الكتاب: الجغرافيا المناخية والنباتية المؤلف: عبد العزيز طريح شرف الناشر: دار المعرفة الجامعية الطبعة: الحادية عشرة عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- الجغرافيا المناخية والنباتية عبد العزيز طريح شرف الكتاب: الجغرافيا المناخية والنباتية المؤلف: عبد العزيز طريح شرف الناشر: دار المعرفة الجامعية الطبعة: الحادية عشرة عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] مقدمة ... تقديم: إلى جميع المشتغلين بتعليم الجغرافيا أو تعلمها أقدم هذا الكتاب راجيًا أن تكون له بعض الفائدة في دراسة "الجغرفيا المناخية والنباتية" التي تعتبر من غير شك فرعًا من أخطر وأدق فروع الجغرافيا الطبيعية، وقد حاولت عند تأليفه أن أحقق به هدفين أساسيين، أرجو أن أكون قد وفقت إلي تحقيق شيء منهما، وهما: أولًا: أن يكون الكتاب مرجعًا يستفيد منه مدرس الجغرافيا والطالب الجامعي المتخصص، ولذلك فقد اجتهدت أن أضمنه كثيرًا من الحقائق والتفاصيل، وأناقش فيه أهم الآراء والنظريات الحديثة التي ظهرت في علم المناخ نفسه، بل وفي بعض العلوم الأخرى المتصلة به مثل علوم المتيورولوجيا والهيدرولوجيا والزراعة والنبات. ثانيًا: أن يكون أسلوبه سهلًا بسيطًا، ومادته مشروحه شرحًا وافيًا وموضحة توضيحًا كافيًا بالخرائط والأشكال، حتى يستطيع القارئ غير المتخصص في الجغرافيا، أو الطالب الذي لا يتيسر له الحصول على توجيه أو مساعدة أن يعتمد على نفسه في دراسته وتفهم موضوعاته. وأنني أشعر وأنا أقدم الطبعة الحادية عشرة من هذا الكتاب، بأنني وفقت بفضل الله وعونه إلى تحقيق معظم أهدافي، بدليل القبول الذي لقيه الكتاب من الجغرافيين في مختلف الجامعات العربية، مما شجعني على أن أدخل على طبعته هذه تعديلات جوهرية لإبقائه متمشيًا مع أحدث التطورات في مجال الدراسات المناخية المتخصصة، كما أضفت إليه فصلين عن مناخ إفريقيا ومناخ العالم العربي. والله ولى التوفيق عبد العزيز طريح شرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 الفكر المناخي الفكر المناخي القديم ... 1- الفكر المناخي 1- 1- الفكر المناخي القديم: لما كانت الظاهرات الجوية تؤثر في حياة الإنسان تأثيرًا مباشرًا وسريعًا فقد كان من الطبيعي أن يبدأ الإنسان منذ نشأته الأولى في التفكير في هذه الظاهرات، وخصوصًا الظاهرات العنيفة التي كانت تسبب له متاعب وخسائر كبيرة، مثل الأعاصير والعواصف الشديدة. وقد أخذ التفكير في هذه الظاهرات الجوية يتطور مع تطور الإنسان وتحضره، وظهرت في تفسير هذه الظاهرات أفكار متباينة بين أصحاب الحضارات القديمة التي عاشت منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وأهمها الحضارات المصرية والبابلية والآشورية والصينية والهندية. ولكن الأفكار التي سادت بين أصحاب هذه الحضارات كانت أفكارًا بدائية وغير مستندة على أي أسس علمية. وكانت تدور في الغالب حول تفسير بعض الظاهرات الجوية، وخصوصًا الظاهرات التي لها علاقة بالزراعة والهجرة والملبس والمأكل وغير ذلك من مظاهر الحياة. أما التفكير العلمي في الظاهرات الجوية والمناخية فلم يبدأ إلا في عهد الحضارة اليونانية القديمة، وكان الفيلسوف اليوناني أرسطو من أبرز المفكرين الذين عالجوا موضوع المناخ، ففي سنة 35 ق. م، ألف كتابًا أسماه "المتيورولوجيا Meteoroiogica" ودرس فيه بعض الظاهرات الجوية دارسة نظرية غير مبنية على القياس، وتكلم فيه عن الفصول وترتيبها على مدار السنة. وفي نفس الفترة تقريبًا كان الهنود يقومون بقياس الأمطار بواسطة أجهزة بسيطة ربما كانت هي أقدم أجهزة قياس المطر في العالم. ومنذ ذلك الوقت أيضًا كان للعرب نشاط تجاري بحري كبير. وقد ساعدهم هذا النشاط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 على معرفة بعض خصائص حركات الرياح في البحار التي كانت سفنهم التجارية تبحر فيها، وأهمها المحيط الهندي وبحار شرقي آسيا، حتى إنهم عرفوا هبوب الرياح الموسمية وعنهم تعلمه اليونانيون عن طريق بعض ملاحيهم الذين اشتركوا في بعض الرحلات التجارية للعرب. ومما لا شك فيه أن العرب هم الذين أعطوا لهذه الرياح اسمها الذي أخذت منه كلمة monsoons الإنجليزية. وفي هذه الفترة كان اليونانيون قد عرفوا دوائر العرض وعلاقتها بميل أشعة الشمس وما يترتب على ذلك من تناقص في درجة الحرارة من دائرة الاستواء نحو القطبين. ولهذا فقد قسموا العالم على أساس هذه الدوائر إلى خمسة نطاقات هي: النطاق الحار بين المدارين، والنطاقين المعتدلين بين المدارين والدائرتين القطبيتين، والنطاقين الباردين بين الدائرتين القطبيتين والقطبين. قد ظل هذا التقسيم هو السائد حتى أواخر القرن التاسع عشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الفكر المناخي منذ عصر النهضة الأوروبية ... 1- 2- الفكر المناخي منذ عصر النهضة الأوربية: في عصر النهضة الأوربية الحديثة "خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين" تقدم الفكر المناخي تقدمًا كبيرًا بفضل الكشوف الجغرافية الكبرى، واختراع بعض أجهزة الرصد الجوي الحديثة، وأهمها الترمومتر الذي اخترعه جاليلو سنة 1593م والبارومتر الذي اخترعه تورشيلي سنة 1643م. ونتيجة لهذا التقدم أمكن ملاحظة أن توزيع الأقاليم المناخية لا يتفق تمامًا مع دوائر العرض، وأن هناك عوامل أخرى تتدخل في توزيعها. وفي نفس الوقت أفادت دراسات الجو والمناخ من التقدم الذي حدث في العلوم الأخرى ذات الصلة بهما، وخصوصًا في علوم الطبيعة وما تتضمنه من دراسات عن تركيب الغلاف الجوي وظاهراته المختلفة، مثل البرق والرعد والإشعاع الشمسي وغيرها. كما أفادت كذلك من التوسع في النشاط الملاحي بواسطة السفن الشراعية في مختلف البحار والمحيطات التي تم اكتشافها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 1- 3- الفكر المناخي منذ أوائل القرن العشرين : منذ أوائل هذا القرن، كان الاتجاه السائد في دراسة المناخ هو محاولة إيجاد تقسيمات مناخية عامة لسطح الكرة الأرضية اعتمادًا على الإحصاءات المناخية التي أخذت تتوفر لعناصر المناخ الرئيسية في بعض الدول، وعلى مظاهر الحياة النباتية الطبيعية التي يمكن الاستدلال بها على نوع المناخ في الأقاليم التي لا تتوفر فيها إحصاءات مناخية كافية، مثل الأقاليم الصحراوية وشبه الصحراوية الواسعة في العروض المدارية والأقاليم الواقعة في العروض القطبية، وكانت التقسيمات المناخية تعتمد في مراحلها الأولى على مقارنة المعدلات المناخية لعناصر المناخ دون التعمق في تحليلها لمعرفة اختلافاتها المحلية في مناطق صغيرة، أو معرفة القيم الفعلية لهذه العناصر ومدى تأثير كل منها في الآخر. وبمقتضى هذا الاتجاه أمكن وضع تقسيمات عامة لسطح الكرة الأرضية على أساس الاختلافات المناخية الرئيسية، ثم ظهرت على أساس هذه التقسيمات فكرة تقسيم العالم إلى أقاليم طبيعية، وهى الفكرة التي تبناها الجغرافي البريطاني هربرتسونHerbertson في سنة 1905م. وفي هذه المرحلة كان الاهتمام الرئيسي لعلماء المناخ هو توزيع المعدلات المناخية الحسابية على خريطة العالم أو خرائط القارات، ثم توصيل الأماكن التي تتساوى فيها المعدلات الشهرية أو السنوية بخطوط يطلق عليها بصفة عامة اسم "خطوط الظاهرات المتساوية Isopleths أو Isograms". ومن أشهرها خطوط الحرارة المتساوية Isopleths وخطوط الضغط المتساوي Isothars المطر المتساويIsohyets وعلى أساس هذه الخطوط أمكن تقسيم سطح الكرة الأرضية إلى أقاليم حرارية ونطاقات للضغط الجوي والرياح، ثم تقسيمه في النهاية إلى أقاليم مناخية لكل منها صفات مناخية عامة مشتركة. وقد تمخض هذا الاتجاه عن ظهور عدة تقسيمات مناخية لسطح الكرة الأرضية بعضها تقسيمات بسيطة تعتمد على توزيع درجة الحرارة وتوزيع الأمطار، وفيها تستخدم خطوط الحرارة المتساوية التي تمثل المعدلات الحرارية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 عند مستوى سطح البحر كحدود عامة لهذه الأقاليم، ومثل هذه التقسيمات تصلح لدراسة مناخ القارات والأقاليم الكبرى دارسة مناخية عامة، ومثال ذلك التقسيم الذي اقترحه ديمارتون E.Demartonne في فرنسا سنة 1952، والتقسيم الذي اقترحه أوستن ملر Austin Miller في بريطانيا سنة 1936، والذي لا يختلف كثيرًا عن تقسيم ديمارتون. وإلى جانب هذه التقسيمات البسيطة ظهرت تقسيمات أخرى أكثر تفصيلًا وتعقيدًا، ففي ألمانيا اقترح كوبن W.Koppen تقسيمًا ربط فيها بين التوزيع الفصلي لكل من عنصري الحرارة والأمطار من أجل تقدير شدة الجفاف وشدة الحرارة أو البرودة، وعلاقة هذا التوزيع بنوع الحياة النباتية الطبيعية. وفي الولايات المتحدة اقترح ثورنثويت W.Thornthwaite في سنة 1948 تقسيمًا مبنيًّا على حساب الميزانية التي تستخدم فيها معدلات الأمطار وما يضيع منها بالتبخر والنتح Evapotransiration، وحساب القيمة الفعلية لدرجة الحرارة. ويمثل هذا التطور في تصنيف الأنواع بداية للمرحلة الحديثة في دراسة المناخ. وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة لكل هذه التصنيفات فإنها لم تعد كافية لمسايرة التطورات الحديثة في دراسة المناخ، وهي التطورات التي فرضتها الحاجة المتزايدة إلى الاستفادة من دراسة المناخ في مختلف المجالات التطبيقية، وفي مختلف الدراسات العلمية الأخرى التي لها صلة بالمناخ، وذلك بعد أن أصبحت معظم الدراسات العلمية متشابكة بحيث لم يعد أي منها يستغني عن الآخر. فمما لا شك فيه أن الباحثين في علوم مثل علوم الزراعة، الحيوان والنبات، وهندسة المياه، وإيكولوجيا الأمراض، وحماية البيئة، وتخطيط المدن وغيرها، محتاجون جميعًا إلى أساس مناخي يتوقف على طبيعة كل علم منها وطبيعة الموضوع المطلوب دارسته، ومع ذلك فإن الربط بين المناخ وهذه العلوم كان حتى وقت قريب غير واضح بالصورة الكافية؛ لأن المناخ، كان يعالج غالبًا كعلم مستقل حتى عن بقية العلوم الجغرافية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 بعض الاتجاهات المعاصرة في الفكر المناخي مدخل ... 1- 4- بعض الاتجاهات المعاصرة في الفكر المناخي: على الرغم من أن المناخ لم يسر في تطوره خلال النصف الأول من القرن العشرين بنفس السرعة التي سار بها علم المتيورولوجيا فقد أخذت البحوث المناخية تتقدم بسرعة منذ بداية النصف الثاني من هذا القرن وظهرت في علم البحوث اتجاهات حديثه أهمها: 1- دراسة القيمة الفعلية "أو التأثير الفعلي" لعناصر المناخ. 2- دراسة تفاصيل المناخ بكل عناصره في أماكن محدودة، وظهور ما يعرف باسم "علم المناخ التفصيلي Micro Climatology ". 3- دراسة دور المناخ في مظاهر النشاط البشري المختلفة فيما عرف باسم علم المناخ التطبيقي Applied Climatology. 4- استخدام الأسلوب الكمي في معالجة العلاقات الزمنية والمكانية لعناصر المناخ مثل حساب معامل التغير والانحراف المعياري للتوزيع الشهري أو السنوي للأمطار وغير ذلك من العلاقات التي سنعالج بعضها عند دراسة الأمطار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 1- 4- 1 دراسة القيمة الفعلية لعناصر المناخ : رأى كثير من الباحثين، لا في علم المناخ وحده، بل وفي بعض العلوم الأخرى المتصلة به أن المعدلات المناخية التي تنشرها محطات الأرصاد كثيرًا ما تعطي صورة غير صحيحة لحقيقة العلاقة بين عناصر المناخ من جهة ومظاهر الحياة المختلفة فوق سطح الأرض من جهة أخرى. فمجرد معرفتنا لكمية الأمطار التي تسقط في مكان ما لا تفيدنا كثيرًا إلا إذا عرفنا القيمة الفعلية لهذه الكمية، فقد تتساوى كمية الأمطار التي تسقط سنويًّا في مكانين معينين، ولكن الأثر الذي تحدثه هذه الكمية قد يختلف في أحد المكانين اختلافًا واضحًا، عنه في المكان الآخر، ويرجع ذلك إلى أن الأمطار تخضع بعد سقوطها على سطح الأرض لعدة عوامل هي التي تحدد الفائدة التي يمكن للأنواع المختلفة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 الحيوان والنبات أن تحصل عليها منها، فجزء من هذه الأمطار يضيع بالتبخر عند انحداره فوق سطح الأرض أو تجمعه في المنخفضات والمجاري النهرية، وجزء آخر يتسرب في التربة وربما يصل إلى أعماق بعيدة يستحيل معها الاستفادة به، وجزء آخر ينحدر في مجاري الأنهار ويصل إلى البحر أو المحيط وتختلف المقادير التي تضيع من مياه الأمطار بسبب العوامل السابقة من منطقة إلى أخرى على حسب الظروف المحلية الخاصة بكل منطقة، خصوصًا ما يتعلق منها بدرجة الحرارة والتوزيع الفصلي للأمطار ونوع الرياح وخواص التربة وانحدار سطح الأرض، ويعتبر كوبن1 w. koppen الألماني من أشهر الباحثين الذين وجهوا النظر، منذ أوائل القرن الحالي، إلى ضرورة الاهتمام بتقدير القيمة الفعلية للأمطار عند دارسة المناخ. وفي الولايات المتحدة تقدمت الدراسات المناخية على أسس رياضية على يد "Thornthwaite" الذي اقترح في سنة 1948 تقسيمه المناخي المعروف الذي أصبح في الوقت الحاضر من أكثر التقسيمات المناخية الحديثة استخدامًا في مختلف جهات العالم. وقد بناه على أسس جديدة تعتمد على تحليل العلاقة بين الأمطار وما يضيع منها بالتبخر والنتح2. وما قيل عن الأمطار يمكن أن يقال كذلك عن درجة الحرارة، فليست جميع درجات الحرارة ذات قيمة واحدة من حيث أثرها في حياة النبات، فلكل نوع من أنواع النباتات حد أدنى وحد أعلى لدرجة الحرارة التي يستطيع أن ينمو فيها. كما أن سرعة نمو النبات قد تكون في درجة حرارة معينة أسرع منها في الدرجات الأخرى، ويحتاج كل نبات كذلك إلى مجموعة من الوحدات أو   1 koppen,W."Versuch einer Klassification" Geogr.Zeitscher,vol.6,1900,pp.963-657 "Grundriss der Klimakunde"1931. 2 Thornthwaite,C.W. "an Approach Towards arational Classification of Climate" Geog.Rev. vol.38,pp.59-93. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الدرجات الحرارية التي يجب توفرها خلال فصل النمو. ويعتبر الضوء عاملًا مساعدًا لدرجة الحرارة، بمعنى أن النبات الذي ينمو في منطقة ما قد يحتاج لكي يتم نموه ونضجه إلى كمية من الوحدات الحرارية أكبر مما يحتاج إليه نفس النبات لو كان نموه في منطقة أخرى نصيبها من ضوء الشمس أكبر من نصيب المنطقة الأولى، وذلك لأن ضوء الشمس يساعد عادة على زيادة سرعة نمو النبات. وهذه الحقيقة مهمة جدًّا بالنسبة للزراعة في العروض العليا حيث يزداد طول النهار في فصل الصيف، وهو فصل النمو، كلما اقتربنا من الدائرة القطبية ويتزايد تبعًا لذلك مقدار ما تستفيده الأرض من ضوء الشمس. وقد ساعد هذا على نجاح زراعة بعض غلات المناطق المعتدلة مثل القمح في الأقاليم الباردة ويعتبر1 "B.E.Livingston" من أول الباحثين الذين كان لهم فضل توجيه النظر إلى ضرورة تقدير القيمة الفعلية لدرجات الحرارة المختلفة وتأثير كل منها في حياة النبات. وهذا الاتجاه الحديث لتقدير التأثير الفعلي للعناصر المناخية قد فرض على الباحثين في علم المناخ أن يقووا صلتهم بالعلوم الأخرى، وأن يستفيدوا من النتائج العلمية التي يتوصل إليها غيرهم من الباحثين، خصوصًا في علم النبات والزراعة وهندسة المياه "الهيدرولوجيا"، وهكذا بدأ علم المناخ يوسع اختصاصاته وبدأت تستخدم في تعبيرات جديدة مثل القيمة الفعلية أو التأثير الفعلي للأمطار "Precipitation Effectiveness" والقيمة الفعلية أو التأثير الفعلي لدرجة الحرارة "Temperature Efficiency" والحرارة المتجمعة Accumulated "Temperature" وصفر النمو Zero point if Growth "والتبحر، والنتح" "Evapotranspiration"وهو ما يطلق عليه كذلك تعبير "التبخر الكلي".   1 Livingston, B.E."Study of Plant Growth in Relation to Climatic Condition" Physical Review,vol,1916 pp.399-420. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 1- 4- 2 علم المناخ التفصيلي Microclimatology: في أواخر القرن التاسع عشر ظهر في ألمانيا نوع جديد من الدراسات المناخية التي فرضتها الحاجة الشديدة لمضاعفة استغلال الأراضي الزراعية حتى يمكنها أن تواجه التزايد المستمر في عدد السكان، فقد رأى بعض الباحثين وعلى رأسهم كرواس1 "Gregor Kraus" أن علم المناخ يمكنه أن يقدم خدمات كثيرة لهذا الاستغلال، ولكنهم لاحظوا أن الدراسات المناخية العامة التي تعتمد فقط على المعدلات التي تنشرها المراصد المختلفة كثيرًا ما تعطي صورة مشوهة لما هو موجود في الطبيعة فعلًا؛ لأن هذه المعدلات تهمل كثيرًا من التفاصيل المهمة التي قد تكون لها آثار عظيمة في حياة النباتات، كما أنها تهمل في معظم الأحيان مراعاة الظروف الجغرافية المحلية التي يكون لها أحيانًا أثر واضح في تنوع المناخ واختلافه من بقعة إلى أخرى في الإقليم الواحد، ولذلك فإن هذه الدراسات العامة لم تكن لها الفائدة المرجوة في الحياة العملية خصوصًا ما يتعلق منها بالاستغلال الاقتصادي للأرض، فالزارع مثلًا لا يهمه كثيرًا أن يعرف المعدلات الشهرية والسنوية للمطر أو درجة الحرارة في الإقليم الذي يعيش فيه بصفة عامة، بل إن الذي يهمه قبل كل شيء هو أن يعرف الظروف المحلية الخاصة بحقله، وهي الظروف الذي قد تجعل هذا الحقل مختلفًا اختلافًا كبيرًا عن غيره من الحقول التي في نفس الإقليم، ويبدو هذا واضحًا بصفة خاصة في البلاد الجبلية التي تتعقد فيها مظاهر السطح حيث نجد مثلًا أن الجبل الواحد قد تتمثل عليه جميع أنواع المناخ تقريبًا، فبصرف النظر عن الحقيقة المشهورة الخاصة بتناقص درجة الحرارة كلما زاد الارتفاع، يلاحظ أن هناك فروقًا كبيرة جدًّا بين مناخ الجوانب المختلفة للجبل الواحد، ففي نصف الكرة الشمالي تكون الجوانب الجنوبية عادة أدفأ ونصيبها من أشعة الشمس أكبر من الجوانب الشمالية، كما أن النظام اليومي لدرجة الحرارة   1 Kraus, Cre "Boden and Kleinstem Raum" jenz Fischer 1911. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 يختلف اختلافًا واضحًا من جانب إلى آخر، وذلك تبعًا لدرجة الميل التي تسقط بها أشعة الشمس على الأرض، واختلاف ساعات سقوطها على الجوانب المختلفة، ومن المعروف كذلك أن الجوانب المواجهة لهبوب الرياح المحملة ببخار الماء دائمًا أغزر مطرًا من الجوانب المضادة التي تقع فيها يعرف باسم "ظل المطر". ولئن كان ارتفاع الجبال وشكلها يساعدان على خلق أنواع متباينة من المناخ، فإن هذا أيضًا شأن الوديان والمنخفضات فقاع الوادي يكون عادة أدفأ في أثناء النهار، من جوانبه، أما في أثناء الليل فيحدث العكس لأن الهواء البارد يميل دائمًا للهبوط بسبب ازدياد كثافته حيث يتجمع في قيعان الوديان والمنخفضات، ولهذا فان الحقول التي في هذه القيعان "في المناطق المعتدلة الباردة" تكون عادة أكثر تعرضًا لخطر الصقيع من الحقول التي على الجوانب المرتفعة، وهذه الحقيقة تبدو واضحة كذلك بالنسبة لمنحدرات الجبال، حيث تكون الأجزاء السفلى منها أبرد في أثناء الليل من الأجزاء العليا، وذلك على العكس مما هو معروف عمومًا عن تناقص درجة الحرارة بالارتفاع. وليس من شك في أن الحياة النباتية التي تغطي سطح الأرض في بعض الأماكن ودرجة كثافتها لها كذلك تأثير ظاهر على المناخ، وهو تأثير ملطف في غالب الأحيان، ويكفي أن نشير إلى ما نلمسه في حياتنا العامة من فرق واضح بين مناخ المدن ومناخ الريف، ولو أننا يجب أن نلاحظ من ناحية أخرى أن ظروف المدن نفسها بما فيها من مبانٍ ومصانع وما ينتشر في جوها من أتربة ودخان ومواد عالقة، وفي منازلها من مواقد، كل ذلك له دخل كبير في إظهار الفرق بين مناخ المدن ومناخ الريف. وليس ما ذكرناه هنا إلا أمثلة قليلة فقط للدور المهم الذي يمكن أن تلعبه الظروف المحلية في تنوع مظاهر المناخ وما يترتب على ذلك من تنوع في مظاهر الحياة المختلفة داخل المنطقة الواحدة، ولهذا فإننا نجد أن الجغرافيين أخذوا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 السنوات الأخيرة يهتمون بصفة خاصة بدراسة تفاصيل المناخ في مناطق صغيرة محدودة المساحة، أكثر من اهتمامهم بدراسة المظاهر العامة في مناطق واسعة، وقد أدى هذا الاتجاه إلى تشعب علم المناخ واتساع مجال البحث فيه، من هذه الناحية أيضًا، فبدأنا نقرأ مثلًا عن موضوعات جديدة، مثل مناخ الجبال ومناخ الوديان، ومناخ المدن ومناخ سطح التربة أي على ارتفاع لا يزيد على متر واحد منها، وغير ذلك من الموضوعات التي أصبح يضمها فرع جديد عظيم الأهمية من علم المناخ يطلق عليه بصفة عامة اسم "علم المناخ التفصيلي أو الميكروسكوبي macroclimatology وقد أصبح علم المناخ التفصيلي في الوقت الحاضر من أهم العلوم التي توجه إليها الدول المتحضرة عناية بالغة لما هو من أهمية اقتصادية خطيرة يبدو أثرها واضحًا بالنسبة لتوزيع مظاهر الإنتاج المختلفة سواء منها ما هو زراعي أو ما هو صناعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 علم المناخ التطبيقي مدخل ... 1- 4- 3 علم المناخ التطبيقي 1 Applied Climatology: ليس من شك في أن المناخ هو أهم العوامل الطبيعية التي تتدخل بطريق مباشر أو غير مباشر في تشكيل سطح الأرض وما عليه من مظاهر متباينة، سواء في ذلك تلك المظاهر الخاصة بتضاريس القشرة الأرضية وتكوينها، أو تلك التي تتصل بتكوين التربة وبحياة النبات والحيوان بجميع أنواعها، وليس الإنسان بأقل الكائنات الحية تأثرًا بهذا العامل سواء في الماضي أو الحاضر، فلئن استطاع العقل البشري أن يغير بعض الشيء من مظاهر سطح الأرض، وأن يغزو بمخترعاته أجواز الفضاء وعروض البحار وأن يبدأ ارتياد سطح القمر، فإن الإنسان كان ولم يزل وسيظل دائمًا لظاهرات الجو وأحوال المناخ،   1 إن علم المناخ التطبيقي علم واسع له علاقاته المتشعبة وقد عولج في كتابات عديدة منها على سبيل المثال الكتب التالية: -Smith Keith "1975" -Principles of Applid Climatology Mcgraw Hill "UK". -Critchfield H.J. "2nd ed.1966" General, Climatology Prentice Hall, New Jercy, C haplers ll to 15. -Brooks, C.E.P. "1950" Climate in Every day Life E.Benn, London. