الكتاب: شرح اختصار علوم الحديث المؤلف: د. إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن اللاحم   [الكتاب مرقم آليا وهو مجموعة أشرطة مفرّغة] ---------- شرح اختصار علوم الحديث - اللاحم إبراهيم اللاحم الكتاب: شرح اختصار علوم الحديث المؤلف: د. إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن اللاحم   [الكتاب مرقم آليا وهو مجموعة أشرطة مفرّغة] الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فهذا درس ضمن الدورة العلمية التي ينظمها المكتب التعاوني بالدعوة والإرشاد بحي سلطانة بالرياض، في مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية. ومن حق القائمين -أو المنظمين لهذه الدورة- حقهم علينا أن نشكرهم، وأن ندعو لهم بظهر الغيب، وعلى رأس هؤلاء فضيلة الشيخ إمام هذا المسجد الشيخ فهد الغراب، فله جهد مشكور، نسأل الله -تعالى- أن يجعله في ميزان حسناته. ويسرني جدا أن أشارك الأخوة في هذه الدورة؛ لأستفيد أولا، ولعله -أيضا- يُستفاد مما أقوله، ودرس هذا اليوم -إن شاء الله تعالى- نبتدئ به في التعليق على كتاب الحافظ ابن كثير، الذي وَسَمَه بـ"اختصار علوم الحديث". علوم الحديث أو كتاب علوم الحديث أصله لابن الصلاح، الإمام المعروف، وابن الصلاح -رحمه الله تعالى- تولى تدريس مادة الحديث في إحدى مدارس دمشق، فرأى أن يُقدِّم لذلك بدروس تتعلق بمصطلح الحديث، أو بعلوم الحديث. ولكنه لم يجد كتابا مجموعا مهذبا مختصرا مرتبا مما أُلِّفَ قبله؛ فإن التأليف قبل ابن الصلاح كان على طريقة أئمة أهل السلف -رحمهم الله تعالى- وهو التأليف عن طريق الإسناد؛ يبوِّب العالم للموضوع الذي يريد بكلمة من عنده، ثم يسوق ما تحت هذا الباب من نصوص للعلماء. فرأى ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- أن يجمع هذا، ويهذبه، ويرتبه، ويجعله على شكل، أو على طريقة أنواع لعلوم الحديث، فصار يُحضِّر كتابه شيئا فشيئا، ثم يمليه على طلبته، فجاء الكتاب المعروف المشهور بـ"علوم الحديث"، وهو مشهور أيضا بـ"مقدمة ابن الصلاح". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 فهو مشهور بهذين الاسمين، وقد رأيت لبعض الباحثين -يعني كلاما- يقول فيه: إن اسم "مقدمة ابن الصلاح" هذا اخترعه بعض طابعي الكتاب، وهذا الكلام غير دقيق، ليس بدقيق، هذا الاسم الذي هو مقدمة ابن الصلاح -يعني- أُطلِقَ عليه من قبل، ورأيته في شرح الملا علي القاري، فمثل هذا الكلام -يعني- لم يتمعن فيه صاحبه. فالكتاب مشهور بـ"علوم الحديث"، ومشهور أيضا، اشتهر أخيرا عندنا جدا بـ"مقدمة ابن الصلاح". هذا الكتاب لما ألفه مؤلفه -رحمه الله تعالى- فرح به الناس في العالم الإسلامي كله، ويدلك هذا على أن العالم الإسلامي في ذلك الوقت بحاجة إلى كتاب مختصر مرتب، يقدم لهم علوم الحديث بأسلوب سهل، فلما خرج هذا الكتاب تلقاه العلماء بالقبول، فاشتغلوا عليه. اشتغل عليه العلماء، منهم من اختصره كالنووي، وابن دقيق العيد، وابن كثير، ومنهم من اختصر بعض مختصراته كالنووي مثلا، اختصر كتابه "المختصر"، وكالذهبي اختصر كتاب ابن دقيق العيد الذي هو … اختصره بالموقظة. ومنهم من نظمه مثل العراقي والسيوطي، ومنهم من وضع عليه نكتا وفوائد، واشتغل عليه الناس، بحيث يمكن أن يقال -يعني-: إنه من الكتب النوادر التي كثرت عليها المؤلفات. إذا كنا نعرف -مثلا- أن على صحيح البخاري -يعني- لصحيح البخاري -يعني- يقولون: أكثر من مائة شرح أو نحو ذلك، فإن كتاب ابن الصلاح -رحمه الله- ملحق بهذه الكتب التي كثر التأليف عليها، كَثُر، بلغ العشرات، كلها تدور حول كتاب ابن الصلاح، ومن هذه الكتب كتاب الحافظ ابن كثير الذي سندخل فيه -إن شاء الله تعالى- هذا اليوم. ابن كثير معروف عندنا، ليس بحاجة إلى التعريف، فهو -يعني- من العلماء المشهورين، ومن العلماء الذين وصفوا بالموسوعات، وما معنى كونه موسوعة؟ العالم ما معنى كونه موسوعة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 يعني: اشتغل بعدد من الفنون، فله الكتاب المشهور في التاريخ الذي هو "البداية والنهاية"، وله الكتاب المشهور في التفسير الذي هو "تفسير القرآن العظيم" المعروف. وأيضا في الحديث اشتغل بهذا الكتاب، وله الكتاب المعروف أيضا "جامع المسانيد"، وكتب في الرجال، في الجرح والتعديل، واشتغل أيضا بالفقه، وله كتاب "الأحكام الكبير". فهو من العلماء الموسوعات الذين اشتغلوا بعدة فنون، وصار إماما في كل فن، وهو -رحمه الله- عاش في القرن الثامن، ولد سنة إحدى وسبعمائة للهجرة، وتوفي سنة أربع سبعين وسبعمائة. وتتلمذ على أئمة فضلاء، من أشهرهم ابن تيمية -رحمه الله-، وأيضا المزي الذي كان له -لهذا الرجل الذي هو المزي- أثر كبير في عصره بالنسبة للسنة النبوية؛ لأنه -رحمه الله- ليس من العلماء الذين وصفوا بأنهم موسوعات، وإنما هو من الذين اشتغلوا بالتخصص، فليس له كتب، أو ليس له اشتغال إلا بالحديث. فتخرج به أئمة منهم: الذهبي، وابن تيمية، وجماعة. المهم أن ابن كثير تتلمذ على المزي، وتزوج أيضا بابنته، صاهره، وأيضا تتلمذ على الذهبي، وعلى أئمة كثيرين. هذا هو مؤلف هذا الكتاب. أما عمله في الكتاب، سنقرأ مقدمة، يعني: سنقرأ ماذا سيعمل في الكتاب، ولكن أحب أن أشير إلى نقطة مهمة في شخصية ابن كثير، وفي اشتغاله بعلم الحديث، وفي قيامه باختصار كتاب ابن الصلاح دليل عظيم على أهمية الاشتغال بعلم المصطلح، أو بعلوم الحديث. وعلوم الحديث إذا أُطلقت تشتمل على شيئين: الشيء الأول: ما يُعرف عندنا بمصطلح الحديث، مصطلح الحديث ما هو؟ معناه: معرفة مصطلحات أهل الحديث، فإذا قالوا كلمة، ماذا يريدون بها؟ ما معناها عندهم؟ فإذا قالوا -مثلا-: هذا الحديث مرسل. ماذا يريدون بها؟ إذا قالوا: هذا الحديث موصول. ماذا يريدون بها؟ إذا قالوا: فلان مدلس. ماذا يريدون بهذه الكلمة؟ إذا قالوا: هذا الحديث منكر. ماذا يعنون بمنكر؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 إذا قالوا: هذا الحديث -مثلا- مسلسل، هذا الحديث معلق، هذا الحديث منقطع، ماذا يريدون بهذه الكلمات؟ هذا هو مصطلح الحديث. وكذلك يضم علوم الحديث يضم جانبا آخر، أو تتضمن جانبا آخر، أو جزءا آخر، وهو المهم، وهو من الأمور المهمة، أو هذا الجانب هو الأمور المتعلقة بقواعد النقد، الأمور المتعلقة بالقواعد. يعني: مثلا نحن نقول -مثلا-: عندنا مصطلح تعارض الوصل والإرسال. نشرح كلمة تعارض، ونشرح كلمة وصل، ونشرح كلمة إرسال، هذا الأمر يتعلق بأي شيء؟ بالمصطلح أم بالقواعد؟ هذا الشرح يتعلق بالمصطلح، فيه جانب آخر، ما الحكم إذا تعارضا وصلا وإرسالا؟ فهذا الأمر يتعلق بالقاعدة، يعني: جانبا آخر، وهما جانبان متميزان. فإذا قيل: مصطلح الحديث. فالمراد به معرفة المصطلح ماذا يريد به أئمة الحديث؟ وعندنا جانب آخر، الذي هو جانب قواعد النقد، وطالب العلم أول ما يبتدئ به بأي النوعين؟ أول ما يبتدئ به، أو أيهما أسهلهما؟ بلا شك الجانب المتعلق بالمصطلح، ويبتدئ به الشخص، في كتب علوم الحديث مثل كتاب ابن الصلاح مخلوطة الأمور، ليس هناك شيء يقال له: هذا مصطلح، وهذا قاعدة، بس أنا -يعنى- أريد أن يتصور طالب العلم ما الذي يأخذه في هذا الفن. غرضي من هذا الكلام هو أن في شخصية ابن كثير -رحمه الله تعالى- دليل، واختصاره لكتاب ابن الصلاح، واشتغاله بفن المصطلح دليل عظيم على ضرورة الاشتغال بهذا العلم، وأن ما يقال من أن علم الحديث -الذي هو نقض السنة- من العلوم التي يقولون: طُبخت واحترقت. بعض العلماء قسم العلوم إلى ثلاثة أقسام: منها ما طُبخ ولم ينضج، فهو بحاجة إلى أي شيء؟ إلى مزيد طبخ. ومنها ما طُبخ ونضج، فهو بحاجة إلى أي شيء؟ إلى الاستفادة منه. ومنها ما طُبخ ونضج واحترق، وجعل من العلوم التي طُبخت ونضجت واحترقت علم نقد السنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 وهذا الكلام قاله غير متخصص، يعني: أطلقها كلمة واستعجل فيها، ونقده العلماء، لكن الشاهد ما هو هنا؟ انظروا إلى أثر علم مصطلح الحديث، أو أثر علوم الحديث على الحافظ ابن كثير، وعلى -يعني- المسلمين عامة في شخصية ابن كثير، ما الذي أريده هنا؟ نحن نعرف أن كتب التفسير ابتداء من الكتب الجوامع، مثل جامع البيان، ومثل تفسير ابن أبي حاتم، وهذه التفاسير التي جمعت كل شيء، كل ما قيل في التفسير بالمأثور، ثم تلتها كتب مثل: الثعالبي أو الثعلبي، وكتاب البغوي، والبيضاوي، كتب الزمخشري، وكتب في التفسير كثيرة جدا. من الأشياء التي اشتهرت بها هذه الكتب في العصور المتأخرة -بكل أسف- أنها محشوة بأي شيء؟ بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، ومحشوة -أيضا- داخلها موضوع خطير، وهو متعلق بأي شيء؟ بالإسرائيليات. ما هو الجديد في هذا الأمر؟ انظروا في نهاية القرن، أو في منتصف القرن الثامن يقوم إمام، ويقوم بجهد كبير جدا في سبيل تنقية علم التفسير من هذه الأمور التي دخلت عليه، من هو هذا الإمام؟ هو ابن كثير -رحمه الله تعالى-، هو ابن كثير، ونحن نعرف أن من أهم مميزات تفسيره نقده للمرويات، ولهذا: أولا: قام بحذف شيء كثير جدا من التفسير مما أُودع قبله من قبل ابن جرير وغيره. وثانيا: يورد بعض الأحاديث، وبعض المرويات، ثم يقوم بنقد هذه المرويات. نعم، بقي في تفسيره أشياء تحتاج إلى نقد، ولكنه -رحمه الله تعالى- قدم هذا الجهد، ما الذي جعله يقوم بهذا؟ ما الذي جعله يتولى هذا الأمر، أو يحس بهذا الأمر، أو يؤهل للقيام بهذا الأمر؟ إنما هو اشتغاله بعلوم الحديث، وأنت الآن خذ أي مؤلف -مثلا- تدرك لأول وهلة من قراءتك لكتابه إن كان مهتما بالتصحيح والتضعيف، أو كان غير مهتم بذلك، فهو يجمع ويستدل بأحاديث ربما تكون موضوعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 فالقول بأن الناس أو بأن الاشتغال بعلوم الحديث انتهى دوره، هذا كلام خطير لا ينبغي أن يُلْتَفَت له؛ فالناس في كل زمان بحاجة إلى رجال، وإلى علماء في كل فن، حتى لو كان انتهى هذا العلم، أو طبقت قواعده؛ لأن المستفتي أو السائل لو قال لك: ما حكم، أو هذا الحديث المروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما درجته؟ هل يمكن أن تقول له: ترى ابن معين تكلم فيه، اذهب وانظر ماذا قال؟ لا يمكن هذا، ولا يعرف هو ابن معين، ولا يعرف الكتب. إذن، الناس بحاجة إلى من يوجههم في كل فن، ومن هذه الفنون التي هم بحاجة إليها -ولاسيما في الوقت الحاضر- هو علم نقد السنة، أو علوم الحديث، ما نعرفه باسم علوم الحديث، ولا سيما في هذا الوقت الذي انتشرت فيه الكتب، وطبعت فيه، وسَهُل الوصول إلى الحديث في أماكنه، واطلعنا على شيء كثير من كلام العلماء، فهو بحاجة إلى مقارنة. العلماء يختلفون، والعلماء لهم مصطلحات، قد يقول الإمام: هذا حديث صحيح. ولا يريد به الصحة المطلقة، قد يقول: هذا حديث ضعيف. يريد من حديث هذا الصحابي، وقد يقول شيئا، ولا يريد به، يعني: كلامه مقيد. من الذي يستطيع أن يميز هذا من هذا؟ إنما هو المشتغل بنقد السنة. وقَلَّ، أو لا يخلو علم من علوم الشرع، أو من العلوم المتعلقة بالشرع -حتى العلوم اللغوية والنحوية- من الحاجة إلى علم مصطلح الحديث؛ اللغة، النحو، التفسير، الفقه، أصول الفقه. كل هذه العلوم محتاجة، أو يحتاج صاحبها إلى علوم الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 لا تستغربون أن يكون النحو بحاجة إلى علوم الحديث، نحن نعرف أنه قام بعض العلماء -رحمهم الله تعالى- من النحاة بتقعيد قواعد، أو بتأكيد قواعد مختلف فيها استدلالا بأي شيء؟ بالحديث. ولكن هذه الأحاديث التي استدل بها هي بحاجة إلى أي شيء؟ إلى نقد، وإلى تمييز ماذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن يتمعن قليلا في، أو من يقرأ في "فتح الباري" للحافظ ابن حجر سيجد نماذج من الاستدلال بالحديث في علوم، اترك علم الفقه، هذا واضح لا إشكال فيه، أو التفسير، تفسير مثلا نقل إلينا شيء كثير من التفسير بالمأثور هو -بلا شك- بحاجة إلى نقد. لكن العلوم الأخرى التي قد القارئ لا يتصور أنها بحاجة إلى علوم الحديث، علم اللغة، علم النحو، البلاغة، الأمثال، علوم كثيرة بحاجة إلى علم مصطلح الحديث. والآن -يعني- بعد هذه المقدمة، ندخل في الكتاب، والكتاب -كما هو معروف بالنسبة لهذه الدروس- يعتبر هو اختصار، ولكنه بالنسبة لهذه الدروس يعتبر أو يعد -يعني- ليس بالمختصر، ولهذا نحن بحاجة إلى التقليل من التعليق عليه؛ إنما أعلق عليه بما يُفْهَم، أو بتفسير كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-، وبما يتيسر، والقارئ أيضا سيسرع. نرجو من الأخوة المتابعة بسرعة، سيسرع القارئ، ولعلنا -إن شاء الله تعالى- نتمكن من إتمام هذا الكتاب، فهذا أمر مطلب مهم، نستعين بالله- تعالى- القارئ. نعم. تقرأ من قوله: "وهذا تنويع الشيخ أبي عمرو وترتيبه -رحمه الله-".. نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 ترتيب ابن الصلاح لأنواع الحديث بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: وهذا تنويع الشيخ أبي عمرو وترتيبه -رحمه الله تعالى-، قال: وليس في آخر الممكن في ذلك؛ فإنه قابل للتنويع إلى ما لا يُحْصَى، إذ لا تنحصر أحوال الرواة وصفاتهم، وأحوال متون الحديث وصفاتها. قلت: وفي هذا كله نظر، بل في بسطه هذه الأنواع إلى إعادة نظر، إذ يمكن إدماج بعضها في بعض، وكان أليق مما ذكره، ثم أنه فرق بين متماثلات منها بعضها عن بعض، وكان اللائق ذكر كل نوع إلى جانب ما يناسبه، ونحن نرتب ما يذكره على ما هو أنسب، وربما أدمجنا بعضها في بعض طلبا للاختصار والمناسبة، وننبه على مناقشات لا بد منها -إن شاء الله تعالى. هذا كلام ابن كثير -رحمه الله - فيه عدد من الأمور: أولها: ما ذكره أن ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- لما عَدَّدَ أنواع علوم الحديث ذكر أنها قابلة للزيادة، وأخذ بكلمته هذه بعض العلماء، فصار يزيد بعضهم في أنواع علوم الحديث، حتى وصل الحال، أو وصلت إلى الحافظ ابن حجر -رحمه الله-، فأوصلها الى مائة نوع. ابن الصلاح أوصلها الى خمسة وستين نوعا، وزاد عليها ابن حجر مما أخذه ممن قبله، زاد عليه كم من نوع يكون؟ خمسة وثلاثين نوعا، ولكنه لم نقف عليها هذه؛ لأنه وعد أن يذكرها في آخر كتابه "النكت"، ولم يتيسر له أن يتم هذا الكتاب، فذهبت هذه الأنواع التي وعد الحافظ بها. ابن كثير له رأي آخر في الموضوع، ابن كثير -رحمه الله تعالى- يقول: هذا التنويع لا حاجة له، والزيادة التي يقول بها ابن الصلاح لا حاجة لها، والأولى -يقول ابن كثير -رحمه الله تعالى-: أن يختصر ما ذكره من الأنواع؛ لأنه فَرَّقَ بين متماثلات، أو لأنه -يعني- ذكر أنواعا، وحقها أن يُدْمَج بعضها في بعض. ولكل من القولين -يعني- دليله، فابن الصلاح -رحمه الله - قصد التسهيل والتبسيط والمرور، قصد المرور على مصطلحات أهل الحديث، وإن كان بينها شيء من التداخل، وإن كان بينها شيء، قصد أن يوضح ماذا يريد علماء الحديث بهذا المصطلح، أو بهذه الكلمة، أو بهذا الفن، وإن -يعني- أدى ذلك إلى بسطها، وإلى تنويعها، وإن كان بعضها يمكن أن يُدْمَج في بعض. إذن، هذان رأيان، أخذ ابن كثير، والأمر في هذا، الخطب في هذا -كما يقولون-: سهل أو عسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 الخطب في هذا سهل؛ لأنها طريقة في التأليف، لكن من المهم جدا تنبيه ابن كثير هذا -رحمه الله تعالى-، يعني: نحن دائما ننبه عليه الذي هو تداخل بعض مصطلحات الحديث. التداخل هذا هو -يعني- يحتاج إلى وقت، وضرب أمثلة لكيفية التداخل، ربما يأتي معنا لاحقا -إن شاء الله تعالى-. ويضربون مثالا لذلك مثلا، يضربون مثالا لذلك بالمعلل مثلا، المعلل يقولون: هو كذا وكذا، ولكن ثم يقولون: المدرج المقلوب المزيد في متصل الأسانيد، يعدون أنواعا، هذه الأنواع تدخل في المعلل، تدخل في المعلل، فهذا الذي يريده ابن كثير، ولعله يأتي معنا مناسبة ننبه عليها -إن شاء الله تعالى. يقول ابن كثير - رحمه الله تعالى-: من المآخذ على كتاب ابن الصلاح أن ترتيبه للكتاب فيه شيء، ففرق بين متماثلات، وحقه أن يذكرها، أن يذكر بعضها إلى جنب بعض. ولهذا بهذا السبب اعتنى بعض العلماء، مثل السخاوي -رحمه الله- في كتابه "فتح المغيث" إلى بيان المناسبات، يعني: مناسبة هذا النوع أو هذا الموضوع من علوم الحديث للنوع الذي قبله اعتنى بهذا في كتابه فتح المغيث. ابن حجر -رحمه الله - وافق ابن كثير على أن ابن الصلاح -يعني- هناك ترتيب أفضل، ابن كثير لم يكن، هو يقول: نحن نرتب ما نذكره على ما هو الأنسب، وربما أدمجنا بعضها في بعض طلبا للاختصار وبالمناسبة، هذا الذي وعد به لم يقم به كثيرا؛ فقد تابع ابن الصلاح في تأليفه. ويقول بعض الشراح: لا ندري لم وعد ابن كثير بشيء، ولم يفِ به، يعني: لعله فيما بعد رأى أن الأنسب متابعة من؟ أن الأنسب متابعة ابن الصلاح -رحمه الله تعالى-. من الذي قام بإعادة الترتيب؟ من هو الذي قام؟ نقد ابن الصلاح، أولا اعتذر له، اعتذر لابن الصلاح لما هو مخل بالترتيب، قال: لأنه لم يؤلفه على طريقتنا كمؤلف، وإنما هو يجمع موضوعات، كلما تجمع له موضوع أملاه على الطلبة، فلهذا لم يخرج كتابه على الترتيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 من الذي تولى ترتيبه؟ أو إعادة ترتيب المصطلحات هذه؟ هو ابن حجر -رحمه الله-، ولهذا سَمَّى كتابه "نخبة الفِكَر" رتبه، أو أعاد ترتيب كتاب ابن الصلاح بطريقة ثانية. ولهذا أول ما تبتدئ بكتاب ابن الصلاح في الحديث الصحيح، وأول ما بدأ به ابن حجر بالنخبة هو تقسيم الحديث الى متواتر وآحاد، ثم الآحاد إلى مشهور وعزيز وغريب، ثم أخيرا -يعني- أو فيما بعد وصل إلى مبحث الصحيح. وهناك بعض المؤلفين في العصر الحاضر ساروا على طريقة ثالثة في الترتيب، ما أطيل بهذا. نعم. اقرأ النوع الأول. تقسيم الحديث إلى أنواعه صحة وضعفا النوع الأول: الصحيح تقسيم الحديث إلى أنواعه صحة وضعفا قال: اعلم -علمك الله وإياي- أن الحديث عند أهله ينقسم إلى: صحيح، وحسن، وضعيف. قلت: هذا التقسيم إن كان بالنسبة إلى ما في نفس الأمر فليس إلا صحيحا وضعيفا، وإن كان بالنسبة إلى اصطلاح المحدثين فالحديث ينقسم عندهم إلى أكثر من ذلك، كما قد ذكره آنفا هو وغيره أيضا. هذا من المناقشات على ابن الصلاح -رحمه الله- من قِبَل ابن كثير، ابن الصلاح ذكر أن الحديث ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف، فابن كثير -رحمه الله- يقول: الحديث في واقع الأمر في نفس الأمر ليس إلا صحيحا أو ضعيفا، وإن كنت تريد تقسيمه عند أهل الحديث فهو ينقسم إلى أكثر مما ذكرت، ولكن مثل هذه المناقشات -يعني- لا تُشْكِل كثيرا؛ لأن المقصود هو -يعني- ما تحت هذا التقسيم. والجواب عن ابن الصلاح أيضا سهل، ابن الصلاح يريد قسمة إجمالية، والأقسام الأخرى التي ذكرها تدخل تحت هذه القسمة الإجمالية، وهذا أمر معروف، كما تقول هذا الأمر ينقسم إلى ثلاثة أقسام، ثم تأتي إلى القسم الأول وتقسمه أيضا إلى أقسام، بل يعدون هذا ميزة في المؤلف إذ بدأ يتدرج من العام إلى الخاص، أو بعضهم يتدرج بالعكس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 فالمقصود أن هذه الاعتراض كثر على ابن الصلاح، بالمناسبة الاعتراض والنقد والجواب، وبعضها -يعني- بلا شك فيه فائدة، أو كثير منه فيه فائدة، ولكن بعضه من باب انتقاد إما التقسيم، أو انتقاد اختيار كلمة أو نحو ذلك، فهذا من هذا الباب. بقي أن نشير إلى أن ابن كثير -رحمه الله - يمكنه أن يعترض على ابن الصلاح بأن يقول: القسمة الإجمالية هذه أصلها -حتى عند علماء الحديث- إنما هي: إما صحيح، أو ضعيف، هذا حقه كان حقه أن يقول هذا، ولأن العلماء -رحمهم الله تعالى- كما نعرف في عصر النقد كلمة حسن ليست متداولة عندهم كثيرا، إنما يتداولون كثيرا إما صحيح وإما ضعيف. والجواب عن ابن الصلاح أيضا سهل في هذا؛ لأن ابن الصلاح - رحمه الله- أراد ما استقر عليه العمل عند أهل الحديث، فبلا شك قبل عصر ابن الصلاح بقليل، يعني: كان استقر العمل على تقسيم الحديث إلى كم من قسم؟ إلى ثلاثة أقسام: إلى صحيح، وحسن، وضعيف. فهذا ابن الصلاح يريد هذا الشيء. نعم. تفضل يا شيخ، اقرأ. الحديث الصحيح تعريف الحديث الصحيح تعريف الحديث الصحيح: قال: أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند، الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذا ولا معللا. ثم أخذ يبين فوائده، وما احترز بها عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ، وما فيه علة قادحة، وما في راويه نوع جرح. قال: وهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة، بلا خلاف بين أهل الحديث، وقد يختلفون في بعض الأحاديث لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف، أو في اشتراط بعضها كما في المرسل. هذا تعريف ابن الصلاح، هذا الكلام كله من كلام من؟ من كلام ابن الصلاح، إلى الآن ابن كثير ما تدخل في موضوع الحديث الصحيح، فالآن معنا تعريف عرفه ابن الصلاح -رحمه الله- بأنه: الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذا ولا معللا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 ذكر ابن الصلاح -رحمه الله- في تعريف الحديث خمسة شروط: أن يكون راويه عدلا. أن يكون ضابطا. أن يكون إسناده متصلا. ألا يكون الحديث شاذا. وألا يكون معللا. هذه خمسة شروط مشهورة في تعريف الحديث، أو في شروط الحديث الصحيح، وهي شروط غاية في الإحكام والدقة إذا طُبِّقَتْ، هذه الشروط وضعها علماء الحديث، أو أُخذت، بالمناسبة علماء الحديث -مثلا- لا تجد في كلام الإمام أحمد المشهور هذه خمسة أو كذا، ما يقولونه؛ لأنهم -رحمهم الله- اشتغلوا بأي شيء هم؟ بالتطبيق. فهذه الشروط أُخذت من عمل، من كلام مجمع لأهل الحديث، ومن عملهم -رحمهم الله تعالى-، من كلام لهم بأنهم يقولون: لا يؤخذ العلم إلا عن كذا وكذا وكذا، هذا في الرواة. ومن قولهم: إنه لا يحتج بالأحاديث المرسلة، أو نقدهم للأحاديث بالانقطاع. ومن قولهم: إن هذا الحديث شاذ أو منكر، ومن قولهم: إن هذا الحديث معلل إذا احتج عليهم به، أو إذا سئلوا عنه. فمن عملهم أُخذت هذه الشروط الخمسة، وهي -كما ذكرت- شروط محكمة دقيقة. قال ابن الصلاح -رحمه الله تعالى-: هذا الحديث أو هذه الشروط إذا توافرت في حديث حُكِمَ له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث، وهذا الكلام كلام صحيح. يعني: إذا توافرت هذه الشروط فالحديث صحيح بإجماع أهل الحديث. ثم ذكر شيئا مهما، كأنه يقول، أو كان قائلا له يقول ويسأل: إذا كان أهل الحديث اشترطوا هذه الشروط، فلم -انتبهوا لهذا السؤال، وهو سؤال مهم- إذا كانوا اشترطوا هذه الشروط لم يختلفون في بعض الأحاديث أنها صحيحة أو ليست بصحيحة؟ لم يختلفون؟ هذا سؤال عريض أو كبير، أجاب عنه ابن الصلاح. الجواب عنه هو قوله: "لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف". هذا سبب، ما معنى هذا السبب: "لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف"؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 يعني: معناه أن الإمام يأتي إلى هذه الشروط، فيجتهد في تطبيقها على الحديث المعين، فربما أدَّاه اجتهاده إلى أن هذه الشروط موجودة، فإذن يحكم بأي شيء على الحديث؟ يحكم بالصحة. وربما إمام آخر اجتهد، فرأى أن شرط الاتصال قد تخلف، فإن فلانا عنده هو لم يسمع من فلان، لِمَ عنده لَمْ يسمع من فلان، وعند الإمام الآخر قد سمع من فلان؟ هذا سؤال آخر، ويترتب عليه جواب آخر وهو أنه إثبات السماع مبني على أي شيء أيضا؟ على الاجتهاد والقرائن، فعملهم كله -رحمهم الله تعالى- مبني على الاجتهاد وإعمال القرائن. فالمقصود أن هذا الجواب لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف، قد يرى إمامٌ أن هذه الأوصاف موجودة في الحديث هذا، فيحكم بصحته، ويرى إمام آخر أنه قد تخلف شرط من هذه الشروط، قد يرى هذا الحديث معللا، ولا يراه الآخر معللا. وهذا باب واسع، أمر معروف اختلاف أهل الفن، هل يوجد فن اتفق أهله على كل قضاياه، أو ما يوجد؟ ما يوجد، نحن نقول دائما: حتى العلوم المادية، العلوم المادية، نحن نعرف أن علم الحديث علم مادي، أو علم نظري أو معنوي، بلا إشكال هذا علم معنوي مبني على القرائن، وعلى النظر، وعلى تجميع الأدلة، وعلى..، ليس علما ماديا، ليس أمامك مادة تفحصها، ومع هذا أهل هذه العلوم المادية بينهم اختلاف كبير. لو أخذت علم الهندسة، لو أخذت علم الطب، لو أخذت علم الفلك، هذه الأمور المحسوسة ستجد بينها اختلافا، فما بالك بالعلوم التي هي علوم معنوية بلا إشكال؟ وهذا أمر لا بد منه، يعني: هذه سنة الله في خلقه كما يقولون، ولولا هذا الاختلاف لذهب طعم العلوم، الاختلاف هذا هو الذي تظهر فيه نكهة العلم، هو الذي يتميز فيه العالم، يتميز فيه المجتهد، وإلا لتساوى الناس في العلوم لو كانت الأحكام الفقهية كلها معروفة مقننة، لم يظهر أن فلانا مجتهد، أو أنه متميز في الاجتهاد، أو في الفتوى، وهذه سنة الله، لا بد أن نتعامل معها بهذه الطريقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 فعلماء الحديث يختلفون، إذن علل ابن الصلاح سبب اختلافهم، والسبب الأول ما هو؟ اختلاف اجتهادهم في توافر هذه الشروط. ذكر سببا آخر، قال: "أو في اشتراط بعضها كما في المرسل". ما معنى هذا الكلام؟ الحقيقة هذا الكلام في شيء من، ما معناه. معناه ما هو؟ عبارة عن نقد للشروط الخمسة، يقول: إن بعضهم قد لا يشترط بعض هذه الشروط، والحقيقة أن هذا الكلام يحتاج إلى توثيق، نحن نقول لكل من يقول إنهم لا يشترطون، أو إن منهم أن لا يشترط بعض هذه الشروط، نطلب منه أن يسمي لنا هذا، يعني: ما وقفت على إمام قيل -مثلا- هو قال كما في المرسل -ما معنى كلامه- أن بعضهم يصحح الحديث وإن كان منقطعا. أليس هذا معنى كلامه؟ وهو معنى كلامه هذا. فإذن نقول: هذا الاختلاف -يعني- أو هذا السبب يعني فيه نظر، السبب الأول هو -يعني- بلا إشكال هو السبب الرئيس في سبب الاختلاف، وأما أن كون بعضهم لا يشترط بعض هذه الشروط من أهل الحديث. نعم، فيه من أهل الفقه وأهل الأصول من لا يشترط بعض هذه الشروط، لكن الكلام في اصطلاح من الآن؟ الكلام في اصطلاح أهل الحديث مجمعون على هذه الشروط، ولهذا السبب فإن الذهبي -رحمه الله- في "الموقظة" عبر عن التصحيح بالاحتجاج، قال: فإن كان مرسلا ففي الاحتجاج به اختلاف. وهناك فرق بين التصحيح وبين الاحتجاج، لا تلازم بينهما، لا أطيل بهذا، المهم نضيف سببا للاختلاف، نضيف سببا للاختلاف. إذن، السبب الرئيس ما هو الآن؟ الاجتهاد في تطبيق الشرط، تضيف سببا فقط تقول: ومن الأسباب الرئيسة في الاختلاف: الاختلاف في تحقيق الشرط، من المهم جدا هذا. ما معنى الاختلاف في تحقيق الشرط؟ يعني: مثلا لو أخذنا الشرط الأول، الذي هو الضبط، من العلماء من يشدد في الضبط، فلا يصحح إلا من هو في الدرجة العليا من الضبط، ومنهم من يتسامح في تحقيق هذا الشرط، فربما صحح لأناس من متوسطي الدرجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 إذن، هذا الاختلاف هل هو اختلاف اجتهاد في التطبيق، أو اختلاف في أصل الشرط ما هو؟ في أصل الشرط ما هو؟ مثل الاتصال؛ بعضهم يقول: لا أحكم بالاتصال إلا إذا ثبت لي أن فلانا قال: حدثنا فلان، وبعضهم يكتفي بالمعاصرة، هذا أمر معروف. إذن، هذا الاختلاف في أي شيء سببه؟ في تحقيق الشرط. إذن، هما سببان رئيسان في اختلاف العلماء في الحديث الواحد، إذا صححه بعضهم ولم يصححه البعض. السبب الأول: راجع إلى اختلافهم في تحقيق الشرط، بعضهم يشدد، وبعضهم ربما تسامح، وكذلك في الشذوذ، وفي العلل. السبب الثاني: ما هو؟ اختلاف في الاجتهاد في تطبيق هذه الشروط. وكل أسباب الاختلاف في الحقيقة ترجع إلى هذين السببين، كل الأسباب قد تتفرع، قد -يعني- مثلا نفصل في أسباب الاختلاف، لكن مع التفصيل فهي ترجع إلى هذين السببين: إما اختلاف في الاجتهاد في تطبيق هذه الشروط، وإما اختلاف في أصل الشرط، أو في تحقيق الشرط ما درجته. نعم. حاصل حد الصحيح قلت: فحاصل حد الصحيح أنه المتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله حتى ينتهي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو إلى منتهاه من صحابي أو من دونه، ولا يكون شاذا، ولا مردودا، ولا معللا بعلة قادحة، وقد يكون مشهورا أو غريبا، وهو متفاوت.. نعم. هذا أضافه ابن كثير -رحمه الله-، ما الجديد في كلامه على كلام ابن الصلاح؟ لو تأملناه وجدنا الجديد عنده هو أنه شرح كلمة "إلى منتهاه" يعني شرحها، ما المراد بـ"إلى منتهاه"؟ قد يكون منتهاه مَنْ؟ الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد يكون منتهاه الصحابي، وقد يكون منتهاه التابعي. قد يُشْكِل على هذا أنه العنوان، أو هم يقولون: تعريف الحديث الصحيح، فلان قال: أما الحديث الصحيح، فهل يطلق على كلام الصحابي وكلام التابعي أنه حديث؟ يطلق أو ما يطلق عليه أنه حديث؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 لا، حتى في اصطلاح أهل الحديث لا بد من معرفة هذا، أن كل هذا يسمونه حديثا، ما عندهم إلا هذه التسمية، حتى الموقوف، حتى المقطوع، فهذا أمر مهم، يعني: نعرفه. مثلا: لو أخذت كتابا للإمام أحمد، قال لك هذا الحديث، أو رويت عن فلان حديثين، ثم ساقهما، واحد من الحديثين قد يكون عن عكرمة من قوله، وقد يكون الآخر عن ابن عباس من قوله أيضا، لا تستغرب هذا؛ فإن الحديث كل ما ُرِوَي عندهم يطلق عليه أنه حديث. نحن نسميها ماذا؟ ماذا نسمي الموقوفات على الصحابة والتابعين في العصر الحاضر؟ أثر. هذا اصطلاح جاء فيما بعد، حتى أن النووي -رحمه الله- نسب هذا الاصطلاح في الأصل إلى فقهاء خراسان، وليس إلى محدثي خراسان، وإنما إلى فقهاء. ولكن هذا الذي نسبه إلى فقهاء خراسان استقر فيما بعد حتى وصلَنا في العصر الحاضر، تجد المؤلفين أو طلبة العلم يقول لك: هذا فهرس للأحاديث، وهذا فهرس لأي شيء؟ للآثار. يقصد بالأحاديث ما رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أما فيما روي بالآثار ما روي عن الصحابة والتابعين، أما في اصطلاح أهل الحديث فكله يسمى حديثا. وهذا الأمر -يعني- يحتاج بس فقط إلى بعض التنبيهات وضرب الأمثلة، ليس هذا وقته، ربما أشير إليه -أيضا- فيما بعد. ما الذي أضافه ابن كثير؟ أضاف قال: ولا يكون شاذا. أضاف بعدها، ماذا أضاف؟ ولا مردودا. ابن كثير -رحمه الله- بإيش تعلق عليه؟ تقول: هذه الكلمة لم يشرحها ابن كثير هنا، ولم يخصص نوعا لأي شيء؟ للمردود. لم يوضح مراده بهذه الكلمة التي زادها على ابن الصلاح، وما أدري ماذا يريد، لكن احتمال أنه يريد النكارة، احتمال يريد أنه بشرط ألا يكون الحديث مردودا، يعني: منكرا ترك العلماء العمل به وردوه، وإن كان ظاهر إسناده الصحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 يحتمل أن يكون يريد بهذا زادها على ابن الصلاح -رحمه الله-، زاد قوله: "ولا مردودا"، ولم يشرح المراد بالمردود لا هنا، ولم يخصص له نوعا أيضا، فيحتمل -والله أعلم- أنه يريد بالمردود المنكر، يعني: لم يرده الأئمة؛ لأن هناك من الأحاديث كما تعرفون وردت، ولكنها أنكرها العلماء -يعني- أنكرها العلماء، وربما، أو قالوا: هذا الحديث ليس عليه العمل، أو -يعني- نحو هذه الكلمات، وربما يأتي معنا -إن شاء الله تعالى- المنكر. زاد بعده، زاد أيضا على ابن الصلاح: "وقد يكون مشهورا أو غريبا"، هذا ليس من التعريف، هذا ليس من التعريف؛ وإنما هذا وصف كاشف مراد ابن كثير -رحمه الله-، وإن كان معروفا من كلامه، يعني: ظاهرا من كلام ابن الصلاح. هو يريد أنه يقول: لا يشترط بالحديث الصحيح أن يكون له أكثر من طريق، هذا قصده، فقد يكون غريبا، وقد يكون مشهورا. وسيأتي -إن شاء الله تعالى- شرح الغريب، وشرح المشهور -يعني- في أماكنها بحول الله وقوته. نعم. تفضل. اقرأ. مراتب الحديث الصحيح وهو متفاوت في نظر الحفاظ في محاله، ولهذا أطلق بعضهم أصح الأسانيد على بعضها، فعن أحمد وإسحاق، وأصحها الزهري، عن سالم، عن أبيه. وقال علي بن المديني والفلاس: أصلحها محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي - رضي الله عنه -. وعن يحيى بن معين: أصحها الأعمش، وعن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-. وعن البخاري: مالك، عن نافع، عن ابن عمر -رضي الله تعالى- عنهما. وزاد بعضهم: الشافعي، عن مالك؛ إذ هو أجل من روى عنه. نعم، هذا المقطع يتعلق، عنوانه مراتب الحديث الصحيح، هذه المراتب أنا أسألكم الآن بالنظر إلى إسناد الحديث، أو بالنظر إلى من أخرج الحديث؟ هم يقسمون مراتب الحديث بطريقتين، أو يجعلون مراتب للحديث بطريقتين: الطريقة الأولى: بالنظر إلى إسناد الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 والطريقة الثانية: بالنظر الى من أخرج الحديث، ويقولون -مثلا-: أعلى مراتبه ما اتفق عليه الشيخان، ثم ما أخرجه البخاري، ثم ما أخرجه مسلم، وهكذا. فهذا الترتيب الذي معنا هو أشار إليه ابن كثير إشارة بقوله: "وهو متفاوت في نظر الحفاظ في محاله". ما معنى: "في محاله"؟ يعني: في رواته، أو في الإسناد نفسه، فمن كلمة ابن كثير هذا نفهم أمرا مهما جدا لا بد من أن نضعه في أذهاننا أن الحديث الصحيح -بالنظر إلى أسانيده، وليس إلى من أخرجه- ليس على مرتبة واحدة؛ فمنه ما رتبته عالية، الحديث الصحيح قد يكون له طريق واحد فقط، وقد يكون له أكثر من طريق، وقد يكون له طريقان، ثلاثة، أربعة، خمسة، قد تزيد طرقه. وقد يكون الحديث الصحيح لم تتوجه إليه العلة أصلا، وقد يكون توجهت إليه علة، وإن لم تكن قادحة، وأمور أخرى توضح لك أن الحديث الصحيح على مراتب. هنا الآن -بالنظر إلى نفس الإسناد- العلماء -رحمهم الله تعالى- تكلموا في أصح الأسانيد، ماذا نأخذ من كلامهم؟ أن هناك أصح وصحيحا، وهذا هو مرادهم بهذا، أن هناك أسانيد بالدرجة العليا من الصحة، وأسانيد دونها، وأسانيد دونها أيضا. من العلماء من يقسم المراتب، قسمها الذهبي إلى ثلاث مراتب، وهي قابلة للتقسيم إلى أربع، أو إلى خمس: المرتبة الأولى: التي ذكرها ابن كثير -رحمه الله- هي المرتبة العليا، وهي أن العلماء -رحمهم الله تعالى- سئلوا واجتهدوا في الحكم على ما هو أصح الأسانيد في نظر هذا الإمام، وكلٌ أجاب بما توصل إليه اجتهاده، ونحن نعرف عندنا -أولا- ذكر ابن كثير -رحمه الله- الآن عددا من الأسانيد التي قال فيها العلماء: إنها أصح الأسانيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 هذا ذكره على سبيل الحصر، أو على سبيل التمثيل؟ على سبيل التمثيل ذكر هو مجموعة من الأمثلة أوصلها العراقي إلى ستة عشر، وأوصلها ابن حجر -رحمه الله- إلى عشرين، جمع منها عشرين إسنادا مما قال فيه عالم من العلماء أو أكثر من عالم: إن هذا الإسناد أصح الأسانيد. وتعرفون كتاب الحافظ العراقي "تقريب الأسانيد"، له كتاب اسمه "تقريب الأسانيد"، شرحه، ألفه -رحمه الله- لولده لكي يسهل عليه الحفظ، ثم شرحه بكتاب "شرح التقريب"، وأكمله ولده أبو زرعة. هذا الكتاب مبني على هذا العلم، أو على هذا الأمر، التي هي الأسانيد التي قيل فيها: إنها أصح الأسانيد، جمع الأحاديث المروية بستة عشر إسنادا قيل فيها: إنها أصح الأسانيد. ثم شرح هذه الأحاديث. فإذن، هذه هي المرتبة الأولى، وهي التي قال العلماء عن أسانيدها، أو قال عالم أو أكثر: إن هذا الإسناد إنه أصح الأسانيد، وهي أسانيد في الذروة -كما تسمعون الآن- لك مثلا الزهري عن سالم. من هو سالم؟ سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن أبيه عبد الله بن عمر. وعبد الله بن عمر صحابي معروف، وسالم هذا من كبار الفقهاء، هو أحد الفقهاء السبعة، وحافظ للحديث، والزهري الإمام المعروف. الإسناد الثاني محمد بن سيرين التابعي الجليل، عن عبيدة بن عمرو السلماني، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والذي بعده الأعمش الإمام المعروف، عن إبراهيم بن يزيد النخعي، عن علقمة. من هذا علقمة؟ ابن وقاص أو ابن قيس، أيهما أشهر؟ الأشهر ابن قيس، هذا فقيه مشهور من أصحاب عبد الله بن مسعود، أما علقمة بن وقاص فالذي شهره ما هو؟ أنه هو راوي حديث: ? إنما الأعمال بالنيات ? لكن الأشهر منه هو هذا علقمة بن قيس أحد كبار أصحاب عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه وأرضاه. ثم ذكرعن البخاري أنه أصح الاسانيد: مالك، عن نافع، عن ابن عمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وأيضا قال به أبو حاتم يقول لأبي زرعة: يا أبا زرعة، -نسيت العبارة- لكن يقول: ليس ذا زعزعة عن زوبعة، إنما هو ترفع السترة، فتنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالك، عن نافع، عن ابن عمر. وثوقا منهم بهذا الإسناد. ومنهم من يبدل مالكا بأيوب، ومنهم من يبدل أيوب بعبيد الله بن عمرن هؤلاء الثلاثة من كبار أصحاب من؟ نافع مولى ابن عمر. ونافع هذا -مولى ابن عمر- من الحفاظ الأجلاء، حتى قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى- فيما أذكر أنه يقول هذا: يقول العلماء: إنه لا يعرف له غلط، -يعني- وهذا من النوادر جدا أن يكون الإنسان لا يضبط عليه خطأ -يعني- متأكد منه. ومنهم من يذكر الأعمش عن إبراهيم، منهم من يذكر مكان الأعمش منصور بن المعتمر، عن إبراهيم. ومنهم من يذكر إسناد عبيد الله بن عمر، عن القاسم، عن عائشة. فهذه أسانيد من أصح الأسانيد. هذا موضوع متعلق بأصح الأسانيد، ولعلنا نكتفي بهذا اليوم -إن شاء الله تعالى-، وفي الغد وما بعده لعلنا نسرع أكثر، ويكون التعليق أخص من هذا، والآن إن كان فيه أسئلة؟ س: أحسن الله إليكم، السؤال الأول يقول: هل مجرد إيراد الحديث عند ابن حبان وابن خزيمة في كتابيهما يعد أنهما صححاه؟ ج:هذا الموضوع -إن شاء الله تعالى- لعلنا نرجئه؛ لأن ابن كثير -رحمه الله تعالى- سيتكلم على درجة أحاديث صحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان، لعلنا نصله في الغد -إن شاء الله تعالى. س: أحسن الله إليكم، يقول: ما صحة رواية عن عباس بن حكيم، عن أبيه، عن جده؟ ج: هذه ربما تأتي معنا أيضا، يجعلها العلماء، من العلماء من يضعفها، ومنهم من..، ولكن هي -يعني- جعلها العلماء في مرتبة الحديث الحسن، يعني لم يخرج منها البخاري ومسلم شيئا، وكلها في السنن، هي نسخة معروفة، نسخة بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 ومثل هذه النسخ التي -يعني- لم تصحح، أو -يعني- نزلت درجتها قليلا بسبب حفظ بعض رواتها، القاعدة فيها ما هي؟ سيأتي معنا -إن شاء الله- قاعدة في الحديث الحسن أذكرها، أشير إليها هنا أن مثل هؤلاء، أن أحاديثهم تحسن، أو ربما تصحح، لكن بشرط أن -يعني- لا يكون فيها تفرد في الحديث المعين، فإذا وقع فيها تفرد، يعني: حديث لا يروى إلا من هذا الطريق، فهذا هو الذي يقول مثلا هو الذي يتوقف فيه. يعني إذا قلنا -مثلا-: حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده في مرتبة الحسن، ليس معناه، أو حديث عمر بن شعيب عن أبيه عن جده في مرتبة الحسن، ليس معناه أن كل ما ورد بهذه النسخة فهو حسن، وأن هذا حكم إجمالي، حتى ما قيل فيه: إنه أصح الأسانيد، هذا الحكم تفصيلي أو إجمالي؟ قد يأتي حديث عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، ولا يكون صحيحا، فضلا عن أن يكون من أصح الأسانيد، هذا معروف يعني لا بد من..، ولهذا قالوا: ولا يكون شاذا ولا معللا، هذا أمر معروف نبهت عليه بهذه المناسبة. س: أحسن الله إليكم، وهذا السؤال جاء عن طريق الشبكة يقول: فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ذكرتم أن الذهبي -رحمه الله- عبر بالصحيح بالاحتجاج، وهناك فرق بينهما، فما هو الفرق -رعاكم الله؟ ج: هذا -يعني- ما أحببت أن أطيل به، لا بد أن نلاحظ أمرا مهما، وهو أن الاحتجاج لا يلازم الصحة، أو -نعم- ليس كل ما احتج به فهو في درجة الصحيح الذي أخذنا تعريفه، أولا سيأتي معنا الحديث الحسن، الحديث الحسن في أي مرتبة؟ يعني: يحتج به أو لا يحتج؟ يحتج به، كتب الفقه مليئة، سيأتي معنا -إن شاء الله تعالى-، فإذن، نأخذ من هذا أنه لا تلازم بين الاحتجاج وبين الصحة. الأمر الآخر: هو أن هناك درجة في الاحتجاج التي يسميها العلماء -يعني- الاستئناس، يعني: أنه ورد عنده قول صحابي، وورد عنده حديث منقطع مرسل، وورد عنده ظاهر آية، وورد عنده قياس خفي ليس جليا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 إذن، هذه أربعة أدلة مجموعها يحتج به، وإن كان قد يكون -مثلا- قد يكون واحد منها لو انفرد لم يصلح للاحتجاج. ومن هذا الباب ترى لا بد نفرق -يعني مثلا- أن بعض العلماء قد تجد إماما أورد حديثا ضعيفا مستدلا به، لكن لا بد أن تفتش ما الذي جعل هذا الإمام يحتج بهذا الحديث وإن كان فيه ضعف؟ ستجد -مثلا- ربما روي عن بعض الصحابة، فضمه إلى هذا الحديث، فاحتج به، بعض المراسيل -ننتبه لهذا- بعض الأحاديث المنقطعة وبعض المراسيل، وإن كان هذا الموضوع -يعني- يحتاج إلى بسط، لكن بعض المراسيل هي من القوة بحيث تكون ملحقة بأي شيء؟ بالحديث الصحيح. وإن كان لا يتوافر فيها شرط الحديث الصحيح. ولهذا يقول العلماء: إنها قوية، إسناد قوي، مثلا: رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، هو لم يسمع من أبيه. العلماء قالوا: إن هذه السلسلة منقطعة، ولكن قوّاها ابن المديني، قوّاها الطحاوي، قوّاها يعقوب بن شيبة. ما السبب؟ لأن الواسطة بين أبي عبيدة وبين أبيه في الغالب، أو هم من جنس علقمة الذي مر بنا، الذين هم أصحاب عبد الله، أصحاب عبد الله بن مسعود. فربما يحتج بها، وإن كانت ليست على شرط الصحيح، ولهذا لا تخرج مثل هذه السلسلة في الصحيحين، وهناك أمثلة لها لما يقويه العلماء، وإن كان منقطعا، فليس هناك تلازم بين الاحتجاج وبين الصحة، هذا الذي يعني.. س: الأخ -يا شيخ- يتطرق، يقول: من أول من قسَّم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف؟ ج: هو موجود في كلام العلماء -رحمهم الله تعالى-، تقسيمهم للحديث إلى صحيح وحسن -يعني- موجود في كلام البخاري، وكلام ابن المديني، وكلام الشافعي، أنه يصف بعض الأحاديث بأنها حسنة. لكن ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أطلق كلمة ووافقه عليها الذهبي، ووافقه عليها السخاوي وابن حجر -رحمه الله-، وهؤلاء فحول -يعني- ما يتركونها بدون نقد إلا ولها حظ من الصواب، حظ كبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 يقول ابن تيمية -رحمه الله-: إن أول من قسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف هو من؟ الإمام الترمذي. ومراد ابن تيمية، ليس مراد ابن تيمية أن الترمذي هو أول من أطلق كلمة "حسن"، ليس مراده هذا فيما يظهر؛ وإنما مراده هذا التقسيم، وأن الحسن قسم غير الصحيح وغير الضعيف. أما الأولون فيطلقون كلمة حسن، وربما كان الحديث في أعلى درجات الصحة، يعني: لم يتمخض عندهم مصطلح الحسن بشيء خاص به كما فعل به مَن؟ كما فعل به الترمذي. فالذي قسمه هذه القسمة الثلاثية، الذي كل واحد له تعريف هو مَن هو؟ الترمذي، هذا فصل الكلام في هذا الموضوع فيما أرى، يعني: بعض العلماء اعترض على ابن تيمية، بعض الباحثين، وصار يبحث في كلام للأولين، أطلقوا وصف ماذا؟ الحسن وهذا لا إشكال فيه، ما يمكن يخفى أصلا على ابن تيمية، قصدي ليس معصوما. ولكنه باطلاعه على كلام العلماء سيجد الأمر يسيرا أن يقف على أن إماما قال في حديث إنه حسن، ولكن مراده هذه القسمة الثلاثية التي كل قسم له خصائصه، وله يعني تعريفه، فهو الترمذي -رحمه الله تعالى-. س: أحسن الله إليكم، هذا السؤال -فضيلة الشيخ- أتى عن طريق الشبكة كذلك، يقول: أيهما أفضل أن يبتدئ طالب علم الحديث -أي: المصطلح- بنخبة الفكر، أم مقدمه ابن الصلاح؟ ج:هذا الموضوع يسأل الأخ عن الابتداء بأي شيء؟ من يريد أن يبتدئ بدراسة مصطلح الحديث، لا بأس الابتداء بمقدمة ابن الصلاح، ترى مقدمة ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- ليست من الطول، بحيث يكون فيها شيء -مثلا يعني- مثل ما نقول حواشي أو استطراد، ما فيها شيء من هذا، محكمة هي حقيقة … رغم أن العلماء قاموا باختصارها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 فمن أراد أن يبتدئ بها، إلا أنها فقط تحتاج إلى أن يبتدئ بها الشخص على شيخ يقرأ عليه، ويعني- يساعده على حل بعض كلماتها، فمن يبتدئ بمقدمة ابن الصلاح هذا -يعني- لأن قضية الابتداء هذه ليس فيها مثلا قاعدة لا تتخلف، فرب شخص ابتدأ بمقدمة ابن الصلاح، وانتفع بهذا، ولكن هناك قاعدة، يعني: توجيه عند العلماء أن الابتداء يكون بالأسهل أو الأصعب؟ الأسهل. فيبتدئ الشخص بالشيء -يعني- بكتاب مختصر، مثل النخبة مثلا، الأخ يسأل عن النخبة، أو مثل التقريب للنووي، يعني فهذه كتب مختصرة، أو الإرشاد للنووي، أو اختصار علوم الحديث، ثم يتدرج بعده إلى ما هو أعلى منه، هذا الذي يعني جواب السؤال. س: أحسن الله إليكم، يقول السائل: ألا يمكن القول أن الإمام مالكا -رحمه الله- لم يشترط الاتصال لكونه أخرج بعض المنقطعات بالموطأ، مع كونه اشترط فيه الصحة؟ ج: لا، هذا راجع إلى ما قلته قبل قليل، وهو أن الإمام مالكا ما اشترط الصحة، هو ما اشترط الصحة -رحمه الله تعالى-، من أين هذا؟ وإنما هو أورد في الموطأ ما يصلح للاحتجاج، ما يمكن أن يحتج به -رحمه الله تعالى-، أورد بعض الآثار، وبلاغات ومنقطعات، وهو ربما أخذ بها، يعني بالمناسبة العالم، العلماء السابقون -مع الأسف الشديد- خف عندنا هذا عندهم إجلال كبير للمأثور. الإمام إذا ورده نص مأثور عن صحابي أو عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى وإن كان فيه ضعف يسير يتهيبه، يتهيب أن يخالفه، وإذا كان لديه فتوى أو اجتهاد توصل إليه، ثم وافق كلام من سبقه فرح به، ونحن -أو كثير منا- يحب أن يبتكر، أما هم- رحمهم الله تعالى- فما هو فما هي رغبتهم، الاتباع أو الاختراع؟ الاتباع. هذا أمر مهم جدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- كان في ذهنه -يعني هذا ما أردده دائما- في ذهنه مسألة أن أقل الحيض أيامه عشرة، فكان -رحمه الله- يتهيب أن يقول هذا الكلام، يتهيبه، حتى جاءه حديث، ورد حديث عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا الحديث ضعفه علماء الحديث؛ لأنه من رواية شخص اسمه الجلد بن أيوب، وضعفوه واستنكروا عليه هذا الحديث، ولكن الشاهد ما هو؟ هو أن أبا حنيفة -رحمه الله- متى أفتى بهذا؟ أو متى أعلن هذا؟ بعد، فكانوا -رحمهم الله تعالى- عندهم إجلال كبير للمأثور، فما يريده مالك في الموطأ؟ هو يريد أن -يعني- أنه أخذ به، وأفتى على ضوئه، أو يعني، ولم يقل إن كل ما في الموطأ إنه -يعني- ما أدري من أين أتى السائل بقوله مالك إن كان في الموطأ صحيح. نعم. س: أحسن الله إليكم، السائل أفتى عليك -فضيلة الشيخ- قولك بكلمة مردود، يعني: لا يعمل به، حتى لو كان ظاهره الصحة، أرجو شرح هذه العبارة. ج: شرح هذه العبارة باختصار؛ حتى لا نطيل، وربما يأتي معنا -إن شاء الله تعالى- في المنكر هو أن الإسناد أحيانا يكون، وسيأتي معنا في درس الغد إن -شاء الله تعالى- هو أن الإسناد أحيانا يكون -إذا نظرت إلى رواته واتصال الإسناد- ظاهره الصحة، ولكن كم بقي علينا من شرط؟ شرطان خفيان، ما معنى كونهما خفيين؟ يعني: أنهما يحتاجان إلى أي شيء؟ إلى بحث، يعني: لا تعرفهما من ظاهر الإسناد، هذا معنى كلامه. فقد يكون الحديث ظاهر إسناده الصحة، ولكن بعد البحث والتفتيش ومقارنة الطرق قد يكون شاذا، وقد يكون منكرا، وقد يكون منكرا شاذا، وقد يكون معلولا. فهذا كلمة "مردود"، لعل هذا مراد ابن كثير -رحمه الله- أنه قد يكون ظاهره الصحة، يعني: العلماء قد استنكروه أو ردوه، وسيأتي معنا إيضاح هذا الأمر في أماكن لأهميته، وأيضا هو كرره، أو -يعني- مناسباته تتكرر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 س: أحسن الله إليكم. يقول: فضيلة الشيخ، ما هو الضابط العدل؟ وهل يشترط فيه السلامة من خوارم المروءة؟ وهل لهذا الاشتراط أثر في نقد الحديث عند أئمة الحديث؟ وكيف يعرف ضبط الراوي للحديث؟ وبم يكون ذلك عند أهل الفن؟ ج:هذه أسئلة، هذه موضوعها -يعني- عدد من الأسئلة كما تلاحظون، وهي موضوعها يدخل في دراسة الأسانيد، ودراسة الأسانيد الآن أصبح فنا مستقلا بذاته كما نحن نعرف في العصر المتأخر، كثر تفريع العلوم، ويعني -مثلا- استحدثت أقسام في الجامعات، هذا قسم للسنة، وهذا قسم للقرآن، وهذا قسم للجغرافيا. أصحاب قسم السنة ما هي مهمتهم الآن؟ هي تقسيم علمهم، فقسموه -أولا- إلى علم شرح الحديث، أو فقه السنة، موجود هذا في بعض الجامعات، وإلى علوم الحديث، نقد السنة. ونقد السنة مقسم أيضا إلى فروع منها: فرع دراسة الأسانيد، ودراسة الأسانيد أيضا ربما قسموه إلى جرح وتعديل، وإلى علل، وإلى -مثلا- تدليس، أو اتصال وانقطاع ونحو هذا. هذا الموضوع طويل، ولكنه من ضمن عند الأولين، أين نجده؟ في كتب ماذا؟ في كتب علوم الحديث، في كتب علوم الحديث، وستأتي معنا بعض هذه الأمور المتعلقة بالعدالة، وخوارم المروءة، وأثرها في التصحيح والتضعيف ربما. ولابن كثير كلمات -يعني- أو تنبيهات جليلة حول موضوع الجرح والتعديل. نعم. س: السؤال الأخير يقول، يستشكل عليك فضيلة الشيخ، ويقول: لماذا تركنا مقدمة ابن كثير؟ ج:تركناها؟ نعم. أين هي؟ أي نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 نعم، الأخ له أو سؤاله وتنبيهه له -يعني- وجاهته، يعني: كان من المفترض أن نبتدئ بالمقدمة؛ لأن المقدمة عادة يشرح فيها صاحب الكتاب ماذا يريد؟ وما شرطه؟ ولكن من باب اختصار الوقت دخلنا في موضوع الكتاب مباشرة، فمقدمة ابن كثير ذكر فيها، هي عبارة عن نصف صفحة ذكر فيها -رحمه الله تعالى- ماذا يريد، وأنه يريد أن يختصر كتابا في علوم الحديث، أو أن يؤلف كتابا، فوجد كتاب ابن الصلاح كتابا وافيا بالموضوع، ولكنه يحتاج إلى اختصار، فيعني جعل هذا وافيا بالغرض، فاختصره. ثم ذكر أنه سيضم إليه أشياء مما وجده في كتاب "المدخل إلى السنن"، كتاب "المدخل إلى السنن" هو للإمام البيهقي -رحمه الله تعالى-، جعله على شكل قواعد في علم مصطلح الحديث، قد يقرؤها القارئ قبل أن يقرأ في كتابه السنن. هذا ملخص ما ورد في مقدمة ابن كثير -رحمه الله تعالى-. سبحانك اللهم وبحمدك، نستغفرك اللهم ونتوب إليك، وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قبل أن نبدأ بدرس اليوم تنبيه خفيف على درس الأمس: أحد الأخوة سأل، يقول: إن الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- لما عرف الحديث الصحيح لم يعرف مفردات التعريف، أو لم يشرح مفردات التعريف، يعني: لم يشرح العدالة، والضبط، والمتصل، والشذوذ، والعلة. ونحن دائما في بداية تعريف الحديث، أو عند تعريف الحديث الصحيح نقول: إن كل علوم الحديث، أو -نعم- إن كل علوم الحديث عبارة عن شرح لهذا التعريف. من الآن فصاعدا عبارة المباحث التي سيذكرها، أو ذكرها ابن الصلاح، والتي سنأخذها -إن شاء الله تعالى- ولخصها ابن كثير هي عبارة عن شرح، حقيقة هي عبارة عن شرح وتوضيح لشروط الحديث الصحيح، والحكم إذا تخلف شرطـ وماذا يسمى، ومباحث تتعلق بذلك من قريب أو من بعيد. أول من اعتنى بجمع الصحيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 والآن يتفضل القارئ بالقراءة على، أو مما وقفنا عليه. نعم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال -رحمه الله تعالى-: أول من جمع صحاح الحديث: فائدة: أول من اعتنى بجمع الصحيح أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وتلاه صاحبه وتلميذه أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، وهما أصح كتب الحديث. والبخاري أرجح؛ لأنه اشترط في إخراجه الحديث في كتابه هذا أن يكون الراوي قد عاصر شيخه، وثبت عنده سماعه منه، ولم يشترط مسلم التالي، بل اكتفى بمجرد المعاصرة. ومن ها هنا ينفصل لك النزاع في ترجيح صحيح البخاري على مسلم، كما هو قول الجمهور، خلافا لأبي علي النيسابوري شيخ الحاكم، وطائفة من علماء المغرب. نعم هذا المقطع من كلام ابن كثير -رحمه الله- يتضمن ثلاثة أمور: الأمر الأول: أول من ألف في الحديث الصحيح. فذكر أن أول من ألف في ذلك هو الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، ثم مسلم بن الحجاج. وهذه الجملة لا إشكال فيها، فأول من ألف الإمام البخاري، ومشهور سبب تأليفه يقول: كنت مرة في مجلس الشيخ إسحاق بن راهويه -رحمه الله تعالى-، فألقى كلمة على طلابه، فقال: لو تصدى شخص بجمع الصحيح من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فوقعت هذه الكلمة في قلب البخاري، أو في نفس البخاري، فشرع في جمع صحيحه. وهناك سبب آخر، التي هي الرؤية التي رآها في المنام، ثم نسج على منواله تلميذه مسلم بن الحجاج. هذا لا إشكال فيه. ذكر بعد ذلك جملة ثانية، وهي أنه قال: "فهما أصح كتب الحديث". وهذا -أيضا- إجماع أن أصح كتب الحديث -بعد تأليف هذين الكتابين- هما هذان الكتابان: كتاب البخاري، وكتاب مسلم. ونحن نقول دائما: حقٌ على كل مسلم أن يترحم على هذين الإمامين، وأن يدعو لهما؛ فقد قاما بجهد كبير جدا لا يتصوره إلا من خبر كيفية الروايات، واشتغل بجمع الطرق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 البخاري -رحمه الله تعالى- يقال: إنه مكث في تأليف كتابه ستة عشر عاما، ولا عجب في ذلك. ومسلم -رحمه الله تعالى- في إحدى المرات كان يسوق طرقا لحديث، فتفنن في سوقها، وفي بيان متونها، في سوق الطرق، وفي بيان ألفاظ الحديث، ثم في أثناء ذلك -رحمه الله تعالى- ساق أثرا عن يحيى بن أبي كثير في أثناء هذه الطرق، وهو قول يحيى -رحمه الله تعالى-: "لا يُدْرَك العلم براحة الجسد". وذكر العلماء، شراح الحديث، شراح صحيح مسلم أن مسلما -رحمه الله تعالى- لما ساق الطرق، ويريد أن يبين للقارئ أن هذا لم يأتِ هكذا؛ وإنما أتى -يعني- كلفه شيئا كثيرا، وبمقارنة، ستأتي المقارنة الآن في كلام ابن كثير -رحمه الله تعالى- بين هذين الكتابين، وبين غيرهما من كتب السنة، ونعرف الفرق، فالبون شاسع جدا، وأقول: جدا، بلا تردد بين هذين الكتابين، وبين باقي كتب السنة من جهة انتقاء الأحاديث وصحتها. ثم ذكر جملة ثالثة، وهي الموازنة بين الكتابين بعد الاتفاق على، أو بعد تقرير أنهما أصح كتب السنة، رجع إلى الموازنة، أو دخل في الموازنة بينهما، فذكر أن صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم على قول الجمهور، بل يقال: إنه إجماع؛ لأن من نُسِبَ إليه ذلك، ذكر الحاكم -رحمه الله تعالى-، ذكر ابن كثير -رحمه الله تعالى- أبا علي النيسابوري شيخ الحاكم، ويقال -يعني-: إنه لم يبلغه صحيح البخاري. ويقول بعض العلماء: إن هذا بعيد، ولكن نحتاج إلى لفظ أبي علي ليعرف مراده بتقديم صحيح مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 أما ما يُنقل من بعض علماء المغرب، منقول عن ابن حزم وغيره، كلمات، لكنها -يقولون-: لا ترجع إلى الأصحية، فهم يفضلونه من جهة أخرى، وهي يعني كون مسلم -رحمه الله تعالى- جمع طرق الحديث الواحد في مكان واحد، بألفاظه ومتونه، واختلاف رواياته، فهذا -يقولون-: أسهل لطالب العلم، بينما البخاري -رحمه الله- فرق أحاديثه أو قطعها، وفرقها في الصحيح؛ لأنه اعتنى بأمر آخر، وهو الاستنباط من هذه الأحاديث، استنبط منها فوائد، بوب. وبذلك -يعني- يعتبر أو يعد كتابه مرجعا فقهيا، بالإضافة إلى كونه جامعا لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ذكر ابن كثير -رحمه الله تعالى- لماذا يرجح صحيح البخاري على صحيح مسلم؟ ذكر سببا واحدا، وهو يتعلق بأحد شروط الحديث الصحيح الذي مر بنا بالأمس، وذكرت كم من سبب، أو ذكرت سببين رئيسين لاختلاف العلماء في اشتراط الحديث الصحيح، ما هما هذان السببان للاختلاف في تصحيح الحديث؟ ما هما؟ نعم. الاختلاف اجتهاد، هذا واحد، والثاني الاختلاف في تقدير الشرط، هذا مثال له: يذكرون أن البخاري -رحمه الله تعالى- اشترط للاتصال أن يثبت أن الراوي قد سمع من شيخه، ولو في حديث واحد، بينما مسلم -رحمه الله تعالى- يكتفي بالمعاصرة، وأن يمكن لقاء بعضهم بعضا. وهذا الكلام هو الصحيح، مهما قيل في هذه المسألة أن هناك فرقا بين شرط البخاري في الاتصال، وبين شرط مسلم، وهذا مما جعل كتاب البخاري ترتفع منزلته -يعني- لهذا السبب، ولأسباب أخرى تتعلق بالشروط الأخرى للحديث الصحيح. تتعلق بالعدالة والضبط والشذوذ والعلل كلها، وهذا -يعني يقولون-: بسبب أن البخاري -رحمه الله تعالى- أمكن في الحديث من الإمام مسلم، وهذا لا يغب أبدا من قدر الإمام مسلم، فهذا للموازنة، يعني: عند الموازنة بين هذين الإمامين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 ولكن هما -رحمهما الله تعالى- كما تقدم كتاباهما أصح كتب السنة، وكما ذكرت المفاضلة جرى العلماء -رحمهم الله تعالى- على المفاضلة في أمور كثيرة -كما تعرفون- فاضلوا بين الملائكة وصالح، وإن كانت هذه المسألة -يعني- بعض العلماء يقول: ينبغي عدم الإكثار من الكلام فيها بسبب عدم وضوح الدليل. نعم. البخاري ومسلم لم يلتزما بإخراج الصحيح كله ثم إن البخاري ومسلما لم يلتزما بإخراج جميع ما يحكم بصحته من الأحاديث؛ فإنهما قد صححا أحاديث ليست في كتابيهما، كما ينقل الترمذي وغيره عن البخاري تصحيح أحاديث ليست عنده، بل في السنن وغيرها. نعم. هذه أو هذه الفقرة تتعلق بأمر مهم، وهو أن البخاري ومسلما -رحمهما الله تعالى- هل اشترطا؟ أو نترك الاشتراط، هل استوعبا جميع صحيح حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ هذه مسألة تعرّض لها هنا ابن كثير، وسيتعرض لها أيضا بعد قليل، فصل بالكلام، أو نعم فصل بالكلام عليها، أو بين الكلام على هذه المسألة بعدة أحاديث الكتابين. لكنه هنا جزم بأن البخاري ومسلم -رحمهما الله- لم يشترطا، أو لم يستوعبا جميع الأحاديث الصحيحة، واستدل على ذلك بأمر، وهو البخاري أو أنهما صححا أحاديث ليست في الكتابين، وذكر أن: الترمذي -رحمه الله تعالى- ينقل عن البخاري في العلل الكبير وفي أسئلته، ينقل عن البخاري تصحيح أحاديث ليست في صحيح البخاري، وهذا الكلام سيأتي، أنه يعني مسلم لا إشكال فيه، يعني أن هناك أحاديث صحيحة خارج الكتابين، نعم. عدد ما في الصحيحين من الحديث عدد ما في الصحيحين من الحديث قال ابن الصلاح: فجميع ما في البخاري بالمكرر سبعة آلاف حديث ومائتان وخمسة وسبعون حديثا، وبغير المكرر أربعة آلاف، وجميع ما في صحيح مسلم بلا تكرار نحو أربعة آلاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 هذه العدة عدة أحاديث الكتابين، ويظهر -والله أعلم- أن الذين يعني، ولا سيما بغير المكرر بالنسبة للبخاري، وكذلك بالنسبة لمسلم، المكرر وغير المكرر، الذين ذكروها، ذكروها على سبيل الجزاف، سبيل التقدير. يعني ولهذا لما اشتغل ابن حجر -رحمه الله تعالى- بالشرح اعتنى بعد أحاديث صحيح البخاري، فبلغت عنده بغير المكرر غير هذا الرقم، يعني دون الرقم دون أربعة آلاف بكثير، بغير المكرر بلغت الأحاديث عنده، المقصود بالأحاديث هنا الأحاديث الموصولة المسندة بلغت ألفين وستمائة وحديثين، بلغت ألفين وستمائة وحديثين، هذا بغير المكرر، أما بالمكرر فبلغت عنده سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعين حديثا، هذا ذكر ابن حجر -رحمه الله تعالى- هذا الرقم في مكان، وذكر رقما آخر في مكان آخر، ويعني هذا نعم ذكر في المقدمة في مقدمة "هدي الساري" رقما، وذكر في نهاية الكتاب رقما آخر. يعني اختلف عده بالنسبة للمكررات في صحيح البخاري، وترقيم الذين رقموا صحيح البخاري، الذين هم المستشرقون أو محمد فؤاد عبد الباقي، اسم المستشرقين اختلف عده أيضا عن عَدّ الحافظ ابن حجر، وسأذكر الآن السبب بعد قليل. بالنسبة لصحيح مسلم يقول: جميع ما في صحيح مسلم تكرار نحو أربعة آلاف، الترقيم الموجود الآن لصحيح مسلم بغير المكرر بلغ ثلاثة آلاف وثلاثة وثلاثين حديثا، إذن الفرق كبير، فكما ذكرت يظهر -والله أعلم -أنهم ذكروه، أو من ذكر العدة سابقا إنما ذكرها على سبيل التقدير، لكن هنا أمر مهم بس يعني نعلق على قضية العدة هذه، عد إذا أردت أن تعد مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم، هذا العد آلي أو يدخله الاجتهاد، العد واحد اثنان ثلاثة، ظاهرا أنه عمل آلي لا يدخله الاجتهاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 ولكن حقيقة هو يدخله الاجتهاد سواء بالتكرار أو بغير التكرار، ما معنى يدخله الاجتهاد؟ أن هناك أحاديث ربما عدها العاد واحدا، وربما يعدها عاد آخر،، يعد الحديث الواحد حديثين أو ثلاثة أو أربعة أيضا، والسبب أن بعض الأحاديث اشتملت علي رواية عدد من الصحابة للحديث الواحد، يعني القصة مثل حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ? نحن معاشر الأنبياء لا نورث، وإن ما تركناه صدقة ?. ومثل حديث: ? لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ? هذا حديث عائشة تضمن إقرار مجموعة من الصحابة، والحديث الأول رواه جماعة في نفس الحديث،. فيمكن للعاد وعند العلماء -رحمهم الله تعالى-. بالمناسبة هنا تعلقون أيضا، ما المقصود بالعدة؟ هنا حتى إذا قيل بغير المكرر. تقول المقصود بالعدة ليس المقصود بالعدة هنا هي المتون، يعني ليس في البخاري هذا العدد الذي هو كم بغير المكرر، ألفان وستمائة وحديثان، ليس المقصود المتون، وإنما الحديث الواحد. إذا رواه عدد من الصحابة مثلا حديث: ? من كذب علي ? حديث مثلا: ? النهي عن الحمر الأهلية ? رواه جماعة من الصحابة يبلغون العشرة، هذا كم يعدونه؟ عشرة يعدونه، يعدونه عشرة، فهذه العدة ليست بالمتون، المتون أقل من ذلك، وإنما هذا العدد مصطلح مهم. نحن نعرف يعني يكرر دائما أن العبرة بالمتن إذا قالوا الحديث، العبرة بالمتن، أو الصحابي في اصطلاح المحدثين، العبرة بالصحابي إذا قال مثلا لك مثلا إذا قال أحمد: صح في هذا الباب أربعة أحاديث خمسة أحاديث، عشرة أحاديث، المتن واحد الاختلاف، الاختلاف في الصحابي، فالمصطلح عندهم أن الحديث العبرة، أن العبرة بالصحابي راوي الحديث، نعم. الزيادات على الصحيحين الزيادات على الصحيحين، فقد قال الحافظ أبو عبد الله بن يعقوب بن الأخرم:.قلما يفوت البخاري ومسلم من الأحاديث الصحيحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وقد ناقشه ابن الصلاح في ذلك، وأن الحاكم قد استدرك عليهما أحاديث كثيرة، وإن كان في بعضها مقال، إلا أنه يصفو له شيء كثير. قلت في هذا نظر وأنه يلزمهما بإخراج أحاديث لا تلزمهما، لضعف رواتهما عندهما، أو لتعليلهما ذلك والله أعلم. نعم دخل الآن ابن كثير -رحمه الله- وسيطيل في قضية الزيادات على أحاديث الصحيحين، فقد ذكر أولا كلمة ابن الأخرم النيسابوري شيخ الحاكم، ماذا يقول هو؟ يقول -رحمه الله-: قلما يفوت البخاري ومسلم من الأحاديث الصحيحة، معنى هذا أن الأحاديث الصحيحة خارج الصحيحين قليلة أو كثيرة، تشبه أو لابن عبد البر -رحمه الله- كلمة تشبه هذه الكلمة، وإن كانت يعني أكثر تقييدا منها، ماذا يقول؟ هو يقول: كل حديث أصل في بابه لم يخرجه صاحب الصحيح إلا وفيه علة تمنع من تصحيحه، هذا معنى كلامه -رحمه الله تعالى- بماذا قيد إذن عدم الصحة؟ بماذا قيدها؟ بماذا قيد كلامه؟ بأن يكون الحديث أصل في بابه، ومعنى كلامه أنه توجد أحاديث صحيحة خارج الكتابين، ولكن في الكتابين ما يقوم مقامهم، هذا كلام من؟ كلام ابن عبد البر، بقية العلماء -رحمهم الله تعالى- على أن هذا، يعني فيه شيء من المبالغة، وأنه يوجد شيء كثير من الأحاديث الصحيحة خارج الكتابين، وهذا الكلام مسلّمٌ به ولكن، سنقيده بعد قليل بقضية شرط البخاري ومسلم. نفرق بين الحديث الصحيح الذي هو خارج الكتابين وبين ما هو على شرطهما مما هو خارج الكتابين، ابن الصلاح -رحمه الله- لما جاء يناقش ابن الأخرم في قوله إنه قلما يفوت البخاري ومسلم من الأحاديث الصحيحة، ناقشه بقضية وجودية، يعني هو قال: عندنا المستدرك في الحاكم رغم ما فيه من خلل، إلا أنه يصفو له الكتاب في كم مجلد؟ في أربعة مجلدات كبار، وطبعت طبعات، لكن الطبعة الأولى له في أربعة مجلدات كبار، كثيرة الأحاديث فيه كثيرة جدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 ويقول هذا كلام ابن الصلاح، يقول: إنه يصف له شيء كثير مما هو صحيح، فإن كلام ابن الأخرم الآن منقوض، وهذا كلام ابن الصلاح، عقب عليه ابن كثير بأي شيء؟ قال: في هذا نظر، فإنه يلزم صاحبي الصحيح، يلزمهما إخراج أحاديث لا تلزمهما، لماذا لا تلزمهما؟ يقول: لضعف رواتها عندهما، أو لتعليلها أو لتعليلهما ذلك، إذن الآن ابن كثير -رحمه الله تعالى- يتكلم على الصحة، أو على صوت البخاري ومسلم نقد عليه بشرط البخاري ومسلم. ويقولون أن ابن الصلاح لم يرد هذا، وإنما يريد الحديث الصحيح، بغض النظر عن كونه على شرط البخاري ومسلم، فإن هذه المناقشة من جهة الحاكم نتركها الآن؛ لأنها ستأتي بعد قليل، يعني بأطول من هذا، لكن الكلام الآن في قضية وجود أحاديث صحيحة في مستدرك الحاكم ليست في الصحيحين، فابن الصلاح يقول موجود هذا، ولم يذكر أنها على شرطهما. ابن كثير نقد عليه بأن يخرج أحاديث يدعي أنها على شرطهما، وهي ليست كذلك، كلام ابن كثير صحيح كما سيأتي، ولكن أيضا هذا لا ينقد كلام من؟ كلام ابن الصلاح؛ لأن ابن الصلاح لم يقل هذه الأحاديث على شرطهما، ونعم الآن سيدخل الآن ابن كثير -رحمه الله تعالى- مظان الزيادة من الحديث غير كتاب الحاكم المستدرك، نعم. مصادر الأحاديث الصحيحة المستخرجات وقد خرجت كتب كثيرة على الصحيحين، يؤخذ منها زيادات وأسانيد جيدة، فصحيح أبي عوانة وأبي بكر الإسماعيلي والبرقاني، وأبو نعيم الأصفهاني وغيرهم، وكتب أخرى التزم أصحابها بصحتها كابن خزيمة وابن حبان البسطي، وهما خير من المستدرك بكثير، وأنظف أسانيد ومتونا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 نعم، هذه مصادر الأحاديث الصحيحة، ذكر ابن كثير -رحمه الله تعالى- الآن نوعين من المصادر، ذكر النوع الأول وهي المستخرجات، فذكر أو مثل بأربعة من هذه المستخرجات، مستخرج أبي عوانة على صحيح مسلم، مستخرج أبي بكر الإسماعيلي على صحيح البخاري، ومستخرج البرقاني عليهما، ومستخرج أبي نعيم الأصفهاني، المستخرجات ماذا يقصد بها؟. باختصار هي، المستخرج هو: كتاب يؤلف على كتاب موجود، على كتاب سابق من كتب السنة، يخرج المؤلف الجديد أحاديث الكتاب السابق بأسانيد بنفسه له هو، لا يمر بها على صاحب الكتاب، ويلتقي معه إما في شيخه، أو في شيخ شيخه، وربما لم يلتقي معه إلا في من؟ في الصحابي، يعني بحسب ما يقف عليه وبحسب رواياته هو، وربما لم يجد ما يلتقي، لم يجد له طرقا يلتقي فيها مع،، أو يتجاوز فيها صاحب الكتاب، فيسوقه منة طريق صاحب الكتاب أو يدعه، هذه المستخرجات. وقد ولع بها المؤلفون في عصر الرواية، حتى مثلا في صحيح مسلم أحاديث يسيرة، راوي الصحيح عن الإمام مسلم الذي هو أينعم راوي الحديث الإمام مسلم بعد أن يسوق مسلم الحديث، يسوق هو إسنادا لنفسه يتجاوز فيه مسلم، يعني لا يمر به على مسلم، وإنما يمر به على شيخ مسلم، أو يلتقي معه في الشيخ، أو يعني أحاديث السيرة، وموجودة أكثر منها في سنن ابن ماجة، يقل فيها راوي سنن ابن ماجة عنه. قال أبو الحسن: حدثنا فلان فيسوق إسناد بنفسه ولهم أغراض فيه، ثم بعد ذلك صار فنا، الاستخراج صار فنا، وألفت كتب مستقلة منها على سنن ابن داود، وعلى سنن الترمذي، ولكن أكثر المستخرجات على صحيحي البخاري ومسلم، أكثر المستخرجات ولهم أغراض وفيها فوائد، تكلم عليها العلماء -رحمهم الله تعالى- لكن المقصود هنا هو كلام ابن كثير -رحمه الله-، أراد أن يبين أن في هذه المستخرجات زيادات، من أين تأتي الزيادات؟ وهم يخرجون متون الصحيحين. من أين تأتي الزيادات؟ تأتي من جهتين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الجهة الأولى: أن المخرج هذا أو المستخرج له طريق غير طريق صاحب الصحيح، فالحديث ربما ساقه صاحب الصحيح مختصرا؛ لأن شيخه رواه له كذلك، أو هو اختصره، فصاحب المستخرج ساقه بتمامه، وربما صاحب الصحيح لم يسقه أصلا، نحن نعرف أن مسلم ساق جميع ألفاظ الطرق، أو ساق بعضها، والبخاري كذلك ساق بعضها، والباقي يقول، ماذا يقول؟ بنحوه، بمثله، فصاحب المستخرج يسوق المتن كاملا. وهناك جهة ثانية للزيادات: هما أنه بعض المستخرجين يسوق أحاديث في الباب مستقلة. من باب زيادة، هذه ليس على شرط الاستخراج، وإنما يسوقها من باب الفائدة، إذن يوجد، يقول ابن كثير -رحمه الله تعالى- في هذه المستخرجات، وهذا الكلام صحيح، يوجد في هذه المستخرجات أحاديث صحيحة أو زيادات صحيحة على الصحيحين. لكن نقيد هذا أو سيقيده ابن كثير فيما بعد، سيقيده ابن كثير -رحمه الله تعالى- وهو أنه لا بد من النظر في أسانيد هذه الزيادات وهذه الأحاديث التي في المستخرجات، لماذا لا بد من النظر؟ لأن المستخرج الآن ساق إسنادا أو بعض إسناد جديد، ليس في أي مكان في الصحيحين. سأضرب مثلا، نضرب مثالا، أبو نعيم الأصفهاني يقولون: لو أراد أن يروي حديثا عن مثلا عن يمر به أو حديث لمعمر عن الزهري لو أراد أن يسوقه من طريق البخاري سيكون بينه وبين معمر كم؟ أربعة، اثنان بينه وبين البخاري، ثم أو إلى عبد الرازق لنفرض اثنان بينه وبين البخاري، ثم البخاري ثم شيخ البخاري، الذي هو مثلا محمد بن رافع أو غيره. هؤلاء الأربعة فإذا أراد أن يستخرج ساقه من طريق الطبراني يروه عن الطبراني، عن الدبري "اسحق بن إبراهيم الدبري" عن عبد الرازق، فصار كم بينه وبين عبد الرازق الآن؟ اثنان فقط قصدهم العلو هم، هذا الغرض الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الغرض الأول من المستخرجات العلو، يقول ابن حجر -رحمه الله تعالى-: وهذا الكلام دقيق لا بد منه أحيانا، لما كان غرضهم العلو، ربما نزلوا عن شرط الصحيح في الرواة، ربما نزلوا في المستخرجات؛ لأن الغرض الأول ما هو؟ العلو مثلا اسحق بن إبراهيم الدبري ليس في شرط الصحيح لم يخرج له في الصحيحين، وهو قد سمع من عبد الرازق وهو صغير، يستصغر يقولون في عبد الرازق. فإذن نقيد الزيادات في المستخرجات، أو الأحاديث المستقلة بهذا القيد، وهو أنه لا بد فيها من النظر بأنهم لم يلتزموا ما التزمه الشيخان، بعد ذلك تكلم ابن كثير -رحمه الله- على صحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان، وقال: أنهما خير من المستدرك بكثير، وأنظف أسانيد ومتونا، وهذا الكلام الذي قاله ابن كثير لا إشكال فيه فصحيح ابن حبان أو صحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان أعلى منزلة من تصحيح الحاكم، سيأتينا في تصحيح الحاكم، ويوجد فيهما أحاديث صحيحة زائدة على ما في الصحيحين أكثر مما في كتاب المستدرك، نعم، اقرأ. مسند الإمام أحمد وما فيه من الصحيح وكذلك يوجد في مسند الإمام أحمد من الأسانيد شيء كثير، مما يوازي كثير من أحاديث مسلم، بل والبخاري أيضا، وليست عندهما ولا عند أحدهما، بل ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الأربعة، وهم أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. هذا الكلام على مسند الإمام أحمد معروف أن ابن كثير -رحمه الله تعالى- من الأئمة الذين اعتنوا بمسند الإمام أحمد، اعتنوا به وكثير المطالعة له، واشتغل به أيضا في كتابه "جامع المسانيد" جامع المسانيد جمع فيه عددا، أو بين عدد من كتب السنة، منها مسند الإمام أحمد، يقول ابن كثير -رحمه الله- أن مسند الإمام أحمد يحتوي على أحاديث فيها الصحيح، ليست في الصحيحين، بل لا توجد ولا في بقية الكتب الستة، وهي السنن الأربعة، وهذا الذي قاله أيضا، هذا الذي قاله صحيح لا إشكال فيه، نعم. معاجم الطبراني والمسانيد والفوائد والأجزاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وكذلك يوجد في معجمي الطبراني الكبير والأوسط ومسند أبي يعلى والبراز وغير ذلك من المسانيد والمعاجم والفوائد والأجزاء، ما يتمكن المتبحر في هذا الشأن من الحكم بصحة كثير منه، بعد النظر في حال رجاله، وسلامته من التعليل المفسد، ويجوز له الإقدام على ذلك، وإن لم ينص على صحته حافظ قبله موافقة للشيخ أبي زكي يحيى النووي، وخلافا للشيخ أبي عمر. هذا المقطع أكمل فيه ابن كثير -رحمه الله- بقية المصادر، أو بقية الأنواع التي يوجد فيها الحديث الصحيح، نزل هو الآن درجة، ذكر أولا المستخرجات، وذكر صحيحي ابن خزامة وابن حبان، ثم ذكر مسند الإمام أحمد، ثم نزل الآن إلى المؤلفين في نهاية القرن الثالث عشر، والقرن الرابع عشر، فذكر معاجم الطبرني، أو معجم الطبراني الكبير والأوسط، وذكر مسندي أبي يعلى والبراز. ثم قال: وغير ذلك من المسانيد والمعاجم والفوائد والأجزاء يقول: هذه الكتب. كتب السنة يوجد فيها حديث صحيح، ويقول هو يتمكن المتبحر في هذا الشأن، من هو المتبحر؟ نحن نسميه ماذا؟ المتمكن في هذا الشأن من الحكم بصحة كثير منه بعد النظر في حال رجاله وسلامتهم من التعليل المفسد، هذا الحقيقة يعني فيه تجوز هذا الكلام، فيه تجوز. لأن ابن كثير -رحمه الله- الآن أعطاك النتيجة بعد النظر، أو قبل النظر، أعطاك النتيجة يقول: يوجد في هذا حديث صحيح يتمكن المتبحر من الحكم في صحته، بعد النظر في حال رجاله، وسلامتهم من التعليل المفسد، هذا الكلام يعني ابن كثير -رحمه الله تعالى- يعني مثلا ما نقول أعطانا الحكم قبل النظر، فهو يقول: ستجد أحاديث صحيحة إذن ما الفائدة من النظر؟. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 المقصود من هذا الكلام الذي يقصده، الذي يقصده منة هذا الكلام أن العبارة يعني تكون يعني أن هذه الكتب فيها أحاديث كثيرة جدا زائدة على ما في الصحيحين، وقد يجد المتبحر إذا درس أسانيدها قد يجد فيها أحاديث صحيحة، القسم العقلي أو النظر العقلي، أنه قد يجد وقد لا يجد، هذا أما أن يقال له فيها أحاديث صحيحة وانظر في أسانيدها، فهذا كأنه حكم قبل النظر. المهم المقصود من هذا الكلام، أن ابن كثير -رحمه الله- تكلم على قضية، وهي أثارها ابن الصلاح، ابن الصلاح رأيه أن باب الاجتهاد في تصحيح الأحاديث وتضعيفها قد أغلق، ولا سيما التصحيح نص عليه، يقول: يتعذر التصحيح اعتمادا على الأسانيد في هذه الأعصر المتأخرة، وهذا الذي قاله ابن الصلاح -رحمه الله- ناقشه فيه كثير من العلماء، ذكر ابن كثير من ذكر هنا؟ ذكر منهم من؟ النووي. النووي -رحمه الله- رأيه بخلاف ما ذهب إليه ابن الصلاح، يقول النووي -رحمه الله- إن باب الاجتهاد لم يغلق، وأنه بإمكان العالم المتمكن أن ينظر في أسانيد الأحاديث، وأن يحكم على ضوء هذا النظر، وابن كثير يوافق من الآن؟ يوافق النووي، وكل من جاء بعد ابن الصلاح يوافق من؟ تقريبا يوافقون النووي، إلا السيوطي ذكر تفصيل. المهم ما نطيل بهذا، لكن نقيد، أو تقولون ومع أنه لا يصح إغلاق باب الاجتهاد، هذه كلمة بس يعني ضرورية هنا، وربما تأتي معنا في المناسبات، مع القول بأنه لا يصح إغلاق باب الاجتهاد، إلا أن الإقدام على التصحيح والتضعيف في واقع الحال صاحبه خلل كبير؛ بسبب التسامح في تطبيق شروط الحديث الصحيح، إما بعدم اعتبار الشرط أصلا، وإما بالتسامح في بعض الشروط، وهذا الكلام سيأتي معنا تفصيله -إن شاء الله تعالى- في مناسبات، لكن نقيد هذا أنه فتح باب الاجتهاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 يقولون ابن الصلاح السخاوي -رحمه الله- اعتذر لابن الصلاح بأي شيء، اعتذر له؟ يقول هو خاف أن يهجم على التصحيح من لا يحسنه، وهذا الذي يقوله السخاوي أن ابن الصلاح خاف منه، وقع أو لم يقع؟ بل هو كثير الوقوع مع الأسف الشديد، وهذا له أسباب كثيرة كما ذكرت، ترجع إلى منهج صار فيه أصحابه، إما على إلغاء بعض الشروط السابقة، أو التسامح في تطبيقها. بس هذا كلام ننبه عليه بمناسبة ما ذهب إليه ابن كثير -رحمه الله- من فتح باب الاجتهاد، فهذا لا اعتراض عليه، وإنما الاعتراض على التساهل والتسرع في تطبيق شروط الحديث الصحيح، ولا سيما ما ينفرد به ما ذكره ابن كثير هنا، مثل ما يوجد في معاجم الطبراني، وفي مسند البزار وفي الكتب المتأخرة والأجزاء التي أشار إليها ابن كثير، مما ظاهره الصحة ولم يخرّجه الأولون. فهذا كما يقول العلماء: وإن كان ظاهره الصحة إلا أن في بواطنه علل فلا يعني، يتهيب طالب العلم أن يصحح حديثا في هذه الكتب المتأخرة لم يخرّجه أصحاب الكتب المتقدمة، نعم. الأحاديث المختارة للضياء المقدسي وقد جمع الشيخ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي في ذلك كتابا سماه "المختارة" ولم يتمه، وكان بعض الحفاظ من مشايخنا يرجحه على مستدرك الحاكم والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 نعم، هذا كتاب سماه "الأحاديث المختارة" لضياء المقدسي، اختار فيه أحاديث يرى أنها يعني أو يصححها، ويقول ابن كثير: إن بعض الحفاظ من مشايخنا يرجحونه على مستدرك الحاكم، وهذا بعض مشايخه هو ابن تيميه -رحمه الله تعالى- أو لعله يريد، فقد تكلم على أو بنحو هذا الكلام، والكتاب لم يتمه الضياء، وطبع يعني طبع الكتاب - نعم- طبع طبعه محققه، وأيضا حقق في رسائل في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وتصحيحات الضياء، يعني هو يصحح يجتهد ويعني هو يسير -رحمه الله- في غالب تصحيحاته على يعني التسامح في العلل، وفي النكارة وفي الشذوذ، فيعتني بأي نوع من التصحيح، وهو الذي يسير عليه كثير من المتأخرين، بكم من شروط الحديث الصحيح؟ بالثلاثة شروط. يعني إذا رأوا عدالة الرواة وضبط الرواة واتصال الإسناد، أطلقوا الصحة، فيعني تنبيه على طريقة تصحيح الضياء، بس فقد نعم، تفضل. مستدرك الحاكم فقد تكلم الشيخ أبو عمر بن الصلاح على الحاكم في مستدركه فقال:. هو واسع الخطى في شرح الصحيح، متساهل في القضاء به، فالأولى أن يتوسط في أمره، فما لم نجد فيه تصحيحا لغيره من الأئمة، فإن لم يكن صحيحا فهو حسن يحتج به، إلا أن تظهر فيه عله توجب ضعفه. قلت في هذا الكتاب أنواع من الحديث كثيرة، فيه الصحيح المستدرك وهو قليل، وفيه صحيح قد أخرجه البخاري ومسلم أو أحدهما لم يعلم به الحاكم، وفيه الحسن والضعيف والموضوع أيضا، وقد اختصره شيخنا أبو عبد الله الذهبي وبين هذا كله، وجمع فيه جزءا كبيرا مما يقع فيه من الموضوعات، وذلك يقارب مائة حديث والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 هذا المقطع يتعلق بالكلام على مستدرك الحاكم، فابن الصلاح -رحمه الله- قرر أن الحاكم واسع الخطو، ما معنى واسع الخطو؟ يعني هذا يعني تشبيه أو استعاره عبارة عن تساهل أو حكم، عبارة عن حكم من ابن الصلاح على الحاكم بأنه متساهل، لكن ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- أراد أن يبين الموقف من كيف تستفيد من كتاب "مستدرك الحاكم" فذكر أن الطريق هو ما ذكره. يقول: ما لم نجد فيه تصحيحا لغيره، إذا وجدنا تصحيحا لغيره، يقول: هذا لا إشكال فيه، الإشكال في ما لم نجد فيه تصحيحا لغيره، ما هو الموقف منه حسب كلام ابن الصلاح؟ ما هو الموقف؟ يقول: إذا لم نجد فيه علة، فإننا نتوسط في أمر هذه الأحاديث ونحكم لها أو نحكم عليها، بأنها في درجة الحسن، ما الذي حدا بابن الصلاح أن يقول هذا؟ يقولون: هو راجع إلى رأيه في أن، باب الاجتهاد مغلق، لكن يقولون: إن ابن الصلاح -رحمه الله- أغلق باب الاجتهاد من جهة. لكن هو في عمله هذا، هو يقول: كلها ما لم نجد فيه تصحيحا لغيره ولا وجدنا فيه عله فهو حسن، إذن هذا منه اجتهاد محض، فلا مفر من الاجتهاد أصلا، وابن كثير -رحمه الله- لم يرتضي هذا الحكم الإجمالي من ابن الصلاح. وقال:. أخذ يتكلم على مستدرك الحاكم، وقسم الأحاديث التي فيه، قال: فيه حديث صحيح وهو قليل، إذن الصحيح في مستدرك الحاكم حسب كلام ابن كثير قليل، أو كثير، قليل وهذا هو الصحيح لا يغرنا بعض، يوجد كلام بعضهم. يقول: يصفو للحاكم النصف، وبعضهم يقول: يصفو له ثلاثة أرباع، وبعضهم يقول: يصفو له كذا، وهذا الكلام فيه مجازفة، أو فيه يعني مبالغة، لا يصفو للحاكم من الأحاديث الصحيحة، ولا سيما ما هو على شرط البخاري ومسلم إلا القليل، حتى قال بعض العلماء: ليس فيه حديث واحد على شرطهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وقال بعضهم: ليس فيه إلا ثلاثة أحاديث، وهذا الكلام يعني قد يكون فيه مبالغة، لكن كلمة ابن كثير هذه يعني عادلة،. الصحيح في مستدرك الحاكم قليل، واعتذر العلماء عن الحاكم بأعذار لا نطيل بها، ولكن منها أنه -رحمه الله- لم يبيضه، معروف أن العلماء -رحمهم الله- أول ما يكتبون الكتاب، يكتبون ماذا؟ وحتى الآن الباحث يكتب كتابه عبارة عن مسودة، وربما بيضه أعاد تبييضه عدة مرات. فيقول: إن الحاكم -رحمه الله- يعني هذا أحد الأسباب، وهناك أسباب أخرى، لكن يقول ابن كثير -رحمه الله-: هذا نوع حديث صحيح، فيه نوع من الأحاديث موجود في البخاري ومسلم، إذن لما ذكرها ذهول، ذهول منه عن أن هذه الأحاديث، يقول أحيانا هذا الحديث صحيح ولم يخرجاه، وهو على شرطهما مع أنه موجود في الكتابين أو في أحدهما، هذا ذهول من الحاكم، يعني نعم أو سهو منه. يقول: فيه الحسن وفيه الضعيف وفيه الموضوع أيضا، وهذا الكلام صحيح، يوجد فيه مع الأسف الشديد، مع أنه عنوانه المستدرك على أي شئ؟ على الصحيحين، الفكرة جيدة جدا، فكرة الحاكم، خطر في باله أن يجمع، أو أن يستدرك ما لم يذكره البخاري ومسلم مما هو صحيح، أو على شرطهما، ولكن الخلل وقع في أي شيء؟ في التنفيذ. أحيانا الخلل يقع بسبب أصل الفكرة خاطئة، وأحيانا الفكرة جيدة ولكن الخطأ في أي شيء؟ أو الخلل في أي شيء؟ في تنفيذها، فهذا الخلل في تنفيذ الفكرة من قبل الحاكم -رحمه الله تعالى- وأدخل فيه أحاديث موضوعة كما يقول العلماء؛ ولهذا اشتدت كلمتهم عليه، يذكر أحاديث موضوعه، ويزعم أنها على شرط البخاري ومسلم، أما الضعيف ففيه يعني فيه أحاديث كثيرة جدا جدا ضعيفة، وفيه أحاديث موضوعة جمعها بعض العلماء، أظن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 يقول: وذلك يقارب مائة حديث أفردها ابن عبد الهادي بجزء جمع فيه الموضوعات التي في مستدرك الحاكم، وأظن- والله أعلم- أن هذا العدد ليس هو فقط الذي في مستدرك الحاكم من الموضوعات، بل فيه غير هذا مما يحكم عليه بالوضع بقرائن، ولكن لعل ابن عبد الهادي -رحمه الله- استخرج منهما، ما الحكم بالوضع عليه ظاهر من الإسناد، يبقى كلمه هنا. قوله: وقد اختصره شيخنا أبو عبد الله الذهبي وبين هذا كله، ماذا يفهم من هذا الكلام؟ يفهم منه أن الذهبي -رحمه الله- عمد إلى مستدرك الحاكم فبين ما هو صحيح وما هو ضعيف، وما هو حسن وما هو موضوع، ويعني فكأن أحكام الذهبي التي يذكرها في تلخيص المستدرك أحكام قصدها، وقصد بها نقد أحاديث المستدرك، هنا كلمة يظهر لي -والله أعلم-. وكذلك ذكره عدد من الباحثين، أن الذهبي لم يقصد هذا، وإنما قصد فقط الاختصار والتلخيص، ولكنه في أثناء ذلك وجد أشياء لا ينبغي أو لا يصح السكوت عليها، فنبه على بعضها ما تيسر له، ولا في نظري -والله أعلم- لا ينبغي أن نحمل؛ لأنه ما الذي يقع الآن؟ الذي يقع هو أن بعض الباحثين، أو كثير من الباحثين، يقول صححه الحاكم ووافقه من؟ ثم يأخذ ينقض الذهبي، وربما تكلم بعبارات قاسية، بعضهم يتكلم بعبارات قاسية على الذهبي، فهذا تحميل للذهبي. وهو يظهر لي -والله أعلم- أنه لم يرد هذا، لم يرد أن يوافق الحاكم أو لا يوافقه، وإنما يعني نقده الذي ذكره في كتاب المستدرك، إنما هو زيادة والغرض الأول ما هو؟ الغرض هو التلخيص والاختصار، يظهر -والله أعلم- فحينئذ بالنسبة لي أنا أقول للباحثين، إذا مثلا جاء تصحيح انظر في بحث أو شيء احذف كلمه وافقه الذهبي، كلمه وافقه الذهبي هذه نتركها، بل أحيانا بالمناسبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 المستدرك هذا شغل الناس، يعني مشكلة هو، إن ذكرت تصحيحه وسكت فهذا مشكل، وإن تكلمت عليه فهذا أيضا مشكل، لأنك ستتكلم عليه وسيطيل، ومعنى هذا أن البحث كثير من أحاديث بحثه ستذهب في مناقشة من؟ في مناقشة الحاكم؛ لأنه هو لا يصحح فقط، وإنما ينسب تصحيحه أو يدعي أو يذكر أن هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين، أو على شرط أحدهما، نعم. يعمل الذهبي -رحمه الله- ذكر كلمة، وهو أنه ذكرها أظنها في الميزان في ترجمة الحاكم، يقول كنت أظن أن الخلل يسير- يعني في هذا الكتاب- فلما قرأته وإذا الخلل فيه عظيم جدا، وربما قسى على الحاكم- نعم- ربما قسى عليه، أحيانا تأخذه الحدة بسبب الغيرة على السنة النبوية، يعني أمر عظيم أن يستدرك على البخاري ومسلم أحاديث ظاهر أنها موضوعة، إما من جهة لفظها أو من جهة أسانيدها، فربما أخطأ، وهو يقسو أحيانا على بعض العلماء، وهذه القسوة العلمية لا هو الحاكم. الذهبي يقسو على الحاكم؛ لأن الحاكم التزم هذا، وقال: أردت أن أخرج أحاديث صفتها كذا وكذا، أما الذهبي فلم يقل إنني سأحكم، أو سألتزم بالتدقيق أو بالنظر في بيان درجة كل حديث يذكره، فنحن الذين ألزمناه، هذا كلام الباحثين، وهو له وجاهته، نعم. موطأ مالك (تنبيه) قول الإمام محمد بن إدريس الشافعي -رحمه الله- لا أعلم كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك، إنما قاله قبل البخاري ومسلم، وقد كانت كثيرة مصنفة في ذلك الوقت في السنن ابن جريج وابن اسحق غير السيرة، ولأبي قرة موسى بن طارق الزبيدي، ومصنف عبد الرازق بن همام وغير ذلك، وكان كتاب مالك -وهو الموطأ- أجلها وأعظمها نفعا، وإن كان بعضها أكبر حجما منه، وأكثر أحاديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وقد طلب المنصور من الإمام مالك، أن يجمع الناس على كتابه فلم يجبه إلى ذلك؛ وذلك من تمام علمه واتصافه بالإنصاف، وقال: إن الناس قد جمعوا على أشياء لم نطلع عليها، وقد اعتنى الناس بكتابه الموطأ، وعلقوا عليه كتبا جمة، ومن أجود ذلك كتاب "التمهيد والاستذكار" للشيخ أبي عمر بن عبد البر النمري القرطبي -رحمه الله-، هذا مع ما فيه من الأحاديث المتصلة الصحيحة والموصلة والمنقطعة والبلاغات اللاتي لا تكاد توجد مسندة إلا عند ندور. هذا الكلام على موطأ الإمام مالك ذكره ابن كثير، وذكره العلماء هنا بمناسبة الكلام على ما تقدم قبل قليل، أن أصح كتب السنة كتاب البخاري وكتاب مسلم، الشافعي -رحمه الله- له كلمة، وهو أنه قال: لا أعلم كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك، الشافعي متى توفى؟ سنة مائتين وأربعة، إذن حين وفاته لم يكن هناك صحيح البخاري ولا صحيح مسلم، فيقول العلماء: إن كلمة الشافعي -رحمه الله- هذا قبل وجود هذين الكتابين، وهي كلمة صادقة تنبئك عن جلالة هذا الكتاب الذي هو موطأ الإمام مالك. وهو ألفه كما نحن نعرف، مالك عاش في القرن الثاني، يقول ابن كثير -رحمه الله-: إن هناك كتبا قبل كتاب مالك، ولكنها لم تبلغ مبلغه في الصحة والانتقاء، معروف أن مالك -رحمه الله- انتقى أحاديث موطئه، وذكر أمثلة من هذه الكتب، ذكر ابن كثير مصنفات ابن اسحق غير السيرة، ومصنفات ابن جريج ومصنفات أيضا ومصنف عبد الرازق، ومصنف أبي قرة موسى بن طارق الزبيدي، ومصنفات مثل: مصنفات وكيع وحماد بن سلمة والجامع لمعمر، وكتب كثيرة فقد أكثرها والموجود عندنا القليل منها الآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 نحن لا نعرف الآن كتابا لابن جريج، ولا لحماد بن سلمة ولا يعني لوكيع، هذه الكتب ذهبت وكان الغالب على هذه الكتب في القرن الثاني الانتقاء أو الجمع، كان هدفهم -رحمهم الله- هدف مرحلي، معذورون في ذلك، هدفهم أولا الجمع خشية ضياع السنة، ونحن نعرف أن أول من جمع السنة، أو متى جمعت؟ أو تعمد الناس لجمع السنة وانتصروا لذلك، في رأس المائة الأولى، واشتغلوا بفترة الجمع المائة الثانية. وعلى رأس المائة الثالثة، أو في أول المائة الثالثة، بدأ تأليف الكتب المنتقاة، مثل كتاب البخاري ومسلم والسنن، يستثنى من كتب القرن الثاني ما الذي يستثنى؟ كتاب مالك الموطأ، فإنه انتقاه -رحمه الله تعالى- لأنه أصلا كان ينتقي الشيوخ، عند العلماء انتقاء الحديث، وعندهم انتقاء آخر الذي قبل ذلك الذي هو انتقاء الشيوخ، يعني لا يروى إلا عمن يراه، يعني أهلا للرواية، وكان له كلمات في هذا جليلة جدا من كلماته أنه يقول: أدركت في هذا المسجد، يعني يذكر مائة شيخ، يعني ذكر فيهم صلاحا وفضلا. ويقول: لا يؤخذ عنهم الحديث لأنهم ليسوا من أهله، فكان ينتقي -رحمه الله تعالى- فخرج كتابه، أو كتاب الموطأ كتابا منتقى في عصر لم يكن هناك انتقاء للسنة النبوية، إنما كانت مرحلة الجمع، هذا كتاب الموطأ، عرج ابن كثير -رحمه الله تعالى- على أمر لا تعلق له، إنما يريد أن يبن ميزة الكتاب بأن المنصور الخليفة العباسي طلب من مالك أن يحمل الناس على كتابه، يعني أن تكون الفتوى لا أتذكر هذه القصة أن تكون الفتوى على كتاب من؟ على كتاب مالك، أو نعم؛لأن مالك ضم أو ضمنا كتابه الموطأ اختياراته الفقهية؛ ضمنه لأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحاديث عن الصحابة؛ وأيضا عن التابعين وضمنه اختياراته الفقهية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 فأراد المنصور أو كما يقولون، أو كما تقول هذه الحكاية أن يحمل الناس على كتاب الموطأ فأبى -رحمه الله تعالى- وقال: الصحابة تفرقوا في البلدان وقد جمع الناس أشياء ربما لم نقف عليها، وهذا من إنصافه --رحمه الله تعالى-، بعد ذلك تكلم ابن كثير على عناية الناس بكتاب الموطأ، فأشار إلى أنه قد ألفت كتب كثيرة عليه، وهذا الذي قاله صحيح. كتاب الموطأ من الكتب التي لم يترك العلماء منها حرفا إلا وتكلموا عليه سواء من جهة الإسناد أو من جهة المتن، ما تركوا شيئا في الموطأ إلا، رغم كثرة الموطئات كم تبلغ الموطئات؟ إذا قيل الموطئات كلها يراد بها موطأ، موطأ من؟ موطأ مالك، لماذا؟ أنه --رحمه الله تعالى- مكث مدة قرون، أربعين سنة، وهو يحدث به وينقص منه ويزيد، فرب حديث في هذا الموطأ، وليس في هذا الموطأ. الموطئات هذه عبارة عن روايات مختلفة لموطأ مالك، فهناك موطأ القعنبي، ويقال له رواية القعنبي، وهناك موطأ يحيى بن يحيى الليثي، وهو يعني هذه هي الرواية المشهورة، وهناك موطأ محمد بن الحسن الشيباني، وموطأ أبي مصعب وكذلك رواية عبد الرحمن بن مهدي التي يروي من طريقها الإمام أحمد في المسند، وكذلك رواية الشافعي، تبلغ الموطئات أكثر من ثلاثين موطأ، لكن كلها علم على أو كلها بموطأ؟ لموطأ مالك، وإنما هي روايات مختلفة لهذا الموطأ أو لكتاب مالك -رحمه الله-. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 يقول ابن كثير: إن من أعظم الكتب المؤلفة، أو من أبرز العلماء الذين اعتنوا بالموطأ هو الإمام ابن عبد البر، وهذا الكلام صحيح له كتابا أو له ثلاثة كتب، كتاب صغير اسمه "التقصي" وكتاب كبير "الاستذكار"، اعتنى فيه بالفقه ويعني مشى فيه على ترتيب الموطأ، يعني الترتيب الفقهي وكتاب التمهيد، وهو كتاب كبير جدا مشى فيه على أحاديث أو على شيوخ مالك، على ترتيب أحاديث شيوخ مالك، يعني خرج عن ترتيب الموطأ الأصلي، الترتيب الأصلي للموطأ، ورتبه ترتيبا جديدا على شيوخ مالك، ولهذا يصعب البحث فيه، يصعب أن نقف على الحديث لا بد أن تعرف شيخ مالك. وأيضا كما نعرف نحن الترتيب المعجمي، هناك ترتيبان، ترتيب للمشارقة وترتيب لمن؟ للمغاربة، يعني نحن عندنا ألف باء تاء ثاء جيم إلى آخر حروف الهجية، هذا الترتيب لهم هم ترتيب آخر غير ترتيب المشارقة يمشي عليه ابن عبد البر، وغيره من المؤلفين من المغرب الإسلامي، هذا كتاب الموطأ. نعم، شيخنا، اقرأ. إطلاق اسم الصحيح على الترمذي والنسائي وكان الحاكم أبي عبد الله والخطيب البغدادي يسميان كتاب الترمذي "الجامع الصحيح" وهذا تساهل منهما، فإن فيه أحاديث كثيرة منكرة، وقول الحافظ أبي علي بن السكن وكذا الخطيب البغدادي في كتاب السنن للنسائي، إنه صحيح فيه نظر وإن له شرطا في الرجال أشد من شرط مسلم غير صحيح، فإن فيه الشيخ غير مسلم، غير مسلم فإن فيه رجالا مشهورين إما عينا أو حالا، وفيهم المجروح وفيه أحاديث ضعيفة ومعللة ومنكرة، كما نبهنا عليه في (الأحكام الكبير) . هذا المقطع يتعلق بموضوع هو أن بعض العلماء -رحمهم الله تعالى- ربما أطلقوا اسم الصحيح على مؤلفات لم يلتزم أصحابها الصحة، وهذا نحن نقول دائما أحيانا يأتي في المناقب وفي بيان فضل الكتاب، أو فضل العالم أو فضل البلد أو فضل كذا، ربما المتكلم يأخذه الحماس وربما خرج إلى حد المبالغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 لكن نبه العلماء- رحمهم الله تعالى- عليه بألا يظن ظان مثلا، أن جميع ما في سنن الترمذي صحيح، أو أن جميع ما في سنن النسائي صحيح، فابن كثير -رحمه الله- يقول لا تغتر بهذا الإطلاق، فإن هذه لا يصح أصلا، يعني من الجناية على المؤلف أن نقول: إن كتاب سنن النسائي أن نطلق عليه صحيح النسائي، لماذا من الجناية على مؤلفه؟ لأننا نلزمه بشيء لم يلتزمه، وبنبني على ذلك أن نتعقبه وأن ننسبه إلى تصحيح أحاديث ليست صحيحة، وهذا أمر مهم جدا. فإذن لا يعني ينبغي أن هذا، وإن كانت قد ذهبت هذه الإطلاقات عدا واحد منها بسبب أن الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- طبع كتاب الترمذي، فماذا سماه؟ سماه الجامع الصحيح، وهذه التسمية غير دقيقة؛ ولماذا؟ من جهتين هي غير دقيقة وكذلك ما يذكره من جهتين، أولا: أن المؤلف لم يسميه هكذا ولا ينبغي لنا أن نغير تسميات المؤلفين. والأمر الآخر: أن واقعة بخلاف ذلك، فالترمذي -رحمه الله- لم يشترط الصحة وفيه أحاديث، ولا سيما يعني لا تجاوزنا بعض الشيء عن سنن النسائي، فإن في سنن الترمذي أحاديث كثيرة ضعيفة، بل وفيه أحاديث ربما حكم عليه بأي شيء؟ ربما حكم عليها بالضعف، فهذا تنبيه وسيشترط ابن كثير -رحمه الله- في التنبيه على أشياء من هذا القبيل، منها أشياء تتعلق بمسند الإمام أحمد، وكذلك أيضا بقية السنن، ولعلنا نكتفي بهذا اليوم. س: أحسن الله إليكم، يقول السائل: ما رأيكم بكتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، وهل هناك أفضل منه في بابه؟ ج: كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، هو من عمل محمد فؤاد عبد الباقي، وهذا الرجل له فضل كبير على السنة النبوية في العصر الحاضر، لكن هو ليس بعالم، ليس بمحدث، وإنما هو مفهرس، عمله فهرسة وتحقيق للكتب، وهو يعني ليس هو بمحدث، جمع أحاديث الأحاديث التي اتفق عليها البخاري ومسلم في كتاب سماه، اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وهذا الكتاب نافع انتفع به الناس كثيرا، واستفادوا منه، ولكن مع ذلك فيه بعض الخلل، ربما جمع حديث متفقا عليه وليس كذلك، ولكن أكثر شيء أن يترك أحاديث متفق عليها لا يذكرها في كتابه، وهذه المسألة يعني متعلقة بالأمر الذي مر قبل قليل، وهو أن مثل هذه المسائل ليست مسائل آلية. وإنما -هي- يدخلها الاجتهاد، فرب حديث اجتهد إمام فرأى أنه متفق عليه، ورب حديث وإمام آخر يرى أن هذا من إفراد مسلم، هذا اللفظ من إفراد مسلم، وهذا اللفظ من إفراد البخاري، ونرى هذا الاختلاف موجود بين المزي وابن حجر، يعني الذين اعتنوا بهذه الكتب، فإذن حكمك على أن هذا الحديث متفق عليه أو ليس بمتفق عليه، ليس بالأمر السهل. لا تظن أنك بسرعة سترى بأنك أحيانا تنظر في الحديث، فترى أن ألفاظ هذا الحديث قريبة من هذا، فيخيل لك أو تصل باجتهادك إلى أن هذا الحديث متفق عليه، وربما بتدقيق ترى أن هناك فرقا رغم اجتماعهما ببعض الألفاظ، إلا أن هناك فرقا يدعوك إلى أن تقول أن هذا الحديث من إفراد مسلم، وهذا من إفراد البخاري، فهذا الأمر ليس بالسهل. فتصدى له فهو -رحمه الله- ليس من يعني المشتغلين بالسنة على طريقة الباحثين، وإنما هو اشتغل بها فهرسة ونشر لكتبها، وهو مأجور على ذلك، قام بعمل جبار جدا في وقت قل فيه معينه، يعني لا نقيسه بعصرنا، وإنما بعصره -رحمه الله- يعتبر من المعتنين بالسنة، الباذلين وقتهم لها، فتصدى لجمع الأحاديث المتفق عليها. وهناك الآن كتاب آخر مطبوع باسم الجامع بين الصحيحين براوية مسلم، لباحث اسمه ياسر سلامة، اجتهد أيضا وهو خاص بالمتفق عليه، يعني ليس موافق لعنوانه بين الصحيحين، هو خاص بالمتفق عليه، نعم. س: أحسن الله إليكم لفظات أبي علي النيساجوري، هو ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم بن الحجاج، فما توجيهكم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 ج: نعم، هذا يعني جزاه الله خيرا، الطالب أو الأخ الذي بعث بكلمة أبي علي النيساجوري، يقول هو يعني:"ما تحت أديم السماء أصح من كتب مسلم"، العلماء -رحمهم الله تعالى- يقولون هذه الكلمة محتملة، يحتمل أنه لا يرى، أنه أصح من كتاب البخاري، وإنما يرى أنهما، فيصح أن يقال: إنه تحت أديم السماء أصح منه وإن كان هناك مثله. وبعض العلماء يقولون: أنه لم يرى كتاب البخاري، ولو رآه لربما تغير حكمه، ومنهم من يستبعد هذا، أن يكون هذا العالم الفاضل الجليل يعني لم يرى كتاب البخاري، فهذا وعلى كل لو ثبت هذا عنه فالجمهور كما تقدم على تفضيل صحيح البخاري على صحيح مسلم من جهة الصحة. س: أحسن الله إليكم، يقول السائل عبر الشبكة فضيلة الشيخ: هل هناك كتب محل ثقة ألفت لتنقية المستخرجات والمستدركات؟ هل هناك كتب محل ثقة ألفت لتنقية المستخرجات والمستدركات. ج: بالنسبة للمستخرجات، يعني الموجود الآن أو المطبوع، مستخرج أبي عوانة هذا صحيح مسلم، وأيضا طبع مستخرج أبي نعيم الأصفهاني، فلا يوجد مستخرجات الآن، يعني إلا القليل منها، والمستدركات إذا أطلق المستدركات، فإنما يراد به مستدرك الحاكم، يراد بها مستدرك الحاكم، السائل يقول هل هناك كتب قامت بتنقية هذه؟ يعني مثل ما نقول بدراسة أحاديث هذه الكتب بالنسبة لمستدرك الحاكم، الدراسة التي قامت عليه هي دراسة من؟ إذا اعتبرناها دراسة، هو تلخيص الذهبي، هناك من قام بتحقيق هذا الكتاب، ولكنه لم يخرج إلى الآن، ولا أعرف دراسات يعني قصد بها نقدا المستخرجات أو دراسة زوائد المستخرجات على الصحيحين، نعم. س: أحسن الله إليكم، السؤال الآخر عن طريق الشبكة، يقول: هل صحيح فضيلة الشيخ أن رجال الإمام النسائي أقوى من رجال الإمام البخاري في صحيحه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 ج: لا ليس صحيحا ليس دقيقا هذا الكلام، ليس دقيقا أن رجال النسائي أقوى من رجال البخاري، هذا ليس دقيقا، وإنما المعروف يعني وهذا هو الرواة الذي ينبغي، يعني أن النسائي انتقد على البخاري تخريج بعض الرجال، مثل فليح بن سليمان وبعض الرجال، لكن لا يعني هذا أن رجاله- في سننه- أعلى من رجال البخاري؛ لأنه هو لم يشترط الصحيح، فكأنه يقول للبخاري أنت اشترطت الصحيح، وأخرجت لفلان، ولفلان، ولفلان مثلا وهم ليسو على شرطه، يعني اجتهاد له خالف به البخاري في بعض الرجال، ولكنه ليس صحيحا، لا يعني أرى هذا صحيحا أن رجال النسائي يعني أقوى يعني أشد انتقاء من البخاري. س: أحسن الله إليكم، السؤال الثالث عن طريق الشبكة، يقول: فضيلة الشيخ ما هو ضابط قول العلماء صدوق لا يهم؟ ج: صدوق لا يهم ما أعرف هذه اللفظة؛ صدوق لا يهم، ليس هناك صدوق لا يهم، لأنه أصلا هو لما كان صدوقا لما لم يقل ثقة أولا، الثقة ربما يهم، أو يقولون لا يعني كما مر بنا ليس هناك أحد إلا -وقد يعني- وقع في الغلط أو الوهم، وهو أصلا إنما كان صدوقا، لأنه وقع في الوهم، ولكن إذا كثر وهمه زادوا معه، زادوا يعني، إذا قالوا صدوق فقط قد يوصف الثقة بأنه صدوق، ولكن كلمة صدوق عندهم، يعني أنه نزل عن درجة الثقة بسبب أوهامه لا إشكال في ذلك. ولكن إذا كثرت الأوهام يزيدون على كلمة صدوق بأن يقولون: صدوق يهم، أو له أوهام، فإذا زادت قالوا صدوق يهم، وإلا فالصدوق إنما نزل عن درجة الثقة لأنه يهم، فالظاهر أن السائل أراد هذا ولا ضابط لذلك، ما ضابط ليس هناك ضابط بأن يقال الثقة إذا غلط في حديثين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة، أنزلناه وإنما هذا اجتهاد، ويخضع لأمور كثيرة، منها اجتهاد العالم، ومنها يعني نوع الغلط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 بعض الأحاديث بعض الغلط كما يقول ابن زرعة روى، يعني ينتقد أحد الرواة، روى ثلاث أحاديث لو كانت في خمسمائة حديث لأفسدتها، لو كانت في خمسمائة حديث لأفسدتها، يعني أن بعض الغلط وإن كان يعني من جهة العدد يسير، ولكنه من جهة الحكم عظيم، وبعض الغلط يعني يقسمون الغلط إلى منه غلط بإصرار، ومنه غلط بتراجع ومنه، فهذا نور يعني ترجع إلى اجتهاد النقاد، وليس الأمر بالسهل، لا تظن أن تقييم الرواة هو وضعهم في منازلهم بالأمر اليسير على الناقد، فهو يعني شاق، نعم. س: أحسن الله إليكم، السؤال الأخير عبر الشبكة كذلك، يقول ما مدى دقة من قال: أنه لا ينبغي أن يقال حديث ضعيف، بل الأولى أن يقال حديث سنده ضعيف. ج: هذا القائل يقول: إننا إذا أردت أن تحكم على حديث، وأظن هذا سيأتي معنا- إن شاء الله تعالى- ربما يأتي معنا إذا كان سيأتي، فأنا أؤخره. نعم، تكلم عليه ابن الصلاح --رحمه الله تعالى- وربما لم يذكره ابن كثير وهو قضية، إذا قلنا الحكم على الإسناد الفرق بين الحكم على الإسناد، والحكم على الحديث كله، يقولون الأحسن، ولا سيما غير الحفاظ أن يكون حكمه منصبا على الإسناد أو على الحديث، على الإسناد يعني إذا وقفت على حديث بإسناد أو صححته أو ضعفته، فتقول هو ضعيف بهذا الإسناد، أو صحيح بهذا الإسناد، صحيح بهذا الإسناد، يقولون يحتمل أن يكون له علة بطرق أخرى لم تقف عليها، وهذا كثير كما ذكرت من قبل، كثير جدا جدا. لأن الأحاديث المعللة هي أسانيد ظاهرها الصحة، أما الضعيف فيقولون يحتمل أن يكون هذا الحديث له إسناد آخر غير هذا، وهذا أيضا كثير، فرب حديث موضوع بهذا الإسناد وهو متواتر بأسانيد كثيرة، مثلا لو أخذنا حديث ? من كذب علي متعمدا ? هو معروف متواتر الحديث جماعة من الصحابة، لكن هو من حديث أبي بكر، يعد موضوعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 فهذا القائل يقول الاحتياط أنك إذا حكمت على حديث بإسناد أن تنص على أن الحكم منصب على هذا الإسناد فقط، خشية أن يكون للحديث إسناد آخر صحي، أو حسن أو عاضض له، نعم. نحن مر بنا أو ربما يمر بالباحثين كثير، أن العلماء -رحمهم الله تعالى- في عصر النقد، اهتموا بالتطبيق ولم يهتموا بالتنظيم، والبخاري -رحمه الله- كما ترون افتتح كتابه بأي شيء، له خطبة أو ليس له خطبة؟ ليس له خطبة، وإنما يقولون أنه جعل خطبته حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ? إنما الأعمال بالنيات ?. فما تكلم على شرطه ولا على يعني، لكن العلماء استقرءوا عمله، وأيضا أخذوا من التسمية، تسمية الكتاب "الجامع الصحيح" المسند المختصر لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن المجموع التسمية، ومن مجموع عمله في نقده في التاريخ، وفي العلل الكبير للترمذي، وفي تنبيهاته في الكتاب. والاستقراء طريق، الاستقراء هل هو دليل صحيح أو غير صحيح الاستقراء؟ الاستقراء دليل عقلي صحيح لا مفر منه، أصلا لا بد منه، كثير من الأمور التي نتعامل معها مبنية على أي شيء؟ على الاستقراء، الاستقراء هو الدليل، يعني دليل عقلي صحيح لا إشكال فيه. س: السؤال بعده يا شيخ عن طريق الشبكة يقول: ما هي وجوه انتقاد الدارقطني على البخاري -رحمهما الله-. ج: هذا الكلام انتقاد الدارقطني على البخاري نؤجله؛ لأن ابن كثير -رحمه الله- تبعا لابن الصلاح، أورد هذا الكلام، يعني غدا -إن شاء الله تعالى-. س: السؤال الأخير يا شيخ أيضا، لكثرة الأسئلة على الشبكة يقول: لماذا ذكرتم أن ابن حبان وابن خزيمة أعلى تصحيحا من الحاكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 ج: أيضا بالاستقراء، بماذا تصحيحه، يعني بالنظر إلى تصحيحات ابن خزيمة، وتصحيح ابن حبان أعلى درجة من الحاكم بلا إشكال، فيهما أحاديث، نعم، يعني استنكرها العلماء، أحاديث ضعيفة، وتسامحا، هما تسامحا في الشذوذ والعلة، وتسامحا أيضا في الرواة، ولكن لم يصل هذا التساهل إلى ما وصل إليه الحاكم، فهما كما قال ابن كثير: أنظف مما سواهما، ومن نظر في صحيح ابن حبان وتتبعه وجد هذا الكلام، يعني هو بالاستقراء وبالنظر في الكتابين، بالإضافة إلى كلام العلماء، يعني أيضا كلام العلماء على هذين الكتابين، سبحانك اللهم وبحمدك، نستغفرك اللهم ونتوب إليك، اللهم صلي على عبدك ورسولك محمد. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أخذنا بالأمس، أو وقفنا بالأمس على كلام ابن كثير -رحمه الله تعالى- على مسألة إطلاق اسم الصحيح على سنن الترمذي وسنن النسائي، ومازال الكلام مستمرا في إطلاق بعض العلماء على بعض كتب السنة مِن مَن لم يلتزموا مؤلفوها، أو لم يدعي أو لم يشترطوا الصحة، فالكلام الآن في مسند الإمام أحمد، يتفضل القارئ بقراءة كلام ابن كثير على مسند الإمام أحمد، نعم يا شيخ. مسند الإمام أحمد بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال -رحمه الله تعالى-: وأما قول الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر المديني عن مسند الإمام أحمد إنه صحيح، فقول ضعيف، فإن فيه أحاديث ضعيفة بل وموضوعة، كأحاديث فضائل مرو وعسقلان والبر الأحمر عن حمص وغير ذلك، كما قد نبه عليه طائفة من الحفاظ، ثم إن الإمام أحمد قد فاته في كتابه هذا - مع أنه لا يوازيه مسند في كثرته وحسن سياقته- أحاديث كثيرة جدا، بل قد قيل أنه لم يقع له جماعة من الصحابة الذين في الصحيحين قريبا من مائتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 نعم، تكلم ابن كثير --رحمه الله تعالى- على مسند أحمد في مسألتين: المسألة الأولى: درجة أحاديث هذا المسند، ونقل عن أبي بكر عن أبي موسى محمد بن أبي بكر المديني أنه قال: إن أحاديث المسند كلها صحيحة، إن أحاديث المسند كلها صحيحة، وهذا الكلام قد سبق إليه أبو موسى المديني، فأصل الموضوع مناظرة، أو مثل ما نقول نعم مناظرة بين ابن الجوزي --رحمه الله تعالى- وبين أبي العلاء الحمداني، وهو ذكر أو قال أيضا كذلك إن ما يخرجه أحمد في المسند صحيح. فرد عليه ابن الجوزي وبين أن فيه أحاديث ضعيفة، وفيه أحاديث موضوعة، مثل ما قال ابن كثير --رحمه الله تعالى- ومثل ابن كثير وهذا هو الصحيح، المسند لم يدعي أحمد --رحمه الله تعالى- ولم يشترط الصحة، وقد ذكرت بالأمس خطورة إ لزام أحد شيئا لم يلتزمه، أن تلزم شخصا بشرط ما، أو بشيء ما وهو لم يلتزمه، فهذا يعني لا يصح، فالإمام أحمد لم يلتزم الصحة ولم يشترطها، ففيه أحاديث جملة كبيرة جدا من أحاديثه بلا إشكال من قسم الصحيح، ولكن يوجد فيه الحسن، ويوجد فيه الضعيف، ويوجد فيه أيضا أحاديث يسيرة موضوعة. ومثل ابن كثير -رحمه الله تعالى- بأحاديث فضائل البلدان عسقلان ومرو وحمص ومدن غيرها، كذلك أيضا وفي بعض فضائل الأعمال، عدها بعضهم أو أوصلها بعضهم إلى ثلاثين حديثا، وقد ألف ابن حجر -رحمه الله- يمكن تعرفونها رسالة صغيرة سماها "القول المسدد في الزود عن المسند "، ولكن في كثير منها أو في بعضها، حتى ابن حجر --رحمه الله تعالى- يسلم بنكارة هذه الأحاديث، فلا مفر من القول، وأيضا الإمام أحمد --رحمه الله تعالى- في أجوبته على أسئلة تلاميذه وفي كلام له يبين، أو بين أن، أو تكلم على أحاديث في مسنده، وأنها لا تصح أنها مناكير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 فإذن ومسألة لماذا يخرج الإمام أحمد مثل هذه الأحاديث، فهذه مسألة يعني طويلة، واعتذر الأئمة -رحمهم الله تعالى- عن إخراج مثل هذه الأحاديث، وعن عناية العلماء بأحاديث الضعفاء، ولهم في ذلك أغراض، وهي أغراض صحيحة، إذا ضم إليها بيان أن هذه الأحاديث لا تصح، أو أن الصواب فيها أنها من قول فلان، أو يعني مثلا المهم إذا عرفت على حقيقتها، هذه نقطة لا إشكال فيها. المسألة الثانية: هي أن مسند الإمام أحمد -رحمه الله- يقول ابن كثير رغم أنه لا يوازيه مسند، رغم أنه لا يوازيه مسند في حسن سياقته وفي كبره، إلا أنه قد فاته أحاديث أيضا، وهذا يعني أيضا، لا شيء يسلم به، وذكر ابن كثير بصيغة التمريض، أنه لم يقع له جماعة من الصحابة الذين في الصحيحين قريبا من مائتين. يعني أن في الصحيحين مائتي صحابي لم يخرج لهم الإمام أحمد، وخرج لهم في الصحيحين، وقبل هذا ذكره ابن كثير بصيغة التمريض، ويحتاج الأمر إلى تحقق، والشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- يقول: أنا أستبعد هذا ويحتاج الأمر إلى تحقق، نعم، هذا الذي أو هذا كلام ابن كثير على مسند الإمام أحمد، نعم، اقرأ. الكتب الخمسة وغيرها وهكذا قول الحافظ أبى طاهر السلفي في الأصول الخمسة، يعني لبخاري ومسلم، وسنن أبي داود والترمذي والنسائي، أنه اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب، تساهل منهم وقد أنكره ابن الصلاح وغيره، قال ابن الصلاح: وهي مع ذلك أعلى رتبة من كتب المسانيد، كمسند عبد بن حميد والدارمي وأحمد بن حنبل، وأبي يعلى والبزار وأبي داود الطيالسي، والحسن بن سفيان وإسحاق بن راهويه وعبيد الله بن موسى وغيرهم؛ لأنهم يذكرون عن كل صحابي ما يقع لهم من حديثه. نعم، هذا المقطع فيه جملتان أو فيه أمران: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الأمر الأول: إطلاق أبي طاهر السلفي الحافظ -رحمه الله تعالى- على الكتب الخمسة، وهي الصحيحان وسنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن النسائي، أطلق عليها بأنها صحيحة، أو قال اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب، بهذا يقول العلماء -رحمهم الله تعالى- إن قصد به اتفاقهم، إن قصد به اتفاقهم على صحة أحاديثها. فهذا القول تساهل منهم، تساهل كبير، إذا كان يعني، إذا كان بعض أحاديث الصحيحين قد انتقض فما بالك بأحاديث سنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن النسائي، لكن بعضهم يعتذر عن السلفي بأن عبارته أنهم اتفقوا على صحة أصولها، ما معنى صحة أصولها؟ يعني اتفقوا على صحتها عن مؤلفيها، أو اتُفق على يعني شيء كثير منها. لكن المعنى الأول كأنه هو المراد، وهو أنه اتفق على صحة أصولها، يعني أنها ثابتة إلى مؤلفيها لا إشكال فيها، فهذا إن كان مراده هذا، فهذا يقولون، العراقي -رحمه الله- اعتذر عن السلفي بهذا الاعتذار. وقال -رحمه الله تعالى-: لا يلزم من كون الشيء له أصل صحيح أن يكون هو صحيحا، فالمهم المقصود من كلام ابن كثير -رحمه الله- أن مثل هذه الاطلاقات انتهى الآن من الاطلاقات، أن مثل هذه الاطلاقات لا ينبغي وهي واردة في خضم كما ذكرت لكم بالأمس، أنه حين في المناقض وسياق المدح والثناء ربما يقع شيء من المبالغة، وهذا يعني جار بيننا أيضا، لو تريد أن تثني على شخص، أو تثني على يعني مكان أو تثني. ولهذا يعني هناك أمثال توضح أن دائما أيهما أقرب، يعني أيهما أعلى السماع أو المشاهدة، في الغالب أن يكون المشاهدة أقل من، أقل مما سمعوا، وفي الحديث أيضا أخبر يعني، المهم أن هذا جار في ألسنة الناس، ربما يدفعهم إرادة مدح الشيء إلى الغلو فيه أو المبالغة فيه، وحتى مثلا وأنت تقرأ في الثناء على كتاب ما، يطنب الذي يتكلم عليه في الثناء عليه، حتى تظن أن هذا هو أعلى كتاب، ثم تخرج إلى الكتاب الثاني، أو حتى في التراجم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 حتى عند علماء الجرح والتعديل -رحمهم الله تعالى- يثنون على الشخص مثلا حتى تظن مثلا، أنه مثلا أنه هو الأقوى في شيخه، ثم يثنون على الآخر، وهكذا لكن إذا جاءوا إلى الجرح والتعديل محصوا هذا الكلام ودققوا فيه، وأما الكلام العام الذي هو الثناء على الفضل ونحو ذلك، فربما يتسامحون فيه وهذا أمر معروف، فابن كثير ينبه إلى مثل هذا، ويعني هو يلخص كلام ابن الصلاح. المسألة الثانية: أن ابن الصلاح --رحمه الله تعالى- قال: إن من يؤلف على الموضوعات وعلى الأبواب يكون أعلى رتبة، ممن يؤلف على مسانيد الصحابة ممن يؤلف على مسانيد الصحابة، وعلل ذلك بأن من يؤلف على المسانيد إنما غرضه ما هو؟، غرضه أن يجمع كل ما روي عن هذا الصحابي، بغض النظر عن أي شيء؟ عن صحته وضعفه، أما من يؤلف على الأبواب فهو ينتقي ويختار أحسن ما روي في هذا الباب. وهذا صحيح في الجملة، صحيح في الجملة لا إشكال فيه، ولا سيما إذا عرفنا أن كثير من هذه المسانيد ألف في عصر الجمع، ولكن ننتبه إلى شيء، أن بعض هذه المسانيد قد يكون أعلى أو أقوى شرطا من بعض الكتب المؤلفة على الأبواب، فقد ذكر ابن تيمية -رحمه الله تعالى- ووافقه أيضا ابن حجر، كفى بهما أن شرط الإمام أحمد في مسنده، إن لم يكن يفوق فهو يوازي شرط أبي داود في سننه. ومعنى هذا أنه بلا إشكال أعلى رتبة من سنن من؟ من سنن ابن ماجه، فالكلام الذي ذكره الآن ابن الصلاح، ولخصه ابن كثير هو عبارة عن كلام إجمالي صحيح في الجملة، أن من يؤلف على الموضوعات سيكون أكثر انتقاء، ممن يؤلف على مجرد جمع ما روى كل صحابي، وهنا تنبيه بسيط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 قول ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- كمسند عبد بن حميد والدارمي، يعلقون عليه فقط هنا بس فقط الدارمي ليس له مسند الدارمي، إذا أطلق الذي هو عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وهو شيخ مسلم وشيخ الترمذي، وهذا ليس له مسند، وإنما هذا سنن فهو ملحق بالكتب الخمسة حتى عده بعض العلماء، ماذا عدّوه؟ سادس الكتب الستة مكان سنن من؟ سنن ابن ماجه. فهذا الدارمي -رحمه الله- قالوا: إن ابن الصلاح مثل به أو أدرجه في ضمن المسانيد، وهو ليس بمسند على المعنى المصطلح عليه، وإنما هو سنن، ولكن سماه مؤلفه مسند من باب أن أحاديثه مروية بالإسناد، مسنده كما يقال مسند أبي عوانة، ماذا يقصدون به؟ مستخرج أبي عوانة يقصدون به مستخرج أبي عوانة، أو صحيح أبي عوانة. لأنه وكذلك مثلا مسلم سمى كتابه "الصحيح المسند"، والبخاري سمى كتابه "الصحيح المسند"، فيقصدون بالمسند هنا ماذا؟ أي مروي أن أحاديثه مروية بالإسناد، فمسند الدارمي هذا سنن، وليس بمسند على المصطلح المعروف، وهذا موضوع جديد سيدخل فيه ابن كثير -رحمه الله تعالى- نعم. التعليقات التي في الصحيحين وتكلم الشيخ أبو عمر على التعليقات الواقعة في صحيح البخاري وفي مسلم أيضا، لكنها قليلة، قيل إنها أربعة عشر موضعا، وحاصل الأمر أن ما علقه البخاري بصيغة الجزم فصحيح إلى من علقه عمد ثم النظر فيما بعد ذلك، وما كان منها بصيغة التمريض، فلا يستفاد منها صحة ولا تنافيها أيضا؛ لأنه قد وقع من ذلك كذلك وهو صحيح، وربما رواه مسلم وما كان من التعليقات صحيحا فليس من نمط الصحيح مسند فيه. لأنه قد وسم كتابه بالجامع المسند الصحيح المختصر في أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه. فأما إذا قال البخاري: قال لنا أو قال لي فلان كذا، أو زادني ونحو ذلك فهو متصل عند الأكثر، فحكى ابن الصلاح عن بعض المغاربة أنه تعليق -أيضا- يذكره للاستشهاد لا للاعتماد، ويكون قد سمعه في المذاكرة, وقد رده ابن الصلاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 فإن الحافظ أبا جعفر ابن حمدان قال: " إذا قال البخاري: وقال لي فلان "؛ فهو مما سمعه عرضا ومناولة. نعم, هذا المقطع يتعلق ببعض الأمور تتصل بأمر التعليق في صحيح البخاري، والتعليق أو الحديث المعلق هكذا سماه, يعني هذه التسمية وجدت فيما بعد، يعني ليس البخاري الذي سماه تعليقا، أو قال: أعلق بعض أحاديثي, أو كذا. وإنما يقولون: إن هذا اللفظ -يقول ابن الصلاح رحمه الله- وجد في كلام الحميدي, وكلام الدارقطني -أي في القرن الرابع-، ولا بأس بذلك. سموا نوعا من الأحاديث: وهي التي حذف المعلق أول الإسناد، أو حذف بعض رجال الاسناد من أوله، وقد يحذف الإسناد كله فلا يبقي إلا قائل النص. كأن يقول البخاري -مثلا-: " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا "، أو: " قالت عائشة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا ", أو يذكر بعد التابعي رجلا، وقد لا يحذف إلا شيخه فقط. فإذا حذف شيئا من مبدأ الإسناد؛ فهذا يسمونه " التعليق ", يقولون: مأخوذ من التعليق في الجدار, أو في السقف، كأنه ليس هناك واسطة بين هذا الشيء المعلق وبين الأرض، شبهوه به، شبهوه بالتعليق، فهذا معنى التعليق. وهي موجودة في البخاري، وموجودة -أيضا- في مسلم, لكن نبه ابن كثير -رحمه الله- في بداية كلامه إلى أنها في مسلم قليلة, تبلغ أربعة عشر موضعا فقط. وأيضا هذه الأربعة عشر موضعا وصلها مسلم، ما معنى وصلها؟ يعني ذكرها موصولة ثم علقها، أو علقها ثم وصلها، إلا موضعا واحدا فقط في صحيحه بقي معلقا. وهو الحديث المعروف في تيمم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجدار, فإنه قال: " وقال الليث بن سعد: حديث أبي جهيمة -هذا- بقي معلقا، وقد وصله البخاري -رحمه الله- في صحيحه ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 إذن الكلام الآتي كله في معلقات البخاري أو في معلقات مسلم؟ في معلقات البخاري؛ لأن مسلم -رحمه الله- لم يبق في كتابه شيئا معلقا إلا حديثا واحدا, وهو حديث تيمم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجدار. لذلك قال ابن الصلاح: "وحاصل الأمر: أن ما علقه البخاري"؛ فإذن الكلام القادم كله في معلقات البخاري. أول نقطة في معلقات البخاري: هي قضية درجة هذه المعلقات، وهناك أمر -قبل هذا- ما ذكره ابن الصلاح -نبه عليه, أو ما ذكره ابن كثير-: وهو أن معلقات البخاري تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: علقه البخاري في مكان, ووصله في مكان آخر، أولا: مجموع المعلقات في صحيح البخاري كثير, تبلغ المعلقات ألفا وثلاثمائة حديث معلق، هذا كثير أو قليل بالنسبة لمعلقات مسلم؟ هذا العدد كثير. وصل منها البخاري -رحمه الله تعالى- في مكان آخر، أو وصل غالب هذه الأحاديث المعلقة في مكان آخر، ولم يبق إلا نحو مائة وستين حديثا, هي التي أبقاها البخاري لم يصلها في مكان آخر. فالكلام -الآن- اللاحق في أي القسمين؟ هو في القسم الثاني: الذي لم يصله في مكان آخر، أما الذي وصله فقد انتهى أمره, وهو موصول في صحيح البخاري، فحكمه حكم الموصول. القسم الثاني: الذي علقه, أو بقي دون وصل, ألف فيه ابن حجر -رحمه الله- كتابه المعروف "تغليق التعليق", والمراد به: أن يخرج هذه الأحاديث المعلقة، وكذلك -أيضا- باقي معلقات البخاري. المقصود بالمائة والخمسين: هي ما كان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأما عن غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - ففيه معلقات كثيرة جدا غير المائة والخمسين. فهذه كلها وصلها ابن حجر, أو ألف من أجلها كتابه "تغليق التعليق" -وهو كتاب جيد جدا مطبوع-, يعني يخرج المعلقات, ويقول -مثلا-: رويناه من طريق ... , ويسلك إسناده إلى -مثلا -: عبد الرزاق, أو ابن أبي شيبة، أو إلى سعيد بن منصور، أو إلى الإمام أحمد, أو إلى الترمذي, أو إلى مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 يعني إلى من خرج هذه المعلقات، ولخصه -أيضا- في " هدي الساري, مقدمة صحيح البخاري". تكلم ابن الصلاح -رحمه الله- على درجة هذه المعلقات المائة والخمسين، فقال: إنها على قسمين: أولا: ما يعلقه بصيغة الجزم، ما معنى صيغة الجزم؟ أن يقول: " قال فلان: كذا, أو ما معناه "، إذا قال البخاري: "قال فلان: كذا، أو قال فلان عن فلان عن فلان: كذا". يقول ابن الصلاح: فهذا محكوم بصحته إلى من علقه عنه، إلى من أبرزه من رجال الإسناد، ثم بعد ذلك يبقى النظر فيمن أبرز من رجال الإسناد. فإذا قال البخاري -مثلا-: "قال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده"؛ محكوم على هذا الإسناد بالصحة مِن مَن إلى مَن؟ مِن البخاري إلى بهز، وبعد ذلك يبقى النظر في من؟ في بهز, ومَن بعده؛ فهذا النوع الأول: ما هو مجزوم بصحته, يعني ما علقه بصيغة الجزم. إذن, إذا قال البخاري -رحمه الله-: "وقالت عائشة: قال النبي صلى الله عليه وسلم"، هذا الحديث ما حكمه الآن؟ هذا الحديث علقه بصيغة الجزم، فإذن على كلام ابن الصلاح هذا حديث صحيح؛ لأننا لا نحتاج إلى النظر بعدما أبرز من رجاله. وهكذا لو قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا"؛ فهذا معلق بصيغة الجزم, وليس هناك من رجال الإسناد ما ينظر فيه. القسم الثاني: الذي يعلقه بصيغة التمريض, مثل أن يقول: "ويذكر, ويروى" , فهذا يقول ابن الصلاح -رحمه الله-: إنه منه ما هو صحيح، إنه لا يستفاد من هذه الصيغة الصحة, ولكن -أيضا- لا يستفاد منها الضعف. وهذا معنى قوله: "ولا تنافيها -أيضا-", "فلا يستفاد منها صحة, ولا تنافيها -أيضا-" معناه: أن هذا النوع, أو هذا القسم المعلق -بصيغة التمريض- منه ما هو صحيح، ومنه ما هو ضعيف. بل منه ما يضعفه البخاري, كما في قوله: ويروى عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يتطوع الإمام في مكانه) فهذا -مباشرة- قال بعده البخاري: ولا يصح، ولكنه علق بصيغة التمريض -أيضا-. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 قال: ويذكر عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ? كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه ? وهذا في صحيح مسلم. فهذان قسمان: ما علقه بصيغة الجزم, وما علقه بصيغة التمريض، هذه مسألة تكلم عليها. ثم عاد ابن الصلاح -رحمه الله- وتكلم على المقصود بالصحة -إذا أطلقت الصحة على معلقات البخاري- يقول -رحمه الله-: "إننا, وإن أطلقنا عليها أنها صحيحة؛ إلا أنها ليست من نمط الصحيح, ما معنى من نمط الصحيح؟ يعني ليس من درجة أحاديث الجامع -جامع البخاري-، الأحاديث الصحيحة التي أسندها البخاري إسنادا". هذه هي عبارته وما كان من التعليقات صحيحا، فليس من نمط الصحيح المسند فيه بأنه قد وصفه بـ: "الجامع المسند الصحيح المختصر في أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه". إذن هذا عودة إلى ما سبق, وأن الصحيح ليس على درجة واحدة, وإنما هو على مراتب، فإذن البخاري -رحمه الله- قد يعلق في صحيحه أحاديث صحيحة؛ إذن ِلمَ لَمْ يخرجها -رحمه الله تعالى- مسندة إذا كانت صحيحة؟ هي صحيحة, ولكنها ليست على الصحة التي اشترطها البخاري، ففي الغالب هذه الأحاديث رغم صحتها يكون في إسنادها كلام، وربما لم يكن فيه كلام, ولكن -يعني- بسبب ولو بسيط, مثل: الاختلاف في اسم صحابي, أو نحو ذلك. مثل حديث: ? الدين النصيحة ? لم يخرجه البخاري، علقه البخاري, وهو حديث صحيح, أخرجه مسلم, وذكروا سببا: أنه لعله الاختلاف في احتمال ذكره ابن حجر هذا؛ أن يكون الاختلاف في اسم الصحابي -هكذا أذكر-. فالمقصود: أن البخاري -رحمه الله- ترك إسناد هذه الأحاديث المعلقة الصحيحة؛ لأنها نزلت عن شرطه. في قضية تكلم عليها ابن الصلاح: وهي أن البخاري -رحمه الله- ربما يقول في صحيحه: "قال لنا فلان, أو قال لي فلان, أو زاد لي فلان"، الآن ينسب هذا الكلام إلى من؟ البخاري, من الذي قال؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 يعني البخاري يقول: "قال لي فلان"، هل هناك تعليق أو ليس بتعليق هذا، ما هو المعلق؟ هو الذي يسكت منه المؤلف، هذا ما فيه إسقاط؛ فلهذا ابن الصلاح نبه, أو رد على من وصف هذا بالانقطاع، يقول: فهو متصل عند الأكثر. وحكى عن بعض المغاربة أنه تعليق -أيضا- يذكره للاستشهاد لا للاعتماد، ويكون قد سمعه في المذاكرة، ما معنى المذاكرة؟ هي المراجعة تقريبا، أو المباحثة, وهي ما نطيل بها. لكنها عند العلماء -رحمهم الله-: ما يسمعه الشخص بالمذاكرة, ليس مثل ما يسمعه في الرواية، أو نقول: إن الراوي حال تحديثه في المذاكرة, ليس على درجة ما يحدث به إذا قصد الرواية. وهذه المذاكرة: معروف عند العلماء أنهم يتسامحون فيها , وربما دلسوا, وربما أسقطوا، يعني يتسامحون في المذاكرة. فهذا أحد -أو بعض- حفاظ المغاربة يقول: إن البخاري إذا قال: "قال لي فلان"؛ فقد عدل عن قوله: "حدثنا, أو حدثني, أو أخبرني" بأنه سمع هذا الكلام في أي صفة؟ بالمذاكرة؛ فأراد أن يبين أنه ليس كالذي سمعه في حال الرواية. ورد ابن الصلاح هذا وقال: ونقل عن الحافظ أبي جعفر ابن حمدان أن البخاري إذا قال: "قال لي فلان"؛ فهو مما سمعه عرضا ومناولة. العرض والمناولة: هذا من طرق التحمل -وستأتي معنا-، وخلاصتهما, أو معناهما: "العرض" هو أن يقرأ التلميذ على الشيخ, وهو عند جمهور العلماء في منزلة, دون منزلة: أن الشيخ هو الذي يقرأ؛ فهذا من طرق التحمل عندهم, يعني معروفة. بعضهم الشيخ الذي يقرأ، يقول: "حدثني فلان"، وبعضهم يقرأ التلميذ, والشيخ يستمع ويقر؛ فهذا هو العرض، القراءة على الشيخ هي العرض. أما المناولة: فيعطيه الكتاب, أو يعطيه الجزء يناوله إياه, وفي الغالب -يعني العلماء- يقولون: تجوز الرواية بها؛ إذا قال له: "خذ هذا الجزء -مثلا-"، ستأتي معنا -إن شاء الله تعالى-, و: "اروه عني". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 فحينئذ تكون هذه, يسمونها "مناولة", مصحوبة بأي شيء؟ بالإجازة, وهذه -يعني- أقوى من المناولة العارية عن الإجازة، وستأتي معنا طرق التحمل -إن شاء الله تعالى-. فالمقصود أن الكلام هذا كله على قضية: "إذا قال البخاري: قال لي فلان"، تضيفون على هذا: أن ابن حجر -رحمه الله تعالى, وهو ممن خبر كتاب البخاري- يقول: "يظهر لي -والله أعلم, يعني هو راجع إلى هذا الكلام- أن البخاري إنما يقول مثل هذا الكلام -يعني يعدل عن التصريح بالتحديث, إلى أن يقول: قال فلان, أو قال لي فلان, أو قال لنا فلان- لسبب ما في الإسناد, أو في المتن, أو نحو ذلك. وهذا يبين لنا, أو ابن حجر -رحمه الله- يريد أن يبين لنا دقة الإمام البخاري، البخاري مدرسة كبيرة في اختيار الأساليب واختيار الألفاظ, وهو من أقل الناس كلاما -رحمه الله تعالى-, ولكن كلامه -كما يقال- من المختصر المفيد. حتى بالنسبة لكلامه في الرجال، بالنسبة لكتبه في الرجال هي تعتبر مختصرة, ولكن فيها من الفوائد, مثلا في "التاريخ الكبير" شيء عظيم جدا من الفوائد. حتى إن ابن أبي حاتم -رحمه الله تعالى, كما هو معروف- جاء إلى "التاريخ الكبير" فاستخلص منه كم من كتاب؟ ثلاثة الكتب: "الجرح والتعديل" هذا في الرجال خاصة، "المراسيل" وهذا على نمطه, وليس استخلصها بمعنى أخذ فقط ما عند البخاري، "المراسيل" وهذا يتعلق بالاتصال والانقطاع، "العلل" وهذه من نمط الأحاديث التي يولدها البخاري في "التاريخ الكبير", ويبين عللها. فالمقصود: أن البخاري -رحمه الله تعالى- دقيق جدا في اختيار أساليبه, وفي أغراضه: من ذكر إسناد, أو من تعليقه, أو من -يعني- إبدال لفظ بلفظ. ولهذا؛ أنا أنصح -دائما- من يريد أن يتمكن في "مصطلح الحديث": فكتاب البخاري استعانة بشروحه, ولا سيما "فتح الباري" لابن حجر, من أهم مصادر السنة التي تعين الباحث على التفقه في مصطلحات أهل الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 يورد كثيرا من المصطلحات, ويستخدم مصطلحات كثيرة، يعني: يستفيد طالب العلم أمورا تطبيقية عملية على هذه المصطلحات. إنكار ابن الصلاح على ابن حزم رده حديث الملاهي وأنكر ابن الصلاح على ابن حزم رده "حديث الملاهي"، حيث قال فيه البخاري: "وقال هشام بن عمار"، وقال: أخطأ ابن حزم من وجوه؛ فإنه ثابت من حديث هشام بن عمار. قلت: وقد رواه أحمد في "مسنده", وأبو داود في "سننه"، وأخرجه البرقاني في "صحيحه"، وغير واحد, مسندا متصلا إلى إشهاد ابن عمار وشيخه -أيضا- كما بيناه في كتاب "الإحكام", ولله الحمد. هذه مسألة -يعني- تطبيقية على ما يقول فيه البخاري, لكن هذه دون التي قبلها، التي قبلها ماذا يقول البخاري عن شيخه؟ قال: "لنا"، أما هذه: ما فيها لنا، إنما قال: "فلان". فابن حزم -رحمه الله تعالى- لما احتج عليه, معروف أن ابن حزم -رحمه الله- يبيح شيئا من الغناء؛ فاحتج عليه بهذا الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه، وقال فيه: "وقال هشام بن عمار"، لم يقل: "حدثنا هشام بن عمار" وهو من شيوخه، هو من شيوخ البخاري -رحمه الله-. فابن حزم -رحمه الله- يقول: إن هذا منقطع لماذا؟ لأن البخاري لم يقل: "حدثنا"، فردوا عليه من عدة جهات: أولا: أن هشام بن عمار شيخ البخاري, فإذا قال البخاري: "قال هشام بن عمار", والبخاري ليس بمدلس؛ فمعناه: أنه قد سمعه من هشام بن عمار, والإسناد متصل. وهذا من الأشياء التي يقول ابن حجر -رحمه الله-: إن البخاري لا يعدل عن التصريح بالتحديث إلا لسبب، يقول: لعله بسبب الاختلاف في تسمية الصحابي؛ لأن الحديث من طريق عبد الرحمن بن غنم الأشعري, عن أبي عامر, أو أبي مالك الأشعري, يعني: تردد في اسم الصحابي، يقول: لعله لهذا؛ عدل البخاري عن: "حدثنا" إلى: "قال". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 والأمر الآخر: أن هذا الحديث رد على ابن حزم, هذا -يعني- في الأمر الآخر, وهو: أن هذا الحديث متصل في كتب أخرى غير كتاب البخاري, وهو معروف عن هشام بن عمار. فإذن -يعني- المفترض في ابن حزم -رحمه الله- أن يبحث عن علة أخرى غير الانقطاع؛ إذا كان يريد أن يطعن في هذا الحديث -إن كان عنده علة أخرى-, وإلا فهذه العلة ضعيفة؛ لا تصلح هذه العلة علة قادحة في هذا الحديث. ولا سيما مع كلام لابن حزم يقرر فيه: أن الراوي إذا قال عن شيخه: "قال", أو: "عن", أو: كذا؛ فهو محمول على أي شيء؟ إذا قال عن شيخه, فهو محمول على الاتصال وعلى السماع، هكذا قرره في كتابه "الإحكام في أصول الفقه". هنا مسألة سيتكلم عليها ابن كثير نقلا عن ابن الصلاح, وهي مسألة -يعني-: تلقي الأمة للصحيحين بالقبول, وماذا يفيد. ماذا تفيد أحاديث الصحيحين ثم حكى أن الأمة تلقت هذين الكتابين بالقبول، سوى أحرف يسيرة انتقدها بعض الحفاظ: الدارقطني وغيره، ثم استنبط من ذلك: القطع بصحة ما فيهما من الأحاديث؛ لأن الأمة معصومة من عين الخطأ، كما ظنت صحته ووجب عليها العمل به؛ لابد وأن يكون صحيحا في نفس الأمر، وهذا جيد. وقد خالف في هذه المسألة الشيخ محي الدين النووي, وقال: "لا يستفاد القطع بالصحة من ذلك"، قلت: وأنا مع ابن الصلاح في ما أول إليه, وأرشد إليه, والله أعلم. هذه المسألة، مسألة ماذا تفيد أحاديث الصحيحين؟ القطع أو الظن؟ هي مسألة ليست من علوم الحديث, وإنما هي لها تعلق بأصول الفقه؛ ولهذا -بعد قليل, لن نقرأه, ولن نطيل فيه- سينقل ابن كثير -رحمه الله تعالى- كلاما لابن تيمية عن الحديث إذا تلقته الأمة بالقبول، وابن تيمية ينقل عن جماعة -عن أهل الحديث, وعن غيرهم من أهل الكلام والأشاعرة, وغيرهم-: أن الأمة إذا تلقت الحديث بالقبول؛ فهو مقطوع بصحته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 فابن الصلاح -رحمه الله- يقول: إن الأمة قد تلقت كتاب البخاري ومسلم بالقبول, سوى أحاديث يسيرة انتقدها بعض الحفاظ مثل: الدارقطني، وهناك غير الدارقطني مثل: الإسماعيلي, ومثل ابن عمار الشهيد. يقال له: "الشهيد"؛ قتله القرامطة عند الكعبة -رضي الله عنه ورحمه-، له كتاب في: "علل صحيح مسلم"، أحاديث يسيرة انتقدها، بل هناك أحاديث في الصحيحين انتقدها البخاري ومسلم. يعني: يبينون علل بعض الأحاديث حتى في كتابيهما، فهذه الأحاديث -وهناك أحاديث أيضا لا بد أن تنضم إلى هذا- أحاديث انتقدها بعض الحفاظ قبل البخاري ومسلم، مثل: أحمد, أو مع البخاري ومسلم مثل: أبي حاتم, أو النسائي. فالمقصود: أن الأحاديث التي انتقدت ليس مراد ابن الصلاح أن الصواب مع المنتقد، لا يريد هذا هو، إنما يريد "انتقادا": يعني أنزلها عن أن تدخل في الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول. إذن ما عدا هذه الأحاديث, وكما يقول ابن تيمية: جمهور أحاديث الصحيحين -يقول جمهور أحاديث الصحيحين- تفيد التواتر. وهذا الذي قاله -رحمه الله- له حظ, يعني: هو صحيح إلى درجة كبيرة, أن جمهور أحاديث الصحيحين, إذا استثنينا ما انتقد, أو ما فيه اختلاف على بعض -يعني إذا استثنينا بعض الأشياء-؛ فبقية أحاديث الصحيحين من المقطوع بصحته، ويفيد العلم اليقين. وأي طالب علم -إن شاء الله تعالى- الذي يقرأ منكم في "صحيح البخاري", في "صحيح مسلم", يسوق الإمامان طرقا لبعض الأحاديث يعني إذا نظرت في الطرق، ونظرت في تراجم أصحابها, لا يكاد حديث يتوقف في صحة هذه الأحاديث. إذا كان بعض العلماء يقول: عن مالك عن نافع عن ابن عمر، ماذا أخذنا من ذلك؟ يقول: إنما -هو- ترفع الستر فتنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني: كأنك بهذا الإسناد ليس بينك وبين رسول الله إلا ستر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 فإذا كان مثل هذا الحديث مثلا- يرويه مالك عن نافع عن ابن عمر، ويرويه أيوب عن نافع عن ابن عمر، ويرويه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، ويرويه مع نافع سالم، ويرويه مع سالم -أيضا- عبد الله بن دينار، ويرويه مع عبد الله بن عمر -مثلا- جابر وعائشة. ومثل هذا الحديث -بغض النظر عن قضية التواتر عند الأصوليين وتواتر الطبقات..الخ- فمثل هذا الحديث عند المحدثين لا يرتابون أبدا في صحته، فهذا هو معنى كلام ابن الصلاح: أنه مقطوع بصحته. لأن المحدثين تلقوا هذين الكتابين بالقبول، وهذا كلام صحيح، النووي -رحمه الله- اعترض ومشى على مذهب الأصوليين: أن السنة, أو أن الأخبار -بغض النظر عن السنة- تنقسم عندهم إلى قسمين: متواتر، وآحاد. فهو يقول: كل أحاديث الآحاد -ما في الصحيحين, أو غيرهما- منزلتها واحدة, وهي أنها تفيد الظن، ولكن هذا الكلام نحى فيه منحى المتكلمين, أو أهل الأصول. مع أن ابن تيمية -رحمه الله- على أن الأمة إذا تلقته بالقبول -يعني إذن ليس هو لهم جميعا-؛ فالمقصود من هذا الكلام كله: أن جمهور أحاديث الصحيحين - بحمد الله تعالى- مما تلقته الأمة بالقبول, ومما هو مقطوع بصحته. ويبقى ما انتقد، فيه مجال للاختلاف, ولكن ليس مراد ابن الصلاح: أن الصواب مع منتقد الكتابين, وإنما مراده: أنها نزلت هذه الأحاديث عن القطع بصحتها. النوع الثاني: الحديث الحسن تعريف الحديث الحسن النوع الثاني: الحسن، وهو في الاحتجاج به كالصحيح عند الجمهور، وهذا النوع لما كان وسطا بين الصحيح والضعيف في نظر الناظر -لا في نفس الأمر-؛ عسر التعبير عنه وضبطه في كثير من أهل هذه الصناعة؛ وذلك لأنه أمر نسبي, شيء ينقدح عند الحافظ ربما تقصر عبارته عنه. وقد تجشم كثير منهم حده، فقال الخطابي: "هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله، قال: وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء, ويستعمله عامة الفقهاء". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 قلت: فإن كان المعرف هو قوله: "ما عرف مخرجه واشتهر رجاله"، والحديث الصحيح كذلك، بل والضعيف، وإن كانت بقية الكلام من تمام الحد؛ فليس هذا الذي ذكره مسلما له: أن أكثر الحديث من قبيل الحسن, ولا هو الذي يقبله أكثر العلماء, ويستعمله عامة الفقهاء. دخل ابن كثير -رحمه الله- في موضوع طويل، وهو "موضوع الحسن"، وتكلم على عدد من النقاط نأخذها بسرعة: أولها: قضية الاحتجاج بالحسن عند العلماء -رحمهم الله تعالى-, يعني إذا قيل: الحسن الذي هو الحسن لذاته -كما عرف في الاصطلاح فيما بعد هذا عند العلماء رحمهم الله تعالى- جزء منه, أو ملحق بالحديث الصحيح. وقد مر بنا أن الحديث عند الأئمة المتقدمين -في غالب كلامهم - ينقسم إلى قسمين فقط: وهما الصحيح والضعيف. فالحسن عندهم مندرج -يعني في أعلى مراحله العليا- مندرج تحت الصحيح؛ ولهذا فهناك أحاديث حتى في " صحيح البخاري ", وفي " صحيح مسلم " إذا طبقنا عليها التعريف الآتي للحديث الحسن؛ يمكن أن توصف بأنها حسنة. فإذن هو في الاحتجاج به يعني كالصحيح، بل يقول الذهبي -رحمه الله- , وغيره كذلك, يقولون: "إن الحسن هو في رتبة أنك إذا أخذت الحديث الصحيح, وجعلته على مراتب, لا تزال تنزل حتى تصل إلى أن بعض مراتبه هو الحديث الحسن". هذه مسألة الاحتجاج، نعم: بعض ما يوصف بأنه حسن قد يكون في الاحتجاج باختلاف، يعني: وهو الذي في أدنى درجات الحسن، لكن هذه مسألة لها ذيول نتركها الآن. المقصود: وهو " قضية الاحتجاج بالحديث الحسن" ذكر عن الجمهور: ولا ينسبون عن أحد معين أنه لا يحتج بالحديث الحسن، وإنما يذكرون كلمات لأبي حاتم وغيره، يقولون: إنه تشدد فيها؛ فربما وصف راويا بأن حديثه حسن، ثم يقال له: يحتج به؟ فلا يجيب بنعم؛ ففهموا بهذا أن أبا حاتم -مثلا- لا يحتج بأي شيء؟ بالحديث الحسن، وهذا عليه اعتراض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 المهم: أنه الكلام, أو الاحتجاج بالحديث -الحين يعني- هو قول جمهور العلماء، ولا يذكر عدم الاحتجاج عن -يعني- شخص معين, أو عن إمام معين, ويكون كلامه صريحا في رد الاحتجاج بالحديث الحسن، هذه نقطة. النقطة الثانية: ابن كثير -رحمه الله- كأنه اعتذر, أو يعتذر مسبقا عن الإطالة في تعريف الحديث الحسن، وكثرة الاختلاف في تعريفه، بماذا اعتذر هو -رحمه الله-؟ اعتذر بأن الحديث الحسن: لما كان في رتبة بين الصحيح وبين الضعيف -يعني يتجاذبه من جهة- ما الذي جعله ينزل عن الصحيح؟ أن فيه شيئا من الضعف، ما الذي جعله لا يوصف بأنه ضعيف؟ أنه ارتقى عن درجة الضعيف. فهو يقول -رحمه الله-: هذا الاعتذار قدمه -وهو قوله: وهذا النوع لما كان وسطا بين الصحيح والضعيف في نظر الناظم لا في نفس الأمر- ابن كثير مُصِرٌّ على هذه النقطة: وهي أن هذه التقاسيم هي في نفس الأمر, يعني: تقسيم الحديث إلى ثلاثة أقسام في نفس الأمر, أو في اجتهاد المجتهد. وقد سبق لنا في أول كلامه: أن الحديث في نفس الأمر ينقسم إلى: كم قسما؟ إما ثابت أو غير ثابت. فهو يقول: "لما كان وسطا بين الصحيح والضعيف في نظر الناظم -وليس في نفس الأمر-؛ عسر التعبير عنه وضبطه على كثير من أهل هذه الصناعة؛ وذلك لأنه أمر نسبي, شيء ينقدح عند الحافظ, وربما تقصر عبارته عنه"، هذا سبب وجيه. وقد كرره أو ذكره أيضا شيخه الذهبي، ويحتمل أن يكون ابن كثير -رحمه الله- أخذه من كلام شيخه الذهبي، ذكر هذا في "الموقظة". وأن هذا, حتى هو قال -رحمه الله- الذهبي, يعني: لا تسطيع أن تجد تعريفا للحديث الحسن يدخل تحته جميع الأحاديث التي يوصف بها أنها حسنة، يقول لنا عن الذهبي. فالمقصود: أن الحديث الحسن؛ يقدمون بهذا الكلام اعتذارا عن كثرة التعاريف للحديث الحسن, أو الاختلاف في تعريفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 ويضم إلى هذا سبب -أيضا-: أن تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف -كما عرفنا في درس الأمس, والذي قبله- أن هذا من الذي شهره, وأكثر منه؟ هو الإمام الترمذي. أما قبل, فالتعبير بكلمة "حسن" هذا -يعني- ليس بالكثير؛ فهو إذن اصطلاح جديد -نوعا ما-. هنا الآن: أول ما ذكر ابن كثير -رحمه الله- تبعا لابن الصلاح من التعاريف تعريف من؟ الخطابي, معروف عندنا الخطابي؛ صاحب أي كتاب؟ "معالم السنن"، و "أعلام السنن" وهو شرح فيه "صحيح البخاري"، وكتابه "معالم السنن" شرح فيه "سنن أبي داود". أما الأول: شرح فيه بعض الأبواب، انتقى أبوابا من " صحيح البخاري -رحمه الله-", ويعتبر هو من العلماء المبكرين في شرح كتب السنة، وكلامه محرر, ويتداول -ينقل غالبا-؛ لاختصاره, وغزارة فوائده. عرف الحديث الحسن -رحمه الله- بهذا التعريف, واعترض عليه في اعتراضات: منها ما ذكره ابن كثير -رحمه الله- وأن هذا لا يفصل الحسن من الصحيح، لا يفصله من الصحيح؛ لأن الصحيح أيضا عرف مخرجه واشتهر رجاله. ومن الاعتراضات ما ذكره ابن كثير: "أن قوله: يقبله أكثر العلماء, ويستعمله عامة الفقهاء"، ليس مسلما له، ليس أكثر الأحاديث من قبيل الحسان. يقول -هذا كلام ابن كثير رحمه الله-: واعترض عليه -أيضا- كما نعرف, هنا نقطة مهمة في مسألة تعريف الحديث الحسن, الذي ألفه في المصطلح ابن الصلاح ومن بعده، تطلبوا تعريفات لجميع مصطلحات الحديث على طريقة أهل الحدود والتعريفات، من هم أهل الحدود والتعريفات؟ هم أهل المنطق, ويريدون بالتعريف: أن يكون جامعا مانعا، فإذا أرادوا أن يعرفوا مصطلحا ما؛ يريدوا أن يفصلوه عن غيره من المصطلحات؛ لئلا تتداخل المصطلحات؛ فهذا عسر عليهم العثور على تعاريف لبعض مصطلحات الحديث بسبب سأذكره فيما بعد -إن شاء الله تعالى-. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 فالمقصود: أن الاعتراض -الآن- أكثره على أن التعريف غير جامع, أو غير مانع, يعن: ليس على صناعة الحدود والتعريفات -هكذا يقولون-, ومنه هذا الاعتراض على الخطابي. الآن سيذكر ابن كثير -رحمه الله تعالى- تعريفا آخر للحديث الحسن, الذي هو تعريف الترمذي. تعريف الترمذي للحديث الحسن قال ابن الصلاح: ورُوِّينا عن الترمذي أنه يريد بالحسن أن لا يكون في إسناده ما يتهم بالكذب , ولا يكون حديثا شاذا, ويروى من غير وجه, ونحو ذلك. وهذا إذا كان قد روى الترمذي أنه قاله؛ ففي أي كتاب له قاله، وأين إسناده عنه؟ وإن كان فُهِمَ من اصطلاحه في كتابه "الجامع" فليس ذلك بصحيح؛ فإنه يقوله في كثير من الأحاديث: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. هذا تعريف الترمذي -رحمه الله-, واعترض عليه ابن كثير, ليس على التعريف نفسه، إنما اعترض على أي شيء ابن كثير -رحمه الله-؟ على النقل عن الترمذي على نقل هذا التعريف، ويقولون: إن ابن كثير سها -رحمه الله- بهذا الاعتراض, لماذا سها؟ لأن هذا التعريف موجود في كتاب الترمذي "العلل الكبير"، وكتاب "العلل" للترمذي يسمى "العلل الصغير" موجود في آخر سننه. وابن كثير قد سمع السنن وفيها هذا الكتاب فسها عنه، هذا سهو من ابن كثير -رحمه الله تعالى-, هكذا يقولون: بأن تعريف الترمذي للحديث الحسن موجود في آخر سنن الترمذي. وبعضهم يقول: يحتمل -الله أعلم- ألا يكون ابن كثير قد سمع "العلل الصغير"؛ لأنه يوجد في بعض الروايات دون بعض, وهذا لعله الأقرب: أن لا يكون ابن كثير قد سمع كتاب "العلل الصغير" للترمذي الذي فيه هذا التعريف. فإذن الخلاصة من هذا الكلام: أن هذا التعريف ثابت عن الترمذي أو غير ثابت؟ ثابت عن الترمذي, لا إشكال فيه، وهو قد قال هذا, ولمن يريد أن يطلع في آخر الجزء الأخير، يعني: في نهاية سنن الترمذي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 ونحن نعرف كتاب "شرح علل الترمذي", لمن هذا الكتاب؟ لابن رجب، شرح به هذا الكتاب الصغير, والذي هو "العلل الصغير", ويقولون له: "العلل الصغير"؛ لأن الترمذي له كتاب "العلل الكبير"، هذا مستقل، كتاب مستقل يسمى "العلل المفرد" -أيضا-، وهذا له موضوع, وهذا له موضوع. "العلل الصغير": أكثره قواعد، وشرح مصطلحات، أما "العلل الكبير": فعبارة عن أسئلة وجهها إلى شيخه البخاري, يسأله عن أحاديث, وعن درجة أحاديث, أكمل -سيأتي التعليق على كلام الترمذي الآن-. تعريفات أخرى للحسن قال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح -رحمه الله-, وقال بعض المتأخرين: الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل هو الحديث الحسن, ويصلح للعمل به. هذا الكلام لابن الجوزي -رحمه الله-, ابن الجوزي عرف الحديث الحسن بهذا التعريف في كتابه "الموضوعات", في مقدمة كتابه "الموضوعات". وهو -أيضا- من التعاريف التي كثر عليها الاعتراض بأنهم يقولون: الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل هو الحديث الحسن، يقولون: ما ضابط أقوى ما اعترض به على هذا التعريف؟ هو أنهم قالوا: ما حد الضعف القريب المحتمل؟ حتى يقولوا: هذا أيضا ليس على صناعة الحدود والتعريفات؛ بأنه لم يذكر ضابط الضعف الذي ينزل به عن الصحيح يسمى الحسن، ولا يصل إلى الضعيف. هذا الاعتراض الذي اعترض على ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-، انظروا: الآن أريد منكم أن تقارنوا، يعن: ابن كثير في أول كلامه ماذا قال؟ قال: "وهذا النوع لما كان وسطا بين الصحيح والضعيف في نظر الناظر -لا في نفس الأمر-؛ عسر التعبير عنه وضبطه على كثير من أهل هذه الصناعة؛ وذلك لأنه أمر نسبي، شيء ينقدح عند الحافظ, ربما تقصر عبارته عنه". قارنوه بكلام ابن الجوزي: "الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل هو الحديث الحسن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 إذا قارنت كلام ابن كثير -رحمه الله- بكلام ابن الجوزي؛ تصل إلى نتيجة: وهي أن تعريف ابن الجوزي -رغم ما اعترض به عليه؛ حتى كثير من الباحثين بدءوا يميلون إليه- هو أسهل التعريفات بالنسبة إلى الحديث الحسن لذاته. هو أسهل التعريفات, وأقربها تصورا، ولكن لا أطيل بشرح هذا، المقصود: أنه الاعتراض الذي اعترض به عليه، ماذا يقولون؟ يقولون ما هو الضعف القريب المحتمل؟ ابن كثير -في كلامه هنا- جعل هذا الضعف راجعا إلى من؟ إلى من تقدير الضعف المحتمل في كلامه؟ إلى نقد الناقد، فهذا أمر انضبط إذن، وسيأتي معنا أن -حتى التعريف- الذين اعترضوا على ابن الجوزي, واختاروا تعريفا -أيضا- فيه شيء لا ينضبط؛ إلا أن يعيد الضبط إلى من؟ إلى نقد الناقد. فكلام ابن الجوزي -رحمه الله تعالى- قريب أن نقول في تعريف الحسن لذاته: هو الحديث الذي تطرق إليه ضعف أنزله عن درجة الحديث الصحيح, ولم يصل به إلى درجة الحديث الضعيف، وتقدير ذلك مرده إلى من؟ إلى نقد الناقد. هذا الذي يظهر لي -والله أعلم-, وشرح هذا: ربما آتي إلى بعضه, نعم, اقرأ. أقسام الحديث الحسن ثم قال الشيخ: "وكل هذا مستبهم لا يشفي الغليل، وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن عن الصحيح، وقد أنعمت النظر -في ذلك- والبحث؛ فتنقح لي, واتضح لي, أن الحديث الحسن قسمان: أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور, لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ, ولا هو متهم بالكذب، ويكون متن الحديث قد روي مثله, أو نحوه من وجه آخر. فيخرج بذلك عن كونه شاذا أو منكرا، ثم قال: وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل، قلت: لا يمكن تنزيله؛ لما ذكرناه عنه، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 والقسم الثاني: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة، ولم يبلغ درجة رجال الصحيح في الحفظ والإتقان، ولا يعد ما ينفرد به منكرا، ولا يكون المتن شاذا ولا معللا؛ وعلى هذا يتنزل كلام الخطابي، قال: والذي ذكرناه يجمع بين كلاميهما ". نعم, خلاصة كلام ابن الصلاح -رحمه الله- ونختم به درس اليوم: هو أنه يقول: نظرت في تعاريف الأحاديث الحسنة السابقة؛ فتلخص لي أن بعض الأئمة عرف نوعا من الحسن, وبعض الأئمة عرف نوعا آخر. فإذا جئنا إلى الخطابي, وكذلك -أيضا- يلتحق به ابن الجوزي؛ نجده عرف نوعا من الحسن: وهو الذي حسنه؛ أتى من نفس الإسناد، يعني: لم يأت حسنه من أي شيء؟ من إسناد آخر, أو من عاضد له. ثم ابن الصلاح أراد أن يحرر هذا على طريقة التعاريف والحدود؛ فقال: "أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة, ولم يبلغ درجة رجال الصحيح في الحفظ والإتقان، ولا يعد ما ينفرد به منكرا، ولا يكون المتن شاذا ولا معللا ". لم يذكر هنا اتصال الإسناد, لكنه ذكره في أي مكان سابقا؟ اشترطه في الحديث الصحيح, وهو مراد هنا؛ إذن أنت -الآن- قارن تعريفه للحديث الصحيح بهذا، ما الذي تغير في تعريف الحديث الصحيح؟ هو -فقط- درجة الراوي في الضبط وليس في العدالة؛ فإذن هو يقول: إن راوي الحديث الحسن نزل قليلا من جهة الضبط عن راوي الحديث الصحيح, ولم ينزل إلى أن يعد ما ينفرد به منكرا ضعيفا. فهذا كلام ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- نزل به, أو جعله أحد القسمين للحديث الحسن، ونزل عليه كلام الخطابي. وهذا القسم -كما نعرف- لما جاء ابن حجر إليه -يعني- ما غير فيه شيئا -تقريبا- سوى أنه أضاف كلمة "الحديث الحسن لذاته", ومعنى لذاته: أن حسنه من نفس الإسناد، يعني: الرواة عدول، في ضبطهم قصور يسير عن راوي الحديث الصحيح متصل الإسناد غير شاذ ولا معلل؛ فهذا هو الحديث الحسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 والناس -عملوا- بعد ابن الصلاح ساروا على هذا التعريف، وهو تعريف لا إشكال فيه، ولكن أنبه إلى شيء: وهو اشترط في الحديث الصحيح ألا يكون شاذا, وألا يكون معللا. بس ننبه هنا إلى اشتراط هذا في الحديث الحسن, وأنه -انتبهوا لهذه النقطة- ما الذي جعل الراوي ينزل ضبطه عن درجة الضابط المتقن، يعني: أن يكون في ضبطه قصور؟ ما الذي جعلهم يحكمون عليه بهذا؟ نحن نعرف أن من أهم وسائل العلماء في اختبار الرواة هو النظر في أحاديثهم، يأتون إلى حديث الراوي فينظرون في حديثه , ويقارنون حديثه بحديث من؟ أقرانه. مثلا: يأتون إلى نافع، نافع روى عنه جمع كثير من الرواة , فينظرون الذين يتفقون في روايتهم عن نافع, إذا اتفقوا؛ عرفوا أن هذا ضابط, وهذا ضابط. لأن رواية هذا لم تخالف رواية الجماعة، ورواية هذا لم تخالف رواية نافع، يجدون بعض الرواة عن نافع يأتي بأحاديث ينفرد بها فكثر منه هذا، أو يأتي بأحاديث يرفعها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والجماعة يقفونها على ابن عمر. فربما تكلموا في حفظه من هذه الجهة؛ فينزلونه عن درجة الصحيح، فإذا كثر منه ذلك؛ أنزلوه إلى درجة الضعيف، وربما إذا اشتد هذا؛ ربما كذبوه. وكل هؤلاء الجماعة -الآن- يروون عن من؟ عن نافع؛ ولهذا جعل بعض العلماء: قسَّم -مثلا- ابن المديني, وقسَّم النسائي أصحاب نافع إلى طبقات, ربما أوصلوهم إلى ثماني طبقات، من أين أخذوا هذا؟ عملهم هو "المقارنة" هو الذي يسميه "الاستقراء"، وهو عمل جبار, يعني: هو عمل عظيم جدا. إذن ننتبه إلى هذه النقطة: وهي أن كثيرا من الأحاديث التي توصف بأنها حسنة، لِمَ وصفت بأنها حسنة؟ لأن راويها خف ضبطه, لِمَ خف ضبطه؟ لِمَ حكم عليه بأن ضبطه خفيف؟ لأنه يخالف أقرانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 فإذن النقطة التي رد عليها في الحديث الحسن: هو أنه يكثر فيه الشذوذ, ويكثر فيه العلل، وهذا كثير ممن ادعي فيه أنه حديث حسن أن التحقيق: إذا طبقت عليه الشرطين الأخيرين؛ ستجد أن فيه شذوذا, وأن فيه عللا. ومع الأسف الشديد, هذا من الأمور التي -يعني- أضعفت التصحيح والتضعيف في عصر متأخر, وفي عصرنا الحاضر بالذات: هو إغفال الشرطين الأخيرين. أمور أخرى: لكن من أهمها إغفال الشرطين الأخيرين, وبالذات في تحسين الأحاديث، هو يقول لك: حسن من أجل فلان، يعني: من أجل فلان؛ أن درجته نزلت عن درجة الضابط المتقن، ولكن لم يواصل, لم ينظر في الشذوذ والعلل. وكثير من أحاديث هؤلاء يتطرق إليها الشذوذ, أو تتطرق إليها العلل؛ إذن هذا هو الحديث الحسن لذاته؟ نعم: هذا هو، وهناك أمور أخرى, لكن ما أطيل. يبقى النوع الثاني, أو القسم الثاني: وهو الذي نزل عليه ابن الصلاح كلام الترمذي الذي هو: "قال ابن الصلاح: الحديث الذي لا يخلو إنزال إسناده من مستور, لم تتحقق أهليته, غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ, ولا هو متهم بالكذب". المغفل كثير الخطأ: ماذا وجدوا درجة حديثه؟ ضعيف أو ضعيف جدا؟ ضعيف جدا، هذا الذي يسميه العلماء "المتروك". يقول ابن الصلاح -رحمه الله-: "إذا كان راوي الحديث ضعيفا جدا بسبب غفلته -وإن كان صالحا في نفسه-، أو بسبب اتهامه بالكذب؛ فإن هذا لا يرتقي إلى الحسن، وإنما ذكر الذي يرتقي إلى الحسن هو المستور, الذي لم تتحقق أهليته، ويكون متن الحديث قد روي مثله, أو نحوه من وجه آخر". إذن من أين أتى الحسن؟ من نفس الإسناد أو من خارجه؟ من خارجه؛ فلهذا ابن حجر -رحمه الله- أضاف كلمة لغيره، ووافق ابن الصلاح على هذا التعريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 ولكنه زاد -أيضا- فقال: "ليس الأمر خاصا بالإسناد الذي فيه راوٍ مستور، وإنما هذا يشمل المنقطع, ويشمل المدلس، ويشمل رواية المختلط إذا روى عنه راوٍ بعد الاختلاط، ويشمل جميع أنواع الحديث الضعيف؛ إذا لم يصل الضعف إلى أن يكون ضعفه شديدا". فإذن مثل هذا الضعف يكون، والناس تابعوا ابن حجر -رحمه الله-, وكلامه قريب, يعني: ليس ببعيد، يعني: ليس شرطا أن يكون فيه راوٍ مستور، يعني: ليس شرطا أن يكون سبب ضعفه أن فيه راويا مستورا، قد يكون رواته ثقات, ولكنه مرسل. ثم جاءنا إسناد آخر مثله مرسل -أيضا-, أو مسند آخر فيه ضعف يسير، أي: فيه ضعف, فهذا: ذكر الشافعي -رحمه الله تعالى- من شروطه في قبول المرسل ذكر مثل هذا، وأنه يتقوى ويحتج به. فإذن هذا النوع الثاني, أو القسم الثاني من الحسن: وهو الذي سماه ابن حجر -رحمه الله- الحسن لغيره، انتبهوا -الآن يا إخواني- لكي تحكم على الحديث بأنه حسن لغيره؛ ما الذي يلزمك من المقدمات؟ الذي يلزمك من المقدمات -انتبهوا نقطة مهمة جدا- ما الذي يلزمك؟ أولا: أن يكون الإسناد الأول ضعيفا، ولكن ضعفه ليس شديدا، هذا أمر مهم، الأمر الثاني: أن يكون الإسناد الثاني -أيضا الذي تريد أن تعرف به أيضا- إما صحيحا, وإما حسنا، وإما ضعيفا, ولكن ضعفه ليس شديدا, والشرط المهم -أيضا-: ألا يكون شاذا, ولا معللا, أو منكرا، إذا قلنا -مثلا قبل قليل-: إن راوي الحديث الحسن الذي هو الصدوق, أو من نزل عن درجة الضابط, لِمَ نزل عن درجة الضابط؟ لمخالفته أقرانه. إذن الراوي الضعيف هذا: لِمَ ضُعِّفََ؟ لكثرة مخالفته لأقرانه؛ إذن انتبهوا يا إخواني هذه النقطة مهمة: وهي أن أحاديث الضعفاء إذا قيل: إن الثقة قد يكون حديثه شاذا, أو معلولا، والصدوق قد يكون حديثه شاذا, أو معلولا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 فإن الضعيف من باب أولى أن يكون حديثه: قد يكثر في حديثه النكارة، ويكثر في حديثه الشذوذ؛ إذن نحن نسلم بأن الحديث قد يعترض بالطرق, لا إشكال في هذا، وأنه قد يرتفع من الضعف إلى الحسن، وهذا لا إشكال فيه. ولكن الإشكال دائما من أحد أمرين: إما من تقرير القاعدة، لا يكون صوابا، وهذا عظيم، أمر خطير؛ لأنه أنت -الآن- تريد أن تذهب -مثلا- إلى بلد معين, لو تأخذ غير الطريق يمكن تصل أو لا تصل، خطؤك من أين ابتدأ؟ من أول خطوة. إذن إذا قررت قاعدة غير صحيحة؛ أبعدت جدا، لكن إذا قررت القاعدة الصحيحة؛ ربما يأتيك الخلل وأنت في الطريق، فمثله: الحديث الحسن -هذا- لغيره, كثر فيه الخلل ليس من جهة القاعدة، القاعدة لا اعتراض عليها. أنت -الآن- لو يخبرك مخبر بخبر, ثم يأتيك خبر آخر, وثان, وثالث، كلما جاءك الخبر؛ ازددت تصديقا، بل الحديث الصحيح يتقوى -كما مر قبل قليل- حتى يصل إلى درجة المقطوع به. الاعتضاد: هذا أمر مهم عند العلماء -رحمهم الله تعالى-، بل علم السنة, ونقل السنة قائم على الاعتضاد، ولكن الخلل يأتي -دائما- في تطبيق تلك القاعدة التي هي: "قاعدة الحسن لغيره". ولهذا؛ كثر الخلل في الحديث الحسن لأمور كثيرة، لا أطيل فيها، مثلا -يعني- كثير من الباحثين يقول: نحن نعترض على تطبيق هذه القاعدة من جهة أن الحديث أحيانا يكون ضعفه شديدا، ليس فيه أن راويه متهم بالكذب, ولكن أن راويه خالف -مثلا- عشرة من الثقات، في هذا ضعف قليل أو شديد؟ شديد، شذوذ هذا. حتى إن مثل هذا قد يحكم عليه بالوضع؛ ومع هذا يأتي بعض الباحثين ويقول: هذا راوٍ ضعيف, ثم يأتي بمثله, ويجمعهما, ويجعلهما حديثا حسنا؛ ولهذا كثر الخلل -جدا- في تطبيق هذه، وكثر تحسين الأئمة السابقين على أي شيء؟ هذا -يعني- من مداخل الخلل في نقل السنة: هو في تطبيق هذه القواعد، وإن كان تقريرها في الأصل صحيحا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 هذا -يعني- ما عندنا في درس اليوم، أطلت فيه، معذرة؛ لأن هذا -كما ذكرت- لا بد من التنبيه على أمر مهم -انتبهوا يا إخواني-، قد أشرت إليه من قبل, وهو هنا موضعه. بعض ما نأخذه من تعاريف ومصطلحات عبارة عن مصطلح فقط، ماذا يراد بالمرسل؟ ماذا يراد بالمعضل؟ ماذا يراد بكذا؟ هذا أمره خفيف. لكن إذا كان المصطلح يتضمن عملا في دراسة الأسانيد، وفي الحكم على الأحاديث؛ فهذا يحتاج إلى تدقيق, وإلى تنبيه، فأحيانا أطيل في مثل هذه المواضع، مثل: تعريف الحديث الحسن -الآن- لغيره يدخل في التطبيق أو ما يدخل؟ يدخل في التطبيق بل هو الطريق إليه، وكذلك الحديث الحسن لذاته، ولهذا لزم التنبيه على مثل هذا. س: يقول السائل: متى يجوز الاستدلال بالأحاديث الضعيفة؟ ج: كلمة "استدلال" أشرت إليها -بالأمس- أنها أمر واسع، إن كنت تريد بالاستدلال الذي هو ابتداء حكم؛ فهذا لا يقوله أحد, إنك تبتديء حكما, وتقره, وتستدل بحديث ضعيف. وإن قصد بالاستدلال: الاستئناس, والاعتضاد؛ فهذا ربما بعض العلماء -يعني- يستأنس بالأحاديث التي فيها ضعف، ويعني يضم الاستدلال بها إلى أدلة أخرى، كقول صحابي أو عليه العمل. لهذا؛ يكثر الترمذي -رحمه الله- بعد تضعيفه بعض الأحاديث أن يقول: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، إشارة إلى أنه وإن ضعف إلا أن العمل عليه، يعني يصلح للاستدلال. فكلمة "استدلال" هذه -يعني- شأنها واسع، لكن إنشاء حكم -يعني- تقول: هذا الأمر مستحب بحديث ضعيف؛ فهذا هو الذي يعترض عليه. س: السؤال الثاني: يقول: فضيلة الشيخ، ما هي المآخذ على "المنظومة البيقونية" وهل تنصحون بحفظها؟ ج: والله أنا ما قرأت "البيقونية" -يعني- إلا عرضا هكذا, ربما تقع في يدي، ونظم العلوم كما هو معروف -يعنى: هذا اتجاه- اتجه بعض الأئمة، اتجهوا إلى نظم العلوم, لكن نظم العلوم سهَّل العلوم أو عقَّدها؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 نظم العلوم في نظري ربما -ولا أدري هل أُوافَق على هذا, على أنه مثل ما نقول- جففها، يعني: جعلها جافة، وجعلها تعمد اختيار اللفظ, والابتعاد عن المعاني, واحتيجت هذه المنظومات إلى شروح. وربما -مثلا- نقول -دائما-: إن السخاوي -رحمه الله-, كتابه: "فتح المغيث" أجاد فيه جدا, ويعتبر من المراجع المهمة, لكنه -أحيانا- ينشغل بتحليل عبارات من؟ عبارات العراقي. فلو كان ابتدأ على التأليف ابتداء, وأنشأه إنشاء؛ لربما كان أبعد عن التعقيد, وأقرب إلى فهم القاريء، بالنسبة لي لا أحب هذه المنظومات، لا أميل إلى مثل هذه المنظومات. لكنها هي تذكرة؛ من يريد أن يحفظها, ويجد في نفسه همة, ولا تشغله -أيضا- عما هو أهم، وهذا أمر مهم, أيضا الجانب الآخر الذي هو الاشتغال بها عما هو أهم، أنا أميل أن يقرأ الشخص بفهم ووعي، ويعني الحفظ وحده غير كاف, ولاسيما المنظوم، والله أعلم. س: السؤال الثالث يقول: فضيلة الشيخ، هل رواية سماك عن عكرمة فيها ضعف؟ ج: نعم فيها ضعف، ضعيفة، رواية سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس, المقصود: هذه الرواية ضعيفة؛ لأنه يضطرب فيها سماك -رحمه الله-. ومعروف عند العلماء أن الراوي الواحد ربما يكون ضيعفا في جهة, قويا في جهة أخرى، بل يكون في جهة من أعلى درجات الصحيح, وفي جهة يكون ضعيفا، فالعلماء -رحمهم الله- ضعفوا هذا الإسناد. ولهذا البخاري أخرج عن عكرمة، ومسلم أخرج عن سماك, ولكن لم يخرج واحد منهما، أو يقول العلماء: إن رواية سماك عن عكرمة ليست على شرط واحد منهما، وهي مضطربة -أيضا-، ما معنى كونها مضطربة؟ وهذا مما جعل الشيء الذي ذكرته لكم -قبل قليل- الذي جعل مثل سماك ينزل عن درجة ... , سماك تارة يرويه عن عكرمة عن ابن عباس, وتارة يرويه عن عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتارة يروي بعضها عن عكرمة من قوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 الحديث الواحد -يعني- يرويه على عدة أوجه، وربما لقن، ربما أحاديث عن عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فيقول له بعض الرواة: "عن ابن عباس عن النبي"؛ فيقول: عن ابن عباس, يسمونه "التلقين", فالمقصود بهذا أن سماك في هذا الإسناد بخصوصه نزل إلى درجة الضعف. س: تكملة السؤال يقول: هل حديث ابن عباس t تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو محرم يعتبر شاذا؟ لأن ميمونة قالت: "تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو غير محرم"؟ ج: هذا: نعم -يعتبر, عده- حتى بعض كبار التابعين نقدوا ابن عباس، نعرف أن النقد متى ابتدأ؟ النقد متى ابتدأ -نقد السنة-؟ معروف أنه ابتدأ في عهد الصحابة -رضوان الله عليهم-، فهناك بعض أحاديث يرويها بعض الصحابة، وناقش بعضهم بعضا فيها -كما نعرف-، من أكثر الصحابة مناقشة للصحابة, من هو؟ هي عائشة -رضوان الله عليها- أكثرت -يعني- من نقد المروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وسعيد بن المسيب يقول: وهم ابن عباس في هذه الرواية، إنما تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حلال. ومنهم من بحث عن مخرج بأنه يقول: إن مقصوده "وهو محرم" يعني: وهو في الحرم، ولكنه ليس محرما بمعنى الإحرام, يعني ليس عقدا, وهو حلال. لكنه ... أظنهم قالوا: في الحرم, أو في ... , أظنهم قالوا: هكذا، لكن هذا بعيد -والله أعلم-؛ فأكثر العلماء على أن في هذه شذوذا، وكلمة شذوذ -هذه- ربما تكون -يعني- قاسية. معروف التأدب في أشياء فعلها الصحابة -رضوان الله عليهم-, وفعلها من بعدهم, أو وقعت ممن بعدهم، ويتأدب في التعبير عما وقع من بعض الصحابة. س: السؤال يقول: هل رأي من يقول: "إن حديث الآحاد لا يستدل به في العقائد إلا بقرائن" صحيح؟ وإذا كان كذلك يا فضيلة الشيخ؛ هل رواية البخاري للآحاد تقبل بقرينة: "تلقي الأمة له بالقبول"؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 ج: مسألة: "الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقائد" هذه مسألة خارجة عن أهل الحديث -بحمد لله تعالى-, ما يقول أحد منهم من أهل الأحاديث الأوائل المتقدمين. إذا قيل: "أهل الحديث" يقصد به نقاد الحديث، وجماعة أهل الحديث مثل: يحيى بن سعيد القطان، وابن مهدي , والإمام أحمد, والبخاري, ومسلم. وهؤلاء ما يذكر عن أحد منهم أنه قال: إن أحاديث الآحاد لا يحتج بها في العقائد، وبالأمس كنا نتباحث في هذا الموضوع مع الدكتور سعد الشثري فيقول: إنني في بحث لي أثبت, أو جمعت استدلالات جميع الفرق, حتى من يقول: بأنه لا يستدل بأحاديث الآحاد في العقائد، جمعت لهم استدلالات استدلوا بأحاديث آحاد في العقائد. فإذن؛ بعض الكلام أكثره يكون نظريا, وفي الجملة: هذه المسألة خارجة عن أهل الحديث؛ فإذن لا نحتاج إلى قضية احتفاف بالقرائن، فيحتج بأحاديث الآحاد. ونحن -دائما- نقول: العقائد -دائما- نحن متعبدون بغلبة الظن، والعقائد من جملة ما نحن متعبدون به، نعم العلماء -رحمهم الله تعالى- فرقوا بين -مثلا- فضائل الأعمال، وبين الترغيب والترهيب، والمناقب والفضائل. فرقوا بينها, وبين الأحكام والعقائد، لا يتسامح في العقائد, ولا يتسامح في أحاديث الأحكام، ولكن إذا صح الحديث تساوى في العقائد. وأنتم تدركون: ربما الأمر يسير في العقيدة، وفي الأحكام أمر عظيم, قد يكون به إزهاق نفس، أيهما أعظم -إذن-؟ أيهما أعظم؟ ولهذا يقول ابن تيمية -رحمه الله-: "هذا التفريق ليس بصحيح، التفريق بين أصول الدين وفروع الدين؛ جعل الأحكام العملية فروع الدين, وجعل ما في العقائد أصول دين". لأن بعض ما يدخل في العقائد إنما هو أمور -يعني- ربما يكون بحثها من فضول الكلام، وفيما يسمى بفروع الدين -أمور الدين أمور عظيمة جليلة- ربما يكون فيها -يعني- مثل: ترك الصلاة -يعني أمور عظيمة-، وكلها يدرجونها تحت ماذا؟ تحت الفروع، وهذا يكون تقسيما لا أساس له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 س: السؤال الأخير يقول: فضيلة الشيخ, هل في "المسند" حديث لأبي بكر القطيعي كما في "فضائل الصحابة", علما بأني قرأت للكتاني هذا المعنى؟ ج: هذه المسألة مشهورة، هل القطيعي زاد، معروف أن "مسند الإمام أحمد" من يرويه عن أحمد؟ ابنه عبد الله، ويرويه عن عبد الله من؟ أبو بكر القطيعي. عبد الله: لا إشكال أنه زاد على "المسند" أحاديث عرفت بزيادات عبد الله، وبعضها تلحق بالمستخرجات التي مرت بنا على طريقة الاستخراج. ولكن جرى الاختلاف في زيادات أبي بكر القطيعي: هل زاد شيئا أو لا؟ يظهر -والله أعلم- حسب المسند الموجود -الآن- أنه لم يزد شيئا، يعني: على المسند، يظهر -والله أعلم- أنه لم يزد شيئا. لكن احتمال يكون في بعض نسخ قديمة أو شيء؛ لأن "المسند" تختلف نسخه, ورُبَّ أحاديث عزيت إلى المسند لا توجد -الآن- في "مسند الإمام أحمد" الموجود في أيدي الناس اليوم، لكن الموجود -الآن- يظهر -والله أعلم- ليس فيه زيادات. بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد: سنكمل اليوم -إن شاء الله تعالى- مبحث: الحديث الحسن, وندخل -أيضا- في النوع الثالث: في الحديث الضعيف, وما بعده من الأنواع. وأخذنا بالأمس قضية: اختيار ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- الذي نقله ابن كثير في تقسيم "الحديث الحسن" إلى قسمين: القسم الأول: ما كان حسنه من نفس الإسناد. والقسم الثاني: ما كان حسنه بعارض من خارج الإسناد. وسيتكلم -الآن- ابن الصلاح -حسبما نقله ابن كثير- على بعض الأمور المتعلقة بالحديث الحسن. يقرأ القارئ: وأولها من قوله: قال الشيخ أبو عمرو: لا يلزم من ورود الحديث من طرق متعددة, إلخ ... الحسن الذي كان أصله ضعيفا بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 قال -رحمه الله تعالى-: " قال الشيخ أبو عمرو: لا يلزم من ورود الحديث من طرق متعددة كحديث: "الأذنان من الرأس" أن يكون حسنا. لأن الضعف يتفاوت, فمنه ما لا يزول بالمتابعات، يعني: لا يؤثر كونه تابعا أو متبوعا, كرواية الكذابين والمتروكين، ومنه ضعف يزول بالمتابعة: كما إذا كان راويه سيء الحفظ, أو روى الحديث مرسلا؛ فإن المتابعة تنفع حينئذ، ويرفع الحديث عن حضيض الضعف إلى أوج الحسن أو الصحة، والله أعلم". يقول ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- بهذا الكلام عقب الذي نقله ابن كثير, أو اختصره ابن كثير عقب ابن الصلاح على القسم الأول الذي ذكره، وهو الحسن الذي كان أصله ضعيفا ثم اعتضد. يقول ابن الصلاح -رحمه الله-: "إننا إذا قلنا: إن الضعيف يعتضد إلى الحسن, فليس كل ضعف صالح للاعتضاد", ومثل للضعف الذي لا يصلح للاعتضاد برواية الكذابين والمتروكين. الكذاب متروك الحديث, ولكن يريد ابن الصلاح -بهذا- بالمتروكين لما عطفها على الكذابين -يريد بهم يعني- أن يكون متروك الحديث, ولو لم يكن كذابا، يعني: في منزلة الكذاب, أو ملحقا بالكذاب, من جهة قبول روايته, أو ردها. وهؤلاء جماعة من الرواة وصلت بهم الحال في الضعف -بالتغفيل, ومخالفة الثقات, ورواية المناكير- إلى أن يلحقوا بالمتهمين بالكذب من جهة الرواية، وإن كانوا في أنفسهم لا يتهمون بالكذب, وإنما ما يأتي منهم: إنما يأتي من غلط, وغفلة, وسوء حفظ. هذا هو القسم الذي ذكره, ولا يصلح للمتابعة, ومثل لهم ابن الصلاح بحديث, كثرت طرقه, ولا يصلح, أو لم يعتضد بكثرة الطرق, وهو الحديث المعروف: " الأذنان من الرأس ". هذا الحديث يرى ابن الصلاح فيه -رحمه الله تعالى, بعد أن درس طرقه- أنه لا يرتفع عن الضعف، وهذا كلام ابن الصلاح -رحمه الله- اعترض عليه، اعترض عليه بأي شيء؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 اعترض عليه بأن هذا المثال أو هذا الحديث له طرق، منهم من يقول: إنه يكون بها حسنا، ومنهم من يقول: إنه قد صح -أيضا- ولكنْ هنا نقطتان في الاعتراض، ننتبه لهما: أولا: يظهر -والله أعلم- أن الأقرب ما قاله ابن الصلاح في طرق هذا الحديث: "إنه لا يرتفع, أو لا يعتضد بكثرة الطرق"، إنه ضعيف. الأمر الآخر: أمر مهم -يا إخوان- بالنسبة للتمثيل أوالمثال، الآن من الذي حكم بأن ضعفه لا يزول بكثرة الطرق, ولا يبلغ مرتبة الحسن؟ هو ابن الصلاح. اعترضوا عليه، التمثيل به -إذن- على رأي من؟ على رأي ابن الصلاح، ونحن عرفنا -منذ الدروس- علم الحديث إنما هو مبني على الاجتهاد والقرائن. فإذن؛ المثال صحيح؛ لأنك إنما تمثل بمثال بحسب اجتهادك، هذا نسميه الأمثلة التي هي عرضة للاجتهاد، أو التمثيل بها مبني على اجتهاد المجتهد، سيأتي معنا أمثلة لا تخضع للاجتهاد، كما إذا قلنا -مثلا-: المرسل هو ما سقط منه الصحابي. إذن ما الذي يلزمك للتمثيل للمرسل؟ أن تأتي بحديث سقط منه الصحابي، يرويه -مثلا- سعيد بن المسيب, أوغيره، إذن هذا المثال لا يخضع للاجتهاد، ما يمكن نجتهد. ونقول -مثلا-: ما يمكن أبدا, ما يدخله الاجتهاد؛ لأن هذا مثال وجودي يعني: سقط منه الصحابي، وكذلك كثير من الأنواع التي ستأتي معنا: هي أمثلة, وأنواع أمثلتها لا تخضع للاجتهاد. أما مثل الحديث الحسن, وسيأتي معنا الشاذ, وسيأتي معنا المضطرب والمعلل، وأمثلة مثل هذه الأنواع تخضع لاجتهاد المجتهد. فإذن؛ هذا المثال صحيح، لا يصح الاعتراض, وهم أنفسهم أتوا ببعض الأمثلة مثل حديث: ? من حفظ على أمتي أربعين حديثا ? نقول: نعم, هذا المثال صالح للتمثيل؛ لأنه لا ينقطع. لكن قد يأتي شخص ويجتهد, ويجتهد, ويبحث في الطرق, ثم يقول: بلغت عندي, أو ارتفع عني الضعف، إذن مهما أتيت بمثال قد يخالفك فيه مخالف؛ لأنه خضع للاجتهاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 فعلى هذا؛ الأمثلة التي تخضع للاجتهاد: الاعتراض عليها -يعني- غير مناسب, بأنه مهما أتيت بمثال, فيحتمل ألا يمثل, أو معنى هذا: ألا يمثل بشيء أبدا. فالتمثيل بهذا المثال إذن صحيح من جهتين، من جهة أن الراجح فيه أن ضعفه لا يزول، ومن جهة أن التمثيل بمثل هذا, أو أن بلوغه رتبة الحسن: إنما هو أمر اجتهادي. وابن الصلاح -رحمه الله- اجتهد, ومثل, أو مثلوا له -أيضا- بحديث: ? طلب العلم فريضة على كل مسلم ? وهذا -أيضا- اعترض عليه. اعترض عليه العراقي, كما قلت: هذا لا يصح الاعتراض أيضا من جهتين: من جهة أن هذا لا يبلغ رتبة الحسن، ومن جهة أنه مثال يخضع للاجتهاد. مثل ابن الصلاح -رحمه الله-, وابن كثير بالمتابع الذي يزول ضعفه بالاعتراض، قال: "إذا كان راويه سيء الحفظ, أو روى الحديث مرسلا". وبالنسبة للأمر السابق الذي -هو- لا يصح للاعتراض: ذكرت لكم -بالأمس- أن القضية -عندنا, أحيانا- تأتي من الخلل في التطبيق. نحن قررنا, أو قرر الأئمة -رحمهم الله- أن الضعيف قد يعتضد ويرتقي، ولكن الخلل كثيرا ما يأتي في تطبيق هذه النظرية, وربما تعزى لطرق رواتها -مثلا- متروكون. وأهم من ذلك الذي يأتي منه الخلل كثيرا: أن يكون الراوي -مثلا- الآن ذكر هو أنه من المتابع الذي يرتفع إلى سيء الحفظ، أو أن الحديث روي مرسلا. سيأتي معنا قضية الشذوذ, أو مر معنا في الحديث الصحيح: ماذا يشترط في الشرطين الأخيرين للحديث الصحيح؟ ألا يكون -طيب- سيء الحفظ, هذا لو روى حديثا خالفه فيه عشرة من الثقات؛ إذن حديثه -الآن- يصلح للاعتضاد, أو لا يصلح للاعتضاد؟ لا يصلح للاعتضاد أبدا. إذن قولهم: "حديث سيء الحفظ يصلح للاعتضاد" هذا ليس على إطلاقه، كل شيء اشترطه في الحديث الصحيح؛ فاشتراطه في الحديث الحسن من باب أولى، وكذلك في الحسن لغيره من باب أولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وهذه القضية أشرت إليها بلفظ ... , وهي مدخل لكثرة الضعف، مثلا حديث: "الأذنان من الرأس" له طرق بعضها قوية, ولكن قوتها إذا أخذتها لوحدها, فإذا ضممتها إلى أحاديث أخرى؛ يتبين أن ضعفها شديد, وأنها لا تزول بالمتابعة. إذن؛ التمثيل بالمتابع -الذي لا يصلح للمتابعة- برواية الكذابين والمتروكين: هذا هو الأصل، ما فيه إشكال، ولكن سيء الحفظ -أيضا, بل الثقة - لو تبين أن روايته شاذة جدا؛ فإنها لا تصلح لأي شيء؟ لا تصلح للاعتضاد والمتابعة. قال هو -رحمه الله- في نهاية كلامه: "فإن المتابعة تنفع حينئذ, ويرفع حديث الضعف إلى أوج الحسن أو الصحة"، إيش تعلقون هنا؟ ابن كثير -رحمه الله- اختصر كلام ابن الصلاح اختصارا فيه شيء، يفهم من هذا الكلام أن ابن الصلاح -رحمه الله- يذهب إلى أن الحديث الضعيف قد يعتضد ويعتضد ويعتضد, ثم يرتفع إلى الحسن, وقد يعتضد زيادة, ثم يرتفع إلى أي شيء؟ إلى الصحة. وهذا ابن الصلاح -رحمه الله- ما قال هذا، ونبه إلى أن قوله: "أو الصحة" هذا اختصار، اختصر ابن كثير -رحمه الله- كلام ابن الصلاح. وابن الصلاح ذكر أن "الحديث الحسن لذاته" الذي هو القسم الثاني، أن الحديث الحسن الذي سمي فيما بعد بالحسن لذاته, وهو القسم الثاني من أقسام الحسن, قد يعتضد, ويرتفع بهذا الاعتضاد إلى الصحيح. ومثل لذلك بحديث راوٍ مشهور: "محمد بن عمرو بن علقمة" هذا أحد أصحاب أبي سلمة بن عبد الرحمن، ولكن العلماء ضعفوه، يعني: تكلموا فيه كثيرا من قبل حفظه؛ فهو صغير -رحمه الله-. فمثَّل ابن الصلاح بحديث له, جاء من طريق آخر: عن الأعرج, عن أبي هريرة, حديث: ? لولا أن أشق على أمتي ? فقال: إن حديث محمد بن عمرو -بهذه المتابعة- ارتفع من أي شيء؟ من أي أنواع الحسن؟ من النوع الثاني: الذي هو الحسن لذاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 فهذا اختصار أدى إلى ... , وهو الآن ينقل عن ابن الصلاح، أما لو كان يختصر من عند نفسه, يعني: ينسب الكلام لنفسه؛ لكنا نقول: إنه رأي له، وإن الضعيف قد يتقوى بجمع الطرق, يعني: بكثرة الطرق إلى الحسن, ثم يتقوى, أو قد يتقوى -أيضا- إلى الصحة. فهذا: ما دام ينقله عن ابن الصلاح؛ ننبه إلى أن ابن الصلاح -رحمه الله- يعني: إذا رجعت إلى كلامه؛ لا تجد أن الضعيف يرتفع إلى الصحيح، وإنما فيه: أن الحسن لذاته قد يرتفع إلى الصحيح. نعم. الترمذي أصل في معرفة الحديث الحسن قال: وكتاب الترمذي أصل في معرفة الحديث الحسن, وهو الذي نوه بذكره، ويوجد في كلام غيره من المشايخ: كأحمد, والبخاري، وكذا من بعده: كالدارقطني. هذا الكلام صحيح لأن الترمذي -رحمه الله- أكثر جدا من وصف الأحاديث بالحسن وقال ابن الصلاح يوجد في كلام غيره من مشايخه كأحمد والبخاري وكذا من بعده كالدارقطني وهذا كله مرسلا لكن ننبه إلى قضيتين: القضية الأولى: ما مر أن الحسن عند الأئمة قبل الترمذي لم يتمخض أو لم ينفصل كثيرا عن الصحيح ربما أطلقه الشافعي وغيره على أحاديث الذروة أو في الدرجة العليا من الصحة، فإذا لم يتمخض أو لم ينفصل. الأمر الثاني: ننتبه إلى نقطة أيضا مهمة، وهي أن كلمة حسن عند الأولين تأتي في كلام كثير جدا لا يراد بها درجة الحديث، إذا قيل أحاديث حسان، إذا قيل مثلا مؤلف الأحاديث الغرائب والحسان، فهذا يريدون به كثير جدا لا يريدون به درجة الحديث، وإنما يطلقون الحسن على الغريب، يعني: وصف للإسناد بأنه فرد أو بأنه غريب، ويقول الخطيب البغدادي -رحمه الله تعالى-: "يعنون بالحسن الغريب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وأطلقوا على الغريب أوصافا عديدة: ومنها الغريب، ومنها الفرد، ومنها الحسن، فننتبه لهذه النقطة؛ لأن كثيرا من الباحثين يأتي راوٍ قال فيه إمام مثلا: "أحاديثه حِسان" -فيبدأ فيمشي على أحاديث هذا الراوي، ويصفها بأي شيء؟ ينزل كلام الأولين على؟ مصطلحنا، أو مصطلح الذين جاءوا بعدهم، وهذه ينتبه لها: "قضية المصطلحات وتطورها". نعرف أن الأولين -وهذا في كل فن- قد يطلقون الكلمة، ويريدون بها عددا من المعاني، والذي يميز ما هو؟ هو سياق كلامهم، فيأتي المتأخر في أي فن من الفنون، ويبدأ ينزل كلامه، ويختار من هذه المصطلحات أو من هذه المعاني، يختار واحدا للكلمة وينسى ما عداه. نحن الآن عندنا -كل الطلبة- إذا أطلق "الحديث الحسن" ماذا يراد به؟ الدرجة بلا إشكال، فينسى المصطلح السابق، ويسمونه "إماتة المصطلح"، ولكن ينسى في كلامنا، لكن في كلام الأولين لا يصح أن ينسى، مثلما يقولون: ما في أثر رجعي في المصطلحات. يعني: إذا اخترنا نحن كلمة، ومثلا اخترنا استعمالا واحدا من استعمالات الأئمة -ما يصح لنا أن نلغي في نصوصهم باقي ما أطلقوا هذه الكلمة عليه، وهذا أمر واسع، كنت خصصت له بعض الدروس في مناسبة سابقة، أمر مهم جدا، هذا بالنسبة لطالب العلم الذي يقرأ في كتب السابقين. أمر مهم في غاية الأهمية بالنسبة لطالب العلم، نحن نعم نأخذ مصطلحات ونقررها، نقول الحسن: هو ما كان كذا. بالنسبة للدرجة، لكن نضم إلى ذلك تقرير أن الأولين -رحمهم الله تعالى- كان عندهم شيء من التيسير في استخدام المصطلحات، فربما استخدموا الكلمة في عدد … ومن أهم الأمور: روية الحسن هذا، استخدموه كثيرا في ... مثل: قيل لشعبة -رحمه الله-: لم تركت فلانا، وأحاديثه حِسان؟ قال: "من حسنها فررت! ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وكثيرا هذا يطلقونه، ويقول أبو زرعة عن راو -رحمه الله-: "ربما وُجِس في القلب منه لحسن حديثه! ". يعني: ربما وجس في القلب أنه ضعيف، أو أن فيه شيئا. من أي شيء وجس في القلب؟ من حسن الحديث. هذه كلمات يطلقونها ويريدون بها … لا يريدون بها درجة؟ درجة الحديث. الأمر الآخر: قول ابن كثير -رحمه الله -: "كأحمد والبخاري" بعد قوله: "ويوجد في كلام غيره من السابقين". هذا أيضا من الاختصار، الذي ربما أدى إلى خلل في العبارة؛ لأن أحمد -رحمه الله- ليس من شيوخ من؟ ليس من شيوخ الترمذي، فعبارة ابن الصلاح: "والطبقة الذين قبلهم". "ويوجد في كلام غيره من مشايخه، والطبقة الذين قبلهم". ثم مثل بأحمد والبخاري، فلما حذف ابن كثير -رحمه الله- "والطبقة الذين قبلهم"، صار أحمد الآن من ضمن مشايخ البخاري، وهذا أحيانا المختصر أحيانا ربما يؤدي به الاختصار إلى خلط، يعني: لا تترابط العبارة، أو يوجد فيها خلل، وهذا أمر يسير بالنسبة لباقي الكتاب. نعم ياشيخ. أبو داود من مظان الحديث الحسن قال -ومن مظانه في سنن أبي داود، رُوِّينا عنه أنه قال:- "ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما كان فيه وهم شديد بينته، وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض". قال: "وروي عنه أنه يذكر في كل باب أصح ما عرفه فيه". قلت: ويروى عنه أنه قال: "ما سكت عنه فهو حسن". قال ابن الصلاح: "فما وجدناه في كتابه مذكورا مطلقا، وليس فيه واحد من الصحيحين، ولا نص على صحته أحد -فهو حسن عند أبي داود". قلت: الرواية عن أبي داود في كتابه "السنن" كثيرة جدا، ويوجد في بعضها من الكلام، بل والأحاديث ما ليس في الأخرى، ولأبي عبيد الآجري عنه أسئلة في الجَرح والتعديل، والتصحيح والتعليل، كتاب مفيد، ومن ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها في سننه، وقوله: "وما سكت عليه فهو حسن" وما سكت عليه في سننه فقط أو مطلقا، هذا مما ينبغي التنبيه عليه والتيقظ له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 نعم، هذا المقطع يتعلق بسنن أبي داود -رحمه الله-، وأنه من مظان الحديث الحسن، يعني: يكثر فيه وجود الحديث الحسن، وهذا الكلام لا إشكال فيه، والكلام المنقول عن أبي داود -رحمه الله- قوله: "ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه". هذا ورد في رسالة صغيرة تعرف بـ"رسالة أبي داود إلى أهل مكة في وصف سننه"، سألوه عن السنن فأرسل لهم رسالة صغيرة، طبعت في بعض الطبعات في مقدمة السنن، أو في مقدمة بعض الشروح، وطبعت مفردة أيضا، وهي رسالة صغيرة في عدد يسير من الصفحات، وفيها كلام كثير من ضمنه ما نقله ابن الصلاح، لكن قول ابن كثير: "قلت: ويروى عنه أنه قال: "وما سكت عنه فهو حسن"" بس تعلقون عليها أن هذه الرواية -يعني ابن كثير رحمه الله- عبر عنها بصيغة التمريض، وقد اصطلح العلماء -رحمهم الله- واستقر الاصطلاح على أن ما يعبر عنه بصيغة التمريض، يدل على أي شيء هذا؟ يدل على ضعفه، وهذا هو يعني بهذا اللفظ: "وما سكت عنه فهو حسن". هذا ما تصح هذه اللفظة، يعني يقولون: إنها يعني ما تصح، إنما الثابت عنه أو الصحيح، أنه قال: "وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح". ولهذا أطالوا في تفسير كلمة "صالح" ماذا يريد بها؟ المهم أن ابن الصلاح … النقطة الثانية معنا، أو الثالثة معنا: يقول ابن الصلاح: "وما وجدناه في كتابه مذكورا مطلقا، وليس في واحد من الصحيحين، ولا نص على صحته أحد -فهو حسن عند أبي داود". لم قال ابن الصلاح هذا رحمه الله؟ بناء على قول أبي داود: "وما لم أذكر فيه شيئا -فهو؟ - فهو صالح". وضم أنت إلى ذلك، أن ابن الصلاح فيما مضى، يرى إغلاق باب الاجتهاد في التصحيح أو فتحه؟ إغلاقه؛ فلهذا يعني لجأ إلى أن كل ما سكت عنه أبو داود فهو؟ فهو حسن، اعتمادا على كلمة أبى داود، وأيضا اتباعا لمنهجه السابق: أنه أغلق باب الاجتهاد. في المقطع الأخير من الكلام الذي قرأه القارئ، ابن كثير يعترض على رأي ابن الصلاح -رحمه الله-، اعترض عليه بشيئين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 الشيء الأول -الأول ليس اعتراضا وإنما هو تنبيه، يعني شبه اعتراض-: بأنه يقول -رحمه الله-: "إن أبا داود ألف سننه، وصار يرويها في فترات متقطعة ومتباعدة". يعني: ليست متقطعة وإنما متباعدة، ويضيف ويحذف ويوجد، وبعض تلاميذه سجل بعض آرائه على نسخته التي رواها، وبعضهم لم يسجل، فجاء اختلاف في روايات سنن أبي داود، حتى اختلاف في عدد الأحاديث، واختلاف ليس باليسير، ويوجد في بعض الروايات كلام لا يوجد في الروايات الأخرى. فإذن ملخص كلام ابن كثير هنا: أنه قد تقف على رواية ليس فيها كلام، فتحكم بأنه حسن، وقد يكون أبو داود تكلم على هذا الحديث، في أي مكان؟ في رواية؟ في رواية أخرى، فإذن يعني كأن ابن كثير -رحمه الله- يحث القارئ على تتبع أكبر قدر ممكن من روايات سنن أبي داود. الاعتراض الثاني: قال ابن كثير -رحمه الله-: "إن أبا داود له كلام، يوجد له كلام خارج السنن". ومن أهم ذلك: الأسئلة المعروفة بـ"أسئلة الآجرّي لأبي داود" وهى مطبوعة، وفيها كلام لأبي داود على بعض الأحاديث، وعلى بعض النسخ، وعلى بعض الرواة بالتضعيف، فإذن يقول ابن كثير: هل المراد ما سكت عنه في سننه فقط؟ أو ما سكت عنه جملة؟ يقول هذا يعني: ما مرادك يا ابن الصلاح؟ هل مرادك أن ما سكت عليه في سننه، أو ما سكت عنه؟ يظهر أن ابن الصلاح يريد ما سكت عنه في أي مكان؟ في السنن، فابن كثير -رحمه الله- كأنه يقول: لا يصح هذا؛ لأن أبا داود قد يضعف أحاديث سكت عنها في سننه، قد يضعفها في أي مكان؟ في مكان آخر، مثل: أسئلة الآجري، وهذا اعتراض صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وبقي اعتراض ما ذكره ابن كثير، نحب أن نشير إليه: وهو أننا دائما الشروط، أو الأشياء التي يذكرها المؤلفون في مقدمات كتبهم، ننتبه لها، إذا قال الإمام: شرطي كذا، أو سأفعل كذا، أو فعلت كذا. هذه الأمور إجمالية، ولكن تطبيقها على ما في كتاب الإمام، أو كتاب المؤلف، إذا عارضها ما هو أقوى منها فإنها لا يؤخذ بها. مثلا كلمة ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "أن ما سكت عنه في الفتح فهو صالح، إما صحيح أو حسن". هذه لو أخذناها، يعني ما يصح تطبيقها على كل أحد، فإنما هذا بالإجمال، والباحث أو الإمام إذا اشترط شرطا، أو قيد قيدا ووفّى به بنسبة كبيرة -يعتبر يعني مجيدا، أما أن يوفي به بدرجة كاملة، فهذا يعني لا يطمع فيه أحد، فمثل هذه العبارات التي تذكر في المقدمات، وحتى مثلا الآن تلاحظون في المناقشات "مناقشات الرسائل"، أن المناقش يقول للباحث: قلتَ سأفعل كذا وكذا وكذا، وسأفعل كذا وكذا وكذا، ثم يطبق ما ذكره على ما في داخل الرسالة، إن وجد الخلل كبيرا، ربما يؤدي هذا إلى رد الرسالة، وإن وجد الخلل … يعني قد يفوته أشياء لا تنطبق على ما ذكره في الشرط -فيتسامح فيه. فالخلاصة أن التطبيق … يعني مثلا: لو وجدنا حديثا سكت عنه أبو داود، وفيه راوٍ متروك، الآن نقدم الحكم على هذا، من خلال هذا الراوي، أو من خلال كلمة أبي داود: "ما سكت عنه فهو صالح"؟ من خلال الراوي بلا إشكال؛ لأن هذه القاعدة عندنا: أن راوي المتروك مثلا، حديثه باطل أو كذا، أقوى عندنا من كلمة أبي داود: "وما سكت عنه فهو صالح". إذن هذا ننبه عليه، وليس خاصا بأبي داود. نعم يا شيخ. كتاب المصابيح للبغوي قال: "وما يذكره البغوي في كتابه "المصابيح": من أن الصحيح ما أخرجاه أو أحدهما، وأن الحسن ما رواه أبو داود والترمذي وأشباههما -هو اصطلاح خاص لا يعرف إلا له، وقد أنكر عليه النووي ذلك؛ لما في بعضها من الأحاديث المنكرة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 نعم، البغوي -رحمه الله- لما ألف كتابه "مصابيح السنة"، يعني اصطلح اصطلاحا: وهو أنه ما في الصحيحين يعقبه بأنه صحيح، وما في السنن يعقبه بأنه؟ بأنه حسن. فقال العلماء -رحمهم الله-: "هذا الاصطلاح ليس جارٍ على القواعد، نحن سلمنا بأن ما في الصحيحين صحيح، لكن الاعتراض على … أو تنبيه القارئ على ما يعقب به على أحاديث السنن. والسبب في هذا: هو أن السنن ليس كل ما فيها فهو؟ فهو حسن، لأن أصحابها لم يدعوا ذلك، قد كررت هذه الكلمة: أن تلزم إماما، أو مؤلفا بأنه يرى كذا أو كذا، وهو لم يلتزمه -فهذا أمر عظيم. وإذن هذا التنبيه إذا قرأت في "مصابيح السنن"، وفي مصابيح البغوي، نعم "مصابيح السنن"، فمعنى قوله "حسن"، ليس حكما منه على الحديث، وإنما هو يريد به: أنه في السنن، أو في بعضها، ولا سيما بعض ما ينفرد به ابن ماجة، أو كثير جدا مما ينفرد به ابن ماجة مثلا، ابن ماجة انفرد بأكثر من ألف وخمسمائة حديث، وكثير منها شديد الضعف، حتى قال المذي -رحمه الله-: "إن كل حديث ينفرد به ابن ماجة، فهو ضعيف". وتكلموا على هذه الكلمة، يعني منهم من يقول: أراد الغالب. وهي كلمة دقيقة، ليست بعيدة عن الصواب، يعني فيها دقة كبيرة "ما ينفرد به ابن ماجة، فهو يكثر فيه الضعف"، وكذلك ما ينفرد به الترمذي، فكلمة البغوي هذه إذن، يعني تنبه إلى اصطلاحه الخاص به. نعم يا شيخ. صحة الإسناد لا يلزم منه صحة الحديث قال: "والحكم بالصحة أوالحسن على إسناده، لا يلزم منه الحكم بذلك على المتن؛ إذ قد يكون شاذا أو معللا". نعم، ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- نبه إلى التفريق بين أن يقول العالم: هذا الحديث حسن الإسناد، أو صحيح الإسناد، وبين أن يقول العالم أو الباحث: هذا الحديث صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وابن الصلاح في تنبيهه -يعني- يريد أن يقول: إن من شروط الحديث الحسن، أو الحديث الصحيح، ما يلزم للبحث فيه والتأكد منه: أن تبحث في طرق الحديث الأخرى وفي مثلا أصول أخرى في الشرع، مثل أن يكون الحديث معارضا للقرآن، أو يكون معارضا لسنة أخرى، أو يكون معارضا لأمر تاريخي، أو يكون معارضا للحس، أو بعض الأمور التي لم يبحث فيها الباحث، أو يكون معللا، أو يكون شاذا، يعني: فيه نكارة. فالمقصود أن الحكم، أو البحث في درجة الحديث، أحيانا يقوم الباحث بالإسناد الذي أمامه فقط، بأن يبحث في الرواة، وفي عدالتهم، وفي ضبطهم، وفي اتصال الإسناد، ثم يحكم. ما الذي بقي الآن؟ أمران مهمان جدا، عليهما مدار التصحيح والتضعيف، وهما: الشذوذ والعلل، ويدخل في الشذوذ والعلل أمور كثيرة ستأتي معنا، أيضا هذا من أبواب الخلل التي كثرت مع الأسف الشديد؛ لأنهم يقولون: إن العالم قد يلجأ إلى هذا، إذا كان مستعجلا، أو يعني لأمر ما. لكن الغالب الآن في البحوث وفي التخريجات، الحكم على أي شيء؟ على الإسناد المفرد، فتجد كتبا كثيرة محققة، أو منشورة، أو بحوثا، يقول: إسناده حسن، إسناده قوي، إسناده على شرط الشيخين، إسناده كذا … وهذه الأسانيد كثير منها -لا أقول قليل- كثير جدا جدا ما تكون مصحوبة بعلل، أو أنها شاذة، يعني: منكرة، فهذا يتنبه له كثيرا، هذا التنبيه أمر مهم، ويعني يضاف إليه قضية التضعيف. أضاف إليه بعض العلماء قضية التضعيف، وهو أن الإمام قد يقول: "إن هذا الإسناد ضعيف". وسألني عنه أحد الإخوان بالأمس، إن هذا الإسناد قد يكون ضعيفا، ولكن لا يلزم من ذلك ضعف؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 ضعف الحديث، بل قد يكون الإسناد موضوعا، كما نعرف، كما سيأتي معنا في القلب -إن شاء الله تعالى-، في بعض … أن بعض الوضاعين يأتي إلى حديث مشهور من حديث صحابي، ثم يرويه هو من حديث صحابي آخر، أو من حديث راوٍ آخر، فيكون هذا الإسناد موضوعا والمتن صحيح؛ ولهذا يعني أكثر ما يحتاج إليه في كلام الأولين ... كلام الأولين غالبا ما يتكلم على السؤال الذي وُجه إليه، على الإسناد الذي وجه إليه، فيقول: هذا حديث باطل. ومراده؟ بهذا الإسناد، وربما قال: "باطل بهذا الإسناد". لكن قد يقول: هذا حديث باطل. ويريد به بهذا الإسناد. فهذا الكلام يعني لا بد منه، ويفيدك في شيء ما، وهو أن علم السنة، أو علم التصحيح والتضعيف مبني على أمور كثيرة جدا، تبدأ من النظر في الرواة، وتنتهي في الشذوذ والعلل، ومتى يكتمل الحكم على الحديث؟ إذا أكملت النظر فيها، أو أكملت البحث فيها. نعم ياشيخ. قول الترمذي حسن صحيح قال: "وأما قول الترمذي: "وهذا حديث حسن صحيح". فمُشكل؛ لأن الجمع بينهما في حديث واحد كالمتعذر، فمنهم من قال ذلك باعتباره إسنادين: حسن وصحيح". قلت: "وهذا يرد أنه يقول في بعض الأحاديث: "هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه". ومنهم من يقول: "هو حسن باعتبار المتن، صحيح باعتبار الإسناد". وفي هذا نظر أيضا، فإنه يقول ذلك في أحاديث مروية في صفة جهنم، وفي الحدود والقصاص ونحو ذلك. والذي يظهر لي، أنه يشرب الحكم بالصحة على الحديث كما يشرب الحَسن بالصحة، فعلى هذا يكون ما يقول فيه: "حسن صحيح"، أعلى رتبة عنده من الحسن ودون الصحيح، ويكون حكمه على الحديث بالصحة أقوى؛ لحكمه عليه بالصحة من الحسن، والله أعلم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 نعم، هذا المقطع يتعلق بقول الترمذي -رحمه الله-: "حسن صحيح". وكذلك يوجد هذا التعبير في كلام مَن قبل الترمذي أيضا، مثل: يعقوب بن شيبة، ومثل: ابن المديني، وأيضا مَن بعد الترمذي، لكن الترمذي هو الذي أكثر من استخدام هذه الكلمة، والإشكال الوارد عليها بالنسبة لمن قبل الترمذي، ليس فيه أشكال، لماذا؟ مَن الذي منكم يبين؟ لماذا ما فيه إشكال؟ لأنهم لم يفصلوا الحسن عن الصحيح، أكثر ما جاء الإشكال من الترمذي؛ لأن الترمذي -رحمه الله- هو الذي عرّف الحسن، قال: أريد به كذا وكذا، ففصله عن ... أو كأن في كلامه فصل له عن الصحيح، فلما قال في الأحاديث: "حسن وصحيح"، أشْكَلَ؛ لأن الصحيح رتبة، والحسن رتبة أخرى. فالعلماء -رحمهم الله- تبرعوا، وأطالوا في الجواب عن مراد الترمذي، أو كلام الترمذي -رحمه الله-، وذكر ابن كثير ثلاثة توجيهات: التوجيه الأول: أنهم يقولون: "لعله يريد أن هذا الحديث له إسنادان: واحد حسن، والآخر صحيح". واعترض عليه ابن كثير بقوله: "هذا لا يحسن؛ لأنه يقول: "هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه". وهذا الاعتراض صحيح، ويعترض عليه أيضا بأمر آخر، وهو أنه هناك يعني أحاديث لها ثلاثة طرق، وأربعة طرق، فهذا الوصف لأي الطرق؟ مثلا هم يقولون: إنه باعتبار إسنادين. طيب المروي بثلاثة، والمروي بأربعة، وأيضا يعني يبعد جدا جدا؛ لأن الترمذي أكثر من هذه الكلمة، يمكن أكثر من ألف وخمسمائة أو أكثر، يبعد أن يكون كل واحد منها مرويا بإسنادين، وكل واحد منها: واحد منهما حسن، وواحد منهما؟ وواحد منهما صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 بالنسبة للمشهور الآن في كتب المصطلح، كتب المصطلح المؤلفة في العصر الحاضر، اختارت هذا مع ضعفه، وأجابوا عن كلام ابن كثير بأن قوله: "هذا حديث حسن صحيح غريب" ... اختارته لماذا؟ لأننا نعرف أن ابن حجر -رحمه الله- هو الذي لخص التعاريف ونظمها وقننها، وفصل بعضها عن بعض، ومس أكثر من التمثيل لها، فالمتأخرون اعتمدوا كلام مَن في الغالب؟ كلام ابن حجر. ومن هاهنا ابن حجر -رحمه الله- بعد أن بين ضعف هذا الوجه، أو هذا الاختيار، قال: "ومع ذلك فأنا أرتضيه". أجاب عن كلام ابن كثير هذا الذي قال فيه: "هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من هذا الوجه". يقول: "إذا لم يكن للحديث إلا إسناد واحد" فماذا يريد الترمذي إذن؟ هو يقول: إذا كان له أكثر من إسناد، يريد أنه حسن بإسناد، وصحيح بإسناد، لكن إذا لم يكن له إلا إسناد، ماذا يقول ابن حجر؟ يقول: "يريد الترمذي أن يبين، أن العلماء اختلفوا في هذا الإسناد: فمنهم من صححه، وهذا أضعف من الذي قبله، أضعف من تأويل ما له إسنادان، هذا بعيد جدا، أن الترمذي يريد أن يحكي خلاف العلماء؛ فعند هذا يحتاج إلى أي شيء؟ إلى نص مختوم من الترمذي، لايكفي نص، وإنما نص مختوم من الترمذي أنه يريد هذا، هذا أمر ليس باليسير، ولا سيما أنه يقول هذا، في أحاديث يعني صحيحة جدا، وليس لها إلا إسناد أو أحاديث صحيحة ليس لها إلا إسناد واحد، لم يختلف فيها. نحن نعرف حديث: ? إنما الأعمال بالنيات ? ليس له إلا إسناد واحد، ولم يُختلف في صحته، بل إجماع على صحته، ومع هذا فالترمذي وصفه بأنه: "حديث حسن صحيح"، إذن هذا الوجه الأول الذي ذكره ابن كثير فيه بعد، والله أعلم. ذكر ابن كثير أن مراده بالحسن: "لعله الحسن الظاهر". يعني: حسن اللفظ "الحسن اللغوي"، الذي نسميه الحسن اللغوي، ورده ابن كثير، قال: لأنه يقول هذا في أشياء، أو في أحاديث -يعني- لا يستحسنها القارئ، أو تُخوف أو كذا: في الحدود، وفي القصاص، وفي صفة جهنم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وإن كان لا يظهر أن مراد من قال: "الحسن اللغوي"، أنه يريد رغبة القارئ في اللفظ، وإنما يريد جمال التعبير ونحو ذلك، وعلى كل فهذا أيضا، هذا التوجيه بعيد؛ لأن فيه خلطا بين مصطلح … بين الكلمة اللغوية، أو المصطلح اللغوي، وبين مصطلح حديثي، الذي هو بين الحكم، بين وصف المتن بالحسن اللغوي، ووصف الإسناد، أو الحكم على الحديث، مع أن الكلمة تدل -إذا قال: "حديث حسن صحيح"- يدل على أنه يريد الدرجة، أو يريد المتن؟ يريد الدرجة، ظاهر هذا -والله أعلم-، لكن العلماء يفترضون افتراضات. ومن الافتراضات: الثالث الذي ذكره ابن كثير، مع أنه ما أحد قبله، اجتهاد في مثل هذا، يعني ابن كثير يقول: لنفرض مثلا أن ... لعل الترمذي أراد أن "حسن صحيح"، أن فيه من الحسن، وفيه من الصحة، فهو ليس بصحيح وليس بحسن "منزلة بين المنزلتين"، ووصفه أو شبَّهه بعضهم بـ"المُز"، المز هو: بين الحامض وبين الحلو. وهذا أيضا بعيد -والله أعلم-، يقولون: "هذا يؤدي إلى أن أكثر الأحاديث التي وصفها بذلك، تنزل عن درجة الصحيح، وهذا بعيد". وأيضا مثل هذا الكلام-يا إخوان- يحتاج إلى نص. مما لم يذكره ابن كثير من التوجيهات: توجيه ابن دقيق العيد، والذهبي، هو أنهم يقولون: "لم لا نلغي الفصل بين الصحة والحُسن؟ فنقول -يقولون هكذا هم-: "إن الوصف بالحسن … أن الحَسن درجة أقل من الصحيح، فإذن كل صحيح، فهو متضمن -لأي شيء؟ - فهو حسن". "لا يمنع أن تندرج الرتبة الدنيا في الرتبة العليا". وهذا يقوله الذهبي-رحمه الله-: "هذا يدل عليه كلام الأولين". من هم الأولين؟ الذين قبل الترمذي، فإنه يقول -معنى كلامه-: ربما وصفوا الأحاديث الصحيحة بأنها حسنة. هذا يساعده يقول: "وليُلتزم هذا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 يعني: يلتزم أن كل حديث صحيح فهو؟ فهو حسن، هذا الكلام لا بأس به، لكن يُشكل عليه بس فقط -يعني في نظري- أمر واحد: وهو أنه الترمذي أحيانا يقول: "حديث صحيح" فقط، ونحن قلنا: إن الصحة متضمنة للحسن. إذن لم وصفه؟ هذا إما أن يقال -والله أعلم-: إنه من باب التفنن. يعني: مرة يصفه بأنه صحيح فقط، ومرة يصفه بأنه؟ بأنه حسن صحيح. ولابن رجب -رحمه الله- جواب عن هذا؛ لأنه اختار رأيا … المهم لا نطيل بهذا، له رأي أيضا يعني قريب من الرأي الذي ذكرته الآن عن ابن دقيق العيد والذهبي، وأطال فيه وشرحه، ولكن ما نطيل به، يكفي هذا؛ لأنه يعني … أذكر لكم إشكالا على كلام الترمذي، نحن الآن نجتهد، والعلماء اجتهدوا في ... أوصلها بعضهم إلى اثني عشرة توجيها لكلام الترمذي، لكن نعرف نحن أن ضبط كلمة الترمذي، أنه قال: "هذا الحديث حسن صحيح"، أو قال: "صحيح" فقط، أو قال: "حسن" فقط، أمر يسير، أو عسير؟ ليس بالسهل؛ بسبب اختلاف نسخ الترمذي في التعبير عن هذه الكلمة، فهذه كلمة أشغلت الناس، ويعني ليست بهذه الدرجة، يعني لا يتوقف كبير الشيء عليها؛ لأن الترمذي -رحمه الله- ... نحن نعرف أننا إذا أردنا أن نصحح أو نحسن، نكتفي بكلام إمام، أو ننظر في كلام غيره؟ بلا إشكال ننظر في كلام غيره، وننظر في الرواة، وفي -يعني- كلام الترمذي نفسه، في نقله عن البخاري، وأمور أخرى، فإذن لا يشْكل هذا في نظري، والله أعلم- أن كل ما ذكر قد يكون عليه اعتراض، في الجواب عن الجمع بين الكلمتين، ويعني: هذا الذي يكون، وإنما ما ينبغي للطالب أن يتوقف الكثير عندها؛ لا تشكل شيئا هي بالنسبة لنقد السنة، ولا إشكال فيها بالنسبة لهذا العلم، الذي هو علم التصحيح والتضعيف، مع أنها أخذت حيزا كبيرا في كتب المصطلح، ربما أطال بعضهم في ذكر توجيهاتها. نعم يا شيخ، النوع الثالث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 النوع الثالث:الحديث الضعيف قال: "وهو ما لم يجتمع فيه صفات الصحيح، ولا صفات الحسن المذكورة فيما تقدم". ثم تكلم على تعداده وتنوعه، باعتبار فقده واحدة من صفات الصحة أو أكثر، أو جميعها، فينقسم جنسه إلى: الموضوع، والمقلوب، والشاذ، والمعلل، والمضطرب، والمرسل، والمنقطع، والمعضل، وغير ذلك. نعم، هذا النوع الثالث بالنسبة لدرجات الأحاديث الصحيحة، تكلم على الصحيح، ثم تكلم على الحسن، ثم الآن تكلم على الضعيف، وعرفه بأنه: "ما لم يجتمع فيه صفات الصحيح، ولا صفات الحسن المذكورة فيما تقدم". وهذا الكلام صحيح، لكن قالوا: "لو اختصر ابن الصلاح الكلام، ولم يذكر الصحيح، لو قال: ما لم يجتمع فيه صفات الحسن، بأن ما لم يجتمع فيه صفات الحسن، من باب أولى أنه لم يجمع صفات الصحيح، ومثل هذه الاعتراضات، ذكرت لكم أن هذه -يعني- نشأت من باب التدقيق في التعاريف، وحتى أنهم يقولون: هذا التعريف مثلا فيه زيادة كلمة، أو زيادة حرف، أو كذا. من باب الرفاهية. هذا يعتبر من مُلَح العلوم، أو من الرفاهية في العلم الذي هو التدقيق، نعم إذا كان التعريف يؤدي إلى خلل في التطبيق، فهذا هو الذي يُدَقَّق فيه، ذكرت لكم بالأمس: أن هناك فرقا كبيرا جدا، بين المصطلح الذي لا ينبني عليه عمل "مصطلح فقط"، مثلما نقول مثلا: المُعضل: ما سقط منه اثنان. ما تحته عمل أبدا هذا، مثلما نقول مثلا: المنقطع: ما سقط منه واحد. مثلما نقول: المسلسل: ما كان على صفة واحدة. هذا ما تحته عمل، ما يدقق فيه، بأي عبارة عبرت، فالأمر يسير، لكن إذا كان المصطلح ينبني عليه عمل: كالتصحيح والتضعيف، هذا هو الذي ينبغي التدقيق فيه والمناقشة، والإطالة فيه لا بأس بها، وضرب الأمثلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 يقول ابن الصلاح -رحمه الله-: إنه يتنوع إلى أنواع كثيرة. أوصلها ابن حبان إلى قريب من خمسين نوعا "أنواع الحديث الضعيف"؛ لأنه بحسب نوع، أو بحسب اختلال الشرط، قد يختل شرط الاتصال، قد يختل الشرط في أول الإسناد أو في آخره، وقد يسقط واحد أو اثنان أو ثلاثة، قد يختل الشرط الأول وهو العدالة، قد يختل الضبط، فبحسب الاختلال، قد يجتمع اختلال شرطين، أو اختلال ثلاثة، وصار ابن حبان … ابن حبان معروف بأي شيء؟ مشهور بأي شيء -رحمه الله-؟ بأنه قرأ في كتب مثلا، في الكتب العقلية، وصار يحب التقسيم والتنويع، حتى مثلا كتابه "الصحيح"، مثلا كتابه الصحيح سماه "التقاسيم والأنواع"، ووضعه على طريقة لم يسبق إليها، ولم يقلد فيها أيضا؛ ولهذا "الصحيح" الموجود الآن صحيح ابن حبان، معاد ترتيبه على طريقة العلماء: الإيمان، الطهارة، كذا، الصلاة، أما هو فوضعه لغرض، ما هو هذا الغرض؟ من منكم يذكره؟ هو يقول -رحمه الله-، نعم يقول: "إنني أريد أن أجعل البحث في الحديث، عن الحديث في كتابي وعرا، ما أريد لطالب العلم أن يذهب إليه بسرعة، وإنما أريد أن يحفظ الكتاب كله، حتى يصل إلى الحديث الذي يريد". وقسمه إلى أقسام، وكل قسم تحته أنواع، فالمهم أنه يتفنن أيضا في تقسيم الحديث الضعيف، بحسب اختلال شرط أو شرطين، أو ثلاثة أو أربعة، وهذا الاختلال -يعني- أوصلها إلى قريب من خمسين نوعا، وتقدم أن ابن كثير -رحمه الله-، يوافق أو يعترض على كثرة التنويع؟ في أول الكلام، ابن كثير يعترض أو يوافق على كثرة التنويع؟ أنواع علوم الحديث؟ يعترض، نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 هنا الآن لما تكلم على الحديث الضعيف وقال: "إن منه المقلوب والشاذ". تركه لبرهة من الزمن يعني: لفترة، ثم سيعود إليه فيما بعد، والآن دخل في أنواع لا تتعلق بدرجة الحديث، إنما هي أوصاف للأسانيد أو للحديث، ثم بعد ذلك سيعود إلى أنواع الحديث الضعيف، في النوع التاسع الذي هو "المرسل"، ومعنا الآن النوع الرابع: "المسند". اقرأ. نعم يا شيخ. النوع الرابع: المسند وقال الحافظ: "هو ما اتصل إسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقال الخطيب: "هو ما اتصل إلى منتهاه". وحكى ابن عبد البر: "أنه المروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواء كان متصلا أو منقطعا". فهذه أقوال ثلاثة. نعم، المسند استخدمه الأئمة بكثرة جدا جدا، استخدموه بكثرة، فالذين جاءوا ... انظروا الآن النقل عمن؟ كم من قول ذكر هو؟ ثلاث أقوال، هي كلها عمن؟ أول من قال، أول النقل عمن؟ الحاكم، وتوفي سنة كم؟ أربعمائة وخمسة، ثم الخطيب، ثم ابن عبد البر، والخطيب وابن عبد البر وفاتهما -يعني- قريبة، يعني: متقاربة، هم إذن الآن، هم يعرفونه من عندهم، أو يسبرون عمل الأولين؟ كل واحد منهم لا يعرف من عنده، وإنما هو يجتهد في تعريف المسنَد الذي استعمله الأولون. فالحاكم يقول: "إنه ما اتصل إسناده إلى رسول الله". إذن شرطه الحاكم بشرطين: أن يكون الإسناد متصلا، وأن يكون مرويا عمن؟ عن الرسول، يعني: المروي عن الصحابي أو التابعي لا يسمى مسندا، هذا كلام مَن الآن؟ الحاكم. الخطيب البغدادي يقول: "هو ما اتصل". ذكر شرط الاتصال إلى منتهاه، سواء كان صحابيا أو تابعيا. ابن عبد البر يقول: "هو ما كان مرويا عن رسول الله، وإن لم يكن متصلا". فقد يكون منقطعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 هذه أقوال ثلاثة، بس تعلق عليها تقول: أنا حسب رأيي -والله أعلم- أن كلام الحاكم في الأصل، هو الأقرب إلى استخدام الأئمة، ولكن تضيف يعني: أنهم -رحمهم الله- تجوزوا في إخراج أحاديث منقطعة في مسانيدهم، نحن نعرف أن غالب الأئمة له مسند، حتى مثلا أبو حاتم -رحمه الله-، إذا أخذت كتب المصطلح، وكتب المؤلفات، ما يذكر أن له مسندا، ولكن له مسند، له مسند "الوحدان"، قل إمام إلا وله؟ إلا وله مسند، ماذا يدخلون في هذه المسانيد؟ لا يدخلون إلا ما روي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإذن قول الخطيب: "هو ما اتصل إلى منتهاه". هذا فيه ضعف، فإذن الصحيح في المسند، أنه مشروط أن يكون إلى من؟ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويدخلون أيضا منقطعات، لكن في كلام لأبي حاتم -رحمه الله- أن هذا الإدخال إنما هو فيه تجوز، يقول: "فلان لم يسمع من فلان، يدخل حديثه في المسند على المجاز". قوله: "على المجاز" يدل على أن الأصل في المسند ما هو؟ الاتصال، يظهر لي -والله أعلم- هذا، ويدخلون أيضا فيه: من اختلف في صحبته، أو من كان له رؤية، ويقول أيضا أبو حاتم -رحمه الله-: "إن هذا على المجاز". يقول: أدخلته على المجاز. أو أدخلته لاختلافهم مع ترجيحه أنه تابعي. هذا يدلك على أن الأصل في المسند ما رواه من؟ ما رواه الصحابي، وهكذا يقولون: مسند عمر، مسند أبي بكر، مسند كذا ... ما معنى مسنده؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 يعني: ما أسنده عن الرسول-صلى الله عليه وسلم-، فإذن يظهر -والله أعلم- أن المسند: "هو ما اتصل إسناده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. هذا هو الأصل، ولكن ليس معنى هذا، أن كل ما في المسانيد فهو متصل، فإنهم يخرجون أحاديث منقطعة، وكأن هذا يعني: إما أن نقول: تجوز. أو نأخذ بتعريف ابن عبد البر الأخير، يظهر لي أنه تجوز -والله أعلم-، هذا ما في المسند، وهو -يعني- كل كتاب طرق السنة (مؤلف في السنة، في أحاديث رسول الله) يسمى "المسند"، ولكن يعني غلب هذا النوع على أي نوع؟ على ما كان في أحاديث الصحابي، مجموعة فيه على حدة، وإلا فالبخاري سمى كتابه "المسند"، ومسلم سمى كتابه "المسند"، وعرفنا أن ابن الصلاح -رحمه الله- … بالأمس عرفنا أنه سمى سنن الدارمي، ماذا سماها؟ ظنا منه لما سماها الدارمي المسند، ظن ابن الصلاح أنها على طريقة المسانيد، وهي على طريقة السنن. فإذن المسند، خلاصة الكلام أن المسند يظهر أنه: ما اتصل إسناده إلى رسول الله. وأنهم قد يتجوزون فيخرجون أحاديث منقطعة، أما قول الخطيب: "ما روي عن التابعي والصحابي يسمى مسندا" -فهذا فيه بُعد، يعني: أخلى من استخدامهم -والله أعلم-، نكتفي بالنوع الخامس. نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 النوع الخامس: المتصل ويقال له: "الموصول" أيضا، وهو ينفي الإرسال والانقطاع، ويشمل المرفوع إلى النبي-صلى الله عليه وسلم-، والموقوف على الصحابي، أو من دونه. نعم هذا الكلام لا إشكال فيه، وليس فيه اختلاف، الحديث الموصول ما معناه؟ إذا قيل: تعارض وصل وإرسال -كما سيأتي معنا- يدلك على أن الوصل هو اتصال الإسناد. نعم، وهذا يطلقون عليه "المتصل"، ويطلقون عليه "الموصول"، بماذا سمى البخاري كتابه الجامع؟ نعم ما وصله ... المهم أنه كلمة متصل معناها: ود الانقطاع. ولا اختلاف في ذلك ولا إشكال فيه، سواء كانوا يقولون: هذا متصل إلى رسول الله، متصل إلى سعيد، متصل إلى عمر، متصل ... يعني: لا إشكال فيه، يسمى أيا كان منتهاه، ونقف هنا، وإن كان في أسئلة. نعم يا شيخ اتفضل. أحسن الله إليكم، السؤال الأول يقول: س: قلتم -حفظكم الله-: "إن ما كان شرطا في الصحيح، كان شرطا في الحسن من باب أولى". مع أن راوي الحسن، خف ضبطه عن الثقة؟ ج: نعم، هذا الكلام خطر في بالي، أنا قلت: "إن كل ما كان شرط في الصحيح، فهو شرط في الحسن". لكن خطر في بالي سؤال الأخ، وهو أنه يقول: لكن اشترطنا في الحسن، أن يكون راويه خف ضبطه. فإذن ... وهذا لا يصح أن يقال: إنه من شروط الصحيح. هذ الكلام صحيح، هذا خطر في بالي، لكن أنا قلت هذا؛ لأننا سبق وعرفنا الحسن، وأنه ما اختل ضبط راويه. فإذن إذا جمعت بين الكلامين، يعني صح الكلام، وإن كان فيه تجاوز. نعم. يقول السائل: س: الحديث المتواتر لا يشترط فيه عدالة الرواة، بل يشترط الكثرة فقط. فكيف لا يعتضد ضعيف بسيئ الحفظ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 ج: لا، هذا الكلام يعني أن المتواتر لا يشترط فيه عدالة الرواة، هذا الكلام غير دقيق، يعني هو من الناحية النظرية، من الناحية العقلية صحيح، يعني: يبحثه الأصوليون وغير الأصوليين أيضا، ولكنه من ناحية السنة ليس هناك حديثا متواترا، ليس هناك حديثا أصلا لم يبحث الأئمة فيه عدالة الرواة، فإذن هذا الكلام لا قيمة له ولا اعتبار له "أن المتواتر لا يبحث في عدالته". نعم قالوا هم، بل قالوا: "إن المتواتر لا يشترط فيه أن يكون الرواة مسلمين". لكن هذا موجود في السنة، أو غير موجود؟ غير موجود، هذا ولا يمكن أن يقال، وحتى عدالة الرواة وضبطهم، لا ليس هناك حديثا قال الأئمة: إن هذا متواتر، إذن لا يبحث في عدالة الرواة وضبطهم. وإنما هذا هم أصلا بحثوا المتواتر الذي -يعني- اشتركوا فيه الناس كلهم، المحدثون وغيرهم، فدخل في علم المصطلح، وإلا فليس هناك متواترا، بمعنى أنه لا يبحث في أحوال رواته، وهذه الكلمة ترى مهمة جدا؛ لأنها أوجدت إشكالا، صار بعض المؤلفين، مثلا: السيوطي -رحمه الله- لما جاء إلى الأحاديث المتواترة، يريد أن يؤلف كتابا، نظر فيه فقط إلى؟ إلى أي شيء؟ إلى الكثرة، مع أن فيه أحاديث أصلا ضعيفة، ضعيفة جدا، رويت بطرق، ومع ذلك أدخلها في المتواتر، بناء على تعريف المتواتر الذي أدخل يعني في ... وليس هو موجودا في كلامهم، يعني لا يوجد متواتر في كلام الأئمة، لم يبحثوا في رواته أبدا، ما يوجد هذا، وإنما -يعني- مثلا فأدى هذا إلى أنه ينظر فقط إلى كثرة ... اشترط في كتابه: أن ما رواه ... أو ما جاء عن عشرة من الصحابة فأكثر، أدخله في المتواتر. وهذا لا يصح، هذا ما يصلح؛ لأنه مما أدخله أحاديث دون الحكم بحسنها، عقبات كثيرة، فضلا عن أن تصح، فضلا عن أن تكون؟ أن تكون متواترة. فمثل هذا الكلام يعني يدقق فيه، ويتأنى فيه. نعم. أحسن الله إليكم. يقول السائل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 س: صحح بعض العلماء حديث: "الأذنان من الرأس". بإسناد رواه الطبراني عن ابن عباس، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا القارض بن شيبة، عن أبي غطفان به؟ ج: نعم، معروف هذا الحديث، وهذا الإسناد لا يصح، ويعني نعرف أن بعض المشايخ صححه، لكن هذا الإسناد فيه إشكال كثير، وإذا جمعت طرق هذا الحديث الذي هو حديث … حديث من؟ المهم أنه الحديث الذي فيه: استنشقوا مرتين، بالغتين أو ثلاثا. حديث يقول … المهم إذا جمعت طرقه، تبين لك أن كلمة: "والأذنان من الرأس"، مقحمة في هذا الحديث، نعم هي موجودة في الطبراني، مروية من طريق عبد الله بن الإمام أحمد، عن أبيه، وهذا الإسناد، أو هذه اللفظة لا توجد في المسند، وقد تكون رواها عبد الله بن أحمد خارج "المسند"، لكن إذا جمعت طرق هذا الحديث، تبين لك هذا الحديث ظاهره الصحة، لو كانت هذه اللفظة موجودة، نحن نعرف أن معجم الطبراني وغيره، قد دخله خلل من جهة، يعني فيه سقط وفيه تحريف، فأستبعد جدا جدا وجود هذه الكلمة، حتى يعني هو يقول: استنشق مرتين بالغتين، أو ثلاثا، والأذنان من الرأس. حتى متنه يعني أستبعد أنه ... يعني بعض الباحثين اعتمد على هذا الإسناد، وإذا جمعت طرق هذا الحديث، يتبين لك أنها هذه اللفظة فيه لا تصح. نعم. أحسن الله إليكم. س: هل هناك كتاب جمع مصطلحات الأئمة المتقدمين، في حكم على الأحاديث أو الرجال؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 ج: ما في كتاب، يعني كتب المصطلح تذكر مصطلحات الأولين، لكن كتاب، لا سيما والسائل قال: "والرجال". هناك مصطلحات على الرجال -يعني- ما جمعت وشرحت كل مصطلح يراد به كذا وكذا، وضمت إلى مصطلحات في الحكم على الأحاديث، ما أعرف كتابا شاملا لهذا، ونحن في الحقيقة بحاجة إليه، بحاجة -انتبهوا يا إخوان- نحن بحاجة إلى خدمة نوع من القراء، أمر مهم هذا، وهو أنه … حتى بعض الإخوان يتصل بي، يقول مثلا: أنا لا أريد أن أصحح أو أضعف، لا أريد أن أصل … أنا عندي مثلا: أشتغل بالفقه. واحد من الإخوان كلمني هكذا يقول: "أنا أشتغل بالفقه، وليس عندي مثلا تفرغ ووقت، لأن أبحث في كل حديث، وفي شذوذه وعلله وطرقه، سأعتمد على غيري، ولكن بودي أن أعرف هذه المصطلحات التي ترد علي". إذن عندنا نوع من القراء، لا يريد أن يحكم هو بنفسه، وإنما يريد فقط إذا مر به المصطلح، ماذا يراد به؟ إذا قيل صدوق، إذا قيل مثلا كذا، إذا قيل كذا، في الرواة أيضا الأحاديث إذا قيل كذا وكذا، فنحن بحاجة إلى كتاب مختصر، وأيضا قد تكلمت على هذه المسألة، وهي قضية تفريغ المصطلح من قواعد النقد، سيأتي معنا فصل للجرح والتعديل، سيأتي معنا فصل مثلا … كذلك يتكلمون على العلل وأنواعها وقرائن الترجيح، هذا موجود في كتب المصطلح في كتب … أصلا ليس اسمها كتب المصطلح، وإنما المصطلح ماذا سمى كتابه؟ علوم الحديث؛ ليشمل كل شيء، ولكن في الوقت الحاضر، لما تفرعت العلوم انفصل علم دراسة الأسانيد، فلا بأس يقول ... نحن بحاجة إلى كتاب في المصطلح. يعني: يذكر فيه فقط المصطلح، وماذا يراد به. يعني: خفيف. يعني: يخدم نوعا من القراء، يريد فقط أن يعرف مصطلحات الأئمة: ماذا يريدون بها، إذا قرأ في كتب الأولين، ولعل الله ييسر -يعني- لبعض الباحثين هذا. نعم يا شيخ. يقول فضيلة الشيخ: س: ما صحة من يقول: إن تصحيح المتأخرين أقوى من تصحيح المتقدمين؛ لما حصل لهم من جمع المعلومات والطرق؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 ج: هذا الكلام يعني أولا: هو خطير، الأمر الآخر هو أنه غير دقيق أبدا، ما يمكن هذا، ما يمكن أبدا، وعواقبه خطيرة أيضا، وله تبعات وذيول، وهو مبني على مقدمتين: المقدمة الأولى، أو مبني على مقدمة: وهو أن المتأخرين وقفوا أو جمعوا من الطرق، ما لم يجمعه العالم مثلا إذا حكم، نحن الآن عندنا الكمبيوتر، وعندنا كذا، وعندنا كذا، وعندنا كذا، إذن العالم الأول لم يقف على ما وقفنا عليه، وهذا الكلام لا يصح، أول ما يبدأ به هذه الكلمة: ما عندنا شيء يا إخوان، حتى الطرق الموجودة الآن، لا توازي شيئا بالنسبة لما عند الأولين، حتى الواحد منهم، لا نقول هذا مجازفة، هذا أبو زرعة -رحمه الله، انتبهوا- يقول: "نظرت ... ". يعني: دققت. ليس يقول مثلا: قرأت، أو سمعت. "نظرت في مائة ألف حديث لعبد الله بن وهب". في مائة ألف حديث لمن؟ لعبد الله بن وهب، لراوٍ واحد فقط، ويأتونك يقولون لك: فلان مثلا له عشرة آلاف حديث، فلان سمع من فلان عشرين ألف حديث. يقول مثلا أحمد بن صالح المصري: "عندي عن محمد بن الحسن بن زبالة، خمسون ألف حديث، ما حدثت منها بشيء". لأنه يراه متروك الحديث، أو يراه يكذب. خمسون ألف حديث! يعني: أنت الآن لو تتبعت كل ما هو موجود على وجه الأرض من طرق الحديث، ما تجمع لمحمد بن الحسن هذا، ولا جزءا يسيرا منه، ولا كذلك لعبد الله بن المبارك. فالمقصود بهذا أن هذا الكلام غير … الأمر الآخر أننا لو كانت الطرق أمامنا، فإن القواعد التي يسير عليها الإمام المتقدم، أضبط وأدق وأحكم من القواعد التي أدت بك إلى مخالفته، في أي شيء؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 في التصحيح والتواريخ، يعني: قواعد أدت بك لى مخالفتهم، معناه: أن منهجهم أو … هذا كلام خطير ما يتصوره قائله، كلام خطير في غاية الخطورة، معناه: أن النهج الذي صاروا عليه … يعني ليس الكلام الآن بس فقط الطرق والوقوف عليها، وإنما المنهج الذي تنظر فيه من خلاله لهذه الطرق، يعني لو افترضنا: أن مع الإمام أحمد مثلا عشرين طريقا، ومعك أنت عشرين طريقا، إذا صحح هو أو ضعف، ثم صححت أنت أو العكس، فمعناه أن هناك منهجان. نعم قد يكون اختلاف اجتهاد في تطبيق منهج واحد، ولكن المتتبع لعمل المتأخرين، يرى أن الخلل ليس في الاجتهاد، وإنما هو كثير منه في أي شيء؟ في القواعد وفي المنهج، وأنا كررت عليكم كثيرا هذا: أن الخلل يأتي أحيانا من تقرير القاعدة، وأحيانا من تطبيقها، وأحيانا من الاختلاف، يعني: تطبيقها، نحن نعرف أن هذا يطبقها جيدا، ولكن اختلف معه مرة في حديث، وأوافقه عشر مرات، فهذا هو الذي دلنا على سلامة منهجهم، قد يختلفون في أحاديث، ولكنهم اتفقوا على الكثير من الأحاديث، أو أكثر الأحاديث. فالمقصود من هذا أن هذا الكلام لا يتصوره قائله، وهو كلام خطير، ولا ينبغي أن نلتفت له. أحسن الله إليكم، وجزاكم الله خيرا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. اللهم صل سلم على عبدك ورسولك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 النوع السادس: المرفوع بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. يتفضل القارئ بقراءة نوع مما وقفنا عليه، قد وقفنا على النوع السادس: المرفوع. نعم ياشيخ. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال رحمه الله تعالى: النوع السادس: "المرفوع": هو ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قولا أو فعلا عنه، وسواء كان متصلا أو منقطعا أو مرسلا، ونفى الخطيب أن يكون مرسلا فقال: "هو ما أخبر به الصحابي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. نعم هذا النوع السادس: "المرفوع"، هذا المصطلح تداوله الأئمة كثيرا، فيقولون: رفعه فلان، أو هذا حديث مرفوع. ويعنون به أنه أضافه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وردوا مصطلحات أهل الحديث إلى اللغة، يعني: لسنا بحاجة إلى كبيرة إليه، فمنهم يقول: لأنه أضافه إلى صاحب المقام الرفيع، الذي هو النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومنهم من يقول: لأنه بلغ به منتهاه، أو يعني تجاوز به، لم يقفه على التابعي، أو على الصحابي، وإنما وصل به إلى أقصى غايته، الذي هو النبي - صلى الله عليه وسلم -. أشار ابن كثير -رحمه الله- إلى أن الخطيب البغدادي ... نحن نعرف أن من أوائل من ألف في علوم الحديث ومصطلحه، وبين مصطلحات أهل الحديث، هو الخطيب البغدادي. ذكر ابن كثير: أن الخطيب البغدادي اشترط في رفع الحديث: أن يكون الرافع له صحابيا. يعني: لو قال التابعي: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" -لا يكون مرفوعا، وعبارة الخطيب: "هو ما أضافه الصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم". واعتذر له ... أو كلام الخطيب هذا -يعني- أوله بعض الأئمة، يعني: رده إلى قول الجمهور بتأويل، وهو أنه قال: "يظهر أن الخطيب أراد الغالب". أراد الغالب يعني: أن غالب ما يرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما يرفعه الصحابي. نعم هذا النوع السادس، ونعم اتفضل. النوع السابع الموقوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 النوع السابع: الموقوف ومطلقه يختص بالصحابي، ولا يستعمل فيمن دونه إلا مقيدا، وقد يكون إسناده متصلا وغير متصل، وهو الذي يسميه كثير من الفقهاء والمحدثين أيضا "أثرا"، وعزاه ابن الصلاح إلى الخراسانيين، أنهم يسمون الموقوف "أثرا"، قال: وبلغنا عن أبي القاسم أنه قال: "الخبر: ما كان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأثر: ما كان عن الصحابي". قلت: ومن هذا يسمي كثير من العلماء كتاب الجامع لهذا، وهذا بالسنن والآثار، ككتابي "السنن والآثار" للطحاوي والبيهقي وغيرهما، والله أعلم. هذا النوع السابع: الموقوف. وهو يعني مصطلح استخدموه فيما يروى عمن دون النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو الصحابي، فإذا أطلق انصرف إلى هذا، يعني: أنه من قول الصحابي أو من فعله، فيقولون: قال أبو هريرة. هذا موقوف على أبي هريرة. أو يقولون -كثيرا ما يستخدمون هذه العبارة-: وقفه فلان، ورفعه فلان. يعني أن فلانا رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن الآخر وقفه على صحابي الحديث، ثم -وهذا أمر يعني لا إشكال فيه- ثم أشار ابن كثير إلى قضيتين، أو إلى ثلاث قضايا في الموضوع: الأولى: أنه يستخدم أيضا فيمن دون الصحابي، ولكنه إذا قيد ... معنى قيد يعني: نص على أنه ... أو سمي من دون الصحابي، فيقولون مثلا: هذا موقوف على سعيد بن المسيب، أو هذا وقفه فلان على سعيد بن المسيب، فهذا يقول بالتقييد، يعني: لا بأس باستخدامه فيمن دون الصحابي، وهذا أيضا لا إشكال فيه. القضية الثانية التي ذكر أشار إليها ابن كثير: هي أنه لا يشترط فيه الاتصال كالمرفوع، هو ذكر في المرفوع أنه لا يشترط فيه الاتصال: قد يكون منقطعا، وقد يكون متصلا، فهكذا في الموقوف أيضا: قد يكون متصلا، وقد يكون منقطعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 القضية الثالث: هو أنه أشار إلى أن كثيرا من الفقهاء والمحدثين يسمونه "أثرا"، يسمون الموقوف "أثرا"، وهذا نقله ابن الصلاح عن خراسان، وعن بعض فقهاء خراسان، وكنت ذكرت في وقت سابق أن ... أشرت في وقت سابق إلى أن استخدام المحدثين، الذي -يعني- رأيته في كتب الأئمة المتقدمين، أن كلمة "أثر" هذه قليلة الاستخدام، وأنهم يستخدمون في الجميع ... ماذا يستخدمون في الجميع؟ كلمة "حديث" نعم. يستخدمون كلمة "حديث"، وأيضا يستخدمون كلمة "أثر"، لكن أكثر ما يستخدمون في إطلاقها على أفراد الأحاديث، هي كلمة "حديث"، وأشار ابن كثير -رحمه الله- إلى أن بعض العلماء، كأنه في تسميته لبعض كتبه، لمح إلى هذا التفريق في التسمية، وذكر كتابين أو مؤلفين، وهما: البيهقي سمى أن كتابه "السنن والآثار". وكذلك الطحاوي. هكذا قال ابن كثير -رحمه الله-، والمعروف عندنا، أو يعني أن كتاب الطحاوي ما اسمه؟ له كتابان: واحد اسمه "مشكل الآثار"، وهذا قصد به أكثر ما فيه من المرفوعات، والثاني سماه "شرح معاني الآثار"، فأطلق الأثر حينئذ على أي شيء؟ لم يخصه بأي شيء؟ بالموقوف، بل أطلقه على المرفوع، وهكذا كتاب -أيضا كتاب- أبي جعفر الطبري "تهذيب الآثار"، أيضا قصد به المرفوع، فالخلاصة أنه في السابق، في يعني عند الأوائل، لم يكن هناك تخصيص، فيطلقون أكثر ما يطلقون الحديث على الجميع، وقد يطلقون على الجميع أيضا أثرا، قد يطلقون على الجميع أثرا؛ لأنه كما يقول النووي: "هو من أثرت الشيء، يعني: رويته". ويقصدون به جميع ما روي، فهكذا يعني لا تستغرب مثلا: إذا جاءك نص من الأولين، أو لأحد الأئمة المتقدمين، يصف فيه موقوفا، يصفه بأنه أثرا، ويطلق عليه حديثا، أو جاءك عنهم مرفوعا، وأطلق عليه الإمام كلمة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 "أثر" أيضا، فإن التفريق بينهما إنما هو اصطلاح، يعني: متأخر، ونسبه ابن الصلاح -رحمه الله- إلى بعض فقهاء خراسان، ونحن نعرف … أنا ذكرت لكم وأكرر هذا: أن المصطلح إذا لم ... والآن نحن استقر الاصطلاح على أيهما؟ على أي شيء استقر الاصطلاح؟ على التفريق، أو على استخدام الكلمتين في الجميع؟ استقر الاصطلاح على التفريق، حتى كل طلبة … أو طلبة العلم الآن إذا قلت: هذا أثر. أو حتى يكتبون يقولون: هذا حديث، وهذا أثر. أو يضع فهرسا يقول: هذا فهرس للأحاديث، وهذا فهرس للآثار. ونحن نقول دائما لا بأس بالاصطلاح، لا مشاحة -هذه كلمة تقال- "لا مشاحة في الاصطلاح". إلا متى نقول هناك مشاحة؟ متى يكون هناك مشاحة في الاصطلاح؟ إذا تضمن المصطلح قاعدة للعمل والتطبيق، فهنا يقال فيه مشاحة، لا بد من أن يكون المصطلح يوافق عمل الأولين، أو تحدث مصطلحا يوافق عملهم، لا بد من هذا، وسيأتي هذا معنا -إن شاء الله تعالى- تطبيقه، فهذا من النوع الذي يقال فيه: فيه مشاحة، أو لا مشاحة في الاصطلاح؟ هذا النوع يقال فيه: لامشاحة في الاصطلاح. بشرط أيضا: وهو أن كلام الأولين نفسره على الاصطلاح الجديد، أو على اصطلاحهم هم؟ على اصطلاح هم، نفسره على اصطلاحهم هم، وهذا أيضا أمر مهم، وإلا فلا مشاحة في الاصطلاح، ولا مناص عن هذه الكلمة؛ لأن الناس إذا اصطلحوا على شيء ما تستطيع أن تغيره، ولا بأس بالسير عليه. نعم النوع الثامن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 النوع الثامن: المقطوع تعريف الحديث المقطوع النوع الثامن: المقطوع، وهو الموقوف عن التابعين قولا وفعلا، وهو غير المنقطع. وقد وقع في عبارة الشافعي والطبراني، إطلاق المقطوع على منقطع الإسناد غير الموصول. نعم، هذا أيضا مصطلح جديد، وهو كلمة "المقطوع" يعني هذا المصطلح الثامن، أو النوع الثامن، المقطوع: وهو يعني يقصدون به: ما وقف على التابعي. يعني: من دون الصحابي من قوله أو فعله، هكذا اصطلحوا، فيقول مثلا ابن حبان -رحمه الله تعالى- عن راوٍ من الرواة: "إنه يروي المقاطيع". ما معنى يروي المقاطيع؟ يعني: يروي أشياء من كلام التابعين "من قولهم، من كلامهم، أو من فعلهم"، ثم قال ابن كثير -رحمه الله-: "وهو غير المنقطع". المنقطع وصف هذا المقطوع الآن وصف للمتن، أو وصف للإسناد؟ المقطوع الآن لما قال: "هو الموقوف على التابعين قولا أو فعلا". هو وصف الآن للمتن، وقد يكون متصلا، وقد يكون منقطعا. أما المنقطع لما قال: وهو غير المنقطع. فيقصدون به كما سيأتي ما كان ... يقصدون به وصفا في الإسناد، ثم قال ابن كثير -رحمه الله-: "وقد وقع في عبارة الشافعي والطبراني، إطلاق المقطوع على منقطع الإسناد غير الموصول". هذا يعني: استخدام لهما استخدما هذا ... يقولان: هذا مقطوع. يعني: منقطع الإسناد. يعني حين ... الشافعي والطبراني -رحمهما الله- استخدما المقطوع على أنه صفة للإسناد، وأنه فيه سقط، وأنه بمعنى المنقطع، وهذا كما يقال، هذا مما يقال فيه أيضا: "لا مشاحة في الاصطلاح". المهم أن نعرف مراد الإمام الذي ... ونحن أخذنا أكثر من مرة، وهذا يكرر دائما: أن الأئمة في عصر التطبيق -رحمهم الله-، كانت الأمور عندهم سمحة سهلة، لم -يعني- يشع في تلك العصور، قضية التعاريف المنطقية المحددة التي لا تتداخل، وهي مثلا يقولون: الحد لا بد أن يكون جامعا مانعا. فهم يستخدمون -هكذا نقول- يستخدمون الكلمة في أكثر من معنى، ويستخدمون للمعنى أكثر من كلمة، والذي يحدد كلامهم دائما هو؟ السياق، نعم. أحيانا يكون الغالب عليهم استخدام الكلمة، مثلا هنا الغالب عليهم استخدام "المقطوع" في كلام من؟ أو فيما نسب إلى من؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 إلى التابعي، ولكن ليس معنى ذلك … نجد الآن الشافعي أوالطبراني -رحمهما الله- استخدماه في معنى المنقطع، يعني: إذن هي كثرة وقلة أحيانا، كما مثلا نقول: إنهم استخدموا الحديث بكثرة "كلمة حديث"، وقد يستخدمون كلمة "الخبر"، ممن استخدمه أيضا الشافعي، واستخدمه -يستخدمه كثيرا- ابن حبان، ويستخدمه ابن جرير، فهؤلاء، وابن خزيمة، فهؤلاء أكثر ما يستخدمون كلمة "خبر"، وأكثر الأئمة يستخدمون كلمة "حديث"، فمثل هذا يعني لا بأس به، ويعرف من السياق، يعرف مراد؟ مراد الإمام. نعم يا شيخ. ما له حكم الرفع والوقف وقد تكلم الشيخ أبو عمرو على قول الصحابي: كنا نفعل، أو نقول كذا، إن لم نضفه إلى زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو بكر الباقاني، عن شيخه أبي بكر الإسماعيلي: "إنه من قبيل الموقوف". وحكم النيسابوري برفعه؛ بأنه يدل على التقرير، ورجحه ابن الصلاح. قال: "ومن هذا القبيل قول الصحابي: كنا لا نرى بأسا بكذا، أو كانوا يفعلون، أو يقولون، أو يقال كذا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنه من قبيل المرفوع، وقول الصحابي: "أمرنا بكذا"، أو "نهينا عن كذا" مرفوع مسند عند أصحاب الحديث، وهو قول أكثر أهل العلم، وخالف في ذلك فريق: منهم أبو بكر الإسماعيلي، وكذا الكلام على قوله: "ليس من السنة كذا". وقول أنس - رضي الله عنه - "أُمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة". قال: وما قيل من أن تفسير الصحابي في حكم المرفوع، فإنما ذلك فيما كان سبب نزول أو نحو ذلك، أما إذا قال الراوي عن الصحابي: يرفع الحديث أو ينهيه، أو يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو عند أهل الحديث من قبيل المرفوع الصريح في الرفع، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 نعم، هذه مجموعة من العبارات استخدمها الرواة، إما أن يستخدمها الصحابي، وإما ... أو قد يستخدمها أيضا من دون الصحابي، يستخدم بعضها من دون الصحابي، هذه عبارات يقولون: مترددة بين الرفع والوقف، عدا العبارة الأخيرة التي فيها، أما إذا قال الراوي ... التي قال فيها ابن كثير: "أما إذا قال الراوي عن الصحابي يرفع الحديث، أو ينهيه، أو يبلغ بع النبي صلى الله عليه وسلم" -فهذا لا إشكال فيه؛ لأنه من قبيل المرفوع، وإنما وقع الاختلاف -كما أشار إليه ابن كثير- في بعض المصطلحات الأخرى، مثل: إذا قال الصحابي: كنا نفعل، أو كنا نقول، أو كانوا يفعلون. فهذا له صورتان: الصورة الأولى: أن يضيف إلى ذلك أن يقول كنا نفعل متى؟ في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أو كانوا يفعلون، أو كانوا لا يرون بأسا بكذا، أو كانوا يقولون: كنا نقول في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا. فهذا جهور العلماء -رحمهم الله تعالى- على أنه من قبيل؟ على أنه من قبيل المرفوع، والذي أعرفه يخالف في هذا هو ابن حزم -رحمه الله تعالى-، فإنه اشترط أن -يعني- يذكر الراوي، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرف ذلك، يعني: لا يكفي عنده أن يقول: كنا نقول على عهد رسول الله. أو كانوا يقولون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الصورة الثانية، وهي دونها: أن يقول الراوي: كنا نفعل، أو كنا نقول، أو كان يؤمر بكذا، أو كنا نؤمر بكذا، أو … نعم هذه يعني الخلاف فيها أيضا، جمهور العلماء على أنها في الأصل من قبيل ماذا؟ من قبيل المرفوع، ما لم يظهر من خلال السياق، أو من رواية أخرى، أن المراد بها ماذا؟ الموقوف، مثل قول أنس: كان يؤمر بالسوط، أو كان يؤمر بالجريد. يعني نسيت نص الحديث، فلما قال له السائل: "في عهد من هذا؟ " قال: "في عهد عمر بن الخطاب". يعني: هو يصف السوط، أو الجريد الذي يضرب به، فيقول لما سئل عن ذلك قال، لما قال له في عهد من؟ قال: في عهد عمر بن الخطاب. فالأصل في هذا، فالأصل في "كنا نؤمر، كنا نفعل، أو كنا نقول، أو كنا كذا، أو كانوا يقولون" -أنه من قبيل المرفوع، هذا عند جمهور العلماء، وهذا وكذلك كنا نؤمر، أو أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، فهذا من قبيل المرفوع. وفي الصحيحين أشياء من هذا القبيل، ويتأكد هذا، يتأكد هذا أنه من قبيل المرفوع، يتأكد هذا، ينتبه لهذه النقطة في المثال الذي مثل به ابن كثير: وهو أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، يتأكد أنه من قبيل المرفوع، إذا كان في السياق ما يدل على ذلك، هذا مثلا حديث "أمر بلال"، يعني: لما قال أو رده بعض الفقهاء، بأنه غير صريح في الرفع، يعني شنعوا عليه وقالوا: هذا من التعصب؛ لأن في الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بحث عن شيء يؤذنون به. بأي شيء؟ للصلاة، فمنهم من ذكر الناقوس، ومنهم من ذكر النار، قال أنس - رضي الله عنه - فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، إذن متى كان أمره؟ في عهد الذي … يعني في نفس القصة أو بعد القصة، فهذا يدل على أنه الآمر هو النبي - صلى الله عليه وسلم - نعم. ورد في بعض الروايات، في بعض الطرق: "أمرنا، أو أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بلالا"، ولكن هذه الرواية شاذة لا تصح، الروايات الصحيحة للحديث هي: "أمر بلال". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 ومثله حديث: "نهينا مثلا، أمرنا أن نخرج العواتق والحيض في العيدين"، فإن في السياق، بل في بعض الطرق: "أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم". فمثل هذا إذا كان في الطرق، أو في السياق ما يدل على أن الآمر هو النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا أعلى درجة، ولا إشكال فيه. أشار ابن كثير -رحمه الله تعالى- ... وبالمناسبة هذه الألفاظ يسمونها، أو أطلق عليها بعض العلماء "الموقوفة لفظا، المرفوعة حكما"، يعني: صورتها أنها موقوفة. لم يذكر ما معنى كونها صورتها موقوفة؟ يعني لم يصرح فيها بذكر من؟ بذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلا فحكمها حكم الرفع، وهذا الكلام كله إجمالي كما ذكرت، إجمالي ولكن قد يتبين من السياق، أو من طرق أنها مرفوعة، فتلتحق بأي شيء؟ بالمرفوع صراحة، وقد يتبين من السياق، أو من الطرق أنها موقوفة، فهذه لا يقال لها حكم؟ لا يقال لها حكم الرفع، وإنما هذه لها حكم الوقف، ويعني نحن ننبه دائما إلى أن ما يذكر من قواعد، حتى في هذا الفن وفي غيره، ومن ضوابط، فإنها أغلبية وإنها أيضا قد تتعارض، فيقدم الأعم، أو يقدم الأخص؟ أيها الذي يقدم الأعم أوالأخص؟ يقدم الأخص، إذا قلنا مثلا: إن هذه لها حكم المرفوع. ولكن إذا جاءنا الوقف صريحا فيها، أيها الذي يقدم؟ نقدم الأخص الذي هو الوقف، أشار ابن كثير إلى … قال: "وما قيل من أن تفسير الصحابي في حكم المرفوع، فإنما ذلك فيما كان سبب نزول أو نحو ذلك". مراده بهذا الكلام: أن من العلماء من أطلق فقال: إن تفسير الصحابي للآية، يدخل في أي شيء؟ يكون له حكم؟ حكم الرفع، فقيده ابن كثير -رحمه الله- في ... يعني: قيده بأن هذا ما كان بسبب نزول، يعني: أن يكون الصحابي نزلت الآية في كذا، أو كان الناس يفعلون كذا، فنزلت الآية في كذا، فهذا نعم، هذا له حكم الرفع، ولكن يعني ... وكذلك ألحقوا بقول "بتفسير الصحابي"، الذي له حكم الرفع، ألحقوا به ما كان من تفسير الصحابي، ولا يدخله؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 ولا يدخله الاجتهاد، مثل يقولون: أن يخبر عن أمر ماض، أو أن يخبر عن مغيب آت، أو عن يعني أمر مستقبل عن المغيبات، أو أن يخبر عن يعني ... المهم أنه يخبر عن شيء لا يدخله الاجتهاد، فيفسر الآية بشيء لا يدخله الاجتهاد، واشترطوا لهذا ألا يكون -هذه أمور معروفة- ألا يكون معروفا بالأخذ عن بني إسرائيل، أو عن الإسرائيليات، فإن بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- تجوزوا وإن لم يكن هذا كثيرا، فمتى كثر هذا؟ في عهد من؟ في عهد التابعين، بعض الصحابة تجوز بالأخذ عن ... التحديث عن بني إسرائيل؛ أخذا من قوله - صلى الله عليه وسلم - ? حدثوا عن بني إسرائيل -ولا؟ - ولا حرج ? أو يعني ... فبعض الصحابة مثل: عبد الله بن عمرو بن العاص، عرف عنه أنه قرأ في ... أو أخذ عن بعض أهل الكتاب. فمثل هذا التفسير الذي ... وكذلك قول الصحابي عموما، إذا لم يدخل في الاجتهاد، يقولون: إن له حكم الرفع. ولكن هذا يتأنى فيه كثيرا جدا جدا "الذي هو قول الصحابي": أن له حكم الرفع، أو ليس له حكم الرفع؟ فإن بعض أقوال الصحابة وتفسيراتهم، قد يدعى فيها أنه لا مدخل للاجتهاد فيها، وبعد التمعن يتبين ... أو قد يجتهد مجتهد ويرى أن هذا مما يدخله؟ أن هذا مما يدخله الاجتهاد، وابن كثير -رحمه الله- اعتنى بتفسيره، ذكرت لكم في بداية الدروس أن علم السنة، أو علم الحديث قد أثر كثيرا في ابن كثير، أثر إلى الأحسن، أو إلى الأسوء فيه بتفسيره؟ إلى الأحسن، وعد تفسيره يعني بمثابة الفتح؛ لأنه -رحمه الله- يعني قدم خدمة جليلة: اجترأ كثيرا، وضعف كثيرا مما يورده المفسرون في كتبهم: من أخبار، ومن إسرائيليات، ومن أخبار أيضا لا تنسب إلى بني إسرائيل، ولكنه اجتهد واجترأ، فكان كثيرا ما يقول في كتبه: هذا الحديث الصواب فيه أنه موقوف، ولعله صحابيه. أو لعل راويه أخذه عن بني إسرائيل. يعني: في هذه القضية التي هي التفسير. يعني: كان لابن كثير -رحمه الله- ... يعني ذكرتها بهذه المناسبة، وهو أن تفسير الصحابي له حكم الرفع، ابن كثير -رحمه الله- كان له يعني قدر السبق، ومن أهم مميزات كتاب ابن كثير -رحمه الله- هو اعتناؤه بالنقد، اعتناؤه بنقد ما يورده من تفاسير، وهذا يعني هو الغالب على تفسيره. نعم اقرأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 النوع التاسع: المرسل تعريف الحديث المرسل النوع التاسع: المرسل، قال ابن الصلاح: وصورته التي لا خلاف فيها، حديث التابعي الكبير، الذي قد أدرك جماعة من الصحابة وجالسهم: كعبيد الله بن عدي بن الخيار، ثم سعيد بن المسيب وأمثالهما، إذا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمشهور: التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك. وحكى ابن عبد البر عن بعضهم: أنه لا يعد إرسال صغار التابعين مرسلا، ثم إن الحاكم يخص المرسل بالتابعين، والجمهور من الفقهاء والأصوليين يعممون التابعين وغيرهم. قلت: قال أبو عمرو بن الحاجب، في مختصره في أصول الفقه: "المرسل: قول غير الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم". هذا ما يتعلق بتصوره عند المحدثين. نعم، هذا إذن معنى كلمة مرسل، هذا يقول ... قول ابن كثير، هذا ما يتعلق بتصوره عند المحدثين؛ لأنه سيدخل في الاحتجاج الآن، ولكن قبل ذلك يقول: هذا ما يتعلق بصورة المرسل. ومعنى المرسل عند المحدثين، ذكر فيه عددا من الأقوال، يقول: منهم من يخصه ... بمرسل من؟ بمرفوع كبار التابعين، ومثل يعني باثنين منهم، وهما: عبيد الله بن عدي بن الخيار، وسعيد بن المسيب، وأمثالهما إذا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا. ثم استأنف ابن كثير قال: "والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك". نعم هذا هو المشهور: أن المرسل ما رواه التابعي، عمن؟ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وحكى ابن عبد البر عن بعضهم: "أنه لا يعد إرسال صغار التابعين مرسلا". إذن المشهور والأكثر عند المحدثين، هو إطلاق المرسل على أي شيء؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 على مرسل التابعي، أو ما رواه التابعي مرفوعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا لا إشكال فيه، لكن ابن كثير الآن قال بعد ذلك: "ثم إن الحاكم يخص المرسل بالتابعين، والجمهور من الفقهاء والأصوليين يعممون التابعين وغيرهم". الآن الكلام هذا منسوب لمن؟ للحاكم، ثم للفقهاء والأصوليين، إذن أين مصطلح المحدثين عموما؟ قد يفهم -هذا التي تدل عليه- قد يفهم أنهم مع من؟ مع الحاكم؛ لأنه نسب القول بالإطلاق إلى الفقهاء والأصوليين، بس أريد أن تكتبوا كلمة، أو ننتبه إلى كلمة، كلمة "مرسل" عند المحدثين، عند المحدثين الأوائل: هي أن الإسناد لم يتصل. هذا ملخص الكلام فيها، ملخصه معناها: إذا قال الإمام: هذا حديث مرسل. فمعناه: أنه عنده لم يتصل إسناده، على أي صورة كان هذا الإرسال، سواء قال مثلا: التابعي يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أو تابعي التابعي يرويه عن الصحابي عن النبي. من الذي سقط الآن؟ التابعي، فهذا كله يسمونه مرسلا، مثلا كتاب "المراسيل" لأبي داود، هذا فيما أرسله من؟ التابعي، أو من دون التابعي عمن؟ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا لا إشكال فيه، هذا من استخدامهم كتاب "المراسيل" الآخر، الذي هو لابن أبي حاتم. ماذا يريد بالمراسيل هنا؟ هي الأسانيد المنقطعة، سواء كانت مثلا: تابعي يروي حديثا، فيبين مثلا الإمام أن هذا تابعي لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - فمعناه أنه منقطع أو مرسل، أو قد يقول مثلا الحسن عن أبي هريرة مرسلا، إذن الانقطاع في أي مكان الآن؟ بين التابعي، وبين الصحابي، أو يقول مثلا الحسن -مثلا- عن جابر مرسلا، أو يقول الزهري عن ابن عمر مرسلا، فبين الزهري وبين ابن عمر يسقط، أو سقط واحد، أو قد يكون الساقط اثنان. إذن كلمة "مرسل" عند المحدثين بمعنى أن الإسناد لم يتصل، ولا بد من فهمها على هذا، نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 يقول -يعني أظنه الخطيب البغدادي-: "أكثر ما يطلقونه على ما يرسله التابعي، عن النبي صلى الله عليه وسلم". وهذا يمكن لا ينازع فيه، ولكن يطلقونه كثيرا بكثرة، يعني: لا يستخدمون كثيرا إلا هذه الكلمة، التي هي كلمة "مرسل"؛ لأن كلمة "منقطع" -كما سيأتي معنا- استخدامها عندهم ليس بالكثير. فالمهم أننا نعرف هذا، أيضا هذا من الأشياء التي يُنتبه لها، وهي أننا نحن عندنا الآن المصطلح المرسل ما هو؟ ما سقط منه الصحابي، يعني ما أرسله التابعي، فنحن -يعني- فيمن تأخر لما جاء تحديد المصطلحات، قد يأتي المتأخر ويقصر المصطلح على شيء معين، أو على استخدام معين له. فالمرسل الآن قصروه على ما أرسله التابعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن نعرف.. نحن سنقرأ في كتب الأولين مثلا: يقول الإمام أحمد -رحمه الله- لما روى عراك بن مالك عن عائشة حديثا قال: هذا مرسل. لما جاء ابن عبد الهادي -ابن عبد الهادي في وقت متأخر- استقر الاصطلاح، أو كثر استخدام المرسل في مرسل من؟ التابعي، ابن عبد الهادي اضطر إلى أن يقول.. سماه مرسلا لكذا؛ لأن عراكا لم يدرك، لم يدرك عائشة. فإذن الإمام أحمد -رحمه الله- أطلق هذه الكلمة بناء على ما كان في عصرهم واستخدامهم، وهو أن المرسل أي سقط في الإسناد؛ ولهذا يقولون هو مقابل.. نحن أخذنا في النوع الخامس المتصل، ويقال له الموصول، يقولون: أرسله فلان ووصله فلان -يعني-، واحد رواه متصلا والآخر رواه غير متصل الذي هو المرسل، وفي أي مكان يكون هذا -عدم الاتصال- في أي مكان من الإسناد، هذا هو المرسل في معناه. الآن ابن كثير -رحمه الله-، أو يعني المؤلفون في علوم الحديث دخلوا في موضوع، وهو الاحتجاج بالمرسل، وسيبين ابن كثير. نعم اقرأ. الاحتجاج بالمرسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وأما كونه حجة في الدين فذلك يتعلق بعلم الأصول، وقد أشبعنا الكلام في ذلك في كتابنا المقدمات، وقد ذكر مسلم في مقدمة كتابه أن المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة، وكذا حكاه ابن عبد البر عن جماعة أصحاب الحديث. وقال ابن الصلاح: وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو الذي استقر عليه آراء جماعة حفاظ الحديث ونقاد الأثر، وتداولوه في تصانيفهم، قال: والاحتجاج بهم مذهب مالك، وأبي حنيفة وأصحابهما في طائفته، والله أعلم. قلت: وهو محكي عن الإمام أحمد بن حنبل في رواية، وأما الشافعي فنص على أن مرسلات سعيد بن المسيب حسان، قالوا: لأنه تتبعها فوجدها مسندة، والله أعلم. والذي عول عليه كلامه في الرسالة أن مراسيل كبار التابعين حجة إن جاءت بوجه آخر ولو مرسلة، أو اعتضدت بقول صحابي أو أكثر العلماء، أو كان المرسِل لو سمى لا يسمي إلا ثقة، فحينئذ يكون مرسله حجة، ولا ينتهض إلى رتبة المتصل، قال الشافعي: وأما مراسيل غير كبار التابعين فلا أعلم أحدا قبِلها، قال ابن الصلاح. نعم، هذا المتعلق بالكلام على المراسيل والاحتجاج بها، ابن كثير -رحمه الله- قبلما يدخل في الاحتجاج والكلام عن الاحتجاج نبه إلى أن هذه القضية من علم الحديث، من مصطلح الحديث وعلوم الحديث، أو من علم أصول الفقه؟ هذه مبحثها في أصول الفقه، حقيقة هذه من المسائل، وقد مر بنا مسألة أيضا دخلت في كتب علوم الحديث، وهي ماذا يفيد خبر الواحد؟ هل يفيد العلم أو يفيد الظن؟ إلى آخره، فهذه أيضا مسألة أصولية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 فمسألة الاحتجاج هذه بالمراسيل من أعقد ما يكون من مباحث أصول الفقه، وقد كتب فيها العلماء -يعني قديما وحديثا- فيها مؤلفات خاصة، وفيها أيضا رسائل عليا -يعني في الوقت الحاضر-، وأُشبعت كلاما، ويعني أنا ألخص الموضوع بالنسبة لأهل الحديث، بالنسبة لأهل الحديث النصوص عنهم أنه مثل مسلم بن الحجاج، ومثل أبي حاتم، وأبي زرعة، وأيضا الإمام أحمد منقول عنه، والشافعي كذلك، وجماعة كثيرون يتداولون هذا، ومثل -يعني- من اشترط الصحيح في مؤلفه كالبخاري، وابن خزيمة، وابن حبان. أهل الحديث عندهم أن المرسل في حكم ماذا؟ في حكم الضعيف، وأنهم يقولون: لا يُحتج به، هذا بالنسبة لأهل الحديث، وهو الذي ذكره ابن الصلاح -رحمه الله-، ثم نسب إلى مذهب مالك ومذهب أبي حنيفة الاحتجاج بالمراسيل، وكذلك أيضا نسبه ابن كثير، قال: هو محكي عن الإمام أحمد. أحب أن أضيف بس ما نطيل في هذا؛ لأن هذه مسألة.. وكذلك نقل عن الشافعي متى يحتج بالمرسل، أحب أن نذكر كلمة مختصرة، وهي أن الذي يظهر -والله أعلم- أن الأمر كما قال ابن عبد البر: كل من احتج بالمرسل خصمه يقول له إذا أراد أن يناقشه ماذا يقول له؟ هذا الحديث يكون مرسلا، يعني أن الجميع متوقفون في الإرسال، في المرسل، ولكن هنا أمر مهم، وهو أن الاحتجاج قد يُحتج بما -يعني- قد يُلجأ إلى الاحتجاج بأصل، وإن كان الأصل فيه عدم الاحتجاج. وإذا قلنا إن المحدثين لا يحتجون بالمراسيل، أو يضعفون المراسيل، فينبه إلى أنه قد يَحتج الإمام منهم ببعض المراسيل، إما لقوتها؛ وهذا راجع إلى الصحة -كما مر بنا- أنهم يحتجون، أو أنهم يقوون مثلا ما يرويه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، وإما لأن ليس الاعتماد على هذا المرسل في الاحتجاج، وإنما معه مثلا أقوال الصحابة، معه مثلا ظاهر القرآن، معه قياس إما جلي أو خفي، معه أصل عام، معه مصلحة مرسلة ونحو ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 فالخلاصة أنه: الذي يظهر من عمل الجميع من الفقهاء والمحدثين، أن الاحتجاج.. أن المرسل.. حتى نبه على هذا ابن رجب وقال: إن ما يُنسب إلى مالك، وإلى أبي حنيفة، وإلى الإمام أحمد من الاحتجاج بالمرسل، إنما هو استُدل به أنهم احتجوا بمراسيل، وليس أنهم يحتجون بجميع المراسيل. وكما ذكرت: ابن عبد البر -رحمه الله- أشار إلى أن المرسل -يعني الاحتجاج بالمرسل- فيه ضعف، وأن كل من احتج بالمرسل خصمه يقول له: هذا مرسل، كل واحد يقول للآخر: هذا مرسل، فالذي يظهر -والله أعلم- أن الاحتجاج بالمرسل إنما هو في أفراد من المراسيل، قد يحتاج إليها الإمام أو المجتهد، أن يعبد بها غيرها، أو أن يتبين له قوة هذا المرسل، إما لاعتضاده -كما ذكر الشافعي-، أو لكون مرسِله لا يرسل إلا عن ثقة ونحو هذا الكلام. فالمقصود أن الأصل فيه عدم الاحتجاج، أنه من قبيل الضعيف، ولكن الإمام قد يحتج به، بل قد يقويه أو يصححه، ويمكن يعني.. المهم هذا خلاصة الكلام في الاحتجاج بالمراسيل، الاحتجاج بالمراسيل، إذن هو من قبيل الضعيف الذي قد يُحتج به في أماكن لسبب، إما لكونه اعتضد قوة، أو لكونه اعتضد دلالة. ما الفرق بين اعتضاد القوة واعتضاد الدلالة؟ اعتضاد الاستدلال واعتضاد القوة؟ اعتضاد القوة هو أن ما جاء بالمرسل اعتضد فصح أو قوي أن ننسبه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل أن يأتي مرسل ويأتي معه مرسل آخر، وهو الذي مر بنا في الحديث الحسن لغيره، وهو الذي تكلم عليه الشافعي وأطال في شروط قبول المرسل، ذكر أشياء، وقد تأتي مراسيل ومراسيل ومراسيل، مرسل ومرسل فيدل مجموعها على أن لهذا الحديث أصلا. أما اعتضاد الدلالة فمعناه أنه مجموعة من الأدلة من أنواع أو من أصول مختلفة، قد يكون ظاهر آية، وقد يكون قول صحابي، ويُضم إليه مصلحة مرسلة، ويُضم إليه مرسل، فهذا هو المقصود بالاعتضاد، باعتضاد الدلالة، هذا الكلام على مسألة الاحتجاج بالمراسيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وبالمناسبة الآن، هو مبحث أصولي كما عرفنا أو حديثي؟ أصولي، الأصوليون مر بنا أنهم يطلقون المرسل على أي شيء؟ قبل قليل في كلام ابن كثير؟ على جميع.. أي انقطاع في الإسناد، فمثله الاحتجاج، الاحتجاج مذكور في كتب الأصول، والبحث في الاحتجاج به لا يقصدون به مرسل من فقط؟ مرسل التابعي. وهذا -يعني- قد يتبادر إلى أذهان بعض الإخوان، أن -يعني- الربط بين ما هو في الحديث وما هو في الأصول، أهل الأصول جارين على الاصطلاح المحدثين الأول أو الأخير؟ لا، الأصوليون يجرون على أي شيء؟ على استخدام الأولين، المحدثين الذين هم -يعني- يجعلون المرسل معناه الإسناد الذي لم يتصل في أي مكان، وهو المشهور عند الأصوليين حتى المتأخرين، يعني الأصوليون الاصطلاح عندهم على ما كان عليه المحدثون الأوائل، وهو أن المرسل ما كان به سقط في أي مكان في الإسناد، فيُنتبه لهذا. نعم. اقرأ الآن نعم: مراسيل الصحابة قال ابن الصلاح: وأما مراسيل الصحابة كابن عباس وأمثاله، ففي حكم الموصول؛ لأنهم إنما يروون عن الصحابة، وكلهم عدول، فجهالتهم لا تضر، والله أعلم. قلت: وقد حكى بعضهم الإجماع على قبول مراسيل الصحابة، وذكر ابن الأثير وغيره في ذلك خلافا، ويحكى هذا المذهب عن الأستاذ أبي إسحاق الاسفراييني احتمال تلقيهم عن بعض التابعين، وقد وقع رواية الأكابر عن الأصاغر، والآباء عن الأبناء، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. تنبيه: والحافظ البيهقي في كتابه السنن الكبير وغيره يسمي ما رواه التابعي عن رجل من الصحابة مرسلا، فإن كان يذهب مع هذا إلى أنه ليس بحجة، فيلزمه أن يكون مرسل الصحابة أيضا ليس بحجة والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 نعم هذا الكلام في قضيتين، قضية مراسيل الصحابة لا بد من -يعني- تكلم ابن الصلاح -رحمه الله-، وذكر أن مراسيل الصحابة لا يدخلها الاختلاف السابق، هي من جهة المعنى، المعنى فيها واحد، والصحابة يروي بعضهم عن بعض، ويُسقط الراوي، وإذا نوقش أحيانا، إذا نوقش كما مثلا في ? لا ربا إلا في النسيئة ? كان يرويه ابن عباس، فلما حوقق في ذلك نسبه إلى غيره. ومثل -مثلا- كون النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي ركعتين بعد العصر، أو صلى ركعتين بعد العصر، لما حوقق فيه ابن الزبير قال: عائشة، ثم في بعض الروايات أيضا أن عائشة نسبته إلى أم سلمة، مع أن عائشة روت هذا أيضا. فالمقصود.. وحتى مثلا ابن عباس الآن يروي أكثر من ألف حديث، وهو إنما صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - كم من سنة؟ ثلاث سنوات أو أقل أيضا، أو نعم أو أكثر أو أقل، فالمقصود وهو أيضا صغير، توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير، فلم يكونوا يروون ما يروونه كله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرة. وقد وقع إجماع المحدثين على عدم البحث في هذه المسألة تماما، ولا تجدها تُذكر في كتب أهل الحديث، ولا يقولون أو يُعلِّون، فيقولون: هذا لم يسمعه ابن عباس، أو يقولون إلا عند الحاجة، عند الضرورة، حين -مثلا يعني- يجري تعارض، حتى الصحابة -رضوان الله عليهم- فيما بينهم إذا وقع اختلاف يحاققون، يقولون: ممن سمعته؟ يقولون للصحابي: ممن سمعته؟ فربما يقول: من النبي، وربما يقول: سمعته من فلان، أو أخبرني به فلان، وقد يذهبون إلى الثاني هذا، هذه عند الحاجة، وأما الأصل فعند المحدثين أنه لا بحث في هذه المسألة، وهي مراسيل الصحابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 نلاحظ أن النقل في عدم قبول أو التوقف في مراسيل الصحابة الآن نقله ابن كثير عن من؟ عن أبي إسحاق الاسفراييني، وهذا محدث أو أصولي؟ هذا أصولي، وهذه من المباحث التي دخلت من الأصوليين، بحثها الأصوليون، ودخلت أيضا إلى كتب المصطلح، وربما كتب المصطلح تورد خلافا في بعض الأماكن، ولا يكون للمحدثين، وإنما يكون لبعض أهل الأصول. المعروف أن أهل الأصول تكلموا عن موضوعات السنة بتطبيق أو بأمور نظرية؟ بتطبيق أو بأمور نظرية؟ أكثره بأمور نظرية عقلية، كما سيأتي معنا في زيادات الثقات، إن تعدد المجلس، أو إن نفاها مَن نقصَها أو كذا، فيذكرون احتمالات عقلية، وكثير منها لا يذكر عند أهل الحديث. فهذه -النقل عن أبي إسحاق الآن هذا- لأن الكتاب الآن هذا يعني هذا، الكتب لأهل الحديث أو لأهل الأصول؟ هي لأهل الحديث، فمثل هذا النقل -يعني- والآن هذا مصطلح، أو ينبني عليه قاعدة وحكم؟ هذا ينبني عليه حكم أو فقط مصطلح؟ الآن أبو إسحاق الاسفراييني توقف في مراسيل الصحابة، هذا مصطلح أو قاعدة ينبني عليها حكم؟ قاعدة، هذا ما يُتسامح فيه أبدا، ولا يقال: لا مشاحة في الاصطلاح، فمثل هذا ليس من عمل المحدثين، ولو كان الأمر اصطلاحا لقلنا لا مشاحة في الاصطلاح، أما هذا قاعدة ينبني عليها حكم مهم جدا، ولا ينبغي أن يُقترب منه أصلا، فضلا عن أن يُتكلم فيه، التي هي مراسيل الصحابة -رضوان الله عليهم-. قال ابن كثير -رحمه الله-: قد وقع رواية الأكابر عن الأصاغر، والآباء عن الأبناء، هذا موضوع سيأتي معنا -إن شاء الله تعالى-، وهو -يعني- يريد أن يبين أنه كما يروي الكبير عن الصغير يروي الصحابي عن صحابي آخر، وهذا لا إشكال فيه، ولا يدخل في الحكم، ولا صلة له بالحكم، بل هو -يعني- سيأتي معنا -إن شاء الله تعالى- الكلام فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 قال ابن كثير -رحمه الله-: تنبيه، نبه ابن كثير إلى أن البيهقي -رحمه الله تعالى- قد يسمي ما يقول فيه التابعي عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يسميه ماذا؟ يسميه مرسلا، مع أنه متصل أو غير متصل الآن؟ متصل. ويعني من الأمثلة على ذلك الحديث المشهور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ? نهى أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل ? فهذا يقول فيه حميد بن عبد الرحمن: صحبت رجلا، أو ابن حميد بن عبد الرحمن يقول: صحبت رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو فقال: كذا وكذا. فهذا البيهقي -رحمه الله- نحن نعرف البيهقي ينتسب إلى مذهب من؟ ينتسب إلى مذهب الشافعي، فربما في الجواب عن بعض الأحاديث تكلف إذا خالفت مذهب من؟ ربما يعني وقع منه، فهو يقول -الذي وقفت عليه من عباراته أنه يقول- هذا بمعنى المرسل، هذا بمعنى المرسل. ويقول: ناقشوه في ذلك، وقالوا: إن التابعي إذا روى عن صحابي -وإن لم يسمه- فإن هذا لا يضر؛ لأن الصحابة -يعني- عدول، ولا تضر جهالتهم، لكن أنبه هنا إلى أن البيهقي -رحمه الله- يُحتمل -يعني والله أعلم- أنه لا يقصد -يعني- ما فهموه من كلامه. وإنما -يعني- يحتمل أن يكون كلامه له معنى آخر، وهو أن التابعي إذا قال: عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو الآن في حكم المرسل؛ لأنه لا يُدرى هل هذا التابع لقي هذا الصحابي أو لا؟ لأن الصحابي الآن نعرفه أو لا نعرفه؟ لا نعرفه، فالذي -يعني- يحتمل أن يكون هذا مراده، وليس مراده أن الصحابي لم يسم، فهو بمعنى المرسل، يحتمل هذا -والله أعلم. إن كان -يعني- كلامه يحتمل هذا، وإلا فكما قال ابن كثير: إن كان يذهب مع هذا إلى أنه ليس بحجة فيلزمه أن يكون مرسل الصحابة أيضا ليس بحجة، وهو لا يقول بهذا البيهقي، مراد ابن كثير أنه إذا كنت لا تقول بهذا فلا تُسَمِّ ما لم يُسَمَّ فيه الصحابي لا تجعله مرسلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 هذا من الإلزام، الإلزام في الحجة، هو يقول له: أنت تقبل مراسيل الصحابة وتجعلها حجة، فإذن إذا لم يسم الصحابي من أي باب هذا الإلزام؟ من جهة أن الصحابي إذا أرسل أسقط من؟ صحابيا، ونحن لا نعرفه، فإذا قال التابعي: عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. فنحن الآن لا نعرفه، فيلزمك أن تقبله كما قبلت مرسل الصحابي، أنا أقول: يحتمل أن يكون كلام البيهقي ما ذكرته قبل قليل: أن التابعي إذا قال: عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيحتمل أن يكون الآن منقطعا لاحتمال؛ لأننا لا نعرف من هو الصحابي، فلا نتأكد أن هذا التابعي سمع منه أو لم يسمع منه، فيكون في حكم المرسل، هذا الذي احتمل كلام البيهقي، وأنا ذكرت قبل قليل أن البيهقي -رحمه الله- ربما، ربما يعني في بعض الأحاديث، ربما يتكلف الرد. نعم. النوع العاشر: المنقطع قال ابن الصلاح: وفيه وفي الفرق بينه وبين المرسل مذاهب، قلت: فمنهم من قال: هو أن يسقط من الإسناد رجل، أو يذكر فيه رجل مبهم، ومثَّل ابن الصلاح للأول بما رواه عبد الرزاق، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن حذيفة مرفوعا: "إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين"..الحديث. قال: فيه انقطاع في موضوعين: أحدهما أن عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري، إنما رواه عن نعمان بن أبي شيبة الجندي عنه، والثاني أن الثوري لم يسمعه من أبي إسحاق، إنما رواه عن شريك عنه. ومثال الثاني: بما رواه أبو العلاء بن عبد الله بن الشخير، عن رجلين، عن شداد بن أوس - رضي الله عنه - حديث: ? اللهم إني أسألك الثبات في الأمر ? ومنهم من قال: منقطع مثل المرسل، وهو كل ما لا يتصل إسناده، غير أن المرسل أكثر ما يطلق على ما رواه التابعي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 قال ابن الصلاح: وهذا أقرب، وهو الذي صار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم، وهو الذي ذكره الخطيب البغدادي في كفايته قال: وحكى الخطيب عن بعضهم: أن المنقطع ما روي عن التابعي فمن دونه موقوفا عليه من قوله أو فعله، وهذا بعيد غريب، والله أعلم. نعم هذا مصطلح المنقطع، ذكر فيه عدد من الأقوال، ولا -يعني- نستوحش من هذه الأقوال، فإن -يعني- كما ذكرت المسألة مسألة اصطلاح واستخدام منهم، يقول: هذا من كلام ابن عبد البر -يعني- ابن عبد البر قال: هو سماه، أو أطلقه بعضهم على ما يسقط فيه من الإسناد، رجل قبل الصحابي، قبل الصحابي، ومثَّل لذلك بأن يقول: مالك عن ابن عمر، الساقط من هو الآن؟ الساقط نافع، ومثَّل لذلك بأن يقول مثلا: سعيد بن المسيب -مثلا- عن أبي بكر، فيه سقط الآن، وأمثلة من هذا القبيل. إذن ما يسقط فيه من أثناء الإسناد رجل فهذا هو عبارة، أو هو الذي -يعني- هكذا القول، فمنهم من قال: هو أن يسقط من الإسناد رجل، هذا ذكره ابن عبد البر، وكتب المصطلح المتأخرة. ابن حجر -رحمه الله تعالى- حين جاء إلى أنواع السقط المرسل والمعضل والمنقطع، جعل هذا النوع هو المنقطع، الذي يسقط منه رجل في أثناء الإسناد، واشتهر هذا عندنا الآن، عند الباحثين، اشتهر هذا عند الباحثين، يجعلون السقط من وسط الإسناد يسمونه منقطعا، وإذا كان من آخره ماذا يطلقون عليه، إذا كان الساقط هو الصحابي؟ مرسلا، لا إذا كان الساقط هو الصحابي يسمونه مرسلا، فهذا هو الذي استقر عليه الاصطلاح في الوقت الحاضر، وقبل هذا الوقت أيضا، وهو أن يكون الساقط منه -يعني- من وسط الإسناد، أن يسقط منه راو واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 المصطلح الثاني: "أو يذكر فيه رجل مبهم"، هذا -يعني- ما نسب إلى أحد، وهو أن يقول: حدثني فلان، أو حدثني ابن أخي فلان، أو حدثني رجل، أو لقيت رجلا فقال لي كذا، يقول: إن منهم من يسميه منقطعا، والصواب في هذا أنه منقطع أو متصل؟ هل فيه انقطاع هذا أو ليس فيه انقطاع؟ ليس، ولهذا ردوه، وقالوا -يعني- استخدامه، أو نحتاج إلى تسمية من يستخدمه؛ لأنه ليس بمنقطع، وإنما هو متصل، فيه راو، فيه راو مبهم. مثَّل ابن الصلاح المثال الذي ذكره، وهذا مثال واضح: عبد الرزاق يروي عن الثوري حديثا لم يسمعه منه، وإنما يرويه عنه بواسطة، ويرويه الثوري عن أبي إسحاق، وهو لم يسمعه منه أيضا، وإنما يرويه عنه بواسطة. فهذا يقال له: منقطع، وهناك تفاصيل في -يعني- في المنقطع عند المتأخرين، عند -يعني- ابن حجر، ما أطيل بها، إنما هو خصوه -كما ذكرت- في الانقطاع في وسط الإسناد، وننتبه بس إلى هذه الفقرة، قال: ومنهم من قال: المنقطع مثل المرسل، وهو كل ما لا يتصل إسناده، غير أن المرسل.. إلى آخره. قال ابن الصلاح: وهذا أقرب، وهو الذي صار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم، وهو الذي ذكره الخطيب البغدادي في كفايته، تنبه عليه تقول: وهذا هو الذي عليه اصطلاح أئمة الحديث أن المنقطع بمعنى؟ المنقطع بمعنى ماذا عندهم؟ بمعنى المرسل، فالمرسل والمنقطع بمعنى واحد، في أي مكان كان الانقطاع في الإسناد. وهناك نصوص، -يعني- نص عن الشافعي في الرسالة، نص واحد في صفحة واحدة، يستخدم في السطر هذا كلمة منقطع، ثم يستخدم في السطر الذي بعده -أو بعده بقليل- يستخدم المرسل، وهذا أسهل علينا -يعني- بالنسبة للتفريق بين المصطلحات هذا في الوسط، وهذا في الأخير، وهذا في الأول، قد يكون أحلى من الناحية التنظيمية، ولكن من الناحية التطبيقية أيها أسهل؟ أيها أسهل؟ التسامح في هذا، أصله في اللغة هو -يعني حتى في اللغة- المنقطع منقطع في أي مكان، والمرسل مرسل في أي مكان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 فالمقصود أن هذا المصطلح الذي ذكره ابن الصلاح، قال ابن الصلاح: وهذا أقرب، وهو الذي صار إليه، نقول أيضا: هو الذي عليه، هو الذي عليه أئمة الحديث، فإذا قال الإمام: هذا منقطع، فقد يكون، ولكن أيها أكثر عندهم استخداما كلمة منقطع أو كلمة مرسل؟ أيها أكثر استخداما عندهم؟ كلمة مرسل أكثر استخداما، والذي أكثر من استخدام كلمة منقطع هو الإمام الشافعي -رحمه الله-. وأما أكثر الأئمة، فأكثر الاستخدام عندهم كلمة؟ كلمة مرسل، أرسله فلان، وصله فلان، هذا حديث مرسل، فلان عن فلان مرسل، وربما قالوا منقطع أيضا. بقي الاصطلاح الأخير الذي يقول: حكى الخطيب عن بعضهم، هذا -يعني- ما سمى من ذكره، أو من اصطلح أن المنقطع ما روي عن التابعي فمن دونه، فمعناه أنه هو بمعنى ماذا؟ الذي مر بنا قبل قليل فهو بمعنى؟ المقطوع، وهذا ما نسبه إلى قائل، ويعني ما نسبه إلى قائل، ونحتاج إلى أن نقف على نص إما بنسبته إلى قائل، أو أن نقف من استخدام مستخدم لهذا المصطلح بهذا المعنى. وكثير من التفريعات والخلاف أكثره يذكر -يعني- للفائدة، وإن كان ليس له حظ كبير من الواقع ومن التطبيق العملي، فهم يذكرونه للفائدة، ولا سيما.. -يعني- كنت قد تكلمت في مناسبة عن الفرق بين المتأخرين والمتقدمين في المصطلحات، أو في كتب المصطلح، يميل المتأخر إلى كثرة التفريعات، وكثرة التقاسيم، والمدرج يقسمونه إلى أقسام، سيأتي معنا هذا، ويقسمون الغريب إلى أقسام كثيرة، حتى إنهم ربما قسموا أشياء، قالوا: هذه قسمة عقلية، ولا يمكن وجودها في الأحاديث، وإنما اقتضاها.. ما هو الذي اقتضاها؟ القسمة العقلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 فالمقصود أن بعض الأشياء تذكر في كتب المصطلح، ولكن إذا نُبه على ما هو الذي عليه العمل، أو ما هو الذي استخدمه الأئمة، فلا بأس بذكر ما عداه، فابن الصلاح -رحمه الله- نبه إلى أن هذا هو الذي هو الأقرب، الذي هو استخدام المنقطع في أي مكان كان السقط في الإسناد. نكتفي بهذا اليوم، وإن كان هناك أسئلة تفضل. س: أحسن الله إليكم، يقول السائل: فضيلة الشيخ، هل يُقبل حديث المجهول، والحديث المنقطع في باب التقوية والاعتضاد أم لا؟ ج: هذا السؤال مهم، -يعني- قضية الاعتضاد بالمنقطع، أو ما فيه راو مجهول، خلاصة الموضوع هو أنه يُنظر إلى المسقِط، يُنظر إلى المسقِط من هو؟ هذا الخلاصة، رُبَّ شخص مثلا يسقط رجلا، سيأتي معنا هذا في التدليس، رب راو يسقط مَن حدثه، أو يسقط راو وسط الإسناد، ويكون ذلك مقبولا منه أو قويا، كما قالوا في تدليس سفيان بن عيينة، وفي مراسيل سعيد بن المسيب، وفي -يعني- مثل هذا. ورُبَّ مسقِط يكون إذا أسقط رجلا فحديثه.. أو يكون من قبيل المتروك الذي لا يعتضد، كما مثلا ابن جريج، تدليس ابن جريج، أو إسقاط ابن جريج، وجماعة يقولون، يكثرون من الرواية عن المتروكين، وعن المجاهيل، فمثل هذا لا يعتضد إسناده، ويعني هذا خلاصة الموضوع، أنه يُنظر للذي أسقط، أو.. نعم، هذا الجواب، نعم. س: يقول السائل كيف تُقبل مراسيل الحسن البصري إذا رفعها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ ج: هو المشهور عند المحدثين -أو أكثر المحدثين- على أن مراسيل الحسن ليست قوية من قبيل -يعني- ضعيفة، ولكن ليس ضعفها شديدا، بمعنى أنها -يعني- إذا اعتضدت إما بمرسل آخر أو بمسند، أو اعتضدت بشيء قد -يعني- ترتقي عن الضعف، ومنهم من يقول: إنها قوية، -يعني- هي بعض العلماء يقويها، ولكن الذي يظهر لي -والله أعلم- أن جمهور العلماء على ضعف مراسيل الحسن، ولكن ليس من الضعف الشديد، ليس -يعني- مما يقبل الاعتضاد. نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 س: أحسن الله إليكم، يقول: هل تجوّز بعض الصحابة في الرواية عن بني إسرائيل دليل على جواز رواية الحديث الضعيف في غير الأحكام؟ ج: -يعني- بينهما فرق في الحقيقة، فرق بين الرواية عن بني إسرائيل، وبين الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني إذا لم يثبت الحديث، ولكن قد يكون هناك -يعني- مناسبة بينهما من جهة أنه يقول في غير الأحكام، أن هذا -يعني- لا أثر له إلا الترغيب والترهيب والتخويف ونحو ذلك. هذا هو الجامع بينهما: العبرة، ما الغرض من رواية الإسرائيليات؟ ما الغرض منها؟ هو الاتعاظ والاعتبار، وهذا يشبهه الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديث ضعيف لم يشتد ضعفه في أمر ثابت، كالترغيب أو كمنقبة أو نحو ذلك، فبينهما شبه -يعني- بينهما تشابه. نعم. س: يقول السائل: يا شيخنا، هل يدخل في حكم الرفع ما ورد عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - في البخاري: ? كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على يده اليسرى في الصلاة ?؟ ج: عمن؟ سهل بن سعد، نعم هذا، قلت لكم: إن هناك أحاديث في الصحيحين مثل قول جابر: ? كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا هبطنا سبحنا ? أظنه هذا، لست متأكدا، المهم أن في الصحيحين أحاديث فيها: كنا نفعل، كنا نقول، كنا..، فيظهر لي -والله أعلم- أن -يعني- عمل أئمة الحديث على اعتبار هذا في الأصل اعتباره من قبيل، أو عده من قبيل المرفوع، ما لم يعارض هذا ما هو أقوى منه. نعم. س: السلام عليكم، يقول: هل الحديث الحسن والصحيح سواء في العمل بهما في العقائد والأحكام؟ ج: هما في الجملة سواء، في الجملة الحديث الحسن لذاته؛ لأنه -كما ذكرت- في بعض مراتبه ملحق بالصحيح، ولكن -يعني- قد يوجد بينهما إما تعارض، أو -يعني- قد نحتاج إلى الموازنة، أو إلى -يعني- نقد الحديث الحسن، فهما سواء في الجملة، وإن كان الحديث الصحيح هو -يعني- أقوى منه، فقد يُحتاج إلى الموازنة بينهما عند التعارض ونحو ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 س: يقول: ألا يرد على مرسل الصحابي أن يكون من روايته عن تابعي عن صحابي آخر فما الحكم حينئذ؟ ج: إذا تبين ذلك، إذا تبين أن الصحابي رواه عن تابعي، فهذا -يعني- يحاكم على هذا الأساس، فهذا إذا تبين ذلك، فهذا لا إشكال فيه، وأما الأصل في مراسيل الصحابة أنهم يروون عن صحابة آخرين، وأن مراسيلهم لا نقاش فيها، ولا ينبغي أن يُطرق هذا الموضوع تماما. نعم. جزاكم الله خيرا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك اللهم وأتوب إليك، اللهم صل وسلم على نبيك محمد. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وقفنا بالأمس على النوع الحادي عشر: المعضل، وقبل أن ندخل فيه آخر النوع الذي قبله قال ابن كثير نقلا عن ابن الصلاح: وحكى الخطيب عن بعضهم أن المنقطع المروي عن التابعي فمن دونه موقوف عليه من قوله أو فعله، وهذا بعيد غريب. وقلت: إن الخطيب لم يسمِ هذا البعض، وقد ذكر ابن حجر -رحمه الله- من فعل هذا، وهو أبو بكر البرديجي، الذي وصفه ابن رجب -رحمه الله تعالى- بأنه أحد الأئمة المبرزين في علم العلل، فهذا هو الذي أطلق المنقطع على ما روي عن التابعي فمن دونه موقوف عليه، وقد نبهني عليه بعض الإخوان جزاهم الله خيرا. نعم تفضل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 النوع الحادي عشر: المعضل تعريف الحديث المعضل بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. قال -رحمه الله تعالى-: النوع الحادي عشر: المعضل: وهو ما سقط من إسناده اثنان فصاعدا، ومنه ما يرسله تابع التابعي. قال ابن الصلاح: ومنه قول المصنفين من الفقهاء: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وقد سماه الخطيب في بعض مصنفاته مرسلا؛ وذلك على مذهب من يسمي كل ما لا يتصل إسناده مرسلا. قال ابن الصلاح: وقد روى الأعمش عن الشعبي قال: "ويقال للرجل يوم القيامة: عملت كذا وكذا، فيقول: لا، فيختم على فيه.." الحديث. قال: فقد أعضله الأعمش؛ لأن الشعبي يرويه عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فقد أسقط منه الأعمش أنسا والنبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فناسب أن يسمى معضلا. نعم هذا النوع الحادي عشر، الذي هو المعضل، وقد عرفه ابن كثير -رحمه الله- بقوله: وهو ما سقط منه اثنان فصاعدا، ومنه ما يرسله تابع التابعي، فالمعضل من النوع الضعيف، الذي ضعف بسبب عدم اتصال إسناده، واشترطوا فيه أن يكون الساقط اثنين فصاعدا، وقد تقدم في المنقطع أنه ما سقط منه راو واحد. إذن الفرق بين المنقطع والمعضل أن المعضل ما سقط منه اثنان فأكثر، وهذا لا إشكال فيه، وذكر ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- أن الخطيب يسميه مرسلا، وهذا ليس فيه إشكال، تسمية المعضل مرسلا -على ما ذكرت بالأمس- هل يشكل هذا أو لا؟ تسمية المعضل مرسلا؟ يقول ابن الصلاح: وقد سماه الخطيب في بعض مصنفاته مرسلا، وذلك على مذهب من يسمي كل ما لا يتصل إسناده مرسلا، من هم الذين يسمون أو يطلقون على كل ما لم يتصل إسناده مرسلا؟ هم الأئمة الأُول. إذن لا إشكال فيه، إذن هو نوع من الإرسال، اشتد إرساله فأُطلق عليه اسم معضل؛ لأن المعضل هو الأمر المستغلق الشديد، وتنبهون هنا في المعضل إلى أنه -يعني- مأخوذ في اللغة من الإعضال، الذي هو الاستغلاق؛ ولهذا يطلق الأئمة أيضا على الأسانيد يطلقون على بعض الأحاديث بأنها معضلة، وإن لم يكن فيها سقط أصلا، بمعنى أنها شديدة العلة، أو -يعني- نحو هذا الأمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 إذن في كلام الأئمة يوجد الإعضال، هنا في الإرسال ما سقط منه اثنان، أطلق ابن المديني وأطلق أبو داود على ما سقط منه اثنان اسم المعضل، وكذلك الحاكم، كما مثل لذلك برواية الأعمش عن الشعبي قال: "ويقال للرجل يوم القيامة: عملت كذا وكذا، فيقول: لا، فيختم على فيه". قال الحاكم: أسقط الأعمش أنسا والنبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا لا إشكال فيه، ولكن أيضا يسمى أو يطلق المعضل على -يطلقونه على- ما اشتد ضعفه، وإن لم يكن فيه سقط. وممن استخدمه بهذا المعنى الإمام أحمد، والجوزجاني يكثر من هذا، يقول: الراوي له معاضيل، أو له معضلات، ويقولون: هذا حديث معضل، ويسوقون الإسناد كاملا. إذن إذا قرأت في كلام الأئمة، ووجدت إطلاق اسم المعضل على غير السقط، فلا تستغرب هذا، فالمقصود هنا أن ما سقط منه اثنان يسمى معضلا، وليس معناه أنه لا يسمى المعضل إلا ما كان فيه سقط، لا يريدون هذا، وإنما يريدون أن ما سقط منه راو أو أكثر. متى يسمى السقط في الإسناد معضلا؟ إذا كان الساقط اثنين فأكثر، فهذا يسمى معضلا، ولكن ما لم يسقط منه شيء يسمى أيضا معضلا؛ لأن الإعضال -كما ذكرت- هو من الاستغلاق، وقد أطلق عليه كذلك الإمام أحمد والجوزجاني وابن عدي والنسائي وجماعة كثيرون، يطلقون اسم الإعضال على ما لم يسقط منه شيء، فهذا معنى المعضل إذن. نعم. عندنا الآن سيدخل المؤلف في المعنعن، وهو غير المعضل، ووضعه تحت النوع الحادي عشر وإن كان مستقلا عنه. نعم، اقرأ قوله: "قال: وقد حاول بعضهم.." الإسناد المعنعن قال: وقد حاول بعضهم أن يطلق على الإسناد المعنعن اسم الإرسال أو الانقطاع، قال: والصحيح الذي عليه العمل أنه متصل محمول على السماع إذا تعاصروا، مع البراءة من وصمة التدليس، وقد ادعى الشيخ أبو عمرو الداني المقرئ إجماع أهل النقل على ذلك، وكاد ابن عبد البر أن يدعي ذلك أيضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 قلت: وهذا هو الذي اعتمده مسلم في صحيحه، وشنع في خطبته على من يشترط مع المعاصرة اللقي، حتى قيل إنه يريد البخاري، والظاهر أنه يريد علي ابن المديني، فإنه يشترط ذلك في أصل صحة الحديث، وأما البخاري فإنه لا يشترطه في أصل الصحة، ولكن التزم ذلك في كتابه الصحيح، وقد اشترط أبو المظفر السمعاني مع اللقاء طول الصحابة، وقال أبو عمرو الداني: إن كان معروفا بالرواية عنه قبلت العنعنة، وقال القابسي: إن أدركه إدراكا بيِّنا. هذا الكلام عن المعنعن فيه عدد من الأمور: أولها: أن ابن كثير -رحمه الله- اختصر كلام ابن الصلاح اختصارا شديدا، وأبين هذا الآن: النقطة الأولى في موضوع المعنعن هو ما ذكره ابن الصلاح: أن بعض المحدثين في عصر الرواية يقول: لا نقبل صيغة "عن"، فلا بد أن يكون الإسناد كله مصرحا فيه بأي شيء؟ بالتحديث، وينسبون هذا القول -والله أعلم- نسبه ابن عبد البر إلى شعبة في أول أمره، ثم ذكر أن شعبة رجع عنه إلى قول سفيان الثوري، وينسبون هذا إلى شخص اسمه حسين الكرابيسي. فالمقصود أن بعض المحدثين -ومنهم من ذكرت- يقولون: لا نقبل أن يكون الإسناد فيه "عن"، ثم ذكر ابن الصلاح الصحيح الذي عليه العمل، وقال: إنه الصحيح الذي عليه العمل قبول الإسناد المعنعن، ونحن نعرف الآن إذا قرأت في كتب السنة أيها أكثر الأسانيد؟ المعنعنة أو المصرح فيها بالتحديث؟ المعنعنة، إذن ذاك الخلاف -إن كان خلافا صحيحا- انقرض، ومنهم من يقول: إن ذاك الخلاف أصلا وقع بعد إجماع فلا يعتد به. ومنهم من يقول: وقع الإجماع متى؟ بعده، فانتهى الخلاف، إذن هناك إجماع من المحدثين، سواء قبل الاختلاف الذي ينسب إلى شعبة، أو الخلاف الذي ينسب إلى شعبة، أو ينسب إلى الكرابيسي أو غيرهما، منقول عن بعض المحدثين هو إجماع -إما قبل هذا الخلاف وإما بعده- على قبول الإسناد المعنعن، ولا إشكال في ذلك، انتهت هذه المسألة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 انتهت هذه المسألة، لا خلاف فيها أن الحديث المعنعن أنه لا يشترط التصريح بالتحديث في كل رواية، وقد اعتذر الخطيب البغدادي -رحمه الله تعالى- أو بين الخطيب البغدادي لِمَ استخدم المحدثون كلمة "عن". بالمناسبة الذي يستخدم كلمة "عن" من هو؟ إذا قال مثلا -يمثلون لذلك- بأن يقول وكيع مثلا: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي وائل، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود. من الذي يقول: "عن" إبراهيم؟ الآن "عن" بين مَن ومَن؟ بين الأعمش وبين إبراهيم، لكن أكثر الذين يستخدمون "عن" هم التلاميذ قبل الأعمش، -يعني- وكيع هو الذي قال: الأعمش عن إبراهيم، نعم. أحيانا الراوي يستخدم كلمة "عن" أحيانا الراوي نفسه، ولكن الأكثر أن الذين غيروا، أن الذين استخدموا كلمة "عن" مَن هم؟ التلاميذ، وأما أصل الرواية فقد تكون حدثنا، وقد تكون حدث إبراهيم، أو قال إبراهيم، أو ذكر إبراهيم، وقد تكون أيضا أحيانا تكون بلفظ: نبئت عن إبراهيم، أو بلغني عن إبراهيم، وأحيانا يكون بين الأعمش وإبراهيم واحد أسقطه الأعمش، فقال، قال مثلا، أو ليس الذي أسقطه الأعمش، يسقطه الراوي المتأخر، فالمقصود أن التعبير بكلمة "عن" هذه من قِبَل مَن؟ من قِبَل التلاميذ. يقول الخطيب البغدادي: إنما فعلوا ذلك تخففا، بدل أن يقول: قال أخبرنا، قال: حدثنا، قال: كذا، يستخدم كلمة "عن" يقول: لأنهم -رحمهم الله- يحتاجون إلى الورق في الكتابة، ويحتاجون إلى نقل كتبهم في الأسفار لمراجعتها، وللمذاكرة بها، ولحفظها، وللتحديث، فيثقل عليهم، فتطول الأسانيد عليهم؛ فتخففوا واستخدموا كلمة "عن". إذن كلمة "عن" هذه محتملة أن تكون مبدلة من أي شيء؟ من "حدثنا"، تصريح بالتحديث، أو سمعت، ومحتمل أن تكون مبدلة من غير صريحة بالتحديث، مثل: قال، وذكر، وروى، ومحتملة أن تكون مبدلة مِن؟ صريحة في الانقطاع مثل: نبئت، وأخبرت، ونحو ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 فلهذا السبب لما كانت -يعني- محتملة اشترط من اشترط -هذا الذي خالف- اشترط ألا تقبل -أو قال أنها لا تقبل- العنعنة، فلا بد من التصريح بالتحديث، ولكن المحدثون قبلوها، أو أجمعوا على قبولها، واحتاطوا في الأمر، اشترطوا شروطا لقبولها، وهذا هو الشاهد هنا الذي ذكره ابن الصلاح، نعم هي محتملة لا إشكال في ذلك، لا إشكال، لا أحد -يعني- لا ينبغي أن يتردد في أنها محتملة؛ لأنها ليست من تعبير التلميذ في الغالب، في الغالب، وإن كان قد يعبر بها الراوي، وإنما هي من تغيير مَن بعد الراوي، فهي محتملة للسماع، ومحتملة للانقطاع، ومحتملة لصيغة مترددة. فالعلماء -رحمهم الله- لما قبلوها ليس تسامحا -يعني- في الرواية، وإنما قبلوها بشروط، هذه الشروط هي التي ذكرها ابن الصلاح -رحمه الله تعالى-، قال: والصحيح الذي عليه العمل أنه متصل، محمول على السماع إذا تعاصروا، مع البراءة من وصمة التدليس. إذن كم ذكر مِن شرط؟ ذكر شرطين: الشرط الأول: أنه متصل محمول على السماع إذا تعاصروا، إذا تعاصر الراوي ومن روى عنه، وأيضا يشترط فيه في الراوي ماذا؟ البراءة من وصمة التدليس، البراءة من وصمة التدليس يعني لا يقول: قال، وحدث، وذكر فلان، وروى فلان، وهو لم يسمعه منه، هذا معناه سيأتي معنى التدليس، إذن ذكر ابن الصلاح شرطين ثم قال: وقد ادعى الشيخ أبو عمرو الداني المقرئ إجماع أهل النقل على ذلك، وكاد ابن عبد البر أن يدعي ذلك أيضا. ادعوا الإجماع على قبول ماذا؟ الإسناد المعنعن إذا جمع هذين الشرطين، بس -يعني- فقط الآن التنبيه على أي شيء؟ هو أن ابن كثير -رحمه الله- اختصر كلام ابن الصلاح، الإجماع المُدَّعى على قبول الإسناد المعنعن إذا جمع هذين الشرطين، بل على قبول الإسناد المعنعن في الجملة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وبعد ذلك يأتي البحث في الشروط، الشروط -يعني- كثير من المحدثين اشترط شرطا ثالثا، ذكره ابن الصلاح وهو ماذا؟ مع البراءة مع المعاصرة، أن يثبت، لا يكفي المعاصرة، وإنما أن يثبت أنه لقي من روى عنه ولو مرة واحدة، -يعني- يثبت ولو في حديث واحد صحيح أو في إسناد هو صحيح أنه يقول: حدثنا فلان، لا يكفي أن يعاصره فقط، وإنما يثبت في حديث صحيح، وفي إسناد صحيح أنه سمع منه. ثم بعد ذلك يشترط أيضا أن يكون بريئا من التدليس، فهذه ثلاثة شروط، ويدخل الشرط الأول المهم قوله: إذن دعوى الإجماع هذه ليست على قبول الإسناد المعنعن بالشرطين، وإنما على قبول الإسناد المعنعن مطلقا في الجملة، وأما الشروط فيأتي بعد ذلك الاختلاف المشهور، فجمهور العلماء -كما نقله ابن الصلاح عنهم- اشترطوا كم من شرط؟ ثلاثة شروط، وإن كان واحد يدخل الثاني: المعاصرة، وأن يكون قد سمع منه، هذا يدخل واحد في الثاني، والثالث: أن يكون بريئا من وصمة التدليس. ومن العلماء من اكتفى بكم؟ بشرطين، إذن مهم هذا الأمر -يعني كما ذكرت- ابن كثير اختصر قليلا، فالإجماع المذكور على قبول الإسناد المعنعن في الجملة، هذا لا إشكال فيه، نقله ابن عبد البر، وكلمته ما أطيل في تحليلها، لكن أكتفي -يعني- أكتفي بها بالتنبيه هذا، وهو أن الإجماع المذكور هو على قبول الإسناد المعنعن في الجملة، وبعد ذلك تأتي الشروط أو التفصيل في الشروط التي ذكرها العلماء. فجمهور العلماء اشترطوا شرطين أو ثلاثة، ومن العلماء من يكتفي بشرطين، وهما اللذان ذكرهما، الاكتفاء بأي شيء؟ بالمعاصرة -يعني- لا يُشترط أن نقف على حديث واحد يقول فيه الراوي: حدثنا فلان، يكتفي بالمعاصرة مع إمكان اللقي، والبراءة من وصمة التدليس، وهذا مَن الذي قال بهذا القول؟ معروف هذا القول عمن؟ ذكره ابن كثير قال: وهذا هو الذي اعتمده مسلم في صحيحه، وشنع في خطبته على من يشترط مع المعاصرة اللقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 إذن مسلم يكتفي بالمعاصرة، وقال ابن كثير -رحمه الله-: إن الذي شنع عليه مسلم يظهر أنه ابن المديني، أنه ابن المديني؛ لأن البخاري -يقول ابن كثير- لأن البخاري لا يشترط ثبوت اللقي في أصل الصحة، وإنما اشترطه في أي شيء؟ في صحيحه، وهذا الذي قاله ابن كثير نوقش فيه كثيرا، وقالوا: إن البخاري لا فرق عنده بين الصحيح خارج كتابه وبين الصحيح في كتابه، فهو يشترط ثبوت اللقي في صحيحه وخارج -أو في خارج- صحيحه، هذا الذي قاله ابن كثير. أما قضية من يريد مسلم بهذه المناقشة، بالتشنيع والمناقشة، فهذا أمر آخر لا أطيل بذكره، أو لا أطيل فيه، ويعني يحتاج الأمر إلى تفصيل، لكن أشير هنا هذا الذي ذكره، أو -يعني نعم-، هذا الذي يتعلق بهذه الفقرة أو بهذا الموضوع، والذي ذكره ابن الصلاح، ووافقه ابن كثير من التفريق بين مذهب البخاري ومذهب مسلم. هذا هو الصحيح أن بينهما فرق، بينهما فرق في هذه القضية الخاصة، وهي أن البخاري يشترط ثبوت اللقي، ومر بنا أن ابن كثير ذكر من مميزات صحيح البخاري التي قُدم فيها على صحيح مسلم ماذا؟ أن البخاري يشترط ثبوت اللقي ولو مرة واحدة، وهذا هو الصحيح مهما قيل في هذه المسألة ومهما كُتب، فالصحيح أن بين البخاري وبين مسلم فرقا يسيرا في هذه النقطة المعينة، وهو -يعني- اشتراط ثبوت اللقي. ومسلم -رحمه الله- أطال في المقدمة في التشنيع على هذا القول، ومناقشة هذه المسألة -يعني- تحتاج إلى وقت، أو تحتاج إلى شرح طويل. اكتفي بهذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 يبقى النقل عن أبي عمرو الداني، وعن القابسي، -يعني- متى أبو عمرو الداني هذا؟ في أي عصر والقابسي كذلك؟ كلاهما في عصر متأخر، -يعني- هذه الشروط: اشتراط أبي عمرو الداني أن يُعرف بطول الصحبة، أبو الموفر السمعاني هو الذي اشترط طول الصحابة -يعني- هذه لم يؤخذ بها، فلو يلقاه مرة واحدة وهو ثقة، ويروي عنه، بل لو يكاتبه، فهذا كافٍ في -يعني- الرواية عنه، أو في اتصال الإسناد، وكذلك أن يكون معروفا بالرواية عنه، هذا أيضا يكتفى. بعض المحدثين لا يسمع من شيخه إلا كم من حديث؟ إلا حديث، ويصرح هو ويقول: لم أسمع منه الحديث الفلاني، أو يقول العلماء: لم يسمع منه إلا الحديث الفلاني، وهذا كثير، ليس بالقليل، فهذه الشروط اشتُرطت متى؟ في وقت متأخر، ولا اعتبار لها، فهذا يذكره المحدثون في كتب المصطلح -كما ذكرت-، يذكرون أمورا خارج كلام المحدثين الأوائل، أو خارج ما اصطلحوا عليه، أو ما اشترطوه من باب الفائدة. وكذلك قول القابسي: أدركه إدراكا بينا، هذا يدخل في شرط مسلم، فمسلم يشترط أن يدركه إدراكا، -يعني- يسميه إمكان اللقي، قال: وأمكن لقاء بعضهم بعضا، الآن عندنا عنوان جديد أدخله أيضا ابن كثير في المعضل، الآن الذي مر قبل قليل، ما هو الذي أدخله في المعضل أيضا؟ هو المعنعن، الآن عندنا إسناد آخر، مصطلح آخر يسمونه المؤنن أو المؤنأن، -يعني- الذي فيه الرواية بصيغة أن فلانا قال مثلا، أو أن فلانا ذكر، أو أن فلانا دخل. يقرأه الأخ يتفضل مشكورا. الإسناد المؤنن وقد اختلف الأئمة فيما إذا قال الراوي: "أن فلانا قال"، هل هو مثل قوله: "عن فلان"، فيكون محمولا على الاتصال حتى يثبت خلافه، أو يكون قوله: "إن فلانا قال" دون قوله "عن فلان"، كما فرق بينهما أحمد بن حنبل، ويعقوب بن شيبة، وأبو بكر البرديجي، فجعلوا "عن" صيغة اتصال، وجعلوا "إن فلانا قال كذا" في حكم الانقطاع حتى يثبت خلافه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وذهب الجمهور إلى أنه ما سوى في كونهما متصلين قاله ابن عبد البر، وممن نص على ذلك: مالك بن أنس، وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء فيه أن يقول: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. نعم هذا يسمونه الإسناد المؤنن والمؤنأن -كما ذكرت-، وقد ذكر ابن الصلاح -رحمه الله- في قبول الإسناد المؤنن أن فلانا قال كم ذكر من قول؟ كم من قول ذكر؟ ذكر قولين، ونسب الأول منهما إلى أحمد ويعقوب بن شيبة -في بعض الطبعات يعقوب بن أبي شيبة، وهذا خطأ هو يعقوب بن شيبة-، ونسبه أيضا إلى أبي بكر البرديجي، فيقول ابن الصلاح: جعلوا "عن" صيغة اتصال، وقوله: "إن فلانا قال" كذا في حكم الانقطاع حتى يثبت خلافه، نعلق على هذا بـ.. وابن كثير -رحمه الله- وافق ابن الصلاح على ما ذكره، وأن هناك في المسألة كم من قول؟ أن فيها قولين، وذهب الجمهور إلى أنهما سواء في كونهما متصلين، بل تقول -يعني يعلَّق على هذا- بأن كلام ابن الصلاح هذا -يعني- من الأشياء التي تعقبه العلماء فيها، وقالوا: إنه لم يتمعن في أجوبة أحمد والبرديجي ويعقوب بن شيبة، فليس في المسألة اختلاف، ليس في المسألة اختلاف. فالعلماء -رحمهم الله- مجمعون على شيئين ننتبه لهما، ننتبه لهما، -يعني- أخوض في بعض الدقائق لماذا؟ لأن ابن كثير -رحمه الله- دخل فيها، ولا بأس -يعني- معالجة مثل هذه الأمور، انتبه الآن، أجمعوا على شيئين إذا عرفناهما نعرف أنه ليس هناك اختلاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 إذا قال الراوي مثلا عروة بن الزبير، هذا السؤال الذي وجه للإمام أحمد، إذا قال الراوي الذي هو عروة، لنفرض إن عائشة قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا -انتبه لصيغة الرواية- إن عائشة قالت، قالت لمن؟ لعروة إن عائشة قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إذن عائشة قالت لعروة إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا، قال كذا، هذا بالإجماع متصل، كما لو قال عروة، كما لو جاءتنا الرواية بصيغة: عن عروة عن عائشة، فهذا بالإجماع متصل، ولا خلاف فيه. انتبه للصيغة الثانية، لو قال عروة: إن عائشة قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا، الآن عروة يروي عن عائشة، أو يروي قصة عائشة؟ لا، يروي عن عائشة، الآن هذا بالإجماع منقطع، هذا بالإجماع منقطع، مرسل، يسمونه مرسلا، ويقولون: الراوي إذا روى حكاية بـ "أن" وهو لم يدركها فهو مرسل أو متصل؟ فهو مرسل بالإجماع، هذا البرديجي، وغير البرديجي، وقد نقل الإجماع على هذا ابن المواق وغيره، نقلوا الإجماع على هذا. إذن الكلام في الإرسال والاتصال على صورتين، وليس على صورة، من كلام البرديجي ويعقوب بن شيبة وكذلك أحمد الكلام على صورتين، واحدة متصلة والأخرى؟ والأخرى مرسلة، منقطعة، وبينهما فرق من جهة الرواية، ومن جهة أيضا -يعني- الصيغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 فإذن المسألة ليس فيها اختلاف، إذا قال الراوي: إن فلانا قال لي كذا، أو إن فلانا قال: قلت كذا مثلا، فهذه صيغة رواية، وهي متصلة مثل "عن"، أما إذا قال الراوي: إن فلانا خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إن فلانا دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - إن فلانا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن فلانا جاء والنبي، فهذه كلها مرسلة أو منقطعة إذا قالها التابعي؟ هذه كلها مرسلة؛ لأن التابعي لا يمكنه أن يكون قد حضر، هذه كلها مرسلة؛ لأن التابعي لا يمكنه قد حضر القصة. طيب ننتبه الآن، لو قال عبد الله ابن عمر بن الخطاب: إن عمر خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إن عمر قال لنبي - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، هذه مرسلة أو متصلة؟ لماذا متصلة؟ لأن عبد الله ابن عمر يمكنه أن يكون قد حضر القصة، فهذه إذن ليس في المؤنن اختلاف -يعني- ليس فيه اختلاف يذكر، وإنما ابن الصلاح -رحمه الله- يقولون لم يتمعن في أجوبة هؤلاء الأئمة أو في كلامهم على الفرق بين الصيغتين. وأطال في ذلك ابن رجب، وابن حجر -رحمه الله- أطالوا في شرح كلام العلماء، واتفاقهم في هذه المسألة، وهذا هو الذي يعرف بالإسناد المؤنن أو المؤنأن، الاختلاف فيه بسبب اختلاف الصيغة، وليس هو اختلافا، وإنما هو اختلاف صيغة، كل واحدة لها حكم، وفيها اتفاق بين الأئمة -رحمهم الله تعالى- وكثير من الباحثين ما ينتبه لهذا الفرق، الفرق بين أن يكون الراوي قد قصد الرواية بأن، وأن يكون قد قصد حكاية القصة، كثير من الباحثين ما ينتبه لهذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 طيب عندنا الآن -نعم- حكى ابن عبد البر الإجماع على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء فيه، هذا ما فيه إشكال، الآن أيضا ابن كثير اختصر كلاما لابن الصلاح، اختصره كثيرا، يلجأ إلى -يعني- هذه مشكلة في الاختصار، أنه قد يقع، قد يقع، وإن كان ابن كثير -رحمه الله- أجاد في هذا الكتاب، وأجاد في الاختصار، ولكن قد يقع في الأسطر الأخيرة التي سيقرأها القارئ -يعني- أدخل أو -يعني- تكلم على عدد من الأمور، نعم أيها الشيخ نعم، نعرفها الآن. إذا أسند الراوي ما أرسله غيره وبحث الشيخ أبو عمرو ها هنا فيما إذا أسند الراوي ما أرسله غيره، فمنهم من قدح في عدالته بسبب ذلك إذا كان المخالف له أحفظ منه، أو أكثر عددا، ومنهم من رجح بالكثرة أو الحفظ، ومنهم من قبل المسند مطلقا إذا كان عدلا ضابطا، وصححه الخطيب وابن الصلاح، وعزاه إلى الفقهاء والأصوليين، وحكى عن البخاري أنه قال: الزيادة من الثقة مقبولة. نعم هذه المسألة أدخل فيها -يعني- فيها قضية في هذه المسألة قضيتان: القضية الأولى الراوي إذا أرسل، أو إذا أسند الراوي ما أرسله غيره، ما معنى أسنده؟ -يعني- ذكر فيه صحابيه ما أرسله غيره هذا الغير ماذا فعل في روايته؟ لم يذكر الصحابي -يعني- اعتبرنا أو توصلنا إلى أن الذي أسند وذكر الصحابي قد غلط، هل يقدح هذا فيه أو لا يقدح فيه؟ هذه مسألة، قضية، وهي تأثيرها على الراوي نفسه، على عدالته وضبطه، عندنا مسألة العدالة، إذا تعمد الراوي الإسناد، الزيادة في الإسناد، ما حكم هذا؟ يقدح في عدالته أو لا يقدح؟ هذا يقدح بلا إشكال، يقدح في عدالته، ويعتبر كذبا، إذا لم يتعمد الراوي وزاد في الإسناد الصحابي ما حكمه؟ مر بنا هذا: قضية أن العلماء -رحمهم الله- يعرفون ضبط الرواة بمقارنة مرويات بعضهم ببعض، فإذا رأوا أن الراوي يخطئ، ما يرويه غيره مرسلا يرويه هو متصلا، وما يرويه غيره موقوفا يرويه هو مرفوعا، أو العكس كذلك أيضا، فهذا متى يخل بضبطه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 عرفنا متى يخل بالعدالة؟ يخل بالعدالة متى؟ إذا تعمد، متى يخل بالضبط؟ أو هو يخل بالضبط، لكن درجة الإخلال هذه تخضع لأي شيء؟ لكثرة المخالفة وقلَّتها، إذا كان يخالف قليلا، -يعني- له عدد من الأحاديث خالف فيها، فهذا هو الذي يقولون: ثقة له، أو يقولون: ثقة، ويعني ينزلونه عن درجة من يقولون فيه: ثقة ثبت، أو ثقة حافظ، أو ثقة ثقة ثقة مثلا، ينزل قليلا، وكلما كثرت المخالفات في حديثه نزلت درجته. هذه طريقة العلماء -رحمهم الله- في -يعني- إحدى الوسائل في معرفة ضبط الرواة وعدالتهم، هي مقارنة مرويات بعضهم ببعض، فبالنسبة للضبط إذا قلَّت المخالفة تسامحوا فيه، ولم ينزلوه عن درجة الثقة؛ لأنهم يقولون: من ذا الذي لا يغلط؟ وما معنى هذه الكلمة؟ يعني أن كل إنسان عرضة للخطأ، ولكنه إذا كثر منه، حفظوا عليه شيئا وشيئا وشيئا قالوا: ثقة له أوهام، فإذا زاد قالوا: صدوق، فإذا زاد قالوا: صدوق يخطئ، صدوق سيئ الحفظ، فإذا زاد وانضم إلى ذلك أمور، قد ينضم إلى ذلك أمور أخرى، مثل أن يتفرد بأشياء، فربما ينزلونه إلى درجة الضعيف. فإذا كثر منه ذلك صار لا يبالي، أكثر أحاديثه خطأ أنزلوه إلى درجة المتروك، هذا إذا لم يكن يتعمد، وقالوا: متروك الحديث مع صلاحه، وكذا وكذا؛ لأنهم -رحمهم الله- يعني مسألة التعمد هذه، وإن كان ربما لا تتبين كثيرا. ولهذا نرى الاختلاف بين أن يقول واحد: إنه يكذب، وبين أن يقول: إنه صدوق لا يتعمد الكذب؛ لأن مسألة النية هذه مرجعها إلى أي شيء؟ مرجعها إلى القلب، وإنما -يعني- الله أعلم، وإنما العلماء -رحمهم الله- يحكمون بحسب ما لديهم من قرائن، فالمقصود أن هذه -تأثير المسألة هذه التي ذكرها- تأثيرها على الراوي، هو ذكر مسألتين الآن -ابن كثير-: قضية تأثير المخالفة على الراوي، وهذه هي التي ذكرتها الآن، وذكروا القضية الثانية تأثيرها على المروي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 ما معنى تأثيرها على المروي؟ يعني إذا روى الراوي حديثا وأرسله، ورواه غيره وأسنده نقبل قول مَن؟ نقبل قول مَن؟ ذكر -يعني- ثلاثة أقوال، قال: منهم من رجح بالكثرة أو الحفظ، ومنهم من قبل المسند مطلقا إذا كان عدلا ضابطا، وصححه مَن؟ هذا القول؟ الخطيب وابن الصلاح، وعزاه إلى الفقهاء والأصوليين. وحكى عن البخاري أنه قال: الزيادة من الثقة مقبولة، بس تقولون أيضا كذلك هذه الحكاية، وهذه الأقوال في هذه القضية، يقولون: إن الخطيب البغدادي -رحمه الله- أخذها نظريا من كلام المتكلمين، وذكر أربعة أقوال -يعني- لو نحصي من تعقب الخطيب، وتعقب ابن الصلاح في هذه القضية، يمكن يبلغون أكثر من عشرة. وقالوا إن ابن الصلاح -رحمه الله- هنا اختار أن الصواب مع مَن؟ إذا روى شخص حديثا مرسلا، ورواه شخص أو أكثر مسندا اختار قول مَن؟ هنا تسمى هذه القضية تعارض الوصل والإرسال، اختار قول مَن هنا الآن؟ رجح قول مَن؟ ابن الصلاح والخطيب كذلك؟ رجح أن الصواب مع مَن؟ مع المسند، وعزاه إلى الفقهاء والأصوليين، وهذا الذي رجحه الخطيب وابن الصلاح يقولون: إنه ليس هو مذهب مَن؟ ليس هو مذهب المحدثين. الترجيح دائما للمسند ليس مذهب المحدثين، وحتى إن الخطيب -رحمه الله- يقولون ألف كتابا سماه.. المهم في كتاب اسمه "تمييز المزيد في متصل الأسانيد"، وهناك كتاب في مبهم المراسيل للخطيب البغدادي، لم يسر فيهما على ما اختاره هنا، -يعني- خالف تطبيقه تنظيره، ما سار عليه في كتابيه أو في كتبه. يقولون: إنه هو مذهب المحدثين، ما هو مذهب المحدثين إذن؟ الآن القول هذا عزاه ابن الصلاح إلى مَن؟ وأصاب في ذلك، عزاه إلى مَن؟ إلى اختيار الخطيب وإلى الفقهاء، هذا لا إشكال فيه، ولكن لا بد من معرفة من نبحث في مصطلحه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 لا بد من معرفة مذهب من في هذه القضية المهمة، وهم المحدثون: ابن رجب وابن حجر وابن الملقن والبقاعي والعلائي وجماعة كثيرون نبهوا إلى أنه كان ينبغي أن يُذكر هنا ويُختار منهج مَن؟ المحدثين، وهو أنهم يقولون: مذهب المحدثين باختصار في هذه القضية أنهم يقولون: الأمر يدور في ترجيح المرسل أو المسند مع أي شيء يدور؟ يدور مع القرائن، ليس هناك قاعدة بأن نقول الراجح دائما المرسل، ولا أن نقول الراجح دائما المسند، ولا أن نقول الراجح دائما مع الأحفظ، أو مع الأكثر. ليس هناك قاعدة مطردة في ترجيح شيء على شيء في هذا الموضوع المهم، ونلاحظ -لاحظوا معي يا إخوان نقطة مهمة- أنَّا إذا رجحنا قبول المسند، قبول قول المسند دائما، ارجعوا إلى شروط الحديث الصحيح ماذا اشترطنا فيه؟ ماذا اشترطوا في شروط الحديث الصحيح؟ في الشرطين الأخيرين ألا يكون شاذا وألا يكون معللا، إذا قبلت قول المسنِد دائما ألغيت الشرط الأخير الذي هو ماذا؟ الذي هو شرط المعلل. وقد نص ابن دقيق العيد -رحمه الله- على أن الفقهاء والأصوليين لا يشترطون هذين الشرطين اللذين هما ماذا؟ الشذوذ والعلة، وهذا هو معنى كلام ابن دقيق العيد أنهم يقولون: إذا تعارض وصل وإرسال فالحكم دائما لمن؟ لمن وصل أو لمن أرسل عندهم؟ لمن وصل، هؤلاء هم الفقهاء. ولكن لا بد هنا من معرفة مذهب المحدثين، الذي هو أنهم يديرون الأمر مع القرائن، فإن ترجح أن المسنِد هو المصيب انتفت العلة، وإن ترجح أن المرسِل هو المصيب صار الحديث لم يتوافر فيه الشرط الأخير الذي هو ماذا؟ ألا يكون معلولا. يبقى القضية، وهي نقلهم عن البخاري أنه قال: الزيادة من الثقة مقبولة، ننتبه لهذه النقطة، وهي أن البخاري لم يقل هذا مطلقا، وإنما يتكلم على حديث بعينه، الذي هو حديث: ? لا نكاح إلا بولي ?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 إذن كلام البخاري على إطلاقه أو بخصوص حديث معين؟ لا يصح الاستدلال به على أن دائما من زاد هو المصيب، أو أن زيادته مقبولة، فهذا كلام البخاري، نبهوا أيضا إلى أنه إنما البخاري يتكلم على إسناد بعينه، وهذه الموضوعات بينها تداخل؛ ولهذا يقولون الذي اختار مذهب الفقهاء والأصوليين هنا، واختار هناك في التعريف خمسة الشروط يكون بين قوليه تضاد وتعارض، ويعني مثل هذا الأمر -مصطلح الحديث- دقيق جدا، ينبغي للشخص أن يتنبه لما يختار من مصطلحات، وما يختار من قواعد؛ لئلا يكون بين كلامه تعارض. وكذلك قضية التعارض بين التنظير والتطبيق، هذه أمر مهم، نلاحظ أن الخطيب البغدادي -رحمه الله- يعني في كتابه "المزيد في متصل الأسانيد"، وكتابه في مبهم المراسيل، -يعني- مشا على منهج المحدثين، حتى بل قالوا: إنه ربما بالغ في تطبيق العلل، ربما -يعني- يقولون، ولكنه هنا اختار هذا، اختار أن القول قول من وصل دائما، ويعني جل من لا يخطئ. هذا معنا الآن النوع الثاني عشر، الذي هو المدلس، نعم. تفضل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 النوع الثاني عشر: المدلس تدليس الإسناد والتدليس قسمان: أحدهما: أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، موهما أنه قد سمعه منه، ومن الأول قول علي بن خشرم: كنا عند سفيان بن عيينة، فقال: قال الزهري كذا، فقيل له: أسمعت منه؟ هذا قال: حدثني به عبد الرزاق عن معمر عنه، وقد كره هذا القسم من التدليس جماعة من العلماء وذموه، وكان شعبة أشد الناس إنكارا لذلك، ويروى عنه أنه قال: لأن أزني أحب إلي من أن أدلس. قال ابن الصلاح: وهذا محمول منه على المبالغة والزجر، وقال الشافعي: التدليس أخو الكذب، ومن الحفاظ من جرح من عُرف بهذا التدليس من الرواة، فرد روايته مطلقا، وإن أتى بلفظ الاتصال، ولو لم يعرف أنه دلس إلا مرة واحدة، كما قد نص عليه الشافعي -رحمه الله-، قال ابن الصلاح: والصحيح التفصيل بين ما صرح فيه بالسماع فيقبل، وبين ما أتى فيه بلفظ محتمل فيرد. قال: وفي الصحيحين من حديث جماعة من هذا الضرب كالسفيانَين والأعمش وقتادة وهشيم وغيرهم. قلت: وغاية التدليس أنه نوع من الإرسال لما ثبت عنده، وهو يخشى أن يصرح بشيخه فيُرد من أجله، والله أعلم. نعم، هذا التدليس، هذا القسم الأول من التدليس، ذكر ابن كثير -رحمه الله- أن التدليس على قسمين: أحدهما هذا الأول، يسمى تدليس الإسقاط، أو -يعني- أنا أسميه كذا تدليس الإسقاط، وهو أن يُسقط المدلس راويا من الإسناد، ثم نقسمه -هذا القسم أيضا يقسمونه- إلى قسمين، هذا القسم الأول يقسم إلى قسمين، ذكر ابن كثير أحدهما، ولم يذكر الآخر؛ لأنه قليل، ليس بالكثير. القسم الأول الذي ذكره: هو أن يكون الإسقاط من أول الإسناد، بأن يسقط المدلس شيخه، وقد يسقط معه أيضا غيره. والقسم الثاني: أن يكون الإسقاط من وسط الإسناد، وهو الذي يسمونه تدليس التسوية، وهذا ما ذكره ابن كثير نتركه. نعود إلى القسم الأول الذي هو الإسقاط من أول، من مبدأ الإسناد، يسقط المدلس شيخه، فهذا القسم بحث فيه ابن كثير عددا من الأمور، أو ذكر فيه عددا من الأمور، أولها: تعريفه، ماذا قال في تعريفه؟ أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، -يعني- يروي عن شيخه أحاديث أو يروي عنه حديثا واحدا لم يسمعه منه، بأي صيغة يرويه؟ بأي صيغة؟ يرويه بصيغة محتملة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 أما لو رواه بصيغة صريحة في الاتصال فهذا ماذا يسمى؟ كذب، وهذا لا يفعله الرواة الثقات، قد يفعله بعض الكذابين، هذا كذب، لو رواه بصيغة صريحة في الانقطاع هل هو تدليس أو ليس بتدليس؟ لو رواه بصيغة صريحة في الانقطاع، لو قال: بلغني عن فلان أو نُبئت عن فلان، هذا ليس بتدليس؛ لأنه صرح بالانقطاع، متى يكون تدليسا إذن؟ إذا رواه بصيغة محتملة للسماع، مثل: قال وذكر أو عن، فهذه صيغ محتملة للسماع وعدمه، فهذا أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه سمعه منه. إذن هذا القسم -الذي هو الإسقاط من مبدأ الإسناد- على صورتين: الصورة الأولى أن يروي عن شيخه ما لم يسمعه منه، ومثل له ابن كثير أو تبعا لابن الصلاح بتدليس ابن عيينة، أحيانا ربما يدلس عن الزهري، الزهري من كبار شيوخ من؟ سفيان بن عيينة، ولكنه في بعض الأحاديث لم يسمعها منه، سمعها من شخص آخر فماذا يفعل سفيان بن عيينة؟ يرويها عن الزهري مباشرة. يفعل هذا أحيانا، ويفعله هشيم في بعض شيوخه، ويفعله الأعمش، ومع مجاهد، ومع غيره، ومع إبراهيم النخعي، يفعلونه -يعني- له شيخ معروف بالرواية عنه، ولكن في أحاديث لم يسمعها منه، فيرويها عنه مباشرة بصيغة محتملة للسماع، فهذا يسمونه تدليسا. الصورة الثانية: يروي عن شخص لم يسمع منه أصلا، وإنما هو وإياه في عصر واحد، وممن يفعل هذا كثيرا يفعله كثيرا سعيد بن أبي عروبة، ويفعله قتادة، ويفعله الحسن البصري، ويفعله جماعة من الرواة، يروون عمن عاصرهم بصيغة محتملة، لِمَ يسمى هذا تدليسا؟ الأول واضح أنه تدليس، لماذا يسمى هذا تدليسا؟ لأنه يوهم أنه قد سمع منه وهو لم يسمع منه، فهذا يسمونه تدليسا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 ونحن نعرف في كتب المصطلح المتأخرة تبعا لابن حجر -رحمه الله- أنه خص التدليس -الآن كم معنا من صورة للتدليس في مبدأ الإسناد؟ صورتان ابن حجر -رحمه الله- تبعا لبعض الأئمة مثل البزار ومثل الشافعي ومثل ابن رشيد- خصوا التدليس بالصورة الأولى التي هي أن يروي عن شيخ قد سمع منه. والصورة الثانية سموها الإرسال الخفي، ولكن للتنبيه جمهور العلماء أو استعمال المتقدمين التدليس في الصورتين كما نقله ابن الصلاح، ووافقه ابن كثير هنا، بس أنبه عليه لئلا -يعني- يقع التباس. فاستخدام الأئمة -رحمهم الله- يقولون مثلا، يصفون فعل سعيد بن أبي عروبة في روايته عن الزهري، في روايته عن هشام ابن عروة، في روايته عن جماعة عدهم الإمام أحمد -رحمه الله- يطلقون على هذا تدليسا، يقولون يدلس يروي فلان عن فلان ولم يسمع منه، إنما يدلس عنه، هذا كثير لم يمثل له ابن كثير، هذا من أمثلته رواية سعيد بن أبي عروبة عن هشام بن عروة، وعن عبيد الله بن عمر، وعن جماعة لم يسمع منهم. نعم. في نقطة ثانية تكلم عليها ابن كثير -رحمه الله-، وهو أن جماعة من العلماء عابوا التدليس وذموه، ذم التدليس، ومنهم على رأس من ذمه من؟ الذي اشتهر -رحمه الله- بعنايته باتصال الأسانيد، وعنايته بسماع الرواة بعضهم من بعض، حتى أنه -رحمه الله- هذا شعبة له فضل كبير، نحن نعرف شعبة في جرح الرواة، هو الذي تشدد في جرح الرواة وتتبعهم، هذا مشهور عنه، لكن له فضل كبير في جانب آخر في السنة، وهو العناية بأي شيء؟ باتصال الأسانيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 كان -رحمه الله- يعني كمن يقول: وقف شعره من كثرة الإرسال، رأى أن الإرسال كثير جدا عند الرواة، كان يقول: لو أتيت إلى محدث، ووفرت عنده بخمسة أحاديث، عند التحقيق يتبين لك أن ثلاثة من هذه الأحاديث لم يسمعها. فشدد -رحمه الله-، -وإن شاء الله تعالى- يعني مأجور هو في ذلك، ويعني له فضل كبير على السنة وعلى حفظها في تشدده، وبعده شدد الأئمة، وكانوا قبله أيضا يبحثون عن السماع، ولكن شعبة -رحمه الله-، حتى أن بعض الرواة وهو سفيان بن عيينة، روى حديثا كله فيه، حدثنا فلان، حدثنا فلان، وفي نهايته قال: هذا من بابة شعبة أو هذا يعجب شعبة، لماذا؟. لأن فيه صياغة التحديث، وكان-رحمه الله- إذا جاء إلى راوٍ فيه عسر، من هو الراوي الذي فيه عسر؟ يعني هو الراوي الذي لا يقبل المناقشة، ولا يقبل أن يقال له: أعد الحديث، ولا يقبل أن يقال له: هل سمعت الحديث؟ يأنف من ذلك، كان ربما يوسط أحدا؛ لأن الرواة يذكرون لشعبة من كثرة تنقيبه عن السماع، وتنقيبه، فبدل أن يسأل هو ماذا يفعل؟ يوصي غيره أن يسأل. في ذلك جاء في قصة، أنه أوصى سماك بن حرب أن يسأل عبد الرحمن بن القاسم: هل سمع هذا الحديث من أبيه؟، فلما خرجوا قال له، فسأله فقال: نعم، سمعته، سأله سماك لم يسأله شعبة، خاف شعبة منه يقول: كان فيه عسر أو كذا، فلما خرجوا قال له سماك: استوثقت لك منه يا شعبة، يعني: استوثقت لك، يعني أنه قد سمع منه، وله أخبار طرائف في توقيف، يسمونه التوقيف. المهم أنه له أخبار كثيرة في توقيف الرواة وسؤالهم عن السماع، وفي بعض الأحيان يستحلف الراوي، في حديث النهي عن بيع الولاء وهبته، استحلف عبد الله بن دينار أنه سمع هذا الحديث من ابن عمر، فحلف له أنه سمعه، فكان بعد يقول: لو أذن لي عبد الله بن دينار لكنت قبلت رأسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 يعني المهم أنه كان يكره التدليس، ونقل عنه ابن الصلاح هذه الكلمة وهي معروفة، شعبة -رحمه الله- أكثر من قوله: لأن أزني، يعني حتى يقول: لأن أزني، أحب إلي من أن أروي عن أبان بن أبي عياش وعن فلان، ويقول: لأن أخر من السماء، أحب إلي من أن أقول: قال فلان وأنا لم أسمعه منه، فعقب عليه الذهبي -رحمه الله- فقال: هذا والله هو الورع، عقب على كلمة شعبة. وله أخبار كثيرة في التدليس، هو الذي يقول: كنت أتفقد قتادة، كان عنده أصحابه، وكان يروي لهم يدلس، يصرح بالتحديث ما يصرح بالتحديث، ما يناقشونه في ذلك، يرسل ما يرسل، فلما جاءه شعبة صار يسأله، إذا ساق له إسنادا مرسلا قال له: أين إسنادك؟ فيضجر قتادة، فحدث مرة شعبة فقال له قتادة: من حدثك؟ فقال: تسألني وتأبى علي أن أسألك. فكان بعد يسند لشعبة -رحمه الله-، وكان شعبة يقول: كنت أتفقد فم قتادة، إذا قال: حدثنا وسمعت، حفظت، وإذا قال: قال فلان، وذكر فلانا لم ألتفت؛ لهذا فهو -رحمه الله- تشدد في التدليس، وله كلمات، وغيره كذلك أيضا مثل قول الشافعي: التدليس أخو الكذب، ومثل قول وكيع: لا يحل تدليس الثياب، فكيف تدليس الحديث؟ لكن مع هذه الحملة على التدليس، إلا أن لم يستطيعوا القضاء على المدلسين، ما استطاعوا. هناك عند المحدثين شيء يسمونه شهوة الحديث، يعني: الرغبة في روايته والإكثار منه، أحيانا لا يستطيع المحدث أن، المهم هذه الحملة لم تؤت ثمارها، أو آتت ثمارها ولكنها يعني إلى درجة معينة، فبقي التدليس وبقيت أحكامه، فوجد مدلسون، ويعني تتبعهم الأئمة، ومنهم سفيان بن عيينة، وإن كان قليل التدليس يعني نسبيا، ومنهم قتادة ومنهم الأعمش، ومنهم هذا في الثقات، وأما غير الثقات في التدليس كثير أيضا، منهم هشيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 الآن سيدخل ابن كثير أو بعد قليل، ذكر ابن كثير -رحمه الله- النقطة الثالثة، الأول: حكم التدليس في نفسه، النقطة الثالثة قوله: "ومن الحفاظ من جرح، ومن عرف بهذا التدليس من الرواة". هذا حكم رواية المدلس، ونلاحظ أن ابن كثير -رحمه الله- اختصر هنا أيضا، فتداخل الموضوع، أولا هنا في هذه، من قوله: ومن الحفاظ من جرح، من عرف بهذا التدليس من الرواة"، فرد روايته مطلقا، وإن أتى بلفظ الاتصال، هذا اعتبروه جرحا في الضبط، أو جرحا في العدالة؟ جرحا في عدالته، ولكن تعلق على هذا تقول: هذا يعني ليس الذي عليه العمل، ولا يعرف عن أحد من المحدثين أنه رد رواية المدلس، وإن صرح بالاتصال، وإنما الذي قال بهذا: -يعني نظريا- هو الإمام ابن حزم -رحمه الله- مع بعض التقييد. فالمهم أن الذي قوله: ومنهم من جرح، من عرف بهذا التدليس من الرواة، فرد روايته مطلقا، وإن أتى بلفظ الاتصال"، هذا لا يعرف، يعني ليس مذهبا للمحدثين، بل شعبة الذي شدد وقال: لأن أزني، وقال: لأن أخر من السماء، قبل رواية من؟ قبل رواية المدلسين، إذا صرحوا بالاتصال، كما مر معنا قبل قليل في قتادة. نلاحظ أن ابن كثير -رحمه الله- قال: "فرد روايته مطلقا، وإن أتى بلفظ الاتصال، ولو لم يعرف أنه دلس إلا مرة واحدة، كما قد نص عليه الشافعي -رحمه الله-"، نلاحظ هذا التداخل الذي أعنيه، قول الشافعي، الشافعي لم يرد الرواية مطلقا، بس هنا نأتي إلى مذهب المحدثين، أو مذاهب المحدثين، أولها قول الشافعي، وهو أن الشافعي -رحمه الله- يقول: المدلس إذا دلس مرة واحدة لا أقبل حديثه، إلا إذا صرح بالاتصال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 إذن الشافعي لم يرد رواية المدلس مطلقا، فابن كثير من الاختصار تداخل عليه الكلام، أو داخل بعضه في بعض، ويعني هذا من مساوئ الاختصار، أنه ربما أدى إلى هذا، ربما أدى إلى بعض الخلل، فقوله: "ولو لم يعرف أنه دلس إلا مرة واحدة"، الشافعي نص في الرسالة على أنه يقبل التدليس، يقبل رواية المدلس متى؟ إذا صرح بالاتصال. فرواية المدلس، لا إشكال في، ليس بجرح عند الشافعي، ولكنه توثق للرواية، فاشترط أن يصرح المدلس بالتدليس، ولو كان قد دلس متى؟ مرة واحدة، يقولون: إن الشافعي -رحمه الله- تشدد في هذا، حيث أن المدلس ولو دلس مرة واحدة، لا بد من تصريحه بالتحديث في جميع رواياته، والذي عليه العمل عند المحدثين، أن الذي يشترط تصريحه بالتحديث هو من؟ الذي عرف بالتدليس، وأكثر منه، واشتهر عنه التدليس، فهذا هو الذي يشترط، فتقولون: هذا قول الشافعي -رحمه الله-. ابن المديني -رحمه الله- سئل، سئل ابن المديني، سأله يعقوب بن شيبة: المدلس إذا لم يقل: حدثنا وأخبرنا، يقبل قوله؟ قال: إذا كان مكثرا من التدليس، لا يقبل حتى يقول حدثنا، وكذلك جاء عن ابن معين أيضا، ما يمكن أن يلحق بهذا، ويظهر لي -والله أعلم- أن هذا هو المذهب الوسط في مسألة قبول رواية المدلس. أنه يعني إذا عرف بالتدليس واشتهر به مثل الأعمش ومثل هشيم، على تفاصيل في ذلك ما أطيل بها، ومثل قتادة أنه لا بد من تصريحه بالتحديث، وهذا هو الذي عليه، وهشيم، وهذا هو الذي عليه، يقول: وفي الصحيحين من حديث جماعة من هذا الضرب: كالسفيانين والأعمش وقتادة وهشيم وغيرهم. هذا يعني هؤلاء معروفون بالتدليس، فأصحاب الصحاح ولا سيما البخاري ومسلم، يخرجون لهؤلاء المدلسين إذا صرحوا بالتحديث، وكذلك يخرجون لهم ما عنعنوا فيه، بقرائن أخرى أيضا ما أطيل فيها، يعني ولو لم يصرحوا بالتحديث، لكن إذا أمن تدليسهم، أو إذا لم يكن لتدليسهم تأثير بأمور أخرى ما أطيل بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 ذكر ابن كثير -رحمه الله- أن التدليس اعتذار، اعتذار عن المدلسين، أنه نوع من الإرسال لما ثبت عنده، بس قوله: لما ثبت عنده، هذه هي التي يعني يوضع عندها علامة استفهام، أحيانا المدلس يسقط الضعيف، إذن الحديث ثبت عنده أو لم يثبت عنده؟ ولا سيما في قول ابن كثير: وهو يخشى أن يصرح بشيخه فيرد من أجله، إذن هو أسقط ماذا؟ ثقة أو ضعيفا هنا؟ أسقط ضعيفا، فقوله: لما ثبت عنده، هذه فيها إشكال، بل هو يسقط أحيانا ولو للفظة، لكن يدلسون يعني يدلسون لأغراض، وكما ذكرت هو شهوة. هشيم -رحمه الله- ألحوا عليه كثيرا جدا أن يترك التدليس، ألحوا عليه كثيرا ولكنه لم يتركه، ويتلذذ هو، يعني مثلما تقول: يعمي على التلاميذ، ويعني كأنه بمعنى الاختبار، أو بمعنى يعني المهم أنه له شهوة التدليس، كاتبه ابن المبارك -رحمه الله- قال له: يا هشيم، دعك من هذا التدليس، فماذا أجابه؟ قال: كان كبيراك يدلسان، كبيراك من هما؟ اللذان هما، يقصد الأعمش وسفيان الثوري، فيقول له: أنا أفعل مثلما فعل غيري، يعني هذا كلام هشيم -رحمه الله-، ويعني هو يسقط أيضا بعض الضعفاء، والأعمش يسقط بعض الضعفاء، فقول ابن كثير -رحمه الله-: لما ثبت عنده، هذا فيه يعني إشكال ونظر، نعم. اقرأ القسم الثاني. تدليس الشيوخ وأما القسم الثاني من التدليس: وهو الاتيان باسم الشيخ أو كنيته، على خلاف المشهور به؛ تعمية لأمره وتوعيرا للوقوف على حاله، ويختلف ذلك باختلاف المقاصد، فتارة يكره كما إذا كان أصغر سنا منه، أو نازل الرواية ونحو ذلك، وتارة يحرم، كما إذا كان غير ثقة، فدلسه لئلا يعرف حاله، أو أوهم أنه رجل آخر من الثقات على وفق اسمه أو كنيته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وقد روى أبو بكر بن مجاهد المقري، عن أبي بكر بن داود، فقال: حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله، وعن أبي بكر محمد بن الحسين النقاش المفسر، فقال: حدثنا محمد بن سند، نسبه إلى جد له -والله أعلم-، قال أبو عمرو بن الصلاح: وقد كان الخطيب لاهجا بهذا القسم من التدليس في مصنفاته. نعم، هذا القسم الثاني من أخبار المدلسين، قبل أن أدخل في هذا القسم، مطر الوراق، راوٍ اسمه مطر الوراق، من تلاميذ قتادة، وفيه ضعف كثير فيه ضعف، قدم مرة إلى البصرة، فحدث قتادة بحديث، يحدث من الآن هو؟ هو من تلاميذ قتادة، لكنه حدث، هو الآن حدث قتادة بحديث، فلما جاء قتادة، قتادة -رحمه الله- حافظ، كل ما سمعه يحفظه، ما يدخل في رأسه شيء إلا ويحفظه، ومكثر من الرواية، وهذا هو سبب. المهم أنه لما جاءه مطر، حدث قتادة وأسقط مطرا، أسقط مطرا الوراق وحدث عمن؟ عن الشيخ، يقول مطر في نفسه: قلت قد استضعفني قتادة، يعني لما حذفني، معناه: أنه قد استضعفني. فهذا قول ابن كثير: أنه لما ثبت عنده، يعني أحيانا يحذف الراوي، مطر هذا شك، أو وقع في نفسه أن قتادة إنما حذفه لأي شيء؟ استضعافا له، فيحذفون يعني لما لم يثبت عندهم كما ذكرت، وأحيانا يذكرون هذا في، المهم هذه أخبار، أو أمور يعني يطلع عليها الشخص بالقراءة في كتب الأولين. هي هذه الأخبار تحلي علم نقد السنة، نقد السنة فيه نوع من الجفاف دائما، مع الأسانيد ومع العلل ومع الردود ومع كذا، فكتب الأولين فيها ميزة: وهي أنهم يذكرون جميع الأخبار، جميع الأخبار يذكرونها وفيها طرائف وفيها عبر. لو أخذت مثلا كتاب مثلا يعقوب بن سفيان "المعرفة والتاريخ"، أو كتاب الإمام أحمد "العلل"، ما تستطيع أن تطلقه، يعني أن تدعه إذا كان عندك همة، أو رغبة في القراءة في كتب النقد؛ بسبب أنك تخرج من قصة إلى قصة، ومن حادثة ومن طرفة إلى طرفة، ومن أخبارهم -رحمهم الله-، ومنها أخبار من؟ أخبار المدلسين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 مرة هشيم -رحمه الله- يحدث فقال: حدثنا فلان أو أخبرنا فلان، ثم فطن أنه لم يسمعه منه، وإنما أراد أن يدلسه فسبق إلى لسانه كلمة أخبرنا، فأراد أن يُنسي من حوله، وقال: ابتعدوا قليلا عن الطريق، يعني: أوسعوا الطريق للذي يمر، وكذا وكذا، ثم بعد أن هدأت الأمور، رجع ورواه بصيغة محتملة للسماع؛ لأنه أراد أن يدلس، وفي الأول صرح بالتحديث وهو لم يسمعه، ولكن سبق إلى لسانه أو نسي أنه لم يسمعه، ثم فطن بعد ذلك فقال: نحوا الطريق، أو يعني: ابتعدوا عن الطريق أو نحو ذلك. فهذا أخبار المدلسين واكتشافهم، ويعني هذا مما يروح به القارئ في كتب النقد عن نفسه، ويبين لك أيضا جهود الأئمة -رحمهم الله- في نقد السنة، وفي تتبعها أمور عظيمة جدا جدا، يعني يطرب لها السامع ويلتذ لها العقل، أو يلتذ بها العقل. أحيانا يبينون أن مثلا الإمام أحمد وابن معين، يبينون أن هشيما يدلس الكلمة الواحدة والحرف الواحد، إما في الإسناد أو في المتن، يبينون أن هذه الكلمة مدلسة لم يسمعها هشيم من شيخه، فيعني النوع الثاني أو القسم الثاني هو الذي يعرف بتدليس الشيوخ، وهو أن المدلس لا يسقط أحدا، إذن ماذا يفعل؟. يغير اسم الشيخ، إما يغير كنيته المعروفة، وإما أن يغير اسمه، وإما أن يعني ينسبه إلى بلد، أو ينسبه إلى مثلا نسبة غير معروف بها، أو يغير اسم والده، هذا يسمونه تدليس الشيوخ، وهو يعني بحسب الحامل على التدليس، يعني حكمه بحسب الحامل عليه، ليس في إسقاط والإسناد متصل الآن؛ فلذلك لا يبحث في مسألة السماع والاتصال والعنعنة، إنما يبحثون في حكمه، يقولون: بحسب الحامل له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 أحيانا يكون الحامل له هو التفنن، يعني ما يحب أن يقول: حدثنا فلان بن فلان دائما، ماذا يفعل إذن؟ يغاير، وهذا يفعله البخاري كثيرا، يفعله البخاري في صحيحه كثيرا، أحيانا يقول: حدثنا محمد بن خالد، يقصد شيخه: محمد بن يحيى الذهلي، وأحيانا يقول: حدثنا محمد، دون أن ينسبه، ومنه قول ابن الصلاح-رحمه الله-: كان الخطيب لهجا بذكر مصنفاته. الخطيب -رحمه الله- يذكر بعض شيوخه على عدد من الصفات، خمس، ست صفات، وهذا يقولون: الغرض منه التفنن، وعدم إملال القارئ، ربما يكون الغرض منه التعمية، إذا كان الشيخ ضعيفا، فهذا هو المحذور، وهذا هو الذي قد يفعله بعض الرواة. فيه راوٍ اسمه محمد بن قيس المصلوب، وضاع هو، لكن أهل الشام -اشتهر التدليس فيه، يعني البلدان، ما ذكرت هذا- بعض البلدان اشتهرت بأي شيء؟ بالتدليس، التدليس مثلا موجود في الشام، موجود يعني مثلا في أهل الكوفة كثير، كما ذكر الحاكم، فالمقصود أنه أهل الشام يقولون: قلبوا اسم محمد بن قيس هذا، على مائة اسم: محمد بن سعيد، محمد بن قيس، أبو فلان كذا. هشيم -رحمه الله-، كان يرتكب أيضا نوعا من التدليس في هذا، كان له شيخ، تارة يسميه أبو ليلى يكنيه بأبي ليلى، وتارة يكنيه بأبي ميسرة، وتارة يكنيه بأبي إسحاق، ويغير اسمه أيضا، فهذا وهو راوٍ مشهور، العلماء تتبعوه، ما يفوت هذا على الأئمة -رحمهم الله-، ومما نقل المثال الذي ذكره ابن كثير هنا، عن أبي بكر بن مجاهد المقرئ، يروي عن أبي بكر بن أبي داود، من هو أبي بكر بن أبي داود هذا؟. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 هو ابن صاحب السنن، معروف حافظ معروف، له كتاب "المصاحف" هو معروف، بدل من أن يقول: حدثنا أبو بكر بن أبي داود، ماذا قال؟: حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله، وهذا لا بأس به؛ لأنه نوع تفنن، لكن انظر للثاني، عن أبي بكر محمد بن حسن النقاش المفسر، فقال: حدثنا محمد بن سنان، هذا من التدليس المحظور، لماذا؟ لأن محمد بن حسن هذا، منسوب إلى أي شيء؟ إلى يعني متهم بالكذب. فمثل هذا فعل أبي بكر بن المجاهد المقرئ، يعني في المثالين، هذا أحدهما لا بأس به، والفعل الآخر يعني هذا هو المحظور، وهو تغيير اسم شخص معروف ومتهم بالكذب. نقف هنا عند الشاذ، إن كان هناك أسئلة. س: أحسن الله إليكم، هذا يقول: قول ابن كثير: لما ثبت عنه، هل يحتمل القصد أنه ثبت السماع عنه، لا ثبتت صحة السند؟ وجزاكم الله خيرا. ج: ما فهمت، يعني ثبت عنده، لكن قوله: وهو يخشى أن يصرح بشيخه، فيرد من أجله، الظاهر يظهر لي-والله أعلم- أنه ثبت عنده، يعني ثبت عنده عمن أرسله عنه، يظهر لي هذا -والله أعلم-، هو الأخ يذكر احتمال أن يكون لما ثبت عنده عمن أسقطه، وهذا ما أدري يعني إن كانت العبارة تحتمله، كأن العبارة لما ثبت عنده يعتمد المدلسين، يقول: إنه ثابت عنده، هو لا يعتقد أنه ضعيف، لا يعتقد أنه لا يصح عمن نقله عنه، هو يعتقد أنه ثابت، وإن كنا قد لا نعتقد نحن مثلا، أو غيره لا يعتقد، فهذا الذي يظهر لي -والله وأعلم-. س: أحسن الله إليكم، يقول: هل يشترط تصريح المدلس الذي يدلس التسوية، بالسماع في جميع طبقات السند؟ أو يشترط أن يصرح بالسماع في طبقة شيخه فقط؟ وجزاكم الله خيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 ج: نعم، هذا تدليس التسوية ما تعرضت له، يعني ما، ليس، أو ما كل ما حذفه ابن كثير، أو لم يذكره ابن كثير نتعرض له؛ لأن المسألة أو القضايا تطول، تدليس التسوية كما ذكرنا، لكن السؤال يقول: تدليس التسوية كما نعرف لا يسقط المدلس شيخه، ويصرح أحيانا بالتحديث، ولكن يسقط متى؟ يسقط في أي مكان؟ في الوسط، وهذا يفعله بعض المدلسين، يعني هذا ليس بالكثير، يفعله بقية بن الوليد، ويفعله الوليد بن مسلم. الوليد بن مسلم مثلا يروي الأوزاعي، يروي عن نافع ويروي عن عطاء، يروي عن عطاء، معروف بالرواية عن عطاء، ولكنه أيضا يروي عن عطاء أحيانا بواسطة بعض الضعفاء، من الذي يروي هكذا؟ الأوزاعي. الوليد بن مسلم إذا روى عن الأوزاعي، يسقط هؤلاء الضعفاء، ويجعل الرواية عن الأوزاعي عن عطاء مباشرة، فالأخ يقول: هل يشترط أن يصرح المدلس بتدليس التسوية في جميع الإسناد؛ لكي نأمن من تدليسه في أول الإسناد، ونأمن من تدليسه في وسط الإسناد؟ الذي يظهر هو هذا، الذي يظهر وهو أنه لا بد أن يصرح من عرف بتدليس التسوية، ونجد في كلام العلماء، في كلام ابن حجر-رحمه الله- في "الفتح" كثيرا ما يورد هذا ويقول: الإسناد مصرح فيه بالتدليس، فأمن تدليس الوليد وتسويته، يظهر-والله أعلم-، نعم. س: أحسن الله إليكم، يقول: لماذا سميت المسانيد بهذا الاسم، مع أن كل كتب السنة مسندة؟ وكذلك لماذا سميت السنة بهذا الاسم، مع وجود كثير من السنة في البخاري ومسلم؟ وجزاكم الله خيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 ج: هذه التسميات اصطلاح، لكن يعني كما يقولون: يعني التدقيق فيها قد ما يعني، تسمية المسانيد بهذا الاسم؛ لأنه -كما عرفنا- هو ما يسنده الصحابي، فكأنهم لما جمعوا أحاديث كل صحابي، يعني كأنهم قالوا: ما أسنده من؟ هم يقولون: ما أسنده -هكذا يعنونون- ما أسنده عمر بن الخطاب، يعنونون هكذا، فإذن مجموع الكتاب ما أسنده الصحابة، فهو إذن مسند، وهذا لا إشكال فيه، هو يقول: لماذا لا تسمى بقية كتب السنة مسانيد، مع أنهم أسندوها؟. هي تسمى أحيانا كما نعرف، سنن الدارمي، سماه سمي أيضا "مسند الدارمي"، وصحيح أبي عوانة، ومستخرج أبي عوانة مطبوع الآن باسم "مسند أبي عوانة"، وكثير ما في بأس هنا، لكنهم لما كانت مرتبة على الموضوعات، وقصدوا بها معرفة السنن "التفقه"، أطلقوا عليها اسم "السنن"، ويقول: هو مثلا، ما هو بقية السؤال الثاني؟. يقول: مثلا يعني هكذا فهمت منه أنه يقول: لماذا فرقوا بين السنن وبين مثلا صحيح البخاري، مع أنها كلها موضوع واحد؟ هذا أيضا كله اصطلاح حسب تسمية المؤلف، فالبخاري سمى كتابه "الجامع"، ومسلم أيضا سمى كتابه "الجامع"، أظن-لو كنت ما نسيت- أن مسلما سماه هكذا، أو ما أدري الترمذي سمى كتابه "الجامع"، ويسميه العلماء أيضا، ويسميه العلماء "السنن"، وهذه التسميات اصطلاحية، من بعض الذين كتبوا في مناهج المحدثين. من أراد أن يفرق بين الجامع وبين السنن، الجامع: هو الذي يجمع كذا وكذا، لكن هذا التفريق يعني يكون مقصودا، هذا -في نظري- أن فيه عسرا، مثلا لو أخذت "سنن النسائي الكبرى" فيها موضوعات، هي الموضوعات الموجودة في صحيح البخاري، ومع هذا يعني اشتمل على كثير من الكتب: السيرة والتفسير، ومع هذا فبقي اسمه "السنن"، و"الجامع" للبخاري اسمه "الجامع"، فالذي يظهر -والله أعلم- أن هذه التسمية راجعة للمؤلف، ولا إشكال فيه. أحسن الله إليكم وأثابكم، ونفعنا بعلمكم، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 النوع الثالث عشر: الشاذ تعريف الشافعي للحديث الشاذ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. نبتدئ اليوم -إن شاء الله تعالى- بالنوع الثالث عشر، وهو الشاذ، يتفضل القارئ بالقراءة. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. قال -رحمه الله تعالى-: النوع الثالث عشر: "الشاذ"، قال الشافعي: وهو أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس، وليس من ذلك أن يروي ما لم يرو غيره، وقد حكاه الحافظ أبو يعلى الخليلي القزويني، عن جماعة من الحجازيين أيضا، قال: والذي عليه حفاظ الحديث، أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ به ثقة أو غير ثقة، فيتوقف فيما شذ به الثقة، ولا يحتج به، ويرد ما شذ به غير الثقة، وقال الحاكم النيسابوري: هو الذي ينفرد به الثقة وليس له متابع، قال ابن الصلاح. نعم. هذا النوع الثالث عشر: "الشاذ"، ذكر له ابن كثير -رحمه الله- ثلاثة تعريفات، واثنان منها بمعنى واحد، وهما الثاني والثالث. أما الأول منهما: فهو تعريف الشافعي -رحمه الله- للشاذ، بأن قال: أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس، ثم قال الشافعي -رحمه الله-: وليس من ذلك أن يروي ما لم يرو غيره، فاشترط الشافعي -رحمه الله- لشذوذ الحديث، أن يكون الثقة قد روى شيئا، يخالف فيه غيره من الثقات، فهذا إذن هو الشاذ حسب تعريف الشافعي. ونسب هذا التعريف أيضا أبو يعلى الخليلي إلى جماعة من الحجازين، إذن هذا هو تعريف الشاذ الذي ذكره الشافعي، ذكره في "الرسالة": أن يروي الثقة حديثا يخالف فيه غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 التعريف الثاني للشاذ هو تعريف الخليلي، قال: ونسبه إلى حفاظ الحديث، وهذا أمر مهم، يعني كونه نسبه إلى حفاظ الحديث قال: الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة، أو غير ثقة، فيتوقف فيما شذ به الثقة ولا يحتج به، ويرد ما شذ به غير الثقة. التعريف الثالث للحاكم النيسابورى -رحمه الله-، وهو متقدم على الخليلي، لكن أخر ابن كثير ذكر تعريفه، قال: هو الذي ينفرد به الثقة، وليس له متابع، وهو قريب من كلام الخليلي، وأيضا له، أو لكلامه تتمة سأذكرها بعد قليل، مهمة جدا في تعريف الحاكم للشاذ. وهناك أيضا من العلماء، الحافظ صالح بن محمد البغدادي، عرف الشاذ أيضا بتعريف قريب من تعريف الخليلي والحاكم، وهذا متقدم عليهما، من يعني من حفاظ القرن الثالث، صالح بن محمد البغدادي المعروف بـ"صالح جزرة " يلقب بـ"جزرة"، فقال: الشاذ هو الحديث المنكر الذي لا يُعرف، لما ذكر ابن الصلاح -رحمه الله- تعريف الخليلي، وتعريف الحاكم للشاذ اعترض عليه، اعترض على هذين التعريفين، بأي شيء اعترض؟ فهم من التعريفين، أن كل حديث تفرد به ثقة فهو شاذ، فهم من التعريفين، ننتبه الآن للكلام الآتي؛ حتى نستوعب مراد ابن الصلاح -رحمه الله-، ونستوعب سبب اعتراضه، اعترض -الذي سيذكره ابن كثير- اعترض على التعريفين، بأنه فهم منهما أن معنى هذين التعريفين، أنه لا بد من المتابعة، وأن كل حديث ينفرد به ثقة فهو شاذ. الآن سيقرأ القارئ وجه اعتراض ابن الصلاح -رحمه الله-، والإشكال الذي أورده على تعريفي الخليلي والحاكم، ثم بعد ذلك ننظر في هذا الاعتراض، باختصار ما أطيل في هذا؛ لأن الموضوع يعني يحتمل الإطالة. نعم، تفضل يا شيخ. تعريف الحاكم النيسابوي للحديث الشاذ وتعليق ابن الصلاح عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وقال الحاكم النيسابوري: هو الذي ينفرد به الثقة وليس له متابع، قال ابن الصلاح: ويشكل على هذا حديث الأعمال بالنيات، فإنه تفرد به عمر -رضي الله تعالى عنه-، وعنه علقمة، وعنه محمد بن إبراهيم التيمي، وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم تواتر عن يحيى بن سعيد هذا، فيقال: إنه رواه عنه نحو من مائتين، وقيل أزيد من ذلك. وقد ذكر له ابن مندة متابعات غرائب لا تصح، كما بسطناه في "مسند عمر"، وفي "الأحكام الكبرى"، قال: وكذلك حديث عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: ? أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الولاء، وعن هبته ? وتفرد مالك عن الزهري عن أنس ? أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -دخل مكة وعلى رأسه المغفر ? وكل من هذه الأحاديث الثلاثة في الصحيحين، من هذه الوجوه المذكورة فقط، وقد قال مسلم للزهري: تسعون حرفا لا يرويها غيره. وهذا الذي قاله مسلم عن الزهري: من تفرده بأشياء لا يرويها غيره، يشاركه في نظيرها جماعة من الرواة، فإن الذي قاله الشافعي أولا هو الصواب: إنه إذا روى الثقة شيئا قد خالفه فيه الناس فهو الشاذ، يعني: المردود، وليس من ذلك أن يروي الثقة ما لم يرو غيره، بل هو مقبول إذا كان عدلا ضابطا حافظا، فإن هذا لو رد لردت أحاديث كثيرة من هذا النمط، وتعطلت كثير من المسائل عن الدلائل -والله أعلم-، وأما إن كان منفرد به غير حافظ، وهو مع ذلك عدل ضابط فحديثه حسن، فإن فقد ذلك فمردود -والله أعلم-. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 نلاحظ أن ابن الصلاح -رحمه الله-، ونقله عنه ابن كثير، ووافقه وعقبه ولخصه فيما قرأه القارئ- اعترض على تعريف الخليلي والحاكم، بأن هناك أحاديث تفرد بها رواتها وهم ثقات، ولم يعدها العلماء، أو لم يعد العلماء هذا شذوذا، بل صححوا هذه الأحاديث، وهي عندهم من أصح الصحيح، وذكر من ذلك ثلاثة أحاديث، ذكر حديث الأعمال بالنيات وقال: إنه تفرد به عمر بن الخطاب، وتفرد به عن علقمة بن وقاص الليثي، وتفرد عن علقمة محمد بن إبراهيم التيمي، وتفرد عن محمد يحيى بن سعيد الأنصاري، يحيى بن سعيد. إذن وقع التفرد في كم طبقة الآن في هذا الحديث؟ في أربع طبقات، ومع هذا فهذا الحديث بالإجماع صحيح، فإذن هذا حسب كلام ابن الصلاح ينقض كلام الخليلي وكلام الحاكم، ثم أيضا ذكر الحديث الثاني وهو حديث، وتكلم ابن كثير -قبل أن يذكر الحديث الثاني- تكلم على كون هذا الحديث، اشتهر عن يحيى بن سعيد أو تواتر، وقيل: إنه رواه عنه نحو من مائتين. وقيل أزيد من ذلك، أوصلها بعضهم -وإن كان هذا الرقم فيه اعتراض- أوصلها بعضهم، أوصل بعضهم عدد الرواة الذين رووه عنه إلى سبعمائة راو، رواه عن يحيى بن سعيد، ويقول ابن حجر: أستبعد وقوع ذلك. وذكر أيضا ابن كثير أن ابن مندة وغير ابن مندة كذلك، ذكر له متابعات إلى عمر، وإلى النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الإسناد، وأنها لا تصح، وهو كما قال -رحمه الله-: ليس له، لهذا الحديث إلا هذا الإسناد الصحيح، ثم ذكر الحديث الثاني، وهو حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر، ? أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الولاء وعن هبته ? وهذا الحديث مخرج في الصحيحين. وهو أيضا كما قال مسلم: الناس عيال في هذا الحديث على عبد الله بن دينار، نعم، اشتهر عن عبد الله بن دينار، ورواه عنه جماعة كثيرون من أصحابه -رحمه الله-. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 والحديث الثالث هو حديث مالك عن الزهري عن أنس: ? أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر ? هذا أيضا تفرد به مالك عن الزهري عن أنس، وله متابعات إلى الزهري ولا تصح، له متابعات أوصلها بعضهم إلى ثلاثة عشر طريقا، وهي أيضا لا تصح، فالاعتماد في هذا الحديث على هذا الطريق، وليس فقط هذه الأمثلة الثلاثة. كما نقل ابن الصلاح عن مسلم أنه قال للزهري: تسعون حرفا، يعني ينفرد بها لا يشاركه فيها غيره، وهذا الأثر أخرجه مسلم في صحيحه، ونعم، كلام مسلم ليس إخراجه، وإنما قاله هو من كلام مسلم -رحمه الله تعالى-، قال مسلم في صحيحه: إن للزهري تسعين حرفا لا يرويها غيره، ثم عقب ابن كثير هذا الكلام كله بالنتيجة. الحاصل ما هو عنده؟ أن الراجح في تعريف الشاذ ما هو؟ أي التعاريف التي ذكرها إذن؟ وصل إلى نتيجة، وهي أن الراجح في تعريف الشاذ هو تعريف الشافعي، وعلل ذلك بتعليل يعني إنشائي، أو قال: لو لم يقل بهذا لردت أحاديث كثيرة من هذا النمط، وتعطلت كثير من المسائل عن الدلائل، ثم عقب هذا كله. وختم المسألة بقوله: وأما إن كان المنفرد به غير حافظ، وهو مع ذلك عدل ضابط، مراده أنه ليس من الحفاظ المعروفين، ولكنه من أهل الضبط والعدالة فحديثه حسن، كما تقدم في تعريف الحديث الحسن لذاته من كلام ابن الصلاح، أنه الراوي المشهور بالصدق، وفي حفظه شيء، فإن فقد ذلك فمردود. إذن متى يرد؟ ومتى يرد بالتفرد حسب كلام ابن كثير -رحمه الله-؟ متى يرد بالتفرد في ختام كلامه؟ فإن فقد ذلك، يعني: فقد الضبط يعني عد ضعيفا فمردود، هذا الكلام الآن كلام ابن الصلاح، وابن كثير بس نعقب عليه بتنبيه، وهو أن الذي فهموه من كلام الخليلي وكلام الحاكم، يعني لو كان مراد الخليلي ومراد الحاكم، أن كل تفرد من ثقة مردود -لكان الاعتراض ماذا يكون؟ صحيحا أو غير صحيح؟. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 يكون الاعتراض صحيحا، فإنه ما يعرف يعني على وجه الدقة، أن أحدا من أئمة الحديث قال: لا يصح الحديث إلا إذا رواه كم؟ إلا إذا رواه اثنان، هكذا بإطلاق، بحمد الله تعالى منهجهم واحد، وطريقتهم واحدة، نعم يرغبون في رفع التفرد، ولكن لهم أحاديث كثيرة صحيحة مدارها على شخص واحد، إذن ما مراد الحاكم والخليلي فيما ذكراه عن أهل الحديث؟. الحاكم -رحمه الله- لكلامه تتمة لم ينقلها، ليست موجودة الآن، وهو أنه قال: يوضح توضيحا لمراده يقول معنى كلامه: وينقدح في نفس الناقد أنه غلط، وأيضا قال: ولا يستطيع، -أو معنى كلامه- لا يستطيع إقامة الدليل على " وقال: الشاذ يخالف المعلل، بحيث أن المعلل اطلع فيه على وجه الغلط، اطلع فيه على العلة، يعني راو خالف غيره من الثقات، فنقول: هذا معلل حديثه، يقول: فالشاذ أدق منه، لماذا الشاذ أدق منه؟. يقول: لأنه لم يطلع على غلط هذا الغالط، إذن ما الجديد في كلام الحاكم الآن؟ أمر مهم، وهو أنه ينقدح في نفس الناقد أنه؟ أنه غلط، لماذا ينقدح في نفس الناقد أنه غلط؟ هذا أمر معروف، يعني أئمة الحديث، إذن سأعرج على هذا بعد قليل هذا كلام إذن لو أخذنا كلام الحاكم هذا، وكذلك أيضا كلام الخليلي قريب منه. قوله: يشذ به ثقة أو غير ثقة، يدل على أنه ليس مراده كل ما رواه، كل ما تفرد به راوٍ واحد، وإنما أن يشذ به، وأن يعني يتبين غلطه للناقد، إذا قيدنا كلام الحاكم، وكلام الخليلي بهذا القيد، فنقول: إنه لا بد من، أو أنه يعني أن كلامهما في تعريف الشاذ كلام صحيح، وأنه لا مانع من تسمية ما ذكره الشافعي شاذا، يعني إذا خالف الراوي غيره، أو انفرد بشيء، فرجح عند الناقد أنه أخطأ فيه، لماذا نقول هذا؟. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 أرجو الانتباه لأمر أنا وعدتكم به، يعني من باب التدقيق في علوم الحديث، وألا يتناقض الشخص، يعني أن يكون محكما لأموره، وكما ذكرت أنواع علوم الحديث متعددة، وربما يعني تبنيت شيئا أو اخترت شيئا أو فهمت شيئا في نوع، وفهمت شيئا آخر في نوع آخر قد يعارضه، أو يكون بين فهمك هذا وهذا اختلاف. مر بنا في تعريف الحديث الصحيح: أنه ما رواه عدل تام ضابط، وأن سنده متصل، والرابع ما هو؟ والخامس: ألا يكون شاذا ولا معلل، إذا أخذنا تعريف الشافعي للشاذ واكتفينا به، وأنه: ما رواه الثقة مخالفا لما رواه غيره، إذن ما هو المعلل؟ انتبه الآن، ما هو المعلل؟ المعلل هو سيأتي معنا أنه: إسناد ظاهره الصحة، اطلع فيه بعد التفتيش على علة قادحة. لو أخذت الشاذ حسب تعريف الشافعي، يدخل في المعلل على هذا، أو لا يدخل في المعلل؟ يدخل في المعلل؛ لأن الإسناد ظاهره الصحة، اطلع فيه بعد التفتيش وبعد جمع الطرق، أن فيه علة قادحة، لو اكتفينا بتعريف الشافعي للشاذ، لكان الأولى في تعريف الحديث الصحيح، ألا نحتاج إلى كلمة شاذ؛ لأن الشاذ هنا هو نفسه، أو جزء منه يدخل في المعلل هو هو، هو تعريفه، إلا أنه اشترط في الشاذ: ألا يرويه إلا المخالف، كم يكون؟ الذي شذ به واحد، والمعلل أعم من ذلك، قد يرويه ثلاثة أو أربعة، ويكون معللا بأن يرويه أكثر منهم، يرويه أناس أكثر عددا منهم، أو أحفظ أو غيره، كما سيأتي معنا -إن شاء الله تعالى-. فإذن هذه المسألة الأولى، لو اكتفي بتعريف الشافعي، لعدنا إلى تعريف الحديث الصحيح، وهذا قد نبه عليه جماعة من العلماء؛ ولهذا قالوا: لما اختاروا هذا في تعريف الشاذ، اقترح بعضهم أن يضاف كلمة -سأذكر الآن سبب إضافتها- هذا سبب، ولكن قد يقول قائل: إذا كان تعريف الشافعي هو الراجح، فلنحذف كلمة "شاذ" من تعريف الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 هنا المسألة الثانية، وهي المهمة، وهي أننا نقول: إننا نجد من عمل الأئمة الأولين -رحمهم الله تعالى- أنهم يتوقفون في أحاديث كثيرة رواها الثقات. نعم، هم صححوا بلا إشكال أحاديث رواها الثقات وتفردوا بها، ولكنهم أيضا يتوقفون في أحاديث صحيحة رواها الثقات؛ ولهذا أمثلة كثيرة، ويقولون فلان مثلا يقولون: وهذا الراوي ثقة، إلا أن حديثه هذا غلط، أو يقولون: فلان لا بأس به، وحديثه منكر. أكثر ما يستخدمون في رد هذا، أو في بيان غلط الراوي كلمة "منكر"، أكثر من استخدامهم لكلمة "شاذ"، إذن لا نستطيع حذف كلمة "شاذ" من تعريف الحديث الصحيح؛ لأننا نشترط هذا: ألا يشذ الراوي الثقة، ألا يتبين أنه غلط، كيف يتبين للأئمة أنه غلط؟. هذا أمر يستدلون به ولو لم يخالف، يستدلون عليه -ولو لم يخالف- بأمور يعني بقرائن لا تنضبط، وإنما كل حديث له يعني له قرائن تبينها، وإن كان ثقة يقولون: هذا حديث منكر؛ ولهذا السبب لما اختاروا الآن، لما اختارت كتب المصطلح هذا التعريف للشاذ، ما الذي صار عند يعني المتكلمين على نقد السنة؟. الذين يأخذون هذه التعاريف، صاروا يطبقون تعريف الشاذ على أحاديث، الأئمة الأولون استنكروها وردوها، ورواتها ثقات، فيأتي المتأخر يصححها، ويعترض حتى على الأئمة، بسبب ماذا؟. أن الشاذ اشترط فيه ماذا؟ المخالفة، وأما الرد بالتفرد لا بد أن يكون الراوي ضعيفا، فإن كان ضابطا تام الضبط فحديثه صحيح، ولا يلتفت إلى رد الأئمة الأولين، ويعني هناك أحاديث، يعني أنا وقفت مثلا على كلام لعشرة من الأئمة، لثمانية لسبعة لستة من الأئمة، تكاد كلمتهم إجماع على نكارة هذا الحديث، ثم يأتي مثل هذا العدد أو أكثر منهم، ممن تأخر ويأبون هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وهذه من المسائل التي يعني النقد فيها اتجه اتجاهين، ومن المسائل أقول: وليست هذه المسألة الوحيدة، لكن هذه من المسائل التي يعني يتميز بها، أو هناك منهجان يختلفان فيه، فهذا الكلام الذي جعلهم يعترضون على كلام الخليلي والحاكم، إذن ما هو؟ هو أنهم ظنوا أن كل تفرد فهو؟ فهو شذوذ. وأيضا كذلك سيأتي معنا في المنكر زيادة إيضاح، المهم أن هذا هو الذي نريد التنبيه عليه فقط هنا، هو أن كلام الخليلي والحاكم، كلام يعني ما نسباه إلى أئمة الحديث، كلام دقيق، ومثل الحاكم بأمثلة، مثل الحاكم بمثال تعرفون مثال جمع التقديم، رواه قتيبة بن سعيد، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل: في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في غزوة تبوك. إذن يعني المهم أنه يجمع تارة جمع تقديم، وتارة جمع تأخير، فجمع التقديم، هذا الحديث الذي فيه جمع التقديم، تفرد به قتيبة بن سعيد عن الليث، وهو ثقة ثبت، ثقة ثبت يعني ليس، ومع هذا استنكر الأئمة هذا الحديث عليه، وحكموا بتفرده، وبأنه هذا الحديث منكر. الذين أتوا فيما بعد يصححون هذا الحديث، بحجة ماذا؟ أن قتيبة ثقة، ففرضوا أن كل ما تفرد به ثقة فهو صحيح، وتجد في كلام المتأخرين من تصحيح هذا الحديث كلاما كثيرا، بل وفي مناقشات الأولين، والأئمة -رحمهم الله تعالى- لا يحكمون بالشذوذ هكذا، لا ليس هناك إمام كما ذكرت بمجرد التفرد، وإنما تنضم أمور لثقة إذا روى حفص بن غياث -رحمه الله تعالى-، وهو حافظ ضابط، لكن هو قد يهم. روى عن عبيد الله بن عمر، وعن نافع عن عمر أنه قال: كنا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - نأكل ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام، فتوارد أئمة الحديث على أن حفصا، أن حفص بن غياث غلط في هذا الحديث، من أين غلطه؟ لم يخالف غيره، ما خالف غيره، لو خالف لكان هذا هو المعلل الذي أشار إليه الحاكم أنه يتبين غلطه، لكنه ما خالف غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 فيقول ابن المديني: نعس حفص نعسه حين روى، ومعنى نعس يعني: غلط غلطة أو كذا، واستنكره أيضا أئمة كذلك غير ابن المديني، استنكروه جماعة من الأئمة، وما صححه أحد منهم، ومع هذا يصححه الكثير من الباحثين بالنظر إلى ظاهر الإسناد؛ لأن الشاذ عندهم الذي اختاروه هو تعريف من؟ هو تعريف الشافعي-رحمه الله-. لا إشكال فيه؛ لأنه شاذ، لا إشكال فيه؛ لأننا إذا قلنا: إن ما تفرد به الثقة -ولو لم يخالف- شاذ وتبين غلطه، فمن باب أولى إذا خالفه، وكذلك أيضا الضعيف إذا خالف، الثقة إذا خالف فحديثه شاذ، فالضعيف كذلك من باب أولى، من باب أولى أن يسمى الضعيف -إذا خالف- أن يسمى شاذا، أو تفرد كذلك -ولو لم يخالف- أن يسمى شاذا، فهذه ترد، يعني هذه من الموضوعات كما ذكرت لكم، أن من مصطلحات علم الحديث ومن التعاريف، ما ينبني عليه عمل. فإذا انبنى عليه عمل ننظر في هذا العمل، إن خالف ما عليه عمل الأئمة، فلا نقول: لا مشاحة في الاصطلاح، وإن لم ينبن عليها عمل فالأمور ميسرة بحمد الله، ولا يعني يشكل، ولا نقول: لا مشاحة في الاصطلاح. فإذن هذا الكلام الآن، وسيأتي شيء منه الآن في النوع الرابع عشر، نعم، تفضل يا شيخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 النوع الرابع عشر: المنكر وهو كالشاذ، وإن خالف راويه الثقات فمنكر مردود، وكذا إن لم يكن عدلا ضابطا وإن لم يخالف فمنكر مردود، وأما إن كان الذي تفرد به عدل ضابط حافظ قبل شرعا، ولا يقال له: منكر، وإن قيل ذلك لغة. نعم، هذا هو المنكر، ابن الصلاح -رحمه الله- وتابعه ابن كثير، على أن الشاذ والمنكر كلاهما بمعنى واحد، وهذا هو الصحيح، هذا هو الصحيح الشاذ والمنكر بمعنى واحد، بل إن الأئمة، الأولون -رحمهم الله-، أي الكلمتين يستخدمون في وصف الأحاديث؟ أيها أكثر استخداما؟ المنكر، بل مثلا لو أخذت كتاب "علل ابن أبي حاتم"، من أوله إلى آخره، لا تجد كلمة "شاذ"، ما تجدها، وإن وجدت يعني هذا بحسب تتبعي لكن إن وجدت فهي كثيرة أو قليلة؟. قليلة جدا إن وجدت، وأما كلمة "منكر" ففيه وصف الأحاديث بالنكارة أكثر من أربعمائة موضع، منها عن الضعفاء كثير، ومنها عن متوسطي الحفظ، ومنها عن الثقات أيضا، منها عن الثقات مما تفرد به الثقات، ومنها مما تفرد به الضعفاء، ومنها مما تفرد به غيرهم أيضا، فالمنكر بمعنى الشاذ كما ذكره ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- وما تقدم من الكلام على تفرد الثقة، وأنه قد يسمى شاذا بقرائن، هو الذي يطلق عليه الأئمة، يطلقون عليه ماذا؟ أكثر ما يطلقون عليه منكرا أو شاذا؟ أكثر ما يطلقون عليه كلمة؟ كلمة منكر، نعم. وهذا الذي اختاره ابن الصلاح وتابعه ابن كثير، هو الصحيح كما ذكرت، وإن كان قد، يعني الاعتراض عليهما في تحديدهما النكارة، في أن يكون الراوي ضعيفا، هذا هو الذي يعني يعترض عليه بما تقدم، بما ذكرته في الشاذ. وبعض العلماء لما اختار تعريف الشافعي للشاذ، ونظر في عمل الأئمة واستنكارهم للثقات، قال: الأولى أن تزاد كلمة "منكر" في تعريف الحديث الصحيح، فنقول: لا يكون شاذا ولا منكرا ولا؟ ولا معللا، لكن إذا اخترنا تعريف، أو قلنا: إن من الشذوذ ما ذكره الحاكم والخليلي، لا نحتاج إلى إضافة كلمة منكر، وإن كانت في الاستخدام هي الموجودة، لكن يكفي عنها الآن في التعريف كلمة "شاذ"، إذا قلنا: إن من الشذوذ ما ذكره الخليلي وذكره الحاكم -رحمهما الله تعالى-. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 ابن حجر -رحمه الله- اختار في تعريفه، ولذلك الذين بعد ابن حجر، جميعهم اختاروا التفريق بين الشاذ والمنكر، بأن الشاذ أن يرويه ثقة يخالف غيره، وأن المنكر ما يرويه ضعيف، سواء خالف غيره أو لم يخالف، ويقسمونه، والصحيح -كما ذكرت- أن الشاذ والمنكر بمعنى واحد، وبقي كلمة الشطر الأخير من كلام ابن كثير انتبه له، يعني رجاء أن تنتبهوا المراد منه: وأما إن كان الذي تفرد به عدل ضابط حافظ قبل شرعا ولا يقال له: منكر، وإن قيل ذلك لغة، ما الذي أدخل اللغة هنا في المصطلح؟ ما الذي أدخل كلمة، أو إطلاقه كون المنكر يطلق لغة على ما تفرد به راوٍ، ما الذي أدخله؟. أنا في تصوري -والله أعلم-، يعني أنا ألحظ من كلمة ابن كثير -رحمه الله- هذه، أنه لم يخف عليه أن الأئمة يطلقون "منكر" على ما تفرد به من؟ الثقات، لم يخف عليهم هذا، وهذا هو ليس فيه بعد، يعني هذا هو المحتمل، أن الأئمة يطلقون النكارة على ما تفرد به الثقة، هذا الكلام يعتبر زائدا على كلام ابن الصلاح، من كلام من هذا؟ من كلام ابن كثير، ابن الصلاح قد ذكر أن الأئمة يطلقون، ذكر هذا لم يخف عليه أيضا، قال: موجود في كلام الحفاظ إطلاق النكارة، على ما تفرد به من؟ الثقة، لكن ابن الصلاح قال: ولكن الصواب ما تقدم، ما ذكرته. إذن ذكر كلام الأولين ثم اختار؟ غيره، اختار أن كل تفرد ثقة فهو؟ فهو صحيح، فإن خف ضبطه فهو؟ فهو حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 ابن كثير ألاحظ في كلامه -والله أعلم- أن مراده بهذا، أن ما أطلقه الأئمة السابقون على ما يتفرد به الثقات من النكارة، فمرادهم ماذا؟ النكارة لغة التي هي التفرد، فكأن مراده هذا -والله أعلم-، وقد جاء أئمة وأظنه أيضا مسبوقا إلى هذا، أظن النووي، يعني أيضا كلام النووي غير صريح، لكن فهمت منه هذا في مقدمة "شرح صحيح مسلم"، وأما الذي صرح بهذا واعتمده، أن كلام الأولين إذا أطلقوه على تفردات الثقات، وأنهم يريدون به أنه منكر، بمعنى فرد وليس بمعنى منكر مردود؛ لأن أي النكارتين يريدون؟ اللغوية. هذا هو ابن حجر -رحمه الله- اعتمده، وتكلم عليه، ويعني صار يجيب عن كلام الأولين على بعض الأحاديث النكارة، أو على بعض الرواة بأن حديثه منكر، أو أنه يروي مناكير، يقول: يريدون به بيان مطلق التفرد وليس الرد. إذن مطلق التفرد يطلق عليه نكارة كما قال ابن كثير: في أي شيء؟ من جهة ماذا؟ من جهة اللغة، ولكن هذا الذي ذكره ابن كثير، هو الذي ذكرته قبل قليل، أن هذا يعني فيه بُعد -والله أعلم- أن نقول: إن الأئمة -رحمهم الله تعالى- يطلقون شيئا ويريدون به تارة اصطلاحا، وأنه مردود اصطلاحا حديثيا، ويطلقونه تارة ويريدون به أنه من جهة؟ من جهة اللغة، هذا فيه بُعد -والله أعلم- وخلط أيضا، ولأمكن لكل قائل ولكل ناظر، أن إذا قلت له: إن الإمام أحمد استنكر هذا قال: أصلا لم يرد رفضه، وإنما أراد أنه منكر من حيث؟ من حيث اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 والذي يظهر -والله أعلم- يعني منذ رأيت كلام الحافظ ابن حجر -رحمه الله-، وأنا أتتبع أو ألاحظ كلام الأئمة في استخدام كلمة منكر، أنكره، ينكر عليه، يستنكر عليه، كل ما تصرف من هذه الكلمة، ابتداء من الصحابة -رضوان الله عليهم- وأنت نازل إلى عصر الأئمة، أن الإمام أو الناقد إذا قال: هذا منكر أو ينكر أو أنكره عليه، فهو بمعنى؟ بمعنى الخطأ والرد، فأما مرادهم بهذا أنه بمعنى الخطأ والرد، وهذا موجود في كلام الصحابة، كما في قصة الحديث الذي رواه الحسن: ? أن سمرة وعمران بن حصين اختلفا في السكتتين، فذكر سمرة أنه حفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كم من سكتة؟ حفظ فأنكر ذلك عمران ?. إذن ماذا يريد الآن؟ تخطئة سمرة، واستمر هذا الاصطلاح، استمر هذا المصطلح، فكل ما تصرف من هذه الكلمة: له مناكير، له ما ينكر، استنكروا عليه، ينكر عليه كذا، أنكره فلان، منكر، هذه كل ما تصرف منها، فالذي يظهر في اصطلاحهم أنها بمعنى الرد، وأنهم قد استنكروا بعض أحاديث الثقات، ويعني هذا خلاصة الكلام على هذا، نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 النوع الخامس عشر: في الاعتبارات والمتابعات والشواهد مثاله: أن يروي حماد بن سلمة عن أيوب، وعن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا، فإن رواه غير حماد عن أيوب، أو غير أيوب عن محمد، أو غير محمد عن أبي هريرة، أو غير أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذه متابعات. فإن روي معناه من طريق أخرى، عن صحابي آخر سمي شاهدا لمعناه، وإن لم يرو بمعناه أيضا حديث آخر فهو فرد من الأفراد، ويغتفر في باب الشواهد والمتابعات، من الرواية عن الضعيف القريب الضعف ما لا يغتفر في الأصول، كما يقع في الصحيحين وغيرهما مثل ذلك؛ ولهذا يقول الدارقطني: وفي بعض الضعفاء يصلح للاعتبار، أو لا يصلح أن يعتبر به -والله أعلم-. نعم، هذا الموضوع ما فيه كلام كثير، ما فيه اختلاف، ولا يعني بالنسبة للنوعين اللذين قبله، هذا؛ لأنه ليس تحته حكم إلا أمر يسير في آخره، ذكره ابن كثير بالنسبة للمتابعات والشواهد، مثل ابن كثير -رحمه الله تعالى- بهذا المثال، ننتبه له قال: روى حماد بن سلمة عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا، نسمي هذا نحن الآن -يعني كتقريب للطلاب- نسمي هذا الإسناد الأصل. ويفترض في الباحث أنه قد طبق عليه شروط الحديث الصحيح، إذا درست هذا الحديث لوحده، كم تستطيع أن تطبق عليه من الشروط؟ كم تستطيع أن تطبق عليه من شروط الحديث الصحيح؟. تستطيع أن تطبق عليه ثلاثة شروط، بالنسبة للشذوذ الذي هو التفرد، أو بالنسبة للمعلل الذي هو المخالفة، إذا أردت أن تطبق عليه هذه الشروط، هذا هو السبيل إليه، وهو الذي يسميه العلماء الاعتبار، نسميه نحن البحث، هو البحث عن طرق أخرى للحديث. وكذلك أيضا ما مر بنا، أن الحديث الضعيف قد يرتقي إلى الحسن لغيره، وأيضا ابن الصلاح ولم يذكره ابن كثير، أو أشار إليه ابن كثير إشارة، أن الحديث الحسن قد يرتفع أيضا إلى الصحيح، السبيل إلى هذا، إلى التأكد من خلو الحديث من الشذوذ، أو خلو الإسناد من الشذوذ أو العلة، وكذلك التأكد من اعتضاده أو عدم اعتضاده، سبيله هو ما يطلق عليه العلماء اسم الاعتبار. إذن الاعتبار هذا، الاعتبار هو الطريق إلى المتابعات، إلى البحث عن المتابعات والشواهد؛ ولهذا اعترضوا على ابن الصلاح -رحمه الله- لما قال: الاعتبار والمتابعات والشواهد، قد يظن القارئ أن الاعتبار قسيم للمتابع والشاهد، وهم قالوا: ليس كذلك، وليس مراده هذا، لكنه اعترضوا عليه في العنوان، مراده: أن الاعتبار طريق للبحث عن متابع أو شاهد، ونحن نقول: وهو طريق أيضا للتأكد من خلو الحديث من الشذوذ والعلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 لا تستطيع أن تحكم، أو أن تستوفي الكلام عن الشرطين الأخيرين إلا بالاعتبار، فإذا روى شخص غير حماد بن سلمة، لنفرض أنه حماد بن زيد، روى الحديث عن أيوب، ماذا نقول؟: حماد بن زيد تابع من؟ حماد بن سلمة، إذن المتابَع من هو؟ حماد بن سلمة، والمتابِع هو حماد بن زيد، المتأخرون زادوا هذا تقسيما، فسموا هذه المتابعة تامة، متابعة تامة لمن الآن؟ لحماد بن سلمة، لماذا تامة؟ يقولون: لأنه توبع في شيخه، شيخه من هو؟ أيوب. وإذا توبع الراوي في الشيخ فهذا أقوى في الاعتضاد بالنسبة لحماد، إذا رواه غير أيوب، لنفرض أنه ابن عوف، أو أنه هشام بن حسان، رواه عمن؟ عن محمد بن سيرين، فحماد بن سلمة الآن قد توبع، لكن توبع في شيخه، أو في شيخ شيخه؟ في شيخ شيخه، هذه يسموها متابعة قاصرة، أو توبع محمد بن سيرين، لنفرض أنه رواه الأعرج عن أبي هريرة، فهذه المتابعة لشيخ شيخ الشيخ، فهذه المتابعة قاصرة لدرجتين، والأولى قاصرة بكم؟ بدرجة. هذه تفصيلات عندهم -وهذا كله لا إشكال فيه- ولكن هنا قضيتان: القضية الأولى: هل دائما المتابع هو حماد بن سلمة، أو أيوب، أو محمد بن سيرين؟ ألا يمكن أن يكون حماد بن سلمة هو المتابِع؟ أو لا يمكن هذا؟. انتبهوا لهذا، هو يمكن قد يكون المتابِع عندي حماد بن زيد، وقد يكون عندك المتابِع هو من؟ إذن هذا يخضع لأي شيء؟ حسب الإسناد الذي كان عندك، فكلمة "متابع"، ليس حماد بن سلمة مثلا دائما في هذا الطريق هو المتابَع، وإنما هذا بحسب الإسناد الأول الذي تقف عليه، فإذا كان الإسناد، يعني أنت مثلا قد تشتغل في كتاب، أخرج الحديث من طريق حماد بن سلمة، وأنا أشتغل بكتاب أخرج الحديث من طريق حماد بن زيد، فأنت عندك حماد بن زيد هو المتابِع، وأنا عندي حماد بن سلمة هو المتابِع، وهذا لا إشكال فيه، هذا أمر نسبي، لكن نبهت عليه، يعني بس فقط للانتباه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 نلاحظ في كلام ابن كثير أمرا آخر أيضا، وهو أنه قال: أو غير أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ماذا سمى ابن كثير الآن حديث الصحابي الآخر؟ ماذا سماه؟ لا، هنا سماه متابعا، ونحن في عرفنا ما هو اصطلاحنا الآن؟ إذا كان الحديث رواه صحابي آخر، ماذا نسميه؟ هذا يقولون عنه: إنه اصطلاح، ابن كثير -رحمه الله- جرى على أن الحديث إذا رواه الصحابي بلفظه، ورواه معه صحابي آخر بلفظه، فالصحابي الآخر يعتبر بالنسبة للحديث الأول، ماذا يسمى؟ متابِعا. إذن النظر الآن إلى الصحابي، أو إلى اللفظ؟ إلى اللفظ، قال: فإن روي معناه من طريق أخرى عن صحابي آخر سمي شاهدا، شاهدا لمعناه، إذن الفرق بين المتابِع والشاهد في أي شيء الآن؟ في الصحابي وفي اللفظ والمعنى، فإذا كان الصحابي قد روى نفس اللفظ، يقول ابن كثير: نسميه متابعا، وإذا روى الحديث بالمعنى، أو روى معنى الحديث فنسميه شاهدا، وهذا اصطلاح مشى عليه البيهقي وغيره، ولكن هناك اصطلاح آخر، وهو أن العبرة بالصحابي مطلقا، سواء روى اللفظ أو روى معناه، وهذا هو الذي عليه عمل الباحثين الآن. الباحثون الآن يسمونها متابعات إلى أن يصلوا إلى حلقة الصحابي، فيسمون ما رواه صحابي آخر، يسمونه، يسمونه شاهدا، وكما يقول ابن حجر -رحمه الله- لما شرح هذا يقول: الخطب في ذلك سهل، الخطب في ذلك سهل يعني سواء سميته هو من جهة اللغة، ومن جهة المعنى متابع، وهو شاهد أيضا، فسواء سميته متابعا، أو سميته شاهدا، وهذا من الأمثلة على أن المصطلحات إذا لم يترتب عليها عمل، فالأمر فيها واسع بحمد الله تعالى. أشار ابن كثير -رحمه الله- إلى قضية، وهي قضية يعني قالوا: ويغتفر في باب الشواهد والمتابعات، من الرواية عن الضعيف القريب الضعف، ترى هذه عندكم، القريب الثانية عن الضعيف القريب الضعف، عندي أنا: القريب الضعيف، وهي يعني صوابها: عن الضعيف القريب الضعف، ما لا يغتفر في الأصول كما يقع في الصحيحين وغيرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 مثل ذلك، هذا الكلام الذي قاله ابن كثير صحيح لا إشكال فيه، وهو أن الأئمة -رحمهم الله تعالى- إذا صح الحديث عندهم، قد يتسامحون في تخريجه عن بعض من تكلم فيهم، ولم يصلوا إلى حد أن يكون الراوي متروكا، وقد أحيانا يقدمون، بل أحيانا يكون عندهم الحديث من طريق صحيح، ولكن يخرجونه من طريق فيه ضعف، وقد يلجئهم إلى ذلك ملجئ، أو يعني أنهم لسبب من الأسباب، ومن أهم أسبابه عندهم العلو. قد يختار الإمام الطريق الذي فيه ضعف؛ لأنه عنده بإسناد عال؛ ولهذا مسلم -رحمه الله- يعني نوقش في تخريجه لبعض الضعفاء، أحد الرواة عن حفص بن ميسرة فأجاب -رحمه الله- بأنه قال: إنما أخرجته من طريقه -معنى كلامه رحمه الله-؛ لأنه أعلى إسنادا؛ لأنه بينه وبين حفص بن ميسرة شخص واحد وفيه ضعف، لو أراد طريقا فيه ثقات لنزل عن؛ ولهذا قال بعض الأئمة: ليته شد هذا الطريق، بعد أن رواه عاليا -رواه- رواه نازلا. وهذا أمر معروف لم يبال مسلم به؛ لأن هذه النسخة معروفة عن حفص بن ميسرة، لا إشكال في ذلك، فابن كثير -رحمه الله-، وهذا أيضا يقول: يغتفر في باب المتابعات والشواهد؛ ولهذا العلماء -رحمهم الله-، مر بنا الكلام على شرط الشيخين، يمكن كان قد مر وهو أنهم، كثير من العلماء يقول: فلان إذا أراد الكلام على الإسناد يقول: رجاله رجال الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 ونبه العلماء إلى أن هذه الكلمة فيها إطلاق، وفيها إيهام؛ لأن رجال الصحيح ليسوا على درجة واحدة، بل منهم من أخرج له في الأصول، ومنهم من أخرج له في المتابعات، ومنهم من أخرج له مقرونا، ومنهم من أخرج له في الشواهد، فليسوا على درجة واحدة، بل أحيانا في الصحيح يأتي الراوي ولم يقصد البخاري أو مسلم التخريج له، وإنما مسلم روى إسنادا فيه جماعة ومنهم هذا الضعيف، فذكره مسلم، يعني هكذا؛ لأنه رواه هكذا، ولم يرد التخريج له، لكن الآن الكلام على كلمة ابن كثير -رحمه الله- قال: الكلام صحيح يغتفر في باب المتابعات والشواهد ما لا يغتفر في الأصول. ولهذا عند الكلام على شرط الشيخين، إذا قال الباحث أو الناقد: إن هذا الإسناد على شرط الشيخين، يطبق عليه أن ينظر في رواته، كيف أخرج لهما صاحبا الصحيح؟ هل أخرج لهما في الأصول؟ أو أخرج لهما في المتابعات أو الشواهد؟ وهذا باب يعني واسع، ويعني كثير ما يزل فيه الباحثون بالنسبة لدعوى شرط الشيخين، أو بالنسبة يعني في هذا المصطلح بخصوصه، وقد تأتي مناسبة يعني يشرح هذا الشرط. نعم، تفضل يا شيخ، النوع السادس عشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 النوع السادس عشر: في الأفراد وهو أقسام: تارة ينفرد به الراوي عن شيخه كما تقدم، أو ينفرد به أهل قطر، كما يقال: تفرد به أهل الشام أو العراق أو الحجاز، أو نحو ذلك، وقد يتفرد به واحد منهم، فيجتمع فيه الوصفان -والله أعلم-، وللحافظ الدارقطني كتاب في الأفراد، في مائة جزء لم يسبق إلى نظيره، وقد جمعه الحافظ محمد بن طاهر في أطراف رتبه فيها. نعم، هذا اختصره ابن كثير -رحمه الله،- اختصر هذا الموضوع ابن كثير، وقال -رحمه الله-:في أوله بالأفراد، وهو أقسام: تارة ينفرد به الراوي عن شيخه كما تقدم، أين تقدم هذا؟ في الكلام على أي نوع؟ في الكلام على الشاذ، نعم. القسم الثاني: الذي ذكره هو تفرد البلدان، بالنسبة للقسم الأول الذي هو، تارة ينفرد به الراوي عن شيخه، ما نطيل فيه، لكن يقسمه العلماء -رحمهم الله تعالى- إلى قسمين: القسم الأول: هو الذي يسمونه الغريب الفرد المطلق، وهو أن يتفرد به الراوي مطلقا، يعني لا يكون للحديث إلا إسناد واحد، كم لحديث "الأعمال بالنيات" من إسناد؟ واحد، حديث "المغفر" ليس له إلا إسناد واحد، ليس معناه إلا إسناد واحد يعني إلى طبقتنا، أو إلى عصرنا، وإنما المهم أن ترجع الطرق كلها إلى شخص واحد، قد يكون التفرد في أربع طبقات، وقد يكون في طبقتين، وقد يكون في ثلاثة، وقد يكون في خمسة، ولكن كلها تسمى أفرادا مطلقة؛ لأنه ليس للحديث إلا هذا الطريق. القسم الثاني: هو أن يكون الحديث له طرق معروفة، طرق ولكن يتفرد به بعض الرواة عن شيخ له، وهذا يسمونه الفرد النسبي، أو التفرد النسبي، أو الغرابة النسبية، وهو الذي يقول فيه العلماء: لا نعرفه من حديث فلان، إلا من هذا الوجه، يعبر عنه العلماء بهذه العبارات، وهو كثير في كلام من؟ في كلام من الغريب النسبي؟ عندهم القسمان كثير في كلامه، وهو الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- أكثر من، وهو الذي شرح بالمناسبة، يعتبر الترمذي -رحمه الله- هو الذي شرح الغريب أو الفرد، هذا وقسمه إلى أقسام، وأطال في التمثيل له في "علله الصغير". إذن هذا هو الغريب النسبي، الثاني القسم الثاني من أقسام الفرد، الفرد النسبي، فإذن الذي نريده الآن هو بس فقط، هو أن التفريق بين القسمين في كلام الأئمة النقاد، في كلام الأولين يعني لم يلتزموا إذا قالوا: هذا حديث غريب، أن يبينوا لك أنه غريب مطلق أو فرد نسبي، وإنما الذي يبين هذا ما هو الذي يبين مرادهم؟ هو ما تقدم قبل قليل في النوع الخامس عشر، في المتابعات والشواهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 إذن الأئمة قد يقولون: هذا حديث فرد، أو يقولون: فرد نسبي غريب، ويريدون به الغرابة المطلقة، وقد يريدون به الغرابة النسبية، نعم، فيوجد في كلام الأئمة، يعني الكلام مطلق ويحتاج الباحث إلى، وقد يصرحون، نعم، قد يقول: هذا الحديث روي من وجوه، ولكن من حديث فلان لا نعرفه، أو غريب من حديث فلان، أو لا نعرفه من حديث فلان، إلا من حديث هذا الراوي، أو نحو ذلك. وهذا كثير جدا، حتى أني أقول يعني: قل حديث إلا وفيه غرابة نسبية، بالنسبة للقسم الثاني الذي هو الغريب النسبي، كثير وجوده في الأحاديث، فقل حديث إلا وفيه غرابة نسبية، نعم، الأحاديث المطلقة الغريبة قليلة بالنسبة لباقي الأحاديث، ولا سيما ما يثبت منها قليل، أما الغريب النسبي فهو كثير جدا، كثير يعني ما، قل حديث إلا ويصادفك فيه أنه وقع فيه تفرد نسبي. القسم الثاني الذي ذكره ابن كثير -رحمه الله- هو أفراد، يعني: تفرد به أهل قطر أو قطر، كما يقال: تفرد به أهل الشام أو العراق أو الحجاز أو نحو ذلك، وهذا ألف فيه أبو داود رسالة صغيرة، وسماها "السنن التي تفرد بها أهل كل بلد"، يروي الحديث ويقول: هذه السنة تفرد بروايتها أهل البصرة، أو تفرد بروايتها أهل مكة ونحو ذلك، وقسمه العلماء: الحاكم وغيره إلى أقسام، يعني قالوا: قد يكون منه ما يتفرد به أهل بلد عن أهل بلد. بالنسبة لتفرد البلدان يمثلون له بحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث عائشة: ? صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على سهل بن بيضاء وأخيه في المسجد ? هذا من أفراد المدنيين، رواته كلهم مدنيون يمثلون له بهذا، ويسميه العلماء هذا لطائف يعتني به، من الذي يعتني به الكثير؟. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 الذي يقرأ منكم في كلام العلماء المتأخرين يعتني به من؟ الحافظ ابن حجر في "الفتح" يعتني بهذا، فيقول: هذا الإسناد رواته كلهم مدنيون، أو إلا فلانا، أو إلا الصحابي، يعتنون بهذا، وسيأتي معنا أنه يدخل في لطائف الإسناد، لكن الذي جر إليه هنا من هو؟ هو التفرد، الذي جر إليه هنا هو الكلام على التفرد، ويقول ابن كثير: قد يجتمع القسم الأول مع القسم الثاني. يعني: قد يجتمع تفرد شخص مع تفرد أهل بلد؛ لأنهم قد يقولون: تفرد به أهل بلد، ويريدون به واحدا، قد يقولون: هذه السنة لم يروها إلا أهل المدينة، ومرادهم بذلك شخص واحد، فقد يجتمعان، ومسألة الاجتماع هذه لا إشكال فيها بالنسبة للمصطلحات، الغريب المطلق أيضا قد يجتمع مع الغريب النسبي، والغريب النسبي يجتمع مع المشهور، قد يجتمع مع المشهور بأن يكون الحديث مشهورا، ويقع التفرد في بعض الطبقات، فيسمى غريبا نسبيا؛ لأن كلمة نسبي هذه، إذا دخلت لا بأس باجتماع عدد من الأمور، يعني في علم الحديث بالنسبة للمصطلح. ذكر ابن كثير -رحمه الله- للحافظ الدارقطني كتابا في الأفراد، في مائة جزء، ولم يسبق إلى نظيره، المؤلفات في الأفراد كثيرة جدا، ممن أكثر من التأليف فيها، ابن حبان -رحمه الله-، والنسائي له مؤلفات، منهم من يخصه بشخص، الدارقطني له كتاب اسمه "غرائب مالك"، ما معنى غرائب مالك؟. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 لا، ليست أفراد مالك، وإنما هي ما يتفرد به الرواة عن مالك، إذا تفرد راوٍ عن مالك أخرجه في هذا الحديث، إذن لا يتكلم عليه، وكذلك البزاز له كتاب اسمه "غرائب شعبة"، وقل إمام إلا وجمعوا ما يستغرب من حديثه، يعني ما يرويه الرواة غريبا من حديثه، أما كتاب الدارقطني هذا في الأفراد، فهو عام ليس خاصا براوٍ من الرواة، وليس في البلدان أيضا، إنما هو في الأحاديث التي يقع فيها التفرد، منها غرائب مطلقة ومنها غرائب نسبية، بأن يكون الحديث مشهورا عن صحابي، أو متواترا عن صحابة آخرين، ويقع التفرد فيه بالنسبة لصحابي آخر فيخرجه. وكذلك ممن يعتني بالتفرد، الطبراني في معاجمه، في معجميه: الأوسط والصغير، حتى أنه يعقب على كل حديث بأن يقول: لم يرو هذا الحديث إلا فلان، أو لم يروه عن فلان إلا فلان. وكذلك البزار يعتني به يقول: لا يعرف هذا الحديث، أو لا أعرفه إلا من هذا الوجه. فهذه كلها كتب مظان، من مظان ماذا؟ من مظان الأفراد، ونحن نعرف أن التفرد من مظان الضبط، أو من مظان الغلط، عند الأئمة التفرد من مظان الغلط، هذه قاعدة، هم يرتابون كثيرا في تفرد الشخص، ولهم في ذلك قرائن وضوابط يعني: كلما تأخرت الطبقة كلما اشتد الظن بغلط الراوي إذا تفرد، كلما تأخرت الطبقة يعني: حتى تصل إلى طبقة الأئمة، يعني المهم هذا موضوع طويل. نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 النوع السابع عشر: في زياد الثقة إذا تفرد الراوي بزيادة في الحديث عن بقية الرواة عن شيخ لهم، وهذا هو الذي يعبر عنه بزيادة الثقة، فهل هي مقبولة أو لا؟ فيه خلاف مشهور، فحكى الخطيب عن أكثر الفقهاء قبولها، وردها أكثر المحدثين. ومن الناس من قال: إن اتحد مجلس السماع لم تقبل، وإن تعدد قبلت، ومنهم من قال: تقبل الزيادة إذا كانت من غير الراوي بخلاف ما إذا نشط فرواها تارة وأسقطها أخرى. ومنهم من قال: إن كانت مخالفة في الحكم لما رواه الباقون لم تقبل، وإلا قبلت، كما لو تفرد بالحديث كله فإنه يقبل تفرده به إذا كان ثقة ضابطا أو حافظا. وقد حكى الخطيب على ذلك الإجماع، وقد مثل الشيخ أبو عامر على ذلك لزيادة الثقة في حديث مالك عن نافع عن عمر -رضي الله عنهما-: ? أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر وعبد ذكر أو أنثى من المسلمين ?. فقوله: "من المسلمين" من زيادات مالك عن نافع، وقد زعم الترمذي أن مالكا تفرد بها، وسكت أبو عمر على ذلك ولم يتفرد به مالك، وقد رواها مسلم من طريق الضحاك عن عثمان عن نافع كما رواها مالك، وكذا رواها البخاري وأبو داود والنسائي، من طريق عمر بن نافع عن أبيه كمالك. قال: ومن أمثلة ذلك حديث: ? جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ? تفرد به مالك عن سعد بن طارق الأشجعي بزيادة: ? وتربتها طهورا ? عن ربعي بن حراش عن حذيفة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه مسلم وابن خزيمة وأبو عوانة الإسفراييني في صحاحهم من حديثه. وذكر أن الخلاف في الوصل والإرسال كالخلاف في قبول زيادة الثقة. نعم، هذا موضوع زيادة الثقة ابتدأه ابن كثير -رحمه الله- بتعريف زيادة الثقة، قال: إذا تفرد الراوي بزيادة في الحديث عن بقية الرواة عن شيخ لهم، وهذا الذي يعبر عنه بزياد الثقة، هذا هو التعريف. تعريف زيادة الثقة حسب ما ذكره ابن كثير الآن ما هو؟ أن يتفرد راو بزيادة في متن الحديث لم يذكرها غيره من أصحابه الثقات، ثم هذا بالنسبة للتعريف، وذكر عددا من الأمثلة: ذكر ابن الصلاح، وتبعه ابن كثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 ذكر عددا من الأمثلة اكتفى منها ابن كثير بمثالين؛ إذ هذا هو تعريفه يعني: مثلا لو يروي شخص مثلا عن نافع يروي أحد أصحاب نافع الحديث، فإذا تتبعت طرقه كما مر في المتابعات وفي الاعتبار، وجدت أن أصحابه يروون هذا الحديث -أن أصحاب نافع يروون هذا الحديث-، ولكنهم يسقطون منه كلمة معينة، أو غير أصحاب نافع. من أشهر ما يمثل له -وهو مثال واضح جدا-: أن يحيى ابن كثير روى عن جعفر بن أمية الضمري، عن أبيه عمرو بن أمية أنه قال: ? رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الخفين وعلى العمامة ? هذا رواه الأوزاعي عنه. رواه جماعة عن أصحاب يحيى بن كثير: منهم أبان بن يزيد، ومنهم شيبان، ومنهم علي بن المبارك، وجماعة من أقران الأوزاعي رووه عن يحيى بن كثير هكذا: ? رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الخفين ? إذن أين الزيادة؟ "وعلى العمامة"، فيسمي العلماء هذه "زيادة الأوزاعي" ماذا يسمونها؟ زيادة الثقة. وهذا الموضوع من أشهر موضوعات علوم الحديث، ومن أكثرها كلاما، والذي يهمنا هنا هو هذا الكلام الآن هذا مصطلح أو قاعدة، الآن هذا التعريف، كونه يقول: ما رواه الأوزاعي يسمى زيادة ثقة، نبين الآن المصطلح، أو نبين حكم هذه الزيادة في هذا الكلام السابق، إنما هو بيان للمصطلح يعني: ماذا يراد بزيادة الثقة؟ الآن ابن كثير -رحمه الله- بعد هذا دخل في موضوع القاعدة، ما حكم هذه الزيادة؟ وذكر أقوالا هنا: منها عن الفقهاء، ومنها عن الأصوليين، ذكر هنا خمسة أقوال، ذكر كم قولا الآن؟ حكى الخطيب عن أكثر الفقهاء قبولها، هذا قول، وحكى عن أكثر المحدثين، ماذا حكى عنهم؟ حكى ردها، ثم ذكر أقوالا: من الناس من قال: إن اتحد مجلس السماع لم تقبل، وكذلك القول الذي بعده: إذا كانت من غير الراوي، بخلاف ما إذا نشط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 بالقول الثالث أو الرابع هذا خرج الموضوع عن البحث، بأن المراد الآن أن يزيد على نفسه كما مر بالتعريف، أو أن يزيد على غيره، وذكر أيضا إن كانت مخالفة في الحكم. الخلاصة: أنه ذكر عددا من الأقوال، ونحن نقول دائما -انتبهوا يا إخوان إلى هذه النقطة-: إن منهج المحدثين يكثر فيه الاختلاف، أو يكثر فيه الاتفاق؟ -بحمد الله تعالى- يكثر فيه الاتفاق، المتتبع لمنهج عمل الأئمة يعني … لكن ما الذي جعل هذه الأقوال تكثر في زيادة الثقة؟ انظر النقل عمن الآن، نقلها ... أو عن أكثر الفقهاء قبولها. هذه من المواضع التي انتقدت على الخطيب البغدادي -رحمه الله- في كتابه "الكفاية"، وابن الصلاح نقلها عنه، وابن كثير يختصرها، انتقد إدخال آراء لغير من؟ لغير أهل الحديث في كتب مصطلح أهل الحديث، وهذا مما يشوش على طالب العلم بالنسبة لدراسة السنة؛ ولهذا ينبه العلماء، نبهوا هنا ... نبه ابن رجب. وسيذكر ابن الصلاح بعد قليل أن الخلاف في الوصل والإرسال كالخلاف في زيادة الثقة كله. وقد مر بنا … ذكرت بالأمس أو الذي قبله كلاما أريد منكم الآن أن تتذكروا منه: ما هو رأي أئمة الحديث في زيادة الثقة قبولا أو ردا؟ هذا الكلام مر بنا؛ لأن ابن الصلاح ربطه بالوصل والإرسال في آخر كلام ابن كثير لو تلاحظوا، فموضوع الوصل والإرسال مر بنا في أي مكان؟ مر بنا في النوع الحادي عشر في نهايته، انتبهوا. في نهاية الحادي عشر ماذا قال؟ في نهاية النوع الحادي عشر في الأربعة أسطر الأخيرة. نعم، وبحث الشيخ أبو عمر ها هنا فيما إذا أسند ما أرسله غيره، فمنهم من قدح في عدالته بسبب ذلك ... إلى آخره، إلى أن قال: ومنهم من رجح بالكثرة أو الحفظ، ومنهم من قبل المسند مطلقا إذا كان عدلا ضابطا، وصححه الخطيب وابن الصلاح وعزاه للفقهاء والأصوليين، وحكى عن البخاري أنه قال: الزيادة من الثقة مقبولة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 إذن الكلام هنا الذي أريده منكم: ماذا سيكون كلام ... وذكرت هناك كلاما لـ ... ماهو منهج المحدثين، هناك في تعارض الوصل والإرسال إعمال ماذا؟ إعمال القرائن. إذن لو أردنا … لو عرفنا أن الجميع زياة الثقة، إلا أنها زيادة في أي مكان؟ في الإسناد، وهذا زيادة المتن، ماذا سيكون الآن منهج الأئمة، أو عمل الأئمة، أو الحكم في زيادة الثقة عند أئمة الحديث؟ هو أنهم سينظرون في الزياة هذه ويقومون بدراستها دراسة دقيقة، وهي محل اجتهاد قد يرون ردها. قد يرى الناقد ردها، وقد يرى قبولها، وليس هناك إمام قبل جميع الزيادات، وليس هناك إمام رد جميع الزيادات. ليس هذا من منهجنا، وما ذكر من أقوال كلها هذه لا تشوش علينا؛ لأن عمل الأئمة منضبط؛ لأنك ما يمكن أن تقول مثلا: أرجح في الوصل والإرسال رد الموصول، وأرجح في زيادة الثقة قبول زيادة الثقة، أو العكس، لا يمكن هذا؛ إذن يكون منهجك الآن مضطربا. فعمل الأئمة ... المتتبع لعملهم -رحمهم الله- أن منهجهم واحد، وليس معنى ذلك أن كل زيادة متفقون عليها؛ لا يمكن هذا، وإنما المراد أن قواعدهم التي يسيرون عليها منضبطة، ولكن كما مر بنا في تعريف الحديث الصحيح: أهم سبب للاختلاف في تصحيح الأحاديث وتضعيفها ما هو؟ الاجتهاد في تطبيق هذه الشروط على أفراد الأحاديث. فإذن هنا الاجتهاد في تطبيق هذه الضوابط، عندهم ضوابط في زيادات الثقات، ينظرون للزمن، أنتم الآن -لو تمعنتم قليلا- أيهما أدعى للقبول: أن يتفرد التابعي بالزيادة عن الصحابي، أو أن يتفرد بالزيادة شخص في القرن الثالث مثلا، أيهما أدعى للقبول؟ إذا تفرد التابعي قبل أن يهتم الناس بالرواية اهتماما كبيرا، وقبل أن تتوزع الطرق وتكثر، و … يعني لأسباب كثيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 ينظرون كذلك للشيخ الذي اختلف عليه الرواة الذي هو عندنا مثلا قبل قليل: يحيى بن أبي كثير، أو نافع، وينظرون للزائد من هو أيضا منزلته في شيخه، ومنزلة الذين خالفوه وقرائن عند ... وأيضا كذلك يعني: قرائن في المتن وقرائن في الرواة، احتمال أن يأتي راو من الرواة احتمال ولو واحد فيفصل، ينسب هذه الزيادة إلى أبي هريرة. إذن هذا دلنا على أي شيء، على خطأ من زاد أو على صوابه؟ مثلا يستدلون بهذا على أن من زادها أو نسبها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخطأ؛ لأن واحدا من الرواة قد بين عن شيخه أنه قال: هذا عن النبي وهذا عن أبي هريرة. المهم: مجموعة من القرائن تدور حول الزيادة من زادها، وحول الزيادة في المتن، وهذا الذي يجعل علم الحديث علما اجتهاديا وليس قواعد جامدة، وهذا الذي يعطيه ... يعني: ينفخ فيه الروح، ولا بد من العودة إلى هذا المنهج بعد أن جمد علم الحديث أو نقد الحديث، وصار ليس هناك فرق بين ناقد وناقد. يختلف النقاد فقط في ... -إذا تركنا منهج الأئمة- يختلفون في أي شيء؟ بس فقط في التعب، منهم من يتعب ويجمع طرقا، ومنهم من يكتفي بطريق أو طريقين. وأما في النظر فالقواعد واحدة؛ فلذلك علم السنة -يعني … مثل ما تقول- أصابه ضعف أو جمد قليلا، الذي ينفخ فيه الروح هو العودة إلى هذه القواعد والتشبث بها، وفهم كلام الأئمة، أقل شيء أن نفهم لم رد هذا الإمام الزيادة، ولم قبل هذه الزيادة؛ لا يفعلون هذا اعتباطا، وعملهم في المتون وعملهم في الأسانيد عمل واحد منضبط لا يتخلف. إذن هذا الآن بالنسبة للكلام على تعريف الزيادة، وسنذكر اعتراضا عليه، لكن إذا جئنا للكلام على المثال عرفها ابن كثير بأنها: ينفرد شخص بزيادة في المتن على أقرانه الذين تركوا هذه الزيادة لم يذكروها في المتن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 والكلام في حكم هذه الزيادة هذا الذي ذكرته قبل قليل، يتلخص أن المهم عندنا ما الذي عليه عمل الأئمة، وليس هذا الكلام … يعني أنا أقول مرارا: إذا أردنا أن ننبه على منهج يجدر بنا أن ننسب التنبيه إلى الأئمة الآن نبهوا على هذا، حتى الذين كتبوا في المصطلح منهم من نبه على هذا: البلقيني، والبقاعي، والعلائي، وابن حجر، وابن رجب، وابن عبد الهادي، وابن دقيق العيد، وجماعة كثيرون. بل منهم من يختار منهج الفقهاء والأصوليين، ولكن لم يمنعه هذا أن ينصف وأن يبين يعني: لم يمنعه هذا أن يبين منهج كبار الأئمة؛ ولهذا يقولون: كبار الأئمة ليس لهم قاعدة مطردة في كل حديث بعينه، وإنما يدور الأمر مع القرائن. الآن نقف هنا، وإن شاء الله غدا نتكلم على المثالين الذين ذكرهما ابن كثير. س: أحسن الله إليكم، يقول السائل: روى بعض العلماء حديث: ? إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ مانوى ? عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - من طريق أخرى، فما تعليقكم على ذلك؟ ج: بالنسبة لهذا الحديث -لهذا الإسناد بعينه عن أبي سعيد- يحتاج إلى النظر فيه، لكن عندنا أصل وهو: أن هذا الحديث لا يصح أصلا إلا من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأن كل من رواه من غير حديثه فهو غلط -يعده الأئمة غلطا-، وقد يكون في بعضها مثال للشذوذ -نعم- والنكارة. س: أحسن الله إليكم، يقول: لم يتضح لي صحة تعريف الحاكم والخليلي للشاذ وخطأ تعريف الشافعي. ج: تعريف الشافعي -رحمه الله- ما قلت: إنه خطأ، ما قالوا إنه خطأ، وإنما هو عرف الشذوذ أو عرَّف نوعا من الشذوذ، وقد يكون النوع الآخر يعني يطلق عليه كما كان يطلق عليه الأئمة النكارة، ولا بأس في ذلك إذا كان هكذا، لكن لا بد من ملاحظة هذا في تعريف الحديث الصحيح كما ذكرت قبل قليل. الفرق بين التعريفين هو يقول: لم يتضح لي … لم يتضح لي صحة تعريف الحاكم والخليلي للشاذ وخطأ تعريف الشافعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 كما ذكرت ليس هناك خطأ، إنما الشافعي -رحمه الله- خصه بمخالفة الثقة، شرط فيه أن يكون الثقة الذي انفرد قد خالف غيره من الثقات، خالف جماعة من الثقات فشذ عنهم. نحن نقول: هذا التعريف ليس بخاطئ، ما قلت: إنه خاطئ، وإنما قلت: الاقتصار عليه في وصف الشذوذ وعدم إيجاد البديل للشذوذ الذي ليس فيه مخالفة، هذا هو الخطأ إذا اقتصرت عليه، لا بد أن تضيف إلى التفرد الذي ليس فيه مخالفة، وهو خطأ لا بد أن تضيفه إلى تعريف الحديث الصحيح. سمِّه منكرا، لا إشكال فيه، وابق على تعريف الشافعي للشاذ ما فيه إشكال هذا، لكن لا بد منه، لماذا لا بد منه؟ لأنه عمل الأئمة، نحن نكرر هذا دائما: أن المصطلح إذا تضمن قاعدة لا بد أن ندقق فيه؛ ليواكب عمل من؟ عمل الأئمة -ليوافقهم-، فليس هناك خطأ في تعريف الشافعي، إنما الخطأ في الاقتصار عليه، وعدم إيجاد البديل، إذا اقتصرنا عليه في تعريف الشاذ لا بد من أن نضم إليه كلمة منكر، وإذا لم نذكر كلمة منكر فنقول: الشذوذ ينقسم إلى قسمين: شذوذ مع المخالفة، وشذوذ بدون المخالفة، وهذا هو الذي -يعني- نريد، والغرض من كل هذا هو ألا يخالف -ليس فقط- تعريفنا، ألا تخالف أحكامنا، أحكام من؟ أحكام الأولين؛ لأنك إذا عرّفت بتعريف يتضمن حكما ستمشي عليه، سيقودك إلى عمل، أثناء التطبيق إذا سرت عليه، إذا خالف عمل الأئمة لا بد أن تراجع هذا التعريف لا بد. يعني: لا تقول: أخالف كلام الأئمة حفاظا على ما حفظت من تعريف، ما يصح هذا، وإنما راجع التعريف، أو أوجد مصطلحا بديلا أو ... المهم لا بد من التصرف، هذا الذي يعني ... نعم. يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. س: إذا كان راوي الحديث ثقة ولكنه تفرد به، وظهر مخالف لما يرويه، فهل يترك وعليه شاهد؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 ج: يقول: إذا تفرد الراوي وهو ثقة، وظهر مخالف لما يرويه. ليست كل مخالفة شذوذا، الشافعي -رحمه الله- قال: أن يروي الثقة حديثا يخالف فيه الناس. ليس كل مخالفة شذوذا؛ لأن المخالفة قد يكون الصواب مع يعني ... الشاذ ماهو؟. إذا كان الشاذ فيه مخالفة، الشاذ هو الذي ترجح غلطه من أحد المختلفين يعني: ليس عندنا شاذ واحد مثلا: الذي وصل، أو الذي أرسل، قد يكون الشاذ هو الذي وصل، وقد يكون الشاذ هو الذي أرسل. فالشاذ: هو الذي يترجح غلطه من أحد المختلفين. نعم. س: السلام عليكم. يقول: هل نستطيع أن نقول: إن وصف عدم الشذوذ أقوى من وصف وجود العلة في الحديث الصحيح؟ ج: ما أدري ما المراد بالقوة؟ يعني: أقوى كأني فهمت من السائل أنه يقول: العلة إذا اشترطنا في الحديث الصحيح ألا يكون معلولا، فهذا ظاهر؛ لأن الراوي قد خالف غيره، أما الشذوذ الذي هو التفرد بالمخالفة كأنه يقول: هذا الشرط أقوى. نعم، هذا الشرط أقوى وأدق كما قال الحاكم؛ ولهذا يقول الحاكم -رحمه الله-: وهذا لا يذهب به إلا الأئمة الحذاق المطلعون ... إلى آخر كلامه ويقول: إنه أدق من المعلل، هذا المعلل مثلا: نحن لو أخذنا الأمور على ظواهرها يعني: مثلا ما أطيل بالتمثيل المهم أنه يقول: أدق من المعلل. إذن هذا الشرط أقوى في نقل السنة من الشرط المعلل؛ لأن المعلل ظاهر، ظهرت علته، خالف غيره فاتضح غلطه، أما الشذوذ فليس هناك مخالفة واحتجنا إلى عمل الأئمة؛ لأن الأئمة إذا أرادوا أن يحكموا على شخص بالشذوذ ينظرون إلى أصحابه، وإلى -يعني- منزلته في هذا الشيخ، وهل يمكن أن يتفرد عن أصحابه أو لا يمكن، وأمور أخرى ينظرون بها في الحكم على الشذوذ. نعم. س: أحسن الله إليكم، يقول: هل تابع الحافظ ابن حجر -رحمه الله- أحد من المتأخرين في أن الشاذ والمنكر بمعنى واحد؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 ج: ابن حجر على التفريق بينهما، ابن حجر -رحمه الله- ناقش ابن الصلاح حتى قال: إنه غفل، ويعني هو يقول: الشاذ ما يرويه الثقة مخالفا لغيره، المنكر ما يرويه الضعيف سواء خالف أو لم يخالف. فالفرق بينهما من جهة ماذا؟ عند الحافظ ابن حجر من جهة درجة الراوي. وهذا التفريق -يعني- قد يميز المصطلحات ويساعد، لكنه من ناحية العمل كلام ابن الصلاح يعني أنهما بمعنى واحد، وإن كان الاعتراض على ابن الصلاح من جهة أنه أخرج خطأ الثقة إذا تفرد، أخرجه من الشذوذ والنكارة، لكن كونهما بمعنى واحد كلامه هو الأصل. نعم. س: أحسن الله إليكم، يقول: لو أخذنا بتعريف الخطيب للمسند لكان كتعريف المتصل، فهل هذا مما يضعف قوله؟ ج: لا، المتصل تعريفه … لو أخذنا بتعريف من؟ الخطيب للمسند -نعم- ما يضعفه؛ لأنه هو يقول: لو أخذنا بتعريف ... يرجع إلى ... ليس إلى درس اليوم، الخطيب عرف المتصل بأن المتصل: ما اتصل إسناده أيا كان، وعرف المسند بأنه: ما اتصل إسناده إلى صحابي أيضا إلى أي كان: إلى الرسول، أو إلى الصحابي، أو إلى التابعي. لو أخذت بهذا التعريف ما يشكل، من جهة أن المصطلحات كما عرفنا قد يكون بينها تبادل، يعني: قد يسمونه مسندا وقد يسمونه أيضا متصلا. لكن لو أخذت ... هذه لو هذه مشروطة، أما من ناحية العمل فنقول: إن تعريف الخطيب للمسند معترض عليه بأنهم لا يطلقون إلا المسند، إلا على ما روي عمن؟ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. س: أحسن الله إليكم، السؤال الأخير يقول: فضيلة الشيخ، ما هو ضابط تقوية الحديث الضعيف بمثله؟ ج: تقوية الحديث الضعيف بمثله هذا مر في ارتقاء الحديث الضعيف إلى الحسن لغيره، الذي ذكره ابن الصلاح، وله ضوابط مجملها أو هي تعود إلى أمرين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 الأمر الأول: ألا يكون الضعف شديدا في أن يكون راويه متهما بالكذب، أو يكون راويه ضعيفا أو صدوقا، ولكنه خالف جمعا كبيرا من الثقات فصار شاذا واشتد شذوذه، فمثل هذا يشتد ضعفه ولا يصلح. الأمر الآخر: الذي نلاحظه هو موضوع النكارة هذه، قد يكون منكرا فلا يصلح، وهذا الكلام -يعني- دقيق وطويل، يعني مثلا أضرب مثالا: لو جاءنا شخص وروى عن نافع مثلا، عن مولى ابن عمر، عن ابن عمر حديثا، وهذا الشخص تفرد بحديث عمن؟ عن نافع، وحكمنا على هذا الحديث أوسط مثلا، وحكم الأئمة على حديثه هذا بأنه منكر. لماذا حكموا عليه بأنه منكر؟ لأنه تفرد به عمن الآن؟ عن نافع، ونافع له أصحاب كثيرون ثقات، حفاظ كبار لازموه ولم يرووه، هذا الراوي ليس بمتروك. وجاءنا حديث عن مثلا عائشة، يرويه أيضا شخص فيه ضعف، أو ضعيف ليس بمتروك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، واستنكره الأئمة؛ لأن هشام بن عروة له أصحاب كثيرون جدا بالعشرات، وفيهم حفاظ ثقات، وما ذكروا هذا الحديث، وما رووه، فاستنكروا هذا الحديث على هذا المعنى. عمل الكثير من الباحثين والمتأخرين أن هذا الحديث ليس ضعفه شديدا؛ فإذن ينجبر، والعلماء -رحمهم الله- يقولون: المناكير هذه … المنكر أبدا منكر، المنكر لا يشد منكرا آخر، وهذا من الأبواب التي دخل التساهل فيها -أي نعم- وتسمى قضية الشد. أنا ذكرت لكن ما أطلت في ذلك الشد بالطرق، هذا له ضوابط: منها الضعف الشديد، ومنها عدم النكارة، ومنها أمر مهم وهو: ألا يكون أحد الحديثين يعود للآخر؛ لأن بعض الباحثين يشد بإسناد، فإذا تمعنته من الطرق، وإذا هو يعود إلى الشد ... الطريق الذي تريد أن تشده به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 هذا له -يعني- أمثلة، ومن الأمور الدقيقة في موضوعات الشد، فيها الآن كتابات، وربما يكتب فيها أكثر في ضوابط الشد بالمتابعات والشواهد، ومنها النظر للمعنى؛ لأن بعض الباحثين أي مناسبة بين لفظين يجعل أحدهما عاضلا للآخر، وهذا قد يكون فيه خلل، المهم هذه بعض الضوابط. أحسن الله إليكم، وجزاكم الله خيرا، وصلى الله على نبينا سبحانك اللهم وبحمدك. بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. بدأنا بالأمس في النوع السابع عشر، بدأنا بالنوع السابع عشر وهو في زيادة الثقة، وأخذنا منه قضيتين: القضية الأولى: ما يتعلق بتعريفه. والقضية الثانية: ما يتعلق بحكم زيادة الثقة. وبقي من مسائل هذا النوع، أو من مباحث هذا النوع الأمثلة، فقد مثل ابن كثير -رحمه الله تعالى- بمثالين، أو تبعا لابن الصلاح مثل بمثالين: اعترض على الأول منهما: المثال الأول: هو زيادة مالك، وما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- في حديث زكاة الفطر، فإن مالكا زاد كما ذكره ابن الصلاح نقلا عن الإمام الترمذي، أصل الترمذي هو الذي مثل به على الزيادة في المتن، زاد كلمة: "من المسلمين". ? فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على كل مسلم ... ? إلى آخر الحديث، زاد فيه ... زاد فيه الإمام مالك: "من المسلمين" حسب ما نقله الترمذي رحمه الله تعالى. فكلمة: "من المسلمين" زيادة ثقة، فقد رواه جماعة منهم يعني: من أصحاب نافع منهم: أيوب، وعبيد الله بن عمر، وموسى بن عقبة، وجماعة رووه بدون هذه الزيادة، فكلمة: "من المسلمين" إذن الآن مثال لما يزيده بعض الثقات على بعض في حديث واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 اعترض ابن كثير -رحمه الله تعالى- على التمثيل بها فقال: إن ابن الصلاح سكت على تمثيل الترمذي بهذا المثال، وعبر ابن كثير بقوله: وقد زعم الترمذي أن مالكا تفرد بها، وسكت أبو عمر على ذلك، ولم يتفرد بها مالك. ثم ذكر أن الضحاك بن عثمان قد رواه عن نافع بهذه الزيادة، وأن عمر بن نافع ولد -يعني- نافع قد رواه كذلك أيضا عن أبيه. وهذا الذي قاله ابن كثير لا اعتراض، يعني: لا إشكال فيه، لكن مما يعتذر به عن الترمذي -رحمه الله تعالى-، وكذلك بعض الباحثين هؤلاء زاد أناسا، لكن يتحقق من صحة الأسانيد إليهم، أوصلهم بعض الباحثين -بعض المشايخ- إلى عشرة، الذين ذكروا هذه الزيادة، لكن في البخاري ومسلم رواية اثنين منهم وهما: الضحاك بن عثمان، وعمر بن نافع. يعتذر عن الترمذي ... اعتذر العراقي عن الترمذي بأن عبارته توحي -عبارة الترمذي- أنه لم يفته أن هؤلاء قد زادوها مع مالك، وإنما هو يعني معنى كلام الترمذي -رحمه الله- أن ... يعني: لم يتابع مالكا من قبل من هو في درجة مالك في الحفظ والإتقان. وهذا الذي قاله عذر صحيح؛ لأن الذين -يعني- رووها أو الذين زادوها مع مالك وهما: الضحاك بن عثمان، وعمر بن نافع، ليسا في الإتقان والضبط والمنزلة في نافع كمالك رحمه الله تعالى. وعلى كل يعني: الآن زادها ثلاثة، لكن السؤال المهم -الحقيقة-: إذا كان قد زادها ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة، هل تخرج عن كونها زيادة ثقة أو لا تخرج؟ انظر التعريف الآن، ماذا قال ابن كثير في التعريف؟ إذا تفرد الراوي بزيادة في الحديث. على هذا التعريف تخرج عن كونها زيادة ثقة أو لا تخرج؟ تخرج؛ لأنه زاد ... لكن التعريف هذا فيه شيء من -يعني- التجوز، والحقيقة أن زيادة الثقة لا تخرج عن كونها زيادة ثقة، حتى وإن زادها أكثر من واحد، فهي زيادة ثقة كما قال ابن رجب رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 إذن: ما المقصود بالثقة هنا، إذا قيل: زيادة الثقة، الثقة هذا ما المراد به، يعني: أنه ثقة واحد أو الثقة الجنس؟ الجنس إذن المراد به جنس الثقة، ولو زادها اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة، ما دام قد طرقها جماعة فهي تعتبر زيادة ثقة. المثال الثاني الذي ذكره ابن كثير تبعا لابن الصلاح: ? جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ? تفرد يقول: تفرد أبو مالك بزيادة: ? وتربتها طهورا ? عن ربعي بن حراش عن حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. هذا المثال، قوله -قول ابن الصلاح -رحمه الله-: تفرد أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي بزيادة: ? وتربتها طهورا ? يدل على أي شيء، ماذا يفهم منه؟ زادها على من، هذا سعد بن طارق أبو مالك سعد بن طارق زادها على من؟ يفترض تمثيلي بهذا الحديث أن يكون سعد بن طارق قد زادها على جماعة رووها عمن؟ رووا الحديث عن ربعي بن حراش، وأيش تعلقون؟ تقولون: هذا الحديث أصلا ليس له إلا هذا الإسناد الواحد، فالاعتراض على هذا المثال، فهذا المثال هو الذي يعترض عليه، فإن من شرط زيادة الثقة أن تكون الزيادة في حديث واحد يرويه جماعة عن شيخ لهم، فيزيد بعضهم على بعض في متن الحديث. أما هذا المثال انتبهوا له: هذا المثال هو من نوع زيادة بعض الصحابة على بعض، نعم هذا الحديث فيه زيادة: "وتربتها طهورا" لكن هذه الزيادة على أحاديث أخر، أو على حديث آخر وهو حديث جابر المعروف: ? أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ... ? وغير هذا الحديث كذلك. فإذن هذا المثال هو من زيادة الصحابة بعضهم على بعض، وقد نقل جماعة من العلماء أن هذا الموضوع خارج موضوع زيادات الثقات، أن زيادات الصحابة بعضهم على بعض خارج موضوع زيادات الثقات، لماذا؟ لأنهم يقولون: زيادة الصحابة بعضهم على بعض مقبولة بالاتفاق، ولا نحتاج إلى أي شيء، تعامل كحديث مستقل، ولا نحتاج للموازنة بينهم رضي الله عنهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وتكلموا في الزيادة هذه من جهة معناها، و ... نعم، المقصود أن هذا المثال فيه نظر من هذه الجهة، وهو أنه زيادة بعضهم أنه من زيادات الصحابة بعضهم على بعض -رضوان الله عليهم-، فإذن ننتبه لموضوع زيادة الثقة، وهو: أن تكون الزيادة في حديث واحد، يرويه جماعة عن شيخ لهم، يزيد بعضهم على بعض في متن الحديث. وأما هذا فهو كما ذكر ابن رجب وغيره، وابن حجر والسخاوي، أن ما يزيده الصحابة بعضهم على بعض أنه بالإجماع مقبول، وأنه يعامل كحديث مستقل، فإذن هذا الحديث ليس له إلا هذا الإسناد الواحد. في الختام، قال ابن كثير: إن ابن الصلاح ذكر أن الخلاف في الوصل والإرسال كالخلاف في قبول زيادة الثقة، وهو كما قال، وعرفنا أن الباب واحد، وأن منهج المحدثين -رحمهم الله تعالى- هو التعامل مع مثل هذا الاختلاف بكل حديث بعينه، كل حديث له قرائنه ومرجحاته من حيث -يعني- رد الزيادة أو قبول الزيادة. النوع الثامن عشر: المعلل من الحديث. نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 النوع الثامن عشر: معرفة المعلل من الحديث كيفية معرفة الحديث المعلل بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على آله وصحبه أجمعين. قال -رحمه الله تعالى-: النوع الثامن عشر: "معرفة المعلل من الحديث"، وهو فن خفي على كثير من علماء الحديث، حتى قال بعض حفاظهم: معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل، وإنما يهتدي إلى تحقيق هذا الفن، فالجهابذة النقاد منهم يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه، ومعوجه ومستقيمه، كما يميز الصيرفي البصير في صناعته بين الجياد والزيوف، والدنانير والفلوس، فكما لا يتمارى هذا كذلك يقطع ذاك بما ذكرناه. ومنهم من يظن، ومنهم من يقف بحسب مراتب علومهم وحفظهم واطلاعهم على طرق الحديث، وذوقهم حلاوة عبارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي لا يشبهها غيرها من ألفاظ الناس، فمن الأحاديث المروية: ما عليه أنوار النبوة، ومنها ما وقع فيه تغيير لفظ أو زيادة باطلة أو مجازفة أو نحو ذلك، يدركها البصير من أهل هذه الصناعة، وقد يكون التعليل مستفادا من الإسناد، وبسط أمثلة ذلك يطول جدا، وإنما يظهر بالعمل. نعم، هذا النوع الثامن عشر "المعلل من الحديث" لم يعرفه ابن كثير -رحمه الله تعالى- ولم يمثل له، تكلم فيه على قضيتين: القضية الأولى -التي قرأها الأخ-: وهي متعلقة بـ … يعني صفة هذا النوع وكونه دقيقا، حتى قال بعض المحدثين -منقولا عن بعض المحدثين مثل: عبد الرحمن بن مهدي، ومثل أبي حاتم -رحمه الله تعالى- و … يقولون: "معرفتنا بهذا عند الجاهل نوع من الكهانة"؛ لأن السائل يأتيه فيقول له: هذا الحديث ... ما صحة هذا الإسناد؟ فيقول له المجيب: هذا الحديث خطأ. أو قد يعرض عليه مجموعة من الأحاديث، فيقول: هذا الحديث خطأ، وهذا الحديث صواب، وهذا الحديث الصواب فيه كذا، وهذا الحديث دخل على هذا الحديث، فغيرهم يظن أن هذا مثلا ... حتى اعترض عليهم رحمهم الله تعالى. يقول السخاوي -رحمه الله-: إن من لا يشارك أهل هذا العلم في قواعده ويمارس قد يستنكر عليهم تعليلهم بعض الأحاديث، وأما من يشارك يقول السخاوي معنى كلامه: فإنه لا يعترض وقد يشاركهم في تطبيق هذا العلم، ومثل لذلك -للمشاركين- هو يقصد الأئمة، ومثل لمن بعدهم بالإسماعيلي وبالبيهقي وبـ … يعني جماعة من الحفاظ الذين شاركوا أئمة النقد في شيء من هذا العلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 لأن الكلام الآن -كلام ابن كثير رحمه الله- يتكلم عن أهل النقد في عصر الرواية، متى عصر الرواية؟ يعتبر عصر الرواية إلى نهاية القرن الثالث وشيء من القرن الرابع، فالحفاظ الذين كانوا في ذلك القرن، أو في ذلك الزمان -هم الذين وصفهم أو ذكرهم ابن كثير في كلامه هذا، وأنهم هم الذين يعني اطلعوا في هذا الأمر وعرفوا يعني: تهيأت لهم من الأسباب … خلاصة الموضوع -وهذا ما ذكره ابن كثير-: تهيأت لهم من الأسباب ما أهلهم للحكم على أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المروي من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخطأ أو بالصواب، وألفوا في ذلك مؤلفات كثيرة سيذكرها ابن كثير بعد قليل، سيعرج عليها سيعد بعضها. ومن الأمور التي تهيأت لهم: ذكر ابن كثير كثرة ممارستهم، وقراءتهم لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيعرفون أن هذا الحديث غلط أو صواب أحيانا من متن الحديث، أو أن بعضه صواب وبعضه خطأ، أو أنه ... يعرفون أن هذا من حديث فلان وليس من حديث فلان. يعني: ليس فقط يعرفون أن هذا من حديث رسول الله، أو ليس من حديث رسول الله، وإنما يعرفون أن هذا من حديث عمر أو من حديث أبي هريرة، وكذلك في أصحاب أبي هريرة يعرفون أن هذا من حديث سعيد أو من حديث أبي سلمة. والسبب هو ... ما هو؟ السبب ما هو؟ هو أنهم -رحمهم الله- اتجهوا إلى هذا الشيء، وتفرغوا له وتعبوا فيه، ورحلوا وجمعوا و ... يعني: فلو مثلا سمعت عن حفظ بعضهم ... إذا قيل مثلا: إن ابن معين مثلا كتب بيده ألف ألف حديث يعني: كم من حديث؟ مليون حديث كتبها بيده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 المقصود، ليس المقصود بالمليون هذه متون، وإنما هي أسانيد؛ حتى يعرفون ما عند الحسن البصري يعني: من كلامه، وما عند فلان من كلامه وما عند فلان، والإمام أحمد -رحمه الله- يحفظ ... ذكروا في ذكر حفظه شيئا كثيرا، وكذلك غيرهما من الحفاظ يحفظون شيئا كثيرا جدا، فإذا سئل الواحد منهم السنة كلها تقريبا بين ... أو في ذهنه حاضرة، يستطيع أن يجيب: أن هذا أخطأ وأن هذا أصاب وكذا وكذا. من يأتي بعدهم -رحمهم الله- يستطيع أن يشاركهم، يستطيع بالممارسة وبكثرة قراءة كتبهم ونحو ذلك، وأهم ما في الموضوع -انتبهوا يا إخوة - ليس المشاركة، الحقيقة أننا يعني تنزلنا، أو تنزل العلماء إلى ما ذكره السخاوي، وهو أن نستوعب علمهم، وألا نعترض عليهم؛ لأنه وجد من يعترض عليهم من بعض من لم يمارس هذا العلم، حتى قال بعض الفقهاء وبعض الأصوليين: يتعلل ابن معين وجماعة من المحدثين بعلل في رد أحاديث يعني: مثل ما يقول: ليست بشيء. وذكر مثل هذا ابن الجوزي وابن حزم وغيرهما وابن القطان، ورفضوا علم المحدثين بالنسبة لهذا العلم الذي هو يعني العلل. لماذا رفضوه؟ لأن علم العلل … ما هو المعلل؟ علم العلل هذا أكثر ما يتطرق إلى أحاديث الثقات، هذا هو المشكلة فيه يعني: لو كان الراوي ضعيفا لاشترك الجميع في معرفة العلة، لو كان الإسناد منقطعا فإن كثيرا من الانقطاع يدركه أي باحث؛ تنظر في وفاة الشيخ وفي ولادة التلميذ وتعرف أن أحدهما لم يدرك الآخر. أما كون هذا أخطأ وكون هذا أصاب فهذا يعرف من جمع الطرق، ولهم أشياء في هذا عجيبة يعني: القارئ في كتب العلل يدركها، ولهم أساليب أو لهم وسائل تعتبر ذهبت بذهابهم، تعتبر هذه الوسائل ... إنما نشاركهم نحن ... يشاركهم الباحثون ومن جاء بعدهم في الوسائل التي بقيت. بقي وسائل نحن لما جئنا نتكلم على موضوع العلل والقرائن والمرجحات نقسمها إلى قسمين: قسم ذهب بذهاب الأئمة، لا يستطيع أن يقوم بها إلا هم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 والقسم الآخر يستطيع الباحث أن يشاركهم في هذا، وأن يفسر تعليلهم، وأن قد يعلل هو بنفسه. إذن: يعرفون المعلل بأنه إسناد ظاهره الصحة، إذا قرأت الإسناد وإذا كله ثقات، وإذا إسناده متصل، ويعني رواته عدول ضابطون، والإسناد متصل -فإذن هذا هو الذي يحكم عليه كثير من العلماء والباحثين بقولهم: إسناده صحيح، وإسناده على شرط الشيخين. ولكن بعد التفتيش وبعد الاعتبار الذي مر بنا قد يطلع فيه على علة قادحة تمنع من صحته، ومن الأمثلة -أكتفي بمثال واحد-: روى محمد بن فضيل ... هذا مثال معروف يعني ... والأمثلة كثيرة ستأتي معنا، ستأتي معنا في المباحث اللاحقة؛ لأن بعض الأنواع اللاحقة لها صلة بالمعلل. من أمثلته -حتى نقرب الموضوع-: روى محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ? إن للوقت أولا وآخرا ? وذكر الحديث في أوقات الصلوات. هذا الحديث إذا نظرت إلى إسناده وإلى محمد بن فضيل ثقة، والأعمش معروف، فهذه السلسلة قد صححها جماعة من المتأخرين على شرط الشيخين، بناء على أي شيء؟ على ظاهر الإسناد. أما الأئمة الأولون: البخاري وابن معين وجمع من الأئمة فيقولون: هذا الحديث خطأ، أخطأ فيه محمد بن فضيل، وإنما رواه جماعة من الثقات منهم عبدر بن القاسم وجماعة من الثقات، رووه عن الأعمش. انظر الآن وجه الخطأ: عن الأعمش، عن مجاهد بدل من؟ أبي صالح مرسلا لم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أحدا من الصحابة، وإنما قال: كان يقال: "إن للصلاة أولا وآخرا". فإذن نقول عن الإسناد الأول: إن ظاهره الصحة، ولكنه بقي فيه شرط من شروط الحديث الصحيح، وهو الشرط الأخير وهو: ألا يكون شاذا. قال: "ولا يكون معللا" فهذه هي العلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 إذن هذه العلة اكتُشفت أو عرفها الأئمة من معرفتهم برواية الثقات الآخرين، فمثل هذا لا يتردد الأئمة أبدا في الحكم عليه بكونه متن، وهذا من القرائن التي نشاركهم فيها؛ لأن الجمع من الثقات الآن رووه وانفرد واحد -وهو الذي قد يسمى الشاذ أيضا- انفرد واحد بذكر أبي صالح وأبي هريرة - رضي الله عنه -. هذا المثال بسيط، وسيأتي معنا أمثلة له، وكما ذكرت بعض أدلتهم -رحمهم الله تعالى- يعني: لا نستطيع أن نشاركهم فيها. نقرأ الآن الموضوع الثاني الذي ذكره ابن كثير في المعلل وهو المؤلفات في هذا الفن. نعم. الكتب التي ألفت في العلل ومن أحسن كتاب وضع في ذلك وأجله وأفحله كتاب "العلل" لعلي بن المديني شيخ البخاري وسائر المحدثين بعده في هذا الشأن على الخصوص، وكذلك كتاب "العلل" لعبد الرحمن بن أبي حاتم، وهو مرتب على أبواب الفقه، وكتاب "العلل" للخلال. ويقع في مسند الحافظ أبي بكر البزار من التعاليل ما لا يوجد في غيره من المسانيد، وقد جمع أزمة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك، وهو من أجل كتاب، بل أجل ما رأيناه، وضع في هذا الفن لم يسبق إلى مثله، وقد أعجز من يريد أن يأتي بشكله رحمه الله وأكرم مثواه. ولكن يعوزه شيء لا بد منه وهو: أن يرتب على الأبواب؛ ليقرب تناوله للطلاب، أو أن تكون أسماء الصحابة الذين اشتمل عليهم مرتبة على حروف المعجم ليسهل الأخذ منه؛ فإنه مبدد جدا لا يكاد يهتدي الإنسان إلى مطلوبه منه بسهولة، والله الموفق. هذه بعض الكتب التي ألفت في العلل، والمؤلفات في علل الأحاديث كثيرة جدا، لكن مثل ابن كثير -رحمه الله- ببعض هذه الكتب، وذكر أن من أحسن كتاب وضع في ذلك كتاب "العلل" لعلي ابن المديني، وهو كتاب مفقود تقريبا، يعني: لا يوجد منه إلا قطعة صغيرة طبعت مرتين أو أكثر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وهي تنبئك عن جلالة هذا الكتاب وعن جلالة مؤلفه -رحمه الله تعالى-، وهو الذي يقول فيه البخاري: ما استصغرت نفسي عند أحد، أو بين يدي أحد إلا عند علي بن المديني -رحمه الله-؛ إمام جليل في … وبالذات في علم علل الحديث واختلاف الأسانيد، له شيء عظيم. والقطعة هذه صغيرة لكنها -يعني- دليل على جلالة هذا الإمام وجلالة كتابه، وهو كبير كتابه حسب ما وصفه علي، والظاهرأنه قد ذهب هذا الكتاب في وقت علي بن المديني، الظاهر والله أعلم يعني؛ لأنه أَذْكر عنه نصا أنه يقول: ألّفت المسند المعلل ثم وضعته -يعني مثل ما تقول- في مكان حفظ الكتب، فلما سافرت سفرة فلما جئت وإذا الأرض قد أكلت الأوراق، وعجزت عن تقريبه، ولم أنشط لكتابته مرة ثانية. وفي عبارة ابن كثير الآن يقول: وسائر المحدثين بعده في هذا الشأن على الخصوص، يحتمل أن يكون مراده أن المؤلفين قد ألفوا، أو أن المحدثين قد ألفوا بعده كتبا كثيرة، ويحتمل أن يكون في العبارة شيء من السقط يعني: وسائر المحدثين بعده عيال عليه أو مستفيدون منه في هذا الشأن على الخصوص، ونحو هذه العبارة. كذلك مثّل ابن كثير -رحمه الله- بكتاب "العلل" لابن أبي حاتم، وهو الأسئلة له والأجوبة لمن؟ الأجوبة لأبيه أبي حاتم، ولأبي زرعة أيضا، ويسألهما ابن أبي حاتم وهما يجيبان. وهذا الكتاب -بحمد الله تعالى- وجد كاملا، وله نسخ مخطوطة كثيرة، ومن أحسن الكتب وأسهلها وأقربها تناولا وأخفها جمعا يعني: لا يطيل كثيرا كما سيأتي في كلام في صنيع الدارقطني، فهو -يعني- قريب من الطلاب وسهل، والاستفادة منه والتدرب من هذا الكتاب بالنسبة للطالب يعني: سهل التعامل معه نسبيا. يعني بالنسبة لكتاب الدارقطني مثلا وقد حقق بعضه رسائل عليا في جامعة الإمام، والطلاب الآن سائرون في تحقيقه لم ينته الكتاب بعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وكذلك كتاب "العلل" للخلال، كتاب "العلل" للخلال هو من جمعه -رحمه الله - وإلا فهو للإمام أحمد، وقد فقد هذا الكتاب، كتاب عظيم جدا جدا، لو وجد هذا الكتاب لكان يعني الفائدة منه كبيرة، وإنما ابن قدامة -رحمه الله- صاحب المغني انتخب أحاديث من هذا الكتاب، ويوجد الآن جزء يسير من هذا المنتخب. يعني الذي يوجد الآن من المنتخب، وأما الأصل يحتمل أن يكون موجودا منه بعضه، وأما سائره فهو مفقود. وكذلك أيضا قال ابن كثير: مسند البزار. نعم. وهو مسند البزار اسمه "المسند الكبير المعلل" يذكر فيه البزار عللا كثيرة للأحاديث، والظاهر -والله أعلم- أن البزار يعني قصد به شرح علل الأحاديث يعني: ليس على طريقة مسند من؟ مسند الإمام أحمد يسوق الأحاديث ويسكت، أو مسند أبي يعلى، ويشبهه في هذا مسند يعقوب بن شيبة. يعقوب بن شيبة هذا إمام جليل، لكن حصل له بعض الظروف فيعني لم يشتهر كثيرا، المهم أن له مسندا كبيرا، ولكن لكبره لم يتمه؛ لضخامته مات قبل أن يتمه، وكان عنده وراقون كثيرون يهيئ لهم الفرش، ويهيئ لهم الطعام ويهيئ لهم السكن، وكل شغلهم تبييض ... أو عملهم في هذا المسند لكبره. يقولون: إنه تم منه عشرات الأجزاء، ومع ذلك لم يتم الكتاب؛ لأنه كتاب كبير جدا يعني: لو تم لكان يعني من أكبر ما أُلف، لا يوجد منه إلا قطعة صغيرة، وأيضا تدلك على جلالة هذا الكتاب، قطعة صغيرة من مسند عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. من أكبر الكتب في العلل التي وصلت إلينا ما أثنى عليه ابن كثير كثيرا وهو كتاب "العلل" للدارقطني، كتاب عظيم ويقولون: إن الدارقطني -رحمه الله- أملاه من حفظه، ويعني القراءة في بعض أحاديث هذا الكتاب تصيب الرأس بالصداع، بعضه بعض أحاديثه مثلا حديث بسرة بن صفوان، تكلم عليه تقريبا في جزء لو نشر لكان جزءا لوحده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 ويطيل أحيانا في بعض الأحاديث يطيل، يذكر وجوها للاختلاف، ويذكر روايات و ... يعني: فعلا ينبئك عما قاله ابن كثير -رحمه الله تعالى- عن جلالة علم العلل، ومن الذي يقوم به على حقيقته، والغريب أو من العجيب أن الدارقطني نفسه يقول: إذا أردت أن تعرف فضل علم السلف على علمنا فاقرأ كتاب: "علل حديث الزهري" لمحمد بن يحيى الزهري. الذي يقوله من الآن؟ الدارقطني، ونحن نتعجب أو ابن كثير يتعجب من كتاب الدارقطني، وهو فعلا موضع عجب، لكن هو يقول: "علل أحاديث الزهري" محمد بن يحيى الزهري تخصص في الزهري، وألف كتابا عظيما في علل حديث الزهري، بس فقط في علل حديث الزهري. ويقول الدارقطني: "إذا أردت أن تعرف فضل علمهم على علمنا فاقرأ في كتاب محمد بن يحيى الزهري"، وهذا الكتاب في "علل أحاديث الزهري"، وقد اتجه بعض الأئمة إلى تخصيص كتب في علل بعض الأئمة يعني مثلا: ابن حبان له كتاب "علل حديث سفيان بن عيينة"، ويعني الآن مثلا: فيه رسالة علمية في "علل حديث الزهري" فقط التي ذكرها الدارقطني في كتابه العلل. يعني: هذا الطالب أو هذا الباحث -الآن هو دكتور أستاذ فاضل- طبع الكتاب، أخرج أحاديث الزهري من كتاب "العلل"، وصار يتكلم عليها ويخرج الروايات التي يذكرها الدارقطني، ويذكر أقوال العلماء الآخرين، وكذلك فعل بعض الطلاب في أئمة آخرين: بعضهم في قتادة، والآخر في أبي إسحاق، و ... فهذا علم جليل عظيم واسع، وهو كما وصفه ابن كثير ووصفه غيره أيضا بهذا الوصف. نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 النوع التاسع عشر: المضطرب وهو: أن يختلف الرواة فيه على شيخ بعينه، أو من وجوه أخر متعادلة لا يترجح بعضها على بعض، وقد يكون تارة في الإسناد، وقد يكون في المتن، وله أمثلة كثيرة يطول ذكرها، والله أعلم. نعم، هذا المضطرب عرفه ابن كثير -رحمه الله-: أن يختلف الرواة فيه على شيخ بعينه، أو من وجوه أخر متعادلة لا يترجح بعضها على بعض. هذا تعريف المضطرب إذن: أن يقع في حديث واحد اختلاف على شيخ ... على راو من رواته فيرويه بعضهم على كذا في الإسناد أو في المتن. يرويه بعضهم على كذا، ويرويه بعضهم مثلا مرسلا، وبعضهم موصولا مثلا عن عائشة، وبعضهم موصولا عن جابر، وبعضهم مثلا موقوفا على التابعي، وبعضهم ... يعني أحيانا تكثر الأوجه، ربما تصل عشرة وربما تصل أكثر من ذلك، ربما تصل إلى العشرين وجها أو أكثر أيضا، يختلف الرواة كثيرا، واشترطوا في المضطرب ما ذكره ابن كثير بأنه لا يترجح بعضها على بعض. لماذا هذا الشرط، لماذا لا يترجح بعضها على بعض؟ اشترطوا ألا يترجح بعضها على بعض. أمر مهم هذا الشرط وهو أنهم يقولون: إن غالب الأحاديث قد وقع فيها اختلاف من الرواة، فلو قلنا: إن كل اختلاف اضطراب لوصفنا كثيرا من الأحاديث -وهي صحيحة، لكن وقع فيها اختلاف- لوصفت بالاضطراب. وهذا الكلام صحيح لكن تقيدونه يعني: نقيده دائما بأن الإمام أو أن الاضطراب قد يوجد مع الترجيح يعني: أن الإمام قد يرجح وجها ومع هذا الترجيح فيرى أن كثرة الاختلاف هذه اضطراب مع الترجيح، هذا فيه أحاديث يسيرة يكثر فيها الاختلاف، ويترجح للإمام وجه، ولكن مع هذا أحيانا يقول الدارقطني مثلا: الراجح كذا وفي النفس منه شيء في النفس. من أي شيء؟ من هذا الوجه، أو من هذا الترجيح لكثرة الاختلاف على فلان، لماذا أقول هذا؟ لأنهم تعبوا. المهم هذه القضية سأعود إلى ما أردت ذكره هذه القضية وهو أنه قد يوصف الحديث بالاضطراب مع الترجيح يعني: أن الإمام إذا رجح يكون ترجيحه فيه شيء حتى في نفسه من جهة كثرة الاختلاف في الحديث الواحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 فيه أمر مهم وهو أن بالنسبة للمضطرب ما مر ذكره في ... أظن مناسبة التمثيل بحديث الأذنين من الرأس لارتفاع الضعيف إلى الحسن لغيره وعدم ارتفاعه أن التمثيل للمعلل وللمضطرب وغيره اجتهادي، يعني: إذا أتى إمام بمثال وقال: هذا مضطرب، مضطرب في نظر من؟ في نظر هذا الإمام، لا يعترض عليه بأنني أنا مثلا أو أنت تستطيع أن ترجحه، أو الإمام الفلاني الآخر رجح وجها. فهذا كما ذكرت في أكثر من مناسبة أن الأمثلة الاجتهادية لا ينبغي الاعتراض عليها كثيرا في المصطلح؛ لأنك لو اعترضت مثلا في الاضطراب هذا بخصوص ... ذكروا أمثلة واعترضوا عليها، وذكروا أمثلة واعترضوا عليها، ولا يخرجنا من هذه الدوامة إلا هذا، وهو أن من مثل بمثال فهو حسب اجتهاده هو. مثلوا بالحديث المعروف حديث أبي بكر: ? شيبتني هود وأخواتها ? هذا ذكر الدارقطني قريبا من سبعة عشر وجها من هذا الحديث. ولكن مع هذا بعض الباحثين ينظر في هذه الأوجه وقد يرجح، فهذا لا يخرج الحديث عن كونه مضطربا: أولا: لأن الترجيح … مع الترجيح لابد من النظر فيه إذا كثر الاختلاف وهو الاضطراب. والأمر الآخر: وهو أن من يمثل به قد لا يكون ترجح عنده وجه، ومثلوا كذلك بحديث السترة في الخط، ومثلوا بحديث مثلا: حديث ابن مسعود: ? ائتني بحجرين وروثة ? هذه أمثلة يعني: أحاديث كثر فيها الاختلاف؛ ولهذا يقول الترمذي كثيرا على أحاديث: هذا حديث فيه اضطراب، أو يقولون: هذا الحديث مضطرب ويعدون الحديث بذلك، وقد يرجحون مع شيء أو مع احتمال أو مع التعليل للاضطراب أيضا. نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 النوع العشرون: معرفة المدرج وهو أن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام الراوي، فيحسبها من يسمعها مرفوعة للحديث، فيرويها كذلك، وقد وقع من ذلك كثير في الصحاح والحسان والمسانيد وغيرها، وقد يقع الإدراج في الإسناد، ولذلك أمثلة كثيرة، وقد صنف في ذلك الحافظ أبو بكر الخطيب في ذلك كتابا حافلا سماه: "فصل الوصل لما أدرج في النقل" وهو مفيد جدا. نعم، هذا الموضوع الذي هو الإدراج، عرفه ابن كثير -رحمه الله - أن تزاد … يعني هو في كلامه أنه قسمه إلى قسمين: القسم الأول الذي هو مدرج المتن قال فيه: أن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام الراوي، يعني: من كلام أحد رواته، قد يكون الصحابي، وقد يكون التابعي، أو حتى من بعد التابعي، فيحسبها من يسمعها منه مرفوعة في الحديث فيرويها كذلك. مراده بهذا أن بعض الرواة تكون بعض الكلمات ... بعض ألفاظ الحديث من كلام أحد رواته، فيأتي في رواية تأتي هذه الكلمات أو هذه اللفظة أو هذه العبارة في بعض روايات الحديث من ضمن المتن يعني: مرفوعة إلى من؟ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. فالعلماء -رحمهم الله- وصفوا هذا النوع بالإدراج، يعني يقولون: ما أدخل في متن الحديث ما ليس منه، هذا هو القسم الأول الذي هو مدرج المتن، أمثلته كثيرة جدا، يمثلون لذلك بحديث: ? من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ?. أول الحديث ما هو؟ في معرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته بآثار الوضوء: ? يأتون يوم القيامة غرا محجلين ? في نهايته: ? من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ? هذه الكلمة يحتمل أن تكون من كلام من؟ من كلام أبي هريرة يعقب بها على حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -. من أمثلته كذلك حديث: ? أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار ? فإن أصل الحديث فقط هو: ? ويل للأعقاب من النار ? ورواه بعضهم، وأما كلمة: "أسبغوا الوضوء" فهي من كلام من؟ من كلام أبي هريرة يعني: أورد الحديث من أجلها. وله أمثلة أيضا كما ذكر ابن كثير -رحمه الله- أن الخطيب البغدادي ألف مؤلفا في ذلك، وتوجد هذه الألفاظ مدرجة في بعض الروايات في الصحاح، كما ذكر ابن كثير -رحمه الله-، قد توجد في الصحاح أيضا ألفاظ مدرجة يعني: صورتها أنها من كلام من؟ من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وعند التحقيق يتبين أنها من كلام أحد الرواة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وذكر النوع الثاني وهو الإدراج في الإسناد، والإدراج في الإسناد قسموه إلى أقسام، لكن من أهم أقسامه: أن يزاد شخص في الإسناد يترجح أن الصواب حذفه؛ هذا خلاصة أهم أنواع الإدراج في الإسناد: أن يزاد في الإسناد شخص أو راو أو أكثر يترجح أن الصواب حذفه، فهذا يصفونه -يقولون عنه- بأنه مدرج الإسناد. يقول ابن كثير رحمه الله: إن الخطيب البغدادي صنف في هذا النوع كتابا سماه: "فصل الوصل لما أدرج في النقل"، وهو مفيد جدا. أسأل الآن: لو نظرنا الآن في الإدراج نحن نقول: الإدراج كما وصفوه بأنه زيادة في متن الحديث ليست منه، أو زيادة في إسناد الحديث. إذن هو أتى في بعض الروايات، وفي بعضها ليس فيه هذه الزيادة، من أين عرفنا، أولا من أين عرفنا أن هذه اللفظة مدرجة في متن الحديث؟ لو جاءك الحديث كله مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من أين تعرف أن بعضه مدرج؟ تعرفه من الطرق الأخرى من الروايات الأخرى. إذن -انتبهوا يا إخوان- إذن هذا الأمر الذي هو الإدراج يعود في حقيقته إلى المعلل، إذا كان الذي أدرجها ثقة، ولكن هذا المعلل في الحديث كله أو في بعض الحديث؟ في بعض الحديث بالنسبة للمتن، أو في راو معين بالنسبة للإسناد. إذن يعود هذا الموضوع الذي هو الإدراج إلى موضوع سبق أيضا وهو زيادة الثقة؛ لأنه في الحقيقة الذي أدرجها زاد في كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذه اللفظة، وأيضا كذلك -انتبهوا- بالنسبة للإدراج، بالنسبة للإدراج هذا مثل زيادة الثقة خاضع للحكم بالإدراج، يخضع لأي شيء؟ لاجتهاد الإمام، مثله مثل المعلل؛ المعلل أيضا يخضع لاجتهاد الإمام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 قد يرى هذا الإمام أن هذا الحديث المعلل العلة قادحة، وقد يراه الإمام أنه غير معلل، كذلك بالنسبة للإدراج بينه وبين زيادة الثقة شيء من الترابط، وبينه وبين المعلل أيضا شيء من الترابط، فلو أردت أن تمثل للمعلل يمكنك أن تمثل بالمدرج، ويمكنك أن تمثل أيضا لزيادة الثقة، تمثل بأي شيء؟ بالإدراج. غاية ما في الإدراج إذا ترجح الإدراج أنه زيادة ثقة عرفنا مصدرها، عرفنا من قالها، بل كل زيادة ثقة في الحقيقة ترجح عندك أنها زيادة ثقة، فهي داخلة في الإدراج إلا أن بعضها تستطيع أن تقول هذا من كلام فلان، وقد لا تستطيع أن تقول إنه من كلامه. لهذا السبب -انتبهوا- ما ذكرته قبل فترة الآن الخطيب البغدادي سمى الكتاب: "فصل الوصل لما أدرج في النقل" يعني: يذكر لك أحاديث ويبين لك أن هذه اللفظة أدرجت فيه، ويبين بالطرق الأخرى، وهو قد رجح فيما مضى أن زيادة الثقة ما حكمها؟ أخذنا فيما مضى وفي تعارض الوصل والإرسال قد رجح -رحمه الله- أن زيادة الثقة مقبولة، وهذا هو الذي جعل الأئمة يقولون: إنه في كتبه يخالف مصدره في كتابه الكفاية. ففي كتبه في هذا الكتاب والكتاب الآخر: "تمييز المزيد في متصل الأسانيد ومبهم المراسيل" صار في هذه الكتب -بحمد الله تعالى- على ما شرح الآن على طريقة أئمة الحديث في -يعني- إعمال القرائن والترجيح وما إلى ذلك. وفي هذا الكتاب في الإدراج يذكر رأيه هو، وقد يكون لبعض الأئمة اجتهاد مثلا هويقول -ابن كثير-: وقد وقع من ذلك كثير في الصحاح والسنن والمسانيد. نعم، وقع في صحيح البخاري وصحيح مسلم، ولكن بعض هذه الأحكام المدرجة يكون الإمام مثلا: البخاري يرى أنها مدرجة أو غير مدرجة؟ يرى أنها غير مدرجة مثل حديث: ? فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة ?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 البخاري أخرج هذا اللفظ من ضمن حديث جابر، ويراه أنه كله من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعض الأئمة -مثل أبي حاتم- يرى أن هذا اللفظ من كلام جابر يعقب به على الحديث: ? الجار أحق بصقبه ?. المقصود من هذا الكلام أن الإدراج فن من فنون علوم الحديث، اهتم به الأئمة -رحمهم الله تعالى- وهو مندرج تحت علم العلل، فالإمام يجمع الطرق وينظر فيها، ثم يقول: هذه اللفظة من كلام الزهري، أو من كلام ... وقد اشتهر بعض الرواة بإدخال التعقيب على بعض الأحاديث، أو شرحها بكلمة أو نحو ذلك: منهم الزهري، ومنهم عبد الله بن وهب، و ... يدرجون ... وفي الصحابة أبو هريرة - رضي الله عنه - يذكر حديثا -شيئا يريد أن يستدل به-، ثم يذكر المتن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد يروى الجميع من كلامه - صلى الله عليه وسلم - هذا هو الإدراج، وهو يعني ... نعم. اقرأ النوع الحادي والعشرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع المختلق المصنوع النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع، المختلق المصنوع، وعلى ذلك شواهد كثيرة منها: إقرار واضعه على نفسه قالا أو حالا، ومن ذلك ركاكة ألفاظه وفساد معناه، أو مجازفة فاحشة أو مخالفة لما ثبت بالكتاب والسنة الصحيحة، ولا تجوز روايته لأحد من الناس إلا على سبيل القدح فيه؛ ليحذره من يغتر به من الجهلة والعوام والرعاع. والواضعون أقسام كثيرة: منهم زنادقة، ومنهم متعبدون يحسبون أنهم يحسنون صنعا، يضعون أحاديث فيها ترغيب وترهيب وفي فضائل الأعمال وليعمل بها، وهؤلاء طائفة من الكرامية وغيرهم، وهم من أشر من فعل هذا؛ لما يحصل بضررهم من الغرة على كثير ممن يعتقد صلاحهم ويظن صدقهم، وهم شر من كل كذاب في هذا الباب. وقد انتقد الأئمة كل شيء فعلوه من ذلك، وسطروه عليهم في زبرهم عارا على واضعي ذلك في الدنيا، ونارا وشنارا في الآخرة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ? من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ? وهذا متواتر عنه. قال بعض هؤلاء الجهلة: نحن ما كذبنا عليه وإنما كذبنا له، وهذا من كمال جهلهم، وقلة عقلهم، وكثرة فجورهم وافترائهم؛ فإنه -عليه السلام- لا يحتاج في كمال شريعته وفضلها إلى غيره. وقد صنف الشيخ أبي الفرج الجوزي كتابا حافلا في الموضوعات، غير أنه أدخل فيه ما ليس منه، وخرج عنه ما كان يلزمه ذكره، فسقط عليه ولم يهتد إليه. نعم، هذا الموضوع أمره خفيف ذكر فيه ابن كثير -رحمه الله تعالى- يعني عددا من الفقرات، أول ما ذكر فيه: كيف يعرف الوضع؟ ذكر أنه في بعض كلامه أنه تارة يعرف عن طريق الإسناد؛ بأن يوجد في إسناده من هو وضّاع يعترف بالوضع إما قالا أو حالا يعني: إما أن يقول: وضعت هذا الحديث، وإما أن يعرف عنه أنه يضع الحديث. وقد صنف بعض الأئمة كتابا جمع فيه ... الذي هو سبط بن العجمي جمع في مؤلفه هذا وفاته أناس، لكنه جمع فيه قدرا كبيرا ممن قال فيه الأئمة: إنه يضع الحديث، الأئمة -رحمهم الله تعالى- حكموا على الرواة كما هو في علم الجرح والتعديل، وممن حكموا عليهم ونقبوا عنهم -كما قال ابن كثير- هؤلاء الوضاعون الذين ذكر ابن كثير أصنافهم. وذكر ابن كثير أن الوضع قد يعرف بأمور غير أن يكون في إسناده وضاع، مثل: ركاكة اللفظ، وفساد المعنى، المجازفة الفاحشة في ثواب أو عقاب، أو في أمر من الأمور، في منقبة ورد في المناقب، في مناقب أبي حنيفة، وفي مناقب الشافعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 يعني: ورد أحاديث في مناقب هؤلاء -رضوان الله عليهم- من بعض الجهلة نعم، وورد كذلك في فضائل البلدان وفي فضائل الأئمة، وورد في الترغيب والترهيب حتى يمكن أن يقال: يعني ... إذا ضممت إلى الوضع ما يرويه الرافضة الشيعة، فإن أيها أكثر الموضوع أو غير الموضوع؟ الموضوع، إذا ضممت ما رواه هؤلاء. يقول: المخالفة لما ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة، ألف ابن القيم -رحمه الله تعالى- كتابا سماه: "المنار المنيف في الصحيح والضعيف"، جمع فيه بعض القواعد التي يمكن للناظر المتمرس في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحكم على الحديث بمجرد أن يقرأ متنه بدون النظر في أي شيء؟ بدون النظر في الإسناد. وذكر أمثلة بعضها يعني … ذكر عددا من الضوابط منها مثلا: إذا كان سنة كذا وكذا يعني: الإخبار عن المغيبات، هذه قاعدة أنه في الغالب أنه موضوع، إذا كان سنة كذا سيحدث كذا. ومنها المبالغة في الثواب والعقاب مبالغة كبيرة؛ لأنه هو سئل -رحمه الله- عن حديث السوق المعروف، وعن حديث: ? صلاة بسواك أفضل من صلاة بسبعين سواك ?؛ لأن من العلماء من يقوي هذين الحديثين، تكلم عليهما ثم عرج على سؤال وهو أنه: هل يمكن الحكم على حديث بالوضع بدون النظر في إسناده؟ فذكر عددا من الضوابط يعني: يحسن لطالب العلم أن يقرأها؛ لكي إذا مر عليه حديث قد يستطيع أن يكشفه بسرعة، هل هو صحيح أو موضوع. ذكر ابن كثير حكم رواية الموضوع يقول: إن العلماء -رحمهم الله تعالى- قالوا: لا تجوز روايته لأحد من الناس إلا على سبيل القدح فيه؛ ليحذره من يغتر به من الجهلة والعوام والرعاع. هذا الكلام صحيح وهو: أنه لا يجوز رواية الموضوع إلا مع بيان وضعه، ولكن مع الأسف لم يلتزم بهذا الحكم، لم يلتزم بهذا الحكم حتى من قبل بعض المؤلفين، ولعلهم -يعني- اتكئوا على أن من أسند فقد أحال، يعني: من ذكر الإسناد فقد أحالك على كشف حال الحديث، أحالك على أي شيء؟ على النظر في إسناده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 ولما ذكر الذهبي -رحمه الله تعالى- ما جرى بين أبي نعيم وبين ابن منده من الاختلاف جرى بينهما شيء من الاختلاف، قال: لا أعرف لهما ذنبا أعظم من ذكرهما للأحاديث الموضوعة ساكتين عليها. تسمَّح كثير من الأئمة وبعض الأئمة -يعني- في القرن الرابع والخامس برواية أو بتأليف كتب في الترغيب والترهيب والفضائل، وذكر أحاديث مع السكوت عليها. وأيضا كذلك في التفسير -نحن كما نعرف- انتصب للتأليف في التفسير جماعة بعيدون أحيانا بعيدون جدا عن الحديث مثل: الزمخشري والثعالبي هؤلاء -رحمهم الله تعالى- صاروا يذكرون في التفسير أحاديث موضوعة دون بيان وضعها، ومنهم من فرق الحديث الموضوع حديث فضائل السور، من قرأ سورة كذا ... يذكر في كل سورة ما يناسبها. هذا الحديث مشى على سور القرآن من أوله إلى آخره، ووضع لكل سورة فضيلة، يعني: هم عقول -رحمهم الله- لكن استغلوها في الباطل، وذكر ابن كثير أصنافهم، فالمقصود من هذا أشرت في أول الدروس إلى فضل ابن كثير -رحمه الله تعالى-، وأثر علم الحديث عليه في تأليفه لكتابه تفسير القرآن، حيث قام بتنقيحه تنقيح التفسير. ذكر ابن كثير أقسام الوضاعين: ذكر منهم الزنادقة، وهؤلاء لا إشكال فيهم، ويعني من أشهرهم شخص يقال له: محمد بن سعيد المصلوب هذا الذي مر بنا أنه غيروا اسمه على أنواع كثيرة يقولون: إنه صلب على الزندقة، وقد وضع أحاديث كثيرة ولكن العلماء -رحمهم الله- تنبهوا له. ومنهم متعبدون: هم أصناف لكن ذكر ابن كثير أخطر صنفين ذكر الزنادقة؛ لأنهم أكثروا من الوضع شينا للإسلام ولأهله، ويذكرون أحاديث -يعني- في معانيها -يعني- بُعد وللتنفير كما يقولون عن الإٍسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 والنوع الثاني: وهو خطر جدا أيضا، وهم الصالحون هؤلاء المنتسبون للخير وللعبادة، ويضعونها حسبة، فيه أحد الوضاعين تقول جاريته: مولاي يسهر الليل كله يصلي، وفي النهار أو كذا يضع الحديث أو تقول، يعني: فكان بعضهم يحيي الليل كله، وبعضهم، كان غلام خليل، وهذا معروف في بغداد يعني: يتقوت يقتات الباقلا من زهده وورعه، ويجتمع عليه الناس للوعظ، ولكنه مع ذلك لا يفقه الحديث هو أصلا، وإنما هو -يعني- يورد للترغيب والترهيب، ويرويها بالأسانيد لا يعرف الحديث، كثير منهم لا يعرف الحديث، ولكن يعني: هذه هي العبادة في جهل يفعلون ما هو محرم شرعا، ويظنونه قربة. لما وضع هذا الواضع حديث فضائل القرآن قيل له لم وضعته؟ قال: رأيت الناس انشغلوا بمغازي ابن إسحاق وبفقه أبي حنيفة، وتركوا القرآن، فأردت أن أرغبهم فيه. ويعني هذا: هو الذي وصفه ابن كثير بالجهل. بالمناسبة هو الآن يقول: إن طائفة من الكرامية، هذه الكرامية معروفون -يعني- عندهم غلو في الإثبات، لكنهم طائفة متأخرون قليلا -يعني- نسبة الوضع إليهم -يعني- بأنهم ينقل عنهم أنهم استجازوه، وأما الوضع، وأكثر الأحاديث، فقد وضعت قبل وجود الكرامية، وقبل وجود إمامهم المعروف محمد بن كرام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 ذكر ابن كثير بعض القضايا مثل قول بعض الوضاعين نكذب له، وانتقد هذه العبارة: نكذب، يقولون نكذب للنبي - صلى الله عليه وسلم-لا نكذب عليه، وهذا الكلام -يعني- رده ابن كثير -رحمه الله- يقول: إن هذا جهل وقلة عقل، ويعني افتراء عليه - صلى الله عليه وسلم-فإنه معناه يؤول في الحقيقة إلى أن شريعته غير كاملة، وأنهم يسددون ما فيها من نقص، ثم ذكر ابن كثير -رحمه الله- أن أبا الفرج ابن الجوزي نعم ألف كتابا في الموضوعات، وهو من أوائل ما ألف أو من أول ما ألف أو أو أول ما ألف تحت هذا الاسم، الذي هو الموضوعات، وإن كان هو في أي قرن هو؟ في القرن الخامس عاش من أوله إلى آخره تقريبا؛ لأن ولادته بعد الخمسمائة بقليل بعشر سنوات، وعاش إلى نهاية القرن السادس -يعني- بعد الخمسمائة ولد، يعني في القرن السادس هو عاش. إذن هو يعتمد على كلامه أو كلام غيره؟ يعتمد في الغالب على كلام غيره على كلام الأئمة، ولكنه هو -رحمه الله- جمع هذه، يقول ابن كثير: كتابه منتقد من جهتين: الجهة الأولى: أنه بقي عليه شيء كثير، وهذا كما قاله ابن كثير، وألف بعض العلماء، ألف السيوطي ذيل الموضوعات تكميلا لهذا. يقولون: إنه قد بقي عليه -يعني- يمكن مثل ما ذكر أو أكثر. والانتقاد الثاني: وهو أكثر ما وجه إلى ابن الجوزي أنه أدخل أحاديث لا تصل إلى درجة الوضع، وهذا الذي قالوه صحيح -يعني- فيه أحاديث قد لا يحكم عليها بالوضع، لكن ننتبه في نظري، ويمكن مراجعة كتاب "الفوائد المجموعة" وتعليقات الشيخ عبد الرحمن المعلم عليه في نظري أن أكثر ما انتقد على ابن الجوزي الصواب فيه مع من؟ مع ابن الجوزي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 الصواب فيه مع ابن الجوزي؛ لأن المنتقدين لابن الجوزي ساروا على منهج، وهو أنهم لكي يحكموا على الحديث بالوضع يطلبون أن يكون في إسناده وضاع، أما ابن الجوزي، فقد وسع الدائرة وطبق ما ذكره ابن كثير هنا أنه قد يحكم على الحديث بالوضع، وإن لم يكن في إسناده وضاع بقرائن، وهذا كثير مما انتقد على ابن الجوزي هو بهذه المناسبة، ويمكن معرفة ذلك بمراجعة مثلا تعليقات المعلم -رحمه الله- ما تركها هو في أحكامه كثير ما ينتصر لابن الجوزي، لا يريد الانتصار لابن الجوزي، لكنه يريد أن يبين أن الحديث موضوع رغم اعتراضهم على ابن الجوزي. ثم بعضهم يعترض فيقول: ليس بموضوع، ولكنه واهٍ -يعني- شديد الضعف جدا والتمييز بين الواهي وبين؛ لأن ابن الجوزي -رحمه الله- ألف كتابا سماه "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" يعني: جمع فيه ما ليس بموضوع، وإن كان شديد الضعف، فبعض أحاديث كتاب الموضوعات يقولون: حقها أن تنقل إلى الكتاب الآخر، والخطب يسير لقرب الدرجة بين الواهي وبين الموضوع. فالمقصود ينتبه لهذا الشيء؛ لأنه كثيرا ما يتداول أن ابن الجوزي أسرف في الحكم على … نعم هو في بعض الأحاديث أسرف حتى ذكر حديثا من صحيح مسلم، ولكنه في غالب أحكامه -رحمه الله- مصيب فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 ذكر ابن كثير مسألة ما نعرج عليها، هو قال -رحمه الله- هذا القول والاستدلال عليه، والجواب عنه من أضعف الأشياء عند أئمة الحديث؛ لأنه حكى عن بعض المتكلمين أن الوضع لم يقع بالكلية -يعني- ليس هناك أحاديث موضوعة أصلا، وإقحام -ذكرت أكثر من مناسبة- أن إقحام آراء المتكلمين، بل وغير المحدثين في كتب المصطلح -يعني- وسع كتب المصطلح ووسع من دائرة الخلاف، وربما تكون هذه الأقوال منقولة ليست لأحد من أئمة الحديث، فالآن النقل عن من هذا؟ نقله ابن كثير يرد عليه. نعم لكن كان الأولى ذكره أو إغفاله؟ كان الأولى إغفاله. نعم. لأن الكتاب مختصر أصلا قد يذكر في كتاب مطول، ولكن هذا الكتاب مختصر وابن كثير -رحمه الله- قال: إن ذكر هذا الشيء، وهذا القول والاستدلال عليه والجواب عنه من أضعف الأشياء. نعم تقرأ النوع الذي بعده المقلوب نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 النوع الثاني والعشرون: المقلوب أقسامه النوع الثاني والعشرون: المقلوب، وقد يكون في الإسناد كله أو بعضه، فالأول كما ركب مهرة محدثي بغداد للبخاري حين قدم عليهم إسناد هذا الحديث على متن حديث آخر، وركبوا متن هذه الحديث على إسناد آخر وقلبوا مثاله: ما هو من حديث سالم عن نافع وما هو من حديث نافع عن سالم، وهو من القبيل الثاني وصنعوا ذلك في نحو مائة حديث أو أزيد، فلما قرؤوها عليه رد كل حديث إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، ولم يرجع عليه موضع واحد مما قلبوه وركبوه، فعظم عندهم جدا وعرفوا منزلته من هذا الشأن، فرحمه الله، وأدخله الجنان. نعم هذا النوع الثاني والعشرون: المقلوب، قال ابن كثير -رحمه الله- لم يعرّفه ابن كثير قال: قد يكون في الإسناد كله، أو بعضه، ومعنى كونه مقلوبا هم يقسمون القلب بحسب مكانه إلى قسمين: قلب في الإسناد، وقلب في المتن. القلب في الإسناد -يعني- خلاصته أشهر أنواع القلب في الإسناد إبدال راوٍ أو أكثر مكان آخر، ومن قصة البخاري التي ذكرها ابن كثير يعرف معنى القلب -يعني- مثلا حديث يروى عن نافع عن ابن عمر يأتي شخص، فيرويه عن سالم عن ابن عمر، وقد ينقلب الإسناد كله قد يكون مثلا عن نافع عن ابن عمر، فيقلب مثلا عن نافع عن أبي هريرة مثلا أو عن صحابي آخر -يعني- ينقلب الإسناد كله على الراوي. قد يكون القلب في راوٍ واحد، وقد يكون في أكثر من راوٍ، وقد تنقلب أحاديث كثيرة، جملة أحاديث على راوٍ، وقد ينقلب عليه حديث واحد -يعني- مثلا يذكرون ذكر الإمام أحمد -رحمه الله- أن عبد العزيز الدراوردي أحد أئمة الحديث في المدينة، يروي أحاديث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، فقال الإمام أحمد: إن هذه الأحاديث التي يرويها عن عبيد الله هي أصلا أحاديث عبد الله بن عمر أخي عبيد الله. عبيد الله هذا من كبار الأئمة ثقة ثبت، وأما عبد الله أخوه، فهو فيه ضعف أو ضعيف من قبل حفظه -رحمه الله- فانقلبت أحاديث عبد الله جعل الدراوردي يرويها عمن؟ يرويها عن عبيد الله بن عمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 لو كانت عن عبيد الله بن عمر لكانت من أصح الأسانيد، ولكنها قال العلماء: قال أحمد: وكذلك أشار النسائي إلى أنها هذه كلمة أحمد انقلبت عليه، فهذا هو القلب أن يبدل راوِ براوٍ آخر وقد يبدل أكثر من راو، هذا يسمونه القلب في الإسناد، وهو بحسب تارة يكون يلتحق بالنوع الذي قبله، وهو الوضع متى يلتحق بالوضع إذا فعله الراوي متعمدا يلحقونه يقولون: فلان يركب الأسانيد، أو يضع الأسانيد -يعني- المتن موجود، ولكنه وضع له إسنادا جديدا ليرغب فيه، أو ليقصد فيه، أو ليروى عنه، وهذا له أمثلة كثيرة سيأتي معنا ربما يأتي في بعض الأنواع ما هو من … مثلا دخل جرير ابن حازم -انتبه لهذا هذا من القلب -يعني- خطأ- دخل جرير بن حازم على ثابت البناني، وكان الطلبة في مجلس ثابت، ومن بينهم شخص اسمه حجاج الصواف، ففي مجلس ثابت هذا حدث حجاج، حدث عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أبي قتادة -رضى الله عنه- الحديث، حدث عنه الحديث المعروف: ? إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني ?. جرير بن حازم بعد خروجهم من المجلس صار يحدث بالحديث عن ثابت البناني عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم-يقول: العلماء عن هذا الحديث إنه انقلب عليه إسناده انقلب على من؟ على جرير، وكان من بين الحضور حماد بن زيد، وهو فوق جرير ابن حازم -يعني- ثقة ثبت من الرواة الذين يقولون: إن غلطهم نادر جدا يقول، وهم أبو النضر. أبو النضر من هو؟ جرير. إنما كنا في مجلس ثابت، فحدث حجاج بكذا، فظن جرير بعدما خرج توهم، أن الذي حدثه أو الذي حدث في المجلس من هو؟ ثابت عن أنس -رضى الله عنه- فهذا الإسناد انقلب إذا على جرير بن حازم يمثلون بهذا المثال، وله أمثلة كثيرة هذا القلب في الإسناد، وكما ذكرت قد تنقلب جملة من الأحاديث، وقد ينقلب إسناد واحد أو إسناد حديث واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 بالنسبة لقصة البخاري -رحمه الله- مع أهل بغداد هذه مشهورة أرادوا أن يختبروه، وبعضهم -يعني- لكن نعم هي مشهورة جمعوا له، أعطوه عشرة أحاديث وقرؤوها عليه -يعني- فيقول: لا أعرفها، ثم أعطوه عشرة أحاديث، يقول: لا أعرفها والعشرة الأخرى، يقول: لا أعرفها، فيعني ظنوا أن -يعني- في حفظه شيء أو كذا أو أنه -يعني- غير واسع الاطلاع، فيعني: هو متنبه لا يعرفها على صورتها التي أعطوه إياها، فأعادها كلها، وأعاد كل إسناد إلى متنه، فأذعنوا له بالحفظ كما ذكر ابن كثير -رحمه الله - ويسمى هذا القلب للامتحان، يسمونه القلب بغرض الامتحان. كثير ما يمتحنون الرواة إما بإدخال أحاديث عليهم يسمونه التلقين، يدخلون عليه ما ليس من حديثه، فإن أقر به وسكت ولم ينتبه قالوا هذا يقبل التلقين، ودل على ضعفه، وإن أبى، فهذا يدل على ضبطه، وفيه قصة مشهورة ليحيى بن معين مع شيخه أبي نعيم الفضل بن دكين، قلب عليه لكنه -يعني- يقلب بدقة، صار يعطيه عشرة أحاديث تسعة منها على الصواب والعاشر مقلوب -يعني- ليست من حديثه -يعني- غير في إسناده فقال: هذا ليس من حديثي ثم في العشرة الثانية، أدخل عليه حديثا، وفي الثالثة أدخل عليه حديثا، فلما تكرر الموضوع عرف الفضل أنه أن يحيى بن معين يختبره، فيعني ضربه أو رفسه. وكان معه أحمد بن حنبل مع يحيى بن معين، وكان قد نصح أول قال: ليحيى بن معين، قال: لا تختبره؛ فإن الشيخ ثبت فأبى يحيى بن معين إلا أن يختبره المهم أن هذا من القلب الذي يسمونه قلب بغرض الامتحان، وكان شعبة يفعله يختبر الراوي، ينظر هل هو ثبت أو يعني … وهذه طريقة من الطرق التي توصلوا بها إلى درجات الرواة الذي هو الاختبار المباشر يوجه له بعض الأحاديث، يوجه له أسئلة يوجه له أشياء مباشرة يختبر بها ضبط الراوي. ويقول ابن حجر -رحمه الله-: إن هذا أصل القلب لا يجوز تعمدا يجوز للامتحان، لكن ينبغي -يعني- أن ينبه عليه في وقته، لكن هذا مضى فعله، رحمهم الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 ونعم لا يجوز القلب تعمدا، ولكن مصلحة القلب هنا راجحة؛ لأنها -يعني- وسيلة من وسائل اختبار ضبط الرواة، وكم من راوِ سقط في هذا الامتحان، وكم من راوِ نجح في هذا الامتحان يعني، وهذا نحن الآن وقفنا على التعقيب على ما مضى نؤجله للغد إن شاء الله تعالى. التعقيب على أنواع الحديث الضعيفة، هذه التي ذكرها ابن كثير في التعقيب عليها على الحديث الضعيف بصفة عامة. أولا: يا إخوان -يعني- قبل أن نبدأ في الأسئلة ابتداء من الغد -إن شاء الله- سيكون درس الشيخ إبراهيم اللاحم بعد صلاة الفجر مباشرة. -الغد أو بعد الغد؟ -الغد إن شاء الله؛ لأن الشيخ وقف اليوم الشيخ عبد المحسن -يعني- سيقف ولن يكمل باقي الدورة؛ لأنه انتهى من باب العبادات، وسيبدأ -إن شاء الله- العام القادم في المعاملات، وابتداء من الغد سيكون درس الشيخ إبراهيم اللاحم بعد صلاة الفجر مباشرة، ولعل في هذا -إن شاء الله- وقت متسع لكي ينتهي المتن إن شاء الله تعالى. س: هذا يقول: فضيلة الشيخ أليس المدرج، هو نفسه زيادة الثقة، وجزاكم الله خيرا؟ ج: كما ذكرت المدرج له صلة كبيرة بزيادة الثقة، لكن بينهما فروق يسيرة، ولكن مرجعه إلى كونه زيادة ثقة بينهما فرق من جهة أنها زيادة عرفنا من أين جاءت، وإلا فهي زيادة ثقة، والحكم بالإدراج إذا حكمت بالإدراج، فمعناه أنك رددت هذه الزيادة، وإذا حكمت بعدم الإدراج، فمعناه أنك قبلت هذه الزيادة، فبينهما تداخل، أو بينهما ترابط نعم. أحسن الله إليكم. س: يقول: الحديث الذي ذكرتم "صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بدون سواك" ما هي درجته وجزاكم الله خيرا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 ج: هذا درجته ضعيف جدا يقرب من الموضوع، ضعيف جدا؛ لأنه مما دلسه محمد بن إسحاق، ونحن نعرف أن محمد بن إسحاق ضعيف التدليس إذا دلس، فإنما يدلس عن متروكين -يعني- يدلس عن متروكين، وعن صعفاء، وقد يدلس عن ثقات، لكن ما دام يدلس عن متروكين، وانضم إلى ذلك. هو أخرجه الحاكم وصححه لكن العلماء -يعني- على أنه شديد الضعف. نعم. أحسن الله إليكم. س: يقول: ما حكم من فسَّق وربما كفَّر الوضاعين للحديث، ويحتج بحديث من كذب عليّ متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار؟ ج: أما -يعني- تفسيق الوضاع بصفة عامة، وكما ذكر ابن كثير وصفهم ببعض الأوصاف منها الجهل، ومنها قلة العقل، ومنها الافتراء، ومنها، فهذا قد يكون لا بأس به أما أن تفسق شخصا بعينه، أو أن -يعني- تكفر شخصا بعينه فتقول: هذا الراوي كذا وكذا، فهذا -يعني- لا يجوز، والحكم على المعين يختلف عن الحكم على القول، وعلى مطلق من فعله، هذا أمر معروف -يعني- الحكم على المعين يختلف عن الحكم على مطلق من فعل المذهب أو على القول نفسه. نعم. أحسن الله إليكم. س: يقول ما صحة الحديث الذي يذكر فضل سورة يس بأن من قرأها كان كمن قرأ القرآن عشر مرات. وجزاكم الله خيرا؟ ج: لا يصح هذا الحديث الذي ذكره الأخ. نعم. س: وهذا سؤال في الشبكة يقول: ما هي الأحاديث التي أخذت على الإمام مسلم وجزاكم الله خيرا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 ج: معروف هذا الأمر أن الأخذ على مسلم أو على البخاري، مر بنا قضية الانتقاد أحاديث -يعني- لا أستطيع ذكرها الآن أحاديث منها أحاديث -يعني- جملة يعني الحديث كله ومنها أيضا من زيادات الثقات، ومن الإدراج وبعض هذه الأحاديث الإمام مسلم -رحمه الله- قد بين علة هذه الأحاديث وبعضها، أو كثير منها بعضها الصواب فيه مع مسلم، وبعضها الانتقاد موجه إلى الإسناد، وأما المتن، فهو صحيح ثابت، فمثل هذا -يعني- يحتاج إلى كلام طويل، ويصفو مما قد ينتقد انتقادا صحيحا، على متنه شيء قليل، والكثير منه أيضا، أو بعض هذا القليل، قد بين مسلم رحمه الله -يعني- علة على هذا المتن. أحسن الله إليكم، وأثابكم، ونفعنا بعلمكم وجعل ما قلتم في ميزان حسناتكم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله، وأصحابه أجمعين. لا يلزم من الحكم بضعف سند الحديث الحكم بضعفه بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين نعم، تفضل يا شيخ: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين قال -رحمه الله تعالى -: وقد نبه الشيخ أبو عمرو ها هنا على أنه لا يلزم من الحكم بضعف سند الحديث المعير الحكم بضعفه في نفسه، إذا قد يكون له إسناد آخر إلا أن ينص إمام على أنه لا يروي إلا من هذا الوجه. قلت: يكفي في المناظرة تضعيف الطريقة التي أبداها المناظر، وينقطع إذ الأصل عدم ما سواها حتى يثبت بطرق أخرى والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 قال: ويجوز رواية ما عدا الموضوع في باب الترغيب والترهيب والقصص والمواعظ، ونحو ذلك إلا في صفات الله - عز وجل - وفي باب الحلال والحرام، قال: وممن يرخص في رواية الضعيف فيما ذكرنا ابن مهدي، وأحمد بن حنبل -رحمهما الله- قال: وإذا عزوته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-من غير إسناد، فلا تقل قال - صلى الله عليه وسلم-كذا وكذا وما أشبه ذلك من الألفاظ الجازمة، بل بصيغة التمريض وكذا فيما يشك في صحته أيضا نعم. هذا الكلام ختم به ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- ولخصه ابن كثير، ختم به أو عقب به على بعض الأنواع، أنواع الحديث الضعيف مثل الشاذ والمنكر والمقلوب وغيرها، وذكر فيه ثلاثة أمور: الأمر الأول: أننا إذا ضعف الناقد إسنادا لحديث، فإنه من الأحوط أن يعبر عن ضعف هذا الإسناد بعينه لا ضعف المتن كله لاحتمال أن يكون للمتن إسناد آخر صحيح، كما عرفنا من قبل أن الحديث قد يكون مرويا بإسناد موضوع، أو بإسناد ضعيف جدا، أو بإسناد ضعيف، ويكون مرويا متنه من طرق صحيحة فلا تلازم، لا تلازم بين الإسناد والمتن هذا مر بنا من قبل في الحديث الصحيح، أنه لا تلازم بين صحة المتن وبين حال الإسناد؛ ولهذا يقول الأئمة أحيانا يقول الأئمة: هذا الحديث باطل بهذا الإسناد؛ ولهذا ننبه إلى يعني مراعاة سياق كلام الأئمة عند كلامهم عن الأسانيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وفي كتب العلل ربما يصحح الإمام جزءا من الإسناد -يعني- به صحيح إلى فلان مثلا، أو أن الصحيح عن فلان هو كذا، فهذا يختلف عن أن يصحح الإسناد كله، ويختلف عن أن يصحح المتن كله، وكذلك في التضعيف أيضا يراعى سياق كلام الأئمة، فيحتمل أن يكون الإمام يضعف هذا الإسناد، أو يحكم ببطلان هذا الإسناد، وهذا نحتاجه في أمرين في فهم كلام الأئمة وفي أحكامنا نحن على الأحاديث، لكن يقولون: يجوز الحكم على المتن بناء على الحكم على الإسناد، على تضعيف الإسناد في حال ما إذا ما قال إمام: لا يعرف هذا المتن إلا من هذا الوجه، فمعناه أنه لما ضعف الإسناد حينئذ يلزم منه ضعف المتن. في هذه الحالة نعم يجوز تضعيف المتن بناء على تضعيف هذا الإسناد الذي أمامك. يقول بعض الباحثين: إنه يقوم مقام نص الإمام أن تقوم أنت بالبحث وتتعب، وهذا له حظ من النظر بأن تقف على متن حديث في إسناد عند ابن جرير، أو عند الطبراني، أو عند أبي نعيم، أو عند الديلمي، أو عند الخطيب ثم لا تجد له إلا هذا الإسناد، وتبحث، وتتعب، ولا سيما الآن بعد نشر الكتب، نشر كثير من الكتب ووجود فهارس، ففي هذه الحال يظهر -والله أعلم- أنه يحكم على المتن من خلال الحكم على الإسناد. يظهر -والله أعلم- هذا ابن كثير -رحمه الله- عرج على قضية المناظرة، موضوع المناظرة، هذا موضوع يختلف تماما … له أحكام، موضوع المناظرة له أحكام خاصة به، ويمكن بعضكم قرأ بعض كتب الجدل وكتب المناظرة لها أحكام تخصها، يقول ابن كثير -رحمه الله-: إنك في حال المناظرة يختلف حالك عن حال إعطاء حكم للقارئ؛ فإن المناظر إذا أورد عليك حديثا بإسناد لك أن تضعف هذا الإسناد، وحينئذ ينتقل الحال أو الأمر إلى خصمك، فيلزمه إيراد إسناد بديل، وإلا، فقد سلم بتضعيفك لهذا الإسناد هذا معنى ابن كثير في السطرين: "قلت: يكفي في المناظرة تضعيف هذا الطريق التي أبداها المناظر." رواية الحديث الضعيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 القضية الثانية: التي بحثها ابن كثير أو ابن الصلاح مسألة رواية الحديث الضعيف، وذكر عن الأئمة أن عمل الأئمة على أنه يجوز رواية الحديث الضعيف، عدا الموضوع منه في الترغيب والترهيب والقصص والمواعظ، ونحو ذلك إلا في صفات الله - عز وجل - وفي باب الحلال والحرام، نعم هذا الذي يظهر من عمل الأئمة أنهم تجوزوا في رواية الحديث الضعيف، لكن تجوزوا مع ذكر إسناده. لا بد أن ننتبه لهذا، وهو أنه مع ذكر الإسناد … وعندهم -يعني- عرف يقولون من أسند لك، فقد أحالك -يعني- أحالك في معرفة حال هذا الحديث على ما ذكره من إسناده، وتجوزوا أصلا؛ لأن هذه الأمور لا ينبني عليها عمل إما صحابي مثلا ثبتت فضيلته، فيروى في فضله حديث فيه ضعف أو ضعيف، وكذلك حكم شرعي يُرَّغَب به، وهو ثابت، هذا الحكم أصله ثابت بأدلة -يعني- قوية، وأضيف إلى ما ذكره أن بعض الأئمة تجوز أيضا حتى في إيراد الضعيف في صفات الله وفي الحلال والحرام أيضا، تجوزوا في هذا أيضا -يعني- لم يلتزم هذا بدقة، فليس معنى كلامهم هذا أنه ليس هناك حديث في الحلال والحرام رووه، إلا وهو صحيح، تجوزوا أحيانا بأن الحديث الضعيف ربما يستدل به في الحلال والحرام إذا عضده كما مر بنا أكثر من مرة إذا لم يكن ضعفه شديدا. أما بعض الأئمة ربما يستأنس به، وسيأتي من كلام ابن كثير شيء من هذا، ونقل عن ابن مهدي، وأحمد بن حنبل -رحمهم الله- أو نسب هذا إلى أحمد بن حنبل الذي هو التسامح في رواية ما عدا الموضوع في غير الحلال والحرام وفي غير صفات الله، فقد نقل عنهما -رحمهما الله- أنهما كانا يقولون: إذا جاء الحلال والحرام شددنا، وإذا جاء الترغيب والترهيب تسامحنا، ويقولون: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 عن فلان، كثير ما يقول الأئمة عن فلان يُقبل في الرقائق، يقبل في الترغيب والترهيب يقبل في غير الأحكام، حتى قالوا في بعض الرواة -يعني- ليسوا بضعفاء قاله أحمد في محمد بن إسحاق، وكثير هذا في كلام الأئمة في الجرح والتعديل أن ينصوا على أنه يقبل في كذا ولا يقبل في كذا. عدم رواية الحديث الضعيف بصيغة الجزم القضية الأخيرة: إذا عزوت حديثا بلا إسناد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا الحديث ضعيف اصطلحوا على ألا تورده بصيغة الجزم، فلا تقول: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما تقول روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم-أو يذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم-كذا وكذا وكذلك لم يذكر ابن كثير أنك إذا رويت حديثا صحيحا، أو ذكرت حديثا صحيحا، فالأحسن بل المتعين عليك ألا تورده بصيغة التشكيك؛ لئلا يظن القارئ، وقد رأيت كثيرا من طلبة العلم في البحوث لا يراعون القضية الأخيرة هذه كثير ما يوردون: والدليل ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم-والدليل كذا -يعني- ما يذكر عن فلان، وتجد هنا الحديث ربما أو كثيرا ما تجده في الصحيحين. والأولى الالتزام بالألفاظ العلمية عند أهل كل فن، فإذا قالوا: قال رسول الله كذا، فهذا جزم بصحته، وإذا قالوا: يذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم-أو يروى، فهذه التي يسمونها صيغ التمريض. في عندنا النوع الثالث والعشرون: معرفة من تقبل روايته ومن لا تقبل وبيان الجرح والتعديل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 هذا موضوع واسع جدا ومتشعب ذكر منه ابن الصلاح -يعني- أدخل، ذكر منه مسائل كثيرة، وبقي فيه مسائل أيضا، وأدخلها كلها تحت هذا النوع سنأخذها على عجل سنمر بها على عجل؛ لأن هذه مسائل تتعلق بعلم الجرح والتعديل، وبالأمور التطبيقية -يعني- الممارسة فيها، تحتاج إلى ممارسة تحتاج أكثر مما تحتاج إلى … يحتاجها من يريد أن يمارس التطبيق العملي لدراسة السنة، وهي تتضح بالممارسة، ولكن -يعني- ذكروها نقرؤها الآن، وأعلق عليها بما يتيسر. نعم. تفضل. النوع الثالث والعشرون: معرفة من تقبل روايته ومن لا تقبل وبيان الجرح والتعديل معرفة من تقبل روايته وبما تثبت عدالة الراوي المقبول: الثقة الضابط لما يرويه، وهو المسلم العاقل البالغ سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة، وأن يكون مع ذلك متيقظا غير مغفل حافظا إن حدث من حفظه فاهما إن حدث عن المعنى، فإن اختل شرط مما ذكرنا وثبتت عدالة الراوي باشتهاره بالخير والثناء الجميل عليه أو بتعديل الأئمة أو باثنين منهم له أو واحد على الصحيح، ولو بروايته عنه في قول قال ابن الصلاح وتوسع ابن عبد البر فقال: كل حامل علم معروف العناية به، فهو عدل محمول أمره على العدالة حتى يتبين جرحه؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ? يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ? قال: وفيما قال اتساع غير مرض، والله أعلم. قلت: لو صح كما ذكره من الحديث لكان ما ذهب إليه قويا، ولكن في صحته نظر قوي، والأغلب عدم صحته والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 نعم. هذا كلام يتعلق بالشرط الأول من شروط الحديث الصحيح، أو بالشرطين الأولين من شروط الحديث الصحيح، وهما العدالة والضبط، فأولا عرف ابن كثير أول ما تكلم في أول كلامه عرف الراوي المقبول، من هو الراوي المقبول الذي مر في الحديث الصحيح؟ يقول: المقبول هو الثقة الضابط لما يرويه، وهذا هو ملخص كل ما سيأتي، وما سيأتي فروع عليه، وما سيأتي مفرع على هاتين الكلمتين: من هو الذي تقبل روايته أو الذي يسمى حديثه صحيحا هذا هو بهاتين الكلمتين: الثقة الضابط لما يرويه هذا باختصار. سيشرح الآن ابن كثير هذه الكلمة، وكيف نتحقق منها، وما يتعلق بأمور أخرى، فذكر من هو الثقة الضابط، فقال: هو المسلم البالغ العاقل السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة هذا فيما يتعلق بعدالته في نفسه، وهذا لا بد من هذه الشروط لكي يضمن، أو يؤمن جانب التعدي المتعمد في الحديث بالزيادة أو بالنقص، فكل هذه الأمور المذكورة، أو الشروط المذكورة راجعة للعدالة، واشترطها المحدثون -رحمهم الله تعالى- صيانة لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم-ولا تأتي هكذا عنهم لم يأت -يعني- يذكرون هذه الشروط على التحديد، ولكنها مأخوذة من مجموع كلامهم، فيتكلمون في الراوي إذا كان معروفا بشيء من الفسق، يتكلمون فيه إذا كان معروفا ببعض خوارم المروءة، فربما يقول: بعض الأئمة يقولون: يأتيك كلام في بعض الرواة كان يلعب به المجان مثلا -يعني- أنه كان يضحك به بعض الصبيان، أو بعض الذين يحبون المزاح -يعني- أنه فيه بعض خوارم المروءة يقص في حديثه وغرضه من القصص الحصول على المال، هذا اعتبروه من خوارم المروءة وكل هذا احتياط يخافون، أو يستدلون ببعض أعمال الراوي على أنه قد يتزيد في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم-لا يؤمن جانبه في هذا الشأن، فاحتاطوا -رحمهم الله تعالى- للرواية احتياطا كبيرا، واشترطوا في الراوي هذه الشروط التي ذكرها ابن كثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وذكر بعد ذلك ما يتعلق بالضبط قال: " وأن يكون مع ذلك متيقظا غير مغفل حافظا إن حدث من حفظه فاهما إن حدث عن المعنى" يضاف إلى ذلك حافظا لكتابه ذكره الشافعي وغيره أيضا: حافظا لكتابه إن حدث من كتابه، فيشترط فيه أن يكون متيقظا يؤمن عليه الغلط هذا في جانب الضبط -يعني- لا يكفي أن يكون صالحا في نفسه، ولهم بكلمات كثيرة جدا في عدم كفاية الصلاح؛ لأن الصالح في نفسه صالح له أو لغيره هو الآن؟ هو صالح لنفسه نعم أمنا منه جانب الكذب، ولكن يبقى جانب الغلط. فالغلط يعين لا يكفي فيه الصلاح، بل لا بد من التيقظ، وأن يكون حافظا لحديثه؛ ولهذا متى اشتغل الصالح بصلاحه وعبادته عن مراجعة حفظه والمذاكرة والاعتناء بكتبه عن التزوير -يعني- قد يكون صالح، ولكن فيه تغفيل، فربما أُدخل في كتابه ما ليس منه، وهذا كثير في الرواة يكون له ابن يكون له وراق سيئ يكون له مثلا من يطلب الحديث معه، ويدخل الحديث عليه لا بد من هذا -يعني- لا بد من ضبط الكتاب، وهذه أمور -يعني- إذا تتبعتها في كلام الأئمة في الرواة تجد عجبا من دقتهم في -يعني- موضوع التلقين هذا الذي عبر عنه ابن كثير أن يكون متيقظا غير مغفل، موضوع التلقين هذا نسميه التلقين -يعني- المهم هذا موضوع التلقين موضوع كبير. وقد مر بنا بالأمس شيء منه في موضوع القلب واختبار الراوي بهذه الطريقة موضوع التلقين هذا، يمكن أن يكتب فيه رسائل من جهة أنواعه ومن وقع فيه ومن سلم منه، فالمهم أن هذه الشروط كذلك بالنسبة لحفظ الكتاب ما ذكره ابن كثير، وهو داخل في قوله "حافظا إن حدث من حفظه فاهما إن حدث عن المعنى". يضاف إليه أيضا شرط اشترطه العلماء أنه إن كان يحدث من كتابه فلا بد أن يكون حافظا لكتابه، بل لا بد أن يكون حافظا لكتابه، وإن حدث من حفظه بأنه حتى، وإن كان يحدث من حفظه يحتاج إلى مراجعة كتابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 القضية التي بعد هذا يتكلم عنها ابن كثير، هي نحن الآن بعيدون عن الرواة، وفي عصر متأخر حتى في عصر ابن كثير، وأيضا اطلاعنا على أحوال الرواة وعلى تمكننا من الوسائل التي نعرف بها ضبط الرواة وعدالتهم ضعفت أو قلت، وفقدناها تقريبا الاعتماد على كلام من إذًا؟ على كلام أئمة الجرح والتعديل الذين انتصبوا لـ قال ابن كثير -رحمه الله- الآن بم يثبت ما تقدم؟ قال ابن كثير: يثبت بأمور منها اشتهاره بالخير والثناء الجميل عليه، أو بتعديل الأئمة، أو باثنين منهم له، أو واحد على الصحيح هذه أمور تثبت بها ثقة الراوي وبينها تداخل إذا اشتهر الراوي بالخير والثناء الجميل عليه من أين يشتهر هو؟ من أين يشتهر؟ من كلام الأئمة، إذ هو راجع إلى تعديل أئمة الجرح والتعديل له، يرجع الأمر إلى تعديل أمة الجرح والتعديل له. نحن عالة على أئمة الجرح والتعديل، لكن بعض الذين -يعني- يرفضون التقليد، أو يقولون: لا يصح التقليد في أمور الدين، أو كذا يسمون اتباعنا لعمل الأئمة، أو لتعديل الأئمة، أو لكلام الأئمة في الجرح والتعديل يسمونه، أو يطلقون عليه إنه تصديق بدل ما يقولون تقليد. يقولون: نحن نصدق خبرهم -يعني- أن إمام الجرح والتعديل يقول: فلان ثقة فلان كذا فلان كذا، يخبرنا، فنحن نصدق خبره، وليس حكما منه نقلده فيه، وهذا فيه نظر في نظري، والذي يظهر أن أحكامهم هي أخبار أو اجتهاد هي، غالبها، ولا سيما ما يتعلق بالضبط إنما هي اجتهاد -يعني- عنده مجموعة من الأمور والقرائن والأحوال درسها، ونظر فيها فبمجموعها حكم على هذا الراوي اجتهد في الحكم عليه؛ ولهذا يختلفون أحيانا في الراوي لهذا السبب، فنحن نقلدهم نحن تبع لهم في هذا إلا في النادر جدا، لكن النادر لا حكم له، الكلام على الإجمال. إذا نحن الآن … يمكن صدرت كتب وبحوث في ضوابط الجرح والتعديل، وفي قواعد الجرح والتعديل نتداولها ما المقصود بها بالنسبة لنا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 المقصود بها ضوابط هذا باختصار، قواعد النظر في أقوال الأئمة، أو ضوابط النظر في أقوال أئمة الجرح والتعديل، وليس المقصود بها كيف نعدل نحن أو نجرح، وهذا أمر مهم لا بد أن ننتبه؛ ولهذا بعض الباحثين يقول: وثقه أحمد وابن حجر، كثير هذا في البحوث كثير جدا يقول: وثقه أبو حاتم والذهبي، وهذا خلل في البحث خلل في التصور، الذهبي لا يوثق. الذهبي لا يوثق بالمعنى الذي نريد الآن -يعني- الذي ذكره ابن كثير الآن بم تثبت عدالة الراوي؟ وإنما الذهبي ماذا فعل؟ نظر في أقوال الأئمة وفي تصرفاتهم وعملهم وتطبيقهم، فَحكمَ على الراوي بما حكم به مثلا أحكام ابن حجر في التقريب، بناها على نظره هو في الرواة أو نظره قوال الأئمة في الرواة؟ بناها على نظره … على ما ذكره ابن كثير الآن تثبت عدالة الراوي، وكذلك جرحه بما ذكره بالشهرة، أو بتعديل اثنين أو بواحد. نعم يكفي واحد على الصحيح. ثم تحدث ابن كثير -رحمه الله- على مذهب لابن عبد البر يقول فيه: "إن كل حامل علم معروف العناية به محمول أمره على العدالة حتى يتبين جرحه" وهذا -يعني- توسط ابن عبد البر، اشترط للحكم بالعدالة إذا لم يتبين جرح الراوي بأن يكون معروف العناية بعلم من العلوم، يقول: مثل أن يكون أديبا مشهورا بالأدب، أو أن يكون مثلا مشهورا مثلا بالورع مشهورا بعلم من العلوم مشهورا به، ولم يثبت جرحه، فهو إذا محمول أمره على أي شيء؟ على العدالة، وهذا يقول ابن الصلاح: إنه توسع لا بد من النص؛ لأنه لا يكفي عدالته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 المهم عند الأئمة ما هو أكثر؛ لأنه بحمد الله ترى -يعني- بالمناسبة قضية الفسق وخوارم المروءة والأمور هذه، إذا تجاوزت الوضع في الحديث والكذب فيه، فليست بكثيرة في الرواة الأكثر ما هو؟ ما يتعلق بالخلل في أي شيء؟ في الضبط والحفظ، وهذا هو الأكثر هو الذي اشتغل عليه الأئمة؛ ولهذا لو تبحث في كلام الأئمة فيما عدا الكذب والوضع مع أنه جاء من الصالحين، لكن المقصود أنه فيما عدا الكذب والوضع فإنه يقال: فلان ترك لشربه الخمر؛ أو لأنه لا يصلي؛ أو لأنه كذا. قليل ليس بكثير إذا نسبته إلى شيء؟ إلى الكلام في ضبط الراوي وحفظه. فإذًا كلام ابن عبد البر ينفع، ربما نفع في العدالة لكن في الضبط غير كافٍ فلا بُد من النص على ضبطه، وسيذكر ابن كثير بعد قليل كيف يعرف ضبط الراوي، يقول ابن كثير: إن عبد البر اعتمد على حديث: ? يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ? ويعني: أمر مسجوع من هذا الكلام، يدلك ظاهر الحديث على ضعفه أو على قوته؟ يدلك على ضعفه، ظاهر الحديث يدل على ضعفه، والأمر كما قال ابن كثير، هذا الحديث لا يثبت يقول ابن كثير: لو ثبت لكان فيه قوة أو فيه تأييد لكلام ابن عبد البر، لكنه لا يثبت. نعم. اقرأ يا شيخ. معرفة ضبط الرواة ويعرف ضبط الراوي بموافقة الثقات لفظا، أو معنى، وعكسه عكسه والتعديل مقبول، ذُكر السبب أو لم يذكر؛ لأن تعداده يطول وقبل إطلاقه بخلاف الجرح؛ فإنه لا يقبل إلا مفسرا لاختلاف الناس في الأسباب المفسقة، وقد يعتقد الجارح شيئا مفسقا، فيضعفه، ولا يكون كذلك في نفس الأمر أو عند غيره؛ فلهذا اشترط بيان السبب في الجرح قال الشيخ أبو عمرو: وأكثر ما يوجد في كتب الجرح والتعديل فلان ضعيف أو متروك، ونحو ذلك، فإن لم نكتف به انسدَّ باب كبير في ذلك، وأجاب بأنا إذا لم نكتف به توقفنا في أمره لحصول الريبة عندنا بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 قلت: أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن، فينبغي أن يؤخذ مسلما من غير ذكر أسباب؛ وذلك للعلم بمعرفتهم، واطلاعهم في هذا الشأن واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل، أو كونه متروكا، أو كذابا، أو نحو ذلك، فالمحدث الماهر لا يتخالجه في مثل هذا وقفة في موافقتهم بصدقهم، وأمانتهم، ونصحهم؛ ولهذا يقول الشافعي في كثير من كلامه على الأحاديث لا يثنيه أهل العلم بالحديث، ويرده ولا يحتج به لمجرد ذلك، والله أعلم. أما إذا تعارض جرح وتعديل، فينبغي أن يكون الجرح حينئذ مفسرا، وهل هو المقدم أو الترجيح أو الأحفظ فيه نزاع مشهور في أصول الفقه وفروعه وعلم الحديث والله أعلم. نعم هذا الكلام فيه عدد من الأمور أولها: قول ابن كثير -رحمه الله- ويعرف ضبط الراوي، هذا السطر يتعلق بوسائل الأئمة لتحديد هل الراوي ضابط أو غير ضابط؟ وهذا مر بنا أكثر من مرة، وأن الأئمة -رحمهم- الله لم يتركوا وسيلة من الوسائل التي يكتشفون بها عدالة الراوي، أو ضبطه إلا وسلكوها تارة بتتبع سيرة الراوي والنظر فيها، وفي أحواله، وفي كسبه، وفي تعامله، وفي صلاته، وفي أحواله كلها، وأحيانا بتوجيه الأسئلة له متى ولدت؟ متى دخلت البلد الفلاني؟ متى سمعت من فلان يختبرونه هذا بالنسبة للعدالة، وكذلك الضبط ثم كذلك أيضا ينظرون في … كما مر بنا أمس ربما اختبروه، ربما لقنوه، يلقنه الإمام ينظر هل ينتبه أولا ينتبه، والتلقين والقلب، وهذا من أهم الوسائل التي -يعني- استخدمها الأئمة لسبر حال الراوي، أو لمعرفة حال الراوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 ذكر ابن كثير وسيلة من وسائل الحكم على الراوي التي هي النظر في حديثه، وهي أهم الوسائل، وأعظمها، وهي شاقة جدا ينظر في حديث الراوي، ويقارن أحاديثه بأحاديث أقرانه عن شيوخه هل أصاب؟ ما مقدار ما أصاب فيه؟ هل هو يخطئ؟ ما مقدار ما أخطأ فيه؟ هل هو يتفرد عنهم أو ما يرويه يوافقه غيره؟ فمن خلال نظره هذا يحكم على هذا الراوي بأنه ثقة ثبت. يقول إسماعيل بن علية، أو ابن معين -رحمه الله- يقول لإسماعيل أو إسماعيل سأل ابن معين: كيف وجدتم حديثي؟ فقال: وجدته مستقيما، قال كيف عرفت هذا؟ قال: عرضته على حديث الثقة، وهذا أمر مهم، العرض هذا يسمونه العرض مقارنة المرويات، وهذا من أهم علومه، وهو أهمها تقريبا يكتشفون خطأ الراوي كيف يكتشف خطأ الراوي؟ لا يكتشف إلا بهذه الطريقة في الغالب، نعم أحيانا يكتشف بوسائل دقيقة مثل أن يسأل شيخه هل ما رواه عنك فلان صحيح، أو ليس بصحيح، لكن هذا -يعني- ليس بكثير. الأكثر منه هو هذا أن يأتي الراوي، كما مر بنا في كلام ابن وهب، كلام أبي زرعة يقول: نظرت في بعض الروايات يقول: نظرت في مائة ألف حديث من حديث ابن وهب في مائة ألف حديث، ما رأيت له حديثا ليس له أصل، وفي بعض الروايات أنه نظر يقول نظرت في ثلاثين ألف حديث، هذا عمل في راوٍ واحد فقط -يعني- مثلا ابن وهب -رحمه الله- يروي عن جماعة لأبي زرعة أن يقارن مروياته بمرويات أقرانه عن كل شيخ منهم؛ لينظر هل هو ضابط، وكذلك أيضا تفصيل حال الراوي هذا بحر لا ساحل له، ينظرون في حديث الراوي عن هذا الشيخ، فيقولون: هو حافظ لحديث هذا الشيخ، طيب بقي الشيخ الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع، وهكذا يستمرون في شيوخ الراوي ينظرون في حديثه، ويصدرون أحكامهم على الراوي في هذا الشيخ، وفي هذا الشيخ، وفي هذا الشيخ يسبرون أحواله في البلاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 ينظرون في رواية البصريين عنه، هل هي توافق رواية المدنيين، أو تخالفها؟ هل هو إذا حدث في البلد الفلاني مثله، إذا حدث في البلد الفلاني أو يختلف؟ ينظرون حديثه الأول وحديثه الآخر، هل تغير، أو اختلف؟ هذا كله -يعني- يعيشون مع الراوي من أول حياته إلى آخرها، ولهم في ذلك أمور عجيبة جدا جدا -يعني- القارئ في كتب الجرح والتعديل إذا قرأ بتمعن لا ينفك من الترحم عليهم، ويعني الدعاء لهم والاعتراف بفضلهم، وأيضا من التشوق لهذا العلم، وأنه لم يأت من فراغ، ولم يأت إلا بجهود كبيرة جدا بذلها هؤلاء الأئمة -رحمهم الله تعالى- فهذه الكلمة، وهذا السطر من ابن كثير، وهو قوله: " ويعرف ضبط الراوي بموافقة الثقات لفظا، أو معنى وعكسه عكسه" هذا تحته من الأمور العظيمة شيء كثير جدا -يعني- لا يقدر قدره من الجهد الذي بذله إذا نظرت، تتبعهم لحياة الراوي متى -يعني- حاله في صغره، حاله في كبره، حاله في بعض شيوخه، حاله في كتابه، حاله إذا حدث من حفظه -يعني- أمور -يعني- مما تشوق القارئ والناظر في هذا العلم، وأنه يدخل في علم جليل، ويدخل في علم منظم له قواعده، ولم -يعني- يحصل هكذا اعتباطا. نعم. بعد ذلك تعرض ابن كثير تبعا لابن الصلاح إلى أمر مهم جدا، وهو إذا قال الإمام: فلان ثقة هل يلزم أن يقول هو ثقة؛ لأنه يصلي، ويفعل كذا وكذا؛ ولأنه ضابط في حديثه؛ ولأنه لم يخطئ يبدأ يعدد أو لا يلزم؟ وكذلك في الجرح ابن الصلاح -رحمه الله- قال: إن هو -يعني- فيه أقوال في المسألة، لكن ابن الصلاح اختار انه في التعديل، لا يلزم لماذا لا يلزم؟ لأن أسباب التعديل تطول؛ ولأنها معروفة لكن الذي نحتاجه إلى بيان إذا كان في قضية الجرح يقول: يلزم أن يبين أن يقول: ضعيف لكذا بأنه يخطئ؛ لأنه أخطأ في الحديث الفلاني؛ لأنه فعل كذا إذا كان بالعدالة، ثم استدرك ابن الصلاح على نفسه، نلاحظ هذا الأمر المهم، ابن الصلاح استدرك على نفسه، قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 قد يقول قائل: إن أكثر أحكام الأئمة في كتب الجرح والتعديل غير مفسرة السبب فيقولون -فقط-: فلان ضعيف، فلان متروك، فقال ابن الصلاح، أجاب بجواب لم يقنع ابن كثير، ابن الصلاح ماذا يقول؟ يقول؛ لأنا إذا لم نكتف به توقفنا في أمره. إذ ليس قبولا للحكم بإطلاق، وإنما هو توقف في أمر هذا الراوي، ابن كثير -رحمه الله- لم يقتنع بهذا، والحق معه. يقول: لا يكفي أن نتوقف في أمره، بل الصواب أننا نقبل حكم هذا الإمام، وإن لم يكن مفسرا؛ لأننا إذا اشترطنا أن الجرح والتعديل لا بد أن يكون من عالم بأسبابه، وعرفنا أن هذا الإمام لا يتكلم إلا بـ -يعني- بأدلة قوية، وسبرنا أحواله، وأنه يتفق مع باقي الأئمة في كثير من أحكامه، فهذا كاف في أن نقبل حكمه، وإن لم يكن مفسرا، وهذا هو الصحيح -يعني- إذا قال ابن معين في راوٍ ضعيف ما نطبق عليه مثلا، وإن كان رأي ابن كثير وابن الصلاح ليس بينهما تباعد، لكن قوله: نتوقف فيه ولا -يعني- لم يعبر بالقبول هذا هو الذي أشكل على ابن كثير -يعني- لا يقول قائل: إن ابن معين لم يفسر الجرح، بل لا نقبله، وهذا إنما يقوله بعض المتعصبين، قد يأتي -يعني- بعض المتعصبين، فيقول: هذا جرح غير مفسر، ويرده إما لكي يقوي حديثا، ولكن الإنصاف يقتضي أننا نقبل من هؤلاء الأئمة أحكامهم على علاتها، ولا نسأل عن سبب الجرح ثقة بهم من أين عرفنا هذا؟ يكفي أن نقرأ سيرتهم، وإنصافهم. تكلموا في آبائهم هل هناك أكثر من هذا يتكلم الراوي في أبيه، سئل ابن المديني -رحمه الله- عن والده، فيعني تغافل هكذا ما يريد أن يتكلم في أبيه يريد -يعني- أن السؤال يطرح على غيره، ثم السائل أتاه مرة أخرى وطرح عليه، فأيضا تغافل -يعني- ما أحب، وفي الثالثة قال: والدي ضعيف، والده يعني ليس متهما، لكنه ضعيف في حفظه، وتكلموا في إخوانهم يقول بعضهم: أخي يكذب في حديثه فلا تقبلوا منه فإني أخاف أن يكذب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 هذا من كلام … المهم زيد بن أنيس تكلم في أخيه يحيى. أخوه يحيى كذاب، فتكلم فيه، تكلموا في آبائهم، في إخوانهم، في أولادهم إنصافهم وروعهم -رحمهم الله- فنأمن. وكذلك أحكامهم لما سبرت وجدت صحيحة عليهم -يعني- من جانبين أن يكونوا قد تحاملوا، ومن جانب أن يكونوا أخطئوا، فإذًا نقبل أقوالهم غير مفسرة سواء في التعديل أو في الجرح ولا تلتفت إلى غير هذا. تكلم ابن كثير -رحمه الله- على تعارض الجرح والتعديل، وهذا باب واسع جدا لماذا؟ لأنه موجود بكثرة، الإمام قد يروى عنه عدد من الروايات بينها تعارض حتى الإمام نفسه، ونقول تعارض بناء على الظاهر، وقد يتعارض كلامه مع كلام غيره؛ ولهذا النظر في التعارض قواعد نشرحها في باب الجرح والتعديل، ونطيل فيها ليس هذا موضعها؛ لأن احتمال أن يكون هذا التعارض في الظاهر، أما في الباطن، فتلتقي الأقوال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 احتمال أن يكون الإمام ليس به بأس، ثم يقول: في مرة ليس بالقوي، ويقول مرة: ضعيف، وإذا درست هذه الأحوال أو هذه الأقوال ربما لا تجد بينها تعارض في الحقيقة؛ لأنها: ليس به بأس -يعني- أنه لم يصل إلى درجة الضعيف المتروك، ضعيف ليس به -يعني- لم يصل إلى درجة الثقة، فتلتقي أقوال الأئمة، ربما نترك قول الإمام؛ لأنه خالف غيره، وخالف عشرة من الأئمة، ربما نترك قول الإمام؛ لأنه مثلا تبين لنا أنه لم يخبره -يعني- أمور عديدة تسمى قواعد أو تدخل في قواعد النظر في أقوال الأئمة، فقضية … إذا نقول هنا -يعني- قضية الجرح والتعديل، لا ينبغي أن يطلق الحكم على أن الجرح هو المقدم، أو أن التعديل هو المقدم، أو أنه إذا بين السبب، فالجرح و.. كلام كثير هناك أقوال شاذة تذكر في كتب المصطلح، هناك من يقول لو عدله مائة وجرحه واحد يقدم قول من؟ المجرح يقولون: لأن معه زيادة علم، وهذا كلام خطير ما يمكن، ولا يصلح هذا في باب التطبيق، وإلا لم يبق عندك راو -يعني- لا يخلو راو من كلام إمام، ولو من كلام يسير، فمثل هذا الكلام لا يصلح. بعض الأقوال في هذا الموضوع في هذا الفرع -كما ستأتي معكم- منقولة عن أصوليين أو منقولة نظريا أحيانا، فمسألة تعارض الجرح والتعديل هذه من أهم مسائل علم نقد السنة، ولها ضوابطها وقواعدها. نعم اقرأ يا شيخ. الاكتفاء بقول الواحد في الجرح والتعديل ويكفي قول الواحد في التعديل والتجريح على الصحيح، وأما رواية الثقة عن شيخ، فهل يتضمن تعديله ذلك الشيخ أم لا؟ فيه ثلاثة أقوال: ثالثها: إن كان لا يروي إلا عن ثقة فتوثيق وإلا فلا والصحيح أنه لا يكون توثيقا له حتى، ولو كان ممن ينص على عدالة شيوخه، ولو قال: حدثني الثقة لا يكون ذلك توثيقا له على الصحيح؛ لأنه قد يكون ثقة عنده لا عند غيره، وهذا واضح ولله الحمد، قال: وكذلك فتيا العالم، أو علمه، أو عمله وفق حديث لا يستلزم تصحيحه له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 قلت: وفي هذا نظر إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث، أو تعرض للاحتجاج به في فتياه، أو حكمه، أو استشهد به عند العمل بمقتضاه قال ابن الحاجب: وحكم الحاكم المشترط العدالة تعديل باتفاق وأما إعراض العالم عن الحديث المعين بعد العلم به، فليس قادحا في الحديث باتفاق؛ لأنه قد يعدل عنه لمعاريض أرجح عنده مع اعتقاد صحته. نعم. هذه أيضا أمور تتعلق بالجرح والتعديل واحد منها تقدم، وهو الاكتفاء بالتعديل بواحد، أو لا بد من العدد الصحيح أنه يكفي واحد، فإذا قال إمام من أئمة الجرح والتعديل عن شخص: إنه ثقة، فهو ثقة، وإذا قال: إنه ضعيف، فهو ضعيف، وهناك أمور تحكم -يعني- هذا هو -يعني- الصحيح في الجملة تحدث ابن كثير -أيضا- عن رواية الثقة عن شيخه، وهذه مسألة عظيمة، وهي التوثيق العملي، أو نعم يمكن أن نسميها هكذا، أو التعديل الضمني إذا روى الثقة عن راو، هل هو تعديل له أو ليس بتعديل؟ ذكر ابن كثير ثلاثة أقوال، وذكر الأول منها، أشار إلى ثلاثة أقوال واحد أنه ليس بتوثيق والآخر أنه توثيق، والثالث هو الذي ذكره قال: إن كان لا يروي إلا عن ثقة فتوثيق، وإلا فلا والصحيح أنه لا يكون توثيقا له حتى، ولو كان ممن ينص على عدالة شيوخه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 لست أعلق على هذا، تقول: يظهر من عمل الأئمة أن من لا يروي إلا عن ثقة إذا عرف من منهجه، أنه لا يروي إلا عن ثقة، فالصحيح أن روايته عن الشخص تقوية له، ونستفيد في من لم يكن فيه تعديل ولا تجريح يستفاد منه تقوية هذا الراوي، ولكن ليس معنى هذا أنه ثقة بإطلاق، وإنما -يعني- هذا خلاصة الكلام، والكلام طويل في هذا الموضوع، وكتب فيه كتابات خلاصته هذا أن رواية الراوي إذا كان عرف من حاله مثل شعبة، ويحيى القطان والإمام أحمد، وأبو داود وابن معين والبخاري وجماعة أئمة الجرح والتعديل في الغالب، لا يروون إلا عن ثقات في الغالب، لكن تقيد معنى الثقة هنا بأنه ليس المقصود به مطلق الثقة، وإنما له حظ من الثقة -يعني- ليس بمتروك الحديث، وهذا باب واسع كما ذكرت خلاصته: أن الأئمة رحمهم الله عندهم حد للراوي، إذا لم يصل إلى حد الترك يروون عنه، وإن كان فيه شيء من الضعف، فالخلاصة أن من روى عنه من لا يروي إلا عن ثقة، فأقل أحواله أن يكون ضعفه محتملا -يعني- له حظ من الثقة بالنسبة لفتيا العالم على ضوء حديث، أو تركه للفتيا الواردة في الحديث -يعني- ذكر ابن كثير أنه هذه مسألة تصحيح الحديث، انتقل منها -يعني- أدخلها في مسألة الجرح والتعديل، يقول: ليست فتياه تصحيحا له على ضوئه، ولا تركه العمل به أيضا تضعيفا لهذا الحديث لاحتمالات أخرى، وقيد مسألة التصحيح إذا لم يكن في الباب غيره، أو احتج به أو كذا، وهذه أمور نعم، ما نطيل فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 اقرأ … مسألة أيضا، في مسألة هو قيد قضية فتيا العالم، يقول في هذا نظر، نظر إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث أو تعرض للاحتجاج به في فتياه أو حكمه، أو استشهد به عند العمل بمقتضاه يقول: هذا دليل على التصحيح له، وهذا فيه نظر، كلام ابن كثير؛ لأن بعض الأئمة يوردون أدلة فيها ضعف، ولا يكون عليها الاعتماد، قد يكون اعتماده على إجماع، أو قد يكون على قياس، أو قد يكون على أصل آخر غير السنة، أو على أقوال صحابة، قد يكون على أقوال صحابة نعم. رواية مجهول العدالة ظاهرا وباطنا مسألة: مجهول العدالة ظاهرا وباطنا، لا تقبل روايته عند الجماهير، ومن جهلت عدالته باطنا، ولكنه عدل في الظاهر، وهو المستور وقد قال بقبوله بعض الشافعيين، ورجح ذلك سليم بن أيوب الفقيه، ووافقه ابن الصلاح، وقد حررت البحث في ذلك في المقدمات، والله أعلم، فأما المبهم الذي لم يسم أو سمي، ولم تعرف عينه، فهذا ممن لا يقبل روايته أحد علمناه، ولكنه إذا كان في عصر التابعين والقرون المشهود لهم بالخير، فإنه يُستأنس بروايته، ويستضاء بها في مواطن، وقد وقع في مسند الإمام أحمد وغيره من هذا القبيل كثير والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وقال الخطيب البغدادي وغيره: وترتفع الجهالة عن الراوي بمعرفة العلماء له، أو برواية عدلين عنه قال الخطيب: لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه، وعلى هذا النمط مشى ابن حبان وغيره بأن حكم له بالعدالة بمجرد هذه الحالة، والله أعلم، قالوا: فأما من لم يرو عنه سوى واحد مثل عمرو ذي مر، وجبار الطائي، وسعيد بن ذي حُدان تفرد بالرواية عنهم أبو إسحاق السبيعي، وجُريّ بن كليب تفرد عنه قتادة قال الخطيب: الهزهاز بن ميزن تفرد عنه الشعبي، قال ابن الصلاح، وروى عنه الثوري وقال ابن الصلاح: وقد روى البخاري لمرداس الأسلمي، ولم يرو عنه سوى قيس بن أبي خازم، ومسلم لربيعة بن كعب، ولم يرو عنه سوى أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: وذلك مصير منهما إلى ارتفاع الجهالة برواية واحد، وذلك متجه كالخلاف في الاكتفاء بواحد في التعديل. قلت: توجيه جيد، لكن البخاري ومسلم إنما اكتفيا في ذلك برواية الواحد فقط؛ لأن هذين صحابيان وجهالة الصحابي لا تضر بخلاف غيره، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 نعم هذا الكلام كله في المجهول، وهو الذي لم ينص أحد على عدالته أو على جرحه ما حكمه؟ هذا فيه تفصيل كثير -يعني- للعلماء -رحمهم الله تعالى- فمنهم من تسامح، ومشى على أنه إذا روى عنه عدلان، فهذا توثيق له، وهذه قاعدة ابن حبان، بل ربما تسامح فوثق من لم يرو عنه إلا راوٍ واحد، وخلاصة الكلام هنا أن الجهالة هذه ينظر فيها إلى أمرين: أشار ابن كثير إلى أحدهما، وفي الطبقة فالمجهول في عصر التابعين يختلف عنه عن العصور التي جاءت بعده، فكلما تأخر الزمن كلما كانت رواية المجهول أقرب إلى الرد أو إلى القبول؟ إلى الرد، هذه قاعدة مهمة في الموضوع؛ ولهذا -يعني- نلاحظ تطبيقها في الصحيحين، وهذا ضابط في موضوع الجهالة، بغض النظر عن كلام ابن كثير الذي ذكره عن سليم بن أيوب، وهذا أحد الفقهاء متأخر هذا جاء بعد عصر الرواية، ونحن نتكلم على أي شيء؟ على قواعد المحدثين أشرت إلى هذا مرارا، أن بعض هذه الآراء أخذت من -يعني- من كتب أصول الفقه. فنخلص الموضوع في موضوع الجهالة، وهو كلام ابن كثير أنه يحكمه أمران: الأمر الأول: الزمن فكلما تقادم العهد بالراوي كلما كان أدعى إلى قبول حديثه. هي ثلاثة أمور: هذا أمر -يعني- مثلا المجهول في عصر أحمد وفي عصر ابن معين يختلف لماذا يختلف؟ لماذا يختلف الحكم في الزمن؟ وهكذا ترى في قواعد النقد كلها تطبيقها في التفرد كما مر بنا، وفي زيادة الثقة وفي أمور كثيرة في قواعد النقد، كلما تأخر الزمن احتجنا في تطبيقها إلى التدقيق، هذه قاعدة عامة في قواعد النقد، ومنها أن نطبقها في الجهالة. الجهالة، المجهول -يعني- مثلا إذا كان تابعيا، أشار ابن كثير والذهبي وابن عبد الهادي وجماعة إلى أن التابعي إذا كان مجهولا، وذكروا شروطا أخرى، فإنه يستأنس بروايته، ويتقوى بها، ويعني: قوي يكون حديثه قويا هذه واحدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 الأمر الثاني: الذي يحكم موضوع الجهالة: هو الراوي عنه من الرواة، سئل ابن معين -رحمه الله- إذا روى الثقة عن شخص هل هو توثيق له؟ -يعني- معنى هذا السؤال فقال: إن كان ممن لا يروي إلا عن ثقة ومثل بابن سيرين من التابعين، ومثل أيضا فيما أذكر بالشعبي قيل له: فأبو إسحاق وسماك بن حرب، قال: لا، هؤلاء يروون عن مجهولين -يعني- يتسامحون في الرواة. فإذًا ينظر في الرواة، الذي روى عن هذا المجهول؛ ولهذا يقول أحمد: هو ما تقدم قبل قليل، يقول أحمد -رحمه الله-: فلان ثقة روى عنه يحيى القطان، أو روى عنه مالك اعتمد في توثيقه على أي شيء؟ على رواية هذين، ولهم نصوص في هذا، في يحيى القطان، ويقول الإمام أحمد -رحمه الله- في بعض شيوخه: إنهم كانوا لا يحدثون عن كل أحد، ولا يرضون كل حد ذكر منهم أبا كامل مظفر بن مدرك، وذكر … المهم أنه ذكر بعض شيوخه، يثني عليهم بهذا، وأنهم ينتقون، فهذه قضية الانتقاء في الرواة تفيد في موضوع الجهالة. والأمر الثالث: الذي يحكم موضوع الجهالة هو حديث الراوي. حديث الرواي الذي جاء به أحيانا لا نحتاج إلى البحث في عدالة الراوي وضبطه المجهول. ينكشف حاله من أي شيء؟ تنكشف حاله من حديثه، أحيانا يكون قد وافق الثقات، ولا نعرفه، فإذًا حديثه ماذا يكون الآن؟ لأن الغرض أصلا من الكلام في الرواة هو الوصول إلى درجة حديثه. فإذًا هذه ثلاثة أمور تحكم موضوع الجهالة -يعني- تكلم كثير في الجهالة، وألقيت محاضرات وكتب الكثير، وفي نظري أنه يحكم هذه الأمور قضية المجهول، وأيضا بعض الأمور الجانبية مثل تخريج الشيخين، ومثل -يعني- هذه أمور تحكم موضوع الجهالة، لكنها هي تدور حول هذه الأمور الثلاثة قضية الزمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 قضيه الراوي عنه من هو، ويعني الآن مثلا ذكر ابن كثير أنه إذا روى عنه عدلان ارتفعت جهالة عينه، وبقيت جهالة حاله، ذكره عنه الخطيب، يقولون هذا ليس على إطلاقه، ربما يروي عنه خمسة ولا ترتفع حاله، وربما يروي عنه واحد، وترتفع الجهالة عن حاله يكون قويا، وهذا -يعني- كما ذكرت ينظر في حال الراوي عنه. ذكر ابن كثير أن البخاري ومسلما -رحمهما الله- أخرجا لرواة لا يروي عنهم إلا ثقة، ومثل بصحابيين فقال ابن كثير: هذا أمر يختلف؛ لأننا نتكلم في غير الصحابة، أما الصحابي إذا أثبتت صحبته، فيكفي كونه صحابيا لا علاقة بهذا. اعتراض ابن كثير وجيه، لكن ليس معنى ذلك أنه لا يوجد في الصحيحين إلا هذين، يعني: يوجد بعض الرواة لم يوثقهم أئمة الجرح والتعديل، حتى في الصحيحين، يقول: أظن أحد الباحثين، إنه وقف على خمسين راويا في صحيح مسلم ممن لم -يعني- أظنه ذكر أيضا، ليس لهم إلا راوٍ واحد أو ذكر أنهم لم -يعني- ليس فيهم جرح ولا تعديل، فهذا موجود حتى في الصحيحين، ولكن كما ذكرت هناك أمور للنظر في حال الراوي غير التوثيق والتعديل، ونسميها الأحكام العملية التي هي من روى عنه، وأيضا ما مرويه، فهذه أمور تتعلق بالجهالة. نعم أقرأ … الآن سيدخل في موضوع أكثر منه، يعني شائك جدا، وهو موضوع الابتداع، وسألخص الكلام فيه أيضا على هذه الطريقة نعم. رواية المبتدع إن كفر ببدعته مسألة: المبتدع إن كفر ببدعته، فلا إشكال في رد روايته، وإذا لم يكفر، فإن استحل الكذب ردت أيضا، وإن لم يستحل الكذب، فهل يقبل أو لا أو يفرق بين كونه داعية، أو غير داعية في ذلك نزاع قديم وحديث، والذي عليه الأكثرون التفصيل بين الداعية وغيره، فقد حكي عن نص الشافعي، وقد حكى ابن حبان عليه الاتفاق، فقال: لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم فيه خلافا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 قال ابن الصلاح: وهذا أعدل الأقوال، وأولاها والقول بالمنع مطلقا بعيد مباعد للشائع عن أئمة الحديث؛ فإن كتبهم طافحة بالرواية عن مبتدعة غير الدعاة، ففي الصحيحين من حديثهم في الشواهد والأصول كثير، والله أعلم. قلت: وقد قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم، فلم يفرق الشافعي في هذا النص بين الداعية وغيره، ثم ما الفرق في المعنى بينهما، وهذا البخاري قد خرج لعمران ابن حطان الخارجي مادح عبد الرحمن بن ملجم قاتل عليّ - رضي الله عنه - وهذا من أكبر الدعاة إلى البدعة، والله أعلم. نعم هذه قضية الابتداع قضية شائكة؛ لأننا، أو لأنهم اشترطوا في الرواي أن يكون عدلا، والابتداع في بادئ الأمر ينافي العدالة، ولكن الإنصاف مطلوب، ويعني التعامل مع الواقع يختلف عن الأمور النظرية؛ ولهذا -يعني- هذا في أمور كثيرة جدا جدا، فأنت قد تنظر، وفي الفقه مثلا قد تنظر، وكذا لكن لو تبتلي بالقضاء ربما نظراتك وأحكامك الأولى ربما يجري عليها تعديل، أن تعيد النظر في آرائك وفي أحكامك أو تبتلى مثلا بالتصدي للفتوى، أو نحو ذلك -يعني- يختلف التنظير عن التطبيق، فمسألة الابتداع هذه قضية شائكة، ما أطيل في أسباب الابتداع، وفي أنواع الابتداع وفي … لكن الكلام الذي ذكره ابن كثير ذكر عددا من المذاهب، أو من الأقوال في رد حكم رواية المبتدع، أنها ترد مطلقا واستبعده ابن كثير -رحمه الله- وقال هذا لا يمكن؛ لأننا من الناحية العملية نرى يقولون: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 فلان كان يرى القدر، فلان كان يرى الإرجاء، فلان شيعي جلد، فلان كذا -يعني- مروي ببعض أنواع الابتداع فلان فيه نص، أنواع الابتداع كما تعرفون البلاد الإسلامية ابتليت بهذا مثلا، البصرة كثر فيها القدر والكوفة كثر فيها التشيع وكثر فيها الإرجاء والشام كثر فيه النص، وشباب نشئوا على هذا الشيء نشأ أهل الكوفة على التشيع لعلي، ونشأ أهل البصرة أن بعضهم على القدر، ويعني كذلك في المدينة قدر وفي الشام أيضا قدرية. نشئوا على هذه مسألة التنشئة هذه والبيئة -يعني- لا يصح إغفالها في قضية المعتقدات، المهم أئمة السنة وازنوا في قضية المصالح والمفاسد. هل المصلحة في رد رواية المبتدعة من أجل ابتداعهم، أو في قبول حديثهم إذا كانوا ثقات ضابطين، وازنوا بين هذا، وهذا، فيقول ابن الصلاح: إن هذا بعيد أن نرد، أو أن نقول بأن رواية المبتدعة مردودة بإطلاقه هكذا، وذكر قولين، أو ذكر ما هو الراجح عنده أنه إن كان المبتدع داعيا لبدعته، فإن حديثه يرد أو لا يقبل حديثه، وإن كان مبتدعا في نفسه، ولا يدعو إلى بدعته، فإن حديثه مقبول، ويعني: يقول: الدليل على هذا أن في الصحيحين أنه أخرج … وللعلماء كلام أيضا في قبول أحاديث مبتدعة، ليسوا بدعاة، لكن الذي أحب -يعني- أن أعلق عليه بالنسبة لهذا أن قضية التفريق بين كون هذا داعية، وهذا ليس بداعية -يعني- قد ما يتهيأ دائما، وأحيانا تكون الدعوة إلى البدعة، أحيانا تكون ليس بالكلام … ربما تكون بالسلوك، عبد الرزاق -رحمه الله- قيل له: إن -يعني- شيوخك سنة معمر والثوري، وفيه تشيع هو من أين جاءك هذا؟ فيه نوع من التشيع -يعني- لكنه من تشيع الأئمة الذي هو التشيع الخفيف الذي هو -يعني- لا يتكلم في أبي بكر وعمر، وإنما يفضل عليا على عثمان -يعني- هذا هو التشيع الخفيف. فقال -رحمه الله-: إنه قدم علينا جعفر بن سليمان الضبعي، فرأيته، أو فرأيت سلوكه، أو رأيت مثلما تقول أخلاقه، أو سلوكه حسنا، فأخذت هذا عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 وهذا يرشدك إلى قضية السلوك في الدعوة ربما يكون الداعية -يعني- مثلا.. كثير من البلاد الإسلامية كيف دخلها الإسلام؟ عن طريق ماذا دخلها الإسلام؟ عن طريق التجار أناس عاديون، ولكنهم تجار صادقون في معاملاتهم أحبهم الناس، فانتشر الإسلام في بعض البلاد، وأصبح الآن أصبحت بلاد إسلامية. فإذا قضية الدعوة هذه، فالذي يظهر لي -والله أعلم- أن العبرة بصدق الراوي وضبطه لحديثه، ويتكلمون في بدعته يقولون: فلان يرى القدر فلان كذا وكذا، ويثنون عليه في حديثه ثبت ثقة ضابط، يثنون عليه بثناء عاطر جدا، ويذكرون عنه أنه كان مبتدعا، فالمهم أنه يظهر لي، أن قضية التفريق بين الداعية وغيره من الناحية العملية، قد أقول: قد لا تتهيأ كما ينبغي. فالذي يظهر أن العبرة بصدق الراوي وضبطه لحديثه وبدعته عليه كما قال يحيى القطان، وجماعة من الأئمة في تعليلهم قبول حديث المبتدع؛ لأنهم وازنوا كما ذكرت يقولون: لو تركنا حديث أهل البصرة للقدر، وحديث الكوفة للتشيع وحديث الشام للنص، وحديث كذا لم يبق عندنا سنة، ابتلوا بهذا الشيء، ويعني: قد يكونون معذورين متأولين، فيهم -أيضا- أئمة -رحمهم الله- وفيهم الزهاد والعباد، ومع ذلك ابتلوا بهذا الشيء لا -يعني- ليس هذا -يعني- بأسباب كثيرة، فالمقصود أن هذا ما يتعلق بموضوع الابتداع هو موضوع دقيق، فكأن العلماء -رحمهم الله تعالى- فصلوا بين ابتداع الراوي، ويبن قبول روايته إذا وثقوا بها، وهذا هو -يعني- خلاصة الموضوع في الابتداع نعم. رواية التائب من الكذب في حديث الناس مسألة: التائب من الكذب في حديث الناس: تقبل روايته، خلافا لأبي بكرٍ الصيرفي، فأما إن كان قد كذب في الحديث متعمدا، فنقل ابن الصلاح عن أحمد بن حنبل، وأبي بكر الحُميدي شيخ البخاري أنه لا تُقبل روايته أبدا. وقال أبو المظفر السمعاني: من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 قلت: فمن العلماء من كَفَّرَ متعمدَ الكذب في الحديث النبوي، ومنهم من يحتم قتله، وقد حررت ذلك في المقدمات. وأما من غلط في حديث فيُبَيَّن له الصواب، فلم يرجع إليه، فقال ابن المبارك، وأحمد بن حنبل، والحميدي: لا تُقبل روايته أيضا. وتوسط بعضهم فقال: إن كان عَدم رجوعه إلى الصواب عنادا، فهذا يلتحق بمن كذب عمدا، وإلا فلا، والله أعلم. ومن ها هنا ينبغي التحرز من الكذب كلما أمكن، فلا يحدِّث إلا من أصل معتمد، ويجتنب الشواذ والمنكرات، فقد قال القاضي أبو يوسف: من تتبع غرائب الحديث كذب. وفي الأثر: ? كفى بالمرء إثما أن يحدِّث بكل ما سمع ?. نعم. هذه قضية التوبة من الكذب، تكلم عليها ابن كثير، ويقول: إنه إذا تاب من الكذب في حديث الناس تُقبل روايته، خلافا لأبي بكر الصيرفي، وهذا أصولي متأخر. وكذلك أيضا تكلم عن إذا كذب في الحديث متعمدا، فنقل ابن الصلاح عن أحمد والحميدي أنها لا تقبل روايته، وإن تاب، وإن تاب لا تقبل روايته؛ لأنه تغليظ له على كذبه الأول. ونقل … -يعني- منهم من يكفره. المهم ... هذه المسألة بس نعلق عليها، أن تأثيرها في الرواة قليل جدا -بحمد الله تعالى-، لا تصادف الباحث كثيرا، لا تصادفك، يعني: إن صادفتك فهي نادرة جدا أن يقال: فلان كان يكذب في الحديث ثم تاب. هذا -بحمد الله تعالى- نادر جدا، يمكن لا يذكر. يعوزك المثال الصحيح أن فلانا كان يكذب في الحديث ثم تاب، فاحتجنا إلى النظر: هل تقبل توبته أوتقبل روايته أو لا؟ هذا -بحمد الله تعالى- نادر جدا، تأثيرها في باب الرواة، وإنما يذكرونها هكذا من باب التغليظ في الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 قضية العناد أو الغلط، قد نَصَّ جماعة من الأئمة على أن الرواي إذا غلط في حديث، أو في أحاديث، وقيل له: هذا غلط، وأَصَرَّ على روايته، أن هذا جرح فيه، ولكن في كلامهم ما يوحي أن هذا إذا أصر على غلط مُجْمَع عليه، يعني: الناس قالوا له: هذا غلط وهكذا، فإن هذا جرح فيه. وهذا الكلام صحيح أنه يُعَدّ جرحا، وممن يجرَّح بذلك إمامٌ مشهور يقال له علي بن عاصم. علي بن عاصم هذا أكثر ما أخذوا عليه إصراره على الخطأ، كان فيه -رحمه الله- نوع كِبْر وإباء، وإلا كان من المحدثين الكبار، كان يحضر مجلسه ... يعني يحزرون الذين يحضرون مجلسه بمائة ألف شخص، ولكنه -رحمه الله- يغلط؛ لأنه كان كثير الاعتماد على الصحف، فيصحِّف، ويغلط في أسماء الرواة، فيقال له: هذا اسمه كذا. يقول: لا، هذا شخص آخر، يعني: أن من أروي عنه شخص غير الذي تريده، وهو هو، لكنه أخطأ في اسمه. فبعض الرواة ضُبِطَ عليهم أنهم..؛ ولهذا يقول الإمام أحمد: إن الرواي -في كلام له- إن الراوي إذا نُبِّه إلى الغلط ورجع ينبئُك عن صدقه، وعن ثقته وأمانته، وأما إذا أصرَّ على غلطه..، وهذا موجود في بعض الرواة -كما ذكرت في علي بن عاصم وغيره- موجود أنهم يُنَبَّهون. ولهذا نص على هذا شعبة وغيره، يقولون: الرجل إذا كان أصر على خطأ مُجْمَعٍ عليه فهذا جرح فيه. نَبَّه ابن كثير -رحمه الله- إلى أنه ينبغي للراوي ألا يحدِّث إلا من أصل معتمد، وهذا صحيح. كثير من الأئمة -رحمهم الله- يوصون ألا يحدث الإنسان إلا من كتاب، ويقصد بالأصل المعتمد: يعني عند المتأخرين هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 ويجتنب الشاذ والمنكرات -الشواذ والمنكرات- وهذا أيضا صحيح؛ لأن بعض الرواة يأخذون عليهم، الإكثار من الرواية عن الضعفاء، ومن الرواية للمناكير، وربما أثّر هذا فيهم وهم ثقات، مثل عيسى بن موسى، يقال له بنجار، ومثل بقية بن الوليد، ومثل جماعة من الرواة، يكثرون من رواية الشاذ والمناكير، حتى أثرت على روايتهم، وهم في أنفسهم ثقات -رحمهم الله تعالى. نعم.. اقرأ يا شيخ.. النسيان من الراوي مسألة: إذا حدث ثقة عن ثقة بحديث، فأنكر الشيخ سماعه لذلك بالكلية، فاختار ابن الصلاح أنه لا تُقبل روايته عنه؛ لجزمه بإنكاره، ولا يقدح ذلك في عدالة الراوي عنه فيما عداه، بخلاف ما إذا قال: لا أعرف هذا الحديث من سماعي، فإنه تُقبل روايته عنه. وأما إذا نسيه فإن الجمهور يقبلونه، ورده بعض الحنفية، كحديث سليمان بن موسى عن الزهري، عن عروة عن عائشة -رضي الله تعالى عنها-: ? أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنحكاها باطل ? قال ابن جريج: فلقيت الزهري فسألته عنه فلم يعرفه. وكحديث ربيعة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ? قضى بالشاهد واليمين ?. ثم نسي سهيل لآفة حصلت له، فكان يقول: حدثني ربيعة عني، قلت: هذا أولى بالقبول من الأول، وقد جمع الخطيب البغدادي كتابا فيمن حدث بحديث ثم نسي. نعم هذه قضية، وهي قضية النسيان من الراوي، إذا حدث الراوي بحديث أو رواه عنه بعض تلامذته، ثم أنكره أو قال: نسيته، أو قال: لا أعرفه، جعلوها على قسمين -جعلها ابن الصلاح على قسمين-: القسم الأول: أن يرده جازما، يقول: لا أعرفه، أو ينكره، يقول: لم أروه، فهذا يقول ابن الصلاح: إنه ترد به رواية الراوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 والقسم الثاني: أن لا يجزم، بل يقول: نسيته -كما يفعله بعض الرواة- بعض الرواة يقول: حدثني فلان عني، أني حدثته بكذا، فهذا حَمَل الأمر على.. صدق صاحبه وثوقا به، ولكنه حمله على أنه هو نسي، وهذا كثير يقع -أيضا- بين الناس، ربما تحدث شخصا بقصة وبعد سنوات يسألك عنها، فتقول مثلا: ما أذكر أني قلت لك كذا، وربما يكون في مجلس فيُحضر من يصدقه، وهذا موجود. هذا كلام ابن الصلاح، قسمه على قسمين، أو جعله على قسمين، الذي يظهر لي -والله أعلم- وقد نبّه عليه بعض الشراح أو المعلقين على هذا الكتاب، أن العبرة بثقة الراوي الذي حدث، سواء أنكره الشيخ أو قال: نسيته، يعني بأي عبارة رد بها هذا الحديث، يعني التفريق بين قوله: لا أعرفه، وبين قوله: نسيته. هذا.. -يعني- من أشهر الأحاديث، في هذا حديث مشهور، في البخاري ومسلم، وهو حديث ابن عباس: ? ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بالتكبير ?. أو: ? كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتكبير ?. فهذا من الذي يرويه عن ابن عباس؟ هو جابر بن زيد، وعنه عمرو بن دينار، عمرو بن دينار يقول: سألت عنه بعد ذلك جابر بن زيد فأنكره، وهذا الإنكار موجود في صحيح مسلم، الحديث في الصحيحين، لكن الإنكار موجود، أثبته مَن؟ الإمام مسلم. فيقول العلماء: هذا نصيرٌ من الإمامين، يقول الشافعي -رحمه الله-: كأنه نسي بعد أن حدثه، الذي نسي من هو؟ جابر بن زيد. أبو هريرة - رضي الله عنه - كان يحدث أصحابه، فقالوا له: كنت قد حدثتنا بكذا، فرطن لهم بالأعجمية، أي قال: أبيت أو كذا، فيقول أبو سلمة: لا أدري، أنسي أبو هريرة أو نسخ حديثه الآخِر حديثه الأول! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 فالمقصود أن النسيان هذا وارد، وأنه يظهر أن الاعتماد على ثقة الراوي وجلالته الذي نسب إلى هذا الشيخ ما حدث به، فإذا كان ضابطا ثقةً فالأصل قبول حديثه، ولا يحكم عليه بالغلط بمجرد أن شيخه نسي، وله أمثله، الخطيب البغدادي ألف كتابا اختصره السيوطي برسالة صغيرة اسمها " تذكرة المؤتسي فيمن حدث ونسي ". وكتاب السيوطي مطبوع، أما كتاب الخطيب فيقول بعض الباحثين: إنه مفقود، يعني لا يوجد. نعم. أخذ الأجرة على التحديث مسألة: ومن أخذ على التحديث أجرة هل تقبل روايته أم لا؟ روي عن أحمد وإسحاق وأبي حاتم أنه لا يُكتب عنه؛ لما فيه من خرم المروءة، وترخص أبو نعيم الفضل بن دكين وعلى بن عبد العزيز وآخرون، كما تؤخذ الأجرة على تعليم القرآن، وقد ثبت في صحيح البخاري: ? إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ?. وقد أفتى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي فقيه العراق ببغداد لأبي الحسين بن النقور بأخذ الأجرة؛ لشغل المحدثين له عن التكسب لعياله. هذه القضية تتعلق بالمروءة، مروءة المحدثين، وليست المروءة عموما. المحدثون -رحمهم الله تعالى- تعارفوا فيما بينهم على نبذ، أو صرف النظر عن الدنيا، بالنسبة للتحديث، ولهم في ذلك أقوال كثيرة جدا جدا، وتصرفات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 كان الواحد منهم.. -يعني- يصف الإمام أحمد منزل أحد شيوخه -وهو عبدة بن سليمان، أظنه عبده بن سليمان- المهم يقول: لو أخرج متاعه ووضعه في الشارع ما أخذه أحد -يعني ما يسوى من يلتفت له- وكان شيخه زيد بن الحباب -رحمه الله- أتوا إليه وإذا هو عريان، ليس له إلا ثوب واحد، عريان هو، يغسل ثوبه وينتظر أن يجف، ولهم أخبار ... كذلك خصوصا في الرحلات، في الرحلات ربما يعني الواحد منهم مثلا تقل نفقته فيبيت الثلاثة الأيام أو الأربعة، يبيت الثلاثة الأيام بدون أكل، وينقطع عن زملائه، ولا يخبرهم تعففا، حتى إن بعضهم نقلوا أو ذكروا عن ... أظنه حماد بن سلمة -أنسى الأسماء- المهم أنه كان عطشانا، فطرق باب بيت يريد ماء، فخرج عليه صبي وأحضر له ماء، فلما أتاه بالماء نظر إلى الصبي، فإذا هو.. كأنه عرفه، قال له: ألست تتردد إلينا -يعني في مجلس العلم- قال: بلى. فأعطاه الكأس، ولم يشرب. وكانوا يقولون: نصون حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عرض الدنيا. وأيضا أغلقوا هذا الباب؛ لأنه مظنة أن يُطلَب به الدنيا، أو أن يتزيّد المحدث من أجل غرض … المهم هذه مروءة تعارفوا عليها، وإن كانت في أصل الشرع مباحة، فكان الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: لا يُؤخذ عمن يبيع الحديث، ولا كرامة. ولهم في ذلك كلمات، لكن مع هذا، الأمر فيه سعة، هو مروءة، ومروءة حديثية -كما ذكرت- من جهة الشرع يقولون: لا بأس؛ لأنه صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه يقول: ? إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ?. فإذا كان هذا في كتاب الله، ففي الحديث من باب أولى. فقالوا: إن الراوي إذا كان ثقة ضابطا، وأمن عليه التزيد، واحتاج، فلا بأس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 قد تقرأ بعض التراجم أنه كان يأخذ الأجرة. هذا أبو نعيم الفضل بن دكين، الإمام أحمد يقول: نزاحم به ابن عيينة -يعني من شيوخه الذين يزاحم بهم ... ، يعني نضعه في مصافِّ من؟ ابن عيينة -رحمه الله-، وكان يأخذ الأجرة ويقول هو -رحمه الله: يلومونني على أخذ الأجرة، وفي بيتي ثلاثة عشر نفسا، وما في بيتي رغيف واحد! وهو من الثقة والضبط والإتقان..، هو الذي مر بنا أن يحيى بن معين اختبره في تلك القصة. فالمقصود أنه -رحمه الله- ... هذه القضية الأصل فيها المنع، منعا للتكسب بالحديث والتزيد منه، ولكن قد تصادفك في بعض التراجم، بعضهم يشترط. والبغوي -هذا -رحمه الله- الذي ذكره- كان محتاجا، كان في مكة، ويأتي إليه الطلبة، وكان يشترط عليهم -يعني يأخذ الأجره على التحديث- وبعض العلماء أفتى لبعض المحدثين بأن طلبة الحديث منعوه من التكسب لعياله، أشغلوه بطلب الحديث، فأفتى له بعض الفقهاء بأن يأخذ الأجرة عليهم، ولا بأس بذلك. فهذا الموضوع إذا جمع الثقة والإتقان وأيضا الأمن من التزيد، فهذا يقولون: لا بأس به، وبهذا يُجمع بين ما ظاهرة التعارض حول هذه المسألة. نعم. مراتب الجرح والتعديل مسألة: قال الخطيب البغدادي: أعلى العبارات في التعديل والترجيح أن يقال: حجة أو ثقة، وأدناها أن يقال: كذاب. قلت: وبين ذلك أمور كثيرة يعسر ضبطها، وقد تكلم الشيخ أبو عمر على مراتب منها، وسمى اصطلاحات في أشخاص ينبغي التوقيف عليها، من ذلك: أن البخاري أيضا قال في الرجل: سكتوا عنه أو فيه نظر: فإنه يكون في أدنى المنازل وأفضحها عنده، ولكنه لطيف العبارة في التجريح، فليعلم ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وقال ابن معين: إذا قلت: ليس به بأس فهو ثقة. قال ابن أبي حاتم: إذا قيل: صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به، فهو من من يُكتب حديثه وينظر فيه. وروى ابن الصلاح عن أحمد بن صالح المصري، أنه قال: لا يترك الرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه، وقد بسط ابن الصلاح الكلام في ذلك، والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم بما عرف من عباراتهم في غالب الأحوال، وبقرائن ترشد إلى ذلك، والله الموفق. قال ابن الصلاح: وقد فقدت شروط الأهلية في غالب أهل زماننا، ولم يَبْقَ إلا مراعاة اتصال السلسلة في الإسناد، فينبغي ألا يكون مشهورا بفسق ونحوه، وأن يكون ذلك مأخوذا عن ضبط سماعه من مشايخه من أهل الخبرة في هذا الشأن، والله أعلم. نعم. هذا الكلام على ما يتعلق بمراتب الجرح والتعديل، وهو أحد أبواب الجرح والتعديل، وهو المقصود من علم الجرح والتعديل، ولكن ابن كثير -رحمه الله- اختصره؛ لأنه رأى الموضوع واسعا، وابن الصلاح يقول: توسع وأطال. فما كان من ابن كثير إلا أن أشار إشارات، وهذا هو زبْدة علم الجرح والتعديل، لماذا هو زبدة علم الجرح والتعديل؟ لأنهم -يعني من كلام الأولين- وضعوا مراتب من مجموع كلامهم، ولكن أول من حررها هو ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل، لكي يُسهّل على طلبة العلم والناظرين، والنقاد بعد أئمة الجرح والتعديل، يسهل عليهم الاستفادة من كلام الأولين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 فوضعوا مراتب للرواة توثيقا وتجريحا: المرتبة الأولى: كذا، المرتبة الثانية: كذا، المرتبة الثالثة: كذا، وأصدروا أحكاما، أصدر ابن أبي حاتم حكم أصحاب المرتبة الأولى: أنه يحتج بهم، الثانية: يحتج بهم، والثالثة: يُكتب حديثهم وينظر فيه، والرابعة: كذلك، ووضع أحكاما لكل مرتبة، فإذن يسهُل عليك، فإذا قيل: الراوي ثقة، هذا في مرتبة وتنظر ومعها حكمها، إذا قيل: صدوق، فهذا في مرتبة ومعها حكمها، إذا قيل مثلا: ليس به بأس، إذا قيل: ضعيف، إذا قيل: ليس بالقوى، إذا قيل: ليس بشيء، إذا قيل: واهم، إذا قيل: متروك، إذا قيل: وضّاع، ما زال العلماء يتوسعون في هذه المراتب، حتى استقر العمل أو استقر التوسع هذا … ابن أبي حاتم، وضعها أربعا للجميع، جرحا وتعديلا. وسّعها ابن الصلاح قليلا، ثم وسّعها الذهبي، ثم العراقي، ثم ابن حجر، ثم السخاوي، واستقرت على اثنتي عشرة مرتبة: للتعديل ست مراتب، وللجرح ست مراتب، يبدءون بالأعلى منها، وهي الثقة -يعني ما تكرر: ثقة ثقة ثقة، أو ما يقال فيه: إنه أوثق الناس- وينزلون إلى الوضاع. فهذه اثنتا عشرة مرتبة، ولها أحكام، يقولون مثلا: الأربع مراتب الأولى: هذه حديثهم صحيح، المرتبتان الأخيرتان من مراتب التعديل: هذه حديثهم يدور حول الحديث الحسن، المرتبة الأولى والثانية من مراتب الجرح: حديثهم ضعيف، قابل للاعتضاد، المراتب الأربع الأخيرة من مراتب الجرح: هذه لا يعتضد بأصحابها، يعني حديثهم هو الذي قيل: إنه لا يصلح للاعتضاد. فهذه هي زبدة باب الجرح والتعديل التي هي مراتبها، مراتب الجرح والتعديل، والكلام فيها واسع، يُوجد في الكتب المطولة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 ابن كثير -رحمه الله- ما كان منه إلا أنه لَمَّ الموضوع واختصره، ويوجد -مثلا- في "فتح المغيث" تطويل حول هذا، وفيه كتب صدرت في ضوابط الجرح والتعديل، أشهرها الآن كتاب الشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف -رحمه الله-، وهو أحد أساتذة الجامعة الإسلامية، ودرس هذه المادة، وتخصص فيها، ووضع ضوابط للنظر في أقوال الأئمة في الجرح والتعديل، واستقصى موضوع المراتب هذه، ولخصها وسلسلها تاريخيا. ثم تكلم ابن كثير -رحمه الله- على أنه ينبغي لطالب العلم أن يراعي الاصطلاحات الخاصة لبعض الأئمة، وهذا الكلام صحيح، يقول هو -رحمه الله-: إن البخاري -رحمه الله- إذا قال لنا عن فلان: سكتوا عنه. ما ظاهر هذه العبارة الآن (سكتوا عنه) ؟ ظاهرها: أنهم لم يتكلموا عليه، لكن باطنها: أنه متروك الحديث، باطنها..، يعني أخذا من الاستقراء، حتى إنه ربما يقول -وهذا من الغريب-: سكت عنه ابن المبارك، فإذا ذهبت إلى كلام ابن المبارك، فإذا هو يقول فيه متروك الحديث. وكذلك كلمة البخاري الثانية، يقول: فيه نظر، لكن هذه أخف من الأولى، حتى إن بعض الباحثين يقول: إطلاق أن (فيه نظر) من أدنى المراتب عند البخاري فيه نظر، فالبخاري يطلقها على من هو متروك الحديث، وعلى من هو فوقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 فالمقصود أن البخاري -رحمه الله- -يقولون- يختار عبارات لينة لتجريح الراوي، معروف أن الأئمة يختلفون في التجريح، هم يجرحون، الدرجة واحدة ولكن قد يختارون عبارة هذا ... ، مثلا ابن معين يختار عبارات قوية جدا، إما أن يلعنه أو يقول: الخبيث، عدو الله، ما أحوجه إلى أن يُقتل! ما أحوجه إلى أن تهدم داره! يعني يقول عن شخص: ينبغي أن تهدم داره، ويُهدم ما حولها؛ أربعين من هنا، وأربعين من هنا، وأربعين من هنا، وأربعين من هنا.. فقال له قائل: إذن تدخل دارك في الهدم، قال: يُبدأ بها. معنى كلامه.. يشدد هو في الرواة؛ ولهذا السبب نُسب إلى التشدد في الجرح والتعديل، وليس كذلك هو، لكن التشديد في أي شيء؟ إذا قارنته بكلام الإمام أحمد، تجد بينهما فرقا في اختيار العبارات، وإن كان المؤدي واحد، لكن هو يختار عبارات ... ؛ ولهذا كان يخاف منه الرواة. المهم يقول ابن كثير: ينبغي أن يراعي مصطلحات الأئمة، أحيانا الإمام … مثلا نقلوا عن ابن معين أنه قال: إذا قلت ليس به بأس فهو ثقة، هذا منقول عن ابن معين وعن غيره أيضا، ويعني ظاهرها الآن بالنسبة لمراتب الجرح والتعديل: أنهم يضعون (ليس به بأس) في مرتبة دون الثقة، لكن منقول عن ابن معين أنه يقول: إني أردت به..، إذا قلت: ليس به بأس، فهو ثقة، وهذا الكلام صحيح، ولكن مع هذا يظهر -والله أعلم- أن ابن معين لا يقول في الراوي: (ليس به بأس) هكذا، إلا وهو ثقة، لكنه في أدنى مراتب الثقة، هذا الذي يظهر. فيه جملة أخيرة في كلام ابن الصلاح، لما فرغ من جميع ما يتعلق بأصول الجرح والتعديل أو بفروع الجرح والتعديل، ختمه بكلام ينبغي أن نفهمه جيدا، أمر مهم، وهو أن هذه الشروط التي اشترطها الأئمة في الجرح والتعديل في الراوي، جرحا وتعديلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 في العصور المتأخرة تخففوا منها كثيرا، وألغوها تقريبا، في النهاية ألغيت، حتى لم يعد لها وجود، وكما ذكرت نحن لسنا بحاجة إلى علم الجرح والتعديل، لِم ألغيت؟ لأنه ذهب عصر الرواية، هذا هو السبب، لو كان هناك عصر الرواية ما ذهبت، إذن ذهب عصر الرواية، فيقولون: الرواة الآن يروون كتبا، الرواة في العصور المتأخرة لا يرون أحاديث، وإنما يروون نسخا وكتبا، يرون "صحيح البخاري"، يروون "صحيح مسلم"، يروون "مصنف ابن أبي شيبة"، يروون "مصنف عبد الرزاق" كتب موجودة متعارف عليها، يروون أجزاء معروفة، متعارف عليها. إذن يكفي أن يكون هذا الراوي -وإن لم تتوافر فيه شروط الرواة الأولين- يكفي فيه أن يكون هناك أصل مثبت من ثقة أن هذا سمع، وقد مر بنا -يمكن ما مر بنا هنا- أن ابن كثير -رحمه الله- روى حديث المسلسل بقراءة سورة "الصف"، حديث معروف كل راوٍ يقرأ سورة "الصف" إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فابن كثير أحب أن يلتحق بهذه السلسة، فجاء إلى شيخ يروي هذا الحديث. لكن نتصور هذا الشيخ عامّي ما يعرف أن يقرأ سورة "الصف"، ولكنه أيام كان صغيرا أُحضر مجلسا، وهذا هو سبب رواية الرواة وإن لم يكونوا أهلا للرواية في العصور المتأخرة، أنهم يحضرون وهم صغار، ثم قد ينشغل عن الرواية، لكنه يعمر فيحتاجونه الناس. يقول ابن كثير: وضاق الوقت عن تلقينه إياها، يعني: ما استطاعوا حتى أن يلقنوه سورة "الصف"، وإن كان ابن كثير قد رواها مرة ثانية، يعني حصلت له فرصة أن يرويها بطريق آخر، لكن هذا ينبئنا ... وكذلك الذهبي -رحمه الله- في معجم شيوخه، عتب على نفسه هو، عتب وشدد في العتاب على نفسه وعلى بعض المحدثين الذين يروون عمن هو ليس بأهل للرواية، وإنما الغرض هو كثرة الرواية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وهذا -كما ذكرت- له سبب، السبب هو أنهم يقولون: المقصود بقاء سلسلة الإسناد الذي خص الله به هذه الأمة، وأيضا مزيد ضبط لهذه الكتب، حتى يعتنى بها، وتُسمّع وتُضبَط، وتُقرأ على علماء، -ما في شك- فيه فوائد أخرى غير قضية التوثق من الرواية، هذا هو معنى التسمح، وسيأتي معنا مزيد تسمح في النوع الذي بعد هذا الذي هو النوع الرابع والعشرون، تسمّحوا في طريقة التحمل، داخل في هذا الشيء، الذي هو الإجازة والمناولة وما يتعلق بها. نقف هنا، هذا النوع -كما ذكرت- طويل، ونأخذ النوع الذي بعده غدا -إن شاء الله تعالى- وربما نكمل الكتاب -إن شاء الله- بهذه الطريقة. س: يقول السائل: قررتم -حفظكم الله- أنه لا ينبغي لطالب العلم أن يروي الحديث الصحيح بصيغة التمريض، والناظر إلى "صحيح البخاري" يرى كثيرا من الأحاديث التي يرويها البخاري بصيغة التمريض، فهل هي قاعدة خاصة به، وجزاكم الله خيرا؟ ج: نعم، هو في البخاري موجود هذا، قد يذكر حديثا بصيغة التمريض، وقد أخرجه في مكان آخر، ولكن نلاحظ أن البخاري -رحمه الله-، يراعي قضية الاستنباط، ذكروا عنه هذا، فلعل هذا قاعدة له، يُراعي قضية الاستنباط من الحديث، يعني يشير ابن حجر إلى هذا، أن البخاري إن ما ذكره بصيغة التمريض بسبب فيه يتعلق بالاستنباط، أو لكونه ساقه بالمعنى أو نحو هذا، فلعل هذا قاعدة له، والله أعلم. س: يقول السائل: ما المقصود من قول الحافظ ابن كثير في المقدمات؟ ج: كتاب له سماه "المقدمات"، هو في أصول الفقه، كتاب معروف لابن كثير اسمه "المقدمات"، وهو في أصول الفقه. نعم. أحسن الله إليكم. س: السؤال الأخير يقول: ما هو الفرق بين العدالة الظاهرة، والعدالة الباطنة؟ ومن هو المستور؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 ج: المستور: هو العدل ظاهرا، ولكن لم تخبر حاله باطنا، يعني: لم يُعرف عنه فسق ولا.. يعني لم يعرف عنه ما يخل بالعدالة الظاهرة، ولكنه لم يُخبر باطنا؛ لأنه معروف أنه لا يكفي أن يكون.. . المزكي هذا إذا أراد أن يزكي شخصا لا بد أن يكون يعرفه، لا بد أن يعرفه معرفة باطنة، إما أن يكون قد عامله، أو عاشره، أو له به صلة، فهذه هي العدالة الباطنة، العدالة الباطنة: معرفة حال الشخص، ولا يكفي ألا نعرف عنه خارما للعدالة، أو ناقضا للعدالة، هذا معنى كلامه. أحسن الله إليكم. س: الجزء الثاني من السؤال يقول: وهل قول أحمد وغيره: "الحديث الضعيف أحب إليّ من رأي الرجال" يدل على الاستشهاد بالحديث الضعيف في الأحكام؟ ج: نعم. -بلا شك- يدل هذا على أنه ربما أخذ بالحديث الضعيف في الأحكام أيضا، وهو أحب إليه من رأي الرجال، وقد ذكرت أكثر من مرة -رحمه الله- أن الأئمة يحرضون على الاتباع، يفرحون إذا وجدوا في المسألة أثرا، أو حديثا ولو ضعيفا، ولكن بعض.. مثل شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إنه ليس مراد أحمد بالضعف هذا، الضعف الذي نتركه نحن، يعني لم يصل عندنا إلى الحسن، الذي عرّفه به الترمذي. وكلامه فيه نوع من الدقة، أو فيه شيء من الدقة بلا إشكال، دقيق -رحمه الله- يقول: إن ما اصطلح عليه الترمذي ويسميه حسنا هذا هو الذي كان أحمد -رحمه الله- يسميه.. أو يطلق عليه الضعف، أما ما لم يصل إلى الحسن عندنا فهذا يقول: لا يستدل به أحمد، هذا معنى كلامه -رحمه الله-. نعم. أحسن الله إليكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد سبحانك اللهم وبحمدك، نستغفرك اللهم ونتوب إليك، اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 النوع الرابع والعشرون: كيفية سماع الحديث وتحمله وضبطه كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال -رحمه الله- تعالى: النوع الرابع والعشرون: كيفية سماع الحديث وتحمله وضبطه. يصح تحمّل الصغار الشهادة والأخبار، وكذلك الكفار إذا أدوا ما حملوه في حال كمالهم -وهو الاحتلام والإسلام- وينبغي المباراة إلى إسماع الولدان الحديث النبوي. والعادة المطردة في أهل هذه الأعصار وما قبلها بمدد متطاولة أن الصغير يكتب له حضور إلى تمام خمس سنين من عمره، ثم بعد ذلك يسمى سماعا، واستأنوا في ذلك بحديث محمود بن الربيع: ? أنه عقل مجة مجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجهه من دلو في دراهم -وهو ابن خمس سنين ? رواه البخاري. وجعلوه فرقا بين السماع والحضور. وفي رواية: ? وهو ابن أربع سنين ?. وضبطه بعض الحفاظ بسن التمييز، وقال بعضهم: أن يفرق بين الدابة والحمار، وقال بعض الناس: لا ينبغي إلا بعد العشرين سنة، وقال بعض: عشر، وقال آخرون: ثلاثون. والمدار في ذلك كله على التمييز، فمتى كان الصبي يعقل كُتب له سماع. قال الشيخ أبو عمرو: وبلغنا عن إبراهيم بن سعيد الجوهري أنه قال: رأيت صبيا ابن أربع سنين قد حُمل إلى المأمون قد قرأ القرآن، ونظر في الرأي، غير أنه إذا جاع يبكي، وأنواع التحمل ... بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. في النوع الرابع والعشرين تكلم ابن كثير اختصارا لكلام ابن الصلاح في كيفية سماع الحديث، وكيفية تحمّله، وكيفية أدائه، يعني في كيفية تحمله من الشيخ، وفي كيفية أدائه إلى التلميذ أو الراوي عنه. وقبل أن يبدأ في أنواع التحمل، وفي صيغ الأداء، تحدث عن قضيتين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 القضية الأولى: أنه إذا اشترطنا في العدالة الإسلام والبلوغ، حسب ما تقدم في صفة من تقبل روايته، ومن تُرد، فيقولون: إن هذا الشرط إنما هو في الأداء، بمعنى أنه يصح أن يتحمل وهو صغير، ويصح أن يتحمل وهو كافر، ثم بعد ذلك يُشترط حين يؤدي أن يكون بالغا مسلما. فهذا معنى كلامه في الأول: "يصح تحمل الصغار الشهادة والأخبار، وكذلك الكفار". وهذا مأخوذ من عمل الصحابة -رضوان الله عليهم-، فإن منهم من تحمل وهو صغير، كابن عباس والنعمان بن بشير وسهل بن سعد، تحملوا أشياء وهم صغار، ثم أدوها بعد بلوغهم -رضي الله عنهم. وكذلك -أيضا- منهم من سمع وهو كافر، كالحديث المشهور، يضربون مثالا لذلك بحديث جبير بن مطعم - رضي الله عنه - أنه ? سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بسورة الطور ? فإنه سمعه وهو أسير بعد أو بُعَيد معركة بدر. ثم تكلم ابن كثير على قضية ثانية؛ وهي قضية السن الذي يصح فيه تحمل الصغير، فذكر أن عادة الناس أنهم جعلوا السن ذلك، يعني إلى حد خمس سنين، فما قبل الخمس سنين يُكتب للطالب أنه حضر، حضر يعني فقط، ولا يقولون: سمع، وبعد خمس سنين يكتبون أنه سمع، وهذا -كما يقول ابن كثير- استنادا إلى أن محمود بن الربيع - رضي الله عنه - روى: ? أنه عقل مجة مجها النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجهه وهو ابن خمس سنين ? يمازحه - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فعقلها هذا الصبي وهو ابن خمس سنين، فجعلوه حدا في ذلك. ثم ذكر أن بعضهم..، وفي رواية: ? ابن أربع سنين ?. ويقول: إن بعض الحفاظ ضبطه بسن التمييز، ومنهم من ضبطه باختبار نفس الطالب، إن فرق بين الدابة والحمار، وهذا هو الأولى، أو الذي يرجحه الأكثرون، أن كل طالب يختلف عن غيره، أو كل حاضر للسماع للرواية يختلف عن غيره، فرب شخص ميز وهو صغير، ورب شخص آخر ميز بعده بسنة، أو سنتين، فالعبرة بتمييز السامع نفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وهذا -يعني كما سيأتي معنا- أنه وقع تسامح في شروط الرواية، ومنها السن هذه، فربما أحضروا للسماع..، أو ربما أسمعوا الصغار، كما سيأتي معنا -إن شاء الله تعالى. نلاحظ قوله: "وقال بعض الناس: لا ينبغي السماع إلا بعد العشرين سنة. وقال بعض: عشر. وقال آخرون: ثلاثون". هذه الأقوال..، يعني الذي قال: لا ينبغي السماع إلا بعد الثلاثين، ليست القصة قصة ضبط هنا، وإنما هنا خلط.. يعني فيه نوع خلط بين صحة السماع وبين ما الذي ينبغي الابتداء به بالنسبة لطالب العلم، فبعض العلماء يقول: ينبغي للطالب أن يشتغل بالقرآن وبحفظه، وبضبطه والتفقه فيه، قبل أن يبدأ بسماع الحديث، فهذا بالنسبة للعشرين سنة، وبالنسبة للثلاثين. بعض البلاد الإسلامية لا يسمعون، أو بعض العلماء..، بعض الأمصار لا يسمعون إلا بعد هذا السن. لماذا؟ ليست راجع.. يعني غير معقول أن يقال لمن هو مثلا فوق العشرين، أو دون الثلاثين: إن هذا لا يضبط، بل هذا هو سن الضبط، وإنما القصد هنا في هذه السن أنهم يوصون بالاشتغال أولا بالقرآن وبالتفقه فيه، وهذا هو الذي يوصَى به الآن أيضا، يوصى به طالب العلم إما أن يبدأ بالقرآن، وبالتفقه فيه، وبحفظه وبضبطه، وإما ألا يخلي نفسه من ذلك حال طلبه للحديث وحفظه، وأيضا كذلك تعلم مصطلحه. ذكر ابن كثير الحكاية هذه أنه بلغه عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، وبعضهم يشكك فيها، أن الصبي هذا وهو ابن أربع سنين يناظر..، ويقولون: يبعد هذا، ويقول بعضهم: لعلهم رأوا صغر جسمه فظنوه صغيرا، وهو كبير. الآن سيدخل ابن كثير -رحمه الله- في أنواع التحمل، وكيف يؤدي من تحمل بهذه الطرق؟ أو طرق التحمل، يسمونها طرق التحمل وصيغ الأداء لمن تحمل بها. نعم. أنواع تحمل الحديث القسم الأول السماع وأنواع تحمل الحديث ثمانية: القسم الأول: السماع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 وتارة يكون لفظ المسمع حفظا أو من كتاب، قال القاضي عياض: فلا خلاف حينئذ أن يقول السامع: حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا، وسمعت، وقال لنا، وذكر لنا فلان. قال الخطيب: أفضل العبارات سمعت، ثم حدثنا وحدثني، قال: وقد كان جماعة من أهل العلم لا يكادون يخبرون عما سمعوه من الشيخ إلا بقولهم: أخبرنا، ومنهم حماد بن سلمة، وابن المبارك، وهشيم بن بشير، ويزيد بن هارون، وعبد الرزاق، ويحيى بن يحيى التميمي، وإسحاق بن راهويه، وآخرون كثيرون. قال ابن الصلاح: وينبغي أن يكون حدثنا وأخبرنا أعلى من سمعت؛ لأنه قد لا يقصده بالإسماع بخلاف ذلك، والله أعلم. حاشية: قلت: بل الذي ينبغي أن يكون أعلى العبارات على هذا، أن يقول: حدثني؛ فإنه إذا قال: حدثنا أو أخبرنا، قد لا يكون قصْده الشيخ بذلك أيضا، لاحتمال أن يكون في جمع كثير. والله أعلم. هذا هو القسم الأول الذي هو السماع، وهو أن يسمع من لفظ الشيخ، أن يسمع التلميذ أو الراوي من لفظ شيخه الحديث، فالذي يقرأ الآن أو يحدث هو الشيخ. وهذا.. تكاد تكون كلمة اتفاق - يعني الخلاف فيه ضعيف- على أن هذه الطريقة هي أعلى طرق التحمل، أن على طرق التحمل أن يسمع من لفظ الشيخ. ذكر ابن كثير في بداية كلامه أنها على قسمين: تارة يكون من لفظ المُسْمِع حفظا، يعني: الشيخ يحدث من حفظه، وتارة من كتاب. والتحديث من كتاب عندهم أعلى من التحديث من الحفظ؛ ولهذا كان بعض الأئمة قد التزم ألا يحدث إلا من كتاب. الإمام أحمد -رحمه الله- ينقلون عنه أو يذكرون عنه أنه لا يحدث إلا من كتاب، خشية ماذا لا يحدث إلا من كتاب؟ خشية الخطأ؛ لأنهم يقولون: الحفظ خوّان. كان الإمام أحمد يذاكر أحيانا حفظا، فإذا أراد صاحبه أن يسمع منه حديثا، ذهب وأخرج الكتاب وحدثه به من كتابه. وكان علي بن المديني -رحمه الله- يقول: أوصاني أبو عبد الله ألا أحدث المسند إلا من كتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 وكان بعض الأئمة -أيضا- يشترطون على الشيخ إذا جاءوا إليه أن يحدثهم من كتابه؛ لأنهم يخشون عليه الغلط، إذا شكوا.. يعني إذا كان في حفظه شيء خافوا من غلطه، وكان مثلا، مثل أحمد وابن معين كانوا يقولون: لم نسمع من عبد الرزاق إلا من كتابه، وقد ترجى عبدُ الرزاق يحيى بن معين أن يسمع منه ولو حديثا واحدا من حفظه، فأبي عليه وقال: لا أسمع منك إلا من كتاب. إذن هذا يرشد إلى أن الأعلى بالنسبة للمسماع أن يكون يحدث من كتاب. وهؤلاء العلماء يحسن الجمع..، نحن نجمع مثل هذه الأشياء، نحتاج إليها عند الموازنة بين الرواة -رحمهم الله تعالى-، أحيانا نحتاج إليها، قد تمر بالباحث ولو في مثلا حديث أو حديثين أثناء عمله، عند الموازنة، فيُعرف من يحدث من كتاب، من التزام بذلك، ومن يحدث من حفظه. وقد ضبط العلماء هذا وميزوا، يقولون: فلان إذا حدث من حفظه أخطأ، وإذا حدث من كتابه أصاب، ويقولون: كتابه أصح، وهذا كثير جدا، هذا كثر، أن يكون الشيخ أضبط منه في كتابه منه من حفظه. المهم أن قضية التفريق بين الحفظ والكتاب والموازنة، وأثره في الرواية باب واوسع، ولعل شخصا يتصدى لتناول هذه المسألة..هي مبثوثة -موجودة -بحمد الله تعالى- في كتب أهل العلم، وفي كتب الجرح والتعديل، ولكن إبرازها بإبراز جهود المحدثين.. أيضا كذلك للحاجة إليها عند التطبيق أحيانا. وهناك تقسيمات للتحديث لهذا النوع من السماع، هناك التحديث عن طريق الإملاء؛ بأن يكون الشيخ قد جلس وتصدى للإملاء، يملي عليهم كلمة كلمة، إما بنفسه أو بواسطة مملي -كما سيأتي- فهذا هو أعلى درجات السماع، يكون الجميع قد تهيأ لمجلس التحديث، ويملي عليهم كلمة كلمة، من يكتب يمكنه الكتابة، ومن يحفظ يمكنه الحفظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وهناك الدرجة الثانية: وهي التحديث بدون إملاء، وهو أن الشيخ يحدث والتلميذ يسمع، أو الطلبة يسمعون، هذا بالنسبة لطريقة التحمل. كيف يؤدي بها؟ اتفقوا على أنه يؤدي بها بأي صيغة: حدثنا، سمعت، أخبرنا، هذا لا إشكال فيه، إلا أن بعض المحدثين اختاروا لأنفسهم أن يقول: أخبرنا، وهذا أمر مهم سنعرفه فيما بعد،، يعني سبب النص على هؤلاء، مثل يزيد بن هارون محمد بن سلمة وابن المبارك وهشيم، أكثر ما تجد في أسانيد هشيم أن يقول: أخبرنا فلان، إذا صرح بالتحديث ما يقول: حدثنا، اصطلاح له، وإلا من ناحية الجواز متفقون على أنه لا بأس من أن يقول: حدثنا، وسمعت. وذكر ابن الصلاح أن الخطيب البغدادي يقول: أرفع صيغ الأداء في هذه الطريقة أن يقول: سمعت، ويليها: حدثنا وحدثني. وابن الصلاح عكس ذلك، قال: يكون حدثنا وأخبرنا أعلى من سمعت؛ لأنه قد لا يقصده بالإسماع، لكن يظهر -والله أعلم- أن كلام الخطيب أظهر، أن الأعلى هو قوله: سمعت؛ لأنهم يقولون: إنه أبعد عن التدليس؛ لأن بعض المحدثين استجاز أن يقول: حدثنا، وهو لم يسمع، أو أخبرنا وهم لم يسمع، تجوزا، كان الحسن البصري -رحمه الله- يقول: حدثنا، وخطبنا، وهو يقصد أنه حدث أهل البصرة، وهم لم يحضر؛ ولذلك ذكر الخطيب أن أرفعها سمعت، مع اتفاقهم على الرواية بأي لفظ كان. وفرع ابن كثير على قول ابن الصلاح، إذن أن يقول: حدثني؛ لأنه إذا قال: حدثنا فقد حدثه في مجموعة، وهذا كله زيادة تفصيل. نعم. القسم الثاني القراءة على الشيخ القراءة حفظا أو من كتاب القسم الثاني: القراءة على الشيخ حفظا أو من كتاب، وهو العرض عند الجمهور، والرواية بها صحيحة عند العلماء إلا عند شهذاذ لا يُعتد بخلافهم، ومستند العلماء حديث ضمام بن ثعلبة، وهو في الصحيح، وهي دون السماع من لفظ الشيخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وعن مالك وأبي حنيفة وابن أبي ذئب أنها أقوى، وقيل: أنهما سواء، ويعزى ذلك إلى أهل الحجاز والكوفة، وإلى مالك أيضا وأشياخه من أهل المدينة، وإلى اختيار البخاري، والصحيح الأول، وعليه علماء المشرق. فإذا حدث بها يقول: قرأت أو قُرئ على فلان وأنا أسمع، فأقر به، أو أخبرنا أو حدثنا قراءة عليه، وهذا واضح. فإن أطلق ذلك جاز عند مالك والبخاري ويحيى بن سعيد القطان والزهري وسفيان بن عيينة ومعظم الحجازيين والكوفيين، حتى إن منهم سوغ سمعت أيضا، ومنع من ذلك أحمد والنسائي وابن المبارك ويحيى بن يحيى التميمي. الثالث: أن يجوز أخبرنا ولا يجوز حدثنا، وبه قال الشافعي ومسلم والنسائي أيضا وجمهور المشارقة، ونُقل ذلك عن أكثر المحدثين، وقد قيل: إن أول من فرق بينهما ابن وهب. قال الشيخ أبو عمرو -وقد سبقه إلى ذلك ابن جريح والأوزاعي- قال: وهو الشائع الغالب على أهل الحديث. نعم هذا القسم الثاني من أقسام التحمل أو من طرق التحمل، الذي هو القراءة على الشيخ، يعني الشيخ الآن لا يقرأ، إنما هو يستمع، والذي يقرأ من هو التمليذ؟ التلميذ، أحد التلاميذ قد يكون نفسه الراوي، وقد يكون شخصا آخر، أحد الطلبة يقرأ والشيخ يستمع ساكتا مقرا بما يقرؤه الطالب. فهذا يسمونه القراءة على الشيخ، ويسمونه العرض -يسمونه عرض القراءة- هذه الطريقة التي هي أن يكون الطالب هو الذي يقرأ والشيخ يستمع: هو العرض، ذكر ابن كثير -رحمه الله- تعريفها، ثم ذكر حكم الرواية بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 جمهور العلماء على جوازها، ما في أشكال، لم يخالف في ذلك إلا نفر يسير: محمد بن سلّام، وعبد الرحمن بن سلّام الحجمي، يقول عبد الرحمن ومحمد بن سلّام: إنه قدم على مالك فرأى الناس.. مالك لا يقرأ أبدا إلا في النادر جدا تحت إلحاح، في بعض القصص حول إباء مالك أن يقرأ هو؛ لأنه -رحمه الله- قُصد من الآفاق، وكثُر عليه الطلبة، ويصعب عليه أن يقرأ دائما "الموطأ" -مثلا- يقرؤه دائما ويكرره، فالطلبة هم الذين يقرءون، وقد يكون هناك شخص متخصص للقراءة. فمحمد بن سلام هذا رأي مالكا يُقْرَأ، فما سمع من مالك؛ لأنه كان لا يجيز إلا رأي مالك. فعبد الرحمن بن سلام الجمحي هذا طلب من مالك أن يقرأ عليه مالك فأمر مالكٌ بإخراجه. هؤلاء شددوا ومنعوا من الرواية، لكن جمهور العلماء على الجواز، ويستدولون على ذلك بقصة ضمام بن ثعلبة - رضي الله عنه - معروفة هذه- ضمام ? جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: إني سائلك ومشدد عليك في المسألة، فصار يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يقول له: آلله أمرك بهذا؟ يعني بكذ وكذا، فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم - نعم ?. وبوّب البخاري في كتاب العلم على هذا الحديث باب: القراءة على العالم. ثم ذكر ابن كثير -رحمه الله- الأقول في المقارنة بين السماع.. وكان مالك -رحمه الله- يقول: عجبا لمن يستجيز عرض القرآن ولا يستجيز عرض السنة! ؛ لأن القرآن معروف أن الذي يقرأ من هو؟ الذي يقرأ هو الطالب، والشيخ يرد عليه إذا أخطأ. فهو يقول: يستجيزون عرض القرآن ولا يستجيزون عرض السنة! الأقوال التي ذكرها ابن كثير، منهم من يقول: إن السماع أعلى منها، وهذا هو قول الجمهور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 ومنهم من يقول: هي أعلى من السماع؛ وعللوا ذلك بأنهم قالوا: إن الطالب إذا كان يقرأ يمكن للشيخ أن يرد عليه، ولكن إذا كان الشيخ هو الذي يقرأ قد يغلط ولا يستطيع التمليذ أن يرد عليه -يعني لا يتمكن من ذلك- ولكن هذا نادر، والسماع من لفظ بلا إشكال هو قول الجمهور أنه أقوى، ومنهم من سوى بينهما، مالك وغيره يرون أنهما سواء. هذا بالنسبة للعرض هذا والقراءة على الشيخ، ماذا يقول إذا سمع عرضا؟ أو إذا تحمل بطريق العرض؟ هذه صيغ الأداء: هناك ثلاث أقوال: بعض العلماء -رحمهم الله- ورعا وتحرزا يقولون: ينبغي أن ينص على ذلك، فيقول: أخبرنا قراءة عليه، أو حدثنا قراءة عليه أو قُرئ على فلان وأنا أسمعه، فهذا كان يوصي به.. يعني نجده في سنن النسائي، يفعله الإمام النسائي يوجب هذا: أخبرنا فلان قراءة عليه، هذا..بعض العلماء أوصوا بذلك أو يفعلون ذلك -رحمهم الله تعالى- تميزا له عن أي شيء؟ تميزا له عن السماع من لفظ الشيخ. هذا قول. القول الثاني: أنه يطلق أي عبارة أراد، يقول: حدثنا، يقول: أخبرنا بدون أن يبين بعضهم يقول: سمعت مع أنه هو الذي قرأ، وإطلاق، حدثنا، وأخبرنا، وأنبانا هذا هو الذي عليه بعض العلماء -علماء الشرق- يقولون.. البخاري ويحيى بن سعيد القطان والزهري، بعض علماء الحجاز وعلماء العراق. هناك مذهب ثالث هو الذي قرأه القارئ، الذي هو قد يظن أنه القسم الثالث، وإنما هو المذهب الثالث داخل هذا القسم، اصطلاح جرى عليه العلماء. بعض العلماء يقولون: إن أول من ابتدأ به ابن وهب -رحمه الله- وهو أنه خص السماع من لفظ الشيخ بصيغة: حدثنا وخص القراءة على الشيخ بصيغة: أخبرنا، وعليه الإمام مسلم، ويقولون: جمهور المشارقة، واستقر العمل عليه فيما بعد، حتى صار عرفا عند المحدثين، فيما بعد أي بعد: يعني عصر الرواية في القرن الرابع وما بعده استقر العمل عليه، وهو أنك إذا.