكتيبة، أباهم: قائدهم، حنقو الصدور: غاضبون. يقول: إني أنذركم بكتيبة مسلحة، رجالها جماعات كثيرة، ملتفون حول قائدهم، قد امتلأت صدورهم غيظًا منكم. الشاهد: في "ما أولادها" حيث رفعت "ما" الاسم وهو الضمير المنفصل، ونصبت الخبر وهو "أولادها" على لغة الحجازيين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 1- أن يتقدم الاسم ويتأخر الخبر، بأن تأتي الجملة بعدها على الترتيب الأصلي -كما هو واضح في الأمثلة السابقة- فإن تقدم الخبر على المبتدأ بعدها أهملت "ما" وأفادت النفي فقط، ومن تقديم الخبر معها ما مر من قول العرب: "ما مسيءٌ من أعْتَبَ" وقول الشاعر: وما خُذَّلٌ قَوْمِي فأخضعَ للعِدا ... ولكن إذا أدعوهُمُ فَهُمُ هُمُ1 2- ألا يقترن الاسم بالحرف "إنْ: الزائدة" فإن جاء هذا الحرف مع الاسم أهملت "ما" وكانت حرف نفي فقط، والجملة بعدها مبتدأ وخبر مرفوعان، كقول الشاعر: بني غُدَانَةَ ما إنْ أنتم ذَهَبُ ... ولا صَرِيفٌ ولكن أنتم الخَزَفُ2 3- ألا يقترن الخبر بالحرف "إلا" فإن اقترن به أهملت أيضًا، ورفع المبتدأ والخبر، ومن ذلك قول القرآن: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} 3. هذا، وهناك غير هذه الشروط -مما ذكره النحاة- فأوصلها بعضهم إلى   1 الشاهد: في "ما خذل قومي" حيث تقدم الخبر على الاسم، ولذلك عادت الجملة إلى باب المبتدأ والخبر، وأفادت "ما" النفي فقط. 2 الصريف: الفضة الخالصة. الشاهد: في "ما إن أنتم ذهب" حيث اقترن الاسم "بإن" الزائدة، ولذلك أهملت "ما" وعادت الجملة إلى باب المبتدأ والخبر. 3 من الآية 144 من سورة آل عمران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 ستة شروط، وكذلك هناك نقاش واستدراكات حول هذه الصفات الثلاث السابقة مما لا داعي لإيراده هنا، إذ كل ذلك جهد ذهني موضع أخذ وردّ لا غناء فيه، ولا ضرر في تركه. لا في لغة الحجازيين: جاء في ابن عقيل نصا: أما "لا" فمذهب الحجازيين إعمالها عمل "ليس" ومذهب تميم إهمالها. ا. هـ. ومعنى ذلك أن هذا الحرف "لا" الذي يفيد النفي نطقه العرب مع الجملة الاسمية على النحو التالي: أهل الحجاز: ينطقون معها المبتدأ مرفوعا، والخبر منصوبا، فتكون الجملة معها مثل "ليس" تماما، تقول: "لا أحدٌ مفضلًا على أحد أمام عدل الله" وتقول: "لا المجدُ بعيدًا عن تناول المجتهد ولا هو قريبًا من يد المهمل". أما بنو تميم: فإنهم قد نطقوا المبتدأ معها مرفوعا، وكذلك الخبر، فهي لا تفيد إلا معنى النفي فقط، والجملة بعدها على ما كانت عليه -مبتدأ وخبر مرفوعان- فينطق على لغتهم: "لا أحدٌ مفضلٌ على أحدٍ أمام عدل الله" وكذلك "لا المجدُ بعيدٌ عن تناول المجتهد ولا هو قريبٌ من يد المهمل". ولكن أهل الحجاز لا ينطقون برفع الاسم بعدها ونصب الخبر إلا إذا توافرت لجملتها الصفات التالية: 1- أن يكون الترتيب في الجملة الاسمية بعدها واردًا على الأصل: المبتدأ أولا والخبر ثانيًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 2- ألا يقترن الخبر بالحرف "إلّا" وهي في هذين الشرطين تتفق مع ما ذكر للجملة التي فيها الحرف "ما" أما الشرط الثالث هناك وهو ألا يقترن الاسم "بإنْ: الزائدة" فلا موضع له هنا؛ لأن اللغة الفصحى لم تستعمل ذلك مع "لا". 3- هناك اتجاه بين النحاة من رأيه أن الاسم والخبر يجب أن يكونا نكرتين، كقول الشاعر: تعزَّ فلا شيءٌ على الأرض بَاقِيَا ... ولا وَزَرٌ مما قضى اللهُ وَاقِيَا1 وهناك اتجاه آخر لا يقيد الاسم والخبر بتلك الصفة -أن يكونا نكرتين- فقد يأتيان معرفتين أو مختلفين، وهذا رأي له وجاهته التي يؤيدها الاستعمال، ومن ذلك قول النابغة الجعدي: بدتْ فِعْلَ ذي وُدٍّ فلما تبعتُها ... تولَّتَ وبقَّت حاجتي في فؤاديا   1 الوزر: جاء في القاموس: هو الجبل المنيع وكل معقل والملجأ والمعتصم ا. هـ. الشاهد: في كلا الشطرين حيث جاء مع الحرف "لا" الاسم مرفوعا والخبر منصوبًا، في الشطر الأول الاسم "شيء" والخبر "باقيا" وفي الشطر الثاني الاسم "وزر" والخبر "واقيا" وكل من الاسم والخبر نكرتان، وهذا اتجاه للنحاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وحلَّت سَوَادَ القَلب لا أنا بَاغِيَا ... سواها ولا عن حبّها متراخِيا1 لَاتَ: في اللغة المشتركة عامة لاحظ الأمثلة الآتية: يندمُ الظَّالِمُ يوم القيامة ولات حينَ ندمٍ. وإنه ليأسَفُ على ما فات ولات ساعةَ أسفٍ. ويحاولُ الاعتذارَ عن ظلمه ولات أوانَ اعتذارٍ. كلمة "لات" تفيد أيضا النفي، فهي مثل "لا" وإن كانت تختلف عنها في أنه متصل بها التاء لتأنيث اللفظ أو المبالغة، ومثلها في ذلك "رُبَّتَ، ثُمَّتَ". وهذه الكلمة تستعمل في الأساليب العربية التي تدل على الأسى والأسف لشيء فات أوانه ولا يمكن إرجاعه، فتفيد هذا المعنى السابق كله عن طريق نفي الزمن المضاف للحدث الذي فات أوانه. هذا هو معنى جملتها التي ترد فيها في النثر أو الشعر في اللغة المشتركة لدى جميع قبائل العرب، وحينئذٍ تكون جملتها على الصفتين التاليتين:   1 يقول: قصتي إغراء ومنع وعذاب، لقد أظهرت لي الود، فاستجبت لها، فتمنعت وأبقتني في لهفة، فحبها عذاب مستعر!! لا أستطيع التخلص منه بتركها إلى غيرها، ولا أستطيع تهدئته بوصلها. الشاهد: في "لا أنا باغيا" حيث عملت "لا" فرفعت الاسم ونصبت الخبر واسمها الضمير المنفصل "أنا" وخبرها "باغيا" واسمها معرفة، وهذا اتجاه أختاره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 1- أنها تستخدم مع ثلاث كلمات هي "الحين، الساعة، الأوان" غالبا، وهذه الكلمات من ألفاظ الزمن، وتكون معها مضافة للحدث الذي فات أوانه. 2- هذه الكلمات الثلاث تكون منصوبة غالبا على أنها خبر "لات" والاسم محذوف، ويمكن أن تكون مرفوعة على أنها اسم "لات" والخبر محذوف، والأول هو الأكثر في الاستعمال. - في القرآن: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} 1. قرئت كلمة "حِينَ منصوبة، فهي الخبر، والاسم محذوف، وقرئت مرفوعة فهي الاسم والخبر محذوف. - قول الشاعر: نَدِمَ البُغَاةُ ولاتَ ساعةَ مَنْدَمِ ... والبغْيُ مَرْتَعُ مُبتغيه وَخِيمُ2 وردت الرواية بنصب كلمة "ساعة" على أنها الخبر، والاسم محذوف   1 من الآية 3 من سورة ص. 2 البغاة: جاء في القاموس "بغى عليه يبغي" علا وظلم وعدل عن الحق واستطال وكذب، والبغاة: هم من يجمعون كل هذه الصفات الذميمة، مرتع: اسم مكان الرعي، وخيم: ضار رديء، والمقصود أن نتائج البغي رديئة ضارة. الشاهد: في "لات ساعة مندم" فإن اسم "لات" محذوف، وخبرها كلمة "ساعة" وقد رويت منصوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 كاد وأخواتها: أفعال المقاربة 1- أفعال هذا الباب "اسمها، عددها، صيغها" 2- المعاني التي ترد لها هذه الأفعال "المقاربة، الرَّجاء، الشروع" 3- وصف الجملة التي ترد فيها هذه الأفعال نحويًّا 4- اقتران خبرها بالحرف "أن" أو تجرده منها 5- ما تختص به "عسى" من الأحكام وهي: أ- الرأي في اعتبار الكلمة من الأفعال أو الحروف ب- شكل وسطها -السين- حين اتصالها بضمائر الرفع المتحركة ج- استعمالها تامة "يشاركها في ذلك: أوشك، اخلولق" أفعال الباب: كادت الرّوايةُ تقطعُ أنفاسَ النَّظَّارة لقوة تأثيرها. وعسى بعضُ المشاهدين أن يكرّرَ رؤيتها مرة أخرى. وبعد أن انصرف الحاضرون أخذ الآخرون يتزاحمون للدخول. قال ابن هشام: أفعال المقاربة، وهذا من باب تسمية الكل باسم الجزء، كتسميتهم الكلام كلمة ا. هـ. ومعنى ذلك أنه يطلق على هذا الباب اسم "أفعال المقاربة" حيث يغلب إطلاق هذا المصطلح على أفعال هذا الباب كلها مع أنها ليست كلها -كما سيأتي- للمقاربة، بل إن أفعال المقاربة جزء منها فقط، فإطلاق هذا الاسم على كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 أفعال الباب من باب إطلاق الجزء على الكل كما قال ابن هشام، ومنعا لهذا اللبس جاءت في بعض كتب النحو تحت عنوان: "كاد وأخواتها" وهذا أسلم. وأشهر أفعال هذا الباب ثلاثة عشر فعلا هي: "كَادَ، كَرَبَ، أوْشَك، عَسَى، حَرَى، اخْلَوْلَقَ، أنشَأ، أخَذَ، جَعَلَ، طَفقَ، عَلِقَ، هَلهلَ، هبَّ". والحق أن هذه الأفعال لا تنحصر في هذه المذكورة؛ لأن أفعال الشروع كثيرة ومنها مثلا "بدأ، شرع، استهل" إلخ، من كل ما يدل على الشروع والبدء في شيء ما، فذكر هذه الأفعال الثلاثة عشرة لشهرتها وكثرة دورانها على الألسنة فقط. أما من حيث التصرف وعدمه فقد دار حوله حديث طويل -سواء من حيث تحديد الأفعال التي تتصرف أم كيفية تصرفها- وأهم ما يؤخذ من هذا الحديث الأمران الآتيان: أ- أن معظم أفعال هذا الباب تلتزم الماضي، فهي أفعال جامدة لا تتصرف. ب- الفعلان "كاد، أوشك" يتصرفان تصرفًا ناقصًا، فيأتي من الأول المضارع "يكاد" ويأتي من الثاني المضارع واسم الفاعل "يوشك، موشك" قال القرآن: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} 1 ومن ذلك قول أمية بن أبي الصلت:   1 من الآية 35 من سورة النور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 يُوشِكُ مَنْ فَرَّ من مَنِيَّتِه ... في بعض غِرَّاتِه يُوَافِقُها1 وقول كثير عزة مشبِّبا بإحدى الجواري واسمها "غاضرة": فإنكَ موشكٌ أن لا تراها ... وتعدُو دونَ غَاضِرَة العَوَادِي2 وقول أبي سهم الهذلي: فموشِكَةٌ أرضُنا أن تعودَ ... خلافَ الأنيس وُحُوشًا يَبَابَا3 المعاني التي ترد لها هذه الأفعال: كاد الليل ينقضي، وأوشك الفجرُ يطلع. "تفيد مقاربة الاسم للخبر".   1 المنية: الموت، غراته: "الغرة" الغفلة والمقصود هنا: المفاجأة. يقول: لا يغني حذر من قدر، فمن فر من الموت قد يلاقيه من حيث لا يتوقع. الشاهد: استعمال المضارع من الفعل "أوشك" فجاء به "يوشك" وله ما للماضي مع الاسم والخبر. 2 العوادي: العوائق. الشاهد: في "موشك" حيث جاء اسم الفاعل من "أوشك" وله ما للماضي مع الاسم والخبر. 3 خلاف الأنيس: بعد الأنس، وحوشا: جمع "وحش" ويقال: أرض وحش: خالية، يباب: خراب. الشاهد: في "موشكة" إذ استعمل اسم الفاعل من "أوشك" فله في الجملة ما للماضي مع الاسم والخبر، فاسمها "أرضنا" وخبرها جملة "أن تعود". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 - عسى السحابُ أن يتكاثف. - واخلولقت السماءُ أن تمطر. رجاء المتكلم تحقق الخبر. - لقد تحقق الرجاء. - أخذت الرياح تشتد. - وجعل المطر يهطل. تفيد شروع الاسم في القيام بالخبر. تنقسم أفعال هذا الباب باعتبار معانيها التي ترد لها إلى أنواع ثلاثة هي: أفعال المقاربة: وهي ثلاثة "كاد، كرب، أوشك". وتفيد هذه الأفعال في جملتها مقاربة الاسم للخبر، أي أن نسبة الخبر للاسم قريبة الحدوث وإن لم تحدث فعلا، وأن وصول الاسم إلى معنى الخبر يدنو من التحقق، ومن ذلك ما ينسب إلى عَلِيّ "ض": "كاد الفقرُ أنْ يكونَ كفرًا". أفعال الرجاء: وهي ثلاثة "عسى، حرى، اخلولق". وتفيد ترجي المتكلم تحقق الخبر للاسم، فالرجاء إذن من المتكلم وإن كان المرجو هو تحقق الخبر للاسم والرجاء يقصد به -كما يقال- طلب الأمر المحبوب الممكن الحدوث، قال القرآن: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} 1. أفعال الشروع: وهي -كما ذكر ابن هشام- كثيرة، ومن أشهرها "أنشأ، أخذ، جعل، طفق، علق، هلهل، هب".   1 من الآية 52 من سورة المائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وتفيد هذه الأفعال شروع الاسم في القيام بالخبر، أي بدء الاسم في إنجاز أمر من الأمور -عملا أو قولا أو إحساسا- مما يدل عليه الخبر تقول: "أنشأ الشاعرُ ينشدُ شعره، وأخذ الجمهورُ يصغي إليه، وهبَّ يصفّقُ له بعد النهاية". هذا ... وقد جاء في شذور الذهب تعليقًا على أفعال هذا الباب قوله: "هلهل، هب" أغرب أفعال الشروع و"طفق" أشهرها، وهي التي وقعت في التنزيل في قول القرآن: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} 1 وقوله: {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ} 2 ا. هـ. وجاء فيه أيضا: ولا أعرف من ذكر "حرّى" من النحويين غير "ابن مالك" وتوهم "أبو حيان" أنه وهم فيها، وإنما هي "حرى" بالتنوين اسمًا لا فعلا، وأبو حيان هو الواهم، بل ذكرها أصحاب كتب الأفعال من اللغويين. وأنشدوا عليها شعرا، وهو قول الأعشي: إن يقلْ هُنَّ من بني عبد شمس ... فحرَى أن يكون ذاك وكانا. ا. هـ ويتلخص مضمون هذا التعليق في أمور ثلاثة: 1- أن الفعلين "هلهل، هب" فيهما غرابة، ويبدو أن أساس هذه الغرابة هو الاستعمال، فهما غير مستعملين بكثرة في معنى الشروع.   1 من الآية 22 من سورة الأعراف. 2 من الآية 23 من سورة ص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 2- أن الفعل "طفق" -بفتح الفاء وكسرها- له شهرة يبدو أنها أيضا ترجع إلى استعماله في الشروع، مما أيده القرآن بوروده فيه مرتين. 3- أن الفعل "حرى" مختلف فيه بين الاسمية والفعلية، والمرجح أنه فعل يفيد معنى الرجاء. وصف الجملة التي ترد فيها هذه الأفعال: كاد اليأسُ ينقلبُ إلى قنوط. وأوشك الصبرُ أن يتحول إلى جزع. وعسى اللهُ أن يتداركَ الأمر بحكمته. "كاد وأخوتها" أفعال ناسخة ناقصة، يأتي الاسم بعدها مرفوعا والخبر منصوبا، فهي تماثل "كان وأخوتها" في الصفتين السابقتين، في أنها ناسخة ترفع الاسم وتنصب الخبر، وأنها ناقصة لا تكتفي بالاسم المرفوع بعدها. وقد كان من الممكن -ما دام الأمر كذلك- أن تدرس في موضع واحد من "كان وأخوتها" وهذا حق!! لكنها أفردت بباب مستقل نظرا لاختصاص خبرها بطريقة متفردة يأتي عليها -سيأتي شرحها- ومن أجل ذلك درست وحدها، فهي كما يقول ابن هشام نصا: "ولولا اختصاص خبرها بأحكام ليست لكان وأخواتها، لم تنفرد بباب على حدة" ا. هـ. وتتكون الجملة التي ترد فيها هذه الأفعال مما يلي: أ- الفعل الناسخ، سواء أكان من أفعال المقاربة أم الرجاء أم الشروع. ب- الاسم، ويكون بعدها مرفوعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 ج- الخبر، ولا بد أن تجتمع له صفات خاصة يجمعها خاصة يجمعها كلها عبارة واحدة هي: "أن يكون جملة فعلية، فعلها مضارع، رافعا لضمير الاسم السابق مقترنا "بأن" أو مجردًا منها". فالخبر مع هذه الأفعال الناسخة ذو صفات خمس هي على التوالي: 1- جملة 2- فعلية 3- فعلها مضارع 4- يرفع ضميرا يعود على الاسم 5- يتقدم عليه "أن" أو يتجرد منها على التفصيل الذي سيأتي بعد ذلك في الفقرة التالية، كما يلاحظ تحقق ذلك في كل الأمثلة السابقة. هذا هو الأصل في الخبر، ومع ذلك وردت بعض الشواهد التي لا تتحقق فيها بعض الصفات السابقة، فقد خرجت عن هذا الأصل، فحكم عليها بالشذوذ، ومن أهمها: - قول العرب "عسى الغُوَيْرُ أبْؤُسًا"، وهو مثل عربي يضرب لكل ما يخشى منه الشر1. - قول تأبّط شرًّا: فأبْتُ إلى "فَهْمٍ" وما كدتُ آئبا ... وكم مثلِها فارقتُها وهي تَصْفِرُ2   1 الغوير: تصغير "الغار"، والأبؤس جمع "بأس، أو: بؤس" وأصله أن قومًا كانوا في غار، فانهار عليهم. 2 أبت: عدت، فهم: اسم قبيلة الشاعر، كم مثلها: يقصد القبيلة التي كانت تطارده، وهي تصفر: تتحسر وتأسف. يقول: لقد عدت لقبيلتي "فهم" بعد أن أشرفت على الهلاك وعدم العودة وكثير من القبائل المطاردة فررت منها، وتركتها تتحسر وتأسف؛ لأنها لم تتمكن مني. الشاهد: في "ما كدت آئبا" فقد جاء خبر "كاد" مفردًا، وهو كلمة "آئبا" وهذا خلاف الأصل، فالأصل أن يكون جملة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 فالخبر في هذين الشاهدين مفرد، وهو في المثل "أبؤسا"وفي البيت "آئبا". - قول ابن عباس: فجعل الرجلُ -إذا لم يستطع أن يخرجَ- أرسلَ رسولا: فالخبر جملة فعلية فعلها ماض وهي "أرسل رسولا". - قول ذي الرمة: وقفتُ على ربْعٍ لِمَيَّةَ ناقتي ... فما زلتُ أبكي عنده وأخاطِبُهْ وأسقيه حتى كاد ممَّا أبُثُّه ... تكلمني أحجارُه ومَلاعِبُه1 فالخبر جملة "تكلمني أحجاره وملاعبه" وهي فعلية فعلها مضارع لكن لم يرفع ضمير الاسم السابق. فهذه النصوص خرجت عن المسلك العام لصفات الخبر لأفعال هذا الباب، لذلك حكم عليها -كما سبق- بالشذوذ. اقتران الخبر "بأن" أو تجرده منها هذا الموضوع يتفرع عن الموضوع السابق مباشرة، حيث يلتزم في خبر "كاد وأخواتها" صفات خاصة، ومنها أنه قد يقترن بالحرف "أن" أو يتجرد منها، وهنا بيان ذلك بالتفصيل الآتي:   1 الربع: الدار، مية: اسم الحبيبة، أبثه: أشكو له حزني. الشاهد: في "كاد تكلمني أحجاره وملاعبه" فإن خبر كاد جملة "تكلمني أحجاره وملاعبه" وهي لا تحمل ضمير الاسم، وهذا خلاف الأصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 1- ما يصح اقتران خبره "بأن" أو تجرده منها، والأفصح هو التجرد، وذلك فعلان "كاد، كرب" وهما من أفعال المقاربة. ومن الأفصح قول القرآن: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} 1، وقول الشاعر: كَرَبَ القلبُ من جَوَاهُ يذوبُ ... حين قال الوُشَاةُ هندٌ غَضُوبُ2 ومن الأقل فصاحة ما ينسب إلى جبير بن مطعم: "كاد قلبي أن يطير" وما نسب للإمام عَلِيّ من قوله: "كاد الفقرُ أن يكون كفرا". 2- ما يصح في خبره الاقتران بالحرف "أن" والتجرد منها، والأفصح هو الاقتران، وذلك فعلان "أوشك، عسى"، وأولهما من أفعال المقاربة والثاني من أفعال الرجاء. ومن الأفصح في الاستعمال قول القرآن: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} 3. وقول الشاعر: أيا مالكٍ لا تسأل النَّاسَ والْتَمِسْ ... بكفَّيك فضلَ اللهِ واللهُ أوسعُ   1 من الآية 71 من سورة البقرة. 2 الجوى: شدة الشوق، الوشاة: الساعون بين الناس بالإفساد. الشاهد: "كرب القلب من جواه يذوب" فإن خبر "كرب" جملة "يذوب" ولم تقترنْ بالحرف "أن" وهذا هو الأفصح فيها. 3 من الآية 8 سورة الإسراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 ولو سُئِلَ النّاسُ التّرابَ لأوشكوا ... إذا قِيل هَاتُوا أن يمَلُّوا ويمنعُوا1 ومن الأقل فصاحة قول الشاعر: عليكَ إذا ضاقتْ أمورُكَ والتوتْ ... بصبرٍ فإن الضيقَ مفتاحُه الصبرُ ولا تشكُوَنْ إلا إلى الله وحده ... فَمِنْ عنده تأتي الفوائدُ واليُسْرُ عسى فرجٌ يأتي به اللهُ إنَّه ... له كلّ يومٍ في خليقته أمرُ2 3- ما يجب في خبره الاقتران "بأن" وذلك فعلان "حرى، اخلولق" وهما بقية أفعال الرجاء. تقول: "حرَى الرياح أن تهب" ومن أمثلة سيبويه "اخلولقتْ السّماءُ أن تُمطر".   1 لا تسأل الناس، بل اسأل الله، فالله كريم معطاء، والناس حريصون بخلاء، فلو سئلوا التراب لمنعوه. الشاهد: في "أوشكوا أن يملوا ويمنعوا" فقد اقترن الخبر بالحرف "أن" وهذا هو الكثير في خبر "عسى". 2 الصبر مفتاح الفرج، ولا شكوى إلا لله في هاتين العبارتين مضمون الأبيات الثلاثة. الشاهد: في البيت الأخير "عسى فرج يأتي به الله" حيث جاء خبر "عسى" جملة فعلية "يأتي به الله" ولم يقترن بالحرف "أن" وهذا قليل في اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 4- ما يجب في خبره أن يتجرد من "أن" وذلك أفعال الشروع كلها، سواء في ذلك ما ذكر منها هنا -في هذا الباب- أو ما لم يذكر، ومن ذلك قول الشاعر: أراكَ عَلِقْتَ تظلمُ من أجَرْنا ... وظُلْمُ الجارِ إذلالُ المجيرِ1 وقول الآخر: هببتُ ألُومُ القلبَ في طاعةِ الهوى ... فلجَّ كأنِّي كنت باللَّوْمِ مُغْرِيَا2 ما تختص به "عسى" من الأحكام: تفردت كلمة "عسى" -دون أفعال الباب- ببعض المباحث الجانبية وهي ثلاثة: أ- نوع كلمتها "اسم، فعل، حرف"   1 علقت: بدأت، أجرنا: حميناه. الشاهد في "علقت تظلم" فإن الفعل "علق" من أفعال الشروع، وخبره جملة فعلية "تظلم من أجرنا" وتجردت من "أن". 2 لج: زاد في الخصومة والعناد. يقول: الهوى غلاب، فحين لمت قلبي على هواه، زاد في عناده ومناه فكأنني لم أكن أنهاه، بل أغويه. الشاهد: في "هببت ألوم القلب" فإن "هب" من أفعال الشروع، وقد جاء خبرها جملة فعلية فعلها مضارع مجرد من "أن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 ب- شكل وسطها حين اتصالها بضمائر الرفع المتحركة ج- استعمالها تامة نوع كلمتها: اختلف الرأي حول كلمة "عسى" من حيث اعتبارها فعلا أو حرفا على النحو التالي: أولا: هناك من يرى أنها حرف يدل على الرجاء، مثلها تمامًا مثل "لعلَّ" وقد استند هذا الرأي إلى أنها ينطبق عليها معنى الحروف، حيث لا يظهر معناها إلا بانضمام غيرها إليها، تمامًا مثل الحرف "لعل". وعلى هذا الرأي تكون الجملة الاسمية معها مثل "لعل" تمامًا، حيث ينصب الاسم ويرفع الخبر، والغالب في الاسم أن يكون ضميرا متصلا منصوبا كقول صخر بن العود الحضرمي: فقلت عَسَاها نارُ كأسٍ وعَلَّهَا ... تَشَكَّى فآتِي نحوها فأعُودُها1 ثانيا: هناك من يرى أنها فعل يدل على الرجاء، وهذا هو الاتجاه الغالب ومستند هذا الرأي أنها تقبل علامات الفعل الماضي "تاء الفاعل، تاء التأنيث"   1 يرجو أن تكون النار لحبيبته، ويرجو رجاء غريبا، أن تكون مريضة ليعودها في مرضها. الشاهد: في "عساها نار كأس" فإن "عسى" بمعنى "لعل" وهي حرف مثلها تنصب الاسم وترفع الخبر، واسمها ضمير الغائبة، وخبرها "نار كأس". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 كقول القرآن: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} 1 وتقول أيضًا: "عست النتيجة أن تكونَ مفرحة". وعلى هذا الاتجاه تكون من باب "كاد وأخواتها" ويصدق عليها الأحكام التي تنطبق على هذا الباب مما سبق تفصيله. وخلاصة الأمر: أنها تعتبر حرفا، لأن دلالتها الحرف، وهي حرف ترجّ ينصب الاسم ويرفع الخبر، أو أنها تعتبر فعلا؛ لأنها تقبل علامات الأفعال، وهي فعل ناسخ، يرفع الاسم وينصب الخبر، والأخير هو الاتجاه الغالب بين النحاة. شكل وسطها: حين ترد كلمة "عسى" مسندة لواحد من ضمائر الرفع المتحركة "التاء، النون، نا" فتقول: "عسيتُ أن أنالَ أهدافي في الحياة وعسينا أن نقدِّم للوطن ما يرجوه منَّا" فإن وسط الكلمة -السين فيها- يمكن أن تشكل بالفتح أو الكسر. قال ابن عقيل: يجوز كسر سينها -مع الضمائر المتحركة- وفتحها والفتح أشهر، وقرأ نافع: "فهل عسِيتم إن توليتم" بكسر السين، وقرأ الباقون بفتحها ا. هـ. استعمالها تامة: قال الله تعالى: {وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 2.   1 الآية 22 من سورة محمد. 2 من الآية 216 سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 يستعمل الفعل "عسى" تاما، ومعنى تمامه هنا -مثل كان- أن يستغني بالمرفوع عن المنصوب، والمرفوع الذي يستغني به عن المنصوب هو المصدر المؤول من "أن والفعل بعدها" حيث يكون هذا المصدر المؤول فاعلا لها. ففي الآية الكريمة: {وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا} هنا الفعل "عسى" تام وفاعله هو المصدر المؤول "أن تكرهوا شيئا"، ومثلها تمامًا: {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا} . وينبني على ما تقدم من استعمال "عسى" ناقصة وتامة الصور الثلاث الآتية: الصورة الأولى: لاحظ المثال الآتي عسى العدلُ أن يسود الأرض. وتتكون هذه الصورة من: الفعل الناسخ + اسم ظاهر يليه + أن المصدرية والفعل بعدها. وفي هذه الصورة تكون ناقصة باتفاق، والاسم الظاهر بعدها اسمها والجملة التالية له خبرها. الصورة الثانية: لاحظ المثال الآتي الظالمُ عسى أنْ يُعَاقَبَ من الله في الدنيا. وفي هذه الصورة يتقدم الاسم الظاهر على الفعل "عسى" ولك حينئذٍ من حيث الصناعة النحوية أن تعتبر الفعل "عسى" تاما أو ناقصًا على النحو التالي: أ- يكون تامًا، ويكون المصدر المؤول بعده فاعلا به ب- يكون ناقصًا، واسمه ضمير مستتر و"الفعل" خبره في محل نصب وكلا هذين الاعتبارين مساوٍ للآخر في صناعة النحو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 الصورة الثالثة: لاحظ المثال الآتي عسى أن يتمكَّنَ المظلومُ من ظالمه. وفي هذه الصورة يتأخر الظاهر عن "أن والفعل" مع أنه هو المسند إليه في المعنى: ولك أيضًا من حيث الصناعة أن تعتبر الفعل "عسى" تاما أو ناقصا على النحو التالي: أ- أن يكون تاما، ويكون ما بعده على ما هو عليه "أن والفعل والفاعل" وتكون أن وما دخلت عليه فاعل للفعل "عسى". ب- أن يكون ناقصا، ويكون ترتيب ما بعده على غير ما هو عليه، بل ذلك على التقديم والتأخير، حينئذٍ يعتبر الاسم الظاهر اسم "عسى" مؤخرا و "أن والفعل" خبرا مقدما على الاسم، وكأنما الكلام "عسى المظلوم أن يتمكن من ظالمه". وفي هذه الصورة يترجح الاعتبار الأول على الثاني، أي: اعتبار "عسى" تامة على اعتبارها ناقصة. هذا، والفرق بين الصورتين الثانية والثالثة يظهر حين يكون الاسم الظاهر -المتقدم أو المتأخر- مثنى أو جمعا أو مؤنثا -حينئذٍ يختلف الاستعمال بين الاعتبارين، مما يمكن أن يدرّب المرء نفسه عليه في أمثلة مختلفة- ولا داعي لإيراد نماذج منها هنا، لئلا تتشعب المسألة ويضطرب أمرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 إن وأخواتها : 1- معاني الحروف الستة التي تنصب المبتدأ وترفع الخبر. 2- ترتيب الجملة بعد هذه الحروف مع مقارنته بترتيبها مع "كان". 3- كفها عن العمل وأثره في الإعراب ونوع الجملة بعدها. 4- تخفيف النون المشددة للحروف الأربعة "إنَّ، أنَّ، كأنَّ، لكنَّ". 5- ما تختص به "إن" من الأحكام. أ- دخول لام الابتداء في جملتها. ب- كسر همزتها وفتحها وجواز الأمرين. معاني الحروف الستة: ينبغي أولا التنبه إلى أن هذه الحروف الستة: "إنَّ، أنَّ، كأنَّ، لكنَّ، لَيْتَ، لَعَلَّ" ينصب المبتدأ بعدها ويرفع الخبر، وهي حروف لا أفعال، كما جاء في الأثر "إنّ البِرَّ شيءٌ هَيِّن: وجهٌ طليقٌ وكلامٌ ليِّن" فالمبتدأ وهو كلمة "البر" منصوب بعد "إن" والخبر وهو كلمة "شيء" مرفوع بعدها. والمعاني التي ترد لها هذه الحروف الستة هي: 1- إنّ وتفيد التوكيد، ومعناه توكيد نسبة الخبر للاسم، حيث تفيد تثبيته في الذهن وتقويته، ويعبر عنها المعربون بقولهم: "إنَّ: حرف توكيد ناسخ ينصب الاسم ويرفع الخبر" تقول: "إنَّ العدلَ أساسُ النظام، وإن الرحمةَ أساسُ التَّعاطف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 2- أنَّ وتفيد تماما ما تفيده "إنَّ" المكسورة الهمزة، فهي أيضا للتوكيد، ويعبر عنها في الإعراب "أنّ: حرف توكيد ناسخ، ينصب الاسم ويرفع الخبر" لكن لا بد أن يسبقها كلام، تقول: "يساعدُ على النجاح أنَّ الهدفَ واضحَ ويحقِّق الهدفَ أنَّ العزيمةَ قويةٌ". 3- كأنّ وهي للتشبيه، فتفيد تشبيه معنى الاسم بالخبر، ويعبر عنها المعربون بقولهم: "حرف تشبيه ناسخ ينصب الاسم ويرفع الخبر" تقول: "كأنَّ الأرضَ كرةٌ" أو "كأنَّ الضبابَ سحابٌ". 4- لكنَّ وتفيد الاستدراك، ومعناه التعقيب على كلام سابق يرفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه، تقول: "قد يكونُ الطريقُ شاقًّا، لكنَّ الانتصارَ ممتعٌ". 5- ليت وتفيد التمني، ومعناه: طلب الأمر المستحيل حدوثه أو المتعذر حصوله عادة، ويعبر عنها المعربون بقولهم: "ليت: حرف تمنٍّ ناسخ، ينصب المبتدأ ويرفع الخبر" تقول: "ليت الإنسانَ يكشفُ غايتَه قبل طريقه" أو "ليت السلم يعم الأرض"، ومن ذلك قول أبي العتاهية: ألا ليت الشبابَ يعودُ يومًا ... فأخبره بما فَعَلَ المشيب1   1 الشاهد في البيت: أن "ليت" أفادت التمني، وطلب الأمر المستحيل فلن يعود الشباب بعد المشيب أبدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 6- لعلّ تفيد معنى التوقع، وقد يكون التوقع للأمر المحبوب، فيسمى "الرجاء" وهذا أكثر ما تستعمل له "لعلَّ" وقد يكون التوقع للأمر المكروه فيسمى "الإشفاق" وذلك كقول الفلاح: "لعلَّ المحصولَ وفيرٌ لكنْ لعلَّ السعرَ رخيصٌ". ترتيب الجملة بعد هذه الحروف: إنّ التَّعَفُّفَ ثروةُ الفقير. "الترتيب على الأصل، أسلوب صحيح". إنَّ ثروةُ الفقير التَّعَفُّفَ. "الخبر متوسط، أسلوب خطأ". ثروةُ الفقيرِ إنَّ التَّعَفُّفَ. "تقدم الخبر، أسلوب خطأ". الأصل أن تجيء جملة المبتدأ والخبر بعد هذه الحروف على الترتيب الأصلي هكذا "الحرف الناسخ + الاسم + الخبر" فلا يصح توسط الخبر بين هذه الحروف وبين الاسم، كما لا يصح أن يتقدم على الحروف الناسخة من باب أولى. ولعل من الواضح هنا أن هناك فرقا بين ترتيب الجملة بعد هذه الحروف وبين ترتيبها مع "كان وأخواتها" فهنا لا يصح التصرف في الخبر بالتوسط أو التقدم، بل يبقى دائمًا متأخرًا عن الاسم، أما مع "كان وأخواتها" فيصح التصرف فيه بالتوسط أو التقدم، كما سبق شرحه. جاء في قطر الندى: والفرق بينهما أن الأفعال أمكن في العمل من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 الحروف، فكانت أحْمل؛ لأن يُتصرف في معمولها ا. هـ. وهذا تعليل لا قيمة له في دراسة اللغة، وإن كان يفيد في تثبيت الفكرة في الذهن؛ لأن الأساس في كل ذلك هو استعمال اللغة نفسها. لكن، يستدرك على هذا ما إذا كان الخبر ظرفًا أو جارا ومجرورا -شبه جملة- فإنه يصح حينئذٍ توسطه بين هذه الحروف وبين الاسم، ومن ذلك العبارة المشهورة "إنّ من البَيَانِ لسحْرًا، وإنَّ من الشِّعرِ لحِكْمَةً" وقول القرآن: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} 1 وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} 2. بل إن هذا الاستدراك يشمل أيضا معمول الخبر -وذلك بأن يكون اسما يشبه الفعل وله مفعول- حيث يصح أيضًا أن يتوسط بين هذه الحروف وبين الاسم والخبر، ومن ذلك ما أورده سيبويه من قول الشاعر: فلا تَلْحَنِي فيها فإنّ بحبِّها ... أخاك مصابُ القلبِ جَمُّ بَلَابِلُه3   1 الآيتان 5، 6 من سورة الشرح. 2 الآية 26 سورة النازعات. 3 لا تلحني: لا تؤنبني، جم بلابله: كثير أحزانه ووساوسه واضطرابه. الشاهد: في "إن بحبها أخاك مصاب القلب" وأصل الجملة "إن أخاك مصاب القلب بحبها" فالجار والمجرور متعلق بكلمة "مصاب" اسم المفعول، فهو معمول له، وقد تقدم، فتوسط بين الحرف "إن" وبين الاسم والخبر، وهذا جائز في اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 ففي هذا البيت اسم "إنّ" هو كلمة "أخاك" وخبرها "مصابُ" والجار والمجرور "بحبها" معمول للخبر؛ لأن الخبر اسم مفعول، وهذا الجار والمجرور قد توسط بين هذا الحرف وبين الاسم والخبر. كفها عن العمل: ينبغي أولا التنبه إلى أن هذه الحروف الناسخة ترد في الكلام العربي ولها مع جملتها الخاصيتان الآتيتان: أ- أنها تدخل على الجملة الاسمية لا الجملة الفعلية ب- أن الاسم بعدها منصوب والخبر مرفوع تقول: "إن الاستقامةَ طريقُ النجاةِ، وإن الانحرافَ طريقُ الهلاك فليت الناس يفهمون" ويتحقق في هذه العبارة ما سبق ذكره من خواص هذه الحروف. ومعنى الكف عن العمل: وجود حاجز بين هذه الحروف وبين الجملة التي تليها، يقف فاصلا بينهما هو "ما: الزائدة" ويترتب على وجوده زوال الخاصيتين السابقتين في جملة هذه الحروف، حينئذٍ: أ- لا تختص بالجملة الاسمية، بل يصح أن يأتي بعدها أيضًا الجملة الفعلية. ب- لا ينصب بعدها الاسم ولا يرفع الخبر، بل تعود الجملة ثانية إلى أصلها "مبتدأ وخبر" تقول: "إنما الحقُّ قوةٌ من الله" وتقول: "إنَّما يُحقُّ اللهُ الحقَّ ويُبطلُ الباطل" ففي الجملة الأولى كفت "إن" بالحرف "ما" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وبعدها جملة اسمية من باب المبتدأ والخبر، وفي الجملة الثانية كفت "إن" بالحرف "ما" وبعدها جملة فعلية، ويطلق على الكلمتين معا "إنما" عبارة نحوية هي "كافة ومكفوفة" ومثل ذلك أيضًا أخواتها "أنّما، كأنّما، لكنّما، ليتما". - جاء في القرآن: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} 1. - جاء في القرآن عن المنافقين: {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ} 2. هذا الحكم السابق ينطبق على كل هذه الحروف الناسخة ما عدا الحرف "ليت". جاء في قطر الندى: ويستثنى منها "ليت" فإنها تكون باقية مع "ما" على اختصاصها بالجملة الاسمية، فلا يقال: "ليتما قام زيد" فلذلك أبقوا عملها وأجازوا فيها الإهمال حملا على أخواتها ا. هـ. - وقد جاء على ذلك قول النابغة الذبياني يصف امرأة بقوة البصر: قالتْ ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فَقدِ2   1 من الآية 111 سورة الكهف. 2 من الآية 6 من سورة الأنفال. 3 أو نصفه بمعنى: ونصفه، فقد: قد يكفي. الأمنية التي تضمنها هذا البيت أن يكون لها هذا الحمام ونصفه مضافا إلى حمامتها، فيكفيها، وحدة البصر -فيما يقال- تمثلت في أنها عرفت عدد الحمام وهو طائر، وهو 66، فقد تمنته ونصفه 33 وحمامتها، فيكمل العدد مائة الشاهد في "ليتما هذا الحمام" فقد رويت كلمة "الحمام" بالرفع على أن "ما" كافة، وبالنصب على أن "ما" زائدة فقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 وقد ورد هذا البيت بروايتين لكلمة "الحمام" حيث شكلت بالضم أو الفتح، فقد رواها الرواة مرفوعة ومنصوبة، وتوجيه الروايتين نحويا كما يلي: التوجيه الأول: أن الحرف "ليت" قد كف عن العمل بالحرف "ما" واسم الإشارة مبتدأ وكلمة "الحمام" بالرفع بدل منه، والجار والمجرور بعده خبر. التوجيه الثاني: أن الحرف "ليت" لم يكف عن العمل بالحرف "ما" فاسم الإشارة بعد اسمه في محل نصب، وكلمة "الحمام" بدل من المنصوب فهي منصوبة، والجار والمجرور خبر "ليت"، فكلتا الروايتين قد وردتا عن العلماء، وكلا التوجيهين صحيح نحويًّا. تخفيف النون المشدّدة لما جاءت في آخره: الذي في آخره النون المشددة أربعة أحرف هي: "إنَّ، أنَّ، لكنَّ، كأنَّ" وتخفيف النون معناه: أن ينطق بها نون واحدة ساكنة، فتصير هذه الحروف: "إنْ، أنْ، لكنْ، كأنْ". على أنه يجب أن يراعى أن هذه الحروف يصدق عليها تلك الصفة -المخففة من الثقيلة- إذا وردت في جملة يدل السياق على أنها كانت في الأصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 ثقيلة، بحيث إذا قدر هذا الأصل ذهنيا -تشديد النون- كانت الجملة من باب النواسخ. فمثلا قول القرآن: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} 1 فالحرف "أن" هنا مخفف من الثقيل، وأصله "أن"، إذ يتيح لنا التقدير الذهني أن نقول: إن الأصل "علم أنه سيكون منكم مرضى" وهذه جملة من باب النواسخ ولا مراء، ثم خففت "أنّ" فجاءت الكلمة كما وردت عليه في الآية. أما إذا لم يصح هذا التقدير، فإن الحروف لا تكون مخففة من غيرها، بل تكون أصيلة في استعمالها، ولا علاقة للجملة معها بباب النواسخ بل يكون الحرف "إن" للشرط، والحرف "أن" مصدري ونصب للمضارع والحرف"لكن" للعطف، أما "كأن" فتكون مكونة من حرفين، إحداهما الكاف والآخر "أنْ". وخلاصة هذه الفكرة -قبل الحديث عن هذه الحروف- ما يلي: أ- أنها تكون مخففة من الثقيلة إذا صح تقدير جملة أصلية لها تكون هي مشددة فيها، والجملة من باب النواسخ. ب- إذا لم يصح هذا التقدير، فإنها تكون أصيلة في شكلها المخفف فلا تكون من باب النواسخ، بل لكل منها أبواب أخرى تنسب إليها كالشرط أو نواصب المضارع أو العطف أو غيرها. على أنه ينبغي أن نتذكر مرة أخرى أن الحروف الناسخة ذات خاصيتين مع الجملة بعدها هما: أ- أنها تدخل على الجملة الاسمية لا الفعلية.   1 من الآية 20 سورة المزمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 ب- أنها تنصب الاسم وترفع الخبر إذا عرف ذلك كله، واستعملت الحروف الأربعة "إنّ، أنّ، كأنّ، لكنّ" مخففة من الثقيلة -بتطبيق التصور الذهني السابق- فكيف تستعمل مع الجملة التي وردت فيها من حيث بقاء الخاصيتين السابقتين أو تركهما؟ يجب أن نتناول بالتفصيل هذه الحروف الأربعة المشددة النون حين تخفف مصطحبين معنا التصور الذهني السابق، وأيضًا ما لها من خواص قبل التخفيف. الحرف: إنْ هو "إنْ" المخففة من "إنّ" المشدّدة النون، وحين تخفف يصح معها الآتي: - مراعاة الأصل قبل التخفيف، فتبقى لها خواص الحروف الناسخة من دخولها على الجملة الاسمية ونصب الاسم ورفع الخبر. - كما يصح أيضًا صرف النظر عن هذا الأصل، فتزول خواصها جميعًا فيصح حينئذٍ دخولها على كلتا الجملتين الفعلية والاسمية، كما أنه لا ينصب بعدها الاسم ويرفع الخبر في الجملة الاسمية، وتعرب "إن" على أنها حرف مهمل، لا موضع له من الإعراب، فلنلاحظ الأمثلة: إنْ قلبَ الإنسانِ موضعُ سرِّه. "بعدها جملة اسمية، عاملة". إنْ لسانُه لدليلٌ على ما في قلبه. "بعدها جملة اسمية، مهملة". ويوزن بهذين وإنْ كان لغافلًا عن ذلك. "بعدها جملة فعلية، مهملة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 وتوضيح ما سبق أن الجملة التي ترد فيها "إنْ" المخففة تكون واحدة مما يلي: أ- تأتي مع جملة اسمية، ويراعى أصلها المشدد، فينصب الاسم ويرفع الخبر -كما كان الأمر وهي مشددة- تقول: "إنْ الوقتَ ثمينٌ جدًّا للجادِّين وإنْه رخيصٌ جدًّا للغافلين"، ويكون الدليل على أنها مخففة من الثقيلة نصب الاسم ورفع الخبر. ب- تأتي مع جملة اسمية، ولا يراعى الأصل، فتكون حرفًا مهملا لا محل له من الإعراب، وحينئذٍ تعود الجملة الاسمية إلى أصلها -باب المبتدأ الخبر- ويدخل على خبر المبتدأ معها لام تسمى "اللَّام الفَارِقَة" تكون هي الدليل في الجملة على أنّ "إنْ" مخففة من الثقيلة، فلا تختلط بغيرها من أنواعها الأخرى، تقول "إنْ النفسُ لأمارةٌ بالسوء، وإنْ المؤمنُ لقادرٌ على السيطرةِ عليها بالإرادة". ج- تأتي مع جملة فعلية، وهي حينئذٍ مهملة، غاية الأمر أن هذه الجملة الفعلية بعدها غالبا ما تكون مصدّرة بفعل ناسخ "كان وأخواتها، كاد وأخواتها، ظن وأخواتها". - من القرآن: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} 1. - من القرآن: {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} 2.   1 من الآية 143 سورة البقرة. 2 من الآية 102 سورة الأعراف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 الحرف: أنْ أيقن المتهمُ أن الحكمُ في صالحه. بعد ظنِّه أنْ لن يبرأَ من التّهمةِ الكاذبة. تكون "أنْ" مخففة من الثقيلة في جملة لها الصفات الثلاث التالية مجتمعة: أ- أن يتقدم عليها ما يفيد اليقين أو الظن مثل "علم، أيقن، تأكّد، ظن، حسب، زعم". ب- أن يكون اسمها ضمير الشأن محذوفا، أي "الموضوع أو الحال أو الشأن أو القصة". ج- أن يكون الخبر جملة اسمية دعائية، أو جملة فعلية، وهذه الأخيرة تصدر غالبا بأحد الأحرف "قد، السين، سوف، ما: النافية، لا: النافية، لو". - جاء في القرآن: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1. - قال الشاعر: واعلمْ فعلمُ المرءِ ينفعُه ... أنْ سوف يأتي كلُّ ما قُدِرَا2   1 من الآية 10 سورة يونس. 2 الشاهد: في "أن سوف يأتي كل ما قدرا" فإن "أن" مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف، وخبرها الجملة الفعلية المصدرة بالحرف "سوف" وأصل الكلام "أنه سوف يأتي كل ما قدرا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 هذا الكلام السابق هو الأصل في تخفيف "أن" وقد خرج عن هذا الأصل بعض الشواهد أشهرها: لقد علم الضيفُ والمُرْمِلُون ... إذا اغبَرَّ أفْقٌ وهبّت شمَالا بأنْك ربيعٌ وغيثٌ مريعٌ ... وأنْك هناك تكون الثّمالا1 ففي البيت الثاني جاء الاسم ضميرًا مذكورا في "أنك" وكان الخبر مفردًا لا جملة، وهو "ربيع"، وقد وصف ابن هشام هذا النص وأشباهه بأنها خارجة عن الأصل، ووسمها أحيانا بأنها ضرورة شعرية، وأحيانا أخرى بأنها نادرة الاستعمال. الحرف: كأنْ يوم مات عمر، خيّم الصمتُ على الناس كأنْ الحياةُ متوقِّفَةٌ. ثم انفجر الناس بالبكاء كأنْ لم يمتْ أحدٌ قبله. جاء في شذور الذهب: وإذا كان الحرف المخفف "كأنْ" فيغلب لها ما وجب "لأن" ا. هـ.   1 المرملون: المعدمون: "الذين لا يجدون الطعام"،الشمال: بفتح الشين وكسرها: نوع من الرياح، غيث مريع: مطر مخصب ينبت بعده الزرع، الثمالا: الغياث. تقول: لقد كنت في وقت الشدة والعوز تكرم الضيوف وتطعم المعدمين كأنك الربيع والمطر المفيد خيرا وعطاء. الشاهد: في "أنك ربيع" حيث جاء اسم "أنْ" المخففة مذكورا، وكان حقه أن يحذف، وجاء خبرها مفردا، وكان حقه أن يكون جملة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 ومعنى ذلك أن الصفات التي ترد عليها جملتها هي غالبا الصفات التي سبقت في جملة "أنْ" المخففة، وتوضيحها كما يلي: أ- أن يكون اسمها ضمير الشأن محذوفا. ب- أن خبرها يكون أيضا جملة اسمية أو فعلية، فإذا جاء من النوع الأخير -الفعلية- تصدر الجملة أحد الحرفين "قد، لم". - جاء في القرآن: {فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} 1. هذا هو الأصل في الحرف "كأنْ" المخفف من "كأنَّ" لكن خرج عن هذا الأصل بعض شواهد ورد فيها الاسم مذكورًا، والخبر مفردا لا جملة، ومن أشهرها ما أنشده سيبويه من قول الشاعر: ويومًا تُوَافِينَا بوجهٍ مُقَسَّمِ ... كأنْ ظبية تَعْطُو إلى وَارِقِ السَّلَم2 فقد رويت كلمة "ظبية" في هذا البيت بروايات ثلاث: الأولى: بنصب "ظبيةً" على أنها اسم "كأن" والخبر محذوف وكلمة "ظبية" قد ذكرت في الكلام، فهي ليست ضمير شأن، وهذا خارج عن الأصل.   1 من الآية 24 سورة يونس. 2 بوجه مقسم: وجه وسيم جميل، تعطو: تمد عنقها، وارق السلم: شجر السلم المورق. يقول: إنها تأتينا بوجه جميل وعنق طويل، كأنها ظبية تمد عنقها لتأكل ورق السلم. الشاهد: رويت كلمة "ظبية" بروايات ثلاث، وهي موجهة بعد ذكر البيت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 الثانية: برفع كلمة "ظبيةٌ" على أن تكون خبر "كأنْ" واسمها ضمير الشأن محذوف، وإذا كانت خبرًا، فإنها ليست جملة بل مفردًا، وهذا أيضًا خارج عن الأصل. الثالثة: بجر كلمة "ظبيةٍ" على اعتبار "أنْ" زائدة، وكلمة "ظبية" مجرورة بالكاف. الحرف: لكنْ حين يخفف هذا الحرف تنقطع علاقته بأصله "لكنَّ" تمامًا، ومعنى قطع علاقته بأصله زوال خواصه التي كانت له وهو مشدد، فلا يبقى اختصاصه بالجملة الاسمية، بل يدخل على الجملتين الاسمية والفعلية، وكذلك لا ينصب الاسم ولا يرفع الخبر في الجملة الاسمية، بل تعود الجملة مرة أخرى إلى باب المبتدأ والخبر. أما الحرف "لكن" المخفف: فيكون حرف ابتداء غير ناسخ، سواء أكان مع الجملة الفعلية أم الاسمية، تقول: "الحياةُ غاليةٌ، لكنْ تهونُ في سبيل الحرية" وتقول: "الحياةُ غاليةٌ، لكنْ الهوانُ مذلةٌ". ما تختص به "إنّ" من الأحكام: اختصت "إن" من بين أخواتها بمسألتين مهمتين هما: أ- دخول لام الابتداء في جملتها ب- كسر همزتها أو فتحها أو جواز الأمرين وإليك تفصيل القول في هاتين المسألتين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 لام الابتداء في جملة "إن" المكسورة: لاحظ الأمثلة الآتية: إنّ من الحِلْم لقوّة في بعض المواطن. وإنّ من الحِلْمِ لضعفًا في مواطن أخرى. فإنّ الحِلْمَ لَهُوَ العفوُ عن مقدرة. يلاحظ في الأمثلة السابقة وجود لام في كل مثال منها، وذلك مع الكلمات "لقوة، لضعفا، لَهُوَ". هذه اللام يطلق عليها علماء البلاغة "لام التوكيد" ويسميها النحاة "لام ابتداء، أو: اللام المزحلقة" ولكل من هذه التسميات الثلاث توجيه وجيه. فهي "لام التوكيد" لأنها تفيد تثبيت الجملة وتقويتها في ذهن السامع وهي تستخدم مع ضرب خاص من ضروب الخبر، حيث يكون السامع منكرا وفي حاجة إلى تثبيت الخبر وتقويته له، وهذا معنى بلاغي سيفيدنا فيما نحن بصدده نحويًّا. وهي "لام ابتداء" الأصل فيها أن تدخل على المبتدأ، فتأتي حينئذٍ في بداية الكلام، تقول: "لَلْحِلْمُ قوةٌ في بعض المواطن، ولَلتَّجَبُّرُ طغيان في بعضها الآخر"، فالأصل فيها أن تأتي مع المبتدأ مثل كلمة "الحلم" وكذلك كلمة "التَّجَبُّرُ" فإذا جاءت "إنَّ" مع العبارة السابقة، نطقت هكذا "إنَّ الحلمَ لقوةٌ في بعض المواطن وإنّ التّجبرَ لطغيانٌ في بعضها الآخر" وهذا يفسر السر في تسميتها "لام الابتداء" باعتبارها في الأصل كانت في المبتدأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وتسمى أيضًا "اللام المزحلقة" لأنها في الأصل كانت مع المبتدأ وتفيد التوكيد -كما سبق شرحه- فلما دخلت "إنَّ" عليها، وهي أيضًا تفيد التوكيد -وكان من المكروه في الاستعمال العربي اجتماع أمرين يفيدان التوكيد في موضع واحد- زحلقت اللام عن موضعها إلى مواضع أخرى في الجملة الاسمية مع "إنّ" أهمها ثلاثة: 1- خبر "إن" كقول القرآن: {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} 1. 2- اسم "إن" إذا تقدم عليه الخبر -يتقدم إذا كان شبه جملة كما سبق- ومن ذلك العبارة المشهورة -الحديث-: "إنّ من البَيَانِ لسحرًا وإنّ من الشعرِ لحكمةً". 3- ضمير الفصل الذي يأتي بين المبتدأ والخبر المعرفتين، كقول القرآن: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} 2. همزة "إن": "أنّ" المفتوحة الهمزة من حروف المصادر، بخلاف "إن" المكسورة الهمزة، ومعنى أن الأولى من حروف المصادر -كما سبق في باب المبتدأ- أنه يمكن استخلاص مصدر منها ومن جملتها معا يطلق عليه "المصدر المؤول" -وهذا المصدر المؤول -المتخيل- يعتبر كأنه كلمة موجودة فعلا- -وإن كان متخيلا- ويشغل الوظائف النحوية المختلفة، إذ يأتي مبتدأ وخبرا وفاعلا ومفعولا إلخ، فلنلاحظ ما يلي من الأمثلة:   1 آخر سورة الأنعام. 2 من الآية 62 آل عمران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 من سماتِ الجادّين أنّهم صامتون عادة. "المصدر المؤول تقديره "صمتُهم" وهو مبتدأ". إذ يُسعدهم أنّهم عامِلون لا قوّالون "المصدر المؤول تقديره "عملُهم" وهو فاعل". إذا علم ذلك، فإن الضابط الذي يُعرف به شكل همزة "إنّ" من حيث الكسر أو الفتح أو جواز الأمرين تلخصه العبارة "تفتح همزة "أنّ" في الكلام إذا صح استخلاص مصدر منها ومن جملتها لشغل الوظائف النحوية المختلفة، وتكسر الهمزة إذا لم يصح ذلك، ويجوز الأمران إن صح التأويل وتركه". هذا الكلام السابق فهم مجمل ومفيد لمعرفة الأسلوب الذي ترد فيه الهمزة مفتوحة أو مكسورة أو جائزة الفتح والكسر، وهو بذلك -لمن يحسن تطبيقه- يغني عن حصر الفروع والجزئيات التي تندرج تحته، مما يتعب الذهن، ويشق على المبتدئ. لكن، قد فصلت كتب النحو ذكر مواضع الكسر أو الفتح أو جواز الأمرين تفصيلا واسعا "راجع -إن شئت- أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك فقد وفَّى هذا الموضوع بإفاضة" ونحن هنا نختار أهم مواضع الفتح والكسر وجواز الأمرين، بقصد المعاونة في توضيح الضابط العام السابق فقط. أ- مواضع فتح الهمزة: 1- أن يكون المصدر المؤول مبتدأ كقولنا: "من المفيد للإنسانِ أنَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 يتذكرُ وينسى" ومن ذلك قول القرآن: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً} 1. 2- أن يكون المصدر المؤول خبرا كقولنا: "إحساسُ الخيرِ أنّ الحياةَ مضيئةٌ، وإحساسُ الشر أنّ الكونَ ظلامٌ". 3- أن يكون المصدر المؤول فاعلا، كقولنا: "يسهِّلُ صعب الأعمال أنها محبوبةٌ، ويهون التعب فيها أن هدفَها شريفٌ". 4- أن يكون المصدر المؤول نائب فاعل، كما يجيء في كتب الحديث "رُوِيَ أن الرسول قال كذا" وكقول القرآن: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} 2. 5- أن يكون المصدر المؤول مفعولا، كقولك: "سمعتُ أنّ الخبرَ منشورٌ في الصحيفة، وأنه خبرٌ مؤثرٌ للغاية". 6- أن يكون المصدر المؤول مجرورًا بالحروف أو الإضافة، كقولنا: "لا يخاف المجاهدُ الموتَ مع أنه صعبُ المذاق، فهو يموتُ على الحق لأنّ غايتَه نبيلةٌ وحقٌّ". ب- من مواضع كسر الهمزة: 1- أن تقع في أول الكلام، كقول القرآن: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} 3.   1 من الآية 29 سورة فصلت. 2 الآية الأولى من سورة الجن. 3 الآية الأولى من سورة الفتح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وكذلك ما يأتي في أول جملة الصلة أو الصفة أو الحال أو جواب القسم مثل "ألا إنّ الإنسانَ لجهولٌ حيث يهملُ أمرًا إنه مفيدٌ له، ويصنع ما إنَّه ضار به" وكقولنا: "والله إن الدّينَ لحقٌّ وإن هدفَه سعادةُ النَّاس". فمن البيّن أن ما بعد الحرف "ألا" جملة جديدة، وأن ما يقع في أول الصلة أو الصفة أو الحال أو القسم في أول جملة جديدة في ذاتها -وإن كان لها علاقة بما قبلها- فهذا كله يصدق عليه أنه بداية كلام جديد، فإذا جاءت "إن" في أوله كسرت همزتها. 2- أن تقع بعد الكلمتين "حيث، إذ" وهما كلمتان تضافان للجمل بعدهما ولا تضافان للمفردات، فلا يصح إذن تقدير المصدر المفرد بعدهما ولذلك يجب كسر همزة "إن" حين تليهما، ليكون ما بعدهما جملة كاملة كقولنا: "من السذاجةِ أن تصطنعَ الحلم حيث إن الموقفَ جهلٌ، ومن المفيد اصطناعُ الحلمِ إذ إنّه الخلقُ المطلوب". 3- أن تقع بعد القول، كقول إبراهيم "وقال: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} 1 وكقول عيسى في المهد: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا} 2.   1 الآية 99 سورة الصافات. 2 الآيتان 30، 31 سورة مريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 من مواضع جواز الأمرين: يغلب ذلك بعد الأداتين الآتيتين: 1- إذا "التي تفيد المفاجأة" كقولنا: "صحوْنا ذاتَ صباحٍ صيفا فإذا إنَّ البرْدَ شديدٌ" فيجوز هنا نطق همزة "إن" مكسورة أو مفتوحة ومن ذلك ما أنشده سيبويه قال: سمعت رجلا من العرب ينشد هذا البيت كما أخبرك به: وكنتُ أرَى زيدًا كما قيل سيِّدًا ... إذا أنَّه عبدُ القَفَا واللَّهَازِمِ1 حيث روي هذا البيت بفتح همزة "إن" وكسرها. 2- الفاء "التي تقع في جواب الشرط" كقولنا: "إن تحترم الزمنَ فإنَّك متحضرٌ وإن تَغْفَلْ عنه فإنك متخلف" حيث يصح في همزة "إنّ" في هذه العبارة الكسر والفتح، ومما جاء بالوجهين -كما أورده ابن عقيل- قوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا   1 اللهازم: جمع "لهزمة" بكسر اللام والزاي، نهاية الحلق بجوار الصدر. يقول: كنت أظن "زيدا" سيدا، فإذا به عبد خسيس، وضح ذلك من قفاه وحلقه، إذ يصفع على الأول، ويلكم في الثاني. الشاهد: في "إذا أنه عبد القفا" حيث جاء "إن" بعد "إذا الفجائية" فروي بفتح همزة "أن" وكسرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1 قرئ "فإنه غفور رحيم" بالفتح والكسر للهمزة. فكلا الوجهين جائز من الوجهة اللغوية -وجهة الاستعمال- حيث وردت النصوص مع هاتين الأداتين وبعدهما "إنَّ" مفتوحة أو مكسورة. ووجهة الصناعة النحوية في ذلك أنه إذا كسرت الهمزة كانت الجملة تامة ولا حديث بعدها وإذا فتحت وجب أن تؤول بمصدر يكون مبتدأ وخبره محذوف أو العكس.   1 من الآية 54 من سورة الأنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 لا النافية للجنس : 1- معنى "نفي الجنس" مع الموازنة بين استعمالَي "لا" مع المبتدأ والخبر. 2- وصف الجملة التي ترد فيها -شروط عملها. 3- المقصود باسم "لا" "المفرد، المضاف، الشبيه بالمضاف". 4- من المسائل المكملة لهذا الباب ما يلي: أ- تكرار "لا". ب- كلمة "ألا" واستعمالها في اللغة. ج- حذف خبر "لا". نفي الجنس ونفي الوحدة: لا ذليلَ أهلٌ للحرية. لا سفيهَ مستحِقٌّ للتكليف الاجتماعي. لا نَمَّامَ قادرٌ على كتمان الأسرار. اسم "لا" لا بد أن يكون نكرة -كما سيأتي- ومعنى ذلك أن معناه عام وشامل، مثل "ذليل، سفيه، نمام" في الأمثلة السابقة. ومعنى نفي الجنس أن الذي يستفاد من جملة "لا" كلها نفي معنى الخبر عن الاسم نفيا شاملا يستغرق جميع أفراد الاسم دون استثناء، وبحيث لا تفيد إلا هذا المعنى السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 فالمثال الأول "لا ذليل أهل للحرية" يفهم منه نفي أهلية الحرية عمّن يتصف بالذل في أي صورة من صوره، من ضعف لغاصب، أو خنوع لمستبد أو استكانة لعادة سيئة متحكمة. والمثال الثاني "لا سفيه مستحق للتكليف الاجتماعي" يفهم منه نفي استحقاق التكليف الاجتماعي عن كل فرد يتصف بالسفاهة، ومن ذلك سفاهة القول وعدم المروءة والتصرف، فكل هؤلاء يصل بهم السقوط إلى حد لا يستحقون معه معاملة سويّة من العقلاء. وهنا ينبغي التعرض لنقطة مهمة، فقد مر علينا من قبل أن "لا" تأتي في جملة تماثل جملة الفعل "ليس" حيث يرفع الاسم وينصب الخبر فيها وهنا تأتي "لا" في جملة من نوع آخر حيث تماثل جملة "إن" فينصب فيها الاسم ويرفع الخبر، فما الفرق بين هاتين الصورتين؟ في البداية يجب أن يعلم أن كلتا هاتين الصورتين نطق عربي وارد فالفصحاء من العرب هم الذين نقل عنهم "لا شيءٌ على الأرض باقيا" -برفع الأول ونصب الثاني- وقد نقل عنهم أيضا ما يماثل "لا شيئًا على الأرض باقٍ" بنصب الأول ورفع الثاني، وإلى ذلك النطق العربي الفصيح -الذي اختلفت صورتاه- يعود الأمر في دراسة جملة "لا" مرتين في النواسخ ومن حقنا أن نستخدم هذه الصورة أو تلك إذا توافرت صفات استعمالها لدى العرب الفصحاء. أما الموازنة بين هاتين الصورتين فيتجه الأمر فيها اتجاهين: أحدهما يعود لصورتي الجملتين، والآخر يعود لمعناهما، على التوضيح التالي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 أولا: في إحدى الصورتين يكون الاسم مرفوعًا والخبر منصوبًا، وفي الأخرى يكون الأمر بالعكس. ثانيا: في صورة "لا" التي يرفع بعدها الاسم وينصب الخبر قد تفيد الجملة "نفي الجنس" أي نفي الخبر عن الاسم نفيًا شاملا، كقولنا: "لا شيءٌ على الأرض باقيا"، وقد تفيد ما يسمى "نفي الوحدة" أي النفي القاصر على فرد أو مجموعة واحدة، دون أن يشمل ذلك النفي أفرادًا أخر أو مجموعات أخر، كقولنا: "لا كفٌّ واحدة مصفقةٌ" أو قولنا "من حسن الحظ أنه لا دولةٌ حائزةً للذرّة وحدها" والذي يحدد واحدا من هذين سياق الكلام. أما في صورة "لا" التي ينصب معها الاسم ويرفع الخبر فإنها تفيد نفي الجنس فقط، ولا تحتمل غير ذلك، فإذا قلنا "لا شيئًا على الأرض باقٍ" نفت بقاء أي شيء على الأرض، ولا يحتمل أسلوبها غير ذلك. فالفرق في المعنى باختصار: أن "لا" التي يرفع معها الاسم وينصب الخبر تحتمل نفي الجنس ونفي الوحدة، والذي يحدد أحدهما أسلوب الكلام، أما "لا" التي ينصب بعدها الاسم ويرفع الخبر فلا تفيد إلا نفي الجنس فقط، ولا تستعمل في غير هذا الأسلوب. جاء في ابن عقيل عن "لا: النافية للجنس" نصًّا: والمراد بها "لا" التي قصد بها التنصيص على استغراق النفي للجنس كله، وإنما قلت: "التنصيص" احترازا عن التي يقع الاسم بعدها مرفوعا، نحو "لا رجل قائما" فإنها ليست نصا في نفي الجنس، إذ يحتمل نفي الواحد ونفي الجنس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 فبتقدير إرادة نفي الجنس لا يجوز "لا رجلٌ قائما بل رجلان" وبتقدير إرادة نفي الوحدة يجوز "لا رجلٌ قائما بل رجلان" ا. هـ. وصف الجملة التي ترد فيها: جملة "لا: النافية للجنس" تحمل الصفات التالية مجتمعة: أ- أن يتقدم الاسم ويتأخر الخبر، فيكون الترتيب بينهما أصليًا. ب- أن يكون كل من الاسم والخبر نكرتين، وهذا باتفاق النحاة. ج- ألّا يدخل عليها حرف جر، كقولنا: "المنافق بلا ضمير". فهذه الصفات متضامنة يجب أن تتحقق في الجملة التي يطلق عليها جملة "لا: النافية للجنس" والتي ينصب فيها الاسم ويرفع الخبر، كقول مصطفى كامل: "لا يأسَ مع الحياة ولا حياةَ مع اليأس" وقولنا: "دعا الإسلام للعدل والمساواة، فلا غنيَّ مقدّمٌ لجاهِه ولا فَقيرَ مؤخَّرٌ لبؤسه". اسم "لا" المفرد، المضاف، الشبيه بالمضاف: لاحظ الأمثلة الآتية: - لا مهملَ متفوقٌ. - ولا مهملَين متفوقان. - ولا مهملِين متفوقون. الاسم مفرد. - لا مهمِلَ واجبٍ متفوقٌ. - ولا مقدرَ مسئوليةٍ مخذول. الاسم مضاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 - لا مهملا الواجِبَ متفوقٌ. - ولا مقدّرًا المسئوليةَ مخذولٌ. الاسم شبيه بالمضاف. اسم "لا" يكون كما يلي: المفرد: يقصد به -في هذا الباب- ما ليس مضافًا ولا شبيها بالمضاف، وإن كان مثنى أو مجموعا، فهو هنا يقابل المضاف وشبيهه، كما اعتبر في باب الخبر مقابلا للجملة وشبه الجملة. واسم "لا" المفرد مبني دائما على ما ينصب به لو كان معربا، وتفصيل هذا الكلام المجمل أن اسم "لا" إن كان مفردًا أو جمع تكسير يبنى على الفتح، كقولك: "لا قسوةَ في الإسلام ولا قُساةَ بين المؤمنين"، وإن كان مثنى أو جمع مذكر فإنه يبنى على الياء، كقول الشاعر: تعزَّ فلا إلفَيْن بالعيش مُتِّعَا ... ولكن لوُرَّادِ المنونِ تَتَابُعُ1   1 تعز: العزاء هو الصبر والسلوان، والتعزي: هو محاولة لذلك، إلفين: كل اثنين بينهما ألفة ومودة، المنون: الموت. يقول: حاول الصبر والسلوان على من فقدت من الأعزاء، فكل حبيبين إلى افتراق، والناس كلهم للموت. الشاهد: في "لا إلفين بالعيش متعا" فإن اسم "لا" النافية للجنس كلمة "إلفين" وهو مبني على الياء، وهو بمصطلح هذا الباب وإن كان مثنى صرفيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 وإن كان جمع مؤنث سالمًا يبنى على الكسر -ويصح فيه أيضًا البناء على الفتح- كقول سلامة بن جندل السعدي: إنّ الشّبابَ الذي مجدٌ عواقبُه ... فيه نَلَذُّ ولا لذّات للشِّيبِ1 فقد روي البيت بكسر "لذات" وفتحه. المضاف: وهو الاسم الذي ينضم إليه اسم آخر مجرور بعده يكمل به معناه يطلق عليه: "المضاف إليه"، والمضاف إليه في هذا الباب لا بد أن يكون نكرة في الإضافة المعنوية، لما سبق من قبل أن اسمها وخبرها لا بد أن يكونا نكرتين، إذ لو كان المضاف إليه معرفة، لتعرّف المضاف أيضًا وخرجت الجملة عن هذا الباب. واسم "لا" المضاف معرب منصوب، كقولنا: "لا أرضَ أحرارٍ مستباحةٌ، ولا شرفَ كرام مهانٌ". الشبيه بالمضاف: جاء في ابن عقيل: والمراد به كل اسم له تعلُّقٌ بما بعده ا. هـ.   1 العواقب: الآثار والغايات، والغايات تكون محمودة إذا كانت الأعمال محمودة. يقول: إن تصرفات الشباب محمودة رائعة النتائج، وفي الشباب المتعة ولا متعة للمشيب. الشاهد: في "لا لذات للشيب" فإن اسم "لا" كلمة "لذات" وهو جمع مؤنث سالم، وقد روي بكسر التاء وفتحها، فهو مبني على الكسر أو الفتح، وهو من نوع المفرد وإن كان جمع مؤنث سالمًا من الوجهة الصرفية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 ومعنى ذلك أن الشبيه بالمضاف ما يتم معناه بواسطة ما بعده -غير المضاف إليه- فلا يسمى مضافًا؛ لأنه لا يتحقق فيه صفات المضاف لفظًا، وليس في قوته معنى، ولكنه يشبهه فقط، لحاجته لما يتمم معناه مثله. وحكم الشبيه بالمضاف أيضًا أنه معرب ومنصوب، كقولنا: "لا عزيزًا جانبُه مهانٌ، ولا صانعًا المعروفَ مضيّعٌ، ولا شفيقًا على النَّاس مكروهٌ" فكل من الكلمات "عزيز، صانع، شفيق" في العبارة السابقة يطلق عليه أنه "شبيه بالمضاف" إذ ارتبط بها ما بعدها، فقد ارتبط بالأول "عزيز" كلمة "جانبه" وهي فاعل به، وقد ارتبط بالثاني "صانع" كلمة "المعروف" وهو مفعول به له، وارتبط بالثالث "شفيق" الجار والمجرور "على الناس" وهو متعلق به. المسائل المكملة للباب: وهي مجموعة مسائل فرعية تتعلق بهذا الباب -بعد التصور العام لمباحثه الأساسية- وعددها ثلاث: أ- تكرار "لا". ب- كلمة "ألا" واستعمالاتها في اللغة. ج- حذف خبر "لا". وكل واحدة من هذه المسائل في حاجة إلى إيضاح مستقل. تكرار "لا": تأتي "لا" مكررة على النحو التالي: أولا: إذا اختل شرط من شروطها التي يتحقق بها لجملتها أنها من هذا الباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 بأن تقدم الخبر على الاسم أو كان أحدهما معرفة لا نكرة، حينئذٍ تهمل فتكون حرف نفي فقط، وتعود الجملة بعدها لباب المبتدأ والخبر، وأيضا يجب تكرار "لا" مثل: لا في الجنةِ موتٌ ولا ألَمٌ. "تقدم الخبر، لا: مهملة مكررة". فلا الإنسانُ يفنى ولا النعيمُ يزول. "الاسم معرفة، لا: مهملة مكررة". ثانيا: تتكرر "لا" مع استيفاء شروط جملتها التي تكون بها نافية للجنس، مثل قولنا: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وهذا تكرار جائز لا واجب. وفي هذه الصور الأخيرة، يفتح الباب واسعا للصناعة النحوية لتشكيل الاسم مع "لا" الأولى والمكررة، بالتوضيح المختصر الآتي "من أراد المزيد من الصنعة، فليراجع شرح الأشموني -أوضح المسالك- شرح ابن عقيل". 1- فتح الاسمين -اسم "لا" واسم "لا" الأولى، واسم "لا" الثانية، كقولنا: "لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله"، و"لا" هنا نافية للجنس فيهما، والاسم بعدها مبني على الفتح. 2- رفع الاسمين: كقول الراعي النميري: وما هجرتُكِ حتى قلتِ معلنةً ... لا ناقةٌ لِيَ في هذا ولا جَمَلُ1   1 لا ناقة لي في هذا ولا جمل: مثل يقوله من لا يعنيه الأمر، فينصرف عنه دون أن يدخل نفسه فيه الشاهد: في البيت "لا ناقة لي في هذا ولا جمل" فقد تكررت "لا" والاسمان بعدها مرفوعان، وتوجيه إعرابهما أن "لا" فيهما مثل "ليس" فرفع الاسمان بعدها، وفيه إعرابات أخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 و "لا" هنا مثل "ليس" ترفع الاسم وتنصب الخبر. 3- فتح الأول ورفع الثاني، كقول الشاعر: هذا لعمركم الصَّغارُ بعينه ... لا أمَّ لي إن كان ذاك ولا أب1 و"لا" الأولى نافية للجنس، والثانية مثل "ليس". 4- رفع الأول وفتح الثاني -عكس السابق- كقول أمية بن أبي الصلت يصف الجنة: فلا لغوٌ ولا تأثيمَ فيها ... وما فَاهُوا به أبدا مُقيمُ2   1 لعمركم: أسلوب القسم، وهو مبتدأ وخبره محذوف وجوبا، الصغار: الأعمال الرخيصة الدنيئة. الشاهد: في الشطر الثاني "لا أم لي إن كان ذاك ولا أب" فقد تكررت "لا" والأول مشكل بالفتح، والثاني مرفوع، فتعتبر "لا" الأولى نافية للجنس والثانية مثل "ليس"، وفيه إعرابات أخر. 2 اللغو -كما جاء في القاموس- السقط وما لا يعتد به من كلام وغيره، التأثيم: مأخوذ من الإثم، وهو الذنب، فهم لا يرتكبون الذنوب ولا ينسبون إليها. الشاهد: في الشطر الأول "لا لغو ولا تأثيم فيها" كررت "لا" والاسم الأول مرفوع، والثاني مفتوح، وتوجيه الأول على أن "لا" مثل "ليس"، والثاني على أن "لا" نافية للجنس، وفيه إعرابات أخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 والأولى مثل "ليس" والثانية نافية للجنس. 5- فتح الأول ونصب الثاني مع تنوينه، كقول العباس بن مرداس: لا نَسَبَ اليوم ولا خُلَّةً ... اتَّسع الخَرْقُ على الرَّاقِعِ1 والأولى نافية للجنس، والثانية مهملة، والاسم بعدها معطوف على محل الأول، ومحله النصب. هذا مع ملاحظة أن الخبر في أسلوب "لا" المكررة يكون واحدًا فقط غالبا، ويوجه للأولى، ويحذف من الباقي، وهذا أحسن الآراء فيه. استعمال "ألا" في اللغة: قال ابن مالك: وأعطِ "لا" مع همزة استفهام ... ما تستحق دون الاستفهام "لا" النافية للجنس إذا دخلت عليها همزة الاستفهام، فإنه يبقى لها جميع أحكام الباب. ومن ذلك قول الشاعر: ألا عُمْرَ ولَّى مستطاعٌ رجوعُه ... فيرْأب ما أثْأتْ يدُ الغَفَلاتِ2   1 الخلة: المحبة والود، الراقع: الذي يصلح الثوب بسد الخروق. الشاهد: في الشطر الأول "لا نسب اليوم ولا خلة" كررت "لا" والاسم الأول مفتوح، والثاني منصوب باعتبار "لا" الأول نافية للجنس؛ والاسم الثاني معطوف على محل الأول، وهو في محل نصب، وفيه إعرابات أخر. 2 يرأب: يجبر ويصلح، أثأت: فتقت وأفسدت، يد الغفلات: المقصود الأخطاء يتمنى عودة العمرالذي فات ليصلح ما أفسده بأخطائه في حياته، وأنى تكون العودة، فما فات قد فات!! الشاهد: دخول همزة الاستفهام على "لا" النافية للجنس في "ألا" فهي مكونة من كلمتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 ومن البيّن أن "ألا" هنا مكونة من كلمتين هما: همزة الاستفهام، لا: النافية للجنس. لكن، قد تستعمل "ألا" في اللغة كلمة واحدة، وذلك في موضعين: الأول: أن يقصد بها التنبيه والاستفتاح وتدخل حينئذٍ على الجملتين الفعلية والاسمية، كقول القرآن: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} 1. الثاني: أن يقصد بها الدعوة إلى فعل شيء ما، فإن كانت هذه الدعوة برفق سمى ذلك "العرض" وإن كانت الدعوة بشدة يسمى ذلك "التحضيض" ولا تدخل حينئذٍ إلا على الجملة الفعلية، كقول القرآن: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} 2 وقول الوالد لابنه "ألا تكفّ عن الإهمالِ فتذاكرَ دروسك". ومن الواضح أن "ألا" في هذين الموضعين لا علاقة لها بهذا الباب فهي حرف "استفتاح، أو عرض، أو تحضيض".   1 من الآية 62 سورة يونس. 2 من الآية 22 سورة النور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 حذف خبر "لا": من العبارات الشائعة التي تستخدم بيننا كثيرا "لا بُدَّ، لا محالةَ، لا شكَّ، لا بأسَ، لا ضيرَ" والخبر في كل هذه العبارات محذوف جوازا ويفهم من سياق الكلام، فالخبر يحذف اختصارا إذا كان معلوما، ومن هذا قول القرآن: {قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} 1 وقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} 2.   1 من الآية 50 سورة الشعراء. 2 من الآية 51 سورة سبأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 ظنَّ وأخواتها: 1- الأفعال التي تنصب المبتدأ والخبر مفعولين "معانيها، شواهدها، صورها" 2- المقصود بالمصطلحات النحوية الثلاثة "الإعمال، الإلغاء، التعليق" 3- إجراء القول مجرى الظن الأفعال التي تنصب المبتدأ والخبر: لاحظ الأمثلة الآتية: علمتُ الصدقَ منجيًا. ووجدتُ الكذبَ مهلكًا. وأظن ذلك بدهِيًّا. في الأمثلة السابقة: الأصل في الجمل أنها مكونة من مبتدأ وخبر، هما على التوالي في الأمثلة "الصدق منج، الكذب مهلك، ذلك بدهيّ" ثم دخلت عليها الأفعال الناسخة "علم، وجد، أظن" بعد أن استوفت فاعلها فنصب -في كل مثال- المبتدأ مفعولا أولا، والخبر مفعولا ثانيا. وينبغي التعرف على هذه الأفعال ومعانيها إجمالا وتفصيلا مع إيراد بعض الشواهد لها من الكلام العربي. تنقسم أفعال الباب كلها إلى قسمين رئيسين "أفعال القلوب" و"أفعال التصيير والتحويل" وإليك تفصيل الحديث في هذين النوعين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 أولا: أفعال القلوب: ويقصد بها ما يدل على معنى يعود إلى قلب الإنسان مثل "العلم والظن" وهذه الأفعال صنفان: الصنف الأول: أفعال اليقين: وهي التي تقيد التحقق من نسبة الخبر للاسم، كقولك: "علمتُ اللهَ موجودًا" فنسبة الوجود لله أمر محقق باستخدام الفعل "علم"، وأهم هذه الأفعال ستة هي "رَأى، عَلِمَ، وَجَدَ، دَرَى، ألْفَى، تَعَلَّم بمعنى اعْلَمْ". 1- رأى: من رؤية القلب لا من رؤية البصر، فهي التي تفيد العلم لا المشاهدة فإن الأخيرة تنصب مفعولا واحدًا فقط، ومثال "رأى" العلمية قول خداش بن زهير: رأيتُ اللهَ أكبرَ كُلِّ شيءٍ ... محاولةً وأكثرَهم جُنُودا1 2- عَلِمَ: كقول الشاعر: علمتُكَ الباذِلَ المعروف فانبعثتْ ... إليك بِي وَاجِفَاتُ الشَّوْقِ والأملِ2   1 الشاهد: في "رأيت الله أكبر كل شيء" فإن "رأى" بمعنى "علم" تنصب مفعولين، وأولهما كلمة "الله" وثانيهما كلمة "أكبر". 2 واجفات: جاء في القاموس: وجف بمعنى اضطرب، الواجف المضطرب ومن لوازم الاضطراب الاهتزاز، فالمقصود بواجفات الشوق والأمل: هزات الشوق والأمل. الشاهد: في "علمتك الباذل المعروف" فإن "علم" ينصب مفعولين الأول ضمير المخاطب، والثاني "الباذل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 3- وَجدَ: كقول القرآن: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} 1. 4- دَرَى: كقولك: "دريتُ الخبرَ صحيحًا". 5- ألفَى: بمعنى "وجد، علم" كقول القرآن: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} 2. 6- تَعَلَّمْ: بمعنى "اعْلَمْ" وهو ملازم للأمر -وسيأتي ذلك- كقول رياد بن سيَّارَ: تَعَلَّمْ شِفاءَ النَّفْسِ قَهْرَ عَدُوِّها ... فبالغْ بلُطفٍ في التَّحَيُّلِ والمَكْرِ3 الصنف الثاني: أفعال الرجحان: وهي التي تفيد التردد بين نسبة الخبر للاسم وعدم نسبته له، وإن كان الأرجح نسبته له، وذلك "كالظن والزعم" ونحو ذلك، تقول: "اليومَ أظن   1 من الآية 30 سورة المزمل. 2 من الآية 69 سورة الصافات. 3 اعلم أن النفس الحرة يريحها قهر عدوها، فاسلك لذلك كل ما تقدر عليه من وسائل المكر والحيلة. الشاهد: في الشطر الأول "تعلم شفاء النفس قهر عدوها" فإن الفعل "تعلم" بمعنى "اعلم" ينصب مفعولين، الأول "شفاء النفس" والثاني "قهر عدوها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 الجوَّ باردا وأحسبُ المطرَ منهمرا" وأهم هذه الأفعال سبعة "ظَنَّ، حَسِبَ، خَالَ، زَعَمَ، عَدَّ، حَجَا، هَبْ، بمعنى: افْرِض". 1- ظَنَّ: كقولك "أظنُّ الفوزَ مؤكدًا مع أنَّ الجهدَ شاقٌّ". 2- حَسِبَ: كقول لبيد: حسبتُ التُّقَى والجودَ خيرَ تجارةٍ ... ربَاحًا إذا ما المرءُ أصبح ثَاقِلا1 3- خَالَ: بمعنى "ظنَّ" ومضارعه "يخَالُ" بخلاف "خَالَ" بمعنى "سَاسَ ورَعَى" فمضارعه "يخُولُ" وليس مما نحن فيه، ومن شواهد الناصب للمفعولين: إخالُكَ إن لم تغضُض الطَّرْفَ ذَا هوى ... يَسُومُك ما لا يُستطاعُ من الوَجْدِ2   1 الناقل: الميت، فالبدن خفيف ما دام به الروح، فإذا خرج الروح ثقل. يقول: حين يموت المرء فخير ما يربحه من دنياه التقى والجود، هكذا حسب لبيد. الشاهد: في الشطر الأول "حسبت التقى والجود خير تجارة" فإن الفعل "حسب" من أفعال الرجحان ينصب مفعولين، الأول "التقى والجود" والثاني "خير تجارة". 2 إخال: مضارع "خال" للمتكلم، وينطق بكسر الهمزة وفتحها، تغضض الطرف: تصرف النظر عن الحسان ومفاتنهن، يسومك: يكلفك ويحملك. يقول: إذا لم تصرف عينيك عن الحسان، فأظن أنك ستقع في الحب، وحينئذٍ تتحمل من تباريحه وجدا فوق الطاقة. الشاهد: "إخالك ذا هوى" فإن "إخال" من أفعال الرجحان ينصب المفعولين، الأول ضمير المخاطب، والثاني "ذا هوى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 4- زَعَمَ: كقولك "زعم الجاحدون القرآنَ كلامَ البشَر". 5- عَدَّ: بمعنى "ظن وحسب" لا بمعنى "ذكر مقدار الأعداد" تقول "عددتُ الصداقةَ وفاءً فخانني الصَّديق" فهذه تنصب المفعولين بخلاف "عددت ما معي من النقود" بمعنى "أحصيته" فلا تنصب إلا مفعولا واحدا، ومن شواهد الناصبة للمفعولين قول النعمان بن بشير: فلا تعدُد المولَى شريكَك في الغنى ... ولكنَّما المولى شريكُك في العُدْمِ1 6- حَجَا: بمعنى "ظن وحسب" أيضًا لا بمعنى "غلب في المحاجاة" وهي الجدل، تقول: "حجوتُ العهدَ ثقةً، فضَاعتْ الثقة" فهذه تنصب مفعولين، بخلاف "حجوتُ المجادِلَ" بمعنى "أفحمته وغلبته" فإنها تنصب مفعولا واحدا. 7- هَبْ: بمعنى "افرِضْ" ومعناها بالنسبة للمخاطب: افرضْ مرجحا نسبة الخبر للاسم، كقولك "هَبْ قولَك صحيحا فما الرأي!! " وهذه تنصب مفعولين، بخلاف "هَبْ" بمعنى "أعْطِ" كقولك "هبْ مالا للفقراء"   1 لا تعدد: لا تحسب، المولى: من معانيه الصديق والحليف، العدم: الفقر. يقول: ليس الصديق صديق اليسر والغنى، بل الصديق الحق صديق العسر والفقر. الشاهد: في الشطر الأول "لا تعدد المولى شريكك في الغنى" فإن "تعدد" مضارع "عد" بمعنى "حسب" وهي من أفعال الرجحان تنصب مفعولين الأول "المولى" والثاني "شريك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 فهذه تنصب مفعولا واحدا، ومن شواهد التي تنصب مفعولين قول عقبة بن هبيرة الأسدي يخاطب معاوية: فهبْها أمَّةً هلكتْ ضَيَاعًا ... يزيدُ أميرُها وأبو يزيدِ1 ثانيا: أفعال التعبير والتحويل: وهي التي تفيد تحول معنى الاسم إلى معنى الخبر، تقول: "صيَّرَ النجَّارُ الخشَبَ كرسيًّا وجعلَ الصائغُ الذهبَ قِلادةً"، فمن البيّن أن الخشب قد تحول -بالصنعة- إلى كرسي، وأن الذهب قد تحول -بمهارة الصائغ- إلى قلادة، وأهم أفعال التصيير والتحويل سبعة هي "صَيَّرَ، جَعَلَ، اتَّخَذَ، تَخِذَ، رَدَّ، تَركَ، وَهَبَ". 1- صيَّرَ: كقولك: "صيرتُ الصّدقَ عادةً لي". 2- جَعَلَ: بمعنى "صيّر" كقولك لصديق مريض: "جعلني الله فداءك" ومن ذلك قول القرآن: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} 2. 3- اتَّخَذَ: بمعنى "صيّر" أيضًا، كقولك: "اتخذْتُ الضّميرَ هاديًا في سلوكي واتخذتُ العقلَ مرشدًا في تفكيري" ومن ذلك قول القرآن: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} 3.   1 هب بمعنى "افرض" وهي في البيت نصبت مفعولين، الأول "ضمير الغائبة" والثاني كلمة "أمة". 2 الآية 23 سورة الفرقان. 3 من الآية 125 سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 4- تَخِذَ: بفتح التاء وكسر الخاء، وبذلك قرئت الآية: {قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} 1. 5- رَدَّ: بمعنى "حوّل" كما رُوِيَ من قول عبد الله بن الزبير: رَمَى الحِدْثانُ نسوةَ آلِ حربٍ ... بمقْدارٍ سَمَدْنَ له سُمُودَا فردَّ شُعُورَهُنَّ السُّودَ بيضًا ... ورَدَّ وجوهَهنَّ البيضَ سودَا2 6- تَرَكَ: بمعنى "صيَّر" والمقصود بذلك أنه صار على صفة الخبر، ثم ترك بعد ذلك وصرف النظر عنه. كقول أحد بني مرة يعتب على ابنه العاقّ: وربّيْتُهُ حتى إذا ما تركتُه ... أخا القومِ واستغْنى عن المسْحِ شاربُه فلما رآني أُبصرُ الشخصَ أشخُصًا ... قريبا وذا الشَّخصَ البعيدَ أقارِبُه تغمَّط حقي باطلًا ولَوَى يدي ... لَوَى يدَهُ اللهُ الذي هو غالبُه3   1 من الآية 77 سورة الكهف. 2 الحدثان بكسر الحاء وسكون الدال: نوازل الدهر ونوائبه، المقدار: حادث القدر غير المنتظر، سمدن: وقفن متحيرات حزينات. الشاهد: في البيت الأخير كله، حيث استعملت "رد" من أفعال التصيير والتحويل، فنصبت في كلتا الشطرتين مفعولين. 3 استغنى عن المسح شاربه، المقصود: أنه شب وقام بشئونه وحده، أبصر الشخص أشخصًا: كناية عن ضعف البصر، وأيضًا "ذا الشخص البعيد أقاربه"، فهو لا يرى البعيد إلا بالقرب منه، ويرى القريب مهتزا أمام عينيه فكأنه كثير، تغمط حقي: أضاعه واحتقره يقول: ربيته حتى استغنى بنفسه، وصار له شأن بين قومه، فلما كبرت وضعف بصري، أضاع حقي، وأهانني، ومنه لله!! والله قوي يعاقبه على عقوقه وجهله. الشاهد: قوله "تركته أخا القوم" فإن الفعل "ترك" بمعنى "صير" ينصب مفعولين، أولهما "ضمير الغائب" وثانيهما "أخا القوم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 7- وَهَبَ: بمعنى "جعل" ويذكر شاهدًا لذلك العبارةُ المشهورة "وَهَبَنِي اللهُ فداك" بمعنى "جعلني الله فداك" وهذا الفعل ملازم للماضي. صورها، تصرفها: لاحظ ما يلي: - ظن، يظُنُّ، ظُنَّ، ظنَّا، ظانّ، مظنون. - علم، يعْلم، اعلمْ، علْمًا، عالم، معلوم. الأفعال التي تنصب مفعولين جميعًا -سواء في ذلك أفعال القلوب بنوعيها: اليقين والرجحان، أم أفعال التصيير والتحويل- تتصرف تصرفًا كاملًا فيأتي منها الماضي والمضارع والأمر والمصدر واسم الفاعل واسم المفعول، وفائدة ذلك نحويًّا أن كل ما تصرف منها ينصب معه المفعولان أيضًا -تمامًا كما هو الشأن مع الماضي- تقول: "يعلمُ المؤمنُ لقاءَ الله حقًّا، أما الجاحدُ فظانٌّ الحياةَ عبثًا وزاعمٌ النشورَ خرافةً". لكن يستثنى من هذا الحكم السابق ثلاثة أفعال جامدة لا تتصرف حين استعمالها في هذا الباب، وهي: 1- تعلم: من أفعال اليقين، وما دام بهذا المعنى فهو ملازم لصيغة الأمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 2- هَبْ: من أفعال الرجحان، وما دام بهذا المعنى فهو ملازم لصيغة الأمر. 3- وَهَبَ: من أفعال التصيير، وما دام بهذا المعنى فهو ملازم لصيغة الماضي. هذا، وينبغي في نهاية هذا العرض الذي طال للتعرف على هذه الأفعال التنبه للملاحظتين الآتيتين: الأولى: "أن واسمها وخبرها" تأتي كثيرًا مع بعض هذه الأفعال فتسد مسدّ المفعولين، كقولك: "علمت أنَّ الحلمَ قوةٌ، ورأيت أنّ الحمقَ ضعفٌ"، ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى: فقلتُ تعلَّمْ أنّ للصّيدِ غِرَّةً ... وإلا تُضيِّعْها فإنك قاتلُه1 فتكون "أن للصيد غرة" في محل نصب سدت مسد مفعولي "تعلَّمْ". ومن ذلك أيضًا قول عبيد الله بن مسعود:   1 غرة: غفلة. البيت صورة رائعة يمكن أن تكون مثلا، يقول: "إن للصيد غفلة، فإذا لم تضيعها ورميته، قتلته" وهذا المعنى يمكن قوله في كل موقف في الحياة "فيه تحين الفرصة واستغلالها". الشاهد: في "تعلم أن للصيد غرة" فإن الفعل "تعلم" بمعنى "اعلم" من أفعال اليقين ينصب المفعولين، وقد سدت "أن واسمها وخبرها" مسدهما في قوله "أن للصيد غرة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 فذُقْ هجْرَها قد كُنتَ تزعمُ أنّه ... رشادٌ ألا يا رُبّما كذبَ الزَّعْمُ1 فتكون "أنه رشاد" في محل نصب سدت مسد مفعولي "تزعم". الثانية: جاء في شذور الذهب ما يلي نصًّا: "ظن" بمعنى "اتَّهم" تتعدى لواحد، نحو قولك: "عُدِمَ لي مالٌ فظننتُ زيدًا" ومنه قول الله تعالى: "وما هو على الغيب بظنين" أي ما هو بمتهم على الغيب، وأما من قرأ بالضاد، فمعناه: ما هو بخيل، وكذلك "عَلِمَ" بمعنى "عَرَف" نحو: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً} ، و "رأى" من "الرّأي"، كقولك: "رأى أبو حنيفةَ حِلَّ كذا أو حُرمتَه" و "حَجَا" بمعنى "قصد" نحو "حجوتُ بيتَ الله"، ومن "وَجَد" بمعنى "حزِن أو حقَد" فإنهما لا يتعديان بأنفسهما، بل تقول: "وَجَدْتُ على الميت" و"وَجَدْتُ على المسيء" ا. هـ. ومضمون هذا النص باختصار: أن أفعال هذا الباب إذا خرجت عن المعاني العامة التي سبق ذكرها -لم تكن قلبية أو للتحويل- لا تكون من هذا الباب، فلا تنصب مفعولين، بل تكون -مما ورد في النص- كما يلي: 1- ما ينصب واحدًا فقط، وذلك "ظن: بمعنى اتَّهم، عَلِمَ: بمعنى عرف، رأى، من الرّأي، حَجَا: بمعنى قصد".   