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 ولن يستطيع مهما طال الزمن أن يتحرر كلية من سيطرتها عليه وتحكمها في مشروعاته وأرزاقه، بل وفي لونه وصحته ومزاجه، ولن نستطيع أن ندخل هنا في تفاصيل العلاقة بين المناخ وحياة الإنسان، ولهذا فإننا سنكتفي بذكر أمثلة محدودة جدًّا لتوضيح هذه العلاقة، كتمهيد مختصر لدراسة أكثر توسعًا في "علم المناخ التطبيقي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 المناخ والزراعة : منذ أقدم العصور كان الزارع والراعي يخضعان خضوعًا تامًّا لرحمة الظروف المناخية، ولا يزال هذا هو حالهما في الوقت الحاضر؛ إذ إن المناخ هو المتحكم الأول في توزيع الحياة النباتية والحيوانية في العالم، فلا يمكن مثلًا أن تنجح زراعة غلة مثل القمح على نطاق واسع في الأقاليم الاستوائية ذات الأمطار الغزيرة طول العام، أو أن تنتشر زراعة الكاكاو أو المطاط في الأقاليم الباردة، فلكل نبات ظروفه المناخية التي تلائمه والتي لا يجود إلا فيها، وهكذا تحددت مناطق الإنتاج الزراعي سواء في ذلك إنتاج المواد الغذائية أو إنتاج المواد الأولية اللازمة للصناعة، وتحددت تبعًا لذلك طرق التجارة ومناطق الإنتاج والاستهلاك. ويتحكم المناخ فضلًا عن ذلك في نظام الزراعة في المنطقة الواحدة فهو الذي يفرض على الزارع أن يتبعوا نظمًا خاصة في توزيع محصولاتهم على فصول السنة، ومن الطبيعي أن يكون تحكم المناخ في الإنتاج الزراعي أقوى في الأقاليم التي تعتمد الزراعة فيها على المطر منه في الأقاليم التي تقوم الزراعة فيها على الري، فكثيرًا ما يؤدي نقص الأمطار في سنة من السنين إلى فشل الزراعة أو فقر المرعى مما يترتب عليه حدوث مجاعات خطيرة، كما يحدث كثيرًا في بعض مناطق أستراليا والهند وشمال إفريقية وغيرها من المناطق التي تتغير كمية الأمطار التي تسقط فيه تغيرًا كبيرًا من سنة إلى أخرى، وقد يحدث العكس تمامًا في بعض الأحيان فتزايد الأمطار بدرجة يتلف معها الزرع ويتعذر الحصاد، فيهبط المحصول هبوطًا كبيرًا، كما يحدث كثيرًا في مناطق زراعة القمح بغرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 أوروبا، فالقمح يعتبر من النباتات التي تحتاج -لكي يتم نضجها- إلى فترة جفاف قبل الحصاد وإلا فسد المحصول وقل الإنتاج. ولئن كان الإنسان قد عجز عن أن يعدل الظروف المناخية على حسب رغباته، فإنه لم يعجز تمامًا في أن يتحايل عليها بوسائله الخاصة، فقد استطاع مثلًا أن ينقل زراعة غلة من الغلات، ولو على نطاق ضيق، إلى مناطق لم تكن تصلح لها من قبل، وذلك باستنبات فصائل وأنواع جديدة تكون أقدر على تحمل بعض الظروف المناخية التي تتحملها الفصائل والأنواع الأصلية، فقد أمكن مثلًا استنبات فصائل كثيرة من الذرة يصلح كل منها لنوع معين من أنواع المناخ، ومن هذه الفصائل ما يصل ارتفاع نباته إلى سته أمتار ويحتاج لنموه ونضجه إلى ما بين عشرة أشهر وأحد عشر شهرًا1، وهذه الفصائل هي التي يمكن زراعتها في المناطق الحارة، التي لا ينخفض متوسط درجة الحرارة فيها في أي شهر من شهور السنة انخفاضًا يضر النبات أو يوقف نموه، وإلى جانب ذلك استنبتت أنواع من الذرة لا يكاد يصل ارتفاعه إلى ثلاثة أرباع المتر، ولا تحتاج لنموها إلى أكثر من ثلاثة أشهر، ومثل هذه الأنواع تزرع غالبًا في المناطق الباردة نسبيًّا حيث يكون الفصل الدافئ الذي يستطيع النبات أن ينمو خلاله قصيرًا، كما هي الحال في بعض مناطق وسط أوربا وأمريكا الشمالية. ومن أنواع الذرة أيضًا نوع يزرعه الهنود منذ زمن طويل في جنوب غرب أمريكا الشمالية، وهذا النوع لا يحتاج إلا إلى كميات قليلة جدًّا من الماء، ولهذا فإنه يمكن أن يجود في المناطق التي لا تكفي موارد المياه فيها لزراعة الأنواع الأخرى من الذرة، وتغرس بذور هذا النوع عادة في التربة على عمق لا يقل عن قدم واحد من سطح الأرض، وذلك حتى يمكنها أن تستفيد من الرطوبة الموجودة في الأجزاء السفلى من التربة، ويا حبذا لو جربت زراعته في بعض المناطق شبه الصحراوية في الوطن العربي، كما هي الحال في المناطق.   1 Gove Hambidge, U.S. Department of Agriculture Year book 1941 "Climate and Man" p 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 الساحلية من شمال الصحراء الغربية وشمال شبه جزيرة سيناء في جمهورية مصر العربية. وما قيل عن الذرة يمكن أن يقال كذلك عن كثير من الغلات الأخرى التي يعظم الطلب عليها في جميع أنحاء العالم إما لقيمتها كمادة غذائية كما هي الحال في القمح والأرز، أو لأهميتها كمادة أولية لازمة للصناعة، كما هي الحال في القطن، فجميع هذه الغلات قد أمكن التوسع في زراعتها بحيث أصبحت تنتشر في مناطق كان المعتقد من قبل أن أحوالها المناخية لا تصلح لها. ويظهر أثر المناخ ومقدار ما يبذله الإنسان من مجهود للتحايل عليه بصورة أوضح في حالة إنتاج الخضروات الغذائية مثل الطماطم والمقاثي، فعلى الرغم من أن هذه النباتات تعتبر حساسة جدًّا للتغيرات الجوية، فقد أصبح من الممكن زراعتها في الوقت الحاضر في جميع أنحاء العالم تقريبًا، ولو على نطاق ضيق ويبذل مجهودات كبيرة واتباع وسائل خاصة، فإلى جانب استنبات أنواع وفصائل لها قدرة على تحمل صنوف مختلفة، من المناخ أمكن إنتاج بعض هذه الخضروات في ظروف جوية صناعية، وذلك بزراعتها في بيوت من الزجاج يمكن التحكم في درجة الحرارة داخلها، ولهذا فليس من المستغرب أن تزرع الطماطم مثلًا في كثير من الأقاليم المدارية وأن تزرع في نفس الوقت في بريطانيا وغيرها من دول غرب أوروبا، والفارق الرئيسي هو أن بينما يضطر الزراع في الأقاليم المدارية أحيانًا لزراعة النبات في ظل بعض الأشجار، أو تغطية شجيراته بطريق خاصة لحمايتها من أشعة الشمس القوية، فإن الزارع الأوروبي قد يضطر لوضع هذه الشجيرات في بيوت من الزجاج يمكن أن تنفذ منها أشعة الشمس فيظل الجو بداخلها دافئًا، ويحدث ذلك عادة في الفصل الذي يكثر فيه ظهور الصقيع، أو تنخفض أثناءه درجة الحرارة بصورة تؤذي النبات وكثيرًا ما توقد النيران في بساتين الفواكه لنفس الغرض. ولئن كان المناخ يؤثر تأثيرًا مباشرًا على توزيع المحاصيل الزراعية فيجب ألا تخفى علينا أنه كذلك عامل أساسي في تكوين التربة التي تعتبر مع المياه العذبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 الأساس الأول لوجود الإنسان وبقائه، فلولا وجود التربة الصالحة للزراعة أو حتى لظهور الحياة النباتية الطبيعية وما يعيش فيها أو عليها من حياة حيوانية لما استطاع الإنسان أن يبقى وينتشر على سطح الأرض، كما أن النباتات الطبيعية نفسها وتباين أنواعها وتوزيعها ليست إلا أثرًا من آثار الظروف المناخية وتباينها من مكان إلى آخر. ويكفي أن نذكر أن الرخاء الذي تتمتع به بعض أقاليم العالم والمجاعات التي قد تتعرض لها أقاليم أخرى والأمراض التي تصيب المحاصيل المختلفة من وقت إلى آخر ومن مكان إلى آخر ليست كلها إلا مظاهر مترتبة على المناخ والطقس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 المناخ والصناعة : ولئن كانت دراسة المناخ والأحوال الجوية مهمة للزارعة فإن أهميتها لتبدو واضحة كذلك بالنسبة للصناعة، فمن المعروف أن بعض الصناعات يلزم لقيامها نوع معين من المناخ، فصناعة الغزل والنسيج مثلًا يلزم لنجاحها نسبة عالية من الرطوبة في الهواء حتى لا تتقصف التيلة عند غزلها ونسجها، ويظهر هذا في صناعة غزل ونسيج القطن أوضح منه في صناعة غزل ونسيج الصوف؛ إذ إن الأولى تحتاج إلى نسبة من الرطوبة أعلى بكثير مما تحتاج إليه الثانية، والمثال التقليدي الذي يضرب عادة لتوضيح هذه الحقيقة هو أن صناعة القطن قد تمركزت في مقاطعة لنكشير في غرب إنجلترا، حيث يكون الهواء عادة محملًا بنسبة مرتفعة جدًّا من الرطوبة، بينما تمركزت صناعة الصوف في مقاطعة يوركشير المقابلة لها في الشرق حيث تكون نسبة الرطوبة في الهواء أقل نوعًا ما منها في لنكشير، ولعل هذا هو السبب أيضًا في أن معظم صناعات الغزل والنسيج في مصر توجد بصفة خاصة في النصف الشمالي من الدلتا. ومن الصناعات الأخرى التي اشتهرت بشدة حساسيتها للظروف الجوية صناعة السجاير والسيجار، فهي تحتاج إلى درجة حرارة ونسبة رطوبة عاليتين، وعلى العكس من ذلك يلاحظ أن صناعة المواد الغذائية، مثل صناعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 حفظ اللحوم والأسماك والخضروات والفواكه كلها تحتاج غالبًا إلى جو بارد وكلما كان الهواء جافًّا كان ذلك أدعى لنجاح الصناعة. ولكننا مع ذلك نلاحظ أن كثيرًا من الصناعات أمكنها في الوقت الحاضر أن تتحرر إلى حد ما من سيطرة المناخ والأحوال الجوية، وذلك بعد أن تقدمت وسائل التبريد والتدفئة وغيرها من وسائل تكييف الهواء، بحيث أصبح من الممكن خلق أجواء صناعية داخل المصانع على حسب الحاجة، وفضلًا عن ذلك فإن المصانع أصبحت تبنى أحيانًا تحت سطح الأرض حتى تكون بعيدة بقدر المستطاع عن تأثيرات التقلبات الجوية المختلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 علاقة المناخ والجو بالملاحة والحرب : ولا تخفى علينا كذلك أهمية الدراسات الجوية بالنسبة للملاحة البحرية والجوية على حد سواء، فالطيار أو البحار كلاهما عليه أن يتأكد من حالة الجو وما يمكن أن يطرأ عليه من تغيرات قبل أن يمضى في رحلته، ومع ذلك فكثيرًا ما نسمع عن حوادث سقوط الطائرات أو غرق المراكب بسبب تقلبات فجائية في الظروف الجوية مثل حدوث العواصف أو انتشار الضباب الكثيف فوق المواني والمطارات وعلى خطوط الملاحة، وكذلك القائد في ميدان القتال عليه أن يراقب الأحوال الجوية بكل حذر، فكثيرًا ما كانت الظاهرات الجوية سببًا في خسارة بعض المعارك المهمة أو كسبها، ومن الثابت أن بعض فصول السنة تكون أصلح من غيرها لنجاح العمليات الحربية المختلفة، وذلك على حسب نوع الأسلحة التي تستخدمها الجيوش المتحاربة، فالمتتبع لسير الحروب في الشرق الأقصى في السنوات الأخيرة مثلًا، يلاحظ أن الجيوش الأمريكية المجهزة بالطائرات والأسلحة الثقيلة تفضل عادة القيام بعمليات الغزو والهجوم في الأشهر التي تقل في أثنائها الأمطار والتقلبات الجوية، حتى يسهل استخدام الطائرات والعربات والدبابات في الميدان، بينما يفضل المجاهدون الوطنيون الأشهر الممطرة للقيام بمثل هذه العمليات؛ لأنهم -على الأقل في الوقت الحاضر- أقل من الدول الاستعمارية اعتمادًا على الطائرات والدبابات في حروبهم وذلك إلى جانب أنهم يكونون في هذه الأشهر أقل تعرضًا لهجمات هذه الأسلحة، من القوات الأمريكية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 المناخ وموارد المياه : من الثابت أن موارد المياه، سواء ما هي سطحية أو ما هي جوفية، مصدرها مياه الأمطار التي تمثل عنصرًا أساسيًّا من عناصر المناخ، وبالإضافة إلى علاقاتها المباشرة بالأمطار فإن هذه المياه، وخصوصًا المياه السطحية تتأثر كذلك بدرجة الحرارة التي تعتبر العامل الرئيسي الذي يؤدي إلى ضياع مقادير متباينة من مياه الأمطار بالتبخر، الذي يمثل مرحلة رئيسية من مراحل الدورة المائية، والواقع أن المظاهر الجوية في هذه الدورة، وأهمها التبخر والتكثف والتساقط، كلها مظاهر مناخية، ولتوزيع المياه على سطح الأرض علاقات قوية بالدورة الهوائية العامة, التي تنتقل بواسطتها الرطوبة من بعض المناطق إلى مناطق أخرى حيث، تتكثف وتسقط بشكل أمطار، أو بأي شكل آخر من مظاهر التكثف، وتلعب الكتل الهوائية الجافة والرطبة هي الأخرى دورًا مهمًّا في هذا التوزيع، فالكتل الهوائية الجافة التي تتكون على اليابس تساعد على سرعة التبخر فتزيد من جفافه، حيث تنقل عند خروجها منه مقادير كبيرة من رطوبته ومياهه، أما الكتل الهوائية البحرية الرطبة فتحمل إليه على العكس من ذلك كثيرًا من بخار الماء الذي يتكثف إذا ما صادف ظروفًا ملائمة لذلك، كأن يرتفع هواؤها بالتصعيد أو عند مصادمته للحافات الجبلية فيؤدي إلى سقوط الأمطار. وهكذا فإن المناخ هو المسئول الأول عن الدورة المائية وعن توزيع المياه على سطح الأرض وفي طبقاتها، ولهذا فإن دراسته تحتل جانبًا أساسيًّا في دراسة تصريف مياه الأنهار، ونظام جريانها وإمكانات تخزين مياهها، وتقدر احتمالات الفيضانات حدوث حالات القحط والجفاف1   1 لمزيد من القراءة في هذا الموضوع راجع: Critchfield, H j "2nd 1966" Grneral Climatology Prentice Hall. New Jersey, pp. 248-265. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 المناخ والعمران : يتدخل المناخ في التخطيط العمراني الحديث من بعض النواحي، مثل اختيار المناطق الصناعية والمناطق الترفيهية والمناطق السكنية، وأهم العناصر المناخية التي تراعى في هذا التخطيط هي الرياح لأنها هي التي تفرض وضع المناطق الصناعية وأماكن تجميع النفايات في اتجاه انصرافها بعد مرورها على الأحياء السكنية والأحياء الترفيهية، كما أن هبوب الرياح المعتدلة من ناحية البحر في المدن الساحلية وانخفاض المدى الحراري على طول السواحل يعتبر من العوامل المهمة التي تدفع إلى امتداد معظم هذه المدن امتدادًا طوليًّا محاذيًا لساحل البحر، وإلى وجود أهم مناطق الترفيه والتنزه على امتداد الشواطئ. ولقد كان تأثير المناخ والأحوال الجوية واضحًا على تصميم المساكن منذ أن بدأ الإنسان يبنيها في عهوده الحضارية القديمة لسبب واضح وهو أن أحد الأهداف الرئيسية من بنائه لها هو الحماية من الأحوال الجوية، وأيًّا كان نوع المسكن أو حجمه فإن المناخ يتدخل في اختيار موقعه واختيار المواد التي يُبنى بها وتصميمه، والعناصر المهمة التي تراعى عادة في الاختيار هي درجة الحرارة والإشعاع الشمسي والمطر والرياح. وليس المناخ السائد وحده هو الذي يتدخل في تصميم المساكن وتوجيهها، بل إن المناخ التفصيلي للمواضع التي تختار للبناء يمكن أن تجعل بعض المواضع، أصلح للسكنى من غيرها داخل النوع الواحد من المناخ، ويرجع التباين في المناخ التفصيلي من موضع إلى آخر إلى عوامل محلية مثل ارتفاع الأرض أو وجود مسطحات مائية أو غطاءات نباتية أو مناطق صناعية أو مبان قريبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 المناخ وصحة الإنسان : من الثابت أن هناك علاقة وثيقة بين صحة الإنسان وحالة الجو والمناخ، فقد تبين مثلًا أن بعض أنواع المناخ تساعد على انتشار أمراض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 معينة، ويعتبر المناخ الحار الرطب من أسوأ أنواع المناخ في هذه الناحية، وذلك لأنه يساعد على تحلل المواد العضوية، وعلى نمو الجراثيم والميكروبات والحشرات وانتشارها، فضلًا عن أنه يبعث غالبًا على الكسل والخمول ويقلل من مقدرة الجسم على مقاومة الميكروبات، وقد كان هذا المناخ من أهم العقبات التي اعترضت الأوروبيين عند استعمارهم الأقاليم الاستوائية، وكثيرًا ما كنا نسمع مثلًا عن "مقبرة الرجل الأبيض" وهو الاسم الذي اشتهر به ساحل غانة في غرب إفريقية حيث تجتمع الحرارة والرطوبة الشديدتان طول السنة، ومن الملاحظات المشهورة أيضًا أن كثرة أشعة الشمس وقوتها بالقرب من خط الاستواء تساعد على زيادة سرعة نمو بعض الأجهزة والغدد في جسم الإنسان، مما يؤدي إلى انخفاض سن البلوغ عنه في البلاد ذات المناخ المعتدل أو البارد، فهو بالنسبة للإناث مثلًا يقع بين سن الحادية عشرة والرابعة عشرة عند خط الاستواء وبين الثالثة عشرة والسادسة عشرة في الأقاليم المعتدلة، وبين الخامسة عشرة والثامنة عشرة في الأقاليم القطبية1. ويلاحظ كذلك أن سكان الأقاليم محرومون تمامًا من أشعة الشمس خلال فترة من السنة يزداد طولها كلما اقتربنا من القطب، الذي تنقسم السنة عنده بصفه عامة إلى فصلين، هما فصل صيف طويل لا تغيب فيه الشمس مطلقًا لمدة قد تصل إلى ستة أشهر، وفصل شتاء مظلم قد تستمر ستة أشهر كذلك، ويتعرض الإسكيمو الذين يعيشون في تلك العروض، والرحالة الذين قد يصلون إليها خلال هذا الفصل المظلم لبعض الأمراض التي تنشأ نتيجة لحرمان الجسم من أشعة الشمس، ومن أهمها فقر الدم "الأنيميا" والأرق وعسر الهضم ولين العظام Rickets وغيرها. ولكن إذا كان مناخ بعض الأقاليم يساعد على انتشار أنواع معينة من الأمراض فقد ثبت من ناحية أخرى أن هناك أنواعًا من المناخ تساعد على علاج بعض الأمراض المشهورة، حتى إن "تغيير الهواء" أصبح من أهم وسائل العلاج الحديثة، التي ينصح بها الأطباء، فقد تبين مثلًا أن هواء الجبال يساعد   1 Lebon, J.H.G. "an Introduction to Human Geography". 1952,p.4,3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 كثيرًا على علاج أمراض الرئة، وذلك بسبب تخلخله وبقائه وانخفاض نسبة الرطوبة به، كما تبين أن هواء الصحراء يساعد على علاج أمراض القلب، وهو يشبه هواء الجبال في نقائه كما أنه يمتاز بجفافه، ولكنه أقل تخلخلًا من هواء الجبال مما يجعله أقل إجهادًا للقلب1. والمعروف أن الجسم البشري يتأثر تأثرًا مباشرًا بتقلبات الجو خصوصًا ما يتعلق منها بارتفاع الحرارة أو انخفاضها، ولكن مهما زادت التغيرات الحرارية فمن الثابت أن درجة حرارة الجسم تظل 37 ْمئوية، وأنها إذا ارتفعت عن ذلك بأكثر من أربع درجات فقد تتعطل أجهزة الجسم الحساسة وغالبًا ما تحدث الوفاة إذا وصل الارتفاع إلى خمس درجات، بينما يستطيع الجسم من ناحية أخرى أن يتحمل انخفاضًا قد يصل إلى عشر درجات مئوية، بمعنى أن الإنسان يمكنه أن يظل حيًّا حتى ولو انخفضت درجة حرارته إلى 27 ْمئوية. ولكي يظل الجسم البشري محافظًا على معدل درجة حرارته وهي 37 ْمئوية زوده الله جلت قدرته بوسائل متعددة لحفظ التوازن بين درجة حرارته ودرجة حرارة الجو المحيط به، ففي الجو الحار يستطيع الجسم أن يتخلص من الحرارة التي تزيد "بسبب عمليات الاحتراق التي تحدث به أو بسبب ارتفاع درجة حرارة الجو" بواسطة العرق الذي يؤدي تبخره إلى خفض درجة حرارة الجلد، أما في الجو البارد فإن الجسم يحاول الاحتفاظ بحرارته عن طريق تقلص الأوردة والشرايين الملاصقة للجلد مما يقلل من اندفاع الدم فيها ووصوله إلى السطح حيث تتعرض حرارته للضياع بملامسة الجلد والأطراف فقد تزداد برودتها بدرجة تؤدي إلى حدوث قشعريرة بها. والمعروف أن الدورة الدموية هي التي توزع الحرارة على مختلف أجزاء الجسم   1 Miller A:Austin, "Climatology" 4th, 1944, p.4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 الغلاف الجوي تركيبه ... 2 الغلاف الجوي Atmosphere 2- 1- تركيبه: الغلاف الجوي "أو الجو" هو الغلاف الغازي، الذي يحيط بالكرة الأرضية إحاطة تامة، وهو يتكون من قطاعه الأسفل القريب من سطح الأرض من الهواء الحقيقي، الذي يتركب، وهو جاف ونقي، من عدة عناصر غازية متحدة مع بعضها بنسب معينة، وأهمها النيتروجين "الأزوت" والأكسوجين اللذان يشكلان معًا حوالي99% من حجم الهواء "78% نيتروجين و21% أكسوجين"، وأما الباقي وقدره 1% فتشترك فيه مجموعة من العناصر الأخرى أهمها الأرجون "Argon 0.8%" وثاني أوكسيد الكربون "0.03%" والأيدروجين "Hydrogen 0.01%" وعدد آخر من الغازات التي توجد بنسب ضئيلة جدًّا مثل النيون والأوزون. والنسب المذكورة لتركيب الهواء ثابتة تقريبًا في كل مكان عند سطح الأرض، باستثناء ثاني أوكسيد الكربون الذي يتغير تغيرًا بسيطًا على حسب توفر مصادره وأهمها عمليات الاحتراق والتلوث في المناطق الصناعية والمدن المزدحمة. وينطبق هذا أيضًا على عنصر الأوزون، وهو شكل من الأشكال التي يتحول إليها الأكسوجين، إذ إن نسبته تتغير تغيرًا بسيطًا مع تغير الأحوال الجوية، حيث ترتفع نوعًا ما في الجو المضطرب عنها في الجو الساكن، وقد أظهرت الأبحاث الحديثة أن نسبته قد تناقصت في الوقت الحاضر وصغر سمك الطبقة الأولى التي توجد فيها بسبب تزايد ملوثات الهواء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وعلى العموم فإن تركيب الهواء يتغير تدريجيًّا كلما زاد الارتفاع حيث تتناقص نسب عناصره الثقيلة وهي النيتروجين والأكسوجين وثاني أوكسيد الكربون، بينما تتزايد نسب عناصره الخفيفة مثل الأيدروجين والهيليوم والنيون، ولكنها لا تلبث هي الأخرى أن تتناقص في القطاعات العليا حتى تختفي تقريبًا على ارتفاع يتراوح بين 300 و 500 كم، وهو أعلى ارتفاع للغلاف الجوي. ويقدر على وجه الإجمال أن حوالي 50% من الوزن الكلي للغازات التي يتألف منها الغلاف الجوي تتجمع في قطاعه الأسفل حتى ارتفاع ستة كيلومترات وأن 25% من هذا الوزن توجد في الست كيلومترات والنصف التي تعلو ذلك. وعلى الرغم من أن الهواء يتركب أساسًا من العناصر الغازية السابقة فإنه يحتوي أيضًا على نسب متباينة من الغبار وبخار الماء، وهي مواد عالقة تتباين كمياتها ومعدلاتها من مكان إلى آخر ومن وقت إلى آخر على حسب توفر مصادرها، وهي تتناقص بصفة عامة، وخصوصًا الغبار، كلما زاد الارتفاع. ولكل من بخار الماء والغبار أهمية مناخية خاصة، فبخار الماء هو كل مظاهر التكثف من سحب وأمطار وضباب وثلج وندى وصقيع، وتتباين نسبته في الهواء من مكان إلى آخر على حسب توفر مصادرها، وأهمها المسطحات المائية التي يؤدي تبخر مياهها إلى زيادة نسبة الرطوبة "بخار الماء" في الهواء، فإذا ما انتقل هذا الهواء إلى مناطق أخرى فإنه ينقل معه ما يحمله من بخار، فإذا ما صادف ظروفًا تساعد على تكيفه وسقوطه بأية صورة من الصور فإنه يعود إلى الأرض لينتهي مرة أخرى إلى البحر، فتتم بذلك الدورة المائية المعروفة. أما الغبار فيتكون بمعناه من كل الجزيئات والحبيبات الصلبة التي يحملها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 الهواء وأهمها جزيئات الأتربة والرمال الناعمة وحبوب اللقاح المتطايرة من الأشجار وجزيئات النباتات الجافة والغبار الذي ينطلق من فوهات البراكين. ويعتبر الغبار من أهم الملوثات الطبيعية للهواء، كما أنه هو مصدر النويات التي يتكثف عليها بخار الماء في الجو، وأنه يساعد الهواء على امتصاص الحرارة من