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 ولهذا مسلم -رحمه الله- يحرص في صحيحه، يقول: حدثنا فلان وفلان وفلان، قال فلان: حدثنا، وقال فلان وفلان: أخبرنا، فكأنه -رحمه الله- يميز..، هؤلاء يميزون بين الطريقة الأولى للتحمل وبين الطريقة الثانية؛ بأن خصوا الطريقة الأولى بصيغة: حدثنا، وخصوا الطريقة الثانية بصيغة: أخبرنا، واستقر عليه العمل فيما بعد. يقول ابن الصلاح -رحمه الله-: إنه اصطلاح، وإن ربطه باللغة فيه تكلف، لكنه اصطلاح للمحدثين فيما بعد استقر العمل عليه. إذا قرأ على الشيخ من نسخة وهو يحفظ ذلك فرع: إذا قرأ على الشيخ من نسخة وهو يحفظ ذلك فجيد قوي، وإن لم يحفظ النسخة بيد من موثوق به، فكذلك على الصحيح المختار الراجح، ومنع من ذلك مانع وهو عسير، فإن لم تكن نسخة إلا التي بيد القارئ وهو موثوق به فصحيح أيضا. فرع: ولا يشترط أن يقرأ الشيخ بما قرأ عليه نطقا، بل يكفي سكوته وإقراره عليه عند الجمهور، وقال آخرون من الظاهرية وغيرهم: لا بد من استنطاقه بذلك، وبه قطع الشيخ أبو إسحاق الشيراذي وابن الصباغ وسليم الرازي. قال ابن الصباغ: إن لم يتلفظ لم تجز الرواية، ويجوز العمل بما سُمع عليه. فرع: قال ابن وهب والحاكم: يقول فيما قُرئ على الشيخ وهو وحده: حدثني، فإن كان معه غيره: حدثنا، وفيما قرأه على الشيخ وحده: أخبرني فإن قرأه غيره: أخبرنا. قال ابن الصلاح: وهذا حسن فائق، فإن شك أتى بالمتحقق، وهو الوحدة: حدثني أو أخبرني، عند ابن الصلاح والبيهقي. وعن يحيى بن سعيد القطان يأتي بالأدنى وهو حدثنا أو أخبرنا، قال الخطيب البغدادي: وهذا الذي قاله ابن وهب مسحب لا مستحق عند أهل العلم كافة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 فرع: اختلفوا في صحة سماع من ينسخ سماعه، فمنع من ذلك إبراهيم الحربي وابن عدي وأبو إسحاق الإسفراييني، وكان أبو بكر أحمد بن إسحاق الضبعي يقول: حضرت، ولا يقول: حدثنا ولا أخبرنا، وجوزه موسى بن هارون الحافظ، وكان ابن المبارك ينسخ وهو يُقرأ عليه. وقال أبو حاتم: كتبت حديث عارم وعمرو بن مرزوق، فحضر الدارقطني وهو شاب، فجلس إسماعيل الصفار وهو يملي، والدارقطني ينسخ جزءا، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، قال: فهمي للإملاء بخلاف فهمك، فقال له: كم أملى الشيخ حديثا إلى الآن؟ فقال الدارقطني: ثمانية عشر حديثا، ثم سردها كلها عن ظهر قلب بأسانيدها ومتونها، فتعجب الناس فيه. والله أعلم. وكان شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزّي -تغمده الله برحمته- يكتب في مجلس السماع وينعس في بعض الأحيان، ويرد على القارئ ردا جيدا بينا واضحا؛ بحيث يتعجب القارئ من نفسه! أإنه يغلط فيما في يده وهو مستيقظ، والشيخ ناعس وهو أنبه منه! ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. هذه فروع على القسم الثاني وهو القراءة على الشيخ. ذكر ابن كثير -رحمه الله- مسألة: هل يشترط أن يكون الشيخ إذا قُرئ عليه يحفظ، أو يكفي أن يُقرأ عليه من نسخته؟ يقول: إن كان يحفظ فهذا أقوى، وهذا الذي ذكره لا إشكال فيه، وإن لم يحفظ والنسخة بيد موثوق به، فكذلك على الصحيح المختار. يعني أن بعضهم شدد، فطالب أن يكون الشيخ يحفظ ما يُقرأ عليه، ولا يكفي أن يكون يُقرأ عليه فقط من كتابه، ولا أن تكون النسخة بيد موثوق به، وهذا من التشديد، يقولون: فإذا كان الشيخ له كتاب، وقد حفظ هذا الكتاب، وحفظه عن التغيير والتزوير، ثم كان بيد موثوق به، إذا كان بيد موثوق به، شخص آخر غير القارئ، أو كانت بيد القارئ أيضا، فهذا.. يقول ابن كثير -رحمه الله-: إن الصحيح جواز الرواية بهذه الطريقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 كذلك أيضا بعضهم يقول: يشترط أن يُقرّ الشيخ، إذا فرغ من القراءة يقول: نعم؛ لأنهم يقولون: أخبرك فلان، هم يقولون: الطالب إذا أراد أن يقرأ ما يقول: حدثنا فلان، إنما يقول -كأنه يسأل الشيخ- يقول له: أخبرك فلان أن فلان حدثك؟ قال: حدثنا إلى آخره ... فبعضهم يشترط أن يقول الشيخ: نعم، والصحيح أنه ما دام ساكتا لا ينكر ذلك، فهذا بمثابة أن يقول: نعم. هذه أمور ... بعد ذلك نَقل عن ابن وهب والحاكم زيادة تفصيل في صيغ الأداء، لكن الذي عندنا الآن في النسخ، قال ابن وهب والحاكم: يقول فيما قُرئ على الشيخ وهو وحده: حدثني، هكذا عندكم؛ كأنها -والله أعلم- يقول فيما قرأه الشيخ وهو حده: حدثني، فإن كان معه غيره -هذا راجع إلى القسم الأول- فإن كان معه غيره يقول: حدثنا، وفيما قرأه على الشيخ وحده: أخبرني، فإن قرأه غيره: أخبرنا. وهذا زيادة تفصيل كما ذكرت، والعمل على خلاف هذا، فإنهم يقولون: حدثنا أو يقول: حدثني إلا بعض الأئمة -رحمهم الله- يدققون في هذه القضية، لكن أكثر ما يستخدمون: حدثنا في الجميع. نلاحظ مسلم -رحمه الله- تارة يقول: حدثني، وتارة يقول: حدثنا، فلعل هذا من الباب، وإن لم يكن هذا عند ... يعني اصطلاح لبعض العلماء؛ ولذلك قال الخطيب: هذا الذي قاله ابن وهب مستحب لا مستحق عند أهل العلم، يعني ليس بواجب، ليس بواجب أن يفرق هذا التفريق، وإنما هو أمر مستحب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 تكلم بعد ذلك ابن كثير على مسألة الغفلة أحيانا أو الاشتغال أثناء السماع إما من الشيخ وهو يُقرأ عليه، ربما الشيخ ينظر في كتاب، أو ربما أيضا يشتغل بأمر آخر، أما أن يتحدث مع غيره والطالب يقرأ، وربما ينعس لأنه مع تزاحم الطلاب، وطول الوقت، ربما ينعس الشيخ والطالب يقرأ، أو يحدث ذلك من الطالب نفسه، بأن يكون الشيخ يُقرأ عليه والطلاب يستمعون، فبعضهم إما أن يشتغل، يبري قلما أو ينظر في شيء، فهذا يقولون: يُتسامح فيه والعبرة فيه بالضبط. ذكر ابن كثير الآن بعض الأمثلة، أن الدارقطني.. أبو حاتم، من الذي يذكر القصة هذه؟ إذا قيل: أبو حاتم من هو؟ أبو حاتم الرازي، لكن هذا الدراقطني لم يدرك أبا حاتم الرازي، فهذا أبو حاتم الذي هو ابن حبان السجستاني هذا، وهو من شيوخ الدارقطني؛ ولهذا يقول: حضر الدارقطني وهو شاب، وإسماعيل الصفار يملي والدارقطني ينسخ جزءا، يعني منشغل، لكنه منتبه للإملاء، وقد حفظ ما قرأه القارئ، حفظ إملاء إسماعيل الصفار. وذكر ابن كثير عن شيخه المزّي، أنه يُردّ على القارئ وينعس، إذا غلط القارئ رد عليه، فإذن العبرة بالضبط، سامحوا فيه، ولا سيما في العصور المتأخرة كثر التسامح، فهذا أمر هين عند بعض الأمور التي ستأتي. وكذلك أيضا التحدث في مجلس السماع، أو القارئ سريع القراءة، أحيانا يحتاجون إلى سرعة قراءة؛ لأن الشيخ ربما … ولاسيما إذا كان الشيخ يمر ببعض البلدان، مثلا في الحج، يريدون قراءة عليه كتب، ليس مثلا أحاديث يسيرة من حديثه، قد يكون يروي مثلا صحيح البخاري، يروي صحيح مسلم، فيختارون قارئا حاذقا يسمونه سريع القراءة؛ من أجل أن ينهوا قراءة هذا الكتاب. فهذا يتسامح فيه أيضا؛ ولاسما -كما ذكرت- في العصور المتأخرة حين صار القصد بقاء سلسلة الإسناد؛ ولهذا قال ابن كثير: هذا هو الواقع في زماننا. التحدث في مجلس السماع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 قال ابن الصلاح: وكذلك التحدث في مجلس السماع، وما إذا كان القارئ سريع القراءة أوكان السامع بعيدا من القارئ، ثم اختار أنه يغتفر اليسير من ذلك، وأنه إذا كان يفهم ما يقرأ من النسخ فالسماع صحيح، وينبغي أن يجبر ذلك بالإجازة بعد ذلك كله، هذا هو الواقع في زماننا اليوم، أن يحضر مجلس السماع من يفهم ومن لا يفهم. والبعيد من القارئ والناعس والمتحدث والصبيان الذين لا ينضبط أمرهم بل يلعبون غالبا، ولا يشتغلون بمجرد السماع، وكل هؤلاء قد كان يكتب لهم السماع بحضرة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزّي -رحمه الله-. وبلغني عن القاضي تقي الدين سليمان المقدسي أنه زُجِر في مجلسه الصبيان عن اللعب، فقال: لا تزجرهم، فإنا سمعنا مثلهم. وقد روي عن الإمام العلم عبد الرحمن بن مهدي -رحمه الله- أنه قال: يكفيك من الحديث شمه، وكذا قال غير واحد من الحفاظ. وقد كانت المجالس تُعقد ببغداد وبغيرها من البلاد، فيستمع الفِئام من الناس، بل الألوف المؤلفة، ويصعد المستملي على أماكن مرتفعة، ويبلغون عن المشايخ ما يملون، فيحدث الناس عنهم بذلك، مع ما يقع في مثل هذه المجامع من اللغط والكلام. وحكى الأعمش: أنهم كانوا في حلقة إبراهيم إذا لم يسمع أحدهم الكلمة جيدا استفهمها من جاره، وقد قوع هذا في بعض الأحاديث عن عقبة بن عامر وجابر بن سمرة وغيرهما. وهذا هو الأصلح للناس، وإن قد تورع آخرون وشددوا في ذلك، وهو القياس. والله أعلم. نعم، هذا مثال على ما ذكرت قبل قليل، التسمع في طرق التحمل في العصور المتأخرة، ابن كثير -رحمه الله- يحكي في وقت زمانه، أن الصبيان يلعبون ولا يستمعون للقراءة، ومع ذلك يثبت أبو الحجاج المزّي فقد كان -رحمه الله- في وقته هو المرجع في مثل هذه الأمور، فابن كثير الآن يستند على عمله في أن ... يعنى المقصود هو بقاء سلسلة الإسناد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 ثم ارتفع ابن كثير قليلا ونقل عن ابن مهدي عدم التشديد في مثل هذه الأمور ما دامت الأمور مضبوطة، وما دام.. يعني ينبغي التسامح، وإن شدد بعض أهل العلم في مثل الكلمة، مثلا الشيخ يملي عليهم وهناك كلمة لم يسمعها من هو في طرف المسجد، وغير المعقول أن كل من لم يسمع كلمة يطلب من الشيخ أن يعيدها. فالسبيل ما هو؟ هو ما يسمونه الاستفهام، ويسمونه التثبيت، وكان بعض العلماء يتورع، فما لم يسمعه من الحديث يقول: ثبتني فيه فلان، وهذا يفعله البخاري، ومعنى ثبتني فيه فلان: أن أكون قد سمعته ولكن لم أسمعه جيدا، أو يقول: أفهمنى فلان، إذا قال: أفهمنى فلان، فهو قد استفهم منه عن كلمة معنية لم يسمعها فأفهمه إياها، هذا تورع منهم -رحمهم الله تعالى- وإلا فإنه يجوز.. لأنه يجوز الرواية من لفظ المملي، -كما نعرف-، في بعض المجالس ذكرت لكم أن مجلس عاصم بن علي فيه مائة ألف أو فيه أربعون ألفا. والبخاري -رحمه الله- لما حضر بغداد يعني اجتمع عليه خلق كثير، فكانوا يملون … أحيانا يبلغ.. ما عندهم مكبرات.. لكن يختارون المكبرات الطبيعية، وهم أناس يقال لهم المملون أو المستملي، يقولون: فلان مستملي، مثلا محمد بن أبان يقولون: هذا مستملي وكيع، كل إمام له مستملي، ويختارونه أن يكون جهير الصوت؛ ولهذا يتسامحون في بعض أخلاق المملي، كما لو قرأت مثلا كتاب "أدب الإملاء والاستملاء" للصنعاني، يتسامحون في بعض أخلاقه، قد يكون فيه عسر، قد يكون فيه الطرافة، يتسامحون في بعض أخلاقه إذا كان جهير الصوت. وربما احتاجوا إلى عدد من الممْلين، كل واحد يبلغ، وهذا يقولون: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (1) والأمر إذا ضاق اتسع، فمثل هذا يقولون: لا يضر ما دام الضبط والإتقان موجود.   (1) - سورة البقرة آية: 286. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 هذا كلام.. واحتج ابن كثير -رحمه الله- بأن الصحابة وقع منهم هذا، بأن بعضهم قد يشغله شغل أو يذهب أو لا يسمع كلمة فيستفهم..، أو يستفهما ممن هو بجانبه، وقع في حديث عقبة بن عامر، في قصة الإبل، ووقع في حديث جابر بن سمرة أيضا. نعم.. السماع من وراء حجاب ويجوز السماع من وراء حجاب كما كان السلف يرون عن أمهات المؤمنين، واحتج بعضهم بحديث حتى ينادي ابن مكتوم، وقال بعضهم عن شعبة: إذا حدثك من لا ترى شخصه فلا تروي عنه، فلعله شيطان قد تصور في صورته، يقول: حدثنا أخبرنا. وهذا عجيب وغريب جدا، إذا حدثه بحديث ثم قال: لا تروه عني، أو رجعت عن إسماعك ونحو ذلك، ولم يُبدِ مستندا سوى المنع اليابس، أو أسمع قوما فخص بعضهم وقال: لا أجيز لفلان أن يروي عني شيئا؛ فإنه لا يمنع من صحة الرواية عنه، ولا التفات إلى قوله. وقد حدث النسائي عن الحارث بن مسكين والحالة هذه، وأفتى الشيخ أبو إسحاق الإسفراييني بذلك. نعم، ذكر ابن كثير قضيتين: قضية السماع من وراء حجاب، هذا بالاتفاق أنه جائز، واستندوا في ذلك على صنيع أمهات المؤمنين، فقد كان يحكى أن لعائشة -رضي الله عنها- مجلس ذكره ابن سعيد في الطبقات، أو رواه ابن سعد في الطبقات، أن كان له مجلس، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يسألونها ويسمعون منها من وراء حجاب. وهذا أمر لا بأس به، نَقل عن شعبة أنه شدد في ذلك، ومعروف عن شعبة التشديد في بعض الأمور، أنه يقول: لا تسمع من شخص إلا من ترى صورته، ولكن قد يكون هناك ضرورة، مثل السماع من النساء، السماع من النساء أحيانا لا يتهئ إلا من وراء حجاب. فابن كثير يقول: إن هذا غريب من شعبة، وليس هو بغريب بالنسبة لشعبة؛ لأنه تشدد في أمور كثيرة، ما استطاع الناس أن يلتزموا بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وذكر ابن كثير بعد ذلك: إذا الشيخ منع التلميذ من الرواية، حدثه بشيء لكن قال له: لا تروه عني، يقول: هذا لا يلتفت له مادام سمع التلميذ، ولاسيما إذا كان.. "ولم يبد مستندا سوى المنع اليابس" ما هو المنع اليابس؟ يسمونه المنع اليابس، يعني هو في الجملة يعني المبالغة أو العسر في الرواية، وربما أطلقوا على الورع -بعض الورع- أنه ورع يابس، ما معنى ورع يابس حينئذ؟ أنه ليس من الورع المحمود، يعني بعض الورع أحيانا يخرج إلى حد الورع غير المحمود، يعني لا يستطيعه الناس، هذا معنى الورع اليابس. هذا المنع اليابس الذي يكون تشددا من الشيخ، ويقول: لا يلتفت له، وضرب مثالا على ذلك، بأن النسائي سمع من الحارث بن مسكين خفية، الحارث بن مسكين في قصة له وقعت مع النسائي، كان النسائي مختفيا، ما عرف به الحارث بن مسكين، ولو عرف به.. أو لو كشف أمره ما حدثه، ولكنه في خفية سمع منه، وكان يحدث بهذا السماع، مع أن الحارث بن مسكين لا يرضى أن يروي عنه، لكن هذا يلتفت إليه. لماذا لا يلتفت لرضاه أو عدم رضاه؟ لأن هذا العلم ليس ملكا له، فما دام قد سمع منه فللتمليذ أن يروي عنه لو لم يرض، ولا إشكال في ذلك؛ لأن هذا ليس ملكا له، العلم ليس ملكا لأحد؛ ولهذا حتى في البحوث والاجتهاد، لماذا يقال للطالب: لا تشدد مثلا مع من خالفك، وتتكلم فيه، وتسبه؟ وربما نحن نشاهد الآن مع الأسف الشديد في بعض المناقشات العلمية تخرج إلى حد المهاترات الشخصية، وهذا يعني قلة فقه؛ لأن العلم ليس ملكا لك. أنت تتحدث عن أمر للعامة، للناس كلهم، ليس ملكا لأحد هذه القضية، حكم كذا، أو جواز كذا، أو الحديث الفلاني يصح أو لا يصح، هذه أمور علمية، نعم إذا جاء يمس حقك، مالك، فهذا شأن آخر، أما التشاحن والاعتداء في النقاش، والسباب والشتام، يصل إلى أمور في الحقيقة تؤسف بين طلبة العلم، وكلهم ينتسبون إلى العلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 ولكن يعني هذا -كما ذكرت- أقل ما يقال فيه: إنه قلة فقه، أن يتحول النقاش في المسائل العلمية إلى المهاترات، وربما إلى الاعتداء، ربما الكذب أيضا وتحميل الأمور ما لا تحتمله والدخول في النيات وغير ذلك. نعم.. القسم الثالث الإجازة القسم الثالث: الإجازة، والرواية بها جائزة بها عند الجمهور، وادّعى القاضي أبو الوليد الباجي الإجماع على ذلك، ونقضه ابن الصلاح بما رواه الربيع عن الشافعي أنه منع من الرواية بها، وبذلك قطع الماوردي، وغزاه إلى مذهب الشافعي. وكذلك قطع بالمنع القاضي حسين بن محمد المروزي، صاحب التعليقات، وقالا جميعا: لو جازت الرواية بالإجازة لبطلت الرحلة، وكذا روي عن شعبة بن الحجاج وغيره من أئمة الحديث وحفاظه، وممن أبطلها إبراهيم الحربي، وأبو الشيخ محمد بن عبد الله الأصفهاني، وأبو نصر.. وحُكي ذلك عن جماعة ممن لقيهم. ثم هي أقسام: أولا: إجازة من معيَّن لمعيَّن في معيَّن، بأن يقول: أجزتك أن تروي عني هذا الكتاب أو هذه الكتب، وهي المناولة، وهي جائزة عند الجماهير حتى الظاهرية، لكن خالفوا في العمل بها؛ لأنها في معنى المرسل عندهم، إذ لم يتصل السماع. ثانيا: إجازة لمعيّن في غير معيَّن، مثل أن يقول: أجزت لك أن تروي عني ما أرويه، أو ما صح عندك من مسموعاتي ومصنفاتي، وهذا مما يجوزه الجمهور أيضا رواية وعملا. الثالث: الإجازة لغير معيَّن مثل أن يقول: أجزت للمسلمين أو للموجودين أو لمن قال: لا إله إلا الله، وتسمى الإجازة العامة، وقد اعتبرها طائفة من الحفاظ والعلماء، وممن جوزها الخطيب البغدادي، ونقلها عن شيخه القاضي أبي الطيب الطبري، ونقلها أبو بكر الحازوني عن شيخه أبي العلاء الحمداني الحافظ، وغيرهم من محدثي المغاربة -رحمهم الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 رابعا: الإجازة للمجهول بالمجهول ففاسده، وليس منها ما يقع من الاستدعاء لجماهير مُسمَّيْن لا يعرفهم المجيز، ولا يتصفح أنسابهم، ولا عدتهم، وإن هذا سائغ شائع. كما لا يستحضر المُسْمِع أنساب من يحضر مجلسه ولا عدتهم. والله أعلم. ولو قال: أجزت رواية هذا الكتاب لمن أحب روايته عني، فقد كتبه أبو الفتح محمد بن حسين الأزدي، وسوغه غيره، وقواه ابن الصلاح. وكذلك لو قال: أجزتك ولولدك ونسلك وعقبك رواية هذا الكتاب وما يجوز لي روايته، فقد جوزها جماعة، منهم أبو بكر بن أبي داود، قال لرجل: أجزت لك ولأولادك ولحبل حبله. وأما لو قال: أجزت لمن يوجد من بني فلان، فقد حكى الخطيب جوازها عن القاضي أبي يعلى بن الفراء الحنبلي، وأبي الفضل بن عمروس المالكي، وحكاه ابن الصباغ عن طائفة، ثم ضعف ذلك وقال: هذا يبنى على أن الإجازة إذن أو محادثة. وكذلك ضعفها ابن الصلاح، وأورد الإجازة للطفل الصغير الذي لا يُخاطَب مثله، وذكر الخطيب أنه قال للقاضي أبي الطيب: إن بعض أصحابنا قال: لا تصح الإجازة إلا لمن يصح سماعه، فقال: قد يجيز الغائب عنه ولا يصح سماعه منه. ثم رجح الخطيب صحة الإجازة للصغير، قال: وهو الذي رأينا كافة شيوخنا يفعلونه، يجيزون للأطفال من غير أن يسألوا عن أعمارهم، ولم نرهم أجازوا لمن لم يكن موجودا في الحال. والله أعلم. ولو قال: أجزت لك أن تروي ما صح عندك مما سمعته وما سأسمعه، فالأول جيد والثاني فاسد، فقد حاول ابن الصلاح تخريجه على أن الإجازة إذن لكالوكالة، وفيما لو قال: وكلتك في بيع ما سأملكه خلاف. وأما الإجازة بما يرويه إجازة، فالذي عليه الجمهور الرواية بالإجازة على الإجازة وإن تعددت، وممن نص على ذلك الدارقطني وشيخه أبو العباس بن عقدة، والحافظ أبو نعيم الأصفهاني، والخطيب، وغير واحد من العلماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 قال ابن الصلاح: ومنع من ذلك بعض من يعتد به من المتأخرين، والصحيح الذي عليه العمل جوازه، وشبهوا ذلك بتوكيل الوكيل. هذا هو القسم الثالث من أقسام الرواية وطرق التحمل: هو الإجازة، وخلاصة الكلام في الإجازة ما نطيل فيها، في قضيتين: القضية الأولى: معنى الإجازة، معنى الإجازة هو الإذن بالرواية من دون سماع ولا قراءة، هذه خلاصة معنى الإجازة، أن يقول له: أذنت لك أن تروي عني هذا الكتاب، يعني حسب ما قسمها ابن كثير -رحمه الله-، هذه قضية. إذن معنى الإجازة باختصار: هو الإذن بالرواية من غير سماع ولا قراءة، من غير تحديث، لا الشيخ يحدث ولا الطالب يقرأ، وهذه أقسام كما ذكرها ابن كثير -رحمه الله-، كان بعض المحدثين في وقت الرواية يمنعونها، ونَقل هذا عن شعبة وعن الشافعي. ونُقل عن بعض العلماء العمل بها، حتى نقل عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ونقل عن الزهري، ونقل عن ابن جريج وجماعة يعملون بها، لكن نلاحظ أن عملهم ما يُنقَل، ترى من العمل بالإجازة في عصر الرواية إنما هو للقسم الأول، الذي هو إجازة من معيَّن لمعيَّن في معيَّن، بأن يقول له: هذا الجزء أرويه أنا فاروه عني. ثم بعد ذلك الأقسام الثانية هذه نلاحظ أنها وقعت بعد عصر الرواية، ونلاحظ أن كل واحد منها فيه تسامح أخف من الذي قبله، وما زالوا يتسامحون في عصر الرواية حتى كما نرى صارت إجازات معدومة الفائدة، ولا عذر لهم في ذلك إلا أنهم يريدون بقاء سلسلة الإسناد، وقد بقي منها إلى الآن في وقتنا الحاضر، الرواية بالإجازات موجودة الآن في عصرنا الحاضر، بإمكان طلبة العلم مثلا أن يذهبوا إلى أحد المشايخ ممن له إجازات، فيجيزهم أن يرووا عنه الكتب الستة، أو مسند الإمام أحمد، وهم لم يسمعوا منه، ولم يقرءوا عليه أيضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 ومنتشر الآن بين طلبة العلم هذا الشيء، وهناك مشايخ في بلادنا وفي العالم الإسلامي كله..، لكن هذه لا فائدة منها مطلقا إلا بقاء سلسلة الإسناد، وكثيرا ما أسأل عن.. بعض الإخوان يقولون: ما رأيك في كذا؟ أقول: لا بأس بهذا، تتبع هذا لا بأس به، ولكن بشرط ألا يشغل عما هو أهم. فموجودة هذه الإجازات، وكما ذكرت من الثاني فما بعده: هذا تسمع فيه الناس فيما بعد، بسبب أن المقصود هو بقاء سلسلة الإسناد، وأما في عصر الرواية فالموجود منه -الذي اختلف فيه العلماء- هو القسم الأول، وكذلك أيضا تسمحوا في الإجازة، مثل هذا كلام أبو بكر بن أبي داود، هذا ولد أبي داود، صاحب السنن وأجزت لك ولأولادك ولحبل حبله، هذا كأنه قاله من باب الطرفة. كذلك تكلم ابن كثير على قضية إجازة الأطفال، إجازة الصغار، وهذا إذا كان يجيز للمجهول.. يعني لغير المعين! فمن باب أولى صحة الإجازة للصغار، والعمل عليه! وكذلك الإجازة وراء إجازة. هذا أيضا استقر العمل عليه، كلٌّ يجيز مَن بعده، كما تسمعون مثلا الآن بعض طلبة العلم أولع في بعض كتبه أن يروي بعض الأحاديث بإسناده في التخريج، وهذا -بحمد الله- لم ينتشر، ونحمد الله أنه لم ينتشر. إثقالٌ للكتب، يسوق الإسناد في صفحة أو صفحتين، والمتن في سطر واحد، لا فائدة منه، يكفي أن تقول: روى البخاري، فهذه الكتب معروفة ومتداولة ومضبوطة وشهرتها أضبط من الرواية بالإجازة، فهذه الآن.. ما ترونه كلها إجازة وراء إجازة وراء إجازة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 واصطلح المتأخرون بالنسبة لصيغ الأداء: حدثنا بالقراءة، يعني الشيخ هو الذي يقرأ. أخبرنا بالقراءة على الشيخ (أنبأنا) هذه كانت عند الأولين ماذا تعني؟ تعني أن الشيخ هو الذي … أو القراءة على الشيخ، لكنِ المتأخرون خصوها بالإجازة، مثلا ما تراه عند البيهقي، وفي كتب ابن حجر، وفي كتب ابن الجوزي، (أنبأنا) هذه إجازة، عند المتأخرين اصطلحوا على أن أنبأنا للإجازة. فإذا كانت إجازة فوق إجازة اصطلحوا على (عن) عن فلان عن فلان، معناه أنها إجازة وراء إجازة، وهذه كلها اصطلاحات لهم -رحمهم الله تعالى- نعم القسم الرابع. القسم الرابع المناولة القسم الرابع المناولة: فإن كان معها إجازة مثل أن يناول الشيخ الطالب كتابا من سماعه ويقول: ارْوِ هذا عني، أو يملكه إياه أو يعيره لينسخه ثم يعيده إليه، أو يأتيه الطالب بكتاب من سماعه فيتأمله ثم يقول: ارْوِ عني هذا. ويسمى هذا عرض المناولة. وقد قال الحاكم: إن هذا السماع عند كثير من المتقدمين، وحكوه عن مالك نفسه، والزهري وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري من أهل المدينة، ومجاهد وأبي الزبير وسفيان بن عيينة من المكيين، وعلقمة وإبراهيم والشعبي من أهل الكوفة، وقتادة وأبي عالية وأبي المتوكل الناصي من البصرة، وابن وهب بن القاسم وأشهب من أهل مصر، وغيرهم من أهل الشام والعراق، ونقلوه عن جماعة من مشايخه. قال ابن الصلاح: وقد خلط في كلامه عرض المناولة بعرض القراءة، ثم قال الحاكم: والذي عليه جمهور فقهاء الإسلام الذين أفتوا في الحرام والحلال -أنهم لم يرووه سماعا. وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق والثوري والأوزاعي وابن المبارك ويحيى بن يحيى والبويطي والمزني، وعليه عديد من أئمتنا وإليه ذهبوا وإليه نذهب، والله أعلم. وأما إذا لم يمسكه الشيخ كتاب، ولم يُعِرْهُ إياه فإنه منحط عما قبله، حتى إن منهم من يقول: هذا مما لا فائدة فيه، ويبقى مجرد إجازة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 قلت: أما إذا كان الكتاب مشهورا كالبخاري ومسلم، أو شيء من الكتب المشهورة فهذا كما لو ملكه أو أعاره إياه والله أعلم. ولو تجددت المناولة عن الإذن في الرواية فالمشهور أنه لا تجوز الرواية بها، وحكى الخطيب عن بعضهم جوازها، قال ابن الصلاح: ومن الناس من جوز الرواية بمجرد إعلام الشيخ للطالب أن هذا سماعه والله أعلم. ويقول الراوي بالإجازة: "أنبأنا" فإن قال: "إجازةً" فهو أحسن، وتجوز "أنبأنا" و"حدثنا" عند جماعة من المتقدمين. وقد تقدم النقل عن جماعة أنهم جعلوا عرض المناولة المقرونة بالإجازة بمنزلة السماع، فهؤلاء يقولون: "حدثنا" و"أخبرنا" بلا إشكال، والذي عليه جمهور المحدثين قديما وحديثا أنه لا يجوز إطلاق "حدثنا" ولا "أخبرنا" بل يقيدان، وكان الأوزاعي يخصص الإجازة بقوله: "خبَّرنا" بالتشديد. نعم هذا القسم الرابع الذي هو المناولة، ومعنى المناولة: أن يناوله كتابا ... يعطيه كتابا، فإذا قال له: ارْوِهِ عني فهذه المناولة، وهي أحيانا أيضا في نفس الوقت من القسم الثالث الذي هو الإجازة. وهذا كما تقدم هو القسم الأول من أقسام الإجازة، هذه المناولة المصحوبة بالإجازة بالإذن بالرواية نقل الحاكم عن كثير من المتقدمين العمل بها، ولكن قول ابن الصلاح: "قد خلط في كلامه عرْض المناولة بعرض القراءة" يقصد: أن الحاكم بعض من نسب إليهم هذا القول الذي هو جواز العمل بها إنما جوَّزوا عرض القراءة الذي هو القسم الثاني، فيقول: إن الحاكم لم يحرر هذا النقل ... هذا الكلام لابن الصلاح -رحمه الله-. ونقل الحاكم عن جماعة كثيرين أنهم لم يرووه سماعا، وهو صحيح ليس بسماع ... لم يرووه سماعا أي: ليس بسماع هذا أن يعطيه كتابا ويقول له: اروه عني ... منحط عن السماع، لكن العمل على هذا ولاسيما كما ذكرت في العصور المتأخرة. وتكلم ابن كثير على قضية إذا لم يناوله الكتاب، ولم يُعِرْهُ إياه، هذا هو الذي عليه العمل فيما بعد كما ذكرت في الإجازة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 موضوع الإجازة والمناولة بينهما ترابط فإذا لم يناوله كتابا ولم يعره إياه فهذا إنما هو إجازة فقط، رجع إلى القسم الذي قبله، وهذا هو الذي عليه العمل، ليس هناك مناولة. إذا جئت إلى شخص تريد أن تروي عنه الآن ما يناولك كتابا إنما يكتب لك ورقة، أو يسجل لك كلامه في مسجل أو ربما أذن لك إذنا بأن يقول: أجزتُ لك أن تروي عني. هذا هو الموجود وليس هناك مناولة الآن في الإجازة، المناولة متى كانت؟ في العصور المتقدمة، وكلما يتأخر الزمن؛ لأنه لا يمكن أن يناولك مخطوطات بكافة كتب السنة ما يمكن هذا، وإنما هي إجازات. تكلم ابن كثير بعد ذلك على قوية ماذا يقول، وما ذكرته قبل قليل أنهم اصطلحوا على "أنبأنا" في الإجازة، ويقول: إنْ بيَّن ذلك فيقول: "أنبأنا إجازة" فهو حَسَن، وإلا فإنه لا بأس بالإطلاق. ونقل عن بعض المحدثين أنهم أجازوا إطلاق "أخبرنا" منهم أبو نُعيم يقول: إنه نوعٌ من التدليس أن يقول: "أخبرنا" أو "حدثنا بالإجازة" نوع من التدليس، ونقل عن الأوزاعي أنه خصها بـ"خبَّرنا" هذه هي المناولة نعم.. القسم الخامس المكاتبة القسم الخامس المكاتبة: بأن يكتب إليه بشيء من حديثه فإنه أذن له في روايته عنه فهو من المناولة المقرونة بالإجازة، وإن لم تكن معهما إجازة فقد جوّز الرواية بها أيوب ومنصور والليث وغير واحد من فقهاء الشافعية والأصوليين وهو المشهور، وجعلوا ذلك أقوى من الإجازة المجردة، وقطع الماوردي بمنع ذلك -والله أعلم-، وجوز الليث ومنصور عن المكاتبة أن يقول: "أخبرنا" و"حدثنا" مطلقا والأحسن أن يكون تقديره بالمكاتبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 هذا القسم المكاتبة حقه في الحقيقة أن يُقدم على الإجازة والمناولة لماذا؟ لماذا حقه أن يقدم؟ لأنه أقوى منهما كلها، إذا وَثَقَ المكتُوبُ إليه بخط الشيخ أو بخط الذي كتب، وهذا كما نعرف نحن عُمل به متى؟ الكتابة متى عُمل بها؟ منذ عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان رسول الله يكتب إلى الآفاق، ويكتب إلى الناس، وأيضا كذلك الخلفاء والصاحبة كتب بعضهم إلى بعض، والتابعون، وفي صحيح البخاري وفي صحيح مسلم الرواية بالكتابة، وهي طريق مشهور حقه أن يقدم لشهرة العمل بها ... شهرة الرواية بها. وهي أقوى بكثير من الإجازة ومن المناولة؛ لأن هذه يدخلها أمور، أما هذه الكتابة فإذا وثق الشيخ أو وثق المكتوب له بخط الشيخ فهذه كافية، أو هذا عليه العمل، وما ينقل من المنع هذا عن بعض الأصوليين المتأخرين هذا لا التفات له؛ لأنه الموجود في عصر الرواية: كتب فلان إلى فلان … كتب إلى ابن عباس ... كتب ... موجود في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم. والمحدثون على العمل بها، بل بعضهم جوَّز أن يقول: "حدثنا" و"أخبرنا" في الكتابة، هذا النقل عن الليث بن سعد وعن منصور بن المعتمر أنهما جوزا أن يقول: "حدثنا" و"أخبرنا". نعم. القسم السادس الإعلام القسم السادس الإعلام: إعلام الشيخ أن هذا الكتاب سماعه من فلان من غير أن يأذن له في روايته عنه، وقد سوغ الرواية بمجرد ذلك طوائف من المحدثين والفقهاء، منهم ابن جريج وانقطع به ابن الصباغ، واختاره غير واحد من المتأخرين حتى قال بعض الظاهرية: لو أعْلَمَهُ بذلك ونهاه عن روايته عنه فله روايته، كما لو نهاه عن رواية ما سمعه منه إن هذه طريقة من طرق التحمل، وهو أن يقول: ربما يجلسون في مجلس فيقول الشيخ للتمليذ: أنا أروي هذا الكتاب ليُعلمه بذلك دون أن يأذن له بروايته، فهذا يقولون: يجوز الرواية بهذا كما ذكرت قبل قليل أنه يجوز له أن يروي عنه؛ لأنه هذا العلم حق للجميع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 فإذا علم التلميذ أن الشيخ يروي هذا فله أن يروي عنه هكذا، ولكن في الغالب هذه يعني مثلما نقول نادرة الوقوع، الغالب أن يقع معها إذن بالرواية. لكن لو افترض أنه ليس معها إذن بالرواية أو ربما منعه من الرواية، فهذا يقولون: هي طريقة من طرق التحمل، ويجوز أن يروي بها أن يقول: أعلمني فلان مثلا كذا. نعم. القسم السابع الوصية القسم السابع الوصية: بأن يوصي بكتاب له كان يرويه لشخص فقد ترخص بعض السلف في رواية الموصي له بذلك الكتاب عن الموصي، وشبهوا ذلك بالمناولة وبالإعلام بالرواية. قال ابن الصلاح: وهذا بعيد وهو إما ذلة عالم أو متأول، إلا أن يكون أراد بذلك روايته بالوُجَّادة، والله أعلم. نعم.. الوصية: أن يوصي له بالكتب كما نعرف، عند الوفاة يوصي بكتبه إما لابنه أو لفلان، وهو لم يأذن له في الرواية ولم يخبره أن هذا روايته. فيقول ابن الصلاح -رحمه الله-: إن الرواية بها ضعيفة، ولكن -يعني- تلحق بالوجادة، الوجادة هذه أقسام من الذي استقرأه الوصية مثل الوجادة يقول: لأنها خالية من الإذن، أما إذا كان معها إذن فتدخل في الإجازة التي سبق الحديث عنها. القسم الثامن الوجادة القسم الثامن: الوجادة: وصورته أن يجد حديثا أو كتابا بخط شخص بإسناده فله أن يرويه عنه على سبيل الحكاية، ويقول: وجدت بخط فلان، حدثنا فلان ويسنده، ويقع هذا أكثر في مسند الإمام أحمد -رحمه الله- يقول ابنه عبد الله: وجدت بخط أبي: حدثنا فلان ... ويسوق الحديث، وله أن يقول: قال فلان، إذا لم يكن فيه تدليس يوهم اللُّقِيّ. قال ابن الصلاح: وجازف بعضهم فأطلق فيه: "حدثنا" أو "أخبرنا" وانتقد ذلك على فاعله، وله أن يقول فيما وجد من تصنيفه بغير خطه: ذكر فلان، وقال فلان أيضا، ويقول: بلغني عن فلان فيما لم يتحقق أنه من تصنيفه، أو مقابلة كتابه، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 قلت: والوجَّادة ليست من باب الرواية، وإنما هي حكاية عما وجده في كتاب، وأما العمل بها فمنع منه طائفة كثيرة من الفقهاء والمحدثين أو أكثرهم فيما حكاه بعضهم، ونقل عن الشافعي وطائفة من أصحابه جواز العمل بها. قال ابن الصلاح: وقطع بعض المحققين من أصحابه في الأصول بوجوب العمل بها عند حصول الثقة به، قال ابن الصلاح: وهذا هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة؛ لتعذر شروط الرواية في هذا الزمان، يعني: فلم يبق إلا مجرد وجادات. قلت: وقد ورد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ? أي الخلق أعجب إليكم إيمانا؟ قالوا: الملائكة، قال: وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم، وذكروا الأنبياء، فقال: وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟! قالوا: فنحن؟ قال: وكيف لا تؤمنون وإنا بين أخطركم، قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: قوم يأتون من بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها ?. وقد ذكرنا الحديث بإسناده ولفظه بشرح البخاري ولله الحمد، ويأخذ منه من عمل بالكتب المتقدمة بمجرد الوجادة لها، والله أعلم. هذه الطريقة الأخيرة من طرق التحمل وهي الوجادة: وهي مصدر من وجد، وخلاصتها أن يجد بخط الشيخ كتابا، ويقسمونها إلى قسمين. هنا نلاحظ من كلام ابن كثير أنها مقسومة إلى قسمين: القسم الأول: أن يجد التلميذ بخط شيخه، فهذه يظهر -والله أعلم- أنها طرق من طرق الرواية مثل قول عبد الله ابن الإمام أحمد، كثيرا ما يقول: وجدتُ بخط أبي، فهذه طريقة من طرق الرواية. أما إذا كان الواجد بعد عصر الشيخ، أي: لم يدركه فهذه حكاية مجرد حكاية. أنت تقول الآن: نلاحظ الذي يقرأ في كتاب (تهذيب التهذيب) كثيرا ما يقول ابن حجر: وجدت أو قرأت بخط الذهبي، فهذه وجادة ولكنها ليست رواية، وإنما هي حكاية؛ فليس معه إذن وليس معه إعلان، وليست من طرق التحمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 أما إذا كان الواجد هو التلميذ فهذا يظهر لي -والله أعلم- أو يظهر أنها طريقة من طرق الرواية، أي: يروي عن أبيه أو عن شيخه ما وجده بخطه؛ فإن الوجادة على قسمين: قسم يجده التلميذ بخط شيخه، وقسم يجده مَن بعده ممن لم يدركه فهذه ليست من باب الرواية وإنما هي باب الحكاية. ومثلما نقول الآن قال ابن تيمية: قال فلان، قال فلان. نحن لم نسمعه منهم، قال ابن القيم: ... قال ابن حجر: قال فلان مثلا، فهذه حكاية عن قوله يصح متى وثقنا بالحكاية، متى وثقنا بأن هذا من تأليف فلان؛ ولهذا يلزم الباحثون والمحققون للكتب أن يذكر عنوان باسم توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف، كما نعرف هناك كتب اختلف هل من تأليف فلان، مثل مثلا (الإمامة) لابن قتيبة هل هو من تأليفه أو ليس من تأليفه وهناك كتب نسبت إلى أصحابها خطأ مثل مثلا الأذكياء ينسب أحيانا لابن القيم الجوزية وليس هو من تأليفه. المهم أنه التوثق من صحة الكتاب ومن صحة الكلام هذا لا بد منه، وهناك بعض الأجزاء نسبت إلى أصحابها خطأ إلى من نسبت إليه خطأ، فإذا وثقنا وصحَّ النقل عن الكتاب أن نقول: قال فلان، أو ذكر فلان ونحو ذلك. هذه هي أقسام التحمل، هناك كلمة كما نلاحظ أكثر الكلام الموجود في طرق التحمل إنما هو فيما حدث في العصور المتأخرة، بمعنى: الذي أريده هنا أن حاجة طالب العلم في نقد الأسانيد إنما هو إلى القسمين الأولين، وهما: السماع من لفظ الشيخ أو القراءة من لفظ الشيخ. وما عدا ذلك فما يصادفه منه قليل ... منه الشيء القليل في المكاتبة، ومنه في الإجازة المصحوبة بالمناولة، وما عدا ذلك فإنما هو في العصور المتأخرة حين كثرت واشتدت الحاجة لذلك ولم يكن هناك حاجة إلى القراءة والضبط؛ لأن المقصود بقاء سلسلة الإسناد. فإذًا بالنسبة لنقل السنة أكثر ما تحتاج إليه في القسمين الأولين والثالث والرابع الذي هو المناولة أو الإجازة المقرونة بالمناولة يردا أحيانا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وكذلك بالنسبة للكتابة أيضا موجود لكن كما ذكرت الأكثر والأعم والأغلب في عصر الرواية إنما هي كانت الرواية بأي طريقة؟ إما بالسماع من لفظ الشيخ، أو بالقراءة على الشيخ، والذي ينبغي الاهتمام به هي صيغ الأداء: حدثنا، أخبرنا، عن، قال، ذكر، لقضايا الإرسال والتدليس، وهذا هو الذي ينبغي الاهتمام به. أمَّا كيف تحمل الشيخ فهذا يعني كما ذكرت نحتاج إليه في القسمين الأولين بالنسبة لعصر الرواية، وبالنسبة كذلك للكتابة، والمناولة على شيء قليل مع الإجازة بالنسبة للمناولة. وأما ما عدا ذلك فكما ترون النقل عن الأصوليين، وكذلك شرح ما عليه المتأخرون، هذا المتعلق بطرق التحمل لا بأس. النوع الخامس والعشرون: كتابة الحديث وضبطه وتقيده اختلاف السلف في كتابة الحديث وعدم كتابته النوع الخامس والعشرون: كتابة الحديث وضبطه وتقيده: قد ورد في صحيح مسلم عن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- مرفوعا: ? من كتب عني شيئا سوى القرآن فليمحُه ?. قال ابن الصلاح: وممن روينا عنه كراهة ذلك عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو سعيد في جماعة آخرين من الصحابة والتابعين. قال: وممن روينا عنهم إباحة ذلك أو فعله -عليّ وابنه الحسن وأنس وعبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهم- في جماعة آخرين من الصحابة والتابعين. قلت: وثبت في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ? اكتبوا لأبي شاة ? وقد تحرر هذا الفصل في أوائل كتابنا (المقدمات) -ولله الحمد-. قال البيهقي وابن الصلاح وغير واحد: لعل النهي عن ذلك كان حين يُخاف التباسه بالقرآن، والإذن فيه حين أُمِن ذلك، والله أعلم. وقد حكي إجماع العلماء في العصائر المتأخرة على تسويغ كتابة الحديث، وهذا أمر مستفيض شائع ذائع من غير نكير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 هذا بالنسبة لكتابة الحديث وضبطه وتقيده من النوع الخامس والعشرون ابتدأه ابن كثير تبعا لابن الصلاح -رحمه الله- في قضية اختلاف السلف -رضوان الله عليهم- في كتابة الحديث أو عدم كتابته، نحن نعرف ورد الحديث المشهور "لا تكتبوا عني" حديث أبي سعيد الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: "ولا تكتبوا عني" قوله - صلى الله عليه وسلم - ? لا تكتبوا عني غير القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحُه ?. فهذا الحديث جاء ما يعارضه وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الوداع: ? اكتبوا لأبي شاة ? وقول أبي هريرة - رضي الله عنه - ? ليس هناك أحد من أصحاب رسول - صلى الله عليه وسلم - أكثر رواية مني غير عبد الله بن عمرو بن العاص؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب ?. فهذان الحديثان وأمثالهما أيضا أحاديث أخرى تدل على وقوع الكتابة في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - للحديث، وجمع العلماء بين النهي وبين الإذن بجموع مختلفة، منهم من يجعل الحديث -حديث أبي سعيد- هذا موقوفا عليه من كلامه. ومنهم من يقول: النهي عن الكتابة إنما هو لمن كتب الحديث مع القرآن في صحفة واحدة، أي: خشية في أول الأمر أن يختلط الحديث بالقرآن الكريم. ومنهم من يقول -وهذا عول عليه كثير من العلماء-: أن النهي كان في أول الأمر من أجل أن يحفظوا القرآن ويضبط القرآن ويكتب، ثم بعد ذلك أذن بالكتابة. هذا ما جاء عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبالنسبة للصحابة، وأيضا منهم من كره الكتابة، منهم عمر، ونقل أيضا عن ابن مسعود وزيد بن ثابت وأبي موسى نهيهم عن الكتابة، ومنهم من إذا رأى ابنه أو غيره يكتب مزق الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 وورد الإذن بالكتابة عن بعض الصحابة: علي كان له صحيفة في سيفه التي فيها العقل وفكاك الأسير، وكذلك أيضا عبد الله بن عمرو بن العاص، هناك صحيفة تسمى الصحيفة الصادقة، وكذلك أيضا بعض الصحابة، وكذلك استمر الصراع، أو مثل ما تقول: الاختلاف في الكتابة، حتى بعد عصر الصحابة في عصر التابعين، حتى من بعدهم كان بعض السلف ينهي عن الكتابة، ولهم في ذلك أسباب، منها: خشوا أن يضعف الحفظ، وأن يعتمد الناس على الكتابة، ويقولون لهم عبارات: العلم ما حواه الصدر لا ما حواه القِمَطر. ويقول أيضا: إن الكتابة تؤدي إلى أن ينتشر العلم عند من يستحقه، حتى نقل عن الأوزاعي أنه يقول: كان العلم في صدور الرجال، أي معنى قوله: مهيبا أو كذا فلما صار إلى الكتب أبتذل، أو نحو ذلك. فاختلاف نهي هؤلاء عن الكتابة له أسباب عديدة لكن كما قال ابن كثير -رحمه الله-: ما زالت الكتابة تزحف، والإذن بها بكثير حتى استقر الإجماع على تجويز الكتابة، ولا سيما كما قاله بعض العلماء بعد أن تأخر الزمن عن رسول - صلى الله عليه وسلم - وطالت الأسانيد، وخشي من الغلط، فصارت الكتابة هي المتعينة كما تقدم قبل قليل أن بعض العلماء لا يحدث إلا من كتاب فضلا عن الإذن في الكتابة، لا بد من الكتابة لطول الأسانيد والخشية من الغلط. يقول ابن كثير: إجماع العلماء في الأعصار المتأخرة على تسويغ كتابة الحديث، والنهي عن الكتابة أيا كان سببه انتهى، معنى زمنه: سواء كان في عصر الرسول أو في عصر الصحابة، أو في عصر من بعدهم. نعم، الآن سيدخل في بعض القضايا المتعلقة بالكتابة، إرشادات أكثرها نمر عليها مرورا، ولكنها قد تفيد في عملنا نحن، وفي بحوثنا وفي كتابتنا نحن. ما ينبغي لكاتب الحديث أو غيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 فإذا تقرر هذا فينبغي لكاتب الحديث أو غيره من العلوم أن يضبط ما يُشْكِلُ عليه، أو قد يشكل على بعض الطلبة في أصل الكتاب لفظا وشكلا وإعرابا على ما هو مصطلح عليه بين الناس، ولو قيد في الحاشية لكان حسنا وينبغي توضيحه. ويكره التدقيق والتعليق بالكتاب بغير عذر، قال الإمام أحمد لابن عمه حنبل وقد رآه يكتب دقيقا: لا تفعل فإنه يكون كأحوج ما تكون إليه. هذه بعض الإرشادات بالنسبة للكاتب، منها: أن يضبط العلماء، والضبط على قسمين: منهم من يحب أن يضبط كل شيء، يضبط كتابته. فنجد بعض المخطوطات مضبوطة، كل الكلمات مضبوطة ولكن هذا قليل، ومنهم من لا يضبط شيئا، نجد في المخطوطات كتابة فقط، بل بعض المخطوطات يعرفها الطلاب المتخصصون في المخطوطات كل زمن له مصطلحاته بالنسبة للكتابة. بعض المخطوطات لا تجد منها نقط أصلا، فقط حروف كلمات، ولا تجد نقط ولا شكل، وبعض العلماء يقول: اضبط ما يُشْكِل. تجد بعض العلماء في بعض المخطوطات التي كتبها الأئمة يضبطون إذا كانت الكلمة مشكلة يضبطونها بالشكل. وهذا هو الذي ينبغي هذا هو الوسط؛ لأن كثرة الضبط قد تؤدي إلى الغلط. أنا لاحظت هذا بعض من يبالغ في الضبط غالبا ما يقع في الغلط، قد يضبط كلمةً غلطا، فإذا كان الضبط على ما يشكل فقط كان أجود، وبعضهم يزيد. الضبط يسمونه ... الضبط ضبطان: ضبط بالقلم الذي هو شكل فقط، وضبط بالحروف، أي: يقول هو كذا وكذا وكذا، أي: بكسر العين أو بالمعجمة أو بالمهملة أو بكذا، هذا يسمونه الضبط بالحروف. والنوع الأول الضبط بالشكل، والسائد هو الضبط بالحروف، فيوجد أحيانا وبعضهم يضبط بطريقة ثالثة، وهي أن ينقل الكلمة إلى الحاشية مفصولة الحروف كذا لمزيد الضبط، وهذا يدركه من يعاني أو يقرأ في المخطوطات، أو يقوم بتحقيق كتاب. نعم، ويقول: ينبغي توضيحه. توضيح ماذا؟ توضيح الخط، يكره التدقيق والتعليق. التدقيق ما هو؟ الخط الدقيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 أما التعليق فهذه طريقة لبعض العلماء، التعليق اضطروا إليه أثناء الرواية، أثناء تحديث الشيخ يسرع في الكتابة يسمونها التعليق، فتأتي الكلمات مثل أي لغة التي هي مشبوكة، بعض اللغات غير العربية، لكن بالعربية أيضا أحيانا يشبكون الكلمات. كان ابن تيمية -رحمه الله- يقولون: يمسك القلم من أول السطر ولا يطلقه، ما يرفعه إلا في آخر السطر. يقول: إن هذا يؤدي إلى عُسر القراءة، ولكن يضطره أحيانا هو كما تعرفون ألَّف الواسطية يقولون: بين صلاة الظهر وبين صلاة العصر، بعض رسائله كتبها كلها إجابة في مجلس واحد، يضطر إلى السرعة يسمونه التعليق، التعليق يعني: شبك الكلمات، والتدقيق: هو دقة الكتابة. ويقولون: يكره أن تكتب ... حتى قال بعض الإخوان لما رأى الخط دقيق قال: هذا ما يصلح ترويه علم، ولكن الآن -بحمد الله- جاء التكبير، واستجدت أمور. فكما ذكر هنا التدقيق، يقول الإمام أحمد: "يخونك أحوج ما تكون إليه" ما معنى كلامه؟ يقول: إنه تقدم بك العمر وضعفت قواك ومنها البصر، فإن ما كتبته في شبابك قد لا تستطيع قراءته في كبرك، فيُنصح بتوضيح الكتابة. نعم. إرشادات لكاتب الحديث قال ابن الصلاح: وينبغي أن يجعل بين كل حديثين دائرة، وممن بلغنا عنه ذلك: أبو الزناد، وأحمد بن حنبل، وإبراهيم الحارذي، وابن جرير الطبري. قلت: قد رأيته في خط الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-، قال الخطيب البغدادي: وينبغي أن يترك الدائرة غفلا، فإذا قابلها نقَطَ نُقطة. قال ابن الصلاح: ويكره أن يكتب عبد الله بن فلان فيجعل عبد في آخر سطر والجلالة في أول السطر، بل يكتبها في سطر واحد. قال: وليحافظ على الثناء على الله والصلاة والسلام على رسوله، وأن تكرر فلا يسأم فإن فيه خيرا كثيرا. قال: وما وُجد من خط الإمام أحمد من غير صلاة فمحمول على أنه أراد الرواية. قال الخطيب: وبلغني أنه كان يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - نطقا لا خطا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 قال ابن الصلاح: وليكتب الصلاة والتسليم مجددة لا رمزا، قال: ولا يقتصر على قوله: عليه السلام، يعني: وليكتب - صلى الله عليه وسلم - واضحة كاملة. وقال: وليقابل أصله بأصل معتمد ومع نفسه، أو غيره موثوق به ضابط، قال: ومن الناس من شدّد وقال: لا يقابل إلا مع نفسه، وهذا مرفوض مردود. قد تكلم الشيخ أبو عمر على ما يتعلق بالتخريج والتضبيب والتصحيح وغير ذلك من الاصطلاحات المطردة الخاصة ما أطال الكلام فيه جدا، وتكلم على كتابة "حاء" بين الإسنادين، وأنها حاء مهملة من التحويل، أو الحائل بين الإسناد، أو عبارة عن قوله الحديث. قلت: ومن الناس من يتوهم أنها خاء معجمة أي: إسناد آخر، والمشهور الأول، وحكى بعضهم الإجماع عليه. هذه بعض التعليمات من ابن الصلاح، وابن الصلاح يعتبر مرجع في هذا الجانب الذي هو بالنسبة لتعليمات أو إرشادات للكتابة، ويستفيد أكثر ما يستفيد منها نحن في قراءة المخطوطات ولا سيما ما حذفه ابن كثير من قوله ما يتعلق بالتخريج والتضببيب والتصحيح، وغير ذلك من الاصطلاحات، هذه الاصطلاحات لهم حين يصححون أو حين يضربون على كلمة، أو حين يريد أن يبين أنها صواب أو يبين أنها خطأ أو يشكك فيها، أو حين يريد أن يكتب شيئا في الحاشية. وذكر من الاصطلاحات أن يفصل بين كل حديثين، هذه تعتبر نوعا من تنسيق الكتابة، استجد الآن أمور منها: علامات الترقيم، ومنها علامات التنصيص بين قوسين، ومنها علامات البيان أي: النقطتين البيانيتين، ومنها مثلا بين الشرطتين الكلمات المعترضة، هذه اصطلاحات. وكان عندهم اصطلاح أن يضعوا بين كل حديثين ... يفصل بين كل حديثين بدائرة، وقال الخطيب: يحسن أن يتركها فراغ من أجل أنه عند المقابلة يضع نقطة من أجل أن يعرف أين بلغ في المقابلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 وكذلك اصطلاح -مثلا- يقول: لا يحسن أن تكتب "عبد" في آخر السطر ولفظ الجلالة في أول السطر التالي، أو تكتب مثلا الدارقطني فتكتب "الدار" في آخر السطر و"قطني" في أول السطر، أي: الكلمات المركبة تكتب جميعا لئلا يقع فيها غلط. وكذلك بالنسبة للصلاة على النبي والتسلم والترضية على الصحابة لا ينبغي أن يرمز لها، أو أن تغفل، بعضهم يكتب "ص" أو "و" أو يكتب "صلعم" حتى بعضهم يقرأها "صلعم" هكذا. هذا ما يصح لو افترضنا أنها كُتبت رمزا فنُطْقًا عند القراءة ينبغي أن تقرأ؛ لأنه بعضهم يخفف أيام احتاجوا إلى الورق، وكذا ربما يرمزون لها رمزا فيقولون: ينبغي أن يقرأها نطقا إذا كان يقرأ قراءة. وكذلك بالنسبة للمقابلة إذا كتب الراوي نسخة من الأصل، يقولون: ينبغي أن يقابل على هذا الأصل إما بنفسه كما يشدد بعضهم ويشترط هذا، أو عن طريق شخص آخر، ونسميها المقابلة. هذه من أعظم ما يكون بالنسبة للإرشادات، يقولون: الكتاب إذا نُسخ ثم لم يعارض، ثم نُسخ ثم لم يعارض، يعني: نَسْخٌ وراء نَسخٍ ما يلبث أن يخرج كتاب آخر غير الكتاب الأول. وهذا صحيح أنت الآن أكتب ... لو قيل لك: انقل هذه الصفحة إذا نقلتها ثم قرأتها مع شخص ستجد أنه سقط منك كلمة كذا، وكلمة كذا، فيلحقونها ويسمون هذه المقابلة. ويكتب بعضهم "بلغ" بلغ مقابلةً، هذه اصطلاحات يشاهدها من يقرأ في المخطوطات، وكثير ما يسمونه سبق النظر أو انتقال البصر، أحيانا تأتيك كلمة في سطر وكلمة لها مشابهة بعد سطر أو سطرين، فالبصر ينتقل إلى الكلمة الثانية فتسقط، هذا كثير جدا في المخطوطات. عند المقابلة يتبين أن بعض الخطاطين وبعض الكتاب أسقط سطرين أو ثلاثة وسببه ما ذكرت، بل وقع هذا في الرواية ... عند الرواية، وهذا من عيوب التحديث من الكتاب، هذا موضوع طويل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 المهم أنه هذا بالنسبة للمقابلة ضرورية جدا، أنت الآن لو تقدم معروض لدائرة أو لشخص أو لمؤسسة لا بد من إعادة قراءته والتدقيق فيه، فستجد أنك أخطأت في كلمة أو سقط منك كلمة، فهذا هو الذي يسمونه المقابلة. هناك فيه مصطلح عند العلماء كتابة "ح" هذه بين الإسنادين، وهذه استخدمها الإمام مسلم كثير والبخاري أحيانا وأبو داود، وموجودة في صحيح ابن خزيمة، موجودة في غالب كتب السنة، هذه يسمونها حاء التحويل. منهم من يقول: إنها مختصرة من حائل: تحُول بين إسنادين، ومنهم من يقول: مختصرة من صح أي: أن الإسناد الثاني صحيح، لا تظنه غلطا، لا تظن فيه تسقطا؛ فأنا تعمدت ذلك أن أحيل إسناد على إسناد. ومنهم من يقول: مختصرة من كلمة الحديث؛ فإن الإسناد الأول إذا قطعه كأنه يقول: الحديث الحديث، وبعضهم يقول: إن بعض الناس توهم أنها خاء معجمة أي: إسناد آخر، وليس هذا بصحيح، إنها حاء وهي تفيد التحويل أي: يقول -مثلا- مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم -مثلا- عن أبي معاوية ح وحدثنا محمد بن بشار عن مثلا يحيى بن سعيد القطان ح، أو يقول: كلهم عن الأعمش. فبدل أن يقول: حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود، يذكر الإسناد في كل مرة يقطعه ويكتب كلمة أو حرف ح، ويجمع الجميع عند الأعمش، هذا يسمونه التحويل، نبه عليه ابن كثير -رحمه الله-. س: أحسن الله إليكم ما صحة حديث: "من كان به شعر فليُكْرِمْهُ" وما معناه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 ج: أما صحته ما أدري -والله- الآن وأستحضر، لكن بالنسبة لمعناه هو أنه يقول: الشخص إذا ترك شعره فلا ينبغي له أن يتركه يتشعث ويعلق به الغبار والعرق يكرمه؛ ولهذا الإمام أحمد نقل عنه أنه كان يقول: لو استطعنا … الشعر يحتاج إلى مئونة، يعني يقول: إنه يحتاج إلى مئونة، يعتذر هو عن قص شعره؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان له جُمة، كان له شعر، يطيل شعر رأسه، ولكنه يعتني به يدهنه، هذا هو إكرام الشعر العناية به، وعدم تركه -يعني- يتشعث ويغبر ويتّسخ هذا هو إكرام الشعر س: أحسن الله إليكم، يقول السائل: ما هو الراجح لديكم في حديث: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله". ج: أما بالنسبة لصحة الحديث فجمهور العلماء يرون أنه لا يصح، والتكلف في هذا الباب لا ينبغي، لا يصح، هذا الحديث لم يصح. س: أحسن الله إليكم، ما هي الكتب التي يُعتمد عليها في تمييز الصحيح من الضعيف ج: الكتب التي يعتمد عليها في التمييز هذا ما هو معروف عند العلماء، أهم كتابين ما مر بنا وهما صحيح البخاري وصحيح مسلم، اعتن بهما وتفقه فيهما، وستجد فيهما خيرا كثيرا. ثم ما بعد ذلك هناك كتب اهتمت بالصحيح كما تقدم يوجد فيها زوائد على البخاري ومسلم، مثل: المستخرجات ومثل صحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة هذه الكتب التي يعتمد عليها في التصحيح والتضعيف نعم. س: أحسن الله إليكم، أفيدونا عمن يقول: لا فائدة من أخذ الإجازات في هذه الأزمان ج: إذا أردت فائدة، ما في فائدة، ما ينبغي أن نكون نغمض أعيننا، المهم ما في فائدة، الإجازة ليس فيها فائدة علمية، ولكن فيها ارتباط وحنين إلى الماضي، وتشبُّه بالأئمة، ويعني: التصاق بكتب السنة. وبالمناسبة ليس الذي يُروى ليس كتب السُّنة فقط كتب التفسير، وكتب اللغة، وكتب الأدب، والدواوين كلها تُروى بالإجازات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 معروف عند العلماء -رحمهم الله- أنهم مثلا الخطيب البغدادي عندما ألَّف كتابه يحدثه تحديثا، يحدّث به تحديثا ويُروى عنه، فلم تقتصر الرواية فقط على كتب السنة. فالمقصود أن الإجازات رأيي فيها أنها من هذا الباب، وليس فيها فائدة علمية لا من جهة ضبط الكتب، ولا من جهة الصحة والضعف. س: أحسن الله إليكم، هل ما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو فعله قبل بعثته من سنته. ج: لا، ما كان قبل بعثته ليس من السنة، إنما السنة ما بُعث به - صلى الله عليه وسلم - هذا الذي يظهر لي س: أحسن الله إليكم، ما الشرط الذي اشترطه النسائي وليس عند البخاري ومسلم ج: ما في شرط عند النسائي اشترطه وليس عند البخاري ومسلم ما في شرط، لكن كان -رحمه الله- له رأي في بعض المحدثين، هذا الذي جعل مثل هذه الكلمة تشتهر، له رأي في بعض المحدثين ربما يخالف فيه البخاري، ربما يتكلم في بعض رجال البخاري، وإلا ليس له شرط غير ما اشترطه البخاري ومسلم. س: أحسن الله إليكم، السؤال الأخير يقول: هل لديكم فضيلة الشيخ إجازات في الحديث؟ لا، ما لدي إجازات في الحديث أحسن الله إليكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن. سبحانك وبحمدك أستغفرك اللهم وأتوب إليك اللهم صلّ على سيدنا محمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 النوع السادس والعشرون: صفة رواية الحديث اشتراط الرواية من حفظ الراوي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال -رحمه الله تعالى- النوع السادس والعشرون: صفة رواية الحديث: قال ابن الصلاح: شدد قوم في الرواية، فاشترط بعضهم أن تكون الرواية من حفظ الراوي أو تذكره، وحكاه عن مالك وأبي حنيفة وأبي بكر الصيدلاني المروزي الشافعي، واكتفى آخرون وهم الجمهور بثبوت سماع الراوي لذلك الذي يُسْمَع عليه، وإن كان بخط غيره، وإن غابت عنه النسخة، إذا كان الغالب على الظن سلامتها من التبديل والتفسير. وتساهل آخرون في الرواية من نُسخٍ لم تقابل بمجرد قول الطالب: هذا من روايته من غير تثبيت، ولا نظر في النسخة، ولا تفقد طبقة سماعة. قال: وقد عدهم الحاكم في طبقات المجروحين. فرع: قال الخطيب البغدادي: والسماع على الضرير أو البصير الأمي إذا كان مثبتا بخط غيره، أو قوله فيه خلاف بين الناس، ومن العلماء من منع الرواية عنهم ومنهم من أجازها. فرع آخر: إذا روى كتابا كالبخاري -مثلا- عن شيخه، ثم وجد نسخة في يديه ليست مقابَلة على أصل شيخه، أو لم يجد أصل سماعه فيها عليه، لكنه تسكن نفسه إلى صحتها اتفق الخطيب عن عامة أهل الحديث أنهم منعوا من الرواية بذلك، ومنهم الشيخ أبو ناصر بن الصباغ الفقيه، وحكى عن أيوب ومحمد بن بكر البرثاني أنهما رخصا في ذلك. قلت: وإلى هذا أجنح -والله أعلم- وقد توسط الشيخ تقي الدين بن الصلاح، فقال: إن كانت له من شيخه إجازة جازت روايته والحالة هذه. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. في النوع السادس والعشرين تكلم ابن كثير -رحمه الله تعالى- على قضايا تتعلق برواية الحديث، وأكثر ما ذكره وسيذكره تتعلق بالرواية أي: رواية النسخ أو رواية الكتب الثابتة المعروفة، مثل: رواية صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن البيهقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 ابتدأ هذه الأمور التي ذكرها في صفة رواية الحديث أن بعض الأئمة -رحمهم الله تعالى- اشترطوا -ومنهم الإمام مالك منسوب إليه- أن يكون الراوي يحفظ حديثه، فإن لم يكن يحفظ حديثه لم يجز له أن يرويه وإن كان من كتابه، لا بد أن يحفظ الحديث، ولا يصح له أن يرويه وإن كان معه كتاب فيه أحاديثه. وعللوا ذلك حتى قال بعضهم: أخشى أن يكون غُيِّر فيه وهو لا يعلم. شددوا في ذلك من باب المحافظة على الرواية، ولكن جمهور العلماء -رحمهم الله تعالى- على أن الراوي إذا كان ضابطا لكتابه، حافظا له من التغير والتبديل فإنه يصح له أن يروي منه، وإن كان غير حافظ لما فيه. الحفظ عندهم حفظان: حفظ صدر، وحفظ كتاب. وهذه القضية الأولى هذه موجودة بكثرة في عصر الرواية: أن يكون الراوي حفظه في شيء فيه نقص في الغالب، منهم من يحفظون لكن يكون في حفظهم شيء، فيكون الاعتماد على ما في كتبهم كما مر بنا بالأمس. فهذه القضية الأولى هذه بلا شك لها صلة بالرواة في عصر الرواية، نجد هذا في كتب الجرح والتعديل مثل ذلك، ذكروا أن يونس بن يزيد أحد كبار أصحاب الزهري، يقولون: إن وكيعا لقيه فذاكره، فما رأيته يقيم ثلاثة أحاديث أو نحو هذه العبارة، ووصفه بسوء الحفظ، والأمر كما قال وكيع -رحمه الله تعالى-: في حفظه شيء يونس بن يزيد وهو من كبار أصحاب الزهري، السبب في ذلك أن الاعتماد على كتابه في الرواية، حتى أن من كبار تلامذته ابن المبارك يقول: كتابه أصح يقرر ذلك، ومع هذا فهو من كبار أصحاب الزهري -رحمه الله تعالى-، ويقولون: إنه في حفظه شيء. فالمقصود أن الأمر الأول هذا له صلة بالنقد في عصر الرواية وما بعده، سيذكره أو أكثره في السماع بعد عصر الرواية ... في سماع الكتب مثل ما ذكره -نعم- قبل هذا في الفرع في الأمر السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 يقول: "وتساهل آخرون في الرواية من نُسخ لم تقابل" قبل هذا قوله: "واكتفى آخرون وهم الجمهور بثبوت سماع الراوي لذلك الذي يُسْمَع عليه وإن كان بخط غيره وإن غابت عنه النسخة إن كان الغالب على الظن سلامتها من التبديل والتغير". الأوزاعي -رحمه الله تعالى- هذا بلا شك قول الجمهور: أنه يكفي أن يروي، يعني: ولو من نسخةِ غيره. هذه فيها كلام للعلماء -رحمه الله تعالى- إذا كان له سماع وأمِن من سلامتها من التغيير والتبديل. وبعض العلماء يشدد في ذلك، الأوزاعي -رحمه الله- فقد كتابه من يحيى بن أبي كبير فقال له بعض تلامذته: النسخة موجودة عند فلان أو كذا، فأبى -رحمه الله تعالى- وقال: نحدث بما حفظنا من هذا الكتاب، يعني: كتابه الذي ضاع. وهذا كله داخل في موضوع التلقين، التلقين خلاصته: أن الراوي لا يحدث إلا بما سمعه ... إلا بما عنده هو حفظًا أو كتابة، فإذا حدث من غير حفظه أو من غير كتابه لقَّنه أحد وقرأ من كتاب أحد. فهذا نوع من التلقين كما قال الإمام أحمد في شيخه محمد بن عبد الله الأنصاري: كان في آخر عمره يحدث من كتاب، انظر الدقة -رحمهم الله تعالى- يقول: كان يحدث من كتاب غلامه فيخطئ، كان في الآخر يحدث من كتاب غلامه، له كتاب ولغلامه كتاب. يقول: كان يحدث من كتاب غلامه فيخطئ وذكر له حديثا، وقال: هذا من ذلك الكتاب ومن تحديثه من كتاب غلامه. هذه أمور تمر بطالب العلم فيها دقة، وقد يحتاجها في تعليل بعض الأحاديث مثل الأوزاعي -رحمه الله تعالى- أبى أن يحدِّث من كتاب غيره وأبى أن يحدِّث إلا من حفظه والكتاب قد ضاع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 فعلمنا أن الأوزاعي ... أن ما يحدثه الأوزاعي إنما يحدثه من حفظه وكتابه قد ضاع فسجل له الأئمة بعض الأغلاط، منهم الإمام أحمد سجّل له بعض الأغلاط في روايته عن الأوزاعي، لكن الأوزاعي أبى أن يحدث من كتاب غيره خشية أن يكون فيه أغلاط أكثر من الأغلاط التي لو حدّث من حفظه هو، هو حافظ -رحمه الله- ومن كبار أصحاب يحيى بن أبي كبير، يعتبر في الطبقة الأولى من أصحاب يحيى، ولكن مع هذا قد سجلوا له بعض الغلط على يحيى بن أبي كبير. كما ذكرت لكم: العلماء بالنسبة للرواة تتبعوهم حرفًا حرفا، وكل هذه الأمور متى تنكشف للناقد؟ تنكشف بمقابلة حديثة -حديث هذا الراوي- بحديث غيره. فهذه أمور مِن العلماء مَن يترخَّص فيها، ومنهم من يشدد فيها. وبكل حال إن كان هناك غلط سواء حدّث من كتاب غيره أو من حفظِه سينكشف بالمقابلة، والتفرد بالنظر في أحاديث الرواة الآخرين. يقول: "تساهل آخرون في الرواية من نسخ لم تقابَل بمجرد قول الطالب: هذا من روايتك، من غير تثبت ولا نظر في النسخة، ولا تفقد طبقة سماعه. هؤلاء هم الذين يقبلون التلقين، ويروون من نسخ ليس لهم فيها سماع، أو ربما يلقنون من حفظهم. هؤلاء جماعة من الرواة تسقط رواية روايتهم عند العلماء، إذا قبل الراوي التلقين سقطت روايته كما يذكرون عبد بن لهيعة في آخر عمره أنه كان كل من يأتيه ... كل ما دفع إليه قرأه، كل ما قيل له: هذا من حديثك أقرّ به، فهذا هو قبول التلقين وتسقط به الرواية، ولا سيما إذا كثر منه ذلك. أما أن يلقّن الحديث الواحد مثلا في عمره ويفوت عليه، فهذا يعده العلماء غلطا، لكن لا تسقط به الرواية. ذكر الخطيب البغدادي السماع على الضرير أو البصير الأمي إذا كان مثبتا بخط غيره عمل الأئمة عليه، ولا سيما بعد عصر الرواية كما سيأتي من تصرف ابن كثير -رحمه الله تعالى-. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 يأتينا في الإسناد العالي والنازل أنه إذا كان سماعه مثبتا في الطباق فهذا يقرأ عليه، وتصح القراءة عليه كذلك الفرع الآخر، هذا إذا روى كتابا كالبخاري -مثلا- عن شيخ، ثم وجد نسخة به ليست مقابلة على أصل شيخه، أو لم يجد أصل سماعه فيها عليه، لكنه تسكن نفسه إلى صحتها ... إلى آخره. هذا كله بعد عصر الرواية؛ لأن صحيح البخاري رجح ابن كثير -رحمه الله- أن له أن يرويه بهذه النسخة، وهذا كله سببه أن كتاب البخاري معروف ولم يزاد فيه ولم ينقص. فالمقصود كما سيأتي في كثير من المباحث بقاء سلسلة الإسناد. اختلاف الحافظ وكتابه فرع آخر: إذا اختلف الحافظ وكتابه فإن كان اعتماده في حفظه على كتابه فليرجع إليه، وإن كان من غيره فليرجع إلى حفظه، وحسن أن ينبّه على ما في الكتاب مع ذلك، كما روي عن شعبة، وكذلك إذا خالفه غيره من الحفاظ فلينبه على ذلك عند روايته كما فعل سفيان الثوري -والله أعلم-. فرع آخر: لو وجد طبقة سماعه في كتابه إما بخطه أو بخط من يثق به، ولم يتذكر سماعه لذلك، فقد حكي عن أبي حنيفة وبعض الشافعية أنه لا يجوز له الإقدام على الرواية، والجادة من مذهب الشافعي وبه يقول محمد بن الحسن وأبو يوسف الجَوَاز اعتمادا على ما غلب على ظنه. وكما أنه لا يشترط أن يتذكر سماعه لكل حديث أو ضبطه كذلك لا يشترط تذكره لأصل سماعه. الفرع الأول من الفرعين هذين: "إذا اختلف الحافظ وكتابه" وهذا من دقة المحدثين -رحمهم الله تعالى- إذا سمعت مثل هذه الأخبار تطمئن نفسك إلى نقل السنة النبوية، وإلى دقة الرواة الكبار الحفاظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 أحيانا الحافظ ... كثير من الرواة كما أعرف ما ذكرته قبل قليل من أن بعض الرواة لا يحفظ، أو في حفظه شيء، وكتابه موثوق، هذا قليل، أكثر الرواة يجمعون بين الحفظ وبين الكتاب -بحمد الله تعالى- كبار الحفاظ أو غالب الرواة هكذا، ولكن مع ذلك أحيانا يجري أن الحافظ يحفظ شيئا، فإذا رجع إلى كتابه وجده فيه اختلاف: إما في وصل أو إرسال أو زيادة في كلمة. يقول ابن كثير -رحمه الله-: إن كان الاعتماد على الحفظ فينبغي أن يرجع إلى الحفظ، وإن كان اعتماده على الكتاب فينبغي أن يرجع إلى الكتاب، هذا ملخص كلامه. ويقول: ينبغي أن ينبه عليه، أن ينبه كذا، وكان شعبة -رحمه الله تعالى- كثيرا ما ينبه ... كثيرا ما تجد في أخبار شعبة أن يقول: حفظي كذا، وفي كتابي كذا، وكذلك خالفه غيره شبيه به؛ لأنه الآن الاختلاف بين مَن ومَن، في الصورة الأولى في نفس الراوي: بين حفظه وبين كتابه، فكأنهما الآن شخصان. والصورة التي تليها الثانية: هي أن يخالفه غيره ويعرف هو أن غيره يخالفه، يقولون: يحسن أن يذكر هذا ... يذكر أن كتابه فيه اختلاف عن حفظه، ويذكر أن غيره يخالفه، وهذا يفعله كثير من الأئمة، حتى أن شعبة -رحمه الله- حدّث مرة بحديث، وقال: أنا أحفظه كذا، وغيري يحدّث به، فقالوا: دعنا من غيرك، حدثنا بما تحفظ، قال: لأنْ أخر من السماء -أو نحو هذه الكلمة- أحب إليّ من أن أدعها، أي: لا بد لي أن أنبه إلى أن غيري يخالفني؛ لأنه يحتمل أن يكون الصواب مع من؟ مع غيره وهذا من إنصافهم وورعهم -رحمهم الله تعالى-. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وهذه الأمور والمباحث تمر بطالب العلم في بعض الروايات وفي بعض الأسانيد يستفيد منها في الترجيح، يستفيد منها كثرا في الموازنة بين الأسانيد، مثلا إذا كان شعبة له رواية -مثلا- برفع حديث، ثم جاءنا رواية أنه يخبرنا أن هذا الذي في حفظه، وأن الذي في كتابه فهو موقوف، فإذا جاءتنا رواية ثالثة عن سفيان الثوري موقوفة رجحنا رواية سفيان؛ لأن شعبة الآن قد اختلف حفظه وكتابه. فهذه مسائل تتعلق بالتعليل وبالموازنة بين الرواة قد تمر بالباحث، وقد يحتاج إليها فينبه عليها العلماء -رحمهم الله تعالى-. الفرع الذي بعده: يقول ابن كثير -رحمه الله-: "لو وجد اسمه في السماع ... في الطباق"، يسمونه الطباق الذي هو إثبات السماع، في آخر الكتاب يقولون: سمع فلان وفلان وفلان وفلان، كما تجده -يعني- من يعتمد المخطوطات يجد هذا. يقول ابن كثير -رحمه الله-: لو وجد بخطه أو بخط من يثق به أنه سمع هذا الكتاب أو هذا الجزء، لكنه لا يتذكر، نسي متى سمع، وفي أي مكان سمع، لا يتذكر، هل يصح؟ رجح ابن كثير -رحمه الله- ذكر قولين، ورجح الصحة، وقال: كما أنه في حفظه -يعني- يحفظ هو أحاديث، ولكن لا يتذكر أين سمع هذا الحديث، فيقول: هذا لا يضر، وله أن يحدث بهذه النسخة. هذه أمور يحتاجون إليها في زمن الرواية وما بعدها، أكثره هذا الأخير بعد زمن الرواية. رواية الحديث بالمعنى فرع آخر: وأما رواية الحديث بالمعنى فإن كان الراوي غير عالم ولا عارف بما يحيل المعنى، فلا خلاف أنه لا تجوز له روايته الحديث بهذه الصفة، وأما إن كان عالما بذلك بصيرا بالألفاظ ومدلولاتها وبالمترادف من الألفاظ ونحو ذلك، فقد جوز ذلك جمهور الناس سلفا وخلفا، وعليه العمل كما هو المشاهد في الأحاديث الصحاح وغيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 فإن الواقعة تكون واحدة، وتجيء بألفاظ متعددة من وجوه مختلفة متباينة، ولما كان هذا قد يوقع في تغيير بعض الأحاديث منع من الرواية بالمعنى طائفة آخرون من المحدثين والفقهاء والأصوليين، وشددوا في ذلك آكد التشديد، وكان ينبغي أن يكون هذا هو الواقع، ولكن لم يتفق ذلك -والله أعلم-. وقد كان ابن مسعود وأبو الدرداء وأنس -رضي الله عنهم- يقولون: إذا رووا الحديث: أو نحو هذا أو شبه هذا أو قريبا منه. هذا المتعلق بالرواية بالمعنى وهو فرع جليل نحتاج إليه في علم السنة، وممن تكلم عليه كثيرا الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- في الرسالة عقد فصلا في ارتكاب الرواية بالمعنى. ذكر ابن كثير -رحمه الله تعالى- قضيتين: في القضية الأولى، يعني: حكم الرواية بالمعنى: وقال: حكم الرواية بالمعنى وذكر أنها جائزة بشرط، أو يجوز أن يروي الراوي الحديث بالمعنى بشرط أن يكون عالما بما يحيل المعنى، يعني: أنه إذا حدث بالمعنى أتى بالمعنى على الوجه الصحيح، وذكر أن هذا هو الذي عليه جمهور العلماء، وأن هذا هو الواقع لا مفر لنا منه. هذا هو الواقع، فالناظر في الأحاديث الصحيحة وفي اختلاف طرقها وفي ألفاظها لا يتخالجه شك أن الرواية بالمعنى كانت هي السائدة، ودائما نحن نقول: التعامل ينبغي أن يكون مع ما هو مفترض أو مع ما هو واقع؟ دائما نقول: مع ما هو واقع. وذكر ابن كثير -رحمه الله- أن بعض العلماء شددوا في الرواية بالمعنى آكد التشديد ومنهم من الصحابة -رضوان الله عليهم- ابن عمر، فكان يرد على التلميذ إذا قدّم أو أخّر بين لفظين، وهذا معروف عنه، موجود عنه في أحاديث صحيحة أنه يرد على مَن إذا قدّم بين لفظين، أو غيَّر أيضا كما في قصته مع عبيد بن عمير صاحب مكة، وله أخبار في ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 وكذلك محمد بن سيرين وجماعة من التابعين شددوا وطالبوا أن تكون الرواية بالألفاظ، يقول ابن كثير: هذه القضية الثانية كان ينبغي أن يكون هذا هو الواقع وهذا لا إشكال فيه، ولكنه المطالبة بهذا كما نقول: إنها من التكليف بما لا يطاق، وأن نكلف الرواة ألا يروون الأحاديث إلا بألفاظها كرواية القرآن، هذا من التكليف بما لا يطاق، ولا سيما في العصور الأولى حين كان الاعتماد على الكتابة أو على المشافهة؟ على المشافهة. فلا مفر من التعامل مع الرواية بالمعنى، لا مفر من هذا، إذن كيف تتعامل مع الرواية بالمعنى؟ هذا هو المهم، المهم أنه كيف نتعامل مع الرواية بالمعنى؟ وهذا الموضوع هو الذي نسميه نحن اختلاف ... عُرف فيما بعد بالاختلاف بين الرواة في المُتون لا بد، وهذا تعب فيه الأئمة -رحمهم الله تعالى- تعبوا تعبا شديدا في المقارنة: كما قارنوا بين الأسانيد، قارنوا بين المتون. من المقارنة هذه يُعرف من أجاد في روايته للحديث بمعناه، ومن أبعد في فهم المعنى، مثال ذلك نضرب لك مثالا: مثلا من الرواية بالمعنى فيه حديث معروف حديث أسامة بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ? ولا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ?. رواه هشيم بشير ما حفظ جيدا من شيخه الزهري فرواه بمعناه، فقال: "ولا يتوارث أهل ملتين شتى" فرّق بين الحديثين: الحديث الأول: خاص بين الكافر والمسلم، والثاني: عام في أهل كل ملتين. ويقول العلماء -رحمهم الله-: إن هشيما رواه بالمعنى، المعنى قريب أو بعيد الآن؟ بعيد، فيحكمون على روايته الآن بأنها خطأ؛ لأنه رواه بالمعنى فأبعد، أحال معناه. ومثله حديث جابر: "قربت للنبي -صلى الله عليه وسلم-" معنى الحديث؛ لأنه روي بألفاظ مختلفة ? أنه قُرِّب للنبي - صلى الله عليه وسلم - طعام فيه لحم شاة، فأكل منه ثم توضأ وصلى الظهر، ثم رجع إلى طعامه فأكل منه، ثم صلى العصر ولم يتوضأ ?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 هذه القصة بهذه الصورة رواه شعيب بن أبي حمزة عن ابن المنكدر، عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جابر قال: ? كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما مست النار ? الآن رواه بالمعنى وجعله بهذه الصورة. فقال أبو داود وأبو حاتم: إن هذا الحديث مختصر من قصة الشاة، من قصة أكله - صلى الله عليه وسلم - فأبعد في فهم الحديث، فالعلماء -رحمهم الله تعالى- تسامحوا كثيرا في فهم المعنى، لكن ليس معنى ذلك أنهم تركوه هكذا جزافًا، وإنما يقوم هذا العلم على مقارنة المتون ومعرفة من زاد ومن نقص، ومن غيّر لفظا. كثير ما يقول العلماء: فلان رواه بالمعنى فأخطأ مثل مثلا هذا المثال حديث ابن مسعود: ? الصلاة على وقتها ?. ما معنى: "الصلاة على وقتها"؟ يعني: في وقتها، في أوله في آخره ما في الحديث تحديد رواه بعض الرواة بلفظ "الصلاة في أول وقتها" فيقول بعض العلماء: إنه رواه بما فهمه من الحديث وأخطاء في هذا الفهم ... رواه بالمعنى. فالمقصود أن الرواية بالمعنى: قول ابن كثير كان ينبغي أن يكون هذا هو الواقع، ولكن لم يتفق ذلك -نعم- بلا إشكال كان ينبغي أن يكون هذا، لكن هذا غير ممكن. وكثير من الصحابة -رضوان الله عليهم- يقولون: أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - أو نحوها، ويقول بعضهم: لو لم أحدثكم بالمعاني لهلكنا، أي: لو كان المطلوب التزام الألفاظ. ولكن مع ذلك فإن الأمر لم يُترك هكذا، وإنما للعلماء -رحمهم الله- بمقارنة هذه الأحاديث والتأكيد من لفظ كل راوٍ، أحيانا الحرف الواحد حرف حَرف، يبين أن هذا في روايته هذا الحرف، والآخر ليس في روايته هذا الحرف. تجد هذا في كلام الأئمة في كلام الإمام أحمد وغيره، منهم من يذكر الواو، ومنهم من يحذف الواو، فهذا العلم هو مقارنة المرويات المتعلقة بمتون الأحاديث. نعم. اختصار الحديث بحذف بعضه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 فرع آخر: وهل يجوز اختصار الحديث فيحذف بعضه؟ إذا لم يكن المحذوف متعلقا بمذكور على قولين: فالذي عليه صنيع أبي عبد الله البخاري اختصار الأحاديث في كثير من الأماكن. وأما مسلم فإنه يسوق الحديث بتمامه ولا يقطعه؛ ولهذا رجحه كثير من حفاظ المغاربة، واستروح إلى شيخه آخرون؛ لسهولة ذلك بالنسبة إلى صحيح البخاري وتفريقه الحديث في أماكن متعددة بحسب حاجته إليه، وعلى هذا المذهب جمهور الناس قديما وحديثا. قال ابن الحاجب في مختصرة (مسألةٌ) حذف بعض الخبر جائز عند الأكثر إلا في الغاية والاستثناء ونحوه، أما إذا حذف الزيادة لكونه شك فيها فهذا سائغ. كان مالك يفعل ذلك كثيرا، بل كان يقطع إسناد الحديث إذا شك في وصله. وقال مجاهد: انقص الحديث ولا تزد فيه. نعم هذا النوع فيه مسألتان: المسألة الأولى: تقطيع الحديث أو الاكتفاء ببعضه، هل يجوز أن يقطع الحديث فيذكر بعضه في باب وبعضه في باب؟ ذكر ابن كثير -رحمه الله- أنه على هذا المذهب جمهور الناس قديما وحديثا، يعني: على الجواز، وذكر في المجيزين أو من الذين يفعلون هذا كثيرا مَن؟ الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- فإنه يقطع الأحاديث في الأبواب يذكر جزءا من الحديث في هذا الباب، ويذكر جزءا منه في باب. وإن كان البخاري في كثير من عمله يعتمد على الرواة، ما معنى يعتمد على الرواة؟ يعني: يختار في هذا الباب الرواية المختصرة التي وصلت من شيخ، وفي هذا الباب الرواية الجزء المهم، هذا واسع والمقصود: أن البخاري يقطع الأحاديث. يقول: مسلم يسوق الحديث بتمامه ولا يقطعه، لكن ليس معنى ذلك مسلم اختار هذه الطريقة في التأليف؛ لأنه لم يتعمد أن يستنبط كل معنى من كل حديث، ويبوب عليه فيسوق الحديث بتمامه في مكان واحد، لكن ليس معنى ذلك أن مسلم لا يجيز التقطيع فهذا عمل المؤلفين كلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 ما معنى صنيع مسلم هو أنه اختار هذه الطريقة وإلا فهو يقطع، هو أحيانا يذكر بعض الحديث في بعض الأماكن، أحيانا يفعل هذا يسوق بعض الحديث تاما ويسوق بعضه في مكان آخر، يعني: يذكر جزءا منه. ويفعل هذا كذلك الترمذي، ويفعله الدارمي لو مثلا أخذت حديث كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عمر بن حزم كتاب طويل فيه الدِّيات، وفيه مقادير الزكاة، ومقادير الديات تجده في سنن الدارمي في أماكن يمكن تبلغ إلى قريب من الثلاثين موضع، وهو حديث واحد يسوقه الدارمي، ووزعه على هذه الأبواب، وهو عمل مستساغ، لكن كما ذكر ابن الحاجب -رحمه الله- يقول: وهم ذكروا هذا الشرط ألا يكون ما ذكر متعلق من حيث المعنى بما حذفه يعني: لا بد من هذا ألا يتغير المعنى، إنما يقولون: يجوز التقطيع إذا كان الحديث يتكون من مقاطع، جمل متفرقة فيجوز تقطيعه. ربما وقع من البخاري التقطيع وهو له تعلق ولا سيما لو ذكرت لكم مثال من ناحية الإعراب، أحيانا وقع لابن مالك -رحمه الله تعالى- أنه استدل بحديث في صحيح البخاري في قضية على جواز حذف الخبر إذا كان ... في مسألة دقيقة فيها اختلاف بين النحويين فاستدل بحديث، وقال: هذا دليل على أنه يجوز حذف الخبر. وابن حجر يقول: لا يصح هذا الاستدلال؛ لأن الذين حذف أو قطع الحديث من هو؟ هو الإمام البخاري، إنما يصح الاستدلال ... هو ظن ابن مالك أن هذا هو قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وليس كذلك، وإنما هو تقطيع البخاري مع أن له صلة، لكن هذا نادر، والغالب أن يقطع الجمل المتميز بعضها عن بعض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 ذكر ابن كثير قضية تتعلق بعلم الرواية هذه، وهي قضية أن المحدث يحذف جملة من الحديث أو بعض الإسناد يحذفه تعمدا، ليس هذا هو التقطيع وإنما يحذف جملة لاعتقاده أنها خطأ من جهة الرواية، أنها معلولة من جهة الرواية. وهذا يفعله مسلم يقول مثلا في حديث المستحاضة، حديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش لما رواه من طريق حماد بن زيد رواه من طريق جماعة، لكن منهم حماد بن زيد عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في رواية حماد: ? وتوضئي في كل صلاة ?. الأمر بالوضوء لكل صلاة، أسقط هذه اللفظة مسلم، وقال: في حديث حماد بن زيد حرفا تركنا ذكره. لماذا ترك مسلم ذكره؟ يعتقد أن هذه الزيادة أنها مرجوحة، وأنها ليست من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -. والبخاري أكثر فعل هذا من مسلم، حذف جملة من الحديث لاعتقاده أنها خطأ، أو مخالفة للأصول أو نحو ذلك، فهذا هو الذي ذكره بقوله: "حذف بعض الخبر جائز". وأما حذف الزيادة لكونه شك فيها فهذا سائغ، شك فيها إما من جهة كونها، أو شك فيها هو من سماعه، لكن هذا كونه شك فيها من جهة كونها خطأ هذا هو الذي يفعله البخاري، وفعله مسلم أيضا، ويفعله الإمام أحمد -رحمه الله-. وذكر جماعة مثل الجياني، وذكرها أيضا أن نقل عن مجاهد أنه يقول: انقص الحديث ولا تزد فيه، يعني: إذا شككت في سماع الشيخ أو شككت في خطئه فاحذفه، ولكن الزيادة هي التي لا تجوز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 وذكر الجياني -أيضا- هذه القاعدة: أن الراوي قد يحذف بعض الحديث؛ لكونه شك في خطأ هذه الزيادة، وكذلك فعله مالك في الإسناد، أحيانا يفعلونه في الإسناد: راوي وكيع عن هشام بن سعد عن "المُواقع في رمضان" معروفة هذه القصة، كان وكيع إذا رواه عن هشام بن سعد يرويه عن الزهري، عن أبي هريرة مباشرة يسقط مَن؟ "أبا سلمة" لماذا يسقطه؟ يقولون: إنه من باب الستر على لسان ابن سعد؛ لأنه خطأ، ذكر أبي سلمة هنا خطأ، والصواب فيه: حميد عبد الرحمن، الصواب فيه: أن الزهري يرويه عن حميد عن أبي هريرة، ولكن هشام بن سعد جعله على الجادة، يعني: جعله على المشهور الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة. المهم أنهم يسقطون في الإسناد أو في المتن ما يرون أنه خطأ، هذا مقصود ابن كثير-رحمه الله تعالى- وهو جانب في الروايات يعني: عمل مشهور نعم. علم العربية وصلته بالرواية فرغ آخر: ينبغي لطالب الحديث أن يكون عارفا العربية قال الأطعمي: أخشى عليه إذا لم يعرف العربية أن يدخل في قوله: ? من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ?. فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يلحن فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه، وأما التصحيف فدواؤه أن يتلقاه من أفواه المشايخ الضابطين والله الموفق. وأما إذا لحن الشيخ فالصواب أن يرويه السامع على الصواب وهو محكي عن الأوزاعي وابن المبارك والجمهور، وحكي عن محمد بن سيرين وأبي معمر وعبد الله سخبرة أنهما قالا: يرويه كما سمعه من الشيخ ملحونا. قال ابن الصلاح: وهذا غلو في مذهب اتباع اللفظ، وعن القاضي عياض: أن الذي استمر عليه عمل أكثر الأشياخ أن ينقلوا الرواية كما وصلت إليهم، ولا يغيروها في كتبهم، حتى في أحرف من القرآن استمرت الرواية فيها على خلاف التلاوة من أن يجيء ذلك في الشواذ كما وقع في الصحيحين والموطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 لكن أهل المعرفة منهم ينبهون على ذلك عند السماع وفي الحواشي، ومنهم من جسر على تغيير الكتب وإصلاحها، ومنهم أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني الوقشي، كثرت مطالعته وافتنانه، قال: وقد غلط في أشياء من ذلك، وكذلك غيره ممن سلك مسلكه، قال: والأولى سد باب التغيير والإصلاح؛ لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن، وينبه على ذلك عند السماع. وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل: أن أباه كان يصلح اللحن الفاحش ويسكت عن اللحن السهل. قلت: ومن الناس من إذا سمع الحديث ملحونا عن الشيخ ترك روايته؛ لأنه إن تبعه في ذلك فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يلحن في كلامة، وإن رواه عنه على الصواب فلم يسمعه منه كذلك. نعم هذا الفرع يتعلق بعلم العربية وصلته بالرواية وبالحديث، فيرشدون طالب علم الحديث بأن يكون عارفا بالعربية، وهذا لا يتعلق بطالب علم الحديث بل هو في كل فن من الفنون، كل متحدث، وإن قصر فيه الباحثون في العصر الحاضر تقصيرا كبيرا. طريقة التلقي للعلم الآن اختلفت عن السابق، كان السابقون أول ما يعتنون بالطالب في الكتاب ... أوائل ما يعتنون به جنبا إلى جنب مع حفظ القرآن ما يتعلق بعلم العربية؛ ولهذا نلاحظ كما تلاحظون الآن مشايخنا: من هو في الفقه، ومن هو في التفسير، ومن هو كذا، تجده في الغالب مجيدا للغة العربية في الغالب، إلى وقت قريب هذا يعني: ما تساهل الناس بعلم العربية إلا في وقت قريب. تجد بعض الباحثين -وهذا يؤسف له- أنه إذا فرغ من -وهذا كثير الآن استفحل هذا بيننا ونحن منهم- إذا فرغ من بحثه أعطاه لشخص يقوِّمه عربيا، حتى في أشياء بدهية: في الخبر، والفاعل، والمفعول به، واسم إن وخبرها، في أشياء بدهية مع الأسف الشديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 هذه الوصية -نعم- هي مقصود بها في عصر الرواية، لكن مع هذا يوصى بها طالب العلم في أي عصر، طالب العلم محتاج إلى العربية وإتقانها، لا يستساغ أن يكون طالب علم يلحن كثيرا، نعم اللحن القليل رفع فيه الناس منذ القديم، لكن اللحن الفاحش ولا سيما في الكتابة والشخص متعلم وبإمكانه أن يراجع، فهذا هو الذي ينصح به طالب العلم. تكلم عن التصحيف احتمال يأتي في نوع مستقل، دواؤه يقول: أن يتلقى الرواية أو يتلقى مُتون الأحاديث وأسانيدها من أفواه المشايخ الضابطين، يعني: لا يتعمد على الصحف، "التصحيف" من أين أتى هذا الاسم؟ من كونه أكثر بعض تصحيف سمع ولكن أكثره تصحيف نظر؛ لكونه يعتمد على الصحف فيقع في التصحيف، وهذا كثير جدا ولا سيما في المخطوطات وكذلك الآن. لكن في عصر المخطوطات أحيانا لا يوجد نقط ولا شكل فيقع الناس في التصحيف، وأُلِّفت كتب في هذا. جاء إلى قضية "لحن الشيخ" إذا التليمذُ لحن شيخُه، أو وُجد اللحن من بعض الرواة ممن فوقه، بحثوا هذه القضية بعمق وتوسع، هل يغير التلميذ الرواية أو يرويه كما هو ملحونا؟ منهم من شدد في هذا، وقال: يرويه ملحونا؛ لأنه يرويه كما وصل إليه، ومنهم من قال: لا يصح هذا، بل يرويه على العربية؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يلحن. ونقل عن عبد الله بن أحمد -رحمه الله تعالى- عن أبيه: أن أباه كان يغير اللحن الفاحش، وأما اللحن الخفي فلا يغيره؛ لماذا؟ لأنه يحتمل أن يكون له مخرج في العربية. ومن اللحن الفاحش ما ذكره الإمام أحمد عن إسماعيل بن أبي خالد أحد أتباع التابعين، معروف من الحفاظ الكبار، ولكنه يلحن بقوة، كان يقول الإمام أحمد عنه: إنه كان يقول: حدثني فلان عن "أبوه"، هذا من اللحن الفاحش أو الخفي؟ الفاحش، لا أحد لا يعرف أن "عن" حرف جر، فمثل هذا يظهر أنه هو الذي يغيره الإمام أحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 أما إذا كان اللحن خفيفا أو قريبا فإنه لا يغيره، أشار القاضي عياض إلى أمر مهم جدا وهو التغيير في اللحن بعد عصر الرواية، أي: يغيره من كتاب، يعني -مثلا- البخاري ألَّف كتابا أو مسلم أو الإمام أحمد أو أبو داود أو مثلا الدارمي أو غيرهم ألفوا كتبا موجودة والرواة يروونها، ووجد في بعض الروايات لحن، يقول: إن جماعة من الرواة من ناقلي هذه الكتب من العصور المتأخرة اجترءوا ومنهم هذا الذي ذكره أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني. يقول: إنهم اجترءوا فصاروا يغيرون ما يرونه لحنا، والمشكلة التي وقعت، ما هي؟ أن بعض تغييرهم غلط، الصواب ما غيروه؛ فلذلك يقول: ينبغي سد الباب لأَلاَّ يدخله من لا يحسن. نستفيد منه نحن الآن بالنسبة لتحقيق المخطوطات في اللحن، وفي غير اللحن أيضا، كنت أقول أنا: إن الباحث الذي يحقق مخطوطا لا ينبغي له أن يثبت الخطأ، وأن يقول: هذا خطأ، ويثبت الصواب؟ أين؟ في الحاشية، ولكن انتبه هذا هو المهم لكثرة اجتراء الباحثين على تغيير ما هو صواب يظنه خطئًا. يقول: الأولى أن يسد هذا الباب، وألا يغير أحد شيئا مما وجده في الخطوطات حتى وإن كان يجزم بأنه خطأ، هذا يتعلق بتحقيق المخطوطات، أنا رأيت بعض الباحثين الكبار يتهيأ له أن هذه اللفظة خطأ فيتجرأ على تغييرها، أو يزيد في المتن، يقول: لا يستقيم، وهو مستقيم لا إشكال فيه، أو يغير من كتاب آخر، ووقع هذا كثيرا ليس بالقليل. فلذلك -أحيانا- الباحث يقول ... يتردد الباحث هل يقول: الصواب تغيير ما في المتن، ما في الكتاب إلى الصواب، أو أن يسد هذا الباب لكثرة من اجترأ كما ذكره القاضي عياض الآن؟ ويوجد هذا الآن لو قرأت في كتاب الجياني تقيد المهمل، يتكلم عن روايات صحيح البخاري وصحيح مسلم، يقول: في رواية فلان كذا، لكنه غيَّره فأخطأ، غيَّر هو في روايته كذا، ولكنه اجتهد فغيره فأخطأ، والصواب ما في روايته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 وهذا كما ذكرت الآن نستفيد منه انقضى عصر الرواية، الآن حتى موجود الآن عصر الرواية موجود بالقراءة أو بالإجازات؟ بالإجازات، ما فيه نسخ، إذا رويت الآن مذهبا صحيحا من سند أبي داود ما عندك نسخة تغيرها أو لا تغيرها، إنما تأخذ الرواية عن طريق الإجازة فقط. نستفيد من هذه المباحث بالنسبة لتحقيق المخطوطات، نستفيد منه كثيرا في معالجة المخطوطات، أو في النقل من كتاب أنت لو تريد أن تنقل نص أحيانا يكون فيه لحن، أحيانا يكون فيه كلمة عامة، أحيانا يكون فيه ... فهذا يتعلق بهذا العرض، حاجتنا إليه الآن بهذه الطريقة. نعم إكمال السند إذا أسقط منه ما لا بد منه فرع: وإذا سقط من السند أو من المتن ما هو معلوم فلا بأس في إلحاقه، وكذلك إذا اندرس بعض الكتاب فلا بأس بترديده على الصواب، وقد قال الله -تعالى-: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} (1) . فرع آخر: وإذا روى الحديث عن شيخين فأكثر، وبين ألفاظهم تباين فإن ركب السياق من الجميع، كما فعل الزهري في حديث الإفك حين رواه عن سعيد بن المسيب وعروة وغيرهما عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- وقال: كل حدثني طائفة من الحديث، فدخل حديث بعضهم في بعض وساقه بتمامه. فهذا سائغ فإن الأئمة حقا تلقوه عنه بالقبول، وخرجوه في كتبهم الصِّحاح وغيرها. وللراوي أن يبين كل واحدة منها عن الأخرى، ويذكر ما فيها من زيادة ونقصان، وتحديث وإخبار وإنباء، وهذا مما يعني مسلم في صحيحه ويبالغ فيه، وأما البخاري فلا يعرج على ذلك ولا يلتفت إليه، وربما تعاطاه في بعض الأحايين -والله أعلم- وهو نادر.   (1) - سورة البقرة آية: 220. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 نعم. هنا فرعان: مسألة إكمال السند إذا أسقط منه ما لا بد منه: مثل أن يقول مثلا: حدثنا شعبة عن إسحاق عن -مثلا- أبي الأحوص كلمة عن إسحاق، هذه خطأ، سقط ماذا الآن؟ "أبي" يعني: أبي إسحاق، هذا لا بد منه من السند، هل يكمل أو لا؟ يقول: إنه لا بأس به، يقول ابن كثير: لا بأس به ولا بأس بإلحاقه. أو كذلك في المتن كلمة لا يستقيم المعنى بدونها وهذا من النوع الأول، ينبغي الحذر منه، مسألة الزيادة على النص نستفيد منها الآن كما ذكرت في تحقيق المخطوطات، أو في نقل نص من كتاب. ينبغي الحذر الشديد في الزيادة على النصوص؛ لأن الباحث -أحيانا- يظن أن الكلام لا يستقيم إلا بتلك الكلمة التي ذكرها، أو يظن أن الصواب ذِكر هذه الكلمة أو ذكر كذا، ويكون مخطئا في ظنه كذلك. فقوله: لا بأس بإلحاقه هذا مشروط، ونحن نشدد أو أشدد في هذا الجانب، في مسألة الزيادة على النصوص. الواقع مع الأسف الشديد أن الناس اجترءوا على الزيادة على النصوص، أحيانا يكون لا حاجة لها والمعنى مستقيم يروونها فيزيدها لمجرد أنه وجده في رواية أخرى، وجد هذه الزيادة وعذره أنه يضعه بين معكوفين، وهذا ليس بعذر لا يزاد في النص شيئاً إلا ما عند الضرورة، حين يكون المعنى غير مستقيم، أو يكون خطأ ظاهرا، وينبغي له -أيضا- أن يكون حذراً يبدئ ويعيد، ويستشير ويقلب الأمر على عدد، يعنى يكون متقناً في هذا، لا يكون متسرعاً. هذا الأمر متعلق بالتصرف في نص سابق، يعني ليس بالأمر السهل. وكما ذكرت نحن نستفيد منه أكثر ما نستفيد في تحقيق المخطوطات أو في نقل نص من كتاب،. مع الأسف اجترأ كثير من الباحثين على التصرف في النصوص والزيادة عليها،. ويكون عملهم.. كثير منهم يكون عمله خطأ.، النص لا يحتاج إلي زيادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 فرع آخر: إذا روى الحديث عن الشيخين، هذا أمر يتعلق بعلم الرواية، يعنى في عصر رواية النقل، فأكثر وبين ألفاظهم تباين، فإن ركب السياق من الجميع كما فعل الزهري بحديث الإفك، حين رواه عن سعيد بن المسيب وعروة وغيرهما عن عائشة، قال: كل خير=. يقول: هذا جائز، لكن تعلقون على هذا إن هذا إنما أجازوه للحافظ القوي الحفظ، إنما أجازوه للحافظ القوي الحفظ أن يجمع الرواية عن الجميع، ويسوقها مساقا واحداً، يعنى الآن تجدهم هنا تسامحوا في الزهري أو تسامحوا مع الزهري، ولكن في بعض الرواة أخذوا عليهم هذا، وتسامحوا مع ابن وهب، لكن بعض الرواة يقولون: لا يقوم على مثل هذا، ما معنى لا يقوم عليه؟ يعنى لا يستطيع أن يتقن هذا، فربما أدى إلى ارتباك في سياق النص، أو إلى يعنى خلل فيه، وذكروا منهم حماد بن سلمة، وذكروا -أيضا- ابن إسحاق، وذكروا -أيضا- جماعة من الرواة. عقد ابن رجب لهم فصلاً في شرح العلل، يقول: جماعة من الرواة يعنى يحتمل حديثهم إذا رووا عن شيخ لهم، ويضعفون إذا جمعوا بين عدد من الشيوخ، وذكر على هذا نصوصا. المقصود أن هذا الفرع قوله: جائز إنما احتمل، يعني المقصود من هذا التنبيه أنك قد تجد نقد لبعض الرواة في كونه فعل هذا. والآن ابن كثير يقول رحمه الله: إنه جائز، نعم هو جائز لمن هو من كبار الحفاظ، وأما بعض الرواة الذين ربما لا يستطيعون التمييز، أو ربما يقع منهم خلط فنقدوهم بهذا الفعل. يقول: إن الإمام مسلم -رحمه الله- تميز ببيان ألفاظ الرواة، وهو وكما ذكر -رحمه الله تعالى- من مميزات صحيح مسلم أنه يبين ألفاظ كل راو، وربما تسامح -أيضا-؛ لأنه لو بين لفظ كل راو لكبر كتابه، لكنه شديد الاعتناء بهذا، وأما البخاري فإنه يسوق الإسنادين والثلاثة، ولا يبين لأي منهما هذا اللفظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 ويقول ابن كثير: إنه ربما بين نعم.. يعني الغالب على مسلم البيان، والغالب على البخاري عدم البيان، إذا من أين تعرف أنت أي اللفظين لهذا الراوي؟. من أين تعرف؟. ليس هناك سبيل إلا من المصادر الأخرى أن نعرف أي اللفظين هذا الذي عند البخاري لأي الراويين. أحياناً يحتاج الباحثون إلى معرفة لفظ كل راو عند الموازنة وعند اختلاف الرواة، فتستطيع التميز من مصادر أخرى. بأن تجد هذه الرواية في ذلك المصدر أو في مصدر مستقل. نعم يا ... اقرأ. الزيادة في نسب الراوي وتقديم المتن على الإسناد فرع: وتجوز الزيادة في نسب الراوي إذا بين أن الزيادة من عنده، وهذا محكي عن أحمد بن حنبل وجمهور المحدثين والله أعلم. فرع آخر: جرت عادة المحدثين إذا قرءوا يقولون: أخبرت فلانا قال: أخبرنا فلان قال: أخبرنا فلان، ومنهم من يحذف لفظة "قال" وهو سائغ عند الأكثرين، وما كان من الأحاديث بإسناد واحد كنسخة عبد الرازق عن معمر عن أمامة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ومحمد بن عون عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده وغير ذلك، فله إعادة الإسناد عند كل حديث، وله أن يذكر الإسناد عند أول حديث منها، ثم يقول: هو بالإسناد أو وبه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال كذا وكذا، ثم له أن يرويه كما سمعه، وله أن يذكر عند كل حديث الإسناد، قلت: والأمر في هذا قريب سهل يسير، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 وأما إذا قدم ذكر المتن على الإسناد كما إذا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، ثم قال: وأخبرنا به، وأسنده، فهل للراوي عنه أن يقدم الإسناد أولاً، ويتبعه بذكر متن الحديث؟ فيه خلاف ذكره الخطيب وابن الصلاح، والأشبه عندي جواز ذلك، والله أعلم؛ ولهذا يعيد المحدث في زماننا إسناد الشيخ بعد فراغ الخبر؛ لأن من الناس من يسمع من أسمائه بفوت فيتيسر له سماع ذلك من الشيخ، وله روايته عنه كما يشاء بتقديم إسناده وتأخيره، والله أعلم. نعم. هذان الفرعان: الفرع الأول: الزيادة في نسب الراوي إذا قال: حدثنا محمد يقولون: -مثلا- محمد كثير، فالتلميذ له أن يقول: حدثنا محمد هو ابن بشار -مثلا- حدثنا محمد هو ابن جعفر. أو يقول: يعني ابن جعفر، وهذا يقولون: إن الإمام أحمد -رحمه الله- تسامح فيه من باب البيان يعني يبين للراوي، أو يبين من هو هذا محمد، ومن هو أحمد، ومن هو فلان، زيادة بيان، وإن لم يكن في أصل روايته؟ وإن لم يكن في أصل روايته. ونحن نستفيد من هذا -أيضا- في التخريج، عندما تقول -مثلا- الإمام أحمد في المسند يقول: حدثنا يزيد ويسكت، ما ينسبه عن ابن إسحاق عن محمد بن إسحاق. أنت إذا جئت في التخريج ماذا تقول؟ تقول: أخرجه الإمام أحمد، عن يزيد من هو يزيد هذا؟ يحسن بك أن تبينه للقارئ نحن نقول للباحثين: لا يصلح أن نتابع الكتب متابعة دقيقة؛ لأن هذا في نظري أنه ... لكنه بس فقط يحتاج إلى تثبت وإلا فلا تتركه، الأولى أن تقول: أخرجه الأمام أحمد عن من؟ عن يزيد بن هارون، وإن لم يكن في أصل الكتاب؛ لأن هذا بالنسبة لنا كمخرجين يختلف عنه في عصر الرواية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 بعض الباحثين رأيته يتكلف يضع بين قوسين، فيقول: لعله ابن هارون، يعني حتى ولا يجزم مثلا يقول: أخشى أن يكون غلطا أو يقول … يظنه منزل على هذا، هذا في عصر الرواية، أنت الآن ما تقول: إن الإمام أحمد روى، أو تقول: حدثني فلان عن الإمام أحمد أنه قال كذا، وإنما تخبر خبرا أن الإمام … أو تبين أن الإمام أحمد رواه عن يزيد بن هارون، وهذا صحيح، فأنت لا تقول: إن الإمام أحمد قال: حدثنا يزيد بن هارون، وإنما تبين أنه أخرجه عن يزيد بن هارون، وهذا لا بأس به. رأيت بعض الباحثين يتوقف، وينزله على هذا الفرع، يعني أنك إذا أردت أن تزيد، لا بد أن تبين أنك أنت الذي زدت. وهذا لا أراه يعني.. ولنا في علمائنا -رحمهم الله تعالى- أسوة. كما يفعله -مثلا-المزي في التحفة، المزي يبين الأسانيد، وإن لم تكن.. يبين الأسماء، وإن لم تكن في المصادر مبينة يبينونها في التحفة؛ لأنه ليس الآن في مجال الرواية، وإنما مجال..يعني في مجال بيان عمن أخرج هذا الحديث يسميه، ولا بأس بذلك. مسألة: حذف قال وقال، هذه بلا إشكال سائغة أن يقول: أخبرنا فلان، أخبرنا فلان، حدثنا فلان، حدثنا فلان، ولا يقول: قال: أخبرنا. هذه يسمونها محذوفة، وتحذف في أي شيء؟ تحذف في الكتابة، حذفوها في الكتابة، والقارئ إذا أراد أن يقرأ، يقولون: لا يحسن به أن يتركها، وإنما حذفوها من باب التخفف ويعني التخفيف من حجم المخطوطات، وكانوا محتاجين للورق، ومحتاجين إلى يعني التخفيف وعدم كبر حجم الكتاب. فيه قضية التي هي إذا كانت النسخة بإسناد واحد -مثلا-: عبد الرازق عن معمر عن همام عن أبي هريرة. أو سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن أبي الأعرج عن أبي هريرة. نسخ هذه، ما معني..ما هي النسخة في اصطلاح المحدثين؟ ليس المقصود بالنسخة الكتاب فقط، المقصود بالنسخة في اصطلاح المحدثين يعني المراد هنا: هو أنها أحاديث مروية بإسناد واحد، وإن لم تكن يعني في كتاب، قد تكون تناقل شفاها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 فهذه النسخة في اصطلاح المحدثين هي: الأحاديث المجموعة التي تروى بإسناد واحد، ويضربون مثالا لذلك: نسخة همام عن أبي هريرة، نسخة الأعرج عن أبي هريرة، نسخة سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، نسخة هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. هذه يقول ابن كثير: إنه لا بأس أن يذكر الإسناد مرة واحدة في الأول، وعند كل حديث يقول: وبالإسناد، وبه وكذا وكذا، هذا إذا أراد أن يرويها جميعا. نعم، هذا الذي ذكره، وقال في نهاية كلامه: الأمر في هذا قريب سهل يسير. يعني سواء أعاد الإسناد عند كل حديث أو لم يعده، وقال: وبه وبالإسناد، ونسخة همام عن أبي هريرة تجدها الآن في مسند الإمام أحمد مسوقة كلها مسوقة يعني ساقها كلها بالإسناد الواحد، ولم يعد الإسناد مع كل، مع كل حديث، وإنما ساق الإسناد يقول: عن همام عن … قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال كذا، وقال كذا، وقال كذا، وقال كذا، والإسناد..والإسناد واحد، هي هذه النسخة حوالي يعني قريبة من مائة وعشرين حديثا، تسمي نسخة همام عن أبي هريرة. يأتي قضية الأمر الآخر وهو: تقديم المتن على الإسناد، هذه في عصر الرواية -أيضا- وفيما بعده، إذا قال.. أحيانا المحدث، يعني -مثلا- لنفرض أن ... لنتصور نحن الآن أن الأعمش وبينه طلبته، أحيانا يأتي الأعمش ويذكر الخبر يذكر متن الحديث بس فقط، ثم يسأل عن إسناده، فيسوق الإسناد. إذا الآن أيهما قدم؟ المتن، يسمونه تقديم المتن علي الإسناد. هذا، هل يصح لطالب- فيما بعد ذلك- أن يقول: أخبرنا الأعمش عن كذا عن فلان عن فلان أن النبي --صلى الله عليه وسلم- قال … ؟ يقدم الآن الإسناد، هذا يسمونه التأليف أو الترقيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وربما الذي ذكر الإسناد ليس هو الأعمش، ربما ذكره التلميذ، فبعضه سماع الآن وبعضه … ، نحن أخذنا طرق التحمل، بعضه الذي نطق به من هو؟ الشيخ الذي هو المتن، وبعضه الذي نطق به من؟ التلميذ، يسمونه الترقيع هذا أو التأليف. هذا يعني سائغ وجائز، وله أخبار، يعني موجود في أخبار المحدثين، يذكر … أحيانا بعض التلاميذ يذكر الإسناد، ثم الأعمش يذكر المتن، ويتسامحون في هذا، ولا إشكال فيه؛ لأن الاعتماد أو الغرض هو الضبط والإتقان. نعم. هذا المتعلق بتقديم نعم، هنا فرع مهم. نعم. الإحالة فرع: إذا روى حديثا بسنده، ثم أتبعه بإسناد له آخر، وقال في آخره مثله أو نحوه، وهو ضابط محرر فريد.. ذو روايته لفظ الحديث الأول بإسناد الثاني، قال شعبة: لا، وقال الثوري: نعم، ذكره عنهما وكيع، وقال يحيى بن معين: يجوز في قوله مثله، ولا يجوز في نحوه. قال الخطيب: إذا قيل بالرواية على هذا المعنى فلا فرق بين قوله مثله أو نحوه. ومع هذا اختاروا قول ابن معين والله أعلم. أما إذا أورد السند، وذكر بعض الحديث، ثم قال: الحديث أو الحديث بتمامه، أو بطوله أو إلى آخره، كما جرت به عادة كثير من الرواة، فهل للسامع أن يسوق الحديث بتمامه على هذا الإسناد؟ رخص في ذلك بعضهم، ومنع منه آخرون منهم الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني الفقيه الأصولي، وسأل أبو بكر البرقاني شيخه أبا بكرالإسماعيلي عن ذلك، فقال: إن كان الشيخ والقارئ يعرفان الحديث، فأرجو أن يجوز ذلك، والبيان أولى. قال ابن الصلاح: قلت: وإذا جوزنا ذلك، فالتحقيق أن يكون بطريق الإجازة الأكيدة القوية، وينبغي أن يفصل فيقال: إن كان قد سمع الحديث المشار إليه قبل ذلك على الشيخ في ذلك المجلس أو في غيره، فتجوز الرواية، وتكون الإشارة إلى شيء قد سبق بيانه، وتحقيق سماعه، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 نعم. هذا الفرع يتعلق بالإحالة يسمونها الإحالة على حديث سابق. قبل أن نذكر الاختلاف الآن الذي ذكره ابن كثير العمل على تجويزه، وهو أن يروي حديثا بإسناد، ويسوق المتن، ثم يروي نفس الحديث بإسناد آخر، ثم لا يسوق المتن، وإنما يقول ... أو يسوق بعض الإسناد لا يسوق الإسناد كله، ثم يقول: بمثله، بنحوه، بمعناه، هذا الذي يفعله كثيرا هذا مسلم، واعتذر -رحمه الله- في المقدمة، اعتذر بأنه لو أعاد المتن كله لكبر حجم الكتاب، وهذه هي النكتة التي من أجلها جوز سفيان الثوري هذا الأمر، فإنه منقول عن شعبة أنه يقول: ليس بحديث هذا إذا قلت: مثله أو نحوه، فليس بحديث، ونقل عن ابن معين التفصيل أنه يعني يجوز في قوله: مثله، ولا يجوز في قوله: نحوه، يعني أن ينقل هذا المتن إلى الإسناد الثاني، ولكن العلماء -رحمهم الله تعالى- على تجويز هذا، استقر العمل عليه، ليس هناك … حتى الإمام أحمد -رحمه الله- في المسند يسوق الإسناد، ثم يسوق إسنادا آخر، ويقول: نحوه، ومعناه، لكن الآن الذي يتكلم عنه ابن كثير هو أنه لو رويت الإسناد الثاني، هل تسوق معه اللفظ الأول، أو لا؟ هذا الذي يعني يقولون: يحسن البيان. والباحثون الآن … الباحثون المخرجون يعني تنبهوا لهذا، فيقولون: إن مسلما لم يسق لفظه، وإنما أحال على متن سابق، هذا يعتني به بعض المخرجين يبينون هذا. والمقصود أن الأئمة -رحمهم الله تعالى- تسامحوا في هذا كثيرا في مسألة الإحالة على لفظ آخر، إنما الشأن … الكلام الآن الذي ذكره ابن كثير -رحمه الله- فيما أردت أن تجمع بين المتن الأول بالإسناد الأول، وبين الإسناد الثاني الذي لم يذكر متنه، فهذا يقول: إنه رخص فيه جماعة، والأولى بطالب العلم أن ينبه؛ لأنه أحيانا يكون بين متن الإسناد الثاني وبين متن الإسناد الأول يكون بينهما اختلاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 مثال ذلك يضربون له مثالا لحديث -مثلا-: ? إذا دبغ الإهاب فقد طهر ? هكذا في بعض الروايات عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن وهب عن ابن عباس، وفي بعض الروايات: ? أيما إهاب دبغ فقد طهر ? إذن بين اللفظين.. وتجد في الكتب الإحالة على أحدهما تجد في الكتب الإحالة.. حتى في صحيح مسلم، هو ذكر اللفظ: ? إذا دبغ الإهاب فقد طهر ? وقد أحال بأسانيد أخرى على هذا اللفظ. فالمقصود أنه عند التخريج يبين طالب العلم أن هذا الإسناد الذي أخرج به مسلم هذا الحديث لم يسق لفظه، وأحاله علي حديث سابق أو علي لفظ سابق، هذا من الدقة سواء كان في عصر الرواية أو كان -أيضا- نحتاج إليه الآن في عصر التخريج. يعني هذا مما يعتني به بعض المخرجين، وبعضهم يتسامح، فيسوق الأسانيد كلها للحديث الواحد، وإن كان قد ذكر المتن من طريق واحد، والباقي يحيل عليه إحالة. ومثله إذا روي الحديث، إسناد الحديث كما نعرف نحن في عصور متأخرة، المقصود هو الإسناد، المحدثون يعتنون بالإسناد، فإذا جاء المتن ماذا يقولون؟ الحديث، ما يسوقون الحديث. هو يقول -رحمه الله تعالى-: هل يجوز أن تسوق الإسناد وتسوق الحديث بتمامه، وأنت ما سمعته؛ لأن شيخك ماذا قال؟ ماذا قال الشيخ؟ قال: الحديث، ما ساق المتن، هل يجوز أن آتي بلفظ الحديث من إسناد آخر، وأضعه، ثم أرويه جميعا تاما؟ هذا يقولون: إنه يعني.. منهم من رخص، ونقل عن … ومنهم من قيده، ومنهم من منع ذلك، ومنهم من رخص فيه، وهذا الأمر لا تأثير له كبير بالنسبة لنقد السنة؛ لأن هذا وجوده.. مثل وجود هذا أكثره في عصر ما بعد عصر الرواية، حين تخفف المحدثون من المتون، وصار الهم هو طرق الأسانيد، ويروون كتبا مضبوطة، يعني موجودة الأحاديث فيها، هذا الذي يتعلق بهذا الفرع. نعم، اقرأ: "إبدال لفظ الرسول". إبدال لفظ بلفظ سائغ مكانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 إبدال لفظ الرسول بالنبي أو النبي بالرسول قال ابن الصلاح: ظاهره أنه لا يجوز ذلك، وإن جازت الرواية بالمعنى يعني لاختلاف معنيهما، ونقل عبد الله بن أحمد أن أباه كان يشدد في ذلك، فإذا كان في الكتاب النبي فكتب المحدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-ضرب على رسول وكتب النبي. قال الخطيب: وهذا منه استحباب، أي: إن مذهبه الترخيص في ذلك، قال صالح: سألت أبي عن ذلك، فقال أرجو أنه لا بأس به. وروي عن حماد بن سلمة أن عفان وبهزا كانا يفعلان ذلك بين يديه، فقال لهما: أما أنتما فلا تفقهان أبدا. الرواية في حال المذاكرة ... نعم. لحظة أمر خفيف هذا، يعني وهو إبدال لفظ بلفظ سائغ مكانه، هذا مثل أن يكون النبي فيقول: الرسول، أو هذا يعني نستفيد من هذا ما الذي ... تلاحظ أنت أن هذا مما تختلف فيه الأنظار، منهم من يريد المحافظة على لفظ الشيخ؛ لأنك أنت الآن تروي مجال الرواية غير مجال التحديث، الناقل يعني من.. لو قلت: -مثلا- عن أبي هريرة عن رسول الله --صلى الله عليه وسلم- هذا ما فيه إشكال، أو قلت: عن النبي --صلى الله عليه وسلم-، لكن لو قلت: حدثنا فلان عن فلان عن فلان، فأنت الآن تنقل حديثا عن رسول الله، أوتنقل ماذا حدثك شيخك، فمنهم من التزم ألفاظ الشيخ، ويراه ضرورة؛ لأنه فيه تجوز على الشيخ أن تنسب إليه ما لم يقله، وشددوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وهذا المهم نستفيد منه نحن في عنايتهم بهذا الأمر وضبطهم، فإذا كانوا قد اختلفوا في تغيير هذا الأمر السائغ الذي هو عن رسول الله، أو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فنلاحظ تثبتهم في تغيير ما يتغير به معنى الحديث، والمهم نستفيد من هذا دقتهم -رحمهم الله تعالى-، وأما نحن في مجال النقل من الكتب، فالأمر أهون يعني نحن لا نروي، نحن لا نروي شيئا، وإنما يعني أنت الآن لو تريد أن تتكلم في.. أو تنقل لخطبه أو شيء ما فيه.. تغير، لا يريدون هذا هم، وإنما ما المراد الآن؟ في حال الرواية، في حال الرواية هل تحافظ على ما قاله شيخك؟ أو يجوز لك أن تغير ما يصح فيه التغير مثل النبي --صلى الله عليه وسلم-، أو النبي -عليه السلام- أو كذا تغير ما لم تروه عن شيخك. نعم اقرأ الثانية. الرواية في حال المذاكرة الرواية في حال المذاكرة: هل تجوز الرواية بها كابن الصلاح عن ابن مهدى وابن المبارك وأبي زرعة قد منع من التحديث فيها؛ لما يقع فيها من المساهلة، والحفظ الخَوَّان. قال ابن الصلاح: ولهذا امتنع جماعة من أعلام الحفاظ من رواية ما يحفظونه إلا من كتبهم، منهم أحمد بن حنبل. قال: فإذا حدث بها فليقل: حدثنا فلان مذاكرة، أو في المذاكرة، ولا يطلق ذلك، فيقع في نوع من التدليس، والله أعلم. وإذا كان الحديث عن اثنين جاز ذكر ثقة منهما وإسقاط الآخر ثقة كان أو ضعيفا، وهذا صنيع مسلم عن ابن لهيعة غالبا، وأما أحمد بن حنبل فلا يسقطه، بل يذكره، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 نعم. هذه القضية فيها مسألة أو هذا الفرع الرواية في حال المذاكرة، ما هي المذاكرة؟ مرت بنا، وهي الاستذكار. المحدثون -رحمهم الله تعالى- يستعينون على ضبط حفظهم وعلى الاستزادة من الحفظ بالمذاكرة يعني لهم غرضان من المذاكرة، وربما جرت المذاكرة على سبيل المناظرة والمبارزة يعني، لكن لهم غرضان رئيسان، الغرض الأول: تذكر المحفوظ واستعادته، والغرض الثاني الاستزادة من المحفوظ، يعني ربما وجد عند صاحبه شيئا ليس عنده، فيضيفه إلى ما عنده، وجرت عادة العلماء -رحمهم الله تعالى- لما كان هذا هو الغرض أنهم لا يشددون، يتسامحون في المذاكرة، فربما روى الحديث بالمعنى، وربما حمل رواية على رواية، وربما يعني يتسامحون هذا.. نحن لا يهمنا تفسير هذا، الذي يهمنا ما هو؟ معرفته، يعني نعرف أن المحدثين في حال المذاكرة يتسامحون، وربما أرسل الحديث، وربما دلسه، يتسامحون في حال المذاكرة، فالمقصود من هذا الكلام أننا نستفيد منه أنه لو جاءتنا رواية يقول فيها الراوي: حدثني فلان مذاكرة، نستفيد منه ماذا؟ نستفيد أن الراوي لم يعتن بهذه الراوية، لو خالفه غيره أيهما الذي يقدم؟ يقدم الآخر لماذا؟؛ لأن ذاك حدث في حال مذاكرة، ويمر بنا نستفيد منه -أيضا- أن بعض العلماء يقول: هذا الحديث أخطأ فيه فلان، أو غريب من حديث فلان، ونرى أنه أخذه من فلان بحال المذاكرة. من لم يستوعب هذا من الباحثين يأبى أو قد يرد التعليل بهذا، قد يرد على المحدث أنه علل بهذا، يقول: ثم ماذا؟ ما دام رواه يعني ما ينتبهون لقضية التسامح في حال المذاكرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 ونحن يعني ينبغي لطالب العلم هذه الدقائق قد يحتاج إليها، قد يحتاج إليها طالب العلم، مثال ذلك -مثلا- أن أبا كريب محمد بن العلاء روى عن أبي أسامة حماد بن أسامة، عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده أبي بردة عن أبي موسى الأشعري حديث: ? المؤمن يأكل في معى واحد ? هذا الحديث تفرد به أبو كريب عن أبي أسامة، وتفرد به أبو أسامة عن بريد، إسناده كله فيه تفرد، فالعلماء استغربوه استغربوه على أبي كريب، واستنكروه، استنكره جماعة من العلماء، فالبخاري ماذا يقول في تعليله؟ نرى أن أبا كريب أخذه من أبي أسامة في حال المذاكرة، ولم يأخذه يعني في حال التحديث؛ لأنه حال المذاكرة غير حال التحديث، فاحتمال أن أبا أسامة إما دلسه، أو تسامح فيه، أو لم يضبطه. فيتسامحون في حال المذاكرة عنه في حال الرواية، وكان كثير منهم يذاكر، يذاكر، فإذا قال له صاحبه: أريد هذا الحديث ليس عندي، قال له: انتظر، فيذهب، ويخرج الكتاب، ويحدثه من كتابه؛ لأنه حال التحديث يختلف الآن عن حال المذاكرة. إذن ماذا نستفيد نحن؟ نستفيد أنه إذا مر بنا للعلماء تعليل، لا نقول: هذا ليس بعلة. هذا رأيته من بعض الباحثين يرفضون هذا يعني من باب يعني لم يستوعبوه، أو لم يعني ينظروا في كلام الأئمة، وفي تسامحهم في الرواية حال المذاكرة، ونستفيد منه -أيضا-: قد تمر هذه القضية بطالب العلم فيما لو أراد أن يوازن بين روايتين، ونص في أحدهما على أنه قد سمعه منه مذاكرة، ويمر هذا يمر هذا أن يقول: وهذا الحديث سمعته من فلان في المذاكرة، هذا يمر يعني وإن لم يكن كثيرا جدا، ولكنه موجود، وأنا أقول لطلاب العلم: هذه الدقائق، قد -مثلا- تشتغل بالسنة الأشهر أو سنة -مثلا-، ولا تحتاج إلى هذه الجزئية، ولكن هذه الجزئية، وتلك جزئية، وهذه جزئية، فجزئيات كثيرة مجموعها يمر بك يوميا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 يعني الواحدة منها تمر اليوم، وأخرى قد تمر بعد فترة، فهذه الجزئيات من تجميعها يتكون لدى الباحث قواعد نقد السنة، وقد تحتاج إليها في حديث واحد، وتحتاج إلى هذه وتلك في حديث آخر، وهكذا. فلا ينبغي إغفالها، وأقل الأحوال أن طالب العلم لا ينبغي أن يكون يعني أن يتفهم كلام الأئمة لو مرت بك، وقال فلان: حدثني فلان مذاكرة، يعني تفهم ماذا يريد من قوله: مذاكرة، لماذا نص على كونه مذاكرة، تفهم أنه يريد أنه لم يحرر هذا جيدا، أو لم يتقنه، ليس..؛ لأني أسمعه منه بحال الرواية وستحتاج إلى تهيؤ. هنا قضية التي هي قضية التحديث عن اثنين، هذه موضوع مهم، وهو أنه إذا كان الحديث يرويه عن شيخه عن اثنين أو ثلاثة، فبعض العلماء يقول: ينبغي أن يذكرهما جميعا أن يذكر الاثنين جميعا، حتى … ولا سيما إن كان أحدهما ضعيفا، والآخر ثقة؛ لأنه يحتمل. وهذا هو الحاصل، وهذا هو الدقة، يحتمل أن يكون لو حذف أحدهما، يحتمل أن يكون اللفظ لفظ من؟ لفظ المحذوف، هذه قضية دقيقة تسمى الحمل، حمل إحدى الروايتين على الأخرى. المهم يقولون: ينبغي أن يذكر الاثنين، ومسلم يفعله أحيانا في ابن لهيعة يقول -مثلا-: حدثنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث وابن لهيعة. والبخاري طريقته أن يحذف ابن لهيعة يذكر فقط ابن الحارث. النسائي يقول: عن عمرو بن الحارث وآخر بدل ما يقول: وابن لهيعة؛ لأنه عنده ضعيف ولا يريد أن يخرج له. مسلم -رحمه الله- يعني يقول ابن كثير: إنه يسقطه، ولكن -أيضا- مسلم أحيانا يذكره، فيظن بعض الباحثين أن مسلما يخرج لابن لهيعة، مسلم لا يخرج لابن لهيعة، وإنما هو مر عنده في الإسناد، فمن ورعه -رحمه الله- لم يسقطه، وإنما ساقه الإسناد كما ورد إليه، ويقولون: الأولى بالمحدث أن يذكر الإسنادين جميعا؛ لاحتمال أن يكون المذكور لفظ أحدهما الذي هو المسقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 هذا نص عليه الإمام أحمد يقول: لا ينبغي له أن يسوق واحدا منهما، ويسقط الآخر؛ لاحتمال أن يكون في لفظ أحدهما زيادة على الآخر، أو أن يكون اللفظ لأحدهما ويسقطه، ولا سيما يتأكد هذا إذا كان … عقد له الخطيب فصلا فيه الكفاية، يتأكد هذا إذا كان أحدهما ثقة والآخر ضعيفا. ونحن نستفيد من هذا، يعني أنا أحاول أن أبين ماذا نستفيد من هذا الأمر، تستفيد منه فيما لو كنت تجمع الطرق، وتوازن بين الروايات، فلو ساقه -مثلا- ... المهم أن هذه القضية ذكرتها قبل قليل، وهي حمل إحدى الروايتين على الأخرى. إذا أردنا أن نتحقق من لفظ أحد الراويين، وهذا موضوع يتعلق بدراسة الأسانيد، والعمدة فيه على التطبيق، يعني لا يتضح هذا إلا بالمثال. نعم. الآن ندخل في آداب المحدث وآداب طالب الحديث، لا بد أن نقرأها اليوم. نعم. تفضل، ولا نعلق عليها؛ لأنها واضحة، لكن ما نريد أن نتركها دون قراءة، هي واضحة، منها ما يتعلق بآداب طالب العلم عموما، ومنها مع شيخه، ومع العلم نفسه، ومنها ما يتعلق بالمحدث، يعني نفسه، سنعلق على ما يحتاج إلى تعليق، وإن كانت هي ظاهرة. نعم يا سيدي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 النوع السابع والعشرون: آداب المحدث النوع السابع والعشرون: آداب المحدث: وقد ألف الخطيب البغدادي في ذلك كتابا سماه (الجامع لآداب الشيخ والسامع) ، وقد تقدم من ذلك مهمات في عيون الأنواع المذكورة -في غضون.. في غضون الصحيح في غضون - لكن هي في نسخة في عيون في غضون الأنواع المذكورة نعم.- وقد تقدم من ذلك مهمات في غضون الأنواع المذكورة، قال ابن خلاد وغيره: ينبغي للشيخ ألا يتصدى للحديث إلا بعد استكمال خمسين سنة، وقال غيره: أربعين سنة، وقد أنكر القاضي عياض ذلك؛ لأن أقواما قد حدثوا قبل الأربعين، وقبل الثلاثين منهم مالك بن أنس، وازداحم الناس عليه، وكثير من مشايخه أحياء. قال ابن خلاد: فإذا بلغ الثمانين أحببت له أن يمسك خشية أن يكون قد اختلط، وقد استدركوا عليه بأن جماعة من الصحابة وغيرهم حدثوا بعد هذا السن، منهم أنس بن مالك، وسهل بن سعد، وعبد الله بن أبي أوفى، وخلق ممن بعدهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 وقد حدث آخرون بعد استكمال مائة سنة، منهم الحسن بن عرفة، وأبو القاسم البغوي، وأبو إسحاق الهجيمي، والقاضي أبو الطيب الطبري أحد أئمة الشافعية، وجماعة كثيرون، لكن إذا كان الاعتماد على حفظ الشيخ الراوي، فينبغي الاحتراز من اختلاطه إذا طعن في السن، وأما إذا كان الاعتماد على حفظ غيره وخطه وضبطه، فها هنا كلما كان السن عاليا كان الناس أرغب في السماع عليه، كما اتفق لشيخنا أبي العباس أحمد بن أبي طالب العبسي الحجار، فإنه جاوز المائة محققا، سمعه الزبيدي من سنة ثلاثين وستمائة صحيح البخاري، وأسمعه في سنة ثلاثين وسبعمائة، وكان شيخا كبيرا عاميا لا يضبط شيئا، ولا يتعقل كثيرا من المعاني الظاهرة، ومع هذا تداعى الناس إلى السماع منه عند تفرده عن الزبيدي، وسمع منه نحوا من مائة ألف، أو يزيدون. قالوا: وينبغي أن يكون المحدث جميل الأخلاق حسن الطريقة صحيح النية، فإن عزبت نيته عن الخير، فإن عزبت عن الخير فليسمع، فإن العلم يرشد إليه، قال بعض السلف: طلبنا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا لله، وقالوا: لا ينبغي أن يحدث بحضرة من هو أولى سنا أو سماعا، بل كره بعضهم التحديث لمن في البلد أحق منه، وينبغي له أن يدل عليه، ويرشد إليه، فإن الدين النصيحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 قالوا: لا ينبغي عقد مجلس التحديث، وليكن المسمع على أكمل الهيئات، كما كان مالك -رحمه الله- إذا حضر مجلس التحديث توضأ، وربما اغتسل، وتطيب، ولبس أحسن ثيابه، وعلاه الوقار والهيبة، وتمكن في جلوسه وزبر من يرفع صوته -قالوا: لا ينبغي - عندكم كذا يا إخوان، أي نعم هذه يعني احذفوها، حتى في النسخة التي معي قالوا: "لا ينبغي عقد مجلس التحديث"، وهذه: "ينبغي عقد مجلس التحديث". نعم، بدون لا. نحذف ال "لا" يا شيخ، أي نعم؛ لأنها قلبت المعنى، أفسدت المعنى - سبحان الله- قالوا: ينبغي عقد مجلس التحديث، وليكن المسمع على أكمل الهيئات، كما كان مالك -رحمه الله- إذا حضر مجلس التحديث توضأ، وربما اغتسل، وتطيب، ولبس أحسن ثيابه، وعلاه الوقار والهيبة، وتمكن في جلوسه، وزبر من يرفع صوته. وينبغي افتتاح ذلك بقراءة شيء من القرآن تبركا وتيمنا بتلاوته، ثم بعده التفريد الحسن التام، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليكن القارئ حسن الصوت جيد الأداء فصيح العبارة، وكلما مر بذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الخطيب: ويرفع صوته بذلك، قال الخطيب: وإذا مر بصحابي ترضى عنه، وحسن أن يثني على شيخه كما كان عطاء يقول: حدثني الحبر البحر ابن عباس، وكان وكيع يقول: حدثني سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث، وينبغي ألا يذكر أحدا بلقب يكرهه، فأما لقب يتميز به فلا بأس. نعم. هذه آداب المحدث، وسيذكر بعدها.. سيذكر بعدها آداب طالب الحديث. وكثير منها كما ذكرت لا تتعلق بعلم الرواية فقط، أو بعلم الحديث، وإنما بعموم يعني تصلح لعموم طالب العلم، وبالنسبة للأمر الأول الذي هو لا يتصدى للحديث إلا بعد استكمال خمسين سنة، أو بعد أربعين أو نحو هذه الأمور، أو متى يقطع التحديث. هذه أمور اقترحت فيما بعد، يعني متى؟ بعد عصر الرواية، ولا أثر لها في نقد السنة، العبرة بأي شيء؟ العبرة بالضبط والإتقان، وحاجة الناس، وعلو الإسناد، ونحو ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 فمتى كان -مثلا- بالنسبة لقطع التحديث لا سن له واضح، ابن أبي عروبة اختلط -رحمه الله- وسنه قريب من الخمسين أو دون الخمسين، ومن العلماء من تجاوز المائة، وعقله صحيح، إذن ليست العبرة بالسن، وهذا هو الواقع، الواقع هو الذي يعني أنه لا سن محدد، لا للابتداء بالتحديث، ولا لقطع التحديث، وإنما ذلك راجع إلى طبيعة كل شخص، نعم. هذا ما يتعلق … بالنسبة لقضية الشيخ، هذا الذي عامي كبير، لا يتعقل كثيرا من المعاني، هذا ينبئك على ما تقدم منه، مع هذا سمع منه كم من شخص؟ يقول: سمع منه مائة ألف أو يزيدون، وهذا ينبئك عن قضية التسامح في شروط الراوي بعد عصر الرواية، بعد أن دونت الكتب وضبطت، وهذا ترى التسامح يعتبر معقولا مقبولا، يعني النسبة ليس فيه شيء؛ إلا أنه عامي لا يضبط، ولكن ذكر الذهبي -رحمه الله- مشددا على نفسه أنهم تسامحوا في الأخذ عن أناس يعني ليسوا من أهل الخير، وفي سلوكهم شيء، وهو ينص على أنه: إنما حملنا على هذا شرف الرواية، يعني يعتب على نفسه بالنسبة ... نعم هذا الذي ... . بعض الأمور هذه ذهبت مثل عقد مجلس التحديث، هذا ذهب الآن، مجالس الإملاء ومجالس التحديث هذه كانت في السابق موجودة، ثم تنقرض، انقرضت ثم تحيا، -مثلا- العراقي قبل وقته - أظن العراقي نعم، قبل وقته كانت انقرضت، ثم أحياها العراقي، أو أحياها ابن حجر، هو أو شيخه، هو شيخه العراقي. ثم يقولون: بعد ابن حجر انقرضت، أملى ابن حجر -رحمه الله- أكثر من ألف مجلس يملي إملا، يقول: حدثنا فلان، عن فلان ... إلى أن يصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أو إلى صاحب النص، ثم انقرضت الآن، لا يوجد هذا، هذا كله يعني إرشادات وتوجيهات يعني كانت في وقتهم يحتاجون إليها -رحمهم الله تعالى-. لكن يبقى قضايا مثل.. لا تتعلق بعلم السنة فقط، مثل التهيؤ لمجلس العلم، ومثل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما مر، والترضي على الصحابة، ومثل يعني اختيار قارئ حسن الصوت. يعني ومثل الثناء على العلماء إذا مروا هذه أمور مشتركة في العلوم كلها، ولا تتعلق بالرواية فقط، ومثل كذلك ألا يحدث بحضرة من هو أولى منه سنا وسماعا، مثله الإفتا مثله ... يعني ينبغي إذا كان في حضرة من هو أعلى منه، أعلم منه، أو أكبر منه سنا، ينبغي أن يحيل إليه ما يرد إليه، أو كان في البلد شخص - مثلا - في العلم الفلاني مجيد له إذا جاء الطالب يرشده إليه، يقول: اذهب إلى الشيخ الفلاني وخذ عنه وكذا؛ لأن هذا لا يتعلق بعلم الرواية فقط. نعم. اقرأ آداب طالب الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 النوع الثامن والعشرون: آداب طالب الحديث النوع الثامن والعشرون، آداب طالب الحديث: ينبغي له، بل يجب عليه إخلاص النية لله - عز وجل - فيما يحاوله من ذلك، ولا يكون قصده عرضا من الدنيا فقط، فقد ذكرنا في المهمات الزجر الشديد والتهديد الأكيد على ذلك، وليبادر إلى سماع العالم في بلده، فإذا استوعب ذلك انتقل إلى أقرب البلاد إليه، أو إلى أعلى ما يوجد من البلدان وهو الرحلة. وقد ذكرنا في المهمات مشروعية ذلك، قال: إبراهيم بن أدهم -رحمة الله عليه-: إن الله ليدفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث. قالوا: وينبغي له أن يستعمل ما يمكنه من فضائل الأعمال الواردة في الأحاديث، كان بشر بن الحارث الحافي يقول: يا أصحاب الحديث، أدوا زكاة الحديث من كل مائتي أحاديث خمسة أحاديث. قال عمرو بن قيس الملاحي: إذا بلغك شيء من الخير فاعمل به، ولو مرة تكن من أهله، قال وكيع: إذا أردت فقه الحديث فاعمل به. قالوا: ولا يطول على الشيخ في السماع حتى يضجره، قال الزهري: إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب، وليفد غيره من الطلبة، ولا يكتم شيئا من العلم، فقد جاء الزجر عن ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 قالوا: ولا يستنكف أن يكتب عمن هو دونه بالرواية والدراية، قال وكيع: ولا ينبل الرجل حتى يكتب عمن هو فوقه، ومن هو مثله، ومن هو دونه، قال ابن الصلاح: وليس بموفق من ضيع شيئا من وقته في الاستكثار من الشيوخ لمجرد الكثرة وصيتها. قال: وليس من ذلك قول أبي حاتم الرازي: إذا كتبت فقمش، وإذا حدثت ففتش. قال ابن الصلاح: ثم لا ينبغي لطالب الحديث أن يقتصر على مجرد سماعه وكسبه من غير فهمه ومعرفته، فيكون قد أتعب نفسه، ولم يظفر بطائل، ثم حث على سماع الكتب المفيدة من المسانيد والسنن وغيرها. نعم، هذه توجيهات عالية جدا قيمة، جمعها ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- ويعتبر كتابه في آداب طالب الحديث من المراجع المختصرة في آداب طالب العلم عموما، كما تلاحظ هذه الآداب لا يختص بها طلبة الحديث، وإن كان بعضها مثل الرحلة ومثل يعني الابتداء ... ، وحتى في طالب العلم الابتداء بمشايخ بلده، ثم الرحلة إلى غيرهم، ليست خاصة هذه -أيضا- بالرواية، وكذلك -أيضا- بالنسبة للعمل، العمل لا يزال يعني هذا التوجيه قائم الذي هو العمل بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضائل الأعمال، ولو يعني يقولون لا ينبغي للشخص أن يكون للحديث الذي يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يكون له حظ من التطبيق، ولو مرة واحدة في عمر الإنسان، ينقلون هذا عن الإمام أحمد، أنه حتى في بعض الأحاديث الضعيفة، ربما عمل بها مرة واحدة خشية ثبوتها، ويعني يقولون -أيضا- يستعان بهذا على حفظ الحديث، كما ذكره وكيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 وكذلك -أيضا- قضية إضجار الشيخ، هذا يذكرونه في السماع، كان طلبة الحديث يعني لرغبتهم في السنة، وأكثرهم غرباء، وربما أضجروا الشيخ، فهذا توجيه لهم بأن يرفقوا بالشيخ، وأيضا- يوجهون الشيوخ -أيضا-، يوجهون المشايخ بتحمل طلبة الحديث، ولهم نصائح كثيرة -أيضا- حول هذا، ومن يقرأ أخبار الأعمش وأخبار شعبة، اشتهر -رحمه الله- بالصراحة وبالطرافة -أيضا-. في أخبارهما كثير من قضية الإضجار هذه، ويتبين منها رغبة طلبة الحديث في العلم، وكذلك -أيضا- رغبة الشيوخ في أداء الرواية. فهذا الإضجار ليس خاصا بالرواية في الحقيقة، ينبغي أن يتأدب طالب العلم مع من يريد أن يستفيد منه بشكل عام بصفة عامة، ولا سيما العلم، نحن الآن نلاحظ الإنسان لو يريد من شخص أمرا دنيويا تجده أنه يريد أن يقدم معروفا، أو شيئا يتلطف في العبارة: وسعادة فلان، ويعني مثلما نعرفه من ... يعني أمور، وهو يريد منه أمرا دنيويا، فكيف إذا كان يريد شيئا قد لا يجده إلا عنده؟! فهذا يوصون به طالب العلم في عصر الرواية، وهو وصية -أيضا- طالب العلم عموما في كل زمان، وفي أي فن. كما يوصون -أيضا- الشيخ، ومن عنده شيخ مما يفيد به الناس بالصبر على الطلبة وتحملهم، ويعني مثل هذه الأمور التي يوصى بها طالب العلم، ويوصى بها … لكي تكون الأمور خير الأمور أوسطها لكي يقتربا من بعضهما، لا يكون هناك إفراط ولا تفريط. وهذه الأخبار كذلك -أيضا- يقول ابن الصلاح: لا ينبغي أن يكون هم طالب الحديث الإكثار فقط، وبعد الصيت، وإني عندي يعني أروي كذا الحديث الفلاني من كذا طريق، وأروي الكتاب الفلاني من كذا طريق، وأن يكون همه العمل أيضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 ثم ذكروا وصية: الاعتناء بالكتب المفيدة الصحاح، اختصر هذا ابن كثير، وقد شرح ابن الصلاح الكتب التي ... أو فصل في الكتب التي ينبغي أن يعتني بها طالب الحديث، ومن يريد أن يطلع على هذه الآداب والأخبار ويعني ... فله كتاب الخطيب "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع". القراءة في هذا الكتاب يعني لا يمل منها طالب العلم، يخرج من خبر إلى خبر، وفيها طرافة، وفيها يعني كأنك تعيش الجو الذي كان يعيش فيه الرواة، وكأنك بين مجالس العلم ومجالس التحديث، ومثله كذلك كتاب آداب "الإملا والاستملاء" هذا للسمعاني، وكتاب ابن جماعة "تذكرة السامع والمتكلم"، وعمدتهم في هذا ترى على كتب الخطيب. مر بنا أن الناس بعد الخطيب عيال على كتبه، كتابه هذا لم يترك شاردة ولا واردة إلا ذكرها بالنسبة لآداب الطلب، وهو كتاب قيم جدا في بابه، وفيه من طرائف المحدثين ومن يعني أخبارهم شيء كثير جدا، يروح الإنسان به عن نفسه، ويعني يطلع به على أحوال كثير.. أحوال كثير من أحوال المحدثين، ولا سيما مثل الإمام شعبة والأعمش وسفيان بن عيينة، وعلاقة الطلبة بهم، وعلاقتهم بالطلبة، ويعني هذه الأمور مما يذكر عن الأعمش أنه يعني هو ظريف -رحمه الله تعالى- وطلابه يعرفون..، وكذلك شعبة يعرفون منه هذا، فجاءه بعض الطلبة، واتفقوا على أنه لا يقدم لهم شيئا إلا استوعبوه، أكلا أو شربا، فأتى لهم، هو فقير -رحمه الله- فقير يعني.. وكذلك شعبة، وتجد في ترجمتيهما الثناء عليهما بالصبر والزهد والورع ... لكن أحضر لهم طعاما فأكلوه، ثم أحضر لهم شرابا فشربوه، وهم ساكتون، فقام وأحضر لهم علف الشاة، وقال: لم يبق إلا هذا فكلوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 فتجد في هذا الكتاب أخبارا يعني من طرائفه -رحمه الله-، وتصدى بعض الباحثين لجمع أخبار الأعمش في كتاب سماه "الأعمش الظريف"، لكن لا ينبغي هذا؛ لأنه في نظري- والله أعلم- وقد يكون هناك وجهات نظر أخرى؛ لأن هذه الأخبار أين موقعها؟ يعني لا ينبغي أن تجتزأ لوحدها، وإنما هي من ضمن حلقة في ... تارة جد وتارة هزل. المهم طالب العلم يعني يعتني بمثل هذه الكتب، وهي تقربه من ذلك العصر الذي كان فيه الرواة يعني في الرحلات، وفي حضور مجالس الإملا وأخبارهم في أثناء المجلس، ونعم هذا بالنسبة ... ما أدري تسمحون بقراءة النوع التاسع والعشرين؟ نعم. اقرأه يا شيخ الإسناد العالي والنازل، ما أدري لو طولنا عليكم قليلا، نعم يا شيخ. النوع التاسع والعشرون: معرفة الإسناد العالي والنازل النوع التاسع والعشرون، معرفة الإسناد العالي والنازل: ولما كان الإسناد من خصائص هذه الأمة؛ وذلك أنه ليس لأمة من الأمم يمكنها أن تسند عن نبيها إسنادا متصلا غير هذه الأمة؛ ولهذا كان طلب الإسناد العالي مرغبا فيه، كما قال الإمام أحمد بن حنبل: الإسناد العالي سنة عمن سلف، وقيل ليحيى بن معين في مرض موته: ما تشتهي؟ قال: بيت خال وإسناد عال؛ ولهذا دعت رغبات كثير من الأئمة النقاد والجهابذة الحفاظ إلى الرحلة إلى أقطار البلاد طلبا لعلو الإسناد، وإن كان قد منع من جواز الرحلة بعض الجهلة من العباد، فيما حكاه الرامهرمزي في كتابه الفاصل، ثم إن علو الإسناد أبعد من الخطأ والعلة من نزوله. وقال بعض المتكلمين: كلما طال الإسناد كان النظر في التراجم والجرح والتعديل أكثر، فيكون الأجر على قدر المشقة، وهذا لا يقابل ولا يقابل ما ذكرناه، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 وأشرف أنواع العلو ما كان قريبا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأما العلو بقربه لإمام حافظ أو منصف، أو بتقدم السماع تلك أمور نسبية، فقد تكلم الشيخ أبو عمرو ها هنا عن الموافقة، وهي انتهاء إسناده إلى شيخ مسن -مثلا-، والبدل: وهو انتهاؤه إلى شيخ شيخه أو مثل شيخه، والمساواة: وهو أن يتساوي في إسنادك الحديث لمصنف، والمصافحة: وهي عبارة عن نزولك عنه بدرجة، حتى كأنه صافحك به، وسمعته منه. وهذه الفنون توجد كثيرا في كلام الخطيب البغدادي، ومن نحا نحوه، قد صنف الحاكم ابن عساكر في ذلك مجلدات. وعندي أنه نوع قليل الجدوى بالنسبة إلى بقية الفنون، فأما من قال: إن العالي من الإسناد: ما صح سنده، وإن كثرت رجاله، فهذا اصطلاح خاص، وماذا يقول هذا القائل فيما إذا صح الإسنادان؟! لكن أقرب رجالا، وهذا قول محكي عن وزير نظام الملك وعن الحافظ السلفي. وأما النزول فهو ضد العلو، وهو مفضول بالنسبة إلى العلو، اللهم إلا أن يكون رجال الإسناد النازل أجلّ من رجال العالي، وإن كان الجميع ثقات، كما قال وكيع لأصحابه: أيما أحب إليكم؟ الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، أو سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود. فقالوا: الأول، فقال: الأعمش عن أبي..، فقال: الأعمش عن أبي وائل: شيخ عن شيخ، وسفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود، فقيه عن فقيه، وحديث يتداوله الفقهاء أحب إلينا مما يتداوله الشيوخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 هذا النوع التاسع والعشرون متعلق بالإسناد العالي والإسناد النازل، وخلاصة الموضوع في هذا أن الإسناد العالي: هو الذي قل رجاله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنسبة إلى إسناد آخر لنفس الحديث، بالنسبة لإسناد آخر لنفس الحديث وليس لحديث آخر، يعني -مثلا- حديثان أو إسنادان لحديث واحد، لنفرض -مثلا- أن مسلما يروي حديثا، أو البخاري يروي حديثا، يرويه بإسناد بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة، ويرويه بإسناد آخر بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسة أو ستة، يقال بالنسبة للأول: هذا إسناد عال، هذا هو العلو، هذا هو العلو المطلق، ويسمونه العلو المطلق، ومعناه قلة إسناد الحديث، قلة عدد رجال إسناد الحديث بالنسبة إلى إسناد آخر للحديث نفسه. وهذا هو الذي رغب فيه العلما، ومن أجله كانت الرحلة، يعني كان الراوي يسمع من شيخ حديثا عن الشيخ، يكون الشيخ هذا موجودا، لكن في بلد آخر، فيرحل الشيخ إلى هذا الراوي ليسمع منه، ويسقط الواسطة لا يحتاج إليها، وقد جمع الخطيب -رحمه الله تعالى- كتابا سماه "الرحلة في طلب الحديث"، لكنه خصه بمن رحل في طلب حديث واحد، في طلب حديث واحد رحل من بلد إلى بلد. وابتدأه بأخبار بعض الصحابة: جابر بن عبد الله وغيره ممن رحل في طلب حديث واحد، يعني يرحل إلى البلد، ويطرق الباب ويقول له: سمعت هذا الحديث، فيقول: نعم، فيرجع. وأما أخبار المحدثين في الرحلة عموما فلا يمكن أن يضبطها كتاب، فإن عملهم كله قائم على الرحلة في طلب الحديث؛ ولهذا ينصون على من لم يرحل، يقولون: لم يرحل أو رحل إلى -مثلا- بلاد قريبة من بلادهم، أما سائر المحدثين في عصر الرواية، فكان عملهم هو الرحلة؛ ولهذا يقولون: الإمام أحمد -رحمه الله- رحل إلى مكة ما فيها إشكال، لكن رحل إلى اليمن وإلى الشام، ورحل البخاري إلى ... طاف البلاد الإسلامية، ورحل مسلم إلى مصر ... ، يطوفون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 يقول أبو حاتم -رحمه الله-: إنني عندما ابتدأت الرحلة صرت أعد- يمشون مشيا على القدمين- كنت أعد كم قطعت، فلما بلغت ألف فرسخ تركت العدد، طال.. طالت المسافة، وصار لا يضبط العدد. فهذه الرحلة مما تميز به المحدثون -رحمهم الله تعالى-، وكما ذكر العلماء السبب هو باختصار: أنه كلما قل رجال الإسناد كلما كان احتمال الخطأ أقل. بس، هذه فائدة الرحلة، هذه فائدة الرحلة، أنه كلما قل رجال الإسناد كلما كان احتمال الخطأ أقل. تكلم ابن كثير -رحمه الله تعالى- على قضايا منها أن بعضهم يقول: طول الإسناد فيه منقبة، وهي أنك تنظر في عدد من الرجال فيعظم أجرك، وهذا فائدة غير مسألة ضبط الرواية التي يريدها المحدثون، هذه قضية خارجة عن يعني غرض المحدثين من الرحلة وطلب علو الإسناد. ثم قسم ابن كثير -رحمه الله- العلو إلى نوعين: العلو المطلق: الذي ذكرته قبل قليل، وهو: قلة الرجال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. والعلو النسبي: وهو الذي يكون بالنسبة إلى إمام حافظ مثل مالك، أو إلى مصنف، مثل: النسائي، ويقسمونه إلى أقسام: الموافقة والبدل والمساواة والمصافحة، وهذه أمور يعني مصطلحات عندهم بالنسبة للعلو إلى حافظ، أو إلى إمام أو يعني -مثلا- إلى النسائي، فهذا علو نسبي، يسمونه ليس هو قلة الرجال، ويقول ابن كثير -رحمه الله-: إن المتأخرين- في كلامه- أولعوا بهذا العلو، واعتنوا به، ويقول: إنه قليل الجدوى بالنسبة إلى بقية الفنون. هذه كلمة ابن كثير، وهي كلمة صادقة صحيحة، ولكن ابن حجر -رحمه الله- حينما ترجم لابن كثير أخذ عليه … يعني لم يأخذ عليه، ولكنه نبه يقول: إنه ليس على طريقة المحدثين في طلب علو الإسناد وكذا وكذا، وإنما اعتنى بالتصحيح والتضعيف والجرح والتعديل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 فقال السيوطي -رحمه الله-: إن ما عمله ابن كثير -يعني كأنه يقول-: هو الأولى. أما تطلب علو الإسناد، ولا سيما نحن نعرف أنه في العصور المتأخرة طلبوا علو الإسناد بأساليب يعني بأساليب، مثلما نقول: بتسامح كبير، تسامح كبير، يتسامحون، همهم فقط هو علو الإسناد. ويقول ابن كثير -رحمه الله-: إن تطلبه هذا كثير الجدوى بالنسبة للفنون الأخرى؛ ولهذا نحن نقول الآن -لما ذهب عصر الرواية، وصار الاعتماد على مجرد الإجازات-: إن تطلب هذا يعني الاعتناء به، وصرف الوقت فيه؛ لأني رأيت بعض الإخوان يريد.. يقول: أريد أن أسافر إلى الهند، أريد أن أسافر البلد الفلاني من أجل الحصول على إجازات. نحن نقول له: هذا اشتغال عما هو أهم منه، عن -مثلا- حفظ السنة، وعن الاشتغال -مثلا- نقد السنة، الاشتغال بالتفقه في السنة؛ فلهذا يعني كل شيء له زمنه، كل شيء له وقته. الرحلة في تلك الأوقات في عصر الرواية، تختلف عنها في زماننا الآن، ينبغي للشخص أن يرحل لطلب العلم، يعني الأمر.. لطلب العلم الذي يستفيد منه، هذا الذي يعني يتعلق بالعالي والنازل. بعضهم.. تكلم ابن كثير عن العلو الوصفي، يعني العلو المتعلق بالوصف لا بالعدد الذي هو صحة الإسناد، وهذا لا إشكال فيه، لا أحد ينازع فيه، وهو أنه إذا كان هناك إسنادان: واحد عال، لكن ضعيف، والآخر نازل، وهو صحيح، أيهما العلو الحقيقي؟ الصحيح بلا إشكال هذا هو العلو يعني المعتبر، ولكن من جهة العلو الذي يقصده المحدثون، أيهما العالي؟ الضعيف، ولا بأس بهذا، مثلا الإمام مسلم -رحمه الله- عرفنا أنه أخرج لرجال فيهم ضعف لمجرد العلو؛ لأن ما يروونه محفوظ من طريق الثقات، وأحب مسلم أن يعلو عن طريقهم، وهذا يفعله المحدثون كثيرا، أن يعلوا بأسانيد فيها ضعف؛ لأن الحديث الذي يروى بهذا الإسناد الذي فيه ضعف مضبوط من طرق أخرى نازلة، وهذا لا إشكال فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 ثم تكلم عن قضية يعني قضية الجلالة في الإسناد النازل، إذا كان -مثلا- الإسناد النازل فيه زيادة -مثلا- كونه فيه حافظ معروف، أو إمام معروف، أو كونه متسلسلا -مثلا- بالحفاظ الثقات، فهو بلا شك أجلّ من إسناد يعني ليس فيه ذلك، وإن كان أقل منه رجالا. وهذا كله كما ذكرت ليس من العلو والنزول الاصطلاحي، العلو والنزول الاصطلاحي راجع إلى أي شيء إذن؟ إلى العدد إلى العدد، وأما الوصف فهو أمر خارج قضية العلو الاصطلاحي. بقي أنواع في الحقيقة يعني لعلنا نمر عليها، أو نتمكن منه غدا -إن شاء الله تعالى- وما نستطيع أن نطيل أكثر من هذا. ننبه الإخوان -جزاهم الله خيرا- أن يكون شرح درس اليوم بعد صلاة العشاء إضافة إلى درس غدا بعد صلاة الفجر، يكون هناك درسان -إن شاء الله-؛ لإنهاء الكتاب، وتؤجل -إن شاء الله- إلى الدرس القادم بناء على طلب الشيخ، وجزاكم الله خيرا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 النوع الثلاثون والحادي والثلاثون: معرفة المشهور والغريب والعزيز بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال - رحمه الله تعالى- النوع الثلاثون: معرفة المشهور والشهرة أمر نسبي، فقد يشتهر عند أهل الحديث، أو يتواتر ما ليس عند غيرهم بالكلية، ثم قد يكون المشهور متواترا أو مستفيضا، وهذا ما زاد نقلته على ثلاثة، وعن القاضي الماوردي أن المستفيض أكثر من المتواتر، وهذا اصطلاح منه، وقد يكون المشهور صحيحا كحديث: الأعمال بالنيات وحسنا، وقد يشتهر بين الناس أحاديث لا أصل لها، أو هي موضوعة بالكلية، وهذا كثير جدا. ومن نظر في كتب الموضوعات لأبي الفرج بن الجوزي عرف ذلك، وقد روي عن الإمام أحمد أنه قال: أربعة أحاديث تدور بين الناس في الأسواق، لا أصل لها: "من بشرني بخروج أذاه بشرته بالجنة"، "ومن آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة"، "ونحركم يوم صومكم"، "وللسائل حق وإن جاء على فرس". النوع الحادي والثلاثون: معرفة الغريب والعزيز أما الغرابة فقد تكون في متن، بأن يتفرد بروايته راو واحد، أو في بعضه، كما إذا زاد فيه واحد زيادة لم يقلها غيره، وقد تقدم الكلام في زيادة الثقة. وقد تكون الغرابة في الإسناد كما إذا كان أصل الحديث محفوظا من وجه آخر أو من وجوه، ولكنه بهذا الإسناد غريب، فالغريب: ما تفرد به واحد، وقد يكون ثقة، وقد يكون ضعيفا، ولكل حكمه. فإن اشترك اثنان أو ثلاثة في رواية عن الشيخ سمي عزيزا، فإن رواه عنه جماعة سمي مشهورا كما تقدم، والله أعلم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. النوع الثلاثون -كما ذكر ابن كثير-: معرفة المشهور، وهو الكلام فيه مرتبط بالذي بعده، معرفة الغريب والعزيز، وفي كلام ابن كثير عدد من الأمور تلخيصها كما يلي: أولا: ذكر ابن كثير -رحمه الله- تعريف المشهور، من الأمور التي ذكرها ابن كثير في كلامه تعريف المشهور، وعرفه بأنه: ما رواه.. -بأن في آخر كلامه- ما رواه جماعة، قال في آخر الكلام في آخر الكلام عن النوع الحادي والثلاثين -قال:" فإن اشترك اثنان أو ثلاثة في روايته عن الشيخ سمي عزيزا، فإن رواه عنه جماعة سمي مشهورا". وقال قبل ذلك:" ثم قد يكون المشهور متواترا أو مستفيضا، وهذا من زاد نقلته على ثلاثة". فالآن ذكر تعريفين -رحمه الله- للمشهور، أحدهما يفهم من تعريفه للمستفيض والمتواتر، وهو أنه ما رواه ثلاثة، وفي آخر كلامه أن المشهور هو ما رواه جماعة فوق الثلاثة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وهذا التعريف يعني فقط نعلق عليه بأن نقول: ليس هذا منصوصا عن أحد من الأئمة، وإنما هذا هو تعريفه عند أهل الأصول. وملخص الكلام عند أئمة الحديث أن الحديث باعتبار طرقه ينقسم إلى قسمين: الغريب: وهو ما رواه شخص واحد. والمشهور: وهو ما خرج عن حد الغرابة، فإذا خرج عن حد الغرابة فرواه اثنان فأكثر، فهذا هو المشهور، فيقول الإمام مثلا يقول مثلا مثل أبي زرعة أتى إلى راو فيقول: نظرت في حديثه فانتخبت منه الغرائب، وتركت المشاهير، انتخبت الغرائب، وتركت المشاهير. هذا الذي يظهر لي في اصطلاح الأئمة أن المشهور ما خرج عن حد الغرابة، وأن الغريب- كما مر بنا- ما رواه شخص واحد. يبقى في كلام ابن كثير العزيز، نعلق عليه، ونقول: إن هذا العزيز ذكره الإمام ابن منده -رحمه الله تعالى-، ولكن قال: بأنه ما رواه اثنان أو ثلاثة عن شخص يجمع حديثه ... إلى آخر كلامه. نعلق عليه فنقول حسب ما وقفت عليه منذ درست المصطلح منذ سنوات طويلة، وأنا أبحث عن نص.. عن إمام يطلق العزة فيريد بها عدد الطرق، سواء اثنان أو ثلاثة، ما وقفت -إلى الآن- على مثال للعزيز، وإنما يطلق الأئمة العزة، ويريدون بها الندرة، فيقولون فلان عزيز الحديث، أو حديثه يعز، ونحو هذه الكلمات، هذه موجودة بكثرة، ولا يريدون بها أنها قسيم للغريب والمشهور. إذن نخلص من هذا الكلام بأمر، وهو بساطة التعريف، بساطة الاستخدام، الحديث إما غريب وإما خرج عن حد الغرابة إلى الشهرة، وتستريح، من يعني.. حتى أن تعريف الحديث مثال الحديث العزيز، مثل ابن حجر -رحمه الله- بمثال واحد، واعترض عليه باعتراضات، وفهمه صعب عسر جدا فهمه، موجود في النزهة، ويتداول هذا المثال إلى وقتنا الحاضر، يتداول هذا المثال إلى وقتنا الحاضر، مثال واحد. فالمقصود أن استخدام كلمة عزيز إذا يعني نحيتها يبقى عندك الشهرة والعزة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 الأمر الثاني في كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: هو أنه ذكر المتواتر، أن من المشهور ما قد يتواتر، وهو قد حذف هنا كلاما لابن الصلاح نبه فيه إلى أن الحديث المتواتر استخدامه، يعني نبه إلى أن المتواتر بالمعنى المعروف الذي: ما رواه جماعة يستحيل.. عن جماعة، يستحيل تواطؤهم على الكذب، إن هذا عند أهل الأصول، وابن كثير ما نقل هذا، ولكن نبه ابن الصلاح -رحمه الله- إلى هذا، ونبه العراقي إلى أن المحدثين في استخدامهم للمتواتر أنه بمعنى تعدد الطرق وكثرتها، وليس بالمعنى الذي يريده الأصوليون أنه لا يسأل عن عدالتهم، ولو كانوا كفارا ... إلى آخر تعريفهم للمتواتر. فإذن المتواتر عند المحدثين ما معناه؟ معناه التتابع؛ ولهذا يقول الطحاوي -رحمه الله-: هذا الحديث أو هذا الحكم تواترت به الأحاديث، أكثر مما تواترت بالحكم الفلاني.. بالحكم الثاني، يعني يوازن بينهما. ومعروف أنه لا يوجد.. لا يمكن يوجد خبر متواتر يضاد خبرا متواترا. فإذن هو يريد بالتواتر هنا: مطلق التتابع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 في كلام ابن كثير أمر ثالث: وهو أنه قسم الشهرة إلى قسمين: شهرة اصطلاحية، وهي التي تقدمت، وشهرة لغوية، بمعنى أن يشتهر الحديث عند الناس، وإن لم يكن له أصل، أو حتى أحيانا لا يكون له إسناد أصلا، لا يوجد إسناد، وهذا موجود قد يشتهر عند النحاة، وقد يشتهر عند البلاغيين، وقد يشتهر عند اللغويين، ولا يكون له أصل، فهذه تسمى الشهرة اللغوية، وقال: إنه قد يشتهر، وهذا يشتهر يعني حتى تشتهر أحاديث موضوعة، ولا يكون لها أصل، وورد مثال بعدد من الأحاديث، نقل كلام الإمام أحمد، نعم في كلامه -أيضا- تقسيم الغريب، الغريب مر بنا أنه: ما تفرد بروايته راو واحد، وقسمه إلى قسمين، وقد ذكرت هذين القسمين في نوع الأفراد، فالفرد والغريب هما يعني بينهما يعني تشابه، أو لنقل: هما مترادفان، فالغرابة كما ذكر ابن كثير يقول: تكون في المتن بأن يتفرد بروايته راو واحد، أو في بعضه.. كما إذا زاد فيه واحد زيادة لم يقلها غيره، يعني لا يوجد للمتن إلا هذا الإسناد، مثل ماذا؟ مر بنا في الأفراد مثل حديث ماذا؟ ? إنما الأعمال بالنيات ? وحديث ? أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المظفر ? وحديث: ? السفر قطعة من العذاب ? إلى آخره. وهناك نوع من الغرابة في الإسناد، يعني يكون المتن محفوظا من عدد من الأوجه، ولكن تقع الغرابة في إسناد واحد، وهو الذي يقولون فيه: غريب من هذا الوجه. بقي أمر يعني مثّل ابن كثير للمشهور الصحيح بحديث: ? الأعمال بالنيات ? ونحن الآن مثلنا به لأي شيء؟ الآن مثلنا به لأي شيء؟ للغريب. كيف يكون مشهورا، وهو غريب؟ يقسمون الشهرة إلى قسمين، لكن ابن كثير يعني الأمور كلها بسبب الاختصار، يعني تداخلت عنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 يقسمون الشهرة إلى شهرة مطلقة، وهو: أن يشتهر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى شهرة نسبية، وهو أن يكون غريبا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن تقع الشهرة عن أحد رواته، وعرفنا أن حديث: ? إنما الأعمال بالنيات ? مشهور عمن؟ عن يحيى بن سعيد الأنصاري في الطبقة الرابعة، حتى قيل: إنه رواه عنه مئات من يعني يبلغون المئات ممن رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري، هذا الكلام في النوع الثلاثين، والنوع الحادي والثلاثين. نعم. الذي بعده. النوع الثاني والثلاثون: معرفة غريب ألفاظ الحديث النوع الثاني والثلاثون: معرفة غريب ألفاظ الحديث، وهو من المهمات المتعلقة بفهم الحديث، والعلم والعمل به، لا بمعرفة صناعة الإسناد، وما يتعلق به قال الحاكم: أول من صنف في ذلك النضر بن شميل، وقال غيره: أبو عبيدة معمر بن المثنى، وأحسن شيء وضع في ذلك كتاب أبو عبيد القاسم بن سلام، وقد استدرك عليه ابن قتيبة أشياء، وتعقبهما الخطابي، فأورد زيادات، وقد صنف ابن الأنباري المتقدم، وسليم الرازي وغير واحد، وأجل كتاب يورد فيه مجامع ذلك كتاب "الصحاح" للجوهرى، وكتاب "النهاية" لابن الأثير -رحمهما الله-. نعم. هذا غريب الحديث، فن لا يتعلق بنقد السنة، وإنما قد يحتاج إليه الباحث في النقد أحيانا، قد يحتاج إليه أحيانا في النقد، ولكن كما قال ابن كثير: لا غنى للمحدث عنه؛ للتفقه في المتن ومعرفة معانيه، ثم تكلم ابن كثير على أول من صنف في ذلك، وهذا أمر لا يهم، هل هو النضر بن شميل، أو أبو عبيدة معمر بن المثنى؟ ولكن الموجود الآن، وهو أهم مرجع، يعني من أهم المراجع فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 ومن أوائل ما ألف فيه كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام، اسمه "غريب الحديث"، مطبوع في أربع مجلدات، ثم جاء بعده ابن قتيبة فاستدرك عليه ما لم يذكره بكتاب، سماه -أيضا- "غريب الحديث"، ثم الخطابي استدرك عليهما، وابن كثير سماه تعقب، وليس هو بتعقب بالمعنى الاصطلاحي، يعني ناقشهما، وإنما هو استدراك يعني يذكر ما لم يذكره أبو عبيد، وما لم يذكره ابن قتيبة. ثم ذكر بعض المؤلفين في هذا، وأن من أجمع ما ألف كتاب "الصحاح"، كتاب الصحاح ليس كتاب غريب حديث، وإنما هو كتاب لغة، ولكنه يورد بعض الأحاديث في شرحه، أو في هذا الكتاب، كتاب "النهاية في غريب الحديث"، نعم. هو لابن الأثير، وهو متأخر. بالمناسبة، الثلاثة الكتب الأولى، لها ميزة: وهي أنها تورد الأحاديث بالإسناد على طريقة المصنفين الأوائل -رحمهم الله تعالى-، ونستفيد من هذا مزيد أسانيد، ويعني اختلاف طرق، ونستفيد منها في تصحيف النقد. وأما كتاب ابن الأثير "النهاية"، فهو محذوف الأسانيد محذوف الأسانيد. بس فقط يورد.. فقط يورد المتون. مما ينبه عليه في غريب الحديث بالنسبة لطالب العلم، ينتبه الناقل للغريب أو الناقل لكلمة الغريب إلى قضية، وهي أن المؤلفين في الغريب يعني كان هذا شيئا إليه يشار، هو أنهم ربما تأثروا في شرح الغريب، إما بمذهب فقهي، أو بمذهب عقائدي..، يعني -مثلا- إذا جاء -مثلا- المؤلف إلى صفة من صفات الله -تعالى- يفسرها بأي شيء؟ إذا كان متأثرا بمذهب النفي يفسرها يؤولها، لا يربطها بأي شيء؟ بالمعنى اللغوي، مثله الفقه -مثلا- في حديث: ائتوني بحجرين وروثة..، ? ائتوني بثلاثة أحجار، فأتيته بحجرين وروثة، فأخذ الحجرين ورد الروثة وقال: إنها رجس ?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 لو أتيت إلى -مثلا- تفسير رجس هذه تجد في بعض كتب اللغة يقول: الرجس النجس، الرجس النجس، كيف فسره؛ لأن من المذاهب الفقهية من يرى أن جميع الرجيع حكمه ماذا؟ حكمه النجاسة، فبعض … وقد يعني بعض الباحثين خصص رسالته في أثر المذاهب العقائدية في كتب … أو في كتاب "غريب الحديث" الذي هو كتاب "النهاية"، فيختار طالب العلم لا يعني ينقل هكذا، ينظر يعني تفسير الحديث تفسير الغريب، على أي شيء اعتمد المفسر في تفسيره للكلمة الغريبة، فقد أثرت بعض الأمور في كتب الغريب، أو المؤلف، ولا سيما من تأخر منها. نعم يا شيخ. النوع الثالث والثلاثون: معرفة المسلسل النوع الثالث والثلاثون: معرفة المسلسل، وقد يكون في صفة الرواية، كما إذا قال كل منهم: سمعت، أو حدثنا، أو أخبرنا، أو نحو ذلك، أو في صفة الراوي بأن يقول حالة الرواية قولا قد قاله شيخه له، أو يفعل فعلا فعل شيخه مثله، ثم قد يتسلسل الحديث من أوله إلى آخره، وقد ينقطع بعضه من أوله، أو آخره. وفائدة التسلسل بعده من التدليس والانقطاع، ومع هذا قلما يصح حديث بطريق مسلسل، والله أعلم. نعم، في هذا النوع معرفة المسلسل، وفيه ثلاثة أمور ذكرها ابن كثير: أحدهما في تعريفه، وخلاصة المسلسل أنه يتسلسل إسناده بصفة ما، إما بصيغة الأداة كحدثنا، وأخبرنا، أو بأسماء الرواة كأن يتسلسل بالمحمدين، أو بنسبتهم إلى بلد، كالمصريين أو الشاميين، أو يتسلسل بحال، كما يقول الشيخ -مثلا-: حدثنا وهو آخذ بيدي، كما يقول الراوي: حدثنا فلان، وهو آخذ بيدي، والذي بعده يقول هكذا. أو يتسلسل بصفة في الرواية كأن يقول -مثلا-: هو أول حديث سمعته منه، وكل واحد يقول: هو أول حديث سمعته منه، فيسمون هذا يسمونه المسلسل، وهناك كتب أو أجزاء ألفت في المسلسلات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 أشار ابن كثير إلى أن التسلسل قد يتصل من أول الإسناد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث المسلسل بقراءة سورة "الصف"، فإن كل واحد من رواته قرأ سورة الصف ابتداء من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عبد الله بن سلام، ثم يحيى بن أبي كثير، وتسلسل هذا إلى ابن كثير والذهبي وجماعة، رووه هكذا مسلسلا، وهو يقولون: إسناده من أقوى المسلسلات. وقد ينقطع مثل المسلسل بأول حديث سمعته منه، فإن هذا ينقطع عند سفيان بن عيينة -رحمه الله- عند سفيان بن عيينة -رحمه الله تعالى-. ما فائدة التسلسل؟ لما اعتنى المحدثون بالتسلسل؟ قال ابن كثير: إن فائدته تعود إلى التأكد أو بعد الإسناد عن التدليس والانقطاع؛ لأن كل واحد يذكر صفة تنبؤ أنه قد لقي شيخه، وسمع منه هذا الحديث، لكنه عقب بقوله: "ومع هذا قلما يصح حديث بطريق مسلسل"؛ ولهذا يقول بعض العلماء: إن التسلسل أصله يفيد الحديث قوة، ولكنه عاد على الأحاديث بأي شيء؟ بالضعف، لماذا؟ لأنه صار هما عند بعض المتأخرين، همّ أن يحرص على أن يقع التسلسل في الإسناد، وحرصوا.. وبعضها موضوعات لا تصح، وبعضها تصح، ولكن التسلسل لا يصح؛ فلهذا يقولون يعني مع.. هذا النوع من الحديث من علوم الحديث لم يستفد منه نقد السنة شيئا، مع أن المفترض أن يفيد في تقوية الإسناد، والدلالة على اللفظ، ولكنه يعني هناك مسلسلات صحيحة، لكن لا تتعلق بالنقد، مثل كونه مسلسلا بالشامي؛ لأن هذا ما يفيد النقد شيئا، ومثل مسلسل -مثلا -بمن اسمهم بالمحمدين، هذا ما يفيد في النقد شيئا. نعم. النوع الرابع والثلاثون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 النوع الرابع والثلاثون: معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه النوع الرابع والثلاثون: معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه، وهذا الفن ليس من خصائص هذا الكتاب، بل هو بأصول الفقه أشبه، وقد صنف الناس في ذلك كتبا كثيرة مفيدة، من أجلها كتاب الحافظ الفقيه أبي بكر الحازمي -رحمه الله- وقد كان للشافعي -رحمه الله- في ذلك اليد الطولى، كما وصفه به الإمام أحمد بن حنبل، الإمام أحمد بن حنبل. ثم الناسخ قد يعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كقوله: ? كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ? ونحو ذلك، وقد يعرف ذلك بالتأريخ وعلم السيرة، وهو من أكبر العون على ذلك، كما سلكه الشافعي في حديث: ? أفطر الحاجم والمحجوم ? وذلك قبل الفتح في شأن جعفر بن أبي طالب، وقد قتل بمؤتة قبل الفتح بأشهر، وقول ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- احتجم وهو صائم ومحرم، وإنما أسلم ابن عباس مع أبيه في الفتح. فأما قول الصحابي: هذا ناسخ لهذا، فلم يقبله كثير من الأصوليين؛ لأنه يرجع إلى نوع من الاجتهاد، وقد يخطئ فيه، وقبلوا قوله: هذا كان قبل هذا؛ لأنه ناقل، وهو ثقة مقبول الرواية. نعم. هذا النوع معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه قبل أن يبدأ به ابن كثير نبه إلى أنه ليس من علم الحديث، يعني ليس من علم نقد الحديث، يريد هذا، وإنما هو أشبه بأصول الفقه، وهو كما ذكره، ولكن المحدثين تعرضوا له؛ لأنه كما نعرف: المحدثون، هم أيضا.. هم أيضا فقهاء، كبار المحدثين هم أئمة في الفقه أيضا، كأحمد والبخاري وأبي داود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 ثم تكلم على من ألف في هذا، ومن اشتهر به الحازمي كتابه اسمه "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" مطبوع، والإمام الشافعي -رحمه الله- له عناية بهذا في كتابه "اختلاف الحديث" يعتني بهذا، ثم تكلم ابن كثير -رحمه الله- على كيف يعرف الناسخ من المنسوخ، وذكر طريقتين لمعرفة الناسخ: إحداهما أن ينص الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، فيقول: مثل حديث: ? كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزروها ? ومثل حديث النهى عن ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاث، ثم الإذن بذلك منه - صلى الله عليه وسلم - وقد يعرف ذلك بالتاريخ، وهذا هو الأكثر، أكثر ما الأئمة يلجئون إلى معرفة التاريخ. ومثّل ابن كثير بمثال الذي هو سمعتموه وهو حديث: ? أفطر الحاجم والمحجوم ? ولكن ينبغي أن نشير إلى أمر مهم، وهو أن الحكم بالنسخ أمر نقلي أو اجتهادي في غالبه، النقل هو التقدم، تقدم هذا على هذا، يعني قد يعرف بأن هذا قتل مبكرا أو يعني أن هذا وقع في مكة، وأن هذا في المدينة، أو أن إسلام فلان قبل فلان، وإلى هذا، ولكن النظر بين الحدثيين، والحكم بأن هذا ناسخ وهذا منسوخ، إنما هو أمر اجتهادي؛ ولهذا ما ذهب إليه الشافعي هنا في حديث: ? أفطر الحاجم والمحجوم ? يخالفه جماعة، منهم الإمام أحمد، حيث يقدمون حديث: ? أفطر الحاجم والمحجوم ? ولا يرون حديث ابن عباس ناسخا له. هذا يعني النسخ. وسيأتي الكلام في النسخ -أيضا- في نوع قادم، وهو معرفة مختلف الحديث. نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 النوع الخامس والثلاثون: معرفة ضبط ألفاظ الحديث متنا وإسنادا النوع الخامس والثلاثون: معرفة ضبط ألفاظ الحديث متنا وإسنادا، والاحتراز من التصنيف فيها، وقد وقع من ذلك شيء كثير لجماعة من الحفاظ وغيرهم ممن ترسم بصناعة الحديث، وليس منهم، وقد صنف العسكري في ذلك مجلدا كبيرا. وأكثر ما يقع ذلك لمن أخذ الصحف، ولم يكن له شيخ حافظ يوقفه على ذلك، وما ينقله كثير من الناس عن عثمان بن أبي شيبة أنه كان يصحف قراءة القرآن، فغريب جدا؛ لأن له كتابا في التفسير، وقد نقل عنه أشياء لا تصدر عن صبيان المكاتب. وأما ما وقع لبعض المحدثين من ذلك فمنه ما يكاد اللبيب يضحك منه، كما حكي عن بعضهم أنه جمع طرق حديث: ? يا أبا عمير ما فعل النغير ? ثم أملاه في مجلسه على من حضره من الناس، فجعل يقول: يا أبا عمير ما فعل البعير، فافتضح عندهم وأرخوها عنه. وكذلك اتفق لبعض مدرسي النظامية ببغداد أنه أول يوم إجلاسه أورد حديث: ? صلاة في إثر صلاة كتاب في عليين ? فقال "كناز في غلس"، فلم يفهم الحاضرون ما يقول، حتى أخبرهم بعضهم بأنه تصحف عليه" كتاب في عليين". وهذا كثير جدا، وقد أورد ابن الصلاح أشياء كثيرة، وقد كان شيخنا الحافظ الكبير الجهبذ أبو الحجاج المِزّي -تغمده الله برحمته- من أبعد الناس عن هذا المقام، ومن أحسن الناس أداءً للإسناد والمتن؛ بل لم يكن على وجه الأرض -فيما نعلم- مثله في هذا الشأن أيضا. وكان إذا تغرَّب عليه أحد برواية شيء مما يذكره بعض الشرَّاح على خلاف المشهور عنده، يقول: هذا من التصحيف الذي لم يقف صاحبه إلا على مجرد الصحف والأخذ منها نعم، هذا النوع -الذي هو التصحيف- معناه أن تتصحّف كلمة، أن تتصحف كتابتها أو نطقها على الراوي، إما أن يتغير الضَبْط، أو أن يتغير النَقْط، أو ربما تغيَّر شكل الكلمة كاملا، وله أمثلة كثيرة جدا في السنة النبوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وسببه -كما ذكر ابن كثير -رحمه الله- أنه بسبب الأخذ من الصُّحُف، ولكن أنبه لأمر مهم: وهو أن ابن كثير شَنَّ الغارة على من يقع منه التصحيف، ومراده بذلك الذين يكثر منهم التصحيف. وأما التصحيف نفسه فقد وقع لأئمة كبار، ومن يطالع كتب "العلل" وغيرها يلاحظ أن بعض الأئمة ينبه على تصحيف شيوخه؛ إما في الإسناد، وإما في المتن، حتى يقع التصحيف في الإسناد أيضا، يصحِّف اسمَ راوٍ، وهذا موجود. وذكر الإمام أحمد في كتاب "العلل" بعض التصحيفات التي وقعت لشيخه وكيع، وكذلك أيضا يقع لكبار الحفاظ، وهذا أمر -يعني- ما دام على النادر فهو أمر مستساغ، وإنما ابن كثير -رحمه الله- هذه الأمور التي ذكرها في أشياء واضحة، وفي -يعني- ممن يكثر منهم ذلك، ولكن في المطبوع الآن عندنا "كناز في غلس"، الذي أعرفه أنا هو أنها "كنارٍ في غلس"، يعني: أنها لوضوحها و..، المهم يبدو لي أنها كذا، وقد تكون كما، نعم.. كنار في غلس، نعم، هي "كنارٍ في غلس". وكذلك دافع ابن كثير عن عثمان بن أبي شيبة -رحمه الله-، هو حافظ مشهور، له مسند، أخو ابن أبي شيبة صاحب "المصنف"، فذاك أبو بكر، وهذا عثمان، ويقول: إن ما نقلوه عنه من تصحيف في القرآن أو السنة إنه بعيد، والله أعلم. وهو كما ذكره. ومن يريد أن يطالع بعض الأخبار في التصحيف فهناك كتب منها: "إصلاح خطأ المحدثين" للخطابي، ومنها للدارقطني، ومنها ومن أجمعها كتاب العسكري "تصحيفات المحدثين"، وله أيضا كتاب اسمه "التصحيف والتحرير" جمع فيه أمثلة كثيرة، "التصحيف والتحرير" هذا ليس خاصا بالمحدثين، بل مَنْ صحَّفَ بالشعر، أو في النَظْم، أو في الخُطَب، أو في غير ذلك. وذكر ابن كثير -أيضا- كلاما عن منزلة شيخه المِزّي، وأثنى عليه، وهو دائما يثني عليه دائما، وكما ذكر يقول: لا نعرف على وجه الأرض مثله. ولا إشكال في ذلك؛ فهو في وقته ليس على وجه الأرض مثله -فيما يظهر- في فن الحديث، وبه تخرج الذهبي، وابن كثير، وابن تيمية، وجماعة كثيرون تخرجوا بالمزي -رحمه الله تعالى-. نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 النوع السادس والثلاثون: معرفة مختلف الحديث النوع السادس والثلاثون: معرفة مختلف الحديث: وقد صنَّف فيه الشافعي فصلا طويلا من كتابه "الأم" نحوا من مجلد، وكذلك ابن قتيبة له فيه مجلد مفيد، وفيه ما هو غث، وذلك بحسب ما عنده من العلم. والتعارض بين الحديثين قد يكون بحيث لا يمكن الجمع بينهما بوجه، كالناسخ والمنسوخ، فيُصار إلى الناسخ، ويُتْرَك المنسوخ. وقد يكون بحيث يمكن الجمع، ولكن لا يظهر لبعض المجتهدين، فيتوقف حتى يظهر له وجه الترجيح بنوع من أقسامه، أو يهجم فيفتي بواحد منهما، أو يفتي بهذا في وقت، وبهذا في وقت، كما يفعل أحمد في الروايات عن الصحابة. وقد كان الإمام أبو بكر ابن خزيمة يقول: ليس ثَمَّ حديثان متعارضان من كل وجه، ومن وجد شيئا من ذلك فليأتني به لأؤلف له بينهما نعم، هذا "مختلف الأحاديث" معناه: أن تَرِدَ أحاديث ظاهرها التعارض، وهذا فن جليل من أوائل من اشتغل به، من أوائل من ألف كتابا فيه هو الإمام الشافعي -رحمه الله- في كتابه "اختلاف الحديث"، وهو يوجد مطبوعا مع "الأم"، ويوجد أيضا، وحُقِّق. وكما ذكر ابن كثير -رحمه الله- أن ابن قتيبة له كتاب اسمه "مختلف الحديث"، وأنه -ابن قتيبة- من المحبين للسنّة، ومن الأدباء الذين ساروا على مذهب أهل السنة والجماعة، ويسميه ابن تيمية -رحمه الله-، أو ينقل أنه يسمى: خطيب أهل السنة، أو متكلم أهل السنة، كما أن الجاحظ متكلم أي فرقة الجاحظ؟ المعتزلة. انتصر ابن قتيبة -رحمه الله- بالدفاع عن السنّة، والدفاع عن عقيدة السلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 ومما ألفه من كتبه المؤلفة في الحديث هذا الكتاب "مختلف الحديث"، وقدَّمه بمقدمة شَنَّ فيها الغارة على المعتزلة، وعلى موقفهم من الحديث، ثم ذكر عددا من الأحاديث المتعارضة، وصار يجيب عليها. نعم، العلماء -رحمهم الله- قالوا: إنه -في بعض اجتهاداته في الجواب- قد يكون أخطأ في بعضها، وهذا لا يضر. الطحاوي له كتاب سَمَّاه "مشكل الآثار"، كتاب كبير جدا من هذا الباب أيضا، يورد فيه مجموعة من الأحاديث، ويوفق بينها، وبعض توفيقاته قد لا يوافق عليها. ثم ذكر ابن كثير -رحمه الله تعالى- أن التعارض بين الحديثين ليس على درجة واحدة؛ منه ما يمكن فيه الجمع، ومنه ما يُلْجأ إلى النسخ، ومنه ما يُلْجأ إلى الترجيح، وأنه -أيضا- محل نظر واجتهاد، وهذا -كما قال- لما يراه تعارضا حقيقيا فيُرَجِّح، ويراه بعضهم تعارضا صوريا فيَجمع. وذكر أن ابن خزيمة -رحمه الله- يقول: ليس ثَمَّ حديثان متعارضان من كل وجه، ومن وجد شيئا من ذلك فليأت لنؤلف له بينهما. وهو -كما قال- اشتغل ابن خزيمة -رحمه الله-، لكن نلاحظ أن بعض الجموع قد يكون فيها نوع تكلف، فيذهب الجامع ليصحح الروايتين، وعلى طريقة المحدثين أيهما يُبدأ به: الجمع، أم النظر في الطرق؟ لا، قضية الجمع هذه ليست موجودة عندهم بالمعنى المتعارف عليه، أننا نجمع أولا، فإن لم نجد جمعا لجأنا إلى أي شيء؟ لأن قضية الجمع هذه لا تنضبط. الآن انظر ابن خزيمة يقول: "ليس هناك حديثان في الدنيا إلا أستطيع أن أجمع بينهما". فإذن، عند المحدثين الترجيح النظر في الأسانيد أولا، ويُسخِّرون التعارض في الأحاديث للترجيح، فهذا له مدخل في نقد السُّنّة. فإذن، ما يُتعارف عليه، أو ما يُذكر دائما أن الأولى الجمع، ثم الترجيح، ثم النسخ وهكذا، هذا ليس على إطلاقه؛ فكل حديث يخضع لحاله، وكل تعاون بين حديثين يخضع لذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 مثال ذلك مثلا: ورد حديث في الصحيحين أن عائشة قالت -وكذلك قاله ابن عمر-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال -رويا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ? إن بلالا يؤذِّن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ?. في رواية عن عائشة، أو في بعض الطرق إلى عائشة جاء: ? إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال ?. الآن ابن خزيمة -لما جاء إلى الجمع- أحب أن يصحح الروايتين بعد كلام له على أسانيدهما، فقال: يحتمل أن يكون ليلةً يبكّر بلال، وليلة يبكّر مَنْ؟ فقال هذا في الليلة التي يبكر فيها بلال، وقال هذا في الليلة التي يبكر فيها ابن أم مكتوم. ثم جاء ابن حبان وجزم، لم يذكر احتمالا، وإنما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا في ليلة، وهذا في ليلة. هذا الجمع على طريقة المحدثين ما يصلح، بل المحدثون يرجِّحُون ما هو في الصحيحين، وما هو في الطرق الصحيحة أن الذي يؤذن بليل مَنْ هو؟ هو بلال، وأن الذي يؤذن ابن مكتوم. وفي الحديث تعليل ذلك؛ فإنه كان أعمى، وكان لا يؤذن حتى يُقال له: أصبحت، أصبحت. وفي الحديث الآخر، حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ? لا يغرنكم أذان بلال؛ فإنه يؤذن ليوقظ نائمكم ?. يعني: المهم أنه بلا إشكال أن الذي يؤذن أولا مَنْ هو؟ هو بلال. فمثل هذه الجموع لا تسير على طريقة المحدثين، يعني: ليس كل حديث استطعنا أن نجمعه أو نجمع بينهما انتهى أمره على طريقة المحدثين، وإنما النظر أولا عندهم من جهة النقد هو في الأسانيد أولا، ويسخِّرون التعارض هذا للنظر في الأسانيد، هذا أحببت أن أنبه عليه؛ لأنه كثيرا ما ترسخ في أذهان الباحثين. نعم.. يا شيخ، اقرأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 النوع السابع والثلاثون: معرفة المزيد في متصل الأسانيد النوع السابع والثلاثون: معرفة المزيد في متصل الأسانيد: فهو يزيد راوٍ في الإسناد رجلا لم يذكره غيره، وهذا يقع كثيرا في أحاديث متعددة، فقد صنف الحافظ الخطيب البغدادي في ذلك كتابا حافلا. قال ابن الصلاح: وفي بعض ما ذكره ندر. ومثَّل ابن الصلاح هذا النوع بما رواه بعضهم عن عبد الله بن المبارك، عن سفيان، عن عبد الله بن يزيد بن جابر، حدثني بُسْر بن عبد الله، سمعت أبا إدريس يقول: سمعت واثلة بن الأسقع، سمعت أبا مَرثد الغَنَوي يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ? لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها ?. ورواه آخرون عن ابن المبارك، فلم يذكروا سفيان. وقال أبو حاتم الرازي: وَهِمَ ابن المبارك في إدخال أبا إدريس في الإسناد، وهاتان زيادتان. نعم، هذا المزيد في متصل الأسانيد، عرّفه ابن كثير، وهو أن يزيد راوٍ بإسناد رجل لم يذكره غيره، تضيفون للتعريف أمرا لا بد منه، وهو أنه يقال: لم يذكره غيره، ويترجح حذف هذا الرجل، أو ذكره الذي يترجح، لكي يكون مزيدا ما الذي يترجّح؟ حذف هذا الزائد، ومع هذا يكون الناقص متصلا، يعني: بثلاث شروط، هذا التعريف متضمن ثلاثة شروط: أن يزيد راوٍ في الإسناد، أو أكثر من راوٍ. أن يزيد رجلا في الإسناد، وأن تكون الزيادة: راجحة أو مرجوحة؟ مرجوحة. وأن يكون الإسناد الناقص: متصلا أو منقطعا؟ متصلا، فهذا يسمونه "المزيد في متصل الأسانيد". بهذه الثلاثة شروط إذا اختل شرط لا يسمى المزيد في متصل الأسانيد، لو ترجح عندنا ذكر الرجل، وأن الذي حدثه هو المخطئ، يكون مزيدا أو لا يكون مزيدا؟ ما يكون مزيدا. لو ترجح عندنا -مثلا- لو كان الذي حدث إسنادا منقطعا، إذًا الزائد لو رجحناه يكون مزيدا في متصل الأسانيد، أو مزيدا على إسناد منقطع؟ يكون على إسناد المنقطع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 فبهذه الثلاثة، والمثال المذكور الآن ينطبق هذا، انظر المثال الآن: روى بعضهم عن عبد الله بن المبارك، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني بسر بن عبد الله، سمعت أبا إدريس يقول: رواه آخرون عن ابن المبارك، فلم يذكروا سفيان. إذن ابن المبارك يرويه مباشرةً عن مَنْ؟ وهذا هو الصواب، يرويه ابن المبارك عن عبد الرحمن، وهذا هو الذي رواه الجماعة عن ابن المبارك، وقوله: رواه بعضهم. بالنسبة للتتبع ما وجدت أحدا مسمّى رواه هكذا بالزيادة، ولكن ما فُقِد من الأسانيد، وقد يكون لما وقفت عليه، يعني: يحتاج إلى بحث. الزيادة الثانية: إذًا هذا الوهم من مَنْ؟ من بعض أصحاب مَنْ؟ ابن المبارك. فيه زيادة ثانية في الإسناد، وهو قوله: سمعت أبا إدريس. فقد رواه الجماعة عن سفيان الثوري وجماعة، عن عبد الرحمن بن يزيد، بدون ذكر أبي إدريس، فالوهم يكون هنا من ابن المبارك. وفيه يقول بُسر بن عبد الله: سمعت واثلة بن الأسقع، يعني: يصرح فيه بالتحديد، فهذا هو يسمى، ماذا يسمى الآن؟ هذا يسمى "المزيد فيه متصل الأسانيد"، وقد صنف فيه الخطيب كتابا حافلا سماه "المزيد"، هو أول من سماه بهذا، سماه "المزيد في متصل الأسانيد". ماذا يقول ابن الصلاح؟ يقول: في بعض ما ذكره نظر. ما معنى: "في بعض ما ذكره نظر"؟ يعني: فيما حكم عليه بأنه مزيد نظر، لمَ في بعضه نظر؟ لأن حكم الخطيب راجع إلى أمر نقلي أو اجتهادي؟ هل منكم يُبَيّن؟ الرواة اختلفوا، بعضهم زادوا، وبعضهم نقصوا، نحتاج إلى أي شيء الآن؟ إلى الترجيح، قد يكون الخطيب رجَّح ما هو..، قد يكون، وهذا لا إشكال فيه؛ لأنه ليس كل عالم يصيب في كل اجتهاداته. فهذه الكلمة أصلا تحصيل حاصل في بعض ما ذكره، يعني: أنه لم يُصِبْ في جميع، وهذا ليس مطلوبا منه، وإنما مطلوب أن ينظر في الطرق ويرجّح. وهذا -يعني- الكتاب مطبوع، طُبعَ للخطيب كتب عديدة في الآونة الأخيرة، مثل ما تقدم "الفصل والوصل"، و"مدرك النقل"، و"تلخيص المتشابه"، قد يكون هذا من بينها، ولست متأكدا. نعم. تفضل يا شيخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 النوع الثامن والثلاثون: معرفة الخفي في المراسيل النوع الثامن والثلاثون: معرفة الخفي في المراسيل: وهو يعم المنقطع والمعضل أيضا، وقد صنَّف الخطيب البغدادي في ذلك كتابه المسمى بـ"التفسير لعموم المراسيل". وهذا النوع إنما يدركه نقاد الحديث وجهابذته قديما وحديثا، فقد كان شيخنا الحافظ المزي إماما في ذلك، وعجبا من العجب، فرحمه الله، وبَلَّ بالمغفرة ثَرَاه، فإن الإسناد إذا عُرِضَ على كثير من العلماء -ممن يدرك ثقات الرجال وضعفائهم- قد يغتر بظاهره، ويرى رجاله ثقات، فيحكم بصحته، ولا يهتدي لما فيه من الانقطاع أو الإعضال أو الإرسال؛ لأنه قد لا يميز الصحابي من التابعي، والله الملهم للصواب. ومثَّلَ هذا النوع ابن الصلاح فيما روى العوَّام بن حوشب بن عبد الله بن أبي أوفى، قال: ? كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال بلال: قد قامت الصلاة. نهض وكبر ?. قال الإمام أحمد: لم يبقَ العوّام بن أبي أوفى، يعني: سيكون منقطعا بينهما، فيضعف الحديث لاحتمال أنه رواه عن رجل ضعيف عنه، والله أعلم. نعم، هذا النوع سماه الخطيب "مبهم المراسيل"، واشتهر عند كثير من الأئمة باسم: "خفي المراسيل"، وهو أن يكون لأول مرة الإسناد متصل بسبب تعاصر الرواية، ولكن الأئمة -رحمهم الله تعالى- بإطلاعهم على الطرق، وتتبع رواية هذا عن رواية هذا، يقولون: لم يسمع فلان من فلان، فيسمونه الآن "خفي المراسيل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 إذن، "خفي المراسيل" هي التي يكون الإسناد ظاهرا صورته الاتصال، تبحث في وفاة هذا، وولادة هذا، وصورة الإسناد أنها متكاملة، ولكن الأئمة في جمع الطرق -ولهم في ذلك طرق كثيرة معروفة- يحكمون على أن هذا الإسناد منقطع، وأن فلانا لم يلقَ فلانا. ومثَّلَ لهم بما ذكره الإمام أحمد. من هذا التعريف ندرك أن قوله -وهو يعم المنقطع والمعضل أيضا- هذا لا سيما كلمة المعضل، والمعضل يعني: مراده بهذا ليس مراده أن كل معضل فهو خفي، وإنما مراده أنه قد يكون من المراسيل الخفية ما هو معضل. المعضل ما هو كما مر بنا؟ ما سقط منه كام؟ اثنان فأكثر، نعم. قد يكون الساقط اثنان، وهو من خفي المراسيل، فهذا مراده. فمراده أنه قد يكون من خفي المراسيل ما هو معضل، فقد يكون ما هو منقطع، يعني: سقط منه واحد فقط. النوع التاسع والثلاثون: معرفة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين تعريف الصحابي النوع التاسع والثلاثون: معرفة الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-: والصحابي من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث، لا من راوٍ، وإن لم تطل صحبته له، وإن لم يروِ عنه شيئا. هذا قول جمهور العلماء خلفا وسلفا، وقد نص على أن مجرد الرؤية كافٍ في إطلاق الصحبة، وقد نص على أن مجرد الرؤية كاف في إطلاق صحبة البخاري وأبي زرعة، وغير واحد ممن صنف في أسماء الصحابة، كابن عبد البر، وابن منده، وأبي موسى المديني، وابن الأثير في كتابه "الغابة في معرفة الصحابة"، وهو أجمعها وأكثرها قواعد وأوسعها، أثابهم الله أجمعين. قال ابن الصلاح: وقد شان ابن عبد البر في كتابه "الاستيعاب" ذكر ما شجر بين الصحابة مما تلقاه، ومن كتب الأخباريين وغيرهم. وقال آخرون: لا بد في إطلاق الصحبة مع الرؤية أن يروي حديثا أو حديثين. وعن سعيد بن المسيب: لا بد من أن يصحبه سنة أو سنتين، أو أن يغزو معه غزوة أو غزوتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 وروى شعبة عاموس السبلاني، وأثنى عليه خيرا، قال: قلت لأنس بن مالك: هل بقي من أصحاب رسول - صلى الله عليه وسلم - أحد غيرك؟ قال: ناس من الأعراب راعوه، فأما من صحبه فلا. رواه مسلم بحضره أبي زرعة. وهذا إنما نفى فيه الصحبة الخاصة، ولا ينفي ما اصطلح عليه الجمهور من أن مجرد الرؤية كافٍ في إطلاق الصحبة لشرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلالة قدره، وقدر من رآه من المسلمين، ولهذا جاء في بعض ألفاظ الحديث: ? تغزون فيقال: هل فيكم من رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فيقولون: نعم. فيفتح لكم ?. حتى ذكر من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث بتمامه، وقال بعضهم في معاوية وعمر بن عبد العزيز: ليوم شهده معاوية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير من عمر بن عبد العزيز وأهل بيته. فرع: والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة بما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوا من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل، وأن ما شجر بينهم بعده -عليه الصلاة والسلام-، فمنه ما وقع عن غير قصد كيوم الجمل، ومنه ما كان عن اجتهاد كيوم صفين، والاجتهاد يخطئ ويصيب، ولكن صاحبه معذور وإن أخطأ، ومأجور أيضا، وأما المصيب فله أجران اثنان. وكان علي -رضي الله تعالى عنه وأصحابه- أقرب للحق من معاوية -رضي الله تعالى وأصحابه- رضي الله عنهم أجمعين. وقول المعتزلة: الصحابة عدول إلا من قاتل عليا. قول باطل مرذول ومردود، وقد ثبت في صحيح البخاري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال عن ابن بنته الحسن بن علي -وكان معه على المنبر-: ? إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 وظهر مصداق ذلك في نزول الحسن لمعاوية عن الأمر بعد موت أبيه علي، واجتمعت الكلمة على معاوية، وسُمِّي عام الجماعة، وذلك سنة أربعين من الهجرة، فسمَّى الجميع مسلمين، وقال تعالى: {وَإِنْ بb$tGxےح! $sغ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (1) . فسماهم مؤمنين مع الاقتتال، ومن كان من الصحابة مع معاوية يقال: إن لم يكن في الفريقين مائة من الصحابة -والله أعلم- فجميعهم صحابة، فكلهم عدول، فهم عدول كلهم. وأما طوائف الراوفض، وجهلهم وقلة عقلهم، ودعاويهم أن الصحابة كفروا إلا سبعة عشرة صحابيا، وسمُّوهم، فهو من الهذيان بلا دليل، إلا مجرد الرأي الفاسد عندهم، وهو متبع، وهو أقل من أن يُرد، والبرهان على خلافه أظهر وأشهر مما عُلم من امتثالهم. وأمره بعده -عليه الصلاة والسلام-، وفتحهم الأقاليم والآفاق، وتبلغيهم عنه الكتاب والسنة، وهدايتهم الناس إلى طريق الجنة، ومواظبتهم على الصلوات والزكوات وأنواع القربات في سائر الأحيان والأوقات، مع الشجاعة والبراعة والكرم والإيثار، والأخلاق الجميلة التي لم تكن في أمة من الأمم المتقدمة، ولا يكون أحد بعدهم مثلهم في ذلك، فرضي الله عنهم أجمعين، ولعن من يتهم الصادق ويصدق الكاذبين. آمين يا رب العالمين. وأفضل الصحابة، بل أفضل الخلق بعد الأنبياء -عليهم السلام- أبو بكر عبد الله بن عثمان أبي قحافة التيمي، خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسُمِّي بالصدّيق لمبادرته إلى تصديق الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل الناس كلهم. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ? ما دعوت أحدا للإيمان إلا كانت له كبوة، إلا أبا بكر؛ فإنه لم يتلعثم ?.   (1) - سورة الحجرات آية: 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 وقد ذكرت سيرته وفضائله ومسنده والفتاوى عنه في مجلد على حدة، ولله الحمد، ثم من بعده عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب، هذا رأي المهاجرين والأنصار حين جعل عمر الأمر من بعده شورى بين ستة، فانحصر في عثمان وعلي، واجتهد فيهما عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام بلياليها، حتى سأل النساء في خدورهن، والصبيان في المكاتب، فلم يراهم يعدلون بعثمان أحدا، فقدَّمه على علي، وولاه الأمر قبله. ولهذا قال الدارقطني: من قَدَّم عليّ على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، وصدق - رضي الله عنه - وأكرم مثواه، وجعل جنة الفردوس مأواه. والعجب أنه قد ذهب أهل الكوفة من أهل السنة إلى تقديم عليّ علَى عثمان، ويُحْكَى عن سفيان الثوري، لكن يقال: إنه رجع عنه، ونُقِلَ مثله عن وكيع بن الجراح، ونصره ابن خزيمة والخطابي، وهو ضعيف مردود بما تقدم، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل أحد، ثم أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية، وأما السابقون الأولون فقيل: هم من صلى إلى القبلتين، وقيل: أهل بدر وقيل: بيعة الرضوان، وقيل غير ذلك، والله أعلم فرع. قال الشافعي: روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورآه من المسلمين نحو من ستين ألفا. وقال أبو زرعة الرازي: شهد حجة الوداع أربعون ألفا، وكان معه في تبوك سبعون ألفا، وقُبِضَ -عليه الصلاة والسلام- عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة. نعم، هذا الكلام في معرفة الصحابة -رضوان الله عليهم- أولا عرَّفه ابن كثير -رحمه الله- على قول الجمهور بأنه: من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حال إسلام الراوي، وإن لم تَطُلْ صحبته له، وإن لم يروِ عنه شيئا، وهذا قول الجمهور، وهو عمل المصنفين في كتب الصحابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وقول الجمهور نقل عن بعض الأئمة -رحمة الله عليهم- مثل سعيد بن المسيب بعض الشروط، ثم عقَّبَها بأن هذه الشروط المراد بها الصحبة الخاصة، وهذا لا ينافي إثبات الصحبة العامة لكل من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا به. ثم ساحَ قلمُ ابن كثير -رحمه الله- وجَرَى ببيان فضل الصحابة -رضوان الله عليهم-، وبيان منزلتهم، وفضلهم على الإسلام والمسلمين، وما قاموا به من جهود في نشر الإسلام، وفي تبليغه إلينا، ثم عَرَّج على ذكر بعض الطوائف الضالة، ومحل هذا الكلام أين يذكره بعض العلماء كثيرا مثل هذا الكلام؟ أخذتموه في كتب العقائد؛ لأنه -في الحقيقة- مفترق طريق، محبة صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بغضهم. إما أن يوفق الشخص المسلم للسعادة، ويُوَفَّق إلى الخير، ويحب صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويَترَضَّى عنهم، ويعتقد فيهم أن ما وقع منهم خطأ وهم مجتهدون فيه، أو وقع منه غير قصد، كما ذكر ابن كثير في قصة وقعة الجمل، فإن التحقيق في هذه الوقعة أن المعركة جرت دون قصد من كبار القواد -رضي الله عنهم-، وإما وقع قصدا، ولكن باجتهاد منهم. وأشار ابن الصلاح إلى أن عبد البر ساق أخبارا لا تصح فيما شَجَرَ بين الصحابة -رضوان الله عنهم-؛ لأن بعض رواة تلك الفترة إنما هم من الشيعة المحترفين، مثل لوط بن يحيى، الذين كذبهم الأئمة، ومثل سيف بن عمر وغيرهما، وقد نَبَّه العلماء على ما في أخبارهما من..، وقامت دراسات -بحمد الله تعالى- لتبرئة الصحابة، وهذا هو الواجب على المسلم. وأما -كما ذكر ابن كثير- ما نقله عن الرافضة وغيرهم فهذا -كما ذكر- عاره وشناره ووزره وأثره -بحمد الله- لن ينال صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو على معتقده، فهو الضارّ لنفسه، يعني: مثلا لو كنت أمام جبل، لو رأيت شخصا ينطح جبلا، لا تأبه له، لماذا؟ لأن مضّرته إنما هي على.. كناطح صخرة يوما ليوهنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 فلم يضرْها وأوهَى قرنه الوَعِلُ وهذا هو الواقع، وأول ما يبدأ -انظر- أول ما يبدأون يدغدغون الأحلام بأي شيء؟ بمعاوية - رضي الله عنه - أول ما يبدأون به بمعاوية، لما جرى بينه وبين علي، ومع ذلك ينطلي هذا الكلام على بعض الكتَّاب ممن ينتسبون للسنة. وننتبه أنه ليس الغرض هو معاوية، فبعضهم يتكلم في الصحابة غير المعروفين، بأنهم -يعني- من أين أتت عدالتهم وهم غير معروفين؟ وهؤلاء لا بد من الانتباه إلى أنه ليسوا هؤلاء هم الغرض؛ لأن هؤلاء كم رووا من السنة؟ إنما رووا القليل جدا، وإنما هذه مرحلة وتهيئة للعقول للانتقال إلى مرحلة.. هذه -مع الأسف- بدأت تُطْرَح حتى في وسائل الأعلام عندنا، وكأنها أمر..، وهي مرحلة للانتقال إلى -يعني- ما هو أعظم من ذلك، إلى الصحابة المشهورين، أو رواة السنة. ونحن نعرف أنه إذا قيل: وسائل الإعلام. فالآن تصلنا وسائل الإعلام رغما عنا، يعني: ما نستطيع حجبها كثيرا في السنوات الأخيرة، وقد انتشرت فيها هذه القضية تُطرح بين الآونة والأخرى. وقد نبه العلماء قديما على أن الطعن في الصحابة ليس الغرض هو الصحابة، وإنما الغرض هو ما نقلوه، القرآن كيف نُقِلَ إلينا؟ إنما نُقِلَ إلينا عن طريق هؤلاء -رضي الله عنهم-، وكذلك سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. فالمهم، هذا ابن كثير -رحمه الله- سَاحَ قلمُه، وحُقَّ له ذلك في بيان فضلهم، وما هو الواجب على المسلم تجاههم. نعم.. أمور تتعلق بالصحابة قال أحمد بن حنبل: وأكثرهم رواية ستة: أنس، وجابر، وابن عباس، وابن عمر، وأبو هريرة، وعائشة -رضي الله تعالى عنهم-. قلت: وعبد الله بن عمرو، وأبو سعيد ابن مسعود، ولكنه توفي قديما، ولهذا لم يعده أحمد بن حنبل في العبادلة، فقال: العبادلة أربعة: عبد الله بن الزبير، وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهم-. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 فرع: وأول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر الصديق، وقيل: إنه أول من أسلم مطلقا، ومن الولدان علي، وقيل: إنه أول من أسلم مطلقا، ولا دليل عليه من وجه يصح، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن الأرقّاء بلال، ومن النساء خديجة، وقيل: إنها أول من أسلم مطلقا، وهو ظاهر السياقات في أول البعثة، وهو محكي عن ابن العباس والزهري وقتادة ومحمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي وجماعة، و … المفسر على ذلك الإجماع قال: وإنما الخلاف فيمن أسلم بعدها. فرع: وآخر الصحابة موتا أنس بن مالك، ثم أبو الطفيل عمرو بن واثلة الليثي. قال علي بن المديني: وكانت وفاته بمكة. فعلى هذا هو آخر من مات بها. ويقال: آخر من مات بمكة ابن عمر، وقيل: جابر، والصحيح أن جابرا مات بالمدينة، وكان آخر من مات بها، وقيل: سهل بن سعد، وقيل: السائب بن يزيد، وبالبصرة أنس، وبالكوفة عبد الله بن أبي أوفى، وبالشام عبد الله بن بسر بحمص، وبدمشق واثلة بن الأسقع، وبمصر عبد الله بن الحارث بن جزء، وباليمامة هرماس بن زياد، وبجزيرة العرس ابن عميرة، وبإفريقيا رويفع بن ثابت، وبالبادية سلمة بن الأكوع -رضي الله تعالى عنهم. فرع: وتُعرف صحبة الصحابة تارة بالتواتر، وتارة بأخبار مستفيضة، وتارة بشهادة غيره من الصحابة له، وتارة بروايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماعا أو شهادة مع المعاصرة، فأما إذا قال المعاصر العدل: أنا صحابي. وقد قال ابن الحاجب في مختصره: يحتمل الخلاف، يعني: لأنه يخبر عن حكم شرعي، كما لو قال في الناسخ: هذا ناسخ لهذا الاحتمال خطئه في ذلك. أما لو قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال كذا، أو رأيته فعل كذا، أو كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحو هذا، فهذا مقبول لا محالة إذا صحَّ السند إليه، وهو ممن عاصره -عليه الصلاة والسلام-. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 نعم، هذا تكملة لنوع متعلق بالصحابة، وذكر فيه ابن كثير عددا من الأمور، منها ذَكَر المكثرين من الصحابة، وهم معروفون، ذكرهم الإمام، أو ذكر منهم ستة الإمام أحمد، ولم يرد بهذا الترتيب ترتيبهم في الكثرة؛ فقد ذكر أبا هريرة قبل عائشة في الأخير، مع أنه -كما هو معروف- هو أكثر الصحابة رواية - رضي الله عنه -. وأضاف ابن كثير عددا من المكثرين، ثم عَرَّج على قضية مصطلح "العبادلة"، إذا قيل: العبادلة، فيراد بهم أربعة، وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص. ولا يعدون فيهم عبد الله بن مسعود؛ لأنه مات قديما، وهؤلاء عاشوا في عصر واحد، وحتى وفاتهم -يعني- متقاربة، بينهم سنوات قليلة، فهؤلاء يقال لهم: العبادلة الأربعة. ثم تكلم على قضية أول من أسلم من الرجال، وهذه لا تدخل في علم المصطلح دخولا مباشرا، ولا أثر لها في نقل السنة. ثم تكلم على آخر الصحابة موتا: أنس بن مالك، وهذا -يعني- إلى آخر ما ذكره، وهذا يستفيد منه الناقد أحيانا في معرفة الاتصال والانقطاع بين هذا الصحابي وبين الراوي عن -رضوان الله عليهم. ثم ذكر ابن كثير بِمَ تُعْرَف الصحبة، وقال: بالتواتر، أو بأخبار مستفيضة، أو بشهادة غيره من الصحابة له، أو بروايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماعا ومشاهدة، فهذه طرق إثبات الصحة. فإذا صح الإسناد إلى تابعي ثقة، وقال: سمعت فلانا يحدث أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا كافٍ في إثبات الصحبة، لماذا؟ لأن الصحبة، إثبات الصحبة عبارة عن تعديل، وقد مَرَّ بنا أنه يقبل في التعديل قول واحد. هذا -يعني- الذي عليه العمل في إثبات الصحبة، ولهذا يقولون أحيانا: هذا ليس بصحابي؛ لأن الإسناد إليه لم يصح. هكذا في الكتب المؤلفة في الصحابة. نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 النوع المُوفّي أربعين: معرفة التابعين النوع المُوفّي أربعين: معرفة التابعين: قال الخطيب البغدادي: التابعي: من صحب الصحابي. وفي كلام الحاكم ما يقتضي إطلاق التابعي على من لقي الصحابي، وروى عنه، وإن لم يصحبه. قلت: لم يكتفِ بمجرد رؤية الصحابي، كما اتفقوا في إطلاق اسم الصحابي على من رآه -عليه الصلاة والسلام-، والفرق أعظم، لشرف رؤيته -عليه الصلاة والسلام-. وقد قَسَّم الحاكم طبقات التابعين إلى خمس عشرة طبقة، وذكر أن أعلاهم من روى عن العشرة، وذكر منهم سعيد بن المسيب، وقيس بن أبي حازم، وقيس بن عباد، وأبا عثمان النهدي، وأبا وائل، وأبا رجاء العطاردي، وأبا ساسان حضير بن المنذر، وغيرهم. وعليهم في هذا الكلام دَخَلٌ كثير، وقد قيل: إنه لم يروِ عن العشرة من التابعين سوى قيس بن حازم. قاله ابن فراش، وقال أبو بكر بن أبي داود: لم يسمع من عبد الرحمن بن عوف، والله أعلم. وأما سعيد بن المسيب فلم يدرك الصديق، قولا واحدا؛ لأنه ولد في خلافة عمر لسنتين مضتا أو بقيتا، ولهذا اختُلِفَ في سماعه من عمر. قال الحاكم: أدرك عمر فمن بعده من العشرة، وقيل: إنه لم يسمع من أحد من العشرة سوى سعد بن أبي وقاص، وكان آخرهم وفاة، والله أعلم. قال الحاكم: وبين هؤلاء التابعين الذين ولدوا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - من أبناء الصحابة كعبد الله بن أبي طلحة، وأبي أمامة أسهل بن سهل بن حنيف، وأبي إدريس الخولاني. قلت: أما عبد الله بن أبي طلحة فلما وُلد ذهب به أخوه لأمه أنس بن مالك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحنّكه وبرَّك عليه، وسماه عبد الله. ومثل هذا ينبغي أن يعد من صغار الصحابة لمجرد الرؤية، وقد عدوا فيهم محمد بن أبي بكر الصديق، وإنما ولد عند الشجرة وقت الإحرام بحجة الوداع، فلم يدرك من حياته - صلى الله عليه وسلم - إلا نحوا من مائة يوم، ولم يذكروا أنه أدخل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا رآه، فعبد الله بن أبي طلحة أولى أن يُعَدّ في صغار الصحابة من محمد بن أبي بكر، والله أعلم ..... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 وقد ذكر الحاكمُ النعمانَ وسويدًا ابني مقرن من التابعين، وهما صحابيان. وأما المخضرمون: فهم الذين أسلموا في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يَرَوه. والخضرمة: القطع، فكأنهم قُطِعُوا عن نظرائهم من الصحابة، وقد عَدَّ منهم مسلمٌ نحوًا من عشرين نفسا، منهم: أبو عمرو الشيباني، وسويد بن غفلة، وعمرو بن ميمون، وأبو عثمان النهدي، وأبو الحلال العتكي، وعبد خير بن يزيد الخيواني، وربيعة بن زرارة. قال ابن الصلاح: وممن لم يذكره مسلم أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب. قلت: وعبد الله بن عُكَيم، وأحمد بن قيس. وقد اختلفوا في أفضل التابعين من هو؟ فالمشهور أنه سعيد بن المسيب. قاله أحمد بن حنبل وغيره. وقال أهل البصرة: الحسن، وقال أهل الكوفة: علقمة والأسود، وقال بعضهم: أويس القرني، وقال أهل مكة: عطاء بن أبي رباح. وسيدات النساء من التابعين: حفصة بنت سيرين، وعمرةُ بنت عبد الرحمن، وأم الدرداء الصغرى -رضي الله عنهم أجمعين. ومن سادات التابعين الفقهاء السبعة بالحجاز، وهم: سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، والسابع سالم بن عبد الله بن عمر. وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. وقد عَدَّ علي بن المديني في التابعين من ليس منهم، كما أخرج آخرون منهم من هو معدود فيهم، وكذلك ذكروا في الصحابة من ليس صحابيا، كما عدوا جماعة من الصحابة فيمن ظنوه تابعيا، وذلك بحسب مبلغهم من العلم، والله الموفق للصواب. هذا الموضوع شبيه بالموضوع الذي قبله، وهو معرفة التابعين -رضوان الله عليهم ورحمهم-، وفسروه بأن التابعي هو من لقي الصحابي، واشترطوا فيه أن يروي عن الصحابي، وأن يصحبه؛ لأن الصحبة اكتفوا فيها بمجرد الرؤية، لشرفه - صلى الله عليه وسلم - ولكن تسامحوا كثيرا في هذا الشرط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 فيذكرون في التابعين أناسا لمجرد أنهم رأوا، مثلا: أن يعدوا الأعمش في التابعين؛ لأنه رأى أنسا بن مالك، وهو رآه فقط رؤية، ولم يروِ عنه، ولم يسمعْ منه. توجد أحاديث بروايته عن أنس، لكنها منقطعة، فهو لم يسمع منه. مسألة التقسيم إلى طبقات: الحاكم -رحمه الله- تعرض لهذا، وذكر منهم أعلاهم من روى على العشرة، وذكر منهم سعيد بن المسيب، وهذا الكلام الحاكم لم يحكمه، كما تعقبه فيه، فيقول: "وعليه في هذا الكلام دَخَلٌ كثير". ما معنى "دخل كثير"؟ يعني: غلط، بالَغ -رحمه الله تعالى- يقول: هذا الشخص ممن روى عن العشرة. العشرة من هم؟ الذين هم العشرة المبشرون بالجنة. لكن يقول مثلا: لم يصح له إلا عن فلان. فإذن، لا فائدة، إذن تكون روايته عن الباقين منقطعة. ثم تكلم ابن كثير -رحمه الله- عن المخضرمين، وعن أفضل التابعين منهم، والذين هم في هذه المباحث هو قضيتان: القضية الأولى: أنها تفيدنا في معرفة الاتصال والانقطاع، وهذا هو الذي يحتاجه دارس السنة؛ معرفة المخضرمين، ومعرفة كبار التابعين. وتفيدنا كذلك في درجات الإرسال؛ فإنه كلما كَبُر التابعي كان أقرب إلى صحة مرسله، أو إلى ضعف مرسله؟ إلى صحة مرسله. وهذان الأمران يفيدان في نقد السنة. ثم تكلم ابن كثير على أمر، وهو أنه ربما اختلف العلماء في عَدّ بعض التابعين من التابعين، أو من تابعي التابعين، وربما اختلفوا في عد التابعي هل هو صحابي؟ لمَ هذا الاختلاف؟ مرده إلى أي شيء هذا الاختلاف؟ إلى أمر اجتهادي، وهو أن أحيانا يقول التابعي: سمعت فلانا من الصحابة، فيراه الإمام تابعيا بهذا الإسناد، ويراه إمام آخر ليس بتابعي؛ لأنه لم يصح عنده قوله: سمعت فلانا، فيرى أن هذا خطأ، وأن فلانا إنما يروي عن فلان بواسطة شخص لم يُذْكَر في هذا الإسناد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وهذا -يعني- يوجد أيضا في الصحابة، قد يذكر بعض العلماء فلانا في الصحابة لأنه قال: عن رسول الله، أو قال: قال رسول الله، أو ربما: سمعت رسول الله، ويكون هذا خطأ من بعض الرواة، وإنما هو ليس بصحابي، وهذا يوجد كثير. فالاختلاف إذن في قوله: "بحسب مبلغهم من العلم"، يعني: أن هذا مرده إلى أمرٍ اجتهادي. نعم.. الذي بعده. النوع الحادي والأربعون: معرفة رواية الأكابر عن الأصاغر النوع الحادي والأربعون: معرفة رواية الأكابر عن الأصاغر: قد يروي كبير القدر أو السن أو هما عما دونه في كل منهما أو فيهما، ومن أجلّ ما يُذكر في هذا الباب ما ذكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطبته عن تميم الداري، بما أخبره به عن رؤية الدجال في تلك الجزيرة التي في البحر، والحديث صحيح. وكذلك في صحيح البخاري رواية معاوية بن أبي سفيان، عن مالك بن يخامر، عن معاذ، وهم بالشام، في حديث: ? لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ?. قال ابن الصلاح: وقد روى العبادلة عن كعب الأحبار. وقلت: وقد حكى عنه عمر وعلي وجماعة من الصحابة. وقد روى الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري عن مالك، وهما من شيوخه، وقد روى عن عمرو بن شعيب جماعة من الصحابة والتابعين، قيل: عشرون، ويقال: بضع وسبعون، فالله أعلم. ولو سردنا جميع ما وقع من ذلك لطال الفصل جدا. قال ابن الصلاح: وفي التنبيه على ذلك من الفائدة معرفة الراوي من المروي عنه. قال: وقد صح عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: ? أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننزل الناس منازلهم ?. نعم، هذا النوع في معرفة رواية الأكابر عن الأصاغر، وذكر ابن كثير أنه على قسمين: يعني: الكبر قد يكون سنا، وقد يكون قدرا وفضلا، وهذا بلا إشكال، ولكن المقصود الأول هنا أيهما؟ المقصود الأول هو رواية الأكابر سنا عن الأصاغر سنا، وهذا يحدث كثيرا في الرواة، والغرض منه ...... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 مثّل ابن كثير بأمثلة كثيرة سردها، منها رواية بعض الصحابة عن التابعين، وراوية النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تميم الداري، ورواية الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري عن مالك، وهما من شيوخه. وفائدة ذلك، ما فائدته من جهة دراسة الأسانيد؟ هو أن الطالب -يعني- يتنبه، فلا يظن أن في الإسناد قلبا، مثلا: ابن المبارك من كبار، أو من أصحاب سفيان الثوري، قد يروي سفيان الثوري عن ابن المبارك، قد يروي مثلا سفيان بن عيينة عن بعض..، قد يروي البخاري عن الترمذي، فلا يظن الظانّ أن في الإسناد قلبا، أو أن في الإسناد غلطا، هذا فائدة رواية الأكابر عن الأصاغر، أنه ترى هذا موجودا، ولا يُشكل أن يروي كبير عن صغير، أو أن يروي صحابي عن تابعي، وإن لم يكن بالكثير. جمع بعضهم حوالي، يعني: بعض الأئمة حوالي، يعني: يذكر الشيخ أحمد شاكر أن العراقي جمع من ذلك نحوا من عشرين حديثا فيها رواية صحابي عن تابعي. ومما يُشكل هنا -ما أدري هل نسخه عندي-، وكذلك روى عن عامر بن شعيب جماعة من الصحابة والتابعين، قيل: عشرون. هكذا عندكم؟ هذه الصحابة ما تصح؛ لأن عامر بن شعيب ليس هو بتابعي، فضلا عن أن يروي عنه مَنْ؟ الصحابة. إذن، هذه الكلمة لا تصح، هذه إما من سبق قلم، أو أنها من أخطاء النسَّاخ، يعني: وكذا روى عن عامر بن شعيب جماعة من التابعين، هذه -يعني- الأقرب إلى الصواب. نعم.. نعم الذي بعده يا شيخ، معرفة المُدَبَّج.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 النوع الثاني والأربعون: معرفة المُدَبَّج النوع الثاني والأربعون: معرفة المُدَبَّج: وهي رواية الأقران سِنًّا وسَنَدا، واكتفى الحاكم بالمقاربة بالسند، وإن تفاوتت الأسنان، فمتى روى كل منهم عن الآخر سُمِّي مُدَبَّجًا، كأبي هريرة، وعائشة، والزهري، وعمر بن العزيز، ومالك، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، فما لم يروِ عنه الآخر لا يُسَمَّى مُدَبَّجًا، والله أعلم ..... نعم، هذا النوع سَمَّاه الدارقطني، سماه المُدَبَّج، يقولون: إنه مأخوذ من ديباجتي الوجه، يعني: لتساويهما. والمقصود بهذا النوع أن يروي اثنان متساويان، متقاربان في الطبقة أو متساويان، يروي كل واحد منهما عن الآخر بهذا الشرط، يعني: لكي يُسمى مُدَبَّجًا أن يروي القرين عن قرينه، صحابي عن صحابي، يعني: توجد رواية عائشة عن أبي هريرة: ورواية أبي هريرة عن عائشة، فإذا لم توجد الروايتان، بس فقط وُجِدَتْ رواية واحدة عن الآخر فيسمونها رواية الأقران، وهي لا تدخل في المُدَبَّج. فرواية الأقران إذن أن يروي أحدهما عن الآخر، أو يروي كل واحد عن الآخر، ولكن هذا الثاني له اسم خاص به، وهو المدبج. إذا روى كلُّ قرينٍ عن قرينه، فهذا يُسمى المدبج، ويُسمى أيضا رواية الأقران. أما إذا روى واحد عن الآخر فهذا لا يدخل في المُدَبَّج، وهو من النوع -كما ذكرت- الذي استُحدِث متى هذا الاسم، وهذا المصطلح؟ متأخرا. يعني: لا تجد في كلام الإمام أحمد -يعني- اسم المدبج، أو بكلام ابن المديني أو بغيره، فهذا إنما -يعني- وُجِدَتْ التسمية هذه فيما بعد. نعم.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 النوع الثالث والأربعون: معرفة الإخوة والأخوات من الرواة النوع الثالث والأربعون: معرفة الإخوة والأخوات من الرواة: وقد صَنَّف في ذلك جماعة منهم علي بن المديني، وأبو عبد الرحمن النسائي. فمن أمثلة الأخوين: عبد الله بن مسعود وأخوه عتبة، عمرو بن العاص وأخوه هشام، وزيد بن ثابت وأخوه يزيد. ومن التابعين عمرو بن شرحبيل وأبو ميسرة وأخوه أرقم، كلاهما من أصحاب ابن مسعود، ومن أصحابه أيضا، وزيد بن شرحبيل وأخوه أرقم. ثلاثة إخوة: سهل وعبّاد وعثمان بنو حُنَيف، وعمرو بن شعيب وأخواه: عمر وشعيب، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وأخواه: أسامة، وعبد الله. أربعة إخوة: سُهيل بن أبي صالح وإخوته: عبد الله الذي يُقال له: عبّاد، ومحمد، وصالح ............. خمسة إخوة: سفيان بن عيينة وإخوته الأربعة: إبراهيم، وآدم، وعمران، ومحمد. قال الحاكم سمعت الحافظ أبي علي الحسين بن علي النيسابوري يقول: كلهم حدّثوا. ستة أخوة: وهو محمد بن سيرين وإخوته: أنس، ومعبد، ويحيى، وحفصة، وكريمة، كذا ذكرهم النسائي، ويحيى بن معين أيضا. ولم يذكر الحافظ أبو علي النيسابوري فيهم كريمة، فعلى هذا يكونون من القسم الذي قبله، وكان معبد أكبرهم، وحفصة أصغرهم. وقد روى محمد بن سيرين عن أخيه يحيى، عن أخيه أنس، عن مولاهم أنس بن مالك: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ? لبيك حقا حقا، تعبدا ورقا ?. ومثال سبعة إخوة: النعمان بن مُقَرِّن وإخوته: سنان، وسويد، وعبد الرحمن، وعقيل، ومعقل، ولم يُسمَّ السابع، هاجروا وصحبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ويُقال: إنهم شهدوا الخندق كلهم. قال ابن عبد البر وغير واحد: لم يشاركهم أحد في هذه المكرمة. قلت: وثَمَّ سبعة إخوة صحابة، شهدوا كلهم بدرا، لكنهم لأم، وهي عفراء بنت عُبيد، تزوجت أولا بالحارث بن رفاعة الأنصاري، فأولدها معاذا ومُعَوِّذا، ثم تزوجت بعد طلاقها بالبكير بن عبد ياليل بن ناشب، فأولدها إياسا وخالدا وعاقلا وعامرا، ثم عادت إلى الحارث، فأولدها عونا. فأربعة منهم أشقاء، وهم بنو البكير، وثلاثة أشقاء، وهم بنو الحارث، وسبعتهم شهدوا بدرا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ومعاذا ومعوذا ابنا عفراء هما اللذان أثبتا أبا جهل عمرو بن هشام المخزومي، ثم حَزَّ رأسه -وهو طريح- عبد الله بن مسعود الهذلي - رضي الله عنه -. نعم، هذا معرفة الإخوة والأخوات، اهتم به الأئمة -رحمهم الله تعالى-، وألّفوا في ذلك مؤلفات، ممن ألَّف: علي بن المديني، وأبو عبد الرحمن النسائي، لكن نحن نعرف أن المُؤلَّف قد يكون كبيرا، وقد يكون جزءا صغيرا ..... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 فالمقصود من هذا أن هناك الأئمة -رحمهم الله- اهتموا بجمع الأخوين، والثلاثة إخوة، والأربعة، والخمسة، والستة، والسبعة، ولم ينظروا في ذلك إلى أنهم حَدَّثوا أو لم يحدثوا. يعني: لا يدخل كله هذا في نقد السنة، وإنما المقصود من هذا كله أن يتنبه القارئ إلى -مثلا- لو جاءك في إسناد، أو في خبر عُمَر بن شعيب، لا تظن أن فيه تصحيفا، وأن الصواب مثلا عمرو بن شعيب؛ لأن له أخ اسمه عمرو، عمر، نعم. وكذلك مثل مثلا زيد بن ثابت، له أخ اسمه يزيد. فينبه العلماء -رحمهم الله تعالى- على هؤلاء الإخوة، وهذا وهذا جانب -يعني- أكثر ما نحتاج إليه في الرواية. في بنو عُبيد يَعْلَى ومحمد، وجماعة من الإخوة، وغالبا ما يأتي عن الأئمة المقارنة بين هؤلاء، يُقال: أي ولد أبي صالح أقوى مثلا؟ فيقارنون بين الإخوة، هؤلاء الأربعة. أو يُقال: أي ولد زيد بن أسلم أقوى: عبد الرحمن، أو أسامة، أو عبد الله؟ يقارنون بين أبناء الرجل الواحد، وهذا نستفيد منه في النقد. اهتم الأئمة -رحمهم الله- بأهل البيت الواحد، كثيرا ما يقارنون بينهم في النقد، وفي الروايات، ويقارنون بينهم في الجلالة، وفي العلم، مثل إخوة سفيان بن عيينة، وكثير هذا في أن في أهل البيت الواحد من إخوة وأخوات، أو في الأبناء فقط. نعم.. النوع الرابع والأربعون: معرفة رواية الآباء عن الأبناء وقد صَنَّف فيه الخطيب كتابا، وقد ذكر. لكن، لحظة.. بالنسبة للإخوة السبعة من الصحابة، هذا -في الغالب- ما يكون فيه اختلاف؛ إما في التسمية، أو في العد، وأحيانا يكون لا يثبت مثل هذا، يعني: مثل هذا العد، فهذا العد مبني على أي شيء؟ إنما هو مبني على جمع هؤلاء من خلال الروايات والطرق، وربما بعضها لا يكون على..، يعني: بعضها لا يصح، فيحتاج مثل هذا الأمر -يعني- إلى شيء من التحقق. نعم. النوع الرابع والأربعون معرفة رواية الآباء عن الأبناء .... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 النوع الرابع والأربعون: معرفة رواية الآباء عن الأبناء وقد صَنَّفَ فيه الخطيب كتابا، وقد ذكر الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي في بعض كتبه أن أبا بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- روى عن ابنته عائشة -رضي الله تعالى عنها-، وروت عنها أمها أم رومان أيضا. قال: روى العباس عن ابنيه: عبد الله، والفضل. قال: وروى سليمان بن طلخان التيمي عن ابنه المعتمر بن سليمان، وروى أبو داود عن ابنه أبي بكر بن أبي داود. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وروى سفيان بن عيينة عن وائل بن داود، عن ابنه بكر بن وائل، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة -رضي الله تعالى- عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ? أَخِّرُوا الأحمال؛ فإن اليد مغلقة، والرجل موثقة ?. قال الخطيب: لا يُعرَف إلا من هذا الوجه. قال: وروى أبو عمر حفص بن عمر الدوري المقرئ عن ابنه أبي جعفر محمد ستة عشر حديثا أو نحوها، وذلك أكثر ما وقع من رواية أب عن ابنه. ثم روى الشيخ أبو عمرو عن أنس المظفر عبد الرحيم الحافظ أبي سعيد عن أبيه عن ابنه ابن المظفر بسنده عن أبي أمامة مرفوعا: ? أحضروا موائدكم البقل؛ فإنه مطردة للشيطان مع التسمية ?. سكت عليه الشيخ أبو عمرو، وقد ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في الموضوعات، وأخلِق به أن يكون كذلك. ثم قال ابن الصلاح: وأما الحديث الذي رويناه عن أبي بكر الصديق، عن عائشة -أحسن الله إليك، رُوّينا ولّا رَوينا؟ ابن الصلاح، يُضبط رُوّينا، أو رُوِّيناه أيضا، نعم- ثم قال ابن الصلاح: وأما الحديث الذي رُوّيناه عن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه-، عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الحبة السوداء: ? شفاء من كل داء ? فهو غلط؛ إنما رواه أبو بكر عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن عائشة ..... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 قال: ولا نعرف أربعةً من الصحابة على نسقٍ سوى هؤلاء: محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة -رضي الله عنهم-، وكذلك قال ابن الجوزي وغير واحد من الأئمة. قلت: ويلتحق بهم تقريبا عبد الله بن الزبير، أمه أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة، وهو أسن وأشهر في الصحابة من محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، والله أعلم. قال ابن الجوزي: وقد روى حمزة والعباس عن ابن أخيهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى مصعب الزبيري عن ابن أخيه الزبير بن بكار، وإسحاق بن حنبل عن ابن أخيه أحمد بن محمد بن حنبل، وروى مالك عن ابن أخته إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس. نعم، هذا النوع، معرفة رواية الآباء عن الأبناء، يقول: إن الخطيب البغدادي صَنَّفَ فيه كتابا، ونحن نعرف أن الخطيب صنف، يعني: هو الذي نَوَّع أنواع علوم الحديث، سيأتي أيضا أمثلة لـ.. تفنن هو -رحمه الله- كان واسع الرواية، وعقله منظم، تتعجب من حسن تصنيفه، وحسن سياقته للنصوص، وإدراجها تحت الأبواب، وكذلك أيضا رُزِق -مع أنهم يقولون: إنه -يعني- حِفظه ليس على قدر مؤلفاته، ولكن هذا لا يضر، استفاد الناس من مؤلفاته، والعلم رزق، من الناس من يُرزق الكلام، ومن الناس مَنْ يُرزَق الكتابة والتأليف وحسن التصنيف. فصنف الخطيب، والآن يضربون أمثلة لمن روَى عن ابنه، وذكروا مثالا أن أبا بكرٍ الصديق روى عن ابنته عائشة، ثم ذكر في وسط كلامه حديثا عن أبي بكر الصديق، عن عائشة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ونَبَّه ابن الصلاح إلى أن هذا غلط، إنما الراوي أبو بكر آخر، اسمه عبد الله بن عتيق من تلامذة عائشة، وليس هو أبو بكر والدها. مثّل ابن الصلاح بحديث رواه سفيان بن عيينة، عن وائل بن داود، عن ابنه بكر بن وائل، وهذا معروف، هذا الإسناد، وائل بن داود يروي عن ابنه بكر بن وائل، عن الزهري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وأيضا روى حديثا آخر، وهو حديث ? أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَم على صفية بسويقٍ وتمر ? وقد رواه سفيان بن عيينة -أيضا- عن وائل بن داود. ثم ذكر ابن كثير -رحمه الله- عددا من الأمثلة، وعَرَّج في الخير على قضية صحابة، أربعة من الصحابة -رضوان الله عليهم-، محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة، كان هؤلاء كلهم صحابة: مُحمد، وعبد الرحمن، وأبو بكر - رضي الله عنه - ووالده أبو قحافة، لكن محمد هذا صغير، صحابي صغير، وهذا إلى رواية الأقارب بعضهم عن بعض. ونلاحظ وإنكم تلاحظون من الحديث الذي ذكره من رواية أبي المظفر السمعاني، عن ابنه، من رواية أبي عمرو، فهو الشيخ أبو عمرو بن الصلاح، عن أبي المظفر عبد الرحيم ابن الحافظ أبي سعد، عن أبيه، عن ابنه أبي المظفر، الحديث بهذا الإسناد يعني أبي أمامة: ? أحضروا موائدكم البقل ?. وهذا الحديث موضوع كما قال ابن كثير، وإن سكت عنه ابن الصلاح، لكن الذي نريده هنا هو أن هذه الدقائق التي هي رواية الأب عن ابنه، أو عن الأم، يعني: هذه الأمور كثيرا ما يقع فيها في التمثيل لها يقع ماذا؟ تسامح، يقع تسامح، انظر الآن تسّمح ابن الصلاح في هذا المثال ليمثّل به على رواية الأب عن ابنه، وهو حديث موضوع. فمثل هذه الدقائق اهتم بها المحدثون، ولكن يتسمَّحُون في التمثيل لها. نعم، قد يصح منها المثال والمثالان، ولكن يتسَمَّحُون في إيراد بعض الأمثلة التي لا تصح، ومنها هذا الحديث، أو يكون فيه غلط أحيانا. والمقصود من هذا الموضوع كله، هذا النوع هو ألا يظن الظانُّ أن في الإسناد تقديم وتأخير، في العادة من الذي يروي عن الآخر: الابن، أو الأب؟ الذي يروي هو الابن، ولكن قد يروي الأب في حال نادرة، فإذا جاء مثل هذا لا يظن الناظر أن في الإسناد قلبا، أو أن فيه تقديما وتأخيرا. نعم. النوع الخامس والأربعون رواية الأبناء عن الآباء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 النوع الخامس والأربعون: رواية الأبناء عن الآباء وذلك كثير جدا، وأما رواية الابن عن أبيه عن جده فكثيرة أيضا، ولكنها دون الأول، وهذا كعمرو بن شعيب بن محمد عبد الله بن عمرو عن أبيه -وهو شعيب- عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، هذا هو هذا هو الصواب، لا ما عداه. وقد تكلمنا على ذلك في مواضع في كتابنا "التكميل"، وفي "الأحكام" الكبير والصغير. ومثل بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، عن أبيه، عن جده معاوية، ومثل طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده، وهو عمرو بن كعب، وقيل: كعب بن عمرو. واستقصاء ذلك يطول، وقد صنف فيه الحافظ أبو نصر الواقدي كتابا حافلا، وزاد عليه بعض المتأخرين أشياء مهمة نفيسة، وقد يقع في بعض الأسانيد فلان عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه، وأكثر من ذلك، ولكنه قديم، وقلما يصح منه، والله أعلم. نعم، هذا رواية الأدنى عن الأعلى، وهو على نوعين: أن يروي عن أبيه فقط، وهذا كثير جدا، مثله رواية عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - عن أبيه عمر، ومثله رواية سالم عن أبيه عبد الله بن عمر، ومنه رواية -مثلا- هشام بن عروة عن أبيه، ومنه رواية مثلا، كثير هذا المهم في الرواة. وأقل منه أن يروي عن أبيه عن جده، وهذا أيضا على كثرته هو كثير، ولكنه أقل من الأول، وقد اعتنى به بعض العلماء -رحمهم الله تعالى- ومثاله: بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. حتى جمع فيه بعض العلماء، وطُبع وحققه دكتور باسم الجوابري، من معرفة من رواه عن أبيه عن جده، هذا الذي ذكره ابن كثير أنه لبعض المتأخرين، ولكن نسيت من هو، لمن هذا؟ من روى عن أبيه عن جده؟ نعم، نعم، قاسم. إذن إذا كان قاسم بن.. رواه فهو.. نعم، هو قاسم، فهو ليس هو الذي يعنيه ابن كثير؛ لأن قاسم بن.. متأخر عن ابن كثير، نعم ..... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 نعم، إذا كان هذا الذي حققه الدكتور رواه القاسم، لكن قاسم هذا من تلامذة ابن حجر -رحمه الله تعالى- فتصححون الذي ذكره ابن كثير ليس هو الذي حققه، ما سماه ابن كثير زاد بعض المتأخرين أشياء مهمة، يقول: نفيسة. قد يقع في بعض الأسانيد يقول: فلان عن أبيه، لكن قبل هذا بالنسبة لأبيه من روى عن أبيه عن جده؟ يعني: أهم ما يُنْظَر في هذه -بالإضافة إلى صحة الإسناد وعدالة الرواة- ضمير جده إلى مَنْ يعود؟ وقد أشار إلى هذا ابن كثير في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مَنْ هو؟ هو اسمه عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فجده يعود إلى مَنْ هذا؟ بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، الضمائر كلها تعود إلى مَنْ؟ إلى بهز؛ لأنه بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القرشي، والصحابي هو معاوية بن حيدة. لكن بالنسبة لعمرو بن شعيب يختلف الأمر، فالأكثرون على أن الضمير يعود..، عمرو بن شعيب عن أبيه الذي هو مَنْ؟ شعيب. عن جده الذي هو جد مَنْ؟ شعيب وليس عَمْرًا، هذا مراد ابن كثير بقوله: عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص. هذا هو الصواب، لا ما عداه، يعني: وليس المراد بجده، جد مَنْ؟ جد عمرو الذي هو محمد؛ لأنه لو كان محمد لكانت النسخة كلها مرسلة. وإنما المراد -يقول ابن كثير- وأكثر العلماء على هذا، وبهذا أوردوه في المسانيد، أوردوا هذه النسخة في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص. نعم.. نعم يا شيخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 النوع السادس والأربعون: معرفة رواية السابق واللاحق النوع السادس والأربعون: معرفة رواية السابق واللاحق: وقد أفرَدَ له الخطيب له كتابا، وهذا إنما يقع عند رواية الأكابر عن الأصاغر، ثم يروي عن المروي عنه متأخرا، كما روى الزهري عن تلميذه مالك بن أنس، وقد تُوفي الزهري سنة أربعٍ وعشرين ومائة ..... وممن روى عن مالك زكريا بن دويد الهندي، وكانت وفاته بعد وفاة الزهري بمائة وسبع وثلاثين سنة أو أكثر، قاله ابن الصلاح، وهكذا رواه البخاري ومحمد بن إسحاق السرّاج. وروى عن السرّاج أبو الحسن أحمد بن محمد الخَفَّاف النيسابوري، وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة؛ فإن البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، وتوفي الخفاف سنة أربع أو خمسٍ وتسعين وثلاثمائة، كذا قال ابن الصلاح. قلت: وقد أكثر من التعرض لذلك شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج بن المزي في كتابه "التهذيب"، وهو مما يتحدى كثيرا من المحدثين، وليس من المهمات فيه. كما قال ابن كثير -رحمه الله- هذا الموضوع عن السابق واللاحق، ملخصه أن يروي عن شخص واحد اثنان، وتكون المدة بينهما -بين وفاتيهما- متباعدة جدا، هذا هو المقصود. والمقصود منه هو يدخل في أي موضوع، ومثَّلَ لذلك أمثلة، لكن المقصود الأول منه هو ألا يُظَن أن في الإسناد انقطاعا؛ لأنك إذا نظرت مثلا تقول: هذا الشخص يروي عنه فلان. وهو مُتوفى سنة مائة مثلا، ثم تنظر فإذا قد روى عنه فلان المتوفى سنة مائتين، فحينئذ قد تظن في رواية الأول أنه قد يكون فيه انقطاع. ألف الخطيب البغدادي -رحمه الله- كتابا سماه "السابق واللاحق"، وهو كتاب مطبوع مُحَقّق، ولكن -أيضا- هذا -كما ذكرت- يقع فيه نوع من التسامح عند الجمع، فمثلا الآن زكريا بن دويد هذا، الزهري روى عن مالك، أصله كيف يقع التباعد هذا؟ في الغالب -كما يقول ابن كثير- أن يروي الشيخ عن التلميذ، وفي الغالب أن الشيخ يُتوفَى قبل التلميذ، ثم يُعمَّرُ التلميذ حتى يروي عنه شخص ما، ويُعمَّرُ هذا الشخص حتى تكون المدة بين وفاته وبين وفاة الشيخ الذي روى عنه تلميذه متباعدة. فهذا فن مليح -كما قال ابن كثير- حلَّى به المِزّي كتابه "تهذيب الكمال"، لكنه أنصف وقال: إنه ليس من المهمات ..... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 زكريا بن دويد هذا كذّاب، هو ادّعَى السماع من مالك، وأنه عُمّرِ، ولكنه كذّاب، ولكن يوردونه؛ لأنهم -رحمهم الله تعالى- عند الجمع يقولون: قَمِّش ثم فَتِّش، فما معنى قَمِّش؟ يعني: اجمع. وبعد الجمع، بعد أن تستقر الأمور ابدأ بالتنقية والاختيار. نعم يا شيخ.. أحسن الله إليك. النوع السابع والأربعون: معرفة من لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد النوع السابع والأربعون: معرفة من لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد؛ من صحابي وتابعي وغيرهم: ولمسلم بن الحجاج تصنيف في ذلك، تفرّد عامر بن الشعبي عن جماعة من الصحابة، منهم عامر بن شهر، وعروة بن مُضرِّس، ومحمد بن صفوان الأنصاري، ومحمد بن صيفي الأنصاري، وقد قيل: إنهما واحد. والصحيح أنهما اثنان، ووهب بن خنبش، ويُقال: هريم بن خنبش، والله أعلم. وتفرّد سعيد بن المسيب بن حزم بالرواية عن أبيه، وكذلك حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه، وكذلك شُتيرة بن شتلة بن حميد عن أبيه، وعبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه، وكذلك قيس بن أبي حازم تفرد بالرواية عن أبيه، وعن دكين بن سعد المُزَني، وصُنابح بن الأعسر، ومرداس بن مالك الأسلمي، وكل هؤلاء صحابة. قال ابن الصلاح: وقد ادَّعَى الحاكم في "الإكليل" أن البخاري ومسلم لم يخرَّجا في صحيحيهما شيئا من هذا القبيل. قال: وقد أُنْكِر ذلك عليّ، ونُقِضَ بما رواه البخاري ومسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه، ولم يروه عنه غيره في وفاة أبي طالب. وروى البخاري عن طريق قيس بن أبي حازم عن مرداسٍ الأسلمي حديث: يذهب الصالحون الأول فالأول وبرواية الحسن عن عمرو بن تغلب، ولم يروِ عنه غيره. وحديث: إني لأعطي الرجل، وغيره أحب إلي منه ?. وروى مسلم حديث الأغرّ المزني: ? إنه ليُغان على قلبي ? ولم يروِ عنه غير أبي بردة. وحديث رفاعة بن عمرو، ولم يروِ عنه غير عبد الله بن الصامت. وحديث أبي رفاعة، ولم يروِ عنه غير حميد بن هلال العدوي، وغير ذلك عندهما ..... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 ثم قال ابن الصلاح: وهذا مصير منهم، إلا أنه ترتفع الجهالة عن الراوي برواية واحد عنه. قلت: وأما رواية العدل عن شيخ، فهل هي تعديل أم لا؟ في ذلك خلاف مشهور. إن اشترط العدالة في شيوخه -كمالك ونحوه- فتعديل، وإلا فلا. وإذا لم نَقُلْ إنه تعديل، فلا تضر جهالة الصحابي؛ لأنهم كلهم عدول، بخلاف غيرهم، فلا يصح ما استدرك به الشيخ أبو عامر -رحمه الله-؛ لأن جميع من تقدم ذكرهم صحابة، والله أعلم. أما التابعون فقد تفرد -فيما نعلم- حماد بن سلمة عن أبي العشراء الدارمي، عن أبيه بحديث: ? أما تكون الذكاة إلا في اللبة؟ فقال: أما لو طَعَنْتَ في فخذها لأجزأ عنك ?. ويُقال: إن الزهري تفرد عن نيف وعشرين تابعيا، وكذلك تفرد عمرو بن دينار، وهشام بن عروة، وأبو إسحاق السبيعي، ويحيى بن سعيد الأنصاري عن جماعة من التابعين. وقال الحاكم: وقد تفرد مالك عن زهاء عشرة من شيوخ المدينة، لم يروِ عنهم غيره. هذا فن، النوع السابع والأربعون فن دقيق جدا من الفنون التي اهتم بها أئمة الحديث، وهو معرفة من لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد؛ من صحابي وتابعي ومن بعدهم، وقد ألفوا في ذلك كتبا يسمونها "كتب الوحدان"، يعني: شخص ليس له من الرواة إلا راوٍ واحد. ومثّل ابن كثير -رحمه الله تعالى- بعدد من الأمثلة، منهم من الصحابة ومن التابعين، ولا إشكال في ذلك، لكنه عَرَّج على دعوى الحاكم في "الإكليل" أن البخاري ومسلما لم يُخرِّجَا لراوٍ ليس له إلا راوٍ واحد. وكما نعرف الحاكم -رحمه الله- كثر التعقب عليه في كثير مما يذكره، مثل: تقسيماته الحديث المعلل، ومثل كثير مما يذكره، ومنه هذا القبيل، من هذا القبيل ما نسبه إلى الصحيحين؛ فإنه متعقب بأن البخاري ومسلم أخرجا لأناس، وليس لكل منهم إلا راوٍ واحد، ومثَّلَ ابن كثير بهذه الأمثلة، وبهذه الأحاديث التي رأيناها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 ثم الفائدة من النقد هنا تأتي، وهو قوله: وهذا مَصِير منهما إلى أنه ترتفع الجهالة عن الراوي برواية واحدٍ عنه، يعني: مَصِير من الشيخين "البخاري ومسلم"، وهذا الموضوع ما أعيده؛ لأنه مَرَّ الكلام عليه في قضايا في النوع الذي هو متعلق بمعرفة من تُقْبَل روايته، ومن تُرَد. وخلاصته: أنه ارتفاع الجهالة برواية راوٍ واحد لا يُحكم لها بإثبات ولا بنفي، وإنما يُنظَر فيها إلى الطبقة، وإلى الراوي الذي روى عن، أو تفرد عن الشخص، وأيضا إلى المروي، وهذا خلاصة الكلام في هذه المسألة. ثم ذكر عددا من التابعين، يعني: تُفُرِّد عنهم، ذكر عددا من الصحابة أولا، ثم ذكر عددا من التابعين لم يروِ عنهم إلا راوٍ واحد. وذكر منهم حماد بن سلمة، وروايته عن أبي العشراء الدارمي عن أبيه حديث: ? أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة؟ قال: أما لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك ?. وذكر أن الزهري تفرد عن جماعة، وأن أبا إسحاق السبيعي، وأن مالك تفرد، وإسحاق، ويحيى بن سعيد الأنصاري تفرد عن جماعة من التابعين، وكذلك مالك أيضا. هذا الأمر -كما ذكرت- مهم بالنسبة لارتفاع الجهالة، والصواب فيها هو أنه يُنظر فيها -كما ذكرت- إلى هذه الأمور الثلاثة. وأطلنا على الإخوان، لكن نكمل؟ ها.. نكمل يا شيخ. أحسن الله إليكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 النوع الثامن والأربعون: معرفة من له أسماء متعددة النوع الثامن والأربعون: معرفة من له أسماء متعددة: فيظن بعض الناس أنهم أشخاص متعددة، أو يذكر ببعضها أو بكنيته، فيعتقد من لا خبرة له أنه غيره، وأكثر ما يقع ذلك من المدلسين، يُغْرِبون به على الناس، فيذكرون الرجل باسمٍ ليس هو مشهورا به، أو يكنونه ليوهموه على من لا يعرفه، وذلك كثير. وقد صنف الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري في ذلك كتابا، وصنف الناس كتب الكُنِى، وفيها إرشاد إلى إظهار تدليس المدلسين ..... ومن أمثلة ذلك: محمد بن السائب الكلبي، وهو ضعيف، لكنه عالم بالتفسير وبالأخبار، فمنهم ما يصرح باسمه هذا، ومنهم من يقول: حماد بن السائب، ومنهم من يُكَنِّيه بأبي النضر، ومنهم من يكنيه بأبي سعيد. قال ابن الصلاح: وهو الذي يروي عنه عطية العوفي التفسير موهما أنه أبو سعيد الخدري، وكذلك سالم أبو عبد الله المدني المعروف بسبلان، الذي يروي عن أبي هريرة، ينسبونه بولائه إلى جهات متعددة، وهذا كثير جدا. وللتدليس أقسام كثيرة كما تقدم، والله أعلم. نعم، هذا الموضوع تقدم، ذكره ابن الصلاح -رحمه الله- حين ذكر التدليس الذي هو الإسقاط في الإسناد، ذكر تدليس الشيوخ، هذا هو، إلا أنه هذا أعم من تدليس الشيوخ؛ لأن تعدد أسماء الراوي إن كان بقصد فهو التدليس، وإن لم يكن بقصد فهذا ليس بتدليس؛ لأنه هكذا وقع. مثل الزهري مثلا: تارةً يُسمى باسم، يعني: يأتي في الأسانيد عن الزهري، وتارة عن ابن شهاب، وتارة عن محمد بن مسلم، وإن كان نادرا. ومثل الأعمش: تارة باسم الأعمش، وتارة حدثنا سليمان، وكثير في الرواة. ومثل سالم سبلان هذا لم يقصد الرواة تدليسه، لم يقصد الرواة تدليسه، وإنما هو له ولاؤه إلى جهات متعددة، فيذُكر بها. ولكن الذي كَثُر واهتم به العلماء هو التدليس، الذي هو تعدد أسماء الرواة بقصد، وهو الذي يسمونه تدليس الشيوخ. وللخطيب البغدادي كتاب اسمه "مُوَضِّح أوهام الجمع والتفريق"، يعني: شخص واحد يرد بأسماء متعددة، فقد يترجم له البخاري، والبخاري معذور، له أعذار، أو ابن أبي حاتم يترجمون له في أماكن. فيبين الخطيب أن هذا واحد تعدد اسمه، أو كذلك قد يحكم الإمام أحمد بأنه..، المهم أن هذا فن -يعني- لا يختص بالتدليس، وإن أتى بقصد فهو تدليس الشيوخ، وإن أتى بغير قصد فهو -يعني- يدخل تحت هذا النوع "معرفة من له أسماء متعددة"، ليس بقصد، وإنما هكذا ورد في الروايات ..... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 فهذا يُنتبه له، ومرادهم بهذا..، ينفعنا بهذا في أي شيء؟ في نقطة مهمة، وهو أن لا تظن أن هذا متابعا لهذا، وهو في الحقيقة شخص واحد، وهذا يغلط فيه بعض الباحثين، يقول: تابعه فلان، تابعه عدد من الرواة، ثم يسرد. وبعضهم هو نفسه هذا الراوي، إنما يُذكر بكنيته أو منسوبا إلى جده أو نحو ذلك، فُينتبه لهذا في مسألة الاعتراض. وكذلك أيضا في الجهالة؛ لأنه قد إذا نُسب إلى غير ما هو معروف قد يُجَهَّل، أو قد يشتبه بغيره، وهذه مسائل يحتاج إليها الباحث في نقد السنة. نعم يا شيخ.. النوع التاسع والأربعون: معرفة الأسماء المفردة والكُنَى النوع التاسع والأربعون: معرفة الأسماء المفردة والكُنَى التي لا يكون منها في كل حرف سواه: وقد صَنَّف في ذلك الحافظ أحمد بن هارون البرطيجي وغيره، ويوجد ذلك كثيرا في كتاب "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم وغيره، وفي كتاب "الإكمال" لأبي نصر بن ماكولا كثيرا. وقد ذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح طائفة من الأسماء المفردة، منهم: أجمد -بالجيم- بن عُزَيَّان - على وزن عُلَيَّان-. قال ابن الصلاح: ورأيته بخط ابن الفرات مخففا على وزن سفيان. ذكره ابن يونس في الصحابة. أوسط ابن عمرو البجلي، تابعي. سدوم بن صُبَيح الكُلاعي، عن سُبيع الحميري ابن امرأة كعب الأحبار. حُبيب بن الحارث، صحابي. جَيْلان بن فَرْوَة أبو الجلد الأخباري، تابعي. الدُّجَين بن ثابت، أبو الغصن، يُقال: إنه جحا. قال ابن الصلاح: والأصح أنه غيره. زِرّ بن حُبيش، سُعَير بن الخنس، سندر الخصي مولى زنباع الجذامي: له صحبة. شَكَل بن حُميد، صحابي. شمغون -بالشين والغين المعجمتين- ابن زيد بن ريحانة صحابي. ومنهم من يقول بالعين المهملة. سُدَين بن عجلان، أبو أُمامة، صحابي. صُنابح بن الأعْسَر، دُريب بن نُقَيرة بن صُمَير، كلهم بالتصغير. أبو السليل القيسي البصري، يروي عن معاذ. عَذْوَان -بالعين المهملة- ابن زيد الرقاشي، أحد الزهاد التابعين ..... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 كَلَدة بن حنبل، صحابي. دُبَيّ بن لَبَى، صحابي. أمازة بن زَبَّار، مستمر بن رَيَّان، رأى أنسا. نبيشة الخير، صحابي. نَوْف البكالي، تابعي. وَابِصَة بن معبد، صحابي. حُبيب بن مغفل همدان، بريد عمر بن الخطاب، بالدال المهملة، وقيل: بالمعجمة. وقال ابن الجوزي في بعض مصنفاته: مسألة: هل تعرفون رجلا من المحدثين لا يرد مثل أسماء آبائه؟ فالجواب: أنه مُسَدَّد بن مُسَرْهَد بن مُسَرْبل بن مُغَرْبَل بن مُطَرْبَل بن أَرْنَدَل بن عَرْنَدَل بن ماسك الأسدي. قال ابن الصلاح: وأما الكُنَى المفردة فمنها: أبو العبيدين، واسمه معاوية بن سبرة، من أصحاب ابن مسعود، أبو العشراء الدارمي، تقدم. أبو المُدِلّة من شيوخ الأعمش وغيره، لا يُعْرَف اسمه، وزعم أبو نعيم الأصبهاني أن اسمه عبيد الله بن عبد الله المدني أبو مراية العجلي. وعبد الله بن عمرو، تابعي. وأبو معيط، حفص بن غيلان الدمشقي عن مكحول. قلت: وقد روى عنه نحو من عشرة، ومع هذا قال ابن حزم: هو مجهول؛ لأنه لم يطلع على معرفته ومن روى عنه، فحَكم عليه بالجهالة قبل العلم به. كما جَهَّل الترمذي صاحب "الجامع"، فقال: ومَنْ محمد بن عيسى بن سَوَرَة أو ابن سَوْرَة؟ ومن الكُنَى المفردة أبو السنابل عبيد ربه بن بعتك، رجل من بني عبد الدار صحابي، اسمه واسم أبيه وكنيته من الأفراد. قال ابن الصلاح: وأما الأفراد من النقاد فمثل سفينة الصحابي، اسمه مهران، وقيل غير ذلك. مندل بن العنزي، اسمه عمرو. سحنون سعيد صاحب "المدونة"، اسمه عبد السلام. مطين، مُشْكَدَانة بن عبيد في جماعة آخرين، سنذكرهم في نوعنا القادم -إن شاء الله تعالى-، وهو أعلم. مندل هذا مندل بن علي، ليس مندل بن العنزي، النسخة اللي معي ليس فيها علي، هو اسمه مندل بن على العنزي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 هذا النوع من النوع التاسع والأربعون: "معرفة أسماء المفردة والكُنَى"، سرد ابن الصلاح، وتبعه ابن كثير وجماعة، ويعني- مما يُتعجب منه أن -مثلا- هذا قابل للاختصار، فكان يكفي ابن كثير، ما الذي يكفيه بهذا المختصر؟ التسمية، واختيار واحد أو اثنين من الصحابة، أو من التابعين، وفي الكُنَى كذلك، لكنه أطال. والغرض من هذا ما هو؟ غرضهم شيء واحد، وهو أنه إذا مر بك شخص بهذا الاسم تعرف أنه ليس بصواب، تعرف أنه وقع في التصحيف، هذا الغرض من جمع -يعني- هذه الأسماء. وبعضها يقع فيه اختلاف؛ إما بالضبط، أو يقع فيه اختلاف أنه في الباب غيره أيضا كذلك فيه اسم آخر، وهذا -يعني- الغرض منه -كما ذكرت- لطالب العلم أن يعرف أنه إذا جاءه شخص آخر بهذا الاسم يتوقف في هذا، ويعرف أو يرجِّح أنه وقع فيه تصحيف، وعليه أن يراجع. هذا -يعني- بالنسبة لكلام ابن الجوزي أنه مُسَدَّد بن مُسَرْهَد بن مُسَرْبل بن مُغَرْبَل، هذا -يعني- الذي يصح من هذا الاسم ثلاثي فقط، مُسَدَّد بن مُسَرْهَد بن مُسَرْبل، وبعضهم يزيد: ابن مغربل، أما هذا الاسم الطويل فهذا يقولون: إنه زاده بعضهم للإغراض. ويذكرون عن أبي نعيم الفضل بن دُكَين، يعني: مشهور بطرافته، لكنه يقول -لما ذُكِرَ له اسم مسدد- قال: هذا لو وضعت قبله " بسم الله الرحمن الرحيم " لكان رقية للعقرب. فيعني لأنه اسم غريب هذا، أو كل أسمائه، الأسماء هذه كلها من الوحدان، اسم أبيه، واسم جده، وهو معروف، إمام من كبار الثقات، وله مُسدد، وهم يقولون: مسددُ كاسمه مسدد، وهو من شيوخ أبي داود، وهذا له مصنف، له مسند. علَّقَ ابن كثير هذا على ابن حزم، ابن حزم -رحمه الله- يطلق عبارات -أحيانا- ما ينتبه لها، منها تجهيله للترمذي، وردوا عليه في ذلك، وهذا -يعني- نختم به الدرس هذا اليوم، وأطلت عليكم، لكن -يعني- معذرةً. فيه أسئلة.. طيب.. سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك اللهم وأتوب إليك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 النوع الخمسون: معرفة الأسماء والكُنَى بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال -رحمه الله تعالى-: معرفة الأسماء والكُنَى: وقد صنف في ذلك جماعة من الحفاظ منهم: علي بن المديني، ومسلم، والنسائي، والدولابي، وابن منده، والحاكم، وأبو أحمد الحافظ، وكتابه في ذلك مفيد جدا كثير النفع. وطريقتهم أن يذكروا الكنية، وينبهوا على اسم صاحبها، ومنهم من لا يُعرف اسمه، ومنهم من يُختلف فيه. وقد قَسَّمهم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح إلى أقسام عدة: أحدها: من ليس له اسم سوى الكنية: كأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي المدني، أحد الفقهاء السبعة، ويكنى بأبي عبد الرحمن أيضا. وهكذا أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني، يُكَنَّى بأبي محمد أيضا. قال الخطيب البغدادي: ولا نظير لهما في ذلك. وقيل: لا كنية لابن حزم هذا. وممن ليس له اسم سوى كنيته فقط: أبو بلال الأشعري عن شريك وغيره، وكذلك كان يقول: اسمي كنيتي. وأبو حصين بن يحيى بن سليمان الرازي شيخ أبي حاتم وغيره. القسم الثاني: من لا يُعرف بغير كنيته، ولم يوقف على اسمه، منهم: أبو أناس -بالنون- الصحابي. أبو مُويهبة، صحابي. أبو شيبة الخدري المدني، قُتل في حصار القسطنطينية، ودفن هناك -رحمه الله-. أبو الأبيض، عن أنس. أبو بكر بن نافع، شيخ مالك. أبو النجيب -بالنون مفتوحة-، ومنهم من يقول: بالتاء مثناة من فوق مضمومة، وهو مولى عبد الله بن عمرو أبو حرب بن أسود. وأبو حريز الموقفي، شيخ ابن وهب، والموقف محلة بمصر. الثالث: من له كنيتان؛ إحداهما لقب، مثاله: علي بن أبي طالب، كنيته أبو الحسن، ويُقال أبو تراب أيضا، يقال له: أبو تراب لقبا. أبو الزناد عبد الله بن ذكوان، يكنى بأبي عبد الرحمن، وأبو الزناد لقب، حتى قيل: إنه كان يغضب من ذلك ..... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 أبو الرجال، محمد بن عبد الرحمن، يُكَنَّى بأبي عبد الرحمن، وأبو الرجال لقب له؛ لأنه كان له عشرة أولاد رجال، عشرة أولاد رجال. وأبو ثميلة يحيى بن واضح، كنيته أبو محمد. وأبو الآذان الحافظ عمر بن إبراهيم، يُكنى بأبي بكر، ولُقب بالآذان لكبر أذنيه. أبو الشيخ الأصبهاني الحافظ، هو عبد الله بن محمد، وكنيته أبو محمد، وأبو الشيخ لقب. أبو حازم العبدري الحافظ عمر بن أحمد، كنيته أبو حفص، وأبو حازم لقب، قاله الفلكي في "الألقاب". الرابع: من له كنيتان: كابن جريج، كان يُكَنَّى بأبي خالد وأبي الوليد، وكان عبد الله العمري يُكَنَّى بأبي القاسم، فتركها واكْتَنَى بأبي عبد الرحمن. قلت: وكان السُهيلي يُكَنَّى بأبي القاسم وأبي عبد الرحمن. قال ابن الصلاح: وكان لشيخنا منصور بن أبي المعارم النيسابوري حفيد الفراوي ثلاث كُنى: أبو بكر، وأبو الفتح، وأبو القاسم، والله أعلم. الخامس: من له اسم معروف ولكن اختلف في كنيته فاجتمع له كنيتان وأكثر، مثاله زيد بن حارثة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد اختلف في كنيته فقيل: أبو خارجة، وقيل: أبو زيد، وقيل: أبو عبد الله، وقيل: أبو محمد، وهذا كثير يطول استقصاؤه. السادس: من عرفت كنيته واختلف في اسمه كأبي هريرة - رضي الله عنه - اختلف في اسمه واسم أبيه على أزيد من عشرين قولا، واختار ابن إسحاق أنه:عبد الرحمن بن صخر، وصحح ذلك أبو أحمد الحاكم، وهذا كثير في الصحابة ومن بعدهم. وأبو بكر بن عياش: اختلف في اسمه على أحد عشر قولا، وصحح أبو زرعة وابن عبد البر أنه اسمه شعبة، ويقال: إن اسمه كنيته، ورجحه ابن الصلاح قال: بأنه روي عنه أنه كان يقول ذلك. السابع: من اختلف في اسمه وفي كنيته وهو قليل كسفينة، قيل: اسمه مهران، وقيل: عمير، وقيل: صالح، وكنيته قيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو البختري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 الثامن: من اشتهر باسمه وكنيته كالأئمة الأربعة: أبو عبد الله مالك والشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبو حنيفة النعمان بن ثابت، وهذا كثير. التاسع: من اشتهر بكنيته دون اسمه وكان اسمه معينا معروفا، كأبي إدريس الخولاني، عائد الله بن عبد الله أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب أبو إسحاق التبيعي عمر بن عبد الله أبو الضحى مسلم بن صبيح، أبو الأشعر الصنعاني شراحيل بن آدم، أبو حازم سلمة بن دينار وهذا كثير جدا. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذا النوع الخمسون: معرفة الأسماء والكنى، يُقصد به أو يَقصِد به العلماء تعيين اسم الراوي أو اسم العالم واسم كنيته، أو تعيين اسم العالم أو الراوي وتعيين كنيته، فإن كان له ... أو إن كان اختلف في اسمه ذكروا ذلك أيضا، وإن اختُلف في كنيته ذكروا ذلك أيضا، وإن كان له عدة كنى أيضا حصروا ذلك، وإن كان لا يُعرف إلا بكنيته أو اشتهر بكنيته وله اسم معروف أو اختلف في اسمه كل هذا ضبطوه. والغرض من ذلك … أو نستفيد من ذلك شيئين: الأول: إذا وردت الأسانيد تارة باسمه وتارة بكنيته يُعرف أنه شخص واحد وأنه ليس ... يعني ليس بمتابع أي لا نستفيد منه من عدد الطرق أو من الاعتضاض ونحو ذلك وهذا التضليل كثيرا ما يقع فيه الباحثون. يعني من أسباب الخطأ في تمييز الرواة أن يأتي مرة مكنى ومرة ... مثل أن يقول الإمام أحمد مثلا: حدثنا أبو معاوية، ثم يأتي نفس هذا الراوي -يعني يروي عنه شخص آخر- فيقول: حدثنا محمد بن حازم، فيظن -ولاسيما بالنسبة للطلبة المبتدئين- أن هذا متابع لأبي معاوية، فينبه العلماء -رحمهم الله تعالى- إلى أن من مهام طالب العلم ... من المهمات التي ينبغي أن يعرفها طالب العلم في تمييز الأسانيد وفي تمييز الرواة معرفة كناهم وأسمائهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 الشيء الثاني: بالنسبة للبحث عن اسمه في كتب الرواة للبحث عن شخصه أو عن ترجمته في كتب الرواة. العلماء -رحمهم الله تعالى- يقسّمون كتبهم في الرواة إلى أسماء وإلى كنى وإلى ألقاب وإلى منسوبين إلى مدنهم، وكل هذا تيسيرا على الباحث؛ لكي يقف على ترجمة الراوي مثال ذلك: مثلا من لا يعرف إلا بكنيته، يترجمون له مثل أبي مسلم عبد الرحمن، أبي سلمة بن عبد الرحمن، أبي بكر بن عياش يترجمون له في الكنى، إذا كان له اسم معروف أعادوك إلى اسمه. وكذلك في كتب الأتراك ونحوها، فالباحث -يعني- يفتش عن الاسم إن لم يجده بحث في الكنية ... قد يكون اختلف في كنيته أو له أكثر من كنية فيبحث في المواضع كلها وهكذا. هذا هو الغرض من تمييز كنى الرواة، وفيه كتب كثيرة كما ذكر ابن كثير، ذكر كتب علي بن المديني ومسلم والنسائي والدولابي وابن منده والحاكم كل هذه كتب ... وغالبها موجود، كتاب مسلم مطبوع، وكتاب الدولابي مطبوع، وكتاب الحاكم أيضا وجد أكثر وهو مطبوع، ويوجد أيضا كتاب لابن عبد البر وهو مطبوع، وكتاب للذهبي أيضا. نعم. هذا المقصود بهذا الفن وبهذا النوع من علوم الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 النوع الحادي والخمسون: معرفة من اشتهر بالاسم دون الكنية النوع الحادي والخمسون: معرفة من اشتهر بالاسم دون الكنية وهذا كثير جدا، وقد ذكر الشيخ أبو عمر من يكنى بأبي محمد: جماعة من الصحابة منهم: الأشعث بن قيس، وثابت بن قيس، وجبير بن مطعم، والحسن بن علي وحويطب بن عبد العزى وطلحة بن عبيد الله، وعبد الله ابن بحينة، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن ثعلبة بن سعير، وعبد الله بن زيد صاحب الأذان، وعبد الله بن عمرو، وعبد الرحمن بن عوف، وكعب بن مالك، ومعفر بن سنان. وذَكر من يكنى منهم بأبي عبد الله، وأبي عبد الرحمن، ولو تقصينا ذلك لطال الفصل جدا. وكان ينبغي أن يكون هذا النوع قسما عاشرا من الأقسام المتقدمة في النوع قبله ..... نعم هو كما ذكر ابن كثير -رحمه الله- هذا النوع إذا تأملته هو قسم من الأقسام العشرة، من يعرف باسمه ولا تكاد تذكر كنيته، أو لا تعرف كنيته على وجه التحديد، أو -يعني- كنيته فيها خفاء، فهذا قسم من الأقسام العشرة، والأقسام العشرة السابقة أيضا ليس بعضها قسيما لبعض وإنما هي -يعني- تعداد لحالات الكنية مع الاسم. فمثلا من له أكثر من كنية قسيمه من ليس له إلا كنية واحدة، هذا هو قسيمه، أو من له كنيتان. تكون ثلاثة أقسام: من يعرف باسمه ولا يعرف بكنيته هذا قسيمه من يعرف بكنيته ولا يعرف باسمه، أو يعرف بهما. فهذا التقسيم فيه تجوّز، على كلٍ المقصود: هو معرفة هذه الأشياء، وأما التقسيمات ودخول بعضها تحت بعض أو رجوع بعضها إلى بعض فهذا أمر ثانوي. النوع الذي بعده: النوع الثاني والخمسون: معرفة الألقاب النوع الثاني والخمسون: معرفة الألقاب، وقد صنف في ذلك غير واحد منهم أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي وكتابه في ذلك مفيد كثير النفع، ثم أبو الفضل بن الفلكي الحافظ. وفائدة التنبيه على ذلك ألا يظن أن هذا اللقب لغير صاحب الاسم، وإذا كان اللقب مكروها إلى صاحبه فإنما يذكره أئمة الحديث على سبيل التعريف والتمييز لا على وجه الذم واللمز والتنابذ. والله الموفق للصواب. قال الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري: رجلان جليلان لازمهما لقبان قبيحان: معاوية بن عبد الكريم الضال، وإنما ضل في طريق مكة، وعبد الله بن محمد الضعيف، وإنما كان ضعيفا في جسمه لا في حديثه. قال ابن الصلاح: وثالث -وهو عالم- أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي وكان عبدا صالحا بعيدا عن العرامة، والعارم: الشرير المفسد ..... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 وغندر: لقب لمحمد بن جعفر البصري الراوي عن شعبة، ولمحمد بن جعفر بن الرازي روى عن أبي حاتم الرازي، ولمحمد بن جعفر البغدادي الحافظ الجوال شيخ الحافظ أبي نعيم الأصبهاني وغيره، ولمحمد بن جعفر بن جران البغدادي روى عن أبي خليفة الجمحي ولغيرهم. غنجار: لقب لعيسى بن موسى التميمي أبي أحمد البخاري؛ وذلك لحمرة وجنتيه، روى عن مالك والثوري وغيرهما. وغنجار: آخر متأخر وهو أبو عبد الله محمد بن أحمد البخاري الحافظ صاحب "تاريخ بخارى" توفي سنة ثنتي عشرة وأربع مائة. صاعقة: لقب به محمد بن عبد الرحيم شيخ البخاري؛ لقوة حفظه وحسن مذكراته. شباب: هو خليفة بن خياط المؤرخ. زنيج: محمد بن عمرو الرازي شيخ مسلم. رستة: عبد الرحمن بن عمر. سنيج: هو الحسين بن داود المفسر. بندار: محمد بن بشار شيخ جماعة؛ لأنه كان بندار الحديث. قيصر: لقب أبي النضر هاشم بن القاسم شيخ الإمام أحمد بن حنبل. الأخفش: لقب لجماعة منهم أحمد بن عمران البصري النحوي، روى عن زيد بن الحباب، وله غريب الموطأ، قال ابن الصلاح: وفي النحويين أخافش: ثلاثة مشهورون: أكبرهم أبو خطاب عبد الحميد بن عبد المجيد، وهو الذي ذكره سيبويه في كتابه المشهور. والثاني: أبو الحسن سعيد بن مسعدة، راوي كتاب سيبويه عنه. والثالث: أبو الحسن علي بن سليمان تلميذ أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، ومحمد بن يزيد المبرد. مربع: لقب محمد بن إبراهيم الحافظ البغدادي. جزرة: صالح بن محمد الحافظ البغدادي. خيلجة: محمد بن صالح البغدادي. ماغمه: علي بن حسن بن عبد الصمد البغدادي الحافظ، يقال: علان ماغمه، فيجمع له بين لقبين. عبيد العجل: لقب أبي عبد الله الحسين بن محمد بن حاتم البغدادي الحافظ أيضا. قال ابن الصلاح: وهؤلاء البغداديون الحفاظ كلهم من تلامذة يحيى بن معين، وهو الذي لقبهم بذلك. سجادة: الحسن بن حماد، من أصحاب وكيع والحسين بن أحمد شيخ ابن عدي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 عبدان: لقب جماعة، فمنهم عبد الله بن عثمان شيخ البخاري، فهؤلاء ممن ذكره الشيخ أبو عمرو، واستقصاء ذلك يطول جدا. والله أعلم. هذا النوع -معرفة الألقاب- كثُر عند المحدّثين، وأيضا هو جزء من حياة الناس، تلقيب بعضهم بعضا بألقاب، إما أن يشتق اللقب من الاسم مثل: عبد الله، يُشتق منه عبدان، وعلي يُشتق منه علان. وإما أن يكون صفة في الشخص، وإما أن يردد كلمة فيلقبه الناس بها، أو يقول كلمة تخرج من فمه على غير وجه الصواب، مثل هذا الصالح جزرة، هو صحّف خرزة، كان صغيرا طالبا فصحف خرزة إلى جزرة، فلقب صالح جزرة، وهو من الأئمة الحفاظ، صالح بن محمد البغدادي -يعني- يذكر من أئمة الجرح والتعديل. ومثل: مطيّن وكان صغيرا يلعب مع الصبيان -يعني- يرمي بعضهم بعضا بالطين، فناداه أحد الشيوخ يا مطين، يا مطين فصار لقبا له، وهذا -يعني- أمر غير مستغرب في الناس، يعني إلى اليوم يلقب بعضهم بعضا بألقاب وهذا ... والمحدّثون جزء من مجتمعهم -رحمهم الله تعالى. وبعض ألقابهم مأخوذة من -يعني- عملهم مثل الصاعقة هذا. صاعقة يقولون: إنه لقب بذلك لقوة حفظه وحسن مذاكرته. والغرض من هذا الفصل كالذي قبله هو تمييز الرواة، مثل: -مثلا- شيخ الإمام أحمد، محمد بن جعفر، أحد كبار تلامذة شعبة، يعرف بمحمد بن جعفر، ويعرف بغندر، ويأتي كثيرا في الأسانيد بهذا -باسمه- ويأتي بلقبه أيضا، فلا يظن الباحث أن هذا غير هذا. يعني إذا عرف مجموعة من الرواة بسرعة يكشفهم، يعرف أن هذا هو هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 ثم كل من جاءه .... كثير ممن جاء بعده واسمه محمد بن جعفر لقبوه غندر بالأول، والغندر: هو المشاغب، يقولون: إنه كان عند أحد شيوخه -عند شعبة أو عند ابن دريد- المهم وهو يتحرك كثيرا فقال له: اجلس يا غندر، يعني يا مشاغب، فصار لقبا له، وشعبة زوج أمه، زوج أم محمد بن جعفر، وهو من أصح الناس كتابا، في حفظه الشيء، لكن كتابه مرجع في ضبط حديث شعبة، لازمه عشرين سنة -رحمه الله تعالى. من الكتب المؤلفة ذكر ابن كثير كتابين، ولكن في كتب متأخرة مثل كتاب ابن الجوزي، نعم كتاب الشيرازي في الألقاب هذا يعتبر من أوائل ما صنف ومن أجمعه ولابن الجوزي كتاب "كشف النقاب" طبع أخيرا. ومن أجمع ذلك كتاب الحافظ ابن حجر "نزهة الألباب في الألقاب". ولكن نلاحظ في الكتب الجامعة هذه أنها لا تختص بالمحدّثين، بمعنى أن ابن حجر في كتابه يذكر ألقاب الأدباء، وألقاب الملوك، وألقاب الشعراء، وكل من عرف بلقبه. وأيضا لم يستقص -رحمه الله- ... استقصى في الألقاب ولم يستقص في الأسماء، يعني استقصى الألقاب، لكن يقول: هذا لقب جماعة منهم فلان وفلان وفلان، هذا لقب جماعة منهم فلان وفلان؛ وذلك لأنه يعني هو إلى الاختصار والتهذيب. وأكثر ما يشكل إذا -يعني- كان اللقب لجماعة فبعض الباحثين قد يغلظ في التمييز بينها، قد يقع في غلظ في التمييز بينها. نعم يا شيخ، النوع الذي بعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 النوع الثالث والخمسون: معرفة المؤتلف والمختلف في الأسماء والأنساب النوع الثالث والخمسون: معرفة المؤتلف والمختلف في الأسماء والأنساب وما أشبه ذلك، ومنه تتفق في الخط صورته وتختلف في اللفظ صيغته، قال ابن الصلاح: وهو فن جليل، ومن لم يعرفه من المحدّثين كثر عثاره، ولم يعدم مخجلا. وقد صُنف فيه كٌتب مفيدة من أكملها: "الإكمال" لابن ماكولا على إعواز فيه، قلت: وقد استدرك عليه الحافظ عبد الغني بن نقطة كتابا قريبا من " الإكمال " فيه فوائد كثيرة ..... وللحافظ بن عبد الله البخاري من المشايخ المتأخرين كتاب مفيد أيضا في هذا الباب، ومن أمثلة ذلك: سلَام وسلَّام، عُمارة وعِمارة، حِزام حرام، عباس عياش، غنام عتام، بشار يسار، بشر بسر، بشير يسير نسير، حارثة جارية، جرير حرير، جبان حيان، رباح رياح، سريح شريح، عَبّاد عُبّاد ونحو ذلك. وكما يقال: العنسي والعيشي والعبسي، الحمان والجمان، الخياط والحناط والحباط، البزار والبزاز الأُلّي والأيلي، البصري والنصري، الثوري والتوزي، الجُرَيري والجَرِيري والحريري، السَلمي والسُلمي، الهمداني والهمذاني وما أشبه ذلك وهو كثير. وهذا إنما يُضبط بالحفظ محررا في مواضعه -والله تعالى المعين الميسر وهو المستعان. هذا فن اهتم به المحدِّثون كثيرا وهو فن المؤتلف والمختلف، ويقصدون به أن تتفق صورة الخط ويختلف الضبط. ويوجد هذا في الأسماء، ويوجد في الكنى، ويوجد أيضا في الأنساب.واهتم به المحدّثون. ومن أوائل من ألف في ذلك ... يعني كان المحدثون الأوائل يهتمون به في كتبهم بصفة عامة، مثل كتب الإمام أحمد، تجد فيها ضبطا للأسماء وتجد فيها أيضا تنبيها على ذلك. لكن جمع الحافظ بن ماكولا كتابا في هذا سماه الإكمال، ثم تتابع التأليف بعده: الخطيب البغدادي، والدارقطني، وعبد الغني بن سعيد، وابن نقطة، ثم كذلك أيضا الذهبي له كتاب اسمه "مشتبه النسبة". ثم ابن ناصر الدين له كتاب على كتاب الذهبي، وابن حجر أيضا له كتاب على كتاب الذهبي. والمقصود بهذا كله مساعدة طالب العلم على ضبط الأسماء، وهذه الأسماء كثيرا -جدا- ما يقع فيها التصحيف. هذا من أهم الأشياء التي تتعب الباحثين، سواء في التحقيق أو أيضا في دراسة الأسانيد، فإنها لا تؤخذ بالقياس، يعني الاسم لا يؤخذ بالقياس، يعني الكلمة من الممكن أن تقرأها بمساعدة ما قبلها وبمساعدة ما بعدها، لكن الأسماء لا تؤخذ بالقياس، لا تؤخذ بما قبلها ولا بما بعدها ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 ولهذا طالب العلم يستعين بهذه الكتب وهي -بحمد الله- مرتبة على الأسماء وعلى.. يعني مرتبة ترتيبا جيدا، يعني غالبها مطبوع."المؤتلف" للدار قطني "الإكمال" لابن ماكولا، "تلخيص المتشابه في الرسم " كتاب الخطيب، كتاب الذهبي، كتاب ابن ناصر الدين كتاب ابن حجر. هذه كلها مطبوعة ولا ينبغي لطالب العلم أن -يعني- يتهاون في هذا الفن؛ لأنه هو دليل الضبط، دليل إتقان الباحث أن يعتني بالأسماء المشتبهة. يقول ابن الصلاح: إنه مظنة أن يزل فيه الباحث وقد زل فيه كثيرٌ من الفضلاء. نعم. بعض ما يورد في هذه الكتب فيه اختلاف أصلا في الضبط، فينبه الباحث على ذلك أيضا. وبالمناسبة هو أيضا ... ومن فوائده أومن أوجه الحاجة إليه: التمييز بين الرواة قد يأتي مصحف الاسم فيترجم له الباحث أو يدرس الباحث هذه الترجمة على أنها لفلان، وإذا هو قد وقع فيها تحريف. يقع التحريف كثيرا جدا في هذا سواء كان في المخطوطات أو في المطبوعات أيضا، يبحث الباحث حسب الصورة التي أمامه ويذهب إليها، إلى ترجمة صاحبها، وقد وقع فيها تصحيف فيخطئ في ترجمة الراوي الذي أمامه أوالعلم الذي أمامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 النوع الرابع والخمسون: معرفة المتفق والمفترق من الأسماء والأنساب النوع الرابع والخمسون: معرفة المتفق والمفترق من الأسماء والأنساب وقد صنف فيه الخطيب كتابا حافلا، وقد ذكره الشيخ أبو عمرو أقساما: أحدها أن يتفق اثنان أو أكثر في الاسم، واسم الأب مثاله: الخليل بن أحمد ستة: أحدهم النحوي البصري، وهو أول من وضع علم العروض، قالوا: ولم يسم أحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بأحمد قبل الخليل بن أحمد إلا أبا السهر سعيد بن أحمد، وفي قول ابن معين وقال غيره: سعيد بن يحمد -الله أعلم. الثاني: أبو بشر المزني، بصري أيضا. روى عن المستنير بن أفضل عن معاوية بن قرة، وعنه عباس العنبري وجماعة. والثالث: أصبهاني. روى عن روح عبادة وغيره ..... والرابع: أبو سعيد السجلي، القاضي الفقيه الحنفي المشهور بخرسان. روى عنه ابن خزيمة وطبقته. الخامس: أبو سعيد البستي القاضي، حدث عن الذي قبله، وروى عنه البيهقي. السادس: أبو سعيد البستي أيضا شافعي، أخذ عنه الشيخ أبو حامد الاسفرائيني، دخل بلاد الأندلس. القسم الثاني: أحمد بن جعفر بن حمدان، أربعة: القطيعي، والبصري، والديانوري، والطرسوسي. محمد بن يعقوب بن يوسف: اثنان من نيسابور: أبو العباس ... أبو عبد الله بن الأخرم. الثالث: أبو عمران الجوني: اثنان: عبد الملك بن حبيب تابعي، وموسى بن سهل يروي عن هشام بن عروة. أبو بكر بن عياش: ثلاثة: القارئ المشهور، والسُلمي .... صاحب "غريب الحديث" توفي سنة أربع ومائتين، وآخر حمصي مجهول. الرابع: صالح بن أبي صالح: أربعة. الخامس: محمد بن عبد الله الأنصاري، اثنان: أحدهما المشهور صاحب الجزء وهو شيخ البخاري، والآخر ضعيف يكنى بأبي سلمة، وهذا باب واسع كبير كثير الشُّعب يتحرر بالعمل والكشف عن الشيء في أوقاته. هذا النوع الرابع والخمسون، معرفة المتفق والمؤتلف من الأسماء والأنساب من أهم ما يواجه الباحثين، أو من أكثر ما يشكل على الباحثين اتفاق أكثر من شخص في الاسم أو … لأن الرواة في الأسانيد أحيانا لا يأتون إلا بالاسم فقط. فيقول مثلا:حدثنا سفيان وسفيان -مثلا- ... هناك اثنان مشهوران، أو يقول: حدثنا هشام، وهناك هشام بن عروة، وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وكثيرون. أو يقول: حدثنا أحمد، وهناك أكثر من أحمد، كثيرون، أو يقول: حدثنا محمد، فقد يشترك الاثنان في الاسم واسم الأب، وقد يشتركون في الاسم واسم الأب واسم الجد، وقد يشتركون في الكنية ..... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 وهذه ... كذلك أيضا ... هذه الأقسام التي ذكرها ابن كثير لم يعنون لها، والمقصود بها هذا، اشتراك اثنين في الاسم واسم الأب أو أكثر من اثنين، اشتراك في الاسم واسم الأب واسم الجد، اشتراك في الكنية مثل: أبي عمران الجوني مع النسبة. وهكذا قسمة ابن كثير -رحمه الله تعالى. والمقصود بهذا هو تمييز الرواة، الاستعانة بهذا الفن على تمييز الرواة. وهو داخل ... ألف فيه الخطيب البغدادي كتابا، أو هو قسم من كتابه "موضح أوهام الجمع والتفريق" يعني مثلا أن بعض الأئمة يظن أن فلانا واحد وإنما هما اثنان، هذا هو الجمع. هذا يهِم من وقع فيه، والخطيب نبه على ذلك، والباحثون الآن -يعني- لو قلت: قل باحث إلا ويقع فيه، ما يسلم منه أحد أبدا، الخلط هذا في الرواة لا يسلم منه أحد أبدا, وأنت تبحث دائما -يعني- تتعقب نفسك. يعني بالأمس القريب: أقرأ مثلا لباحث يقول.. يترجم ليحيى بن أيوب، يحيى بن أيوب جماعة، ترجم لشخص وهو غير المراد، هناك يحيى بن أيوب المقابري البغدادي، وهناك يحيى بن أيوب الغافقي المصري، وهناك ثالث ... المقصود هو يحيى بن أيوب الغافقي المصري ولكنه ترجم لشخص آخر، جاءه أبو سلمة في إسناد وترجم لأبي سلمة بن عبد الأسد زوج أم سلمة -رضي الله عنها- وإنما المقصود هو أبو سلمة بن عبد الرحمن، وهذا كثير جدا في الرواة. أسامة بن زيد يأتي في التراجم في أسانيد فيترجم بعضهم لأسامة بن زيد الليثي، والمقصود أسامة بن زيد وَلَد زيد بن أسلم الذي مر بنا، أو العكس كذلك، كثير ما يكون … بل يكون عقبة، وقع للعلماء، هو موضوع نخصص له في دراسة الأسانيد فصل نسميه فصل ... منهم من يسميه: تمييز الرواة، ومنهم من يسميه الاشتباه. وقد وقع للأئمة -رحمهم الله تعالى. ويستعان بالكشف وبالتمييز بين الرواة بطرق متعددة كثيرة، وأنا أقول: إنه يعني ... حتى إن بعض الباحثين إذا مثلا .... ربما يصاب بالإحباط، كيف يقع في مثل هذه الأغلاط؟. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 وهذا أمر يعني لا إشكال فيه، لا إشكال فيه أن يقع الباحث في مثل هذا، لماذا؟ ؛ لأنه وقع فيه الأئمة، ما رأيت شخصا إلا وقد وقع عليه تعقب فيه تعيين اسم الراوي، لكن الإشكال في أي شيء؟ في الكثرة. إذا كثر من الباحث هذا يعتبرونه … يعني هذا يعتبر ضعيفا، أما الندرة فهذا لا إشكال فيه، الكثرة هي التي تشكل، وتدل على أن الباحث لم يُحكم عمله، مثلا أخطأ في اسم هذا الراوي وهذا، ثم كثر وانضم إلى ذلك أخطاء أخرى، فهذا ينبئوك عن بعد ... وهذا يكثر أيضا في تحقيق المخطوطات -مع الأسف الشديد- يكثر جدا في تحقيق المخطوطات. المحقق يتضرع ... ؛ لأن من أهم ما ينبغي أن يقوم به خدمة النص من خدمة النص مثلا تعيين الأعلام والتعريف بهم ولكنه أحيانا يضلل القارئ؛ ولهذا أقول ما يصح التقليد أبدا في هذا الموضوع، بل لا بد أن تكشف بنفسك. وكم من باحثين كم من كبار مشايخ كبار تورطوا في تصحيح حديث أو في تضعيفه بسبب الخطأ في تعيين اسم الراوي؛ لأنه يشترك دائما … . مثلا عبد الكريم بن أبي أمية، يقال له: ابن أبي المخارق، هذا في الغاية من الضعف، متروك الحديث، يشترك معه عبد الكريم بن أمية الجزري ثقة، ويشتركان في الشيوخ ويشتركان في التلاميذ، في بعض التلاميذ، وفي بعض الشيوخ، وهما بطبقة واحدة، ويأتيان في الأسانيد غير منسوبين، فيقال: حدثنا عبد الكريم فقط، يقوله سفيان ابن عيينة، ويقوله ابن جريح، ومثله ما تقدم، أسامة بن زيد هذا ضعيف المدني الذي هو ولده زيد بن أسلم، وأسامة بن زيد الليثي هذا لا بأس به، يعني صدوق، يعني ليس بضعيف. وكذلك ... هذا هو الذي يشكل، إذا اشترك في الاسم اثنان: أحدهما ثقة والآخر ضعيف بس، ينبه عليه؛ لكثرة الوقوع فيه؛ ولأهميته في دراسة الأسانيد، وفي الأعلام أيضا. كذلك مثلا: يأتي الباحث ... -وهذا مثلا قول علقمة- يأتي الباحث مباشرة ويترجم … ؛ لأنه في ذهنه علقمة بن وقاص الليثي وهو غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 وهكذا في الفقهاء، وشخص يروي في اللغة نحن نعرف في اللغة، نحن نعرف في اللغة تلقى في لسان العرب: وقال الليث، وقال الليث، وقال الليث. المتقرر عند طلبة الحديث الليث من هو؟ اثنان، أيضا يقع بينهما اشتباه، إما الليث بن سعد أو الليث بن أبي سليم، وكثير من الباحثين يخلط بينهما، وأحدهما في غاية من الثقة والآخر ضعيف، لكن الذي في اللغة هذا غيرهما، شخص ثالث. المهم ينظر طالب العلم في هذا ولا يستعجل، يتأنى. ولذلك للتمييز طرق يسلكها الباحثون، وربما احتاج إليها الباحث جميعا أو إلى بعضها، وربما في بعض الأحايين يتوقف كما في صيح البخاري، يقول البخاري: حدثنا أحمد، فتجد الأئمة على أربعة أقوال: منهم من يقول: أحمد بن فلان، ومنهم من يقول: أحمد بن فلان. أو يقول: حدثنا إسحاق أو يقولون: حدثنا يعقوب وفي مشايخه عدد من هؤلاء. فأحيانا الباحث … يعني العلماء يقولون: هذا لا يؤثر إذا كانوا كلهم ثقات، وإنما التأثير -كما ذكر الخطيب قاعدة: إذا كانوا كلهم ضعفاء، أو كلهم ثقات هذا لا يؤثر، وإنما يؤثر إذا كان أحدهم ثقة والآخر ضعيفا، ودائما القاعدة عند العلماء: أنه إذا لم يتميز فالحكم لمن يكون الآن؟ إذا لم يتميز هل هو ثقة أو ضعيف؟ فالحكم للضعيف، دائما يغلب جانب الرد. نعم اقرأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 النوع الخامس والخمسون: الأسماء المتشابهة في الرسم النوع الخامس والخمسون: نوع يتركب من النوعين قبله، وللخطيب البغدادي فيه كتابه الذي وسمه بـ "تلخيص المتشابه في الرسم" مثاله موسى بن عَلي بفتح العين، جماعة موسى بن عُلي بضمها مصري يروي عن التابعين، ومنه المخرّمي، والمخرَمي. ومنه ثور بن يزيد الحمصي وثور بن زيد التبلي الحجازي، وأبو عمرو الشيباني النحوي: إسحاق بن مرار، ويحيى بن أبي عمرو الشيباني. عمرو بن زرارة النيسابوري شيخ مسلم، وعمرو بن زرارة الحددي يروي عنه أبو القاسم البغوي. نعم هذا قول.. يقولون: إنه يتركب من الاثنين قبله ..... هذه من الأشياء التي قال ابن كثير -رحمه الله-: إن ابن الصلاح أكثر من التنويع، وبعضها يمكن ضمه إلى بعض، مر بنا مثال، وهذا مثال متركب من الذي قبله، يعني: متشابهان في ... ، يعني الاسم … شخصان يكون لهما اسم واحد ولكن بينهما فرق من جهة الضبط، مثل: موسى بن علي جماعة، وموسى بن علي، في صورة الحرف يشتبهان، ولكن بينهما تفريق من جهة الضبط. فهذا نوع من الذي قبله، تشابهٌ في الاسم بين اثنين، وأيضا تشابه بين اسميهما واسم والديهما في صورة الخط ومع الاختلاف في الضبط. هذا نوع يتركب من النوع قبله، ولا إشكال ... ، كان يمكن ذكره مع أحدهما. النوع السادس والخمسون: معرفة المتشابهين في الاسم واسم الأب والنسبة النوع السادس والخمسون: في صنف آخر مما تقدم، ومضمونه في المتشابهين في الاسم واسم الأب ونوع النسبة، مع المفارقة في المقارنة: هذا متقدم وهذا متأخر. مثاله: يزيد بن الأسود الخزاعي صحابي، ويزيد بن الأسود الجرشي، أدرك الجاهلية وسكن الشام وهو الذي استقى به معاوية -رضي الله عنه. وأما الأسود بن يزيد فذاك تابعي من أصحاب ابن مسعود -رضي الله عنه. الوليد بن مسلم الدمشقي تلميذ الأوزاعي وشيخ الإمام أحمد، ولهم آخر بصري تابعي. فأما مسلم بن الوليد رباح فذاك مدني يروي عنه الداروردي، وقد وهم البخاري في تسميته له في تاريخه بالوليد بن مسلم، والله أعلم. قلت: وقد اعتنى شيخنا الحافظ المزّي في تهذيبه في بيان ذلك، وميزت المتقدم والمتأخر من هؤلاء بيانا حسنا، وقد زدت عليه أشياء حسنة في كتابي "التكميل" ولله الحمد. نعم هذا نوع داخل أيضا في … ليس في الذي قبله، في النوع الرابع والخمسين، ويفصله عنه أن بين الشخصين تمايزا بأن يكون هذا متقدم الطبقة وهذا متأخر الطبقة،. ولكن قد يقع هذا أيضا فيه اشتباه، وقفت على باحث مثلا جاء إلى المسعودي صاحب "مروج الذهب" -متأخر جدا ........ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 معروف في القرون المتأخرة- لكن لما أراد أن يترجم له ترجم للمسعودي الذي هو من أهل القرن الثاني أحد الرواة المعروف، عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، الذي أكثر ما يشتهر يقال له: المسعودي، فهذا بينهما خمس مائة سنة أو أكثر، ومع هذا يقع بعض الباحثين. فهذا أشنع، إذا وقع من باحث فهو أيضا أشنع من الوقوع في الاختلاط أو ومن وقوع الاشتباه على الباحث في النوع الذي تقدم. وتجد في "تهذيب الكمال" يقول ابن كثير يقول: إن المزي اعتنى بهذا يعني اعتنى بالذي قبله واعتنى بهذا أيضا، يذكرون ... وأحيانا يروون في تهذيب الكمال وفي تهذيب التهذيب أشخاصا ليسوا من رواة الكتب الستة، ويكتبون قبلهم تمييزا أو بعدهم، والمقصود بكلمة تمييز أنني أميزه، يقول: إنني أميزه، يقول المؤلف: أنا ذكرت هذا؛ ليس لأنه من رواة الكتب الستة؛ ولهذا ليس أمامه رمز: (جيم) مثلا (خاء) كذا. فالمقصود من ذكره إذًا هو تميزه عن راو ورد في الكتب الستة، وربما ذكروا ثلاثة أو أربعة أو خمسة، كلهم بالتمييز، فالمقصود به لا يختلط هذا على الباحث، ويتأكد من هو الذي عنده. نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 النوع السابع والخمسون: معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم المنسوبون إلى أمهاتهم النوع السابع والخمسون: معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم وهم أقسام: أحدها المنسوبون إلى أمهاتهم، كمعاذ ومعوذ ابنا عفراء الذين أثبتا أبا جهل يوم بدر، وأمهم هذه عفراء بنت عبيد، وأبوهم الحارث بن رفاعة الأنصاري، ولهم آخر شقيق لهما عوذ يقال له: عون وقيل عود والله أعلم. بلال بن حمامة المؤدب أبوه: رباح. ابن أم مكتوم الأعمى المؤذن أيضا، وقد كان يؤم أحيانا عن رسول - صلى الله عليه وسلم - في غيبته، قيل: اسمه عبد الله بن زائدة، وقيل: عمرو بن قيس، وقيل: غير ذلك. عبد الله بن نسبية، وقيل: الأسبية، صحابي سهيل بن بيضاء وأخواه منها: سهل بن صفوان، واسم بيضاء: دعد، واسم أبيهم: وهب ..... شرحبيل ابن حسنة: أحد أمراء الصحابة على الشام، هي أمه. أبو عبد الله بن المطاع الكندي، وعبد الله ابن بحينة، وهي أمه، وأبوه: مالك بن خشب الأسدي. سعد ابن حبسة، هي أمه، وأبوه بجير بن معاوية. ومن التابعين فمن بعدهم:محمد ابن الحنفية واسمها خولة، وأبوه: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. إسماعيل ابن علية، هي أمه، وأبوه إبراهيم بن حيوة أحد أئمة الحديث والفقه ومن كبار الصالحين. قلت: فأما ابن علية الذي يعزو إليه كثير من الفقهاء فهو إسماعيل بن إبراهيم هذا، وقد كان مبتدعا يقول بخلق القرآن. ابن هراسة: هو أبو إسحاق إبراهيم بن هراسة، قال الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري: هي أمه، واسم أبيه سلمة. ومن هؤلاء ما قد ينسب إلى جدته كيعلى ابن منية قال الزبير بن بستر: هي أم أبيه أمية. وبشير ابن خصاصية، اسم أبيه معبد والخصاصية أم جده الثالث. قال الشيخ أبو عمرو: ومن أحدث ذلك عهدا شيخنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي البغدادي يعرف بابن سكينة، وهي أم أبيه. قلت: وكذلك شيخنا العلامة أبو العباس ابن تيمية -رحمه الله تعالى- هي أم أحد أجداده الأبعدين وهو أحمد بن عبد الحميد بن عبد السلام بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني، ومنهم من ينسب إلى جده. نعم، هذا النوع: معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم هذا ... ذكر ابن كثير أو تبعا لابن الصلاح: أنه على أنواع أو على أقسام: أحدها المنسوبين إلى الجماعة من الرواة والعلماء والصحابة وغيرهم، ينسبون إلى أمهاتهم. ينسب الشخص أحيانا إلى أمه، إما لفضلها وإما لاشتهارها باسم نادر، وإما بكونه له مثلا أخ يعرف أيضا بمحمد، أو يعرف … -يعني- يشتركان في الاسم، فيميزان أو يميز بينهما في النسبة إلى الأم، هذا من أم وهذا من أم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 المهم ذكروا عددا من الرواة ومن العلماء الفضلاء ينسبون إلى أمهاتهم، لكن ينبهنا إسماعيل ابن علية، هي أمه، وأبوه إبراهيم وهو أحد أئمة الحديث والفقه ومن كبار الصالحين. ثم قال: قلت فأما ابن علية الذي يعزوا إليه كثير من الفقهاء فهو إسماعيل بن إبراهيم هذا، وقد كان مبتدعا يقول بخلق القرآن. ما الفرق بينهما إذًا؟ بعض الباحثين كأحمد شاكر، يظن أن هو واحد ولكنه قال فيه ابن كثير: وكان مبتدعا يقول بخلق القرآن؛ لأنه بدت منه هفوة، فأجاب بفتنة خلق القرآن، لكن هذا خطأ ليس هذا هو المراد، لا يمكن أن يقول فيه ابن كثير هكذا؛ لأنه تاب رحمه الله. وإنما هذا مقلوب، هو إبراهيم بن إسماعيل، هذا تصححونه، المقصود إبراهيم بن إسماعيل، هذا معروف، ولده إسماعيل اسمه إبراهيم وهو من المعتزلة. نعم، معتزلي، وينسب إليه بعض الأقوال الشاذة إما في الفقه أو في العقائد، لكن هذا كأنه فيه قلب، والله أعلم. ما أدري هل عندكم على الصواب؟ … . نعم هذا معروف ومعروف إسماعيل بن إبراهيم هذا الذي يعرف بابن علية حقيقة، يأتي في الأسانيد باسم إسماعيل ابن علية ويأتي باسم إسماعيل بن إبراهيم كثيرا. فهذا شيخ الإمام أحمد ومن الحفاظ الكبار الثقات الذين لا يكادون يخطئون، هذا إسماعيل، وأما ولده إبراهيم فهذا هو المعتزلي الذي يقول ابن كثير إنه مبتدع. نعم يا شيخ. من ينسب إلى جده ومنهم من ينسب إلى جده كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين وهو راكب على البغلة يركبها إلى نحر العدو وهو ينوه باسمه يقول: ? أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ? وهو رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. وكأبي عبيدة بن الجراح: وهو عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري أحد العشرة أول من لقب بأمير الأمراء بالشام وكانت ولايته بعد خالد بن الوليد -رضي الله عنهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 مجمع بن جريد: وهو مجمع بن يزيد بن جارية بن جرير، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريد بن أبي دير، محمد بن عبد الرحمن بن أبي دير. أحمد بن حنبل: هو أحمد بن حنبل الشيباني أحد الأئمة. أبو بكر بن أبي شيبة: هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عتمان العبسى صاحب المصنف، وكذا أخواه عثمان الحافظ، والقاسم أبو سعيد بن يونس، صاحب تاريخ مصر: هو عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن الأعلى الصدفي. ومما ينسب إلى غير أبيه: المقداد ابن الأسود: وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي. البهراني: وهو الأسود أبو عبد يغوث الزهري وكان زوج أمه وهو ربيبه فتبناه فنسب إليه. الحسن ابن دينار: هو الحسن بن واصل، ودينار زوج أمه، وقال ابن أبي حاتم: الحسن ابن دينار بن واصل. نعم. ابن كثير - رضي الله عنه - افتتح هذا النوع بقوله: وهم أقسام أحدها، ولم يذكر الثاني ولا الثالث، لم يذكر الأقسام الأخرى بهذا العنوان. الثاني وهو قوله: ومنهم من ينسب إلى جده الأول ينسب إلى أمه والثاني من ينسب إلى جده، جماعة من الرواة نسبوا إلى أجدادهم، مثل مثلا مثّل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ليس من الرواة، ولكن هو ابتدأ التمثيل به تيمنا وتبركا، وكذلك أبو عبيدة بن الجراح، هو عامر بن عبد الله بن الجراح. يعني يكون للراوي أو للصحابي جد متميز الاسم فينسبوه إليه، ويحذفون الأسماء المشهورة، مثل علي بن زيد بن جدعان، يقال له: على بن الجدعان، والجدعان هذا هو جد له بعيد. هكذا يعرف بهذا؛ لأن أحد الأسماء مثلا اسم جده أو اسم جد جده فيه غرابة فيشتهر بهذا، والمقصود بهذا أنه إذا ورد عندك منسوبا إلى جده هذا يشكل على الباحثين عند البحث عن اسمه، كما نعرف أن كتب التراجم مرتبة على الاسم الأول، ثم الاسم الثاني، ثم الاسم الثالث، وهكذا، وربما يتعب الباحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 مثل: أحمد بن عبد الله بن يونس، هذا معروف من شيوخ البخاري، كثيرا جدا ما يرد باسم أحمد بن يونس فقط. فلو ذهبت تبحث ... ، ولكن العلماء -رحمهم الله تعالى- يقولون: أحمد بن يونس: انظره في أحمد بن عبد الله بن يونس، ولكن ربما بعض الكتب لا يوجد فيها هذا، كتب الجرح والتعديل لا يوجد فيها هذا، يوجد في الكتب المتأخرة مثل تهذيب التهذيب أن يبينوا الاسم الذي اشتهر ويحيلونك إلى الاسم الذي هو الاسم الحقيقي. الصنف الثالث: أو القسم الثالث: هو قوله: "وممن نسب إلى غير أبيه: المقداد بن الأسود". أحيانا ينسب الشخص إلى غير أبيه، ربما في حالات نادرة، إما أنه زوج أمه أو تربى عنده أو نحو ذلك فينسب … وهذا … يقول العلماء: إن فيه تجوز، لكنه هو لا ينسب إلى غير أبيه؛ لأنه معروف في الحديث: ? أنه ملعون من انتسب إلى غير أبيه ? لكن هذا لا يقصد به النسبة التي هي الميراث، إنما هذه النسبة تعريفية فقط. نعم. النوع الثامن والخمسون: في النسَب التي على خلاف ظاهرها النوع الثامن والخمسون: في النسَب التي على خلاف ظاهرها، وذلك كأبي مسعود عقبة بن عمرو البدري زعم البخاري أنه ممن شهد بدرا، وخالفه الجمهور قالوا: إنما سكن بدرا فنسب إليها. سليمان بن طرحان التيمي لم يكن منهم، إنما نزل فيهم فنسب إليهم، وقد كان من موالي بني مرة. أبو خالد الدالاني بكر بن همذان، نزل فيهم أيضا وإنما كان من موالي بني أسد. إبراهيم بن يزيد الخوزي، إنما نزل شعب الخوز بمكة. عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي وهم بطن من فزارة، نزل في جبانتهم بالكوفة، محمد بن سنان العوكي بطن من عبد القيس، وهو باهلي، ولكنه نزل عندهم بالبصرة ..... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 أحمد بن يوسف السلامي، شيخ مسلم، وهو أزدي، ولكنه نسب إلى قبيلة أمه وكذلك حفيده أبو عمرو إسماعيل بن نجيد السلمي، حفيد هذا أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي، ومن ذلك مقسم مولى بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- للزومة له، وإنما هو مولى لعبد الله بن الحارس بن نوفل، وخالد الحذاء، إنما قيل له ذلك لجلوسه عندهم، ويزيد الفقير؛ لأنه كان يألم من فقار ظهره. يعني: هناك بعض الأنساب وبعض … ينسب الرواة إلى أنساب على خلاف ظاهرها، والمراد بكونها على خلاف ظاهرها، يعني أن الشخص لا ينسب إلى من ينسب إليه حقيقة، وإنما لسبب من الأسباب، قد يكون من قبيلة ولكنه نسب إلى قبيلة ثانية؛ إما أنها قبيلة أمه وتربى عندهم؛ وإما لكونه نزل فيهم أو قريبا منهم أو يتردد إليهم، فينسب لذلك. والمقصود من هذا أنك تعرفه فيما لو ينسب إلى قبيلته الأصلية … قد ينسب إلى قبيلته الأصلية أو بلده الأصلي أو إلى … يعني من ينسب إليه حقيقة، وقد ينسب إلى غير ما نسب إليه، أو غير ما ينتسب إليه، فلا يظن الظانّ أو الباحث أنهما اثنان وإنما هما شخص واحد اعتنى العلماء بهذا، يقولون: فلان من بني كذا، مثلا هذا العرزمي: بطن من فزارة نزل فيهم هذا عبد الملك بن أبي سليمان، وليس هو بعرزمي وإنما نزل فيهم، كما نعرف نحن والقبائل العربية حين مصرت الأمصار ماذا فعلوا؟ كل قبيلة اختصت لها مكانا تنزل فيه، فربما شخص من خارج هذه القبيلة نزل فيهم؛ لأنه -يعني- بعد أن استقروا وعاشوا عيشة الحضارة والمدن اختلطوا فربما من نزل فيهم وهو ليس منهم فينسب إليهم. وهذا كله … مثل خالد الحذاء إنما قيل له ذلك لجلوسه عندهم، والحذاء من هو؟ هو الذي يشتغل بالأحذية، لكنه يجلس عند الحذائين فنسب إليه يقال له: خالد الحذاء. ومنهم من يقول: إنه لقب بهذا؛ لأنه كان يقول كثيرا احذُ على هذا النحو، احذُ على هذا النحو، فلقب لتكراره هذه الكلمة بالحذاء. كذلك يزيد الفقير، ليس هو بفقير، وإنما هو كان يشكو فقار ظهره فلقب بذلك، ومثله يزيد بن الضال الذي مر … أو عبد الكريم الضال يعني هو ضال ولكن ليس من الضلالة المشهورة، ولكنه ضل في طريق مكة فلقب بالضال. فهذه أنساب على خلاف ظاهرها. نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 النوع التاسع والخمسون: في معرفة المبهمات من أسماء الرجال والنساء النوع التاسع والخمسون: في معرفة المبهمات من أسماء الرجال والنساء، وقد صنف في ذلك الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري، والخطيب البغدادي وغيرهما. وهذا إنما يستفاد من رواية أخرى من طرق الحديث، كحديث ابن عباس: ? أن رجلا قال: يا رسول الله، الحج كل عام؟ ? هو الأقرع بن حابس، كما جاء في رواية أخرى. وحديث بن سعيد: أنهم مروا بحي قد لدغ سيدهم فرقاه رجل منهم، هو أبو سعيد نفسه، في أشباه لهذا كثيرة يطول ذكرها. وقد اعتنى ابن الأسير في أواخر كتابه "جامع الأصول" بتحريرها، واختصر الشيخ محيي الدين النووي كتاب الخطيب في ذلك، وهو فن قليل الجدوى بالنسبة إلى معرفة الحكم من الحديث، ولكنه شيء يتحلى به كثير من المحدثين وغيرهم. وأهم ما فيه ما رفع إبهاما في إسناد، كما إذا ورد في سند عن فلان ابن فلان أو عن أبيه أو عمه، أو أمه، فورد تسمية هذا المبهم من طريق أخرى فإذا هو ثقة أو ضعيف أو ممن ينظر في أمره، فهذا أنفع ما في هذا. نعم، هذا النوع تعيين المبهمين في المتون أو في الأسانيد، قسمه ابن كثير إلى قسمين: … يقسمونه العلماء -رحمهم الله- إلى قسمين: المبهم في المتن، والمبهم في الإسناد. كثيرا ما يأتي المبهم في المتن، بأن يقول: قال رجل. ولا سيما إذا كان فيه منقبة، فإن الصحابي يريد التحديت بالحديث، ولكنه لا يريد أن يزكي نفسه، فلا يقول: جئت إلى النبي وقلت له كذا، وقال لي كذا، وإنما في الغالب أن يقول: قال رجل أو جاء رجل، وهذا معروف عنهم -رضي الله عنهم ..... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 فاشتغل العلماء ببيان ذلك، وصنف الخطيب البغدادي كتابا في بيان ذلك، اسمه: "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" هذا الكتاب مطبوع، وابن كثير -رحمه الله- عقب على هذا النوع بأنه قال: "فن قليل الجدوى بالنسبة إلى معرفة الحكم من الحديث، ولكنه شيء يتحلى به كثير من المحدثين وغيرهم ". هذه العبارة فيها نوع قسوة، هو مفيد حتى في استنباط الحكم من الحديث، لماذا هو مفيد؟ مفيد لمعرفة: هل هذه الواقعة لواحد أو لاثنين؛ لأنه أحيانا يختلف التوجيه أو يكون اختلاف في المعنى، فيبحث المجتهد حتى من جهة الحكم في معرفة هل هذه القصة لواحد أو لاثنين أو لثلاثة؟. مثل قصة ذي اليدين وغيرها، وهذا أمر مهم. وكذلك يستفيد منه أيضا في دراسة الأحاديث والحكم عليها؛ لأن بعض المحدثين إذا اختلفت الأسانيد يقول: هذا يحمل على أي شيء؟ على تعدد القصة. وقال: أحيانا الناظر في الحديث من جهة إسناده قد يتبين له أن القصة واحدة وقع فيها اختلاف في الإسناد، وهذا قول ابن كثير -رحمه الله-: "قليل الجدوى" يعني فيه … لكن هو يستفاد منه، مثلا لو أخذت قصة المستحاضة، ورد عدد من الأسماء المستحاضات وبينهما اختلاف في الحكم، فمعرفة: هل المستحاضة واحدة أو اثنتين أو ثلاثة؟ تفيد في رد بعض ألفاظ الأحاديث إلى بعض متى عرف أن القصة واحدة لم تتكرر. فهذه فائدته من جهة الحكم، وله فائدة من جهة الأسانيد أيضا والتعليل، كثيرا ما يعلل به المحدّثون أو كثيرا ما يستفيد منه المحدّثون والباحثون في التعليل أيضا في تصحيح الحديث وتضعيفه. أما القسم الثاني: فلا شك في فائدته التي هي الإبهام في الإسناد، أحيانا يقولون: عن رجل، يأتي معرفا، يعرف من هو؟ لتعرف درجته، هل هو ثقة أو ضعيف؟ وقد ألف فيه العلماء أيضا ولأبي زرعة، إذا قيل: أبو زرعة، من هو؟ هو الرازي، لكن هذا أبو زرعة العراقي، متأخر ولد العراقي المعروف، يقال له: ابن العراقي له كتاب اسمه "المستفاد من معرفة المبهمات في المتن والإسناد" كتاب لخص به الكتب التي قبله، كتاب الخطيب وجمع بين المبهم في المتن والمبهم في الإسناد. نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 النوع الموفي الستين: معرفة وفيات الرواة ومواليدهم ومقدار أعمارهم النوع الموفي الستين معرفة وفيات الرواة ومواليدهم ومقدار أعمارهم؛ ليُعرف من أدركهم ممن لم يدركهم من كذاب أو مدلس فيتحرر المتصل والمنقطع وغير ذلك. قال سفيان الثوري: لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التأريخ، وقال حفص بن غياث: إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين. وقال الحاكم: لما قدم علينا محمد بن حاتم الكشي فحدث عن عبد بن حميد، سألته عن مولده، فذكر أنه ولد سنة ستين ومائتين، وقلت لأصحابي: إنه يزعم أنه سمع منه بعد موته بثلاث عشرة سنة. قال ابن الصلاح: شخصان من الصحابة عاش كل منهما ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام: وهما حكيم بن حزام، وحسان بن ثابت -رضي الله عنهما. وحكي عن بن إسحاق أن حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام عاش كل منهما مائة وعشرون سنة. قال الحافظ أبو نعيم: ولا يعرف هذا لغيرهم من العرب، قلت وقد عمر جماعة من العرب أكثر من هذا، وإنما أراد أن أربعة نسقا، -يعني حسان ووالده ووالد والده وجدهم، الأربعة هؤلاء عاشوا كل منهم مائة وعشرين سنة، هذا معنى قوله، إنما أراد أربعة نسقا.- قلت وقد عمر جماعة من العرب أكثر من هذا، وإنما أراد أن أربعة نسقا يعيش كل منهم مائة وعشرين سنة، لم يتفق هذا في غيرهم ..... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 وأما سليمان الفارسي فقد حكى العباسي بن يزيد البحراني بإجماع على أنه عاش مائتين وخمسين سنة، واختلفوا في من زاد على ذلك إلى ثلاث مائة وخمسين سنة، وقد أورد الشيخ أبو عمرو بن الصلاح -رحمه الله- وفيات أعيان من الناس: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة على المشهور، يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وأبو بكر عن ثلاثة وستين أيضا في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة، وعمر - رضي الله عنه - عن ثلاثة وستين أيضا من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين. قلت: وكان عمر أول من أرخ التاريخ الإسلامي بالهجرة النبوية من مكة إلى المدينة، كما بسطنا ذلك في سيرته وفي كتابنا: "التاريخ"، وكان أمره بذلك في سنة ست عشرة من الهجرة. وقتل عثمان بن عفان وقد جاوز الثمانين، وقيل بلغ التسعين سنة في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين. وعليّ: في رمضان سنة أربعين عن ثلاث وستين في قول، وطلحة والزبير قتلا يوم الجمل سنة ست وثلاثين، قال: الحاكم وسن كل منهما أربع وستون سنة. وتوفي سعد عن ثلاث وسبعين، سنة خمس وخمسين، وكان آخر من توفي من العشرة. وسعيد بن زيد: سنة إحدى وخمسين، وله ثلاث أو أربع وسبعون، وعبد الرحمن بن عوف: عن خمس وسبعين، سنة اثنتين وثلاثين. وأبو عبيدة: سنة ثماني عشرة وله ثمان وخمسون -رضي الله عنهم أجمعين-. وأما العبادلة: فعبد الله بن عباس: سنة ثمان وستين، وابن عمر وابن الزبير: في سنة ثلاث وسبعين، وعبد الله بن عمرو: سنة سبع وستين. وأما عبد الله بن مسعود فليس منهم، قاله أحمد بن حنبل، خلافا للجوهري حيث عده منهم، وقد كانت وفاته سنة إحدى وثلاثين. قال ابن الصلاح: الثالث: أصحاب المذاهب الخمسة المتبوعة: سفيان الثوري: توفي بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة وله أربعة وستون سنة، وتوفي مالك بن أنس بالمدينة سنة تسع وسبعين ومائة وقد تجاوز الثمانين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 وتوفي أبو حنيفة البغدادي سنة خمسين ومائة وله سبعون سنة، وتوفي الشافعي محمد بن إدريس بمصر سنة أربعة ومائتين عن أربع وخمسين سنة. وتوفي أحمد بن حنبل ببغداد سنة إحدى وأربعين ومائتين، عن سبع وسبعين سنة. قلت: وقد كان أهل الشام على مذهب الأوزاعي نحوا من مائتي سنة، وكانت وفاته سنة سبع وخمسين ومائة ببيروت من ساحل الشام، وله من العمر سبعون سنة. وكذلك إسحاق بن راهويه، فقد كان إماما متبعا، له طائفة يقلدونه ويجتهدون على مسلكه، يقال لهم: الإسحاقية، وقد كانت وفاته سنة ثمان وثلاثين ومائتين، عن سبع وسبعين سنة. قال ابن الصلاح: الرابع: أصحاب كتب الحديث، الخمسة: البخاري: ولد سنة أربع وتسعين ومائة، ومات ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين في قرية يقال لها: خاتلة. ومسلم بن الحجاج: توفي سنة إحدى وستين ومائتين عن خمس وخمسين سنة. أبو داود: سنة خمس وسبعين ومائتين. الترمذي: بعده بأربع سنين سنة تسع وسبعين. أبو عبد الرحمن النسائي: سنة ثلاث وثلاث مائة. قلت: وأبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني صاحب السنن التي كمل بها الكتب الستة؟ السنن الأربعة بعد الصحيحين التي اعتنى بأطرافها الحافظ بن عساكر، وكذلك شيخنا الحافظ المزي اعتني برجالها وأطرافها، وهو كتاب التبويب في الفقه، وقد كانت وفاته سنة ثلاث وسبعين ومائتين -رحمهم الله. قال: الخامس: سبعة من الحفاظ انتفع بتصانيفهم في أعصارنا: أبو الحسن الدارقطني: توفي سنة خمس وثمانين وثلاث مائة، عن تسع وسبعين سنة. الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: توفي في صفر سنة خمس وأربعة مائة وقد تجاوز الثمانين. عبد الغني بن سعيد المصري: في صفر سنة تسع وأربعمائة بمصر، عن سبع وسبعين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 الحافظ أبو نعيم الأصفهاني، سنة ثلاثين وأربعمائة، وله ستٍ وتسعون سنة، ومن الطبقة الأخرى: الشيخ أبو عمرو النمري، توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة، عن خمسٍ وتسعين سنة، ثم أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، توفي بنيسابور سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، عن أربع وسبعين سنة، ثم أبو بكر أحمد بن علي "الخطيب البغدادي"، توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة، عن إحدى وسبعين سنة. قلت: "وقد كان ينبغي أن يذكر مع هؤلاء جماعة اشتهرت تصانيفهم بين الناس، ولا سيما عند أهل الحديث كالطبراني، وقد توفي سنة ستين وثلاثمائة، صاحب المعاجم الثلاثة وغيرها، والحافظ أبي يعلى الموصلي، توفي سنة سبع وثلاثمائة، والحافظ أبي بكرٍ البزار، توفي سنة اثنتين وتسعين ومائتين، وإمام الأمة محمد بن إسحاق بن خزيمة، توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة "صاحب الصحيح"". وكذلك أبو حاتم محمد بن حبان البستي "صاحب الصحيح" راوٍ أيضا، وكانت وفاته سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، والحافظ أبو حمد بن عدي صاحب "الكامل"، توفي سنة سبع وستين وثلاثمائة. نعم، هذا الفن من أجل الفنون "علوم الحديث"، وله صلة بأمور متعددة، الذي هو فن الوفايات، وقد اعتنى به الأئمة -رحمهم الله تعالى- عناية كبيرة جدا، فبحثوا عن وفاة كل راو، إما على سبيل التحديد بأن يُقال: تُوفي سنة كذا. وإما على سبيل التقريب بأن يُقال: تُوفي نحو كذا، أو بعد الخمسين، أو قبل الخمسين. والبخاري -رحمه الله- في كتابه "الأوسط"، الذي يُقال إنه طبع باسم "التاريخ الصغير"، قسم ... يعني جعل كل عشر سنوات فصلا، ويُورد فيه بعض الرواة، إما على التحديد، وإما على التقريب، يعني ثابت أنه توفي بين والخمسين ومائة مثلًا، والستين والمائة، وفائدة ... وكذلك أيضا معرفة وفايات أصحاب الكتب المطبوعة، أصحاب المذاهب المطبوعة، وأصحاب الكتب المعروفة، والمؤلفين. وفائدة هذا الفن أمران: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 أولهما، أو نعم أولهما: في دراسة الأسانيد. يستفاد منه في الاتصال والانقطاع، كما نقل ابن كثير عن جماعة من الأئمة، أنهم يستعينون بالتاريخ، يعني أمران ... طيب ... نستفيد منه في أمرين يتعلقان بدراسة الأسانيد. الأمر الأول: هو اختبار الراوي، معرفة صدقه من كذبه. الأئمة إذا جاءهم راوٍ لا يعرفونه، يحدث عن شيوخ، يسألونه متى ولد هو؟ أحيانا الشيخ … كثير من هؤلاء الذين لا يتقنون، ربما يذكر اسم ولادته، يعني: لا يكذب فيه، ثم ينظر الأئمة في وفاة شيوخه، فإذا هو لم يدركه فيعرفون أنه حينئذٍ: إما مُخلط وإما أنه كذاب، فهذا معنى قول سفيان الثوري مَثَلًا: "لما استعمل الرواة الكذب، استعملنا لهم التاريخ". ويجازف ويروي عن فلان وفلان وفلان، فمثلًا يأتونه ويسألونه عن ولادته، ويقارن منها بوفاة شيوخه، وكثيرا ما يفتضح الرواة بهذا، كما قال الحاكم هنا: إنه يزعم أنه سمع منه بعد موته بثلاث عشرة سنة. الأمر الآخر، وهو الأكثر أهمية بالنسبة لدراسة الرواة: أن نستفيد بمعرفة الوفايات في معرفة الاتصال والانقطاع، ولا سيما بين الصحابة والتابعين، أو بين التابعين وتابعي التابعين، فإذا جاءك راوٍ يروي عن ابن مسعود مثلًا، أول ما يعني تسلكه في معرفة هل سمع منه؟ أن تنظر في ولادته، وفي وفاة من؟ عبد الله بن مسعود، فيقولون: فلان لم يدرك فلانا؛ لأن ولادته سنة كذا، وفلان توفي أو مات سنة كذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 وهذا مهم جدا، بل يعني الاتصال والانقطاع قائم عليه حقيقة، أو أحد أعمدته معرفة الوفايات، ولكن يُشكل على هذا أمر مهم، وهو أن بالنسبة للمتقدمين، يعني: الطبقات المتقدمة في الصحابة والتابعين، يقع الاختلاف كثيرا في تحديد سنة الوفاة، فليست الأمور ميسرة دائما، ليست الأمور ميسرة، حتى بعض الصحابة المشهورين اختلف في سنة وفاتهم، بل إن بعضهم أحيانا يقولون: توفي في عهد رسول الله. وبعضهم يقول: عاش إلى عهد معاوية. يعني الفارق الآن كبير جدا، فليست الأمور ميسرة دائما. أحيانا يحتاج الباحث إلى البحث في الوفاة، هذه نفسها، وفي الوفاة نفسها، وفي الترجيح بين التواريخ التي تذكر لشخص واحد، لوفاة شخص واحد، الأمر الذي يستفيد منه أيضا في معرفة وفايات المشهورين، هو الترتيب التاريخي، نحن مثلًا نوصي طلبة العلم بالنسبة لـ … ، حينما تريد أن تورد أقوال أئمة الجرح والتعديل، من طرق إيراد أقوال أئمة الجرح والتعديل: أن تذكرها مرتبة على الوفايات، حين تريد أن تنقل أقوال العلم في حديث ما، يحسن بالباحث أن -يعني- يكون منظما، أن يكون منظما إذا أراد أن ينقل أقوال الأئمة، فيُحسِن أن ينقل كلام ابن تيمية على حديث، ثم بعده ينقل كلام الإمام أحمد، أو ينقل كلام ابن عبد البر، ثم ينقل بعده كلاما لأبي حاتم أو الترمذي. فالباحث أحيانا يكون أمامه ... إذا لم يكن يحفظ، والأحسن به أن يحفظ، الأولى به أن يحفظ تواريخ الوفايات هذه، لكن من الممكن أن يكون أمامه قائمة بوفايات الأئمة؛ ولأجل أن يرتبهم تاريخيا، حين ينقل أقوالهم في الجرح والتعديل، في الكلام على الرواة، في الكلام على الأحاديث تصحيحا وتضعيفا، أو هكذا لتعين الأحاديث في فقه الحديث أيضا كذلك، يعني يكون لديه تميز ولا … ، لأنه كثيرا ما يكون لقول قد تجاوزه الأئمة، يعني: اعتمد بعضهم فيها على بعض، هذا هو المقصود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 هنا بعض التنبيهات على ... هو قال ابن الصلاح: أصحاب المذاهب الخمسة المتبوعة ... بدأهم بمن؟ بدأهم بسفيان الثوري. سفيان الثوري له مذهب، عاش بعده فترة من الزمن، ويُقال: ذكرهم الذهبي في "سير أعلام النبلاء". يُقال لهم: "الثوريون". يُنسبون إلى سفيان الثوري، ثم انقرض هذا المذهب، وكذلك ذكر ابن كثير الأوزاعي، عنده أصحاب يفتون على مذهبه في الشام، وإسحاق بن راهويه، ثم انقرضت هذه ... وأبو ثور كذلك صاحب الشافعي، كان له مذهب أيضا. فهؤلاء من العلماء -رحمهم الله- لهم مذاهب عاشت فترة من الزمن، طويلة أو قصيرة، ثم انقرضت. قول ابن الصلاح: "الكتب الخمسة". كانت الكتب خمسة في الأول المشهور المنسوخ، ثم زادوا سادسا، منهم من يزيد "الموطأ"، ومنهم من يزيد "سنن الدرامي"، واستقر العمل بعد ابن طاهر المقدسي، على إضافة "سنن ابن ماجة" -رحمه الله تعالى- سادسا للكتب الستة، واستقر العمل بعد هذا عليه، استقر العمل مثلا في "تحفة الأشراف"، في "تهذيب التهذيب"، كل العمل على الكتب الستة، يقال له الكتب الستة إلى وقتنا. أما في السابق فكان يُقال له: "الكتب الخمسة". وحتى يعني إذا قال: الستة. ربما يعني بعضهم يجعل السادس هو "سنن الدرامي"، وبعضهم يجعله "الموطأ"، مثل "جامع الأصول"، "جامع الأصول" لابن الأثير ليس فيه سنن ابن ماجة، وإنما فيه موطأ مالك، جعل سادسها موطأ مالك، وهذا اصطلاح يعني فقط يعرفه طالب العلم. هنا قال الشيخ أبو عمر النمري ... هذا هو ابن عبد البر، معروف بابن عبد البر، لكن هو ما ذكره بلقبه المعروف به، هذا هو ابن عبد البر صاحب "التمهيد"، وصاحب "الاستيعاب" وغيرها من الكتب. نعم أقرأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 النوع الحادي والستون: معرفة الثقات والضعفاء من الرواة وغيرهم النوع الحادي والستون: معرفة الثقات والضعفاء من الرواة وغيرهم. وهذا الفن من أهم العلوم وأعلاها وأنفعها، إذ به تعرف صحة سند الحديث من ضعفه، وقد صنف الناس بذلك قديما وحديثا كتبا كثيرة، من انفعها كتاب لابن أبي حاتم، ولابن حبان كتابان نافعان، أحدهما في الثقات والآخر في الضعفاء، وكتاب "الكامل" لابن عدي، والتواريخ المشهورة، ومن أجّلَّها "تاريخ بغداد" للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب، و"تاريخ دمشق" للحافظ أبي القاسم بن عساكر، وتهذيب شيخنا الحافظ أبي الحجاج المذي، وميزان شيخنا الحافظ أبي عبد الله الذهبي، وقد جمعت بينهما، وزدت في تحرير الجرح والتعديل عليهما في كتاب، وسميته "التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل"، وهو من أنفع شيء للفقيه البارع، وكذلك للمحدث. وليس الكلام في جرح الرجال على وجه النصيحة لله ولرسوله ولكتابه وللمؤمنين بغيبة، بل يثاب بتعاطي ذلك، إذا قصد به ذلك، وقد قيل ليحيى بن سعيد القطان: "أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم، خصماؤك يوم القيامة؟ " قال: "لأن يكون هؤلاء خصمائي، أحب إلي من أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خصمي يومئذٍ، يقول لي: لم تذب عن حديثي؟ " ..... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 وقد سمع أبو ذراب النخشبي أحمد بن حنبل، وهو يتكلم في بعض الرواة فقال له: "أتغتاب العلماء؟! " فقال له: "ويحك هذه نصيحة ليس يقال هذا غيبة". ويُقال: إن أول من تصدى للكلام في الرواة شعبة بن حجاج، وتبعه يحيى بن سعيد القطان، ثم تلامذته: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وعامر بن فلاس وغيرهم، وقد تكلم في ذلك مالك وهشام بن عروة، وجماعة من السلف، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: ? الدين النصيحة ? وقد تكلم بعضهم في غيره فلم يعتبر؛ لما بينهما من العداوة المعلومة، وقد ذكرنا من أمثلة ذلك: كلام محمد بن إسحاق في الإمام مالك، وكذا كلام مالك فيه، وقد وسع السهيلي القول في ذلك، وكذلك كلام النسائي في أحمد بن صالح المصري، حين منعه من حضور مجلسه. نعم، هذا الموضوع معرفة الثقات، أو هذا النوع معرفة الثقات والضعفاء من الرواة وغيرهم، هذا -يعني- من الترتيب غير المناسب في كتاب ابن الصلاح، وهذا كان حقه أن يُوضع إلى جنب النوع السابق، يعني الذي مر قبل ... يعني قبل عدة أنواع، قبل أنواع كثيرة، وهو معرفة من تُقبل روايته، معرفة من تُقبل روايته ومن ترد، يعني كأنه هناك يُقال لك ... أو كأنه يقول سؤالا: كيف نعرف جرح الراوي وتعديله؟ أو من أين نأخذ … ولا سيما بعد أن تكلم ابن الصلاح على ما في الكتب، وأنها يأتي بها أبطال أئمة الجرح والتعديل، يعني: غير مفسره؟ فيُذكر هنا أين يوجد جرح الرواة وتعديلهم، فيعني هذا هو المكان المناسب له، ثم تكلم ابن كثير -رحمه الله- على أنواع التصنيف في هذا، منهم من ألف في الثقات، ومنهم من ألف في الضعفاء، ومنهم من ألف كتابا مختلطًا يجمع بين الثقات والضعفاء، مثل كتاب: "التاريخ الكبير"، وكتاب "الجرح والتعديل"، ومنهم من كتابه خاص بكتابٍ معين، أو بكتبٍ معينة، أو بأهل بلدٍ معين، فهذه كلها مؤلفات قُصد بها معرفة درجة كل راوٍ؛ من أجل الحكم عليه وعلى حديثه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 وذكر ابن كثير -رحمه الله-: أنه جمع بين كتابي شيخيه المذي "تهذيب الكمال"، والذهبي في "ميزان الاعتدال". جمع بينهما في كتاب له سماه: "التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل". ثم تكلم ابن كثير على قضايا تتعلق بالجرح والتعديل، منها أنه ليس بغيبة، وهذا مر بنا مر، أعاد الكلام فيه ابن كثير مرة أخرى، ومن المسائل التي تتحدث عنها: من أول من تكلم في هذا العلم؟ هو يقول: "ويُقال: إن أول من تصدى … "، وقوله: "يتصدى" هذه، تختلف عن قوله: "أول من تكلم". لأن أول من تصدى يقولون: شُعبة. ومعنى تصدى، يعني: قصد وتميز وفرغ نفسه لهذا الشيء، وتخصص به، مثلما نقول. شعبة ومعه مالك، وبعده بقليل مالك، هما اللذان أكثرا من الخلاف بالرواة، وتابعهم الناس بعد ذلك وأصبح هذا الفن ... أو أصبح الجرح والتعديل فنا مستقلًا بذاته، وإلا فالكلام كما ذكر ابن كثير قد سبقهما. من الصحابة من تكلم في بعض التابعين، ومن التابعين من تكلم في يعني ابن سيرين، وجماعة تكلموا في الرواة، لكنه كان على النذر اليسير، ثم ما زال يتوسع قليلًا قليلًا حتى وصل إلى شعبة، فأوسع القول فيه، وتبعه تلامذته: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع، وجماعة ممن تكلموا في الرواة، ثم انتشر بعد ذلك وأُلِفت فيه المؤلفات. أشار ابن كثير -رحمه الله-، إلى أن بعض الكلام في الجرح والتعديل، أحيانا يكون على وجه -يعني- الخصومة، وهذا ليس بالكثير بحمد الله تعالى، ليس بالكثير، هو قد يقع، وهذا يدلك على ... مثلما نقول: وقع عليه الصحابة رضوان الله عليهم. أنه يدلك على أنهم بشر، يعني مثلًا الآن يقول بعض الباحثين: إن الإسلام مثلًا لا يمكن تطبيقه، إن الذين طبقوه أُناس مثاليون. هذا يدندن به؛ لأنهم ما تركوا وسيلة لحجب الإسلام عن التطبيق العملي، أو عن الناس إلا سلكوه، منهم من يسلك هذا، ومنهم من يسلك هذا، منهم من يقول أختبئ … يعني المهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 فنحن نستفيد مما وقع بينهم؛ لإدراك أن هؤلاء -رضوان الله عليهم- بشر من جملة البشر، وأن الذي طبق عليهم أو أمكنهم تطبيقه، يمكن أيضا لغيرهم أن يُطبقه، وكذلك أيضا بالنسبة لما وقع بين الرواة، وبين علماء الجرح والتعديل، نعم قد يقع على سبيل … وهو نادر، وكثيرا ما يرجع بعضهم عن الكلام في صاحبه، هم بشر -رضوان الله عليهم-، ويعني لا يمكن أن يخرجوا عن هذه الصفة، يغضب الإنسان، يتكلم في الغضب، يأتيه كلمة من صاحبه فيرد عليها بأقسى منها، وربما يعني اشتد الخلاف، وكما نعرف أنه أكثر ما يقع الكلام بين الأقران، ولهذا يشتد الخلاف بين الإخوة أحيانا، وبين الأب … يعني المهم أن هذا يقع، لكنه على سبيل الندرة، وضبطه العلماء، يسمى كلام الأقران بعضهم في بعض، هذا كلام الأقران بعضهم في بعض، يعرف العلماء أنه بسبب أمور "حزازات"، أو من أمور شخصية، ولكنه على سبيل الندرة. نعم الذي بعده. النوع الثاني والستون: معرفة من اختلط في آخر عمره النوع الثاني والستون: معرفة من اختلط في آخر عمره، إما لخوف أو ضررٍ، أو من مرضٍ أو عرضٍ: كعبد الله بن لهيعة، لما ذهبت كتبه اختلط في عقله، فمن سمع من هؤلاء قبل اختلاطهم قُبلت روايتهم، ومن سمع بعد ذلك، أو شك في ذلك لم تُقبل، ومن اختلط في عقله عطاء بن السائب، وأبو إسحاق السبيعي، قال الحافظ أبو يعلى الخليلي: "وإنما سمع ابن عيينة منه بعد ذلك". وسعيد بن أبي عروبة، وكان سماع وكيع والمعافى بن عمران منه بعد اختلاطه، والمسعودي وربيعة وصالح مولى التوأمة، وحسين بن عبد الرحمن، قال: "هو النسائي". وسفيان بن عيينة قبل موته بسنتين، قال: "ويحيى القطان وعبد الوهاب الثقفي". قال: "هو ابن المعين". وعبد الرزاق بن همام، قال: "هو أحمد بن حنبل، اختلط بعدما عمي، فكان يُلقن فيتلقن، فمن سمع منه بعدما عمي فلا شيء" ..... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 قال ابن الصلاح: "وقد زدت فيما رواه الطبراني عن إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق أحاديث منكرة، فلعله سفل عند سماعه كان منه بعد اختلاطه". وذكر إبراهيم الحربي، وأن الدبري كان عمره حين مات عبد الرزاق ستُ، أو سبع سنين، وبادئ اختلط بآخره، وممن اختلط ممن بعد هؤلاء: أبو قلابة الرقاشي، وأبو أحمد الغطريسي، وأبو بكر بن مالك القطيعي، خرف حتى كان لا يدري ما يقرأ. نعم هذا النوع ملحق بالجرح والتعديل، فالعلماء -رحمة الله تعالى عليهم- كما مر بنا، يذكرون حال الراوي منذ صغره إلى وفاته، هل استمر على حفظه وقوته، أو طرأ عليه من نسيان، أو طرأ عليه اختلاط؟ فصدروا مجموعة من الرواة، اصطلحوا على تسمية ما يقع منهم من تغير في العقل، بسبب الكبر أو مرض أو حادثة، اصطلحوا على تسمية بالاختلاط. مصطلح لهم، اختلط عقله يعني: تغير عقله. ومنهم من يختلط اختلاطا شديدا، حتى كان يعني لا يدري ما يقول، أو يصدر منه أشياء يُعرف أنه لا يدري ما يقول، يعني كالمجنون، أي جُن، ومن هؤلاء مثل: عطاء بن السائب، هذا اختلط، أبو أسحاق السبيعي، اختلاطه -يعني- من الاختلاط الخفيف، مثل ابن عيينة اختلط في آخر عمره، لكنه تغير، هذا أكثره، يعني قد يطلق الاختلاط على التغير، فهو على درجات، ومنهم سعيد بن أبي عروبة، اختلط اختلاطا فاحشا، يسمونه "الاختلاط الفاحش" إذا اشتد، يعني كان لا يدري ما يقول، ومنهم مثلًا عبد الرزاق، اختلط لكنه ليس اختلاط ذهاب العقل، وأنما هو التغير، صار يُلقن فيقبل التلقين، ومنهم عارم محمد بن الفضل السدوسي، ومنهم -يعني- المختلطون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 الذي يهم الباحث -هو كما قلت: "الملحق بالجرح والتعديل"- الذي يهمُ هو معرفة من سمع منهم قبل الاختلاط، ومن سمع منهم بعد الاختلاط، وهو الذي اهتم به العلماء وتعبوا جدا جدا، يعني إذا قرأت كلامهم على المختلطين ومن سمع منهم، وفي أي مكان اختلط، والضابط التمييز بين سنه الذي اختلط فيه، أوقته الذي اختلط فيه وما قبله -تجد عجبا، أو ترى عجبا من جهد الأئمة -رحمهم الله تعالى- وما بذلوه. يعني يكفي أن تقرأ ترجمة سعيد بن أبي عروبة؛ لترى الجهد الذي بذلوه في التميز بين رواياته القديمة، ورواياته الجديدة التي وقع فيها، التي حدد فيها وهو مختلط، يعني جهد عظيم جدا، ينبأك عن جلالة هؤلاء الأئمة، ومقدار الجهد الذي بذلوه، وهذا يفيدك في الاطمئنان إلى أحكامهم، وفي بيان ورعهم وإنصاتهم، نعم. وفي كتب من أحسنها كتاب ابن الكيال، يعرف اسمه بـ"الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات"، وهو ناقص، يعني: ترك أُناسا من المختلطين، ويعني هناك من المختلطين من هو في أصله ضعيف، ثم زاده الاختلاط ضعفا، ومنهم من هو ثقة وتحول إلى ضعيف، وهم كما ذكرت على درجات، ومنهم أيضا من اختلط ولم يُحدث؛ رُزِق بأبناء صالحين وحجبوه. وفي قصة لأحد الأئمة ذكر: أنه كان قد اختلط، فكان ابنه لا يحدث، أو لا يحدث الأب، أو لا يقرأ عليهم إلا والابن حاضر؛ من أجل أن لا يروى شيئا ليس من حديثه، المهم طرق عليه بعض المحدثين الباب، ففتحت البنت، فأرادوا أن يسمعوا منه، فكان من فقهها تعجب منها وأبو حاتم وأبو زرعة، تعجب من فقه هذه البنت، أبت عليهم أن يسمعوا من أبيها إلا وأخوها حاضر، وقالت لهم: "انتظروا حتى يعود". فكان يثني عليها وعلى فقهها بهذا الجهة. فالمهم أن الرواة المختلطين أصناف، ويعني هذا فن واسع، يعني من الفنون التي ... أو من الجوانب التي اعتنى بها الأئمة -رحمهم الله تعالى- بالنسبة للرواة. نعم، اقرأ الذي بعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 النوع الثالث والستون: معرفة الطبقات النوع الثالث والستون: معرفة الطبقات: وذلك أمر اصطلاحي، فمن الناس من يروي الصحابة كلهم طبقة واحدة، ثم التابعون بعِدهم كذلك، ويستشهدون على هذا بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ? خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ? وذكر بعد قرنه قرنيين أو ثلاثة، ومن الناس من يُقسم الصحابة إلى طبقات، وكذلك التابعين فمن بعدهم، ومنهم من يجعل كل قرنٍ أربعين سنة، ومن أجّل الكتب في هذا: طبقات محمد بن سعد كاتب الواقدي، وكذلك كتاب "التاريخ" لشيخنا العلامة أبي عبد الله الذهبي -رحمه الله- وله كتاب "طبقات الحفاظ" مفيد أيضا جدا. نعم هذا النوع "معرفة الطبقات"، كان حقه أن يُذكر إلى جنب أو مع الوفايات؛ لأنه متعلق بالإرسال وبالاتصال والانقطاع، وقد اعتنى العلماء -رحمهم الله تعالى- بهذا الجانب، ومن أول من ألف في هذا ابن سعد، ألف كتابه "الطبقات"، وكذلك خليفة بن الخياط، وجماعة من العلماء ألفوا كتبهم على الطبقات، ولهم اصطلاح في ذلك، منهم من يجعل الطبقة عشر سنوات، ومنهم من يوسعها فيجعلها أربعين، ومنهم من يجعلها على الصحابة وعلى التابعين، كما فعل ابن حبان، وأيضا ... ومنهم من يجعل الصحابة طبقة واحدة، ومنهم من يجعلهم على طبقات، وهذا اصطلاح لكل أمام، والمقصود الأول، المقصود من هذا كله: أن طالب العلم يستفيد منه في معرفة الاتصال والانقطاع. هذا أهم ما يفيد في معرفة الطبقات، ثم أُلفت كتب متأخرة في الطبقات: منها كتاب" سير أعلام النبلاء" للذهبي، وأيضا كتابه "تاريخ الإسلام"، وكتابه "تذكّرة الحفاظ"، هذه كلها على تاريخ الإسلام، على الوفايات، ما في شك على السنوات، لكن "سير أعلام النبلاء" ... وكلها على السنوات، لكن بالنسبة لـ"سير أعلام النبلاء"، و"تذكّرة الُحفاظ"، يذكر الطبقة الفلانية ثم الطبقة الفلانية، ويجمعهم جامع مقدار عشرين سنة مثلا. نعم الذي بعده يا شيخنا. النوع الرابع والستون معرفة الموالي من الرواة والعلماء .... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 النوع الرابع والستون: معرفة الموالي من الرواة والعلماء وهو من المهمات، فربما نسب أحدهم إلى القبيلة، فيعتقد السامع أنه منهم صليبةً، وإنما هو من من مواليهم، فيميز ذلك ليعلم، وإن كان قد ورد في الحديث: ? مولى القوم من أنفسهم ? ومن ذلك أبو البختري الطائي، وهو سعيد بن فيروز، وهو مولاهم، وكذلك أبو العارية الرياحي، وكذلك الليث بن سعد الفهمي، وكذلك عبد الله بن وهب القرشي، وهو مولى لعبد الله بن صالح كاتب الليث، وهذا كثير، فأما ما يُذكر في ترجمة البخاري: أنه مولى الجعبيين، فبإسلام جده الأعلى على يد بعض الجعبيين، وكذلك حسن بن عيسى الماسرجسي، يُنسب إلى ولاء عبد الله بن المبارك، بأن أسلم على يديه وكان نصرانيا، وقد يكون بالحلف، كما يُقال في نسب الإمام مالك بن أنس مولى التميميين، وهو حنبلي أصبحُيُ صليبةً، ولكن كان جده مالك بن أبي عامر حليفا لهم، وقد كان عسيفا عند طلحة بن عبيد الله التيمي أيضا، فنُسب إليهم كذلك، وقد كان جماعة من سادات العلماء في زمن السلف من الموالى. وقد روى مسلم في صحيحه: ? أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-، لمّا تلقاه نائبُ مكة أثناء الطريق في حج أو عمرة، قال له: "من استخلفت على أهل الوادي؟ " قال: ابن أبزى. قال: ومن ابن أبزى؟ قال: رجل من الموالي. فقال: "أما إني سمعت نبيكَم - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله يرفع بهذا الدين أقواما، ويضع به آخرين"" ?. وذكر الزهري أن هشام بن عبد الملك قال له: من يسود مكة؟ فقال: عطاء. قال: فأهل اليمن؟ قال: طاووس. قال: فأهل الشام؟ فقلت: مكحول. قال: فأهل مصر؟ قلت: يزيد بن أبي حبيب. قال: فأهل الجزيرة؟ فقلت: ميمون بن مهران. قال: فأهل خرسان؟ قلت: الضحاك بن مزاحم. قال: فأهل البصرة؟ فقلت: الحسن بن أبي الحسن. قال: فأهل الكوفة؟ فقلت: إبراهيم النخعي ..... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 وذكر أنه يقول له عند كل واحد: أمن العرب أم من الموالي؟ فيقول: من الموالي. فلما انتهى قال: "يا زهري، والله لتسودن الموالي على العرب، حتى يُخطب لها على المنابر والعرب تحتها". فقلت: "يا أمير المؤمنين، إنما هو أمر الله ودينه، فمن حفظ ساد، ومن ضيعه سقط". قلت: "وسأل بعض الأعراب رجلًا من أهل البصرة فقال: من هو سيد هذه البلدة؟ قال: الحسن بن أبي الحسن البصري. قال: أمولى هو؟ قال: نعم. قال: فبم سادهم؟ قال: بحاجتهم إلى علمه، وعدم احتياجه إلى دنياهم. فقال الأعرابي: هذا لعمر أبيك هو السؤدد. نعم هذا النوع في معرفة الموالي، من الرواة والعلماء، والموالي: هم الذين ... معروف هذا المصطلح، يعني من غير العرب؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عربي، وبعث في أمة العرب، ثم انتشر الإسلام، ودخل فيه أٌناس من غير العرب، في عهده -صلى لله عليه وسلم- وبعد عهده، ثم هؤلاء تفقهوا في الدين، ورووا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسادوا بذلك، وهم أكثر، أكثر من العرب بلا إشكال. الأمم ... كانت العرب قلة، فلما دخلوا هؤلاء في دين الله، ويعني كانوا أيضا أهل كتابة وأهل حضارة، يعني انتشر فيهم العلم وسادوا بذلك. فهذا الفصل مقصود به أن يٌقال: فلان التيمي، فلا يظن الظان مثلًا أنه تيمي صليبة، ولكن هذا ليس له كبير فائدة بالنسبة لنقل السنة، حتى أن بعض الباحثين الآن وبعض المشايخ، تجد في الكتب فلانا التيمي مولى لهم، يقول: احذف مولى لهم. أصبحت الآن لا حاجة لها، ويعني وأصله الحديث هذا: ? مولى القوم من أنفسهم ? أو ? فإن مولى القوم منهم ?. وكذلك أيضا -يعني- ابن كثير -رحمه الله تعالى- تحدث في هذا الفصل عن شرح ... كأنه شرح لقوله -تعالى-: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (1) ? لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى ?.   (1) - سورة الحجرات آية: 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 والأصل في هذا هو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (1) الأصل هو التعارف والتواصل وصلة الرحم، وأما ما عدا ذلك فهو من الجاهلية، فهؤلاء الموالي كان لهم فضل كبير على نشر الإسلام، وعلى حفظه، ويعني ... نعم هذا الفصل متعلق بهذا، الفصل الأخير أو النوع الأخير. نعم. النوع الخامس والستون: معرفة أوطان الرواة وبلدانهم النوع الخامس والستون: معرفة أوطان الرواة وبلدانهم: وهو مما يعتني به كثير من علماء الحديث، وربما ترتب عليه فوائد مهمة: منها معرفة شيخ الراوي، وربما اشتبه بغيره، فإذا عرفنا بلده تعين غالبا، وهذا مهم جليل، وقد كانت العرب إنما ينسبون إلى القبائل والعمائر والعشائر والبيوت، والعجم إلى شعوبها ورساتيقها وبلدانها، وبنو إسرائيل إلى أسباطها، فلما جاء الإسلام وانتشر الناس في الأقاليم، نسبوا إليها، أو إلى مدنها أو قراها، فمن كان من قرية فله الانتساب إليها بعينها، وإلى مدينتها إن شاء أو إقليمها، ومن كان من بلدة ثم انتقل منها إلى غيرها، فله الانتساب إلى أيهما شاء، والأحسن أن يذكرها، فيقول مثلًا: الشامي ثم العراقي. أو الدمشقي ثم المصري. ونحو ذلك. وقال بعضهم: "إنما يصوغ الانتساب إلى البلد، إذا أقام فيه أربع سنين فأكثر". وفي هذا نظر والله -سبحانه وتعالى- أعلم بالصواب، وهذا آخر ما يسره الله -تعالى- من اختصار علوم الحديث، وله الحمد والمنة، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. نعم هذا الموضوع الخامس والستون: معرفة أوطان الرواة وبلدانهم. وممن اعتنى بذلك ... ، أو ذكر ابن كثير -رحمه الله تعالى- في بداية كلامه الفائدة منه، والفائدة منه: هو تمييز الرواة، يعني إذن هذا الفن داخل في تمييز الرواة، فيُقال مثلًا: البغدادي، يُقال: المكي، يُقال: المدني.   (1) - سورة الحجرات آية: 13 ..... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 وكثيرا ما يُفرق المحدثون أو الأئمة، بين فلان وفلان، في أنه يأتي بالإسناد المدني، ويأتي ذاته في الإسناد الكوفي، فيفرق العلماء، ونحن نستفيد من هذا أيضا في تمييز الرواة، ومعرفة هذا من هذا، وقد يعني العلماء ألفوا ... من أجلّ ما أُلِف في هذا ... شرح ابن كثير قبل هذا، شرح ابن كثير أن العرب كانوا يُنسبون أولًا إلى قبائلهم، فيُقال: التيمي القرشي الأسدي ... إلى آخره، ثم لما جاء الإسلام ... غير العرب يُنسبون إلى الشعوب: التركي، الفارسي مثلًا، وإلى رساتيقها وبلدانها، يعني: إلى أقاليمها والبلدان، فلما جاء الإسلام وانتشر الناس في الأقاليم، يُقال: العراقي، ويُقال: الكوفي، ونُسبوا إلى البلدان. ومن أجّلّ ما أُلف في ذلك: كتاب "الأنساب" للسمعاني، هذا كتاب حافل، ولكنه ليس خاصا بالنسبة إلى البلدان، يعني فيه النسب إلى القبيلة، وإلى البلد، وإلى الحرفة، وإلى غير ذلك. ثم ذكر ابن كثير قاعدة في هذا: أنه إذا كان الرجل يسكن في قرية فله أن ينتسب إليها، وله أن ينتسب إلى ما حولها من مدينة كبيرة، وله أن ينتسب إلى الإقليم أيضا، وهذا أمر شائع لا إشكال فيه، وهذا آخر ما ذكره، وهذا هو آخر الأنواع في كتاب "اختصار علوم الحديث"، وقد -يعني- علقت عليه بما يسر، والغرض منه -إن شاء الله تعالى- أن أستفيد ويستفيد منه السامع، وأسأل الله -تعالى- أن يجزي الحاضرين خيرا على حسن استماعهم، وعلى أدبهم، وعلى أسئلتهم، وأن ينفعهم بما تعلّموا، وأن يزيدهم علما، وأن لا يجعل هذا وبالًا علينا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 لكن هذا بالنسبة للكتاب، وهناك أسئلة ، نعم في أسئلة. أحسن الله إليكم، وجزاكم الله خيرا. السؤال يقول: فضيلة الشيخ، نفع الله بعلمكم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: .... س: فهل مطابقة الحديث الضعيف إلى الأمر الواقع، في أي مكان أو زمان، دليلُ على تقويته أو رفعه إلى رتبة الحسن، كحديث: ? تقاتلون اليهود على نهر بالأردن، وأنتم شرقيه وهم غربيه ? يقول الراوي: "ولا أدري ما نهر الأردن". وقد عُرِف الآن؟ ج: ليس هذا قاعدة، ليس مطابقة الحديث للأمر الواقع دليلا على صحته أو على تقويته، أو على أنه يعتقد بهذا، لا يصح هذا، وهو أمر مذلة أقدام هذا الأمر، يعني إذا تأملت فيه تجد أنه مذلة أقدام؛ لأن تفسير الحديث وتطبيقه على الواقع، ربما وقع فيه اجتهاد، ولا يكون الأمر على حقيقته، ولا أخص هذا الحديث بالكلام، وإنما هو هذا على العموم، مثل حديث مثلًا، يضربون مثالا لذلك: إن مثلًا هذا البحر ماء، وتحته نار، وتحت النار ماء، إلى سبعة أبحر. بعض الذين يكتبون في الإعجاز العلمي، يميلون إلى تقوية الحديث؛ لأن الكشوف العلمية يعني أثبتت أن هذا الحديث واقع، وقريب من الواقع، لكن هذا لا يفيد شيئا بالنسبة لتقوية الحديث، لا يفيد شيئا لأنه قد يكون إسرائيليا، قد يكون مذكورا في بعض الكتب، قد يكون يعني كلاما موافقا، أو كلاما وافق واقعا. فالمقصود أن موافقة الحديث بواقع أو بإعجاز ... وهذا يدخل أيضا في الإعجاز العلمي، ووُلع بعض الباحثين بجمع الأحاديث، وصار يطبقها على كشوفات علمية أو جغرافية أو نحو ذلك، وفي هذا أظنه -يعني حسب ما أرى- أنه مذلة أقدام والله أعلم. س: يقول السائل: هل يمكن أن يُنسب الراوي إلى حرفته أو صنعته أو سكة بيته؟ وكيف تُقبل روايته؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 ج: يُنسب إلى صنعته، يُقال له: الحناط. حتى بعض الرواة انتقل في صنعات متعددة، فكلما انتقل قيل له الخياط، وقيل له الحداد، وقيل له الحناط، اشتغل بمثل هذه الشغلات، ومثل: البزار والبزاز، هذه شغلات كثيرة، النشائي هذا نسب إلى النابرة، يُنسب إلى النشا؛ لأنه كان يشتغل بالنشا في كوى الملابس، ويعني في صناعتها هذا النوع ... قديمة هذا معروف، ونُسِبوا إلى حرف كثيرة: السماك الزيات الحوات نُسِبوا إلى هذه الحرف، ولا صلة لها بضعف الراوي أو قوته، لا صلة لنسبته ولا لاسمه، يعني لا تلازم أو لا صلة للنسب، بين الاسم أو اللقب بدرجة الراوي. نعم. أحسن الله إليكم، يقول: س: كيف يُفرق بين الرواة المتفقين في الاسم، إذا وقع الاسم غير منسوب؟ ج: كما ذكرت، ما أحببت أن أطيل في مسألة وسائل تمييز الرواة، هناك وسائل عديدة يسلكها العلماء، منها: النظر في الشيوخ والتلاميذ، ومنها البحث عن طرق أخرى للحديث، ومنها -يعني- عدد من الطرق، وهي لا يغني بعضها عن بعض، وربما الباحث كما ذكرت يحتاج إليها كلها، وربما يحتاج إلى بعضها، فهناك وسائل من أهمها معرفة الراوي الشيخ، ومعرفة التلميذ،يعني بهذا يميز العلماء، ولكن هناك طرق أخرى، بعضها أدق من هذا، وبعضها يعني يحتاج إلى بحث. نعم. أحسن الله إليكم. س: ما معنى قول ابن كثير: "ورساتيقها"؟ ج: نعم، الآن لا يحضرني، هناك أحد يقول ما معنى الرستاق؟ لكن يبدو -والله أعلم- أنه يعني مثلما تقول جهة أو مقاطعة، ما أدري إن كان له معنى دقيق الرستاق، يمكن أن نقول يعني نوع ... ما أدري، لعله جهة أو ... مكتوب ماذا؟ يعني: مجموعة من القرى، مثلما نقول: أرياف. يعني: قرى، مجموعة من القرى تسمى ... نعم. السؤال الأخير: أحسن الله إليكم يقول: س: هل من وصية جامعة لطلبة الحديث خصوصا، ولطلاب العلم عموما، في نهاية هذا الدرس؟ وما هي الكتب التي تنصحون بدراستها بعد هذا الكتاب؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 ج: بالنسبة للكتاب الذي بعد هذا، هو أصله، كما تلاحظون أن ابن كثير -رحمه الله تعالى- يختصر، وربما بعض الأنواع هي بحاجة إلى الاختصار، ولكن ابن كثير ولا سيما مع الأخيرة، بعضها قابل للاختصار، ولكن ابن كثير يعني تركها، لم يختصر فيها كثيرا، واختصر أنواعا سابقة، وربما هي بحاجة إلى شيء من التفصيل، وربما وقع فيه بعض الكلام من الاختصار، يعني يحتاج إلى الرجوع إلى الأصل. فبعد كتاب ابن كثير هذا، الأصل كتاب ابن الصلاح، لا إشكال في ذلك، يقرأه الطالب على هدوء، ويعني يستفيد منه، ويكون كتاب ابن كثير هذا هو الأصل، وحين يقرأ كتاب ابن الصلاح، يكون لديه معلومات أخذها من "اختصار علوم الحديث"، ويبدأ يفهم كلام ابن الصلاح، ثم بعد ذلك ينتقل إلى رحاب الكتب المطولة، التي زادت على كتاب ابن الصلاح، وليس اختصرته، مثل: "تدريب الراوي"، ومثل "الفتح المبين"، هذا يعني ... أما بالنسبة للإرشادات، فقد أطلت عليكم البارحة واليوم، ويعني أنتم -بحمد الله- كل يوم تسمعون، ومر بنا في آداب المحدث وآداب طالب الحديث، غرر من توجيهات الحافظ ابن الصلاح وابن كثير، بالنسبة لطالب العلم، جهة تصحيح النية، ومن جهة يعني إفاده زملائه، يعني ذكروا عددا من الجوانب تتعلق بطالب العلم. والمشايخ -بحمد الله- في افتتاح الدروس وفي نهايتها، يُصون الطلبة بأشياء عديدة، منها: عدم الاستعجال، يعني لا يستعجل الإنسان الحصيلة، ومنها عدم الانقطاع، يعني لا ينقطع في أثناء الطريق؛ لأن العلم كما يقولون: "إذا أعطيته كلك أعطاك بعضه". ويعني أنت على غرر أيضا، من أن يُعطيك بعضه، احتمال لا يعطيك إلا النذر اليسير، فهذه مواهب، والمقصود الإنسان لا ينقطع، وأيضا يبتدأ بالأخف فالأخف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 وأيضا من الوصايا التي في الحقيقة، أُوصي بها طلبة الحديث خصوصا، والطلبة عموما: أنه ينبغي على طالب العلم أن يبتدأ بالواضح من علمه، ويتجنب المشكلات، معروف أن لكل علم مشكلاته، كل علم له مشكلاته حتى العلوم المادية، يعني كل علم له مشكلاته، يعني له أمور صعبة، حتى كتاب الله -تعالى- فيه آيات محكمات وأُخر متشابهات، فالإنسان يبدأ بالمحكم من علمه، وهناك -بحمد الله- أمور كثيرة جدا جدا، يمكن يفنى الإنسان عمره وهو ما احتاج إلى المشكلات، يعني ما ينبغي لطالب العلم أن يبدأ مثلًا بتدريس ابن الزبير، أن يبدأ بالعنعنة بين البخاري. هذه الأمور الصعبة التي أعيت العلماء بالتدليس في الصحيحين، بأمور عظيمة جدا كبيرة، وهو أمامه أن يتعرف على كتب الحديث، أن يتعرف على أئمته، أن يعرف بعض مصطلحاتهم، أن يُتقن كيف ينقل، أن يُتقن كيف يتتبع القول، أن يحرر القول: هل هو صواب أو خطأ؟ أن يوازن بين الروايات، يعني أمامه عمل كثير جدا قبل أن يحتاج إلى المشكلات، وقبل أن يصل إلى المشكلات، وهناك أمور أخرى، يعني لعل في هذا كفاية. أسأل الله - عز وجل - أن يجعل لكم بكل كلمة قلتموها، وبكل خطوة خطوتموها، وبكل جهد بذلتموه، أضعافا مضاعفة في ميزان حسناتكم، وأن يُجزيكم عنا خير الجزاء، وصلى الله وسلم على نبينا ... ، وأنتم كذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454