1 يقول: كنت تزعم أن هواها هدى، وكثيرًا ما يكذب الزعم، لقد هجرتك، والهجر عذاب تذوقه الآن. الشاهد: "تزعم أنه رشاد" فإن الفعل "تزعم" ينصب مفعولين، وقد سدت مسدهما "أن واسمها وخبرها" في "أنه رشاد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 2- ما لا ينصب شيئا أصلا، وذلك "وجد: بمعنى حزن أو حقد". الإعمال والإلغاء والتعليق: هذه المصطلحات الثلاثة خاصة بأفعال القلوب المتصرفة ولا شأن لها بأفعال التصيير ولا بأفعال القلوب غير المتصرفة "هبْ، تعلَّمْ" فلنلاحظ الأمثلة الآتية: - وجدتُ الخبرَ صادقًا. إعمال. - الخبر -وجدتُ- صادقٌ. - والإشاعةُ كاذبةٌ علمتُ. إلغاء. - ما يدري القاضي أحكْمُه صوابٌ أم خطأ؟ لكنه مجتهد - ولا يعلم الإنسانُ ما العاقبةُ عند الله؟ لكنه يعمل تعليق. الإعمال: معناه وجوب نصب المفعولين، ويكون ذلك إذا تقدمت هذه الأفعال على المفعولين جميعًا، كالمثال السابق "وجدت الخبر صادقًا". الإلغاء: معناه إلغاء نصب المفعولين لفظًا وتقديرًا: فتعود الجملة مرة ثانية إلى باب المبتدأ والخبر -ويكون ذلك إذا توسطت هذه الأفعال بين المفعولين أو تأخرت عنهما، كالمثالين السابقين "الخبر، وجدت، صادق" و "الإشاعة كاذبة علمت"، ومن شواهد التوسط قول منازل بن ربيعة: أبا لأراجيز يا بن اللُّؤم تُوعدُني ... وفي الأراجيز خلْتُ اللؤمُ والخَورُ1   1 الأراجيز: جمع أرجوزة، وهي المنظومة من بحر الرجز، توعدني تتهددني، الخور: الضعف. يسخر ممن هدده بشعر من بحر الرجز، مقررًا أن الرجز صنعة اللؤم والضعف. الشاهد: في الشطر الثاني "في الأراجيز، خلت، اللؤم والخور" حيث توسطت "خلت" بين المفعولين، فعادت الجملة إلى باب المبتدأ والخبر؛ لأن الفعل قد ألغي بالتوسط، والجملة في الأصل هي "في الأراجيز اللؤم والخور". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 ومن شواهد التأخير قول الشاعر: القومُ في أثرِي ظننتُ فإن يكنْ ... ما قد ظننتُ فقد ظفرتُ وخابُوا1 ومن ذلك أيضا قول أبي أسيدة الدّبيري يشكو رئيسي قبيلته اللذين يستأثران بالغنى ولا يفيدان القبيلة خيرا، وأنهما بهذا الغنى يتسلطان ويسودان: وإنّ لنا شيخين لا ينفعاننا ... غنيَّين لا يُجدي علينا غناهما هما سيِّدانا يزعمان وإنما ... يسودانِنَا إنْ أيسرَتْ غَنَمَاهما2 وهنا ينبغي التنبه إلى أن الإلغاء -مع التوسط والتأخير- جائز لا واجب   1 الشاهد: في "للقوم في أثري ظننت" فقد جاء الفعل "ظننت" متأخرا عن المفعولين، فألغي، وعادت جملة "القوم في أثري" إلى باب المبتدأ والخبر. 2 الشاهد: في البيت الثاني "هما سيدانا يزعمان" حيث تأخر الفعل "يزعم" عن المفعولين فألغي، وعادت جملة "هما سيدانا" إلى المبتدأ والخبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 إذ يصح الإعمال، فتقول: "الخبرَ وجدتُ صادقًا" أو "الخبرَ صادقًا وجدتُ". التعليق: معناه إبطال العمل في اللفظ دون التقدير، ويكون ذلك إذا اعترض بين هذه الأفعال وبين المفعولين ما له صدارة الكلام، حينئذٍ يمتنع تأثيرها لفظا، ويبقى تأثيرها في التقدير أو المحل، وهذا غريب!! ومن أهم الأمور التي تعترض بين هذه الأفعال والجملة بعدها، فتؤدي إلى التعليق -بمعناه السابق- ما يتخلص في الآتي: أ- أدوات الاستفهام، سواء أكانت حروفًا أم أسماء، كقول القرآن عن أهل الكهف: {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} 1 وقوله: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} 2. ب- حروف النفي "ما، لا، إنْ" كقولنا في النصح: "اعْلمْ ما الكذبُ أسلوبُ الأقوياء" وكذلك "أظنُّ لا الكذبُ مفيدٌ مرتكبَه ولا النّفاق". ج- لام الابتداء الداخلة على المبتدأ، كقولنا "أعلمُ لَلحريَّةُ في حاجةٍ إلى مستوى راقٍ من النفوس". د- لام القسم -أي اللام التي تأتي في جواب القسم- كقول لبيد: ولقد علمتُ لتأتيَنَّ منيَّتي ... إنّ المنايا لا تطيشُ سهامها3   1 من الآية 12 سورة الكهف. 2 من الآية 227 سورة الشعراء. 3 المنايا: جمع "منية" وهي الموت، لا تطيش سهامها: لا تخطئ والمقصود: أن الموت لا بد منه. الشاهد: في "علمت لتأتين منيتي" فإن الفعل "علمت" معاق عن العمل بواسطة لام القسم في "لتأتين منيتي" فإن اللام الواقعة في أول هذه الجملة تسمى "لام جواب القسم" وأصل الكلام "والله لتأتين منيتي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 قال أصحاب صناعة النحو: والدليل على أن هذه الأفعال المعلّقة عاملة في التقدير أنه يعطف على الجملة بعدها بالنصب، ولولا أنها منصوبة تقديرًا ما صح هذا العطف، وذلك كقول كثير عزَّة: وما كنت أدْرِي قبلَ عزَّةَ ما البُكَا ... ولا مُوجِعَاتِ القلبِ حتَّى تولّتِ1 فجملة "ما البكا" مكونة من مبتدأ وخبر في محل نصب بالفعل المعلق "أدري" وكلمة "موجعات" معطوفة عليها، وهي منصوبة بالكسرة. ومن الطريف أن يذكر هنا ما قاله "ابن هشام" تعليقا على هذا المصطلح الأخير -التعليق- قال: سمّي ذلك تعليقًا؛ لأن العامل ملغى في اللفظ وعامل في المحل فهو عامل لا عامل؛ فسمي معلقا أخذا من المرأة المعلقة -التي أساء إليها زوجها فأهملها دون أن يطلقها، فلا هي مزوَّجة ولا هي مطلقة- ولهذا قال ابن الخشاب -أحد النحاة- لقد أجاد أهل هذه الصناعة في وضع هذا اللقب لهذا المعنى ا. هـ. هذا، وقد أشكل على هذه المصطلحات السابقة البيتان الآتيان:   1 دلت كلمة "موجعات" على أن الفعل المعلق عامل في المحل لا في اللفظ فهي معطوفة على الجملة عنها الفعل وهي "ما البكا" ولولا أن هذه الجملة في محل نصب، ما نصبت كلمة "موجعات". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 - قول زهير بن أبي سلمى: أرجو وآمُلُ أن تدنو مَوَدَّتُها ... وما إخَالُ لدينا منك تَنْوِيلُ1 فقد وردت جملة "لدينا منك تنويلُ" هكذا بالرفع، دون وجود ما يقتضي الإلغاء أو التعليق للفعل "إخَال". - قول الشاعر: كذاك أُدِّبْتُ حتى صار من خُلُقِي ... أنِّي وَجَدْتُ مِلاكُ الشّيمةِ2 الأدبُ فقد وردت جملة "ملاكُ الشيمة الأدبُ" هذا بالرفع، دون وجود ما يقتضي الإلغاء أو التعليق للفعل "وجد". وقد خضع هذان البيتان لتخريج الصنعة النحوية كما يلي:   1 رجاء بلا تحقق.. إنه يرجو قرب مودتها، لكنها لا تنيله ذلك، هكذا يظن. الشاهد: في الشطر الثاني "ما إخال لدينا منك تنويل" حيث وردت الجملة بعد الفعل "إخال" مرفوعة، وليس هناك ما يستوجب الإلغاء أو التعليق، والرد أن هذه الجملة في موضع المفعول الثاني، والمفعول الأول ضمير الشأن محذوف أو أن الجملة معلقة بلام ابتداء محذوفة. 2 الشيمة: الطبيعة والجبلة. الشاهد: في الشطر الثاني "وجدت ملاك الشيمة الأدب" فقد جاءت الجملة بعد الفعل "وجدت" مرفوعة بدون إلغاء ولا تعليق، والرد مثل ما قيل عن البيت السابق مباشرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 أولا: أن ذلك أسلوب إعمال: والمفعول الأول ضمير الشأن محذوف والجملة الاسمية المذكورة في محل نصب هي "المفعول الثاني" وتقدير الكلام "وما إخاله لدينا منك تنويل" و "وجدتُه لَمِلاكُ الشيمة الأدبُ". ثانيا: أن ذلك أسلوب تعليق: والمعلّق محذوف وهو "لام الابتداء" والجملة في محل نصب بالفعل قبلها، وتقدير الكلام "وما إخال لَدَينا منك تنويل" و "وجدت لَمِلاكُ الشيمة الأدبُ". إجراء القول مجرى الظن: الأصل في مادة "ق، و، ل" أي "قال، يقول، قُلْ، قَوْل، قائل ... إلخ" أنها تدل على الحديث بشيء مفيد ذكره القائل، وهذا الحديث المفيد أقله جملة، سواء أكانت اسمية أم فعلية. من أجل ذلك تفرد القول بصيغه المختلفة في النحو بحكم خاص هو أن مفعوله لا بد أن يكون جملة، ويطلق عليها نحويًّا "مَقُول القول" وربما جاء جملا متعددة ويطلق عليها جميعا أنها "مقول القول" أيضا، مثل "ممّا قال الرسول: الحلالُ بيِّنٌ والحرامُ بيِّنٌ" ومثل "مما قاله أنس خادمه: خدمت النَّبي عشْر سنين فما قال لي أفٍّ قط". هذا هو الأصل، لكن يخرج عن هذا الأصل استعمال خاص لهذه المادة حين تستعمل بمعنى "الظن" وبعبارة أوضح: حين تخرج عن معناها الأصلي الكثير الاستعمال الذي يعود إلى اللسان وهو "التحدث" إلى معنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 آخر يعود إلى القلب وهو "الظن" كما تسأل صديقك " أتقولُ العربَ مُتَّحدين بعد فُرْقَة؟؟ " ومعناه -كما هو واضح- "أتظن العربَ متحدين بعد فرقة؟ ". ويبدو أن استعمالها في هذا المعنى الأخير إنما جاءها عن طريق ما يسمى "التضمين" وهو أن تحمل كلمة معنى كلمة أخرى، فتعامل معاملة تلك الكلمة الأخرى نحويا. على كلّ، إذا جاء القول بمعنى الظن، فقد استعمل في اللغة -مع جملته- كما يلي: أولا: أن يعامل باعتبار الأصل، فتكون الجملة بعده في محل نصب "مقول القول" كقولنا في المثال السابق: "أتقول: العرب متحدون بعد فرقة؟ ". ثانيا: يجوز إلى جوار الوجه السابق أن يعامل باعتبار معناه الذي طرأ عليه وهو "الظن"، فينصب المبتدأ والخبر بعده مفعولين، وذلك على التفصيل التالي: أ- قبيلة بني سُليم، روي عنها نطق المفعولين منصوبين مطلقا، ومعنى الإطلاق أنه لا شروط في صيغة القول نفسها ولا في الجملة التي ترد فيها فما دامت بمعنى "الظن" فإنه يصح نصب المفعولين، فعلى لغتهم يقال: "قُلتُ: الجوَّ دافئا فإذا به باردٌ" ويقال: "قل الخيرَ في جانب الله". ب- معظم قبائل العرب لا ينصب في نطقها المبتدأ والخبر إلا في جملة اجتمع لها صفات أربع تجمعها العبارة التالية "أن يكون القول فعلا مضارعا للمخاطب، تقدم عليه استفهام، ولا فاصل بينه وبين الفعل إلا الظرف أو الجار والمجرور". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 فإذا استوفى هذه الشروط صح فيه نصب المفعولين بالإضافة إلى اعتبار الأصل، وإلَّا فإنه يجب اعتبار الأصل فقط، ومن شواهد ذلك ما يلي: - قول هدبة بن خشرم العذري: متى تقولُ القلصَ الرَّوَاسِمَا ... يُدْنِينَ أمَّ قاسمٍ وقاسما1 وهذا مستوف الشروط الأربعة. - قول الشاعر: أبعْدَ بُعْدٍ تقولُ الدَّارَ جامعة ... شمْلِي بهم أم تقولُ البُعْدَ محتوما2 والشطر الأول مستوف الشروط -مع الفصل بالظرف- والشطر الثاني مستوف الشروط تمامًا.   1 القلص: الإبل الشابة، الرواسم: السريعة السير. الشاهد: إجراء القول مجرى الظن في "تقول القلص الرواسما يدنين أم قاسم وقاسما" وقد استوفى الشروط، فنصب مفعولين، أولهما "القلص" وثانيهما الجملة الفعلية "يدنين". 2 أجرى في هذا البيت القول مجرى الظن في الشطر الأول "أبعد بعد تقول الدار جامعة" وقد استوفى الفعل الشروط، فنصب المفعولين، الأول "الدار" والثاني "جامعة" مع أنه فصل بين الفعل والاستفهام بالظرف "بعد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 أعلم وأرى وأخواتهما : هذا الباب الأخير من النواسخ يقوم على فكرتين هما: الأولى: أن الأفعال في اللغة العربية تستعمل معها همزة تسمى "همزة التعدية" وهي تأتي في أول الأفعال الثلاثية قياسا، وفائدتهما النحوية أن الفعل معها يزاد مفعولا به، ومعنى ذلك أنه إذا كان لازما، تعدّى لواحد، وإن كان متعديا لواحد تعدى لاثنين، وإن كان متعديا لاثنين تعدى لثلاثة فلنلاحظ الأمثلة الآتية: نام الطفلُ في فراشه. أنامتْ الأُمُّ الطفلَ في فراشه. لبِس الصغيرُ ملابسَه. ألبست الأمُّ الصغيرَ ملابسَه. عَلِمَ الطفلُ الوقتَ متأخرا. أعلمت الأمُّ الطفلَ الوقتَ متأخرا الثانية: ما سبقت الإشارة إليه من أن الفعل إذا ضمن معنى فعل آخر فإنه يعامل نحويا معاملته. إذا عرف ذلك، فإنه بمقتضى الفكرة الأولى، فإن الفعلين "علم، رأى" اللذين ينصبان المفعولين اللذين أصلهما المبتدأ والخبر إذا دخلت عليهما همزة التعدية فصارا "أرى، أعلم" بمعنى "أريته الشيء وأعلمته به" أي "جعلته يراه ويعلمه" زاد كل منهما مفعولا، فصار المنصوب بعدهما ثلاثة مفاعيل، تقول: "أعلمتُ الأمِّيَّ القراءةَ مفيدةً" وتقول: "أريتُ الجاحدَ اللهَ حقًّا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 وبمقتضى الفكرة الثانية -التضمين- فإن هناك أفعالا خمسة تحمل معنى "أعلمه الشيء وأراه له" وهي "أنْبَأ، نَبّأ، أخْبَرَ، خَبَّرَ، حَدَّثَ" وينصب بعدها أيضًا ثلاثة مفاعيل، تقول: "أنبأتُ الأهلَ النجاحَ رائعًا" وتقول: "خبَّرتْ الإذاعةُ الناسَ الحفلَ مؤجلًا". وخلاصة الأمر في هذا الموضوع: أن الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل، الثاني، والثالث أصلهما المبتدأ والخبر سبعة أفعال هي "أعْلَمَ، أرَى، أَنْبَأ، نبَّأ، أخْبَرَ، خَبَّرَ، حَدَّثَ". ومن شواهد هذه الأفعال ما يلي: - قول القرآن: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} 1. - قول العوام بن عقبة بن كعب بن زهير: وخُبّرتُ سودَاء الغَمِيمِ مريضةً ... فأقبلتُ من أهلي بمصر أعودُها فيا ليت شعْري هل تغيَّر بعدنا ... ملاحةُ عيْني أمِّ يحْيى وجيدُها وهل أخْلقتْ أثوابُها بعد جِدَّةٍ ... ألا حبَّذا أخلاقُها وجديدُها ولم يبق يا سوداءُ شيءٌ أحبُّهُ ... وإنْ بقيتْ أعْلامُ أرض وبيدُها2   1 من الآية 167 سورة البقرة. 1 الشاهد: الشطر الأول من البيت الأول "خبرت سوداء الغميم مريضة" فإن الفعل "خبر" نصب بعده ثلاثة مفاعيل، أولهما ما صار "نائب الفاعل، وهو التاء، والثاني "سوداء الغميم" والثالث "مريضة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 تدريبات : التدريب الأول: قال عنترة1: ولقد أبيتُ على الطَّوَى وأَظَلُّه ... حتّى أنالَ به كريم المأْكَلِ وإذا الكَتيبةُ أحجمت وتلاحظت ... ألفيتُ خيرًا من مُعَمٍّ مُخْوَلِ والخيل تعلم والفوارس أنَّني ... فَرَّقْتُ جمعهم بطعنة فَيْصَلِ بَكَرَتْ تخوِّفُني الحُتُوفَ كأنني ... أصبحت عن غرض الحتوفِ بمعزلِ فأجبتها إن المنية منهل ... لا بد أن أُسقى بكأس المنهلِ فاقْنَيْ حياءك لا أبا لكِ واعلمي ... أنّي امرؤ سأموت إن لم أُفتل إن المنية لو تُمَثَّل مثّلت ... مثلي إذا نزلوا بضَنْكِ المنزِلِ والخيل ساهمة الوجوه كأنما ... تُسقى فوارسُها نقيعَ الحنظَل وإذا حُمِلتُ على الكريهة لم أقل ... بعد الكريهة ليتني لم أفعلِ 1- "أبيت على الطوى" هل تعرف صيغة أخرى لمضارع "بات" اذكرها وبيّن في الجملة اسم الفعل الناسخ وخبره. 2- "أظله" طبق على هذه الجملة ما درسته من قاعدة اتصال الضمير وانفصاله في باب الضمير.   1 ديوان عنترة، طبع بيروت سنة 1958، والأبيات واردة بالترتيب غير بيتين بعد البيت الثالث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 3- "ألفيتُ خيرا من معم محول" لأي أبواب النواسخ تنسب هذه الجملة؟ طبق ما تذكره على الجملة نفسها. 4- "بكرت تخوفني الحتوف" انسب هذه الجملة لأحد أقسام "كاد وأخواتها" ثم حللها تفصيلا. 5- "أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل" ما نوع خبر أصبح في هذه الجملة، مفردا أو شبه جملة!! أيد ما تقول نحويا. 6- "لا بد أن أسقى بكأس المنهل" أسلوب متكامل "للا: النافية للجنس" حدد فيه الاسم والخبر ونوع كل منهما. 7- من العبارات التي استخدمت في الشتم قديما "لا أبا لك" وجّه إعرابها باعتبار "لا" نافية للجنس. 8- "الخيل ساهمة الوجوه" أدخل هذه الجملة في أسلوبين أحدهما للإلغاء والآخر للتعليق، ثم أعرب الجملتين. 9- أين مقول القول في البيت الأخير!! اذكر الموقع النحوي لجملة القول كلها، والموقع النحوي لمقول القول وحده. التدريب الثاني: قال قيس بن رفاعة يتهدد1: من يصلَ ناري بلا ذنبٍ ولا تِرَةٍ ... يصلَ بنار كريمٍ غيرِ غدّارِ   1 الأمالي ج1 ص11، 12. مفردات النص كله: المدلج: السائر من أول الليل، حوجاء: حاجة، العوج: بكسر العين يستعمل غالبا في الالتواء في الأمور المعنوية، قدح: سهم، النبعة: شجرة تؤخذ منها السهام، الوتر: الثأر، الإصحار: الصحراء والعراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 أنا النذيرُ لكم مني مجاهر ... كي لا ألامَ على نهيٍ وإنذارِ فإن عصيتم مقالي اليوم فاعترفوا ... أنْ سوف تلقَون خِزْيًا ظاهرَ العارِ لترجعُنَّ أحاديثًا ملعَّنةً ... لَهْوَ المقيم ولهوَ المدْلج السَّاري من كان في نفسه حَوْجَاءُ يطلبها ... عندي فإني له رهن بإصْحارِ أقيم عَوجَته إن كان ذا عِوَج ... كما يُقَوَّمُ قِدْحَ النّبْعَةِ الباري وصاحب الوِتْرِ ليس الدهرَ مُدركه ... عندي وإنِّي لدرّاكٌ بأوتارِ 1- في البيت الأول كلمة "من" اسم شرط مبتدأ، فأين خبره؟ وما حكم الترتيب بين هذا المبتدأ وخبره؟ 2- "بلا ذنب ولا ترة" لماذا تعتبر "لا" غير نافية للجنس؟ وما نوعها إذن؟. 3- "اعترفوا أنْ سوف تلقون خزيا" هذا أسلوب "أن" المخففة من الثقيلة، فحدد سماته عمليا من هذه العبارة، ثم أعربها كلها. 4- "لترجعُنّ أحاديثا ملعنة" انسب هذه الجملة إلى باب "كان وأخواتها" ثم أعربها بالتفصيل. 5- بين اسم كان وخبرها في الجملتين "كان في نفسه حوجاء، كان ذا عوج" ثم اشرح الترتيب في الجملتين، وحكمه من حيث الجواز والوجوب. 6- أين خبر الكلمات الآتية في البيت الأخير "صاحب الوتر، ليس، إن" بين بعد ذلك نوعه من حيث المفرد والجملة. 7- الكلمات "غير غدار، لهو المقيم، مجاهرة، اليوم، الدهر"، أعربها كما وردت في النص ملتزما في الإعراب الوظيفة والشكل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 8- لماذا وردت كلمة "قيس" في التقديم للنص ممنوعة من الصرف وهي أصلا منصرفة؟ ولماذا وردت كلمة "أحاديثا" مصروفة وهي أصلا ممنوعة من الصرف؟. 9- زن الكلمات الآتية "ترة، ألام، مقال، أقيم، تلقون" ملتزما في الميزان نطقها في النص. التدريب الثالث: نسبت الأبيات الآتية إلى أحد الأعراب الذين قدموا من البادية وعاشوا في بغداد في العصر العباسي الأول، واسمه "أبو العميثل"1 وهي: كنتُ مشغوفًا بكم إذ كنتم ... دوحةً لا يبلغ الطير ذراها وإذا مُدّتْ إلى أغصانها ... كفُّ جانٍ قُطِّعت دونَ جنَاها فتراخى الأمر حتى أصبحتْ ... هَمَلًا يطمع فيها من يراها لا يراني الله أرعى روضةً ... سهلة الأكناف من شاء رعاها لا تظنوا بي إليكم رجعة ... كشف التّجريبُ عن عيني عماها وصبابات الهوى أولها ... طمعُ النّفس وهذا منتهاها 1- الجملة الفعلية "لا يبلغ الطير ذراها" صفة لكلمة "دوحة"، أما الجملة الفعلية "يطمع فيها من يراها" فليست صفة لكلمة "هملا" بل هي من "تعدد الخبر" قدم الأدلة النحوية على هذا التوجيه للجملتين.   1 لم أتمكن -رغم الجهد- من التحقيق المؤكد لهذه النسبة، مع أن الأبيات مشهورة ومتداولة، وأرجو أن أتمكن من هذا في وقت لاحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 2- في البيتين الرابع والخامس فعلان ناسخان ينصبان المبتدأ والخبر مفعولين، حددهما، وحدد مفعولَي كل منهما. 3- في البيت الأخير ثلاث كلمات تعرب مبتدأ هي على التوالي "صبابات، أولها، هذا" اذكر خبر كل منها. 4- من أي أنواع الأسماء المعتلة الكلمات "ذراها، جناها، عماها، منتهاها" زنها صرفيا، ثم اذكر ما يقدر على كل منها من حركات الإعراب كما جاءت في سياق النص. 5- كلمة "جانٍ" حللها صرفيا، وبناء على هذا التحليل أعربها كما وردت في جملتها الشرطية. التدريب الرابع: قال القاضي عبد العزيز الجرجاني عن "العلم" وتكريمه1: يقولون لي فيك انقباضٌ وإنما ... رأوا رجلا عن موقف الذلّ أحْجَمَا وما زلت منحازًا بعرضي جانبا ... من الذّم أعتدُّ الصيانةَ مغنما إذا قيل هذا مشربٌ قلت قد رأى ... ولكنّ نفس الحر محتمل الظَّما ولم أقض حق العلم إن كان كلما ... بدا طمع صيرته لي سلّما ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأَخدم من لاقيتُ لكن لأخدما أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة ... إذن فاتباعُ الجهل قد كان أحزما ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظَّموه في النفوس تعظما ولكن أذلُّوه فهان ودنَّسوا ... مُحيَّاه بالأطماع حتى تجهَّما   1 يتيمة الدهر، الثعالبي، الجزء الرابع، ص22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 1- ما مسوغ مجيء المبتدأ نكرة في جملة "فيك انقباض" اذكر موقع ومحل هذه الجملة بالنسبة لما قبلها. 2- ما مسوغ اعتبار "زال" من النواسخ في جملة "ما زلت منحازا" ورد لهذا الفعل ثلاث صيغ في المضارع هي "يزال، يزيل، يزول" فأي هذه هو الناسخ؟. 3- "أعتدّ الصيانة مغنما" جاء في بعض كتب اللغة: أعتدُّ وأعدّ بمعنى واحد، وجه العبارة اللغوية توجيها نحويا بالتطبيق على الجملة السابقة. 4- جاء في البيت الثالث الجمل "هذا مشرب، قد أرى، تحتمل الظما"، اذكر موقعها الإعرابي ومحلها كما وردت في سياق البيت. 5- "بدا طمع" أبدل بالفعل "بدا" الفعل "بدأ" وأكمل الجملة، ثم وازن بين جملتي الفعلين معنى ونحوا. 6- "صيرته له سلّما" حدّد مفعولي "صير" في هذه الجملة، استعمل في موضع هذا الفعل فعلين آخرين مثله معنى ونحوا. 7- من أدوات الشرط الخاصة بالأفعال "لو" فما الوظيفة النحوية للمصدر المؤول بعدها في جملة "لو أنَّ أهل العلم صانوه". 8- الكلمات "جانبا، مهجتي، غرسا، ذلة، محياه" أعربها ملتزما الوظيفة والشكل، راجع سياقها كما وردت في النص قبل الإعراب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 الجملة الفعلية مباحثها الأصلية مدخل ... الجملة الفعلية: مباحثها الأصلية: تشمل مباحثها ما يلي: أولا: مباحثها الأصلية: 1- إعراب الفعل المضارع "رفعا ونصبا وجزما". 2- الفاعل. 3- نائب الفاعل. 4- أساليب المدح والذم. 5- المفاعيل الخمسة. "المفعول به، المفعول المطلق، المفعول فيه، المفعول لأجله، المفعول معه". 6- الحال. 7- التمييز. 8- أساليب الاستثناء. ثانيا: ما ألحق بالجملة الفعلية: 9- النداء على الأصل. 10- الاستغاثة. 11- الندبة. 12- الترخيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 إعراب الفعل المضارع مدخل ... إعراب الفعل المضارع: تمهيد: ينبغي -قبل الحديث عن إعراب المضارع- التنبه للأمور التالية: أولا: أن الجملة الفعلية تتكون في صورتها المختصرة من "فعل وفاعل" أو من "فعل ونائب فاعل" ثم يليهما ما يطلق عليه في النحو اسم "الفضلات" ومن نماذج الجملة الفعلية ما يلي: نامت المدينةُ وسهِر رجالُ الأمن. يحافظُ رجال الشّرطة على حياة المواطنين. فاحترمْ هؤلاء الرجال وقدّمْ لهم المعونة. يلاحظ أن الفعل في الجملة الفعلية يأتي ماضيا مثل "نام، سهر" أو مضارعا مثل "يحافظ" أو أمرًا مثل "احترم، قدم"، فلماذا إذن يهتم بدراسة المضارع وحده من بين الأفعال في بداية الجملة الفعلية؟. إن الفعل المضارع وحده هو المعرب، هو الذي يتغير مرة بالرفع ومرة بالنصب ومرة بالجزم، إذ يشغل أحيانا وظيفة الرفع وأحيانا أخرى وظائف النصب وأحيانا وظائف الجزم، فنقول: تُورقُ الأشجارُ في الربيع. عنيتُ بالحديقة كي تورقَ أشجارُها. لكن، لم تُورقْ منها شجرة ضعيفةُ الجذور. أما الفعل الماضي فهو مبني وكذلك فعل الأمر، فهما لا يتغيران الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 فيكتفى معهما بما ذكر عنهما في باب الإعراب والبناء من معرفة كيفية بناء آخرهما. ثانيا: الفعل المضارع قد يأتي مبنيا إذا اتصلت به إحدى النونين -النسوة والتوكيد- مثل "الفتياتُ في الجامعة يُنَافِسْنَ الشُّبان على التفوق" ومثل "لترتفعَنَّ سمعةُ بلادنا عاليةً في كل مكان بفضل أبنائها المتعلمين". والذي ينبغي التنبه له أن المضارع المبني وكذلك الفعل الماضي إذا جاء كل منهما في موضع للنصب أو الجزم، لم يكن منصوبا ولا مجزوما، بل يكون في محل نصب أو جزم، تقول: أهمَّني أنْ غِبْتَ فإن اعتذرت مرة أخرى فأخبرنا. إنَّ الفتيات العربيّات إنْ يتخلَّيْنَ عن أنوثتهنَّ يفقدْنَ كلَّ شيء. فمن البيّن أن الفعل "غاب" فعل ماض جاء بعد "أن" فهو في محل نصب وليس منصوبا، والفعل "اعتذر" فعل ماض جاء بعد "إن" الجازمة فهو في محل جزم وليس مجزوما، والفعلان "يتخلين، يفقدن" جاءا فعلي الشرط والجواب وهما مضارعان مبنيان، فهما في محل جزم، وليسا مجزومين.. وهكذا. أما الأمر، فإنه لا يحل محل المضارع المعرب، لكنه يأتي أحيانا في جواب الشرط، وحينئذٍ تكون الجملة كلها -لا الأمر وحده- في محل جزم. ثالثا: الفعل المضارع المعرب يأتي على الصور الآتية: - يتقدم، يُنافس، يتعلم، يتحضّر. "صحيح الآخر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 - يبني، يسمُو، يرقَى، يبقَى. "معتل الآخر". - يتعاونون، تتزيّنين، يُذاكران معا. "الأفعال الخمسة". ولكل من هذه الثلاثة كيفية إعرابه -وقد سبق شرحها بالتفصيل في باب الإعراب والبناء- فالصحيح الآخر يعرب بالحركات الأصلية رفعا ونصبا وجزما، والمعتل الآخر تقدر عليه الضمة دائما، وتقدر الفتحة على المعتل بالألف فقط وتظهر على المعتل بالواو والياء، ولكنه يجزم بحذف حرف العلة على ما تقدم شرحه، والأفعال الخمسة ترفع بثبوت النون وتنصب وتجزم بحذف النون "راجع باب الإعراب والبناء". رابعًا: أن المقصود بالدراسة هنا هو بيان الوظائف النحوية التي يأتي فيها المضارع المعرب رفعا ونصبا وجزما، أي: متى يرفع ومتى ينصب ومتى يجزم؟، أما المبني من المضارع والماضي فإنه يحل محله في النصب والجزم فيكون مبنيا في محل نصب أو جزم، كما سبق شرحه. وعلى ذلك، فإن الدراسة هنا تتناول الآتي: 1- رفع الفعل المضارع. 2- نصب الفعل المضارع. 3- جزم الفعل المضارع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 رفع الفعل المضارع : لاحظ الأمثلة التالية: تصدرُ الصحفُ في البلادِ الراقية كلَّ يوم. ويتوالى ظهورُها صباحا ومساء. والصّحفيون يتسابقون في الحصول على الأنباء والتحقيقات. حيث ينشرون ذلك كلَّه للقارئ المتلهف. في الأمثلة السابقة أفعال مضارعة مرفوعة هي على التوالي "تصدر، يتوالى، يتسابقون، ينشرون" ومن الواضح أن علامة الرفع تختلف من فعل لآخر فهي الضمة ظاهرة في الأول ومقدرة في الثاني، وثبوت النون في الفعلين الأخيرين. والأفعال السابقة تجمعها كلها سمة واحدة -سواء أكانت في أول الكلام أم وسطه أم آخره- وهي: أنها لم يتقدم عليها أداة من أدوات النصب ولا أداة من أدوات الجزم، ومن أجل هذا اشتهر بين المشتغلين بالنحو العبارة التالية "يرفع المضارع إذا تجرد من الناصب والجازم". وقد خاضت كتب النحو -فيما يختص بالمضارع المرفوع- في أمرين نشير إليهما باختصار لبيان الرأي فيهما: الأول: لماذا أعرب المضارع!! وهذه نقطة خلاف بين الكوفيين والبصريّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 فالكوفيون: من رأيهم أن الفعل المضارع يتغير، فهو معرب لهذا كما تعرب الأسماء. والبصريون: يرون أن الإعراب في الفعل إنما هو للمشابهة بينه وبين الأسماء المعربة، ومن أهم وجوه المشابهة -في حديث طويل- ما يلي: 1- أنه يشغل وظائف الاسم فيأتي "خبرا وصفة وحالا" مثل "العلمُ يُفِيدُ" موضع "العلمُ مفيدٌ". 2- أنه يتغير من رفع لنصب لجزم، كما يتغير الاسم أيضا من رفع لنصب الجر. 3- أن الفعل المضارع يماثل اسم الفاعل في حركاته وسكناته، فالكلمات "يُكرم، يُفهم، يتقّدم" = "مُكرم، مُفهم، متقدِّم" في حركاتها وسكناتها. ومن البيّن أن هذه التعلات كلها وغيرها لا معنى لها، وأن الفعل المضارع ورد في اللغة معربا -كما اتفق على ذلك النحاة- وهذا يكفي، أما لماذا أعرب؟ فالإجابة عنه لا تفيد شيئًا. الثاني: لماذا رفع الفعل المضارع؟ لا بد -في رأي النحاة- من عامل يرفع المضارع، وهذا العامل تفرق حوله الرأي كما يلي: 1- أن العامل هو التجرد من الناصب والجازم، وهو عامل معنوي مثل "يميِّزُ الذّكيُّ بين النافع والضار". ب- ورأي آخر: أن العامل هو أنه يأتي في موضع الاسم المرفوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 مثل "الذّكيُّ يُمَيِّزُ بين النافع والضار" تساوي "الذكيُّ مُمَيِّزٌ بين النافع والضار". ج- ورأي ثالث: أن الذي رفع المضارع هو حروف المضارعة، أي "الهمزة والتاء والنون والياء" التي تأتي في أول المضارع، مثل "أقرأ، تقرأ، نقرأ، يقرأ" وهذا كلام غريب!! د- ورأي رابع: أن الذي اقتضى رفع المضارع هو مشابهته لاسم الفاعل، وقد تقدم ذلك. ومن البيّن -بعد عرض هذه الآراء باختصار- أن هذا الكلام كله دعا إليه البحث عن العامل، وهو بحث لا علاقة له باللغة، فهو جهد ذهني مشكور لكنه غير مفيد، والمفيد حقا أن يقال: "يرفع المضارع إذا ورد في الجملة ولم يسبقه ناصب أو جازم". لكن، قد وردت شواهد في اللغة لا تتفق مع ذلك، وإليك هذه الشواهد وما قيل عنها: - ما ينسب لأبي طالب، عم النبي، من قوله يخاطب النبي: محمدُ تَفْدِ نفسَك كلُّ نفسٍ ... إذا ما خفْتَ من شيءٍ تَبَالَا1 فالفعل "تفد" حذف منه حرف العلة مع أنه متجرد من الناصب والجازم فلم يرفع.   1 التبال: الوبال، ومعناها: الهلاك والدمار. الشاهد: أن الفعل "تفد" لم يرفع مع أنه متجرد من الناصب والجازم فقد ورد في صورة المجزوم بحذف حرف العلة، وأصله "تفدى"، وقد خرجه النحاة على أنه مجزوم بلام طلب محذوفة، والتقدير "لتفد"، والرأي أن هذا يفسره لغة الشعر الخاصة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 - قول امرئ القيس: فاليومَ أشربْ غير مُسْتَحْقِبٍ ... إثمًا من اللهِ ولا وَاغل1 فالفعل "أشرب" مجزوم الآخر مع أنه متجرد من الناصب والجازم. وقد حاول النحاة -كعادتهم- أن يخضعوا هذين البيتين للقاعدة السابقة قالوا إن "تفدِ" مجزوم بحرف الطلب المقدر، والتقدير "لتفدِ" واللام حرف جزم، وأن "أشرب" حذفت منه الضمة للضرورة، والأصل "أشرب" أو أن الأصل في البيت هو "أُسقى" ولكن غيره الرواة أو النحاة، وكثيرا ما يفعلون ذلك. والحق أن ذلك كله لا يفسره غير لغة الشعر الخاصة، فقد حذفت الياء من الفعل "تفد" من أجل الوزن، وأن الفعل "أشرب" سكن أيضا لوزن البيت، وللشعر أحكامه.   1 مستحقب: مكتسب، واغل: المتطفل على الشاربين دون دعوة. يقول: أشرب اليوم من غير إحساس بالإثم أو شعور بالمهانة. الشاهد: في "أشرب" حيث لم يرفع، مع أنه متجرد من الناصب والجازم فقد ورد ساكن الباء -وقد خرجه النحاة على ضرورة الشعر، أو أصله "أسقى" فغيره الرواة أو النحاة- والرأي أن هذا يفسره لغة الشعر الخاصة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 نصب الفعل المضارع : 1- الحروف الأصلية لنصب المضارع "أن، لَنْ، إِذَنْ، كَيْ" 2- ينصب المضارع "بأن" مضمرة وجوبا بعد الحروف الخمسة الآتية: أ- حرفان للجر هما "لام الجحود، حتى". ب- ثلاثة حروف للعطف هي "أو، فاء السببيّة، واو المعيّة". 3- ينصب المضارع "بأن" مضمرة جوازا في الجملة التي يتحقق فيها ما يلي: أ- وقوع الفعل بعد أحد حروف العطف الأربعة "الواو، الفاء، ثم، أو". ب- أن يسبق حرف العطف في الجملة باسم محض "المصدر غالبا". 4- ينصب المضارع "بأن" مضمرة شذوذا في غير ما سبق مما سمع عن العرب. الحروف الأصلية لنصب المضارع: الحرف الأول "أنْ": لاحظ الأمثلة التالية: أرسلتُ إليه خطابا أن احضر. "مفسرة". بلغ القائدُ إشارةً أن أطلقُوا الرصاص. "مفسرة". لمّا أن ناداني الواجبُ أجَبْت. "زائدة". وأقسمُ أنْ لو طُلبتْ نفسي لقدّمتُها راضيا. "زائدة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 علمتُ أنْ ستسافرُ اليوم. "مخففة من الثقيلة". وكنت أظن أنْ ستبقَى معنا أياما. "مخففة من الثقيلة". من الضَّارِّ أنْ تُعَاشِرَ متبلّدَ الإحساس. "مصدرية". ومن المفيد أنْ تصاحب الذَّكيّ اليقظ. "مصدرية". تستعمل "أنْ" في اللغة العربية استعمالات أربعة بحسب الجملة التي ترد فيها. الاستعمال الأول: المفسّرة: وهذه لا تنصب المضارع، وإنما تكون مثل الحرف "أي" تماما، فهي حرف تفسير لا موضع له من الإعراب. وتأتي "أن" مفسرة إذا جاءت في الكلام بعد "ما فيه معنى القول دون حروفه" مثل "أرسل، أوحى، أشار، كتب، عرف" تقول: "كتبتُ إلى صديقي أنْ سأزوره قريبًا، وعرَّفته أن سأمكثُ أياما معه". قال القرآن: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} 1. الاستعمال الثاني: الزائدة: وهي تلك التي تقع حشوا في الكلام، ولا يختل الكلام مع حذفها وإن كانت تفيد توكيده، وهذه لا شأن لها بنصب المضارع، وإنما هي حرف زائد لا محل له من الإعراب. وتأتي زائدة في المواضع التالية:   1 من الآية 27 سورة المؤمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 1- إذا جاءت بعد "لمّا، الحينيَّة" كقول القرآن: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} 1. 2- إذا جاءت بين القسم وأداة الشرط "لو" مثل "أحلفُ بالله أن لو غضبتُ ما ظَلَمْتُ" ومن ذلك قول المسيب بن علس: فأقسمُ أن لو التقينا وأنتُمُ ... لكان لكم يومٌ من الشّرِّ مُظْلِمُ2 3- أن تقع بين حرف الجر "الكاف" ومجرورها، تقول: "بدا السرابُ في الصحراء كأنْ سحابٍ". الاستعمال الثالث: المخففة من الثقيلة: معنى "المخففة من الثقيلة" أن أصلها "أن" الناسخة التي تنصب الاسم وترفع الخبر ولكن خفقت نونها فأصبحت نونا واحدة ساكنة. وتكون "أنْ" مخففة من الثقيلة إذا سبقها في الكلام ما يفيد اليقين أو الظن فيأتي الفعل بعدها مرفوعًا، ويفصل منها بأحد الحروف التالية "السين، سوف، النفي، قد، لو"3 تقول: "عملتُ أنْ ستبذلُ غايةَ جهدك بعد ما ظننتُ أنْ لا تقدّرُ مسئوليتك" ومن ذلك قول القرآن: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} 4.   1 من الآية 96 من سورة يوسف. 2 الشاهد في الشطر الأول "أقسم أن لو التقينا" فإن الحرف "أن" زائد بين القسم وأداة الشرط "لو". 3 راجع باب "إن وأخواتها" في موضوع "تخفيف نونها". 4 من الآية 20 من سورة المزمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 "وحسبوا أَلا تكونُ"1 في قراءة رفع تكون. قال ابن هشام عن الواقعة بعد الظن: يجوز أن تكون مخففة من الثقيلة فيكون حكمها -كما ذكرنا- ويجوز أن تكون ناصبة وهو الأرجح في القياس والأكثر في كلامهم، ولهذا أجمعوا على النصب في قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} واختلفوا في قوله تعالى: {وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ} فقرئ بالوجهين ا. هـ. ومعنى ذلك باختصار: أن "أنْ" الواقعة بعد اليقين مخففة من الثقيلة دون توجيه آخر، أما الواقعة بعد الظن فيصح أن تكون مخففة من الثقيلة وأن تكون ناصبة للمضارع، وستأتي. الاستعمال الرابع: المصدرية الناصبة للمضارع: وهي غير ما سبق من استعمالات "أن" الثلاثة. - يقول أحد الشعراء المعاصرين: أريدُ أنْ أعشَقَ أنْ ألمَسَ الـ ... ـأعماقَ أن ألمسَ أعماقي أن أعبدَ الله كما لم أكن ... أعبدُه في عمري الباقي بي ظمأٌ بي ظمأٌ قاتلٌ ... فأين يَنبوعُك يا ساقي2 ويقال عنها في الإعراب "حرف مصدري ونصب" فهي حرف مصدري   1 من الآية 71 من سورة المائدة. 2 من قصيدة بعنوان "النهر الظامئ" للشاعر المعاصر "محمد الفيتوري" وقد سيقت الأبيات للتمثيل لا الاستشهاد. وموضع التمثيل: استعمال" أن" مصدرية ناصبة للأفعال "أعشق، ألمس، أعبد" على التوالي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 تؤول مع ما بعدها بمصدر يشغل الوظائف النحوية المختلفة، وهي حرف نصب لأنها تنصب الفعل المضارع. لكن ورد من الشعر المجهول القائل: يا صاحبيَّ فَدَتْ نفسي نفوسكما ... وحيثما كنتُما لاقيتُما رشدا إن تَقْضِيَا حاجةً لي خفّ محملُها ... تَسْتَوْجِبَا منَّة عندي لها ويدا أن تقرآن على أسماءَ ويحكُما ... منّي السّلامَ وأن لا تُشعرا أحدا1 وقد أثار البيت الأخير مناقشات حادة، إذ جاء الفعل "تقرآن" مرفوعا بعد "أن" وهذا ما دعا إلى القول بأن الحرف "أن" يهمل، فلا ينصب الفعل المضارع. والحق أنه لا داعي لكل ذلك، فهذه لغة الشعر، ويؤيد ذلك الشطر الثاني من البيت، إذ استخدمت فيه "أن" ناصبة للمضارع، وهذا يناقض إهمالها، إذ لا يعقل أن يستخدم الشاعر لغات متعددة لحرف واحد وفي بيت شعري واحد. الحرف الثاني: لَنْ: لاحظ الأمثلة الآتية:   1 يدعو صاحبيه، ثم يدعو لهما بطول العمر والرشاد؛ ليعطفهما إليه ويقول: إن لي حاجة خفيفة الحمل عظيمة النفع، وإن تؤدياها تصنعا بي معروفا لا أنساه، حاجتي أن تبلغا سلامي وأشواقي إلى حبيبتي "أسماء" سرًّا ودون أن يشعر أحد. الشاهد: في "أن تقرآن" حيث جاء الفعل مرفوعا بعد "أن" مما حمل بعض النحاة على القول بأنها مهملة، والرأي أن ثبوت النون اقتضته لغة الشعر، بدليل أنه حذف معها النون في الشطر الثاني في قوله: "أن لا تشعرا أحدا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 لن أخونَ العهد ولن أقصّرَ في الواجب. ولن أكذبَ ولن أغشَّ ولن أخادعَ. يعبر المعربون عن الحرف "لن" بقولهم "لن: حرف نفي ونصب واستقبال" فهي تفيد النفي، وينصب المضارع بعدها، ويصير معناه خالصا للمستقبل بعد أن كان صالحا بدلالته على الحال والمستقبل، وإلى هنا اتفق النحاة والمعربون في شأن "لن". أما أن هذا الحرف يفيد تأبيد النفي، بمعنى أنك إذا قلت لن أخطئ في حق غيري فمعناه أنك لن تخطئ أبدا، فيبدو أن الاستعمال العربي لا يؤيده، ولنتأمل الاستعمال القرآني: - ما جاء على لسان مريم: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} 1 "النفي مقيد باليوم فهو غير مؤبد". - ما جاء عن الكفار والموت {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} 2 "كلمة: أبدا أفادت التأبيد، لا: "لن". وأما أن هذا الحرف يقيد تأكيد النفي، فإذا قلت: "لن أنافِقَ القَوِيَّ ولن أحتقِرَ الضّعِيفَ" فهو أقوى في النفي من قولك: "لا أنافِقُ القَوِيَّ ولا أحتقِرُ الضعيفَ" فإن المتأمل للاستعمال العربي يتأكد لديه أنه لا مزية للحرف "لن" على غيره من أدوات النفي في إفادة المعنى. والخلاصة أن الحرف "لن" يفيد النفي والنصب والاستقبال، وما عدا ذلك لا يؤيده الاستعمال.   1 من الآية 26 من سورة مريم. 2 من الآية 95 من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 الحرف الثالث: إذن: لاحظ المحادثة التالية: - سألتقي بك الليلةَ في الرابعة مساء. - إذن نذهبَ معًا للنزهة. - ولعلك تذكرُ حفل الكلية في الثَّامنةِ مساء. - إذن نتوجهَ إليه بعد ذلك. يقول المعربون: "إذن: حرف جواب وجزاء" فهي بذلك تأتي في جواب كلام سابق، وهي أيضا تفيد المكافأة في هذا الجواب، أما أنها تفيد الجواب فهذا أمر لازم لها لا يتخلف عنها، وأما أنها تفيد الجزاء فليس أمرا دائما والمحادثة السابقة لا جزاء فيها، لكن في المحادثة التالية: - سأنتبهُ للأسَاتذةِ وأذاكرُ بفهْم. - إذن تتفوَّقَ. ففي هذه المحادثة تتضح المكافأة وهي "التفوق" فهي هنا حقا حرف جواب وجزاء، وسواء أفادت الجواب فقط أم الجواب والجزاء، فإنها تنصب الفعل المضارع بعدها، بشرط أن يتوافر لجملتها الصفات التالية: أ- أن تقع "إذن" في أول جملة الجواب، فلا يتقدمها شيء غيرها فإن وقعت حشوا لم تنصب المضارع، بل يرفع، كما يعلق رئيس العمال في أحد المصانع على حسن سير العمل بقوله: "العمل إذن يتقدَّمُ بسرعة، والعمالُ إذن يؤدّون واجباتهم بإخلاص". ب- أن يكون الفعل بعدها مستقبلا، أي خلص معناه للمستقبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 فلا يدل على الحال، فإن دل على الحال لم ينصب المضارع، بل يرفع، كما يبدو في المحادثة التالية: - نزل الفريقان أرضَ الملعبِ وبدأت المباراة. - إذن يلعبان مباراةً شائقة. ج- أن تتصل "إذن" بالفعل بعدها، فلا يفصل بينهما فاصل، كما هو واضح في الأمثلة السابقة، فإن فصل بينهما فاصل رفع الفعل بعدها ولنتأمل ما يلي: - أتَمَنَّى أن تُثَقِّفَ نفسك بقراءتِك الذاتية. - إذن -في الإجازة الصيفية- أحقِّقُ هذه الأمنية. - وقد استثني من الشرط الأخير "الفصل بالقسم" حيث ينصب الفعل المضارع مع الفصل به، وأشهر ما ورد شاهدا لذلك قول حسان بن ثابت: إذَنْ واللهِ نرميَهم بحربٍ ... تُشِيبُ الطفلَ من قبلِ المشيبِ1 الحرف الرابع: كَيْ تأتي "كي" في اللغة بالاستعمالات الآتية: الاستعمال الأول: حرف مصدري ونصب لاحظ من الأمثلة ما يلي: - جئتُ لكي أطمئنَّ عليك. - وأحضرتُ الطبيب لكي يراك.   1 الشاهد: قوله "إذن والله نرميهم" فقد نصب الفعل "نرمي" بالحرف "إذن" مع الفصل بالقسم "والله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 فالحرف "كي" في هذا الاستعمال "مصدري ونصب" مثل "أن" الناصبة للمضارع تماما، وإنما تكون كذلك إذا تقدم عليها حرف الجر "اللام" ومن ذلك قول القرآن: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} 1. الاستعمال الثاني: حرف تعليل وجر: لاحظ من الأمثلة ما يلي: دعوتُ الله كيما أنْ يُسَاعِدَنِي. ورجوتُه كيما أنْ يرعاني. فالحرف "كي" هنا حرف تعليل وجر -مثل اللام تماما- وإنما تكون كذلك إذا فصل بينها وبين الفعل "أن: المصدرية". وقد ورد على هذا الاستعمال قول جميل: فقالتْ أكلَّ الناسِ أصبحتَ مانحًا ... لسانَك كيما أنْ تَغُرَّ وتَخْدعا2 الاستعمال الثالث: حرف مصدري ونصب -أو- تعليل وجر "وجهان": لاحظ من الأمثلة ما يلي:   1 الآية 23 من سورة الحديد. 2 مانحا: معطيا. تعاتبه على حديثه مع الأخريات، إذ يكلمهن بكلام معسول يغرهن ويخدعهن. الشاهد: في "كيما أن تغر وتخدعا" فإن "كي" حرف جر، لتوسط "أن" بينها وبين الفعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 - الاستقامةُ عاملٌ مهمٌّ كي يتحقَّقَ الأمل. - والانحرافُ عاملٌ مدمّرٌ لكيما أنْ تتعثَّرَ الحياة. وفي هذا الاستعمال يصح في الحرف "كي" الوجهان، أن تكون مصدرية وأن تكون تعليلية، وإنما تكون كذلك إذا خلت مما يجذبها للمصدرية أو التعليلية، أو إذا تنازعها ما تكون به مصدرية وتعليلية، ويأتي ذلك كما يلي: 1- إذا لم يتقدم عليها "اللام" ولم تأت بعدها "أن" المصدرية، حيث تستعمل وحدها في الجملة، كقول القرآن عن المال: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} فيصح توجيه "كي" مصدرية أو تعليلية. 2- أن يتقدم عليها "اللام" وتتأخر عنها "أن" فاللام تقتضيها مصدرية ووجود "أن" يقتضيها تعليلية، حينئذٍ يصلح توجيهها على أنها مصدرية أو تعليلية كما في المثال السابق "الانحرافُ عاملٌ مدمّرٌ لكيما أنْ تتعثّرَ الحياة". إضمار "أن" وجوبا هكذا يرى جمهور النحاة: تضمر "أن" وجوبا، فهي لم تظهر أبدا ومع ذلك فهي مقدرة بعد حرفين من حروف الجر، وثلاثة من حروف العطف، ففي الأمثلة: لولا الجامعةُ ما كنت لأتثقَّفَ علميًّا أو لأتهذَّبَ اجتماعيًّا. وإنني لأبذلُ غايةَ الجَهْدِ حتى أحققَ الغايتين معا. الأفعال "أتثقف، أتهذب، أحقق" على التوالي منصوبة "بأنْ" مضمرة وجوبا، أي مضمرة دائما ولا تظهر أبدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 والذي دعا إلى هذا التقدير الغريب أمر ذهني هو "الرغبة في اطّراد القواعد" وتوضيح ذلك فيما نحن بصدده أن إضمار "أن" -كما سنعرف بالتفصيل- يأتي بعد حرفين للجر هما "لام الجحود، حتى" وبعد ثلاثة للعطف هي "أوْ، فاء السببيبة، واو المعية" فإذا جاء المضارع منصوبا بعد الأولى يجب أن تبقى حروف جر، ويبحث له عن حرف نصبه هو "أن" المضمرة، وإذا جاء منصوبا بعد الأخيرة، يجب أن تبقى حروف عطف ويبحث له عن ناصب هو "أن" المضمرة. ذلك منطقهم!! وهو منطق متكلف، ومن السهل نقضه، إذ إن استعمال هذه الحروف مع الأفعال المنصوبة يختلف عن استعمالها حروف جر أو عطف مع غيرها، فلماذا يفرض استعمال على استعمال!! ولماذا لا تكون مع الأفعال المنصوبة حروف نصب مثل الحرف "أن" تماما!! لعل ذلك كان وجهة نظر الكوفيين ومن يعتد بهم من النحاة -كابن مضاء- الذين قالوا بما يقرب من هذا الرأي السابق. وعلى كل حال، فسنتناول هذه الحروف الخمسة، واحدا بعد الآخر على أساس أن "أنْ" مضمرة بعدها متابعة لجمهور النحاة. الحرف الأول: لام الجحود "لام التعليل، لام العاقبة": لاحظ الأمثلة التالية: غداة الهزيمةِ لم يكنْ هناك عربيٌّ ليقْبَلَ العارَ وما كان أحدٌ ليتوقّعَ أن يحدُثَ ما حَدث. "لام الجحود". لكن اليهود بيَّتُوا الغدرَ ليُفاجئونا. "التعليل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 فهاجموا مواقعَ الطيرانِ لينتصروا انتصارًا رخيصًا مُذهِلا. "العاقبة". لام الجحود: الجحود معناه: شده الإنكار والرفض، ومن ذلك ما يقال: "جحد الكفار الإسلام" أي: أي رفضوه أشدّ الرفض، ولام الجحود تفيد النفي المؤكد. وتحدد نحويا بأنها هي التي تقع بعد "مَا كَانَ" أو بعد "لم يَكُنْ". ومن البيّن أن "ما كان" نفي، وأيضا "لم يكن" نفي، فتأتي اللام بعد ذلك مفيدة تأكيد النفي، كقولك: "لم أكن منافقًا لأكذِبَ وما كنت نَمَّامًا لأفسِدَ ما بين الناس" ومن ذلك قول القرآن: - {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} 1. - {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} 2. وهذه اللام تضمر "أن" بعدها وجوبا، فالفعل منصوب "بأن المضمرة" هذا.. وتستعمل اللام أيضًا مع المضارع الاستعمالين الآتيين: لام التعليل: وهي التي يكون ما بعدها سببا فيما قبلها، إذ تفيد أن ما قبلها يترتب على ما بعدها، كقولنا: "جاهد الرسولُ ليُسلمَ النَّاس، ورفض الطغاةُ ليعاندوه" ومن ذلك قول القرآن: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} 3.   1 من الآية 137 من سورة النساء. 2 من الآية 33 من سورة الأنفال. 3 الآية الأولى من سورة الفتح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 - {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 1. لام العاقبة: وتسمى أيضا "لام الصّيرورة" و "لام المآل" وهي التي يكون ما بعدها غير متوقع بالنسبة لما قبلها، فهو أمر مفاجئ لم يكن منتظرا كالمثال السابق "هاجمت إسرائيلُ لتنتصرَ انتصارا رخيصا مذهلا" فالانتصار -بهذا الوصف- كان مفاجأة بالنسبة للهجوم، ومن ذلك قول القرآن عن موسى: - {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} . والفعل بعد اللامين الأخيرتين -لام التعليل والعاقبة- ينصب "بأن" مضمرة جوازا. قال النحاة: لأنه يمكن النطق بها بعد هذين الحرفين بخلاف لام الجحود. لكن ينبغي التنبه إلى استدراك على إضمار "أن" مع لام التعليل، هذا الاستدراك توضحه الأمثلة التالية: بكَّرتُ في اليقظة لئلَّا أتاخرَ في النَّوم. "ظهرت "أنْ" بعد اللام". وجئتُ سريعا لئلَّا يفوتَ الموعد. "ظهرت "أنْ" بعد اللام". وملخص هذا الاستدراك: أنه إذا توسط بين لام التعليل والفعل المضارع حرف "لا" فإنه يجب إظهار "أن" ولا يصح إضمارها. ومن ذلك قول القرآن: - {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} 2.   1 من الآية 44 من سورة النحل. 2 من الآية 165 من سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 الحرف الثاني: حتّى: ينبغي درس ما يتعلق بهذا الحرف من ناحيتين: الأولى: استعمالات "حتى" في الكلام العربي الثانية: "حتى" حين ينصب بعدها المضارع الناحية الأولى: "حتى" في الكلام العربي تجيء في اللغة كما يلي: أولا: حرف جر: - سنجاهدُ حتى الرمقِ الأخير. - وسنحرّرُ أرضَنا حتى آخرِ شبرٍ فيها. فهي في ذلك حرف جر مثل "إلى" ولها شروط خاصة ستأتي في مكانها في باب "حروف الجر". ثانيا: حرف عطف: لاحظ الأمثلة التالية: - وَسِعَ قلبُ الرّسولِ كلَّ النَّاسِ حتّى العصاةَ. - وشمِلَ عدلُ عمرَ الرّعية حتى الظلمةَ. فهي هنا حرف عطف، وما بعدها تابع لما قبلها، ولها صفات خاصة ستأتي في مكانها في باب "عطف النسق". ثالثا: حرف ابتداء: لاحظ الأمثلة التالية: - راقتْ سهرةُ الليلة حتّى السّهادُ شائقٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 - وطالتْ سهرَتُنا حتى انصرفنا في الفجر. - وكان الكونُ ساكِنًا حتى يتجاوَبُ فيه الصمتُ. ففي هذه الأمثلة جميعا وقع بعد الحرف "حتّى" جملة اسمية أو جملة فعلية، فعلها ماض أو مضارع مرفوع، فهي في كل ذلك حرف ابتداء. هذا وقد وقفت كتب النحو عند المضارع المرفوع بعد "حتى" -في باب إعراب المضارع- فوضعوا من شروطه ما تلخصه العبارة الآتية "أن يكون ما قبلها سببا فيما بعدها، وأن يكون المقصود بالفعل المضارع بعدها الزمن الحالي بالنسبة للمتكلم". وبالتطبيق على المثال السابق يتضح أن الفعل في "يتجاوبُ فيه الصمت" سببه "سكون الكون" وأن هذا الفعل صاحب ما قبله، فهو يحدث معه، وهو أيضًا صاحب وقت المتكلم به، إذ نطقت هذه الجملة بعد سهرة شائقة بين أصدقاء خرجوا بعدها يجوبون الشوارع في صمت الفجر. هذا ويمثل النحاة للفعل المضارع المرفوع بمثال مشهور هو "مرِض زيد حتى لا يرجونه". رابعا: ما ينصب بعدها المضارع: لاحظ الأمثلة التالية: يناقشُ القاضي الأدلة حتى تظهر الحقيقة.   1 إعراب: مرض زيد حتى لا يرجونه: مرض: فعل ماض مبني على الفتح، زيد: فاعل مرفوع بالضمة، حتى حرف ابتداء، لا: حرف نفي، يرجونه: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون وواو الجماعة فاعل، وضمير الغائب مفعول به مبني على الضم في محل نصب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 - وكلُّ إنسانٍ بريءٌ حتى تثبت إدانَتُه. وكلُّ متّهمٍ تحت الشك حتى تبرأ سَاحَتُه. في هذه الأمثلة ينصب الفعل بعد "حتى" باعتبارها حرف جر والفعل منصوب "بأنْ" مضمرة على ما هو رأي جمهور النحاة، أو باعتبار "حتى" حرفا ينصب المضارع على ما هو رأي الكوفيين، وقد اشترط لنصب المضارع بعدها شرط مهم تلخصه العبارة التالية "أن يكون الفعل الذي بعدها مستقبلا بالنسبة لما قبلها، سواء أكان مسببا عنه أم لا". وبتأمل الأمثلة السابقة يتضح فيها جميعا أن ما بعد "حتى" مستقبل بالنسبة لما قبلها، وربما يكون مستقبلا أيضا بالنسبة للمتكلم، مما يحدده ظروف النطق بها. ومن شواهد هذا الاستعمال الرابع ما يلي: - قول القرآن: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} 1. - قول القرآن: {قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} 2. الناحية الثانية معاني "حتى" مع نصب المضارع. تأمل الأمثلة التالية:   1 من الآية 187 سورة البقرة. 2 الآية 91 سورة طه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 سأسهرُ الليلَ حتى يطلعَ الصباح "بمعنى: إلى". وسأصابرُ السّفيه حتى يفارِقَ "بمعنى: إلى". سأعملُ بجدٍّ حتى أتفوَّقَ "بمعنى: كي". وأؤدي الواجبَ حتى أرضي ضميري "بمعنى: كي". الحرف "حتى" الذي ينصب بعده المضارع يأتي بالمعاني الآتية: أ- بمعنى "إلى" إذا كان ما بعدها غاية لما قبلها، كما هو واضح في المثالين الأولين، ومن ذلك ما يمثل به النحاة من قولهم: "لأسيرَنَّ حتى تطلُعَ الشمس". ب- بمعنى "كي" إذا كان ما قبلها سببا فيما بعدها، كما هو واضح في المثالين الأخيرين، ومن ذلك ما يمثل به النحاة من قولهم: "أسْلِمْ حتى تدخُلَ الجنة". ج- قد تصلح للمعنيين السابقين جميعا إذا كان الظرف اللغوي الذي ورد فيه الكلام صالحا لهما. الحرف الثالث: أوْ: لاحظ الأمثلة الآتية: أتقنُ عملي بإخلاصٍ أو أرضِيَ ضميري. "بمعنى إلى". وأناضِلُ ضدَّ الزَّيف أو تنجليَ الحقيقة. "بمعنى إلى". لا أتركُ ما أقتنعُ به أو يثبتَ أنه خطأ. "بمعنى إلَّا". وأصدِّقُ حديثَ النصحِ أو أحِسَّ غشه. "بمعنى إلَّا". يأتي هذا الحرف في اللغة وبعده الفعل المضارع المنصوب، وفي هذه الحالة يكون له المعنيان التاليان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 أ- أن تكون بمعنى "إلى" إذا كان ما بعدها غاية لما قبلها، ويمثل له النحاة بقولهم: "لألْزَمَنَّك أو تقضيَني حقّي"، ومن ذلك قول الشاعر: لأسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أو أدْرِكَ المنى ... فما انقادت الآمالُ إلا لصابر1 ب- أن تكون بمعنى "إلا" إذا كان ما بعدها مستدركًا على ما قبلها، ويمثل له النحاة بقولهم: "لأقتلَنَّ الكافِرَ أو يُسْلِمَ"، ومن ذلك قول زياد الأعجم: وكنتُ إذا غمزتُ قناةَ قومٍ ... كسرتُ كُعوبَها أو تستقيما2 قال علماء النحو: إنها تعطف مصدرا مؤولا على مصدر متوهم، والمؤول يجيء من "أن" المضمرة والفعل بعدها، والمتوهم يتخيل مما قبلها. الحرف الرابع: فاء السببية: لاحظ الأمثلة الآتية: هل نتعلمُ من الماضي فنعتبرَ في الحاضر!! الحقيقة: أن بعضنا لا يتعلَّمُ منه فيقعَ في الخطأ. فهلَّا أخذنا حِذْرَنا فنتجنَّبَ العَثَرات   1 الشاهد: في "أو أدرك المنى" إذ نصب المضارع بعد "أو" التي بمعنى "إلى". 2 غمزت: جاء في القاموس: غمزه: نخسه، والمقصود هنا أمسكت، قناة: رمح، الكعوب: المسافات بين كل عقدتين في الرمح. يقول: إذا أردت أمرا فإما أن أحققه وإما أن أحطمه، كالرمح إذا أمسكته إما أن يستقيم أو ينكسر. الشاهد: في "أو تستقيما" حيث نصب المضارع بعد "أو" التي بمعني "إلا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 اسمها "فاء السبيبة" لأن ما بعدها يترتب على ما قبلها، أو بعبارة أقرب يتسبب عما قبلها، كما هو ملاحظ من أن "الاعتبار في الحاضر" يترتب على "التعلم من الماضي" في المثال الأول، وكذلك "الوقوع في الخطأ" الذي يترتب على "عدم التعلم من الماضي" وهكذا. وهذه الفاء يأتي المضارع بعدها منصوبا -على الرأي الشائع- بأن مضمرة وجوبا، وإنما يكون ذلك إذا سبقها ما يلي: أ- الطلب بأنواعه المختلفة "الأمر، النهي، الدعاء، الاستفهام، العرض، التحضيض، التمني، الرجاء". ب- النفي. ومما ورد شاهدا لذلك ما يلي: - قول القرآن عن أهل النار: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} 1. - قول القرآن: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً} 2. - قول الشاعر: ربِّ وَفِّقني فلا أعدِلَ عن ... سَنَنِ السَّاعين في خيرِ سَنَن2   1 من الآية 36 من سورة فاطر. 2 من الآية 73 من سورة النساء. 3 سنن: جمع سنة، وهي السيرة والطريقة. الشاهد: في الشطر الأول "رب وفقني فلا أعدل" فقد نصب الفعل "أعدل" بعد فاء السببية، وقد سبقها للدعاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 - قول الآخر: هل تعرفون لبَانَاتي فأرجُوَ أنْ ... تُقْضَى فيرتدَّ بعضُ الرُّوحِ لِلْبَدَنِ1 وهكذا بقية أنواع الطلب وصور النفي. الحرف الخامس: واو المعية: لاحظ الأمثلة الآتية: الإنسانُ الذكيُّ لا يعتدي على الناس ويأخُذَ حِذْرَه منهم. فلا تُسَالِم النَّاسَ وتأمنهم، فإنّ ذلكَ بَلاهَة. تسمى "واو المعية" ومعناها: مصاحبة ما بعدها لما قبلها، وعلامتها أن يصح وضع كلمة "مع" مكانها، ولا يختل المعنى. هذه الواو ينصب المضارع بعدها -على ما هو الشائع- بأن مضمرة وجوبا في المواضع نفسها التي ترد فيها فاء السببية، وهي جمل النفي والطلب ومما ورد لذلك الشواهد الآتية: - من القرآن: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} 2. - قول الحطيئة:   1 لباناتي: جمع لبانة، وهي الرغبة النهمة. الشاهد: في "هل تعرفون لباناتي فأرجو" فقد نصب الفعل "أرجو" بعد فاء السببية، وقد تقدم عليه الاستفهام. 2 الآية 142 من سورة آل عمران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 ألَمْ أكُ جارَكم ويكونَ بيني ... وبينكم المودَّةُ والإخاءُ1 - قول أبي الأسود: لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مثلَه ... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم2 وهكذا بقية أنواع الطلب وصور النفي. إضمار "أنْ" جوازا: لاحظ الأمثلة الآتية: لولا الضميرُ فيزجُرَ العُصَاةَ لتمادَوا في الشر. ولولا الحربُ ويرتدعَ الطّغاةُ لعمَّتْ الفوضى. ومن دلائلِ الإيمانِ مجاهدةُ المرءِ نفسَه أو يحاولَ هذه المجاهدة. ومن المفيد في الحياة استقامة خلق الإنسان ثم يداوم على ذلك. في الأمثلة السابقة أفعال مضارعة منصوبة هي على التوالي "يزجر، يرتدع، يحاول، يداوم" وبمعاودة النظر لهذه الجمل يتضح الآتي: أ- أن الفعل قد جاء بعد أحد حروف العطف الأربعة "الواو، الفاء، أو، ثم". ب- أنه قد سبقه اسم معطوف عليه هو على التوالي في الأمثلة "الضمير، الحرب، مجاهدة، استقامة".   1 الشاهد: في "ألم أك جاركم ويكون" حيث نصب الفعل "يكون" بعد واو المعية، وقد تقدم عليه الاستفهام. 2 الشاهد: في الشطر الأول "لا تنه عن خلق وتأتي مثله" فإن الفعل "تأتي" منصوب بعد "واو المعية" وقد سبقه النهي، وسيأتي ذكر هذا البيت مرة أخرى في المفعول معه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 قال النحاة: ولا بد أن يكون هذا الاسم -المعطوف عليه- خالصا من التأويل بالفعل ا. هـ. ومعنى هذا أنه لا يصح وضع الفعل موضعه، وغالبا ما يكون مصدرًا أو اسم ذات. وبناء على ذلك: فالفعل المضارع الذي يرد بعد أحد حروف العطف الأربعة السابق ذكرها، ويتقدم عليه الاسم الخالص معطوفا عليه، هذا المضارع ينصب -على ما هو الشائع- بأن مضمرة جوازًا، ويصحّ إظهارها في الكلام ومن ذلك الشواهد التالية: - قول القرآن: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} 1. - قول ميسون بنت بَحْدَل زوج معاوية تشكو حياة الترف: ولُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقرّ عيني ... أحبُّ إليَّ من لُبْسِ الشُّفوف2 - قول أنس بن مدركة الخثعمي: إني وقَتْلِي سُلَيْكًا ثم أعْقِلَهُ ... كالثور يُضربُ لما عافت البقرُ3   1 الآية 51 من سورة الشورى. 2 الشفوف: الثياب الرقيقة. الشاهد: في الشطر الأول "لبس عباءة وتقر عيني" فقد نصب الفعل "تقر" بأن مضمرة جوازا بعد واو العطف، وسبقه اسم خالص وهو المصدر "لبس". 3 سليك: وهو سليك بن السلكة من صعاليك الشعراء، وقد قتله الشاعر في قصة تروى، أعقله: أدفع ديته، والبيت يضرب مثلا لكل موقف يضرب فيه القوي، فيخاف الضعيف. الشاهد: في "قتلي سليكا ثم أعقله" فقد نصب الفعل المضارع "أعقل" بأن مضمرة جوازا بعد "ثم" وسبقه معطوف عليه هو "قتل" وهو اسم خالص من التأويل بالفعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 إضمار "أنْ" شذوذا: سبق عرض الحروف التي يرد المضارع منصوبا بعدها، وأن ذلك النصب في الرأي الشائع، بأن مضمرة وجوبا أو جوازا. أما ما ورد من العبارات منصوبا فيه المضارع من غير المواضع السابقة فيقتصر فيه على السماع من العرب، ويعتبر منصوبا "بأن مضمرة شذوذًا" ومن ذلك: - قول العرب في المثل "تسمعَ بالْمُعَيدِيِّ خيرٌ من أن تراه" تقديره: أن تسمع. - قول العرب في المثل" خذ اللصَّ قبل يأخذَك" تقديره: أن يأخذك. - قول العرب "مُرْه يحفرَها" تقديره: أن يحفرها. - قول طرفة بن العبد: ألا أيهذا الزَّاجري أحضُرَ الوغى ... وأنْ أشْهَدَ اللذاتِ هل أنت مُخْلِدِي1 تقديره "أن أحضر الوغى" ويبدو -إن لم يجانبني التوفيق- أن من رَوَوْا هذه العبارات النثرية عن العرب قد أخطئوا السماع، فسقط الحرف "أنْ" من النطق في الرواية ثم درست كذلك، أما البيت الشعري وأمثاله، فقد سقط منه "أنْ" لإقامة الوزن ضرورة.   1 الشاهد: في "أحضر الوغى" فقد نصب المضارع "أحضر" بأن مضمرة شذوذا، والرأي أنها حذفت لإقامة الوزن، بدليل ذكرها في الشطر الثاني حين اتسع سياق الكلام للشاعر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 جزم الفعل المضارع : 1- الجزم في جواب الطلب. 2- ما يجزم فعلا واحدًا "لَمْ، لَمَّا، لام الطلب، لا: الطلبية". 3- ما يجزم فعلين "إنْ، إذْ مَا، مَنْ، مَا، مَهْمَا، مَتَى، أيَّانَ، أيْنَ، أنَّى، حَيْثُمَا". 4- من المسائل المهمة في الجملة الشرطية ما يلي: أ- اقتران جواب الشرط بالفاء. ب- العطف "بالواو، الفاء" بين الشرط والجزاء أو بعدهما. ج- اجتماع الشرط والقسم. د- الحذف في أجزاء الجملة الشرطية. 5- أدوات الشرط غير الجازمة. الجزم في جواب الطلب: لاحظ الأمثلة التالية: - استقِمْ تغنمْ راحةَ الضمير ورِضا الله. - وتعلَّمْ من أخطائك تتجنب الوقوع في غيرها. - لا تترَدَّدْ تُحقِّقْ ما تريد. الأفعال "تغنم، تتجنب، تحقق" في الأمثلة السابقة مجزومة، وقد تقدم عليها ما يدل على الطلب وهو الأمر في المثالين الأولين، والنهي في المثال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 الثالث، ومن ذلك قول القرآن: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} 1 ويطلق المعربون -كما هو مشهور- على الفعل المجزوم أنه "مجزوم في جواب الطلب". هذا الأسلوب ينبغي أن تتحقق له الصفات التالية: أ- أن يتقدم الطلب قبل الفعل المجزوم، فإن كان الكلام مثبتًا أو منفيًّا لا يجزم المضارع، بل يرفع، تقول: "إنك منافقٌ تدعي صداقتي تودُّ عدوي" وتقول: "إنك صديق مخلص، فأنت لا تخذلُني تنصرُني". ب- أن يكون المضارع المجزوم مترتبا على الطلب السابق، بأن يكون مسببا عنه في العادة والعرف، فإن لم يكن كذلك رفع المضارع، مثل "اغنمْ من الحياة فرصةً تسنحُ لك" و "خذ من حياتك لنفسك ساعةً تمرح فيها" فالمضارع في المثالين غير مسبب عن الطلب السابق، فهو مرفوع على أنه صفة لما قبله. ج- أن يكون النهي -وهو واحد من صور الطلب- في الجملة مما يمكن رفعه من الكلام ويوضع موضعه "أداة شرط + لا النافية + فعل شرط" ويصح المعنى -وحينئذٍ يجزم المضارع، فإذا لم تصلح تلك التجربة رفع الفعل المضارع، ولم يجزم، لاحظ الآتي: - لا تُصادِق الأشرارَ تَتَّقِ الشبهات. "يصح: إنْ لا تصادق الأشرارَ تَتَّقِ الشبهات، الفعل مجزوم". - لا تُصادق الأشرارَ تتحملُ وِزرَهم. "لا يصح: إن لا تصادق الأشرار تتحمل وزرهم؛ لفساد المعنى، الفعل مرفوع.   1 الآية 151 من سورة الأنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 ويبدو أن السبب في هذا الشرط الأخير هو الشرط الثاني، فإن هذه التجربة الذهنية السابقة لصحة المعنى إنما هي وسيلة -مع النهي خاصة- لمعرفة ترتب الفعل على الطلب أو عدم ترتبه عليه، وبذلك يكون جزمه أو رفعه. وقد وضع ابن هشام لذلك علامة في قوله: "وشرط الجزم بعد النهي كون الجواب أمرا محبوبا كدخول الجنة والسلامة في قولك: "لا تكفرْ تدخل الجنة" و "لا تدنُ من الأسد تسلَم" فلو كان أمرا مكروها كدخول النار وأكل السبع في قولك: "لا تكفرْ تدخلُ النار" و "لا تدنُ من الأسد يأكلُك" تعين الرفع ا. هـ. الحروف التي تجزم فعلا واحدا: وهي أربعة أحرف "لم، لما، لام الطلب، لا: الطلبية" ويمكن الحديث عنها في مجموعتين على النحو التالي: المجموعة الأولي: لم، لما: لاحظ الأمثلة الآتية: الشعب الواعي من لم ينخدع بالمظاهر والكذب. لكن: ألم نكذبْ على أنفسنا حتى فاجأتنا الحقيقة؟ وألمّا ننافق الأقوياءَ ونُغْفَلْ صوتَ العقل؟ ومع ذلك فلمَّا نفقدْ كلَّ الأملِ بعد. من حروف جزم المضارع "لم، لمّا" ويطلق على الأول أنه "حرف نفي وجزم وقلب" ومعنى ذلك أنه ينفي المضارع المثبت، ويجزمه، ويقلب معناه للماضي، ويطلق على الحرف الثاني -لمَّا- مثل الأول تمامًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 وتدخل على كل منهما همزة الاستفهام، كقول القرآن: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} 1 وقول العرب: "ألَمَّا تصحُ والشيبُ وازعُ". وإلى هنا يتفق الحرفان الجازمان "لم، لما" لكنهما يختلفان بعد ذلك من حيث تحديد المعنى والاستعمال اللغوي. أما من حيث تحديد المعنى -مع أنهما يفيدان النفي- فيتمثل ذلك في أمرين: أ- أن "لمْ" تنفي الماضي مطلقا بصرف النظر عن استمرار النفي حتى وقت التكلم، أما "لمّا" فإنها تنفي الماضي، حتى زمن التكلم. ب- أن "لمْ" تنفي الماضي ولا شأن لها بالمستقبل، أما "لمّا" فإنها تنفي الماضي مع توقع حدوث ما نُفِيَ في المستقبل. فلنلاحظ الشواهد التالية: - قول القرآن: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} 2. - قول القرآن: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإيمَانُ فِي قُلُوبِكُم} 3. - قول الشاعر: فإن كنتُ مأكولًا فكنْ خيرَ آكلٍ ... وإلَّا فأدركْني ولما أُمَزَّقِ4   1 الآية الأولى من سورة الشرح. 2 الآية الأولى من سورة الإنسان. 3 من الآية 14 من سورة الحجرات. 4 البيت -كما يقول الصبان- لشاعر جاهلي غير معروف، وقد تمثل به عثمان "رضي الله عنه" حين حاصره الثوار في بيته، فكتب إلى عَلِيّ "رضي الله عنه" كتابا وفيه هذا البيت. الشاهد: "لما أمزق" حيث جزمت "لما" الفعل المضارع "أمزق" ومعناها نفي الماضي حتى الوقت الحاضر مع توقع حدوث ما نفي في المستقبل، ولا شك أن عثمان كان يتوقع "التمزيق" وقد مزق فعلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 وأما الذي يتعلق بالاستعمال اللغوي فأمران أيضا: أ- أن الحرف "لم" يأتي بعد أداة الشرط "إن" فتقول: "إنْ لم تتعلَّمْ من أخطائِك وقعت فيها" ولا يصح ذلك مع "لمّا" فلا تقول: "إنْ لمَّا". ب- أن "لم" لا يحذف المضارع بعدها بخلاف "لمّا" فإنه يصح في النثر والشعر حذف المضارع بعدها، تقول: "كدت اليوم أخرج للنزهة لكن لما" أي "لما أخرج". المجموعة الثانية: لام الطلب، لا: الطلبية: لاحظ الأمثلة التالية: ليتمسك الأحرارُ بحريتهم. وليدافعوا عنها بكل ما يستطيعون. فلا تعتدِ على حرياتِ الآخرين. ولا تترك غيرَك يعتدي على حريتك. تسمى اللام في المثالين الأولين "لام الطلب" كما تسمى في المثالين الأخيرين "لا: الطلبية" والفرق بين الاثنين أن الأولى تطلب الفعل، أما الثانية فإنها تطلب الترك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 فإن كان طلب الفعلِ للتوجيه فهي "للأمر" كخطاب الله لأهل الغنى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} . وإن كان طلب الفعل للاستعطاف فهي "للدعاء" كخطاب أهل النار لخازن النار: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} . وكذلك إن كان طلب الترك بالحرف "لا" للتوجيه، فهي "للنهي" مثل "لا تنسَ حقَّك على نفسك، ولا تُهملْ حقَّ اللهِ عليك" ومن ذلك قول الرسول لأبي بكر: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} 1 وإن كان طلب الترك للاستعطاف فهي "للدعاء" مثل: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} 2. ما يجزم فعلين: إن تراقبْ ضميرَك تُتْقنْ عملك. {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} . هي الأدوات التي تدخل جملة تفيد تعليق أمر على آخر بواسطة هذه الأدوات، وتسمى هذه الجملة "جملة شرطية" وتتكون من: أ- أدوات الشرط: الإحدى عشرة الجازمة ب- جملة الشرط: وتحتوي على الفعل المضارع المجزوم، ويسمى "فعل الشرط". ج- جملة جواب الشرط: وتحتوي على الفعل المضارع المجزوم ويسمى "فعل جواب الشرط". هذه الأدوات الإحدى عشرة تنقسم من حيث نوع الكلمة العربية إلى قسمين رئيسين:   1 من الآية 40 من سورة التوبة. 2 الآية الأخيرة من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 القسم الأول: إن، إذْ ما وهما من الحروف، الأداة الأولى باتفاق النحاة، والأداة الثانية على الاتجاه المشهور، فلنلاحظ الأمثلة التالية: إنْ تُحافظ الأمّةُ على علمائِها، تصُنْهم من الابتذال. وإذْ مَا يَسُدْ هذا الخلقُ فيها، يُساعدْ على رُقيّها. - قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} 1. - قال الشاعر: وإنك إذْ مَا تأتِ ما أنت آمِرٌ ... به تُلفِ من إيَّاهُ تأمرُ آتيا القسم الثاني: "مَنْ، مَا، مَهْمَا، متى، أيَّان، أنَّى، حَيْثُمَا، أيّ". هذه جميعها تشترك في أنها "أسماء للشرط" لكن يختلف استعمالها بحسب الأصل على التفصيل التالي: 1- مَنْ: وهي في الأصل لمن يعقل، ثم ضمنت معنى الشرط، كقول زهير: ومن لم يُصَانِعْ في أمورٍ كثيرةٍ ... يُضرَّسْ بأنيابٍ ويُوطأْ بِمَنْسَمِ3   1 من الآية 29 سورة آل عمران. 2 القدوة في العمل لا في الكلام، فإذا أمرت بشيء وفعلته، فعله أيضا من أمرته. الشاهد: أن "إذ ما" حرف شرط يجزم فعلين، فعل الشرط "تأت" وفعل الجواب "تلف". 3 يضرس: يطحن بالأضراس، المنسم: -كما جاء في القاموس- خف البعير، والمقصود بذلك كله: التلف والهلاك. يقول: إن من لم يصانع الناس، ويتسم بالمرونة، يعرض نفسه للتلف والهلاك كأنما يطحن بالأضراس ويهلك تحت خف البعير. الشاهد: في "من" اسم شرط جازم لفعلين، وفعل الشرط "لم يصانع" كلها في محل جزم، وجواب الشرط "يضرس" وما عطف عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 2- مَا، مَهْمَا: وهما في الأصل لما لا يعقل، ثم ضمنتا معنى الشرط، ومن ذلك: - قول القرآن: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} 1. - قول زهير: ومهما تكنْ عند امرئ من خَلِيقَةٍ ... وإن خَالَهَا تخفى على النَّاسِ تُعْلَمِ2 3- مَتَى، أيَّانَ: الأصل فيهما أنهما اسمان للزمان، ثم ضمنا معنى الشرط، ومن ذلك: - قول الحطيئة: متى تأتِه تعْشُو إلى ضوءِ ناره ... تجِدْ خيرَ نارٍ عندها خيرُ مُوقِدِ3   1 من الآية 197 سورة البقرة. 2 الشاهد: أن "مهما" اسم الشرط لغير العاقل تجزم فعلين، أولهما "تكن" وثانيهما "تعلم" وشكل بالكسرة للقافية. 3 تعشو: الأعشى: سيئ البصر بالليل، والمقصود بالفعل "تعشو" هنا المجيء من غير قصد. الشاهد: أن "متى" اسم شرط للزمان يجزم فعلين، أولهما "تأته" وثانيهما "تجد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 - قول الآخر: أيَّانَ نُؤْمِنْك تأمنْ غيرَ ناو إذا ... لم تُدْرِك الأمْنَ مِنَّا لم تزلْ حَذِرا1 4- أيْن، أنَّى، حَيْثُمَا: الأصل فيها أنها أسماء للمكان، ثم ضمنت معنى الشرط، ومن شواهدها ما يلي: - قول القرآن: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} 2. - قول الشاعر: خليليّ أنَّى تأتيانِيَ تأتيا ... أخا غيرَ ما يُرضيكما لا يُحَاوِلُ3 - قول الآخر: حيثما تستقِمْ يُقدّر لك اللهُ ... نجاحًا في غابِرِ الأزمانِ4 5- أي: لاحظ الأمثلة التالية: أيّ امرئ تصادقْه تنصحْه. "استعملت للعاقل". وأي شيء يؤذك مرة تحذرْه. "استعملت لغير العاقل".   1 الشاهد: أن "أيان" اسم شرط للزمان يجزم فعلين، فعل الشرط "نؤمنك" وفعل الجواب "تأمن". 2 من الآية 78 سورة النساء. 3 الشاهد: كلمة "أنى" اسم شرط للمكان يجزم فعلين، فعل الشرط والجواب وهما "تأتياني"، "تأتيا أخا". 4 الشاهد: أن "حيثما" اسم شرط للمكان يجزم فعلين، فعل الشرط "تستقم" وفعل الجواب "يقدر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 وأيّ وقت تسنحْ فيه الفرصة تغتنمْه. "استعملت للزمان". وأيّ مكانٍ تجدْ رزقك فيه تسكنه. "استعملت للمكان". قال النحاة: كلمة "أي" بحسب ما تضاف إليه، فهي تستمد معناها من المضاف إليه، فإن كان للعاقل أو لغيره فهي له، وإن كان للزمان أو المكان فهي له، ومن شواهدها قول القرآن: {أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 1. اقتران أسماء الشرط ب "ما" الزائدة: ذكر الأشموني أن الأداتين "إذ، حيث" لا بد أن تقترنا بالحرف "ما" الزائد حين استعمالهما للشرط، فيقال: "إذ ما، حيثما". وأن الأدوات "إن، متى، أيان، أين، أي" يجوز اقترانها بالحرف "ما" أو عدم اقترانها به، راجع ما سبق من شواهدها. أما باقي الأدوات "من، ما، مهما، أنّى" فلا تقترن به مطلقًا. اقتران جواب الشرط بالفاء: لاحظ الأمثلة التالية: من يُرِدْ الاستقامةَ، فبابُ الله مفتوح. ومن يتعلَّقْ بالشرّ، فلن يلومَ إلَّا نفسَه. فإن تُطِعْ الخُلُقَ الكريم، فعسى أنْ تستفيد. يقترن جواب الشرط بالفاء فيما لخصه النحاة في جملة واحدة هي "كل ما لا يصح أن يقع جملة شرط"، ثم فعلوا ذلك موضحا في الآتي: أ- الجملة الاسمية. ب- الجملة الطلبية مثل "الأمر، النهي، الاستفهام"   1 من الآية 110 سورة الإسراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 ج- الجملة التي يأتي في أولها فعل جامد مثل: "عسى، ليس، نعم، بئس". د- الجملة التي يأتي في أولها أحد حرفي النفي "ما، لن". هـ- الجملة التي يأتي في أولها أحد حروف الاستقبال "السين، سوف". و الجملة التي يأتي في أولها الحرف "قد". فكل واحد من هذه المواضع إذا جاء "جملة الجواب" يجب اقترانه بالفاء وجوبًا، بل زاد بعضهم فنظمها شعرا في قوله: اسمية طلبية وبجامد ... وبما ولنْ وبقد وبالتنفيس فلنتأمل الآيات التالية: - {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} 1. - {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} 2. - {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} 3. هذا، وينبغي أن يذكر هنا أن حرف "الفاء" في هذه المواضع واجب الذكر، ولا يصح إسقاطه إلا حين يضطر الشاعر لذلك لضيق الوزن والقافية، ويطلق على هذا اسم "ضرورة الشعر" ومن ذلك: - قول كعب بن مالك: مَنْ يفعل الحسناتِ اللهُ يشكرها ... والشرُّ بالشرِّ عند الله مِثْلَانِ4   1 من الآية 107 سورة يونس. 2 من الآية 74 سورة النساء. 3 من الآية 77 سورة يوسف. 4 الشاهد: في "الله يشكرها" حيث وقعت جملة جواب الشرط اسمية وحذفت منها الفاء ضرورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 - وقول الآخر: ومَنْ لا يزلْ ينقاد للغَيِّ والصِّبا ... سيُلْفى على طول السلامة نَادِمَا1 العطف بين الشرط والجزاء أو بعدهما: لاحظ الأمثلة التالية: - من يُخلصْ ويستمر على إخلاصه يثقْ به الناس. "العطف بين الشرط والجزاء". - ومن يُنافقْ فيشتهر بالنفاق، يحتقرْه النّاس. "العطف بين الشرط والجزاء". - ومن يحبَّ نفسَه فقط يكرهْه الناس ويجتنبه أصدقاؤه. "العطف بعد الشرط والجزاء". - ومن يبذُلْ من نفسه للآخرين يقدره الناس فيرغم أعداؤه على احترامه. "العطف بعد الشرط والجزاء". يأتي العطف "بالواو أو الفاء" بين الشرط والجزاء، كالمثالين الأولين وحينئذٍ لك في الفعل المعطوف بعدهما نصبه وجزمه، فإن جاء العطف بعد الجزاء -كالمثالين الأخيرين- فلك رفعه ونصبه وجزمه، وهكذا ورد في اللغة. - من القرآن: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} 2.   1 الشاهد: في "سيلفى على طول السلامة نادما" جملة جواب الشرط مصدرة بحرف الاستقبال "السين" والواجب أن تقترن بالفاء، لكن حذفت الفاء منها ضرورة. 2 من الآية 284 سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 - قول الشاعر: ومن يقتربْ منَّا ويخضع نُؤوِه ... ولا يخشَ ظُلمًا ما أقام ولَا هضْما1 - قول زهير: ومن لا يُقَدَّمْ رجلَه مطمئنَّةً ... فيثبتها في مُستَوى الأرضِ يَزلَقِ2 فقد قرئت الآية في الفعل "يغفر" بالرفع والنصب والجزم. وجاء البيت الأول بنصب "يخضع" والبيت الثاني ينصب "يثبت" فقط قال النحاة: والرفع على أن الحرفين -الفاء والواو- للاستئناف والنصب على أن الواو للمعية والفاء للسببية، والجزم للعطف على الشرط أو الجواب. اجتماع الشرط والقسم: ينبغي قبل فهم هذا الموضوع معرفة صفات الجملة التي تقع جوابًا للشرط أو جوابا للقسم، وذلك على التفصيل التالي: أ- جواب الشرط يكون مجزومًا أو مقترنًا بالفاء على ما تقدم الحديث عنه. ب- جواب القسم يأتي على التفصيل التالي:   1 نؤوه: يجد عندنا المأوى والإكرام، هضما: ضياعا لحقوقه. الشاهد: في قوله "ويخضع" حيث عطف بالواو بين الشرط والجواب فيصح النصب والجزم، وقد جاء الفعل في البيت منصوبا باعتبار الواو للمعية. 2 يزلق: يتزحلق. البيت كله صورة لعدم التثبت قبل الإقدام على الأمر، فيؤدي ذلك للألم والندم، تماما كمن يمشي في الأرض الموحلة الملساء ولا يثبت رجله، فإنه يزلق ويقع ويتألم. الشاهد: في "فيثبت" حيث عطف بالفاء بين الشرط والجواب، فيصح النصب والجزم، وقد ورد البيت بالنصب وهو أحد الوجهين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 أولا: الجملة المثبتة إذا كانت الجملة فعلية فعلها مضارع أكد باللام -لام جواب القسم- ونون التوكيد، كقولك: "والله لأنالَنَّ حقي ولو بعد حين" وإذا كانت فعلية فعلها ماض، جاء معه اللام -لام جواب القسم- والحرف "قد" مثل قولك: "أقسم لقد اغتَرَّ الطغاةُ والغرورُ هلاك". فإن كانت الجملة المثبتة اسمية، جاءت معها إنّ -المكسورة الهمزة- واللام -لام الابتداء- مثل قولك: "والله إنّ الراحةَ لمطلوبةٌ، وإنّ النفوسَ المجهدةَ لقليلةُ الإنتاج". ثانيا: الجملة المنفية سواء أكانت فعلية أو اسمية، فإنه يجب أن تنفى بأحد حرفي النفي "ما، لا" تقول: "أقسم ما نجحت أمة بغير أخلاق، ولا هلكت أمة مع التمسك بالأخلاق". إذا علم ذلك، فماذا يكون الأمر إذا اجتمع الشرط والقسم، وكل منهما في حاجة إلى الجواب؟