أشعة الشمس في أثناء النهار وعلى سرعة فقدانها بالإشعاع في أثناء الليل، وهو يشترك مع بخار الماء في إحداث بعض الظاهرات الضوئية المعروفة مثل الشفق الذي يظهر عادة عند غروب الشمس وأحيانًا عند شروقها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 2- 2- طبقات الغلاف الجوي "شكل1": ونظرًا للطبيعة الغازية للغلاف الجوي واختلاف كثافة العناصر التي يتكون منها والمواد العالقة به، وارتباطه بالجاذبية الأرضية فإن كثافته تتناقص كلما زاد الارتفاع بسبب تناقص غازاته الكثيفة وتناقص المواد العالقة به فيأخذ نتيجة لذلك في التخلخل والانتشار ولا تبقى به في مستوياته العليا التي يزيد ارتفاعها على 200 كيلو متر إلا بعض الغازات الخفيفة التي تتلاشى بدورها تدريجيًّا حتى تختفي في منطقة التقائه بالفضاء. ويترتب على التغير الذي يطرأ على تركيب هذا الغلاف وكثافته نتيجة لتزايد الارتفاع تغير في خصائصه الضوئية والحرارية والكهرومغناطيسية وعلى الرغم من أن التغير يحدث ببطء وبالتدريج فقد أمكن تقسيم هذا الغلاف إلى عدة طبقات لكل منها خصائص معينة، ولكنها تتداخل في بعضها تداخلًا تدريجيًّا بحيث لا يسهل وضع حدود واضحة لكل منها، ولهذا فإن ما يفصلها عن بعضها عبارة عن مناطق انتقالية تختلط فيها صفاتها وليس لها بدورها حدود واضحة. وكأي مادة غازية فإن الهواء الذي يشكل الطبقة السفلى من الغلاف الجوي، تتميز بسهولة التحرك في كل الاتجاهات، وبأنه قابل للانضغاط والانكماش، وبأنه قابل للتمدد والانتشار، وهو دائم التحرك والانتقال سواء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 على نطاق واسع بين مختلف الأقاليم، أو في حدود ضيقة بين الأماكن المتجاورة. وعلى الرغم من أن صفات الهواء تتغير أفقيًّا ورأسيًّا تغيرًا واضحًا فمن غير الممكن وضع حدود واضحة بين أنواعه المختلفة؛ لأن هذه الأنواع تتداخل في بعضها تداخلًا تدريجيًّا بحيث تظهر عادة مناطق انتقالية بين الأنواع المتجاورة ولهذا فإن الحدود الخطية التي ترسم على الخرائط أو في الأشكال التوضيحية بين طبقات الجو، أو بين الكتل الهوائية المختلفة، أو بين الأنواع المناخية لا تمثل في الواقع حدودًا بمعنى الكلمة. ومن السهل تتبع التغير الرأسي الذي يطرأ على خصائص الغلاف الجوي وتركيبه إذا ما ارتفعنا فيه من سطح الأرض إلى أعلى بحيث يمكن تقسيمه إلى طبقات متداخلة بعضها في بعض، وأول هذه الطبقات هي طبقة التروبوسفير Tropsphere التي يتراوح سمكها بين 8 و18 كيلومترًا. وفيها يتجمع معظم الهواء بمعناه المعروف، كما تحدث فيها معظم الظاهرات الجوية التي لها علاقة مباشرة بمناخ الأرض، وفيها يتدرج الهواء في تركيبته وكثافته ودرجة حرارته إلى أعلى. وتستأثر طبقة التروبوسفير وحدها بنحو 75% من وزن الغلاف الجوي كله، وفيها توجد كل الغازات الثقيلة التي تدخل في تركيب الهواء، وأهمها النيتروجين والأكسوجين وثاني أكسيد الكربون، وكل المواد العالقة بالهواء وهي بخار الماء والغبار، وكلما ارتفعنا في هذه الطبقة تناقصت هذه الغازات وهذه المواد، وقلت كثافة الهواء، وتناقصت درجة حرارته، كما تتناقص درجة الحرارة فيها تناقصًا عامًّا كلما اتجهنا من خط الاستواء نحو القطبين، وتتداخل طبقة التروبوسفير هذه تدريجيًّا في الطبقة التي فوقها، وهي طبقة الاستراتوسفير Stratosphere، وتوجد بينهما طبقة انتقالية هي الاستراتوبوز statopuse ويتميز الاستراتوسفير بشدة برودته حتى إن درجة حرارته تصل إلى -50 ْم ولكنها لا تتناقص بالارتفاع، وفي هذه الطبقة تنعدم تقريبًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 الغازات الثقيلة والمواد العالقة، وعلى العكس مما يحدث في الطبقة السفلى أي التروبوسفير، فإن درجة الحرارة تتزايد في الاستراتوسفير كلما اتجهنا من خط الاستواء نحو القطبين. وتتداخل هذه الطبقة بدورها تداخلًا تدريجيًّا في الطبقة التي فوقها وهي طبقة الميزوسفيرMesosphere. وتفصل بينهما طبقة انتقالية يطلق عليها اسم استراتوبوزStratopause وتبقى درجة الحرارة شديدة الانخفاض في طبقة الميزوسفير، ويتزايد انخفاضها بسرعة في أجزائها العليا حتى تصل إلى أقل من -70 ْ. وفي هذه الطبقة تحترق آلاف الشهب التي تندفع يوميًّا من الفضاء نحو الأرض. وفي الطبقات الأعلى من الجو تتداخل طبقة الميزوسفير في طبقة الأيونوسفير lonosphere من خلال طبقة انتقالية يطلق عليها اسم الميزوبوزMesopause وفيها تأخذ درجة الحرارة في الارتفاع بسرعة ثم تواصل ارتفاعها السريع في الأيونوسفير، وهنا تحدث بعض الظاهرات الضوئية المعروفة وأهمها ظاهرة الشفق أو الوهج القطبي أو "الأورورا Aurora". وهي تظهر قرب الدائرة القطبية بشكل ستائر من الأشعة الملونة التي تتدلى نحو الأرض. ويتدرج الأيونوسفير إلى أعلى حتى يتداخل في أعلى طبقات الغلاف الجوي وهي الترموسفيرThermosphere أي الغلاف الحراري، وهو غلاف انتقالي نحو الفضاء، وفيه ترتفع درجة الحرارة إلى 1000 ْ أو أكثر، وفيه تنعكس الموجات اللاسلكية القصيرة التي تنطلق من الأرض فتعود إليها مرة أخرى حيث يمكن أن يلتقطها جهاز المذياع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 شكل "1" طبقات الغلاف الجوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 قياس عناصر الجو المناخية قياسها في الطبقات العليا ... 2- 3- قياس عناصر الجو المناخية: أولًا- قياسها في الطبقات العليا: رغم أن ما يهمنا في دراسة المناخ هو قياس العناصر المناخية في التربوسفير بصفة عامة وفي الهواء المجاور لسطح الأرض بصفة خاصة بسبب ما لها من علاقات مباشرة وغير مباشرة بكل المظاهر الطبيعية والحيوية والبشرية على سطح الأرض فإن قياس نفس هذه العناصر في أعلى الجو وخصوصًا في أعلى التربوسفير مهم هو الآخر لدراسة الدورة الهوائية العامة وحركات السحب والتنبوءات الجوية وحركات الطيران ورحلات الفضاء وغيرها. ومن الواضح أن طرق قياس العناصر المناخية في أعلى الجو تختلف عن طرق قياسها في أسفله، فبالنسبة لقياس العناصر المناخية في أعلى الجو يستخدم عادة جهاز معروف باسم "الراديو سوند Radio Sonde". وهو عبارة عن جهاز في حجم الراديو الصغير، وبه أجهزة تسجيل وإرسال لقياس الضغط الجوي والحرارة وغيرهما وإرسال نتائج القياس إلى محطة الاستقبال على الأرض. ويعلق هذا الجهاز في بالون مملوء بالأيدروجين أو الهيليوم ليكون أخف من الهواء فيستطيع الارتفاع إلى مستويات عالية، ولكن المستويات التي يمكن قياس عناصرها بهذا الجهاز لا تزيد غالبًا على 35 كيلو مترًا. أما المستويات الأعلى من ذلك فكانت المعلومات الخاصة بها مبنية على الحساب والاستنتاج. وإلا أن تقدم أبحاث الفضاء واستخدام الأقمار الصناعية قد ساعد في توفير كثير من المعلومات المحققة عن هذه المستويات. وتدور حول الأرض في الوقت الحاضر عدة أقمار صناعية متيورولوجية Meteosats لإرسال كل ما يمكن إرساله من بيانات عن مختلف عناصر الجو المتيورولوجية، فهي ترسل مثلًا صور للسحب والأمطار التي تظهر في مناطق واسعة، كما ترسل بيانات عن الإشعاع الشمسي والضغط الجوي، ودرجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الحرارة وحركات الرياح ونشأة الأعاصير وغيرها. وبالإضافة إلى الأقمار الصناعية التي تدور باستمرار حول الأرض تستخدم كذلك أقمار ثابتة فوق أماكن معينة لتصوير كل ما يمر في مجالها من ظاهرات جوية في مساحات شاسعة من الغلاف الجوي بل وعلى سطح الأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 ثانيًا- قياسها في الطبقة السفلى "المجاورة لسطح الأرض" : تعتمد دراسة المناخ في أي منطقة على القياسات التي تقوم بها المراصد الجوية لعناصر الجو المناخية المختلفة، وأهمها الإشعاع الشمسي ودرجات الحرارة والضغط الجوي والرياح والتبخر والمطر وغيرها، ويوجد في العالم الوقت الحاضر العديد من محطات الأرصاد الجوية التي تزيد كثافتها بصفة خاصة في الدول المتقدمة عنها في الدول النامية، وخصوصًا الدول النامية الفقيرة التي ما زالت مساحات واسعة منها مفتقرة إلى الرصد الجوي، وحتى المراصد التي أسست بها لم تمض على تأسيسها إلا سنوات قليلة، ولهذا فإن المتوسطات المتوفرة فيها لعناصر المناخ لا تعطي الفترة المتفق عليها دوليًّا لحساب المعدلات المناخية وهي ثلاثون سنة. وتتباين محطات الأرصاد الجوية في مراتبها، فمنها محطات رئيسية تتلقى نتائج الأرصاد من مجموعة من المحطات الأصغر منها والمنتشرة في منطقة واسعة ولتكن دولة بأكملها، وبعد أن تتلقى المحطة الرئيسية نتائج الأرصاد من المحطات التابعة لها تقوم باستخراج معدلاتها ونشرها، كما تقوم باستخدامها في رسم خرائط الطقس وعمل التنبوءات الجوية. وبالإضافة إلى قياس عناصر المناخ قرب سطح الأرض فإن المحطات الرئيسية تقوم كذلك بقياس هذه العناصر في المستويات الجوية الأعلى بواسطة جهاز الراديو سوند الذي سبقت الإشارة إليه، والذي يطلق عادة مرة كل يوم حوالي منتصف النهار ليقيس عناصر المناخ في قطاع رأسي ابتداء من سطح الأرض حتى أقصى ارتفاع يستطيع أن يرتفع إليه، وهو لا يزيد عادة على 35 كيلو مترًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 ثالثًا- أجهزة الرصد ومواصفات المرصد الجوي البسيط : تضم أجهزة الرصد الجوي في الوقت الحاضر أنواعًا متعددة بعضها تقليدي بسيط وبعضها حديث ومعقد، وإن ما يهمنا هنا هو الأجهزة البسيطة التي تستخدم عادة في كل المراصد ومنها المراصد التعليمية ومراصد محطات البحوث الزراعية ومناطق تخزين المياه وغيرها. والأجهزة المستخدمة في هذه المراصد على نوعين هما: 1- أجهزة تقرأ نتائج القياس عليها بواسطة الراصد أو غيره، وتشمل كل أنواع الترمومترات، والبارومترات والهيدرومترات "أجهزة قياس المطر" والهيجرومترات "أجهزة قياس الرطوبة" وأجهزة قياس التبخر. 2- أجهزة تسجيل أوتوماتيكية، وهي تسجل نتائج القياس باستمرار بالرسم البياني على خرائط خاصة. وهي أهم مميزات هذه الأجهزة أن نتائجها ليست معروضة للأخطاء البشرية، وأنها تعطي تسجيلات مستمرة للعناصر المناخية بحيث يمكن حفظ خرائطها في سجلات خاصة للرجوع إليها والاستفادة بها في أي وقت، ومن أشهر هذه المسجلات مسجل الضغط الجوي "الباروجراف"، ومسجل درجة الحرارة "الترموجراف" ومسجل الرطوبة "الهيجروجراف" وجهاز تسجيل سرعة الرياح "الأنيمومتر" وأجهزة قياس المطر. وباستثناء أجهزة قياس الضغط الجوي التي لا يشترط وضعها في المرصد نفسه، بل توضع عادة في إحدى الحجرات المجاورة له فإن كل الأجهزة الباقية تقريبًا توزع بترتيب خاص على المساحة المخصصة للمرصد. ولكن بينما يشترط لبعضها أن يكون معرضًا للجو مباشرة مثل أجهزة قياس المطر والإشعاع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 الشمسي والوعاء المستخدم لقياس التبخر فإن بعضها الآخر يجب أن يوضع في داخل كشك خاص screen يحميه من الشمس والرياح ولكن لا يفصله تمامًا عن الجو، وأهم هذه الأجهزة هي أجهزة قياس درجات الحرارة "الترمومترات، والترموجراف"، وأجهزة قياس رطوبة الهواء. وأهم مواصفات المرصد البسيط هي: 1- أن تكون أرضه مستوية، وبعيدة عن أي مبان أو أشجار أو أي عوائق أخرى تؤثر على حركة الرياح وتوزيع أشعة الشمس على المرصد والمعتاد هو أن تكون مساحة القطعة التي يقام عليها المرصد هي 6×9 أمتار. 2- على الرغم من أن أكشاك الرصد المخصصة لحفظ أجهزة قياس درجة الحرارة والرطوبة قد تتباين في أحجامها فإنها يجب أن تشترك في مواصفات خاصة هي: أ- أن توضع بحيث تكون مرتفعة ارتفاعًا كافيًا عن الأرض حتى لا تتأثر درجة الحرارة بداخلها بالإشعاع الأرضي أو بالغطاء النباتي أو الجليدي إن وجد، والمعتاد هو أن يكون البعد بين قاعدة الكشك وسطح الأرض حوالي 140 سنتيمترًا. ب- أن يكون بابه متجهًا نحو الشمال "في نصف الكرة الشمالي" حتى لا تدخله الشمس عند فتحه فتؤثر على الأجهزة. ج- أن تكون جوانبه وبابه مصنوعة من الخشب المزدوج "مثل شيش النوافد" حتى لا تسخن هذه الجوانب عند سقوط أشعة الشمس عليها، كما تسمح في نفس الوقت بتهويته. 3- من الممكن أن يضم المرصد ترمومترات خاصة لقياس درجات حرارة التربة على أعماق مختلفة وقياس درجة حرارة سطح الحشائش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 الإشعاع الشمسي تعريف الإشعاع الشمسي ونصيب الأرض منه ... 3- الإشعاع الشمسي salar radiation 3- 1- تعريف الإشعاع الشمسي ونصيب الأرض منه: الإشعاع الشمسي بمعناه العام solar radiation هو الطاقة الإشعاعية التي تطلقها الشمس في كل الاتجاهات، والتي تستمد منها كل الكواكب التابعة لها وأقمارها كل حرارة أسطحها وأجوائها، وهي طاقة ضخمة جدًّا يقدرها البعض بنحو170 ألف حصان لكل متر مربع من سطح الشمس، ولكن الأرض لا يصيبها إلا حوالي جزء من ألفي مليون جزء من هذه الطاقة، وهذا القدر الضئيل هو المسئول عن كل الطاقة الحرارية لسطح الأرض وغلافها الجوي، وهو الذي نقصده عادة عند الكلام على الإشعاع الشمسي كعنصر من عناصر المناخ، ويطلق عليه لفظ "إنسوليشن1 insulation.   1 كلمة insulation مكونة من ثلاثة مقاطع يشمل المقطعان الأولان منها الحرفين الأولين من كلمتي solar incomimg بينما يشمل المقطع الثالث الحروف الأخيرة كلمة radiation. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 3- 2- تركيبه : يتكون الإشعاع الشمسي الواصل إلى الأرض "الأنسوليشن" من عدة أنواع من الأشعة المختلفة في ألوانها وأطوال موجاتها وخصائصها وعلاقتها بجو الأرض وسطحها وما يحدث فيهما من عمليات طبيعية وكيمائية وحيوية، وبما يعيش على الأرض من كائنات حية بمختلف الأشكال والأنواع. فمن حيث ألوانها فإن الأشعة الشمسية والواصلة إلى جو الأرض تضم كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 ألوان الطيف التي تظهر عند تحليل هذه الأشعة بواسطة منشور زجاجي أو عند سقوطها على السحب العالية وظهورها بشكل قوس ضوئي ملون يعرف باسم قوس قزحrainbow. وأهم ألوانه هي البنفسجية، والزرقاء، والخضراء والصفراء والحمراء، وإن امتزاج هذه الألوان ببعضها بعد احتجاز بعضها في أعلى الجو مثل بعض الأشعة الزرقاء والأشعة فوق البنفسجية هو الذي يكون ضوء الشمس. أما من حيث طول الموجات فإن أطول الموجات هي موجات الأشعة تحت الحمراء وطولها 0.7 ميكرون والأشعة الضوئية وطولها 0.7 ميكرون، أما أقصرها فهي الأشعة فوق البنفسجية التي يقل طول موجاتها عن 0.4 ميكرون1، وفيما بين هاتين النهايتين فإن الأشعة المرئية التي يتكون منها ضوء الشمس موجاتها متوسطة. وهي أكثر الأشعة تأثيرًا على حرارة الأرض2. وعندما تصل أشعة الشمس عمومًا إلى سطح الأرض فإنه يمتص بعضًا منها ويحوله من موجات قصيرة إلى طاقة حرارية طويلة الموجات تنتقل وتتوزع رأسيًّا وأفقيًّا لتزود جو الأرض بالوقود اللازم لكل العمليات التي يتضمنها الطقس والمناخ، والتي ينتج عنها تباين الأحوال الحرارية من مكان إلى آخر ومن وقت إلى آخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 حساب الطاقة الإشعاعية الواصلة إلى الأرض الطاقة الإشعاعية الواصلة إلى أعلى الغلاف الجوي ... 3- 2- حساب الطاقة الإشعاعية الواصلة إلى الأرض أ- الطاقة الإشعاعية الواصلة إلى الغلاف الجوي: إن معظم الطاقة الإشعاعية التي تنطلق الشمس تكون بشكل موجات كهرومغناطسية تصل إلى أعلى الغلاف الجوي بشكل موجات قصيرة، وتتوقف كميتها على عاملين رئيسيين هما: المعامل الشمسي الثابثsolar constant والبعد بين الأرض والشمس، ومن المفروض أن نفس هذه الكمية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 هي التي كان من الممكن أن تصل إلى سطح الأرض إذا لم يعترضها الغلاف الجوي. والمقصود بالمعامل الشمسي الثابت هو الطاقة الإشعاعية التي تقع على 1سم 2 من السطح العلوي للغلاف الجوي إذا ما سقطت عليه بشكل عمودي عندما تكون الأرض واقعة على بعدها المتوسط من الشمس وهو 148 مليون كيلومتر "93 مليون ميل". ومن الحسابات التي أجراها بعض الباحثين تبين أن هذا المعامل الثابت هو 13.94 سعر/ سم 2 / دقيقة1. ولكن على الرغم من وصف المعامل بأنه ثابت Constant فإنه ليس في الواقع ثابتًا تمامًا بسبب ما يطرأ على سطح الشمس نفسها من تغيرات تترتب عليها تغيرات في الطاقة الإشعاعية المنطلقة منها، وبسبب اختلاف بعد الأرض عن الشمس في الصيف عنه في الشتاء، فالمعروف أن هذا البعد يبلغ أدناه في أول شهر يناير حيث يبلغ 146.4 مليون كيلومتر "91.5 مليون ميل" وعندئذ تكون الشمس في موضع الرأس بالنسبة للأرض Perihelion، ثم يبلغ أقصاه في أول شهر يوليو حيث يبلغ 151.2 مليون كيلومتر "94.5 مليون ميل" وتكون الشمس عندئذ في نقطة الذنب Aphelion، ونتيجة لهذا فإن الطاقة الشمسية التي تصل إلى أعلى جو الأرض تكون في الحالة الأولى أي في يناير 2.01 سعر/ سم 2 / دقيقة2. ومع ذلك فإن هذا الاختلاف ليس له تأثير مناخي يذكر بسبب تدخل العوامل الأخرى التي تؤثر على كمية الأشعة وقوتها وأهمها طول المسافة التي تقطعها الأشعة عند اختراقها للغلاف الجوي، والزاوية التي تسقط بها على الأرض، ودرجة صفاء الجو ومقدار ما به من سحب وغبار وبخار ماء، وطول النهار بالنسبة لطول الليل. ونظرًا لأن مساحة سطح الكرة تعادل أربعة أمثال مساحة مقطعها العرضي فإن معدل الطاقة الإشعاعية التي تسقط على سطح سنتيمتر مربع من مقطع   1 Haurwitz,B.4 Austin, J.M. "1944" Climtaology" N.Y.P.5 2 Wiener, C.J."1970",op.ii الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 أفقي من سطحها في حالة عدم وجود غلاف جوي 0.25 من المعامل الثابت الذي يمثل ما يقع أعلى الغلاف الجوي وهو 1.94 سعر /سم 2 دقيقة أي شكل"2" كميات الإشعاع التي يتلقاها كل 1سم 2 من السطح العلوي للغلاف الجوي "أو من سطح الأرض إذا افترضنا عدم وجود هذا الغلاف" في فصلي الصيف والشتاء وفي السنة على دوائر العرض المختلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 يكون 1.94 ÷ 4= 0.485سعر/ سم 2 / دقيقة1. ويبين شكل"2" كميات الإشعاع التي يتلقاها كل1سم 2 من السطح العلوي للغلاف الجوي "أو من سطح الأرض إذا افترضنا عدم وجود هذا الغلاف" في فصلي الصيف والشتاء وفي السنة، وذلك على دوائر العرض المختلفة2 ومنه يتبين أن قمة الإشعاع السنوي، توجد على خط الاستواء وأدناها عند القطب، ولكن هذه القمة تتزحزح في فصل الصيف إلى خط عرض 23 ْ، أما في فصل الشتاء فيكون هناك تناقص تدريجي في الإشعاع من خط الاستواء إلى القطب. ويبين شكل"3" توزيع المعدلات اليومية للإشعاع الشمسي في حالة عدم وجود غلاف جوي على دوائر العرض في تواريخ معينة، وهو يوضح بخطوط "الإشعاع الشمسي المتساوي" المحسوب بالسعرات على كل سنتيمتر مربع شكل"3" توزيع المعدلات اليومية للإشعاع الشمسي على دوائر العرض المختلفة على فرض عدم وجود غلاف جوي في تواريخ معينة.   1 Haurwtz 4 Austin.op cit p6 2 Ibid p الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 في اليوم. ومن هذا الشكل يتضح أن قمة الإشعاع في فصل الصيف توجد في الأقاليم القطبية وأن حده الأدنى، وهو صفر، يوجد في نفس الأقاليم في الشتاء. وإلى جانب قمة الإشعاع الصيفية القطبية تظهر قمة أخرى ثانوية في نفس الفصل بين دائرتي عرض 40 ْو 50 ْفي نصفي الكرة، كما يمثلها خط الأشعة المتساوي 1000 سعر. وتتميز الأقاليم المحصورة بين المدارين بوجود قمتين للإشعاع نتيجة لتعامد الشمس عليها مرتين في أثناء تحركها نحو الشمال في فصل الصيف "الشمالي" وإلى الجنوب في فصل الشتاء. ويبن الجدول"1" معدل كمية الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى أعلى الغلاف الجوي "أ" وكمية الإشعاع التي تصل سطح الأرض بعد اختراق الغلاف الجوي "ب" على بعض دوائر العرض في الانقلابين والاعتدالين. جدول "1" معدل كمية الإشعاع الشمسي التي تصل إلى أعلى الغلاف الجوي "أ" وكمية الإشعاع التي تصل إلى سطح الأرض بعد اختراق هذا الغلاف "ب" على دوائر العرض المختلفة في التواريخ التي تمثل الاعتدالين والانقلابين "بالسعرات/ سم 2 / دقيقة"1.   1 Haurwitz 4 Austin "1944" Ibid.p.12 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 ويتبين من هذا الجدول أن الغلاف الجوي يقلل كثيرًا من كمية الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى الأرض، وأنه في حالة عدم وجوده فإن المناطق القطبية يكون نصيبها من الأشعة في وقت الانقلاب الصيفي أكبر منه في أي نطاق آخر من سطح الكرة الأرضية، إلا أن وجود الغلاف الجوي، وميل الأشعة وطول المسافة التي تقطعها خلاله تقلل من الطاقة الإشعاعية التي تصل إلى الأرض في هذه المناطق. وبدلًا من ذلك فإن النطاق الذي يصيبه أكبر قدر من الأشعة هو النطاق المحصور بين دائرتي العرض 30 ْو 40،ْ وذلك بسبب جفافه، وقلة سحبه، حيث إنه يتفق مع نطاق الضغط المرتفع وراء المدار الذي يسود فيه الهواء الهابط الجاف. وإن نفس هذا العامل، وهو قلة السحب هو السبب في أن الإشعاع الشمسي في وقت الاعتدالين يصل إلى قمته فيما بين دائرتي العرض 10 ْو20 ْفي الاعتدال الربيعي وفيما بين دائرتي عرض 20 ْو30 ْفي الاعتدال الخريفي، وينطبق هذا عمومًا على نصفي الكرة الشمالي والجنوبي، مع بعض الاختلافات التي ترجع إلى زيادة اتساع الماء بالنسبة لليابس في النصف الجنوبي، وما ينتج عنه من زيادة في كميات السحب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 ب- الطاقة الإشعاعية المنتشرة Difuse Radiation: ويقصد بها الإشعاع الذي يمتصه الجو ثم ينتشر منه إلى أعلى وإلى أسفل فيصل بعضه بالانتشار إلى سطح الأرض. ويطلق على هذا الإشعاع أحيانًا اسم "الإشعاع السمائي المنتشر1 Sky Radiation Difuse". وهو يساهم في حرارة سطح الأرض بقدر لا يقل عن القدر الذي يساهم به الإشعاع الشمسي المباشر. وتزداد مساهمته بصفة خاصة عندما تكون الشمس محتجبة بالسحب. ويبين الجدول رقم "2" مقدار هذا الإشعاع على حسب الحسابات التي أجراها باور وفليبس "1935". وبمقارنة هذا الإشعاع بالإشعاع الشمسي المباشر كما حسبه نفس الباحثين "الجدول رقم 1" تتبين أهمية الإشعاع المنتشر من السماء خصوصًا في العروض العليا وفي فصل الشتاء. كما   1 cnitch field. op cit. p. 15 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 يتبين أن هذا الإشعاع يمثل حتى في فصل الصيف نسبة لا يستهان بها من الإشعاع الواصل إلى سطح الأرض، كما أن توزيعه يتشابه مع التوزيع الفصلي للإشعاع الشمسي المباشر الذي يصل كذلك إلى سطح الأرض. ويبدو هذا واضحًا بصفة خاصة في العروض الواقعة بين دائرتي عرض 60 ْو 90 ْفي 21 يونيو، ففي هذه العروض يزيد الإشعاع السمائي المنتشر على الإشعاع الشمسي المباشر حتى في وقت الانقلاب الصيفي بسبب كثرة السحب، ويستثنى من ذلك وقت الاعتدال الربيعي الذي يزيد في أثنائه الإشعاع الشمسي المباشر عن الإشعاع السمائي المنتشر. جدول "2" معدلات الإشعاع السمائي المنتشر نحو الأرض على دوائر العرض المختلفة "سعرات/ سم 2 / دقيقة". المصدر" Hautwistz & Austin "1944", p.14 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 ج- تأثير الغلاف الجوي على الطاقة الإشعاعية : إن الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى أعلى الغلاف الجوي لا يستطيع أن يصل كله إلى سطح الأرض؛ لأن نسبة كبيرة منه تُفقد عند اختراقها لهذا الغلاف نتيجة لارتداد بعضه إلى الفضاء بواسطة "الألبيدو الأرضي" وامتصاص بعض آخر منه في الجو بواسطة المواد العالقة وغاز ثاني أكسيد الكربون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 والمقصود بالألبيدو الأرضي Earth's Aledo هو نسبة ما يرتد من الأشعة الشمسية نحو الفضاء دون أن يؤثر على جو الأرض أو على سطحها، وأهم العوامل التي تؤدي إلى هذا الارتداد هي السحب التي تساهم وحدها برد حوالي 23% من الإشعاع الشمسي الواصل إلى جو الأرض، وتليها المواد العالقة بالجو من غبار وبخار ماء، وهي تساهم في مجملها برد 9% من هذا الإشعاع، ويساهم سطح الأرض نفسه برد 2% منه. وعلى هذا الأساس فإن الألبيدو الأرضي يبلغ في جملته 34% من الأشعة الواصلة إلى أعلى الجو، فيكون مجموع ما تكسبه الأرض وجوها هو 66% منها1. إلا أن هذه النسب تتباين من وقت إلى آخر ومن مكان إلى آخر على حسب كمية السحب ودرجة صفاء الجو ومقدار ما يتعلق به من بخار الماء والهواء، ونوع الغطاء الذي يكسو سطح الأرض، إن كان صخريًّا أو مائيًّا أو جلديًّا أو نباتيًّا، فلكل نوع من هذه الغطاءات ألبيدو خاص به وأكبره هو ألبيدو سطح الجليد "شكل 4". وتبلغ نسبه ما يمتص من الأشعة في الجو بواسطة بخار الماء والغبار حوالي 11% من جملتها، أما ما يمتص بواسطة الغازات في نفس الجو فيبلغ2% وتزداد هاتان النسبتان نوعًا ما، إذا كانت السماء محتجبة بالغيوم2. ولكن يلاحظ أن الأشعة التي تمتص في الجو لا تمثل كلها فاقدًا فعليًّا من الطاقة الإشعاعية؛ لأنها لا تريد كلها إلى الفضاء، إذ إنها تساعد على رفع درجة حرارة الطبقات التي تمتص فيها، كما تصل نسبة لا بأس بها منها بصورة أشعة منتشرة إلى سطح الأرض، وذلك بخلاف الأشعة التي ترتد إلى الفضاء بواسطة الألبيدو والتي تمثل خسارة فعلية لحرارة الأرض. ولقد أثبتت بعض الدراسات أن الإشعاع الذي ينتشر من الجو نحو الأرض، والذي يعرف باسم الإشعاع السمائي المنتشر لا يقل أهمية عن الإشعاع المباشر في تزويدها بالحرارة، بل إنه قد يتفوق عليه عندما تكون الشمس محتجبة بالغيوم.   1 critch fied. op. cit 2 wiesner. op.cit الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 شكل "4" النسبة بين ما يكسبه جو الأرض من الإشعاع الشمسي وما يخسره بسبب الألبيدو الأرضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 د- الميزانية الحرارية للأرض the earth's heat budjet: المقصود بالميزانية الحرارية للأرض هو أن يكون هناك تعادل بين كمية الإشعاع التي يكتسبها جوها وسطحها، وكمية الإشعاع التي تنصرف منها إلى الفضاء. ويعتبر هذا التعادل شرطًا أساسيًّا لبقاء حرارة سطح الأرض وجوها ثابتة تقريبًا من سنة إلى أخرى لأنه لو حدث تفوق مستمر في الحرارة المكتسبة على حساب الحرارة المفقودة لالتهب سطح الأرض بكل ما عليه، ولو حدث من ناحية أخرى تفوق مستمر في الحرارة المنصرفة على حساب الحرارة المكتسبة لتجمد سطح الأرض بكل ما عليه. ولكن هذا التوازن لا يظهر عادة إذا حسب في كل إقليم أو في كل فصل من فصول السنة على حدة، إذ إن ظروف بعض الأقاليم تساعدهم على ارتفاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 مكسبها الحراري أو زيادة خسارتها من وقت إلى آخر أو على مدار السنة ولكنه، أي التوازن الحراري، ويظهر إذا ما حسب بالنسبة لكل سطح الأرض، ولكل غلافها الجوي من سنة إلى أخرى حيث تؤدي عمليات التوزيع الحراري بواسطة الرياح والتيارات البحرية وعمليات الحمل convection والتبخر والتكثف إلى انتقال الحرارة من المناطق التي يتوفر فيها الإشعاع الشمسي إلى المناطق التي يوجد فيها هذا الإشعاع فيؤدي هذا الانتقال إلى أن يبقى إجمالي حرارة جو الأرض ثابتًا من سنة إلى أخرى. والعناصر التي تساهم في الميزانية الحرارية للأرض كثيرة ومعقدة ولا يمكن فصل بعضها عن بعض، لا يسهل حسابها أو قياسها، وأهمها هي: 1- الطاقة الإشعاعية التي تصل إلى جو الأرض والتي تحسب بالسعرات علي كل سم 2 في الدقيقة أو الساعة أو اليوم، وذلك على أساس المعامل الشمسي الثابت، وهو 1.94 سعر/ سم 2 دقيقة، وما يطرأ على هذه الطاقة من تغير بسبب اختلاف بعد الأرض عن الشمس في الصيف عنه في الشتاء، وقد سبق أن تكلمنا على هذه الطاقة. 2- مقدار ما يرتد من الطاقة الإشعاعية إلى الفضاء بواسطة "الألبيدو الأرضي". 3- مقدار ما يمتص من هذه الطاقة في الجو بواسطة الغبار وبخار الماء وثاني أكسيد الكربون، وبواسطة الأوزون في المستويات الأعلى من الجو. 4- انتشار الطاقة الإشعاعية التي يمتصها الجو نحو الأرض ونحو الفضاء ويطلق عليها كما سبق أن ذكرنا الإشعاع السمائي المنتشر Difuse Sky.Radiation 5- امتصاص سطح الأرض للأشعة وتحويلها إلى طاقة حرارية تنطلق إلى الجو في موجات طويلة. 6- استخدام بعض الطاقة في عمليات تبخر المياه واحتفاظ البخار بها بصورة حرارة كامنة latent heat ثم انطلاقها منه عند التكثف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 ولكن مهما كان تعقد العناصر التي تساهم في الميزانية الحرارية وتعددها وتداخل بعضها في بعض فلا بد أن تكون محصلتها النهائية هي تعادل جملة ما تكسبه الأرض من الطاقة الإشعاعية مع جملة ما يعود منها إلى الفضاء. ورغم صعوبة قياس عناصر الميزانية الأرضية فإن بعض الباحثين اقترحوا تقديرات تقريبية لبعضها، ومثال ذلك التقديرات التي وصفها الباحثين باور Baur وفيليبس Philipps في ألمانيا سنة 1935 والتي تتلخص فيما يلي: - الطاقة الإشعاعية التي تصل إلى جو الأرض هي 700 سعر/ سم 2 / يوم، علي أساس أن المعامل الشمسي الثابت هو 1.94سعر/ سم 2 / دقيقة. - 27% من هذه الطاقة يصل إلى سطح الأرض مباشرة. - و16% تصل إلى سطح الأرض بالانتشار Difuse Radiation - 15% تمتص في الجو بما فيه من سحب. - فيكون مجموع ما تكسبه الأرض وجوها هو 58 % أما الباقي وهو 42% فيرتد إلى الفضاء بواسطة الألبيدو*. ولكن ليس معنى أن مكسب الأرض وجوها من الطاقة الشمسية يبلغ 58 % من الطاقة الإشعاعية الكلية الواصلة إلى جو الأرض أن هذا المكسب يبقى فيهما، بل إنه لا بد أن يعود كله في النهاية إلى الفضاء حتى تظل الميزانية الحرارية للأرض ثابتة.   * نظرًا لأن الألبيدو الأرضي يتغير من وقت إلى آخر ومن مكان إلى آخر بسبب تغير العوامل المؤثرة فيه، فليس هناك اتفاق تام على تقديره - والأرقام المذكورة هنا مأخوذه من: haurwitz & austil "1942" p. 15 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 3- 4- التوزيع الجغرافي للإشعاع الشمسي : تكلمنا فيما سبق على الطاقة الإشعاعية الشمسية بالنسبة للكرة الأرضية عمومًا وأوضحنا دور الغلاف الجوي في تقليلها وكيف أن جملة ما تكسبه الأرض وجوها من هذه الطاقة في السنة لا بد أن يتعادل مع جملة ما يرتد منها إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 الفضاء، وأن هذا التعادل هو الذي يجعل للأرض ميزانية حرارية ثابتة من سنة إلى أخرى. ولكن ليس معني هذا التوازن أن تكون كل أجزاء سطح الأرض أو كل أيام السنة متعادلة في مكسبها أو خسارتها من الإشعاع الشمسي؛ لأن توزيع هذا الإشعاع يختلف من مكان إلى آخر ومن فصل إلى آخر نتيجة لتأثره بعدة عوامل هي: 1- اختلاف الألبيدو الأرضي من مكان إلى آخر ومن وقت إلى آخر. 2- اختلاف البعد بين الأرض والشمس في الصيف عنه في الشتاء. 3- اختلاف طول الليل والنهار في العروض المختلفة وفي الفصول المختلفة. 4- اختلاف الزاوية التي تسقط بها أِشعة الشمس علي سطح الأرض. وقد سبق أن تكلمنا على العاملين الأول والثاني وهما الألبيدو الأرضي والبعد بين الأرض والشمس، وذكرنا أن الألبيدو يختلف من مكان إلى آخر ومن فصل إلى آخر على حسب كمية السحب ودرجة صفاء الجو، وأن الأرض تكون أبعد عن الشمس في أول يوليو بنحو 4.8 مليون كيلو متر عنها في أول ديسمبر. أما العاملين الثالث والرابع فمن الواضح أن كليهما، مرتبط بالموقع بالنسبة لدوائر العرض ارتباطًا مباشرًا، ففي فصل الصيف يتزايد طول النهار علي حساب طول الليل كلما اتجهنا نحو القطب حتى يصل طوله في يوم الانقلاب الصيفي "21يونيو" إلى 24 ساعة عند الدائرة القطبية وستة أشهر عند القطب، وتنعكس الآية في فصل الشتاء، كما يتبين من الجدول "3". جدول "3" أكبر طول للنهار في العروض المختلفة "21 يونيو" في نصف الكرة الشمالي. "21 يونيو" في نصف الكرة الشمالي دوائر العرض صفرْ 41 ْ 63 ْ 66.5 ْ 67 ْ 78 ْ 90 ْ طول نهار 12 15 20 24 30يوم 4 أشهر 6 أشهر "ساعة" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وكذلك بالنسبة للزاوية التي تسقط بها أشعة الشمس على الأرض فإن هذه الزاوية تكاد تكون قائمة عند دائرة الاستواء في معظم شهور السنة، وخصوصًا في فصلي الاعتدالين، ثم تصغر كلما اتجهنا نحو القطبين حيث يزداد ميل الأشعة وخصوصًا في فصل الشتاء، كما أن زاوية سقوط الأشعة تتغير كذلك خلال اليوم الواحد بحيث تبلغ أدناها عند الشروق وتزداد تدريجيًّا حتى تصل إلى أكبرها في وقت الزوال، ثم تتناقص مرة أخرى حتى تصل إلى أدناها عند الغروب. والمعروف أن قوة الأشعة تتناسب طرديًّا مع زاوية سقوطها، فهي تبلغ أقصى قوتها إذا كانت زاوية سقوطها 90،ْ وتوصف الأشعة في هذه الحالة بأنها عمودية، وإذا نقصت هذه الزاوية فإن الأشعة تكون مائلة، وكلما نقصت زاوية سقوطها ازداد ميلها وضعفت قوتها لأنها في هذه الحالة تقطع مسافة أطول عند اختراقها للغلاف الجوي وتتوزع في نفس الوقت على مساحة أكبر من سطح الأرض. وفي ضوء الحقائق فإن المعدل السنوي للإشعاع الشمسي يبلغ أقصى قوته عند خط الاستواء ويتناقص عمومًا نحو القطبين، ويقدر أن الإشعاع الشمسي الواصل إلى الأرض يكون عند خط الاستواء أربعة أمثاله عند أي من القطبين. وعلى العموم فإن كمية الإشعاع الشمسي الواصل إلى الأرض تكون كبيرة طول السنة فيما بين المدارين ويكون تغيرها محدودًا من فصل إلى آخر. ولكن نظرًا لأن الشمس تتعامد على العروض الواقعة بينهما مرتين في أثناء تزحزحها شمالًا وجنوبًا فإن الإشعاع الشمسي عليها تكون له قمتان متفقتان تقريبًا مع مرتي تعامد الشمس، وأما في المناطق الواقعة بين أحد المدارين والدائرة القطبية فإن الإشعاع الشمسي يبلغ قمته في وقت الانقلاب الصيفي ويبلغ حده الأدنى في وقت الانقلاب الشتوي فإذا ما تجاوزنا الدائرة القطبية نحو القطب وجدنا أن نهار الصيف يزداد طوله من 24 ساعة، عند الدائرة القطبية نفسها في يوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الانقلاب الصيفي إلى ستة أشهر عند القطب، وتنعكس الآية في فصل الشتاء فلا تظهر الشمس لمدة 24 ساعة في يوم الانقلاب الشتوي، وتتزايد مدة اختفائها حتى تصل إلى ستة أشهر عند القطب، ونتيجة لهذا يكون هناك فائض في الأشعة في فصل الصيف ونقص شديد فيها في فصل الشتاء. ولكن تقدير الإشعاع الشمسي الواصل إلى الأرض في العروض المختلفة لا يكفي وحده لتقدير صافي الإشعاع المكتسب في هذه العروض بل يجب أن يخصم منه الإشعاع المرتد إلى الفضاء، حيث إن الفرق بينهما هو الذي يحدد الوافر أو العجز في الميزانية الحرارية للأرض كما يتضح من شكل "5"1. ومنه يتبين أن هناك وفرًا حراريًّا في العروض المدارية ويقابله عجز في العروض العليا، وأن هناك تعادلًا بينهما حوالي دائرة عرض 30.ْ شكل "5" الميزانية الحرارية للأرض عند دوائر العرض المختلفة وتبين الخريطة شكل "6" التوزيع السنوي للإشعاع الشمسي الكلي عند سطح الأرض2.   1 Critchfield p.20 2 Lbid.p.21 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 شكل "6" التوزيع السنوي للإشعاع الشمسي الكلي على سطح الأرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 ومن هذه الخريطة يتبين أن التوزيع الفصلي للإشعاع الشمسي الواصل إلى سطح الأرض يتمشى تمامًا مع دوائر العرض حيث تتدخل في توزيعه عوامل أخرى أهمها صفاء الجو وكمية ما به من سحب ومواد عالقة، فحوالي دائرة عرض 20 ْ يسود الجفاف وتقل السحب بصفة عامة بسبب وجود الضغط المرتفع وراء المدار ولذلك فإن قمة الإشعاع الشمسي الواصل إلى الأرض تظهر على طول هذه الدائرة، بينما تؤدي كثرة السحب في مناطق أخرى إلى خفض هذا الإشعاع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 3- 5- قياس الإشعاع الشمسي كعنصر من عناصر المناخ : إن المطلوب في المدارسة المناخية عادة هو قياس الإشعاع الشمسي على أساس عدد ساعات سطوع الشمس في اليوم ثم حساب متوسطاتها ومعدلاتها الشهرية والسنوية، والجهاز التقليدي المستخدم لهذا الغرض هو جهاز كامبل واستوكس، وهو مكون من كرة بلورية توضع في الشمس فتتجمع بواسطتها الأشعة في بؤرة تتحرك مع الشمس الظاهرية فتسجل حركتها على شريط خاص من الورق الداكن بشكل حرق طولي يظهر عندما تكون الشمس ساطعة ويختفي في حالة احتجابها بالسحب، ويمكن على هذا الأساس معرفة وقت سطوع الشمس وعدد ساعات سطوعها ابتداء من الشروق حتى الغروب "شكل7". ونظرًا لأن خط سير البؤرة يتغير بتغير درجة ميل أشعة الشمس من فصل إلى آخر فقد صممت أشرطة الورق بثلاثة أشكال يستخدم أحدها في فصل الصيف وأحدها في فصل الشتاء والثالث في فصلي الربيع والخريف. وإلى جانب حساب المعدلات اليومية والشهرية والسنوية لعدد ساعات سطوع الشمس فمن المهم كذلك قياس قوة الإشعاع الشمسي، وتستخدم في هذا القياس عدة أجهزة أهمها: 1- ترمومتر النهاية العظمى للإشعاع الشمسي، ومهمته هي قياس النهاية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 العظمى للحرارة المستمدة من أشعة الشمس في اليوم. وهو عبارة عن ترمومتر موضوع داخل غلاف زجاجي مفرغ تمامًا من الهواء حتى لا يتأثر بحرارة الجو بل يتأثر فقط بأشعة الشمس التي تخترق الغلاف الزجاجي وترفع درجة حرارة الزئبق في المستودع "شكل8". شكل "8" ترمومتر النهاية العظمى للإشعاع الشمسي 2- جهاز قياس تأثير الأشعة الشمسية على الأجسام المعتمة والأجسام اللامعة، وهو مكون من ترمومترين أحدهما ذو فقاعة مغطاة بمادة سوداء والثاني فقاعته لامعة، وتعرض فقاعتاهما لأشعة الشمس طول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 مدة سطوعها، ويدل الفرق بينهما على قدرة الأجسام المعتمة على امتصاص الأشعة وقدرة الأجسام اللامعة على ردها. 3- البرهيليومتر "شكل9"- وهو جهاز إليكتروني به لوحتان إحداهما بيضاء والثانية، سوداء، فعندما تسقط الأشعة تنعكس من على سطح اللوحة البيضاء بينما تمتصها اللوحة السوداء، وتسجل تأثير الأشعة عليها إليكترونيًّا، ويدل الفرق بينهما على مقدار الأشعة التي يمكن أن تمتصها الأجسام المعتمة شكل "9" برهيليومتر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 4- جهاز قياس الطاقة الإشعاعية على أساس قدرتها على تبخير مقادير معينه من الماء، ويشتهر هذا الجهاز باسم راديومتر بيلاني Bellani Radiometer نسبة إلى اسم مخترعه "1826". ولهذا الجهاز فائدة مزدوجة إذ إنه يسجل مقدار الطاقة الواصلة من الشمس، كما يبين في نفس الوقت مقدار التبخر الناتج عنها. ويوجد في هذا الجهاز مستودع كروي محفوظ داخل كرة زجاجية ومتصل بأنبوبة شعرية يخرج منها البخار ليدخل في أنبوبة متسعة حيث يتكثف بها وتتجمع المياه الناتجة في طرفها حيث تقاس بواسطة مقياس مدرج موضوع فيها، وهذا الجهاز يقرأ يوميًّا، وعند إعادة استخدامه لا بد أن يقلب ليعود كل الماء المكثف إلى المستودع. 5- حساب الإشعاع الشمسي بالطرق الرياضية: إلى جانب قياس الإشعاع الشمسي بالأجهزة السابقة فإن الطاقة الشمسية يمكن أن تحسب كذلك بالطرق الرياضية التي تدخل حساباتها عدة متغيرات أهمها عدد ساعات سطوع الشمس ونسبة ما يتغطى من السماء بالسحب. وقد اقترحت لذلك عدة معادلات من بينها المعادلة الآتية1، وهي معادلة انحدار خطي بسيط Regression Equation ش ع   = أ+ ب "   " ش ن وفيها ش، ش هما مقدار ما يقع من الأشعة على سنتيمتر مربع من سطح الأرض ومقدار ما كان من الممكن أن يقع عليه إذا لم يكن هناك غلاف جوي. وتوجد جداول خاصة تبين مقدار هذا الإشعاع في أيام السنة على العروض المختلفة. أما أ، ب فثابتان يستخرجان من حساب العلاقة بين المعدل الشهري لكل من الإشعاع الشمسي وعدد ساعات سطوع الشمس في المكان المراد حساب الإشعاع الشمسي به.   1 نعمان شحادة - "1983" المناخ العملي –عمان – صـ56 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 أما ع فهي عدد الساعات الفعلية لسطوع الشمس في اليوم، كما يدل عليها جهاز كامبل وستوكس. أما ن فهي عدد الساعات المفترضة لسطوع الشمس، وهي تعني طول النهار على حسب ما هو معروف على دوائر العرض المختلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 حرارة الجو مدخل ... 4- حرارة الجو Air Temperature: إن دراسة حرارة الجو وتوزيعها العام على سطح الكرة الأرضية لا يمكن فصلها عن دراسة الإشعاع الشمسي وتوزيعه العام، وذلك لأن الإشعاع الشمسي هو المصدر الوحيد لحرارة الجو ولأن توزيع كليهما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بدرجات العرض، إذ إن هذه الدرجات هي التي تحدد الساعات المحتملة لسطوع الشمس، أي طول النهار، كما تحدد الزاوية التي تسقط بها الأشعة على سطح الأرض في الفصول المختلفة. وإلى جانب الدرجات العرضية التي تمثل العامل الرئيسي لتوزيع حرارة الجو على مستوى العالم ومستوى القارات فإن هذا التوزيع يتأثر بعوامل أخرى أهمها توزيع الماء واليابس وتضاريس سطح الأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 التوزيع العام بدرجة الحرارة على دوائر العرض ... 4- 1- التوزيع العام لدرجة الحرارة على دوائر العرض: إن قوة العلاقة بين توزيع الحرارة والدوائر العرضية يمكن إدراكها بوضوح بمجرد مقارنة المعدلات الحرارية العامة على هذه الدوائر بعضها ببعض. فبالنسبة لزاوية سقوط أشعة الشمس فإنها عند خط الاستواء تسقط عمودية على سطح الأرض تقريبًا في معظم أيام السنة، أما بالقرب من الدائرة القطبية فإن هذه الأشعة تسقط مائلة جدًّا خصوصًا في نصف السنة الشتوي، ومن المعروف أن الأشعة العمودية أقوى من الأشعة المائلة لأنها تتوزع على مساحة أصغر من المساحة التي تتوزع عليها أشعة مائلة بنفس السمك، كما أن الأشعة العمودية تقطع مسافة أقصر في الغلاف الجوي من الأشعة المائلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وترتبط كمية الإشعاع الشمسي كذلك ارتباطًا قويًّا بطول النهار الذي يرتبط بدوره بدرجات العرض. فمن المعروف أن النهار يزداد طوله على حساب الليل في فصل الصيف بينما يحدث العكس في فصل الشتاء، وتزداد هذه الظاهرة وضوحًا كلما بعدنا عن خط الاستواء، ولهذا فإنه على الرغم من أن المتوسط السنوي لما يصيب الأرض من أشعة الشمس عند القطبين صغير في جملته بالنسبة لما يصيبها في العروض الأخرى فإنه يكون في الفترة من أول يونيو حتى منتصف يوليو أكبر منه في أي نطاق عرضي آخر.. ويرجع هذا إلى أن الشمس تستمر ظاهرة طول هذه الفترة دون انقطاع. ولكن ليس معنى هذا أن القطب يكون في هذه الفترة أشد حرارة من العروض والأخرى لأن معظم الحرارة التي تكتسب من أشعة الشمس تستنفد في صهر بعض الجليد الذي يغطي المناطق القطبية بدلًا من أن تعمل على سرعة رفع درجة حرارة الهواء. ويبين الجدول "4" المعدلات الحرارية السنوية والفصلية على بعض دوائر العرض، ومنه يتبين أن أعلى معدل سنوي للحرارة يوجد على خط عرض 10 ْ شمالًا، وأن أعلى معدل شهري شتوي "في يناير" يوجد على خط الاستواء، بينما يوجد أعلى معدل حراري صيفي "يوليو" على دائرة العرض 20 ْ شمالًا، كما يتبين أن المعدلات السنوية تكون عمومًا أعلى في نصف الكرة الشمالي منها في نصفها الجنوبي. ويبدو هذا واضحًا من مقارنة المعدلات السنوية على دوائر العرض المتقابلة. ويتبين كذلك أن التناقص الحراري العام نحو القطبين يكون صغير في العروض المدارية وسريعًا في العروض العليا، فبينما ينخفض المعدل السنوي من 26.2 ْ عند خط الاستواء إلى 20.4 ْ على دائرة العرض 30 ْ شمالًا، أي بمعدل درجة مئوية واحدة لكل خمس دوائر عرضية، فإنه ينخفض من 20.4 ْ على دائرة العرض 30 ْ إلى 11.4 على دائرة العرض 70 ْ بمعدل درجة لكل 1.25 دائرة عرضية فقط. وتنطبق نفس هذه الملاحظة كذلك ولو بصورة تقريبية على نصف الكرة الجنوبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 جدول "4" المعدلات الحرارية السنوية والفصلية على بعض دوائر العرض في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي المصدر: Haurwitz and Austin, op.citp.24 "بعد تحويل الدرجات الفهرنهيتية إلى درجات مئوية". ويرجع الارتباط القوي بين دوائر العرض وتوزيع الحرارة على سطح الكرة الأرضية إلى أن الزاوية التي تسقط بها أشعة الشمس على الأرض ترتبط ارتباطًا وثيقًا بدرجات العرض، كما يرتبط طول الليل والنهار في الفصول المختلفة كذلك بهذه الدرجات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 تأثير الماء واليابس على التوزيع العام لدرجة الحرارة مدخل ... 