، لاحظ الأمثلة الآتية: والله إن تمكنتُ لأصْنَعَنَّ المعروف. "الجواب للقسم، وحذف جواب الشرط". وإن لم أتمكنْ أقسم فما قصرتُ في الخير. "الجواب للشرط، وحذف جواب القسم". المعروفُ والله إن فعلتَه فعاقبته خير. "الجواب للشرط، وحذف جواب القسم". قال علماء النحو -رحمهم الله- إذا اجتمع الشرط والقسم، واتجه معناهما لجواب واحد، فإن المتقدم منهما يأخذ الجواب، أما المتأخر فيحذف جوابه، كما ترى في المثالين الأول والثاني. فإن تقدم على كل من الشرط والقسم مبتدأ -كما في المثال الثالث- روعي الشرط تقدم أو تأخر، فكان الجواب له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 هذا هو الأصل في استعمال اللغة، وما ورد غير ذلك مرفوض ما لم يكن ضرورة لشاعر، لضيق الأمر عليه بالوزن والقافية، والضرورات يبحن المحظورات. الحذف في الجملة الشرطية: الأصل في الكلام العربي أن يكون كله مذكورا، فالحذف على خلاف الأصل، ومما يحذف جملة الشرط أو جملة الجواب أو هما معا، وهذا الأخير أمره عجب!! إذ تغيب الجملة الشرطية كاملة، ولا يبقى منها سوى الأداة. وكل ذلك إنما يصح في الكلام إذا كان المحذوف معلومًا من السياق لفظًا أو دلالة. وعلى ذلك جاء الحذف على النحو التالي: أولا: حذف جملة الجواب: وهذا كثير في اللغة، تقول: "أنت ناجٍ إن احترسْتَ" والمثال المشهور في كتب النحو "أنت ظالمٌ إنْ فعلتَ" ومن ذلك قول القرآن: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ} 1 تقدير الجواب المحذوف "فافعل". ثانيا: حذف جملة الشرط وهذا قليل في اللغة، وأغلب ما يأتي مع أداة الشرط "إن" وبعدها "لا: النافية" كقول الأحوص يتحدث عن حبيبته التي زوجوها من غيره واسمه "مطر":   1 من الآية 35 سورة الأنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 سلامُ الله يا مطرٌ عليها ... وليس عليك يا مطَرُ السلامُ فإن يكن النكاحُ أحلَّ شيء ... فإنَّ نكاحَها مطرًا حرامُ فلا غفرَ الإلهُ لمنْكحيها ... ذنوبَهم وإنْ صلُّوا وصاموا فطلِّقْها فلستَ لها بكُفْءٍ ... وإلَّا يَعْلُ مَفْرِقَكَ الحسامُ1 ثالثا: حذف الجملتين جميعا وهذا نادر في اللغة، وأكثر ما يرد في الشعر، ومن استعماله في النثر ما يقال في مواقف العناد والتحدي "وإنْ" أو "وَلَوْ" فالتقدير "وإن اعتذر فلن أقبل اعتذاره" وأيضا "ولو هدّد فلن أخاف". أدوات الشرط غير الجازمة: هي تلك الأدوات التي تقوم بالربط بين شيئين أحدهما يترتب على الآخر فهذه الأدوات تستدعي إذن جملة شرطية كاملة، فيها "أداة الشرط + جملة الشرط + جملة جواب الشرط" لكن هذه الأدوات لا تجزم الأفعال لا في الشرط ولا في الجواب، فلنلاحظ الأمثلة التالية: لو أنصفَ الناسُ، استراحَ القاضي. "الأداة، لو". لولا اختلافُ الأذواقِ، لبارت السّلع. "الأداة: لولا". إذا عرفتَ عدوَّك، أمِنْتَ غِرَّتَه. "الأداة: إذا". كلما ازدادَ المرءُ علمًا، قَلَّ جهلا. "الأداة: كلما". لما اشتدت الأزمة، انتظرت الفرج. "الأداة لما: الحينية".   1 معظم أبيات هذه المقطوعة من شواهد النحو، والشاهد هنا في البيت الأخير "وإلا يعل" إذ حذفت جملة الشرط، وأصل الكلام "وإلا تطلقها يعل" وقد جاء ذلك بعد "إن" الشرطية و "لا" النافية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 أشهر أدوات الشرط غير الجازمة خمس هي "لَوْ، لَوْلَا، إذَا، كُلَّمَا، لَمّا: الحينية" وإليك معاني هذه الأدوات كما ينطقها المعربون ووصفا مختصرًا للجملة الشرطية التي تقع بعدها، وشواهدها من الاستعمال العربي. - لَوْ: هي -كما يقول المعربون- "حرف امتناع لامتناع" ومعنى ذلك أن الجملة التي تأتي بعدها مجرد افتراض، إذ تفيد امتناع حدوث الجواب لامتناع الشرط، وتتكون جملتها الشرطية كما يلي: أولا: جملة الشرط: تأتي على الصورة التالية: أ- أن يكون فعل الشرط فيها فعلا ماضيًا في اللفظ والمعنى، وهذا هو الغالب فيها في اللغة، ومن ذلك قول القرآن: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} 1. ب- أن يكون فعل الشرط ماضيا لفظا ومستقبلا في المعنى، مثل قول القرآن: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ} 2. ج- أن يكون فعل الشرط مضارعا، ولكن معناه الماضي، كقول كُثَيِّر عزّة: رهبانُ مدينَ والذين عهدتهم ... يبكون من حَذَرِ العذاب قُعُودا لو يسمعون كما سمعتُ كلامَها ... خَرُّوا لعزّةَ رُكَّعا وسجودا3   1 من الآية 188 سورة الأعراف. 2 من الآية 9 سورة النساء. 3 الشاهد: في البيت الثاني، إذ جاء فعل الشرط للحرف "لو" مضارعا "يسمعون" لكن معناه الماضي؛ لأن سياق البيت يدل على ذلك، فكأنه قال: "لو سمعوا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 د- أن تأتي بعدها جملة "أنَّ واسمها وخبرها" وهذا كثير في اللغة ومن ذلك قول توبة بن الحُمَيّر: ولو أنَّ لَيلَى الأخيلِيَّةَ سلّمتْ ... عَلَيَّ ودوني جَنْدَلٌ وصفائحُ لسلَّمتُ تسليمَ البشاشةِ أو زَقَا ... إليها صَدىً من جانبِ القبر صائحُ1 وحينئذٍ يكون المصدر المؤول من "أن واسمها وخبرها" فاعلا لفعل محذوف على الرأي المشهور. ثانيا: جملة الجواب، وتأتي على الصور التالية: أ- أن يكون فعلا ماضيا مثبتا، مثل "لو قَدر اللَّئيم على الكريمِ لأهانَه، ولو قدر عليه الكريمُ لعفا عنه". ب- أن يكون فعلا ماضيا منفيا بالحرف "ما" مثل "لو أُهْمِلَ العلمُ في   1 الجندل: الحجارة الصلبة، صفائح: الحجارة العراض التي تغطي فتحات القبور، زقا: صاح، الصدى: رجع الصوت. يقول: لو كنت في قبري حيث سد عليَّ بالأحجار والصفائح، ثم جاءت ليلى فسلمت عليَّ، لأجبتها مبتهجًا، أو لسمعت صياحا من القبر هو صدى صوتي؛ إذ حيل بيني وبينها. الشاهد: في "لو أن ليلى سلمت" فقد جاء بعد "لو" أن واسمها وخبرها وعلى الرأي المشهور يكون المصدر المؤول فاعلا لفعل محذوف هو فعل الشرط وتقدير الكلام "لو حدث تسليم ليلى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 الأمّة، ما بقيتْ لها حضارة" وفي كلتا الصورتين السابقتين يصح أن يأتي في أول الجواب لام تسمى "لام جواب الشرط". ج- أن يأتي الجواب فعلا مضارعا منفيا بالحرف "لم" مثل "لو حكمتُ لم أظلمْ، ولو ارتقيتُ لم أغتر". - لَوْلَا: يقول عنها المعربون: إنها "حرف امتناع لوجود" ومعنى هذه العبارة أن جوابها امتنع لوجود الشرط، فإذا قلت "لولا لطفُ الله لهلك العُصاة" فمعنى هذه الجملة أنه امتنع هلاك العصاة لوجود لطف الله. وتأتي الجملة بعدها كما يلي: أولا: جملة الشرط: وهي جملة اسمية يذكر المبتدأ فيها بعد "لولا" ويحذف الخبر وجوبا. ثانيا: جملة جواب الشرط: وهي جملة فعلية على التفصيل السابق في حرف الشرط "لو". - من الدعاء المأثور "اللهم لولا أنت، ما اهتدينا، ولا تصدَّقْنا ولا صلَّيْنا، فأنْزلَنْ سكينةً علينا، وثبّت الأقدامَ إن نادينا". - قول الشاعر: لولا رجاءُ لقاءِ الظّاعنين لما ... أبقت نَوَاهم لنا رُوحًا ولا جَسَدا1   1 الظاعنين: الراحلين، نواهم: بعدهم وغيابهم. الشاهد: أن "لولا" جاء بعدها اسم مرفوع هو "لقاء" وهو مبتدأ خبره محذوف والجملة الاسمية جملة الشرط، وجواب الشرط جملة "لما أبقت نواهم لنا روحا ولا جسدا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 - إذا: يقول عنها المعربون "ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه، منصوب بجوابه" ومعنى هذه العبارة تفصيلا ما يلي: أ- أن "إذا" مع إفادتها الشرط، فإنها اسم بمعنى "حين" وهي منصوبة على الظرفية في محل نصب. ب- أن الشرط والجواب يكون معناهما في المستقبل، سواء أجاء لفظهما ماضيا أو مضارعا أم جاء الجواب أمرا. ج- أن جملة الشرط كلها تكون في محل جر بالإضافة إلى "إذا". د- أن الذي ينصب "إذا" هو الجواب، فهو -في رأي النحاة- عامل الظرف. من العبارات المأثورة "كان عمر بن الخطاب إذا تكلَّمَ أسمع، وإذا ضربَ أوجعَ، وإذا مشَى أسرعَ". - كُلَّمَا: يقول عنها المعربون "حرف يفيد الاستمرار، أداة شرط" ومعناه استمرار تكرار الجواب كلما تكرر الشرط، تقول: "كُلَّمَا ارتفعَ قَدْرُ الكريم، ازداد تواضُعًا، وكُلَّمَا ارتفعَ شأنُ اللئيم، ازدادَ خِسَّة" ومن البيّن أن هذا الارتباط لا يتوقف على الماضي أو الحاضر أو المستقبل، إذ يمكن أن يتحقق فيها جميعا. - قال القرآن: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً} 1.   من الآية 37 سورة آل عمران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 ومن شعر العقاد يشكو صدمته في الأصدقاء الأوفياء: أكُلَّمَا لاحَ لي نجمٌ فأتبعه ... خبا الضياءُ فلم أبْصِرْ سوى كَدَرِ أكلما قلتُ هذا جوهرٌ نطقت ... عليه دون بَنَاني خِسَّةُ الحَجَرِ أكلَّما قلتُ هذا كوثرٌ خَصِرٌ ... تجمَّعَ الصّابُ لي في الكوثرِ الخصِرِ هي الحقيقةُ أنساها وأذكرُها ... في كلِّ يومٍ ولمَّا يُجْدِنِي حَذَرِي1 - لَمّا: الحينية هكذا يصفها المعربون فيقال: "لما: حينية، أداة شرط" ومفهوم هذا الوصف أنها بمعنى "حين" فتفيد أيضا تعليق الجواب على الشرط، تقول: "لَمّا التقى الجمعان، ثبتَ الشجاعُ وفرّ الجبان" ومن ذلك قول المتنبي: ولما صار وُدُّ النَّاس خِبًّا ... جزيتُ على ابتسامٍ بابتسامِ وصرتُ أشكُّ فيمن أصْطفيه ... لعلمي أنّه بعضُ الأنامِ2   1 بناني: كفي، كوثر خصر: شديد العذوبة، الصاب: المر، لما يجدني: لما يفدني. التمثيل بهذه الأبيات لأداة الشرط "كلما" حيث وردت الجملة الشرطية معها في الأبيات الثلاثة الأولى. 2 خبا: خداعا، أصطفيه: أصادقه وأختاره، الأنام: الناس. موضع التمثيل في البيت الأول، إذ هو جملة شرطية كاملة، استخدمت فيها الأداة "لما". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 الفاعل : 1- المقصود بالفاعل لدى النحاة. 2- من أهم مباحث الفاعل الأمور التالية: أ- الفاعل وعامله من حيث الذكر والحذف. ب- عامل الفاعل من حيث الإفراد والتثنية والجمع. ج- عامل الفاعل المؤنث من حيث التأنيث والتذكير. د- الترتيب في الجملة بين الفعل والفاعل والمفعول. الفاعل: لاحظ الأمثلة التالية: يظلم الأمّةَ ضعفُها أمام الطغاة. "الفاعل اسم صريح". يظلم الأمّةَ أن تَضعفَ أمام الطغاة. "الفاعل اسم مؤول بالصريح". هل يتجَبَّرُ الطغاةُ على الأمَّة إلا بضعفها. "عامل الفاعل فعل صريح". هل مُتَجبرٌ الطغاةُ على الأمة إلا بضعفها. "عامل الفاعل اسم شبيه بالفعل". أذلَّ الجبنُ أعناقَ الرجال. "لقد قام الفاعل بالفعل وعمله". ذلَّ رجالٌ من طبعهم الجبن. "لقد قام الفعل بالفاعل فنسب إليه". الفاعل -كما جاء في قطر الندى- اسم صريح أو مؤول به، أسند إليه فعل أو شبيه به، مقدم عليه بالأصالة، واقعا منه أو قائما به ا. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 ومن هذا التعريف المركز يمكن أن توصف الجملة التي فيها الفاعل بالصفات التالية: أ- أن الفاعل يكون اسما صريحا سواء أكان ظاهرا أم مضمرا، تقول: "أوحى الله الرسالةَ للنبيين فبلّغوا للبشر ما سمعوه" وقد يكون اسمًا مؤولًا بالصريح، والحروف التي تؤول بالصريح هنا ثلاثة هي "أن، أن، ما" تقول: "ساءني أنَّك مريض وسرَّني أنْ شُفِيتَ إذ أبْهَجَنَا ما نجوتَ من الخطر". ب- أن يكون عامله فعلا أو شبه الفعل "اسم فاعل، أمثلة مبالغة، صفة مشبهة، اسم التفضيل، إلخ" تقول: "الشر نادِمٌ فاعلُه" أو "الفسادُ نمَّامٌ ناقِلُه". ج- أن يقوم الفاعل بالفعل ويعمله، فيقع منه، أي يفعله حقيقة، مثل: "صنعْتُ المعروفَ وتناسيتُ صنعَه" أو ينسب الفعل للفاعل دون أن يعمله مثل: "انتصرَ الحقُّ، وانهزم الباطلُ" ومثل: "تحطمت الطائرةُ، واصطدمت بالأرض" فليس معنى أنه "فاعل" أنه قام بالعمل فعلا، بل قد يقوم به، وقد ينسب إليه، كما هو واضح في الأمثلة. الفاعل وعامله من حيث الذكر والحذف: يقصد بعامل الفاعل -لدى النحاة- ما رفع به الفاعل، سواء أكان فعلا أم شبه فعل، والأصل -كما سبق- ألا يحذف شيء من الكلام العربي بل يكون الكلام كله مذكورا، فلا يقدر شيء على ما هو مذكور فعلا، لكن من منهج النحاة الحذف، فما هو الرأي في حذف كل من العامل والفاعل؟ أولا: حذف العامل لاحظ المحادثة التالية: - هل لبّى الأصدقاءُ دعوتَك لهم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 - نعم.. بعضُهم. - ألم يعتذر إليك الغائبون؟ - بلى.. الغائبون بل الحاضرون نيابة عنهم. ففي هذه المحادثة جاء في الرد الأول حذف الفعل، فأصل الجملة "نعم لبّى بعضهم" وكذلك في الرد الثاني حذف من الجملة فعلان، وأصلها "بلى اعتذر الغائبون بل تأسّفَ الحاضرون نيابة عنهم" وكل ذلك لأن الكلام قد فهم منه ذلك المحذوف، ومن ذلك الشواهد التالية: - قول القرآن: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 1. - قول الشاعر: تجلّدْتُ حتى قِيل لم يعْرُ قلبَه ... من الوجْدِ شيءٌ قلتُ بل أعظمُ الوجدِ2 لكن: يصبح هذا الحذف واجبا بعد أدَاتي الشرط "إن، إذا" إذا وجد بعدهما اسم مرفوع وقد تأخر عنه مفسر للمحذوف، تقول: "إنْ سفيهٌ أهانَك فلا تجبْه، وإذا كريمٌ غضبَ منك فصالحه" ومن ذلك الشواهد التالية: - قول القرآن: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} 3.   1 من الآية 87 من سورة الزخرف. 2 تجلدت: أظهرت الصبر، لم يعر قلبه: لم يصبه: الوجد، الشوق والحب. الشاهد: في "بل أعظم الوجد" فإنه فاعل بفعل محذوف جوازًا يدل عليه الكلام السابق، وتقدير الكلام "بل عراه أعظم الوجد". 3 من الآية 6 من سورة التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 - قول أميّة بن أبي الصلت لابنه: إذا ليلةٌ نابتْك بالشكْوِ لم أبِتْ ... لشكواكَ إلَّا ساهرًا أتَمَلمَل1 ثانيا: حذف الفاعل من المعلوم أن هناك فرقا بين الاستتار والحذف، فالاستتار يوصف به "الضمير" وهو في حكم المذكور، أما الحذف فهو من صفات "الاسم الظاهر" والمحذوف يعتبر غير موجود أصلا. فالأصل في الفاعل أن يكون مذكورا، مثل: "طال اللّيلُ وسهرَ المتْعَبون" وقد يكون مستترًا مثل: "تخير الأوقاتَ المناسبة لزيارة أصدقائك ولا تزعجهم في غير تلك الأوقات". أما حذف الفاعل، فالرأي المشهور عنه أنه ممنوع، إلا في مواضع خاصة تذكر في أبوابها. هذا وتسوق كتب النحو الحديث التالي: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" 2، إذ يشعر هذا الحديث أن فاعل "يشرب" محذوف، إذ لا يمكن أن يكون ضميرًا يعود على "الزاني"؛ لأن هذا غير ذاك، لكن اتساقا مع الرأي المشهور اعتبر فاعله ضميرا مستترا يعود على "الشارب" من مضمون الكلام.   1 نابتك: أصابتك، والمقصود: حديث فيها ما تشكو منه، أتململ: أتقلب. الشاهد: في "إذا ليلة نابتك بالشكو" حذف الفعل وجوبا بعد "إذا" وتقدير الكلام "إذا نابتك ليلة نابتك" وكلمة "ليلة" فاعل بهذا الفعل المحذوف. 2 صفوة صحيح البخاري ج4 ص107. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 عامل الفاعل من حيث الإفراد والتثنية والجمع: لاحظ الأمثلة التالية: قدّم العلم أجلَّ الخدمات لمدنيّة عصرنا. "العامل مفرد، الفاعل مفرد". وأدَّى العلماءُ دورهم في خدمة الإنسانية. "العامل مفرد، الفاعل جمع". وتتسابق الدولتان الكبريان في العالم لاحتواء العلماء. "العامل مفرد، الفاعل مثنى". عامل الفاعل قد يكون فعلا وقد يكون اسما شبيها بالفعل -كاسم الفاعل مثلا- والدلالة على التثنية في الفعل تكون بإلحاق ألف الاثنين به، والدلالة على الجمع تكون بإلحاق علامة الجمع به، أما الشبيه بالفعل فيكون بتثنيته أو جمعه. إذا علم ذلك، فإن الأصل في اللغة المشتركة أن تبقي العامل مفردًا دائمًا فلا يثنى ولا يجمع -كما هو ملاحظ في الأمثلة السابقة- سواء كان الفاعل مفردا أم مثنى أم مجموعا، وهكذا وردت النصوص اللغوية التي يعتد بها شعرا ونثرا. لكن، يبدو أن الخطأ في منهج جمع اللغة حيث أخذت عن قبائل متعددة قد كان له أثر في الاستدراك على هذه الفكرة السابقة. قال ابن هشام: وحكى البصريون عن "طَيِّئ" وبعضهم عن "أزْد شنوءة" نحو "ضربوني قومُك وضربْنَنِي نسوتُك وضرباني أخواك" ا. هـ. ومعنى ذلك أن بعض قبائل العرب تلحق علامات التثنية والجمع بعامل الفاعل المثنى أو المجموع، وتروى لذلك الشواهد التالية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 - قول عبد الله بن قيس الرقيات: تولّى قتال المارِقين بنفسه ... وقد أسْلَمَاهُ مبْعَدٌ وحَمِيم1 قول العتبي: رأيْنَ الغَواني الشّيْبَ لاحَ بعارِضي ... فأعرضْنَ عني بالخدود النّواضِرِ2 هذا وقد حمل على هذه اللغة قول الرسول: "يَتَعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار" 3 حيث ألحقت علامة الجمع بالفعل "يتعاقبون". كما حمل عليها أيضا قول الرسول في حديثه مع "ورقة بن نوفل" إذ قال له: "وسيخرجُك قومُك"4 فقال عليه السلام: "أَوَمُخْرِجِيّ هم" بتشديد الياء، وأصلها "مُخْرِجُويَ" بإلحاق علامة الجمع. والحق أن هذين الحديثين كثر حولهما حديث الناس في التأويل والتخريج، وأحسن ما يختار من ذلك ما يلي:   1 المارقين: الخارجين عن الدين، مبعد وحميم: أجنبي وصديق، والبيت من قصيدة في رثاء مصعب بن الزبير. الشاهد: في قوله "أسلماه مبعد وحميم" حيث ألحق علامة التثنية بالفعل "أسلماه"؛ لأن الفاعل اثنان "مبعد وحميم" وهذا على لغة بعض العرب. 2 الشاهد: "رأين الغواني" حيث ألحق علامة الجمع المؤنث بالفعل "رأين"؛ لأن الفاعل جمع وهو "الغواني" وهذا على لغة بعض العرب. 3 انظر صحيح مسلم ج1 ص429. 4 انظر صحيح مسلم ج1 ص142. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 أن الحديث الأول روي ناقصا، وأصله: "إن لله ملائكةً يتعاقبون فيكم، ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار"، ولا شاهد فيه على هذه الرواية. وأن الحديث الثاني -فيما أظن- روايته الصحيحة: "أَوَمُخرجي هم" دون تشديد الياء، وعلى ذلك لا شاهد فيه. وتطلق كتب النحو على هذه اللغة "لغة أكلوني البراغيث" وسماها ابن مالك لغة: "يتعاقبون فيكم ملائكة" إشارة للحديث السابق. والذي أراه أن هذه اللغة رديئة، بدليل أنه لا يستعملها في وقتنا الحاضر إلا الصبيان الصغار الذين لم يتمرسوا بالفصاحة، وكذلك عوام الناس في اللهجة الدارجة، حيث يقول الصغار في موضوعات الإنشاء "انصرفوا الطلبة" ويقول العوامّ "صحُوا الأطفال". عامل الفاعل المؤنث من حيث التأنيث وتركه: ينبغي قبل الحديث عن هذا الموضوع فهم أمور ثلاثة هي "كيفية تأنيث العامل فعلا أو شبه فعل، المؤنث الحقيقي التأنيث، المؤنث المجازي التأنيث". أ- فأما تأنيث العامل، فإنه إن كان فعلا ماضيا لحقته تاء التأنيث الساكنة، مثل "أورقتْ، سمتْ، أثمرتْ، ترامتْ" وإن كان فعلا مضارعا، فإن تأنيثه يكون بمجيء حرف المضارعة "التاء" في أوله إشارة للمفردة الغائبة، مثل "تنمو، تورق، تثمر، تحصد، تجمع، تُثري" وإن كان العامل اسما يشبه الفعل -كاسم الفاعل أو اسم المفعول- فإن تأنيثه يكون بإلحاق التاء المتحركة في آخره، تقول "مؤدبة، طيّبة، محافظة، متبرجة، مذمومة، مهانة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 ب- أما المؤنث الحقيقي فيقصد به كل ما يبيض أو يلد من الإنسان والحيوان والطيور، مثل: "فاطمة، سعاد، زينب، الزرافة، الحمامة، اليمامة، الحدأة". ج- أما المؤنث المجازي فهو كلمات في اللغة استعملت مؤنثة وإن كانت مما لا يبيض أو يلد، وقد دل على استعمالها مؤنثة أنه يشار إليها على أنها مؤنثة، ويعود الضمير المؤنث عليها في الكلام، مثل: "شجرة، برتقالة، يد، شمس، طريق" تقول: "اهتَزّتْ شجرةُ البرتقال فسقطتْ منها برتقالةٌ فالتقطتُها" إذا علم ذلك، فإن تأنيث العامل مع الفاعل المؤنث على التفصيل التالي: أولا: وجوب التأنيث يكون ذلك في موضعين: 1- أن يكون الفاعل مؤنثا حقيقي التأنيث، ولم يفصل بينه وبين عامله فاصل مثل: "تثقفت الفتاةُ في مجتمعنا، وأدت المرأةُ دورها بجوار الرجل". وتقول: "زاملت الطالبةُ الطالبَ في الجامعة، وأدّت واجبها مثله في الحياة العملية". 2- أن يكون الفاعل ضميرًا مستترًا أو ضميرًا متصلًا يعود على مؤنث سابق مثل قولك: "الجامعةُ أدَّتْ أجَلَّ الخدمات للوطن، فقدْ صنعتْ حضارةً وخبرةً أضاءَتَا حياتنا وحياةَ غيرنا من الشعوب" وتقول: "الفتاةُ العربية تسيء إلى نفسها إذ تتنازل عن شخصيتها لتقلِّد غيرها في النافع والضار". هذا هو الأصل في وجوب التأنيث، وقد وردت شواهد على غير هذا الأصل، وإليك نموذجا من هذه الشواهد: - قول لبيد يخاطب ابنتيه: تمنَّى ابنتاي أن يعيشَ أبوهما ... وهل أنا إلّا من ربيعة أو مُضَرْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 فقُوما وقولا بالذي تعلمانِه ... ولا تخْمِشَا وَجْهًا ولا تحلِقَا شَعَرْ وقولا هو المرءُ الذي لا صديقَه ... أضاعَ ولا خان الخليلَ ولا غدَرْ إلى الحوْلِ ثم اسمُ السلامِ عليكما ... ومن يبكِ حولا كاملا فقد اعْتَذَرْ1 وقد حمل ترك تاء التأنيث في هذا البيت على لغة الشعر الخاصة إذا اعتبر الفعل ماضيًا، وأصله "تَمَنَّتْ" أما إذا اعتبر الفعل مضارعا "تَتَمَنَّى" فإن ترك التاء الأولى جائز صرفيا. جواز التأنيث وتركه: يصح تأنيث العامل وترك تأنيثه مع الفاعل المؤنث إذا جاء في جملته على الصفات التالية: 1- أن يكون الفاعل مؤنثا حقيقي التأنيث ولم يتصل بالعامل، بل فصل بينهما، تقول: "روتْ عن النبي في بيته عائشةُ زوجه، وعاشت بعده شهورًا قليلة فاطمةُ ابنتُه" ومن ذلك قول الشاعر: إن امرأً غره منكنَّ واحدةٌ ... بعدي وبعدَك في الدنيا لمغرورُ2   1 لا تخمشا وجها: لا تجرحاه من شدة اللطم، فقد اعتذر: فقد قدم عذره؛ إذ أدى ما عليه. الشاهد: في البيت الأول في "تمنى ابنتاي" فإن الفاعل مؤنث حقيقي التأنيث ولم يفصل بينه وبين الفعل فاصل، والواجب في هذا الموضوع التأنيث، بأن يقول: "تمنت" إذا اعتبر الفعل ماضيا، أو "تتمنى" إذا اعتبر الفعل مضارعا لكنه جاء بالفعل دون تأنيث، ويحمل هذا على لغة الشعر الخاصة في الماضي ويحمل ترك التأنيث في المضارع على حذف إحدى التاءين من أوله، وهذا جائز صرفيا. 2 الشاهد: في "غره منكن واحدة" حيث جاء الفاعل مؤنثا حقيقي التأنيث "واحدة" وفصل بينه وبين الفعل بضمير الغائب والجار والمجرور فيصح التذكير والتأنيث، وقد جاء الفعل بدون تأنيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 2- أن يكون الفاعل مؤنثًا مجازيًّا مطلقا، تقول: "أقلعت الطائرةُ من المطار" أو "أقلعَ الطائرةُ من المطار" وتقول: "أورقت الشجرةُ في الربيع" أو "أورقَ الشجرةُ في الربيع" قال القرآن: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} 1 وقال: {قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ} 2. 3- أن يكون الفاعل جمع تكسير -باتفاق النحاة- تقول: "سَتَنْقَشِعُ السُّحُبُ عن حياتنا وتصفو الأيَّامُ" ولك أن تقول: "سينقشع السحبُ عن حياتنا وتصفو الأيام" ولك أن تقول: "سينقشع السحبُ عن حياتنا ويصفو الأيامُ" قال القرآن: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} وقال: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} . ومثل هذا الجمع في جواز التأنيث وتركه اسم الجمع -ما لا واحد له- مثل "قوم، رهط، نسوة" واسم الجنس الجمعي، ما يفرق بينه وبين واحده بالتاء أو ياء النسب، مثل: "شَجَر، جُنْد، رُوم". أما جمع المؤنث السالم فإن العامل -على الرأي المشهور- يؤنث معه مثل: "في حروب الإسلام تحمَّلَت المجاهداتُ نصيبهنَّ مع المجاهدين". أما جمع المذكر السالم، فإن العامل -على الرأي المشهور أيضا- يجب تذكيره، كقولك: "في عَهْدِ أبي بكر تمسك المسلمون بعقيدتهم، وقاتلوا دفاعا عنها، فثابَ المرتدُّون إلى الحق بعد الضلال". هذا هو الأصل في هذه المسألة، يلخصه ما يأتي: أ- جمع التكسير: يصح في العامل معه التذكير والتأنيث   1 من الآية 57 من سورة يونس. 2 من الآية 73 من سورة الأعراف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 ب- جمع المؤنث السالم: يجب تأنيث العامل معه. ج- جمع المذكر السالم: يجب تذكير العامل معه. وفي هذه المسألة خلاف حاد حول "جمع المؤنث السالم وجمع المذكر السالم" لا داعي لذكره هنا، ولك -إن شئت- العودة إليه في "أوضح المسالك لابن هشام". الترتيب بين الفعل والفاعل والمفعول: لاحظ الأمثلة التالية: لاحت الفرصةُ فانتهزها الجسورُ. الفرصةُ لاحت فالجسورُ انتهزها. من أحكام الفاعل أن يأتي بعد عامله، ولا يتقدم عليه، فإن تقدم على العامل ترك وظيفة "الفاعل" إلى وظيفة أخرى هي "المبتدأ". فالترتيب إذن بين الفعل والفاعل يجب أن يكون على الأصل، بأن يتقدم الفعل ويتأخر الفاعل، وإنما الترتيب الذي يحدث في الجملة يكون عن الطرف الأخير -المفعول- فهو الذي يترك موضعه ليتوسط أحيانا بين الفعل والفاعل أو ليتقدم عليهما معا، وذلك على التفصيل التالي: أولا: توسط المفعول بين الفعل والفاعل. وهذا أمر مباح في اللغة، وهو كثير جدا في النصوص العربية، تقول: "بلَّغ الرسالةَ الرسولُ" وتقول: "وَقَّرَ الكبيرَ الصغيرُ وعاونَ الصغيرَ الكبيرُ" ومن ذلك قول القرآن: {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} 1.   1 من الآية 41 سورة القمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 لكن، يصبح هذا التوسط أمرًا ضروريًّا في مسألتين: الأولى: أن يتصل الفاعل بضمير يعود على المفعول. لاحظ الأمثلة التالية: أحبَّ الوطنَ أهلُه. إذ يتعشقُ الأرضَ فلّاحوها. ويحبُّ المصانعَ عمالُها. ففي الأمثلة يجب أن يتأخر الفاعل عن المفعول، ولا يصح تقدمه. - قال القرآن: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} 1. - وقال: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} 2. فالترتيب في هذه الصورة يكون هكذا: الفعل + المفعول + الفاعل ولم ترد على الأصل إلا لغة الشعر، ومن ذلك قول سليط بن سعد جزَى بنوه أبا الغَيْلانِ عن كِبَرٍ ... وحسْنِ فعلٍ كما يُجْزَى سِنِمَّارُ3 الثانية: أن يكون الفاعل محصورا بطريقتَيْ "إنَّما، إلّا".   1 من الآية 124 سورة البقرة. 2 من الآية 52 سورة غافر. 3 أبا الغيلان: كنية رجل، سنمار: يقال: إنه رجل رومي بنى قصرا لملك الحيرة، فلما فرغ من بنائه ألقاه الملك من أعلى القصر فمات، لئلا يبني مثله لغيره، ويضرب بذلك المثل في سوء الجزاء. الشاهد: في "جزى بنوه أبا الغيلان" إذ كان الواجب أن يكون الترتيب في هذه الجملة هكذا "جزى أبا الغيلان بنوه" لاتصال الفاعل بضمير يعود على المفعول، لكنه جاء في البيت على الأصل توسعا في لغة الشعر، وفي الشطر الثاني "ما جفا قط إلا جبأ بطلا" مثل الشطر الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 لاحظ الأمثلة التالية: - إنما يقدّسُ الحريةَ الأحرارُ. - ولا يبغضُ الكرمَ إلا اللؤماء. فالترتيب في هذه الصورة أيضًا يكون هكذا: الفعل + المفعول + الفاعل ومن ذلك قول القرآن: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} 1 ولم يرد الترتيب على الأصل مع "إلا" في غير لغة الشعر، ومن ذلك: ما عابَ إلَّا لئيمٌ فِعلَ ذي كَرَمٍ ... ولا جَفَا قطُّ إلا جُبَّأٌ بطلا2 ثانيا: تقدم المفعول على الفعل والفاعل لاحظ الأمثلة الآتية: الصدقَ التزمتُ والكذبَ اجتنبتُ. الصراحةَ أحببتُ والغِشَّ كرهتُ. في كل مثال من الأمثلة الأربعة السابقة تقدم المفعول على الفعل والفاعل جميعا، وهذا شائع في لسان العرب، ومن ذلك قول القرآن: {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} 2.   1 من الآية 18 سورة فاطر. 2 جفا: من الجفوة، وهي الكراهية، جبأ: جبان. يقول: لا يعيب الكريم إلا اللئيم، ولا يكره الشجاع إلا الجبان. الشاهد: في الشطرين، الأول "ما عاب إلا لئيم فعل ذي كرم" إذ كان من الواجب توسط المفعول وتأخر الفاعل؛ لأن الأخير محصور بالحرف "إلا" لكنه قدم الفاعل على الأصل توسعا في لغة الشعر، وفي الشطر الثاني "ما جفا قط إلا جبأ بطلا" ما يماثل الشطر الأول. 3 من الآية 87 سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 لكن يصبح هذا التقديم واجبا في ثلاث مسائل هي: الأولى: أن يكون المفعول مما له صدارة الكلام. لاحظ الأمثلة التالية: أيّ الدراستين تحب النحو أم الأدب!! وماذا اخترتَ لدراستك العليا منهما؟! كلمة "أي" في المثال الأول، وكلمة "ماذا" في المثال الثاني، كل منهما مفعول مقدم -بل واجب التقديم- في المثالين؛ لأنهما من "أسماء الاستفهام" وأسماء الاستفهام لا ترد داخل الكلام، بل لها -كما يقول النحاة- صدارة الكلام، ومثلها أيضًا "أسماء الشرط". الثانية: في مثل قول القرآن: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} 1. فكل من الكلمتين "اليتيم" و "السائل" مفعول مقدم، بل واجب التقديم. جاء في أوضح المسالك تحديد هذه المسألة بقوله: أن يقع عامله بعد الفاء وليس له منصوب غيره مقدم عليها، نحو {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} و {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} بخلاف "أما اليوم فاضرب مزيدا" ا. هـ. الثالثة: أن يكون المفعول ضميرا منفصلا، لو تأخر لوجب اتصاله كقول القرآن: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 2 ولو تأخر، كانت الجملة "نَعْبُدُكَ" وهذا غير مراد، والمراد الانفصال.   1 الآيتان 8، 9 سورة الضحى. 2 الآية 5 سورة الفاتحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 نائب الفاعل : 1- وصف جملة النائب عن الفاعل وصفا إجماليا. 2- توضيح مفصل لما يتعلق بجملة النائب عن الفاعل ويشمل: أ- الأغراض التي يحذف لأجلها الفاعل. ب- ما ينوب عن الفاعل. ج- شكل الفعل المبني للمجهول. 3- ما ورد من الأفعال مبنيا للمجهول دائما. جملة النائب عن الفاعل إجمالا: لاحظ الأمثلة التالية: أ- مبني للمعلوم. ب- مبني للمجهول. يُرَاعِي القاضي جانبَ الحق. يُرَاعَى جانبُ الحق ويَبْحَثُ عن الحقيقة بين الكذب. ويُبْحَثُ عن الحقيقة بين الكذب. فَيَحْكُمُ على المتهمِ بالعدل. فَيُحْكَمُ على المتهم بالعدل. جملة النائب عن الفاعل هي: كلمة جملة حذف منها الفاعل لغرض من الأغراض، وأقيم مقامه، مع تغيير شكل الفعل للمبني للمجهول ا. هـ. فجملة النائب عن الفاعل تتكون مما يلي تفصيلا: أ- أنه يحذف منها الفاعل كما هو واضح في الأمثلة، بحذف كلمة "القاضي" في المثال الأول، ومما يعود عليه من الضمائر في الجملتين التاليتين. ب- إقامة غير الفاعل مقام الفاعل، كما هو واضح في الأمثلة في "جانب، عن الحقيقة، على المتهم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 ج- يغير شكل الفعل ليطلق عليه حينئذٍ أنه مبني للمجهول، مثل "يُرَاعَى، يُبْحَثُ، يُحْكَمُ". وهذه الأمور الثلاثة السابقة في حاجة إلى تفصيل لكل منها. أغراض حذف الفاعل: الحق أن جملتي الفاعل والنائب مختلفتان تماما في المعنى والاستعمال، مثلا "رَاعَى المؤمنُ ضميرَه" تختلف عن "رُوعِيَ الضميرُ" من حيث المعنى ومن حيث الاستعمال. لكن النحاة ربطوا بين الجملتين ذهنيا، فجعلوا جملة النائب عن الفاعل محولة عن جملة الفاعل، أو بعبارة أوضح: اعتبروا جملة الفاعل هي الأصل، وأن الفاعل قد حذف منها، فراحوا يبحثون عن أسباب حذفه. ولو اقتصر على الاستعمال بالتفريق بين الجملتين، لما كان هناك داعٍ بالمرة للبحث عن الفاعل المحذوف. ومع ذلك فإن هذا البحث عن الفاعل المفقود إنما هو مبحث أسلوبي يهتم به دارس البلاغة، ولا يهم كثيرا دارس النحو. لذلك، فإنه ينبغي التعرف على أسباب غياب الفاعل بصورة موجزة فيما يلي: أ- أن يكون الفاعل مجهولا جهلا تاما للمتكلم، فهو لا يعرفه، بل يعرف آثار فعله فقط، كأن نسمع "يُشاع كذا وكذا" إذا لم يعلم صاحب الإشاعة، وكذلك ما يأتي في كتب الحديث: "رُوِيَ الحديث الديني ... " دون أن يعرف الراوي ويمثل النحاة لذلك بقولهم: "سُرِقَ المتاعُ" إذا لم يعلم السارق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 وربما تعمد المتكلم تجاهل الفاعل قصدا -مع أنه يعرفه- بهدف التعمية على المخاطب تحقيقا لمصلحته الشخصية أو مصلحة الفاعل وسلامته، كقول شخص لآخر "نُقِل إلَيَّ ذمُّك لي" أو قوله "يقال عنك كذا وكذا" فلا شك أن هناك شخصا قد نقل الكلام إلى المتكلم -وهو يعرفه- وكذلك لا شك أن هناك شخصا قد تحدث عن المخاطب بما يقول المتكلم -وهو يعرفه- لكنه تحقيقا لسلامة الناقل أو القائل أو تحقيقا لمصلحته الشخصية-كيلا يعاتب على ذلك- يرفض ذكر الفاعل في الكلام. ب- أن يكون الفاعل معلوما تماما، بحيث يكون من العبث وفضول الكلام ذكره، كقولك لأحد المثقفين: "ألقِيَت القنبلةُ الذّرية على اليابان سنة 1945" أو قولك: "أوقِفت الحربُ العالمية الأولى سنة 1918" ومن ذلك قول القرآن: {خُلِقَ الْإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} 1 فالخالق معلوم وهو الله. ج- أن يصرف النظر عن الفاعل تمامًا؛ لأن الذهن متجه لغيره، فليس من المفيد علمه أو جهله، كقولك: "أعْلِنَتْ نتيجةُ الامتحان، فنجحت ونجح الزملاء" ويقال: "يُكرَم القريبُ لرحِمِه، ويُكرَمُ الغريبُ لوحدته". د- استقامة موسيقى الكلام -سواء كان سجعا أم شعرا- ومن أشهر ما يساق لذلك قولهم في الحكمة "من طَابَتْ سريرتُه، حُمِدَتْ سيرتُه". وقول الشاعر: وما المالُ والأهلون إلّا ودائع ... ولا بدَّ يَومًا أن تُرَدَّ الودائع2   1 من الآية 37 سورة الأنبياء. الشاهد: في البيت حذف الفاعل في "ترد الودائع" وأصلها "يرد الناس الودائع" وحذف الفاعل من الأسلوب الأخير لإقامة موسيقى البيت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 ينوب عن الفاعل -بعد حذفه- أحد شيئين مرتبين كما يلي: الأول: المفعول به -إذا كان الفعل متعديا- كما هو واضح في القسم الأول من الأمثلة، ومن ذلك قول القرآن {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} . وقول الشَّنْفرى: وإن مُدّت الأيْدي إلى الزَّاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشَعُ القومِ أعجل الثاني: الجار والمجرور أو الظرف أو المصدر -إذا كان الفعل لازما- كما هو واضح في القسم الثاني من الأمثلة ومن ذلك:   1 من الآية 44 سورة هود. 2 أجشع: الشديد الرغبة والنهم والطمع. الشاهد: في قوله "مدت الأيدي" حيث ناب المفعول عن الفاعل؛ لأن الفعل متعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 - قول القرآن: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا} 1. - وقوله: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 2. ويشترط في هذه الثلاثة -كما قال ابن مالك- أن تكون قابلة للنيابة عن الفاعل، بأن تكون مفيدة في استعمالها، ويتحقق هذا في الظرف والمصدر خاصة بأن يكون كل منهما "متصرفا، مختصا" كما في الأمثلة والشواهد السابقة "سيأتي فهم هذين المصطلحين في بابي: المفعول المطلق والظرف". هذا هو أصل الموضوع، ينوب المفعول به أولا، فإن لم يوجد في الكلام مفعول به كان النائب واحدا من الأمور الثلاثة السابقة، وعلى ذلك رأي جمهور النحاة. لكن بعض النحاة يرى أنه يصح أن ينوب واحد من هذه الثلاثة مع وجود المفعول به في الكلام، ويوردون لذلك بعض الشواهد، ومنها: - قول جرير يهجو الفرزدق: ولو ولدتْ قُفَيْرَةُ جَرْوَ كلبٍ ... لَسُبَّ بذلك الجَرْوِ الكلابا3 - قول الآخر: وإنما يُرْضِي المنيبُ رَبَّه ... ما دام مَعْنِيًّا بذكْرٍ قلبَه4   1 من الآية 70 سورة الأنعام. 2 من الآية 13 سورة الحاقة. 3 الشاهد: في قوله "لسب بذلك الجرو الكلابا" حيث ناب عن الفاعل الجار والمجرور "بذلك الجرو" وترك المفعول "الكلابا" وهذا اتجاه لبعض النحاة. 4 المنيب، التائب، معنيا: المهتم. الشاهد: في الشطر "ما دام معنيا بذكر قلبه" فإن "معنيا" اسم مفعول يجيء بعده النائب عن الفاعل مثل الفعل المبني للمجهول، وقد ناب عن الفاعل بعده الجار والمجرور "بذكر" وترك المفعول به منصوبا، وهو "قلبه" وهذا اتجاه لبعض النحاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 هذان البيتان وأمثالهما موضع أخذ وردّ كثير بين النحاة حول هذه القضية مما لا داعي لذكره هنا. شكل الفعل المبني للمجهول: يحدث في شكل الفعل المبني للمجهول تغير على النحو التالي: أولا: الفعل الماضي: الأصل فيه أن يضم أوله ويكسر ما قبل آخره، مثل "سُمِعَ، كُتِبَ، أُكْرِمَ، أُهِينَ" وهذا مطرد في كل الأفعال الماضية. ويضاف لهذا الأصل أن الفعل إذا بدئ بتاء زائدة، وجب ضم الحرف الثاني منه أيضا، تقول: "تُعُلِّم، تُرُوِّي، تُنُودِيَ، تُرُوكِمَ، تُشُورِكَ". فإذا بدئ الفعل الماضي بهمزة وصل، وجب ضم الحرف الثالث منه زيادة على ضم الأول، مثل "ابْتُدِئَ، انْتُصِرَ، اسْتُغْفِرَ، اسْتُبِيحَ". فإذا كان الفعل الماضي أجوف مثل "سَامَ، لَامَ، نَامَ، قَالَ، رَامَ، بَاعَ، رادَ، لان" فقد ورد عن العرب في تشكيل فائه ونطق عينه، ثلاث لغات هي: أ- كسر فاء الفعل فيكون حرف العلة ياء، وحينئذٍ فالنطق هو "سِيمَ، لِيمَ، نِيمَ، قِيلَ، رِيمَ، بِيعَ". ب- ضم فاء الفعل فيكون حرف العلة واوا، وحينئذٍ فالنطق هو "سُومَ، لُومَ، نُومَ، قُولَ، رُومَ، بُوعَ" ومن ذلك ما ورد منسوبا لرؤبة من قوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 لَيْتَ وهل ينفعُ شيئا ليتُ ... لَيْتَ شَبَابًا بُوعَ فاشتريتُ1 ج- الإشمام: وهو -كما يقول ابن عقيل- الإتيان بالفاء بحركة بين الضم والكسر، ولا يظهر ذلك إلا في اللفظ، ولا يظهر في الخط ا. هـ. هذه اللغات الثلاث نطقت بين العرب، ونقلها عنهم النحاة، وكلها -في رأيهم- صحيحة فصيحة، وأن كان أفصحها هو اللغة الأولى، تليها الثانية ثم الأخيرة. وهنا ينبغي فهم الملاحظات التالية: - قرئت بعض الأفعال المبنية للمجهول في الآية: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} بالوجوه الثلاثة السابقة. - إذا كان الفعل على وزن "افْتَعَلَ" أو "انْفَعَلَ" وهو أجوف مثل "اختار، اعتاد، انقاد، انجاب" فقد ورد في الحرف الذي قبل عينه اللغات الثلاثة السابقة حين يبنى للمجهول. - إذا بني الفعل الثلاثي الأجوف للمجهول، وكان نائب الفاعل ضمير متكلم أو مخاطب أو غائب مثل العبارتين "لامَنِي الجاهلون وجاءَنِي لَوْمُهم" أو "لَامَكَ الجاهلون وجَاءَكَ لَوْمُهم" حين تبنى الأفعال فيها للمجهول فيكون ضمير المتكلم أو المخاطب أو الغائب هو نائب الفاعل، والأحسن حينئذٍ ما يلي: أ- أن ينطق ما أصله واويًّا بالكسر أو الإشمام فقط منعا للخلط بينه وبين المبني للمعلوم، فيقال: "لِمْتَ، أو: لِمْتُ".   1 الشاهد: في "بوع" حيث بني الفعل الماضي الأجوف "باع" للمجهول وضم أوله وقلب حرف العلة واوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 ب- أن ينطق ما أصله يَائيًّا بالضم أو الإشمام فقط منعا للخلط بينه وبين المبني للمعلوم، فيقال: "جُؤْتُ، جُؤْتَ". ثانيا: الفعل المضارع: يضم أوله ويفتح ما قبل آخره بلا تفصيل مثل "يُفْهَم، يُسْمَع، يُقَال، يُنْتَقَى، يُرْتَجَى، يُسْتَبَاح". ثالثا: المرفوع بعد الوصف المشتق، لاحظ الأمثلة التالية: إنّ الحقَّ عالٍ صوتُه. "كلمة: صوتُه، فاعل بعد كلمة: عالٍ". وإن الباطلَ مهزومٌ صاحبه. "كلمة: صاحبه، نائب فاعل بعد: مهزوم". هذه نقطة دقيقة، فإن المرفوع بعد الاسم المشتق الدال على الصفة الذي يطلق عليه "اسم المفعول" يكون نائب فاعل، كقولك: "هذا الإنسانُ محمودٌ سيرتُه" فإذا كان المرفوع بعد الوصف المشتق غير ذلك -كاسم الفاعل- رفع على أنه فاعل لا نائب فاعل، فنقول: "أبالغٌ المسافرُ غايتَه". وأساس هذا الموضوع أن اسم المفعول يبنى صرفيا من الفعل المبني للمجهول وأما غيره من أسماء الصفات فتأتي من الفعل المبني للمعلوم، بدليل أنك لو وضعت في الجملة التي يردان فيها فعلا مناسبا بديلا عنهما، لجاء مبنيا للمجهول بدل اسم المفعول، ومبنيا للمعلوم بدل اسم الفاعل وأمثلة المبالغة واسم التفضيل والصفة المشبهة. ما ورد من الأفعال مبنيا للمجهول دائما: أورد كتاب "شذا العرف" ما يلي من هذه الأفعال: "عُنِيَ" بمعنى: اهتم، "زُهِيَ" بمعنى: تكبَّر، "فُلِجَ" أصابه الفالج، "حُمَّ" أصيب بالحمى، "سُلَّ" أصابه السّل، "جُنَّ" ذهب عقله، "غُمَّ الهلال" احتجب، "أغْمِيَ عليه" غُشِيَ عليه، "شُدِهَ" تحير، "امتُقِعَ أو انْتُقِعَ لونه" تغير، والمرفوع بعدها فاعل لا نائب فاعل ا. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 أساليب المدح والذم : تأتي أساليب المدح والذم في اللغة العربية في المجموعات الثلاث التالية: المجموعة الأولى: نعم، بئس، ساء: لاحظ الأمثلة التالية: نِعْمَ الصَّديقُ أبو بكر. نِعْمَ صديقُ الرسولِ أبو بكر. نِعْمَ صديقًا أبو بكر. بِئْسَ الرجلُ أبو جهل. بِئْسَ رجلُ الأذى أبو جهل. بِئْسَ رَجلًا أبو جهل. ساءَ الشعبُ اليهودُ. ساءَ شعبُ الغَدْرِ اليهودُ. ساء شعبًا اليهود. تتكون جملة المدح والذم مع هذه المجموعة من: فعل المدح أو الذم + الفاعل + المخصوص بالمدح أو الذم، ولكل واحد من هذه الثلاثة حديث يخصه. أ- فعل المدح أو الذم: وهو "نعم، بئس، ساء" وهي أفعال جامدة ماضية لإنشاء المدح أو الذم، والأول منها وهو "نعم" يفيد المدح والأخيران يفيدان الذم، وهكذا يعبر عنها المعربون، فيقولون: في "نعم" مثلا "نعم: فعل ماض جامد لإنشاء المدح". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 ب- فاعل هذه الأفعال لا بد أن يكون فيه الألف واللام أو مضافا لما فيه الألف واللام أو ضميرا مستترا مفسرا بتمييز بعده، كما ترى في الأمثلة السابقة. ج- المخصوص بالمدح أو الذم: ويأتي بعد الفعل أو قبلهما معا، ويقصد به الاسم المحدد الذي تمدحه الجملة الفعلية أو تذمه، وهو في الأمثلة السابقة "أبو بكر، أبو جهل، اليهود". ويعرب هذا الاسم على أنه مبتدأ -تأخر أو تقدم- وخبره الجملة الفعلية وهذا أحسن الآراء في إعرابه "راجع ابن عقيل". وربما حذف هذا الاسم -المخصوص- إذا كان مفهوما من الكلام. ومن شواهد تلك المجموعة ما يلي: قول القرآن: {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} 1 وقوله: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} 2 وقوله: {بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} 3، وقول الشاعر: لنعمَ موْئِلًا المولى إذا حُذِرَتْ ... بأساءُ ذي البغي واستيلاءُ ذي الإحَنِ4   1 من الآية 40 سورة الأنفال. 2 من الآية 30 سورة النحل. 3 من الآية 29 سورة الكهف. 4 موئلا: ملاذا وعونا، المولى: الحليف والنصير، بأساء: شدة، الإحن: الأحقاد. يقول: إذا خفت من باغ أو حقود، فإني أجد الملاذ والنصرة في هذا الحليف النصير. الشاهد: في "نعم موئلا المولى" ففيه الفعل "نعم" وفاعله ضمير مستتر وكلمة "موئلا" تمييز، والمخصوص بالمدح "المولى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 المجموعة الثانية: حبّذا، لا حبّذا: لاحظ الأمثلة التالية: حَبَّذَا الصّدقُ ولا حبَّذا الكذبُ. حَبَّذا الصراحةُ ولا حَبَّذا الغشُّ. تتكون الجملة في هذه المجموعة من الآتي: أ- الفعل "حَبَّ" الماضي لإفادة المدح، وينفي بالحرف "لا" لإفادة الذم. ب- كلمة "ذا" اسم الإشارة فاعل الفعل فيهما. ج- المخصوص بالمدح أو الذم، وهو مبتدأ، خبره الجملة الفعلية. وهذا الذي ذكر هنا أحسن ما قيل عن هذا الموضوع "راجع ابن عقيل" ومن شواهد ذلك قول ذي الرمة: ألَا حَبَّذَا أهلُ المَلَا غيرَ أنَّه ... إذا ذُكِرَت مَيٌّ فلا حَبَّذَا هِيَا على وجْهِ مَيٍّ مَسْحَةٌ من مَلَاحَةٍ ... وتحت الثيابِ العارُ لو كان بادِيا1 المجموعة الثالثة: ما جاء على وزن "فَعُل": كل فعل ثلاثي يصح مجيئه على وزن "فَعُل" بقصد المدح أو الذّم سواء أكان على هذا الوزن أصلا أم حول إليه بهذا القصد، وحينئذٍ تتكون جملته مما تتكون منه جملة "نعم، بئس" تقول: "شرُفَ الرجلُ الرسولُ" و "قَبُحَ الرجلُ أبو لهب" و "خبُثَت المرأةُ حمالةُ الحطب".   1 الملا: الحي الذي تقطنه "حبيبته". الشاهد: في البيت الأول حيث جاءت "حبذا، لا حبذا" مرة للمدح في قوله: "حبذا أهل الملا" وأخرى للذم في قوله: "لا حبذا هيا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 المفاعيل الخمسة : المفعول به : 1- المقصود بالمفعول به كما حدده النحاة. 2- الأساليب النحوية الثلاثة المرتبطة بالمفعول به، وهي: أ- أسلوب الاختصاص. ب- أسلوب الإغراء. ج- أسلوب التحذير. المفعول به: من المروءةِ أن يعاون القويُّ الضعيفَ المحتاجَ. ومن حسنِ المروءةِ أن يتجاهلَ المرءُ المعروفَ بعد أدائِه. في المثالين السابقين كلمتان وقعتا مفعولا به، هما "الضعيف، المعروف". فالضعيف يقصد بالمعاونة من القويّ والمعاونة متجهة إليه، والمعروف يقصد بالتجاهل من المرء والتجاهل منصب عليه. لذلك يعرف المفعول به كما جاء في قطر الندى: المفعول به ما وقع عليه فعل الفاعل كضربت زيدا ا. هـ. وهو وظيفة نحوية من وظائف النصب، فكل اسم يشغله فهو منصوب بحركة أصلية أو فرعية أو مقدرة، أو مبنيًّا في محل نصب. هذا.. والذي ينصب المفعول به هو الفعل المتعدي وحده دون اللازم وربما كان للفعل المتعدي أكثر من مفعول، وسيأتي تفصيل ذلك في باب "عمل الأفعال في الجملة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 وقد يحذف الفعل الذي نُصِبَ في جملته المفعول به اختصارا إذا كان مفهوما من الكلام، كقولك لصديقك الذي يسألك عن مقصد الرحلة "الفيومَ" تقديره "نقصدُ الفيومَ" ومن ذلك قول القرآن: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً} 1 ومن ذلك قول العقاد: يَدَيْكَ فامْحُ ضنًى يا موتُ في كبدي ... فلستَ تمحوه إلّا حينَ تمحُونِي فالتقدير "امدد يديك". أسلوب الاختصاص: لاحظ الأمثلة التالية: نحن -الجامعيين- نصنع حضارة الشعب. وأنتم -طلابَ العلم- ملزَمون بتقديم الخبرة والجهد لأمتكم. وأنتم -أهل الوطن- ملزَمون بمعاونة الطلاب ماديًّا ومعنويًّا. في الأمثلة السابقة أسماء منصوبة على الاختصاص هي "الجامعيين، طلاب العلم، أهل الوطن" ومعنى نصبها على الاختصاص أنها منصوبة بفعل محذوف وجوبا تقديره "أخص". وينبغي لمعرفة هذا الأسلوب الإحاطة بأمرين عنه، هما: تحديده من تعريف النحاة له مع وصف جملته وصفا شاملا، ثم الأغراض التي يأتي لها هذا الأسلوب.   1 من الآية 32 سورة النحل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 أسلوب الاختصاص ووصف جملته: نحن -أهلَ الأرض- نتطلع لغزو الفضاء. ولكم الفضل في ذلك أيُّها العلماء. جاء في شذور الذهب: حقيقته أنه اسم ظاهر معرفة قُصِدَ تخصيصُه بحكم ضمير قبله ا. هـ. ومن هذا التعريف المركز يتضح لنا الآتي: أولا: أن المنصوب على الاختصاص اسم ظاهر لا ضمير، وهو معرفة لا نكرة فهو إذن باختصار -كما قال ابن هشام- اسم ظاهر معرفة، وهو بالتحديد ما يلي: 1- أن يكون مقترنا "بأل" كما جاء عن العرب قولهم: "نحن العربَ أقْرَى الناسِ للضيف". 2- أن يكون مضافا لمعرفة مطلقًا، كما نسب للرسول قوله: "إنّا آل محمدٍ لا تحلُّ لنا الصدقة" 1. 3- أن يكون كلمة "أي، أية" فتعامل كما تعامل في النداء، بمعنى أنها تبنى على الضم وتوصف باسم فيه "أل" كقولك: "لنا تاريخ مجيدٌ أيُّها المصريون". ثانيا: يتقدم على المنصوب على الاختصاص ضمير ينسب له معنى من المعاني، والمقصود بهذا المعنى في الحقيقة إنما هو الاسم المنصوب على الاختصاص.   1 لم يرد الحديث في البخاري ومسلم بهذه الصورة وربما ورد -كما روته كتب النحو- في كتب أخرى للحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 إذ هو الهدف من الجملة كلها، وهذا الضمير والمعنى المنسوب له يلاحظ فيهما ما يلي: 1- الغالب في الضمير أن يكون لمتكلم، ويقل أن يكون لمخاطب ويندر أن يكون لغائب. 2- المعنى الذي ينسب للضمير قد يأتي متأخرا عن المنصوب على الاختصاص -كما ترى في المثال الأول- وقد يأتي متقدما عليه كما ترى في المثال الثاني. أغراض أسلوب الاختصاص: الباعث على استخدام أسلوب الاختصاص ما يلي: 1- الفخر: مثل قولنا "نحن -المسلمين- خيرُ أمةٍ أخرِجَت للناس" ومن ذلك قول الشاعر: لنا مَعْشَرَ الأنصارِ مجدٌ مؤثّلٌ ... بإرضائِنا خَيْرَ البريّةِ أحمدا1 2- التواضع والاستعطاف: كقول أحد الفلسطينيين "نحن -اللاجئين- طُرِدْنا من أرضنا ظُلْمًا وعدوانًا". 3- البيان: كقولنا "نحن -الجامعيين- نعرفُ واجبَنا تِجَاهَ الأمة" وقولك: "نحن -المصريين- نعرف مكانَنا ومكانتَنا في العالم".   1 مجد مؤثل: مجد عريق عظيم، لقد اكتسب الأنصار المجد العظيم بإرضاء الرسول ونصرته، وهذا حق. الشاهد فيه: أسلوب الاختصاص في الشطر الأول "لنا معشر الأنصار مجد مؤثل" وقد قصد به الفخر والتعظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 الإغراء والتحذير "إغراء". المروءةَ المروءةَ "إغراء". المروءةَ والنجدةََ "إغراء". النفاقَ النفاقَ "تحذير". النفاقَ والكذبَ "تحذير". إيَّاكَ والنفاقَ "تحذير". الإغراء: دعوة المخاطب إلى أمر محبوب ليلزمه. التحذير: تنبيه المخاطب على أمر مكروه ليتجنّبه. وكل من الإغراء والتحذير يأتي على الصورتين الآتيتين: 1- التكرار: والمقصود بذلك أن يتكرر اللفظ نفسه، فيؤكد الثاني الأول توكيدا لفظيا مثل: "التَّصْميمَ التَّصْميمَ" أو "الغشَّ الغشَّ" ومن ذلك قول مسكين الدارمي: أخاك أخاكَ إن من لا أخَا له ... كساعٍ إلى الهَيْجا بغير سلاح1 وإن ابنَ عَمِّ المرءِ فاعلَمْ جناحُه ... وهل ينهض البَازِي بغير جناحِ 2- العطف: ويقصد به عطف اسم مفرد على آخر، مثل "الإرادةَ والتصميمَ" وأيضا "الغشَّ والنّفاقَ". وفي هاتين الصورتين يكون الاسم الأول منصوبا بفعل محذوف وجوبا   1 الهيجا: الحرب، ويقال فيها الهيجاء -بالقصر والمد-، البازي: نوع من الصقور. الشاهد: في البيت الأول "أخاك أخاك" أسلوب الإغراء جاء على صورة التكرار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 تقديره في الإغراء "الزَمْ" وفي التحذير "احذرْ" والاسم الثاني توكيد له أو معطوف عليه. وينبغي التنبه هنا إلى مسألة خاصة بأسلوب التحذير وحده وهي استعمال الضمير "إياك" -هكذا للمخاطب- سواء أجاء مكررا أم معطوفا عليه أم بدون عطف ولا تكرار، ومن شواهد ذلك: - قول الشاعر: فإيَّاكَ إيَّاكَ المِراءَ فإنه ... إلى الشَّرِّ دَعَّاءٌ وللشرِّ جالِبُ1 - وقول الآخر: فإيَّاكَ والأمْرَ الذي إنْ توسّعَتْ ... مَوَارِدُهُ أعْيَتْ عليك مصادرُه2 وينبغي أيضا معرفة أن العطف في التحذير مع "إياك" ليس من عطف المفردات -في أحسن الآراء- بل هو من عطف الجمل، ففي قول عمر لمعاوية "إياك والاحتجابَ دون الناس" يقدّر لكلمة "إياك" فعل تقديره "أحذّر" أما كلمة "الاحتجاب" فيقدر لها فعل آخر تقديره "اجتنبْ" ثم تعطف الجملة الثانية كلها على الأولى.   1 المراء: المجادلة بالباطل. الشاهد: في قوله: "إياك إياك" حيث استخدم في التحذير كلمة: "إياك" مكررة. 2 موارده: مصارفه، مصادره: الجهات التي يأتي منها. يقول: احذر الأمر الذي إن توسعت مصارفه أتعبتك مصادر نفقاته، والبيت يستخدم في كل شيء يتوسع فيه أكثر من الطاقة. الشاهد: في قوله: "إياك والأمر" فإن "إياك" استخدمت في التحذير بالعطف عليها، وهو -في أحسن الآراء- لعطف الجمل لا المفردات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 المفعول المطلق : 1- تمهيد صرفي: عن المصدر وأنواعه، وإفراده وتثنيته وجمعه. 2- المقصود بالمفعول المطلق لدى النحاة، ومعرفة صوره في اللغة. 3- ما ينوب عن المصدر في المفعول المطلق. 4- حذف عامل المفعول المطلق جوازا ووجوبا. لاحظ الأمثلة الآتية: لَمَسَ الطبيبُ موضع الألم لَمْسًا رقيقًا. "مصدر أصلي". ثم فحص المريض فحصًا دقيقًا. "مصدر أصلي". لمس الطبيب موضع الألمِ مَلْمَسًا رقيقا. "مصدر ميمي". ثم فحص المريض مَفْحَصًا دقيقا. "مصدر ميمي". وبعد أن لقط لمرضه لَقْطَةً بالأشعة. "مصدر: اسم مرة". أمره أنْ يشربَ الدواء جَرْعَةً كل يوم. "مصدر: اسم مرة". وطلب منه طِلْبَةَ الحريصِ على مصلحته "مصدر: اسم هيئة". أن يعيش مدّةً عيشة الراحة "مصدر: اسم هيئة". يأتي المصدر في اللغة العربية على الصور التالية: المصدر الأصلي: وهو الذي يدل على مطلق الحدث الموجود في الفعل المشتق منه، مثل: "لَمْس، فَحْص، شجاعة، اقتحام، عَمَل، جِدّ". المصدر الميمي: هو الذي بدئ بميم زائدة ودل على الحدث، مثل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 "مَلْمَس، مفْحَص، مَوْعِد، مُرْتَقى، مُلْتقى، مُعْتَقَد" إذا جاءت في الجملة بمعني المصدر الأصلي، فتكون بمعنى "لَمْس، فَحْص، وَعْد، ارتِقَاء، الْتِقاء، اعْتِقَاد". اسم المرة: هو الذي يدل على حصول الحدث مرة واحدة، مثل: "جَرْعَة، لَقْطَة، رَمْيَة، ابْتِسَامَة". اسم الهيئة: هو الذي يدل على هيئة الحدث حين فعله، مثل "طِلْبَة، عِيْشَة، رِعْشَة، رِعْدَة". هذه أنواع المصادر الأربعة، والثلاثة الأخيرة منها أنواع خاصة من المصدر، وكل هذه الأنواع تصاغ بطرق خاصة يرجع إليها في كتب الصرف. المهم هنا أن يعلم أن "اسم المرة والهيئة والميمي" يصح تثنيتها وجمعها في رأي جمهور النحاة، فتقول: "رَمْيَتَيْ تماس، رمْيات التَّماسّ" وتقول: "جَرْعَتَيْن، جَرْعَات" وتقول: "رِعْدَتَيْن، رِعْدات" وتقول: "ضربت له موعدين أو مواعيد" أما المصدر الأصلي فحول تثنيته وجمعه كلام طويل وخلاف حاد لا داعي لذكره، والحق، فيما أظن، يتلخص في أن المصدر الأصلي يمكن تثنيته وجمعه في حالتين: أ- إذا كان بالتاء في آخره، مثل: "تجربة، مُقابلة، مُهادنة" تقول: "تجربتين وتجارب" و "مقابلتين، ومقابلات" و "مهادنتين ومهادنات". ب- إذا دل على التنوع مثل: "احتمال" تقول: "في هذا الموضوع احتمالان بل احتمالاتٌ" وكذلك "اتجاه" تقول: "يحتمل الرأي اتجاهين أو اتجاهات" ومن ذلك أيضًا "إجراء، إنشاء" حيث نسمع كثيرا "إجراءات، إنشاءات". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 المفعول المطلق: لاحظ الأمثلة التالية: ابتهجتْ روحي برؤية البحر ابتهاجا. وجعلتُ أتنفسُ الهواءَ تنفُّسًا عميقًا. وفجأة هاج البحرُ هَيَجَانَ الغَاضِبِ. وعلَت الأمواجُ ارتفاعًا. جاء في قطر الندى: هو عبارة عن مصدر فضلة تسلط عليه عامل من لفظه أو معناه ا. هـ. ومن ذلك تعرف الصفات التي تتوافر فيما يقع مفعولا مطلقا وهي: أ- أن يكون مصدرا، أيّ نوع من المصادر السابقة. ب- أن يكون فضلة، ويقصد بذلك ما يقع بعد تمام ركني الجملة الأساسيين "الفعل والفاعل، المبتدأ والخبر". ج- أن يسبقه في الجملة فعل أو شبه فعل "كاسم الفاعل والمصدر" بحيث يكون هذا الفعل أو شبهه من لفظ المصدر مثل: "ابتهجت روحي ابتهاجًا" ومن ذلك قول القرآن: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} 1 أو يكون من معناه فقط دون لفظه، مثل: "علت الأمواجُ ارتفاعا" وقولك: "فرحْتُ جذلًا".   1 من الآية 164 من سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 ومن ذلك قول زيد الفوارس عن امرأة تشكو من زوجها: تألَّى ابنُ أوسٍ حَلْفَةً لَيَرُدُّني ... إلى نسوةٍ كأنَّهنَّ مَفَائِدُ1 الصورة اللغوية للمفعول المطلق: يرد المفعول المطلق على الصور الثلاث التالية: الصورة الأولى: المؤكد لعامله: تلمعُ النجومُ في الليل لَمَعَانًا. فتهْدي الناسَ في الظلمات هُدَى. يقصد بهذه الصورة ما كان المصدر دالا على الحدث الذي يدل عليه العامل السابق في الجملة، فهو لا يفيد شيئا جديدا عليه، بل يفيد مجرد التوكيد له ومن هذا قول القرآن: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 2. الصورة الثانية: المبين للنوع: تلمعُ النجومُ في السماء لمعانًا شديدا. فتهدِي الناس في الظلمات هُدَى النَّجاة. يلاحظ أن "اللمعان" في المثال الأول قد وصف بالشدة، إذ تبين لنا   1 تألى: حلف، مفائد: جمع: مفأد بكسر الميم وفتح الهمزة، وهي: الخشبة التي تحرك بها النار في التنور، وعادة تكون سوداء قبيحة المنظر. تقول: إنه حلف ليردني إلى بيته، وفيه ضرائر قبيح منظرهن، كريهة صحبتهن. الشاهد: في "تألى ابن أوس حلفة" حيث نصب المفعول المطلق بفعل من معناه لا من لفظه. 2 من الآية 56 من سورة الأحزاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 صفة اللمعان ونوعه، ويلاحظ أيضا أن "الهُدَى" في المثال الثاني قد أضيف إلى "النجاة" فبينت أيضا نوع الهدى وسمته، ويطلق على هذه الصورة اسم المفعول المطلق المبين للنوع، حيث يتضح المقصود منه بواسطة الوصف أو الإضافة غالبا. الصورة الثالثة: المبين للعدد: قَذَفَ اللاعبُ الكرةَ نحو الشِّباكِ قَذْفَةً مُحْكَمَةً. فضربَها حارسُ المرمى ضربتين، فأبعدها عن مرماه. يقصد بهذه الصورة أن يكون المصدر دالًّا على المرة، أو يكون مثنى أو مجموعا -كما ترى في الأمثلة- ومن ذلك قول القرآن: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} 1. ما ينوب عن المصدر في المفعول المطلق: ينوب عن المصدر في المفعول المطلق أمور كثيرة، من أهمها الأمور الخمسة التالية: 1- اللفظتان "كل، بعض" مضافتين للمصدر، تقول: "بعد أن نمتُ بعضَ النَّوْمِ أرِقْتُ كُلَّ الأرَقِ" ومن ذلك قول القرآن: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} 2 وقول المجنون: فيا لَيْلَ كَمْ من حَاجَةٍ لي مُهِمَّةُ ... إذا جئتُكم باللّيلِ لم أدرِ ما هيا خلِيليّ إلّا تبكيا لِيَ ألتمسْ ... خليلًا إذا أنزفْتُ دمعي بَكَى ليا فما أشْرُفُ الأيْفَاعَ إلّا صبابةً ... ولا أنشد الأشعارَ إلّا تداويا   1 الآية 14 من سورة الحاقة. 2 من الآية 129 من سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 وقد يجمعُ اللهُ الشَّتيتين بعد ما ... يظنّان كلَّ الظّنِّ أن لا تلاقيا1 2- أسماء الأعداد المضافة للمصدر أو المميزة به، مثل قولنا: "اعتدت إسرائيلُ على العرب ثلاثة اعتداءاتٍ، وأدانتها الأمم المتحدة خمسين إدانةً" ومن ذلك قول القرآن: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 2. 3- صفة المصدر إذا حذف وأقيمت مقامه، مثل قولك: "نمتُ كثيرا بعد أن سهرتُ طويلا". 4- المصدر المرادف للفعل وليس من لفظه، مثل: "رجعْتُ القهْقرى" و "فرحْتُ جذلًا" و "كرهْتُه بُغْضًا". 5- الضمير المتصل المنصوب العائد على مصدر سابق، كما جاء في القرآن: {فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ} 3. حذف عامل المفعول المطلق: يحذف عامل المفعول المطلق جوازًا إذا دل عليه سياق الكلام كقولك في التهنئة بالحج: "حجًّا مبرورًا وذَنْبًا مغفورا" وكقولك لصديق قابلته: "مرْحَبًا بك".   1 هذه الأبيات من قصيدة للمجنون تسمى "المؤنسة"، الأيفاع: التلال، الشتيتين: البعيدين أشد البعد. الشاهد في البيت الأخير: في "يظنان كل الظن" فإن كلمة "كل" نائب عن المفعول المطلق لإضافتها إلى "الظن". 2 من الآية 4 سورة النور. 3 من الآية 115 سورة المائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 لكن يصير هذا الحذف واجبًا في مواضع -أكثر فيها شراح الألفية- من أهمها: 1- مصادر وردت في اللغة منصوبة دائما دون أن تستعمل معها أفعال أبدًا، مثل: "سُبحانَ اللهِ، معاذَ الله، وَيْحه، وَيْلَه، أيضًا". 2- مصادر استعملت في اللغة في أسلوب الخبر منصوبة -دون أفعال- ودلت القرائن على أفعالها، كأن يقول من يحمد الله ويشكره: "حمدًا وشكرًا لا كفرا" وقول من يواسي نفسه: "صَبْرًا لا جزعًا". 3- المصادر التي تدل على الطلب، بأن تكون خطابا من شخص لآخر يطلب منه شيئا بواسطة "الأمر، النهي، الاستفهام، الدعاء" ومن ذلك: - قول أعشى همدان يصف بعض اللصوص: يمرُّون بالدَّهْنَا خِفَافًا عِيَابُهم ... ويَرْجِعْنَ من دارين بُجْرَ الحقَائبِ على حين ألْهَى النَّاسَ جُلُّ أمورِهم ... فَنَدْلًا زُرَيْقُ المالَ ندْلَ الثعالبِ1 - ما ورد عن العرب في التوبيخ من قولهم: "أتوانيًا وقد علاك المشيب".   1 الدهنا أو الدهناء: -كما جاء في القاموس- الفلاة وعين لتميم بنجد، عيابهم "العياب" هي أوعية الثياب كالجراب والحقيبة، دارين: مدينة بالبحرين بها سوق للتجارة، بجر الحقائب: حقائبهم ممتلئة مما سرقوه، ندلا: خطفا في سرعة وخفة كما هي عادة اللصوص، زريق: اسم واحد من اللصوص وربما كان اسما رمزيا. يصف هؤلاء اللصوص: بأنهم يمرون "بالدهناء" وحقائبهم فارغة، ويعودون من "دارين" وحقائبهم ممتلئة، وأنهم حين يسرقون يستغلون انشغال الناس بأمورهم لينادي أحدهم الآخر فيقول له: يا زريق، اخطف المال في خفة كخفة الثعالب. الشاهد: في "ندلا" فإنه مفعول بفعل محذوف وجوبا تقديره "اندل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 - ما ورد عن العرب من قولهم في الدعاء "سَقْيًا لك ورَعْيًا". 4- المصادر التي تقع بعد "إمَّا: التفصيلية" منصوبة، كقول القرآن: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} 1. وقول الشاعر: لأجْهَدَنَّ فإما رَدَّ واقعة ... تُخْشَى وإمَّا بُلُوغَ السُّؤلِ والأمَلِ2 5- أن يجيء المصدر "مكررًا، أو، محصورًا" وقد تقدمه "مبتدأ اسم ذات" وحين يقدر العامل المحذوف يكون خبرا عن هذا "المبتدأ" مثل "أهرامُ الجيزة دلالةً دلالةً على صبر الإنسان المصري وإيمانه، وإنَّما أبو الهول رمزًا للعقل والقوة" بنصب الكلمات "دلالةً، دلالةً، رمزًا". 6- المصدر الذي يفهم معناه من جملة سابقة عليه، سواء أكان هذا الفهم نصا أم احتمالا، وقد مثل لذلك صاحب الألفية بالمثالين "له عليَّ ألفٌ اعترافًا" و "أنت ابني حقا". 7- المصدر الذي يدل على معنى متجدد، ويحمل معني المشابهة -في قوة المشبه به- وتقدمته جملة كاملة فيها من ينسب له معنى المصدر -صاحب المصدر- وهو أسلوب كثير الاستعمال في مقام التهويل والتفخيم مثل: "كان لهذا الشعب الغاضب هديرٌ هديرَ الموج، وسمع له زئيرٌ زئيرَ الأسود، بل إن له إرادةً إرادةَ الله".   1 من الآية 4 من سورة محمد. 2 المعنى: لأبذلن غاية جهدي، ولن يذهب جهدي عبثا، لأني إما أن أدفع ما يخاف منه، وإما أن أبلغ ما أريده، وكلاهما مفيد. الشاهد: في "إما رد واقعة" فإن "رد" مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبا لوقوعه بعد "إما" التفصيلية، ومثله تماما "وإما بلوغ السؤل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 ظرفا الزمان والمكان = المفعول فيه: 1- المقصود بالمصطلحات النحوية "اسم الزمان، اسم المكان المبهم، المختص". 2- صفات ما ينصب على الظرفية = تعريف الظرف لدى النحاة. 3- ما ينصب على الظرفية من أسماء الزمان والمكان بالتفصيل. 4- من المسائل المهمة التي تتعلق بالظرف ما يلي: أ- ما ينوب عن الظرف في استعمال اللغة. ب- الظرف المتصرف وغير المتصرف. ج- حذف عامل الظرف. المصطلحات النحوية الأربعة: لاحظ الأمثلة التالية: - اليوم، الليلة، غُدوة، بكرة، سحرا، غدا، عتمة، صباحا، مساء، أبدا، أمدا، حينا، ساعة، بُرهة، لحظة، دهر، زمان. "اسم زمان". - أمام، خلف، قدّام، وراء، فوق، تحت، عند، إزاء، حِذَاء، تِلقاء، ثَمَّ، هُنا، بين، حيثُ، لَدَى. "اسم مكان". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 - ظهر، عصر، عشاء، برهة، لحظة، يوم، وقت، حين. "زمان مبهم". - شمال، خلف، فوق، تحت، إزاء، حيث، لَدَى. "مكان مبهم". - يوم الجمعة، صباح السبت، سحرا، رائقا، وقتا ممتعا، رمضان، شوال، اليوم، الساعة، شهر، عام، حول، أسبوع. "زمان مختص". - البيت، الطريق، الكلية، المدرج، الحديقة، الساحة. "مكان مختص". اسم الزمان: يقصد به الكلمات التي وردت في اللغة ومعناها الزمن. اسم المكان: يقصد به الكلمات التي وردت في اللغة ودلت على مساحة من الأرض أو الفضاء. المبهم: هو -كما يقول ابن هشام- ما لا يختص بزمان بعينه أو مكان بعينه، بل هو شائع في الأزمنة والأمكنة. المختص: وفيه تفصيل على النحو التالي: أولا: من أسماء الزمان، يقصد به ما دل على وقت محدد، وذلك بأن يكون معناه محددا مثل: "عام، شهر، أسبوع" أو يكون فيه "أل" مثل "اليوم، الساعة" أو يوصف مثل: "يوما جميلا، سحرا رائقا" أو يضاف مثل: "عصر الجمعة، ليلة السبت". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 ثانيا: من أسماء المكان، وهو -كما يقول ابن عقيل- ما له أقطار تحويه، مثل: "البيت، الشارع، المسجد، الكلية". المقصود بالظرف لدى النحاة: استمتعتُ يومَ الجمعةِ بَيْنَ حدائِق القناطر. ركبنا صباحا قاربا شراعيّا في النيل. ومشينا ظُهرًا بَيْنَ الأشجارِ والأزهار. وعُدْنا مساءً فوْقَ مركبٍ بخاريّ سريع. نلاحظ في الأمثلة السابقة أسماء وقعت ظرف زمان أو مكان هي على التوالي: "يوم الجمعة، صباحا، ظهرًا، بين، مساء، فوق" وكلها منصوبة على الظرفية حيث استوفت الصفات التي يجب أن تتوافر لما ينصب على الظرفية في التعريف التالي: الظرف: هو ما ذكر فضلة لأجل أمر وقع فيه من اسم زمان مطلقا أو مكان مبهم ا. هـ. ومن هذا التعريف يمكن أن نستنتج الصفات التي يجب أن تتوافر في الاسم الذي ينصب على الظرف "المفعول فيه" وهي: أ- أن يكون اسم زمان أو مكان على التفصيل الذي سيأتي فيما بعد. ب- أن يكون فضلة، ويقصد به -كما سبق- ما يأتي بعد استيفاء الجملة ركنيها الأساسيين. ج- أن يكون بمعنى "في". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 - مما استوفى الشروط النصوص التالية: قول القرآن: {سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ} 1. قول القرآن: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} 2. قول القرآن: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} 3. - ومما تخلفت فيه بعض الصفات، فلا ينصب على الظرفية، بل له إعراب آخر ما يلي: قول الشاعر: ما مَضَى فَاتَ والمؤَمَّلُ غَيْبٌ ... ولك السّاعَةُ التي أنت فيها4 "فضلة". قول القرآن: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} 5. "ليس بمعني: في". قول القرآن: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} 6. "ليس بمعني: في". ما ينصب على الظرفية من أسماء الزمان والمكان: أولا: أسماء الزمان:   1 من الآية 18 سورة سبأ. 2 من الآية 46 سورة غافر. 3 الآية 42 سورة الأحزاب. 4 هذا من أبيات التفاؤل السائرة على الألسنة؛ إذ مضمونه: عش الحاضر ولا شأن لك بالماضي أو الآتي. وفيه دليل: على أن اسم الزمان إذا لم يكن فضلة لا يكون ظرفا، بل يعرب كأي اسم آخر، فقد جاء في البيت في "لك الساعة" وهو في الجملة مبتدأ خبره الجار والمجرور. 5- الآية 10 سورة الإنسان. 6- من الآية 124 سورة الأنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 كل ما كان من أسماء الزمان وانطبق عليه الصفتان الأخريان من صفات تحديد الظرف "فضلة، بمعنى في" فإنه ينصب على الظرفية سواء أكان مبهما أم مختصا لا فرق بين الاثنين في ذلك، تقول: "سيقف الظالمون والمظلومون يومًا أمام الله، وحينذاك لن يُفْلِتَ الظالمون من عدالة السَّماءِ يومَ الحساب". ثانيا: أسماء المكان. ليست كل أسماء المكان صالحة للنصب على الظرفية وإن استوفت الصفتين الأخريين من صفات ما ينصب على الظرفية، بل ذلك على التفصيل التالي: أ- أسماء المكان المبهمة: هذه هي التي تنصب على الظرفية إذا استوفت الشرطين الباقيين، وهي كما يلي: 1- أسماء الجهات الست، وهي "فوق، تحت، أعلى، أسفل، يمين، شمال، ذات اليمين، ذات الشمال، أمام، خلف، قدام، وراء" تقول: "صَعد المؤذّنُ فوقَ المئذنة، ليتمكَّن من رُؤية الهلال أسفلَ الأفُقِ". 2- ما ليس اسم جهة، ولكن يشبهه في الإبهام، بمعني أنه يدل على مكان غير محدد ولا محصور، وذلك مثل "أرض، مكان، حيثُ، لَدَى، بين، عند، مع" فمن البيّن أن هذه الكلمات صالحة لاستعمالها في مواطن كثيرة فهي هكذا شائعة مبهمة، تقول: "جلستُ مع المتفرجين حيثُ أشاهد العرض الممتع" ومن ذلك قول القرآن: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً} 1 وقوله: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً} 2.   1 من الآية 13 سورة الفرقان. 2 من الآية 9 سورة يوسف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 3- ما كان دالا على مساحة من الأرض يمكن استخدامه في أية بقعة منها للقياس والمساحة، مثل: "ميل، فَرْسَخ، بريد"1 فالاسم نفسه محدد المقدار، لكن استعماله هو المبهم، فهو يستخدم في مواطن كثيرة في الأرض أو الفضاء أو الماء، ولعل ذلك المعنى الأخير هو السبب في اعتباره من أسماء المكان المبهمة -في رأي بعض النحاة- تقول: "تنتقلُ سفينةُ الفضاء أميالا في الفضاء قبل أن تنتقلَ الطائرةُ ميلا في مجَال الأرض" وتقول: "استخدم العربُ قديما الخيول في نقل الرسائل، فتسير بريدا من الأرض لتسلمها لغيرها". ب- اسم المكان القياسي: ويقصد به الذي يشتق بطريقة القياس الصرفي ليدل على المكان مثل: "مَوقِف، مَصيف، مَجْرَى، مَجْلِس، مَرْمَى، مَبْكَى، مُتْحَف، منْتَجَع"، راجع صياغته في الصرف. هذا النوع من أسماء المكان ينصب على الظرفية إذا استوفى أيضا الشرطين السابقين. "فضلة، بمعنى في" ويضاف إلى ذلك أن يكون الفعل الذي تقدم عليه في الجملة من مادته، أي من معناه وحروفه، تقول: "جرى النيلُ مجْرَاه من آلاف السنين" وتقول: "وقفتُ مَوْقِف السيارات"، "جلست مجلس العلم" قال القرآن: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} . فإن استوفى هذا النوع من أسماء المكان الشرطين الآخرين، ولم يتقدم عليه فعل من مادته بل من مادة أخرى، ينبغي جره بالحرف "في" لفظا.   1 الميل -كما نعرف- 1670 مترا، البريد -بمقياسنا الحالي- اثنا عشر ميلا، الفرسخ: ستة أميال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 تقول "انتظرتُ في موقِفِ السيارات" و "سار النيلُ في مجراهُ من آلاف السنين" و "استمعتُ فوائد كثيرة في مجلس العلم" أو "يسفحُ اليهود دموعهم في مَبْكَى سُليمان". ج- اسم المكان المختص: تقدم أن المكان المختص "ما له أقطار تحويه" مثل: "الكلية، المدرج، البيت، الحديقة، الشارع، المسجد". هذا النوع من أسماء المكان إذا استوفى الشرطين الآخرين "فضلة، بمعنى في " يجر بحرف "في" لفظا ولا ينصب، تقول: "تخرّجتُ في الكلية" و "جلستُ في المدرج" و "صليتُ في المسجد" ولا يصح نصبه. أما ما ورد غير ذلك فهو توسع في التعبير، ومن ذلك: - قولهم: "دخلت الدار والمسجد". - قولهم: "ذهبت الشام". - قول الشاعر يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر حين هاجرا: جزى الله ربُّ النَّاسِ خَيْرَ جزائه ... رفيقين قَالَا خَيْمَتَيْ أمِّ مَعْبَدِ هما نزَلا بالبرد ثم ترَّحلا ... فأفلح من أمسى رفيقَ محمد فيا لَقُصَيٍّ ما زَوَى اللهُ عنكم ... به من فعالٍ لا تُجازَى وسؤددِ1   1 رفيقين: الرسول وأبو بكر، قالا: بمعنى "قيلا" وهو الراحة وقت الظهيرة في الظل، البر: بكسر الباء وفتحها ومن معانيها: الإحسان، ترحلا: رحلا وسافرا، يا لقصي: "قصي" من أجداد الرسول، والجملة إما أن تفهم كما هي فهي أسلوب استغاثة، وإما أن يكون المقصود منها "يا آل قصي" وحذف جزء كلمة "آل"، ما زوى الله؟ أسلوب استفهام القصد منه: أي شيء صرف الله عنكم؟، سؤدد، بفتح الدال الأولى أو ضمها: الشرف والنبل. الشاهد: في "قالا خيمتي أم معبد" حيث نصب اسم المكان المختص "خيمتي على التوسع، والأصل أن يجر بالحرف "في". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 والشاهد في "قالا خيمتي أم معبد" وكان حقه أن يقول: "قالا في خيمتي أم معبد" فنصبه على التوسع. أهم المسائل التي تتعلق بالظرف: أ- وردت استعمالات وتعبيرات في اللغة تعرب الكلمات فيها على أنها نائبة عن الظرف لا ظرف. - فمن الاستعمالات قولهم: سرت كل اليوم أو بعض اليوم. وقطعتُ رحلتي ستين ميلا. وقد استرحت في الطريق قليلا من الوقت. حتى وصلتُ قُربَ المساء - ومن التعبيرات: قول العرب: أحَقًّا أنك ذاهب. قول العرب: غيرَ شكّ أنك قادم. قول العرب: جهد رأيي أنه بريء1   1 إعراب "جهد رأيي أنه بريء" جهد: نائب عن الظرف منصوب بالفتحة، شبه جملة خبر، رأيي: مضاف إليه، وياء المتكلم مضاف إلى "رأي"، "أنه بريء" أن واسمها وخبرها في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر تقديره "براءته". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 ب- تنقسم أسماء الزمان والمكان إلى نوعين: 1- ما يستعمل ظرفا بشروطه السابقة، فإذا لم تتوافر الشروط أخذ وظائف نحوية أخرى، مثل: "اليوم، الساعة، اللحظة، الميل". ويطلق على هذا النوع اسم "المتصرف" وهو أكثر أنواع أسماء المكان والزمان. 2- ما لا يستعمل إلا ظرفا، مثل: "قَطُّ، عَوْضُ" فإذا خرج عن الظرفية، جُرَّ بحرف الجر، مثل: "قبل، بعد، لَدُن، عند". ويطلق على هذا النوع اسم "غير المتصرف" وهو أقل من النوع الأول. ج- إذا وقع الظرف "صلة، خبرا" فإنه -في رأى النحاة- منصوب بعامل محذوف وجوبا، على ما يشرح في أبوابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 المفعول لأجله : 1- المقصود بالمفعول لأجله لدى النحاة. ب- ما يقع علة لغيره من حيث الجر والنصب. المفعول لأجله: لاحظ الأمثلة التالية: تناولَ المريضُ الدّواءَ رَغْبَةً في الشفاء. وذهبَ المُجْهَدُ إلى الريفِ طَلبًا للرّاحة. وصامَ المؤمنُ تَهْذِيبًا للنَّفس. في الأمثلة السابقة أسماء وقعت مفعولا لأجله هي: "رغبةً، طَلَبًا، تهذيبًا". وقد استوفت صفات الجملة التي ينبغي أن تتوافر لما يقع مفعولا لأجله، وهي في عبارة واحدة: "كل مصدر قلبي ذكر علة لحدث سابق واتحد مع هذا الحدث في الزمان والفاعل". ا. هـ. ومن هذه العبارة تستنتج الصفات الآتية في الاسم الذي يقع مفعولا لأجله وهي: أ- أن يكون مصدرا. ب- أن يكون هذا المصدر قلبيا، أي دالا على معنى من المعاني القلبية لا الحسية. ج- أن يكون علة لحدث سابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 د- أن يكون مشاركا لهذا الحدث السابق في الزمان، إذ يحدثان في وقت واحد. هـ- أن يكون مشاركا لهذا الحدث السابق في الفاعل، فاعلهما واحد. - قال القرآن: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} 1. - وقال: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} 2. ما يقع علة لغيره من حيث الجر والنصب: أشهر حروف الجر التي تستعمل للتعليل في اللغة هو حرف "اللام" كقولنا: "أنصتُّ للفهم" "ونمتُ للراحة"، ومن حروف التعليل أيضا على قلة: "من، في" كقول القرآن: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} 3 وقول الرسول: "دخلت امرأةٌ النارَ من جَرَّاءِ هرّة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تُرَمْرِمُ من خشاش الأرض حتى ماتتْ هَزْلا" 4. إذا علم ذلك، فإن الاسم إذا وقع علة لغيره، ولكن لم يستوف الشروط الباقية للمفعول لأجله -كلها أو بعضها- ففي هذه الحالة يجب جره بحرف التعليل، وذلك كقولك: "أحضرتُ الكتابَ لصديقي" وقولك: "بذلت   1 من الآية 19 سورة البقرة. 2 من الآية 16 من سورة السجدة. 3 من الآية 151 من سورة الأنعام. 4 صحيح مسلم ج4 ص223، والخشاش، بفتح الخاء وكسرها وضمها، حشرات الأرض، هزلا: -بفتح الهاء وضمها- المصدر من هزل المبني للمعلوم، ومصدر المبني للمجهول "هزال". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 جهدًا لفَتْحِ الشُّباك المغلق" وقولك: "أجتهدُ اليومَ لبلُوغِ المجد غدًا". ومن ذلك: - قول امرئ القيس: فجئْتُ وقد نضَّت لنوم ثيابَها ... لَدى السِّتْرِ إلا لبْسَةَ المتفضِّلِ1 فإن "النوم" يختلف في زمن "نضّ الثياب" أي: خلعها. - قول أبي صخر الهذلي: وإني لَتَعْروني لذِكْرَاكِ هزّةٌ ... كما انتفضَ العصفورُ بلَّلَهُ القَطْرُ2 فإن فاعل "الذكرى" يختلف عن فاعل "تعروني" ففاعل الذكرى هو "الشاعر" والذي يعروه "الهزة". أما إذا استوفى الاسم الشروط السابقة للمفعول لأجله، فإنه يصح نصبه ويصح جره بحرف التعليل، وكلاهما صحيح في اللغة، وهذا معناه أن نصب المفعول لأجله -مع استيفاء الشروط- جائز لا واجب.   1 نضت: خلعت، لبسة المتفضل: اللبس الخفيف جدا كجلباب النوم. الشاهد: في "نضت النوم" فإن زمن خلع الثياب يكون عادة سابقا لزمن النوم، فلم يتحد المصدر مع الحدث السابق في الزمن، لذلك جر بلام التعليل. 