4- 2- تأثير الماء واليابس على التوزيع العام لدرجة الحرارة: على الرغم من العلاقة القوية بين توزيع المعدلات الحرارية على سطح الكرة الأرضية وبين الدوائر العرضية فإن هذه المعدلات لا تتمشى دائمًا مع هذه الدوائر بسبب اختلاط الماء باليابس، وخصوصًا في نصف الكرة الشمالي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 واختلاف تأثر كل منها بالإشعاع الشمسي بدرجة تجعل للمناخ الذي يخضع لتأثير أي منهما خصائص متميزة عن خصائص المناخ المتأثر بالآخر. ويرجع الاختلاف في تأثير الأشعة الشمسية على الماء واليابس إلى العوامل الآتية: 1- أن الحرارة النوعية للماء تعادل أربعة أمثال الحرارة النوعية لليابس1، وهذا يعني أن تسخين اليابس يكون أسرع من تسخين الماء، ولما كان من المعروف علميًّا أن الأجسام التي تكتسب الحرارة بسرعة تفقدها بسرعة فإن اليابس يبرد كذلك أسرع مما يبرد الماء. 2- أن بعض الأشعة التي تسقط على الماء تستنفد في عمليات التبخر. 3- أن الأشعة التي تسقط على الماء تتعمق فيه وتتوزع على طبقة سميكة منه كما تتوزع في كل الاتجاهات بتأثير الحركة المستمرة للماء. 4- أن ألبيدو الماء أكبر من ألبيدو اليابس، أي أنه أقدر منه على رد الأشعة إلى الفضاء. ويبدو تأثير الماء واليابس على توزيع درجة الحرارة واضحًا بصفة خاصة على كل من المدى الحراري، وعلى اتجاه خطوط الحرارة المتساوية على مستوى العالم والقارات. والمقصود بالمدى الحراري Range of temperature هو الفرق بين أعلى وأدنى درجتي حرارة تسجلان خلال اليوم الواحد، أو بين أعلى وأدني متوسطين حراريين يوميين خلال الشهر الواحد، أو بين أعلى وأدني متوسطين أو معدلين شهريين خلال السنة. والمعتاد في الدراسات المناخية هو حساب معدل المدى السنوي ومعدل المدى اليومي للحرارة للاستفادة بهما في تحديد نوعية المناخ ومدى تطرفه، فكلما صغر المدى السنوي والمدى اليومي، كان ذلك دليلًا على قوة تأثير الماء   1 الحرارة النوعية Specifdheat هي كمية الحرارة التي تلزم لرفع درجة حرارة جرام واحد من الماء بمقدار درجة مئوية واحدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 على المناخ الذي يوصف في هذه الحالة بأنه مناخ بحري Marine Climate ومثال ذلك مناخ الجزر والبلاد الساحلية، وكلما ارتفع المدى السنوي والمدى اليومي كان ذلك دليلًا على قوة تأثير المناخ، الذي يوصف في هذه الحالة، بأنه مناخ قاري Continental Climate وهو عادة مناخ متطرف، بمعنى أنه يكون حارًّا في الصيف وباردًا في الشتاء وحارًا بالنهار وباردًا بالليل، ومثال ذلك، مناخ الصحاري والمناطق الداخلية من القارات. وتوضح الخريطة شكل "10" توزيع المدى الحراري الفصلي في العالم ومنها يتبين أن هذا المدى عمومًا في نصف الكرة الشمالي "حيث ترتفع نسبة اليابس إلى الماء" عنه في نصفها الجنوبي "حيث تسود البخار" وأنه يبلغ أعلى قيمة له في وسط آسيا حيث يصل إلى 55 درجة مئوية، كما يرتفع كذلك، ولكن بصورة أقل على وسط أمريكا الشمالية، بينما ينخفض انخفاضًا واضحًا على المناطق المقابلة لهما من المحيطين الأطلسي والهادي، وينخفض بصورة أكثر وضوحًا على كل المحيطات الجنوبية وعلى خط الاستواء. شكل "10" توزيع معدلات المدى الحراري الفصلي في العالم "بالدرجات المئوية" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 ويبين شكل "11" معدلات الحرارة الشهرية في محطتين إحداهما تتميز بمناخها البحري الذي ينخفض فيه المدى الحراري السنوي وهي سنغافورة والثانية تتميز بمناخها القاري الذي يرتفع فيه هذا المدى، وهي وادي حلفا. وبالإضافة إلى تأثير الماء واليابس فإن كلًّا من المدى الحراري الفصلي والمدى الحراري اليومي يتأثر كذلك بالارتفاع عن سطح البحر، وبوجود الغطاءات النباتية، حيث إن كلًّا منهما ينخفض نسبيًّا على الجبال المرتفعة وفي المناطق المغطاة بالنباتات عنهما في السهول والمناطق الجرداء والمدن شكل "11" المعدلات الشهرية لدرجات الحرارة في سنغافورة ووادي حلفا. وإلى جانب انخفاض المدى الحراري الفصلي في المناخ البحري عنه في المناخ القاري فإن أعلى وأدنى معدلين حراريين شهريين في المناخ البحري يظهران غالبًا متأخرين عنهما في المناخ القاري، وذلك بسب بطء تأثر الماء بارتفاع حرارة الجو وبطء تأثره بانخفاضها بالنسبة لليابس، ولهذا فبينما يظهر أعلى وأدنى معدلين حراريين شهريين في المناخ القاري في شهري يوليو ويناير فإنهما يظهران في المناخ البحري غالبًا في شهري أغسطس وفبراير، وهذا لا ينطبق بطبيعة الحال على الأقاليم الاستوائية التي تكون للحرارة فيها قمتان تتفقان مع الاعتدالين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ويمكن ملاحظة تأثير الماء واليابس على التوزيع العام لدرجة الحرارة في العالم بمجرد النظر إلى اتجاهات خطوط الحرارة المتساوية على القارات والمحيطات. وهي الخطوط التي ترسم لتوضيح المعدلات الحرارية الشهرية والسنوية عند منسوب سطح البحر. ففي نصف الكرة الشمالي مثلًا تميل هذه الخطوط للانحراف شمالًا على أواسط القارات في فصل الصيف بسبب اشتداد الحرارة عليها بينما تنحرف جنوبًا على أواسط المحيطات حيث تكون الحرارة أقل منها على اليابس، ويحدث العكس في فصل الشتاء، ومع ذلك فإن توزيع الماء واليابس وحده لا يكفي لتفسير كل التعرجات التي تظهر في خطوط الحرارة المتساوية وخصوصًا على مياه المحيطات المجاورة لسواحل القارات؛ لأن التيارات البحرية الدافئة والباردة لها دور قوي في توجيهها. ويبدو هذا واضحًا بمجرد النظر إلى خطوط الحرارة المتساوية على المحيطات في نصفي الكرة، حيث تبدو الخطوط الحرارية متعرجة تعرجًا واضحًا في نصف الكرة الشمالي بسبب اتساع اليابس، أما في نصف الكرة الجنوبي فإن تعرجها يكون أقل وضوحًا بسبب اتساع المحيطات وضيق اليابس. ولهذا فإن خطوط الحرارة المتساوية في هذا النصف من الكرة تسير موازية تقريبًا لخطوط العرض. ويبدو هذا واضحًا من مقارنة خريطتي خطوط الحرارة المتساوية "الشكلين 12، 13" بخريطة التيارات البحرية "شكل 14". وإن أقوى التيارات البحرية الدافئة تأثيرًا على خطوط الحرارة المتساوية وعلى مناخ المناطق الساحلية هي: تيار الخليج الدافئ في شمال المحيط الأطلسي، وتيار اليابان "كيروسيفو" المقابل له في شمال غربي المحيط الهادي، وتيار موزمبيق إلى الشرق من جنوب إفريقيا. أما أقوى التيارات الباردة تأثيرًا فهي تيارات لبرادور في شمال غربي المحيط الأطلسي وتيار بنجويلا في جنوبه الشرقي وتيار الكناريا في شرقه وتيار فوكلاند في جنوبيه الغربي وتيار همبولت إلى الغرب من جنوب أمريكا الجنوبية وتيار كاليفورنيا في غرب أمريكا الشمالية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 شكل "12" خطوط الحرارة المتساوية لشهر يناير "درجات مئوية" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 شكل "13" خطوط الحرارة المتساوية لشهر يوليو "درجات مئوية" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 أثر التيارات على حرارة السواحل ... أثر التيارات البحرية على حرارة السواحل: بالنظر إلى خريطة التوزيع التيارات البحرية في المحيطات المختلفة نلاحظ ظاهرتين مهمتين هما: 1- في نطاق الرياح التجارية "على وجه الإجمال" توجد تيارات باردة بجوار السواحل الغربية للقارات بينما توجد تيارات دافئة أو حارة بجوار سواحلها الشرقية. 2- في نطاق الرياح العكسية "الغربية" تنقلب الآية، فبينما تتأثر السواحل الغربية للقارات ببعض التيارات الدافئة فإن سواحلها الشرقية تتأثر ببعض التيارات الباردة، وينطبق هذا بصفة خاصة على نصف الكرة الشمالي بسبب اتساع اليابس وعظم امتداده في العروض العليا. ولما كانت التيارات الدافئة تعمل دائمًا على تدفئة السواحل التي تمر بها بينما تعمل التيارات الباردة على برودتها، فقد ترتب على الظاهرتين السابقتين أن اختلفت درجة حرارة السواحل الشرقية للقارات عن درجة حرارة سواحلها الغربية التي تقع في نفس العروض، ويظهر هذا بوضوح عند مقارنة السواحل المتقابلة في القارة الواحدة أو السواحل المشرفة علي محيط واحد في القارات المختلفة. فإذا قارنَّا مثلًا بين أثر التيارات البحرية على حرارة السواحل الشرقية للمحيط الأطلسي وأثرها على حرارة السواحل الغربية لنفس المحيط نلاحظ ما يأتي: أولًا: أن السواحل الغربية لإفريقيا وشبه جزيرة أيبيريا أقل حرارة من السواحل المقابلة لها في شرق الأمريكتين، وذلك لمرور تياري الكناريا وبنجويلا الباردين أمام السواحل الأولى، وتياري الخليج والبرازيل الدافئين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 شكل "14" التيارات البحرية الرئيسية في المحيطات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 أمام السواحل الثانية، فبينما يبلغ المعدل السنوي لدرجة الحرارة في داكار Dakar على ساحل السنغال حوالي 24 ْم نجد أنه في فيراكوز Vere Cruz على الساحل الشرقي للمكسيك حوالي 25.3ْ، وذلك على الرغم من أن الثانية أبعد من الأولى عند خط الاستواء بحوالي 4 درجات عرضية، وكذلك في بنانا Banana الواقعة عند مصب نهر الكونغو يبلغ المعدل السنوي 20ْم مقابل 20.6 ْفي برمامبوكو Pernambuco على الساحل الشرقي للبرازيل. وتبدو هذه الاختلافات أوضح ما تكون في فصل الشتاء، ففي شهر يناير مثلًا يكون معدل الحرارة في دكار 20ْم مقابل 22 ْفي فيراكروز، أما في بنانا فيكون 22.4 ْمقابل 24 ْفي برنامبكو1. وتعمل الرياح التجارية التي تهب على سواحل إفريقية الغربية من الشمال الشرقي أو الجنوب الشرقي بطريقة أخرى على خفض درجة حرارة المياه المجاورة لهذه السواحل؛ لأنها تزيح باستمرار الطبقة السطحية من هذه المياه بعيدًا عن الساحل، فتكشف بذلك المياه التي تحتها وفي أشد برودة منها. وعلى الرغم من وجود التيار الاستوائي الراجع الحار الذي يُعرف باسم تيار غانة فإن أثره في تدفئة الساحل الإفريقي ضعيف جدًّا، ويرجع ذلك إلى ضعفه من جهة، وإلى إزاحة الرياح التجارية للطبقة السطحية من مياهه من جهة أخرى. ويلاحظ أن الفرق بين الساحلين الشرقي والغربي للمحيط الأطلسي يتناقص تدريجيًّا كلما ابتعدنا عن خط الاستواء نحو الشمال حتى تختفي تقريبًا حوالي خط عرض 30 ْشمالًا2، وهنا نجد أن خطوط الحرارة المتساوية تقطع الساحلين عند خطوط عرض متقاربة جدًّا.   1 خطا عرض داكار وفيراكروز هما 39 َ 14 ْو 11 َ 19 ْشمالًا على الترتيب، أما خطا عرض بنانا وبرنمبوكو فهما 6 ْو 8 ْجنوبًا على الترتيب. 2 Austin Miller. A, "Climatology" 4 ed.1944 p.48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 ثانيًا: إلى الشمال من خط عرض 45 ْتنعكس الحالة تمامًا، حيث نجد أن السواحل الغربية لأوروبا أدفأ بكثير من السواحل الشرقية لكندا والولايات المتحدة، ويرجع ذلك إلى تأثير تيار الخليج الدافئ وفروعه على السواحل الأولى، وتأثير تيار لبرادور البارد على السواحل الثانية، وهذا هو السر في أن خطوط الحرارة المتساوية تتجه في هذه العروض "على شمال المحيط الأطلسي" ما بين الشمال الشرقي والجنوب الغربي، ويبدأ الفرق بين الساحلين في الظهور إلى الشمال من خط عرض 30ْ "الذي يتشابه عنده الساحلان تقريبًا كما سبق أن ذكرنا" ومن ثم يبدأ في التزايد تدريجيًّا كلما اتجهنا شمالًا، ويكون هذا الفرق كبيرًا بصفة خاصة في فصل الشتاء، ويتبين ذلك من الجدول رقم "5" الذي يبين معدلات درجات الحرارة لشهر يناير والمعدلات السنوية في بعض البلاد التي تقع على جانبي المحيط، وتتفق في خط العرض تقريبًا. جدول "5" معدل درجة حرارة شهر يناير. المعدل السنوي في بعض البلاد المتقابلة على الساحلين الشرقي والغربي لشمال المحيط الأطلسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وقد ترتب على دفء الجانب الشرقي من المحيط الأطلسي الشمالي عدة نتائج، أهمها أن المياه أمام الساحل الشمالي الغربي لأوروبا لا تتجمد في أي شهر من شهور السنة في أي مكان إلى الجنوب من خط عرض 75ْ، بينما تتجمد مياه الساحل الشمالي الشرقي لأمريكا في فصل الشتاء حتى خط عرض 50ْ شمالًا، وتتجمد معها مياه نهر سانت لورانس، مما يؤدي إلى توقف الملاحة تمامًا في هذا الفصل، بخلاف الحال أمام الساحل النرويجي الذي يظل مفتوحًا للملاحة طول السنة، وفضلًا عن ذلك فإن جبال الجليد الطافية قد تستمر في تحركها جنوبًا بالقرب من الساحل الشرقي لأمريكا حتى خط عرض 40ْ شمالًا، بينما يندر أن تشاهد بالقرب من السواحل الشمالي الغربي لأوروبا إلى الجنوب من خط عرض 70ْ. وكذلك فيما يختص بخط الثلج الدائم، نلاحظ أنه يقع دائمًا إلى الشمال من خط عرض 80ْ شمالًا أمام الساحل الشمالي الغربي لأوروبا، في حين أنه يصل إلى خط عرض 69ْ أمام الساحل الشمالي الشرقي لأمريكا الشمالية. ثالثًا: نظرًا لأن السواحل الشرقية للمحيط الأطلسي "إلى الشمال من خط الاستواء" تتأثر بالتيارات الباردة في المنطقة الحارة، وبالتيارات الدافئة في العروض الباردة، فقد ترتب على ذلك أن أصبح تدرج الحرارة على امتداد هذه السواحل بطيئًا جدًّا، أما السواحل الغربية فيختلف الحال عليها عن ذلك تمامًا؛ لأنها تتأثر بالتيارات الدافئة في المنطقة الحارة وبالتيارات الباردة في العروض الباردة، ولهذا السبب نجد أن مناخها أكثر تطرفًا من مناخ السواحل الشرقية، كما أن التدرج الحراري على امتدادها يكون شديد الانحدار جدًّا بمعنى أن الانتقال من المناخ الحار إلى المناخ البارد يأتي في مسافة قصيرة، وقد كان لذلك نتائج اقتصادية مهمة؛ لأنه أدى إلى تعدد الأنواع المناخية التي تساعد على زراعة غلات متباينة في مسافة قصيرة نسبيًّا، فعلى طول الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية مثلًا، نجد أن الحياة النباتية تتدرج في مسافة لا تزيد على 4600 كيلو متر من غلات الأقاليم الحارة في فلوريدا إلى غلات الأقاليم الباردة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 في لبرادور. وشدة تدرج الحرارة على طول الساحل الأمريكي بهذا الشكل هو السبب الرئيسي في كثرة حدوث التقلبات في درجة حرارة البلاد الواقعة عليه؛ لأن مجرد هبوب الرياح من الجنوب أو الشمال كفيل بأن ينقل الحرارة أو البرودة من المناطق المجاورة. ومثل هذا التدرج السريع يوجد كذلك في شرق آسيا، ولكنه أقل وضوحًا منه في شرق أمريكا الشمالية لأن تيار اليابان الدافئ "كوروسيفو" أضعف أثرًا من تيار الخليج، كما أن أثر كمتشتكا البارد أضعف من أثر تيار لبرادور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 4- 3 أثر الارتفاع على درجة الحرارة : عند الكلام على توزيع الحرارة بصفة عامة على سطح الكرة الأرضية أو على إحدى القارات فإن المعتاد هو إغفال أثر التضاريس، ولهذا فإن خطوط الحرارة المتساوية التي ترسم على مستوى العالم ومستوى القارات لا تمثل عادة التوزيع الحقيقي للحرارة على سطح اليابس، ولكن عندما يكون الأمر متعلقًا بالكلام على توزيع الحرارة في أي منطقة من المناطق، وخصوصًا إذا كانت منطقة صغيرة فلا بد أن يؤخذ عامل التضاريس بعين الاعتبار حتى يكون التوزيع مطابقًا للواقع بقدر الإمكان، حيث إن هذا التوزيع هو الذي يؤثر فعلًا في توزيع كل ما في هذه المنطقة من مظاهر بشرية وغير بشرية. ويمكن توضيح توزيع الحرارة في هذه الحالة بواسطة خطوط الحرارة المتساوية المرسومة على أساس المعدلات الواقعية، وليس على أساس المعدلات بعد تعديلها لتمثيل الحالة عند سطح البحر، وهو ما يتبع في رسم خطوط المعدلات المتساوية على مستوى العالم أو القارات، ونظرًا لأن درجة الحرارة تتناقص بالارتفاع فإن خرائط خطوط الحرارة المتساوية الفعلية تكون متشابهة إلى حد كبير مع خرائط الخطوط الكنتورية. وكما أن المعدلات الحرارية تتناقص أفقيًّا عبر الدوائر العرضية من خط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 الاستواء نحو القطبين فإنها تتناقص رأسيًّا على الجبال عبر الخطوط الكنتورية حتى تنخفض إلى درجة التجمد على القمم العالية في العروض المختلفة بما في ذلك العروض المدارية حيث تتغطى هذه القمم بالجليد حيثما يسمح ارتفاعها بذلك، ويظهر عليها مناخ شبيه بمناخ المناطق القطبية. والمعتاد هو أن تتناقص درجة الحرارة بالارتفاع بمعدل يطلق عليه تعبير "التناقص الرأسي المعتاد لدرجة الحرارة Normal Lapste rate" ومقداره درجة مئوية واحدة لكل 150 مترًا، إلا أن هذا المعدل يتأثر بعوامل مختلفة أهمها رطوبة الهواء وكمية السحب. ففي الرطب يكون معدل التناقص أبطأ منه في الجو الجاف لأن بخار الماء يمتص الحرارة ويساعد على بقائها في الطبقات السفلى من الجو كما أن السحب تساعد على خفض معدل التناقص الحراري الرأسي لأنها تكون بمثابة غطاء يقلل من سرعة انتقال الحرارة من طبقة الجو التي تحتها إلى الطبقات التي فوقها. ويرجع التناقص الرأسي لدرجة الحرارة عمومًا إلى ثلاثة عوامل رئيسية هي: 1- تناقص كثافة الهواء وتخلخله مما يؤدي إلى برودته ذاتيًّا. 2- تناقص المواد العالقة به وهي الغبار وبخار الماء وتناقص ثاني أكسيد الكربون، وهي المواد التي تساعد الهواء على امتصاص الحرارة من أِشعة الشمس. 3- الابتعاد عن الإشعاع الأرضي الذي ينطلق من سطح الأرض في موجات طويلة يمكن أن يمتصها الهواء، ويعتبر هذا الإشعاع عاملًا رئيسيًّا في تسخين الهواء لأنه يستطيع أن يمتص موجاته الطويلة بينما لا يستطيع امتصاص الموجات القصيرة للأشعة المباشرة، وخصوصًا إذا كان نقيًّا. وعند دراسة الحرارة في المناطق الجبلية لا بد من ملاحظة اختلاف نصيب المنحدرات المختلفة من الإشعاع الشمسي مما يؤدي إلى عدم امتداد خطوط الحرارة المتساوية عليها في مستويات واحدة، ففي نصف الكرة الشمالي تكون المنحدرات الجنوبية للجبال أدفأ بكثير من المنحدرات الشمالية في فصل الشتاء، ويحدث العكس بالنسبة لجبال نصف الكرة الجنوبي، ولهذا السبب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 فإن خطوط الحرارة المتساوية لشهر يوليو مثلًا تكون أعلى على المنحدرات الجنوبية لجبال نصف الكرة الشمالي منها على منحدراتها الشمالية، وينعكس تأثير ذلك على نطاقات الحياة النباتية على هذه المنحدرات. وبالنسبة للجبال العالية فإن التناقص الحراري يمكن أن يؤدي إلى تغطية قممها أو منحدراتها بالثلوج في فصل البرودة أو طول السنة على حسب الفترة التي تنخفض في أثنائها متوسطات الحرارة إلى درجة التجمد، ويطلق تعبير خط الثلج Snow Line على الخط الذي يتمشى مع الحد الأسفل للثلج المتراكم على المنطقة في أي فترة من السنة. ومن الواضح أن ارتفاع هذا الخط على الجبال يتغير بتغير درجة الحرارة حتى إنه قد يختفي تمامًا في فصل الصيف. وحيثما تبقى الثلوج طول السنة فإن الخط الذي يحدد مناطق بقائها يعرف باسم خط الثلج الدائم، ويختلف ارتفاع هذا الخط من منطقة إلى أخرى على حسب درجة حرارة الجو ورطوبته، ففي الأقاليم الحارة يكون هذا الخط أعلى بالنسبة لسطح البحر منه في الأقاليم المعتدلة والباردة، ويتناقص ارتفاعه كلما اقتربنا من القطبين حتى يصل إلى مستوى سطح البحر فتتغطى الأرض كلها بالثلج الذي تتغطى به كذلك معظم المناطق البحرية. ولكن يلاحظ أن تراكم الثلوج في أي منطقة لا يتوقف على انخفاض درجة حرارة الجو إلى أقل من درجة التجمد فقط بل يجب أن يكون الجو محملًا ببخار الماء اللازم لتكوين الثلوج التي تكفي لتغطية الأرض. ويلاحظ في نصف الكرة الشمالي أن خط الثلج الدائم يكون غالبًا أعلى على المنحدرات الجنوبية للجبال منه على منحدراتها الشمالية بسبب ارتفاع نصيبها نسبيًّا من أشعة الشمس، ويحدث عكس ذلك في نصف الكرة الجنوبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 4- 4- الانعكاس الحراري : رغم أن المعتاد هو تناقص درجة الحرارة كلما زاد الارتفاع بمعدل درجة مئوية لكل 150 مترًا. فإن هذا التناقص قد يتوقف، بل وقد ينعكس في بعض الحالات الخاصة، ويطلق على هذه الظاهرة تعبير الانعكاس الحراري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 Temperature Inversion، ويوصف التغير الرأسي لدرجة الحرارة عندئذ بأنه تغير رأسي منعكس "أو تناقص رأسي منعكس" Inverted Lapse rate، ويحدث هذا الانعكاس نتيجة لأحد العوامل الآتية: 1- نشاط الإشعاع الحراري من سطح الأرض "الإشعاع الأرضي" في الليالي الصافية مما يؤدي إلى تزايد برودته وإلى برودة الطبقة الهوائية المجاورة له، ويكون الانعكاس واضحًا بصفة خاصة إذا كان سطح الأرض مغطى بالجليد، وهو لا يحدث عادة فوق سطح الماء بسبب بطء تبريده إلا إذا كان منذ البداية أشد برودة من الهواء الذي فوقه. 2- انحدار الهواء البارد من المنحدرات العليا للجبال بسبب ثقله نحو الأودية حيث يتجمع على قاعها بشكل بحيرات من الهواء البارد، ويحدث نتيجة لذلك انعكاس حراري على جوانب الأودية وفي طبقة الهواء التي في وسط الأودية فوق الهواء البارد المتجمع على قاعها. 3- تقابل كتلتين هوائيتين مختلفتي الحرارة حيث يندفع الهواء البارد تحت الهواء الدافئ بسبب ارتفاع كثافته فيحدث انعكاس حراري في الجبهة التي بينهما، ويطلق على هذا الانعكاس اسم انعكاس الجبهات Frontal Inversion ولا يقتصر حدوث هذا النوع من الانعكاس على الطبقات السفلى من التبروسفير إذ إنه يمكن أن يحدث كذلك في المستويات الأعلى عندما يندفع تيار هوائي بارد تحت هواء دافئ أو يندفع تيار دافئ فوق هواء بارد. 4- مرور هواء دافئ على سطح بارد وليكن سطح مائي أو جليدي أو مجرد منطقة باردة من سطح الأرض، ففي هذه الحالة يحدث انعكاس حراري في الطبقة السفلى من الهواء نتيجة لبرودته بالتلامس مع سطح الأرض البارد. 5- هبوط الهواء من كتلة هوائية وانتشاره فوق طبقة هوائية سفلى، ففي أثناء هذه العملية يسخن الهواء ديناميكيًّا ولكن قسمه الأعلى يكون أكثر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 شكل "15" تغير تناقص درجة الحرارة بالارتفاع في الجو سخونة من قاعدته. وهذا النوع من الانعكاس الحراري يمكن أن يحدث في المستويات الجوية العالية. 6- في المناطق القطبية يحدث الانعكاس الحراري بسبب ارتداد أشعة الشمس من سطح الجليد، فتكون درجة حرارة الهواء الملامس للجليد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 أدنى من درجة حرارة الهواء الأعلى، وقد تتزايد حرارة الهواء رأسيًّا لمسافة بضع مئات من الأمتار1.   1 حسن أبو العينين – مرجع سبق ذكره - 113 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 4- 5- قياس درجة الحرارة : تستخدم في قياس درجة الحرارة عدة أجهزة تقليدية هي1: 1- الترمومتر العادي. 2- الترمومتر المبلل. 3- ترمومتر النهاية العظمى. 4- ترمومتر النهاية الصغرى 5- الترموجراف. والوحدات المستخدمة لحسابها هي الدرجات المئوية Centigrade "أو Celsius نسبة إلى اسم العالم الذي اقترحها" – والدرجات الفهرنهيتية Fahrenheit المنسوبة كذلك إلى اسم العالم الذي اقترحها. والفرق بين النظام المئوي والنظام الفهرنهيتي هو أن درجة التجمد في النظام المئوي هي صفرْ ودرجة الغليان هي 100 ْ، أما في النظام الفهرنهيتي فإن درجة التجمد هي 32 ْودرجة الغليان هي 212 ْ ... وعلى هذا الأساس يكون الفرق بين درجتي التجمد والغليان في النظام المئوي هو 100 ْبينما يكون في النظام الفهرنهيتي 180 ْومعنى هذا أن 100 درجة مئوية تعادل 180 ْفهرنهيتية، أو الدرجة المئوية الواحدة تعادل 1.8درجة فهرنهيتية. وإلى جانب هذين النظامين يوجد نظام ثالث قليل الاستخدام في الدراسات المناخية، وبمقتضاه تحسب درجات الحرارة العظمى والدنيا المطلقة، ويعرف باسم نظام كلفن Kelvin، وهو يبدأ بالصفر المطلق Absolute Zero ويقصد به أدنى درجة في التدريج الحراري، وهي تعادل -273 ْم، وعندها تتوقف كل حركة حرارية فلا تنخفض درجة حرارة أي شيء إلى أقل منها   1 ملحق رقم "2" في آخر الكتاب يوضح الدرجات المتقابلة على حسب النظامين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 ويمكن تحويل درجات الحرارة المئوية إلى درجات حرارة مطلقة بإضافة 273 ْإلى قيمتها.. فدرجة حرارة 15 ْم مثلًا تعادل 15 ْ+ 273 ْ= 288 ْمطلقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 4- 6- التوضيح الكارتوغرافي للحرارة : بالإضافة إلى خطوط الحرارة المتساوية التي توضح التوزيع الأفقي لدرجة الحرارة عند مستوى سطح البحر على مستوى القارات أو الأقاليم الواسعة، وخطوط الحرارة المتساوية الفعلية التي توضح التوزيع الفعلي للحرارة في مناطق محدودة في المستويات المختلفة، فإن التوزيع الزمني لدرجة الحرارة ومتوسطاتها ومعدلاتها يوضح عادة بمنحنيات يبين بها خط سير النهايات العظمى، والنهايات الدنيا أو متوسطات أو معدلات أي منها في فترات زمنية معينة، هي عادة أشهر السنة. وبمقارنة منحنيات معدلات النهايات العظمى بمعدلات النهايات الصغرى يمكن استخراج خط سير المدى الحراري في نفس الفترات – شكل "16" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 شكل "16" معدلات النهايات العظمى والصغرى والمدى الحراري اليومي في بعض المحطات الكويتية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 الضعط الجوي تعريف الضغط الجوي وقياسه ... 5- الضغط الجوي Atmospheric Pressure: 5- 1- تعريف الضغط الجوي وقياسه: الضغط الجوي هو الثقل الناتج من الغلاف الجوي على سطح الأرض، فكل المواد التي توجد عالقة بالهواء والعناصر الغازية التي تدخل في تركيب الغلاف الجوي عمومًا لها أوزانها التي تساهم بها في الضغط الذي يحدثه الغلاف الجوي على أي منطقة تقع تحته. ويمكننا أن نقدر عظم ثقل الغلاف الجوي إذا عرفنا أن وزن القدم المكعب من الهواء يبلغ في الظروف العادية حوالي 47 جرامًا وأن وزن عمود من الغلاف الجوي مساحة مقطعة بوصة مربعة على مكان ما في منسوب سطح البحر يعادل في المتوسط حوالي 6.53 كيلو جرام "14.7رطل". وبعملية حسابية بسيطة يكون وزن العمود الجوي الواقع على قدم مربع من نفس المكان حوالي طن. ولكن الضغط الجوي لا يحسب في الأرصاد الجوية أو الدراسات المناخية بهذه الطريقة، بل يقاس بواسطة عدة أجهزة أهمها1 البارومتر الزئبقي Barometer والباروجراف والبارومتر المفرغ "بارومتر أنيرويد" Aneroid Barometer1 ويمكن أن نحسب الضغط الجوي بالبوصات أو السنتيمترات الزئبقية على حسب ما يبينه ارتفاع الزئبق في البارومتر، أو بالملليبارات على   1 لوصف هذه الأجهزة وشرح طرق استخدامها – راجع عبد العزيز طريح شرف - المقدمات في الجغرافيا الطبيعية - 1985- صـ276-278. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 أساس أن الملليبار يعادل1/ 1000 من "البار" وهو الوحدة الديناميكية لقوة الضغط الواقعة على مساحة قدرها سنتيمتر مربع من سطح الأرض. والملليبار هو الوحدة الأكثر استخدامًا في الوقت الحاضر، في الرصد الجوي وتبادل البيانات الجوية على مستوى العالم. مع ملاحظة أن البوصة الزئبقية تعادل 33.9 ملليبار وأن السنتيمتر الزئبقي يعادل 13.6 ملليبار، وأن معدل الضغط الجوي عند سطح البحر يعادل 1013.2 ملليبار أو 76 سنتيمترًا زئبقيًّا أو 29.92 بوصة زئبقية، والمقصود بالقياس البارومتري الزئبقي هو أن وزن عمود الغلاف الجوي الواقع على بوصة مربعة من سطح الأرض يعادل في المتوسط وزن عمود الزئبق الذي بداخل البارومتر عندما يكون ارتفاعه 76 سم أو 29.92 بوصة. ومن الطبيعي أن يكون هناك تناسب عكسي بين الضغط الجوي والارتفاع عن سطح البحر، وذلك بسبب تناقص سمك الغلاف الجوي وتناقص نسبة الغازات الثقيلة التي تدخل في تركيبه. وعلى الرغم من أن سرعة تناقص الضغط الجوي بالارتفاع ليست واحدة في كل قطاعات الجو، وبأنه يتأثر بصفاء الجو وبوجود بخار الماء والغبار في المستويات المنخفضة، فإن هناك معدلات عامة وتقريبية لهذا التناقص في المستويات المختلفة كما بينها الجدول"6" ومنه يتبين أن التناقص يكون سريعًا نسبيًّا في المستويات المنخفضة ثم يتناقص معدله كلما زاد الارتفاع، فبينما يتناقص بمعدل 11 ملليبار في كل مائه متر في المستويات الواقعة بين سطح البحر وارتفاع 1500 متر، فإنه يتناقص بمعدل 6 ملليبارات في المستويات الواقعة بين 6000و 7500 متر بمعدل 0.7 في المستويات الواقعة بين 15 ألف و30 ألف متر. وتستخدم معدلات تناقص الضغط الجوي بالارتفاع في بعض المجالات التي تلزم لها معرفة الضغط الجوي في المستويات المرتفعة بالنسبة للمعدلات المأخوذة عند سطح البحر، مثل رسم خرائط توزيع الضغط الجوي والرياح على مستويات جوية معينة، ومعرفة ارتفاع الطائرات وارتفاع قمم الجبال العالية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وترسم خرائط توزيع الضغط الجوي في طبقات الجو العليا بطريقتين ففي إحداهما يحدد الارتفاع الذي يراد حساب ضغطه الجوي ثم ترسم الخرائط التي تبين توزيع الضغط على هذا الارتفاع، وفي الثانية يحدد مستوى الضغط الجوي المطلوب توزيعه وحساب ارتفاعاته على المناطق المختلفة ثم ترسم خطوط كنتورية لتوضيح الارتفاعات التي يوجد عليها هذا الضغط. جدول "6" معدل تناقص الضغط الجوي بالارتفاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 5- 2- التوزيع الأفقي للضغط الجوي : بينما يتناقص الضغط الجوي بانتظام تقريبًا في توزيعه الرأسي فإن توزيعه الأفقي يخضع لعدة عوامل تؤدي إلى تباينه من مكان إلى آخر وإلى تغيره من وقت إلى آخر، وإن هذا التباين المكاني وهذا التغير الزمني هما اللذان يتحكمان في حركة الرياح على سطح الكرة الأرضية، سواء على نطاق إقليمي واسع أو على نطاق محلي بين الأماكن المتجاورة، وسواء كانت هذه الحركة بشكل نسيم خفيف، أو بشكل عواصف مدمرة، ولهذا فإن التوزيع الأفقي للضغط الجوي هو الذي يدخل دائمًا في دارسة المناخ. وأهم العوامل التي تتحكم في التوزيع الأفقي للضغط الجوي هي درجة الحرارة ورطوبة الهواء والتقاء التيارات الهوائية من اتجاهات متقابلة. وتعتبر درجة الحرارة بالذات العامل الرئيسي الذي يتحكم في توزيع الضغط الجوي الذي يتناسب معها تناسبًا عكسيًّا، فكلما ارتفعت درجة الحرارة تمدد الهواء وقلت كثافته وحدث به تصعيد إلى أعلى فيتكون نتيجة لذلك ضغط منخفض. وكلما انخفضت درجة الحرارة انكمش الهواء وزادت كثافته وهبط نحو سطح الأرض فيتكون نتيجة لذلك ضغط مرتفع، فإذا كانت منطقتا الضغط الجوي المنخفض والضغط المرتفع متجاورتين فإن الرياح تتحرك عند سطح الأرض من منطقة الضغط المرتفع التي هبط هواؤها إلى منطقة الضغط المنخفض التي حدث تصعيد في هوائها، بينما يحدث العكس في أعلى الجو، حيث تتحرك الرياح من المنطقة التي حدث تصعيد في هوائها إلى المنطقة الأخرى التي حدث هبوط في هوائها، وهكذا تتكون دورة هوائية خاصة بين المنطقتين "شكل17". أما رطوبة الهواء فإن تأثيرها لا يمكن أن يقارن بتأثير درجة الحرارة ومع ذلك فإن زيادتها تساعد على نقص الضغط الجوي لأن بخار الماء أخف من الهواء وأنه لهذا السبب يظل عالقًا به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 شكل "17" انتقال الهواء بين منطقتين إحداهما سطحها ساخن والثانية سطحها بارد أما التقاء التيارات الهوائية فيرجع تأثيره على الضغط الجوي إلى أنه يؤدي في حالة حدوثه عند سطح الأرض إلى حدوث تيارات صاعدة في الهواء فينتج عن هذا ضغط منخفض، وأنه يؤدي في حالة حدوثه في أعلى التربوسفير إلى حدوث تيارات هابطة فينتج عن هذا ضغط مرتفع. وعلى الرغم من أن الضغط الجوي يتأثر كذلك بالارتفاع عن سطح البحر، كما سبق أن ذكرنا، فإن تأثير هذا العامل لا يظهر عادة إلا على نطاق محلي ولا يتدخل في النظام العام لهبوب الرياح، لهذا فإن خرائط توزيع الضغط الجوي المستخدمة في دراسة المناخ ترسم على أساس استبعاد تأثير الارتفاع. ويوضح التوزيع في هذه الخرائط بواسطة خطوط تصل الأماكن التي يتساوى عليها الضغط بعد تعديل القياسات المأخوذة على المرتفعات لتمثل الحالة عند سطح البحر. ويمكن أن ترسم خطوط الضغط الجوي المتساوي لتوضيح توزيع الضغط الجوي في أي فترة من الزمن، فمنها ما يرسم لتوضيح الضغط الجوي في ساعة معينة, كما هو متبع في رسم خرائط الطقس، ومنها ما يرسم في الخرائط المناخية لتوضيح المعدلات الشهرية والسنوية للضغط الجوي. ويوصف الضغط الجوي عادة بأنه مرتفع High إذا زاد على 1013 ملليبارا "أو 29.92 بوصة زئبقية أو 76 سنتيمترًا زئبقيًّا" وبأنه منخفض Low إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 انخفض عن هذا المقدار، ومع ذلك فإن ارتفاع الضغط الجوي أو انخفاضه على أي منطقة قد يكون نسبيًّا بالمقارنة بالضغط الجوي على المناطق المجاورة، حيث يوصف مثلًا بأنه مرتفع إذا كان أقل من المقدار السابق وكان في نفس الوقت أعلى منه على المناطق المجاورة، وبغض النظر عن الانخفاض غير العادي الذي قد يسجل في قلب الأعاصير والمنخفضات الجوية العارضة فإن مدى التباين في الضغط الجوي على سطح الكرة الأرضية لا يزيد على 40 ملليبارا "حوالي 1.2 بوصة أو ثلاثة سنتيمترات زئبقية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 النطاقات الدائمة للضغط الجوي والدورة الهوائية العامة المرتبطة بها ... 5- 3- النطاقات الدائمة للضغط الجوي والدورة الهوائية العامة المرتبطة بها: إذا صرفنا النظر عن تباين الضغط الجوي على سطح الكرة الأرضية من مكان إلى آخر ومن فصل إلى آخر بسبب اختلاط الماء باليابس واختلاف تأثير الإشعاع الشمسي على كل منهما وبسبب تباين التضاريس فإن الضغط الجوي يتوزع على سطحها في نطاقات عامة تتفق مع دوائر العرض وتتزحزح شمالًا وجنوبًا تبعًا لحركة الشمس الظاهرية. فعلى فرض أن سطح الأرض كله مكون من ماء أو من يابس وأنه في منسوب سطح البحر فإن نطاقات الضغط الجوي والرياح العامة تتوزع عليه بنظام خاص يفرضه عاملان رئيسيان هما: توزيع الإشعاع الشمسي على خطوط العرض والتأثير الديناميكي الذي تفرضه الدورة الهوائية العامة بين هذه النطاقات. ففي النطاق الممتد حول خط الاستواء يوجد نطاق من الضغط الجوي بسبب ارتفاع درجة الحرارة ونشاط حركات التصعيد. وفي أعلى التربوسفير يتوزع الهواء الصاعد في أعلى الجو بشكل رياح علوية باردة تتجه نحو القطبين، وفيما بين خطي عرض 30 ْو35 ْتقريبًا تلتقي هذه الرياح برياح باردة أخرى قادمة في أعلى الجو من ناحية القطبين فتنشأ نتيجة لالتقائهما تيارات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 هوائية هابطة تؤدي إلى تكون نطاقين من الضغط المرتفع عند سطح الأرض يشتهر الشمالي منهما باسم نطاق الضغط المرتفع وراء مدار السرطان والجنوبي باسم نطاق الضغط المرتفع وراء مدار الجدي. ومن هذين النطاقين تتوزع الرياح نحو خط الاستواء من ناحية ونحو الدائرتين القطبيتين من ناحية ثانية. وتشتهر الرياح التي تتجه نحو خط الاستواء باسم الرياح التجارية، ويكون اتجاهها شماليًّا شرقيًّا في نصف الكرة الشمالي وجنوبيًّا شرقيًّا في نصفها الجنوبي. أما الرياح التي تتجه ناحية الدائرتين القطبيتين فتشتهر باسم الرياح العكسية أو الغربية ويكون اتجاهها جنوبيًّا غربيًّا في نصف الكرة الشمالي وشماليًّا غربيًّا في نصفها الجنوبي، وفيم بين خطي عرض 45 ْو60 ْفي نصفي الكرة تلتقي الرياح العكسية برياح قطبية شديدة البرودة قادمة من نطاقي الضغط المرتفع اللذين يتكونان على المناطق القريبة من القطبين بسبب شدة البرودة وهبوط الرياح نحو سطح الأرض. ويؤدي التقاء الرياح العكسية بالرياح القطبية إلى تكون تيارات هوائية صاعدة في منطقة التقائهما، أي فيما بين خطي عرض 45 ْو60 ْفيؤدي هذا إلى ظهور نطاقين من الضغط المنخفض على هذه العروض. وفي أعلى الجو يتوزع الهواء الصاعد في هذين النطاقين فيتجه بعضه نحو القطبين حيث يهبط في منطقتي الضغط المرتفع القطبيتين، ويتجه الآخر ناحية المدارين حيث يهبط في منطقتي الضغط المرتفع وراء المداريين "شكل 18 وشكل 19". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 شكل "18" نطاقات الضغط الرئيسية والدورة الهوائية العامة شكل "19" شكل تخطيط يوضح نطاقات الضغط الرئيسية والرياح العامة التي تنتقل بينها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 5- 4- تأثير الماء واليابس على التوزيع الأفقي للضغط الجوي : لو كان سطح الكرة الأرضية كله ماء أو كان كله يابسًا في منسوب سطح البحر لبقي توزيع نطاقات الضغط الجوي العامة متمشيًا بانتظام مع دوائر العرض، كما سبق أن ذكرنا ولكان كل ما يطرأ على هذه النطاقات من تغير هو أنها تتزحزح نحو الشمال في فصل الصيف الشمالي ونحو الجنوب في فصل الشتاء تبعًا لحركة الشمس الظاهرية، ولكن الواقع هو أن سطح الكرة الأرضية مكون من ماء ويابس. ونظرًا لأن تأثير الإشعاع الشمسي لا يكون واحدًا عليهما فإن نطاقات الضغط الجوي العامة لا تحافظ على امتدادها العام مع دوائر العرض بل تتقطع ويتعدل توزيعها من فصل إلى آخر على حسب ما يفرضه تغير الأحوال الحرارية على البخار من ناحية وعلى القارات من ناحية أخري. ويتعدل توزيعها بصفة خاصة في نصف الكرة الشمالي حيث يبلغ اليابس أقصى اتساعه. أما في النصف الجنوبي فيكون التعديل أقل وضوحًا بسبب ضيق القارات والتقاء مياه المحيطات بعضها ببعض في نطاق عرضي يمتد من الأطراف الجنوبية لإفريقيا وأمريكا الجنوبية واستراليا حتى القارة القطبية الجنوبية. ففي هذا النطاق يكاد اليابس يختفي تقريبًا، ولهذا فإن نطاق الضغط المنخفض عند الدائرة القطبية الجنوبية لا يكاد يطرأ عليه أي تغير بين الصيف والشتاء، باستثناء ترحزحه قليلًا نحو الشمال في فصل الصيف "الشمالي" ونحو الجنوب في فصل الشتاء. ويبين الشكل "20" نظام الضغط الجوي والرياح على قارة نموذجية في الشتاء والصيف. ويمكن تلخيص التغيرات التي تطرأ على نطاقات الضغط الجوي العامة كما يلي: في فصل الصيف الشمالي تتزحزح كل نطاقات الضغط العامة نحو الشمال فيقع نطاق الضغط المنخفض الاستوائي كله تقريبًا إلى الشمال من خط الاستواء وتكون مراكزه الرئيسية واقعة على الهند والسودان وجنوبي أمريكا الشمالية، ويتكون في نفس الفصل ضغط منخفض شديد العمق والاتساع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 شكل "20" توزيع الضغط الجوي والرياح على قارة نموذجية في الشتاء والصيف على أواسط آسيا ويقابله ضغط منخفض آخر أقل منه عمقًا واتساعًا على أمريكا الشمالية. ويلتقي هذان الضغطان من ناحية الجنوب بالضغط المنخفض الاستوائي، ومن ناحية الشمال بالضغط المنخفض عند الدائرة القطبية الشمالية، ويكون هذا الضغط عندئذ ممتدًا بدون انقطاع على شمالي أوراسيا وأمريكا الشمالية وشمالي المحيطين الأطلسي والهادي. أما نطاق الضغط المرتفع وراء المداري فيختفي تقريبًا من على آسيا وأمريكا الشمالية ويقتصر وجوده على منطقتين منفصلتين إحداهما على شمالي المحيط الهادي والثانية على وسط المحيط الأطلسي الشمالي حول جزر آزورس التي تقع في مركزه، ولهذا فإنه يشتهر باسم الضغط المرتفع الأزوري، ومن هذا يتضح أن الضغط المنخفض يكون هو المسيطر على القسم الأعظم من نصف الكرة الشمالي. أما في النصف الجنوبي فإن التعبير الذي يطرأ على نطاقات الضغط الجوي العامة في هذا الفصل "الشتاء الجنوبي" يكون محدودًا حيث يكاد ينحصر في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 تزحزح هذه النطاقات نحو الشمال، بحيث تنتقل كل مراكز الضغط المنخفض الاستوائي إلى الشمال من هذا الخط وتتكون للضغط المرتفع وراء مدار الجدي ثلاثة مراكز على المحيطات حوالي خط عرض 25 ْجنوبًا. ولكنه يظل ممتدًا بدون انقطاع تقريبًا على أستراليا وجنوبي إفريقيا وجنوبي أمريكا الجنوبية. وفي فصل الشتاء الشمالي يحدث عكس ما يحدث في الصيف تقريبًا حيث تتزحزح نطاقات الضغط العامة كلها تقريبًا نحو الجنوب، فتنتقل مراكز الضغط المنخفض الاستوائي إلى جنوب خط الاستواء حيث تقع على شمالي أستراليا ووسط إفريقيا ووسط أمريكا الجنوبية، وتتكون على أوراسيا وأمريكا الشمالية منطقتان من الضغط المرتفع، الأولى منهما أوسع وأشد ارتفاعًا من الثانية بسبب عظم اتساع كتلة أوراسيا. وتتصل هاتان المنطقتان بالضغط المرتفع الأزوري على المحيط الأطلسي، ويتكون من الجميع نطاق عظيم من الضغط المرتفع الذي يمثل في الواقع نطاق الضغط المرتفع وراء مدار السرطان، وتتكون فوق المحيط الأطلسي والمحيط الهادي الشماليين منطقتان عظيمتان من الضغط المرتفع يمثلان نطاق الضغط المنخفض القريب من الدائرة القطبية الشمالية. ويشتهر الضغط المنخفض على المحيط الأطلسي الشمالي باسم "الضغط المنخفض الأيسلندي" نسبة إلى جزيرة أيسلندة التي يتمركز حولها، أما الضغط المنخفض على المحيط الهادي الشمالي فيشتهر باسم "الضغط المنخفض الألوشي" نسبة إلى جزر ألوشيان التي تقع في قلبه تقريبًا. ومن هذا يتضح أنه على العكس مما يحدث في فصل الصيف "الشمالي" فإن نصف الكرة الشمالي يكون في جملته خاضعًا لنطاق عظيم من الضغط المرتفع أما على نصف الكرة الجنوبي فتمتد السنة من الضغط المنخفض الاستوائي الذي يتزحزح جنوبًا على أستراليا وجنوبي إفريقيا ووسط أمريكا الجنوبية، وتؤدي هذه الألسنة إلى انقسام نطاق الضغط المرتفع وراء المداري إلى ثلاث مناطق منفصلة على المحيطات الثلاثة على امتداد خط عرض 35 ْجنوبًا تقريبًا. وتبين الخريطتان "الشكلان 21 و22" توزيع الضغط الجوي والرياح في العالم في شهري يناير ويوليو بالترتيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 شكل "22" توزيع الضعط الجوي والرياح في العالم في شهر يناير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 شكل "21" توزيع الضغط الجوي والرياح في العالم في شهر يوليو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 5- 5- الضغط الجوي في المستويات العليا من الجو : إن الطريقة المستخدمة حاليًا لقياس عناصر المناخ في المستويات العليا من الجو هي بالونات الرصد الجوي المعروفة باسم الراديو سوند 1Radio Sonde ولكن المستويات التي أمكن قياس عناصرها بهذه الطريقة لا يزيد ارتفاعها غالبًا على 35 كيلو مترًا. وقد ساعد تقدم أبحاث الفضاء على الحصول على معلومات أكثر تفصيلًا ودقة عن المستويات الأعلى من ذلك. ولكن على الرغم من كل هذا فما زالت البيانات الخاصة بالضغط الجوي والرياح في المستويات العليا غير كافية لرسم خرائط دقيقة لها. ولهذا فإن الضغط الجوي في المستويات المرتفعة يحسب غالبًا على أساس الضغط الجوي عند مستوى سطح البحر وما يطرأ عليه من تغير رأسي, وهناك نوعان من خرائط الضغط الجوي في المستويات العليا يحدد في أحدهما ارتفاع المستوى الذي يراد رسم خريطة الضغط الجوي له وليكن مستوى 500 متر أو أكثر أو أقل فوق سطح البحر بينما تحدد في الثاني قيمة الضغط الجوي الذي يراد معرفة ارتفاعه على المناطق المختلفة وليكن 700 ملليبار مثلًا، وتوصل الارتفاعات التي توجد فيها هذا الضغط بخطوط أشبه بالخطوط الكنتورية، وهذه هي الطريقة التي يكثر استخدامها في الوقت الحاضر، وخصوصًا عند توزيع ارتفاع ضغط جوي معين في الأجواء العليا لمناطق واسعة.   