2 تعروني: تصيبني، هزة: رعشة، القطر: قطرات المطر. يقول: حين أذكرك تصيبني رعشة لذكراك، فأنتفض انتفاض العصفور ينثر قطرات الماء عن ريشه. الشاهد: في "تعروني لذكراك هزة" فإن الذي "يعروه" هو الهزة، وإن الذي يذكر حبيبته هو الشاعر، فاختلف الفاعل، لذلك جر المصدر بحرف التعليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 كل من النصب والجر إذن جائز، لكن التفصيل إنما هو في الأرجح منهما على ما يلي: 1- المفعول لأجله المجرد من أل والإضافة، النصب أحسن من الجر بحرف التعليل، تقول: "صلَّى المؤمنُ لربِّه إيمانا واحْتِسَابا" ويصح: "صلَّى المؤمنُ لربِّه لإيمانٍ واحتسابٍ". ومن الجر قول الشاعر: من أمَّكُمْ لرغْبةٍ فيكم جُبِر ... ومن تكونوا نَاصِرِيه ينتصرْ1 2- المفعول لأجله المقترن "بأل"، الجر بلام التعليل فيه أحسن من النصب، تقول "ذهبتُ للقناطر للترويحِ عن النفس" ويصح "ذهبتُ إلى القناطر التّرويحَ عن النفس" ومن النصب قول قريط بن أنيف يذم قومه لجبنهم مع كثرتهم: لكنَّ قومي وإن كانوا ذَوِي عَدَدٍ ... ليسوا من الشرِّ في شيءٍ وإنْ هَانَا يَجزُون من ظُلْمِ أهل الظُّلْم مغفرةً ... ومن إساءةِ أهْل السُّوءِ إحسانَا كأنَّ ربّك لم يخلُق لخشيته ... سواهم من جميعِ الخلق إنسانَا   1 أمكم: قصدكم، جبر: الأصل فيه جبر الكسر، والمقصود: العون على نواحي الضعف في الحياة. الشاهد: في "أمكم لرغبة" فهذه جملة مستوفاة لشروط المفعول لأجله والمفعول لأجله "رغبة" مجرد من "أل والإضافة" يصح فيه النصب -وهو الأحسن- والجر بلام التعليل، وقد جاء في البيت مجرورا باللام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا ... شدُّوا الإغارة فُرسانًا ورُكْبانا1 3- المفعول لأجله المضاف، وهذا يصح فيه الوجهان على حد سواء، تقول: "قام الطالبُ لأستاذِه احترامَه" ويصح "قام الطالبُ لأستاذه لاحترامِه". ومن النصب قول حاتم الطائي: وأغفر عَوْرَاءَ الكريمِ ادِّخَارَهُ ... وأُعْرِضُ عن شَتْمِ اللَّئيمِ تكرُّما2 وخلاصة هذه الفكرة كلها: أن ما لم يستوف الشروط وهو مذكور علة لغيره يجب جره بحرف التعليل -اللام غالبا- وأن ما استوفى الشروط صح نصبه وجره على التفضيل والترجيح السابقين.   1 هذه الأبيات من مقطوعة شعرية مغيظة أوردها "ديوان الحماسة" في بدايته. الشاهد: في "شدوا الإغارة" فإن المفعول لأجله فيه "أل" فيصح نصبه وجره بحرف التعليل -والأخير أحسن- وقد جاء في البيت منصوبا. 2 عوراء الكريم: عيوبه وإساءاته، ادخاره: إبقاء له. الشاهد: في "أغفر عوراء الكريم ادخاره" فإن المفعول لأجله "ادخاره" مضاف، فيصح فيه النصب والجر بلام التعليل على سواء، وقد ورد في البيت منصوبا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 المفعول معه : 1- المقصود بالمفعول معه لدى النحاة. 2- الاسم الواقع بعد الواو بين العطف على ما قبله والنصب على المفعول معه. المفعول معه: لاحظ الأمثلة التالية: استيقظ النَّائمُ وأذانَ الفجْر. سارت العربةُ وخطَّ السِّكة الحديد. دَع الشّريرَ والزَّمانَ. في الأمثلة السابقة أسماء وقعت مفعولا معه هي "أذان الفجر، خط السكة الحديد، الزمان" وقد استوفت الشروط التي يجب توافرها في جملة المفعول معه. جاء في ابن عقيل: هو كل اسم فضلة وقع بعد واو بمعنى "مع" وتقدمه فعل أو شبهه، ولم يصح عطفه على ما قبله ا. هـ. ويفهم من هذا التعريف المركز أن المفعول معه ينبغي أن تتوافر له الصفات التالية: أ- أن يكون اسما لا فعلا ولا حرفا. ب- أن يكون فضلة وقد سبق تحديدها. ج- أن يكون هذا الاسم واقعا بعد واو بمعني "مع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 د- أن يتقدم على هذه الواو والاسم معها فعل أو شبه فعل. هـ- ألا يصح عطف هذا الاسم على ما قبله لاختلال المعنى -إذ لا تتحقق المشاركة- أو لمانع نحوي، لتخلف صفة من الصفات التي تشترط لصحة العطف. وهذه الصفات واضحة في الأمثلة السابقة، ومن ذلك ما يمثل به في كتب النحو "سرتُ والنيلَ" و"استوى الماءُ والخَشَبَةَ" و "ذاكرتُ والمصباحَ" قال القرآن: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} 1. وعلى ذلك، فليس من المفعول معه الشواهد التالية: - قول أبي الأسود الدؤلي: لا تَنْهَ عن خلُقٍ وتأتيَ مثلَه ... عَارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ2 إذ إن الواقع بعد الواو "تأتي" وهو فعل لا اسم، وهو منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الواو. - قول الآخر: علفْتُها تبنًا وماءً باردًا ... حتى غَدَتْ همّالَةً عيناها3 فإن "ماء" لا يصح نصبه على المفعول معه؛ لأن الواو ليست بمعني "مع" كما أنها لا تصلح لعطف المفردات، وإنما هي لعطف الجمل.   1 من الآية 71 من سورة يونس. 2 تقدم ذكر هذا الشاهد، وجاء هنا لبيان الفرق في مجيء واو المعية مع الاسم المنصوب والفعل المنصوب، الأول المفعول معه، والثاني ينصب بأن مضمرة كما جاء في البيت في "وتأتي" و "أن: المضمرة" والفعل في تأويل مصدر هو المفعول معه. 3 الشاهد: في الشطر الأول "علفتها تبنا وماء باردا" فإن الواو ليست بمعني "مع" وإنما هي لعطف الجمل، وتقدير الكلام "علفتها تبنا وسقيتها ماء". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 - قول الراعي النميري: إذا ما الغانِيَاتُ برزْنَ يومًا ... وزَجّجْنَ الحواجبَ والعُيُونَا1 فكلمة "العيون" لا تنصب على المفعول معه؛ لأن الواو ليست بمعنى "مع" ولا تصلح أيضا لعطف المفردات، وإنما هي لعطف الجمل كالبيت السابق. الاسم بعد الواو بين العطف والنصب على المفعول معه: ينبغي التنبه إلى أن استخدام الواو للعطف في اللغة العربية هو الأكثر استعمالا وأقرب إلى الذهن، وأن استخدام الواو للمعية إنما هو أمر محصور في أساليب خاصة في اللغة. وعلى ذلك، فإن الاسم الواقع بعد الواو يكون على النحو التالي: 1- ما يجب فيه العطف. وذلك إذا صح العطف دون مانع لفظي أو معنوي، ويتحقق هذا إذا أمكن مشاركة ما بعد الواو لما قبلها دون إخلال بالمعنى أو باللفظ، مثل: "تعيشُ في الحياة الفضيلةُ والرذيلةُ" و "تجد بين الناس الكريمَ واللئيمَ". 2- ما يجب نصبه على المفعول معه. وذلك إذا امتنع العطف، أي امتنعت مشاركة الثاني للأول، بسبب الإخلال بالمعنى مثل: "غادرت القاهرة وطلوع الشمس" و"دخلت قريتي   1 الغانيات: الجميلات جمالا طبيعيا، برزن: خرجن وظهرن، زججن الحواجب: جملتها بالتدقيق والتسوية. الشاهد: في الشطر الثاني: "زججن الحواجب والعيونا" فإن الواو ليست بمعني "مع" بل هي لعطف الجمل، وتقدير الكلام "زججن الحواجب وكحلن العيونا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 وطلوعَ القمر" أو بسبب صفات لفظية في العطف، مثل: "سعيتُ وصديقًا لي لإدراك الحفل"1. 3- ترجح المفعول معه على العطف. وذلك إذا أوهم العطف معني لا يريده المتكلم أو معنى بعيدا يحتاج للتأويل، ومن شواهد ذلك قول الشاعر: فكونوا أنتم وبَنِي أبيكم ... مكانَ الكُلْيَتَيْنِ من الطِّحَالِ2 فإنه لو قدر العطف يكون المعنى أنه يطلب منهم ومن بني أبيهم ما طلبه في الشطر الثاني، وهذا غير مقصود للشاعر، وإنما يقصد أن يطلب منهم فقط أن يكونوا مع بني أبيهم كما صور في الشطر الثاني، ومن أجل ذلك ترجح النصب مفعولا معه على العطف على ما قبله.   1 في هذا المثال لا يصح العطف؛ لأن الضمير المتصل المرفوع لا يصح العطف عليه إلا بعد توكيده بضمير منفصل، بأن يقال: "سعيت أنا وصديق لي". وما لم يوجد التوكيد، لا يصح العطف. 2 الكليتين: تثنية كلية بضم الكاف، الطحال: بكسر الطاء، بني أبيكم: الإخوة وأولاد العم. الشاهد: في "كونوا أنتم وبني أبيكم" إذ يطلب ممن يخاطبهم فقط أن يكونوا مع أبناء أبيهم متماسكين متصلين تماسك الكليتين مع الطحال، وهذا المعنى يناسبه أن تكون الواو بمعنى "مع" ولو جعلت الواو للعطف لكان مقتضى الكلام أنه يطلب ممن يخاطبهم ومن بني أبيهم أيضا التماسك والاتصال، وهذا المعنى لا يريده الشاعر، بل يريد المعنى الأول، ولذلك ترجح أن تكون "بني أبيكم" منصوبة على أنها مفعول معه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 الحال : 1- الحال عند اللغويين والنحاة. 2- عامل الحال "الفعل، شبه الفعل، ما فيه معنى الفعل". 3- الحال وصاحبها من حيث التعريف والتنكير. 4- يطلق على الحال للمصطلحات الآتية: أ- المُبَيِّنة -وهي الأصل- ويقابلها المؤكِّدة. ب- المنتقِلة -وهي الأصل- ويقابلها اللَّازمة. ج- المشتقَّة -وهي الأصل- ويقابلها المُوَطِّئَة والجامدة. د- المتفرّدة -وهي الأصل- ويقابلها المتعدّدة. هـ- المفردة -وهي الأصل- ويقابلها الجملة وشبه الجملة. 5- من مسائل الحال المهمة ما يلي: أ- مجيء الحال من المضاف إليه. ب- تقدم الحال على صاحبها أو عاملها. ج- حذف عامل الحال. الحال والحالة في اللغة العربية: ما عليه الإنسان من خير وشر، ومن ذلك السؤال العادي بين الناس "كيف حالُك؟ ". وكلمة الحال تستعمل في اللغة مذكرة ومؤنثة، فيقال: "هذا حال حسن" أو "هذه حال حسنة" ومن التأنيث قول الشاعر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 إذا أعجبتْك الدَّهرَ حالٌ من امرئٍ ... فدعْهُ وواكِلْ أمره واللَّياليا1 ومن التذكير قول المتنبي: لا خيلَ عندك تُهديها ولا مالُ ... فليُسعِد النُّطقُ إنْ لم يُسعد الحالُ2 ومع جواز الأمرين -التأنيث والتذكير- في لفظة الحال، فإن التأنيث هو الأفصح في استعمال اللغة العربية. أما الحال لدى النحاة فيقصد به -كما جاء في ابن عقيل- الاسم الوصف الفضلة المبين لهيئة صاحبه، تقول: "يعيشُ الذليلُ حقيرًا ويعيشُ الحرًّ كريمًا". ومن ذلك قول عديّ بن الرّعلاء: ليس من ماتَ فاستَراحَ بميْتٍ ... إنما الميْتُ مَيِّتُ الأحياء إنَّما الميت من يعيشُ كئيبًا ... كاسِفًا بالُه قليلَ الرَّجَاءِ3 ومن هذا التعريف السابق يتضح أنه يجب أن تتوافر في الحال الصفات التالية:   1 يدل البيت على استعمال كلمة "الحال" مؤنثة بدليل تأنيث الفعل لها في "أعجبتك". 2 يدل البيت على استعمال كلمة "الحال" مذكرة بدليل تذكير الفعل لها في "يسعد". 3 الميت: بسكون الياء مثل "الميت" بتشديد الياء في المعنى. يقول: ليس الميت من يفارق الحياة فيستريح، إنما الميت -في رأيه- من يموت في الحياة، إذ ينسحق تحت أحداثها، فيعاني الكآبة وخيبة الرجاء. ولقد احتوى البيت الثاني على ثلاث كلمات وقعت حالا هي على التوالي "كئيبا، كاسفا باله، قليل الرجاء". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 أ- أن يكون الحال وصفا، والمقصود به -كما سبق- ما دل على معنى وصاحبه، وهو من المشتقات "اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة، اسم التفضيل، أمثلة المبالغة" مثل: "ضاحك، مسرور، شَهْم، أهْدأ، لمَّاح" فهذه الصفات هي التي تقع حالا، أما مجيء الحال غير مشتق وغير وصف فله حديث سيأتي. ب- أن يكون الحال فضلة، والمقصود بها -كما سبق- ما تجيء بعد استيفاء الجملة ركنيها الأساسيين من فعل وفاعل أو مبتدأ وخبر وليس معنى "الفضلة" أنها من فضول الكلام ويصح الاستغناء عنها من حيث المعنى. ج - أن يكون مبينا لهيئة صاحبه، أو بعبارة أخرى: للكيفية التي هو عليها، أو بعبارة ابن هشام في قطر الندى: أن يكون صالحا للوقوع في جواب السؤال بكلمة "كيف"، وتلك علامة الحال التي نلجأ إليها لمعرفته في الجملة. تلك الصفات الثلاث يجب توافرها مجتمعة متضامنة في الاسم الذي يطلق عليه نحويا "حال" لتكون الكلمة التي يطلق عليها ذلك منصوبة في الجملة التي ترد فيها. عامل الحال: الاسم المنصوب الذي يقع حالا شأنه شأن الأسماء الأخرى المنصوبة في أن عامله هو الفعل أو ما يشبه الفعل، فنقول: "أقبلَ الرّبيعُ منعشًا" أو "الرّبيعُ مقبل منعشا" فالعامل في الجملة الأولى هو الفعل "أقبل" وفي الثانية اسم الفاعل "مقبل" وهو اسم يشبه الفعل. لكن يضاف هنا عامل آخر خاص بالحال يسمى "العامل المعنوي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 ويقصد به: ما تضمن معنى الفعل دون حروفه: "كأسماء الإشارة وحرف التمني وكاف التشبيه" فإنها تتضمن معنى أفعال هي على الترتيب "أشير، أتمنَّى، أشبّه" تقول: "تلك أرضُنا خضراءَ منبسطةً كأنها الجنةُ مصوَّرةً". والخلاصة أن العامل في الحال واحد من ثلاثة: 1- الفعل: بأقسامه الثلاثة الماضي والمضارع والأمر. 2- ما يشبه الفعل: وهو ما تضمن معنى الفعل وحروفه من الأسماء كاسم الفاعل والمفعول.. إلخ. 3- العامل المعنوي: وهو ما تضمن معنى الفاعل دون حروفه، كالإشارة والتشبيه والتمني. صاحب الحال من حيث التعريف والتنكير: صاحب الحال هو الاسم الذي وصفته الحال، أو بعبارة أخرى: بينت هيئته ووضحت كيفيته. وفي هذا الموضوع ينبغي أن نتذكر الصلة بين الحال والخبر؛ لأن كلا منهما صفة لما هو له، أو حكم عليه، ومن أجل ذلك اشترط هناك في المبتدأ أن يكون معرفة، ولا يكون نكرة إلا بصفات خاصة، ذكرت في موضعها من مباحث المبتدأ، وهنا أيضا: أولا: الأصل في صاحب الحال أن يكون معرفة، فنحن نقول: "ركبتُ السيارةَ مزدحمةً" أو "قطعتُ الشارعَ ماشيًا" أو "أقبلَ صديقي مستبشرًا" فأصحاب الحال في هذه الأمثلة -كما هو واضح- من المعارف. ثانيا: يأتي صاحب الحال نكرة بمسوغات تشابه تلك التي ذكرت في باب المبتدأ وهي على التحديد ما يلي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 1- أن تقع النكرة عامة في سياق النفي أو الاستفهام، كقول القرآن: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ} 1، وكقول الشاعر: يا صَاحِ هل حُمَّ عيشٌ باقيًا فترى ... لنفسك العُذْرَ في إبْعادها الأَملا2 2- أن تخصص النكرة بالوصف أو بالإضافة، كقول القرآن: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} 3 وقول الشاعر: نجَّيت يا ربّ نوحًا واستجبتَ له ... في فُلُكٍ مَاخرٍ في اليمِّ مشحونا وعاشَ يدعو بآياتٍ مُبَيّنَةٍ ... في قومه ألفَ عامٍ غيرَ خمسينا4 وقول القرآن: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} 5.   1 الآية 208 من سورة الشعراء. 2 حم: قدر. يقول: هل قدر دوام الحياة لأحد فتتعلق بالآمال البعيدة!! لا أظن، والحياة أقصر مما تظن. الشاهد: في جملة "هل حم عيش باقيًا" فإن صاحب الحال "عيش" وهو نكرة، سوغها وقوعها في سياق الاستفهام، فتفيد العموم. 3 من الآية 101 من سورة البقرة. 4 فلك: -بضم اللام وإسكانها- السفينة، ماخر في اليم: يشق الماء. الشاهد: في الشطر الثاني للبيت الأول "في فلك ماخر في اليم مشحونا" صاحب الحال "فلك" نكرة، ومسوغ مجيئه نكرة وصفه بكلمة "ماخر في اليم". 5- من الآية 10 من سورة فصلت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 3- أن تتقدم الحال على صاحبها النكرة، كقول الشاعر: لِمَيَّةَ موحِشًا طَلَلُ ... يلوحُ كأنَّه خِلَلُ1 وقول الآخر: وبالجسمِ منِّي بَيِّنًا لوْ علمتِه ... شحوبٌ وإن تستشهِدِي العَيْنَ تَشْهَدِ2 ثالثا: يأتي صاحب الحال نكرة بدون أحد المسوغات الثلاثة السابقة وهذا قليل جدًّا، ومن هذا الحديث الذي روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته وهو شاكٍ، فصلَّى جالسا وصلَّى وراءه رجالٌ قياما". والخلاصة في هذا الموضوع: أن الأصل في صاحب الحال أن يكون معرفة، ويأتي نكرة بمسوغ من المسوغات، وهذا خلاف الأصل، ويأتي نكرة بلا مسوغ على الإطلاق، وهذا قليل في اللغة.   1 مية: اسم الحبيبة، موحشا: خاليا، طلل: آثار الديار، خلل: الثياب الممزقة. يقول: إن ما بقي من ديار "مية" بعد رحيلها خراب مهدم كالثياب القديمة ومسوغ مجيء الحال منها تقدم الحال عليها، وأصل الجملة "لمية طلل موحش". 2 الشاهد: في "بالجسم مني بينا شحوب" فإن صاحب الحال "شحوب" وهو نكرة، وسوغ مجيء الحال منه تقدم الحال عليه وهي "بينا" وأصل الجملة "بالجسم مني شحوب بين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 الحال من حيث التعريف والتنكير: الأصل في الحال أن تكون نكرة، فلا تكون معرفة، هذا هو مذهب جمهور النحاة. وقد وردت عبارات في اللغة العربية يبدو من لفظها أن الحال فيها معرفة لا نكرة، لكن النحاة اتفاقا مع قاعدتهم في أن الحال لا بد أن تكون نكرة لا يبقون تلك العبارات على ظاهر لفظها المعرف، بل يؤولونها بالنكرة أو بعبارة أوضح: يتخيلون لفظًا منكرًا من معاني ألفاظ الحال التي وردت معرفة وهذا التأويل أو التخيل -في رأى النحاة- هو وسيلة الاتفاق بين القاعدة وبين ما ورد من عبارات مأثورة لا تتفق معها. والحق أن هذه العبارات المأثورة التي وردت فيها الحال معرفة لا يكاد أكثرها يستعمل الآن، والقليل منها هو المستعمل فقط، وإليك هذه العبارات وتأويل النحاة لها: - ما قرئ من قوله تعالى: "لئن رجعنا إلى المدينة لَيَخْرُجَنَّ الْأَعَزُّ منها الأذلَّ"1، وتأويلها: ذليلا. - ما نعبر به من قولنا: آمنتُ بالله وحْدَه، وتأويلها: منفردا. - من كلام العرب: ادْخُلوا الأول فالأول، وتأويلها: مترتبين. - ومنه أيضا: أرسلَها العِرَاكَ، وتأويلها: متزاحمة. - ومنه أيضا: جاءوا الجَمَّاءَ الغَفِيرَ، وتأويلها: جميعًا.   1 من الآية 8 سورة المنافقون، والقراءة المشهورة: {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} بضم الياء وكسر الراء، وهذه القراءة لا دليل فيها، فالجملة مكونة من "فعل وفاعل ومفعول". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 - ومنه أيضًا: جاءُوا قَضَّهُمْ بِقَضِيضِهم، وتأويلها: جميعا. وبعد: فلعلنا بعد هذا الحديث المستفيض عن تحديد معنى الحال، ثم عن الحال وصاحبها من حيث التعريف والتنكير يمكننا أن نفهم وأن نناقش تلك العبارة النحوية المشهورة بين المشتغلين بالنحو التي تقول: "ولا تكون الحال إلا نكرة، ولا يكون صاحبها إلا معرفة، ولا تكون الحال إلا بعد تمام الكلام". المصطلحات النحوية في باب الحال: من المفيد أن يذكر هنا أن باب الحال طويل جدا، وقد خرجت من تأملي لهذا الباب في الكثير من مراجع النحو أنه مما يعين على دراسة هذا الباب -على طوله- فهم المصطلحات النحوية التي يتردد في حديث النحاة عنه، وقد اخترت منها 12 مصطلحا تحيط -فيما أعتقد- بأهم ما ينبغي معرفته في هذا الباب. الحال المبينة "المؤسسة" والحال المؤكدة: جاء إليَّ صديقي ضاحكا. جاء إليَّ صديقي مقبلا. جلس الطلابُ كُلُّهم منصتين. جلس الطلابُ كلُّهم جميعا. هذا أبي مهندسًا. هذا أبي عطوفًا عَلَيَّ. الحال المبينة: هي التي يصدق عليها التعريف الذي ذكر للحال فيما سبق بأنها اسم وصف فضلة مبين للهيئة، ويتضح من هذا التعريف لماذا سميت "المبينة" إذ تبين صفة صاحبها أو هيئته أو الكيفية التي هو عليها، ويحددها النحاة بقولهم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 هي التي لا يستفاد معناها بدون ذكرها، فهي إذن تعتبر أساسا لمعنى جديد لا يفهم من الجملة قبلها، ولهذا يطلق عليها أيضًا اسم "المؤسِّسَة". الحال المؤكدة: هي التي يستفاد معناها من الكلام السابق عليها في جملتها، وفائدتها إذن تأكيد هذا المعنى المستفاد، ولهذا سميت "المؤكدة" ولها الصور الآتية: 1- المؤكدة لعاملها: وذلك إذا كان معناها في هذا العامل، كقول القرآن: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً} 1 وقوله: {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} 2. 2- المؤكدة لصاحبها: وهي التي يستفاد معناها من صاحبها، كقول القرآن: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} 3. 3- المؤكدة لمضمون الجملة: هي التي يستفاد معناها من النسبة بين الخبر والمبتدأ، على معنى أنه إذا ذكر المبتدأ ونسب له الخبر بعد ذلك، فهم معناها دون ذكرها، إذ تتضمن هذه النسبة معناها عادة، كما نقول "الأستاذ قويٌّ في مادّته مُفهِمًا" وكما نقول: "هذا أخوك ناصرا لك" أو "هذا أبي رحيمًا بي" ومن ذلك قول الشاعر: أنا ابنُ دارةَ معروفًا بها نسبي ... وهل بدارةَ يا للنَّاسِ من عَارِ4   1 من الآية 19 سورة النمل. 2 من الآية 60 سورة البقرة. 3 من الآية 99 سورة يونس. 4 دارة: اسم أم الشاعر. الشاهد في قوله: "أنا ابن دارة معروفا بها نسبي" فإن الحال في هذه الجملة "معروفا بها نسبي" مؤكدة لمضمون الجملة "أنا ابن دارة" إذ لم تضف الحال شيئا جديدا لمعنى الجملة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 الحال المُنْتَقِلَة واللّازمة: يبقى المسلمون نهارَ رمضان صائمين. خلق الله جسمَ الإنسانِ مستقيما. ويقطعون مُعْظَمَ ليله ساهرين. ومنحه العقْلَ مفكِّرا. ويتَّجهون إلى الله مبتهلين خاشعين. وشرع له الدِّينَ الحقَّ هاديًا. تقدم في تعريف الحال أنها لا بد أن تكون وصفا، فهي في الحقيقة صفة تنسب إلى صاحبها، وهذه الصفة قد تكون صفة عارضة للمتصف بها، بمعنى أنها تحدث له ثم تزول عنه، وقد تكون صفة ملازمة له لا تنفك عنه لسبب عرفي أو خلقي، ويطلق على النوع الأول اسم "الحال المنتقلة" وهي الأصل في الحال، وأكثرها شيوعًا في الكلام العربي، ويطلق على النوع الثاني اسم "الحال اللازمة"، وهذه أقل من الأولى في الكلام العربي، وإن وردت فيه. وعلى هذا يتحدد معنى المصطلحين السابقين كالآتي: الحال المنتقلة: هي ما جاءت دالة على وصف عارض، يجيء ثم يذهب بالنسبة لصاحبه، تقول: "نَمَا النَّبَاتُ مخضرًّا" أو "تدلَّتْ فروعُ الأشجارِ مثمرةً". الحال اللازمة: -كما يقول ابن هشام نصًّا- هي ما جاءت دالة على وصف ثابت، كقول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً} 1. أي "مبينا" وقول العرب: "خَلَقَ اللهُ الزرافةَ يَديْهَا أطْوَلَ من رجليها" ا. هـ.   1 من الآية 114 سورة الأنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 ومن الشواهد التي أوردها "ابن عقيل" لهذه الحال الأخيرة -اللازمة- قول الشاعر: فجاءتْ به سَبْطَ العِظَامِ كأنَّما ... عمامتُه بين الرجال لِواءُ1 فسبط العظام، بمعنى طولها وامتدادها، وصف خلقي ملازم لصاحبه وهو دليل القوة والهيبة، يقابله قصر العظام، وهو دليل القماءة والضعف. الحال المُشْتَقَّة والمُوَطِّئَة والجامدة: مرة أخرى يذكر أنه اشترط في تعريف الحال أن تكون وصفا، ويقصد به الأسماء التي تؤخذ من مصادر عن طريق الاشتقاق دالة على الصفة "كاسم الفاعل أو اسم المفعول أو أفعل التفضيل أو الصفة المشبهة". فالاسم الذي يقع حالا يكون من هذا الصنف غالبا، لكن ليس ذلك دائما، إذ يأتي أحيانا اسما جامدا موصوفا بمشتق أو غير موصوف بشيء على الإطلاق، والجامد الموصوف بالمشتق يطلق عليه اسم "الحال الموطئة" في مقابل "الحال الجامدة" التي لم توصف بشيء على الإطلاق. وعلى ذلك تحدد المصطلحات الثلاثة السابقة بما يلي: المشتقة: يقصد بها أن تكون وصفا مأخوذا من مصدر "اسم فاعل، اسم مفعول، صفة مشبهة، اسم تفضيل" كقولنا: "ارتفعت الشَّمْسُ متوهَّجةً وأرسلَت الحرارةَ مُحْرِقَةً".   1 سبط العظام: طويل العظام مستوي الخلقة، لواء: علم. يقول: ولدته أمه مستوي الخلقة طويل العظام، فشب على ذلك، فإذا سار بين الناس ظهرت عمامته -لطول قامته- كأنها علم منشور فوق الناس. الشاهد: في "جاءت به سبط العظام" فإن الحال "سبط العظام" حال لازمة؛ لأن ذلك أمر خلقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 الموطئة: وهي ما كانت اسما جامدا موصوفا بمشتق، مثل: "تساقط الماء من السماء مطرًا غزيرًا" ومن ذلك قول القرآن: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} 1 وقوله: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً} 2. ومعني كلمة "موطئة" ممهدة فكأن الحال في الحقيقة هي الكلمة المشتقة التي وقعت صفة، أما الاسم الجامد فقد مهد لذلك المشتق، وكان وسيلة له. الجامدة: هي الحال التي جاءت اسما جامدا، ويقصد به: ما لم يؤخذ من غيره سواء أكان اسم ذات أم اسم معنى، يلتزم بعض المعربين تأويلها بالمشتق، ومن أهم المواضع التي ترد فيها الحال الجامدة ما يلي: 1- أن تدل على سعر: "بعتُه القمحَ إردبًّا بعشرة جنيهات"3 تأويلها: مسعَّرًا. 2- أن تدل على المفاعلة: مثل "بعتُه يدًا بِيَدٍ" أي "مقابِضا" أو "قابلتُ صديقي وجْهًا لِوَجْهٍ" أي "مواجِها" أو "سلمتُ عليه يَدًا بِيَدٍ" أي "مُصافِحًا". 3- أن تدل على تشبيه: بأن تكون الحال في قوة "المشبه به" كقولنا: "بدت الأرضُ من الفضاءِ كرةً" فهي في قوة "مُشَابِهَةً للكرة". ومن ذلك قول هند بنت عتبة تحرض قريشا: أفي السّلمِ أعيارًا جفَاءً وغلظَةً ... وفي الحرب أشْبَاهَ النساء العَوَارِكِ4   1 من الآية 52 سورة المؤمنون. 2 من الآية 17 سورة مريم. 3 أحسن ما يقال في إعراب هذه الجملة أن "إردبا" حال، وأن الجار والمجرور بعدها صفه للحال، ومثلها تماما "بعته يدا بيد" وما يشبههما. 4 الأعيار جمع "عير" بفتح العين وسكون الياء وهو: الحمار، ويقول القاموس: إنه غلب على الوحشي، النساء العوارك: النساء الحائضات تذمهم في حالتي السلم والحرب؛ فهم في السلم كالحمر جفاء وغلظة، وفي الحرب كالنساء ضعفا وخوفا. الشاهد: في الشطر الأول "أفي السلم أعيارا" فإن كلمة "أعيارا" حال جامدة، إذ دلت على المشابهة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 وقول أحد أصحاب عَلِيّ: فما بالُنَا أمسِ أسْدَ العَرين ... وما بالُنا اليومَ شاءَ النجَف1 4- أن تكون الحال مصدرا. وذلك كثير في اللغة العربية، كقولنا: "تغير الجوُّ فجأةً" و "جاء الفرسُ ركْضا" و"قُتِلَ المجرمُ شنْقًا". ومن الغريب أن هذا النوع الأخير مع كثرته يحكم عليه بأنه غير قياسي في اللغة. والذي أراه أنه قياسي، وأن لنا أن نستعمله كما استعمله العرب فنأتي بالحال مصدرًا كما استعملوا ذلك. الحال المتفردة والمتعددة: لاحظ الأمثلة التالية: - دعا المؤمنُ ربَّه راكعًا ساجدًا قائما قاعدًا. "صاحب الحال واحد الحال متعددة". - ناجَى المؤمنُ ربَّه غفورًا تائبًا. "صاحب الحال متعدد، الحال متعددة، الدليل معنوي".   1 العرين: مكمن الأسد، النجف: حي من أحياء العراق. الشاهد: في كلا الشطرين، الحال في الأول "أسد" والحال في الثاني "شاء" والاسمان جامدان لدلالتهما على التشبيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 - كَبَّر الحُجَّاجُ لله سميعا مخلصين. "صاحب الحال متعدد، الحال متعددة، الدليل لفظي". - انتصر العدلُ على القوةِ مندحرةً قويًّا. "صاحب الحال متعدد، الحال متعددة، الدليل لفظي". - اختصم الباطل والحق قويًّا مقهورًا. "صاحب الحال متعدد، الحال متعددة، لا دليل". سبق في باب خبر المبتدأ أن الخبر قد يأتي مفردا أو متعددا، وهذا الأمر الأخير غير العطف، تقول: "الحقُّ قويٌّ" وتقول: "الحقُّ قويٌّ قاهرٌ غلابٌ". وهنا أيضًا في الحال تأتي متفردة ومتعددة على التوضيح التالي: الحال المتفردة: هي ما كانت وصفا واحدا، وذلك هو الغالب في الحال حيث تأتي في اللغة العربية بكثرة من هذا الصنف. مثل "يدافعُ المؤمن عن قِيَمِه شجاعا". الحال المتعددة: هي ما كانت أكثر من صفة؛ سواء أكانت لواحد فقط أم لمتعدد، تقول: "دافع المؤمن عن قِيَمِه مقتنعا شجاعا" بدون عطف والحال المتعددة تأتي على الصورتين التاليتين: الصورة الأولى: أن تكون الحال متعددة وصاحبها واحدًا فقط، مثل: "أحبُّ المرءَ صادقا مستقيما" ومن ذلك ما ينسب قوله للمجنون: عَلَيَّ إذا ما جئت ليلى بخفية ... زيارةُ بيتِ اللهِ رجْلانَ حافيا شكورًا لربي حين أبصرتُ وجهها ... ورؤيتُها قد تسقني السُّمَّ صافيا1   1 خفية بضم الخاء وكسرها: دون أن يراني أحد، رجلان حافيا ماشيا دون نعل، قد تسقني: هكذا وردت، والأصل "تسقيني" وحذفت الياء لضرورة الشعر. الشاهد: في البيت الأول: إذ تعددت الحال "رجلان حافيا" لواحد هو ياء المتكلم في قوله: "عَلَيّ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 الصورة الثانية: أن تكون متعددة وأصحابها متعددون أيضا وتحت هذه الصورة التفصيل التالي: أ- أن يكون هناك دليل معنوي يوجه كل حال لصاحبها، مثل قولك: "تحدث الأستاذ مع الطالب مستمعا ناصحا" فمن البيّن أن "المستمع" هو الطالب عادة. وأن "الناصح" هو الأستاذ، وحينئذٍ لا داعي لترتيب الأحوال المتعددة. ب- أن يكون هناك دليل لفظي يوجه كل حال لصاحبها -كالتثنية والجمع أو التذكير والتأنيث- كما تقول: "عشق المجنونُ ليلى مدلّهًا عفيفةً". أو تقول: "زار الأصدقاءُ المريضَ مُمْتَنًّا مواسين"، فمن البيّن أنه في المثال الأول توجه الأحوال المتعددة بالتذكير والتأنيث، وفي المثال الثاني يوجهها الإفراد والتثنية والجمع، ومن هذا قول الشاعر: لَقِيَ ابني أخوَيْه خائفًا ... مُنجِدَيْهِ فأصابوا مَغْنَمًا1 وقول امرئ القيس:   1 من البيّن قي قوله: "لقي ابني أخويه خائفا منجديه" أن "الخائف" هو "الابن" وأن "منجديه" هما "أخويه" فالحال متعددة، وتوجه لأصحابها بالإفراد والتثنية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 خرجتُ بهَا أمشي تَجُرُّ وراءنا ... على أثرَيْنَا ذَيْلَ مِرْطِ مرحل1 وهنا أيضا لا حاجة إلى ترتيب الأحوال المتعددة. ج- ألا يكون هناك دليل يوجه الأحوال المتعددة لأصحابها، وحينئذٍ لا بد من الترتيب التالي: تعتبر الحال الأولى للثاني والثانية للأول، وهكذا.. وهذا غريب؟! ومن أمثلة النحو "لقيتُهُ مُصْعِدًا مُنْحَدِرًا" فكلمة "مصعدا" حال من ضمير الغائب، وكلمة "منحدرا" حال من ضمير المتكلم. والذي أراه، إن لم يجانبني الصواب، أنه يجب هنا أن ترتب الحال ترتيبا على الأصل، بحيث تكون الأولى لصاحبها الأول، والثانية للثاني وهكذا؛ لأن ذلك هو الذي يتجه إليه الذهن حين النطق، فلِمَ نعكس الأمر بهذه الصورة الغريبة!! فإذا قلنا: "عامل الصديقُ صديقَه وَدُودا مخلصًا" كانت "ودودا" للأول "الصديق" وكانت "مخلصا" للثاني "صديقه" ولا داعي لعكس الموضوع. وخلاصة هذا الموضوع كله: أن الحال المتعددة لمفرد أو المتعددة لمتعدد مع وجود الدليل المعنوي أو اللفظي لنسبتها لمن هي له لا يلزم فيها ترتيب. وأما إذا تعددت لمتعدد بلا دليل، فإنها -في رأيي- يجب ترتيبها على الأصل.   1 المرط، بكسر الميم وسكون الراء: ثوب المرأة، مرحل: مخطط. الشاهد: في "خرجت بها أمشي تجر وراءنا" هنا حالان جملتان: الأولى "أمشي" والثانية "تجر وراءنا" ومن البيّن أن صاحب الحال الأولى هو ضمير المتكلم في "خرجت" وأن صاحب الثانية هو ضمير الغائبة في "بها" يدل على ذلك التذكير والتأنيث والتكلم والغيبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 الحال المفردة والجملة وشبه الجملة: لاحظ الأمثلة التالية: - وقف الشرطيُّ منَظِّما حركةَ المرور. - ويسهرُ رجالُ الأمن محافظين على المواطنين. الحال مفردة. - يؤدي شرطيُّ المرورِ واجبَه بين مفارق، الطرق في الزّحام. الحال شبه جملة. - ويسهرُ رجالُ الأمن والمواطنون نائمون، فيطاردون الجريمةَ وهم معرَّضون للخطر. الحال جملة. تأتي الحال مفردة وجملة وشبه جملة -تماما كما كان الأمر في خبر المبتدأ- والأصل في الحال أن تكون مفردة، ويقابلها في ذلك شبه الجملة والجملة على التحديد التالي: الحال المفردة: هي ما كانت غير جملة ولا شبه جملة، وإن كانت مثناة أو مجموعة، تقول: "من حقّ العاملِ للمجتمع أنْ يعيشَ مستريحا" وتقول: "من حقِّ العاملين لخير المجتمع أن يعيشوا مستريحين" وكلا المثالين من نوع المفرد. شبه الجملة: يقصد بذلك أن تكون الحال ظرفا أو جارا ومجرورا، مثل قولك: "إن الحرمان وقتَ الحاجةِ أقَلّ أَلَمًا من العطاء مع المَنِّ" وتقول: "استمعتُ للنصيحة من لسانٍ مخلص"، قال ابن هشام: ويتعلقان "بمستقر أو استقر محذوفين". الجملة: هي ما تكونت من مسند ومسند إليه، سواء أكانت اسمية أم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 فعلية، تقول: "سهرتُ والناسُ نائمون" وتقول: "انتشر الناسُ في الأرْضِ يبتغون الرزق". هذا، ومن أهم شروط الجملة التي تقع حالا، فعلية أم اسمية، أن يكون بها رابط يربطها بصاحبها، وهذا الرابط واحد من أمور ثلاثة: أ- الواو: وتسمى "واو الحال" وعلامتها، كما يقول ابن عقيل، صحة وقوع "إذ" موقعها، تقول "ربَّما يتعبُ الجسمُ والضميرُ مستريحٌ وربما يرتاحُ الجسمُ والضميرُ مُتْعَبٌ" قال الله تعالى: {قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} 1. ب- الضمير وحده: ويقصد بذلك الضمير الذي يرتبط بصاحب الحال ويعود إليه، تقول: "يعيش العلماء في عصرنا حياتهم لغيرهم"، ومن ذلك قول القرآن: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} 2. ج- الواو والضمير جميعا: كقولك: "تتحرك عين المنافق وهي قلقة وتستقر عين المخلص وهي هادئة" ومن ذلك في القرآن: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} 3. ذلك أصل الموضوع، أن الرابط في الجملة قد يكون الواو فقط أو الضمير فقط أو الواو والضمير جميعا، ويستدرك على هذا الأصل الملاحظتان التاليتان: الأولى: أن الجملة الفعلية الواقعة حالا إذا كان فعلها مضارعا مثبتا، وتقدم عليها الحرف "قد" فإنها يجب أن يتقدم عليها "واو الحال" ولا تأتي   1 من الآية 14 من سورة يوسف. 2 من الآية 36 من سورة البقرة. 3 من الآية 243 من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 بدونها، مثل قول القرآن: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ} 1. الثانية: أن واو الحال يمتنع مجيئها مع بعض الجمل التي من أهمها ما يلي: 1- الجملة الفعلية المبدوءة بمضارع مثبت، مثل: "وقف المنتصرُ يبتسمُ وجلس المهزومُ ينتحبُ". 2- الجملة الفعلية المبدوءة بمضارع منفي بالحرف "لا" كقول الشاعر: ولو أنَّ قومًا لارتفاعِ قبيلةٍ ... دخلوا السماءَ دخلْتُها لا أُحْجَبِ2 3- الجملة الفعلية المبدوءة بمضارع منفي بالحرف "ما" كقول مسكين الدارمي: عَهِدْتُكَ ما تَصْبُو وفيكَ شَبيبةٌ ... فما لَكَ بعد الشَّيبِ صبًّا مُتَيَّمًا3 4- الجملة الحالية التي تأتي مؤكدة لمضمون الجملة قبلها، كقولنا: "هو الحقُّ لا شكَّ فيه" وقول القرآن: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً} 4.   1 من الآية 5 من سورة الصف. 2 يفخر بقومه، وبأنهم أسمى من كل القبائل، فلو طالت قبيلة السماء ودخلتها لكانت قبيلته. الشاهد: أن الجملة الفعلية "لا أحجب" تقدم عليها حرف النفي "لا" وهذه لا تأتي الواو رابطا معها. 3 الشاهد: أن جملة الحال الفعلية "ما تصبو" تقدم عليها حرف النفي "ما" وهذه لا تأتي الواو رابطا معها، فهي ممنوعة. 4 من الآية 2 من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 مسائل مهمة تتعلق بالحال: الأولى: مجيء الحال من المضاف إليه. لاحظ الأمثلة التالية: من آياتِ الله إمساكُ الأرضِ في الفضاء مُعَلَّقَةً. ومن أعظمِ آياته أن يستقرَّ ماءُ الأرضِ عليها مكوَّرَةً. ومن رائع حكمته أن يبقى هواءُ الأرضِ حولها جاذبةً له. من رأي جمهور النحاة أن الحال لا يأتي من "المضاف إليه" في اللغة العربية إلا إذا جاء "المضاف" على الصفات التالية: أ- أن يكون المضاف اسما يقوم بوظيفة الفعل "كالمصدر واسم الفاعل.. إلخ" مثل: "من آيات الله إمساكُ الأرضِ في الفضاءِ مُعَلَّقَةً" ومن ذلك قول مالك بن الريب: تقول ابنتي إنّ انطلاقَكَ واحدًا ... إلى الرّوْعِ يومًا تَارِكِي لا أَبَا لِيَا1 ب- أن يكون المضاف جزءا من المضاف إليه، مثل: "ومن أعظم آياته أنْ يستقرَّ ماءُ الأرضِ عليها مكوَّرَةً" ومن ذلك قول القرآن: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} 2. ج- أن يكون المضاف كجزء من المضاف إليه، مثل: "ومن رائع حكمته   1 الروع: الحرب. الشاهد: في الشطر الأول "إن انطلاقك واحدا" فإن الحال "واحدا" جاء من المضاف إليه وهو "ضمير المخاطب"؛ لأن المضاف "انطلاق" مصدر يعمل عمل الفعل، والضمير مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله. 2 من الآية 17 من سورة الحجرات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 أن يبقي هواء الأرض حولها جاذبة له" ومن ذلك قول القرآن: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} 1. هذا، ومن رأي أبي عَلِيّ الفارسي -وهو إمام نحوي جليل- جواز مجيء الحال من "المضاف إليه" مطلقًا دون هذه الصفات السابقة، ومن ذلك قول تأبّط شرًّا: سلبتَ سِلاحِي بائِسا وَشَتَمْتَنِي ... فيا خيْرَ مسلوبٍ ويا شرَّ سالبِ2 ويبدو أن لهذا الرأي الأخير وجاهته التي يؤيدها الاستعمال، إذ نقول: "نستقبل أضواءَ الصبَاحِ باكرًا" و"نستقبل أحداثَ اليومِ جديدا" و"نرى كلَّ يومٍ معالِمَ الحياةِ متجدِّدَة". الثانية: ترتيب جملة الحال. الأصل في اللغة العربية أنه يصح تأخر الحال عن عاملها وصاحبها ويصح توسطها بينهما أو تقدمها عليهما معا، وعلى ذلك فإن الصور الآتية كلها صحيحة لجملة واحدة. يذهبُ الطالبُ إلى الجامعة نشيطا. يذهب نشيطا الطالبُ إلى الجامعة. نشيطا يذهب الطالبُ إلى الجامعة. ومن ذلك قول عروة بن حزام:   1 من الآية 123 من سورة النحل. 2 الشاهد: في "سلبت سلاحي بائسا" حيث جاءت الحال "بائسا" من المضاف إليه "ياء المتكلم" ولم يكن المضاف على صفة من الصفات التي اشترطها النحاة، وهذا اتجاه مفيد منسوب لأبي على الفارسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 حلفتُ برب الراكعين لربهم ... خُشُوعًا وفوق الراكعين رقيبُ لئن كان بردُ الماءِ هيمانَ صاديًا ... إليّ حبيبًا إنها لحبيبُ1 فالكلمتان "هيمان، صاديا" حالان من ضمير المتكلم المجرور في "إلي" وهو متأخر. لكن، يستدرك على هذا الأصل الأمران التاليان: الأول: إذا كان الحال هو الاسم "كيف" فإنه يجب تقدمه. هذا، وينبغي التنبه إلى أن كلمة "كيف" اسم مبني على الفتح، وله -كما يقال- صدارة الكلام، وتستعمل -كما جاء في "مغني اللبيب"- كما يلي: 1- أن تكون أداة شرط غير جازمة، ويجيء بعدها فعلان متفقان في اللفظ والمعنى، مثل: "كيف تصنعُ أصنعُ". 2- أن تكون اسم استفهام -وهو الاستعمال الغالب فيها- فإن كانت الجملة بعدها تحتاج إلى خبر، أعربت خبرا، مثل قولنا: "كيف حالك؟ " و"كيف كانت ليلتك؟ " و"كيف علمت الحقيقة؟ ". فإن كانت الجملة بعدها لا تحتاج إلى خبر، أعربت حالا -وهذا هو المقصود هنا- ومن ذلك قول حافظ إبراهيم:   1 هيمان: مشتاق، صاديا: ظمآن، برد الماء: العذب. يقول: أحلف بالراكعين وربهم إنني مشتاق إليها ظامئ للقاها، فأنا أحبها حبي للماء وأنا راغب فيه ظمآن. الشاهد: في "هيمان صاديا" فهما حالان تقدمتا على صاحبهما، وفي ضمير المتكلم في "إلى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 كيفَ يَحْلُو من القويِّ التَّشَفِّي ... في ضعيفٍ ألقى إليه القيادا1 الثاني: يحب تأخر الحال في مواضع، أهمها أن يكون العامل "فعل تعجب، اسم تفضيل، اسم فعل، عامل معنوي" كما يلاحظ في الأمثلة التالية: ما أجْمَلَ القمرَ في ليالي الرّيف مشرقًا. هواءُ الرّيف أنفعُ الأشياءِ نقيًّا. فتلك هِبَاتُ الطبيعةِ لنا سخيَّةً. الثالثة: حذف عامل الحال. الأصل -كما سبق غير مرة- ألا يحذف من الكلام العربي شيء، وأن تكون كل أجزائه مذكورة، لكن في صناعة النحو صحة الحذف، ومن الأشياء التي تحذف أحيانا من جملة الحال عامل الحال، كما يلاحظ في النصوص التالية: - قول القرآن: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ، بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} 2. - قول العرب للقادم من الحج: "راشدًا مأجورًا". - قول العرب في التوبيخ: "أتميميًّا مرة وقيسيًّا أخرى". - قولنا بعد الطعام والشراب: "هنيئا لك".   1 من قصيدة حافظ إبراهيم في "مأساة دنشواي" وقد سيق البيت للتمثيل به. موضع التمثيل "كيف يحلو من القوي التشفي" فإن كلمة "كيف" اسم استفهام في محل نصب حال، ويجب تقديمه على عامله؛ لأن له صدارة الكلام. 2 الآيتان3، 4 من سورة القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 التمييز : 1- المقصود بالتمييز لدى اللغويين والنحاة، والموازنة بينه وبين الحال. 2- الأمور المبهمة التي يفسرها التمييز نوعان: أ- المفردات الأربعة المبهمة "الأعداد، المقادير، أشباه المقادير، فرع التمييز". ب- النسب الأربعة المبهمة "الفعل والفاعل، الفعل والمفعول، المبتدأ والخبر، النسبة مطلقا". التمييز لدى اللغويين والنحاة: عاشت حضارةُ العربِ أربعةَ عشر قرنا. وتأثر بها العالمُ ثقافةً وأخلاقًا. ويقررُ المؤرخون ذلك إنصافا وعدْلًا. ويشكك أعداءُ العرب فيها زُورًا وكذبًا. يقول اللغويون: الألفاظ الثلاثة "تمييز، تفسير، تبيين" بمعنى واحد فهي ألفاظ مترادفة تفيد توضيح الشيء وإزالة الغموض عنه، وبهذا المعنى ورد القرآن: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} بمعني: يفصل كلا منهما عن الآخر، فيتضح وحده، ويوم القيامة يقال: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} . أي: اظهروا وحدكم بلا خفاء ولا اختلاط. يقول ابن هشام: التمييز اسم نكرة فضلة جامد يرفع إبهام اسم أو إجمال نسبة ا. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 إذا تأملنا هذا التعريف اتضح لنا أنه يشتمل على صفات خمس لها يقع تمييزا هي على الترتيب: 1- أن يكون اسما. 2- أن يكون نكرة. 3- أن يكون فضلة. 4- أن يكون جامدا. 5- أن يوضح إبهام ما قبله. والأمور الأربعة الأولى قد مر تفسيرها -فيما سبق- فنحن قد عرفنا "الاسم والنكرة والفضلة والجامد" فلا حاجة إلى إعادة توضيحها، أما القيد الأخير ففي حاجة إلى توضيح؛ لأن فكرة التمييز تقوم عليه. إن التمييز -كما مر في المعنى اللغوي والنحوي- يبين شيئا مبهما في جملته أو بعبارة أخرى: يوضح أمرا غامضا في تلك الجملة، فيرفع الإبهام والغموض وهذا الشيء المبهم أو الغامض هو ما نسميه "الممَيَّز أو المفَسَّر" ولو أنه ذكر وحده دون التمييز لحارت النفس فيه، وذهبت بها حيرتها في كل اتجاه. إذا عاودنا النظرة إلى الأمثلة السابقة، وقلنا في المثال الأول: "عاشت حضارة العرب أربعة عشر" -هكذا دون التمييز- لأثار ذلك تساؤلا هو أي شيء هذه الأربعة عشر؟ "يوما، شهرا، أسبوعا، قرنا" فإذا ذكر التمييز "قرنا" ذهبت تلك الحيرة، وفي المثال الثاني لو قلنا: "تأثر بها العالم" -هكذا دون التمييز- لأثار ذلك تساؤلا هو: بأي شيء تأثر العالم؟! في "الحضارة، التخلف، العقيدة، الثقافة، الأخلاق، التاريخ؟! " كل هذه احتمالات لا تزول إلا بذكر التمييز، فإذا ذكر التمييز "ثقافة وأخلاقا" زالت هذه الاحتمالات جميعا، وبان الأمر، فقرّت النفس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 بين الحال والتمييز: بالنظر إلى الصفات التي يجب توافرها في كل من الحال والتمييز يمكن الموازنة بينهما نحويا بما يلي: أولا: يتفق كل من الحال والتمييز في أمرين: 1- كل منها نكرة لا معرفة. 2- كل منهما فضلة لا عمدة. ثانيا: يفترقان في أمرين: 1- الحال مشتق في الأصل، ولا يكون جامدًا إلا في مواضع خاصة والتمييز جامد دائما. 2- الحال يبين هيئة صاحبه، ويجيب عن السؤال بكلمة "كيف" أما التمييز فيوضح المبهم قبله، ويجيب عن السؤال "من أي جهة؟ ". الأمور المبهمة وأنواعها: تنقسم الأمور المبهمة التي يوضحها التمييز إلى صنفين: الصنف الأول: مفردات مبهمة تحتاج إلى ما يوضحها، ويسمى التمييز في هذه الحالة "تمييز المفرد" أو "تمييز الذات"؛ لأنه يفسر اسما مفردا يدل على ذات مبهمة. والمفردات التي تحتاج إلى التفسير والتوضيح أمور أربعة هي: 1- الأعداد من "11 - 99" -ولو جاءت مع المائة فما فوقها- لأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 هذه الأعداد يأتي بعدها التمييز منصوبا، كقول القرآن: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} 1 وقول زهير: سَئِمتُ تكاليفَ الحياةِ ومنْ يَعِشْ ... ثمانين حولًا لَا أبا لَكَ يَسأمِ1 2- أسماء المقادير: ويقصد بها ما يدل على مقدار منضبط وزنا أو كيلا أو قياسا تعارف عليه الناس وارتضوه للوزن أو الكيل أو القياس، ومن ذلك: - موازين: الطن، القنطار، الأقة، الكيلو، الرطل، الأوقية، الدرهم، الجرام. - مكاييل: الإردب، الكيلة، القدح، الجريب، الصاع. - مقاييس: الفدان، القيراط، السهم، القصبة، المتر، الياردة، الكيلو متر. كقولنا: "تزنُ القِلادَةُ أوقيّةً ذهبًا" أو "بعضُ الفلاحين يملك فقط فدانًا أرضًا فَيَغِلُّ عليه عددا من القناطير قُطْنًا وعددا آخر من الأرادب قمحًا". 3- أشباه المقادير: ويقصد بها ما تدل على مقدار غير منضبط وزنا أو كيلا أو قياسا، ولم يتعارف الناس عامة على استعمالها لذلك. تقول: "شربتُ بعد الإفطار كُوبًا شايًا بعد أن أضفتُ إليه إناءً لَبَنًا". فهذا يشبه الكيل، ومن كلام أهل الريف "نَمَا النباتُ حتى بلغَ باعًا طولًا ثم نَمَا حتى بلغ قامَةَ رجلٍ ارْتِفَاعًا" فهذا يشبه القياس، ومن كلام أبناء البلد: "اشتريتُ وَزْنَ حجرٍ عِنَبًا" فهذا يشبه الوزن، وقد جاء من ذلك ما يلي:   1 من الآية 4 من سورة يوسف. 2 سئمت: مللت وكرهت، لا أبا لك: جملة تستخدم الدعاء على الشخص قديما، كأنه قال: عدمت الأب وصرت مضيعا. الشاهد: في "ثمانين حولا" فإن المفسر إنما هو اسم العدد "ثمانين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 - قول القرآن: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} 1. "يشبه الوزن". - قول العرب: ما في السَّماء قدرُ راحةٍ سحابًا. "يشبه القياس". 4- أن يكون الاسم المبهم فرعا للتمييز، على معنى أن يكون التمييز المفسِّر هو الأصل، والمفسَّر بعضا منه، كقولنا: "هذا ثوبٌ حريرًا" أو "هذا خاتمٌ ذهبًا". الصنف الثاني: النسبة المبهمة بين شيئين في الجملة، أو بعبارة أخرى العلاقة المجملة -غير المفصلة- بين أمرين في الجملة، ويسمى التمييز في هذا الصنف "تمييز النسبة"؛ لأنه قد جاء ليوضح تلك النسبة المبهمة، وليفصل ويبين تلك العلاقة المجملة بين الشيئين في الجملة. والنسبة المبهمة أربعة أنواع: 1- النسبة المبهمة بين الفعل والفاعل، ويسمى التمييز في هذه الحالة "محوّلا عن الفاعل" كقولك: "انتصرت قضيّتُنَا عدْلًا" و "ارتفع طلابُ العلمِ في وطننا شأنًا" ومنه قول القرآن: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} 2. 2- النسبة المبهمة بين الفعل والمفعول ويسمى التمييز في هذه الحالة "محولا عن المفعول" كقول الفلاح: "زرعتُ الأرضَ شجرا" وقولي: "شرحتُ الكتابَ نحوًا" ومن ذلك قول القرآن: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً} 3. 3- النسبة بين الخبر والمبتدأ كقولنا: "المثقفُ أفضلُ من الجاهل خُلُقًا" وأيضا "الأساتذةُ أفضلُ من الناسِ عِلْمًا" ومنه قول القرآن: {أَنَا أَكْثَر   1 من الآية 7 من سورة الزلزلة. 2 من الآية 4 من سورة مريم. 3 من الآية 12 من سورة القمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} 1 ويسمى التمييز في هذه الحالة "محولا عن المبتدأ". 4- النسبة المبهمة مطلقا: وهي النسبة المبهمة في الجملة غير الأمور الثلاثة السابقة، ويسمى التمييز في هذه الحالة مفسرا للنسبة المبهمة فقط، وهو "غير محول" عن غيره. وقد ورد هذا النوع الأخير -غير المحول- في نماذج من الأمثلة ترد غالبا في موقف التعجب والتأثر، ومن ذلك: - قول العرب: "لله دَرُّهُ فارِسًا" أسلوب تعجب سماعي، فارسا: تمييز. - قولنا: "أكرمْ بِهِ أبًا" أسلوب تعجب قياسي، أبا: تمييز. - قولنا: "ما أشْجَعَهُ رَجُلًا" أسلوب تعجب قياسي، رجلا: تمييز. - ما ينسب للأعشى من قوله: بانَتْ لِتَحْزُنَنَا عَفَارَهْ ... يَا جَارَتَا ما أنتِ جَارَهْ2 يقول ابن هشام عن هذا البيت "ما" استفهام مبتدأ و "أنت" خبره، والمعنى "عَظُمْتِ" كما يقال: "زيدٌ وما زيدٌ" أي شيء عظيم، و "جارة" تمييز، وقيل: "ما" نافية، و "أنت" اسمها و "جارة" خبر ما الحجازية أي: لست جارة، بل أنت أشرف من الجارة، والصواب الأول ا. هـ. وبعد: فلعلنا بعد هذا العرض للمفردات المبهمة وأنواعها، وللنسب المبهمة وصورها يمكننا أن نفهم وأن نشرح عبارة "ابن هشام" المشهورة بين المشتغلين بالنحو وهي "التمييز يرفع إبهام اسم أو إجمال نسبة" بعد أن مر علينا بالتفصيل الأسماء المبهمة والنسب المجملة.   1 من الآية 34 سورة الكهف. 2 بانت: بعدت وفارقت، عفاره: اسم الحبيبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 أساليب الاستثناء : 1- المقصود بأسلوب الاستثناء لغة ونحوا، مع بيان أجزاء جملته التي يتكون منها 2- المقصود بالمصطلحات النحوية الأربعة "الكلام التام، الكلام الموجَب، المستثنى المتَّصِل، المستثنى المنقَطِع". 3- المستثنى بعد الحرف "إلا" يتبع ما قبله أو ينصب بحسب أساليبه المختلفة. 4- المستثنى بالاسمين "غير، سوى" مجرور دائما وتعرب الكلمتان إعراب ما بعد "إلا". 5- المستثنى بالكلمات "خلا، عدا، حاشا" ينصب إذا اعتبرت أفعالا، ويجر إذا اعتبرت حروفا. 6- مسألة تكرار "إلّا". أسلوب الاستثناء وأجزاؤه: ينصُرُ المواطنون بلادَهم إلا الخونة. لا يشمتُ الناس في الضّعيف إلا اللؤماء. يحترم الصادقون آراءَهم إلا الكذوب. في حياتنا العادية الدارجة تتردد كلمات لها صلة بهذا الموضوع، إذ يقال حين محاباة شخص دون المجموعة بشيء ما "دا يا عمّ مستثنى من المجموعة" ويقصد بذلك أنه متفرد عنها لا يسري عليه ما يسري عليها، وأشهر العبارات بين المثقفين عن ذلك "الاستثناء يثبت القاعدة" على معنى أن لكل شيء شذوذه، وأن بعض الأشياء أو الناس قد تخرج عما هو مقرر لأمثالها، وذلك لا يخل بالقاعدة؛ لأنه طبيعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 يقول اللغويون: الاستثناء في اللغة هو الإخراج مطلقا بالقول أو بالفعل فالطالب الذي يطلب منه عدم الاشتراك في الرحلة، فيترك زملاءه استثني من مجموعهم، وخرج عن زمرتهم. أما لدى النحاة: فأسلوب الاستثناء هو الأسلوب الذي يتحقق فيه الإخراج بواسطة أداة من أدوات الاستثناء "إلا وأخواتها"، ففي المثال "ينصر المواطنون بلادهم إلا الخونة" هذا أسلوب استثناء متكامل، إذ خرج "الخونة" من "المواطنون" الذين ينصرون وطنهم بواسطة الأداة "إلا" وتتكون جملة الاستثناء المتكاملة من الأمور التالية: المستثنى: هو الاسم الواقع بعد أدوات الاستثناء، ويحدد علميا بأنه الاسم المخرج من أمثاله الذين تقرر لهم حكم خاص في الجملة قبل أداة الاستثناء وهو في الأمثلة السابقة على التوالي "الخونة، اللؤماء، الكذوب". أدوات الاستثناء: هي كلمات خاصة تستعمل في الجملة لتفيد إخراج ما بعدها من حكم ما قبلها، وهي بالتحديد "إلا، غير، سوى، خلا، عدا، حاشا" وهناك أداتان أخريان "ليس، لا يكون" وقد مر ذكرها في النواسخ. المستثنى منه: ويقع قبل أدوات الاستثناء، ويحدد علميا بأنه الاسم العام الذي ينسب له الحكم في الجملة ومنه يكون إخراج المستثنى، وهو في الأمثلة السابقة على التوالي "المواطنون، الناس، الصادقون". الحكم: هو المعنى الذي ينسب للمستثنى منه -إثباتا أو نفيا- بحيث يكون إخراج المستثنى من المستثنى منه إخراجا من هذا الحكم في الوقت نفسه وهو في الأمثلة السابقة مستفاد من "ينصر، لا يشمت، يحترم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 وهنا ينبغي التنبه إلى أمرين: الأول: أن أدوات الاستثناء ليست حروفا كلها، بل منها حروف وأسماء وأفعال، كما سيأتي. الثاني: أن المستثنى ليس منصوبا دائما، بل يكون منصوبا ومرفوعا ومجرورا، كما سيأتي بالتفصيل. المصطلحات النحوية الأربعة: الكلام التام: هو -كما جاء في كتب النحو- ما كان المستثنى منه مذكورا فيه، كقولنا: "أخلص أهل المدينة للرسول إلا اليهود" وتقول: "ينامُ أهلُ القاهرةِ إلا رجالَ الأمن". الكلام الموجب: هو ما لم يتقدمه في جملته نفي أو نهي أو استفهام كقولك: "سهرتُ الليلَ غير ساعة" فإن تقدمه نفي أو نهي أو استفهام سمي "كلاما غير موجب" كقولك: "لا يشمتُ الناسُ في الضعيفِ إلا اللؤماء" وأيضا "هل يهابُ الناسُ الأعداءَ إلا الجبناء". المستثنى المتصل: يقصد به ما كان المستثنى من جنس المستثنى منه بأن يكون المستثنى منه من وادٍ واحد، بحيث إذا لم يذكر المستثنى في الكلام كان معناه متضمنا في المستثنى منه، كقولك: "أدَّيتُ الصلواتِ في أوقاتِها إلا الفجر". المستثنى المنقطع: يقصد به أن يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه، على معنى أن المستثنى والمستثنى منه ليسا من صنف واحد، بحيث إذا ذكر المستثنى منه، ثم ذكر المستثنى بعده، كان وروده على الذهن غريبا، كقولنا: "يتحمَّلُ الرجالُ مَشَاقَّ الحياةِ إلا المرأة وتتحمَّلُ النساءُ تربيةَ الأطفالِ إلا الرجل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 ويمثل النحاة لذلك بمثال يجسد الفكرة ويقربها وهو "شَرِبَ الخيلُ إلا حمارا" فمن الواضح أن "الحمار" ليس من جنس الخيول. بعد هذه المقدمة الضرورية لمعرفة جملة الاستثناء وما يطلق عليها من مصطلحات نحوية ندرس أدوات الاستثناء متوالية من حيث كيفية ورود كل منها في الكلام العربي، وأحكام المستثنى مع كل منها رفعا ونصبا وجرًّا. الاستثناء بالحرف "إلا": يجب التنبه إلى أن "إلا" حرف استثناء مبني، وليست فعلا ولا اسما وهي أشهر أداة من أدوات الاستثناء، والاسم الذي يقع بعدها يختلف الحكم عليه باختلاف الأسلوب الذي ترد فيه. والجملة التي ترد فيها "إلا" في الكلام العربي تأتي على صور ثلاث تفصيلها في الآتي: الصورة الأولى: أورقت الأشجارُ إلا واحدةً. تُمْتِعُنَا فصولُ العامِ إلا الصَّيفَ. تحلو فتراتُ العمرِ إلا الشيخوخةَ. أن ترد في كلام تام موجب، ومن البيِّن -بعد ما تقدم- أن المراد بهذه الصورة أن يكون المستثنى منه مذكورا والكلام خالٍ من النفي والنهي والاستفهام، وفي هذه الصورة يجب نصب المستثنى، كما ترى في الأمثلة السابقة من نصب الكلمات "واحدة، الصيف، الشيخوخة" وجوبا، ومن ذلك قول القرآن: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ} 1 {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ   1 من الآية 249 سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ} 1 وقول الشاعر: لكلِّ داءٍ دَوَاءٌ يُسْتَطَبُّ به ... إلّا الحماقةَ أعْيَتْ من يُدَاوِيها2 الصورة الثانية: لا تُرى الكواكبُ بالعين المجردة إلا القمر. لا تُرى النجومُ بالعين المجردة إلا القمر. ما بقيتْ فرصُ الحريةِ إلّا القتال. ما بقيتْ المساعي السّلميةُ إلا القتال. أن يكون الكلام تاما غير موجب، بأن يكون المستثنى منه مذكورا في الكلام، وتقدمه نفي أو نهي أو استفهام، وفي هذه الصورة تفصيل كما يلي: أولا: إذا كان الاستثناء متصلا -بأن كان المستثنى من جنس المستثنى منه- صح في المستثنى أمران: أ- الإتباع للمستثنى منه في إعرابه رفعا ونصبا وجرا، فيعرب -على الرأي الراجح- بدلا منه، بدل بعض من كل، والبدل كما سيأتي أحد التوابع. ب- النصب على الاستثناء، فيكون ما بعد "إلا" منصوبا كما في الصورة الأولى. ففي المثال "لا تُرى الكواكبُ بالعين المجردة إلا القمر" يصح في كلمة "القمر" الإتباع للكلمة "الكواكب" بدلا منها، فترفع، كما يصح   1 من الآيتين 30، 31 سورة الحجر. 2 معنى البيت: لكل داء دواء يشفيه، والحماقة داء، لكن لا دواء لها. الشاهد: في "لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة" فإن كلمة "الحماقة" مستثنى واجب النصب؛ لأنه ورد مع "إلا" في كلام تام موجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 نطقها بالنصب على الاستثناء، ومثله أيضا "ما بقيتْ فرصُ الحريةِ إلا القتال" كلا الوجهين إذن جائز في المستثنى المتصل، لكن الأفصح في اللغة هو الإتباع، وعلى ذلك جاء نطق الحجازيين والتميميين، وأيدته قراءات القرآن. - من القرآن: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} 1 قرئت"قليل" بالرفع والنصب. - من القرآن: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} 2 قرئت "امرأتك" بالرفع والنصب. قال ابن هشام: فإن كان متصلا، جاز في المستثنى وجهان، أحدهما -وهو الراجح- أن يعرف بإعراب المستثنى منه على أن يكون بدلا منه بدل بعض من كل، والثاني النصب على أصل الاستثناء، وهو عربي جيد والإتباع أجود منه ا. هـ. ثانيا: إذا كان الاستثناء منقطعا، بأن كان المستثنى من غير جنس المستثنى منه، فقد ورد عن العرب ما يلي: أ- أهل الحجاز يلتزمون نصبه، ويصف النحاة هذه اللغة بأنها اللغة العليا. ب- بنو تميم يرجحون نصبه، والإتباع لديهم جائز وهو أقل فصاحة ففي المثال "لا تُرَى النُّجٌومُ بالعين المجرَّدةِ إلا القمر" فإن المستثنى "القمر" ينصب وجوبا على لغة أهل الحجاز، وعلى لغة بني تميم الأفصح نصبه أيضا لكن يصح رفعه إتباعا لكلمة "النجوم" ومثله أيضا المثال "ما بقيت المساعِي السلميةُ إلا القتال".   1 من الآية 66 من سورة النساء. 2 من الآية 81 سورة هود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 ولكل من النطقين ما يؤيده من شواهد اللغة: فقد وردت قراءات القرآن على لغة الحجازيين في التزام النصب في الآيتين: - {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} 1. - {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} 2. لكن ورد على لغة بني تميم شعر فصيح وفيه الإتباع، ومن ذلك قول الراجز: يا ليتني وأنت يا لَمِيسُ في بلدةٍ ليس بها أنيسُ إلا اليَعافيرُ وإلّا الْعِيسُ3 ثالثا: هذا التفصيل السابق إنما هو في المستثنى المتأخر عن المستثنى منه أما إذا تقدم على المستثنى منه، فيجب نصبه سواء أكان متصلا أم منقطعا لا فرق بين الاثنين في ذلك، وقد أوردت معظم كتب النحو الشاهد التالي في مدح آل البيت، قال الكميت: وما لِيَ إلّا آلَ أحمدَ شِيعَةٌ ... وما لِيَ إلّا مَذْهَبَ الحقِّ مَذْهَبُ4   1 الآيتان 19، 20 سورة الليل. 2 من الآية 157 سورة النساء. 3 اليعافير: البقر الوحش، العيس: الإبل. أمنية غريبة حبيبة: أن يكون مع حبيبته "لميس" في بلدة لا أحد فيها إلا البقر الوحش والإبل. الشاهد: "ليس بها أنيس إلا اليعافير" فهذا كلام تام غير موجب منقطع وقد جاء المستثنى "اليعافير" بالرفع على الإتباع، وهذا جائز في لغة بني تميم. 4 الشاهد في هذا البيت: تقدم المستثنى على المستثنى منه في كلا الشطرين فيجب نصبه، وقد ورد منصوبا في الشطرين "ما لي إلا آل أحمد شيعة" وأيضا "ما لي إلا مذهب الحق مذهب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 بنصب كلمة "آل" في الشطر الأول، ونصب كلمة "مذهب" في الشطر الثاني. الصورة الثالثة: لا يكذبُ إلا الجبانُ. فلا يعرف القويُّ إلا الصراحةَ. ولا يتحدّثُ إلا بالصدقِ. أن يكون الكلام غير تام وغير موجب، والمقصود بهذه الصورة إذن أن يكون الأسلوب خاليا من المستثنى منه، وأن يتقدمه نفي أو شبهه، كما ترى في الأمثلة السابقة. في هذه الصورة تصبح "إلّا" ملغاة لا عمل لها، ويقول عنها النحاة في الإعراب: "إلا: أداة استثناء ملغاة لا عمل لها" ويعرب الاسم الذي بعدها بحسب ما يقضي به نظام الجملة، فإن احتاجت إلى فاعل أو نائب فاعل رفع وإن احتاجت لاسم منصوب نصب، وإن احتاجت لاسم مجرور جاء مجرورا ففي المثال: "لن يفيدَ إلا النضالُ" كلمة "النضال" فاعل مرفوع، وفي الجملة "هل يخسر اللاجِئُ إلا خيمتَه" كلمة "الخيمة" منصوبة مفعول به، وفي الجملة "لا تُنْصِتَ إلا للكلامِ المفيد" الفعل لازم، فاحتاج إلى جار ومجرور هو "للكلام". وينبغي الإشارة هنا إلى أمرين مهمين: الأول: أن النحاة يطلقون على هذه الصورة -غير التام وغير الموجب- أحد مصطلحين "الاستثناء المفرغ، أو الاستثناء الناقص" ولكل من التسميتين تسويغه لديهم، فهو استثناء مفرّغ -كما يقول ابن هشام- لأن ما قبلها قد تفرغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 للعمل فيما بعدها، وهو استثناء ناقص؛ لأن جملة الاستثناء نقصت ركنا مهما من أركانها هو "المستثنى منه". الثاني: أن العلامة التي تُعرف بها هذه الصورة من الاستثناء أن تحذف "إلا" مع حرف النفي أو شبهه ويبقى الكلام سليما والجملة متكاملة، فتقول مثلا في: "لن يفيد إلا النضال" تقول: "يفيد النضال" وهكذا. المستثنى بالاسمين "غير وسوى": ينبغي التنبه إلى أن الكلمتين "غير، سوى" من الأسماء المعربة والأولى معربة بحركات ظاهرة، والثانية معربة بحركات مقدرة؛ لأنها اسم مقصور. ويتلخص رأي النحاة في أساليب الاستثناء بهما في العبارتين التاليتين: أ- المستثنى مجرور بهما دائما بالإضافة إليهما. ب- الكلمتان "غير، سوى" اسمان معربان، وحكمهما في الإعراب حكم الاسم الواقع بعد "إلا" بحسب أساليبه المختلفة التي سبق شرحها. فلنتأمل الأمثلة الآتية: - أشرقت الشمسُ كلَّ ساعاتِ النَّهارِ غيرَ ساعةٍ. - أضاءتْ مصابيحُ الشارعِ سوى مصباحٍ. تام وموجب. - ما وَطِئ القمرَ بشرٌ غير بضعةِ رجالٍ. - ما فازَ الكَسَالَى سوى المُجِدِّ. تام وغير موجب. - ما فازَ سوى المجِدِّ. - {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَة} . مفرغ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 في الأمثلة السابقة جاء المستثنى بعد الكلمتين "غير، سوى" مجرورا دائما بالإضافة إليهما، أما الكلمتان أنفسهما "غير، سوى" فقد خضعتا في الإعراب لما يخضع له الاسم الواقع بعد "إلا" ففي الكلام التام الموجب يجب نصبهما على الاستثناء، وفي الكلام التام غير الموجب يتبعان ما قبلهما أو ينصبان بحسب نوع المستثنى متصلا أو منقطعا وما ورد من اختلاف النطق بين الحجازيين والتميميين، وفي الاستثناء المفرغ يعربان بحسب ما يقتضيه سياق الكلام قبلهما، ويمكن تطبيق هذا الفهم على هاتين الكلمتين في الأمثلة السابقة. وقد ورد من شواهد الاستثناء المفرغ مع كلمة "سوى" قول الفَنْد الزِّمَّاني: فلما صرَّحَ الشَّرُّ ... وأمسى وهْوَ عُريانُ ولم يبقَ سوى العُدوا ... نِ دِنَّاهم كما دَانُوا وقول أبي دهبل الجمحي: أأتركُ لَيْلَى ليس بيني وبينها ... سوى ليلةٍ إنِّي إذنْ لصبورُ2   1 صرح الشر: بان وظهر، وهو عريان: كناية عن ظهوره أيضا، العدوان: الظلم، دناهم كما دانوا: عاقبناهم بما يعاقبونا به. يقول: حين أعلن الشر بيننا وبين أعدائنا، ولم يبق غيره، عاقبناهم كما يعاقبوننا، وظلمناهم كما يظلموننا. الشاهد: في "لم يبق سوى العدوان" وردت "سوى" في كلام مفرغ فتعرب بحسب ما يقتضيه سياق الكلام، وسياق الكلام يقتضي أن تكون فاعلا للفعل قبلها، أما المستثنى "العدوان" فهو مجرور. 2 الشاهد: في "ليس بيني وبينها سوى ليلة" جاءت "سوى" في استثناء مفرغ، فهي اسم "ليس" مؤخر، إذ تعرب بحسب سياق الكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 المستثنى بالكلمات "خلا، عدا، حاشا": سَيَفْنَى كلُّ شيءٍ في الحياةِ ما خلا وجهَ الله. وكلُّ ابنِ آدمَ خطّاءٌ ما حاشا الأنبياءَ. ويغفرُ الله كلَّ الذنوبِ ما عدا الشّركَ بالله. يرى النحاة أن هذه الكلمات الثلاث "خلا، عدا، حاشا" تستعمل أفعالا جامدة ماضية أو حروف جر، وهذا غريب!! إذ كيف تستعمل الكلمة الواحدة فعلا مرة وحرف جر مرة أخرى!. لكن، يبدو أن لكلام النحاة توجيها صحيحا؛ لأنهم حين استقر أول الأساليب العربية التي ترد فيها هذه الكلمات، وجدوا أن الاسم بعدها يرد منصوبا أحيانا ومجرورا أحيانا أخرى، وفي حالة نصبه بعدها وجدوها تقبل بعض علامات الأفعال، مثل تاء التأنيث فيقال: "خلتْ، عدتْ" ومن ذلك العبارة المأثورة عند العرب من قولهم: "عدت القبيلةُ طورها" وهي لا تكون إلا مع الأفعال، بخلاف ما إذا ورد الاسم بعدها مجرورا فإنها لا تقبل هذه العلامات، فحكموا بأنها أفعال في الاستعمال الأول وحروف في الاستعمال الثاني. والخلاصة أن الأسلوب الذي ترد فيه هذه الأدوات أفعالا يختلف عن الأسلوب الذي ترد فيه حروفا للجر، فلا غرابة إذن في قول النحاة ولا تناقض. إذا تقرر ذلك فإن الذي يلخص أساليب الاستثناء بهذه الكلمات عبارة واحدة هي "إنما ينصب المستثنى بعدها إن قدرتها أفعالا، ويجر إن قدرتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 حروفا جارة للمستثنى" وتفصيل هذه العبارة المختصرة يتحقق في الصور الثلاث التالية: الأولى: أن يتقدم على هذه الكلمات الثلاث "ما: المصدرية" فتكون أفعالا قطعا؛ لأن "ما المصدرية" لا تدخل إلا على الأفعال: وحينئذٍ يجب نصب المستثنى بعدها على أنه مفعول به لهذه الأفعال، كقولنا: "سيفنى كلُّ شيءٍ ما خلا وجهَ الله" وقولنا: "كلُّ ابنِ آدمَ خطّاءٌ ما حاشا الأنبياءَ". ومن ذلك: - قول لبيد: ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ ... وكلُّ نعيمٍ لَا مَحَالَةَ زائلُ1 - ما ينسب للرسول: "أسامة أحب الناس إليّ ما حاشا فاطمة" 2. الثانية: ألا يتقدم عليها "ما المصدرية" وتعتبر أفعالا، حينئذٍ ينصب المستثنى بعدها أيضًا على أنه مفعول به، فنقول: "سيفنى كلُّ شيءٍ خلا وجهَ الله" ونقول: "كلُّ ابنِ آدمَ خطّاءٌ حاشا الأنبياءَ". الثالثة: ألا يتقدم عليها "ما المصدرية" وتعتبر حروفا للجر، حينئذٍ يجب جر المستثنى بعدها بها، تقول: "سيفْنَى كلُّ شيءٍ خلا وجهِ الله". وتقول: "كلُّ ابنِ آدمَ خطّاءٌ حاشا الأنبياء".   1 مر هذا البيت من قبل، وقد جاء هنا شاهدا في الاستثناء في "ما خلا الله". تقدمت "ما: المصدرية" على الفعل "خلا" فنصب المستثنى بعده مفعولا به. 2 بحثت عن هذا الحديث -قدر جهدي- فلم أجده، وقد ساقه الأشموني بأسلوب الشك، وحوله كلام كثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 تكرار "إلّا": "المجموعة الأولى". - اخضرت أشجار الحديقة إلا واحدة إلا أوراقها - أثمرت أشجار الحديقة إلا شجرة برتقال وإلا شجرة ليمون. "المجموعة الثانية". - أثمرت أشجار الحديقة إلا شجرة برتقال إلا شجرة ليمون. - ما نضجت الثمار في الحديقة إلا ثمرة برتقال إلا ثمرة ليمون. - ما نضج من الثمار إلا ثمرة برتقال إلا ثمرة ليمون. تأتي "إلا" مكررة، إذ يجيء بعد "إلا" الأولى واحدة أحرى أو اثنان أو أكثر، فيكون حكمها النحوي كالآتي: أولا: أن يأتي بعد "إلا" المكررة ما يكون "بدلا" مما قبله، أو "معطوفا عطف نسق" على ما قبله، وحينئذٍ توجَّه الجملة نحويا كما يلي: 1- تعامل "إلا" الأولى بحسب الأصل في صوره المختلفة التي سبقت دراستها، بل إنها لتتعين لذلك. 2- تعتبر "إلّا" المكررة بعد الأولى "ملغاة" تفيد التوكيد فقط، ويعبر عنها في الإعراب "إلا: حرف توكيد ملغاة" وما بعدها بدل أو معطوف على ما قبله، كما ترى في مجموعة الأمثلة الأولى "راجعها وطبّق عليها ما فهمت". ثانيا: أن تتكرر "إلا" ولا يكون ما بعدها "بدلا أو عطف نسق" وحينئذٍ يوجه حكمها النحوي كالآتي: 1- تعامل "إلا" الأولى بحسب الأصل في صوره المختلفة التي سبقت دراستها، وجاء في "أوضح المسالك": إنها لا تتعين لذلك بل تترجح. 2- تعتبر "إلا" المكررة عاملة، فينصب ما بعدها على الاستثناء واحدا أو أكثر "راجع مجموعة الأمثلة الثانية، وطبق عليها ما فهمت". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 أساليب النداء: تمهيد: النداء ونوع جملته: النداء في اللغة معناه: دعوة المخاطب للانتباه والاستماع بأيّ لفظ كان. والنداء لدى النحاة: الدعوة إلى الانتباه والاستماع بواسطة حروف خاصة يطلق عليها حروف النداء، وهي "يا: وأخواتها". والمنادى: هو الذي وجهت له الدعوة من إنسان أو غيره من الأشياء إذا افترضت فيها الحياة والفهم. لكن، لماذا اعتبرت جملة النداء ملحقة بالجملة الفعلية؟ لقد سبق أن الجملة في النحو إما اسمية أو فعلية، وجملة النداء تؤدي معنى كاملا، ولا تندرج تحت واحدة من هاتين الاثنتين، فإذا قلنا: "يا محمد" أدت هذه الجملة معنى كاملا، وليست فعلية ولا اسمية. لذلك حاول النحاة قسرها على الدخول تحت الجملة الفعلية باعتبار المعنى إذ وجدوا أن "يا محمد" تساوي من حيث المعنى "أدعو محمدا" وما دامت بمعناها فهي مثلها، بل إن بعض النحاة اعتبر الحرف "يا" في الإعراب بمنزلة الفعل "أدعو" ودرس "ابن هشام" باب " النداء" في بعض كتبه بعد "المفعول به" مباشرة، فقال: "ومنه المنادى". هذا الافتراض السابق يمكن مناقشته ونقضه، فإن الجملتين "يا محمد" و "أدعو محمدا" مختلفتان لفظيا كالآتي: - يا محمد: أداة نداء + اسم بعدها. - أدعو محمدا: فعل + فاعل مستتر + مفعول به. فجملة النداء بالتحليل اللغوي مستقلة عن الجملة الفعلية، ولذلك آثرتُ دراستها "ملحقة بالجملة الفعلية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 ما ألحق بالجملة الفعلية : النداء على الأصل : 1- حروف النداء مع ذكر معانيها في نداء القريب والبعيد وشواهدها من الكلام العربي. 2- حرف النداء "يا" يصح حذفه من الكلام، والمنادى قد يحذف في مواضع خاصة. 3- الأسماء التي تنادى هي "المفرد العلم، النكرة المقصود، النكرة، غير المقصودة، المضاف، الشبيه بالمضاف". 4- حكم المنادى المضاف لياء المتكلم والمضاف إلى مضاف للياء. 5- كيفية نداء الاسم المعرف بالألف واللام. حروف النداء: أهم حروف النداء ستة أحرف هي: "الهمزة، أيْ، يا، أيَا، هَيَا، وا" وأشهرها تداولا بيننا الحرف "يا"، وإليك هذه الحروف الستة ومعانيها وشواهدها. أ- الهمزة: لنداء القريب، وقد ذكر السيوطي أنه "قد جمع من كلام العرب أكثر من ثلاثمائة شاهد للنداء بالهمزة، وأنه قد أفرد هذا الموضوع بتأليف" ومن شواهدها: - قول امرئ القيس: أجارتَنا إن الخطوبَ تنوبُ ... وإنِّي مُقيمٌ ما أقامَ عَسيبُ1 أجارتَنا إنّا غريبانِ ههُنا ... وكلُّ غريبٍ للغريبِ نسيبُ   1 الخطوب: الأحداث، عسيب: الجبل الذي مات الشاعر عند سفحه في بلاد الروم. الشاهد: في البيتين أن الهمزة للنداء في "أجارتنا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 2- أي: اختلف حولها الرأي في استعمالها لنداء القريب أو البعيد فمن رأي المبرد -وهو إمام نحوي جليل- أنها لنداء القريب، ومن رأي ابن مالك أنها لنداء البعيد، ورأي المبرد -فيما أرجح- هو الأقرب لاستعمال اللغة، ومن ذلك: - قول الرسول يناجي ربّه: "أي ربّ، إن لم يكنْ بك غضَبٌ عليَّ فلا أبالي". - قول أعرابية توصي ابنها: "أيْ بنيّ، إيَّاك والنميمةَ، فإنها تزرع الضّغينةَ وتُفَرِّقُ بين المحبين". 3- يا: يقول ابن مالك: "وللمنادى النائي أو كالنائي "يا" فمن رأيه إذن أنها لنداء البعيد فقط، وهناك آراء أخرى، فيقول أبو حيان -وهو إمام نحوي جليل- "هي أعم الحروف وتستعمل للقريب والبعيد مطلقا". ويرى ابن هشام مثل هذا الرأي في قوله: "وأعمها "يا" فإنها تدخل على كل نداء". والمتأمل لاستعمال الحرف "يا" في النداء يصح لديه أنها تستعمل حقا للقريب أو البعيد بلا تفريق، تقول لصديقك: "يا محمد" فتناديه سواء أكان قريبا منك أم بعيدا عنك، وشواهدها أكثر من أن تحصى. - حين ظفر الرسول بقريش قال لهم: "يا معشرَ قريش ما تظنون أني فاعلٌ بكم"، قالوا: خيرًا، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريم، قال: "اذهبوا فأنتم الطُّلَقَاء" ا. هـ. فلا شك أن الرسول كان يخاطبهم وهم بالقرب منه، بدليل أنهم أجابوه حين سألهم. 4- أيا: يبدو أنها -كما يقول ابن مالك- لنداء البعيد، ومن شواهدها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 - قول المجنون: أَيَا شِبْهَ لَيْلَى لا تُرَاعِي فإنني ... لك اليومَ من وَحشِيَّةٍ لصديقُ1 5- هَيَا: يبدو أيضا أنها تستعمل لنداء البعيد، وهي تماثل الحرف السابق "أيا" والهمزة والهاء يتبادلان صوتيا في اللغة العربية، لأنهما من مخرج واحد، كقولنا "هَيَا محمدُ تعالَ". ويتلخص هذا الموضوع في الآتي: أ- الهمزة: لنداء ما هو قريب، وكذلك "أي" على الرأي الراجح الذي يؤيده الاستعمال ب- يا: لكل من القريب والبعيد على الرأي الراجح الذي يؤيده الاستعمال. ج- أيا، هيا: لنداء البعيد دون خلاف يستحق الذكر. ويبقى حرف واحد هو "وا" ويستعمل في أسلوب خاص للنداء هو أسلوب الندبة، وسيأتي ذكره هناك. حذف حرف النداء: ينبغي التنبه إلى أن هذا الحكم خاص بالحرف "يا" وحده دون أخواته فالأصل في حرف النداء أن يكون مذكورا، وهذا ما ينطبق على كل حروف النداء غير "يا" أما هذا الحرف فقد ورد في استعمال اللغة محذوفا تخفيفا واختصارا؛ لكثرة دوران استعماله على الألسنة، ومن شواهد حذفه: - قول القرآن: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} 2. - قول القرآن: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} 3.   1 أيا شبه ليلى: يقصد الظبية، لا تراعي: لا تخافي، وحشية: وحشة وانفراد. الشاهد: في "أيا شبه ليلى" باستعمال الحرف "أيا" للنداء. 2 من الآية 29 من سورة يوسف. 3 الآية 31 من سورة الرحمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 - قول الشاعر: أحقًّا عبادَ اللهِ أن لستُ صادِرًا ... ولا وارِدًا إلا عَلَيَّ رقيبُ1 ففي هذه الشواهد وأمثالها حذف حرف النداء "يا" جوازًا، ولو ذكر لكان الكلام واردا على الأصل دون اعتراض. لكن يصبح هذا الحذف واجبا في كلمة "اللهم" وهي مكونة من لفظ الجلالة "الله" ومن ميم مشددة متصلة به جاءت عوضا عن حرف النداء المحذوف، وهذه الكلمة -بهذه الصورة- هي المستعملة بكثره في نداء اسم الله تعالى، ويقل أن يستعمل لفظ الجلالة وحده دون الميم المشددة. فإذا استعملت الصورة الأولى "اللهمّ" وجب حذف حرف النداء ويشذ ذكره، وإذا استعملت الصورة الثانية "الله" وجب ذكر حرف النداء ويشذ حذفه، فلنتأمل الشواهد الآتية: - قول القرآن: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} 2. - قول أمية بن أبي الصلت: رضِيتُ بك اللَّهمَّ ربًّا فلن أُرَى ... أدينُ إلاهًا غَيرَكَ اللهُ ثانيا3   1 الشاهد: في "عباد الله" حيث حذف حرف النداء "يا" وأصل الكلام: "أحقا يا عبد الله". 2 من الآية 26 من سورة "آل عمران". 3 هذا بيت من أبيات التوحيد التي كان يقولها "أمية بن أبي الصلت" مع أنه لم يسلم. الشاهد: استخدم في الشطر الأول "اللهم" بحذف حرف النداء "ياء" وهذا أصل في تلك الكلمة مع الميم المشددة، ثم حذف حرف النداء من "الله" في الشطر الثاني، وهذا خلاف الأصل؛ لأن لفظ الجلالة بدون الميم إذا نودي فإنه يجب ذكر حرف النداء معه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 حذف المنادى: الأصل في المنادى أن يكون مذكورًا لكنه قد ورد محذوفًا في الكلام العربي أحيانا، وذلك في الموضعين الآتيين: أولا: إذا ورد بعد حرف النداء "يا" فعل أمر أو فعل ماضٍ قُصِدَ به الدعاء، فيلزم حينئذٍ تقدير منادى بين حرف النداء والفعل، كقولك: "كان الحادثُ مروّعًا يا أجَارَكَ الله، مستغيثا بك يا رَعَاكَ الله". ومن ذلك: - قراءة الكسائي: "أَلا يَا اسْجُدُوا لِلَّهِ"1 بنطق "اسجدوا" فعل أمر. - قول الفرزدق: يَا أَرْغَمَ اللهُ أنْفًا أنتَ حَامِلُهُ ... يا ذَا الخَنَى ومَقَالِ الزورِ والخَطَلِ2 ثانيا: إذا ورد بعد الحرف "يا" أحد الحرفين "ليت، رب" فيقدر بين حرف النداء وهذين الحرفين منادى محذوف، ومما ورد لذلك الشواهد الآتية: - قول القرآن: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} 3. - قول الرسول: "يا ربَّ كاسيةٍ في الدّنيا عَارِيَةٌ يومَ القِيَامَة" على أنه ينبغي أن نتنبه للملاحظة المهمة الآتية أخيرا عن حذف المنادى   1 من الآية 25 من سورة النمل. 2 تقدم هذا البيت ضمن مقطوعة كاملة، والاستشهاد هنا لدخول "يا" على الفعل "أرغم" فيقدر لها منادى محذوف. 3 من الآية 26 من سورة يس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 فإن بعض النحاة يرى أن المنادى لا يحذف مطلقا، وأن "يا" في الموضعين السابقين إنما هي "حرف تنبيه" ولا علاقة لها بالنداء. الأسماء التي تنادى: الأسماء التي تنادى أو أنواع المنادى خمسة، وإليك هذه الخمسة وحكمها حين تنادى من حيث البناء والإعراب: المفرد العلم: يقصد هنا بالمفرد -كما هو في باب لا: النافية للجنس- ما ليس مضافا ولا شبيها بالمضاف وإن كان مثنى أو مجموعا، ويقصد بالعلم -كما مر في باب المعرفة والنكرة- ما دلّ على مسماه دون واسطة، وذلك مثل "محمد، خالد، فاطمة" أو "محمدان، فاطمتان" إلخ. النكرة المقصودة: هو الاسم الذي يكون لفظه نكرة، بحيث يمكن إطلاقها على أفراد كثيرين، ولكن واحدا من هؤلاء الأفراد يتعين بظروف الكلام، أو بتعريف النحاة: "هي التي يقصد بها واحد معيَّن مما يصح إطلاق لفظها عليه ا. هـ" فلنفترض مثلا محاكمة سياسية، يشير فيها الادّعاء إلى أحد المتهمين قائلا: "يا خَائِنُ أنتَ تَسْتَحِقُّ الإعْدَامَ" أو في محاكمة عادية يقول الادعاء فيها: "يا مُجْرِمُ، لا بدَّ أنْ يَقْتَصَّ منكَ المُجْتَمَعُ" فمن الواضح أن لفظي "خائن، مجرم" نكرتان، لكن معناهما تحدد بظروف الكلام، فقصد بهما أحد الأشخاص. هذان النوعان "المفرد العلم، النكرة المقصودة" حين يناديان يبنيان على ما يرفعان به، فتقول مثلا: "يا مُحَمَّدُ" بالبناء على الضم، وتقول: "يا مُحَمَّدَانِ" بالبناء على الألف و: "يا مُحَمَّدُونَ" بالبناء على الواو. النكرة غير المقصودة: هي التي تبقى شائعة دون تحديد لفظا ومعنى أو بتعريف النحاة: "هي التي نقصد بها واحدا غير معين مما يصح إطلاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 لفظها عليه ا. هـ" ومن ذلك ما يقوله خطيب المسجد، والمسجد غاصٌّ بالناس: "يا غَافِلًا تَنَبَّه، ويا ظَالِمًا لَكَ حِسَابٌ عَسِيرٌ" وما يقوله متسوّلٌ أعمى مثلا: "يا مُحْسِنِينَ لله". المضاف: هو -كما مر في باب "لا النافية للجنس": ما كمل معناه بواسطة اسم آخر مجرور هو "المضاف إليه" كقولنا: "يا صَدِيقَ العُمرِ" أو: "يا طَالِبَ العِلْمِ" أو قول المؤمن داعيًا: "يا رَبَّ السَمَاوَاتِ والْأَرْضِ". الشبيه بالمضاف: هو -كما مر في باب "لا النافية للجنس": ما كمل معناه بواسطة ما يأتي بعده مما له صلة به غير المضاف بالمضاف إليه، كقولنا مثلا: "يا مُتَطَلِّعًا لِلْمَجْدِ اجْتَهِدْ" أو: "يا قَارِئًا الكَفَّ، هذا دَجَل" أو: "يا طَيِّبًا قَلْبُه، لَكَ الْجَنَّة". وحكم هذه الثلاثة "النكرة غير المقصودة، المضاف، الشبيه بالمضاف" أنها تنصب وهي معربة، فهي إذن تنصب بالفتحة كقولنا: "يا طَالِبَ العِلْمِ" أو ما ينوب عنها كالياء مثلا في المثنى إذا قلت: "يا طَالِبَي العِلم، اجْتَهِدَا" أو بالألف في الأسماء الستة كقولنا: "يا ذا المال، أنفق على المحتاجين" وهكذا. فلنحاول التعرف على نوع المنادى في النصوص التالية: - قول القرآن: {يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} 1. - قول العرب قديما: "يا عَظِيمًا يُرْجَى لِكُلِّ عَظِيم، ويا حليمًا لا يعجل ويا جوادًا لا يَبْخَل".   