1 هو جهاز صغير "في حجم الراديو الصغير" وبه أجهزة تسجيل لقياس مختلف عناصر الجو وإرسال نتائج القياس إلى محطة الاستقبال على الأرض، ويعلق هذا الجهاز في بالون يملأ بالأيدروجين أو الهيليوم أو أي غاز خفيف لكي يرتفع بسهولة في الجو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 5- 6- الضغط الجوي والطقس : تكلمنا فيما سبق عن الضغط الجوي كعنصر مناخي، وأوضحنا توزيع نطاقاته العامة، وما يطرأ عليها من تغيرات فعلية بسبب تأثير الماء واليابس وهي موضوعات مهمة في دراسة المناخ، سواء على مستوى العالم أو على مستوى القارات أو الأقاليم. ولكنها ليست مهمة بنفس الدرجة لتفهم الدور الكبير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 الذي يلعبه الضغط الجوي في أحوال الطقس اليومية وما يطرأ عليها من تغيرات أو تقلبات قد تكون بالغة العنف في بعض الأحيان. فالضغط الجوي يعتبر من أهم العناصر التي تبنى عليها خرائط الطقس التي تستند إليها التوقعات الجوية في كل الدول، ولهذا فإن محطات الأرصاد تقوم بقياسه وتسجيله دون توقف، كما تقوم المحطات الرئيسية بتوضيح توزيعه مرتين أو أربع مرات يوميًّا في ساعات معينة على خرائط الطقس المعروفة. وتستخدم في توضيحه على هذه الخرائط نفس طريقة توضيحه على خرائط المناخ، أي بواسطة خطوط الضغط الجوي المتساوي، ولكن مع فارق أساسي، وهو أن الخطوط التي ترسم على خرائط الطقس تبنى على نتائج القياس المأخوذة في ساعات معينة بينما تبنى الخطوط التي ترسم على خرائط المناخ على أساس المعدلات الشهرية، ولهذا فإنها تغفل التغيرات التي تحدث من ساعة إلى أخرى أو من يوم إلى آخر، أما الخطوط التي ترسم على خرائط الطقس فإنها تبين تفاصيل توزيع الضغط في ساعات محددة بحيث يمكن استخدامها لمعرفة التغيرات التي تحدث لهذا التوزيع من وقت إلى آخر فيمكن بذلك معرفة أحوال الطقس بالتفصيل وتقدير التغيرات التي يمكن أن تطرأ عليها. وليس من السهل أن نحدد هنا كل ظاهرات الطقس التي تصاحب تغيرات الضغط الجوي المختلفة؛ لأن هذه الظاهرات تتباين على حسب عوامل كثيرة أهمها شدة هذه التغيرات، وميلها إلى الانخفاض أو الارتفاع، وشدة انحدار الضغط نحو مركز المنخفض أو المرتفع الجوي وطبيعة المنطقة وغير ذلك من العوامل، ومع ذلك فمن الممكن التمييز بسهولة بين الظاهرات التي تصاحب ارتفاع الضغط الجوي والظاهرات التي تصاحب انخفاضه بغض النظر عن تباينها في الشدة كما يلي. عندما يكون الضغط مرتفعًا على أي مكان يكون الطقس عادة صحوًا والشمس ساطعة والسماء خالية من السحب ويميل الهواء للسكون، أو تهب رياح خفيفة يكون اتجاهها دائمًا مع اتجاه حركة عقرب الساعة حول مركز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 الضغط المرتفع في نصف الكرة الشمالي، وعكسه في نصفها الجنوبي ويطلق تعبير مرتفع جوي HighPressure أو Anticyclone عادة على الضغط المرتفع الذي يتكون بصورة مؤقتة على مكان ما. وذلك تمييزًا له عن المنخفض الجوي Cyclone أو Depression الذي يتكون كذلك بصورة مؤقتة نتيجة لالتقاء نوعين مختلفين من الهواء، أو نتيجة لتسخين سطح الأرض في منطقة ما. وكثيرًا ما يكون المرتفع الجوي هو مجرد منطقة فاصلة بين منخفضين جويين. وعلى العكس من الهدوء الذي يصاحب ارتفاع الضغط الجوي فإن انخفاضه يكون مصحوبًا غالبًا باضطرابات متباينة في شدتها ومظاهرها، فمنها ما هو بسيط فلا يصاحبه إلا تغير في اتجاه الرياح وزيادة محدودة في سرعتها مع ظهور بعض السحب، ومنها ما هو عنيف بدرجة تؤدي إلى هبوب رياح عاصفة وهطول أمطار رعدية شديدة، كما يحدث عند مرور كثير من المنخفضات الجوية الشتوية في العروض المعتدلة، ومنها ما هو بالغ العنف بدرجة تؤدي إلى كوارث مروعة وتسبب خسائر فادحة في الأموال والأرواح كما يحدث أحيانًا في الأعاصير التي تشتهر بها بعض المناطق المدارية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 الرياح تعريف الرياح ونظام هبوبها ... 6- الرياح 6- 1- تعريف الرياح ونظام هبوبها: المقصود بالرياح هو الحركة الطبيعية للهواء سواء أكانت بطيئة أو سريعة والعامل الرئيسي لهبوب الرياح هو اختلاف الضغط الجوي من مكان إلى آخر. وتهب الرياح دائمًا من مناطق الضغط المرتفع إلى مناطق الضغط المنخفض القريبة منها، وتتبع عند هبوبها نظامًا ثابتًا حيث تنحرف دائمًا إلى اليمين من هدفها في نصف الكرة الشمالي وإلى اليسار منه في نصفها الجنوبي على حسب قانون فيريل ferrel. ويحدث هذا الانحراف بسبب "التأثير الكوريولي "أو القوة الكوريولية" 1Coriolis effect or force وهو التأثير الناتج من دوران الأرض حول نفسها من الغرب إلى الشرق، وتناقص سرعة دوران محيطها كلما اتجهنا من الدائرة الاستوائية نحو القطبين. فعلى الدائرة الاستوائية تبلغ سرعة الدوران 1700كم/ ساعة، ثم تتناقص ناحية القطبين لتصل إلى نصفها تقريبًا عند دائرة عرض60 ْثم إلى الصفر عند القطب نفسه. وبمقتضى هذا الانحراف فإن الرياح العامة في نصف الكرة الشمالي تنحرف نحو الغرب إذا كانت متجهة نحو خط الاستواء ونحو الشرق إذا كانت متجهة نحو القطب الشمالي. بينما يحدث العكس في نصف الكرة الجنوبي. "شكل "23"   1 هذا التعبير منسوب إلى اسم الباحث الفرنسي الذي اكتشف هذا التأثير وهو G. Coriolis سنة 1944. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 شكل "23" انحراف الرياح العامة شكل "24" اتجاه الرياح حول مراكز الضغط المرتفع ومراكز الضغط المنخفض في نصفي الكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 ويحدث انحراف الرياح بصورة أوضح عند هبوبها حول المرتفعات الجوية والمنخفضات الجوية حيث تميل الرياح في نصف الكرة الشمالي للهبوب في اتجاه متفق مع اتجاه عقرب الساعة حول المرتفع الجوي ومضاد له حول المنخفض الجوي، ويحدث العكس في نصف الكرة الجنوبي "شكل 24" وتصدق نفس القاعدة عند هبوب الرياح حول مراكز الأعاصير والدوامات الهوائية. والدائرة الاستوائية هي الدائرية العرضية الوحيدة التي لا تنحرف الرياح عند عبورها لها سواء عند هبوبها من الشمال أو من الجنوب، وذلك لأن التأثير الكوريولي ينعدم على هذه الدائرة ثم يتزايد كلما ابتعدنا عنها نحو الشمال ونحو الجنوب حتى يصل إلى أقصاه عند القطبين. ويرجع ذلك إلى أن اتجاه التأثير الكوريولي يكون على الدائرة الاستوائية ومتعامدًا على الاتجاه الأفقي للرياح ومتناسبًا تناسبًا مباشرًا مع سرعتها، ولهذا فإن اتجاه الرياح يكون موازيًا لمحور الأرض، ولكن انحرافها يتزايد كلما اتجهنا نحو القطبين بسبب تزايد تأثير القوة الكوريولية حتى إن اتجاهها يكون عند القطب عموديًّا على محور الأرض حيث يكون التأثير الكوريولي قد وصل إلى أقصاه ويكون انحراف الرياح قد وصل إلى أقصاه كذلك. والواقع أن تأثير القوة الكوريولية لا يقع على الرياح وحدها بل يقع على حركة الجسم أي جسم متحرك على سطح الأرض تحركًا تلقائيًّا مثل التيارات البحرية ومياه الأنهار، فعلى الدائرة الاستوائية يكون اتجاه حركة الجسم موازيًا لمحور الأرض، أما عند القطب فيكون عموديًّا عليه، وفيما بين هاتين النهايتين يكون اتجاه الحركة متوسطًا بين هذين الاتجاهين بدرجة تتناسب مع الدرجة العرضية حيث يكون الاتجاه هو محصلة حركتين إحداهما موازية لمحور الأرض والثانية عمودية عليه، وتتزايد الأولى كلما اتجهنا نحو الدائرة الاستوائية بينما تتزايد الثانية نحو القطبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 سرعة الرياح مدخل ... 6- 2- سرعة الرياح: تتوقف سرعة الرياح على عدة عوامل أهمها: انحدار الضغط الجوي Pressure grsdient، وهو سرعة تناقص الضغط الجوي نحو مركز الضغط الجوي، 2- الاحتكاك بالسطح الذي تهب عليه الرياح Friction، 3- قوة الطرد المركزية حول مركز المنخفض الجوي. ويعتبر انحدار الضغط الجوي العامل الرئيسي الذي يؤدي إلى بدء تحرك الرياح، وكلما كان هذا الانحدار شديدًا كانت سرعة الرياح أكبر، ويمكن توضيح هذا الانحدار بواسطة خطوط الضغط المتساوي، فكلما كانت هذه الخطوط متقاربة وكان الفرق بين قيمة كل خط منها والخط الذي يليه كبيرًا كان هذا دليلًا على شدة انحدار الضغط، وذلك بصورة متشابهة لما تدل عليه الخطوط الكنتورية التي ترسم لتوضيح انحدار سطح الأرض. ويبلغ انحدار الضغط الجوي أشده في الأعاصير التي تصاحبها عادة رياح مدمرة. وعندما يؤدي انحدار الضغط الجوي إلى بدء تحرك الرياح في اتجاه مركز الضغط المنخفض فإن القوة الكوريولية تؤدي إلى انحرافها إلى اليمين في نصف الكرة الشمالي وإلى اليسار في نصفها الجنوبي، ويأخذ انحرافها في التزايد حتى يصبح هبوبها موازيًا لخطوط الضغط المتساوي، أي يصبح عموديًّا على اتجاه انحدار الضغط الجوي وعندما تكون خطوط الضغط المتساوي ممتدة بشكل أقواس أو دوائر فإن قوة الطرد المركزية تعمل على إبقائها بعيدة عن مركز المنخفض. ومع ملاحظة أن تأثير القوة الكوريولية ينحصر في انحراف الرياح وأنها لا تتدخل في سرعتها. أما عامل الاحتكاك فإن يؤدي عمومًا إلى إضعاف سرعة الرياح. ويظهر تأثيره في الطبقة الملاصقة للسطح وتتوقف قوته على طبيعة هذا السطح ودرجة خشونته ومدى استوائه أو تعقده، والاختلافات الحرارية المحلية التي توجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 عليه بين موضع وآخر. فكل هذه العوامل يمكن أن تؤثر على حركة الهواء فتؤدي إلى عدم انتظامها، وهذه الحالة هي التي يطلق عليها اسم الاضطراب TruBULENCE، أي اضطرب حركة الهواء وفيها يتعرض الهواء للسكون لفترات قصيرة تتعاقب معها هبات سريعة أو دوامات هوائية. ويكون تأثير الاحتكاك على سرعة الرياح أضعف على المسطحات المائية وغطاءات الجليد منه على الأرض. وخصوصًا إذا كانت غير مستوية، أو كانت مغطاة بالغابات أو المباني. وحيثما يكون تأثير الاحتكاك قويًّا فإنه لا يقتصر على إضعاف سرعة الرياح بل يؤدي كذلك إلى إضعاف القوة الكوريولية وقوة الطرد المركزية، ونتيجة لهذا فإن الرياح لا تسير موازية لخطوط الضغط المتساوي بل تقطعها عند تحركها حول مركز الضغط المنخفض وذلك بزوايا تتناسب مع قوة الاحتكاك. شكل "25" القوى التي تؤثر في سرعة الرياح واتجاهها نحو مراكز الضغط المنخفض في نصف الكرة الشمالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 النظام اليومي لسرعة الرياح : بغض النظر عن التغيرات التي تطرأ على الرياح العامة سواء على النطاق المحلي أو النطاق العام فإننا نلاحظ أن هناك نظامًا يوميًّا لسرعة الرياح في الطبقة الملامسة لسطح الأرض. فهي تبلغ أقصى سرعتها بعد الظهر ثم تتناقص السرعة كلما تقدم المساء، وتستمر في تناقصها في أثناء الليل حتى تبلغ حدها الأدنى قبيل شروق الشمس، ثم تأخذ في التزايد بعد ذلك. وترجع زيادة سرعة الرياح في أثناء النهار عند سطح الأرض إلى أن ارتفاع درجة الحرارة يؤدي إلى حدوث تبادل هوائي بين سطح الأرض الذي يتمدد الهواء الملاصق له وتحدث فيه حركة تصعيد بسبب الحرارة وبين المستويات الجوية الأعلى التي يهبط هواؤها ليحل محل الهواء الصاعد. ونظرًا لأن الهواء الهابط يكون آتيًا من طبقات تتميز بسرعة رياحها فإنه يحافظ إلى حد ما على سرعة حركته مما يؤدي إلى ازدياد سرعة الهواء المجاور لسطح الأرض، بينما يؤدي الهواء الصاعد على العكس من ذلك إلى تقليل سرعة الرياح العليا بسبب قدومه من مستوى يتميز ببطء حركة هوائه. أما في أثناء الليل فإن الهواء المجاور لسطح الأرض يبرد وتزداد كثافته ولهذا فإنه يميل للاستقرار، ويساعده هذا الاستقرار بالإضافة إلى احتكاكه بسطح الأرض على عدم التحرك مع الرياح التي تتحرك بسرعة أكبر في المستويات الأعلى والتي كان من الممكن أن تجره معها بسهولة في حالة عدم استقراره وعدم احتكاكه بسطح الأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 قياس سرعة الرياح وتجديد اتجاهها وتوضيحها ... - قياس سرعة الرياح وتحديد اتجاهها وتوضيحها: تقاس سرعة الرياح بواسطة الأنيمومتر1 Anemometer وتحسب عادة بالعقدة في الساعة. والعقدة knot ترادف ما يسمى بالميل البحري Nautical Mile، وهو المسافة التي تشغلها الدقيقة الواحدة على خط الاستواء أو على أحد خطوط الطول، وهي تساوي 1.15 ميل قياسي أو 1.84 كيلو متر. والعقدة هي الوحدة التقليدية المستخدمة في تحديد سرعة السفن منذ عهود الملاحة الشراعية، ولهذا فقد استخدمت كذلك لقياس سرعة الرياح، ومع ذلك فإن سرعة الرياح تحسب في بعض الإحصاءات المناخية بالكيلو متر أو الميل في الساعة. أما اتجاه الرياح فيحدد بواسطة دوارة الرياح Wind vane وتوجد منها عدة أنواع تشترك في أنها تحدد اتجاه الرياح بواسطة ذراع يسهل تحريكه أفقيًّا بواسطة الرياح، ويدل اتجاه مقدمته على الاتجاه الذي تهب منه الرياح. والطريقة التقليدية لتوضيح اتجاه الرياح على الخرائط المناخية هي الأسهم التي يمكن أن ترسم بسمك وطول واحد، أو ترسم بطول وسمك يتناسبان مع مرات هبوب الرياح، وهي طريقة تستخدم أحيانًا عند رسم الخرائط المناخية لتوضيح الاتجاهات التي تهب منها معظم الرياح، علي حسب المعدلات الشهرية أو السنوية في مناطق واسعة، أما عند تحليل إحصاءات الرياح الخاصة بمحطة أو أكثر من محطات أي منطقة فتوضح النسب المئوية للاتجاهات التي تهب منها الرياح في كل محطة في الشهر أو الفصل أو السنة بواسطة رسم بياني يطلق عليه اسم "وردة الرياح Wind Rose". ويمكن رسمها لتوضيح النسب المئوية للاتجاهات الرياح فقط، وتعرف في هذه الحالة باسم "وردة الرياح البسيطة" كما يمكن رسمها لتوضيح النسب المئوية لاتجاهات الرياح والنسب   1 لوصف أجهزة قياس سرعة الرياح وتحديد اتجاهات – راجع عبد العزيز طريح - "المقدمات" - "مرجع سبق ذكره" ص316 و 317. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 المئوية للسرعات التي تهب بها رياح كل اتجاه بسرعة معينة. ويطلق عليها في هذه الحالة اسم "وردة الرياح المركبة" وتوضح النسب المئوية للاتجاهات المختلفة لهبوب الرياح بخطوط تتفرع من دائرة صغيرة، وترسم بمقياس رسم معين لتتناسب أطوالها مع النسب المئوية لاتجاهات هبوب الرياح. فإذا ما أريد توضيح السرعات في نفس الشكل فإن السرعات تقسم إلى فئات، وتحسب النسبة المئوية لكل فئة في كل اتجاه، وتقسم الخطوط التي تمثل السرعات إلى أقسام تتناسب أطوالها مع النسب المئوية لفئات السرعة. وفي كلتا الحالتين فإن النسبة المئوية لحالات السكون توضح رقميًّا في الدائرة الصغيرة المتوسطة "شكل 26، 27". شكل "26" وردت رياح بسيطة لتوضيح نسب هبوب الرياح من الاتجاهات المختلفة في مدن الساحل الشمالي الغربي لمصر في الشتاء والصيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 شكل "27" وردة رياح مركبة وعند تسجيل اتجاهات الرياح في محطات الأرصاد الجوية أو عند تبادل بياناتها بين المحطات المختلفة يحدد الاتجاه بالدرجات التي ينقسم إليها محيط أي دائرة وهي 360 درجة مبتدئة بالصفر في الشمال ومتجهة مع اتجاه حركة عقرب الساعة ومنتهية بدرجة 360ْ التي تتفق مع درجة البداية وهي درجة الصفر. وتقسم الاتجاهات في بيانات محطات الأرصاد الجوية عادة إلى 12 اتجاهًا يفصل كل اتجاه منها عن الاتجاهات الأربعة الأصلية وهي ش، ق، ج، ع وبثلاثة حروف إذا كان اتجاهًا فرعيًّا مثل ش ش ق، أي شمال الشمال الشرقي ودرجته 30 وج ش ق أي جنوب الشمال الشرقي ودرجته 60 وهكذا "شكل 28" أما في الدراسات المناخية فتنحصر الاتجاهات في ثمانية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 فقط يفصل بين كل اتجاه منها والاتجاه الذي يليه 45 درجة مثل ش ودرجته صفر وش ق ودرجته 45 وق ودرجته 90. شكل "28" توضح اتجاهات الرياح حول الدوائر بعشرات الدرجات مع حذف صفر الآحاد في كل رقم للتبسيط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 توضيح سرعة الرياح واتجاهها على خرائط الطقس : ذكرنا أن اتجاه الرياح ومعدلات مرات هبوبها من الاتجاهات المختلفة يمكن أن توضح برسوم تخطيطية تعرف باسم "وردات الرياح".وهي تستخدم عادة كوسيلة لتوضيح المعدلات الشهرية أو السنوية في محطات معينة، أما على خرائط الطقس، التي ترسم يوميًّا أكثر من مرة لتوضيح حالة الطقس في ساعات معينة فيوضح اتجاه الرياح في الساعة المعينة بواسطة خط قصير يمثل الاتجاه الذي تأتي منه الرياح وينتهي على محيط الدائرة الممثلة للمحطة. وفي حالة السكون ترسم دائرة حول دائرة المحطة. وعند تبادل البيانات الخاصة باتجاه الرياح أو تسجيلها في الجداول فإن الاتجاه يعين بالدرجات شرق الشمال الجغرافي، على اعتبار أن الدائرة مقسمة إلى 360 درجة. وأن الشمال يقع على درجة صفر أو 360 والشرق على درجة 90 والجنوب 180 والغرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 270. ولكن المتبع في إرسال الإشارات هو قسمة الدرجات على عشرة وعلى ذلك تكون درجة اتجاه الشرق هي 9 ودرجة اتجاه الغرب هي 27 وهكذا "شكل 28". أما سرعة الرياح فتوضح على خريطة الطقس بواسطة ريشات "Feathers" ترسم على طرف خط الاتجاه بحيث تكون على جانبه الأيسر "بالنسبة للناظر إلى المحطة" وتميل عليه بزاوية 120 ْ. وتمثل كل ريشة كاملة سرعة قدرها 8-12 عقدة في الساعة أو زيادة في السرعة بنفس القدر، أما إن كانت السرعة أو الزيادة قدرها 3 إلى 7 عقدات فتمثل بواسطة نصف ريشة، أما إن كانت بين 48 و52 عقدة فتمثل بواسطة مثلث يوضع بنفس طريقة وضع الريشات وتكون قاعدته على الخط الممثل للاتجاه، انظر الجدول رقم "8". جدول "8" الرموز المستخدمة لتوضيح سرعات الرياح على خرائط الطقس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 أنواع الرياح السطحية مدخل ... 6- 3- أنواع الرياح السطحية: لما كان الضغط الجوي هو العامل الأساسي المسئول عن هبوب الرياح، وأنه يتوزع بنظام عام على سطح الكرة الأرضية، وأنه يتعرض رغم ذلك لتغيرات كثيرة من وقت إلى آخر ومن مكان إلى آخر فإن الرياح التي تنتج عنه لا بد من أن تتباين هي الأخرى في اتجاهاتها وسرعاتها ومدي انتشارها ومدة هبوبها وخصائصها على حسب التوزيع العام لمناطق الضغط الجوي الرئيسية من جهة وعلى حسب ما يطرأ عليها من تغيرات مكانية أو زمانية أو نوعية من جهة أخرى، ولهذا فإنها تقسم على أساس هذه التغيرات إلى الأقسام الرئيسية التالية: أولًا: الرياح العامة ، وهي رياح منتظمة تهب عادة في نطاقات متسعة وتنقسم إلى: أ- رياح دائمة تهب بانتظام تقريبًا طول السنة وتشمل الرياح التجارية، والرياح الغربية "العكسية" والرياح القطبية، وذلك في المناطق التي لا يتعرض فيها أي منها لتغيرات رئيسية في اتجاهاتها الأصلية التي يفرضها التوزيع العام لنطاقات الضغط الجوي العامة على سطح الكرة الأرضية. ب- رياح موسمية تهب بانتظام في فصول معينة، وقد يتغير اتجاهها وصفاتها تغيرًا كليًّا أو جزئيًّا من فصل إلى آخر، وسببها هو حدوث تغيرات فصلية أساسية في الضغط الجوي على اليابس والماء. ثانيًا: الرياح المحلية التي تسببها المنخفضات الجوية "أو أعاصير الأقاليم المعتدلة": ويرتبط هبوبها بالجهات الحارة والباردة لهذه المنخفضات، وتتميز بصفات خاصة، ولا يستمر هبوبها إلا لفترات قصيرة لا تزيد غالبًا على يومين أو ثلاثة. ثالثًا: العواصف والأعاصير الدوارة Revolving Storms: وهي توجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 بصفة خاصة في العروض المدارية بأن الرياح تدور فيها بسرعة عالية جدًّا حول مراكز محددة. رابعًا: الرياح المحلية اليومية: وهي رياح خفيفة يتغير اتجاهها بين الليل والنهار وأهمها: نسيم البر ونسيم البحر، ونسيم الجبل ونسيم الوادي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الرياح العامة الرياح التجارية ... 