1 من الآية 32 سورة هود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 - قول عبد يغوث الحارثي: أيا راكبًا إمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ... نَدامَايَ من نجرانَ أنْ لا تَلَاقِيَا1 المنادى المضاف لياء المتكلم، والمضاف إلى مضاف للياء المنادى المضاف إلى ياء المتكلم، كقولك: "يا صَاحِبِي" و "يا صَدِيقِي" و "يا حَبِيبِي" هو نوع من المنادى المضاف، فهو إذن منصوب، لكن بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم. لكن العرب استخدموا هذا النوع من المنادى بالذَّات على خمسة وجوه، أو بعبارة أخرى وردت فيه خمس لغات هي: 1- صورة الأصل وهي إثبات الياء الساكنة: كقولنا: "يا صديقِي" ومنه قول القرآن: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} 2. 2- إثبات الياء مفتوحة: كقولنا: "يا صديقِيَ" ومن ذلك قول القرآن: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} 3. 3- حذف الياء وإبقاء الكسرة دليلا عليها: كقولنا: "يا صَدِيقِ" ومنه   1 عرضت: معناه مررت عرضا بأهلي وبلدي، نداماي: أصحابي في أوقات البهجة. يقول وهو سجين: أيا راكبا، إن مررت بأهلي وأصدقائي، فبلغهم رسالة من سجني في "نجران" بأننا لن نتلاقى، لأنني أتوقع النهاية في هذا السجن!! الشاهد: في "أيا راكبا" المنادى نكرة غير مقصودة، لأنه لا يقصد راكبا معينا، ولذلك جاء منصوبا. 2 من الآية 68 سورة الزخرف. 3 من الآية 53 سورة الزمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 قول القرآن: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} 1. 4- قلب ياء المتكلم ألفا مع قلب الكسرة قبلها فتحة، كقول المهمل: "يا أَسَفَا على مَا فَاتَ" وقول القرآن: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} 2. 5- حذف الألف مع بقاء الفتحة قبلها: كقولنا: "يا صَاحِبَ" على أن المراد "يا صاحبِي". هذا: والنحاة يلاحظون الصورة الأصلية -التي تثبت فيها الياء- حين يعربون الصور الأخرى، وبعبارة أخرى أوضح: أنهم يفرضون الصورة الأصلية على بقية الصور، ويتحدثون عن تلك الصور صناعة باعتبار أنها تطور نطقي للصورة الأصلية هكذا: يا صديقِ: "صديق" منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف. يا صديقًا: "صديقا" منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفا والمفتوح ما قبلها. يا صديقَ: "صديق" منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفا المحذوفة تخفيفا والمفتوح ما قبلها. ولعل أحسن ما نختم به هذه الفكرة قول "ابن مالك" ملخصا هذه اللغات كلها: واجعلْ منادى صحَّ إن يُضَفْ لِيَا ... كَعَبْدِ عَبْدِي عَبْدَ عَبْدا عبدِيَا أما المنادى المضاف إلى مضاف للياء مثل "يا ابنَ خالِي" و "يا ابن   1 من الآية 16 من سورة الزمر. 2 من الآية 56 من سورة الزمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 أخي" و "يا صديقَ صديقِي" فليس فيه إلا لغتان هما إثبات الياء سواء أكانت مفتوحة أم ساكنة. ويستثنى من ذلك تعبيران في اللغة العربية هما "ابن عمِّي، ابن أمِّي" -إذا نوديا- فقد ورد عن العرب في المضاف للياء اللغات السابقة في المنادى المضاف لياء المتكلم، فلنلاحظ الآتي: - قول أبي زيد الطائي يرثي أخاه: يا ابنَ أمِّي ويا شُقَيِّقَ نفسِي ... أنت خَلَّفْتَني لدهرٍ شَدِيد1 - قوله تعالى: {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} 2 بفتح الميم وكسرها. ويلاحظ هنا أيضا أن الصورة الأولى -بإثبات الياء- تتحكم ذهنيًّا في إعراب الصور الأخرى، كما حدث في المضاف إلى الياء. كيفية نداء الاسم المعرف بالألف واللام: من المتعذر نطقا أن يجمع بين حرف النداء "يا" وما فيه الألف واللام من الأسماء، فمن العسير على اللسان أن ينطق "يا الإنسانُ" أو "يا المُجِدُّ" ومن الواضح أن السبب هنا صوتي هو: تلاقي ساكنين: ألف "يا" والحرف الساكن في الاسم المعرف بالألف واللام. تخلصا من هذا الثقل لجأت اللغة العربية إلى كلمات تعتبر وسائط بين   1 الشاهد: قوله: "يا ابن أمي" فالمنادى مضاف إلى مضاف إلى الياء وقد ثبتت الياء في كلمة "أمي" وهذه إحدى اللغات في هذه العبارة. 2 من الآية 150 من سورة الأعراف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 حرف النداء وما فيه "أل" وهي كما يلي: 1- إحدى الكلمتين "أيّ، أيّة" فتقول: "يا أَيُّهَا المُجَاهدُ" أو "يا أَيَّتُهَا الزَّمِيلَةُ" وجاء في القرآن: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} 1، وقوله: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} 2. 2- اسم الإشارة الخالي من كاف الخطاب، كقول أحد الزّهاد: "يا هذه الدُّنْيا غُرِّي غَيْرِي". 3- كل من الكلمتين "أيّ + اسم الإشارة" كقولك في خطاب لصديقك: "يا أيّهذا الصديقُ إليك تحياتي" ومنه قول ذي الرمة: ألا أيُّهذا المنزلُ الدَّارسُ الذي ... كأنَّك لَمْ يعْهَدْ بِك الحَيَّ عَاهِدُ3 هذا، وقد جاء في الأشموني نصا عن إعراب ما فيه "أل" بعد "أي، أية" ما يلي: ظاهر كلام ابن مالك أنه صفة مطلقا -وقد قيل عطف بيان- وقيل إن كان مشتقًّا فهو نعت، وإن كان جامدا فهو عطف بيان، وهذا أحسن ا. هـ. إعراب: يا أيُّهَا المُجَاهِدُ: يا: حرف نداء، أيّ: منادى مبني على الضم في محل نصب، ها: حرف تنبيه، المجاهد: صفة كلمة "أي" على اللفظ مرفوع بالضمة أو عطف بيان، والأول أحسن. إعراب: يا أيُّها الإنسانُ: كلمة "أيها" مثل السابق، الإنسان: صفة أو عطف بيان، والأخير أحسن "ما فيه "أل" بعد اسم الإشارة مثل السابق".   1 الآية 6 من سورة الانفطار. 2 الآية 27 من سورة الفجر. 3 الشاهد في "ألا أيهذا المنزل" فأصله: "ألا يا أيهذا المنزل" قبل حذف "يا" وأخذ هذا الأصل في نداء ما فيه الألف واللام "المنزل" فكانت الوسيلة "أيهذا" المكونة من "أي + اسم الإشارة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 أسلوب الاستغاثة : 1- المقصود بأسلوب الاستغاثة كما يراه النحاة. 2- الصور التي ترد عليها جملة الاستغاثة في الاستعمال العربي. لاحظ الأمثلة الآتية: يا لَلطّبيبِ لِلْمَريضِ. يا لَرجالِ المطافئِ لِلْحَريقِ المروّعِ. يا عُمَرَا لِلظُّلمِ والطغيان. يا صلاحَ الدينِ لِلقُدْسِ الضائعة. معنى الاستغاثة: يقول ابن هشام: من أقسام المنادى المستغاث به، وهو كل اسم نودي ليخلّص من شدة أو يعين على دفع مشقَّة ا. هـ. وعلى ذلك فأسلوب الاستغاثة يقصد به: ما اشتمل على منادى القصد من ندائه أن يخلص من شدة أو يعين على دفع مشقّة، ويتضح هذا في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يا لَلَّهِ لِلمسلمين" فلا شك أن عمر قال ذلك والمسلمون في شدة أو مشقّة -بعد أن طعنه أبو لؤلؤة- فهو يستغيث بالله ليخلصهم من هذه الشدة أو المشقة، وكما نرى تحقق هذا الأسلوب في كل الأمثلة السابقة. صور الاستغاثة: تأتي جملة الاستغاثة على ثلاث صور هي: الصورة الأولى: وهي الصورة الأصلية في الاستغاثة، وتتكون من: حرف الاستغاثة "يا" وبعده المستغاث به مجرورا بلام مفتوحة، ثم المستغاث له مجرورا بلام مكسورة كقولنا: "يا لَلطبيبِ لِلمريضِ" وكما مر من قول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 عمر: "يا لَلَّهِ للمسلمين". وفي هذه الصورة إذا عطف على المستغاث به مستغاث به آخر، بأن كانت الاستغاثة باثنين لا بواحد، كان المستغاث به الثاني مثل الأول تماما إن تكرر معه حرف الاستغاثة فيجر بلام مفتوحة مثله، كقولنا "يا لَلْعربِ ويا لَلْمسلمين لِلْمقدّساتِ الدّينية" ومن ذلك قول الشاعر: يا لَقومِي ويا لَأمثالِ قومي ... لأُناس عُتُوُّهم في ازديادِ1 أما إذا لم تتكرر "يا" مع المستغاث به الثاني، فإنه يجر بلام مكسورة كقولنا في المثال السابق "يا لَلْعربِ ولِلْمسلمين لِلْمقدَّسات الدينية" ومن ذلك قول الشاعر: يبكيك ناءٍ بعيدُ الدَّارِ مغترب ... يا لَلْكهولِ ولِلشُّبّانِ للْعَجَبِ2   1 عتوهم: طغيانهم وظلمهم. يقول: إنني أستغيث بقومي وأمثالهم في النجدة والفتوة لتأديب هؤلاء المتجبرين الطغاة. الشاهد: في "يا لقومي ويا لأمثال قومي لأناس" أسلوب استغاثة، تكرر فيه المستغاث به، وكررت "يا" مع المستغاث به الثاني، فكان مثل الأول حيث جر بلام مفتوحة مثله. 2 ناء: بمعنى: بعيد الدار ومغترب، الكهول: الكهل: ما جاوز الأربعين سنة. البيت في الرثاء ومعناه: إنه لعجب أن تموت، وليبك عليك الغرباء المنقطعون عن أهلهم وما لهم. الشاهد: في: "يا لَلكهول ولِلشبان للعجب" أسلوب استغاثة، تكرر فيه المستغاث به دون تكرر الحرف "ياء" معه، ولذلك كسرت لام الجر مع المستغاث به الثاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 الصورة الثانية: وتتكون جملة الاستغاثة فيها من حرف الاستغاثة "يا" ثم المستغاث به خاليًا من اللام في أوله لكن يلحقه ألف في آخره تسمى "ألف الاستغاثة" ثم المستغاث له مجرورا بلام مكسورة. فهذه الصورة لا تختلف عن الأولى إلا في المستغاث به، حيث إنه في الأولى مجرور بلام مفتوحة، أما هنا فهو خالٍ من اللام وفي آخره الألف، كما تختلف هذه الصورة عن الأولى في الاستعمال العربي، فهي أقل من الأولى استعمالا، وذلك كقولنا: "يا ربَّا للشاكين المحزونين" وكقول الشاعر: يا يزيدا لآمِلٍ نيلَ عزٍّا ... وغِنًى بعد فَاقَةٍ وهَوَانِ1 الصورة الثالثة: وتتكون أيضًا من حرف الاستغاثة "يا" ثم المستغاث به خاليًا من كل من اللام في أوله أو الألف في آخره، ثم المستغاث له مجرورا باللام المكسورة. ومن البيّن أن هذه الصورة تختلف عن الصورتين السابقتين في المستغاث به أيضا، حيث يخلو من اللام والألف، ويصبح -من الناحية النحوية- منادى عاديًّا وإن أفاد معنى الاستغاثة، وهذه الصورة أقل استعمالا في الاستغاثة من الصورتين السابقتين كقولنا: "يا شعبَنَا الشجاعَ لِلْمعتدين الغزاة". يقول ابن هشام عن هذه الصورة نَصًّا: وحينئذٍ يجري على المستغاث به حكم المنادى، فتقول على ذلك: "يا زيدُ لِعمرو" بضم زيد، و: "يا عبدَ الله   1 آمل: من عنده الأمل، فاقة: فقر، هوان: ذلة. يقول: إنك موضع الأمل للغنى والعز بعد الفقر والذل. الشاهد: في "يا يزيدا لآمل نيل عز" أسلوب استغاثة، جاء المستغاث به متصلا بالألف في آخره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 لزيد" بنصب عبد الله، قال الشاعر: ألَا يا قومِ لِلْعَجَبِ العَجِيبِ ... ولِلْغَفَلَاتِ تعْرِضُ للأريبِ1 والخلاصة في الفرق بين الصور الثلاث: "أن المستغاث به قد يجر بلام مفتوحة أو تلحقه ألف في آخره أو يتجرد من اللام في أوله والألف في آخره".   1 الأريب: العاقل الحكيم. الشاهد: في "يا قوم للعجب العجيب" أسلوب استغاثة، المستغاث به خلا من اللام في أوله والألف في آخره، فعومل معاملة المنادى الأصل، وأصله "يا قومي" وحذفت ياء المتكلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 أسلوب النُّدْبة: 1- المقصود ب أسلوب الندبة كما يراه النحاة. 2- الصور التي ترد عليها جملة الندبة في الاستعمال العربي. - صاحت السيدة زينب رضي الله عنها بعد موقعة كربلاء: "وَا مُحَمَّدَاه، هذا الحسينُ بالعَراء، وبناتُكَ سَبَايَا، وذرّيّتُكَ مُقَتَّلَة، تَسفِي عليها الصَّبا". - صاحت البسوس حين علمت بقتل ناقتها: وا ذُلَّاه يا بني بكر إنَّكم رِعَاع وضيفكم مُضاع. - صاحت امرأة مسلمة أسيرة في وجه من أسروها من الروم: وا مُعْتَصِمَاه وا مُعْتَصِمَاه. - من العبارات الشائعة: وا ثكلاه، وا إسلاماه، وا أُمَّاه، وا قلباه، وا رأساه، وا ظهراه، وا حسرتاه. أسلوب الندبة: جاء في القاموس المحيط: "ندب الميت، إذا بكى عليه وعدّد محاسنه"، فالبكاء على الميت والحديث عنه أثناء هذا البكاء يسمى "ندبًا له" وهذا المعنى هو الذي يشير إليه الشاعر بقوله: رأيتُ رجالًا يكرهون بناتِهم ... وفيهنَّ لا تُعْدَمْ نساءٌ صوالحُ وفيهن والأيام يعثرن بالفتى ... نوادِبُ لا يَمْلَلْنهُ ونوائحُ وحتى الآن نسمع في القرى عن "الندابة" وهي التي تغشى المآتم فتشعل قلوب النساء نارا، وتستدر دموعهن مدرارًا، بما تقوله عن الميت من كلام مؤثر ومثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 أما أسلوب الندبة لدى النحاة فيحدده ابن هشام بقوله: المندوب هو المنادى المتفجَّع عليه أو المتوجَّع منه ا. هـ. وأسلوب الندبة إذن هو الأسلوب الذي يشتمل على منادى متفجع عليه أو متوجع منه، والذي يستعمل له من حروف النداء هو: "وا" مطلقا أو "يا" إذا فهم من الأسلوب الندبة. والمتفجع عليه عادة هو الميت حقيقة كما يقول الحزين لفقد أمه: "وا أماه" وقد يكون المتفجع عليه حيًّا، لكنه ينزل منزلة الميت، لأنه لم يقم بعمل كان من الواجب أن يقوم به، فيجعل حينئذٍ بمنزلة الميت، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن نفسه وقد أخبر بجدب أصاب المسلمين: "وا عُمَرَاه، وا عُمَرَاه" يقول ذلك متفجعا على نفسه، فكأنه مفقود، وكما قالت المرأة المسلمة في أسر الروم: "وا معتصماه، وا معتصماه" تعتبره مفقودا، لأسرها وإهانتها من أعداء المسلمين وهو خليفة للمسلمين. وأما المتوجع منه فقد يكون مكان الألم، كقولنا: "وا قلباه، وا ظهراه" وقد يكون المتوجع منه ما يثير الألم، كقولنا: "وا مصيبتاه، وا هزيمتاه". صور جملة الندبة: الصور التي ترد عليها جملة الندبة ثلاث مرتبة في الاستعمال العربي على الترتيب التالي: الصورة الأولى: تتكون من حرف الندبة "وا، يا" ثم المندوب متصلة به ألف الندبة التي تقتضي فتح ما قبلها، ثم تلي الألف هاء تسمى "هاء السكت" ساكنة حين الوقف ومتحركة حين الوصل! وذلك كقولنا: "وا رأسَاه، وا ذُلَّاه" وقول المتنبي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 وا حرَّ قلباه ممّن قَلبُه شبم ... ومن بجسمِي وحَالِي عنده سَقَمُ1 الصورة الثانية: تتكون من حرف الندبة "وا، يا" ثم المندوب متصلا به ألف الندبة دون هاء السكت، كقولنا: "وا رأسَا، وا ذلَّا" ومن ذلك قول جرير يرثي عمر بن عبد العزيز: حُمّلْتَ أمرًا عظيما فاصْطَبَرْتَ له ... وقمتَ فيه بأمرِ الله يا عُمَرَا2 وقول المجنون: فوا كبِدا من حُبِّ من لا يحبُّني ... ومن عَبَرَاتٍ ما لهنَّ فَنَاءُ3 الصورة الثالثة: تتكون من حرف الندبة "وا، يا" ثم المندوب المنادى فقط دون ألف أو هاء، وحينئذٍ يعامل المنادى المندوب معاملة المنادى   1 الشبم: "بكسر الباء" البارد، حالي: ما عليه الإنسان من خير وشر، ويقصد: النفس، السقم: "بفتح السين والقاف" المرض. يندب حظه وقلبه، فقلبه حار متوقد، وقلب حبيبه بارد خامد، ويقول إنني سقيم النفس والجسد ولا أحد مثلي. موضع التمثيل: قوله: "وا حر قلباه" حيث اتصل بآخر المندوب الألف وهاء السكت، وأصل العبارة "وا حر قلب". 2 أمرا عظيما: الخلافة وأمر المسلمين وأمانة الأمة، اصطبرت له: تحملت مشقة حمله. الشاهد: في "يا عمرا" حيث أدخل على المندوب ألف الندبة في آخره دون الهاء. 3 العبرات: الدموع الحارة، ما لهن فناء: ما لهن انتهاء. الشاهد: في "وا كبدا" فالمندوب مكان الألم "الكبد"، وقد لحق بآخره ألف الندبة فقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 الأصلي تمامًا، فيبنى على الضم إذا كان مفردا، كقولنا: "وا محمدُ" وينصب إذا كان مضافًا، كقولنا: "وا أميرَ الشعراء" وما يمثل به النحاة من قولهم: "وا أميرَ المؤمنين". هذه الصور -كما ترى- تختلف في استعمال المندوب من حيث اتصال الألف والهاء به أو اتصال الألف به فقط، أو تجرده منهما معا. والصورة الأولى أكثر استعمالا، تليها الثانية في الكثرة والأخيرة أقلها ولعل السبب في ذلك أن المقام الذي يرد فيه هذا الأسلوب هو -كما سبق- مقام التفجع، والتوجع، فيحتاج لإطالة الصوت واتصال الأنين والصورة الأولى أنسب لذلك، تليها الثانية، ثم الثالثة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 أسلوب الترخيم : 1- معنى كلمة الترخيم في اللغة والمقصود به لدى النحاة. 2- كيفية ترخيم المنادى ويشمل: أ- ترخيم المنادى المختوم بتاء التأنيث وغير المختوم بها. ب- حذف حرف أو حرفين أو كلمة كاملة منه. ج- لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر بعد الحذف. 3- ترخيم غير المنادى في ضرورة الشعر. معنى الترخيم: جاء في القاموس: رخُم الكلام ككرم فهو رخيم، لان وسهل كرخَمَ كنَصَر والجارية صارت سهلة المنطق، فهي رخيمة ورخيم، ومنه الترخيم في الأسماء؛ لأنه تسهيل للنطق ا. هـ. وفي أساس البلاغة: كلام رخيم ورخيم الحواشي: رقيق ا. هـ. ويستخلص من ذلك أن الترخيم في اللغة معناه: التليين والتسهيل والرقة ويبدو أن النحاة قد راعوا هذه المعاني حين حددوا معنى الترخيم اعتبارًا للظروف التي يرد فيها في المنادى، إذ يرد في مقام اللين والرقة، ويقصد به غالبا التدليل للصغار أو الأحباب أو الأصدقاء، ويستدعي ذلك تخفيف النطق وتسهيله بحذف آخر الكلام. لذلك عرف الترخيم بما يقوله ابن هشام: "من أحكام المنادى الترخيم، وهو حذف آخره تخفيفا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 ثم علق على ذلك بقوله: وهي تسمية قديمة، وروي أنه قيل لابن عباس إن ابن مسعود قرأ: "ونَادَوا يا مالِ" يقصد "مالك" خازن النار، فقال: ما كان أشغلَ أهل النار عن الترخيم ا. هـ. وكأنما يقصد ابن هشام من هذا التعليق، أن إطلاق لفظ الترخيم على حذف آخر المنادى تسمية قديمة قبل أن يطلقها عليه النحاة فيما بعد، فقد أطلقها العرب قبل النحاة، وهذا أمر يحتاج إلى تحقيق أكثر من ذلك. كيفية ترخيم المنادى: ينبغي أولا معرفة ما يرخم من الأسماء التي تنادى بلا شروط وما لا يرخم إلا بشروط، وهي خطوة ينبغي معرفتها قبل القيام بالترخيم، ثم تأتي خطوة أخرى لمعرفة كمية الحروف التي تحذف من الاسم حين القيام بترخيمه وأخيرًا معرفة شكل آخر الاسم المرخم بعد أن حذف منه ما حذف. هي إذن خطوات ثلاث ينبغي منطقيًّا فهمها بهذا الترتيب، وينبغي نحويًّا معرفتها جميعا متضامنة لفهم الطريقة التي نحصل بها على الاسم المرخم في صورته النهائية، وإليك شرحها بهذا الترتيب. أ- ترخيم المنادى المختوم بالتاء والمجرد منها إذا كان المنادى مختوما بتاء التأنيث جاز ترخيمه مطلقا بلا شروط ومعنى ذلك أن المختوم بالتاء يصح ترخيمه سواء أكان مفردا علما كقولنا في "فاطمة، عائشة": "يا فاطمَ ويا عائشَ" أم كان نكرة مقصودة كقولنا في "مُهملة ومُسلمة": "يا مُهملَ ويا مُسلمَ" وسواء أكانت التاء واردة بعد ثلاثة أحرف فأكثر كالأمثلة السابقة أم كانت واردة بعد أقل من ثلاثة أحرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 مثل "هِبَة" فتنادى مرخمة "يا هِبَ" كما يستوي في ذلك المختوم بالتاء أن يكون عَلَمًا لمؤنث كما سبق أو عَلَمًا لمذكر كما نقول في "معاوية، طلحة": "يا معاويَ، يا طلحَ"، هذا هو المراد بالإطلاق. ومن شواهد ذلك ما يلي: قول امرئ القيس: أفاطمَ مهْلًا بعضَ هذا التدلُّلِ ... وإن كنتِ قد أزْمَعْتِ صَرْمِي فأجْمِلي1 قول عنترة: يدعون عنترَ والرّماحُ كأنها ... أشطانُ بئر في لَبَانِ الأدْهمِ2 أما إذا كان المنادى غير مختوم بالتاء، فقد اشترط النحاة لجواز ترخيمه أن تجتمع له الصفات التالية، وهي:   1 التدليل: بمعني "الدلال" وهو جرأة المرأة على الرجل في رقة، أزمعت صرمي: عزمت على مقاطعتي وفراقي، فأجملي: فترفقي في ذلك. يقول: كفى يا فاطمة هذا التدلل عَلَيَّ، فقد أتعبتني، فإن كنت عازمة على الفراق، فليكن فراقا جميلا. الشاهد: في "أفاطم" أصلها "أفاطمة" فهو منادى به تاء التأنيث، ورخم بحذف التاء. 2 أشطان بئر: الحبال التي تربط الدلاء لتنزح الماء من البئر، لبان: -بفتح اللام والباء- صدر، الأدهم: الفرس. يقول: إنني أعرف وقت الشدة، فحين يشتد القتال، وتصير الرماح في صدور الجياد كالحبال في البئر يبحثون عني وينادون باسمي. الشاهد: في "عنتر" وأصله "يا عنترة" حذفت منه "يا" حرف النداء وحذفت تاء التأنيث اللفظي منه للترخيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 1- أن يكون المنادى علما أو نكرة مقصودة، وفي الثاني منهما كلام طويل لا حاجة إليه هنا. 2- أن يكون المنادى مبنيا على الضم، فلا يصح الترخيم في نحو "يا محمدان، يا محمدون" والأول يبنى على الألف، والثاني يبنى على الواو. 3- أن يكون على أربعة أحرف فأكثر. فلا بد إذن لصحة الترخيم من اجتماع هذه الشروط الثلاثة، وذلك مثل "أحمد، جعفر" تقول فيهما مرخمين: "يا أحْمَ، يا جعفَ" وكذلك "سعاد، زينب" تقول: "يا سُعَا، يا زَيْنَ". ومن ذلك قول الشاعر: يا حَارِ لا أرْمين منكم بداهيةٍ ... لم يَلْقَهَا سُوقَةٌ قبلي ولا مَلِكُ1 وقول الآخر: يا صاحِ إمَّا تجدْني غيرَ ذي جِدَةٍ ... فما التَّخَلِّي عن الخلّانِ من شِيَمِي2   1 الداهية: المصيبة العظمى، سوقة: عوام الناس. الشاهد: في "يا حار" أصله "يا حارث" ورخم بحذف التاء، وقد استوفى الشروط المطلوبة فيما خلا من تاء التأنيث. 2 جدة: غنى، الخلان: الأصدقاء والأحباب، شيمي: طبيعتي وخلقي. يقول: إن أكن غير غني فأنا شهم، لا أترك إخواني وأصدقائي في وقت الشدة، وليس هذا من طبيعتي وأخلاقي. الشاهد: في "يا صاح" أصلها "يا صاحب" فحذفت الياء للترخيم، وهو مستوف للشروط فيما خلا من تاء التأنيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 ب- ما يحذف حين الترخيم: يحذف للترخيم من آخر المنادى حرف واحد أو حرفان أو كلمة كاملة. أما حذف حرف واحد فهو الأصل في الترخيم، وهو الكثير الغالب ومن ذلك الكلمات "عائشة، فاطمة، نادية، أحمد، خالد" فنقول فيها على الترتيب: "يا عائشَ، ويا فاطمَ، ويا ناديَ، ويا أحمَ، ويا خالِ". ومن ذلك ما قرئ في القرآن حكاية عن كلام أهل النار: "وَنَادَوْا يَا مَالِ"1 بحذف الكاف، وقد مرّ قول ابن عباس عن ذلك: "ما كان أشغل أهلَ النار عن الترخيم" لأنه يأتي في مقام التدليل، وأهل النار في مقام الجزع والندم. أما حذف حرفين من آخر الكلمة حين الترخيم فلا يتحقق إلا في الاسم الذي اجتمعت في حروفه الصفات التالية: 1- أن يكون الاسم المرخم على خمسة أحرف فصاعدا. 2- أن يكون الحرف الذي قبل الحرف الأخير معتلا ساكنا. 3- أن يكون هذا الحرف زائدا لا أصليا. ومن الكلمات التي اجتمعت فيها هذه الشروط "مروان، أسماء، نعمان، منصور" فنقول حين تنادى مرخمة "يامروَ، يا أسمَ، يا نُعْمَ، يا منصُ" ومن ذلك الشواهد الآتية:   1 الآية 77 سورة الزخرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 - قول الفرزدق: يا مروُ إن مَطِيَّتي محبوسةٌ ... ترجو الحِبَاءَ وربُّها لم يَيْأسِ1 - قول لبيد: يا أسمَ صبرًا على ما كان من حَدَثٍ ... إن الحوادثَ ملقيٌّ ومنتظَرُ2 أما حذف كلمة كاملة فإنما يكون في حالة واحدة هي المركب المزجي إذا نودي، فالعرب قديما يقولون في "معد يكرب": "يا مَعْدِي" حين الترخيم. والخلاصة: أن الأصل في الاسم حين يرخم أن يحذف منه حرف واحد وذلك بلا شروط، وأن حذف حرفين منه يكون في أسماء خاصة تقدمت صفاتها، وأن حذف كلمة لا يكون إلا في المركب المزجي فقط. ج- لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر: "من ينتظر ومن لا ينتظر" هاتان صفتان لاستعمالين عربيين للاسم المرخم بعد أن حذف من آخره ما حذف، فلأيّ شيء يكون الانتظار أو عدم الانتظار؟ من الواضح أن الاسم المنادى بعد أن حذف منه ما حذف صار كلمة   1 مطيتي: ما يمتطى ويركب من الدواب، محبوسة: واقفة ببابك، الحباء: العطاء، ربها: صاحبها، لم ييأس: لم يصبه اليأس من عطائك. الشاهد: في "يا مرو" أصله "يا مروان" فحذف منه حرفان، وقد استوفى الشروط اللازمة لحذفهما. 2 حدث: نازلة من نوازل الدهر. يقول: يا أسماء، لنصبر على أحداث الحياة، فإنها ستصيبنا حتما، ونحن منها بين أمرين، إما أن تحدث وتمضي، وإما أن تأتي مستقبلا ولا بد أن تأتي. الشاهد: "يا أسم" أصلها "يا أسماء" فرخم بحذف حرفين منه، وقد استوفى شروط حذف الحرفين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 مشوهة ناقصة الحروف، كما أن الحرف الأخير منه بعد الحذف ليس هو الحرف الأخير منه قبل الحذف، فقولنا مثلا: "يا فاطمةُ" قبل الحذف غير قولنا: "يا فاطم" سواء من حيث الحروف أو من حيث آخر الكلمة. هذا الاسم المنادى الذي حذف آخره يستعمله العرب بعد هذا الحذف على لغتين هما: لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر، ويقصد بالانتظار: التوقف عند ما بقي من الكلمة بعد الحذف، فلا يغير فيها شيء؛ لأن ما حذف منها كأنه موجود تقديرا، فنقول مثلا في "يا عائشة": "يا عائشَ" بفتح الشين ونقول في "يا أحمد": "يا أحمَ" بفتح الميم. أما من لا ينتظر فهو الذي لا يتوقف انتظارا للمحذوف، بل يعامل ما بقي من الكلمة على أنه كلمة مستقلة، فيضم آخرها مبنية فيقول في المثالين السابقين: "يا عائشُ" و"يا أحمُ" وعلي ذلك: فلغة من ينتظر: هي تلك اللغة التي تعامل الاسم المرخم على اعتبار أنه اسم غير كامل الحروف، فتتوقف عند ما بقي من حروفه على ما هي عليه دون تصرف فيه انتظارا للمحذوف مثل "يا فاطمَ". أما لغة من لا ينتظر: فهي تلك اللغة التي تعامل الاسم المرخم على اعتبار أنه اسم مستقل قد قطع عما حذف منه، وحينئذٍ يتصرف في آخره بما يقتضيه بناؤه على الضم "يا فاطمُ". ولعلنا بعد هذا الشرح يمكن أن نفهم قول ابن هشام نصا: "الترخيم يجوز فيه قطع النظر عن المحذوف، فتجعل الباقي اسما برأسه، فتضمه، ويسمى لغة من لا ينتظر، ويجوز ألا تقطع النظر عنه، بل تجعله مقدرا، فيبقى ما كان على ما كان عليه، ويسمي لغة من ينتظر، فتقول على اللغة الثانية في "جعفر": "يا جَعْفَ" ببقاء فتحة الفاء، وفي "مالك" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 "يا مالِ" ببقاء كسرة اللام -وهي قراءة ابن مسعود- وتقول على اللغة الأولى: "يا جعفُ ويا مالُ" بالضم ا. هـ. الترخيم لضرورة الشعر: الأصل في الترخيم أنه حكم من أحكام المنادى، بمعنى أن الاسم الذي يصح ترخيمه هو الاسم المنادى فقط، فإذا كان الاسم غير منادى لا يصح ترخيمه، بل يستعمل كاملا دون حذف شيء منه. هذا هو الأصل: لكن النحاة استثنوا من ذلك ما يضطر إليه الشاعر في شعره، ولا يجد مفرًّا من حذف بعض الكلمة، حينئذٍ يجوز له الحذف مع أن الاسم غير منادى؛ لأن مجال الشاعر في استعمال الكلمات ضيق؛ لحاجته للوزن والقافية والتقديم والتأخير فيباح له ما لا يباح للناثر، ويطلق على هذا المباح له اسم "ضرورة الشعر"، ومن ذلك المباح حذف أواخر بعض الكلمات دون أن تكون مناديات. ومما يستشهد به لذلك قول امرئ القيس: لَنِعْمَ الفَتَى تَعْشُو إلى ضوءِ نارِه ... طَريفُ بنُ مَالِ ليلةَ الجوعِ والخَصَر1 ومن ذلك أيضا قول جرير: ألا أضحتْ حبالُكم رِمَامَا ... وأضحتْ مِنكَ شاسعةً أُمَامَا2   1 تعشو إلى ضوء ناره: تقصدها، الخصر: -بفتح الصاد- شدة البرد. الشاهد: "طريف بن مال" أصله "طريف بن مالك" فرخمت "مالك" مع أنها غير منادى لضرورة الشعر. 2 أضحت: بمعنى صارت، حبالكم: يقصد روابط المودة والألفة، رماما: بالية متقطعة، شاسعة: بعيدة عنك بعدا شديدا، أماما: اسم حبيبته. يقول: لقد انقطع الود والحب وبعدت أمامة عني بعدا شديدا، بعدًا لا لقاء بعده. الشاهد: في "أماما" أصلها "أمامة" وهي اسم "أضحى" مؤخر، فليست منادى، ورخمت لضرورة الشعر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 تدريبات : التدريب الأول: أورد الجاحظ1 الرسالتين الآتيتين لعمر بن الخطاب قال: كتب عمر بن الخطاب إلى معاوية وهو عامله على الشام: أما بعد، فإني لم آلُك في كتابي إليك ونفسي خيرا، إيّاك والاحتجاب دون الناس وأْذَنْ للضعيف وأدنِه حتى ينبسط لسانه ويجترئ قلبه، وتعهَّد الغريب فإنه إذا طال حبسه، وضاق إذنه، ترك حقَّه، وضعف قلبه، وإنما أتْوَى حقَّه من حبسه ا. هـ. وكتب مرة أخرى إلى أبي موسى الأشعري: آس بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك واعلم أن أسعد الناس عند الله تعالى من سعد به الناس، وأشقاهم من شقوا به ا. هـ. 1 وهو عامله على الشام هذه جملة حالية، اذكر نوعها وصاحبها ورابطها. 2- من التعبيرات المتعارف عليها في الرسائل والخطابات "أما بعد" حلل هذا التعبير نحويًّا. 3- "لم آلك خيرا" تصور جملة أخرى مساوية لهذه الجملة في المعنى ثم اذكر الوظيفة النحوية لكلمة "خيرا" بعد هذا التصور.   1 رسائل الجاحظ، تحقيق عبد السلام هارون، القسم الثاني ص31، 32. لم آلك: لم أقصر في حقك وأتركك، أتوى: أضاع، آس: اعدل، حيفك: ظلمك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 4- "إياك والاحتجاب دون الناس" من أي صور التحذير؟ أعرب التعبير كله. 5- من أسماء المكان التي وردت في النص "بعد، دون، بين، عند" انسبها إلى المبهم أو المختص وإلى التصرف أو عدم التصرف، اذكر السند النحوي لهذه النسبة. 6- الفعلان "أدن، آس" يتفقان من حيث البناء، ويختلفان من حيث التعدي واللزوم، اشرح ذلك من استعمالها في النص. 7- "إنما أتوى حقه من حبسه" حدد في هذه الجملة الترتيب بين الفعل والفاعل والمفعول، ثم اذكر سببه. 8- انسب إلى باب الفاعل أو المفعول الكلمات الآتية كما وردت في جملها "لسانه، إذنه، حقه، قلبه". 9- من أبواب النواسخ الفعل "اعلم" اشرح علاقته النحوية بالجملة التي جاءت بعده في كلام عمر. التدريب الثاني: قال أبو تمام في رثاء محمد بن حميد الطوسي1. فَتًى مات بين الطَّعنِ والضَّربِ ميتةً ... تقوم مقام النصر إذ فاته النّصرُ وما مات حتَّى ماتَ مضربُ سيفه ... من الضّرب واعتلَّت عليه القنا السُّمْرُ وقد كان فوت الموت سهلا فردّه ... إليه الحِفاظ المرّ والخُلق الوعرُ ونفس تَعاف العار حتى كأنما ... هو الكفر يوم الرَّوع أو دونه الكفرُ   1 انظر ديوان أبي تمام ومختارات الباردي ج3 ص303. والأبيات العشرة المذكورة هنا مختارة من القصيدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 فأثبت في مستقع الموت رجله ... وقال لها: من دون إخْمصك الحشرُ غدا غُدوة والحمد نسْج ردائه ... فلم ينصرف إلا وأكفانه الأجرُ تردّى ثياب الموت حُمرا فما دَجا ... لها الليل إلا وهي من سندسٍ خضرُ لئن غدرتْ في الروع أيامه به ... فما زالت الأيام شيمتها الغدرُ مضى طاهر الأثواب لم تبق روْضة ... غداة ثَوَى إلا اشتهت أنّها قبرُ عليك سلام الله وَقْفًا فإنني ... رأيت الكريم الحر ليس له عُمْرُ 1- الكلمتان "ميتة، مقام" في البيت الأول، من أي الصيغ؟ انسب كل واحدة منهما إلى أحد المفعولات الخمسة. 2- الكلمتان "غدوة، غداة" وردتا في البيتين السادس والتاسع زِنْهُما، ثم اذكر الوظيفة النحوية لكل منهما. 3- من أي المشتقات كلمة "مضرب" في البيت الثاني، اذكر وظيفتها النحوية في البيتين واستعملها بعد ذلك مفعولا فيه في جملة مفيدة. 4- "لم ينصرف إلا وأكفانه الأجر" من أي صور الاستثناء هذه الجملة، أعرب بالتفصيل ما جاء بعد "إلا" فقط. 5- أين خبر المبتدأ في جملة "وهي من سندس خضر" أعرب هذه الجملة كلها كما وردت في البيت. 6- تكررت كلمة "الأيام" مرتين في البيت الثامن، لماذا لم تعتبر مفعولا فيه؟ وما موقعها النحوي في الشطرين؟ 7- عيّن تمييز النسبة في جملة "عليك سلام الله وقفا" في البيت الأخير تصور جملة الأصل وبين كيفية تحويل التمييز عنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 8- أعرب الكلمات الآتية كما وردت في النص "نفس، الحشر، حمرا، شيمتها الغدر، طاهر الأثواب، عمر". التدريب الثالث: قال سعد بن ناشب المازني وكان قد ظلم بهدم داره وحرقها بالبصرة: سأغسل عني العار بالسيف جالبًا ... عَلَيَّ قضاءُ الله ما كان جالبا وأذهَلُ عن داري وأجعل هدمها ... لعرضيَ من باقي المذمَّة حاجبا ويصغر في عيني تلادي إذا انثنت ... يميني بإدراك الذي كنت طالبا فإن تهدموا بالغدر داري فإنها ... تُراث كريمٍ لا يُبالي العواقبا أخِي غَمَراتٍ لا يريد على الذي ... يُهمُّ به من مقطع الأمر صاحبا إذا همَّ لم تُرْدَعْ عزيمةُ همّه ... ولم يأت ما يأتي من الأمر هائبا فيا لَرِزَامٍ رشِّحوا بي مقدِّمًا ... إلى الحرب خوَّاضًا إليها الكتائبا إذا هَمَّ ألقى بين عينيه عزمه ... ونكَّب عن ذكر العواقب جانبا ولم يستشر في رأيه غير نفسه ... ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا 1- وردت كلمة "جالبا" في البيت الأول منصوبة مرتين، وازن بينهما. 2- حدد الفاعل وعامله في العبارات الآتية كما وردت في النص: "جالبا عَلَيَّ قضاء الله، إدراك الذي كنت طالبا، مقدِّما إلى الحرب، خوَّاضا إليها الكتائبا". 3- جملة "لا يبالي العواقبا" في البيت الرابع يجب أن تعرب صفة لا حالا، وجه ذلك نحويا. 4- من أي أساليب النداء" يا لرزام" صف هذه الجملة بطريقة مفصلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 5- طبق صفات المفعول فيه على كلمة "جانبا" في جملة "تنكب، عن ذكر العواقب جانبا". 6- يجب نصب أداة الاستثناء "غير" في جملة "لم يستشر في رأيه غير نفسه"، أذكر قاعدة ذلك وطبقها على الجملة. 7- يجب نصب المستثنى في جملة "لم يرض إلا قائم السيف صاحبا" اذكر سند ذلك وطبقه على الجملة. 8- أعرب الكلمات الآتية تفصيلا كما وردت في النص "حاجبا، أخي، غمرات، عزيمة همه، هائبا". التدريب الرابع: قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً، رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً، وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً، وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً، وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} 1.   1 القرآن الكريم، سورة الإسراء، الآيات من 23: 29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 1- حدد نوع "أنْ" في {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه} اذكر المستند النحوي لما تقول. 2- استخرج من الآيات "مفعول مطلق مؤكد لعامله، مفعول مطلق مبين النوع، نائب عن المفعول المطلق، مفعول مطلق حذف عامله، مفعول لأجله". 3- ما حكم الترتيب بين الفعل والفاعل والمفعول في الجملتين "لا تعبدوا إلا إياه، يبلغن عندك الكبر أحدهما" أيّد ما تقول نحويا. 4- لماذا جاءت الفاء في جواب الشرط مع الجمل "تقل لهما أف، إنه كان للأوابين غفورا، قل لهم قولا ميسورا". 5- الفعل "آتِ" بمعنى "أعط" ينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، حددهما من الجملة بعده. 6- عبارة "رب ارحمهما" أصلها "يا ربي ارحمهما" ناقش ما حذف حتى صار المنادى على الصورة التي وردت في الآية. 7- في الآية الأخيرة جاءت ثلاث كلمات منصوبة هي {فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُورا} ، قدّم من قواعد النحو ما يسوّغ نصبها. 8- صف نوع الاشتقاق للكلمات الآتية "كريم، صغير، أوابين، مبذرين، كفورا، ملوما، محسورا" ثم زنها جميعا. 9- وردت كلمة "إنْ" في الآيات ثلاث مرات للشرط، حددها، ثم بين أجزاء الجملة الشرطية في كل منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 ما يتعلق بالجملتين الاسمية والفعلية مدخل ... ما يتعلق بالجملتين الاسمية والفعلية: يشمل ذلك ما يلي: 1- حروف الجر . 2- الإضافة. 3- التعجب السماعي والقياسي. 4- التوابع الخمسة وهي: أ- النعت. ب- التوكيد. ج- عطف البيان. د- عطف النسق. هـ- البدل. 5- وظائف الأفعال في الجملة = عمل الأفعال في الجملة. 6- الأسماء التي تقوم بوظائف الأفعال. أ- اسم الفعل. ب- المصدر واسم المصدر. ج- اسم الفاعل. د- أمثلة المبالغة. هـ- اسم المفعول. و الصفة المشبهة. ز- اسم التفضيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 حروف الجر : 1- حروف الجر -كما عدها ابن مالك في الألفية- عشرون حرفا. 2- تقسيم حروف الجر من حيث كثرة الاستعمال وقلته في اللغة العربية. 3- الحروف المتداولة -في رأي ابن هشام- باعتبار ما تجره من الأسماء الظاهرة والمضمرة. 4- زيادة "ما" مع بعض حروف الجر، بينها وبين مجرورها. 5- حذف حرف الجر "رب" مع بقاء عمله في المجرور. 6- حرف الجر الأصلي والزائد والشبيه بالزائد. حروف الجر: تلك التي تقوم بربط الأسماء بالأسماء، كقولنا "الطالبُ في الكليةِ" أو ربط الأسماء بالأفعال كقولنا "جئتُ إلى الكليةِ". وينبغي ابتداء معرفة الرأي فيما خاضت فيه مطولات النحو من ذكر معاني الحروف العشرين الجارة، ولنأخذ نموذجًا الحرف "مِنْ" فإن له سبعة معانٍ -كما جاء في أوضح المسالك- هي: 1- التبعيض مثل: {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} 1. 2- بيان النوع مثل: {أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} 2. 3- ابتداء المكان أو الزمان مثل {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} 3 وفي الحديث: "مُطِرْنَا من الجمعة إلى الجمعة".   1 من آية 92 من سورة آل عمران. 2 من الآية 31 من سورة الكهف. 3 الآية الأولى من سورة الإسراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 4- العموم مثل: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} 1. 5- معنى البدل مثل: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} 2. 6- الظرفية مثل: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} 3. 7- التعليل مثل: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} 4. وهكذا تورد هذه المطولات معاني كل حرف فتذكر "للّام" اثني عشر معنى، و"للباء" مثلها وللحرف "في" ستة معانٍ، وللحرف "على" أربعة، إلى آخر ذلك. والحق أن هذه المعاني تفيد دارس البلاغة، فهو الذي يبحث عن الحروف وما تؤديه من جملة إلى أخرى، أما دارس النحو، فإن الذي يهمه من هذه الحروف هو معانيها النحوية، أو بعبارة أخرى: يهمه أن يعرف فقط أن هذه الحروف تجر الأسماء التي بعدها مهما كان المعنى الذي تؤديه في الجملة. على أن حصر معاني هذه الحروف -على طولها- ليس حصرا نهائيا لأن هناك قاعدة معنوية عن حروف الجر تقول "حروف الجر يتبادل كل منها موضع الآخر كثيرا" فمثلا الحرف "على" يأتي بمعني "في" مثل: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} 5. والحرف "عن" يأتي بمعني "على" مثل: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} 6 فهذه الحروف تتبادل، فمن غير المفيد   1 الآية 98 سورة مريم. 2 الآية 38 سورة التوبة. 3 الآية 9 سورة الجمعة. 4 الآية 25 سورة نوح. 5 الآية 15 سورة القصص. 6 من الآية 38 سورة محمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 كثيرًا حصر معانيها، إذ يقع بعضها موقع بعض، والأمر مرجعه أولا وأخيرًا سياق الكلام الذي يحدد لنا معنى الحرف، ويدل عليه. وخلاصة الأمر أنه من السهولة والتيسير ألا تعرض هنا معاني الحروف الجارة؛ لأن ذلك لا يفيدنا نحويا، ولأن ذلك غير منضبط تماما، ومع ذلك فمن أراد معرفة تلك المعاني تفصيلا، فليراجعها في "شرح ابن عقيل، أوضح المسالك، شرح "الأشموني" ليستزيد ويستفيد. وحروف الجر عشرون حرفا حصرها ابن مالك في البيتين الآتيين: هَاكَ حُرُوفَ الجر وهي مِنْ إلى ... حَتَّى خَلا حَاشَا عَدَا في عَنْ عَلَى مُذْ مُنْذُ رُبَّ اللامُ كي وَاوٌ وتَا ... والكافُ والبا ولعلَّ ومَتَى ومن هذه الحروف العشرين ثلاثة لن نتحدث عنها هنا، وهي "خلا، حاشا، عدا" فهي من أدوات الاستثناء، وقد مر الحديث عنها هناك بالتفصيل ولا حاجة إلى إعادته مرة ثانية. حروف الجر من حيث كثرة الاستعمال وقلته: يقصد بالكثرة والقلة هنا نطق العرب أصحاب اللغة، وبعبارة أقرب أن معظم هذه الحروف قد استعمل في اللغة العربية المشتركة بين العرب وهذا معنى الكثرة، وبعض هذه الحروف استعمل في الفصحى أيضا في نطق إحدى قبائل العرب فقط، لكن لم يقدر له الذيوع والانتشار في نطق جميع قبائل العرب، وذلك الحرفان "مَتَى، لَعَلَّ". فالأصل -كما هو مشهور- أن "مَتَى" اسم زمان، وقد يستعمل ظرفا كقولنا "مَتَى قدمتَ من سفرك" بمعنى "في أيّ وقت؟؟ " أما استعمالها حرف جر فهو لغة قبيلة "هذيل"، ومن شواهدها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 - سُمِعَ أحد الهذليّين يتحدث عن بعض اللصوص بقوله: "أخرجها متى كُمِّهِ" بمعنى "أخرجها من كُمِّه". - من شعر أبي ذؤيب الهذلي يصف السحاب: شَرِبْنَ بماء البحر ثم ترفّعتْ ... مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لهنّ نَئِيجُ1 وأما "لَعَلَّ" فالمشهور عنها أنها حرف يفيد الترجي من أخوات "إن" تنصب المبتدأ وترفع الخبر، واستعمالها حرف جر لغة قبيلة "عُقَيْل" ويسوق لها النحاة شاهدين أحدهما بيت شعري قبيح لا داعي لذكره، والآخر في قول كعب بن سعد يرثي أخاه أبا المغوار: ودَاعٍ دَعَا يا مَنْ يُجِيبُ إلى النَّدى ... فلم يستجبْه عند ذاك مُجيبُ فقلتُ ادع أخرى وارفع الصوتَ جَهْرَةً ... لعلّ أبِي المغوارِ منكَ قريبُ2   1 شربن بماء البحر: حملت السحب ماء البحر، ترفعت: علت، لجج: جمع "لجة" وهي المياه الكثيفة، لهن نئيج: صوت مرتفع. المعنى: لقد حملت السحب ماء كثيفا من مياه كثيفة، لجج خضراء ذات صوت عالٍ شديد. الشاهد: في قول أبي ذؤيب "متى لجج" إذ استعمل "متى" حرف جر بلغة قبيلته، لكن لم يقدر لهذا الاستعمال الذيوع والانتشار. 2 الندى: الكرم، لم يستجبه: لم يجبه. يقول: لقد كان أبو المغوار كريما ولا كريم غيره، فإذا دعا الداعي إلى الكرم فهو المجيب لا سواه. الشاهد: في "لعل أبي المغوار" فقد جاءت في هذا البيت حرف جر، فجرت الاسم بعدها "أبي المغوار". إعراب "لعل أبي المغوار منك قريب" جاء في ابن عقيل: "لعل": حرف جر زائد، "أبي المغوار" مبتدأ مرفوع بالواو منع من ظهورها الياء التي جاءت من أجل حرف الجر الزائد، "قريب": خبر المبتدأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 والحق أن استخدام هذين الحرفين للجر في اللغة الفصحى قليل، بل سماه "ابن هشام" شاذا، فينبغي -بعد معرفتهما- صرف النظر عنهما أيضا، ليبقى من حروف الجر العشرين خمسة عشر حرفا هي موضع حديثنا الآتي: حروف الجر وما تجره من الأسماء الظاهرة والمضمرة: سلك ابن هشام في كتابيه "شذور الذهب، أوضح المسالك" طريقة رائعة في تقسيمه لحروف الجر باعتبار دخولها على الأسماء الظاهرة والمضمرة فتنظيمه لهذه الفكرة في كتابيه السابقين لا يكاد يدانيه فيه أحد من النحاة لذلك كان من المفيد اتباعه في طريقته مع تصرف يسير. تنقسم حروف الجر الخمسة عشر المتداولة إلى قسمين رئيسين: القسم الأول: ما يجر الأسماء الظاهرة والمضمرة جميعا، وهو سبعة أحرف هي "من، إلى، عن، على، في، الباء، اللام. ومن أمثلة ذلك في القرآن: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} 1، و: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ} 2، و: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} 3، و: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ} 4، و: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} 5، و: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} 6، و: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ} 7، و: {مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ} 8، و: {آمِنُوا بِاللَّهِ} 9، و: {َآمِنُوا بِهِ} 10، و: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} 11، و: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} 12.   1 الآية 7 سورة الأحزاب. 2 الآية 48 سورة المائدة. 3 الآية 60 سورة الأنعام. 4 الآية 19 سورة الانشقاق. 5 الآية 119 سورة المائدة. 6 الآية 22 سورة المؤمنون. 7 الآية 20 سورة الذاريات. 8 الآية 71 سورة الزخرف. 9 الآية 136 سورة النساء. 10 الآية 107 سورة الإسراء. 11 الآية 284 سورة البقرة. 12 الآية 255 سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 القسم الثاني: ما يجر الأسماء الظاهرة فقط، وهو يشمل بقية الحروف "حتى، الكاف، الواو، التاء، كَيْ، مُذْ، مُنْذُ، رُبَّ". لكن ينبغي ألا يتبادر إلى الأذهان أن هذه الحروف الثمانية تدخل على كل الأسماء الظاهرة فتجرها، إنها تتفق فقط في دخولها على الأسماء الظاهرة ورفض الأسماء المضمرة، أما ما يدخل عليه كل منهما من الأسماء الظاهرة فهو على التفصيل التالي: 1- "حتى، الكاف، الواو" تدخل على كل الأسماء الظاهرة: ومن أمثلة ذلك في القرآن: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} 1، و: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} 2، و: {وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} 3، ومن البيّن أن الواو معناها القسم. وينبغي التنبه إلى أن "حتى" تكون حرف جر مثل "إلى" في المعنى والعمل بشرطين: أ- أن يكون المجرور بها ظاهرا لا مضمرا. ب- أن يكون نهاية لما قبله، آخرًا له أو متصلا بالآخر. كقولنا "سنجاهد حتى الرّمقِ الأخير، وسنحرّر أرضنا حتى آخرِ شبرٍ فيها". 2- "التاء" هذا الحرف يجر لفظين فقط من الأسماء الظاهرة هما: أ- لفظ الجلالة "الله" مثل: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} 4. ب- كلمة "رب" مضافة إلى "الكعبة أو ياء المتكلم" مثل قول العرب: "تَرَبِّ الكعبة" و"تَرَبِّي لأفعلنَّ كذا". ومن البيّن أن التاء مع هذين اللفظين تفيد أيضا معنى القسم.   1 الآية 5 سورة القدر. 2 من الآية 35 سورة النور. 3 أول سورة الفجر. 4 من الآية 57 سورة الأنبياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 3- "كَيْ" وقد تقدم عنها أنها حرف لنصب الفعل المضارع مثل "أن" لكنها تستعمل حرف جر في موضعين: أ- مع "ما" الاستفهامية: وحينئذٍ تحذف ألف "ما" ويأتي معها هاء السّكت، تقول مثلا "سهرتُ أمْس" فأسألك عن سبب السهر قائلا "كَيْمَهْ" مماثلة تماما قولي "لِمَهْ". ب- مع "أنْ" التي تنصب المضارع، وقد سبق في نواصب المضارع أنه إذا كانت "كي" ناصبة المضارع، فلا علاقة لها بالمجرورات، أما إذا كان المضارع منصوبا -كما سبق شرحه- بأن ظاهرة أو مضمرة، فتكون "كي" حرف جر والمصدر المؤول من "أن والفعل" مجرور بها "راجع ذلك تفصيلا". 4- مُذْ، مُنْذُ لاحظ الأمثلة الآتية: ما كفَّ الإنسانُ عن الشّرِّ منذُ فجرِ الحياة حرف جر ومنذُ الصراعُ الدَّامِي بين ابْنَي آدمَ والناسُ في صراع اسم مبتدأ ومذْ تحكَّمت الأهواءُ استخدِمَت القوة اسم ظرف ترد هاتان الكلمتان في اللغة حرفين للجر أو اسمين على التفصيل الآتي: أولا: تكونان حرفين للجر إذا ورد بعدهما اسم يدل على الزمان الماضي أو الحاضر، كقولك "ما رأيت أهْلِي منذُ شهرٍ" أو "ما رأيتُ صديقي مذ يومِنَا". ثانيا: تكونان اسمين وذلك في الآتي: أ- أن يقع بعدهما اسم مرفوع، كقولنا "مُنْذُ الافتراقُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 بيننا لم يحدث لقاء"، حينئذٍ تعرب الكلمتان -على الرأي المشهور- مبتدأ والاسم المرفوع بعدهما خبر. ب- أن يقع بعدهما جملة تامة -اسمية أو فعلية- فتقول: "أحببتُ الجامعةَ مُذْ أنا طالبٌ فيها، واحترمتُ تقاليدَها منذُ انتسبتُ إليها" حينئذٍ تعرب الكلمتان ظرف زمان مبنيًّا في محل نصب. ومن شواهد دخولهما على الجملة ما يلي: - قول الأعشى: وما زلتُ أبْغي المالَ مُذْ أنا يَافعٌ ... وَليدًا وكَهْلًا حين شِبْتُ وأمْرَدَا1 فكلمة "مذ" في البيت جاء بعدها جملة اسمية هي "أنا يافع" فتعرب ظرفا. 5- رُبَّ: ومعناها التقليل أو التكثير بحسب ما يدل عليه سياق الكلام، ولا تجر إلا النكرات، تقول "رُبَّ صَمْتٍ خيرٌ من كَلام" أو "رُبَّ صُدْفَةٍ خيرٌ من ألفِ ميعاد". هذا، وربما دخلت "رُبَّ" على ضمير الغيبة المفرد المذكر ويأتي بعد ذلك تمييز منصوب يفسر الضمير، كقولنا "لا تحتقِرْ أحدًا فَرُبَّهُ   1اليافع: هو الشاب حول العشرين، الوليد: الصبي، الكهل: في أحسن الآراء ما جاوز الأربعين، الأمرد: الذي لا شعر في وجهه. المعنى: لقد طلبت المال صبيا وشابا وكهلا، ومعلوم أن الأعشى كان ممن يتكسبون بشعرهم. الشاهد: في "مذ أنا يافع" حيث جاء بعد "مذ" جملة اسمية، فتعرب هي ظرف زمان في محل نصب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 إنسانًا عظيمًا يتفوّق عليك، ولا تستقلَّ عدوًّا فرُبَّهُ قوةً هائلةً تهزمُك". ومن ذلك قول الشاعر: رُبَّهُ فتيةً دعوتُ إلى ما ... يُورِثُ المجدَ دائِبًا فأجابُوا1 زيادة "ما" مع بعض حروف الجر: لحروف الجر مع المجرور بعدها الخاصيتان الآتيتان: أ- أنها تجر الاسم بعدها بالكسرة أو ما ينوب عنها. ب- أن الذي يأتي بعدها هو المفرد لا الجملة. إذا علم ذلك، فإن "ما" الزائدة -لا الموصولة ولا المصدرية- تجيء مع بعض حروف الجر متوسطة بينها وبين مجرورها، فلا يكون لزيادتها تأثير في صورة الجار والمجرور، بل تبقى الخاصيتان السابقتان لها، وتجيء مع بعض حروف الجر الأخرى، فتتغير الصورة، وتزول الخاصيتان السابقتان جميعا على التفصيل الآتي: أولا: تزاد "ما" بعد حروف الجر الثلاثة "مِنْ، عَنْ، الباء" فلا تكف هذه الحروف عن جر الاسم بعدها، ويبقى لها اختصاصها بهذا الاسم المجرور، ومن ذلك قول القرآن: - {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً} 2. - {قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} 3.   1 ما يورث المجد: الأعمال المفيدة السامية، دائبا: مستمرا. الشاهد: في "ربه فتية" حيث دخلت "رب" على ضمير الغيبة المفرد المذكر المفسر بتمييز منصوب بعده. 2 من الآية 25 سورة نوح. 3 من الآية 40 سورة المؤمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 - {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} 1. ثانيا: تزاد "ما" بعد الحرفين "رُبَّ، الكاف" فتكفهما عن جر ما بعدهما، كما يزول اختصاصهما بالاسم المفرد، فيدخلان على الجملة الاسمية والفعلية، ومن شواهد ذلك: - قول القرآن {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} 2. - قول رؤبة رجزا: لا تَشْتُم النَّاس كمَا لَا تُشْتَمُ3 هذا هو الأصل في هذين الحرفين، لكن ورد على غير الأصل معهما بعض الشواهد التي جاءت "ما" فيها زائدة بعدهما، وبقي لهما اختصاصهما وهذا قليل في اللغة، ومنه قول عمرو بن براقة الهمداني: وننصرُ مولانَا ونعلمُ أنه ... كما النّاسِ مجرومٌ عليه وجارِمُ4   1 من الآية 13 سورة المائدة. 2 من الآية 2 سورة الحجر. 3 الشاهد: في "كما لا تشتم" حيث دخلت "ما" على الكاف فكفتها عن العمل، ودخلت على الجملة الفعلية بعدها "لا تشتم". 4 المولى: في أحد معانيه: الحليف، مجروم عليه وجارم: مجني عليه وجان. يقول -وهو أحد الصعاليك- إننا ننصر من نحالفه ظالما أو مظلوما، فهو أحد الناس، وهذا هو شأن الناس. الشاهد: في "كما الناس" حيث دخلت "ما" على الكاف، فبقيت لها خواصها، إذ جاء بعدها الاسم المجرور بها "الناس" وهذا قليل في اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 حذف "رُبَّ" وبقاء عملها: الأصل في حرف الجر أن يكون مذكورا، ولا يصح حذفه مع بقاء عمله فإذا حذف ضاع تأثيره، ولم يعد له وجود في الكلام لا لفظا ولا تقديرا. ويستثنى من الأصل السابق الحرف "رُبَّ" إذ يصح حذفه من الكلام مع بقاء تأثيره، فيكون الاسم مجرورا دون حرف الجر، ويقال عنه: إنه مجرور "برُبَّ المحذوفة" وقد وردت "رُبَّ" محذوفة في اللغة بعد حروف ثلاثة هي "الواو، الفاء، بل" ومن شواهد ذلك: - قول امرئ القيس: وليلٍ كموجِ البحرِ أرْخَى سُدُولَه ... عَلَيَّ بأنواعِ الهُمُومِ ليَبْتَلِي1 - قول رؤبة: بل بلدٍ ملءُ الفجاجِ قَتَمُه ... لا يُشْتَرَى كِتَّانُهُ وجَهْرَمُه2 حرف الجر الأصلي والزائد والشبيه بالزائد: يتردد على ألسنة المعربين قولهم: "حرف جر، حرف جر زائد، حرف جر شيبه بالزائد" وينبغي تحديد المقصود بهذه الثلاثة وما ينطبق عليه من   1 الشاهد: في البيت حذف "رب" وبقاء عملها في قوله "وليل" والواو هنا تسمي "واو رب". 2 الفجاج: الطرق والمسالك، القتم والقتام: الغبار، الجهرم: البساط. يقول: إنه بلد كريه في جوه وتجارته، فجوه مليء بالغبار الذي يسد طرقه وتجارته كاسدة فلا تشترى أبسطته ولا غيرها من تجاراته. الشاهد: في "بل بلد" حيث حذفت "رب" وبقي تأثيرها بعد "بل" وأصل الكلام "بل رب بلد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 حروف الجر، وما يترتب على ذلك في الإعراب مع أخذنا في الاعتبار أنه إذا قيل "حرف جر" فقط، فالمقصود بذلك "حرف الجر الأصلي". الأصلي: هو ما له معنى خاص في سياق الجملة، بحيث لا يمكن الاستغناء عنه فيها، كما أنه يرتبط في الجملة بعامل من فعل أو شبه فعل ا. هـ. ومعظم حروف الجر أصلية، يترتب عليها جر الاسم لفظا وتقديرا وأمثلتها أكثر من أن تحصى. الزائد: ما ليس له معنى خاص في سياق الجملة بحيث يمكن الاستغناء عنه فيها، وإنما يؤتى به لمجرد تأكيد الكلام فقط، كما أنه لا يحتاج إلى عامل يرتبط به من فعل أو شبه فعل ا. هـ. وهنا فكرة مهمة جدا هي أن حرف الجر الزائد يجر الاسم من حيث اللفظ فقط بالكسرة أو ما ينوب عنها، لكن الاسم من حيث التقدير يأخذ الوظائف النحوية المختلفة، كأنما حرف الجر غير موجود، فتقدر لكل وظيفة الحركة المناسبة لها التي يمنع من ظهورها حركة حرف الجر الزائد. والذي أعلمه أن الذي يزاد من حروف الجر -في بعض الأحيان لا في كل الأحيان- حرفان "مِن، الباء". - أما "مِن" فإنها تزاد إذا جرت اسما نكرة، وسبقها نفي أو نهي أو استفهام، كقول القرآن: {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِير} . - وأما "الباء" فتزاد غالبا في المواضع الآتية: أ- إذا جاءت خبرا للفعل "ليس" أو جاءت بعد النفي بالحرف "ما" كما جاء في الحديث "ليس الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ، إنما الشَّديدُ من يملكُ نفسَه عند الغَضَب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 ب- مع فاعل الفعل "كَفَى" كقولنا "كَفَى بالصدْقِ نجاةً، وكَفَى بالكَذبِ هلاكًا". ج- في صيغة التعجب "أفْعِلْ بِهِ" مثل "أكْرِمْ بالإسلامِ دينًا وأصْدِقْ بالقرآنِ حديثًا". فلنلاحظ الآيات الآتية: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ} المجرور فاعل تقديرا. {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} المجرور مفعول بعد تقديرا. {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} المجرور مبتدأ تقديرا "في بعض الآراء". {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} المجرور فاعل "كفى" تقديرا. {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} المجرور فاعل فعل التعجب. الشبيه بالزائد: ما له معنى خاص يفهم من سياق الكلام، لكن ليس له عامل يرتبط به من فعل أو شبه فعل، ويجر الاسم لفظا، لكن الاسم يأخذ الوظائف النحوية الأخرى تقديرا بحسب ما يقتضيه سياق الكلام ا. هـ. هو إذن يشبه الحرف الأصلي في أن له معنى، ويشبه الحرف الزائد في عدم حاجته إلى عامل يرتبط به، وفي أنه يجر الاسم لفظا لا تقديرا، ولغلبة شبهه بالزائد سمي "حرف جر شبيه بالزائد"، والحرف الوحيد الشبيه بالزائد "رُبَّ" وإن كانت محذوفة، كقولك "رُبَّ فقيرٍ خيرٌ عند الله من غنيّ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 الإضافة : 1- الإضافة لدى اللغويين والنحاة. 2- ما يتجرد منه المضاف حين الإضافة. 3- الإضافة اللفظية "غير المحضة" والإضافة المعنوية "المحضة". 4- الأسماء الملازمة للإضافة وما تضاف إليه: أ- ما يضاف للضمائر، وهو "وَحْد، لَبَّيْك، وأخواتها". ب- ما يضاف للجمل وهو "حيثُ، إذْ، إذَا". ج- ما يضاف لاسم ظاهر أو مضمر، وهو "لَدُنْ، مَعَ، قُصَارَى". د- ما يضاف لمثنى ظاهر أو مضمر وهو "كِلَا، كِلْتَا". 5- ما يضاف أحيانا، وما يجب حينئذٍ إضافته له: أ- ما يضاف للجمل وهو أسماء الزمان المبهمة. ب- ما يضاف لاسم ظاهر أو مضمر وهو أسماء المكان المبهمة. معنى الإضافة: تأمل الأمثلة الآتية: - بورسعيد، حضرموت، نيويورك، سيبويه. مركب مَزْجِي. - جَادَ الله، جَادَ الرَّبّ، فتح الله، نحمده. مركب إسنادي. - روعةُ الانتصارِ، ذلّةُ الهزيمةِ، جمالُ الحريةِ. مركب إضافي. - الكلمات المركبة التي وردت في اللغة العربية ثلاثة أنواع: الأول: المركب المَزْجِي: وهو ما تكون من كلمتين اندمَجَتَا معا حتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 كوّنتا كلمة واحدة ويعرب هذا الصنف إعراب ما لا ينصرف على الجزء الأخير منه فيرفع بالضمة وينصب ويجر بالفتحة دون تنوين، فإذا ختم بكلمة "وَيْهِ" بني آخره على الكسر. الثاني: المركّب الإسْنَادِيّ: وهو ما تكون من جملة كاملة سمي بها شخص أو شيء، فخرجت من مجال الجملة إلى التسمية بها -وهذا الصنف قليل في اللغة- ويعرب تفصيلا على أنه جملة كاملة، ثم تنزل منزل المفرد، فتشغل الوظائف النحوية بحسب سياقها في الكلام، وتقدر عليها علامات الإعراب التي يمنع من ظهورها حكاية الجملة للتسمية بها كما هي. الثالث: المركب الإضافي: وهو المقصود بالدراسة في هذا الباب لكثرة أحكامه وتنوع صوره. فالإضافة في اللغة: مطلق الإسناد والضم، فنقول في حياتنا العادية "أضفتُ اللَّبَنَ إلى الشَّاي" بمعنى ضممته إليه وخلطته به، ومن ذلك أيضا "الضّيف" لأنه حين ينزل بالقوم ينضاف إليهم وينضم إلى جمعهم، ويقول امرؤ القيس يصف بيتا استضافه وأصحابه فأسندوا ظهورهم فيه إلى مساند مخططة: فلمّا دخلْنَاه أضفْنا ظُهُورَنا ... إلى كلِّ حَارِيٍّ جديدٍ مُشَطَّبِ أما لدى النحاة: فالإضافة ضم اسم إلى آخر مع تنزيل الثاني من الأول منزلة تنوينه أو ما يقوم مقام تنوينه، وبحيث لا يتم المعنى المقصود إلا بالكلمتين المركبتين معا ا. هـ. ومن نماذج ذلك على كثرته "قسوةُ الظُّلمِ، تَجَبُّرُ الطُّغاةِ، ذلّةُ الضعفاءِ، نورُ الحرّيةِ، شرفُ الكلمةِ، نبلُ الأقوياءِ، قوَّة الروحِ، صفاءُ الذهنِ". وينبغي أن يراعى أمران يتعلقان بالمضاف والمضاف إليه: الأول: أن الاسم الأول من المركب الإضافي يسمي "المضاف" ويكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 إعرابه بحسب ما يقتضيه سياق الكلام رفعًا ونصبًا وجرًّا، أما الاسم الثاني فيطلق عليه "المضاف إليه" وهو دائما مجرور بالإضافة. الثاني: أن كلا من المضاف والمضاف إليه يجب أن يكونا اسمين، فلا يكون أحدهما فعلا ولا حرفًا، ويستثنى من ذلك ما إذا جاء المضاف إليه جملة كاملة -وذلك مع كلمات قليلة ستأتي- حينئذٍ تكون الجملة كلها في محل جر لوقوعها موقع المفرد. ما يتجرد منه المضاف حين الإضافة: يتجرّد المضاف حين الإضافة من الأمور الثلاثة الآتية: الأول: التنوين: فالكلمات "سهرٌ، كدحٌ، راحةٌ، هدوءٌ" كلها منونة، فإذا أضيفت، حذف منها التنوين، فنقول "سهرُ الليْلِ، كدحُ النَّهارِ، راحةُ النَّومِ، هدوءُ البالِ"، ومن الواضح أن الحكم السابق خاص بالاسم المنصرف، أما الممنوع من الصرف فهو مجرد أصلا من التنوين فنقول في "مساجد، مصابيح" حين الإضافة: "مساجدُ اللهِ، مصابيحُ الهدايةِ". الثاني: نون المثنى وجمع المذكر: ففي الكلمتين "فترتان، متساويتان" حين الإضافة يقال: "فترتا الدّراسة متساويتا الوقتِ" وفي الكلمتين: "نابِهون، متفوّقون" حين الإضافة "نابِهُو الطَّلبةِ متفوِّقُو الامتحانِ". الثالث: "أل" أداة التعريف: ففي الكلمات: "الحريّة، الأمن، الهدوء، الصفاء" تصير حين الإضافة "حرّية المواطنِ وأمنُه يحقِّقان هدوءَ البالِ وصفاءَ النَّفسِ" ونقول في "البلاد، الطيّبة، العذبة" حين الإضافة: "بلادُنا طيّبةُ الثرى عذبةُ المياهِ" بحذف الألف واللام في المضاف من هذه الكلمات جميعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 هذا، وقد استدرك النحاة على هذا الأمر الأخير -حذف الألف واللام من المضاف- صورتين من الإضافة اللفظية يصح فيهما بقاء الألف واللام مع المضاف حين الإضافة وهما: الأولى: أن يكون المضاف وصفا وهو مثنى أو جمع مذكر سالم، فلك أن تقول في "الشاهدان، المقترفان" حين الإضافة "الشاهدا الزُّورِ هما المقترفا الكبيرةِ" ولك أن تقول في "المرتفعون، المنحنون" حين الإضافة "من الناس المرتَفِعُو رؤوسٍ مظهرًا وهم أذلاء، ومنهم المنْحَنُو ظهورٍ عَمَلًا وهم شرفاء" ببقاء الألف واللام في المضاف في كل الكلمات السابقة ومن ذلك قول عنترة: ولقد خشِيتُ بأنْ أموتَ ولم تَدُرْ ... للحربِ دائرةٌ على ابْنَيْ ضَمْضَمِ الشاتِمِي عِرْضِي ولمْ أشتُمْهما ... والناذِرَيْن إذا لم القَهُما دمي1 الثانية: أن يكون المضاف وصفا غير ذلك، لكن في المضاف إليه الألف واللام، كقولك: "المضبوطُ الموعدِ، المُحْكِمُ الخطةِ، المتوقِّدُ الذكاء، الطيبُ القلبِ، النَّاعمُ الشعرِ" أو أن الألف واللام في المضاف إلى المضاف إليه، كما تقول في الأمثلة السابقة "المضبوط تحديدِ الموعدِ، المُحْكِمُ رَسْمِ الخُطَّةِ، المتوقدُ شعلةِ الذَّكاءِ، الطيبُ سريرةِ القلبِ، الناعمُ ملمسِ الشعرِ" فقد بقيت الألف واللام في المضاف في كل تلك الأمثلة وهي الكلمات "المضبوط، المحكم، المتوقد، الطيب، الناعم" على التوالي.   1 الشاهد: في البيت الثاني "الشاتمي عرضي" فإن المضاف "الشاتمي" وصف مثنى وجاء بالألف واللام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 الإضافة اللفظية والمعنوية: الإضافة اللفظية: ما كان المضاف فيها اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة مشبهة والمضاف إليه معمولا لتلك الصفة، ومن نماذجها "كاتمُ السّرِّ، ناصرُ الضَّعيفِ، مُوَاسِي المريضِ، مرفوعُ الرأسِ، طيبُ القلبِ، ليّنُ الجانبِ". قال ابن هشام: هي عبارة عما اجتمع فيها أمران، أمر في المضاف وهو كونه صفة، وأمر في المضاف إليه وهو كونه معمولا لتلك الصفة، وذلك يقع في ثلاثة أبواب، اسم الفاعل كضارِب زيدٍ، واسم المفعول كمُعْطَى الدينارِ، والصفة المشبهة كحَسَن الوجهِ ا. هـ. هذا النوع من الإضافة لا يستفيد منه المضاف تعريفا ولا تخصيصا، فالمضاف لا يتعرف بالمضاف إليه وإن كان معرفة، وكذلك لا يتخصص به -بمعنى تقليل إبهامه وتقريبه من المعرفة- بل إن المضاف يبقى نكرة دائما مع هذا النوع من الإضافة. والدليل على أن المضاف لا يتعرّف في الإضافة اللفظية أنه يقع في مواضع النكرة، ولو استفاد التعريف، ما صح وقوعه في هذه المواضع، ومن ذلك: أ- وقوعه صفة النكرة، تقول "لي صديقٌ كاتمُ السرِّ طيبُ القلبِ". ب- وقوعه حالا، ومعلوم أن الحال لا تكون إلا نكرة غالبا، تقول: "عشْ في الحياة محمودَ السِّيرةِ نقيَّ السريرةِ" وتقول: "جاء صديقي صارمَ الوجهِ حادَّ القَسَمَاتِ". ج- وقوعه مجرورًا بالحرف "رُبَّ" تقول: "رُبَّ شَاقِّ الأمرِ هَانَ صَعْبُه، ورُبَّ ميسورِ الأمرِ صَعُبَ سَهْلُه" وما جاء في الأثر من "رُبَّ قارِئِ القرآنِ والقرآنُ يَلْعَنُه". أما أن هذه الإضافة لا تفيد التخصيص فلأن التركيبين قبل الإضافة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 وبعد الإضافة متساويان في المعنى بلا زيادة ولا نقصان، فقولنا: "الله مجيب الدّعاءِ" يساوي في المعنى: "الله مجيبٌ الدعاءَ". خلاصة الأمر أن هذه الإضافة اللفظية لا تفيد التعريف ولا التخصيص فما الذي تفيده إذن؟ قال النحاة: إنها تفيد التخفيف بحذف التنوين من المضاف، وكذلك نون التثنية والجمع المذكر، فلا شك أن قولنا: "الإنسانُ المثقفُ مصقولُ العقلِ والضميرِ" أخف مما لو قلنا "مصقولٌ العقلُ والضميرُ"، وهذا هو السبب في أن هذه الإضافة سميت "لفظية" لأنها أفادت أمرًا لفظيًّا هو التخفيف كما سبق شرحه. ويطلق على هذه الإضافة اللفظية اسم "غير محضَة" ومعنى المحضة: الخالصة، فهذه الإضافة إذن غير خالصة للإضافة، أو بعبارة أقرب، إنها إضافة غير حقيقية، إذ لا يترتب عليها ما يترتب على الإضافة الحقيقية من تعريف الاسم أو تخصيصه، ولذلك قالوا: إنها على تقدير الانفصال بين الكلمتين، فقولنا: "الفتاةُ رائعةُ الجمالِ" يساوي تماما: "الفتاةُ رائعةٌ الجمالَ". قال ابن هشام: وإنما سميت هذه الإضافة غير محضة، لأنها في نية الانفصال إذ الأصل "ضاربٌ زيدا" في "ضاربُ زيدٍ" وإنما سميت لفظية: لأنها أفادت أمرًا لفظيًّا وهو التخفيف فإن "ضاربُ زيدٍ" أخفّ من "ضاربٌ زيدًا" ا. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 الإضافة المعنوية: هي ما انتفى منها الشرطان المذكوران أو أحدهما وهذا النوع هو الإضافة الحقيقية، وهي كثيرة جدا في اللغة العربية، مثل "عميدُ الكليةِ، طلابُ العلمِ، روعةُ الانتصارِ، ذلّةُ الهزيمةِ". هذا النوع من الإضافة يستفيد منه "المضاف" التعريف أو التخصيص على النحو التالي: 1- إذا كان المضاف إليه معرفة كان المضاف معرفة مثل: "في محاضراتِ النحوِ سهولةُ الأسلوبِ وثَراءُ الأفكارِ". 2- إذا كان المضاف إليه نكرة أفاد تخصيصه فقط دون تعريفه مثل: "قولُ حقٍّ في وجهِ ظالمٍ شجاعةُ ضميرٍ ودليلُ حريَّةٍ". ومن هذا يفهم لماذا سميت "معنوية" لأنها تفيد أمرًا معنويا هو تعريف المضاف أو تخصيصه. ومن هذا أيضا يفهم لماذا سميت ِ"محضة"؟ لأنها هي الإضافة حقيقة إنها الإضافة الخالصة التي يترتب عليها الأحكام السابقة، ولا يمكن فيها فصل المضاف عن المضاف إليه ولو على سبيل التقدير. هذا وقد درست كتب مسائل النحو العلاقة بين المضاف والمضاف إليه من جهة المعنى في الإضافة المعنوية وحدها؛ لأنها -كما سبق- هي الإضافة حقا التي يتلازم فيها المضاف والمضاف إليه ويتكاملان، بخلاف اللفظية فإن الإضافة فيها على تقدير الانفصال بين المضاف والمضاف إليه. وخلاصة ذلك: أن الإضافة المعنوية تأتي في اللغة العربية على صور ثلاث: الأولى: ما تأتي بمعني "في" وضابطها ما كان المضاف إليه ظرفا للمضاف، وبعبارة أقرب: أن يصح إحلال المضاف في المضاف إليه وتقدير "في" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 بينهما، كقولنا: "سهرُ الليلِ ويقظةُ النهارِ" ومن كلام العرب: "عثمانُ شهيدُ الدارِ والحسينُ شهيدُ كربلاء، ومالكٌ عالِمُ المدينةِ" وقول القرآن: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} وقوله أيضا: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} . الثانية: ما تأتي بمعنى "من" وضابطها -في تحديد النحاة- ما كان المضاف إليه كلًّا للمضاف، وبعبارة أخرى: ما كان المضاف جزءا من المضاف إليه ويصح تقدير "مِنْ" بينهما، كقولنا "بدلةُ صوفٍ وقميصُ حريرٍ وخاتمُ ذهبٍ". الثالثة: ما تأتي بمعنى "اللام" وهي غير النوعين السابقين، وهي كثيرة جدا في اللغة العربية، مثل "صداقةُ العمر وأستاذُ المادّةِ وحريةُ الوطنِ وحضارةُ الأمةِ". وقد جاء في "أوضح المسالك" عن ترتيب هذه الصور الثلاث في الاستعمال العربي ما يلي "تكون الإضافة على معنى "اللام" بأكثرية وعلى معنى "مِنْ" بكثرة وعلى معنى "في" بقلّة" ا. هـ. والحق أن "الكثرة والقلة" لا يمكن ضبطهما هنا تماما؛ لأن الشواهد والأمثلة لكل من هذه الصور أكثر من أن تحصى، والأمر كله مرجعه للذوق اللغوي الذي بمقتضاه يمكن معرفة صورة الإضافة بتقدير "من" أو "في" أو "اللام". الأسماء الملازمة للإضافة وما يجب أن تضاف إليه: الأصل في الأسماء العربية أن تكون صالحة لاستعمالها مضافة، وأن تكون صالحة أيضا لاستعمالها مفردة -أي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 لكن هناك أسماء في اللغة خرجت على هذا الأصل، فلا تستعمل أبدا إلا مضافة، وأسماء أخرى خضعت لهذا الأصل، لكنها إذا أضيفت التزمت الإضافة إلى أمور خاصة في اللغة فوجب التنبيه عليها هنا لهذا السبب. والحق أن استيفاء هذه الفكرة بفرعيها يحتاج لحديث طويل -موضعه مطولات النحو- ولذلك فإن ما يذكر هنا هو أهم ما يحيط بهذه الفكرة دون أن يشملها جميعا. وأهم الأسماء الملازمة للإضافة أبدا تتلخص فيما يلي: أولا: ما تلزم إضافته للضمائر: أ- كلمة "وَحْد" وتضاف للضمائر جميعا -الغيبة والخطاب والتكلّم- فتقول "سَهرْتُ وَحْدِي" و "أجَبْتُكَ وَحْدَكَ" و: "عَبَدْتُ الله وَحْدَه" ومن هذا قول الراجز: لَمْ يَكُ شيءٌ يا إلهي قَبْلَكَا ... وكنتَ إذْ كنتَ إلهي وَحْدَكا1 ب- ما يضاف لضمير الخطاب فقط، وهي كلمات في اللغة توصف بأنها "مصادر مثناة اللفظ وتفيد التكرار" وهي "لَبَّيْك، سَعْدَيْك، حَنَانَيْك، دَوَالَيْك، هَذَاذَيْك" ومعنى "لبَّيك" إجابة لك بعد إجابة، والإجابة يتبعها الاستجابة، ويتّجه الحجاج لله قائلين: "لبّيك اللهمّ لبّيك"، ومعني "سعديك" إسعادا لك بعد إسعاد، فلك السعادة الدائمة، ومن ذلك ما جاء في الأثر عمن يحج من مال حرام أنه إذا قال "لبيك" أجابه من السماء من يقول: "لا لبَّيْك ولا سَعْدَيْك وحَجُّك مردودٌ عليك"، ومعنى "حنانيك"   1 الشاهد: في "وحدكا" حيث أضيفت كلمة "وحد" إلى ضمير المخاطب وهذه الكلمة تعرب دائما حالا، وتؤول بالنكرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 حنانا منك بعد حنان، فهو حنان غامر للمتعب الحزين، ومن ذلك قول أحد الشعراء المعاصرين يتألم من تربية الصغار: حَنَانَيْكَ إنِّي قد بَرِمْتُ بفتيةٍ ... أرُوحُ وأغْدُو كلَّ يومٍ إليهمُ صغارٌ نربّيهم بمثلِ عقولهم ... ونبنيهمُ لكنّنا نتهدَّمُ1 ومعنى "دَوَالَيْك" حدوثا للأمر مرة بعد أخرى، ومن ذلك العبارة الشائعة "وهكذا دَوَالَيْك" ومعنى "هَذَاذَيْك" إسراعا بعد إسراع فهي سرعة لا تتوقف، ومن ذلك قول الراجز: ضَرْبًا هَذَاذَيْكَ وطعنًا وخْضًا ... يُمْضِي إلى عَاصِي العُروقِ النَّحْضَا2 وهذه المصادر تعرب على أنها مفعول مطلق لفعل محذوف من لفظها أو من معناها، وجاء في "أوضح المسالك": وعامل "لبّيك، هذاذيك" من معناهما، والبواقي من لفظها. ثانيا: ما تجب إضافته إلى الجمل: أ- كلمة "حيث" وهي اسم مكان مبهم مبني على الضم، وتضاف لكل من الجملتين الاسمية والفعلية كما جاء في الأثر: "اجلس حيث انتهى بك المجلس"   1 أروح وأغدو: أذهب وأعود. وموضع التمثيل في البيتين في قوله "حنانيك" فهي مصدر مثنى مفعول مطلق منصوب بالياء، وقد أضيف إلى ضمير المخاطب. 2 ضربا هذاذيك: ضربا متتابعا سريعا، طعنا وخضا: طعنا نافذا إلى الحشا، عاصي العروق: ما يسيل دائما حين يجرح ولا يتوقف كالشريان، النحض: اللحم. يقول: إنه ضرب سريع وطعن نافذ يقطع الشرايين ويخلط اللحم بالدم. الشاهد: في "هذاذيك" فهو من المصادر المثناة المضافة إلى ضمير المخاطب وهو مفعول مطلق لفعل محذوف من معناه تقديره "أسرع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 ومن النصائح المفيدة "اذهبْ إلى الريف حيثُ الحياةُ طلقةٌ صافيةٌ مبهجةٌ". وهذا هو الأصل، لكن وردت بعض الشواهد في اللغة على غير هذا الأصل، إذ أضيفت فيها "حيث" إلى المفرد إلى الجملة، وهذه الشواهد تُحمَل على أنها لغة الشعر الخاصة، ومن ذلك: - قول الراجز: أما تَرَى حيثُ سهَيْلٍ طَالِعَا ... نجمًا يضيءُ كالشِّهابِ لَامِعَا1 - قول الآخر: ونطْعَنُهم حيثُ الكُلَى بعدَ ضربِهم ... ببيض المَوَاضي حيثُ ليِّ العَمَائِمِ2 ب- كلمة "إذ" وهي اسم زمان للماضي مبني على السكون، وتضاف أيضا لكل من الجملتين الاسمية والفعلية، كقولك: "فرحتُ إذْ نجحت وإذ أصدقائي ناجحون أيضا". وهنا ينبغي التنبه إلى فكرة مفيدة هي: أن كلمة "إذْ" ساكنة غير منونة فإذا نونت استغني عن الجملة التي تضاف إليها بالتنوين الذي يطلق عليه "تنوين   1 سهيل: نجم معين، الشهاب: الشعلة. الشاهد: في "حيث سهيل" حيث أضيفت "حيث" إلى كلمة "سهيل" لا إلى جملة، وهذه لغة الشعر الخاصة، إذ المفروض أن تضاف إلى جملة. 2 الكلى: جمع كلية وهي معروفة، والمقصود بالطعن حيث الكلى: الطعن في الصدور والحشا، ببيض المواضي: بالسيوف القاطعة، حيث لي العمائم: حيث لف العمائم، ومكانه الرأس. يقول: إن طعننا بالرماح وضربنا بالسيوف كلاهما قاتل، فنحن نطعن في الصدور ونضرب على الرءوس. الشاهد: "حيث الكلى" في الشطر الأول، وأيضا "حيث ليّ العمائم" في الشطر الثاني وقد أضيفت "حيث" فيهما إلى كلمة لا إلى جملة وهذه لغة الشعر الخاصة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 العوض" كقول القرآن: {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} 1، وقوله: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} 2. ج- كلمة "إذا" وهي -كما سبق في أدوات الشرط- أداة شرط لما يستقبل من الزمان، وتضاف لجملة الشرط بعدها، ولا بد أن تكون جملة فعلية، ولا يصح أن تكون جملة اسمية، كقولك: "إذا تواضعتُ فعنْ قدرة، وإذا سكتُّ عن الكلام فلحكْمة" وجاء في القرآن: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} 3. ثالثا: ما تجب إضافته لاسم ظاهر أو مضمر وهي ألفاظ أربعة ينبغي التعرف على معانيها وأمثلتها. أ- كلمة "لدن" جاء في ابن عقيل: هي لابتداء غاية زمان أو مكان، وهي مبنية عند أكثر العرب ا. هـ. والأكثر في استعمالها أن تكون مجرورة بالحرف "مِنْ" كما جاء في القرآن: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} 4 وهي في الآية مضافة إلى الضمير، ومن إضافتها للاسم الظاهر قول الرّاجز يصف "الملاريا": تنتَهضُ الرّعْدةُ في ظهيْري ... منْ لَدُن الظُّهْرِ إلى العصيْرِ5   1 من الآية 48 سورة الواقعة. 2 من الآية 4 سورة الزلزلة. 3 من الآية 86 سورة النساء. 4 من الآية 65 سورة الكهف. 5 يقول: إن رعشة الحمى تتحرك في ظهري من الظهر إلى العصر. الشاهد: في "من لدن الظهر" حيث جرت "لدن" بالحرف "من" وهذا هو الغالب فيها، وقد أضيفت إلى الاسم الظاهر بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 ب- كلمة "لَدَى" وهي مثل "لَدُنْ" في المعنى والإضافة، تقول: "أودعتُ أسراري لَدَى صديقي، فحفِظها، وصانها، وأفرغتُ لَدَيْه شكوايَ، فخفّفها، ووَاساها". ج- كلمة "مَعَ" قال ابن هشام: هو اسم لمكان الاجتماع معرب ا. هـ. فهي إذن تدل على مكان الالتقاء والاجتماع في الصحبة، ومن العبارات الشائعة بيننا: "إن الله مع الصابرين" وأيضا: "اذهبُوا ومعكم السّلامة". وهنا ملاحظة مفيدة هي: أن كلمة "مع" إذا كانت بمعنى "جميعا" فإنها لا تضاف بل تنون وتنصب على الحال، تماما مثل كلمة "جميعا" تقول: "أجادَ أفرادُ فريقِ الكرةِ معًا" ومن ذلك قول "متمم بن نويرة" يرثي أخاه "مالكا": فلمَّا تفرّقنا كأنّي ومالكًا ... لطولِ افتراقٍ لم نبتْ ليلةً مَعَا1 ج- كلمة "قُصَارَى" جاء في القاموس: قُصَارَاكَ أي جهدك وغايتك ا. هـ. تقول: "قصاراك أن تحيا سعيدًا" وأكثر ما تستخدم في نهاية كلام سابق، فتقول: "قُصَارَى القَوْلِ" ثم تأتي بملخص مفيد لما سبق من الكلام. رابعا: ما يجب إضافته لمثنى ظاهر أو مضمر: وذلك كلمتان "كِلَا، كِلْتَا" إذ يضافان لمثنى حقيقة، وهو الاسم   1 يقول: حين مات أخي "مالك" وطال على موته الزمان، انتهى وانقضى كأنه ما عاش. الشاهد: في "معا" فهي بمعنى "جميعا" فتنصب على الحال ولا تضاف، ويلاحظ أن مضارع "بات" في قوله: "لم نبت" ليس ناسخا بل هو تام فيحتاج لفاعل هو الضمير المستتر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 الظاهر المثنى، مثل {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} 1 أو مثنى في المعنى لا في الحقيقة وهو الضمير الدال على التثنية، مثل "كلاهما، كلتاهما" أو الضمير الذي يشمل المثنى وغيره، مثل "كلانا" ومن ذلك قول عبد الله بن الزبعرى: إنّ للخيرِ وللشرِّ مدى ... وكلا ذلك وَجْهٌ وقَبَلْ2 الأسماء التي تضاف أحيانا وما تضاف إليه: الصنف الثاني المشابه للصنف السابق الملازم للإضافة، وهي بعض أسماء لا تلزم الإضافة دائما، لكنها إذا أضيفت التزم في المضاف إليه معها صفات خاصة، ومن البيّن أن الفرق بين الاثنين أن الصنف الأول يلازم الإضافة بخلاف ما سنذكره هنا، فإنه لا يلزم، ومن البيّن أيضا أنهما يتشابهان في حالة الإضافة في اشتراط صفات خاصة في "المضاف إليه" معهما، وإليك كلمات الصنف الثاني وشرح ما تضاف إليه: أولا: بعض أسماء الزمان المبهمة مثل: "حين، وقت، زمان، يوم.. إلخ" وهذه حين تضاف يجب إضافتها إلى الجمل اسمية أو فعلية بشرط واحد هو "أن تبقى على إبهامها" فتعامل حينئذٍ معاملة الكلمتين "إذ، إذا" معنى واستعمالا، تقول: "ذهبتُ إلى المصيف زمنَ الجوُّ حارٌّ" أو "ذهبتُ إلى المشْتَى حينَ جاءَ الشِّتَاءُ" أو "يوم يتهيأ العربُ للوحدَةِ سيتحدون".   1 من الآية 33 سورة الكهف. 2 مدى: غاية، وجه: طريق وناحية، قبل: بفتح الباء: الحجة. الشاهد: في "وكلا ذلك" حيث أضيفت "كلا" إلى "ذلك" وهو مثنى في المعنى؛ لأنه إشارة إلى اثنين مرا في الشطر الأول هما "الخير، الشر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 قال علماء النحو -رحمهم الله- وأسماء الزمان المبهمة حين تضاف للجملة فعلية أو اسمية يصح إعرابها، فتتغير على حسب ما تشغله من الوظائف النحوية، ويصح أيضًا أن تبنى على الفتح، فلا يتغير شكلها في التركيب الذي وردت فيه كقولنا: "ليتنا امتلكنا حرّيتنا من وقت قامت الثورةُ العرابيَّةُ في القرن الماضي" فيصح أن تشكل كلمة "وقت" بالكسر إعرابا، ويصح أن تشكل بالفتح بناء. هذا هو الأصل في إعراب أسماء الزمان المبهمة حين الإضافة، والتفصيل في الترجيح بين الإعراب والبناء أيهما هو الأحسن على الوجه التالي: أ- يترجح بناء الاسم المبهم على الفتح إذا كانت الجملة التي "أضيفت إليه" جملة فعلية فعلها ماضٍ -وهو مبني كما نعرف- أو فعلية فعلها مضارع مبني أيضا، حينئذٍ يكون بناء المبهم أحسن حيث يتوافق مع ما أضيف إليه ومن ذلك: - قول النابغة: عَلَى حين عاتَبْتُ المشيبَ على الصِّبا ... فقلتُ ألمَّا تصحُ، والشيبُ وازعُ1 - قول الآخر:   1 الصبا: "بكسر الصاد" الميل إلى الشهوات والرغبات، وازع: ناهٍ وزاجر ومانع. الشاهد: في "على حين عاتبت المشيب" فإن كلمة "حين" اسم زمان مبهم وبعده جملة فعلية فعلها ماضٍ هي "عاتبت المشيب" وقد أضيفت إليه، وقد رويت كلمة "حين" بالفتح على البناء -وهو الأحسن- كما رويت بالكسر مجرورة معربة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 لأجْتَذِبَنْ منهنَّ قلبي تَحَلُّمًا ... على حين يستصبِينَ كلَّ حَليمِ1 فقد رويت كلمة "حين" في كلا البيتين بالفتح على البناء -وهو أحسن- وبالكسر على الإعراب وهو مرجوح. ب- ترجح إعراب الاسم المبهم على بنائه على الفتح، وذلك إذا أضيف إلى جملة فعلية فعلها مضارع معرب -مضارع غير متصل بالنونين- أو أضيف إلى جملة اسمية، حينئذٍ يكون الإعراب أحسن ليتوافق مع ما أضيف إليه. - جاء في القرآن: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} 2. قرئت الآية بضم كلمة "يوم" على الإعراب -وهو أحسن- وبفتحها على البناء وهو مرجوح. - يقول الشاعر: تذكَّرَ ما تذكّرَ من سُلَيْمى ... على حين التّواصلُ غيرُ دَانِي3   1 لأجتذبن: لأنزعن بعنف، تحلما: تكلفا للحلم وإظهارا له، يستصبين: يستملن. يقول: سأحاول الانصراف عن النساء الفاتنات مظهرا الحلم والهدوء وإن كن أقوى من كل حلم وهدوء. الشاهد: في "على حين يستصبين" فإن كلمة "حين" من أسماء الزمان المبهمة، وأضيف إليها جملة "يستصبين" وهي جملة فعلية مضارع مبني، وقد رويت كلمة "حين" بالفتح على البناء -وهو الأفصح- وبالكسر مجرورة معربة. 2 من الآية 119 سورة "المائدة". 3 غير داني: غير قريب بل بعيد. الشاهد: في "على حين التواصل غير داني" فإن كلمة "حين" من أسماء الزمان المبهمة وقد أضيفت إليها جملة اسمية هي "التواصل غير داني" وقد رويت كلمة "حين" بالكسرة إعرابا -وهو الأحسن- كما رويت بالفتح بناء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 روي البيت بالوجهين في كلمة "حين" بالكسر على الإعراب -وهو أحسن- وبالفتح على البناء وهو مرجوح. وخلاصة الأمر في اسم الزمان المبهم حين الإضافة ما يلي: أنه يضاف للجملة، والأفصح أن يتوافق بناء وإعرابا مع الجملة التي أضيفت إليه، فيبنى على الفتح إذا كانت الجملة فعلية فعلها ماضٍ أو مضارع مبني، ويعرب إذا كانت الجملة فعلية فعلها مضارع معرب أو كانت الجملة اسمية. ثانيا: بعض أسماء المكان المبهمة مثل "قبل، بعد، أوّل، دون، أسماء الجهات الست، عَلُ، غير في قولنا: ليس غير" وهذه الأسماء حين تضاف يجب إضافتها للمفرد سواء أكان ظاهرا أو مضمرا ا. هـ يقال في المثل: "الرّفيق قبلَ الطريق" ويقال أيضا: "رُبَّ صداقةٍ بعد عداوة" وأيضا: "أوّلُ الغَيْثِ قَطْرٌ ثم ينْهَمِرُ". هذا، والكلمات السابقة تأتي في اللغة على الصور الثلاث التالية: الأولى: أن تكون منونة، وهي حينئذٍ نكرة ومعربة، كقولنا: "اللهُ موجودٌ من قبْلٍ ومن بَعدٍ" فهو "قَبْلٌ" بلا بداية وهو "بَعْدٌ" بلا نهاية، ومن ذلك قول يزيد بن الصّعق: فَسَاغَ ليَ الشَّرابُ وكنتُ قَبْلًا ... أكادُ أغَصُّ بالماءِ الحميمِ1   1 ساغ: حل وعذب، الشراب: مطلق ما يشرب، والمقصود هنا الخمر، وكانوا يحرمونها إذا كان لهم ثأر، أغص: أصله وقوف الماء في الحلق، والمراد هنا التعبير عن حزنه وكربه فيفقد شهيته، فلا يجد لشيء مذاقا ولا عذوبة حتى الماء. الشاهد: في "كنت قبلا" حيث استعمل اسم المكان المبهم بالتنوين فهو نكرة معربة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 الثانية: أن تكون هذه الكلمات مضافة، فتعرب أيضا بحسب ما تشغله من الوظائف النحوية، كقولك: "أخذتُ مكاني في المدرّج قبلَ دخولِ الأستاذ" أو: "قمتُ نشيطا بعدَ نومٍ هنِيء". الثالثة: أن تكون غير منونة وغير مضافة، وهي حينئذٍ معرفة، إذ تدل -بهذه الصورة- على "قبل شيء معين" أو "بعد شيء معين" أو "أوّل شيء معروف" وهكذا، ولعلماء النحو في شكل آخرها اتجاهان: أ- ضم آخرها دائما، وهي مبنية تلزم هذا الضم ولا تتغير، كقولك: "كُنتُ على وشْك دخول الكلية، ولكنْ رجعتُ من قبلُ" أو: "حين تأتي الساعةُ الثامنةُ الليلةَ سأحضرُ إليك بعدُ"، ومن ذلك قول معن بن أوس: لَعَمْرُكَ ما أدْرِي وإني لأوْجَلُ ... على أيِّنا تَعْدُو المنيّةُ أوّل1 ب- أن تشكل بحسب ما تشغله من وظائف النحو، فتتغير، وهي حينئذٍ معربة، كقولنا: "إن شاء الله ستحرر قواتنا سيناء، فتأتيها من شمالِ وجنوبِ وأمامِ وخلف" ومن ذلك:   1 لأوجل: لأخاف، تعدو المنية: يهجم الموت. الشاهد: في "أول" فقد جاءت غير منونة وغير مضافة، وهي اسم مكان مبهم بني على الضم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 قول الشاعر: ومن قبلِ نادى كلُّ مَوْلى قَرَابَةً ... فما عطفتْ مَوْلى عليه العواطفُ1 وخلاصة الأمر في أسماء المكان المبهمة ما يلي: تستعمل هذه الكلمات منونة فتعرب، وتستعمل مضافة -لاسم ظاهر أو مضمر- فتعرب أيضًا، وتستعمل غير منونة وغير مضافة، فيصح فيها الإعراب والبناء. وبناء على ذلك يمكن توجيه الآتي: - قرئ قوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} بكسر الكلمتين مع التنوين -وبالكسر دون تنوين- وبالضم دون تنوين. - حكى أبو على الفارسي: "ابدأْ بذا من أوّل" بضم اللام وفتحها وكسرها في "أوّل". - ما روي من قولهم: "قبضت عشرة ليس غيرُ" بضم "غير" دون تنوين على أنها اسم "ليس" أو خبرها.   1 كل مولى: كل قريب، فما عطفت مولى عليه العواطف: ما أجابه ولا نصره قريب. يقول: حين نزلت الشدة، نادى كل قريب أقرباءه، فما سمعوه ولا أجابوه؛ لاشتغال كل منهم بنفسه. الشاهد: في "من قبل" فقد استعملت غير منونة وغير مضافة، وهي اسم مكان مبهم، أعربت وهي مجرورة بالكسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 أساليب التعجب السماعية والقياسية : 1- المقصود بالتعجب لدي اللغويين والنحاة. 2- أساليب التعجب السماعية "المقصود بها، نماذج منها". 3- ما يدل على التعجب يأتي على صيغتين هما: أ- ما أفْعَلَه. ب- أفْعِل به. 4- الصلة بين فعل التعجب والمتعجب منه، ومتى يصح الفصل بينهما. التعجب لدي اللغويين والنحاة: نسمع الناس في حياتنا العادية يرددون في مواقف خاصة قولهم "إذا عرف السبب بطل العجب" ومفهوم هذه العبارة بالطبع أن العجب دهشة تثير فضول الناس لأمر غريب عليهم إذا كان السبب في هذه الغرابة غير معلوم ولا مفهوم، فموقف التعجب لدى الرجل العادي يتحقق إذا توفرت ظروف هي: غرابة في أمر من الأمور مع جهل السبب بهذه الغرابة، حينئذٍ تتحقق الدهشة التي قد يصحبها التعبير عنها بالصفير أو المصمصة أو الكلام. ولعلنا بذلك نفهم ما يقوله اللغويون عن "التعجب" إذ يعرفونه بقولهم: انفعال ما يحدث في النفس عند الشعور بأمر خفي سببه ا. هـ. فهذا الانفعال النفسي -حتى بدون ألفاظ- يطلق عليه أنه "تعجب" لدى اللغويين. أما النحاة فعرفوا التعجب بقولهم: استعظام زيادة في وصف المتعجب منه تفرد بها عن أمثاله أو قلَّ نظيره فيها وقد خفي سببها، مع التعبير عن ذلك بكلام يدل على الدهشة والاستغراب ا. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 فالنحاة في ذلك يتفقون مع استعمال التعجب في حياتنا العادية ومع ما رآه اللغويون عنه من حيث وجود الأمر الغريب الذي خفيت أسباب غرابته، لكنهم يتفردون بتخصيص التعجب بنطق كلامي يدل على الدهشة والاستغراب ويقصدون بذلك صيغ التعجب التي ستأتي تفصيلا، فالتعجب لا يتحقق لدى النحويين إلا بهذا النطق، كقولنا: "ما أرْوَعَ العِلْمَ في عصرنا". أساليب التعجب السماعية: يقصد بها تلك الأساليب التي هي أصلا لغير التعجب، ثم تدل عليه بالاستعمال المجازي، فالألفاظ المنطوقة لهذه الأساليب لا علاقة لها بالتعجب فهي مستعملة في اللغة لغيره، ومعاني هذه الألفاظ في الأصل لا يفهم منها التعجب، لكنها دلت عليه دلالة عارضة عن طريق المجاز وظروف النطق. من تلك الأسباب التي وردت عن العرب ما يلي: - قول القرآن: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} 1 فكلمة "كيف" أصلا بلفظها ومعناها للاستفهام، ولكنها دلت على التعجب دلالة عارضة على سبيل المجاز، ومثل ذلك كل استفهام دلَّ على التعجب. - قول الرسول: "سبحانَ الله!! إنّ المؤمنَ لا يَنْجَسُ حيًّا ولا ميّتًا". فسبحان الله: بلفظها ومعناها للدعاء والعبادة، ثم استخدمت في التعجب على غير الأصل. - قول عمرو بن العاص عن عمر بن الخطاب: "لله درُّ ابن حَنْتَمة أيّ رجل كان!! ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 جاء في القاموس: لله دره: أي عمله، ونسبة العمل لله لا تدل أصلا على التعجب، ولكنها دلت عليه -في هذا الموقف- عن طريق المجاز. - ما ورد من قول العرب: "لله أنتَ من رجل!! " فنسبة المخاطب لله لا تدل على التعجب، لكن لورود هذا الأسلوب غالبا في مواقف الإعجاب والدهشة أفاد معنى التعجب. صيغ التعجب القياسية: يقصد بها تلك الصيغ التي تدل بلفظها ومعناها على التعجب، فهي بلفظها معدَّة لذلك صرفيا، وهي بمعناها تدل على التعجب، وهكذا استعملتها اللغة. والصيغ القياسية اثنتان هما: أ- ما أفْعَلَه: مثل "ما أعْظَمَ شَعْبَنَا وما أرْوَعَه عند الخطوب وما أوْفَاهُ للمخلصين من أبنائه". ب- أفْعِلْ بِهِ: مثل "أكْرِمْ برجالِ شعبِنا وأهْوِنْ بالخطوب مع عزمَاتهم". وإليك تفصيل الحديث عن هاتين الصيغتين: ما أفْعَلَه: تتكون هذه الصيغة من أمور ثلاثة هي ما + فعل التعجب + المتعجب، وفي كل واحد من الثلاثة حديث طويل يمكن تقريبه بما يلي: أ- ما: نكرة بمعنى "شيء عظيم" فهي إذن في قوة الموصوفة، ولذلك صح الابتداء بها، فهي إذن مبتدأ، وهذا الرأي السابق أشهر الآراء فيها. ب- فعل التعجب: وهو فعل ماضٍ جامد لا يتصرف مثل "ليس، عسى" إذ تدخل عليه نون الوقاية فتقول: "ما أحْوَجَني إلى الإخلاص، وما أفْقَرَنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 إلى عفو الله" وفيه ضمير مستتر يعود على "ما" أداة التعجب، والجملة كلها خبر "ما"، وهذا الرأي السابق أشهر ما قيل عن الفعل، بصرف النظر عمن قالوا باسميّته. ج- المتعجب منه: وهو الاسم المنصوب الذي يأتي بعد فعل التعجب وهو منصوب على أنه مفعول به مكمل للجملة الفعلية الواقعة خبرا، وهذا أيضا أشهر الآراء فيه. نقول: "ما أسْهَلَ النَّحْوَ حين يُشْرَحُ وما أصْعَبَه مع غُموضِ معناه" ونقول أيضا: "ما أجْمَلَ الحلمَ مع المهذّب الكريم وما أقْبَحَ الضعفَ مع السّفيه اللئيم". أفعل به: تتكون أيضا من أمور ثلاثة هي فعل التعجب + الباء + المتعجب منه. أ- فعل التعجب: يصفه المعربون بقولهم: "فعل ماضٍ جاء على صورة الأمر" وهي عبارة غريبة!! فكأنما هذا الفعل في التقدير ماضٍ، وفي الصورة فعل أمر، ويترتب على ذلك أمران: أولهما: أن يعرب هو نفسه على أنه فعل أمر. ثانيهما: أن يعرب ما بعده على تقدير أنه فعل ماضٍ. ب- الباء حرف جر زائد، فالاسم الذي بعدها مجرور بها لفظًا، لكنه فاعل تقديرًا. ج- المتعجب منه: يجر بالباء لفظا، لكنه فاعل في التقدير لفعل التعجب باعتباره فعلا ماضيا في التقدير أيضا. هكذا حُلِّلَت هذه الصيغة هذا التحليل الغريب، ومع ذلك فإنه هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 الاتجاه المشهور بين النحاة والمعربين في تحليلها، بصرف النظر عن اتجاهات أخرى لا داعي لذكرها، فلنتأمل الآتي: جملة التعجب أصلها تقديرا أصْدِقْ بكلامِ الرَّسول في شئون الحياة أصْدقَ كلامُ الرسولِ في شئون الحياة أعذِبْ بالقرآنِ أدبًا وتهذيبًا أعْذَبَ القرآنُ أدبًا وتهذيبًا أعْظِمْ بالعلمِ في العصر الحديث نفعًا أعْظَمَ العلمُ في العصر الحديثِ نفعًا ويقال: إن الهمزة في الأفعال الماضية "أصْدَقَ، أعْذَبَ، أعْظَمَ" للصيرورة، فمعنى "أصْدَقَ كلامُ الرسول" أنه "صار ذا صدق عظيم" ثم حُوّل للأمر، وزيدت معه "الباء"، وكذا الباقي ا. هـ. الصلة بين أجزاء صيغتي التعجب: الأصل في صيغتي التعجب مجيئهما على الترتيب الذي سبق شرحه، فلا يتقدم عليهما معمولهما، كما لا يصح أن يفصل شيء بين مكونات جملة التعجب بترتيبها السابق، وبعبارة أقرب: لا يفعل شيء بين "ما" وفعل التعجب، ولا بين فعل التعجب والمتعجب منه. هذا هو الأصل، لكن استدركت عليه أمور ثلاثة هي: أ- جواز الفصل بين "ما" وفعل التعجب "بكان الزائدة" تقول: "ما كانَ أصْبرَ الرسولَ على أَذَى المشركين، وما كانَ أثبَتَ المسلمين على عقيدتهم مع هذا الأذى" وتقول: "ما كان أتْعَسَ شعبنا غداة الهزيمة، وما كان أقواهُ إذ تماسك من جديد". ب- جواز الفصل بين فعل التعجب والمتعجب منه بالجار والمجرور، ومن ذلك: - قول العرب: ما أحسنَ بالرّجُل أن يصدُقَ، وما أقبحَ بِه أنْ يكْذبَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 - قول عمرو بن مَعْدِ يكربَ عن بني سُلَيم: لله دَرَّ بني سُلَيْم ما أحسن في الهيْجَاءِ لقاءها، وأكرم في اللّزَبَاتِ عطاءها، وأثبتَ في المكرماتِ بقاءها. - قول الشاعر: خليليّ ما أحْرى بذي اللُّبّ أنْ يُرى ... صبُورا ولكنْ لا سبيل إلى الصّبر1 ج- جواز الفصل بين فعل التعجب والمتعجب منه بالظرف، تقول: "ما أثبتَ لحظةَ الهوْل المؤمنَ وما أجبنَ ساعة اللقاء المنافقَ"، ومن ذلك قول معن بن أوس: أقيمُ بدار الحزْم ما دام حزمُها ... وأحْرِ إذا حالتْ بأن أتحوَّلا2 ملاحظة مهمة: صياغة "التعجب" من الأفعال مبحث صرفيّ، ومع ذلك سيأتي في "اسم التفضيل" إذ يتفقان في شروط تلك الصياغة "انظر ص680" مع ملاحظة اختلاف التعجب عن التفضيل.   1 ما أحرى: ما أجدر وما أحق، بذي اللب: بذي العقل. يقول: من اللائق بذي العقل أن يتصف بالصبر، فهذا مطلوب حقا لكن لا سبيل إليه. الشاهد: في "ما أحرى بذي اللب أن يرى صبورا" حيث فصل بين فعل التعجب "أحرى" والمتعجب منه وهو المصدر المؤول من "أن يرى صبورا" الجار والمجرور "بذي اللب"، وهذا جائز نحويا. 2 بدار الحزم: "الحزم" الحكمة، ودار الحزم المكان الطيب الصالح، وأحر: أجدر، إذا حالت: إذا تغيرت وصارت الإقامة فيها عناء، بأن أتحولا: أن أتركها وأرحل عنها. يقول: إنني أقيم بالمكان الصالح الطيب، فإذا تغير وضاق به الرزق، فالجدير بالمرء أن يتركه ويرحل عنه. الشاهد: في "أحر، إذا حالت، بأن أتحولا" حيث جاء فعل التعجب "أحر" والمتعجب منه "بأن أتحولا"، وفصل بينهما الظرف "إذا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 التوابع الخمسة مدخل ... التوابع الخمسة: تمهيد: تكاد كتب النحو الكبرى تتفق في تعريف "التابع" على عبارة واحدة هي "التابع هو الاسم المشارك لما قبله في إعرابه الحاصِل والمتجدِّد وليس خبرا ا. هـ". والإعراب "الحاصل" يقصد به الإعراب الموجود فعلا في الجملة -أي جملة- وفيها يشارك التابع متبوعه رفعا أو نصبا أو جرا، وربما أيضا تبعه في الجزم إذا كان المتبوع فعلا، وهو قليل. نقول: "المجتمعُ المتحضرُ يرَاعِي الضميرَ الوازعَ قبل القانونِ الرَّادعِ" فمن الملاحظ أن الكلمات "المتحضر، الوازع، الرادع" تتبع ما قبلها في الإعراب، الأولى تبعته رفعا، والثانية تبعته نصبا، والثالثة تبعته جرًّا. ويقصد "بالمتجدِّد" ما إذا تغيرت الجملة، فتغيرت وظائف الكلمات المتبوعة فيها، حينئذٍ تتغير أيضا وظائف الكلمات التابعة لها، فإذا غيرنا الجملة السابقة فقلنا: "إنّ المجتمعَ المتحضرَ يُراعَى فيه الضميرُ الوازعُ سابقًا القانونَ الرادعَ" فإنه يلاحظ تغير التوابع في إعرابها بعد أن تجدد إعراب المتبوعات في الجملة الجديدة. ويبقى هذا القيد الأخير "ليس خبرا" ويقصد به صورة واحدة من صور الخبر هي "الأخبار المتعددة" فنحن نقول مثلا: "عصرنا علْمٌ عملٌ قوّةٌ" فالأخبار المتتالية متفقة في الإعراب، فلو غيرنا الجملة اتفقت في الإعراب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 أيضا، فنقول: "أصبح عصرُنا علْمًا عملًا قوّةً" كلها أيضا منصوبة، ومع ذلك لا يعتبر الثاني أو الثالث منها من التوابع مع أنه يتبع ما قبله في إعرابه الحاصل والمتجدد، لأنه خبر، ومشروط في التابع ألا يكون خبرًا. هذا، ومما يعرض له النحاة في حديث التوابع البحث عن العامل فيها كما هو الشأن في بحثهم عن عوامل كل الوظائف النحوية، ويختلفون في ذلك اختلافا كثيرا، وهو موضوع غير مفيد نحويا، لكنه صورة ذهنية لمشاكل العامل وفلسفته في النحو، فليكن العامل في المتبوع هو العامل التابع، أو فليكن العامل في التابع معنويا، أو فليكن العامل محذوفا مماثلا للمذكور المتبوع، فكل ذلك لا يفيد شيئا، والمفيد حقا أن يذكر أن التابع يماثل ما تبعه في إعرابه، وهذا يكفي. والتوابع خمسة هي: 1- النعت = الصفة: كقولنا: مصاحبةُ الأشرارِ المنحرفين تُورثُ سوء الظن بالأبرارِ المستقيمين. 2- التوكيد: كقول القرآن: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} . 3- عطف البيان: كقولنا: من مفاخر الإسلام عهدُ الصديقِ أبي بكر والفاروقِ عمر. 4- عطف النسق: كقولنا: التوابع هي النعتُ والتوكيدُ والبيانُ والنسقُ والبدلُ. 5- البدل: كقولنا: يحترم المجتمع المرأةَ تعليمَها وأخلاقَها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 النعت "الصفة": 1- معنى النعت لدى اللغويين والنحاة، وما يفيده للمنعوت من معانٍ نحوية وبلاغية. 2- المقصود بالمصطلحين النحويين "النعت الحقيقي، النعت السببي" وكيفية مطابقتهما للمنعوت. 3- ما ينعت به هو "المشتق، ما يشبه المشتق، المصدر، الجملة، شبه الجملة". 4- قطع النعت عن المنعوت "معناه، الأسلوب الذي يرد فيه". - حذف كل من النعت أو المنعوت. معني النعت: اختار النحاة كلمة "النعت" دون "الصفة" وإن كان كلاهما بمعنى واحد في اللغة، فقد جاء في أساس البلاغة: هو منعوت بالكرم وبخصال الخير، ومن كلام العرب: هو حُرُّ المنابِت حسَنُ المناعت، أي: طيّب الأصل حسن الصفات. فالغالب على تعبير النحاة أن يقولوا: "النعت والمنعوت" وتساوي تماما: "الصفة والموصوف" لكن المعربين -وبخاصة المبتدئين- على العكس من ذلك، إذ الغالب عليهم أن يستعملوا الصفة والموصوف، ويقل في كلامهم أن يستعملوا النعت والمنعوت. أما لدى النحاة فقد اختلفت الألفاظ التي تحدد النعت، وإن تلاقت جميعها في النهاية على معنى واحد، والذي يستخلص من مجموع كلامهم أن النعت يمكن تحديده بما يلي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 هو الاسم المشتق أو المؤول بالمشتق الذي يكمل به المنعوت ببيان صفة من صفاته أو من صفات اسم آخر له صلة بالمنعوت ا. هـ. فالذي يجب أن يتوافر للنعت إذن هو الصفات التالية: أ- أن يكون مشتقا أو مؤولا بالمشتق -سيأتي بيانهما- كما تقول: "أنا إنسانٌ مُعتَزٌّ بعروبته، قد أكونُ مُواطِنًا مصريًّا، لكنني أتكلم لغةً عربيةً، وأعيشُ فوق أرض عربيةٍ". ب- أن يكمل به المنعوت، والمقصود بذلك أن يكون تابعا له، فيتكامل معناهما، فالمنعوت في حاجة إليه، وهو متمم لمعناه، كما تقول "ذاكرتُ مذاكرةً جيدةً بنفسٍ راضيةٍ وعقلٍ متفتحٍ". ج- أن يدل على صفة في المنعوت -وهذا هو الأصل في النعت- أو صفة لاسم آخر يأتي بعده له صلة بالمنعوت، فلنلاحظ الأمثلة الآتية: انتبه الطَّالبُ المتفتِّحُ، انتبه الطالبُ المتفتِّحُ عقلُه. دخلتُ حديقةً مزهرةً، دخلت حديقةً مزهرةً أشجارُها. المعاني النحوية والبلاغية التي يفيدها النعت: عبارة واحدة تحدد ما يفيده النعت نحويا هي "النعت يوضح المعارف ويخصص النكرات" فالنعت إذن يفيد أحد أمرين: الأول: توضيح المعارف: فإذا كان المنعوت معرفة، كانت مهمة النعت أن يجلوَه أكثر لنا، تقول "شوقي الشاعرُ لُقِّبَ بأمير الشعراء سنة 1927" أو "العقادُ الكاتبُ مفكِّرٌ عظيم أجاد كتابةَ العبقرياتِ الإسلامية". الثاني: تخصيص النكرات: فإذا كان المنعوت نكرة، كانت مهمة النعت تخصيصه، بمعنى التقليل من إبهامه، وتقريبه نوعا ما من الوضوح، كقولنا "يحتاج العلم إلى قلب مفتوح وعقل متفتح". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 فالغرضان السابقان يفيدهما النعت نحويًّا، ولا يخلو أسلوب من أساليبه من واحد منهما، ومع ذلك فإنه يفيد معاني أُخَر إلى جوارهما وهي معانٍ بلاغية لا نحوية، وهي كثيرة يحددها أسلوب الكلام الذي وردت فيه وإليك بعض هذه المعاني بصرف النظر عن الخلاف حول عددها، فهو خلاف لا طائل وراءه؛ لأنها -كما سبق- معانٍ بلاغية أسلوبية، ومنها: 1- المدح: كقولك: "لي صديقٌ كريمُ النفس طيّبُ الأخلاق". 2- الذم: كقولك: "أحتقرُ الضَّيفَ الثقيل والزائرَ المطيل والمضيف البخيل" ومن ذلك قولنا في بداية القراءة: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". 3- الترحم والاستعطاف: كقول المحامي في موقف القضاء: "انظروا إلى هذا المتَّهمِ المظلومِ، فإنه أبٌ لأبناءٍ مساكينَ". 4- التوكيد: إذا كان معنى النعت مستفادا من المنعوت، كقول العرب: "أمْسِ الدابرُ المنقضي زمانُه لا يعود" وقول القرآن: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} . 5- التعميم: كقولنا: "تُطَبّقُ العدالةُ على الناسِ الفقراءِ والأغنياءِ الصغيرِ منهم والكبير" ومن ذلك ما ورد في الأثر: "إن الله يرزقُ عبادَه الطائعين والعاصين الساعيةَ أقدامُهم الساكنةَ أجسامُهم". 6- التفصيل: كقولك: "زارني صديقان قاهريٌّ وريفي" أو: "قرأت كتابين نحويًّا وأدبيًّا". إلى غير ذلك من الأغراض، وهي كثيرة تعرف من سياق الكلام الذي وردت فيه. النعت الحقيقي والنعت السببي: "الحقيقي والسببي" مصطلحان نحويان مشهوران ينسبان لباب النعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 يصفان الصورتين اللتين يرد عليهما النعت في اللغة العربية، وكل منهما في حاجة إلى فهم أمور ثلاثة عنه هي: أ- المقصود بهذه التسمية، وبعبارة أخرى: لماذا سمي الأول حقيقيا والثاني سببيًّا. ب- تصور النحاة لهما، أو بعبارة أخرى: تحديد النحاة لكلتا الصورتين. ج- صفات التطابق النحوية التي ينبغي أن تصحب كل واحدة من الصورتين، وذلك بالتوضيح التالي: النعت الحقيقي: الإجازةُ فرصةٌ طيبةٌ لراحةِ الجسمِ المجهدِ والعقلِ المكدودِ. والحياةُ فرصةٌ فريدةٌ للعملِ النافعِ والعيشِ المريحِ. يسمي هذا النعت "حقيقيا"؛ لأنه بالنسبة للمنعوت صفة حقيقية له من حيث المعنى ومن حيث اللفظ، ولنتأمل في الأمثلة السابقة "فرصة طيبة، الجسم المجهد، العقل المكدود، العمل النافع، العيش المريح" حيث نجد الكلمة الثانية أدت مهمة النعت للكلمة التي سبقتها سواء أكان ذلك من حيث المعنى أم اللفظ، وقد جاء في تنقيح الأزهرية توضيح ذلك بما يلي: "سمي هذا النعت حقيقيا لجريانه على المنعوت لفظا ومعنى، أما لفظا؛ فلأنه تابع له في إعرابه، وأما معنى؛ فلأنه نفسه في المعنى"ا. هـ. لذلك: حدد النحاة هذا النعت بتعريفات متعددة يجمعها كلها الآتي: النعت الحقيقي: هو ما اتجه لمتبوعه السابق عليه في المعنى وفي اللفظ فهو من حيث المعنى قد أفاد صفة للمتبوع السابق، ومن حيث اللفظ يتبعه في الإعراب وأحوال التطابق الأخرى، فمن كلام الرسول: "المؤمنُ القويُّ خيرٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 وأحبُّ إلى الله من المؤمنِ الضعيفِ" ونقول: "القوةُ الجاهلةُ حماقةٌ مهلكَةٌ والقوةُ العاقلةُ شجاعةٌ مفيدةٌ". فالصلة إذن في هذه الصورة بين النعت والمنعوت صلة قوية جدا، ومن أجل ذلك يجب التطابق التام بينهما، بأن يتفق مع المنعوت السابق عليه في الآتي: أ- أوْجُه الإعراب، الرفع والنصب والجر. ب- التعريف والتنكير. ج- الإفراد والتثنية والجمع. د- التذكير والتأنيث. فهذه صفات عشر يحمل النعت ومنعوته أربعا منها في كل مثال، حيث يتطابقان تماما في هذه الأربعة، فلنطبق ذلك على الأمثلة التالية: الصديقُ الوفيُّ خيرٌ من أخٍ شقيقٍ. الصديقان الوفيّان خيرٌ من أخوين شقيقين. إن الأصدقاءَ الأوفياءَ خيرٌ من الإخوةِ الأشقاءِ. الصديقةُ الوفيةُ خيرٌ من أختٍ شقيقةٍ. ولعلّنا بعد هذا الشرح السابق نفهم تلك العبارة المشهورة بين المشتغلين بالنحو -والمعربين منهم خاصة- عن النعت الحقيقي وهي: "يتبع النعت الحقيقي منعوته في أربعة من عشرة" ويقصدون بذلك أنه يتفق معه في واحد من أوجه الإعراب الثلاثة، وفي واحد من التعريف أو التنكير، وفي واحد من الإفراد أو التثنية أو الجمع، وفي واحد من التذكير أو التأنيث، فيجتمع فيه في وقت واحد أربع صفات من عشر، وهكذا هو دائما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 النعت السببي: وَيْلٌ لأمَّةِ سائدٍ جُهَّالُها متحكِّمٍ فيها سفهاؤُها. وَوَيْلٌ لشعبٍ صامتٍ عقلاؤُه متسلطةٍ عليه أهواؤُه. يسمى هذا النعت "سببيا" لأنه في الحقيقة وواقع الأمر ليس تابعا للاسم السابق عليه من حيث المعنى، فهو لا يتجه إليه، وإنما يتجه للاسم الذي يأتي بعده، ففي الأمثلة السابقة مثلا يلاحظ أن "السيادة" متجهة للجهال لا للأمة، وأن "التحكم" متجه للسفهاء لا للأمة أيضا، وكذلك "الصمت" للعقلاء لا للشعب، ومثله "التسلط" للأهواء لا للشعب. فهذه الصورة إذن -بهذا الاعتبار- خارجة عن مفهوم التوابع لولا أن الاسم المتأخر الذي يتجه إليه الوصف يحمل ضمير الاسم السابق على الوصف كما يلاحظ في "جهالها، سفهاؤها، عقلاؤه، أهواؤه"، فهذا الضمير إذن صلة بين المتبوع والمتقدم والموصوف الحقيقي -إنه سفير بينهما- وأدى بالتالي إلى وجود صلة بين الوصف والمتبوع المتقدم، فهو إذن سبب اعتبار هذه الصورة في اللغة من باب النعت، وأطلق عليها النحاة اسم "النعت السببي" بسبب هذا الضمير. وقد عرف النحاة هذه الصورة من صور النعت تعريفات متعددة يمكن توضيحها بما يلي: النعت السببي: ما اتجه من حيث المعني لوصف اسم ظاهر بعده مرفوع واتجه من حيث اللفظ إلى المتبوع السابق عليه، ووجدت الصلة بين المتبوع المتقدم والموصوف المتأخر بضمير يحمله الاسم اللاحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 فلنلاحظ الأمثلة التالية: - يحترمُ الناسُ كلَّ فتاةٍ متينةٍ أخلاقُها فتاة: متبوع متقدم متينة: نعت سببي أخلاقُها: مرفوع متأخر بالنعت وفيه ضمير المتبوع - فهم يُقبلون على الفتاةِ الشريفِ اسمُها الفتاة: متبوع متقدم الشريف: نعت سببي للفتاة اسمها: مرفوع متأخر بالنعت، وفيه ضمير المتبوع - ويعرضون عن الأخرى السيّئةِ سمعتها الأخرى: المتبوع المتقدم السيئة: نعت للأخرى سمعتها: مرفوع بالنعت، ويحمل ضميرا يعود إلى كلمة "الأخرى" فالنعت السببي -كما سبقه فهمه- يتنازعه المتبوع السابق عليه والمرفوع به اللاحق له من حيث اللفظ والمعنى، فكيف يكون موقفه من حيث أحوال التطابق العشرة السابقة في النعت الحقيقي؟؟ لقد روعي كلا الجانبين في هذا النعت من حيث أحوال التطابق على التفصيل التالي: أ- يراعى جانب المتبوع السابق في أحوال الإعراب الثلاثة، وفي التعريف والتنكير، فيجب حينئذٍ أن يطابقه في الإعراب، وفي التعريف والتنكير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 ب- يراعى جانب الاسم المرفوع به اللاحق في الأمور الخمسة الباقية وهي الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، فيعامل النعت حينئذٍ باعتباره عاملا رفع الاسم الظاهر بعده "راجع باب الفاعل" فيبقى دائما مفردا فلا يثنى أو يجمع -كما هو شأن الفعل مع الفاعل في اللغة الفصحى- ويذكر أو يؤنث بحسب التفصيل الذي مر في باب الفاعل، فلنطبق ذلك على ما يلي: - قول القرآن: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} 1. - قول الشاعر: لَحَا اللهُ وَفْدَيْنَا وما ارتَحَلَا بِهِ ... من السَّوْءَةِ البَاقِي عليهم وَبَالُها2 هذا: وقد وضع النحاة علامة يمكن بواسطتها التفريق بين الصورتين السابقتين للنعت قالوا: النعت الحقيقي: ما رفع ضميرا مستترا يعود إلى المنعوت، نحو "جاء محمد العاقل".   1 من الآية 75 من سورة "النساء". 2 لحا الله: جاء في القاموس "لحاه يلحوه" شتمه، وهذه الجملة تستعمل في الدعاء على المخاطب بالسب واللعن، السوءة: النقيصة والخزي، وبالها هلاكها. المعنى: إن لنا وفدين يستحقان السب والشتم، فقد ارتحلا بالعار الذي بقيت بعدهما آثاره وشناره. الشاهد: في "من السوءة الباقي عليهم وبالها" فإن "الباقي" نعت سببي ومتبوعه "السوءة" والمرفوع به "وبالها" وقد روعي المتبوع في الإعراب، فهو مجرور مثله، وفي التعريف، فكلاهما فيه "أل" وروعي في وجوه التطابق الباقية المرفوع باعتباره فاعلا له، فبقي النعت مفردا ومذكرا؛ لأن المرفوع يقتضيه كذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 والنعت السببي: ما رفع اسما ظاهرا متصلا بضمير يعود إلى المنعوت نحو "جاء محمد العاقل أبوه" ا. هـ. ما ينعت به الذي يقع نعتا أمور خمسة هي: المشتق، والمؤول به، والمصدر، والجملة، وشبه الجملة، ولكل منها حديث يخصه على التفصيل الآتي: أولا: المشتق: هذا هو الأصل في النعت، ولا يقصد المشتق عامة، بل يقصد نوع خاص منه هو الوصف، ويقصد به -كما تقدم في الحال- ما دل على حدث وصاحبه وذلك: ا- اسم الفاعل: كما جاء في الأثر: "الغنيُّ الشاكرُ خيرٌ عند الله من الفقيرِ الصابرِ". 2- اسم المفعول: كقولنا "شيئان يجلبان العار: الحقُّ المنهوبُ والشرفُ المسلوبُ". 3- الصفة المشبهة: كقولنا: "لا يستوي في الميزان الرجلُ الشجاعُ والآخر الجبانُ". 4- أمثلة المبالغة: كقولنا: "قِوَامُ الإنسانِ شيئان: لسانٌ قَوَّالٌ وقلبٌ مِقْدَامٌ". 5- أفعل التفضيل: كقولنا في سجود الصلاة: "سبحانَ ربِّنا الأَعْلَى". ثانيا: ما يشبه المشتق: ويقصد به الأسماء الجامدة التي يمكن أن تؤول بمشتق، أي يمكن أن يتصور من معناها اسم مشتق تدل عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 ومن البيّن أن هذا الصنف على خلاف الأصل، وهي أمور كثيرة من أشهرها ما يلي: 1- أسماء الإشارة، ولا بد أن تكون بعد أسماء معارف، ليتفق الاثنان في التعريف، كقولنا "قابلتُ صديقي هذا في الشارعِ ذاك". ويؤول ذلك بكلمة "المشار إليه" وهي مشتقة، وأيضا أسماء الموصول المبدوءة بهمزة الوصل، مثل "القرآن كلام الله الذي أنزل على محمد". 2- ما كان بمعنى صاحب من الأسماء، وذلك "ذو" وما تفرع عنها وكذلك "أولو" و "أولات" -وقد تقدم ذكرها جميعا- كقولنا: "شعبُنا شعبٌ ذو تاريخ، وأمَّتُنا أمّةٌ ذاتُ حضارة، ففيها فتيانٌ أولو خبرةٍ وفتياتٌ أولاتُ أخلاق" ويؤول ذلك بكلمة "صاحب" وما يتفرع عنها، وهي مشتقة. 3- ما كان من الأسماء مختوما بياء النسب: كقولنا: "ما زال الإنسانُ الأوروبيُّ يتعالَى على الإنسانِ الإفريقيِّ ويُعادِيه بسبب لونه". ويؤول هذا بكلمة "المنسوب إلى كذا" وهي مشتقة، وأيضا كلمة "ابن" بين علمين وليست خبرا، مثل: "عاش محمد بن عبد الله فقيرا ومات فقيرا". 4- أسماء الأعداد، كقولنا: "يتكونُ بابُ النعتِ من أفكارٍ خَمْسٍ" أو: "ألقيتُ المحاضرةَ على الطلابِ التسعين". وهذا يؤول بتقدير كلمة "المعدود" وهي مشتقة. 5- لفظة "أي" إذا أضيفت لنكرة تماثل المنعوث في المعنى، كقولنا "كان عمرُ بنُ الخطاب عادلا أيَّ عدل" أو "اتَّخَذَ النبيُّ أبا بكر صاحبًا أيَّ صاحبٍ"، ومثل ذلك الألفاظ "كلّ، جِدّ، حَقّ" مضافة لاسم جنس يكمل معنى الموصوف، مثل "هذه هي الحقيقةُ كلُّ الحقيقة" و "أنت صديقٌ جِدّ وفيّ" أو "أنت الصديقُ حقُّ الصديق". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 ثالثا: المصدر قال ابن مالك ونعتوا بمصدرٍ كثيرا ... فالتزموا الإفرادَ والتذكيرا ومن البيّن أن المصدر اسم معنى جامد، فالنعت به على خلاف الأصل، ومن صفته حين ينعت به أن يلتزم دائما في الإفراد والتذكير، فلا يثنى أو يجمع وكذلك لا يؤنث، تقول: "كان الخلفاءُ الراشدون رجالًا عَدْلًا في حكمهم" ويقال: "شهادةُ امرأتين عَدْلٍ تقوم مقام رجلٍ فَرْدٍ". وليس من المفيد التعرض هنا لخلاف العلماء حول علاقة المصدر بالمنعوت "من النعت بلفظه أو تأويله بمشتق أو تقدير مضاف معه"، وإنما المفيد أن يعلم أن المصدر يقع نعتا بكثرة، تماما كما يقع حالا بكثرة في اللغة. رابعا: الجملة الاسمية والفعلية نقول: "دعا الإسلامُ إلى أمةٍ كلمتُها واحدة، وإلى مجتمعٍ يتكافل أهلُه؛ ليعيش المسلمون قوّة لا تُقهر وحُبًّا لا غِشَّ فيه". ففي العبارة السابقة أربع جمل وقعت صفات هي: - كلمتها واحدة. جملة اسمية في محل جر صفة لكلمة "أمة". - يتكافل أهله. جملة فعلية في محل جر صفة لكلمة "مجتمع". - لا تقهر. جملة فعلية في محل نصب صفة لكلمة "قوة". - لا غش فيه. جملة اسمية في محل نصب صفة لكلمة "حبا". وأهم الصفات الواجب توافرها في الجملة الخبرية -لا الإنشائية- التي تقع صفة -كما يلاحظ على الأمثلة السابقة- ما يلي: أ- أن يكون المنعوت نكرة، فتكون الجملة حينئذٍ صفة، أما إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 كان الاسم السابق معرفة فإن الجملة تكون حالا، قال القرآن: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} . قال النحاة: ويصح أن تقع الجملة صفة للاسم الذي اتصلت به "أل" الجنسية "مثل الرجل، الطالب، الإنسان، المرأة". ومن ذلك قول القرآن: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} 1. وقول الشاعر: ولقد أمُرُّ على اللئيمِ يَسبُّني ... فمضيتُ ثُمَّتَ قلتُ: لا يَعْنيني غضبانَ ممتلئًا عَلَيَّ إهابُهُ ... إني وحقِّك سُخْطُهُ يُرضِيني2 ب- أن تشتمل الجملة على رابط يربطها بالموصوف وهو الضمير، كما يلاحظ ذلك في كل الجمل السابقة. وربما حذف هذا الرابط من جملة الصفة إذا كان معلوما من الكلام وظروفه ومن ذلك قول جرير: ألا أبلغْ معاتبتي وقَوْلِي ... بني عمِّي فقد حَسُنَ العِتَابُ   1 الآية 37 من سورة "يس". 2 إن اللئيم يكرهني وأنا سعيد بذلك، فحين أمر عليه يشتمني استفزازا فلا أرد عليه احتقارا له، إنه مغتاظ مني أشد الغيظ، وأنا -وحياتك- مغتبط بذلك أشد الاغتباط، راضٍ أحسن الرضا. الشاهد: في "أمر على اللئيم يسبني" فإن جملة "يسبني" جاءت بعد ما فيه الألف واللام الجنسية، وقد سبق هذا النوع من الكلمات معرفة، لكن يعامل أحيانا معاملة النكرة، لذلك جوّز بعض النحاة أن تكون هذه الجملة صفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 وما أدري أغَيّرهم تناءٍ ... وطولُ الدهرِ أم مالٌ أصَابُوا1 فأصل الكلام "أصابوه" فحذف الضمير الرابط: لأنه معلوم من الكلام. خامسا: شبه الجملة يقصد بذلك -كما مر في غير موضع- الظرف والجار والمجرور، حيث يقعان صفة بعد الاسم النكرة، كقولك: "شاهدتُ روايةً في السينما واستمعتُ إلى تمثيليةٍ في المذياع" وكذلك قولك: "لنا لقاءٌ يومَ الخميس عندَ بابِ الجامعة". قطع النعت عن المنعوت: معناه: صرف النظر عن صلة النعت بالمنعوت، فلا يتبعه في إعرابه، وإنما يكون ذلك إذا كان المنعوت معلوما وصفه بتلك الصفة دون ذكرها تقول: "درسْنا قصيدة للمتنبِّي الشاعر" أو "قرأنا "عبقريةَ عمر" للعقادِ الكاتب" أو "سرْنا ليلا في ضوءِ القمرِ المنير" فمن البيّن أن تلك الصفات "الشاعر، الكاتب، المنير" مفهومة بدون ذكرها لأصحابها، وفي مثل هذه الجمل يجوز قطع النعت عن المنعوت. فإذا قطع النعت عن المنعوت صح في إعرابه وجهان: الأول: أن يرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. الثاني: أن ينصب بفعل محذوف وجوبا، يكون تقديره مناسبا لسياق الكلام. وخلاصة الأمر: أن إتباع النعت للمنعوت هو الأصل في الكلام.   1 يحسن العتاب مع الأقارب والأصدقاء، ويطلب جرير ممن يخاطبه إبلاغ عتابه لبني عمه، ومضمون العتاب: أنه متحير من تغيرهم، أهو البعد أم الأيام أم المال! الشاهد: في "أم مال أصابوا" فإن جملة "أصابوا" صفة لكلمة "مال" وقد حذف منها الضمير، وأصل الكلام "أم مال أصابوه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 العربي، ويصح قطعه عنه إذا كان معلوما بدونه، وحينئذٍ يصح في إعرابه الوجهان السابقان. فلنطبق ما عرفناه على ما يلي: - قال سيبويه: سمعنا بعض العرب يقول: "الحمد لله ربَّ العالمين"1. بالنصب، فسألت عنها يونس، فزعم أنها عربية. - من القرآن: "وامرأته حمالةَ الحطب"2 قرأ الجمهور "حمالةُ الحطب" بالرفع، وقرأ عاصم -أحد القراء السبعة- بالنصب على الذم. - قالت الخِرْنِق -شاعرة عربية جاهلية- تمدح قومها: لا يبْعدَنْ قومي الذين هم ... سُمُّ العُدَاةِ وآفَةُ الجُزُرِ النازلين بكل مُعْتَرَكٍ ... والطيِّبين معاقدَ الأزُرِ3 فقد رويت الكلمتان "النازلين، الطيبين" بالرفع والنصب.   1 الآية الأولى من سورة الفاتحة. 2 الآية 4 سورة المسد. 3 لا يبعدن: لا يهلكن، سم العداة: يبيدون العداة، آفة الجزر: كرماء يذبحون الإبل كثيرا، الطيبون معاقد الأزر: شرفاء ثيابهم طاهرة. المعنى: ليبق قومي دائما فلا يهلكون، فهم شجعان كرماء شرفاء، شجعان يبيدون الأعداء وكرماء ينحرون الإبل للضيوف وشرفاء طيبو الثياب لا يفعلون الفحشاء. الشاهد: في الكلمتين "النازلين، الطيبين" فقد رويت الكلمتان بالنصب "النازلين، الطيبين" على النعت المقطوع بتقدير فعل "أمدح" ورويتا أيضا بالرفع "النازلون، الطيبون" على الإتباع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 حذف النعت والمنعوت: قال ابن مالك: وما من المنعوتِ والنعتِ عُقِل ... يجوز حذفُه وفي النَّعتِ يقل ومعنى البيت أنه يصح حذف كل من النعت والمنعوت إذا كان معلوما من سياق الكلام، بمعنى أنه مفهوم من الجملة المنطوقة فيتخيل وجوده، ويفرض على الكلام المنطوق فعلا، ومما سيق لذلك من الشواهد الآتي: - قول القرآن: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} 1 والتقدير "دروعا سابغات". - ما روي عن العرب: "مِنَّا ظَعَنَ ومِنَّا أقَامَ" والتقدير: "فريقٌ ظَعَنَ وفريقٌ أقَامَ". - قول القرآن: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} 2. والتقدير: "كل سفينة صالحة". - قول العباس بن مرداس يخاطب الرسول: وقد كنتُ في الحربِ ذا تُدْرَأ ... فلم أعْطَ شيئا ولم أمْنَعِ3   1 من الآية 11 سورة سبأ. 2 من الآية 79 سورة الكهف. 3 ذا تدرأ: ذا قوة وسداد. الشاهد: في قوله: "فلم أعط شيئا" إذ حذفت الصفة، وتقدير الكلام: "فلم أعط شيئا نافعا" وهذا يقتضيه السياق؛ لأنه يعتب على الرسول، فيقول: إنه أبلى في الحرب بلاء حسنا لكن لم يميز بشيء من الغنيمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 التوكيد : 1- المقصود بالتوكيد في اللغة وعند النحاة. 2- التوكيد اللفظي: معناه، والفرق بينه وبين التكرار. 3- التوكيد المعنوي: معناه، وألفاظه هي: "النفس والعين، كلا وكلتا، كل وجميع، أجمع وما تفرع عنه". 4- من مباحث التوكيد المهمة المسائل الآتية: أ- توكيد الضمائر توكيدا لفظيا. ب- توكيد الحروف توكيدا لفظيا. ج- توكيد الضمير المرفوع المتصل باللفظين "النفس والعين". د- توكيد النكرة توكيدا معنويا. معنى التوكيد: جاءت هذه الكلمة في اللغة على ثلاث صور هي "التوكيد" بالواو و"التأكيد" بالهمزة و "التاكيد" بتخفيف الهمزة إلى الألف، وأكثرها شهرة في الفصحى الأولى، ولذلك جاء في القاموس قوله: "التوكيد والتأكيد والأول أفصح" وإن كانت الثانية "التأكيد" أكثر استعمالا في حياتنا العادية الدارجة. ومعنى "التوكيد" في اللغة: التثبيت والتقوية، ويستعمل في الحياة العادية الدارجة بهذا المعنى نفسه، ومن التعبيرات الشائعة بيننا "أنا متأكد من كلامي" بمعنى: متثبت منه مقتنع به، و"تأكدت منه أنه سيجيء" بمعنى تثبت، و"أكّدت عليه الكلام" بمعنى كررته عليه؛ تقوية له، وتثبيتًا في ذهنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 هذا المعنى نفسه هو الذي روعي في استخدام النحاة للكلمة، إذ يقصدون بالتوكيد: استخدام طرق خاصة لتقوية الكلام السابق وتثبيته سواء بإعادة اللفظ نفسه أم استعمال كلمات خاصة؛ لتثبيت المعنى ودفع الشبه عنه، وذلك كقولنا: "النفاقُ غشٌّ غشٌّ" أو قولنا: "سنقاتل سنقاتل، ولن نستسلم" أو قولنا: "الجبانُ لا يستحق الحياةَ نفسَها". وقد ورد التوكيد في اللغة -بالمعنى السابق- على صورتين: صورة التوكيد اللفظي، وصورة التوكيد المعنوي. التوكيد اللفظي: هو -كما جاء في قطر الندى- إعادة اللفظ الأول بعينه ا. هـ، ويقصد بذلك أن يعاد المؤكَّد نطقا ومعنى، بقصد التقرير أو خوف النسيان أو عدم الإصغاء أو عدم الاعتناء، وقد يكون هذا اللفظ المعاد اسما أو فعلا أو حرفا أو جملة. - ففي الاسم تقول: "المروءةَ المروءةَ" و"النفاقَ النفاقَ" وقول الجندي لزميله "انتبه، فقد هاجمتْنا الطائراتُ الطائراتُ". وما روي من قول الرسول: "أيّما امرأةٍ قاصرٍ أنكحتْ نفسها بغير إذْنِ وليِّها فنكاحُها باطلٌ باطلٌ". - وفي الفعل نقول: "صَمَّمَ صَمَّمَ شعبُنا على تحرير أرضه بعد ما تَأَلَّمَ تَأَلَّمَ لضياعِها". ومن ذلك قول الشاعر: فأينَ إلى أيْنَ النجاةُ ببغلتي ... أتَاك أتاك اللّاحقون احبس احبس1   1 اللاحقون: المطاردون، احبس احبس: اثبت اثبت، يقول ذلك لنفسه تشجيعا لها المعنى: أين أهرب ببلغتي لأنجو، لا سبيل لذلك، لقد أدركنا المطاردون ولن ينفع غير الثبات. الشاهد: استخدم في الشطر الثاني توكيدا لفظيا لفعلين، الأول "أتاك أتاك" والثاني "احبس احبس". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 - وفي الحرف ترد مثلا على من يسألك: "هل أنت منتبه؟ " فتقول: "نعم نعم أنا منتبه" وكثيرًا ما يسمع مثل هذا التعبير في تعليق المذيعين على الأخبار: "لا، لا يُهانُ شرفُنَا أو تُستذلُّ أرضُنا". ومن ذلك قول جميل: لا لا أبوحُ بحُبِّ بثْنَةَ إنّها ... أخذت عليّ مَوَاثِقًا وعُهُودًا1 - وفي الجملة تعاد الجملة بألفاظها، وربما اقترنت الثانية بحرف من حروف العطف، وقد وردت كثيرا في اللغة، ومن ذلك: قول القرآن {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} 2. وقول الرسول وقد بلغه نقض قريش للعهد: "واللهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، واللهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا".   1 أبوح: أفشي، المواثق: العهود. يقول: حبها سر لن أبوح به، وقد عاهدتها على ذلك والعجيب أنه بذلك قد باح. الشاهد: في "لا لا أبوح" فقد كرر الحرف "لا" مرتين، والثاني توكيد لفظي للأول. 2 الآيتان 4، 5 سورة "النبأ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 وفي خاتمة هذه الفكرة ينبغي التنبه للفرق بين أمرين كثيرا ما يختلطان هما: التوكيد اللفظي والتكرار. فالتوكيد اللفظي -كما سبق- هو إعادة اللفظ بعينه، أي بنطقه ومعناه تماما. أما التكرار: فهو إعادة اللفظ بنطقه وما يشبه معناه لا بمعناه نفسه، فالأول إذن شيء واحد، وقد استخدم له اللفظ مرتين، أما الثاني فهو شيء تكرر مرتين أو أكثر واستخدم له في كل مرة نفس اللفظ، فلنتأمل الآتي: - دخل إلى المدرَّجِ طالبٌ طالبٌ. أسلوب توكيد: لأن الطالب واحد وأعيد اللفظ. - دخل الطلابُ للمدرَّجِ طالبًا طالبًا. تكرار: لتعدد الطلبة وإن اتحد اللفظ. - اقتحمَ موقعَ الأعداءِ جنديٌّ جنديٌّ. توكيد: لأن الجندي واحد واللفظ هو المعاد. سارت الكتيبة متراصّةً جنديًّا جنديًّا. تكرار: لتعدد الجنود وإن اتحد اللفظ. وعلى ذلك يفهم ما جاء في قطر الندى لابن هشام من قوله نصًّا: "وليس من تأكيد الاسم قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً، وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} 1 خلافا لكثير من النحويين؛ لأنه جاء في التفسير أن معناه: دكا بعد دكّ، وأن الدَّكَّ كرر عليها حتى صارت هباء منبثا، وأن معنى: {صَفّاً صَفّاً} أنه تنزل ملائكة من كل سماء   1 الآيتان 21، 22 من سورة "الفجر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 فيصطفون صفا بعد صفّ محدقين بالجن والإنس، وعلي هذا فليس الثاني فيه تأكيدًا للأول، بل المراد به التكرير، كما يقال: "علّمتُه الحسابَ بابًا بابًا"، وكذلك ليس من تأكيد الجملة قول المؤذن: "الله أكبر، الله أكبر" -خلافا لابن جني- لأن الثاني لم يؤتَ به لتأكيد الأول، بل لإنشاء تكبير ثانٍ، بخلاف قوله: "قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة" فإن الجملة الثانية خبر ثانٍ جيء به لتأكيد الأول" ا. هـ. التوكيد المعنوي: في عبارة واحدة يمكن تحديد التوكيد المعنوي بأنه تثبيت معنى المتبوع بدفع الاحتمالات عنه ا. هـ. فنحن نقول مثلا: "اجتمعَ الرؤساءُ العربُ أنفسُهم" فلو اقتصر الأمر على المؤكَّد لاحتمل الأمر أن الذين اجتمعوا هم مندوبوهم، فإذا ذكر لفظ التوكيد "أنفسهم" ارتفع ذلك الاحتمال. ونحن نقول أيضا: "درسْنَا النحوَ كلَّه" فلو اقتصر على المؤكَّد "النحو" لاحتمل الأمر أن الذي درس معظمه أو أبواب منه، فحين يذكر لفظ التوكيد "كله" يرتفع ذلك الاحتمال. وحول هذا المعنى السابق جاءت التعريفات النحوية التي سيقت لهذه الصورة من صور التوكيد، ومعظمها بألفاظ غامضة تؤدي في النهاية للتحديد السابق، ومن نماذجها: يقول ابن عقيل: هو ما يرفع توهم مضاف إلى المؤكد أو توهم عدم إرادة الشمول. ويقول ابن هشام: هو تابع يقرر أمر المتبوع في النسبة أو الشمول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 ويقول الأشموني: التابع الرافع احتمال إرادة غير الظاهر. ألفاظ التوكيد المعنوي: يمكن أن تصنف ألفاظ التوكيد المعنوي التي استقرئت من استعمال اللغة في مجموعات أربع تتفق ألفاظ كل مجموعة منها من حيث الصفات التي تتصف بها حين تستعمل في التوكيد، وبيانها في الآتي: المجموعة الأولى: النفس والعين: تشترك هاتان الكلمتان حين استخدامهما للتوكيد في الصفات التالية: أ- أنهما يستعملان للمفرد والمثنى والجمع، ويكون لفظهما مفردًا مع المفرد، ويجمعان على وزن "أفْعُل" مع المثنى والجمع كليهما. ب- أن يضافا إلى ضمير يطابق المؤكَّد إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا، تقول: "شاهدَ الصحابةُ الرسولَ نفسَه" و"تداركَ صَاحِباهُ أبو بكر وعمر أنْفُسُهما وَحْدَة المسلمين يوم السّقيفة" و"اغتيلَ ثلاثةٌ من الخلفاء الراشدين أعْيُنهم ظلما". ج- إذا استدعى الموقف استعمال كلتا الكلمتين معا في تعبير واحد قدمت كلمة "النفس" على كلمة "العين" ولا يصح العكس، تقول "مَشَى رجالُ الأرض فوق القمرِ نفسِه عينِه" ويقال: "نزل الملائكةُ أنْفُسُهُم أعْيُنُهُم يُقاتلون مع المسلمين يوم بدر". وهنا فكرة جانبية مهمة هي: أن الكلمتين "النفس والعين" قد تردان في اللغة مجرورتين بحرف الجر "الباء" وحينئذٍ تعتبر هذه الباء زائدة، تقول: "إنّ اليهودَ هم الخبثُ بنفسِه والحقدُ بعينِه"، ومن ذلك قول الشاعر: هذا لَعَمْرُكمُ الصَّغارُ بعينِه ... لا أمَّ لي إن كان ذاكَ ولا أبُ1   1 لعمركم: أسلوب قسم، الصغار: -بفتح الصاد- الأعمال التافهة الحقيرة. الشاهد: في الشطر الأول، حيث دخلت الباء على لفظ التوكيد "عين" فهي حرف جر زائد جرت الكلمة لفظا، لكن الكلمة توكيد لكلمة "الصغار" الواقعة خبرا، فهي مرفوعة بالضمة المقدرة منع من ظهورها حركة حرف الجر الزائد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 المجموعة الثانية: كِلَا وكِلْتَا: تستعمل الكلمة الأولى لتوكيد المثنى المذكر فقط، وتستعمل الكلمة الثانية لتوكيد المثنى المؤنث فقط، وحين استخدامها في التوكيد يتصل بهما ضمير مطابق للمؤكَّد، فيلحقان حينئذٍ بالمثنى في إعرابه -كما تقدم ذكره- تقول: "زرتُ صديقيَّ كِلَيهما" و"ذهبتُ مع زملائي في الرّحلتين كلْتَيهما". المجموعة الثالثة: كل وجميع: يرد هذان اللفظان حين استخدامها للتوكيد على الصفات التالية: أ- أنهما يستعملان في اللغة للمفرد -ذي الأجزاء- والجمع، ولا يستعملان للمثنى. ب- أن يُضافا إلى ضمير يطابق المؤكَّد إفرادا وجمعا وتذكيرا وتأنيثا تقول: "البلادُ العربية كلُّها متّحدةُ المشاعر، وإنْ اختلفتْ فيها النُّظُمُ والحكومات، والعربُ جميعُهم إخوةٌ، لغتُهم واحدةٌ، وتاريخهم واحد". ج- قال ابن هشام عن الكلمة "جميع" والتوكيد "بجميع" غريب، ومنه قول امرأة ترقص ابنها: فدَاك حيُّ خَوْلَانْ ... جميعُهم وهَمْدان وكلُّ آل قحطان ... والأقرمون عدنان1 د- مثل "كلّ" كلمة "عامّة" وقد ذكرها سيبويه، تقول: "حضر المدعوّون عامتُهم" وجاء في "ابن عقيل"، وقلّ من ذكرها من النحويين.   1 خولان: بسكون الواو، وهمدان بسكون الميم، وقحطان وعدنان أسماء لقبائل عربية، فابنها أعز عليها وأعلى من كل هذه القبائل، وهذا طبيعي. الشاهد: حيث جاء "جميع" توكيدا لكلمة "حي" الواقعة خبرا أو فاعلا، وذلك -فيما رأى ابن هشام- غريب؛ لأن لفظ "جميع" لديه لا يكاد يستعمل وحده للتوكيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 وعلي ذلك يفهم ما جاء في أوضح المسالك نصا قال: وليس منه -أي التوكيد: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} 1 خلافا لمن وهم، ولا قراءة بعضهم: "إِنَّا كُلًّا فِيهَاْ"2 خلافا للفراء والزمخشري، بل "جميعًا" حال و "كلًّا" بدل. ا. هـ. فمن البيّن أن الآيتين لم تكونا من باب التوكيد؛ لأن اللفظين "جميع، كل" لم يضافا فيهما إلى الضمير، فخرجا من هذا الباب إلى أبواب أخرى في الإعراب. المجموعة الرابعة: أجْمَع وما تفرع عنه: يقصد بما تفرع عنه: "جمعاء " للمفردة المؤنثة و "أجمعون" لجماعة الذكور و "جُمَع" لجماعة الإناث. ومن الصفات التي تأتي عليها هذه الألفاظ حين التوكيد بها ما يلي: أ- أنها تستعمل لتوكيد المفرد والجمع فقط فلا تستعمل في المثنى. ب- أنها لا تتصل بضمير يعود على المؤكد، بل يكتفى بصيغها -المفردة والمجموعة- عن هذا الضمير، بخلاف "كل، جميع" حيث تبقى على صورة واحدة وتوجه للمؤكَّد بواسطة الضمير. ج- أن الغالب في هذه الصيغ أن تستعمل"لزيادة التوكيد" أو بعبارة أخرى "لتوكيد التّوكيد" وذلك بأن ترد بعد لفظ "كل" في الكلام.   1 من الآية 29 سورة البقرة. 2 من الآية 48 سورة غافر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 تقول: "قَرّبتْ أجهزةُ الإعلامِ العالَمَ كلَّهُ أجْمَعَ" ومن ذلك قول القرآن: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} 1. وربما استعملت هذه الكلمات وحدها دون لفظ "كل" وهذا قليل في اللغة، ومع ذلك فقد ورد في نصوص صحيحة فصيحة، ومن ذلك: - قول القرآن حكاية عن إبليس: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 2. - قول الرسول: "إذا صلى الإمامُ جالسًا فصَلُّوا جلوسا أجمعون". توكيد الضمائر لفظيًّا: سبق أن الضمائر نوعان: مستترة وبارزة، وأن النوع الأخير صنفان: منفصلة ومتصلة، وينبغي أن نتبين الطريقة التي يؤكد بها كل من هذه الضمائر توكيدا لفظيا في الآتي: أ- الضمائر المستترة: وتؤكد بالضمير البارز المنفصل، فتقول: "أجِبْ أنتَ يا غافلُ دعوة الحق" أو "أَأَلْهُو أنا والحياة جَادّةٌ!! ". ب- الضمائر البارزة المنفصلة: وهذه أيضا تؤكد بضمير بارز منفصل مناسب، فتقول مثلا مشيرا للمجرم: "أنت أنت القاتلُ" ومن ذلك ما كان يقوله جماعة الرافضة في شوارع الكوفة مشيرين لعَلِيّ: "أنت أنت اللهُ" فأمر بهم، فحرقوا بالنار. ومن ذلك قول الشاعر:   1 من الآية 30 سورة الحجر. 2 الآية 82 سورة ص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 فإيَّاكَ إيَّاكَ المِرَاءَ فإنه ... إلى الشَّر دعَّاءٌ وللشَّرِّ جالِبُ1 ج- الضمائر البارزة المتصلة: هذه أيضا تؤكد بضمير بارز متصل مرفوع فتقول "استَمعتُ أنا للنّصيحةِ منكَ أنتَ، فاتبعْتُها هي، فسعدت ونجحت" وعن هذه الصورة الأخيرة يقول ابن مالك: ومُضْمَرُ الرفعِ الذي قد انفَصَلْ ... أكِّدْْْ به كلَّ ضميرٍ اتَّصَلْ والخلاصة: أن الضمير البارز المنفصل يأتي توكيدًا لفظيا لكل أنواع الضمائر مستترة أو بارزة ومتصلة أو منفصلة. توكيد الحروف لفظيا: هناك حروف يطلق عليها اسم "حروف الجواب"2، إذ يجاب بها عن كلام سابق غالبا ما يكون سؤالا، ومن أشهرها في العربية "نَعَمْ، لا، بَلَى" ويشبه الحرف "نعم" حروف أخرى استعملت في الفصحى هي "أَجَلْ، إي، جَيْرِ". - هذه الحروف السابقة إذا أكدت تأكيدا لفظيا تعاد ألفاظها نفسها يقول لك السائل "هل تنبه العربُ لضرورةِ وَحْدَتِهم!! " فتجيب "نَعَمْ نَعَمْ تنبهوا لذلك" أو يقول السائل "هل استسلَم العربُ لنكسةٍ   1 تقدم ذكر هذا البيت ومعناه في باب "التحذير" ويستشهد به هنا على توكيد الضمير المنفصل "إياك" بضمير منفصل آخر مثله. فكرره في قوله "فإياك إياك". 2 حروف الجواب على ثلاثة أقسام أ- ما يقع بعد الإيجاب والنفي "نعم، جير، أجل، إي" ويقصد بها تصديق المخبر أو إعلام المستخير أو إيعاد الطالب. ب- ما يقع بعد الإيجاب فقط وهو "لا" ويقصد به إبطال ما أوجبه المتكلم. ج- ما يقع بعد النفي فقط، وهو "بلى" ويقصد به إثبات المنفي السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 عارضةٍ في حياتهم؟ " فتجيب: "لا، لا، لم يستسلموا لذلك" ومن هذا ما مرّ من قول جميل: لا لا أبوح بِحُبِّ بثْنَةَ إنها ... أخذتْ عَلَيَّ مَوَاثِقًا وعُهُودا فإذا كان الحرف من غير حروف الجواب وهي كثيرة، فإنه يؤكد لفظيا بطريقة خاصة هي: أن يعاد الحرف مرة أخرى لكن بشرط أن يتصل بحرف التوكيد ما اتصل بالحرف المؤكَّد، كقول المتهم أمام القاضي: "إنَّني إنَّني بريءٌ" وقوله وهو يحكي: "في حياتي في حياتي قصة مروعة". وما ورد على غير ما سبق من الشواهد فهو نادر أو شاذ، ومن ذلك قول الشاعر: إنَّ إنَّ الكريمَ يحْلُمُ ما لم ... يَرَينْ مَنْ أجَارَهُ قد ضِيمَا1 وقول مسلم بن معبد وقد نهبت إبله في الصَّدَقة: بكتْ إبلِي وحُقَّ لها البكاءُ ... وفرَّقها المظالِمُ والعَدَاءُ فَلَا واللهِ لا يُلْفَى لِمَا بي ... ولا لِلِمَا بهمْ أبدًا دواءُ2   1 من أجاره: من حماه، قد ضيما: قد ظلم وأهين. يقول: الإنسان الأبي الكريم يستعمل الأناة والرفق ما لم يظلم من في حماه فإذا ظلم ترك الرفق والأناة واستعمل القوة والشدة. الشاهد: في "إن إن الكريم" حيث أكد الحرف "إن" بإعادة لفظه وهو من غير حروف الجواب، والتوكيد بهذه الطريقة شاذ، ولو جاء على الوجه الصحيح لقال: "إن الكريم، إن الكريم". 2 العداء -بفتح العين- هو العداوة، لا يلفى: لا يوجد. يقول: إن إبلي نهبت ظلما، فهي تبكي لظلمها ومن حقها البكاء، كما أبكي أنا أيضا لذلك ومن حقي البكاء، وإني لأقسم أن ما بيني وبين من نهبوها لن ينتهي وجرحه لن يلتئم، فإنه لا دواء له. الشاهد: في البيت الثاني "ولا للما بهم" حيث أكدت "لام الجر" وهي من غير حروف الجواب بإعادة لفظها فقط، وهذا شاذ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 توكيد الضمير المرفوع المتصل بالنفس والعين: هذه صورة خاصة من صور التوكيد المعنوي تجتمع فيها الصفتان التاليتان: أ- أن يكون المؤكَّد ضميرا متصلا مرفوعا. ب- أن يكون التوكيد من ألفاظ المجموعة الأولى وهي: "النَّفْس، العَيْن" حينئذٍ لا يصلح التوكيد المباشر بهذين اللفظين، بل لا بد أن يؤكد أولا الضمير المتصل بضمير منفصل، ثم يؤتى بعد ذلك بلفظ من هذين اللفظين "النفس، العين"، فلنلاحظ: - قَاوِمُوا أنتم أنفسُكم عدوَّكم. كلام صحيح؛ لوجود الضمير المنفصل. - وتمسَّكُوا أنتم أعينُكم بحريتكم وأرضكم. كلام صحيح؛ لوجود الضمير المنفصل. - وتَلَاقَوْا أنفسُكم حَولَ رغبة الجهاد. كلام خطأ؛ لعدم وجود الضمير المنفصل. - وتجَمَّعُوا كلُّكم حولَ رايةِ الجهاد. كلام صحيح؛ لأنه لا يشترط معه الضمير المنفصل. توكيد النكرة توكيدًا معنويًّا: لقد اشترط في مجموعات ألفاظ التوكيد المعنوي -كما سبق- أن تكون مضافة لضمير يعود للمؤكَّد، وما لا يضاف منها إلى ضمير -كالمجموعة الأخيرة- اعتبر -لدى النحاة- مضافا تقديرًا، ومعنى ذلك أن هذه الألفاظ من المعارف، ولكي تتطابق مع ما تؤكده يجب أيضا أن يكون معرفة مثلها. وعلى هذا يمكن أن يقال: إن الأصل في المؤكَّد أن يكون معرفة ولا يكون نكرة، وهذا اتجاه له أنصاره بين النحاة. لكن.. هناك اتجاه آخر من رأيه أن النكرة يمكن أن تؤكَّد بشرط أن يتصف أسلوب توكيدها بالصفتين التاليتين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 أ- أن يكون المؤكَّد النكرة دالا على زمن محدود، بمعنى أنه موضوع لمدة لها ابتداء وانتهاء، مثل: "أسبوع، شهر، حول، سنة، عام، يوم". ب- أن يكون التوكيد لفظ "كلّ، جميع" فقط. وقد استند هذا الرأي الأخير على ورود ذلك في الشعر والنثر الفصيح ومن ذلك: - قول عبد الله بن مسلم: لكنه شَاقَهُ أنْ قِيلَ ذا رَجَبُ ... يا ليتَ عِدَّةَ حَوْلٍ كلِّه رَجَبُ1 - قول عائشة عن رسول الله "ما صَامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شهرًا كلَّه إلّا رمضانَ". ولورود ذلك في الشعر والنثر قَبِلَهُ من يُعتدّ بهم من النحاة بالصفتين السابقتين. يقول ابن مالك: وإنْ يُفِدْ تَوْكيدُ منْكورٍ قُبِلْ ... وعن نُحاةِ البَصرة المنْعُ شَمِلْ ويقول ابن هشام أيضا: وإذا لم يفد توكيد النكرة، لم يجز باتفاق وإن أفاد جاز عند الكوفيين، وهو الصحيح. ا. هـ.   1 شاقه: بعث الشوق في نفسه، فغمره السرور والفرح، ويبدو أنه كان يلاقي حبيبته في ذلك الشهر، لذلك تمنى أن يكون هذا الشهر مستغرقا العام كله، مجرد أمنية!!. الشاهد: في "يا ليت عدة حول كله" حيث أكدت النكرة "حول" لأنها زمان محدود، ولأن لفظ التوكيد هو "كل" فالبيت مؤيد لمن أجازوا توكيد النكرة بالشرطين السابقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 عطف البيان : 1- المقصود بعطف البيان لدى اللغويين والنحاة وما يفيده لمتبوعه من معانٍ نحوية وبلاغية. 2- ما يتطابق فيه عطف البيان مع متبوعه في وجوه التطابق العشرة. 3- الموازنة بين عطف البيان والنعت. 4- الموازنة بين عطف البيان والبدل. معنى عطف البيان: كان الصدِّيقُ أبو بكر نحيلَ الجسم، ولكنه ذو إرادةٍ قوية. وكان أميرُ المؤمنين عمرُ من أعدلِ العادلين، ومع ذلك ماتَ مظلومًا. ويعتبر الخليفةُ معاويةُ أوّلَ من خرج على سَنَن الخلفاء الراشدين في الحكم. في حياتنا الدارجة نقول: "اعطف عَلَيَّ" بمعنى: عدْ إليَّ حنونا رحيما. ونقول أيضا: "عنده عطف على أبنائه وأقاربه" بمعنى: أنه ينظر في شئونهم ويعاملهم بالرفق والرحمة، فكأن اللفظ يفيد في الاستعمال العادي النظر إلى شخص أو شيء لإصلاح شأنه وكفايته. يقول القاموس: العطف هو الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه، ومن ذلك قولهم: "عَطَفَ الفارسُ على قِرْنِه" بمعنى: عاد إلى من يساويه في الشجاعة بقصد الصراع والغلبة ا. هـ وفي هذا أيضا عود لآخر للنظر في أمره من حيث الشجاعة أو غيرها. أما لدى النحاة فيقصد به: التابع الجامد الذي يكشف قصد المتكلم من المتبوع ببيانه وشرحه ا. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 ومن ذلك في الأمثلة السابقة "الصدِّيق أبو بكر، أمير المؤمنين عمر، الخليفة معاوية" فكلمة "أبو بكر" عطف بيان لكلمة "الصدِّيق" وكذلك كلمة "عمر" عطف بيان بعد "أمير المؤمنين" وأيضا كلمة "معاوية" عطف بيان بعد "الخليفة" ومن البيّن أن الكلمات "أبو بكر، عمر، معاوية" أسماء جامدة جاءت بعد متبوعها، فبيّنته تماما، ووضحت المقصود منه وشرحته. ولهذا يسمى هذا التابع "عطف بيان" لأن الثاني يشبه أن يكون مرادفا؛ لأن الذات المدلول عليها باللفظين واحدة، وإنما يؤتى بالثاني لزيادة البيان" ا. هـ. ومن استعمالات عطف البيان التي تتردد على ألسنتنا "خليل الله إبراهيم، كليم الله موسى، المسيح عيسى بن مريم، خاتم الأنبياء محمد، ذو النورَيْن عثمان، الإمام عَلِيّ بن أبي طالب، سيد الشهداء الحسين، السيدة أم هاشم، السيد أحمد البدوي، المرسي أبو العباس، أم المؤمنين عائشة، ذات النّطاقين أسماء، ربة الجمال فينوس، حيَّة النيل كليوباترة، المعرِّي أبو العلاء، المتنبي أحمد بن الحسين، شاعر الرسول حسّان، أمير الشعراء شوقي، شاعر النيل حافظ، كاتب الشرق العقاد، عميد الأدب العربي طه حسين، الإمام مالك، الشيخ الرئيس ابن سينا". - ومن شواهده: قول القرآن: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} 1. قول القرآن: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} 2.   1 من الآية 95 سورة "المائدة". 2 من الآية 16 سورة "إبراهيم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 قول أحد الرجاز يتحدث عن عمر بن الخطاب: أقسمَ باللهِ أبو حَفْصٍ عُمَرْ ما مَسَّها من نَقَبٍ ولا دَبَرْ فاغفِرْ له اللَّهم إن كان فَجَرْ1 ما يفيده عطف البيان نحويًّا وبلاغيًّا: يفيد عطف البيان نحويا غرضين رئيسين هما: الأول: توضيح المعرفة: تقول: "مدحَ القرآنُ المسيحَ عيسى بن مريم وذمَّ اليهودَ، إذ آذَوْا كليمَ الله موسى". الثاني: تخصيص النكرة: تقول: "نحن الآن في جَوِّ ربيع، وكنا قبل ذلك في طَقس شتاء" ومن ذلك قول القرآن: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} 2. هذا الغرضان السابقان لا يخلو عطف البيان من أحدهما في أي جملة تحتوي عليه، لكنه -مع ذلك- يفيد أغراضا أسلوبية أخرى تُهِمُّ دارس البلاغة لا دارس النحو، ومن هذه الأغراض مثلا:   1 نقب: جرح يصاب به البعير في خفه أو ظهره، دبر: كما يقول القاموس: "قرحة الدابة" فهو أيضا بمعنى الجرح، فجر: أثم. يقال في سبب هذه الأبيات: إن أعرابيا شكا لعمر أن دابته التي يركبها جريح مجهدة، وطلب منه أن يعطيه ناقة من إبل الصدقة، ليركبها فلم يصدقه عمر، فانطلق بناقته الجريح، وهو ينشد هذا الرجز. الشاهد: في "أقسم بالله أبو حفص عمر" فإن كلمة "عمر" عطف بيان بعد "أبو حفص". 2 من الآية 35 سورة النور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 1- المدح: كما نقول: "كان من شهداءِ أُحُد حمزةُ عَم الرسول". 2- الذم: كما تقول: "كان من قَتْلَى بدْر أبو جهل رأسُ الكفر". إلى غير ذلك من الأغراض التي يدل عليها سياق الكلام والأسلوب الذي وردت فيه. ما يتطابق فيه عطف البيان مع متبوعه: يتطابق عطف البيان مع متبوعه في الأمور الآتية: أ- أوجه الإعراب الثلاثة: الرفع والنصب والجر، فيتبعه في واحد منها ب- التعريف والتنكير: فإن كان المتبوع معرفة كان عطف البيان معرفة وإن كان المتبوع نكرة، كان عطف البيان نكرة مثله. ج- الإفراد والتثنية والجمع: فيتطابق معه في العدد إفرادا أو تثنية أو جمعا. د- التذكير والتأنيث، فيتطابق معه في النوع. فلنطبق وجوه التطابق السابقة على النصائح التالية: يا صديقي الطالب الحياةُ فرصة فاغتنمْها. يا صديقتي الفتاة زينتُك الأخلاقُ، فتمسكي بها. يا أصدقائي الطلاب، المستقبلُ لكم، فاعملوا له. وعلى ذلك، يمكن أن يقال: إن عطف البيان يتوافق مع متبوعه في أربعة من عشرة، بمعنى أن أيّ مثال يحمل دائما أربع صفات من صفات التطابق العشرة، واحدة من أوجه الإعراب الثلاثة، والثانية من التعريف والتنكير، والثالثة من الإفراد والتثنية والجمع، والرابعة من التذكير والتأنيث فيصدق عليه ما سبق أن عرفناه عن "النعت الحقيقي" تماما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 الموازنة بين عطف البيان والنعت: من العرض السابق تتضح -بأدنى تأمل- وجوه الموازنة بين النعت وعطف البيان، فهما يتفقان في أمرين، ويفترقان أيضا في أمرين، فهما يتفقان في الآتي: 1- الأغراض التي يفيدها كل منهما لمتبوعه نحوا وبلاغة. 2- وجوه التطابق بين النعت الحقيقي ومتبوعه تماثل وجوه التطابق بين عطف البيان ومتبوعه. وهما يفترقان في الآتي: 1- أن النعت اسم مشتق أو مؤول به، أما عطف البيان فاسم جامد دائما. 2- أن النعت يوضح المتبوع ببيان صفة من صفاته، أما البيان فيكشف قصد المتكلم من المتبوع ببيانه. الموازنة بين عطف البيان والبدل: هناك علاقة وثيقة بين البدل وعطف البيان، فكل اسم صح إعرابه "عطف البيان" يصلح في الوقت نفسه أن يكون "بدل كُلّ من كُلّ". جاء في "قطر الندى" نصًّا: كل اسم صح الحكم عليه بأنه عطف بيان مفيد للإيضاح أو للتخصيص، صح أن يحكم عليه بأنه بدل كُلٍّ من كُلّ ا. هـ. تقول: "إن هذا الوطنَ حبيبٌ إلينا، ففوق هذه الأرضِ عاش آباؤنا وتحت هذه السماءِ تعاقبت أجيالنا". وتقول "من أئمة النحو الأعلام سيبويهِ عَمْرُو بن قنبر، وجلالُ الدين عبد الرحمن السّيوطي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 هذا هو الأصل، كل ما صلح عطف بيان صلح بدل كلّ من كلّ. لكن يستثنى من هذا الأصل ما عُبِّر عنه بقولهم: "إن لم يمتنع إحلالُه مَحَلَّ الأول". ومعنى هذه العبارة: أن الاسم الثاني -التابع- لا يمكن وضعه موضع الأول -المتبوع- حينئذٍ يكون هذا الاسم عطف بيان، ولا يصح بدلا. ويندرج تحت هذا الأصل العام الأمثلة والشواهد التالية: - قولنا: "يا ربنا الرَّجاء" أو: "يا عَلِيّ الرِّضا" وما يرد في كتب النحو من: "يا زيدُ الحارث". - قول المرّار بن سعيد: أنا ابنُ التارِكِ البكريِّ بِشْرٍ ... عليه الطيرُ ترقُبُه وُقُوعًا1 - قول طالب بن أبي طالب:   1 التارك: الجاعل المصير، البكري بشر: رجل من قبيلة "بكر" اسمه "بشر". يقول: لقد قتلت بشر البكري، وتركته ملقى على الأرض تتطلع إليه الطيور الجارحة، وتقع فوقه لتأكل لحمه. الشاهد: في "أنا ابن التارك البكري بشر" فإن كلمة "بشر" تعرب هنا عطف بيان ولا يصح أن تكون بدلا، إذ لا يصح أن توضع هذه الكلمة موضع "البكري" فيقال: "أنا ابن التارك بشر" لأنه يترتب عليه إضافة الوصف المفرد المتصل بالألف واللام للخالي منها، وهذا لا يصح كما سبق في باب الإضافة، ولذلك تعرب الكلمة عطف بيان لا بدلا، فإن البدل -كما يدل اسمه- يصح وضعه موضع المتبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 أيَا أخَويْنَا عبدَ شمسٍ ونَوْفَلَا ... أُعيذُكُمَا باللهِ أنْ تُحْدِثَا حَرْبا1 ففي الأول لا يصح وضع الكلمات "الرجاء، الرضا، الحارث" موضع المنادى، لأن فيها "أل". وفي الثاني لا يمكن وضع "بشر" موضع "البكري" إذ يترتب عليه إضافة الوصف المقترن "بأل" للخالي منها. وفي الثالث: لا يمكن وضع "عبد شمس ونوفلا" موضع المنادى، لأن الثاني منصوب، وكان يجب بناؤه على الضم. خاتمة: بعض استعمالات عطف البيان في الكلام العربي: من مواضع عطف البيان في الكلام العربي ما يلي: - الاسم المقترن "بأل" بعد أسماء الإشارة: تقول: "إن هذه الأمةَ العربية واحدة، يربطُ بينها هذا اللسانُ المبين وتلك العواطفُ المشتركة". - استعمال الاسم العلم مع اللَّقب: تقول: "من النساء الشهيرات في الإسلام الصِّدِّيقةُ عائشةُ وذاتُ النِّطاقَين أسماء، وكلتاهما من ولد الصِّدِّيقِ أبي بكر".   1 الشاهد: في البيت "يا أخوينا عبد شمس ونوفلا" إذ يجب أن يعرب "عبد شمس" عطف بيان للمنادى "يا أخوينا" ولا يصح أن يكون بدلا؛ لأن البدل يصح وضعه في مكان المبدل منه، فيقال: "يا عبد شمس ونوفلا" وهذا لا يصح؛ لأن "نوفلا" منصوبة، ويجب أن تبنى على الضم، فيقال: "يا عبد شمس ونوفل" لكنها وردت منصوبة في البيت، وهذا ما منع أن يجعل "عبد شمس" فيه بدلا، بل وجب إعرابه عطف بيان فقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 - استعمال الاسم العلَم مع الكنية تقول: "من النساء الشهيرات في عصرنا الحاضر أمُّ كلثوم فاطمةُ". - استعمال الكلمة مفسرة لغيرها، سواء مع استعمال الحرف "أي" أو بدونه، تقول وأنت تفسر بعض كلمات أحد النصوص: يقصد بالخِبّ: الخدّاع، الأنام أي: الناس، فكل من الكلمتين "الخدّاع، الناس" عطف بيان لما فسرته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 عطف النسق : 1- المقصود بعطف النسق لدى اللغويين والنحاة. 2- حروف العطف ومعانيها، وهي "الواو، الفاء، ثُمَّ، حتى، أم، أو، بل، لكنْ، لا". 3- من مسائل عطف النسق ما يلي: أ- العطف على الضمائر بأنواعها المختلفة. ب- العطف في الأفعال. عطف النسق: مصطلح نحوي مكون من كلمتين "عطف ونسق" والمقصود بالعطف -كما سبق- الرجوع إلى الشيء للنظر في شأنه، أما النسق؛ فيقصد به هنا "النظم" فإن الاسم المعطوف يُنظم مع المعطوف عليه في طريقة واحدة من حيث الإعراب والمعنى. ويصف النحاة عطف النسق بقولهم: هو التابع الذي يتوسط بينه وبين متبوعه أحد حروف العطف ا. هـ. ومن البيّن أن فهم اللغويين له يتكامل مع فهم النحاة، فبينما يصف النحاة الصورة اللفظية التي يرد عليها، يتضح من التسمية اللغوية -عطف النسق- ما يترتب على الصورة اللفظية من أحكام نحوية هي المشاركة في الإعراب والمعنى، فلنلاحظ الأمثلة الآتية: يتحمل اليهودُ والعربُ معًا مسئوليةَ مأساةِ فلسطين. ضاعت من العرب تحت الضغطِ والفرقة. بينما قام اليهود برسمِ الهدفِ فالهجرةِ فالاحتلالِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 ففي هذه الأمثلة أسماء معطوفة في المثالين الأولين بحرف "الواو" وفي المثال الأخير بحرف "الفاء" وكل اسم معطوف يتحقق له ما سبق ذكره من أنه يشارك ما قبله في الإعراب المعنى. من ذلك التفسير السابق تُفهم العبارة النحوية المشهورة عن جملة العطف وهي "أن تصلح لصنع جملتين مستقلتين منها" نظرًا لاشتراك كل من المعطوف والمعطوف عليه في الأمرين السابقين -الإعراب والمعنى- ولعل هذا يفسر تسمية سيبويه لهذا الباب في كتابه بأنه "باب الشّرِكَة". حروف العطف ومعانيها: تمهيد: حروف العطف -على ما هو مشهور- عشرة أحرف هي "الواو، الفاء، ثم، حتى، أم، أو، بل، لكن، لا، إما" لكن الحرف الأخير "ِإما" موضع أخذ ورد كثير، ومثاله ما ورد في القرآن: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} فقد قال ابن عقيل بعد أن أورد الآية: وليست "إمَّا" هذه عاطفة خلافا لبعضهم؛ وذلك لدخول الواو عليها وحرف العطف لا يدخل على حرف العطف ا. هـ. وعلى هذا النهج سار كثير من النحويين، فتركوا هذا الحرف ولم يتعرضوا له في حروف العطف، واعتبروها تسعة أحرف فقط. هذا وقد أسهبت كتب مسائل النحو في الحديث عن معاني هذه الحروف التسعة، والمناقشات حول هذه المعاني، بحيث إن هذا الباب كله يمكن اعتباره حديثا عن معاني هذه الحروف. والحق أن المعاني التي تذكر لهذه الحروف كقولهم مثلا: "ثم: للترتيب والتراخي" أو قولهم: "حتى: للتدريج والغاية" دراسة أسلوبية حيث يتضح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 من خلالها معنى هذه الحروف في الأساليب التي وردت بها، فهي إذن من اختصاص دارس البلاغة لا دارس النحو. وعلى ذلك، كان من المنتظر أن يترك هنا -في دراستنا النحوية- الحديث عن هذه القضية التي شغلت الكثير من الصفحات في غير اختصاصها إذ يكفي دارس النحو أن يعلم أن هذه الحروف المذكورة تشرك ما بعدها مع ما قبلها في الإعراب والوظيفة النحوية. والحق أنني هممت أن أترك هذا البحث تماما، لولا أن بعض هذه المعاني يرتبط به أحيانا أمور نحوية في الجملة التي بها العطف أو في العطف بها وذلك مثل الحروف" أم، أوْ، بلْ، لكِنْ" حيث يعطف ببعضها بعد النفي أو الإيجاب -وهذه معانٍ نحوية- كما أن بعضها الآخر يكون عاطفا أو غير عاطف مثل "أمْ" وأن ذلك مرتبط بمعانيها كما سيأتي. من أجل ذلك نسوق هذه المعاني -دون إسهاب ولا اضطراب- مع ذكر أمثلة وشواهد لهذه الحروف التسعة، وربما كان ذكر هذه الأمثلة والشواهد أهم -في نظري- من ذكر معاني هذه الحروف، وإليك إذن هذه الحروف ومعانيها. 1- الواو: مطلق الجمع: المقصود من ذلك أنها تجمع بين المعطوف والمعطوف عليه في حديث واحد وهذا معناها فقط، فلا يفهم منها تأخر المتأخر ولا تقدم المتقدم ولا العكس ولا تصاحبهما معا. قال السيرافي: أجمع النحويون واللغويون من البصريين والكوفيين على أن الواو للجمع من غير ترتيب ا. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 تقول: "ذاكرتُ النَّحوَ والأدبَ" ونقول: "يَوْمِي مُوَزّع بين اللَّعِبِ والجدِّ والهدوءِ والحركةِ والعملِ والراحة". فلنتأمل الشواهد التالية: - قول القرآن: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ} الترتيب على الأصل. - قول القرآن: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} 2 الترتيب على خلاف الأصل. - قول القرآن: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} 3 الترتيب على خلاف الأصل. - قول القرآن: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} 4 المعطوف والمعطوف عليه متصاحبان. 2- الفاء: الترتيب والتعقيب: معنى "الترتيب" أن المعطوف عليه يحدث أولا، والمعطوف يحدث بعده، ومعنى "التعقيب" أن الثاني يحدث بعد الأول مباشرة بحسب ظروفه تقول: "طريق الشاب الناجح واضح، الدراسة، فالتخرج، فالعمل" جاء في قطر الندى: وتعقيب كل شيء بحسبه، فإذا قلت: "دخلتُ البصرةَ فبغدادَ، وكان بينهما ثلاثة أيام، ودخلت بعد الثالث" فذلك تعقيب في   1 من الآية 26 من سورة الحديد. 2 من الآية 65 من سورة الزمر. 3 من الآية 43 من سورة آل عمران. 4 من الآية 15 من سورة العنكبوت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 مثل هذا عادة، فإذا دخلت بعد الرابع أو الخامس، فليس بتعقيب، ولم يجز الكلام ا. هـ. 3- ثُمَّ: الترتيب والتَّراخِي: أما "الترتيب"؛ فقد سبق معناه، وأما "التراخي"؛ فمعناه أن هناك مهلة بين المعطوف والمعطوف عليه، تقول: "ينحصر العام الدراسي بين بَدْءِ الدّارسة ثم الامتحانِ" وتقول: "حضرتُ للكلية في الصباح، ثم عدتُ لمنزلنا في المساء". 4- حتَّى: التدريج والغاية: ومعنى "التدريج" أن ما قبلها ينقضي شيئا فشيئا إلى أن يبلغ إلى الغاية وهو الاسم المعطوف، ومعنى "الغاية" آخر الشيء ونهايته، تقول: "وَسِعَ قلبُ الرسول كلَّ الناس حتى العصاةَ، وشملَ عدلُ عمرَ كلَّ الرعيةِ حتى الظلمةَ"، وجاء في "مغني اللبيب": وتكون حرف عطف مثل "الواو" في المعنى والعمل بشرط أن يتحقق لجملتها الصفات الآتية: أ- أن يكون المعطوف بها اسما ظاهرا، كما هو واضح في الأمثلة السابقة. ب- أن يكون المعطوف بها جزءا من المعطوف عليه، كما ترى في الأمثلة السابقة. ج- أن يكون المعطوف بها غاية في الزيادة أو القلة، أي نهاية في الكمال أو النقص، وقد يكون كل منهما حسيًّا أو معنويًّا، كما ترى في الأمثلة التالية: - فالغاية في الزيادة الحسية كقولنا: "تصدَّقَ المحسنُ بالأعدادِ الكثيرةِ حتَّى الألوف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 - والغاية في الزيادة المعنوية كقولنا: "ماتَ الناسُ حتى الأنبياءُ". - والغاية في القلة الحسية كقولنا: "الله يُحصِي الأشياءَ حتى مثقالَ الذّرة". - والغاية في القلة المعنوية كقولنا: "غلبكَ الناسُ حتى الصبيانُ". وقد اجتمعت الغايتان -الزيادة والقلة- في قول أبي دؤاد الإيادي: قَهَرْنَاكُمُ حتَّى الكُمَاةَ، فأنتم ... تَهَابُونَنَا حتَّى بَنِينَا الأصَاغِرَا1 5- أمْ: المتّصلة والمنقطعَة: يأتي هذا الحرف "أم" على الصور التالية: الأولى: أن يتقدم الجملة التي وردت فيها "همزة الاستفهام" ويكون القصد من الجملة تعيين واحد من اثنين فيها، تقول: "آلواجبَ الشاقَّ تفضّلُ أم الراحةَ الرخيصةَ؟ وأَعنْ حبِّ الناس تبحثُ أم عن احترامِهم؟؟ ". وتسمى همزة الاستفهام هذه "همزة التعيين" -والحرف "أم" لعطف المفرد غالبا- ويأتي بعد الهمزة ما يُسأل عنه، وبعد "أمْ" ما يقابله. الثانية: أن يتقدم الجملة التي وردت فيها "همزة الاستفهام" على أن تسبق   1 الكماة: جمع "كميّ" وهو الرجل الفائق الشجاعة. يقول: لقد غلبناكم حتى الشجعان منكم غلبوا، ففي قلوبكم الرعب منا، بل من أبنائنا الصغار. الشاهد: في الشطر الأول "قهرناكم حتى الكماة" إذ جاءت "حتى" للغاية في الزيادة. وفي الشطر الثاني " تهابوننا حتى بنينا الأصاغرا" جاءت "حتى" للغاية في النقص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 الهمزة بكلمة "سواء" ويكون القصد من الجملة استواء أمرين متقابلين فيها تقول: "الإنسانُ النظيفُ يؤدي الواجبَ سواءٌ أثقلَ عِبْئُه أم هانَ وهو يبحث عن الاحترام سواءٌ أكرِهَهُ الناسُ أمْ أحبُّوه" ومن ذلك قول القرآن: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} 1، وقول متمم بن نويرة في رثاء أخيه "مالك": ولستُ أبَالِي بعد فَقْدِيَ مَالِكًا ... أَمَوْتِيَ ناءٍ أم هو الآن وَاقعُ2 فإن جملة "لست أبالي" تساوي تمامًا كلمة "سواء" في المعنى. وتسمى همزة الاستفهام هنا "همزة التسوية"، والحرف "أم" لعطف الجمل الاسمية أو الفعلية التي تؤول بعد ذلك -فيما يقال- بمصادر متعاطفة. الثالثة: ما كانت في غير الصورتين السابقتين، ويكون القصد من الجملة التي وردت فيها صرف النظر عن الكلام السابق عليها، والاتجاه إلى ما ورد بعدها، كقولك: "هل يستوي السموُّ والخسة أم هل يستوي النفع والضرر". وقول القرآن: {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} 3 وقول عمر بن أبي ربيعة:   1 من الآية 6 من سورة البقرة. 2 ناء: بعيد الوقوع. يقول: لا أبالي متي يأتي الموت بعد ما فقدت أخي، فلم يعد للحياة طعم دونه. الشاهد: في "لست أبالي" فإنها بمنزلة "سواء" في المعنى، وجاء بعدها همزة التسوية و "أم" التي عطفت جملة على جملة في "أموتي ناء أم هو الآن واقع" وكلا المتعاطفين جملة اسمية. 3 الآية 16 من سورة الرعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 ألا ليت أنِّي يومَ تُقْضَى مَنِيَّتِي ... لَثَمْتُ الذي ما بين عينيك والفَمِ وليت طَهُورِي كان ريقَكِ كلَّه ... وليتَ حَنُوطِي من مُشَاشِك والدّمِ وليت سُلَيْمَى في المنام ضجيعتي ... هنالك أم في جنةٍ أم جهنّمِ1 والحرف "أم" في هذه الصورة "حرف ابتداء" ويعبر عنه المعربون بقولهم "حرف يفيد الإضراب" ومعناه الإضراب عما سبقه والاتجاه لما بعده، ولذلك تعتبر الجملة التي بعده جملة جديدة مستقلة. وبناء على ما سبق يمكن فهم المقصود من وصف "أم" بأنها متصلة أو منقطعة. فالمتصلة: هي ما كان الكلام بعدها ذا صلة بما قبلها، ويتحقق هذا في الصورتين الأولى والثانية، وهذه عاطفة كما سبق. والمُنْقَطِعَة: ما كان الكلام بعدها لا صلة له بما قبلها، لصرف النظر   1 يوم تقضى منيتي: يوم موتي، لثمت: قبلت، حنوطي: الطيب الذي يوضع على جسد الميت، مشاشك: المشاش: العظام اللينة، ضجيعتي: مشاركة في المضجع. المعنى: أمنية غريبة يصور بها شدة حبه، إذ يتمنى حين يموت أن يقبل ما بين عينيها وفمها، وأن يكون ريقها طهوره ومشاشها ودمها طيبه، بل إنه ليتمنى ما هو أكثر، بأن يضاجعها في نومه أو بعد موته في الجنة أو النار لا يهم ما دامت هي بحانبه. الشاهد: في قوله: "هنالك أم في جنة أم جهنم" فإن "أم" في هذا الشطر منقطعة تفيد "الإضراب" فهي بمعنى "بل" ولذلك يعتبر ما بعدها جملة كاملة وهي هنا كذلك، فالجار والمجرور بعدها خبر "ليت" المحذوفة مع اسمها وتقدير الكلام "ليت سليمى ضجيعتي هنالك أم ليتها في جنة أم ليتها في جهنم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 عما قبلها، ويتحقق هذا في الصورة الأخيرة، وهذه حرف ابتداء لا صلة لها بالعطف. 6- أوْ: وتأتي بالمعاني الخمسة الآتية: أولا: التخيير: كقولنا في موقف النصيحة "كنْ شجاعًا أو جبانًا وعشْ كريمًا أو بخيلًا" وكقولك لصديقك: "إذا عدتَ من الكلية للبيت فقُمْ بالمذاكرةِ أو النومِ" ويمثل النحاة لذلك بقولهم: "تزوَّجْ هندًا أو أختَها". ثانيا: الإباحة: كقول الخطيب الواعظ: "أشفِقْ على المساكينِ أو الضعفاءِ واحتقر المنافقين أو الأدعياءَ" وكما تقول لصديقك: "اذهبْ إلى الحديقةِ أو السينما" ويمثل النحاة لذلك بقولهم: "جالس العلماءَ أو الزهادَ". قال ابن هشام عن التخيير والإباحة: والفرق بينهما أن التخيير يأبى جواز الجمع بين ما قبل "أو" وما بعدها، والإباحة لا تأباه" ا. هـ. وهذان المعنيان تأتي لهما "أو" بعد الطلب، وبخاصة ما دل منه على الأمر. ثالثا: الشك: كقولك: "قمت من النوم مروّعا على صوت أنينٍ أو استغاثةٍ وحِرْتُ في تحديد ذلك بين الوهْمِ أو الحقيقةِ" وتقول لصديقك: "زرتُك أمس حوَالي الثانيةِ أو الثالثةِ" ويحكي القرآن عن أهل الكهف قولهم حين استيقظوا من نومهم الطويل: {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} 1. رابعا: التشكيك أو الإبهام: لنفترض محاورة بين أحد العلماء المسلمين وأحد الأجانب الباحثين عن المعرفة، يذكر فيها العالم المسلم في بداية حديثه ما يلي:   1 من الآية 19 من سورة الكهف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 - يا سيدي، يدعو الإسلام إلى العِلْم والتدبير أو الجهل والتسليم. - والقرآن من عند الله أو من كلام محمد. - سنتناقش في ذلك لنعرف الحقَّ أو الباطلَ. فلا شك أن العالم المسلم يعرف حقيقة الأمر فيما ردده من أمور متقابلة لكنه -في موقف المحاورة- يعمّي الأمر على المخاطب، بقصد الاستدراج له إلى النقاش، ثم الوصول معه إلى الحقيقة. خامسا: الإضراب: ويقصد به صرف النظر عما سبقها، والاتجاه لما يأتي بعدها، فتكون "حرف ابتداء" كقول جرير يخاطب هشام بن عبد الملك: ماذا تَرَى في عيال قد بَرِمْتُ بهم ... لم أُحْصِ عدَّتَهم إلَّا بِعَدَّاد كانوا ثمانين أوْ زادوا ثمانيةً ... لولا رجاؤُك قد قتّلتُ أولادي1 والمعاني الثلاثة الأخيرة تأتي لها "أو" بعد الخبر لا الطلب. 7- لكِن: ويعطف بها في النفي والنهي، ويكون معناها حينئذٍ إقرار الكلام قبلها.   1 عيال: عيال المرء من يعوله من الأولاد والأقارب، برمت بهم: ضقت بهم، عداد: تعداد متعمد. يقول: إن لي أقارب وأولادا أعولهم، وهم كثيرون لا يحصون إلا بالتعداد وقد أحصيتهم، فوجدتهم ثمانين بل ثمانية وثمانين، هؤلاء قد ضقت بهم وبنفقتهم، فهم يستحقون عطفك ومعونتك. الشاهد: في "كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية" فإن "أو" تفيد الإضراب فهي "حرف ابتداء" بمعنى "بل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 على ما هو عليه من نفي أو نهي وإثبات نقيضه لما بعدها، تقول: "ما سافرتُ يومَ الخميس لكن يوم الجمعة" وتقول أيضا: "لا تُصاحب الأشرارَ لكن الأخيارَ" ومن المعلوم أن ضد النفي الإثبات وضد النهي الأمر. هذا إذا جاء بعدها مفرد، فإن جاء بعدها جملة كاملة، فهي حينئذٍ حرف ابتداء لا عطف، وعلى ذلك ورد قول زهير بن أبي سلمى: إنَّ ابنَ وَرْقَاءَ لا تُخْشَى بوادره ... لكنْ وقائعُه في الحربِ تنتظرُ1 8- لَا: وهي على العكس تماما من "لكن" إذ يعطف بها بعد الإثبات والأمر ويكون معناها إقرار ما قبلها على ما هو عليه من إثبات أو أمر، وإثبات نقيضه لما بعدها، تقول: "سافرتُ صباحًا لا مساءً"، و"اسمع النصيحةَ الصَّادقةَ لا الرّياءَ الكاذبَ". 9- بَل وتأتي في صورتين: الأولى: أن تكون مثل "لكن" تماما بمعنى أن يعطف بها بعد النفي النهي، ويكون معناها حينئذٍ إقرار ما قبلها على ما هو عليه من نفي أو نهي   1 ابن ورقاء: من يمدحه الشاعر، و "ورقاء" أمه، بوادره: مفاجآته المسيئة عند الغضب، والمقصود وصفه بالحلم، وقائعه: ما ينزله بالأعداء من الضر، والمقصود أنه شجاع. الشاهد: في "لكن وقائعه في الحرب تنتظر" حيث جاء بعد "لكن" جملة اسمية، فهي "حرف ابتداء" أو "إضراب" بمعنى "بل" وليست حرفا للعطف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 وإثبات نقيضه لما بعدها، تقول: "لا يغش الصديقُ بل المنافقُ"، ونقول: "لا تُنصتْ للغشاشين بل المخلصين". الثانية: أن تأتي بعد الإثبات أو الأمر، وتفيد حينئذٍ ما يطلق عليه "الإضراب" ومعناه صرف النظر عن الكلام السابق عليها لتقرير هذا السابق عليها نفسه لما بعدها، تقول: "زارني صديقي أحمدُ بل صديقي محمدٌ"، وتقول: "ليحضر إليِّ منكم اثنان بل ثلاثة". ويتلخص أمر هذه الحروف الثلاثة فيما يلي: - لكن: يعطف بها بعد النفي أو النهي، فيكون لما بعدها ضد ذلك وهو الإثبات والأمر. - لَا: يعطف بها بعد الإثبات والأمر، فيكون لما بعدها ضد ذلك وهو النفي والأمر. - بَل: يعطف بها بعد النفي والنهي، فتكون مثل "لكن" تماما، ويعطف بها بعد الإثبات والأمر، فتفيد معنى "الإضراب". وبعد: فلعله قد اتضح بعد هذا الشوط الطويل مع حروف العطف ومعانيها ما سبق أن قلته من أن الحديث عن هذه المعاني دراسة أسلوبية لولا ما يترتب عليها من حديث نحوي سواء فيما يتعلق بالجملة قبلها أم العطف بها. العطف على الضمائر المختلفة: سبق -غير مرة- أن الضمائر مستترة وبارزة وأن البارزة منها المتصلة والمنفصلة، والمتصلة تأتي مرفوعة ومنصوبة ومجرورة، أما المنفصلة فمنها ضمائر رفع وضمائر نصب فقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 المهم هنا أن يذكر أن معظم الضمائر في عطف النسق حكمها حكم الأسماء الظاهرة، فكما تقول: "الإنسان الحقُّ من له عقلٌ صريحٌ وضميرٌ نظيفٌ" تقول أيضًا: "أنا وصديقي نتعاملُ بفكرٍ مستنيرٍ وقلبٍ مفتوحٍ" ويقول القرآن: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} 1. لكن يستثنى من ذلك صور خاصة في العطف على الضمير لا بد أن تتوافر في جملتها صفات معيَّنة حين العطف عليها، وهي ما يلي: الصورة الأولى: أن يكون الضمير المعطوف عليه مستترا، وحينئذٍ يسبق حرف العطف توكيده بضمير منفصل، تقول: "أبذلُ أنا والزملاءُ غايةَ الجهد في الفهمِ والمذاكرة" ومن قول القرآن: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} 2. هذا هو الأصل في الضمير المستتر، أن يؤكد بضمير منفصل قبل العطف عليه، ومع ذلك فقد وردت شواهد لا تتحقق لها هذه الصفة، إذ عطف فيها على الضمير المستتر دون توكيد، وهذا نادر في اللغة وضعيف في الاستعمال ومن ذلك: - ما ورد عن العرب من قولهم: مررتُ برجل سواءٍ والعدم3. - قول جرير يهجو الأخطل:   1 من الآية 38 من سورة المرسلات. 2 من الآية 35 من سورة البقرة. 3 معناه "حياته كموته"، وكلمة "سواء" مصدر وقع صفة لكلمة "رجل" فهو بمعنى "مستوي" وفيه ضمير مستتر يعود على الرجل، وقد عطف عليه دون توكيد بضمير منفصل، وهذا نادر في اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 ورَجَا الأخَيْطلُ من سفاهةِ رأيِه ... ما لم يكنْ وأبٌ له لِيَنَالَا1 الصورة الثانية: أن يكون الضمير المعطوف عليه متصلا مرفوعا، وحينئذٍ يسبق حرف العطف أيضا توكيده بضمير منفصل، تقول: "ذهبتُ أنا والأسرةُ للمصيف في الإسكندرية" قال القرآن: {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 2. قال النحاة: ويصح في هذه الصورة أن يكون الفاصل بين المعطوف والمعطوف عليه شيء آخر غير الضمير المنفصل، وهذا ما عبر عنه ابن مالك بقوله "أو فاصل ما" ومن ذلك: - قول القرآن: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} 3. - قول القرآن: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} 4. هذا هو الأصل في الضمير المرفوع المتصل حين العطف عليه أن يؤكد بضمير منفصل أو يفصل بينه وبين ما عطف عليه بغير هذا الضمير، ومع ذلك فقد وردت نصوص من الشواهد لا تتحقق لها هذه الصفة؛ إذ عطف على الضمير المرفوع المتصل دون توكيد ولا فصل، وذلك نادر في اللغة وقليل في الاستعمال.   1 الشاهد في البيت: قوله: "ما لم يكن وأب له" ففي الفعل "يكن" ضمير مستتر يعود على الأخطل، وقد عطف عليه دون توكيده بضمير منفصل، وهذا نادر في اللغة. 2 من الآية 54 من سورة الأنبياء. 3 من الآية 23 من سورة الرعد. 4 من الآية 148 من سورة الأنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 - روي عن ابن عباس قال: إني مع قوم ندعو الله لعمر بن الخطاب -وقد وضع على سريره- إذا رجل من خلفي مرفقه على منكبي يقول: رحمك الله، إني لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك، لأني كثيرا ما كنت أسمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: كنت وأبو بكر وعمر وانطلقْتُ وأبو بكر وعمر، قال ابن عباس: فالتفتُّ فإذا هو عَلِيّ بن أبي طالب. الصورة الثالثة: أن يكون الضمير متصلا مجرورا، وحينئذٍ لا يصح العطف عليه إلا بإعادة الجار، تقول: "اللهُ غفورٌ رحيمٌ، فاتجهت إليه وإلى رحمتِه"، ومن ذلك قول القرآن: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} 1. هذا هو الأصل أن يعاد الخافض مع المعطوف حين العطف على الضمير المتصل المخفوض، ومع ذلك فقد وردت بعض الشواهد لا تتحقق لها هذه الصفات، فورد العطف على الضمير المتصل المخفوض دون إعادة الخافض، وذلك قليل في اللغة، ومن ذلك: - ما ورد من قراءة الآية: "وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ"2، بجر كلمة "الأرحام". - قول الشاعر: فاليومَ قَرَّبْتَ تهجونا وتشتُمنا ... فاذهبْ فما بكَ والأيامِ من عَجَبِ3   1 من الآية 11 من سورة فصلت. 2 من الآية الأولى من سورة النساء. 3 المعنى: إنك تسيء إلينا بالهجاء والشتم، ولا عجب في الإساءة منك فهي متوقعة منك كما أنها متوقعة من الأيام. الشاهد: في قوله: "فما بك والأيام من عجب" حيث عطف على الضمير المجرور المتصل دون إعادة الجار، وهذا قليل في اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 والخلاصة في هذا الموضوع كله ما يأتي: أولا: أن الضمير بأنواعه المختلفة حكمه في العطف عليه كالاسم الظاهر لا فرق في ذلك بين الاثنين. ثانيا: يستثنى من ذلك ما يلي: أ- الضمير المستتر حين العطف عليه، وهذا يؤكد قبل العطف عليه بضمير منفصل، وما ورد غير ذلك نادر. ب- الضمير المرفوع المتصل حين العطف عليه، وهذا يؤكد قبل العطف عليه بضمير منفصل أو فاصل آخر، وما ورد غير ذلك نادر. ج- الضمير المجرور المتصل، وهذا يعطف عليه مع إعادة الجار، وما ورد غير ذلك قليل في اللغة. العطف في الأفعال: من المعلوم أن الأفعال ثلاثة "ماضٍ ومضارع وأمر" وأقدم هنا الملاحظات التالية حولها في عطف النسق: أ- إذا عطف فعل أمر على أمر آخر فليس من عطف الأفعال أو بعبارة أخرى: ليس من عطف المفردات، بل هو من عطف الجمل أقول: "ذاكِرْ واجتهدْ واترك الباقِيَ لله" فهذا من عطف الجمل لا من عطف المفردات وكذلك الشأن في كل فعل يستتر فيه الضمير وجوبا. ب- قال ابن هشام نصا: ويعطف الفعل على الفعل بشرط اتحاد زمانيهما سواء اتحد نوعاهما أم اختلفا ا. هـ. ومعنى ذلك أنه يُعطف ماضٍ على ماضٍ ومضارع على مضارع أو يعطف مضارع على ماضٍ والعكس بشرط أن يتحدا في الزمن وإن اختلفا في الصيغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 تقول: "تَدَثَّرَ فنام المُجْهَدُ" وتقول: "يُحيي ويُميتُ ربُّ الناس" ومن ذلك: - قول القرآن: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً} 1. - قول القرآن: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} 2. ج- يمكن العطف بين الفعل وما يشبه الفعل من الأسماء -كاسم الفاعل أو المفعول- تقول "يسمعُ الحاكم العادلُ رأيَ الرعيَّةِ ومستجيبٌ لطلباتهم" ومن ذلك: - قول القرآن: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ} 3. - قول الراجز "جندب بن عمرو": يا ليتني عَلِقتُ غيرَ حَارِجْ قبل الصّباحِ ذاتَ خَلْقٍ بارِجْ أُمَّ صبيٍّ قد حَبَا أو دارِجْ4   1 من الآية 10 سورة الفرقان. 2 من الآية 98 سورة هود. 3 الآية 19 سورة الملك. 4 علقت: أحببت وعشقت، غير حارج: غير مذموم ولا آثم، ذات خلق بارج: ذات خلق جميل حسن، قد حبا: حبو الطفل: زحفه وهو قاعد، دارج: مشي متقارب الخطو. المعنى: أمنية غريبة أن يحب امرأة جميلة الخلقة، لها صغير يحبو أو يدرج. الشاهد: في قوله "قد حبا أو دارج" حيث عطف على الفعل "حبا" اسما يشبه الفعل "دارج" فهو اسم فاعل، وهذا جائز في اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 البدل : 1- المقصود بالبدل لدى اللغويين والنحاة. 2- صور البدل التي يرد عليها في اللغة هي: "بدل الكل من الكل، بدل البعض من الكل، بدل الاشتمال، بدل البَدَاء، بدل النّسيان، بدل الغلط". 3- البدل والمبدل منه من حيث الإظهار والإضمار. 4- البدل في الأفعال والجمل. معنى البدل: دوَّخَ سيفُ الله خالد قُوادَ عصرِه، ومات على فراش بيته. كان ذو النّورين عثمانُ رقيقَ القلبِ، فطمِعَ فيه أقرباؤه. وضربَ سيدُ الشهداء الحسينُ مَثَلًا رائعا لاحترام المبدأ. تتردد كلمة "البدل" ومشتقاتها بيننا في الحياة العادية، فتقول لمن أعطاك شيئا، فضاع منك: "سأعطيك بَدَلَه" أي شيئا يساويه في القيمة يعوضك عن فقده، وتقول حين الرغبة في إرسال إنسان في بعض الأمور ولم يحضر "سأذهب بَدَلًا منه" أي: سأقوم بالمهمة عوضا عنه. فكلمة "البدل" في اللغة معناها "العِوَض"، جاء في القاموس: بدل الشيء وبديله: الخلف منه، وبادله مبادلة: أعطاه مثل ما أخذ منه ا. هـ. ومن ذلك ما جاء في القرآن: {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا} 1 بمعنى: يعوضنا وقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً} 2 بمعنى: استعاضوا عن   1 من الآية 32 سورة ن. 2 من الآية 28 سورة إبراهيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 الإيمان بالكفر، فضلّوا وأضلوا قومهم. أما تحديد البدل لدى النحاة، فتكاد كتب النحو تتفق على عبارة واحدة هي: البدل هو التابع المقصود بالحكم بلا واسطة ا. هـ. ومن هذه العبارة السابقة تفهم الصفتان للاسم الذي يقع بدلا وهما: أ- أن البدل -في حقيقة الأمر- هو الذي يتجه إليه المعنى الذي في الجملة، والمبدل منه ما هو إلا تمهيد له وطريق إليه، فالمقصود بالحكم في الأمثلة السابقة هو "خالد، عثمان، الحسين" ومهد لكل منها على التوالي "المتبوع" وهو "سيف الله، ذو النُّورين، سيد الشهداء". وبالصفة السابقة يفترق البدل عن النعت والتوكيد وعطف البيان، فإن المعنى في الجمل التي ترد فيها يتجه إلى المتبوع، وهي مكملة له، بخلاف "البدل" فإن المعنى يتجه إليه هو نفسه، فلنطبق ذلك على الأمثلة الآتية: دوّخ سيفُ الله خالدُ قوادَ عصره ومات على فراشِ بيته. أسلوب البدل. دوّخ سيفُ الله المسلولُ قوادَ عصرِه ومات على فراشِ بيته. أسلوب النعت. دوَّخ سيفُ الله نفسُه قوادَ عصره ومات على فراش بيته. أسلوب التوكيد. مع ملاحظة أن المثال الأول يصلح أيضا أن يكون لعطف البيان لكن يكون المعنى متجها للاسم الأول "سيف الله" والثاني "خالد" موضح له، بعكس البدل -كما قدمنا- فإن المعنى متجه للثاني والأول تمهيد له، وبذلك نفهم تحديد النحاة له "المقصود بالحكم". ب- أن البدل يكون بعد المبدَل منه بغير واسطة، وهذا بخلاف العطف بالحروف إذ يتحقق بواسطة هي حرف بين المعطوف والمعطوف عليه، فالمعطوف وإن كان مقصودا أيضا بمعنى الجملة إلا أنه بواسطة هي حرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 العطف، بخلاف البدل، فحين نقول مثلا: "ألتقي مع الزملاء في الكلية صباحًا ومساءً" تكون كلمة "مساء" مقصودة أيضا بمعنى الجملة كالبدل في جملته، لكن بواسطة حرف العطف، ومن ذلك نفهم ما جاء في تحديده من أنه "بلا واسطة". وخلاصة الأمر أن البدل يتميز عن غيره من التوابع بهاتين الصفتين: قصده بالحكم وبغير واسطة. وعلى ذلك ينبغي فهم الملاحظتين التاليتين عنه: الأولى: أنه ما دام مقصودا بالمعنى، فإنه يمكن الاستغناء عن "المبدل منه" ووضع "البدل" موضعه ويستقيم معنى الجملة، تقول: "شكرتُ الصديقَ معروفَه" فيمكن الاستغناء عن الكلمة الأولى ووضع الثانية موضعها، فتكون الجملة: "شكرتُ معروفَ الصديقِ" ولا خلل فيها، وتقول: "تأمَّلْتُ الحديقةَ أشجارَها" فيمكن أن تقول: "تأملتُ أشجارَ الحديقةِ" بالاستغناء عن المبدل منه ووضع البدل موضعه، وهذه الطريقة -الاستغناء عن المبدل منه ووضع البدل مكانه- هي العلامة الذهنية المميّزة للتعرف على أسلوب البدل. الثانية: أنه ما دام المقصود بالمعنى هو الكلمة الثانية فما فائدة الكلمة الأولى في هذا الأسلوب؟؟، إن الفائدة من ذكر المبدل منه في الكلام هو التمهيد والتهيئة لذكر الثانية، فكأنك ذكرت الجملة مرتين، مرة مجملة ومرة أخرى واضحة محددة، فيكون المقصود النهائي من الجملة أرسخ في الذهن وهذا هو السر في قولهم "البدل في حكم تكرير العامل". صور البدل في اللغة: باستقراء النحاة للغة وجدوا أن البدل يَرِدُ على الصور التالية: بدل الكُلّ من الكُلّ: وهو بدل الشيء مما هو طِبْق معناه، ولهذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 يسمى أحيانا "البدل المطابق" بأن يكون الاسم الثاني -البدل- هو عين الاسم الأول، تقول "نَظَمَ أبو عبد الله محمدٌ بن مالك ألفيته الشهيرة في النحو" أو "ضربَ أبو الشهداءِ الحسين مَثَلًا رائعا للتضحية في سبيل المبدأِ". ومن ذلك قول القرآن: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} 1. بدل البعض من الكلّ: يقصد به أن يكون البدل جزءا من المبدل منه تقول: "قطعت الطريقَ نصفَه" أو "ذاكرت الليلَ ثُلُثَيه" أو "ارتفعت العمارةُ دوران منها" ومن ذلك قول القرآن: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً} 2. وفي هذه الصورة يكون في البدل ضمير يعود على المبدل منه. بدل الاشتمال: يقصد به -كما يقول ابن عقيل- الدال على معنى في متبوعه، ومعنى ذلك أن متبوعه يشتمل على معناه، وأن هذا المعنى قائم به تقول: "أفادني الأستاذُ علمُه" وتقول: "هداني القمرُ ضوؤه" فمن البيّن أن "الأستاذ" تنسب له معانٍ كثيرة ومنها "العلم" فهو يحمل العلم، والعلم قائم به، ومن البيّن أن "للقمر" معاني كثيرة ومنها "الضوء" فهو مصدر الضوء للأرض، والضوء منسوب إليه، وفي هذه الصورة يكون في البدل ضمير المبدل منه. هذا هو معنى الاشتمال الذي يسمى به هذا البدل، فالبدل معنى من المعاني يشتمل عليه متبوعه، ولا داعي بعد ذلك لذكر ما خاض فيه النحاة عن معنى هذه الكلمة "الاشتمال" فإن لذلك حديثا طويلا لا يضر جهله. ومن ذلك قول القرآن: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} 3. وأيضا قول القرآن: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} 4.   1 من الآيتين 6، 7 من سورة الفاتحة. 2 أول سورة المزمل. 3 من الآية 217 البقرة. 4 الآيتان 4، 5 البروج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 بدل البداء: البداء، معناه اللغوي الظهور والوضوح، ويقصد بهذا النوع من البدل إذن: ظهور أمر آخر للمتكلم بعد أن لم يكن ظاهرا له فيصرف النظر عن الأمر الأول بعد قصده إلى ذلك الأمر الجديد الذي بدا له، تقول مثلا: "قصد الظمآن ماءً سرابًا" وتقول: "غَفَوْتُ الليلةَ ساعتين ساعةً"، فمن البيّن أن المتكلم قصد الاسم الأول في المثالين، ثم بدا له غير ذلك، فعدل عنه إلى الاسم الأخير، ولهذا يطلق على هذا البدل اسم "بدل الإضراب". بدل الغَلَط: يقصد به أن يقصد المتكلم أمرا من الأمور، فيسبق لسانه إلى أمر آخر، ثم يتبين له غلطه، فيعدل عنه إلى الصحيح، تقول مثلا: "قابلت أستاذ النحوِ الأدبِ" إذا كنت قد قصدت "الأدب" فسبق لسانك إلى "النحو" وتقول أيضا: "أضاءتْ لي النجومُ القمرُ" إذا كنت قد قصدت "القمر" فسبق لسانك لذكر "النجوم" ثم تبين لك الغلط، وهذا أمر كثيرا ما يحدث لنا في حياتنا أثناء الكلام العادي. بدل النِسْيَان: يقصد به أن يذكر الإنسان شيئا نتيجة السهو الذهني ثم يتبين له وجه الصواب، فيذكره أيضا، فيسمى هذا "بدل النسيان" أي بدلا من اللفظ الذي ذكر سهوا، تقول: "حضرت من طنطا الإسكندرية" إذا كان ذكر "طنطا" كان عن طريق السهو، ثم تبين السهو، فذكرت "الإسكندرية". يقول: "ابن هشام" عبارة مفيدة للتفريق بين النوعين الأخيرين وهي: وقد ظهر أن الغلط متعلق باللسان، واللسان متعلق بالجنان ا. هـ "الجنان: العقل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 البدل والمبدل منه من حيث الإظهار والإضمار: تصور كل من البدل والمبدل منه ظاهرًا أو ضميرًا يتحصل منه أربع صور بأن يكونا ظاهرين أو مضمرين أو مختلفين، الأول مضمر، والثاني ظاهر أو العكس، فهذه أربع صور، لكن الذي استعملته اللغة من هذه الأربع صورتان فقط هما: الأولى: إبدال الظاهر من الظاهر -كما مر من الأمثلة- وكقولنا: "ممن ناصروا الرسولَ عمُّه أبو طالب وزوجُه خديجة، وممن آذَوه عمُّه أبو جهل وجارتُه حمالةُ الحطب". الثانية: إبدال الظاهر من الضمير، وفيه التفصيل الآتي: أ- إذا كان الضمير للغيبة جاز البدل مطلقا، كقولك: "أحترمهم جميعا الزّملاءَ والزميلاتِ" ومن ذلك: - قول القرآن: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} 1، الذين: بدل من واو الجماعة، بدل بعض من كل "في بعض الآراء". - قول القرآن: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} 2، "أن أذكره" مصدر مؤول بدل من ضمير الغيبة في "أنسانيه" بدل اشتمال. ب- إذا كان الضمير للمتكلم أو المخاطب، والبدل بعض أو اشتمال جاز البدل أيضا، ومما ورد تأييدا لذلك قول النابغة الجعدي في حضرة الرسول: بَلَغْنَا السماءَ مَجْدُنَا وسَنَاؤُنَا ... وإنَّا لنرجو فوق ذلك مَظهَرا3 فإن "مجدُنا" بدل من ضمير المتكلمين فيِ "بلغنا" بدل اشتمال   1 من الآية 3 من سورة الأنبياء. 2 من الآية 63 من سورة الكهف. 3 سناؤنا: السناء هو الشرف وعلو المنزلة، مظهرا: ظهورا ورفعة. الشاهد: في "بلغنا السماء مجدنا" فإن "مجدنا" بدل اشتمال من ضمير المتكلمين الفاعل في "بلغنا"، وهذا جائز في اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 ج- إذا كان الضمير للمتكلم أو المخاطب، فلا يصح أن يأتي منه بدل الكل من الكل إلا إذا دل على إحاطة، بمعنى أن يبين البدل المقصود من الضمير بيانا شاملا لكل أفراده، عندئذٍ فقط يصح مجيء بدل الكل من ضمير المتكلم والمخاطب، كما جاء في القرآن: {رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} 1. البدل في الأفعال والجمل: لعلَّه أمر غير جديد أن يكرر هنا مرة أخرى أن الأصل في التوابع أن تكون في الأسماء المفردة، وما خرج عن هذا الأصل يشار إليه في مكانه كمجيء التوكيد اللفظي في الحروف والأفعال والجمل، وكذلك العطف في الأفعال والجمل، وهنا أيضا فيِ "باب البدل". أ- يمكن إبدال الفعل من الفعل، تقول: "إن تصم تمتنع عن المفْطِرَاتِ تَنَلْ ثواب الله" وتقول: "إنْ تُصل تسجد لله فتلك عبادة"، ومن ذلك ما أورده سيبويه من قول الشاعر: إنّ عَلَيّ اللهَ أن تُبَايعَا ... تُؤخَذَ كرْهًا أو تَجيءَ طائعا2 ب- تجيء الجملة أيضا بدلا من الجملة، ومن ذلك قول الشاعر: أقولُ له ارْحَلْ لا تُقِيمَنَّ عندنا ... وإلَّا فكُن في السرِّ والجهرِ مُعلنا3 فجملة "لا تقيمن" بدل من جملة "ارحل" وهي بمعناها كما ترى.   1 من الآية 114 من سورة المائدة. 2 الشاهد في البيت: إبدال الفعل، إذ أبدل الفعل "تؤخذ" بدل اشتمال من الفعل "تبايعا" والأول منصوب بالحرف "أن" والثاني بدل منه منصوب مثله. 3 يقول لمن يخاطبه: كن صريحا سرك مثل جهرك وإلا فارحل وفارقنا ولا تبق معنا. الشاهد في البيت: إبدال الجملة من الجملة، فقد أبدل جملة "لا تقيمن عندنا" وهي جملة فعلية بدل اشتمال من جملة "ارحل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 عمل الأفعال في الجملة : 1- المقصود بالمصطلحات النحوية الأربعة "الناقص، التام" و "اللازم، المتعدي". 2- ما يتفق كل من اللازم والمتعدي في أدائه في الجملة نحويًّا. 3- الأفعال المتعدّية مع المفعول به واحدا أو أكثر. 4- الأفعال اللازمة والنصب على نزع الخافض. الناقص: هو مصطلح خاص بنوعين من النواسخ -مر الحديث عنهما- "كان وأخواتها، كاد وأخواتها" ويقصد به -كما سبق- ما لا يكتفي بمرفوعه إذ لا بد له من المنصوب وهو خبره، كقولنا: "صار الصّعبُ سهلا" وكذلك ما نسب إلى عَلِيّ رضى الله عنه: "كاد الفقرُ أن يكونَ كُفرا". التام: هذا المصطلح يطلق على الأفعال باعتبارين: أحدهما: ما يطلق عليه الناقص من الأفعال النواسخ، ومعناه -كما سبق أيضا- ما يكتفي بمرفوعه ولا يحتاج لمنصوب، كما جاء في الأثر: "كان اللهُ ولا شيءَ معه فخلق السماواتِ والأرضَ" وتقول أيضا: "انتهيتُ من العمل أو أوْشَكْتُ". ثانيهما: ما يقابل الناقص من الأفعال، ومعناه حينئذٍ هو: ما كان من الأفعال غير ناقص، مثل الأفعال "قام، جلس، انتصر، التقى، فهم، سمع". وينبغي أن يلاحظ أن الناقص لا شأن له بما نحن بصدده من الحديث عن عمل الأفعال؛ لأنه يدخل على المبتدأ والخبر، فيرفع أحدهما، وينصب الآخر، فهو صورة خاصة مر الحديث عنها في مكانها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 كما ينبغي أن نلاحظ ثانيا أن الفعل الناقص إذا استعمل تاما، فإنه حينئذٍ يدخل في باب الفعل اللازم الذي يكتفي بمرفوعه -كما سيأتي- فيكون جملة مكونة من فعل وفاعل. كما ينبغي أن يلاحظ ثالثا أن معنى "التام" على الاعتبار الأخير يشمل المصطلحين التاليين "اللازم، المتعدي" إذ تندرج الأفعال اللازمة والمتعدية كلها تحت مصطلح "التمام". اللازم: يسمى أيضا "القاصر" والمراد ما يقتصر على الفاعل، ولا يتجاوزه إلى المفعول به لينصبه، أو ما يأتي معه بعد الفاعل جار ومجرور له صلة به تقول مثلا: "التقى الجمعان فانتصرت الشجاعةُ والمبدأ وانهزم الجبنُ والتخاذلُ" وتقول أيضا: "التقيتُ بصديقي وذهبنا للنزهة". المتعدّي: ويسمى أيضا "المجاوِز" وهو ما ينصب بعده المفعول به واحدًا أو أكثر من واحد، كقولك: "أرسلت خطابا وجاءني الرد" وكذلك: "رأيتُ الهدى حقًّا فاتبعته، وعلمتُ الباطلَ ضلالًا فاجتنبته". ما يتفق اللازم والمتعدي في أدائه في الجملة: كلا الفعلين اللازم والمتعدي يشتركان -أو يتفقان- في أنهما يؤديان في الجملة الفعلية التي يردان فيها الأمرين التاليين: أولا: أنهما يرفع بعدهما الفاعل ما داما واردين على صيغتهما الأصلية فتقول: "أقلَعَت السفينةُ من الميناء، وأخذتْ طريقها في البحر". فإذا بني الفعل للمجهول رفع النائب عن الفاعل، تقول: "أُعْلِنَت النتيجةُ وزُفَّ الخبرُ إليّ" ويمثل ذلك قول القرآن: {وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} 1. ثانيا: أن كلا من اللازم والمتعدى يأتي معه الأسماء المنصوبة -ما عدا   1 من الآية 44 من سورة هود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 المفعول به- فكل منهما يأتي بعده المفاعيل الأربعة الباقية: المفعول المطلق، المفعول لأجله، المفعول معه، وكذلك الحال والتمييز والمستثنى. تقول مثلا: "فرحتُ فَرحًا لا يُوصف؛ ابتهاجًا بصديقي يومَ عَوْدَتِه من الخارج بعد غُرْبةٍ طويلة" وكذلك تقول: "ذاكرتُ مذاكرةَ المتَأنّي؛ رغبةً في الفهم والتحصيل مستعينا على ذلك بالصبر والاستمرار". فمن البيّن أن الفعل الأول "فرح" فعل لازم، وقد جاء في جملته -على الترتيب- مفعول مطلق "فرحا" ثم مفعول لأجله "ابتهاجا" ثم مفعول فيه "يوم" و"بعد"، وفي المثال الثاني الفعل متعدٍّ وهو "ذاكر" وقد جاء في جملته -على الترتيب- مفعول مطلق "مذاكرة" ومفعول لأجله "رغبة" وحال "مستعينا" وكلها -كما نعلم- أسماء منصوبة جاءت مع الفعل اللازم والمتعدي. والخلاصة أن كلا الفعلين -اللازم والمتعدي- يأتي بعدهما الأسماء المرفوعة وكذلك الأسماء المنصوبة ما عدا المفعول به فإنه خاص بالمتعدي. الأفعال المتعدية مع المفعول به: قال ابن هشام في شذور الذهب نصا: "وقد قسمت الفعل بحسب المفعول به تقسيما بديعا ا. هـ". والحق أنه تحدث عن هذا الموضوع بطريقة رائعة بحيث يمكن أن أضيف إلى كلمته السابقة القول: "بأن هذا التقسيم لم يُسْبَقْ به ولم يلحق به" وفي هذه الفكرة ينبغي الاعتراف بمتابعته بصورة عامة وإن اختلف منهج العرض وأسلوبه وأمثلته. فالفعل المتعدي -بحسب المفعول به- يأتي في أقسام ثلاثة رئيسية ويندرج تحت كل قسم منها صور من الأفعال وهي: الأول: ما ينصب بعده مفعول به واحد فقط. الثاني: ما ينصب بعده مفعولان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 الثالث: ما يُنصب بعده ثلاثة مفعولات. ما يُنْصَبُ بعده مفعول واحد: يأتي على الصور الثلاث الآتية: 1- ما يأتي بعده مفعول دائما ولا يتخلف عنه، وذلك كثير جدا من الأفعال، مثل "سمع، أجاب، صلّى" كقولك: "سمعتُ الأذانَ، فأجبْتُ الدُّعاءَ، وصليتُ الفريضةَ". 2- ما يأتي بعده مفعول به ينصب أحيانا ويجر بحرف الجر أحيانا أخرى، ومن ذلك "شكر، نصح، قصد" تقول: "شكرتُ المعروفَ" أو "شكرتُ للمعروفِ" وتقول: "نصحتُ الصديقَ" أو "نصحتُ للصديقِ" ومن ذلك قول القرآن: {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ} 1، و: {وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} 2. 3- ما يأتي بعده مفعول به منصوب، وقد لا يوجد المفعول بالمرة، فيكون الفعل حينئذٍ لازما، ومن ذلك "فَغَر" نقول: "فَغَرَ فَاه" إذا فتحه أو "فغر فُوه" انفتح. ما يُنْصَب بعده مفعولان: ويأتي أيضا على الصور الثلاث الآتية: 1- ما يأتي بعده مفعولان منصوبان، وقد ينقطع عنهما فيستعمل فعلا لازما، ومن ذلك الفعلان "زاد، نقص" تقول "زدتُ الوزنَ قنطارا". وأيضا قول القرآن: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} 3، وتقول: "زاد ماءُ النيل، فزاد الخيرُ وعمَّ" وتقول أيضا:   1 من الآية 114 سورة النحل. 2 من الآية 152 سورة البقرة. 3 من الآية 6 سورة الجن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 634 "نقص قدْرُ البخيلِ بين الناس"، و"نقصتُ الغاشَّ درجاتٍ". 2- ما يأتي بعده مفعولان أولهما منصوب دائمًا، وثانيهما قد يأتي منصوبًا وقد يأتي مجرورا بحرف الجر، والمشهور من ذلك عشرة أفعال هي "أَمَرَ. استغْفَرَ، اخْتَارَ، صَدَّقَ، زَوَّجَ، كَسَى، سَمّى، دَعا، كَالَ، وَزَنَ" فلنطبق ذلك على الشواهد التالية: - قول عمرو بن معد يكرب: أمرتُكَ الخيرَ فافعلْ ما أُمِرْتَ به ... فقد تركتُكَ ذا مالٍ وذا نَشَبِ1 - قول القرآن: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} 2. - قول الآخر: أستغفرُ اللهَ ذنبًا لستُ مُحْصِيَه ... ربَّ العبادِ إليه الوَجْهُ والعملُ2   1 ذا نشب: النشب -كما جاء في القاموس- المال الأصيل من الناطق والصامت. كأنما البيت وصية لابنه، بأن يفعل الخير كما أمره أبوه، وقد تركه ذا مال وعقار يعينه على فعله. الشاهد: في "أمرتك الخير" فإن الفعل "أمر" نصب مفعولين، أولهما ضمير المخاطب، والثاني "الخير"، ولو قال في غير الشعر: "أمرتك بالخير" لصح أيضا. 2 من الآية 44 سورة البقرة. 3 الشاهد: في "أستغفر الله ذنبا" فإن الفعل "أستغفر" نصب مفعولين هما "الله" و"ذنبا" ولو قال في غير الشعر: "أستغفر الله من ذنب" لصح أيضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 - قول الشاعر: وسمَّيتُهُ يحيى لِيَحْيَا فلم يكنْ ... لأمرٍ قَضاهُ الله في الناسِ من بُدِّ1 - قول القرآن: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} 2. - قول القرآن: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} 3. 3- ما يأتي بعده مفعولان منصوبان دائما؛ وهو نوعان: الأول: ما ليس أصل المفعولين المبتدأ والخبر، وهي الأفعال "كَسَا، أَلْبَس، أعْطى، مَنَح" تقول: "أعطيتُ الوفاءَ حقَّه، ومنحتُ الواجبَ شرفَه" ونقول: "ألْبست الفتاةُ الجمالَ خُلقًا فكستْهُ جلالًا". الثاني: ما أصل المفعولين المبتدأ والخبر، وذلك باب "ظنَّ وأخواتها". سواء الأفعال الدالة على القلوب أو التَّصيير، وقد سبق الحديث عن هذا الباب في نواسخ المبتدأ والخبر. ما ينصب بعده ثلاثة مفعولات: وهو الأفعال "أعْلَم، أرَى، أنْبأ، نَبَّأ، أخْبَر، خبَّرَ، حدَّثَ" وقد تقدم ذكر هذا الباب في النواسخ أيضا. النَّصبُ على نزع الخافض: هذا تعبير شائع بين المعربين، إذ يصفون أحيانا بعض الكلمات المنصوبة   1 سميته يحيي: "يحيى" علم منقول من الفعل، ليحيا: ليعيش. يقول: لقد سميت ابني "يحيى" ليعيش وتطول حياته، فمات، ولا دافع لقضاء الله. الشاهد: في "سميته يحيى" فإن الفعل "سمى" نصب مفعولين، أولهما "ضمير الغائب" والثاني "يحيى"، ولو قال في غير الشعر: "وسميته بيحيى" لصح أيضا. 2 من الآية 152 سورة آل عمران. 3 من الآية 54 سورة الدخان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 بقولهم: "منصوب بنزع الخافض" ولهذا التعبير أصل يتعلق بما نحن بصدده في دراسة اللازم والمتعدي. لقد مر في معرفة الفعل اللازم أنه قد يقتصر على الفاعل بعده، كقولنا: "ارتقى المجدُّ" و"وانتصرَ المثابرُ" وقد يأتي بعده الجار والمجرور، كقولك: "ارتقى المجدُّ إلى غايته" "انتصرَ المثابرُ على كلِّ صعب". وفي هذه الصورة الأخيرة -الجار والمجرور- يمكن أن يستغنى عن حرف الجر، وينصب المجرور بعده، ويطلق عليه حينئذٍ أنه "منصوب على نزع الخافض". ويتحقق النصب على نزع الخافض في النثر والشعر على النحو التالي: أولا: التوسع في الكلام المنثور -وأكثر ما يأتي في أسماء المكان المختصة- كقولك: "ذهبتُ الشّامَ" و"دخلتُ الدارَ" و"صلَّيْتُ المسجدَ" و"سرتُ الطريقَ". ثانيا: لغة الشعر الخاصة وما تفرضه من ترك حرف الجر، ومن ذلك الشواهد التالية: - قول جرير: تمرُّون الدِّيارَ ولم تَعُوجُوا ... كلامُكُم عَلَيَّ إذنْ حَرَامُ1   1 لم تعوجوا: لم تنعطفوا إلينا للزيارة. الشاهد: في "تمرون الديار" فإن "الديار" منصوب على نزع الخافض، وأصل الكلام "تمرون بالديار" فحذف الجار وأوصل الفعل، وهذه لغة الشعر الخاصة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 - قول عمر بن أبي ربيعة: غضبتْ أن نظرتُ نحو نساءٍ ... ليس يعرفْنَنِي مَرَرْنَ الطريقَا1 هذا، ويقول النحاة عن النوعين السابقين بأن ذلك سماعي لا يقاس عليه، والحق أنه لا حاجة لهذا التضييق والتوقف على ما ورد عن العرب؛ لأن حاجة الناثر للتوسع وحاجة الشاعر للغته الخاصة لا تتوقف على عصر دون عصر، ولا قائل دون آخر، فالأحسن -إن لم يجانبني الصواب- أن يباح ذلك لأصحاب الحاجة إليه نثرا أو شعرا. ثالثا: يطّرد ترك حرف الجر مع الحروف المصدرية الثلاثة "أنْ، أنَّ، كي" تقول: "تألمتُ أنْ أصبتَ وفرحتُ أنَّك نجوتَ، وجئت كي أهنئَك". ومن ذلك: - قول القرآن: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ} 2. - قول الفرزدق: وما زرتُ ليلى أن تكونَ حبيبةً ... إليَّ ولا دينٍ بها أنا طَالِبُه3   1 الشاهد: في "مررن الطريقا" فإن كلمة "الطريق" منصوبة على نزع الخافض وأصل الكلام "مررن في الطريق" فحذف الجار وأوصل الفعل، وهذه لغة الشعر. 2 من الآية 63 سورة الأعراف. 3 يقول: ما زرت ليلى لحب ولا دين لي عندها، كانت زيارتي بريئة مجرد زيارة! الشاهد: في قوله: "أن تكون حبيبة" فإن "أن والفعل" مؤولان بمصدر مجرور بالخافض المحذوف، والتقدير "لكونها حبيبة" بدليل أنه عطف بالجر في قوله "ولا دين" فهو عطف على المصدر المؤول المجرور تقديرا، والمنصوب على نزع الحافض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 وتؤول هذه الحروف المصدرية مع ما بعدها بمصدر منصوب على نزع الخافض "طبق هذا على الأمثلة والشواهد". يقول ابن عقيل عن هذا الموضوع كله "وحاصله أن الفعل اللازم يصل إلى المفعول بحرف الجر، ثم إن كان المجرور غير "أنّ وأنْ" لم يجز حذف حرف الجر إلا سماعا، وإن كان "أنّ وأنْ" جاز قياسا عند أمْن اللَّبْس ا. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 الأسماء التي تقوم بعمل الأفعال : اسم الفعل : 1- المقصود باسم الفعل لدى النحاة، والغرض من استعماله في اللغة. 2- اسم الفعل باعتبار ما سمي به "ماضٍ، مضارع، أمر" وشواهده من الكلام العربي. 3- اسم الفعل باعتبار صيغته "مُرْتَجَل، منقول" و"سماعيّ وقياسيّ". 4- صفات الجملة التي يرد فيها اسم الفعل = أحكام اسم الفعل في جملته. 5- خاتمة عن أسماء الأصوات. اسم الفعل والغرض من استعماله: اسم الفعل في عبارة مختصرة هو: ما ناب عن الفعل معنى واستعمالا ولم يقبل علامته ا. هـ. ويتضح من هذه العبارة السابقة أن اسم الفعل ما تتحقق له الصفات التالية: أ- أن يكون معناه معنى الفعل ماضيا أو مضارعا أو أمرا. ب- أن يستعمل استعمال الفعل لازما أو متعديا. ج- ألا يقبل علامات الأفعال التي ينوب عنها. فلنلاحظ الأمثلة الآتية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 قول الرسول: "إذا قلتَ لصاحبك يوم الجمعة والإمامُ يخطب: صَهْ فقد لَغَوْتَ". قول شوقي: أوَّاهُ منك وآهِ ما أقساك قول العقاد: أوَّاهُ من يَومِي ومن أمْسي معا فمن البيّن أن قول الرسول "صَهْ" بمعنى "اسكت" وكل منهما -كما ترى- فعل أمر لازم، وكلمة "صه" لا تقبل علامة الأمر وهي قبول ياء المخاطبة وإن دلت على الطلب، والكلمتان "أوَّاهُ، آهِ" من شعر العقاد وشوقي كلتاهما بمعنى "أتوجع" وكل منهما تستعمل استعماله من حيث إنه فعل مضارع لازم، وهما لا تقبلان علامة المضارع من دخول حرف الجزم "لم" عليهما، وهكذا. ولعل السر في استعمال اللغة لأسماء الأفعال -مع وجود الأفعال التي بمعناها- أن اسم الفعل -كما يقول أحد الدارسين المحدثين- يدل على المبالغة في المعنى الأصلي أكثر من الفعل الذي هو بمعناه، فإذا قلت "آه" كانت أبلغ من "أتوجَّع" فكأنك قلت "أتوجَّع جدًّا" وهكذا، ويبدو أن هذا الكلام صحيح، وإن كان الأمر مرجعه أولا وآخرا لاستعمال اللغة التي جاء فيها كلا النوعين: أسماء الأفعال والأفعال. اسم الفعل باعتبار ما سُمِّي به: من الواضح أن اسم الفعل يسمى به الماضي والمضارع والأمر، وينبغي التعرف على معظم الكلمات التي جاءت عن كل واحد من هذه الثلاثة وشواهد ذلك من الكلام العربي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 ما سُمِّيَ به الأمر: وهو أكثر الأنواع استعمالا في اللغة العربية، ومعظم ما ورد من اسم الفعل منه ومن ذلك: "صَهْ" بمعنى: اسكت، "مَهْ" بمعنى: كُفَّ عن الحديث، "آمين" بمعنى اسْتَجِبْ، "هَيَّا" بمعنى: أسرِعْ، "حَيَّهَل" بمعنى: أسرِعْ، "هلم" -على رأي- بمعنى: أقبل، "رُوَيْدَ" بمعنى: أمهِلْ، "بَلْهَ" بمعنى: اترُكْ، "عَلَيك" بمعنى: الزَمْ، "إلَيك عني" بمعنى: تَنَحَّ، "مَكانَك" بمعنى: اثبُتْ، "أمامك" بمعنى: تَقَدَّمْ، "ورَاءَك" بمعنى: تأخَّرْ، "دُونك الشيءَ" بمعنى: خُذه. ومن هذا النوع كل ما جاء على وزن "فَعَالِ" من كل فعل ثلاثي تام مثل "نَزَالِ" بمعنى: انزلْ، "شَرَابِ" بمعنى: اشربْ وهكذا. ومن شواهد ذلك ما يلي: - قول القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} 1. - قول الرسول: "إذا قلتَ لصاحبِك يوم الجمعة والإمامُ يخطبُ: صَهْ، فقد لغوْتَ". - ما ورد عن العرب: "إذا ذُكر الصالحون، فَحَيَّهَلْ بعُمر". - قول عمرو بن الإطنابة يصف جلده في الحرب: أبَتْ لي عفَّتي وأبى بَلَائِي ... وأخْذِي الحمدَ بالثمنِ الرَّبيحِ وإمساكي على المكروه نفسي ... وضرْبي هامةَ البطل المُشيحِ وقولي كلما جشَأتْ وجَاشَتْ ... مكانك تُحمدي أو تستريحي   1 من الآية 105 سورة المائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 لأدْفع عن مآثِرَ صالحاتٍ ... وأحْمي بعدُ عن عِرْضٍ صحيحِ1 ما سُمِّي به الماضي: وهو أقل من السابق استعمالا في اللغة، وألفاظه تكاد تكون محصورة ومن ذلك "هَيْهَاتَ" بمعنى: بَعُدَ، "شَتَّانَ" بمعنى: افتَرَقَ، "سرعانَ" بفتح السين أو ضمها أو كسرها، بمعنى: أسرعَ. ومن شواهده ما يلي: - قول جرير: فهيهاتَ هيهاتَ العقيقُ ومَنْ به ... وهيهاتَ خِلٌّ بالعقيقِ نُوَاصِلُه2   1 بلائي: يقال: بلا في الحرب يبلو: إذا أحسن القتال، البطل المشيح: البطل الحاد الحذر، كلما جشأت وجاشت: حديث عن نفسه، أي كلما فزعت وخافت، مآثر صالحات: صفات طيبة وأخلاق عالية. يقول: لقد ثبتُّ في القتال ولم أهرب حفاظا لصفات طيبة اشتهرت بها وحماية لشرفي، ومن هذه الصفات العفة وحسن القتال وحمد الناس لي بما أستحق والجلد على المكروه والشجاعة في الحرب بضرب رءوس الأبطال والإقدام، فكلما حدثتني نفسي بالفرار زجرتها لتبقى، فإما النصر والثناء، وإما الموت والفناء والراحة. الشاهد: في البيت الثالث قوله "مكانك تحمدي" فإن "مكانك" اسم فعل أمر بمعني "اثبتي". 2 العقيق: اسم موضع به حبيبته أو "خله" كما قال في الشطر الثاني. الشاهد: في استعمال "هيهات" اسم فعل ماض معناه "بعد" وتكررت في البيت بهذا المعنى ثلاث مرات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 643 - قول الآخر: شتَّانَ هذا والعِناقُ والنَّوْم ... والمشربُ البارد في ظِلِّ الدَّوْمْ1 ما سُمِّيَ به المضارع: وهو أقل الثلاثة استعمالا، ومن أشهر ألفاظه "وَي، واهًا" بمعنى: أعجب، "أوَّه، أوَّاهُ" بمعنى: أتوجَّع، "أفّ" بمعنى: أتضجر. ومن شواهده ما يلي: - قول القرآن: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} 2. - قول القرآن: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} 3. اسم الفعل باعتبار صيغته: ينبغي التعرف على المصطلحات النحوية الأربعة "المُرْتَجَل" ويقابله "المنْقول" و "السّماعيّ" ويقابله "القياسيّ" وإليك هذه المصطلحات الأربعة وأمثلتها. المرتجل: يقصد به -كما مر في العلم المرتجل- ما وضع من أول الأمر اسم فعل دون أن ينقل عن غيره، مثل "صَهْ، مَهْ، وَي".   1 الدوم: ضخام الشجر. يقول: هناك فرق بين ما أنا فيه من حرمان وتعب وما كنت فيه من وصل وراحة، من العناق والنوم والشراب العذب في ظل الأشجار الضخمة، حقا هناك فرق!! الشاهد: "شتان هذا" إذ استعملت اسم فعل ماض بمعنى "افترق". 2 من الآية 23 سورة الإسراء. 3 من الآية 82 سورة القصص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 المنقول: ما استعمل قبل اسم الفعل استعمالا آخر ظرفا أو مجرورا أو مصدرا، مثل "دُونَك، عَلَيْكَ، بَلْهَ" فالأول منقول عن ظرف والثاني عن جار ومجرور، والثالث عن مصدر. السماعي: يقصد به الاقتصار على الكلمات التي نطقها العرب الفصحاء من أسماء الأفعال، وذلك يشمل معظم أسماء الأفعال التي تقدمت نماذج منها فيما سبق. القياسي: يقصد به استخدام كلمات جديدة قياسا على ما نطق به العرب وهذا في صورة واحدة فقط من اسم الفعل، وذلك ما جاء على وزن "فَعَالِ" من كل فعل ثلاثي تام متصرف، مثل "نَزَالِ" بمعنى: انْزِل و "قَرَاءِ" بمعنى: اقْرَأ، "وكَتَابِ" بمعنى: اكْتُبْ، وهكذا، فهذا هو الصنف الوحيد القياسي فقط، والباقي يقتصر فيه على السماع عن العرب الفصحاء. أهم صفات الجملة التي يرد فيها اسم الفعل: هذا ما يطلق عليه -بتعبير النحاة- "أحكام اسم الفعل" وهي ِأحكام يقصد بها غالبا ما يتميز به وحده عن كل من الأسماء والأفعال، باعتباره -كما سبق- شبيها بهما، وليس واحدا منهما، ومن هذه الأحكام ما يلي: 1- أنه لا يضاف، تماما كما أن الفعل لا يضاف. 2- أنه لا يأتي معه الضمير البارز، فالكلمة "صَهْ" مثلا تستخدم هكذا للمفرد والمثنى والجمع المذكر من ذلك والمؤنث، ويمكن موازنة ذلك بالفعل "اسكتْ" إذ تقترن به الضمائر البارزة بحسب الأحوال السابقة. 3- أن اسم الفعل إذا نُوِّن فهو نكرة، وإذا لم ينون كان معرفة ولنتأمل ما يلي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 صَهْ عن الحديث. اسكت عن هذا الحديث الخاص ولك الكلام في غيره. صَهٍ عن الحديث. اسكت تمامًا عن كل حديث. إيهِ حديثا. زدْني من هذا الحديث الخاص الذي تحدثني عنه. إيهٍ حديثا. زدني من أي حديث تتحدث فيه. 4- يرى جمهور النحاة أن المفعول بعد أسماء الأفعال لا يتقدم عليها وهذا طبعا بخلاف الأفعال، إذ يمكن أن يتقدم عليها مفعولها أو يتأخر، وعلى ذلك يقال: "خُذ الكتابَ" أو "الكتاب خُذْ" ولكن في اسم الفعل يقال: "دُونَك الكتابَ" لا غير. هذا هو الاتجاه العام، وتفرد عنه إمام نحوي جليل هو "الكسائي" فمن رأيه أنه يصح أيضا أن يتقدم المفعول على اسم الفعل مستدلا بالآتي: - قول القرآن: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} 1. - قول أحد الرجاز: يا أيُّها الْمَائحُ دلْوي دُونَكَا ... إني رأيتُ النَّاسَ يَحْمَدُونَكَا2 ويبدو أن لهذا الرأي الأخير -رأي الكسائي- وجاهته ويقبله ذوق المتحدث باللغة، مع التنبه إلى أن هذين الشاهدين السابقين موضع أخذ وردّ بين النحاة مما لا داعي لذكره هنا.   1 من الآية 24 سورة النساء. 2 المائح: من ينزل البئر ليملأ الدلاء، الدلو: الجردل. الشاهد: في "دلوي دونكا" فإن "دونك" اسم فعل بمعنى "خذ" وتقدم عليه المفعول وهو "دلوي"، وهذا شاهد الكسائي على جواز تقدمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 5- أن المضارع يجزم في جواب ما يدل منه على الأمر1، تقول: "مَكَانَكَ يَأتِكَ النَّصر" و"أمَامَكَ تَقتحمْ". لكن لا ينصب المضارع بعد فاء السببية مع أسماء الأفعال2، وهذا هو الاتجاه العام، فلا تقل: "مَكَانَكِ فتُحْمَدِي"، خلافا أيضا للكسائي حيث يصح في رأيه النصب أيضا بعد فاء السببية، وهذا ما أرجحه فهو رأي له وجاهته ويقبله ذوق المتحدث باللغة. أسماء الأصوات: يقصد بأسماء الأصوات ما يدل على الأمرين التاليين: الأول: ما يستخدم لخطاب ما لا يعقل مما يشبه اسم الفعل ا. هـ. قال ابن هشام: كقولهم في دعاء الإبل لتشرب "جِيءْ جِيءْ" وفي دعاء الضَّأن "حَاحَا" وفي دعاء الماعز "عَاعَا"، وفي زجر البغل "عدَسْ" ومن هذا قول يزيد بن مفرغ الحميري في خطاب فرسه وهو يهرب به: عَدَسْ ما لِعَبَّادٍ عليكِ إمارةٌ ... أمِنْتِ وهذا تحملين طليقُ3   1 هو ما سمي في جوازم المضارع "الجزم في جواب الطلب"، راجع جزم المضارع. 2 النصب مع فاء السببية بعد الطلب أو النفي، راجع نصب المضارع. 3 عدس: اسم صوت لزجر الخيل أو البغال، عباد: عباد بن سليمان حاكم سجستان، وكان الشاعر قد هجاه، ثم هرب منه، طليق: حر بعد نجاته. الشاهد: "عدس" استعملها الشاعر اسم صوت لزجر فرسه، وهو اسم صوت مبني لا محل له من الإعراب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 الثاني: ما حكي به من صوت ما لا يعقل من الحيوان أو الأشياء ا. هـ. قال ابن هشام وذلك مثل "غَاق" لحكاية صوت الغراب، "طَاق" لصوت الضرب، و "طَقْ" لصوت وقع الحجارة، و "قَبْ" لصوت وقع السيف على الضريبة ا. هـ. وهذه كلمات قَلَّ أن ترد في اللغة، وهي مبنية لا محل لها من الإعراب ولا يرفع أو ينصب بعدها شيء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 المصدر : 1- المقصود بالمصدر في رأي الصرفيين. 2- العلاقة الذهنية والصفات السلبية للمصدر الذي يعمل عَمَل فعله. 3- صور استعمال المصدر في جملته كما وردت في الكلام العربي. 4- اسم المصدر والمصدر الميمي. معنى المصدر: - قرّ، جاهد، أفاد، تقدم، ارتقى، استراح. الأفعال - قرار، جهاد، إفادة، تقدُّم، ارتقاء، استراحة مصادرها جاء في قطر الندى في تحديد المصدر: هو الاسم الدال على الحدث الجاري على الفعل ا. هـ. ومن هذا التحديد، وبتأمل الأمثلة السابقة، يفهم ما يلي: أ- أن المصدر يشارك فعله في معناه، فكل منهما يدل على الحدث. ب- أن المصدر يشارك فعله في حروفه، فالحروف الموجودة في الفعل توجد أيضا في المصدر بلا نقصان. ج- ينفرد الفعل بأنه يدل على الزمن ولا يدل عليه المصدر. المصدر الذي يقوم بعمل الفعل: ليست كل المصادر التي ينطبق عليها التعريف السابق يمكن أن تؤدي عمل أفعالها من الرفع والنصب، لكن الذي يتفرد بذلك ما يتوافر له صفات خاصة في الجملة التي يرد فيها، وبعض هذه الصفات يعود إلى القيام بعمل ذهني -تجربة- يتخيلها الذهن فيحدد على أساسها ما يصلح من المصادر للقيام بعمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 الأفعال وما لا يصلح لذلك، كما أن بعض هذه الصفات سلبيّ، بمعنى أنه يجب تجرد المصادر التي تقوم بعمل الأفعال منه حتى تصلح لأداء هذه المهمة، وإليك تفصيل كلا النوعين: أولا: التجربة الذهنية: المقصود بها تصور أن يحل محل المصدر في جملته أحد أمرين: أ- "أنْ" المصدرية والفعل ماضيا أو مضارعا. ب- "ما" المصدرية والفعل. فإذا لم يصلح المصدر لهذه التجربة في جملته، فإنه -كما قلنا- لا يؤدي عمل الفعل مما سبق شرحه بالتفصيل في "عمل الأفعال في الجملة". وعلى ذلك فلنلاحظ الأمثلة التالية: من عوامل السلامة تدبُّرُكَ الأمورَ بهدوء = من عوامل السلامة أن تتدبَّرَ الأمورَ بهدوء. ومن عواملِ النّدامةِ تَعَجُّلُكَ الغايةَ بانفعال = ومن عوامل النّدامة أن تتعجَّلَ الغايةَ بانفعال. فرح المتأنِّي بتحقيق رغبته ابتهاجًا. لا يمكن القيام بالعمل الذهني السابق. وحزن المتعجّل لضياع الفرصة ندمًا. المصدر لا يعمل عمل العمل. ثانيا: الصفات السلبية: المقصود بها أن يتجرّد المصدر الذي يقوم بعمل الفعل منها، ومن المفيد قبل ذكرها أن تعلم أن كل صفة من هذه الصفات موضع أخذ وردّ كثيرين بين علماء النحو، مما لا داعي لذكره هنا، وإليك إذن أهم هذه الصفات: 1- ألا يكون المصدر مصغّرا ولا مجموعا، والحق أن المصدر -كما سبق في المفعول المطلق- لا يكاد يرد في اللغة مصغرًا أو مجموعًا، مثل "تجارب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 مواعيد، إنشاءات" ومع ذلك يرى بعض النحاة صحة قيام المصدر المجموع بعمل الفعل، ومن ذلك قول الشاعر: وَعَدْتَ وكان الخُلْفُ منك سَجِيَّةً ... مَوَاعِيدَ عُرْقُوبٍ أخَاهُ بِيَثْرِبِ1 2- ألا يكون المصدر ضميرا، بأن ضميرا يعود على مصدر سابق أو متخيل من الكلام، والحق أن المصدر يقل وروده في اللغة ضميرا كقول القرآن: {فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ} 2 فالضمير في "أعذبه" يعود على "العذاب" السابق في الآية. 3- ألا يكون المصدر دالا على المرّة، مثل "رَمْيَة، جَرْعَة، نَوْبَة، لَقْطَة"، وخالف في ذلك بعض النحاة، فأعملوا المصدر الدال على المرة استدلالا بقول الشاعر يصف الصحراء: ودَاويَّةٍ قَفْرٍ يَحَارُ بِهَا القَطَا ... أدلَّةُ رَكْبَيْهَا بناتُ النَّجَائِبِ يُحَايِي بها الجَلْدُ الذي هو راكبٌ ... بضَرْبَةِ كفَّيه المَلَا نَفْسَ راكبِ3   1 سجية: طبعا وخلقا، عرقوب: اسم يضرب به المثل بين العرب في إخلاف المواعيد، يثرب: مدينة الرسول. يقول: لقد وعدت وأخلفت، وهذا من طبعك، مواعيدك لا يوثق بها كمواعيد عرقوب أخاه بيثرب، إذا كان دوما يخلف فيها!! الشاهد: في قوله "مواعيد عرقوب أخاه" إذ أعمل المصدر "مواعيد" وهو جمع "موعد" وهذا اتجاه لبعض النحاة. 2 من الآية 115 سورة المائدة. 3 الداوية: بتشديد الياء، الصحراء الشاسعة، قفر: جرداء، القطا: من طيور الصحراء التي تعرف فيها، بنات النجائب: النياق النجيبة، بها: بالصحراء الجلد: الصبور القادر على احتمال المكاره، بضربة كفيه الملا: التيمم. يقول: رب صحراء شاسعة يضل سالكها من الإنسان والطيور حتى القطا، سلكتها مع صاحبي بدون دليل سوى ما نركبه من النياق النجيبة، فلما عطشت وأشرفت على الهلاك، قدم لي صاحبي الماء الذي معه، فأحياني به، وتيمم إذ لم يجد الماء. الشاهد: في قوله: "بضربة كفيه الملا" إذ أعمل المصدر "اسم المرة" فأضافه للفاعل، ونصب بعده المفعول به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 ويبدو أن لهذا الرأي الأخير وجاهته، والذوق اللغوي يقبله، إذ تقول: "أفَادتْ رَميةُ حارسِ المرمى الكرةَ فريقَه" وتقول: "جاءت لقطةُ آلةِ التصويرِ الصورةَ محكمةً". 4- ألا يوصف المصدر قبل أن يؤدي عمله في الجملة، وخالف في ذلك بعض النحاة، فأعملوا المصدر الموصوف مطلقا، ومن ذلك قول الشاعر: إن وجْدِي بك الشديدَ أراني ... عاذرًا فيك من عَهِدْتُ عذولا1 ولهذا الرأي المخالف وجاهته، والذوق اللغوي يقبله، إذ تقول: "قدمت مشاركتي الجادّةُ الأصدقاءَ معاونةً أكيدةً لهم" وتقول: "كان توقّعي الشديدُ الخطرَ نجاةً لي". هذا، وأرى أن يترك الحديث عن بقية الصفات السلبية، فكلها موضع أخذ وردّ لا يدرى معه وجه اليقين، خصوصا أن هذه الصفات السلبية وكذلك   1 عاذرا: من يقدم تعاطفا ومودة، عذولا: لائما شامتا. الشاهد: في قوله: "إن وجدي بك الشديد" حيث وصف المصدر "وجدي" بصفة هي "الشديد" وقام بعمل الفعل، فأضيف إلى فاعله وهو ياء المتكلم، وتعلق به الجار والمجرور "بك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 التجربة الذهنية وسائل غير لغوية، لكن ذكرت هنا من باب "العلم بالشيء" لا من باب "العلم باللغة". صور استعمال المصدر في الكلام العربي: يأتي المصدر الذي يقوم بعمل الفعل في الكلام العربي على الصور الثلاث التالية: الصورة الأولى: المصدر المضاف: وهذه الصورة أكثر ما ترد في استعمال الكلام العربي، ولها في اللغة مظهران: أ- أن يضاف المصدر للفاعل، كقولنا: "مجاهدةُ المرءِ نفسَه جهادٌ عند الله"، و"كسبُ الإنسانِ احترامَ الناسِ ثمرةُ جهدٍ عظيمٍ"، ومن شواهده ما يلي: - قول القرآن: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} 1. - قول عمرو بن معد يكرب: أعاذلُ إنما أفْنى شَبَابِي ... إجَابَتِيَ الصّريخَ إلى المُنادِي2 ب- أن يضاف المصدر للمفعول به كقولنا: "احتمالُ المكارِهِ بِجَلَدٍ   1 من الآية 161 سورة النساء. 2 الصريخ: المستغيث بالصراخ، المنادي: من يدعو الناس لنجدته. يقول: لقد قضيت عمري في أعمال المروءة والشجاعة، بإجابة المستغيث الملهوف وطالب النجدة. الشاهد: في "إجابتي الصريخ" فقد أضيف المصدر "إجابة" إلى ياء المتكلم من إضافة المصدر إلى فاعله، ونصب بعده المفعول به، وهو "الصريخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 دليلُ الصَّبرِ والإرادة" وقولنا: "معاقبةُ الأشرارِ سلامةٌ للمجتمع"، ومن ذلك الشواهد التالية: - قول الشاعر: ألا إنَّ ظُلْمَ نفسِه المرء بَيِّنٌ ... إذا لم يصُنْها عن هَوًى يغلبُ العقْلا1 - قول الفرزدق يصف ناقته: تنْفي يداها الحَصَى في كُلِّ هاجِرَةٍ ... نَفْيَ الدَّراهيمِ تنْقاد الصَّياريفِ2 الصورة الثانية: المصدر المقترن "بأل". توصف هذه الصورة بأنها نادرة في اللغة جدا، حتى لتكاد تصل إلى حد الشذوذ. ومن شواهدها قول الشاعر:   1 الشاهد: في "ظلم نفسه المرء" حيث أضيف المصدر "ظلم" إلى المفعول به "نفسه" من إضافة المصدر للمفعول، وجاء الفاعل بعد "المرء". 2 تنفي: تنثر، يداها: رجلاها الأماميتان، هاجرة: وقت الظهر مع اشتداد الحر، الدراهيم: هي "الدراهم"، تنقاد: إعطاء النقود، الصياريف: جاء في القاموس: الصيرفي: المحتال في الأمور كالصيرف وصراف الدراهم جمعه صيارفة، والهاء النسبة، وقد جاء في الشعر "صياريف". الصورة التي تضمنها البيت هي "الناقة تنثر الحصى أمامها وقت الظهيرة" كما ينثر الصيرفي الدراهم حين يعطيها. الشاهد: في قوله "نفي الدراهيم تنقاد الصياريف" حيث أضيف المصدر "نفي" إلي المفعول به "الدراهيم" من إضافة المصدر للمفعول، وجاء الفاعل بعده وهو "تنقاد الصياريف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 عَجِبْتُ من الرّزْقِ المسيءَ إلهُه ... ومن تَرْكِ بعضِ الصالحين فقيرا1 الصورة الثالثة: المصدر المُنَوّن "المجرد من "أل" والإضافة". هذه الصورة توصف بأنها كثيرة في اللغة أيضا، وإن لم تصل في كثرتها إلى حد المصدر المضاف، كقولك: "من حسْنِ الخُلقِ نطْقٌ صِدقًا وعملٌ معروفًا"، ومن ذلك قول القرآن: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ} 2. اسم المصدر، والمصدر الميمي: هذان نوعان خاصان من المصادر يؤديان عمل المصدر الأصلي، وكل واحد منهما في حاجة إلى معرفة معناه، وتقديم بعض شواهد له في كلام مفيد. اسم المصدر: قال ابن عقيل عنه: المراد باسم المصدر ما ساوى المصدر في الدلالة وخالفه بخلوّه لفظا وتقديرا من بعض ما في فعله ا. هـ. ومعنى هذه العبارة يتلخص في أمرين: أ- أن اسم المصدر يدل على ما يدل عليه المصدر وهو "الحدث" وهذا موضع الموافقة بينهما. ب- سبق أن المصدر الأصلي يشتمل على حروف فعله وأكثر أما اسم المصدر فتقل حروفه عن حروف فعله، وهذا موضع المفارقة بينهما.   1 الشاهد: في "الرزق المسيء إلهه" حيث جاء المصدر مقترنا "بأل" "الرزق" ونصب بعده المفعول "المسيء" ثم جاء الفاعل "إلهه". 2 الآيتان 14، 15 سورة البلد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 الفعل: اغتسل: اغتِسَالًا: المصدر. غُسْلًا: اسم المصدر. الفعل: أعطى: إعْطَاء: المصدر. عَطَاء: اسم المصدر. واسم المصدر يقوم بعمل المصدر، على حسب التفصيل السابق عن المصدر، ومن شواهد ذلك ما يلي: - قول الشاعر: إذا صحَّ عونَ الخالقِ المرْءَ لم يجدْ ... عسيرًا من الآمالِ إلَّا مُيسَّرَا1 - قول الشاعر: بعِشْرَتِكَ الكرامَ تُعد منهم ... فلا تُرَيَنْ لغيرهم أَلُوفا2 المصدر الميمي: يقصد به صرفيا: ما بدئ بميم زائدة ودل على الحدث مثل "مَوْعِد" بمعنى "وعْد" وكذلك "مُعتقد" بمعنى "اعْتقاد" ومن أشهر شواهده قول الحارث المخزومي: أظلومُ إنَّ مُصَابَكم رجلًا ... أهدى السَّلامَ تحيةً ظَلْمُ2   1 يقول: إذا تحقق عون الله للإنسان، تيسر له كل صعب. الشاهد: في "عون الخالق المرء" فإن "عون" اسم مصدر، ومصدره "إعانة" وقد أدى عمله، فأضيف إليه الفاعل "الخالق" ونصب المفعول به "المرء". 2 لا تصاحب إلا الكرام، فمن صاحب الكرام عد منهم. الشاهد: في "بعشرتك الكرام" فإن "عشرة" اسم مصدر بمعنى "المعاشرة" وقد قام بعمل الفعل؛ فأضيف إليه الفاعل "ضمير المخاطب" ونصب المفعول به "الكرام". 3 الشاهد: في "إن مصابكم رجلا" فإن المصدر الميمي "مصاب" قام بعمل الفعل، فأضيف إليه الفاعل "ضمير المخاطبين" ونصب المفعول به "رجلا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 اسم الفاعل : 1- المقصود باسم الفاعل وكيفية صياغته من الفعل. 2- صورة استعمال اسم الفاعل الذي يقوم بعمل الفعل كما وردت في الكلام العربي. اسم الفاعل وكيفية صياغته: جاء في قطر الندى: هو الوصف الدال على الفاعل الجاري على حركات المضارع وسكناته ا. هـ. وفي هذه العبارة يلاحظ أن ما يطلق عليه اسم الفاعل له الصفات التالية: أ- أن يكون وصفا، والمقصود بذلك -كما سبق غير مرة- ما دل على حدث وفاعله أو مفعوله ب- أن يكون دالا على فاعله، وبذلك يتميز عن اسم المفعول، فهو أيضا وصف ج - أن يكون موازنًا لمضارع فعله في حركاته وسكناته، وبهذه الصفة يتميز تماما عن بقية الأسماء الصفات لاحظ ما يلي: - جدّ، سهر، حصد، راقب، اجتهد، استعد. فعل ماضٍ. - يجدّ، يسهر، يحصد، يراقب، يجتهد، يستعد. مضارعه. - جادّ، ساهر، حاصد، مُراقِب، مُجتهِد: اسم الفاعل مثل مستعدّ المضارع في حركاته وسكناته. ويصاغ اسم الفاعل من فعله على النحو التالي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 أولا: اسم الفاعل من الفعل الثلاثي يأتي على وزن "فاعل" مثل "عالم، قارئ، فاهم، عالٍ، سامٍ، راقٍ". ثانيا: اسم الفاعل من غير الثلاثي يؤتى به على وزن الفعل المضارع مع قلب حرف المضارعة ميما مضمومة وكسر ما قبل آخره، فكأنما نقوم بعملية ذهنية تمر أولا بالفعل المضارع، ليصاغ بعد ذلك اسم الفاعل، تقول في: استقام يستقيم مُستقِيم أفاد يفيد مُفيد ذاكر يذاكر مُذاكِر صور استعمال اسم الفاعل في الكلام العربي: المقصود بذلك اسم الفاعل الذي يقوم بعمل الفعل، إذ يأتي في اللغة على الصورتين الآتيتين: الصورة الأولى: أن تقترن به "أل": في هذه الصورة يؤدي اسم الفاعل عمل الفعل بلا شروط، أو كما يرد في كتب النحو "يعمل عمل فعله مطلقا"، تقول "المستبدُّ بالرأي هالكٌ والمشاورُ أهل الرأي ناجٍ" وتقول "الناطقُ الحقَّ في موقف الظلمِ شجاعٌ إنْ عاش وشهيدٌ إنْ قُتِل". ويقول امرؤ القيس عن قتل أبيه وقتلته: والله لا يذهبُ شيخي باطلا ... حتى أُبير مالكًا وكاهلَا القاتلين المَلِكَ الحُلَاحِلَا ... خيرَ مَعَدٍّ حَسَبًا ونائلا1   1 شيخي: المقصود "أبي"، باطلا: هدرا، أبير: أهلك، مالكا وكاملا: قبيلتان من بني أسد، الملك الحلاحل: بضم الحاء الأولى وكسر الثانية السيد الشجاع، حسبا: نسبا، نائلا: عطاء الشاهد: في "القاتلين الملك الحلاحل" حيث قام اسم الفاعل المتصل بالألف واللام "القاتلين" بعمل الفعل، ونصب بعده المفعول به "الملك" وفاعله ضمير مستتر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 الصورة الثانية: التجرد من "أل": وفي هذه الصورة لا يقوم اسم الفاعل بعمل الفعل في الجملة التي يرد فيها إلا بتحقيق أمرين له، أحدهما خاص بمعنى الجملة، والثاني خاص بكلماتها على التفصيل التالي: أ- أن يكون معنى الجملة -بما فيها اسم الفاعل- مما يتحقق في الوقت الحاضر أو المستقبل فقط دون الماضي. ب- أن يتقدم على اسم الفاعل في الجملة واحد مما يلي: 1- إحدى أدوات النفي أو الاستفهام أو النداء. 2- اسم يأتي اسم الفاعل خبرا له أو صفة له. فلنطبق الشرطين السابقين على الأمثلة التالية: ما مُطمئنٌّ قلبُ المنافق ولا هادئةٌ قسماتُ وجهه. أراضٍ ضميرُك عن عملك، إذن لا تبحثْ عن نتيجته. الحقُّ قوةٌ قاهرةٌ الباطل إذا توافرت لها الحرية والإرادة. ومما استوفى الشرطين من الشواهد ما يلي: - قول القائل: ما راعٍ الخلّانُ ذِمّةَ ناكثٍ ... بلْ مَنْ وَفَى يجد الخليلَ خليلا1   1 يقول: لا يفي الأصدقاء لمن لا يفي بالعهد، فالوفاء أصل الصداقة، فإذا تحقق، كان الأصدقاء أصدقاء حقا. الشاهد: في "ما راعٍ الخلان ذمة ناكث" حيث جاء اسم الفاعل "راعٍ" مجردا من "أل" واستوفى شرطيه: كونه للاستقبال واعتماده على نفي سابق هو "ما" ولذلك قام بعمل الفعل، فرفع الفاعل "الخلان" ونصب المفعول به "ذمة ناكث". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 - قول الأعشى: لأعرفنَّك إن جدَّ النفيرُ بنا ... وشبَّت الحربُ بالطُّوَّاف واحْتَمَلُوا كناطحٍ صخرةً يومًا ليُوهِنَهَا ... فلم يَضُرَّهَا وأوْهَى قَرنَه الوَعِلُ وفي هذا الشاهد الأخير يوجد موصوف محذوف تقديره "كوعل ناطح"1. وبعد: فإنه ينبغي بعد معرفة اسم الفاعل وصوره اللغوية التنبه للنواحي الجانبية التالية: أولا: أن بعض النحاة لم يشترط في الصورة الثانية -المجرد من "أل"- ما اشترطه الجمهور في معنى الجملة أو في ألفاظها، وأطلق الأمر فيها كالصورة الأولى، وفي ذلك حديث طويل ومناقشات مجهدة لا داعي لذكرها. ثانيا: المفعول الذي يرد بعد اسم الفاعل يصح لك نصبه ويصح لك إضافته إليه، سواء أكان اسم الفاعل من الصورة الأولى أم من الثانية -الإضافة فيه لفظية على ما تقدم شرحه- فلنطبق ذلك على ما يلي: - قول القرآن: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} 2.   1 جد النفير: المقصود به أعلنت الحرب، الطوَّاف: بضم الطاء المشددة يبدو أن معناها: المقاتلون إذ يطوفون بالميدان، ويطوف كل منهم بالآخر، ليوهنها: ليضعفها، ورواية ديوان الأعشى: ليفلقها، لم يضرها: لم يؤثر فيها، الوعل: ذكر الماعز والظباء. يقول: حين تعلن الحرب وتشب بين المقاتلين سنرى ما تفعل!! إنك لن تنال منا شيئا رغم ما تكابده من مشقة، ستكون كالوعل الذي ينطح الصخرة ليفلقها إنه سيكسر قرنه ولن يؤثر فيها، والبيت الأخير يضرب مثلا لمن يجهد نفسه مع من هو أقوى منه. الشاهد: في "كناطح صخرة" فإن اسم الفاعل "ناطح" قام بعمل الفعل فنصب المفعول به "صخرة" معتمدا على موصوف محذوف تقديره "كوعل ناطح". 2 من الآية 3 سورة الطلاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 قرئت هذه الآية على وجهين بتنوين كلمة "بالغٌ" ونصب كلمة "أمرَه" وبغير تنوين لكلمة "بالغُ" وجر كلمة "أمرِه". - قول القرآن: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} 1. قرئت هذه الآية أيضا على وجهين: تمامًا كالآية السابقة. ثالثا: أن اسم الفاعل سواء أكان مفردًا أم مجموعا جمع مذكر أو مؤنث فإنه ينطبق عليه ما سبق شرحه من معناه وصوره، كما هو واضح في الآية السابقة. وكقولك: "أحب صديقيّ الحافظَي الغيبةِ الغافِرَي العثرةِ وأكره أدعياءَ الصداقة الثَّالِبين الأعراضَ المُطلقين ألسنتَهم بالسوء".   1 من الآية 38 سورة الزمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 أمثلة المبالغة : 1- المقصود بالكلمتين "أمثلة، مبالغة". 2- أوزان المبالغة الخمسة وشواهدها من الكلام العربي. لاحظ الأمثلة الآتية: سَمَّاع، كَرَّار، جَذَّاب، مِقْدَام، جَمُوح، عَذُول. هذه الكلمات السابقة يطلق عليها "أمثلة المبالغة" ويمكن تحديد الكلمتين نظريا بما يلي: أمثلة: تعني نماذج لما تكون عليه الكلمات التي تفيد المبالغة، فكأن هذه الأمثلة -التي تذكر- صور لما ينبغي أن يأتي عليه غيرها، وبعبارة أقرب: هي صيغ خاصة تفيد معنى المبالغة، وسيأتي عدّها. المبالغة: جاء في قطر الندى نصا: كلها تقتضي تكرار الفعل، فلا يقال: "ضَرّاب" لمن ضرب مرة واحدة، وكذا الباقي ا. هـ. ومعنى ذلك أن المبالغة تأتي من إفادة الأوزان تكرار معناها بحيث يصبح هذا المعنى للمتصف به عادة دائبة له تتكرر كثيرا. هذا وينبغي التنبه قبل عدّ هذه الأمثلة للأمرين التاليين: الأول: أن هذه الأمثلة تصاغ من الثلاثي ومن غير الثلاثي على الأوزان نفسها وإن كان الأغلب فيها هو صياغتها من الثلاثي، ومما يذكر للتمثيل لغير الثلاثي -كما جاء في الأشموني- الكلمات "دَرّاك، سَأّر، مِعْطَاء، مِهْوَان، سميعٌ، نذير، زهُوق" وهي على الترتيب مصوغة من الأفعال "أدرك، أسأر، أعطى، أهان، أسمع، أنذر، أزهق" وكلها غير ثلاثية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 الثاني: أن هذه الأمثلة تؤدي تماما عمل اسم الفاعل بالتفصيل السابق الذي مر عنه، بل إن بعض كتب النحو تذكر أن هذه الصيغ محولة عن اسم الفاعل بقصد إفادته المبالغة، وهذا كلام لا معنى له، فهي صيغ مستقلة مأخوذة من الأفعال دون أن تحول عن غيرها. أوزان المبالغة وشواهدها: هي خمسة أوزان، أكثرها استعمالا في العربية الثلاثة الأولى ثم الرابع ثم الخامس، وهي: 1- فعَّال: مثل "حمَّال، صبَّار، سبَّاق" تقول: "كان الرسول حمَّالًا المكروهَ وصبَّارًا على الأذى وسبَّاقًا لتقديمِ المواساة" ومن ذلك أيضا "طمَّاع، قتَّال" ومن شواهده: - قول العرب: "أما العسلَ فأنا شرَّاب". - قول الشاعر: أخا الحربِ لَبَّاسًا إليها جِلَالَهَا ... وليس بوَلَّاجِ الخَوَالِفِ أعْقَلا1 2- مِفْعَال: مثل "مِقْدَام، مِضْيَاف، مِتْلَاف، مِزْوَاج" تقول: "من صفات المدنيّ الكريم أن يكون مِقْدَامًا في الحرب مِضْيَافًا في منزله، ومن صفات المتخلّف السفيه أن يكون مِتْلَافًا لأمواله مِزْوَاجًا للنساء دون حاجة" ومن ذلك:   1 لباسا إليها جلالها: الجلال: ملابس الميدان، ولاج: كثير الدخول، الخوالف: أعمدة الخيام، أعقلا: الشديد الجبن. يقول: إنني شجاع محارب أجيد ارتداء ملابس الميدان، ولست نذلا جبانا أتسرب بين أعمدة الخيام للاعتداء على الجارات. الشاهد: قوله: "لباسا إليها جلالها" فإن "لباس" صيغة مبالغة على وزن "فعال" بعمل الفعل، ونصب بعدها المفعول "جلالها" وفاعلها ضمير مستتر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 - قول العرب في الوصف بالكرم: "إنه لَمِنْحِارٌ بَوَائِكَها"1. 3- فعول: مثل "صَدُوق، كَذُوب، جَهُول، زَهُوق"، تقول: "إن الرجلَ يصدقُ، فيكون ذلك عادةً له، فيصير دائما صَدُوقًا في أقواله، وإن الرجل ليكذبُ فيكون ذلك عادة له، فيصير دائما كَذُوبًا في أقواله". ومن ذلك قول الراعي النميري: عَشِيَّةَ سُعْدَى لو تراءتْ لراهبٍ ... بدُومَةَ تَجْرٌ دونه وحَجِيجُ قَلَى دينَه واهتاجَ للشوقِ إنها ... على الشوق إخوانَ العزاءِ هَيُوجُ2 4- فَعِيل: مثل "سميع، شبيه، عليم، خبير، بصير، حميد".   1 البوائك: سمان الإبل، ومن يكثر ذبح سمان الإبل فهو كريم. 2 دومة: اسم سوق للعرب يجتمعون به، تجر: تجار، قلى دينه: كرهه، إخوان العزاء: الصابرون المتجلدون. يقول: إن "سعدى" جميلة جمالا فائقا يؤدي للخبال، فلو تراءت لراهب في سوق به كثير من الناس التجار والحجاج، لسبته، وأهاجت أشواقه، فكره دينه وتبعها. الشاهد: في "إخوان العزاء هيوج" فإن "هيوج" من أمثلة المبالغة على وزن "فعول" وقام بعمل الفاعل، ففاعله ضمير مستتر، ومفعوله مقدم هو "إخوان العزاء". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 ومن ذلك: - قول العرب: "إن الله سميعٌ دعاءَ منْ دعاه". - قول ابن قيس الرقيات فيما أنشده سيبويه: فتاتان أمّا منهما فشبيهةٌ ... هِلالًا وأخْرى منهما تُشبهُ البدْرَا1 5- فَعِل: مثل: جَدِل، حَذِر، أَكِل، عَجِل، خَصِم" تقول: "أحب كل امرئٍ حَذِرٍ مضاره، وأحتقر كل إنسانٍ جَدِلٍ في حديثه". ومن ذلك قول الشاعر: حَذِرٌ أمورًا لا تضيرُ وآمِنٌ ... ما ليس مُنْجيه من الأقدار2 هذا وقد وصف هذا الوزن الأخير بأنه قليل في اللغة.   1 الشاهد في قوله: "شبيهة هلالا" فهي مثال للمبالغة على وزن "فعيل" ونصب بعدها المفعول به "هلالا". 2 لا تضير: لا تضر. يقول: عجيب ضعف الإنسان وتصور إدراكه، فهو يحذر ما لا يضر ويغفل عما يأتي منه الهلاك من القدر. الشاهد: "حذر أمورا" فإن "حذر" على وزن "فعل" من أمثلة المبالغة وقامت بعمل الفعل، والفاعل ضمير مستتر، والمفعول به "أمورا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 اسم المفعول : 1- المقصود باسم المفعول لدى الصرفيين، وكيفية صياغته. 2- عمل اسم المفعول في الجملة. 3- موازنة بين اسم الفاعل والمفعول من الناحيتين الصرفية والنحوية. اسم المفعول وكيفية صياغته: يقصد به لدى الصرفيين: الوصف المشتق من الفعل المبني للمجهول للدلالة على من وقع عليه الفعل ا. هـ. ومن ذلك يفهم أن اسم المفعول هو ما تحققت له الصفات التالية: أ- أن يكون وصفا، وهو بذلك يشترك مع كل الأسماء المشتقة الدالة على الوصف. ب- أن يكون مأخوذة من الفعل المبني للمجهول، وبذلك يتميز عن اسم الفاعل. ج- أن يكون دالا على من وقع عليه الفعل، وبذلك يتميز عن كل أسماء الأوصاف مثل "مَحْمُود، مَكْرُوه، مَذْمُوم، مُنْتَقى، مَكرَّم". أما كيفية صياغته من الفعل فتكون على النحو التالي: أولا: من الفعل الثلاثي يصاغ بوزن "مفعول" مثل مكْتُوب، مقْروء، مصْون، ملُوم، مَعِيب، مَجِيء". ثانيا: من غير الفعل الثلاثي يصاغ بوزن المضارع مع قلب حرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 المضارعة ميما مضمومة وفتح ما قبل الآخر، مثل "مُقَدَّم، مُشَارَك، مُعَاد، مُسْتَفَاد، مُقَام". عمل اسم المفعول في الجملة: علم في معنى اسم المفعول أن من أهم صفات صياغته مجيئه من الفعل المبني للمجهول، ومعنى ذلك أنه يقوم بعمل الفعل المبني للمجهول، وما يرد بعده في الجملة يكون نائب فاعل على النحو التالي: أولا: إذا كان اسم المفعول مأخوذا من الفعل المتعدي يكون نائب الفاعل أصله المفعول به، تقول: "أمسموعٌ صوتُ الحقِ في عالَمٍ فَقَدَ ضميرَه" وتقول: "ما مُضَيَّعَةٌ حقوقٌ يُطَالِبُ بها أهلُها". ثانيا: إذا كان اسم المفعول مأخوذا من الفعل اللازم يكون نائب الفاعل معه هو المصدر أو الجار والمجرور أو الظرف "راجع: نائب الفاعل". تقول: "الكلامُ الرديءُ مسكوتٌ عنه" و"العملُ الجادُّ مُنْصَرَفٌ إليه". هذا ... وينبغي التنبه إلى أن كل ما قيل في اسم الفاعل -من حيث تقسيمه إلى ما فيه "أل" فيقوم بعمل الفعل دون شروط، وإلى المجرد منها ولا بد من الشروط السابقة هناك- هذا كله أيضا يصدق على اسم المفعول تماما كما هو هناك في اسم الفاعل. الموازنة بين اسمي الفاعل والمفعول: بمعاودة النظر على ما سبق من حديث اسمي الفاعل والمفعول؛ يمكن -دون عناء كبير- الموازنة بينهما من حيث الصياغة والنحو على التفصيل التالي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 أولا: من الناحية الصرفية: يتفق كل من اسم الفاعل والمفعول في أنهما يصاغان من كل من الفعل المتعدي واللازم، فتقول في اسم الفاعل من "شاهد، استراح": "مُشاهِد، مستريح" وتقول في اسم المفعول منهما: "مُشاهَد، مُستَراح له". ويختلفان في أن اسم الفاعل يصاغ من الفعل المبني للمعلوم، أما اسم المفعول فإنه يصاغ من الفعل المبني للمجهول، أو بعبارة أخرى: يأتي اسم الفاعل في موضع الفعل المبني للمعلوم واسم المفعول في موضع الفعل المبني للمجهول، فأنت تقول: "ما نائمةٌ عينُ الجبان" وتقول أيضا: "ما مُسَهَّدة عينُ الشجاع" ومن البيّن أنه يمكن وضع الفعل "تنَام" موضع اسم الفاعل في المثال الأول وهو مبني للمعلوم، كما يمكن وضع الفعل "تُسَهَّد" موضع اسم المفعول -في المثال الثاني- وهو مبني للمجهول. ثانيا: من الناحية النحوية: يتفق كل من اسم الفاعل والمفعول في التفصيلات والشروط التي ذكرت في اسم الفاعل، بمعنى أن كلا منهما إن كان بـ "أل" قام بعمله النحوي بلا شروط، وإن كان بغير "أل" فإنه لا يقوم بهذا العمل إلا بالصفات التي ذكرت في معنى الجملة وألفاظها، كما سبق شرحه. أما افتراقهما نحويا فيتمثل في أن اسم الفاعل يرفع الفاعل، أما اسم المفعول فيرفع النائب عن الفاعل، وهذا أمر مفهوم مما سبق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 الصفة المشبهة : 1- المقصود بالصفة المشبهة، ووجه تسميتها مشبهة. 2- ألفاظ الصفة المشبهة بين القياس والسماع. 3- الصور اللغوية لجملة الصفة المشبهة، مع بيان إعراب الاسم بعدها. الصفة المشبهة: لنلاحظ أولا الأمثلة التالية للصفة المشبهة: - نقول: "حسَن الوجه، طلْق المحيا، رقيق القلب، طيَّب المعاشرة، شَهْم المعاملة، جمّ المروءة، ليّن الجانب، رَزَان النَّفس". ونقول: "إنها جميلة الوجه، بضَّة الجسم، عذْبة الروح، سوداء العينين، هيفاء القوام، عفيفة السلوك، حرة الخلق، حَصَان النفس". في كل هذه الأمثلة السابقة أسماء مما يطلق عليه "الصفة المشبهة" ومنها "حسن، طلق، رقيق، طيِّب، شَهْم، جمّ، لَيّن، رَزَان، جميلة، بَضّة، عذْبة، سوداء، هيفاء، حُرّة، حَصَان"، وغير ذلك كثير جدا وسيأتي. وقد اختلف أقوال العلماء حول تحديد معنى الصفة المشبهة اختلافا متغايرًا تماما، والحق أن ما ورد عن ذلك لا تناقض فيه، وإنما هو اختلاف في النظرة إلى الصفة المشبهة بين الناحيتين الصرفية والنحوية، فاتجه بعض علماء النحو في بيانها على أساس الصيغة الصرفية، فأوردوا قيودها بناء على ذلك، واتجه آخرون لبيانها على أساس الناحية النحوية، فأوردوا قيودها بناء على ذلك، وهذان الاتجاهان يمكن أن يمثلهما التعريفان التاليان: الأول: كما جاء في قطر الندى والأشموني- هي الصفة المصوغة لغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 تفضيل من فعل لازم لإفادة نسبة الحدث إلى الموصوف بها دون إفادة معنى الحدوث" ا. هـ. ومن البيّن أن هذا التعريف صرفي، وجهته تحديد الصفة المشبهة من حيث صيغتها -وإن تعرض أيضًا للمعنى- فهو يأخذ في اعتباره القيود التالية: أ- أنها وصف -لغير تفضيل- إذ تدل -كما سبق غير مرة- على حدث وصاحبه، مثل "فَرِح" تدل على شخص موصوف بالفرحة، ومثل "بَطَل" إذ تدل على إنسان متصف بالبطولة. ب- أنها تصاغ من فعل لازم، وهذا هو الغالب فيها، فمثلا كلمة "ضَخْم" من الفعل "ضَخُم" وهو لازم، وأيضا كلمة "شريف" من الفعل "شَرُف" وهو لازم. ج- أنها تفيد نسبة الصفة لموصوفها، ولا تفيد حدوثها، بمعنى أنها تدل على ما هو موجود فعلا بالنسبة لصاحبها، ولا تدل على شيء حدث بعد أن لم يكن، كما هو واضح في "جَبَان، شُجاع، بَطَل" فهي صفات موجودة في صاحبها قبل الحديث عنها، وربما استمرت أيضا بعد هذا الحديث. الثاني: كما جاء في الألفية وشروحها- "هي الصفة التي استحسن أن تضاف لما هو فاعل في المعنى" ا. هـ. ومن البيّن أن هذا التعريف يأخذ في اعتباره الناحية النحوية من أن الصفة المشبهة تضاف لما هو فاعلها في المعنى، أي أن المضاف إليه معها وإن كان مجرورا لفظا لكنه هو الفاعل الحقيقي لها، مثل "نَقِيُّ الثوبِ" و"طاهرُ العِرْضِ" فإن الكلمتين "الثوب، العرض" مضافتان للصفة وهما في الوقت نفسه الفاعلان في الذهن، فالثوب ينسب له النقاوة، والعرض ينسب له الطهارة، وهذه الطريقة هي التي تحدد بها الصفة المشبهة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 والحق أن التحديد الأول أدق وأشمل من الثاني الذي عارضه من يُعْتَدّ بهم من النحاة. لماذا سميت مشبهة؟: لاحظ الأمثلة التالية: كان الرسولُ شريفًا النفسَ طيبًا الأخلاقَ. وكان أبو بكر ضَئيلًا جسمَه شُجاعًا رُوحَه. في المثالين السابقين نجد في المثال الأول صفتين مشبهتين هما "شريف، طيب" والاسم الذي بعدهما يمكن نصبه فينطق "النفسَ، الأخلاقَ" كذلك في المثال الثاني صفتان مشبهتان هما "ضئيل، شجاع" وبعدهما أيضا اسمان منصوبان هما "جسم، روح". إن المعني الذي يخطر هنا على الذهن هو: أن الصفة المشبهة تؤخذ من الفعل اللازم -كما سبق القول في تعريفها- فكيف إذن أتى بعدها الاسم منصوبا في الاستعمال اللغوي مع أن الفعل اللازم لا ينصب الاسم بعده؟ هذه هي المشكلة التي واجهت النحاة، فتخلصوا من ذلك بإطلاقهم على هذه الصفات أنها "مشبهة" ومعنى ذلك -في رأيهم- أنها مشبهة باسم الفاعل المتعدي لواحد الذي ينصب بعده المفعول، وما دامت مشبهة به فيصح أيضا أن يأتي بعدها المنصوب، أما وجوه المشابهة بينها وبين اسم الفاعل فتتلخص في أمرين: الأول: أنها تدل مثله على معنى وصاحبه، فهي وصف مثله تماما، فكما أن "مُكْرِم" اسم فاعل تدل على شخص ينسب له الكرم، وكذلك "كريم" صفة مشبهة تدل على المعنى السابق نفسه. الثاني: أن كلا منهما يكون مفردًا ومثنى ومجموعًا، مذكرًا ومؤنثًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 فكما يقال: "عاقل، عَاقِلَان، عَاقِلون، عاقِلة، عاقلتان، عاقلات" يقال أيضا في الصفة المشبهة: "فَرِح، فَرِحان، فَرِحون، فَرِحة، فَرِحَتان، فَرِحات". من أجل هذين الأمرين السابقين اللَّذيْن يتعلق أحدهما بالمعنى والآخر باللفظ سميت هذه الصفة مشبهة، والذي دعا إلى عقد هذه المشابهة وجود الاسم المنصوب في الجملة التي ترد فيها. والذي أراه أن الأمر مرجعه أولا وأخيرًا استعمالُ اللغة، فقد ورد الاسم مع هذه الصفة منصوبًا، وكان وصفه -كما ورد- كافيا دون عقد هذه المشابهة وإطلاق هذه التسمية، فهي تراكمات صناعية دعا إليها البحث عن علة المنصوب ثم عقد المشابهة، ثم التسمية، وما كان أغناهم عن ذلك كله لو اقتصروا على الوصف اللغوي وحده. ألفاظ الصفة المشبهة بين السماع والقياس: ينبغي باختصار التعرف على المقصود بالقياس والسماع. فالقياس: يقصد به ذكر قاعدة عامة تنطبق على كل ما يندرج تحتها من الأمثلة؛ كما تقول مثلا: "يصاغ اسم الفاعل من الثلاثي على وزن فاعل" فهذه قاعدة عامة يندرج تحتها "ساهر، نائم، قائم، راكع، ساجد، عالم، جاهل". أما السماع: فيقصد به أن ذلك المسموع لا يدخل تحت قاعدة عامة، بل سمع عن العرب هكذا، فنقل في كتب اللغة والنحو كما سمع، كقولنا: "اسم المكان المختص الذي ورد منصوبا في اللغة سماعي لا يقاس عليه" مثل "دخلت الدار والمسجد". تحت أيّ هذين القسمين إذن تأتي ألفاظ الصفة المشبهة؟ إن ألفاظ الصفة المشبهة سماعية، ومن الصعب حصرها، فهي كثيرة جدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 ولا تندرج تحت قواعد حاسمة تجمعها وكل ما يذكر من قواعد لصياغتها من الثلاثي ومن غيره "راجعها في كتب الصرف" إنما هدفه التقريب لا الحصر ويقصد منه المعاونة على معرفتها لا القياس. من أجل ذلك أرى من الأفضل إيراد مجموعة من الكلمات الآتية للصفة المشبهة دون إيراد قواعد لصياغتها، فهي غير حاسمة من جهة، وموضعها كتب الصرف من جهة أخرى: - أشْيَب، شيخ، طيّب، جَوَاد، عفيف، ضيّق. - فَرِح، أَشِر، بَطِر، لَبِق، فَطِن، نَهِم، جَشِع، شَرِه، لَسِن، غِرّ، حُر. - أعْرَج، أحْمَق، أهْوَج، أخضَر، أصفَر، أحمَر، أغْيد، أهْيَف، غيداء، هيفاء، سمراء، شقراء، حسناء. - ريّان، عطشان، شبعان، جوْعان، ظمآن، غَصَّان. - بخيل، عَمِيل، سقيم، مريض، طبيب، لبيب، ذكيّ، غبيّ، تَقِيّ، نَقِيّ، طَرِيّ، رهيب، عجيب، نبيه، وضيء، عميق، صفيق. - بطَل، حسَن الوجه، شهْم، ضخْم، نذْل، طلْق المحيّا، صلْب العود. - حَصَان، رَزَان، جبان، شُجاع، عُضال. - كريم، عظيم، رقيق، جميل، نبيل، لئيم. - ضامر البطن، حادّ الذهن، جامد الإحساس، طاهر السيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 جملة الصفة المشبهة وإعراب الاسم بعدها: ينبغي في عرض هذه الفكرة تجنب ما خاضت فيه كتب النحو من الأعمال الذهنية المجهدة المتشعبة لإيراد صور جملة الصفة المشبهة، فقد أوصلها "الأشموني" إلى 72 صورة و"ابن عقيل" إلى 36 صورة، فهذا عناء يشق فهمه على الدارس العادي "فارجع إليهما في ذلك إن أردت". فالمهم هنا هو التصور المفيد لجملة الصفة المشبهة من ناحيتين: الأولى: الصور الثلاث لجملتها بحسب الاسم الذي يقع بعدها. الثانية: إعراب الاسم الواقع بعدها رفعا ونصبا وجرا. الناحية الأولى: صور جملة الصفة المشبهة. الصورة الأولى: لاحظ الأمثلة التالية: يستحقُّ احترامَنا الأستاذُ الطيّبُ قلبُه الشهْمُ معاملتُه. ويثير اشمئزازَنا الأستاذُ الضعيفةُ شخصيتُه الشرِسةُ معاملتُه. فهذه الصورة تتكون -كما ترى في الأمثلة- من الصفة المشبهة معربة بحسب ما يقتضيه نظام الجملة قبلها + الاسم بعدها متصلا بضمير يعود على الموصوف بها. الصورة الثانية: لاحظ الأمثلة التالية: يستحق حبَّنا الطالبُ النظيفُ الأخلاق الحرُّ العقل. ويثيرُ احتقارَنا الطالبُ النّذلُ الأخلاق البليدُ العقل. فهذه الصورة تتكون -كما ترى في الأمثلة- من الصفة المشبهة معربة بحسب ما يقتضيه نظام الجملة قبلها + الاسم بعدها متصلا بالألف واللام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 الصورة الثالثة: لاحظ الأمثلة التالية: يستحق احترامَنا كلُّ جنديّ شجاعٍ قلبًا صلبٍ عودًا. ويثير احتقارَنا كلُّ جنديّ جبانٍ قلبًا فَسْلٍ تصرفًا. فهذه الصورة تتكون -كما ترى في الأمثلة- من الصفة المشبهة معربة بحسب ما يقتضيه نظام الجملة قبلها + الاسم بعدها خاليا من الضمير ومن "أل". الناحية الثانية: إعراب الاسم بعدها: ورد الاسم بعد الصفة المشبهة في اللغة مرفوعا ومنصوبا ومجرورًا، والقصد هنا توجيه هذه الوجوه الثلاثة من الناحية الإعرابية. توجيه الرفع: لاحظ المثال التالي: من الرجولة أن يكون الشابُّ نبيلًا قلبُه ذكيًّا عقلُه. فكل من الكلمتين بعد الصفة المشبهة -وهما "قلبه، عقله"- مرفوع على أنه فاعل، وهناك رأي آخر يقول: إنه بدل من الضمير المستتر في الصفة، وهو رأي لا شهرة له. توجيه النصب: لاحظ المثالين: من الأنوثة أن تكون الفتاةُ رقيقةً قلبَها لبِقَةً حديثَها. ومن صيانة الأنوثة أن تكون الفتاةُ حُرَّةً نفسًا عفيفةً سلوكًا. فكل من الكلمتين "قلبها، حديثها" في المثال الأول، ثم "نفسا، سلوكا" في المثال الثاني منصوبة، وفي المثال الأول الكلمتان معرفتان، وفي المثال الثاني نكرتان. قال النحاة: الاسم المنصوب المعرّف بعد الصفة المشبهة يعرب على أنه "شبيه بالمفعول له" لأن الصفة المشبهة من الفعل اللازم، فلا يصح أن يعرب الاسم بعدها مفعولا به، بل هو شبيه بالمفعول به، أما الاسم المنصوب النكرة بعد الصفة المشبهة، فيعرب على أنه "تمييز" وذلك أحسن ما قيل في هذا الموضوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 توجيه الجر: لاحظ المثالين التاليين: من الأنوثة أن تكونَ الفتاةُ رقيقةَ القلبِ لبقةَ الحديثِ. ومن الرجولة أن يكون الشابُّ نبيلَ القلبِ ذكيَّ العقلِ. كل من الكلمات "القلب، العقل، الحديث" في المثالين السابقين مجرورة بعد الصفة المشبهة على أنها "مضاف إليه". وتتلخص جملة الصفة المشبهة وإعرابها في الآتي: أ- يأتي بعد الصفة المشبهة اسم مضاف إلى ضمير المتصف بها أو به "أل" أو مجرد من "أل" والإضافة. ب- تعرب الصفة المشبهة في جملتها بحسب ما يقتضيه سياق الجملة. ج- الاسم بعدها يجيء مرفوعا على أنه فاعل أو منصوبا على أنه "مشبه بالمفعول به" إن كان معرفة، أو "تمييز" إن كان نكرة، كما يأتي مجرورا على أنه "مضاف إليه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 اسم التفضيل : 1- المقصود باسم التفضيل وما يتفرع على صيغته ومعناه. 2- صفات الفعل الذي يصاغ منه اسم التفضيل. 3- الصور اللغوية لجملة اسم التفضيل وعمله النحوي فيها. اسم التفضيل: لاحظ الأمثلة التالية: العربيُّ أكرم النّاسِ لضيوفه. والمصريُّ أظرف الناسِ حديثا. والوطنُ أهمُّ من المالِ والولد. والدفاعُ عنه أرْوَعُ الأعمال بطولة. في كل الأمثلة السابقة اسم يدل على التفضيل، والمراد به -استخلاصا من كلام النحاة- كل وصف على وزن "أفْعَل" يدل على أن اثنين اشتركا في صفة، وزاد أحدهما على الآخر في تلك الصفة ا. هـ. ومن البيّن أن "اسم التفضيل" هو ما توافر له الصفات التالية: أ- أن يكون وصفا، وقد مر أن المقصود بذلك ما دل على معنى وصاحبه. ب- أن يكون هذا الوصف على وزن "أفعل" بأن تكون صياغته من الفعل على هذا الوزن، كالكلمات "أكرم، أظرف، أهمّ، أرْوَع" في الأمثلة السابقة. ج- أن يدل على شيئين اشتركا في صفة وزاد أحدهما على الآخر فيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 كقولنا: "الحريّةُ أغْلَى قِيَمِ الحياة" و"العِلْم أقْرَبُ طريقٍ للحضارة" لكن يتفرع على هذا التحديد المسألتان التاليتان: الأولى: وردت ثلاث كلمات في اللغة بدون الهمزة وتفيد التفضيل، وهي "خَيْر، شَرّ، حَبّ" إذ تفيد ما يفيده "أخْيَر وأشَرّ وأَحبّ" ومما يساق لذلك الشواهد التالية: - قول القرآن على لسان إبليس متفضلا على آدم: {أَنَا خَيْرٌ مِنْه} 1. - قول القرآن: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} 2. - قول الآخر: وزادني كَلَفًا بالحبّ أنْ مَنَعَتْ ... وحَبُّ شيءٍ إلى الإنسان ما مُنِعا3 ويبدو أن الكلمتين الأوليين يستعملان حقا -كما قال النحاة- بدون الهمزة، لكثرة الاستعمال نثرا ونظما، أما الكلمة الأخيرة فيبدو أنها تستعمل على الأصل "أحَبّ" ووردت بذلك في القرآن والنثر الفصيح، ومن ذلك: قول القرآن: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} 4.   1 الآية 12 من سورة الأعراف. 2 من الآية 22 سورة الأنفال. 3 كلفا: تمسكا شديدا. يقول: الممنوع محبوب، لقد زادني تمسكا بها تمنعها. الشاهد: قوله في الشطر الثاني: "حب شيء إلى الإنسان ما منعا" إذ جاءت "حب" اسم تفضيل بدون الهمزة: وهي من الكلمات الثلاث التي تأتي كذلك لكن للبيت رواية أخرى: "أحب شيء إلى الإنسان ما منعا" باستعمال الكلمة بالهمزة على الأصل، وعلى ذلك لا شاهد فيه. 4 من الآية 33 سورة يوسف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 - قول عليّ: "لَأَنْ أصومَ يومًا من شعبانَ أحبُّ إلى من أن أفْطرَ يوما في رمضان". أما البيت الذي استُشهد به على استعمال "حَبّ" دون همزة فله رواية أخرى، فقد ورد الشطر الثاني هكذا "أحَبُّ شيءٍ إلى الإنسان ما مُنِعَا" وعليها لا شاهد فيه. الثانية: أن وزن "أفْعَل" قد يستخدم في الكلام ولا يقصد به المفاضلة بين شيئين، وذلك يرد في صورتين: أ- ما كان على وزن "أفْعَل" من أوزان الصفة المشبهة، فيدل على مجرد الصفة ولا مفاضلة فيه، مثل: "الإنسانُ الأحمقُ من يتكلمُ قبل أن يَعْرِفَ، ويندفعُ قبل أن يَتَثَبَّتَ". ب- ما يطلق عليه في النحو "أفعل التفضيل على غير بابه" بأن يقصد منه المبالغة في الصفة دون التفضيل، ويفهم ذلك من ظروف الكلام الذي ورد فيه، تقول: "اللهُ أرْحَمُ بعباده" فالمقصود هو المبالغة في الرحمة دون المفاضلة، وتقول: "الحقُّ أحَقُّ أن يُتَّبَعَ" فالمقصود هو المبالغة في جدارة الحق بالاتباع. وقد ورد من ذلك قول الفرزدق: إن الذي سَمَكَ السماءَ بَنَى لنا ... بيتًا دَعَائمُه أعَزُّ وأطْوَلُ1   1 سمك السماء: كماء جاء في القاموس- رفعها، دعائمه: أعمدة البيت التي يقوم عليها. يقول مفتخرا: إن الله الذي رفع السماء جعل لنا شرفا عاليا رفيعا لا يدانيه أحد في العز والرفعة. الشاهد: قوله: "دعائمه أعز وأطول" فقد جاء اسم التفضيل على غير بابه فالمقصود به المبالغة في الصفة، والمعنى "دعائمه عزيزة طويلة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 ما يصاغ منه اسم التفضيل: قال ابن مالك عن صياغة كل من "صيغتي التعجب واسم التفضيل" من الأفعال: وصُغْهما من ذي ثلاثٍ صُرِّفَا ... قابِلِ فَضْلٍ تمَّ غيرِ ذي انْتفا وغيرِ ذي وصف يُضَاهِي أشْهَلا ... وغيرِ سالكٍ سبيلَ فُعِلَا ففي هذين البيتين الصفات التي ينبغي توافرها في الفعل الذي يصاغ منه اسم التفضيل -ومثله صيغتا التعجب- وهي -كما وردت في البيتين بالترتيب- سبع صفات: 1- أن يكون الفعل ثلاثيًّا. 2- أن يكون متصرِّفا. 3- أن يكون الفعل قابلا للمفاضلة، لكي يحقق معنى "اسم التفضيل". 4- أن يكون الفعل تامّا، وقد سبق تحديد التام والناقص. 5- ألا يكون الفعل منفيًّا. 6- ألا تكون الصفة المشبهة منه على "أفعل" الدال على الألوان أو العيوب والحلي مثل "أشْهَل، أسْوَد". 7- ألا يكون مبنيا للمجهول. فلنلاحظ الأمثلة التالية: - أفعال استوفت الشروط فيأتي منها اسم التفضيل: "كَرُمَ، سَاءَ، ضَبَطَ، هَدَى، ضَلَّ، نَبُه، شَرُف". - أفعال لم تستوفِ الشروط فلا يبنى منها اسم التفضيل. تجمع، استمع، ليس، نِعْم، بئس، غربت الشمس، مات، كان، أصبح، ما ضلّ وما غَوَى، سَوِدَ، خَضِرَ، قُرِئَ، سُئِلَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 هذه صفات ما يبنى منه اسم التفضيل من الأفعال، فما لم يستوف هذه الصفات مجتمعة -بأن نقص منها واحدة أو أكثر- فلا يبنى منه اسم التفضيل على صورته التي سبق شرحها، بل تسلك اللغة طريقتين للإتيان باسم التفضيل منها على التفصيل التالي: الطريقة الأولى: لاحظ الأمثلة التالية: الشعبُ المتحضرُ أسْمَى إحْسَاسَا من المتخلِّف. الظلمُ أشَدُّ سوادًا من الظلام. تستخدم هذه الطريقة للتفضيل مع صنفين من الأفعال هما: ما زاد على ثلاثة مثل "أحَسَّ" وما كان الوصف منه على أفعل مثل "سَوِدَ". وتتكون جملة التفضيل فيها -كما ترى في الأمثلة- من الإتيان "باسم مناسب على وزن أفعل + المصدر الصريح للفعل منصوبا على التمييز بعده". الطريقة الثانية: لاحظ الأمثلة التالية: الظّلمُ أوْقَعُ ما يكونُ مؤلما مع رؤيةِ الظالم والعجز عنه. الكلامُ المفيدُ أحَقُّ أن لا يُترَك والكلامُ الرخيصُ أولى أنْ لا يُسمَعَ. المحسنُ أحَقُّ أنْ يُكَافَأَ والمسيءُ أوْلَى أن يعاقب. تستعمل هذه الطريقة مع ثلاثة أنواع من الأفعال هي "الناقصة، المنفية، المبنية للمجهول" وتتكون جملة التفضيل فيها -كما ترى في الأمثلة- من الإتيان "باسم مناسب على وزن أفْعَل + المصدر المؤول بعده". أما الأفعال الجامدة والأفعال التي لا تفاضل في معناها، فلا يأتي منها اسم التفضيل مطلقا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 جملة اسم التفضيل وعمله النحوي فيها: ينبغي في عرض هذه الفكرة التعرض لناحيتين هما: أ- الصور الأربع لجملة التفضيل. ب- الوظيفة النحوية لاسم التفضيل في جملته. الناحية الأولى: صور جملة التفضيل: تأتي جملة التفضيل على الصور الأربع التالية: الصورة الأولى: لاحظ الأمثلة التالية: قد يكون الصمتُ أقْوَى من الكلام. وربما كان الساكتون أبْلَغَ من الناطقين. وفي هذه الجملة يكون اسم التفضيل مجردا من الألف واللام "أل" والإضافة، كما ترى في المثالين السابقين الكلمتين "أقوى، أبلغ" وحينئذٍ توصف جملة التفضيل بما يلي: أ- يبقى اسم التفضيل دائما مفردا مذكرا. ب- يؤتى بعد اسم التفضيل بحرف الجر "من" جارّا للمفضل عليه. الصورة الثانية: لاحظ الأمثلة التالية: إن قولَ الصّدقِ هو النهجُ الأمْثلُ للنجاة. وإن سيادةَ العدالة هي الطريقةُ المُثلى لأمن الناس. فهاتان الصفتان تحققان النّهجين الأمْثلين للنجاة والأمن. وفي هذه الصورة يكون اسم التفضيل مقترنا بالألف واللام، كما ترى في الأمثلة السابقة "الأمثل، المثلى، الأمثلين"، وحينئذٍ يطابق ما جاء لتفضيله إفرادًا وتثنية وجمعا، وتذكيرًا وتأنيثًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 682 الصورة الثالثة: لاحظ الأمثلة التالية: التصميمُ أوَّلُ مرحلةٍ لبلوغ الغاية. والتصميمُ ثم التنفيذُ أهمُّ طريقين لتحقيقِ الغاية. وفي هذه الصورة يكون اسم التفضيل مضافا لنكرة، كما ترى في الكلمات "أوّل، أهمّ، أقرب"، وحينئذٍ توصف جملة التفضيل بما يلي: أ- يبقى اسم التفضيل دائما مفردًا مذكرًا، تماما كالمجرد. ب- النكرة التي أضيفت إليه تطابق ما جاء اسم التفضيل له في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث. الصورة الرابعة: لاحظ الأمثلة التالية: يقال: أذكياءُ الناس أحْسَنُهم أخلاقًا. ويمكن: أذكياءُ الناسِ أحَاسِنُهم أخلاقًا. فالذكاءُ أقْصَرُ الطرقِ للمعرفة والفضيلة. وفي هذه الصورة يكون اسم التفضيل مضافا لمعرفة، كما ترى في الأمثلة السابقة "أحسن، أحاسن، أقصر"، وحينئذٍ توصف جملة التفضيل بما يلي: أ- اسم التفضيل يمكن أن يطابق من هو له، ويمكن ألا يطابقه، فيلزم الإفراد والتذكير. ب- المعرفة التي أضيفت إليه لا تلزم فيها المطابقة. فلنطبق ما قيل في الصورة الأخيرة على ما يلي: - قول القرآن: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} 1. - قول القرآن {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا} 2. طابق من هو له في التذكير والجمع.   1 من الآية 123 سورة الأنعام. 2 من الآية 27 سورة هود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 683 - قول القرآن {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} 1 لم يطابق فبقي مفردا مذكرا. - قول الرسول: "ألا أخبركم بأحبِّكم إليّ وأقربِكم مني منازلَ يومَ القيامة أحَاسنُكم أخلاقا المُوطّئون أكنَافا الذين يألَفون ويُؤلَفون". لم يطابق في "أحب، أقرب"، وطابق في "أحاسن". وخلاصة هذا الموضوع كله تتلخص في الأمور التالية في المطابقة: أ- اسم التفضيل المجرد والمضاف لنكرة يجب إفراده وتذكيره. ب- اسم التفضيل المقترن بالألف واللام يجب مطابقته لما هو له. ج- اسم التفضيل المضاف لمعرفة تصح فيه المطابقة وعدم المطابقة. الناحية الثانية: العمل النحوي لاسم التفضيل: المقصود بذلك بيان ما يأتي بعده من الأسماء مرفوعا ومنصوبا وتوجيه الرفع والنصب، تفصيل ذلك كما يلي: ما يرفع مع اسم التفضيل: لاحظ الأمثلة التالية: الإنسانُ أذكَى من كلِّ المخلوقات. ذكاءُ الإنسانِ أدْنَى منه ذكاءُ كلِّ المخلوقات. وما أذْكَى أنت من زميلك، بل أنتما متساويان. في المثال الأول فاعل اسم التفضيل ضمير مستتر يعود على كلمة "الإنسان".   1 من الآية 96 من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 684 فالأصل في اسم التفضيل أن يرفع الضمير المستتر، أما رفع الاسم الظاهر والضمير البارز، كما في المثالين الأخيرين فهو -كما وصفه ابن هشام- لغة ضعيفة. قال النحاة: ويستثنى من ذلك "مسألة الكحل" فإنه يصح رفع الاسم الظاهر فيها بعد اسم التفضيل قياسا مطردا بلا ضعف. وضابط هذه المسألة: أن يتقدم على اسم التفضيل نفي بعده اسم نكرة موصوف باسم التفضيل، بعده اسم مفضل على نفسه باعتبارين، فلنتأمل في ذلك الشواهد التالية: - مثال المسألة: ما رأيتُ فتاةً أحسنَ في عينها الكحلُ منه في عين هند. - ما ورد في الأثر: "ما من أيامٍ أحبَّ إلى الله فيها الصومُ منه في عشر ذي الحجة". - قول الشاعر: ما رأيت امرأً أحَبَّ إليه الـ ... ـبذلُ منه إليك يا ابنَ سنان1 ومن البيّن أن كل هذه الشواهد مستوفاة للشروط التي سبق ذكرها. ما ينصب مع اسم التفضيل: لاحظ الأمثلة الآتية: الإنسانُ أعْظَمُ المخلوقاتِ ذَكَاءً. وهو أفْضَلُها عند الله كرامةً. ولكنه أقْسَاهَا جُحُودًا ونُكْرَانًا.   1 هذا البيت كله وصف لغوي متكامل لمسألة الكحل، فاسم التفضيل "أحب" وصف نكرة "امرأ" بعده اسم مفضل على نفسه باعتبارين هو "البذل" فإن البذل من "ابن سنان" أحب من غيره، ومع هذا الوصف اللغوي يرفع اسم التفضيل الاسم الظاهر فاعلا، وفاعل اسم التفضيل في البيت هو "البذل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 685 الأسماء المنصوبة بعد اسم التفضيل في هذه الأمثلة "ذكاء، كرامة، جحودا، نكرانا" منصوبة على التمييز، فاسم التفضيل لا ينصب المفعول به في رأي معظم النحاة. وخلاصة هذا الموضوع كله تتلخص في الآتي: أ- اسم التفضيل يرفع الضمير المستتر، كما يرفع الاسم الظاهر في مسألة "الكحل" فقط، أما رفعه غير ذلك من الأسماء الظاهرة والضمائر المنفصلة فلغة ضعيفة. ب- تجيء بعد اسم التفضيل الأسماء منصوبة على "التمييز". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 686 تدريبات : التدريب الأول: قال دعْبل الخزاعي يعاتب عتابا مرّا ساخرا:1 أما آن أن يُعتِبَ المذنبُ ... ويرضى المسيء ولا يغضب وغُول اللجاجة غرّارة ... تجِدّ وتحسبها تلعب أبعد الصّفاءِ ومَحْضِ الإخاء ... يُقِيمُ الجفاء بنا يخطب وقد كان مشربنا صافيا ... زمانا فقد كدِرَ المشرب وكنّا نزعنا إلى مذهَب ... فسيح فضاق بنا المذهب ومَنْ ذا المواتي له دهره ... ومن ذا الذي عاش لا يُنكب فإن كنتَ تعجب مما ترى ... فما سترى بعده أعجب فعودك من خُدع مورقٌ ... وواديك من علل مخصب فإن كنتَ تحسبني جاهلا ... فأنت الأحقّ بما تحسب فلا تَكُ كالراكبِ السَّبعِ كي ... يُهاب وأنت له أهيب ولو كنت أملك عنك الدفاع ... دفعتُ ولكنني أغلب 1- ما الفرق الصرفي والمعنوي بين الفعل "يعتب" بضم ياء المضارع أو فتحها، أترى لذلك تأثيرا في تعدي الفعل ولزومه، وجه ما تقول. 2- كلمة "غرارة" في البيت الثاني، من أي الأسماء التي تؤدي عمل الفعل؟ اشرح كيفية أدائها لذلك، ثم أعربها كما وردت في البيت. 3- كلمة "مشرب" في البيت الرابع، من أي المصادر؟؟ اشرح أداءها لعمل الفعل كما وردت في البيت. 4- "لا تك كالراكب السبع" يؤدي اسم الفاعل هنا عمل الفعل مطلقا طبق على هذه الجملة القاعدة السابقة.   1 ديوان دعبل الخزاعى، طبع بيروت 1962ص24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 5- "يقيم الجفاء بنا يخطب" لو غيرت كلمة "الجفاء" فنطقت "جفاء" فهل يتغير موقع الجملة بعدها، اذكر القاعدة التي تحكم ذلك. 6- "من ذا المواتي له دهره" أعرب هذه الجملة تفصيلا باعتبار "ذا" اسم إشارة أو اسم موصول، ثم وجه الجملة الاسمية بعدها على الاعتبارين. 7- "فأنت الأحق بما تحسب" و"أنت له أهيب" خاطب بالجملتين السابقتين المفردة والمثنى والجمع بنوعيهما، راجع قبل ذلك حكم اسم التفضيل في المطابقة التدريب الثاني: قال طرفة: إذا كنتَ في حاجة مُرسلا ... فأرسلْ حكيمًا ولا تُوصِه وإنْ ناصحٌ منك يومًا دنا ... فلا تَنأَ عنه ولا تُقصِه وإن بابُ أمر عليك الْتَوَى ... فشاورْ لبيبا ولا تَعْصِه وذو الحق لا تنتقصْ حقه ... فإنّ القطِيعة في نَقصِه ولا تذكر الدهرَ في مجلس ... حديثا إذا أنت لم تُحْصِه ونُصَّ الحديث إلى أهله ... فإن الوثيقة في نصِّه ولا تحرصَنّ فربّ امرئٍ ... حريصٍ مضاعٌ على حرصِه وكم من فتى ساقطٍ عقلُه ... وقد يُعجَبُ الناسُ من شخصِه وآخر تحسبه أحمقا ... ويأتيك بالأمر من فصِّه لَبِسْتُ الليالي فأفْنَيْنَنِي ... وسَرْبَلَني الدهرُ في قُمْصِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 1- هل يصلح اسم الفاعل "مرسلا" في البيت الأول لأداء عمل الفعل؟ وجه ذلك نظرا وتطبيقا. 2- أين المنعوت في الجملتين: "أرسل حكيما، شاور لبيبا" أعرب هاتين الصفتين بتقدير المنعوت أو بدونه. 3- "رُبَّ امرئ حريص مضاع على حرصه" اذكر الخواص النحوية للحرف "رب" مطبقا على هذه الجملة. 4- "كم من فتى ساقط عقله" ما نوع النعت في هذه الجملة؟ أيد ما تقول تفصيلا، ثم أعرب الجملة كلها باعتبار "كم" خبرية مبتدأ. 5- "نُصَّ الحديث إلى أهله" ما معنى هذه الجملة؟؟ أعربها باعتبار "نص" فعل أمر، ثم انطقها باعتباره فعلا ماضيا. 6- "لبست الليالي" أدخل الهمزة على الفعل "لبس" للإتيان بجملة جديدة، ثم وازن بين الجملتين نحويا. 7- وجه جزم الأفعال "لا تنأ، لا تقصِه، لا تحرَصنَّ، لم تحصه" ثم زنها كما وردت في النص. التدريب الثالث: من شعر المتنبي: ذلَّ من يغبط الذليل بعيش ... رُبَّ عيش أخف منه الحِمام كلّ حلْم أتى بغير اقتدار ... حجّةٌ لاجئٌ إليها اللّئام من يهن يسهل الهَوان عليه ... ما لجرح بميِّت إيلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 689 1- "رب عيش أخف من الحمام" يمكن نطق الجملة في النثر "ربَّ عيش أخف من حمام" وازن بين الجملتين معنى وإعرابا. 2- ابدأ الجملة السابقة بقولك: "ربَّ أحياء ... " ثم أكملها باسم تفضيل مناسب مع المحافظة على معنى الشطر الثاني في البيت الأول. 3- عين من البيت الثاني ركني الجملة الاسمية الأساسيين. 4- في البيت الثاني نعتان، جملة ومفرد عينهما، ثم وجّه الثاني باعتباره حقيقيا أو سببيًّا. 5- ما الذي تغيره في البيت الثاني لتصير جملة "أتي بغير اقتدار" حالا؟ اذكر ما يؤيد ذلك من القواعد. 6- استعمل المصدر "اقتدار" في جملتين، يعمل فيهما عمل الفعل منوّنا في واحدة ومضافا للفاعل في الثانية. 7- "من يهن يسهل الهوان عليه" غيِّر فعل الجواب بكلمة "سهل" ثم وازن بين الجواب إعرابا واستعمالا. 8- " ما لجرح بميت إيلام" ما الموقع النحوي لكل من الجار والمجرور "لجرح بميت" أيد ما تقوله بالقاعدة. 9- المصدر "إيلام" استعمله عاملا مضافا في جملتين مختلفين. 10- كيف يأتي التفضيل من المصدر "إيلام" حقق ذلك عمليا بجملتين مختلفي المعنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 دراسة لأبواب خاصة النحو : الاشتغال : 1- وصف جملة "الاشتغال" وبيان أركانها الثلاثة. 2- بيان إعراب "المشغول عنه" تفصيلا كما يلي: أ- وجوب النصب. ب- وجوب الرفع. ج- ترجّح النصب على الرفع. د- ترجح الرفع على النصب. هـ- جواز الرفع والنصب على السواء. الاشتغال وأركان جملته: الفكاهة يقدّمُها الإنسانُ الودودُ تسليةً ومتعة. السخرية يلجأ إليها اللئيمُ الحقودُ انتقامًا وخسَّة. الشفقة يكره قبولَها الإنسانُ الكريم تعفُّفًا وأنَفَة. جاء في "ابن عقيل": الاشتغال أن يتقدم اسم ويتأخر عنه فعل قد عمل في ضمير ذلك الاسم أو في سببيِّه ا. هـ. ومن تأمل التعريف السابق والأمثلة قبله يمكن تحديد أركان جملة الاشتغال الثلاثة وتوضيحها فيما يلي: - المشغول عنه: وهو الاسم المتقدم الذي شُغل عنه الفعل بضميره أو سببيِّهِ، وهو في الأمثلة السابقة "الفكاهة، السخرية، الشفقة". - المشغول: وهو الفعل -وما يشبهه- الذي يشغله عن الاسم السابق عليه الضميرُ الذي يعود على الاسم السابق، أو اسم آخر له صلة بالاسم السابق وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 693 ما أطلق عليه "سببيّه". والأفعال المشغولة في الأمثلة السابقة هي "يقدّم، يلجأ، يكره". - المشغول به: هو ما شغل به الفعل من ضمير أو مبني، مما يترتب عليه بداهة ألا يتجه للاسم السابق، وبتأمل الأمثلة السابقة نجد أن ما شغل به الفعل في المثالين الأولين "الضمير" "يقدمها، يلجأ إليها" وفي المثال الأخير "السببي" "يكره قبولها". هذا الاسم السابق "المشغول عنه" يمكن إعرابه على وجهين: الأول: مبتدأ مرفوع، وتكون الجملة بعده خبرًا له. الثاني: مفعول به منصوب، ويقدر له فعل محذوف وجوبا يفسِّره الفعل المذكور "المشغول"، وتكون الجملة بعده مفسرة لا محل لها من الإعراب، قال علماء النحو: ويقدر الفعل المحذوف من لفظ "المشغول" ومعناه إذا كان "المشغول" متعدّيا ناصبا للضمير بنفسه "كالمثال الأول" ويقدر من المعنى فقط إذا كان "المشغول" لازما وبعده الضمير مجرورا "كالمثال الثاني" أو متعديا ناصبا للسببيّ "كالمثال الأخير"، انظر الهامش1.   1 "الفكاهة يقدمها الإنسان الودود". الإعراب الأول: الفكاهة: مبتدأ، يقدمها: فعل مضارع مرفوع بالضمة وضمير الغائبة في محل نصب مفعول به، الإنسان: فاعل مؤخر مرفوع بالضمة، الودود: صفة مرفوع بالضمة، والجملة الفعلية "يقدمها الإنسان الودود" في محل رفع خبر المبتدأ. الإعراب الثاني: الفكاهة: مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور، يقدمها: فعل مضارع مرفوع بالضمة، وضمير الغائبة في محل نصب مفعول به، الإنسان الودود: فاعل مؤخر وصفته، والجملة الفعلية "يقدمها الإنسان الودود" مفسرة لا محل لها من الإعراب. "حاول إعراب الجملتين الأخريين بعد هذا المثال قياسا عليه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 694 هذا هو الأصل في إعراب "المشغول عنه" يجوز فيه الأمران، الرفع والنصب، لكن جملة الاشتغال يجيء بها من الصفات اللغوية ما يجعل "المشغول عنه" مرفوعا فقط أو منصوبا فقط، أو ما يرجح واحدا منهما على الآخر، أو ما يسوي بينهما، على التفصيل الآتي: وجوب النصب: هل السّلامةَ ترجوها مع الإخلاص للحقّ والعمل به!. فإن الحقَّ آثرتَه، فتهيَّأْ للباطل وغدره. أَلَا هذه التضحيةَ تتحملها في سبيل المبدأ وسموّه. وهلّا الباطلَ تدفعه درءًا للفساد وأهله. يجب نصب "المشغول عنه" إذا وقع بعد أداة لا يجيء بعدها إلا الفعل وتلك أدوات "الاستفهام غير الهمزة، الشرط، العرْض، التحضيض". ففي الأمثلة الأربعة السابقة يجب نصب الكلمات "السلامة، الحق، هذه التضحية، الباطل" إذ جاءت الأولى بعد أداة الاستفهام "هل" والثانية بعد أداة الشرط "إن" والثالثة بعد حرف العرض "ألا" والرابعة بعد حرف التحضيض "هلّا". وجوب الرفع: توقعت الخير ممَّا أحبّه فإذا الشرُّ جنيته. وتوجسْتُ الشرَّ مما أكرهه فإذا الخيرُ حقّقته. السلامةُ هل ترجوها مع الإخلاص للحق والعمل به. الحق إنْ آثرتَه فتهيأ للباطل وغدره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 695 يجب رفع "المشغول عنه" في موضعين: 1- أن يجيء "المشغول عنه" بعد أداة لا يجيء بعدها إلا الاسم وتذكر كتب النحو "إذا: الفجائية" كما ترى في المثالين الأولين، وفيهما يجب رفع الكلمتين "الشر، الخير". 2- أن يجيء "الفعل المشغول" بعد أداة لها صدارة الكلام، إذ هي -فيما يقال- لا تسمح لما بعدها بنصب ما قبلها، وأهم ذلك أدوات "الاستفهام، الشرط، العرض، التحضيض، لام الابتداء، ما: النافية" كما ترى في المثالين الأخيرين وفيهما يجب رفع الكلمتين "السلامة، الحق". ترجح النصب: السلامة ترجوها مع الإخلاص للحق والعمل به؟ السلامة لا ترجُها مع الإخلاص للحق والعمل به. ضَحَّيْتُ بالسلامة والحقّ نصرتُه. يترجح نصب "المشغول عنه" على رفعه في مواضع ثلاثة: 1- أن يجيء "المشغول عنه" بعد أداة يغلب أن يجيء بعدها الفعل، وأهم ذلك "همزة الاستفهام، ما: النافية، لا: النافية" كما ترى في المثال الأول، حيث يترجح نصب كلمة "السلامة" وإن كان الرفع جائزا. 2- ما جاء في "قطر الندى" من قوله: أن يكون الفعل المذكور فعل طلب -وهو الأمر والنهي والدعاء- كقولك: "زيدا اضربْه" و"زيدا لا تهنْه" و"اللهم عبدك ارحمْه" وكما ترى في المثال الثاني، حيث يترجح نصب كلمة "السلامة" فيه؛ لأن بعدها جملة النهي "لا ترجها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 3- أن يكون "المشغول عنه" مسبوقا بعاطف، وقبل العاطف جملة فعلية، إذ يحقق النصب التجانس في عطف جملة فعليّة على فعليّة، كما ترى في المثال الثالث، فإن كلمة "الحق" الأرجح نصبها، بفعل محذوف، فتكون جملة فعلية تقديرها "نصرت الحق نصرته" معطوفة على الجملة الفعلية قبلها "ضَحّيت بالسلامة". ترجّح الرفع: السعادة يحقِّقُها أن يعيش المرء في سلامٍ مع نفسه. يترجح الرفع في صورة الأصل التي تخلو من موجبات النصب والرفع ومن مرجحات النصب، ومما يسوّي بينهما -وسيأتي هذا الأخير- كما ترى في المثال السابق، إذ يترجح رفع الكلمة "السعادة" على نصبها. قال النحاة: لأنه الأصل، ولا مرجّح لغيره، وعدم الإضمار أرجح من الإضمار ا. هـ. ومعنى ذلك أن جعلها مبتدأ هو المتفق مع موضع الكلمة في الجملة ولا يستدعي تقدير محذوف كما في النصب، وهذا كلام وجيه!! استواء الرفع والنصب: السعادةُ تتحقَّقُ بسلام المرء مع نفسه والتعاسة يجلبها الأحمق لنفسه. جاء في "قطر الندى": وأما الذي يستويان فيه فضابطه أن يتقدم على الاسم -المشغول عنه- عاطف مسبوق بجملة فعلية مخبر بها عن اسم قبلها ا. هـ. فلنطبق ذلك على الجملة السابقة، إن الاسم "المشغول عنه" فيها هو "التعاسة" وهو مسبوق بعاطف هو "الواو"، وقبل "الواو" جملة فعلية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 697 هي الفعل "تتحقق" وفاعله الضمير المستتر، وهذه الجملة الفعلية مخبر بها عن الاسم "السعادة". حينئذٍ يصح نصب "المشغول عنه" وهو "التعاسة" بالفعل المحذوف فتتكوّن "جملة فعلية" تعطف على جملة الخبر السابقة "تتحقق والضمير المستتر" وكلتاهما فعليتان. كما يصح رفع "المشغول عنه" فيكون مبتدأ وما بعده خبر، فهي جملة اسمية تعطف على الجملة السابقة كلها "السعادة تتحقق بسلام المرء مع نفسه" وكلتاهما اسميتان، وكل من الوجهين يساوي الآخر بلا ترجيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 698 التنازع : 1- جملة التنازع وشروط تحققها. 2- رأي البصريين والكوفيين في توجيه العوامل المتنازعة. 3- ما تنفرد به "ظن وأخواتها" خاصة في التنازع. جملة التنازع وشروطها. لاحظ النصوص الآتية: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} . {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} . "تُسبِّحون وتُحمّدون وتُكبرون دبُرَ كلّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين". عُهدت مُغيثًا مُغْنِيًا من أجَرْتَه ... فلم أتّخذْ إلَّا فِنَاءَك مَوْئِلا جاء في "قطر الندى" نصا: ضابطه: أن يتقدم عاملان أو أكثر، ويتأخر معمول أو أكثر، ويكون كلٌّ من المتقدم طالبا لذلك المتأخّر ا. هـ. ومن هذا التحديد المركّز تفهم الصفات الواجب توافرها لتحقق التنازع، مما أفاضت فيها وفي تخريجها مطوَّلات النحو، وهي ما يلي: أ- أن تتقدم العوامل المتنازعة على ما تنازعت عليه، فلا يتوسط المتنازَع فيه بينها أو يتقدم عليها. ب- أن تكون العوامل المتنازعة مرتبطة لا متناقضة، ويحدث الربط بينها غالبا بالعطف أو مجيء المتأخر جوابًا للمتقدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 699 ج- أن تتجه العوامل المتنازعة للمفعول وبحيث يصح اتجاهها له لفظا ومعنى، وهذا أمر بدهي، وإلَّا فليس هناك تنازع. وبمراجعة النصوص السابقة كلها نجدها محققة لشروط التنازع ودليلا عليه ففي الآية الأولى الفعلان "آتوني، أفرغ" يطلبان "قطرا" مفعولا به، وفي الآية اسم الفعل "هاؤم: خذوا" والفعل "اقرءوا" يطلبان "كتابِيَه" مفعولا به، وفي الحديث الأفعال "تسبحون، تحمدون، تكبرون" كل منها يطلب الكلمتين "دبر، ثلاثا وثلاثين" الأولى ظرف مكان، والثانية نائبا عن المفعول المطلق، وفي البيت كل من اسمَي الفاعل "مُغِيثًا، مُغْنِيًا" يطلب اسم الموصول "مَنْ أجرْتَه" مفعولا به. توجيه العوامل المتنازعة: اختيار الكوفيين: استمع واهتدَوا الراغبون في الحق والخير. وصدَّ الكِبْرُ وأضلَّهم العنادُ الراغبين عن الحق والخير. فتمادَوا ثم أوغلوا فيهما في الشر والضَّلال. اختيار البصريين: استمعوا واهتدى الراغبون في الحق والخير. وصدَّ الكِبْرُ وأضلَّ العنادُ الراغبين عن الحق والخير. فتمادَوا ثم أوغلوا في الشر والضلال. لا خلاف بين البصريين والكوفيين في جواز إعمال أيّ العاملين أو العوامل المتنازعة متقدمة أو متأخرة، لكن الخلاف بينهما في الأحسن والأولى. جاء في أوضح المسالك: اختار الكوفيون إعمال الأول لسَبْقِه والبصريون الأخير لقربه ا. هـ. ويترتب على هذا الاختيار والمفاضلة ما يلي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 أولا: عند اختيار الأول -وهو رأي الكوفيين- يضمر في العوامل المتأخرة كل ما تحتاجه من ضمائر مرفوعة ومنصوبة ومجرورة. ثانيا: عند اختيار الأخير -وهو رأى البصريين- يضمر في العوامل السابقة ما تحتاجه من ضمير للرفع فقط -فاعل أو نائب فاعل- ويصرف النظر عما تحتاجه من ضمائر منصوبة أو مجرورة، راجع تطبق الرأيين على الأمثلة السابقة. ويقال في ترجيح رأي البصريين: إن رأيهم يتفق مع ما جاء في القرآن الكريم، ففي الآيتين اللتين بدأ بهما حديث الباب ما يشهد بذلك وهما: - {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} . العمل للثاني، ولو كان العمل للأول لأضمر في الثاني وقال: "أفْرِغْه". - {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} . العمل للثاني، ولو كان العمل للأول لأضمر في الثاني، وقال: "اقرءوه". ما تنفرد به "ظن وأخواتها": تفردت "ظن وأخواتها" بمسألتين في هذا الباب، والحق أنني هممت بتركهما لأنهما مما يطلق عليه "التمارين غير العملية" وهي مما صرف هذا المؤلف -النحو المصفي- النظر عنه في كل أبوابه، فذكرهما هنا، باختصار شديد، من باب التعرف على نمط من "الجهد الذهني" لا "الجهد اللغوي" فليقرأهما من أراد، وجهلهما لا يضر!!. المسألة الأولى: إذا كان التنازع في فعلين من باب "ظن" فأعْمِل الثاني واحتاج الأول منهما إلى منصوب يقع مفعولا ثانيا له، أضمرته مؤخرا ولا يحذف على مقتضى قاعدة التنازع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 لاحظ: خلتُ ما علمتُه وخلتُ رأيَك الصدقَ جملة الأصل خلتُ ما عملتُه وخلت رأيَك الصدقَ إياه "إيَّاه" أضمر مؤخرًا المسألة الثانية: إذا كان التنازع في فعلين من باب "ظن" فأعمل الأول واحتاج الثاني منهما إلى منصوب يقع مفعولا ثانيا له، وأدَّى إضماره إلى عدم مطابقته لما تنازع العاملان فيه، فإنه يجب إظهاره، ولا يضمر على مقتضى قاعدة التنازع، لاحظ: حسبتُ وحسباني الصديقين قادمين جملة الأصل حسبت وحسباني قادما الصديقين قادمين "قادما" اسم ظاهر لا ضمير قال ابن عقيل: ولا تكون المسألة -حينئذٍ- من باب التنازع؛ لأن كلا من العاملين عمل في ظاهر ا. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 702 الحكاية : 1- المقصود بالحكاية لغة ونحوا. 2- حكاية الكلمات: "الأسماء، الأفعال، الحروف". 3- حكاية الجمل: "مقول القول، العلم المركب الإسنادي، الجمل مطلقا". 4- الحكاية للنكرات بأداتي الاستفهام "أي، من". الحكاية: جاء في القاموس: حكَيتُ عنه الكلام: نقلتُه، وحكيت فلانا وحاكيته: شابهته وفعلت فعله أو قوله سواء ا. هـ. ويؤخذ من هذا النص أن اللفظ يقصد منه "النقل والمشابهة" وهذا المعنى روعي في تحديد الحكاية نحويا، فهي: إيراد اللفظ المسموع على هيئته من غير تغيير فيه، أو إيراد صفته بمحاكاته بلفظ آخر مماثل له في الإعراب والتذكير والتأنيث والإفراد والتثنية الجمع ا. هـ. فالحكاية إذن تتحقق في اللغة بطريقتين: الأولى: حكاية الكلمات والجمل بنقلها كما هي، وهذه كثيرة الاستعمال. الثانية: محاكاة لفظ سابق بلفظ مماثل له في الإعراب والنوع و العدد . وهذه لا تكاد تستعمل في اللغة، وهي التي اهتم بها النحاة. حكاية الكلمات: لاحظ إعراب الجملة: "أضاءَ نورُ الإسلامِ الضمائِرَ والعقول". أضاءَ: فعلٌ ماضٍ، مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. نورُ: فاعلٌ مرفوع بالضمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 703 الإسلامِ: مضافٌ إليه مجرور بالكسرة. الضمائرَ: مفعولٌ به منصوب بالفتحة. العقولَ: معطوف على "الضمائر" منصوب بالفتحة. هذا الإعراب السابق كلام عربي حكيت فيه كلمات الجملة كلها حين الإعراب بنقلها كما هي -بصورتها في الجملة- والحديث عنها في الإعراب فهذه الكلمات كلها -أسماء وأفعالا- في الإعراب مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة الحكاية، ومن ذلك قول أمية بن أبي الصلت لابنه: وسَمَّيْتَنِي باسم المُفَنَّدُ رَأْيُه ... وفي رأيِكَ التَّفْنِيدُ لو كنتَ تَعْقِلُ1 فإن "المُفَنَّدُ رأيُه" بمعنى "الأحمق" حكيت مرفوعة بالصورة التي كان يقولها ابنه العاق الطائش للناس عن أبيه، فهي في البيت "مضاف إليه" مجرورة بكسرة مقدرة منع منها حركة الحكاية. هذا.. وأكثر ما تحكى الكلمات في شرح النصوص الأدبية وفي الإعراب. حكاية الجمل: وقالوا: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين. يسمي المصريون أبناءهم "جَادَ الرَّبُّ" و"فَتَحَ الله". مكتوبٌ على خاتم النبيّ "محمدٌ رسولُ الله".   1 المفند رأيه: الأحمق، جاء في القاموس: فنده تفنيدا: كذبه وعجزه وخطّأ رأيه، والمفند الرأي: من يوصف رأيه بالكذب والعجز والخطأ، ولا يكون ذلك إلا للأحمق. يقول لابنه: لقد وسمتني بالحمق فسميتني "المفند رأيه" مع أن رأيك هذا هو الكذب والخطأ. الشاهد: في "المفند رأيه" إذ حكيت في البيت مرفوعة بالصورة التي كان يقولها الابن عن أبيه للناس، فهي مضاف إليه مجرورة بكسرة مقدرة منع من ظهورها حركة الحكاية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 704 تحكى الجمل في اللغة، فتنقل الجملة كما هي، وتأخذ الوظيفة النحوية التي يقتضيها سياق الكلام من "فاعل أو مبتدأ أو مفعول إلخ" ويكون إعرابها بحركة مقدرة منع من ظهورها صورة الحكاية التي نقلت بها الجملة، طبق ذلك على الأمثلة السابقة. هذا.. وقد استعملت الجملة المحكية في اللغة كالآتي: 1- بعد القول: وهذا موضع مطرد، وقد سبق شرحه في "ظن وأخواتها". 2- العلم المركب الإسنادي: وهذا مطرد أيضا، وقد سبق شرحه في باب الإضافة. 3- الجمل مطلقا: غير النوعين السابقين، إذ يمكن حكاية كل جملة إذا اقتضى الموقف ذلك، لكن أكثر ما نحتاج لحكاية الجملة حين الشرح الأدبي للنصوص وفي الإعراب. حكاية النكرات بالأداتين "أيّ، مَنْ": قال ابن هشام بالنص: أما في الاستفهام، فإن كان المسئول عنه نكرة والسؤال بـ "أيّ ومَنْ" حكي في لفظ "أي" وفي لفظ "مَنْ" ما ثبت لتلك النّكرة المسئول عنها من رفع ونصب وجر، وتذكير وتأنيث، وإفراد وتثنية وجمع ا. هـ. ومعنى ذلك أن يحاكي السائل النكرة المسئول عنها المتقدمة بهاتين في الإعراب والعدد والنوع، فتأتي كل منهما كما يلي: - أيّ، أيَّة، أيَّان، أيَّتان، أيُّون، أيَّات. - مَنُو، مَنَة، مَنَان، مَنَتَان، مَنُون، مَنَات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 705 فلنطبق ذلك على النموذج التالي ومن المفيد أن يعرف الفرق بين هاتين الأداتين ملخصا في الآتي: أ- أن "أيّ" يحكى بها العاقل وغيره، أما "مَنْ" فيحكى بها العاقل فقط. ب- أن "أيّ" تجيء في حالة وصل الكلام أو الوقف عليها، أما "مَنْ" فلا تجيء إلا مع الوقف عليها. ولا حاجة بنا بعد ذلك إلى الخوض في تفاصيل أكثر من هذه الطريقة فهي -كما سبق- لا تكاد ترد في نطقنا للغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 706 العدد : 1- الأعداد والمعدودات من حيث: "التذكير والتأنيث، الإفراد والجمع، الإعراب". 2- ملاحظات مهمة حول الفكرة السابقة، وتشمل: أ- تمييز الأعداد "3-9" بكلمة "مائة" مفردة استثناء من القاعدة. ب- تمييز الأعداد "3-10" بأسماء الجموع، بمراعاة مفردات الجموع المميزة. ج- استخدام أداة التعريف "أل" مع العدد المفرد والمضاف والمركب والمعطوف. 3- صياغة اسم الفاعل من الأعداد "2-10" واستعماله مع المساوي له والأقل منه. 4- صياغة اسم الفاعل من الأعداد "11-19" واستعماله مع المساوي له فقط. العدد مع المعدود: دعا النَّبيُّ إلى الإسلام في مكَّة ثلاثَ عشرةَ سنة. ثم قضى عشر سنواتٍ أخرى في المدينة. ومات عليه السلام عن ثلاثةٍ وستين عاما. العدد: يقصد به الكلمات المصطلح عليها في اللغة للدلالة على كميات الأشياء التي يرمز إليها الرياضيون بالأرقام الحسابية "ثلاث عشرة، عشر، ثلاثة وستين" في الأمثلة السابقة، وترمز لها الأرقام "13-10- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 707 63" مع ملاحظة أن اللغة تهتم بأسماء الأعداد نفسها لا رموزها الحسابية وهذا طبيعي، فاللغة كلمات لا رموز للكلمات. المعدود: ويطلق عليه أيضا "تمييز العدد" أو "تفسير العدد" وهو ما يوضح المقصود من "العدد" فيبين نوع الكمية التي تدل عليها أسماء الأعداد مثل "سنة، سنوات، عاما" في الأمثلة السابقة. هذه مقدمة ضرورية لوصف استعمال اللغة للأعداد والمعدودات من جهتين: أولا: حكم الأعداد من حيث التذكير والتأنيث بالنظر إلى المعدودات. ثانيا: حكم المعدودات من حيث الإفراد والجمع، وأيضا الإعراب بالنظر إلى الأعداد، وتفصيل الأمرين السابقين يتضح فيما يلي: 1- العددان "1-2": استعملتهما اللغة مذكرين للمذكر فيقال: "واحد، اثنان" ومؤنثين للمؤنث فيقال: "واحدة، اثنتان". وهذان العددان لا يستعمل معهما المعدود في اللغة العربية، فلا يقال: "واحد رجل" أو "اثنان شجر" بخلاف بعض اللغات الأجنبية، إذا يقال في الإنجليزية مثلا "One man" و"Two trees" أو "شجرة وشجرتان". 2- الأعداد "3-10" الأعداد المضافة: وهذه تخالف المعدود، فتذكر مع المؤنث، وتؤنث بالتاء مع المذكر أما المعدود فالأصل فيه أن يأتي معها وله الصفات الآتية "جمع مضاف إليه مجرور" تقول: "مثَّل فرقتَنا في اتحاد الكلية خمسة طلابٍ وثلاث طالباتٍ". وجاء في القرآن: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 708 3- الأعداد "11-19" الأعداد المركبة: هذه مكونة من عددين مركبين مبنيين على فتح الجزءين -ما عدا اثني عشر- يعامل الأول منهما "1-9" من حيث التذكير والتأنيث وهو مركب مع العشرة معاملته قبل هذا التركيب، بمعنى أن "1-2" يوافقان وأما "3-9" فتخالف، أما العشرة حين تركب مع هذه الأعداد، فإنها وهي مركبة توافق المعدود تذكيرًا وتأنيثًا. أما المعدود فإنه يأتي مع هذه الأعداد وله الصفات الآتية "مفرد منصوب على التمييز" تقول: "يتكونُ فريق الكرةِ من أحدَ عشرَ لاعبًا وفي وطننا من نوادي الدرجة الأولى حوالي خمسةَ عشرَ ناديًا". 4- الأعداد "20-90" أسماء العقود، الأعداد المتعاطفة: إذا استعملت هذه الأعداد وحدها "عشرون، ثلاثون، أربعون، خمسون، ستون، سبعون، ثمانون، تسعون" تسمى "أسماء العقود" ويستعمل مع كل منها الأعداد من "1-9" سابقة عليها، وتعطف عليها أسماء العقود، بأن يقال: "واحد وعشرون، اثنان وعشرون، ثلاثة وعشرون وهكذا" فتسمى هذه الأعداد "الأعداد المتعاطفة". وأسماء العقود لا تتغير تذكيرا وتأنيثا، أما الأعداد التي تسبقها مما يطلق عليه نحويا "النّيِّف" فإنها تذكر وتؤنث بحسب استعمالها قبل مجيئها مع أسماء العقود، بمعنى أن "1-2" يوافقان وأما "3-9" فتخالف. أما المعدود فإنه يجيء مع هذه الأعداد وله الصفات الآتية "مفرد منصوب على التمييز" تقول: "بعض الشهور العربية تسعةٌ وعشرون يوما وبعضها الآخر ثلاثون يوما، وتصل بعض الشهور الميلادية إلى واحد وثلاثين يوما". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 5- الأعداد "100-1000" العدد المضاف "أيضا": وهي الأعداد "مائة، ألف، مليون" وهذه لا تتغير تذكيرا وتأنيثا ويستعمل معها الأعداد "1-99" بحسب ما لها من حكم التذكير والتأنيث قبل استعمالها مع "المائة، الألف، المليون". أما المعدود فيأتي مع هذه الأعداد "مفردا مجرورا على أنه مضاف إليه" تقول "تضم الأمم المتحدةُ الآن حوالي خمس وعشرين ومائة دولة" وجاء في القرآن: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً} 1. ملاحظات حول ما سبق: اتضح من العرض السابق التصور العام لكيفية النطق بالعدد والمعدود منظورًا إلى الأول من جهة التذكير والتأنيث، ومنظورًا إلى الثاني من حيث الإفراد والجمع والإعراب، ولاستكمال هذا التصور يلاحظ الآتي: أ- سبق أن الأعداد من "3-9" تميز بجمع مجرور، ويستثنى من ذلك تمييز هذه الأعداد بكلمة "مائة" فإنها تبقى مفردة ولا تجمع، فيقال: "ثَلاثُمائة، أرْبَعُمائة، خَمسُمائة، سِتُّمائة، سَبْعُمائة، ثمَانُمائة، تِسْعُمائة" بالرسم السابق، فلا يقال فيها: "مئات" وهذا خلاف الأصل. ب- لاحظ الأمثلة الآتية: جاء في إحدى النشرات الجوية: ظلت الرؤية متعذرةً لمدة خمس ساعات. أصدر المطار خلالها ستة تحذيرات. وامتنع عن الإقلاع منه تسعُ طائرات. وارتفعتْ أمواجُ البحرِ ثمانيةَ أمتار تقريبا. وضلَّتْ به سبعٌ من سفن الصيد.   1 من الآية 14 من سورة "العنكبوت". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 710 إذا كان المعدود جمعا -أيّ جمع- فإنه يراعى في العدد من حيث التذكير والتأنيث مفرد هذا الجمع، وأدق ما يكون ذلك في الأعداد من "3-10" لأنها تخالف المعدود -كما سبق- ويمكن تطبيق هذه الفكرة على ما جاء في الأمثلة السابقة من "إحدى النشرات، خمس ساعات، ستة تحذيرات، تسع طائرات، ثمانية أمتار، سبع سفن". ج- دخول أداة التعريف "أل" ورد في اللغة كما يلي: - العدد المفرد مثل "واحد، اثنان" تتصل به "أل" في أوله، فيقال: "الواحد، الاثنان" وهذا بدهي. - العدد المضاف "ثلاثة إلى عشرة، مائة وألف" تجيء "أل" مع المضاف إليه، فيقال: "ثلاثة الأفدنة، عشرة الجنيهات، مائة المتر، ألف القطعة" وهذا أحسن الآراء فيه. - العدد المركب "أحد عشر إلى تسعة عشر" تجيء "أل" مع الكلمة الأولى منهما، فيقال "الثلاث عشرة دولة، الخمسة عشر طالبا" وهكذا. - العدد المعطوف "أسماء العقود المعطوفة على ما يسبقها من الأعداد" تجيء "أل" مع كلتا الكلمتين المتعاطفتين، فيقال "الثلاثة والعشرون، التسعة والتسعون" وهكذا. وقد نظم بعض العلماء ما سبق شعرا بقوله: وعددًا تريد أن تُعَرِّفا ... ف أل بجزءيه صِلَن إنْ عُطِفَا وإنْ يَكنْ مُركَّبًا فالأولُ ... وفي مضافٍ عكسُ هذا يُفعلُ صياغة "فاعل" من الأعداد "2-10". - ثانٍ، ثالث، رابع، خامس، سادس، سابع، ثامن، تاسع، عاشر للمذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 711 - ثانية، ثالثة، رابعة، خامسة، سادسة، سابعة، ثامنة، تاسعة، عاشرة للمؤنث. يصاغ من أسماء الأعداد "2-10" على وزن "فاعل" مذكرا مع المذكر، ومؤنثا مع المؤنث مستعملا في الجملة على الصور الثلاث التالية: الأولى: يأتي في الجملة وحده دون أن تأتي معه أسماء الأعداد على الإطلاق، فلنلاحظ الأمثلة: - ظهرت النتيجةُ وكان ترتيبي الثالثَ وترتيبُ صديقي العاشر. - كنت الأوَّل طوال السِّباق، وقرب النهاية أبطأْتُ فأصبحتُ الثانيَ. في هذه الصورة يقصد به وصف من هو له بمعناه فقط، ببيان ترتيبه العددي، ولا شيء غير ذلك، ويعرب الاسم بحسب ما يقتضيه سياق الكلام. الثانية: يأتي في الجملة مع أسماء الأعداد التي اشتق منها المساوية له في المعنى، لنلاحظ من النصوص: - العقادُ ثالثُ ثلاثةٍ أثَّروا تأثيرا عظيمًا في الفكر العربي الحديث. - من القرآن: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} . في هذه الصورة يقصد بالمشتق أنه واحد مما دل عليه العدد بعده ويعرب اسم العدد بعده على أنه "مضاف إليه" فهما معا "مركب إضافي". الثالثة: يأتي في الجملة مع أسماء الأعداد الأقل منه مباشرة، فلنلاحظ من الأمثلة: - إن فرنسا رابعة ثلاث دول عرفت أسرارَ الذرة. - كان الدينُ الإسلاميُّ ثالث اثنين من الأديان الكبرى لهداية البشر. في هذه الصورة يقصد بالمشتق إكمال العدد الأقل بعده إلى معناه، ولك في اسم العدد بعده أن تجره بالإضافة، فهما معا "مركب إضافي" ولك أن تنون المشتق، وتنصب اسم العدد بعده على أنه "مفعول به". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 712 صياغة "فاعل" من الأعداد "11-19": قرأت الجزءَ الثامنَ عشرَ من القرآن الكريم. كتبت نقدا على المقامةِ الخامسةَ عشرة للحريري. يصاغ على وزن "فاعِل" من المركبات "11-19" بمجيء الكلمة الأولى على وزن "فاعِل" مركبة مع كلمة "عشرة" وكلتاهما مبنيّتان على فتح الجزءين، وكلتاهما أيضا تذكران مع المذكر، وتؤنثان مع المؤنث. يقول ابن هشام: "الوصف المشتق على وزن "فاعِل" من الأعداد المركبة يفيد الاتصاف بمعناه بمصاحبة العشرة" ا. هـ. وهذا واضح تماما في المثالين السابقين من وصف "الجزء" بأنه "الثامن عشر" ومن وصف "المقامة" بأنها "الخامسة عشرة"، وهذا يتفق مع ذوق اللغة في الإفهام السهل الميسر. أما ما خاضت فيه مطولات النحو من استخدام المشتق من الأعداد المركبة لإفادة أنه بعض مما اشتق منه واستخدام طرق مجهدة لمركبات لا يستعملها غير النحاة، ففي رأيي -إن لم يجانبني الصواب- أن ذلك كله مما يطلق عليه "التمارين غير العملية" وينبغي صرف النظر عنه، فإنه لا ضرورة له ولا يفيد نطقا، ومن أراد الاطلاع عليه فليراجع آخر "باب العدد" في "شرح الأشموني". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 713 كنايات العدد : كم، كأيّنْ، كذا: 1- الفرق بين كنايات العدد وأسماء الأعداد. 2- وصف جملة "كم" الاستفهامية نحويا. 3- وصف جملة "كم" الخبرية نحويا. 4- وصف جملة "كأين" نحويا. 5- وصف جملة "كذا " نحويا. كنايات العدد: المقصود بكنايات العدد: ألفاظ جاءت بها اللغة تدل على عدد غير محدد قل أو كثر ا. هـ. فأسماء العدد التي سبقت دراستها محدودة الدلالة على العدد مثل "خمسة، عشرون، مائة". أما كنايات العدد مثل "كم، كأيّن" فتدل على عدد حقا، لكن أي عدد؟ إنه غير محدد، ولذلك أطلق عليها اسم "كنايات العدد" أو "رموز العدد" فحين تقول لصديقك: "كم يومًا بقيت في المصيف؟ " فإن معني "كم" السؤال عن عدد مجهول المقدار من الأيام، قد تكون الإجابة عنه من الصديق "يوما أو يومين أو عشرات الأيام". والألفاظ التي جاءت بها اللغة للكناية عن العدد ثلاثة هي "كم، كأيّن، كذا" وسيدرس كل واحد منها في جملته لوصفها بما يشمل اللفظ نفسه وتمييزه. كَمْ: الاستفهامية: كم كتابًا موجود بمكتبتك بالمنزل؟! وكم مرجعًا مقررٌ عليك في دراستك هذا العام؟ كم هدفًا عظيمًا تحقق لك في حياتك؟ وكم أملًا غاليًا عزّ عليك تحقيقه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 714 كم فرصةً اغتنمتها فغيَّرت مجرى حياتك؟ وكم فرصةً أضعْتَ، ثم ندمت؟ مع كم زميلًا تتعاونُ في مذاكرتك؟ وعلى كم مبدإٍ راقٍ تنظم هذه المذاكرة؟ تتكون جملة "كم: الاستفهامية" إجمالا مما يلي: أ- كم: وهي اسم استفهام مبني على السكون، ويقصد بها السؤال عن عدد مجهول المقدار، بمعنى "أي عدد؟ "، وتقع في موضع رفع أو نصب أو جر بالفهم الآتي: 1- تكون مبتدأ في محل رفع إذا جاء بعدها خبر مفرد، أو جاء بعدها فعل لازم أو فعل استوفى مفعوله. 2- تكون مفعولا به في محل نصب إذا جاء بعدها فعل متعد ولم يستوف مفعوله، حينئذٍ يتجه إليها، وتكون "كم" مفعولا به مقدما لهذا الفعل المتعدّي. 3- تكون في محل جر إذا سبقها حرف جر أو اسم تضاف هي إليه. ب- تمييز "كم" وهو الاسم الذي يجيء بعدها للسؤال عن مقداره العدديّ، ويكون منصوبا أو مجرورا بالفهم الآتي: 1- يكون مفردا منصوبا في حالة رفع "كم" أو نصبها أو جرها. 2- يجوز أن يكون مفردا مجرورا في حالة جرها بحرف الجر فقط. ج- بقية الجملة بعد "كم" وتمييزها: وهذه البقية قد تكون اسما مفردا أو فعلا لازما أو متعديا على ما سبق بيانه في إعراب "كم". حاول إذن -بعد هذا الشرح- معاودة النظر للأمثلة الثمانية السابقة لتحليلها نحويا تطبيقا على هذا الفهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 715 كَمْ: الخبرية: كم عالِمٍ شقيٌّ بعلمه، وكم جاهلٍ سعيدٌ مع جهله. كم فقيرٍ عفَّتْ نفسُه، وكم غنيٍّ زادَ جَشَعُه. كم صادقٍ كذّبَ الناس قولَه، وكم كاذبٍ صدّق الناسُ إفْكَه. كم ظَلَمَةٍ عَظَّمَ الغوغاء، وكم مظلومين أهانَ اللؤماء. يا صاحبي: من كم خطأٍ يجيء الصّواب، وعلى كم تجربةٍ يصحّ الحكم. تتكون جملة "كم: الخبرية" إجمالا مما يلي: أ- كم: وهي اسم مبني على السكون تفيد الإخبار عن الكثرة، بمعنى "كثيرٌ مِنْ"، وتقع في موضع رفع أو نصب أو جر بالطريقة نفسها التي سبق شرحها في "كم: الاستفهامية" فتكون مبتدأ أو مفعولا به أو مجرورة بالحرف أو بالإضافة. ب- تمييز "كم" وهو الاسم الذي يجيء بعدها للإخبار عن كثرته وهو مجرور غالبا بالإضافة، ويكون مفردا بكثرة وجمعا بقلة. جاء في الأشموني: إفراد تمييز "كم الخبرية" أكثر وأفصح من جمعه وليس الجمع بشاذ كما زعم بعضهم ا. هـ. ج- بقية الجملة بعد "كم" وتمييزها، وتأتي بالطريقة نفسها التي تأتي بها مع الاستفهامية. حاول بعد هذا الشرح النظر للأمثلة السابقة لتحليلها تطبيقا على هذا الفهم. كأيِّنْ {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 716 هذه الكلمة مكونة من ثلاثة أحرف هي الكاف والهمزة والياء المشددة المكسورة المنونة تنوين التنكير "كأيِّ" ولأن هذا التنوين لازم لها رسم أحيانا نونا ساكنة في آخرها، فكتبت "كأين" وكلا الرسمين قد جاء في كتب النحو وبصرف النظر عن الكلام الكثير حول تحليل أجزاء جملتها، فإن الذي خرجت به من تأمل استعمالها في القرآن -كما ترى في الآيات- ما يلي: أ- كأين: وهي اسم مبني على السكون، يفيد الإخبار عن الكثرة فهي بمعنى "كثيرٌ من" وتعرب مبتدأ في محل رفع. ب- تمييز "كأين": وهو الكلمة التي تأتي بعدها، ويكون مفردا مجرورا بحرف الجر "مِنْ". ج- بقية الجملة: وهي عادة جملة فعلية تقع في محل رفع خبر الكلمة "كأين". كَذَا: وصف أحد الجنود غارة جوّية بقوله: فجأة، هاجمتْنا كَذَا طائرةً معادية. وظلت تحومُ حولنا كذا دقيقة. ثم ألقت فوق مواقعنا كذَا وكذَا طنًّا من المتفجرات. أولا: الأصل في كلمة "كذا" أنها مكونة من حرف الجر "الكاف" ومن اسم الإشارة "ذا" فهي كلها جار ومجرور، تقول: "كثيرٌ من أهل مصر يتكلمون اللغة الفصحى ويفهمونها وكَذَا كلُّ البلاد العربية". ثانيا: قد ينسى هذا الأصل، فيستخدم المركَّب كله كناية عن غير العدد من الأفعال والأشياء سواء استعملت وحدها "كذا" أو جاءت مكررة "كذا كذا" أو معطوفا عليها "كذا وكذا". - جاء في الحديث: "يُقالُ للعبد يوم القيامة أتذكرُ يوم كَذَا وكذا فعلْتَ كَذَا وكَذَا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 717 فقد وردت في الحديث كناية عن أيام معينة أولا وعن أفعال معينة ثانيا. - جاء في تعليق لأحد الصحفيين "بعض الأطباء يقولون للمريض: عندك كذا وكذا بصراحة تامة". فهي في المثال كناية عن الأمراض والآلام التي لدى المريض. وفي هذا الاستعمال يكون لجملتها الخواص الآتية: أ- يسبقها كلام، فلا تأتي في صدارة الجملة، بل داخلها. ب- تبنى في كل صورها على السكون، وتحتل الوظائف النحوية المختلفة بحسب سياق الكلام، فتكون مبتدأ أو مفعولا به أو غيرهما. ثالثا: قد ينسى الأصل أيضا فيستخدم المركب كله كناية عن العدد سواء استعملت وحدها "كذا" أو مكررة "كذا كذا" أو معطوفه "كذا وكذا" وهذه هي المقصودة بالدراسة هنا كما ترى في الأمثلة التي بدأ بها الموضوع "في الصفحة السابقة". وحين يُكْنَى بها عن العدد يكون لجملتها الخواص التالية: أ- يسبقها كلام، فلا تأتي في صدارة الجملة، بل داخلها. ب- تبنى في كل صورها على السكون، وتحتل الوظائف النحوية المختلفة بحسب سياق الكلام، ففي الأمثلة السابقة جاءت في المثال الأول فاعلا، وفي الثاني نائبا عن ظرف الزمان، وفي الأخير مفعولا به. ج- تحتاج إلى تمييز بعدها، ويكون غالبا مفردا منصوبا. ومن شواهدها قول الشاعر: عِد النَّفسَ نُعْمَى بعد بُؤْسَاكَ ذاكِرًا ... كَذَا وكَذَا لُطْفًا به نُسِيَ الجُهْدُ1   1 الشاهد في البيت "ذاكرا كذا وكذا لطفا" فإن "كذا" استخدمت معطوفة كناية عن العدد، وتمييزها مفرد منصوب هو "لطفًا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 718 الفهرس : تقديم الكتاب أ-د محتوى الكتاب 1-2 القسم الأول: تمهيد لدراسة الجملتين الاسمية والفعلية "3-200" الكلمة والكلام "5- 18" معنى الكلمة 5 صور الكلمة العربية "معناها، علاماتها" 7 معنى الكلام 14 صور الكلام "حصرها في الجملتين الاسمية والفعلية" 17 الإعراب والبناء "19-121" أولا: الإعراب "19-95" تمهيد لدراسة الإعراب 19 أنواع الإعراب 22 الإعراب الأصلي والفرعي "24-87" معنى الإعراب الأصلي والفرعي 24 أبواب الإعراب الفرعي 26 الأسماء الستة "29-37" الأسماء الستة وإعرابها 29 عددها من استعمال العرب لها 30 الصفات العامة لإعرابها بالحروف 32 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 719 الموضوع الصفحة الصفات الخاصة بالكلمتين "ذو، فم" 35 الاسم الذي لا ينصرف: "38-53" العلاقة بين المنصرف وغير المنصرف 38 صفات ما يمنع من الصرف 39 عودة الممنوع من الصرف للإعراب الأصلي 51 صرف الممنوع من الصرف 51 منع صرف الأسماء المنصرفة 52 المثنى: "54-62" المثنى وكيفية إعرابه 54 صفات الاسم الذي يصح تثنيته 56 ما ألحق بالمثنى من الأسماء 58 جمع المذكر السالم: "63-70" جمع المذكر السالم وكيفية إعرابه 63 صفات الاسم الذي يجمع هذا الجمع 66 ما ألحق بجمع المذكر من الأسماء 67 جمع المؤنث السالم: "71-78" اسمه وكيفية إعرابه 71 ما يجمع هذا الجمع من المفردات 74 ما ألحق بجمع المؤنث من الكلمات 75 الأفعال الخمسة: "79-83" الأفعال الخمسة وكيفية إعرابها 79 اجتماع نون الرفع مع نون الوقاية 81 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 720 الموضوع الصفحة حذف نون الرفع لضرورة الشعر 82 المضارع المعتل الآخر: "84-87" المضارع المعتل الآخر وأنواعه 84 معنى المصطلحين "التعذر، الثقل" 84 كيفية إعراب المضارع المعتل الآخر 86 الإعراب الظاهر والمقدر: "88-95" تمهيد: في معنى الإعراب الظاهر والمقدر 88 الأسماء التي يقدر عليها الإعراب "90-95" المقصود بالأسماء الثلاثة "المقصور، المنقوص، المضاف لياء المتكلم" 90 المصطلحات الثلاثة "التعذر، الثقل، المناسبة" 91 إعراب الأسماء الثلاثة 93 ثانيا: البناء: "96-121" تمهيد لدراسة البناء 96 البناء في الأسماء: "99-107" أسباب بناء الأسماء 99 الأسماء المبنية 101 البناء في الأفعال: "108-117" بناء الماضي 108 بناء الأمر 110 بناء المضارع 113 البناء في الحروف 118 المحل الإعرابي للكلمات المبنية 120 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 721 الموضوع الصفحة تدريبات على ما سبق 122 النكرة والمعرفة: "130-195" أولا: النكرة: "130-132" النكرة وعلاماتها 130 ثانيا المعرفة: "133-195" تمهيد لدراسة المعرفة 133 الضمير: "135-148" معني الضمير 135 صور الضمير في اللغة 136 بين الاتصال والانفصال 142 نون الوقاية قبل ياء المتكلم 146 العلم: "149-155" معنى العلم 149 الاسم، الكنية، اللقب 151 المرتجل، المنقول 153 علم الشخص، علم الجنس 154 أسماء الإشارة: "156-164" المقصود بأسماء الإشارة 156 أسماء الإشارة 158 الحروف التي تأتي مع أسماء الإشارة 161 أسماء الإشارة مع حرف الخطاب 162 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 722 الموضوع الصفحة أسماء الموصول "165-185" معنى الموصول 165 أسماء الموصول المختصة 167 أسماء الموصول المشتركة أو العامة 172 صلة الموصول "الجملة، شبة الجملة" 180 عائدا الصلة "المذكور، المحذوف" 182 المعرف بالألف واللام: "186-194" "أل" المعرفة "العهدية، الجنسية، الاستغراقية" 186 "أل" غير المعرفة "الزائدة، لمح الصفة، الغلبة" 190 المضاف إلى المعرفة: 195 تدريبات على ما سبق 196 القسم الثاني: الجملة الاسمية "201-342" المبتدأ والخبر: "203-234" صورتا المبتدأ "ما له خبر أو مرفوع يغني عن الخبر" 203 ورود المبتدأ معرفة أو نكرة 207 صور الخبر "المفرد، الجملة، شبة الجملة" 211 روابط جملة الخبر بالمبتدأ 213 الإخبار بالزمان أو المكان عن اسم الذات واسم المعنى 215 تعدد الخبر 218 التطابق بين المبتدأ والخبر 220 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 723 الموضوع الصفحة الترتيب في جملة المبتدأ والخبر 223 الحذف في الجملة الاسمية 230 نواسخ المبتدأ والخبر: "235-336" تمهيد: معنى النسخ 235 "كان" وأخواتها: "237-260" أفعال الباب "عددها، شروطها، صورها" 237 ترتيب الجملة مع هذه الأفعال 246 التمام والنقصان 249 زيادة كان في الكلام 252 حذف "كان" مع اسمها 256 حذف نون "كان" 259 الحروف النافية الناسخة: "261-268" تمهيد لدراسة هذه الحروف 261 ما: الحجازية 262 لا: في لغة الحجازيين 265 لات: في اللغة المشتركة عامة 267 "كاد" وأخواتها: أفعال المقاربة: "269-283" أفعال الباب "اسمها، عددها، صيغها" 269 المعاني التي ترد لها هذه الأفعال "المقاربة، الرجاء، الشروع" 271 وصف الجملة التي ترد فيها هذه الأفعال 274 اقتران الخبر "بأن" أو تجرده منها 276 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 الموضوع الصفحة ما تختص به عسى "نوع كلمتها، شكل وسطها، استعمالها تامة" 279 "إن" وأخواتها "284-304" معاني الحروف الستة 284 ترتيب الجملة بعد هذه الحروف 286 كفها عن العمل 288 تخفيف النون المشددة لما جاءت في آخره 290 "لام الابتداء" في جملة "إن" المكسورة 298 همزة "إن" 299 "لا" النافية للجنس "305-316" نفي الجنس ونفي الوحدة 305 وصف الجملة التي ترد فيها 308 اسم "لا" المفرد، المضاف، الشبيه بالمضاف 308 تكرار "لا" 311 استعمال "ألا" في اللغة 314 حذف خبر "لا" 316 "ظن" وأخواتها "317-334" الأفعال التي تنصب المبتدأ والخبر "معانيها، صورها" 317 الإعمال والإلغاء والتعليق 227 إجراء القول مجرى الظن 232 "أعلم وأرى" وأخواتهما 335 تدريبات على ما سبق 337 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 725 الموضوع الصفحة القسم الثالث: الجملة الفعلية "343-528" إعراب الفعل المضارع: "345-395" تمهيد لدراسة إعراب المضارع 345 رفع المضارع 348 نصب الفعل المضارع: "352-374" الحروف الأصلية لنصب المضارع 352 إضمار "أن" وجوبا 361 إضمار "أن" جوازا 372 إضمار "أن" شذوذا 274 جزم الفعل المضارع: "375-395" الجزم في جواب الطلب 375 الحروف التي تجزم فعلا واحدا 377 ما يجزم فعلين من أدوات الشرط "وصف جملتها، أنواعها" 380 اقتران جواب الشرط بالفاء 384 العطف بين الشروط والجزاء أو بعدهما 386 اجتماع الشرط والقسم 387 الحذف في الجملة الشرطية 389 أدوات الشرط غير الجازمة 390 الفاعل: "396-409" معنى الفاعل 396 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 الموضوع صفحة الفاعل وعامله من حيث الذكر والحذف 397 عامل الفاعل من حيث الإفراد والتثنية والجمع 400 عامل الفاعل المؤنث من حيث التأنيث وتركه 402 الترتيب بين الفعل والفاعل والمفعول 406 نائب الفاعل: "410-417" جملة النائب عن الفاعل إجمالا 410 أغراض حذف الفاعل 411 ما ينوب عن الفاعل بعد حذفه 413 شكل الفعل المبني للمجهول 415 المرفوع بعد الوصف المشتق 417 ما ورد من الأفعال مبنيا للمجهول دائما 417 أساليب المدح والذم 418 المفعول به: 421 أسلوب الاختصاص: 423 الإغراء والتحذير: 425 المفعول المطلق: "427-434" تمهيد صرفي "المصدر وأنواعه وإفراده وتثنيته وجمعه" 427 المفعول المطلق 429 الصور اللغوية للمفعول المطلق 430 ما ينوب عن المصدر في المفعول المطلق 431 حذف عامل المفعول المطلق 432 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 الموضوع الصفحة ظرفا الزمان والمكان = المفعول فيه: "435-443" المصطلحات الأربعة "اسم الزمان، اسم المكان، المبهم، المختص" 435 المقصود بالظرف لدى النحاة 437 ما ينصب على الظرفية من أسماء الزمان والمكان 438 أهم المسائل التي تتعلق بالظرف "ما ينوب عنه، المتصرف وغيره" 442 المفعول لأجله: "444-448" معنى المفعول لأجله 444 ما يقع علة لغيره من حيث الجر والنصب 445 المفعول معه: "449-452" معنى المفعول معه 449 الاسم بعد "الواو" بين العطف والنصب على المفعول معه 451 الحال: "453-475" الحال لغة ونحوا 453 عامل الحال 455 صاحب الحال من حيث التعريف والتنكير 456 الحال من حيث التعريف والتنكير 459 الحال المبينة والمؤكدة 460 الحال المنتقلة واللازمة 462 الحال المشتقة والموطئة والجامدة 463 الحال المتفردة والمتعددة 465 الحال المفردة والجملة وشبه الجملة 469 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 الموضوع الصفحة مجيء الحال من المضاف إليه 472 ترتيب جملة الحال "إعراب: كيف" 473 حذف عامل الحال 475 التمييز: "476-481" التمييز لدى اللغويين والنحاة 476 بين الحال والتمييز 478 الأمور المبهمة وأنواعها 478 أساليب الاستثناء: "482-494" أسلوب الاستثناء وأجزاؤه 482 المصطلحات الأربعة "التام، الموجب، المتصل، المنقطع" 484 الاستثناء بالحرف "إلا" 485 المستثنى بالاسمين "غير، سوى" 490 المستثنى بالكلمات "خلا، عدا، حاشا" 492 "تكرارا ِإلا" 494 أساليب النداء: "495-522" تمهيد: النداء ونوع جملته 495 النداء على الأصل "496-506" حروف النداء 496 حذف حرف النداء 498 حذف المنادى 500 الأسماء التي تنادى 501 المنادى المضاف لياء المتكلم والمضاف إلى مضاف للياء 503 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 الموضوع الصفحة كيفية نداء الاسم المعرف بالألف واللام 505 أسلوب الاستغاثة: "507-510" معنى الاستغاثة 507 صور الاستغاثة 507 أسلوب الندبة: "511-514" معنى الندبة 511 صور جملة الندبة 512 أسلوب الترخيم: "515-522" معنى الترخيم 515 كيفية ترخيم المنادى 516 الترخيم لضرورة الشعر 522 تدريبات على ما سبق 523 القسم الرابع: ما يتعلق بالجملتين الاسمية والفعلية: "529-690" حروف الجر: "531-543" حروف الجر "عددها، الرأي في معانيها" 531 حروف الجر من حيث كثرة الاستعمال وقلته 533 حروف الجر وما تجره من الأسماء الظاهرة والمضمرة 535 زيادة "ما" مع بعض حروف الجر 539 حذف "رب" وبقاء عملها 541 حرف الجر الأصلي والزائد والشبيه بالزائد 541 الإضافة: "544-562" معنى الإضافة 544 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 الموضوع الصفحة ما يتجرد منه المضاف حين الإضافة 546 الإضافة اللفظية والمعنوية 548 الأسماء الملازمة للإضافة وما يجب أن تضاف إليه 451 الأسماء التي تضاف أحيانا وما تضاف إليه 557 أساليب التعجب السماعية والقياسية: "563-568" التعجب لدى اللغويين والنحاة 563 أساليب التعجب السماعية 564 صيغ التعجب القياسية 565 الصلة بين أجزاء صيغتي التعجب 567 التوابع الخمسة: "569-630" تمهيد: في معنى التوابع وأنواعها 569 النعت "الصفة": "571-585" معنى النعت 571 المعاني النحوية والبلاغية التي يفيدها النعت 572 النعت الحقيقي والنعت السببي 573 ما ينعت به 579 قطع النعت عن المنعوت 583 حذف النعت والمنعوت 585 التوكيد: "586-598" معنى التوكيد 586 التوكيد اللفظي والفرق بينه وبين التكرار 587 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 الموضوع الصفحة التوكيد المعنوي وألفاظه 590 توكيد الضمائر لفظيا 594 توكيد الحروف لفظيا 595 توكيد الضمير المرفوع المتصل بالنفس والعين 597 توكيد النكرة توكيدا معنويا 597 عطف البيان: "599-606" معنى عطف البيان 599 ما يفيده عطف البيان نحويا وبلاغيا 601 ما يتطابق فيه عطف البيان مع متبوعه 602 الموازنة بين عطف البيان والنعت والبدل 603 عطف النسق: "607-623" معنى عطف النسق 607 حروف العطف ومعانيها 608 العطف على الضمائر المختلفة 618 العطف في الأفعال 622 البدل: "624-630" معنى البدل 624 صورة البدل في اللغة 626 البدل والمبدل منه من حيث الإظهار والإضمار 629 عمل الأفعال في الجملة: "631-639" المصطلحات الأربعة "الناقص، التام، اللازم، المتعدي" 631 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 732 الموضوع الصفحة ما يتفق اللازم والمتعدي في أدائه في الجملة 632 الأفعال المتعدية مع المفعول به 633 النصب على نزع الخافض 636 الأسماء التي تقوم بعمل الأفعال "640-686" اسم الفعل: "640-648" اسم الفعل والغرض من استعماله 640 اسم الفعل باعتبار ما سمي به 641 اسم الفعل باعتبار صيغته 644 أهم صفات الجملة التي يرد فيها اسم الفعل 645 أسماء الأصوات: 647 المصدر: "649-656" معنى المصدر 649 المصدر الذي يقوم بعمل الفعل 649 صور استعمال المصدر في الكلام العربي 653 اسم المصدر والمصدر الميمي 655 اسم الفاعل: "657-661" اسم الفاعل وكيفية صياغته 657 صور استعمال اسم الفاعل في الكلام العربي 658 أمثلة المبالغة: "662-665" المقصود بأمثلة المبالغة 662 أوزان المبالغة وشواهدها 663 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 733 الموضوع الصفحة اسم المفعول: "666-668" اسم المفعول وكيفية صياغته 666 عمل اسم المفعول في الجملة 667 الموازنة بين اسمي الفاعل والمفعول 667 الصفة المشبهة: "669-676" معنى الصفة المشبهة 669 ألفاظ الصفة المشبهة بين السماع والقياس 672 جملة الصفة المشبهة وإعراب الاسم بعدها 674 أفعل التفضيل: "677-686" معنى اسم التفضيل 677 ما يصاغ منه اسم التفضيل 680 جملة اسم التفضيل وعمله النحوي فيها 682 تدريبات على ما سبق: 687 القسم الخامس: دراسة لأبواب خاصة في النحو: "691-718" الاشتغال: "693-698" الاشتغال وأركان جملته 693 إعراب المشغول عنه تفصيلا 694 التنازع: "699-702" جملة التنازع وشروطها 699 توجيه العوامل المتنازعة 700 ما تنفرد به "ظن وأخواتها" في التنازع 701 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 الموضوع الصفحة الحكاية: "703-706" معنى الحكاية 703 حكاية الكلمات 703 حكاية الجمل 704 حكاية النكرات بالأداتين "أي، من" 705 العدد: "707-713" العدد مع المعدود 707 صياغة "فاعل" من الأعداد "2-10" 711 صياغة "فاعل" من الأعداد "11-19" 713 كنايات العدد "714-718" معنى كنايات العدد 714 "كم" الاستفهامية: 714 "كم" الخبرية: 716 كأيِّن 716 كذا 717 الفهرس 719 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735