6- 3- 1 الرياح العامة: أ- الرياح التجارية: المقصود بهذه الرياح هى الرياح التي تهب من مناطق الضغط المرتفع وراء المدارين نحو الضغط المنخفض الاستوائي، ويكون اتجاهها غالبًا شماليًّا شرقيًّا في نصف الكرة الشمالي وجنوبيًّا شرقيًّا في نصفها الجنوبي، إلا أن درجة انحرافها تتناقص كلما اقتربت من خط الاستواء. ونظرًا لأن نطاقات الضغط العامة تتزحزح شمالًا في فصل الصيف "الشمالي" وجنوبًا في فصل الشتاء فإن التجاريات الجنوبية الشرقية تعبر خط الاستواء في فصل الصيف نحو مراكز الضغط المنخفض الاستوائي التي تقع إلى الشمال منه وتتحول بعد عبورها له لتصبح رياحًا جنوبية غربية، ويحدث العكس في فصل الشتاء حيث تعبره التجاريات الشمالية الشرقية نحو الجنوب وتصبح رياحًا شمالية غربية، إلا على القارة الإفريقية التي تبقى مراكز الضغط المنخفض الاستوائي عليها واقعة إلى الشمال منه بسبب اتساع القسم الشمالي منها وارتفاع درجة حرارته حتى في فصل الشتاء، ولهذا فإن الرياح التجارية الجنوبية الشرقية تستمر في عبورها لخط الاستواء في هذا الفصل، ولكن نطاق تقدمها نحو الشمال يكون أقل منه في فصل الصيف "شكل 29 و30". والرياح التجارية هي أكثر الرياح العامة انتظامًا ودوامًا وخصوصًا في نصف الكرة الجنوبي وعلى أواسط المحيط الهادي الشمالي ونطاق الصحاري المدارية في شمال إفريقيا وغرب آسيا وغرب المحيط الأطلسي وسهول الأمزون، وهي تتميز بسرعتها المعتدلة ولكنها تفقد معظم هذه السرعة في نطاق الضغط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 شكل "29" الرياح العامة في العالم في فصل الصيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 شكل "30" الرياح العامة في العالم في فصل الشتاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 المنخفض الاستوائي حيث تنشط التيارات الصاعدة وتسود حالات السكون في الهواء. وتساعد هذه الرياح عمومًا على تلطيف درجة حرارة الصيف في الأقاليم التي تهب عليها، وهي أهم أسباب كثرة الأمطار على السواحل الشرقية لأستراليا وجنوب إفريقيا وأمريكا الجنوبية وعلى كل الجزر المدارية بسبب هبوبها من محيطات دافئة، أما على الأجزاء الداخلية والسواحل الغربية فإنها تكون جافة بسبب فقدانها لمعظم رطوبتها على السواحل الشرقية ومرورها على اليابس، وهذا هو السبب الرئيسي لوجود الصحاري المدارية في غرب القارات وأهمها الصحراء الكبرى وصحراء كلهاري وصحراء ناميبيا في غرب جنوب إفريقيا والصحراء الأسترالية والصحاري الحارة في غرب الأمريكتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 ب- الرياح الغربية "أو العكسية" The Westerlies: وهي الرياح السائدة في العروض المعتدلة، وهي تهب من نطاقي الضغط المرتفع وراء المدارين نحو نطاقي الضغط المنخفض قرب الدائرتين القطبيتين ويكون اتجاهها السائد معاكسًا لاتجاه الرياح التجارية، ولهذا فإنها تكون غالبًا جنوبية غربية في نصف الكرة الشمالي وشمالية غربية في نصفها الجنوبي. وكما هي الحال بالنسبة للرياح التجارية فإن نطاق الرياح الغربية يتزحزح نحو الشمال في فصل الصيف "الشمالي" ونحو الجنوب في فصل الشتاء تبعًا لحركة الشمس الظاهرية، والرياح الغربية عمومًا أقل انتظامًا من الرياح التجارية بسبب كثرة ما يظهر في نطاقها من منخفضات جوية تترتب عليها اضطرابات جوية يتغير بسببها اتجاه الرياح وسرعتها وصفاتها بصورة فجائية تقريبًا خلال فترات قصيرة، وتكثر هذه الاضطرابات بصفة خاصة في نصف الكرة الشمالي بسبب اختلاط الماء باليابس واختلاف الضغط الجوي عليهما، أما في النصف الجنوبي فتسود المحيطات ويقل اليابس، ولهذا فإن هذه الرياح تكون أكثر انتظامًا منها في الشمال، خصوصًا في العروض الواقعة بين خطي عرض40 ْو50 ْجنوبًا وقد اشتهرت هذه العروض بين البحارة لهذا السبب باسم الأربعينيات المزمجرة "أو الهوجاء"Roaring Forties الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 ج- الرياح الموسمية The monsoons: المقصود بالرياح الموسمية هو الرياح التي يتغير اتجاهها بين الصيف والشتاء بسبب اختلاف الضغط الجوي على الماء واليابس، كما تتغير تبعًا لذلك صفاتها الأخرى من حيث درجة الحرارة والرطوبة وما ينتج عنها من أمطار. والرياح الموسمية المثالية، هي التي يتغير اتجاهها تغيرًا يكاد يكون تامًّا بين الصيف والشتاء بحيث ينحرف اتجاهها بمقدار 180 ْفي الشتاء عنه في الصيف، وينطبق هذا على معظم الرياح الموسمية التي تهب على الهند وجنوب شرقي آسيا وشرقيها وعلى الجزر القريبة منها، وأهمها الجزر اليابانية والفلبين وتايوان والجزر الإندونيسية. ويرجع هذا إلى عظم اتساع هذه القارة وشدة حرارتها في الصيف مما يؤدي إلى تكوين منطقة إعصارية "منطقة ضغط منخفض" عظيمة الاتساع والعمق على أواسطها، وشدة برودتها في الشتاء مما يؤدي إلى تكوين منطقة ضد إعصارية "منطقة ضغط مرتفع" عظيمة الارتفاع على نفس المناطق. ونتيجة لهذا فإن الرياح الموسمية الصيفية تهب نحوها من المحيطين الهندي والهادي فتسقط كثيرا من الأمطار على كل المنحدرات التي تواجهها، أما في فصل الشتاء فتخرج منها الرياح الموسمية الشتوية نحو المحيطين الهندي والهادي، وهي رياح جافة شديدة البرودة، ولهذا فإنها لا تؤدي إلى سقوط الأمطار إلا على السواحل والجزر التي تصلها بعد مرورها على مسطحات مائية "شكل 31، وشكل 32". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 شكل "31" اتجاه الرياح على الهند في الصيف شكل "32" اتجاه الرياح على الهند في الشتاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وتوجد الرياح الموسمية كذلك على شرق إفريقيا المدارية وخصوصًا على الحبشة والصومال والسودان الشرقي وعلى ساحل غانة بغرب القارة وعلى شمال أستراليا. كما توجد ولكن بشكل غير كامل على الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية إذ إن الفرق بين اتجاه الرياح السائدة عليه في الصيف والرياح السائدة في الشتاء يكون في حدود 90 ْفقط. ويرجع ذلك بصفة أساسية إلى صغر هذه القارة بالنسبة لقارة آسيا مما يقلل نسبيًّا من الفرق بين الضغط الجوي المرتفع عليها في الشتاء والضغط الجوي المنخفض عليها في الصيف، كما يرجع إلى عدم وجود حواجز جبلية تفصل جنوبها عن شمالها مما يساعد على التقاء الهواء المداري البحري القادم من ناحية خليج المكسيك بالهواء القطبي القاري القادم من الداخل، مما يساعد على كثرة حدوث الأعاصير العنيفة التي تؤدي بدورها إلى كثرة تغير اتجاه الرياح. وتبين وردات الرياح التي في شكل "33" كيف يتغير الرياح الموسمية السائدة اتجاهها في حدود 180 ْعلى شرق آسيا بين الصيف والشتاء وكيف يكون تغير اتجاهها في حدود 90 ْفقط على الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية1.   1 Haurwitz and Austin op cit p 54 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الرياح العليا مدخل ... 6- 4- الرياح العليا: تتميز الرياح في المستويات العليا من التربوسفير بصفة عامة بأنها أسرع وأكثر انتظامًا في حركتها واتجاهها من الرياح السفلية التي تتعرض لكثير من الاضطراب بسبب احتكاكها بسطح الأرض وخصوصًا إذا كان هذا السطح خشنًا وكثير التعقيد. ولهذا فإن الرياح العليا تخضع بصفة أساسية لانحدار الضغط الجوي ولتأثير القوة الكوريولية. ونتيجة لهذا فإن اتجاهها يكون عموديًّا على اتجاه انحدار الضغط الجوي وموازيًا لخطوط الضغط الجوي المتساوي وبدلًا من أن تهب الرياح من الجنوب إلى الشمال أو العكس فإنها تكون غربية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 "ب" شكل "33" وردات الرياح على الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية "أ" وعلى شرقي آسيا "ب" ونلاحظ درجة تغير اتجاه الرياح الموسمية على كل منهما بين الصيف والشتاء. في العروض الواقعة بين المدارين والدائرتين القطبيتين، وشرقية في العروض الواقعة بين المدارين وخط الاستواء. ويطلق على هذه الرياح عمومًا اسم الرياح الجيوستروفيه. وتكون سرعتها مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بانحدار الضغط الجوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 - التيارات الهوائية النفاثة Jet Streams: يطلق هذا التعبير على تيارات هوائية علوية عظيمة السرعة تندفع في مسارات معروفة على ارتفاعات تتراوح بين 8 كيلو مترات و13 كيلو مترًا في نطاق الرياح الغربية، وتتراوح سرعتها بين 500 و600 كيلو متر في الساعة، ويبلغ سمك هوائها بضع مئات من الأمتار وعرضها بين450 و600 كيلو متر. وقد اكتشفت هذه التيارات لأول مرة في سنة 1933 وظهرت أهميتها في أثناء الحرب العالمية الثانية حيث إنها كانت تؤثر على حركة الطيران، فكانت تعوق حركة الطائرات التي كانت تواجهها فتوقفها بل وتؤدي إلى تراجعها أحيانًا، بينما كانت تضاعف من سرعة الطائرات التي تسير في نفس اتجاهها. وتوجد في الوقت الحاضر خرائط مفصلة للتيارات النفاثة المعروفة في نصف الكرة الشمالي. ويدل توزيعها على أنها تندفع غالبًا على طول الجهات التي تفصل الكتل الهوائية القطبية عن الكتل الهوائية المدارية، وأن لها علاقة بحدوث العواصف والأعاصير التي تظهر في العروض المعتدلة. وهي لا تسير غالبًا في خطوط مستقيمة بل تتعرج كثيرًا وتندفع في تعرجها أحيانًا لمسافات بعيدة حتى إنها تندفع أحيانًا نحو خط الاستواء، وخصوصًا فوق القارات. وقد لوحظ أنها تكون في فصل الشتاء أسرع وأقل ارتفاعًا منها في فصل الصيف، وأن بعض هوائها قد يندفع إلى أسفل نحو الأرض فيؤدي إلى حدوث اضطرابات جوية عنيفة عند سطح الأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 الكتل الهوائية والمنخفضات الجوية والأعاصير المدارية الكتل الهوائية نشأتها وأنواعها ... 7- الكتل الهوائية والمنخفضات الجوية والأعاصير المدارية 7- 1 الكتل الهوائية 7- 1- 1- نشأتها وأنواعها: يطلق تعبير "كتلة هوائية" على أي حجم ضخم من الهواء يتميز بصفات خاصة تشترك فيها كل قطاعاته، وخصوصًا قطاعاته الأفقية، وتغطي الكتلة الهوائية عادة منطقة شاسعة كما يمتد سمكها إلى ارتفاعات كبيرة. ولكي تنشأ الكتلة الهوائية لا بد أن تتوفر عدة شروط، أهمها أن يبقى الهواء فوق سطح منطقة متجانسة ذات صفات مناخية متميزة تكفي لأن يكتسب هذا الهواء نفس هذه الصفات. ولهذا فإن أصلح المناطق لنشأة الكتل الهوائية هي السهول الواسعة والمحيطات الواقعة في نطاقات الضغط المرتفع التي يكون هواؤها عادة مستقرًّا. ويطلق على هذه المناطق عمومًا اسم مصادر الهواء "Source Regions" لأنها هي التي يتوزع منها هواء الكتل الهوائية إلى المناطق الأخرى. وتتباين الكتل الهوائية فيما بينها تباينًا كبيرًا في صفاتها المناخية، وخصوصًا في درجة حرارة هوائها ورطوبته على حسب طبيعة المناطق التي تنشأ فيها. وعلى هذا الأساس فإن هذه الكتل تقسم عمومًا إلى أربعة أقسام رئيسية هي: 1- كتل هوائية قطبية قارية Polar continental"pc" تنشأ على شمال أوراسيا وشمال أمريكا الشمالية، وتتميز بشدة البرودة والجفاف. 2- كتل هوائية قطبية بحرية polar maritime"pm" تنشأ على شمال المحيطين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 الأطلسي والهادي، وعلى جنوب المحيطات في نصف الكرة الجنوبي، وتتميز بشدة البرودة وارتفاع نسبة الرطوبة. 3- كتل هوائية مدارية قارية Tropical continental "Tc" وهي تنشأ على السهول والهضاب في العروض المدارية، وتتميز بشدة الحرارة والجفاف، وأهم مناطقها هي الصحراء الكبرى وغيرها من الصحاري والهضاب الواقعة في العروض المدارية وشبه المدارية. كتل هوائية مدارية بحرية Tropical maritime "TM" وهي تنشأ على المحيطات في العروض المدارية، وتتميز بدفء هوائها وارتفاع نسبة الرطوبة به. وبالإضافة إلى الكتل الرئيسية السابقة فإن هناك نوعين متميزين من الهواء، أحدهما يوجد على المحيطات الاستوائية، وتتأثر به بعض السواحل المجاورة ويطلق عليه اسم الهواء البحري الاستوائي maritime Equatorial "ME" والثاني يوجد على مناطق الثلج الدائم في أقصى الشمال وفي القارة القطبية الجنوبية في الجنوب ويرمز له بالرمز "AA" Arctic وفي الشمال Antarctic في الجنوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 7- 1- 2- استقرار الكتل الهوائية وعدم استقرارها : المقصود باستقرار الكتلة الهوائية هو خلوها من أي اضطرابات جوية، وتوصف في هذه الحالة بأنها مستقرة Stable، أما إذا كانت مصحوبة ببعض الاضطرابات فإنها توصف بعدم الاستقرار Unstable ويحدث الاستقرار عادة إذا انتقل هواء دافئ إلى منطقة سطحها بارد فعندئذ يبرد هذا الهواء من طبقاته السفلى ويميل للهبوط والاستقرار، أما عدم الاستقرار فيحدث إذا انتقل هواء بارد إلى منطقة سطحها دافئ حيث إنه يسخن في طبقاته السفلى وتحدث به تيارات صاعدة يترتب عليها حدوث بعض الاضطرابات الجوية مثل العواصف الترابية والعواصف الرعدية. والعامل الرئيسي الذي يؤدي إلى تحرك الهواء وانتقاله من مصادره إلى مناطق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 أخرى هو التغيرات التي تطرأ على الضغط الجوي من وقت إلى آخر سواء على نطاق إقليمي واسع أو على نطاق محلي، حيث ينتقل الهواء دائمًا من مناطق الضغط الجوي المرتفع إلى مناطق الضغط المنخفض، وتتوقف سرعته ومدى انتشاره على توزيع مناطق الضغط المختلفة وعلى شدة الضغط الجوي في هذه المناطق. وكثيرًا ما تؤدي تغيرات الضغط إلى انتقال الهواء من مصادره إلى مناطق تبعد عنها عدة آلاف من الكيلو مترات حيث يحمل إليها كل صفاته المناخية تقريبًا، ولكن نظرًا لطول الرحلة فإن هذه الصفات تتعدل ببطء في الطبقات السفلى من الهواء، وخصوصًا إذا مر في أثناء انتقاله على مناطق ذات صفات مختلفة اختلافًا واضحًا عن صفات مناطق نشأته. ويحدث هذا على سبيل المثال إذا مر الهواء القاري الخارج من اليابس على سطح مائي، حيث إنه يحمل بعض الرطوبة التي قد تؤدي إلى تكون الضباب، أو إلى سقوط المطر على المنحدرات التي تقابله. ويتوقف تأثير الهواء على الأحوال الجوية على صفاته الأصلية من ناحية ثم على الفرق بين هذه الصفات وصفات المناطق التي يصل إليها من ناحية ثانية، فإذا كانت درجة حرارته أقل من درجة حرارة هذه المناطق فإنه يسخن في أجزائه السفلى وتحدث به تيارات صاعدة تؤدي إلى حدوث حالة عدم استقرار به ويرمز له بالحرف K، أما إذا حدث العكس وكانت درجة حرارة الهواء أعلى من درجة حرارة المنطقة التي يصل إليها فإنه يبرد في أجزائه السفلى ويميل إلى الاستقرار، ويرمز له بالحرف W. والحرف K هو الحرف الأول من كلمة Kalt الألمانية ومعناها بارد، والحرف w هو الحرف الأول من كلمة Warm ومعناها دافئ. ويوضع أي رمز من هذين الرمزين بجانب الرمزين الأصليين اللذين يبينان النوع الرئيسي للهواء من أجل تحديد صفاته بصورة أوضح، فالهواء المداري القاري المستقر مثلًا يكون رمزه Tcw أما المداري القاري غير المستقر فيكون رمزه Tck وهكذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 7- 1- 3- أثر الكتل الهوائية في مناخ بعض الأقاليم : تعتبر الكتل الهوائية عاملًا رئيسيًّا من العوامل التي تتحكم في مناخ أي منطقة وفي أحوالها الجوية، ولهذا فقد أصبح من المهم، عند دراسة مناخ أي منطقة معرفة نوع الهواء الذي يؤثر في مناخها والمصادر التي يأتي منها وصفاته المناخية وخصوصًا من حيث درجة الحرارة والرطوبة. ويتوقف تأثير الكتل الهوائية على مناخ الأقاليم المختلفة على عدة عوامل أهمها: موقع الإقليم بالنسبة للمناطق التي تنشأ فيها الكتل الهوائية المختلفة، ثم تغير نظام الضغط الجوي من فصل إلى آخر، فهناك مثلًا أقاليم تخضع طول السنة تقريبًا لتأثير نوع واحد من الكتل الهوائية ولا يكاد يصلها في أي فصل من الفصول أي نوع آخر من الهواء، وينطبق هذا بصفة خاصة على الأقاليم التي تنشأ فيها الكتل الهوائية نفسها، كما هي الحال في الأقاليم القطبية التي تنشأ فيها الكتل المسماة بهذا الاسم، ثم الأقاليم الواقعة في نطاق الضغط المرتفع الدائم وراء المدارين، حيث تنشأ الكتل الهوائية المدارية، وكذلك المناطق المحصورة بين المدارين، وهي المناطق التي تخضع طول السنة تقريبًا لتأثير الكتل الهوائية المدارية. ولكن هناك أقاليم أخرى تتأثر خلال فصل معين من فصول السنة بنوع واحد من الكتل الهوائية ثم تتأثر في فصل آخر بنوع مختلف تمامًا عن النوع الأول، وفي مثل هذه الأقاليم تتغير الأحوال الجوية المناخية تغيرًا كبيرًا من فصل إلى آخر، ولكنها مع ذلك تسير على نظام ثابت تقريبًا خلال كل فصل على حدة ففي شمال الصين مثلًا يتميز فصل الشتاء بوصول هواء قطبي جاف شديد البرودة "CP" مصدره الكتلة الهوائية القطبية القارية التي تنشأ فوق سيبريا أما فصل الصيف فيتميز بوصول هواء مداري بحري "MT" حار رطب مصدره الكتلة الهوائية المدارية البحرية التي تنشأ فوق المحيط الهادي. وهناك غير ذلك أقاليم واقعة في مناطق الصراع بين كتل هوائية مختلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 ومثل هذه الأقاليم تتعرض في الفصل الواحد أو حتى في الشهر الواحد، لغزو أنواع متباينة من الهواء بحيث لا يستمر كل نوع منها إلا لمدة قصيرة، ثم يتقهقر ليحل محله هواء من نوع آخر، ويترتب على ذلك أن يكون مناخ هذه الأقاليم عرضة للتغير من وقت إلى آخر. وذلك فضلًا عن تعرضه لحدوث كثير من الأعاصير أو المنخفضات الجوية التي تتكون عادة مناطق التقاء الكتل الهوائية المختلفة النشأة والصفات كما سنرى فيما بعد، ويعتبر غرب أوروبا، وخصوصًا البلاد الساحلية والجزر البريطانية، من أحسن الأمثلة لهذا النوع من الأقاليم، ويبدو هذا واضحًا بمجرد النظر إلى الخريطة شكل "34" ففي فصل الشتاء مثلًا قد يتعرض غرب أوربا في أي وقت من الأوقات لوصول هواء مداري دافئ شكل "34" الكتل الهوائية التي تؤثر في مناخ غرب أوروبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 سواء من الكتلة القارية فوق شمال إفريقية "CP" أو من الكتلة البحرية المقابلة لها على المحيط الأطلسي "MP" ويؤدي وصول هذا الهواء أو ذاك إلى ظهور حالة دفء غير عادية. وفي نفس هذا الفصل قد يتعرض غرب أوروبا كذلك لغزو هواء قطبي جاف "CT" شديد البرودة من شمال أوراسيا، فيترتب على ذلك حدوث موجات برد قاسية وظهور صقيع شديد يستمر عدة أيام أو أسابيع، أو لغزو هواء قطبي بحري "mp" رطب شديد البرودة أيضًا من الكتل الهوائية التي تنشأ فوق المحيط الأطلسي إلى الشمال من الدائرة القطبية أو فوق جرينلاند، ويلاحظ أن الهواء الواصل من جرينلاند. رغم أنه يكون قاريًّا في أول الأمر، إلا أن مروره على المحيط قبل وصوله إلى سواحل أوروبا يؤدي إلى تحمله ببعض الرطوبة، ويصبح أقرب إلى الهواء البحري منه إلى الهواء القاري. أما في فصل الصيف فإن المناطق الداخلية من كتلة أوراسيا تكون شديدة الحرارة جدًّا، ولهذا فإن الكتل الهوائية التي تنشأ فوقها تكون هي الأخرى شديدة الحرارة، وذلك فضلًا عن أنها تكون شديدة الجفاف. وكثيرًا ما يؤدي وصول هوائها إلى السواحل الغربية لأوروبا إلى حدوث موجات حرارية قاسية جدًّا. وإلى جانب ذلك يتعرض غرب أوروبا في نفس هذا الفصل لوصول هواء قطبي بحري أو قاري يكون غالبًا له تأثير ملطف على درجة الحرارة. وإذا انتقلنا إلى الولايات المتحدة نجد أن ظروفها لا تختلف كثيرًا عن ظروف القارة الأوروبية، وذلك من حيث كونها تتعرض لغزو أنواع متباينة من الهواء، مما يكون سببًا في حدوث تغيرات كثيرة في الأحوال الجوية حتى خلال الفصل الواحد، ففي فصل الشتاء تتعرض البلاد لحدوث موجات برد غاية في القسوة يكون سببها وصول هواء قطبي جاف "cp" من الكتل التي يتكون في شمال كندا، وقد تنخفض درجة الحرارة في أثناء حدوث هذه الموجات إلى أقل من 6 ْمئوية. ورغم أن درجة حرارة هذا الهواء القطبي ترتفع تدريجيًّا كلما ابتعدنا نحو الجنوب فإنه يظل شديد البرودة حتى بعد وصوله إلى سواحل خليج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 المكسيك، وقد يحدث أن تنخفض درجة الحرارة على هذه السواحل إلى ما دون درجة التجمد، إلا أن حرارة هذا الهواء سرعان ما ترتفع بمجرد خروجه من اليابس ومروره على مياه المحيط. ويطلق اسم البليزارد Blizzard على العواصف القطبية ذات البرودة القاسية التي تتعرض لها كندا والولايات المتحدة، وكثيرًا ما تؤدي هذه العواصف إلى حدوث خسائر مادية كبيرة، كما تؤدي إلى حدوث كثير من الوفيات. أما في فصل الصيف فتتعرض الولايات المتحدة لموجات حرارية شديدة جدًّا يكون سببها هو وصول هواء مداري بحري "MT" من الكتل المدارية البحرية التي تتكون على المحيطين الأطلسي والهادي في نطاق الضغط المرتفع وراء مدار السرطان، وبعض هذه الموجات الحرارية تكون من الشدة بحيث يترتب عليها حدوث بعض الوفيات بين السكان. أما مناخ جمهورية مصر العربية خصوصًا الجزء الشمالي منها فيخضع لتأثير أربعة أنواع مختلفة من الكتل الهوائية التي تصل منها تيارات هوائية ذات صفات خاصة. ويوضح شكل "35" هذه التيارات وهي: أ- تيارات قطبية قارية شديدة البرودة جدًّا مصدرها الكتلة الهوائية القارية في شمال روسيا، وهي تصل إلى مصر عن طريق شبه جزيرة البلقان، وذلك في مؤخرة المنخفضات الجوية الشتوية, ورغم أنها تكون جافة في الأصل فإنها تمتص بعض بخار الماء عند مرورها على البحر المتوسط، كما أن هواءها يسخن تدريجيًّا في طبقاته السفلى لمروره على سطح مياه البحر وسطح مصر الدافئين نسبيًّا، مما يؤدي إلى عدم استقرارها، ويتبع ذلك تكون سحب كثيفة وسقوط بعض الأمطار، وقد تواصل هذه التيارات سيرها نحو الجنوب وتصل أحيانًا إلى السودان حيث تؤدي إلى إثارة زوابع ترابية. ب- تيارات قطبيه بحرية شديدة البرودة تصل إلى مصر في فصلي الخريف والشتاء عن طريق فرنسا ووسط أوروبا وإيطاليا، ويؤدي مرورها على مياه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 البحر المتوسط الدافئة نسبيًّا إلى عدم استقرارها فتكون سببًا في إثارة العواصف والأمطار في شمال مصر وقد تصل في هبوبها كذلك إلى السودان، ومصدر هذه التيارات هو الكتل الهوائية القطبية التي تنشأ فوق شمال المحيط الأطلسي. شكل "35" الكتل الهوائية التي تؤثر في مناخ مصر ج - تيارات مدارية قارية حارة شديدة الجفاف مصدرها الكتل الهوائية المدارية التي تتكون على الصحراء الكبرى وصحاري شبه الجزيرة العربية، وتصل هذه التيارات إلى شمال مصر في فصل الربيع بصفة خاصة، وذلك في مقدمة المنخفضات الجوية، وهي التي يطلق عليها عادة اسم "الخماسين". د- تيارات مدارية بحرية مصدرها الكتل المدارية البحرية فوق المحيط الأطلسي، وتصل هذه التيارات إلى مصر في فصل الربيع عقب مرور المنخفضات الجوية الخماسينية على شكل رياح غربية باردة نسبيًّا؛ لأن المحيط الأطلسي يكون في هذا الفصل أقل حرارة من البحر المتوسط، ولكنها لا تسبب في غالب الأحيان سقوط أمطار، وإن كانت تظهر معها بعض السحب المنخفضة والزوابع الترابية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 المنخفضات الجوية نشأتها ... 7- 2 المنخفضات الجوية 1 ATMOSPHERIC DEPRESSIONS: 7- 2- 1- نشأتها: ذكرنا أن الكتل الهوائية بأنواعها المختلفة لا تبقى في مناطق نشأتها إلا لمدة محدودة، ثم تنتقل بعد ذلك وتهاجر أحيانًا لمسافات بعيدة، ولهذا فكثيرًا ما يحدث أن تلتقي هذه الكتل بعضها ببعض، ويحدث هذا الالتقاء غالبًا على المحيطات. وذلك على طول جبهات تتفق إلى حد كبير مع نطاقات الضغط المنخفض التي تتحرك نحوها الكتل الهوائية من اتجاهات مختلفة. وعندما تلتقي كتلتان مختلفتان في صفاتهما تحدث غالبًا اضطرابات جوية تزداد شدتها إذا كان الاختلاف كبيرًا بين الكتلتين، خصوصًا في درجة الحرارة ونسبة الرطوبة وحركة الهواء في كل منهما، كما يحدث عادة عندما تلتقي الكتل الهوائية المدارية بالكتل الهوائية القطبية، ويؤدي هذا الالتقاء إلى حدوث أعاصير ومنخفضات جوية شديدة العنف في كثير من الأحيان. ويجب أن نلاحظ أنه عندما تلتقي كتلة هوائية قطبية بأخرى مدارية تظل كل منهما محتفظة بمميزاتها وصفاتها ولا يختلط هواء الكتلتين بسهولة، إلا أن الهواء القطبي البارد يحاول دائمًا أن يندفع تحت الهواء المداري الدافئ؛ لأن الهواء البارد يكون دائمًا أعظم كثافة من الهواء الدافئ، ويسمى السطح الذي يفصل بين هواء الكتلتين باسم "سطح الجبهات FRONTAL SURFACE" أو "سطح   1 يطلق على هذه المنخفضات أحيانًا اسم أعاصير "Cydomes" ولكن الاسم الأول هو المفضل استخدامه في الوقت الحاضر، وذلك تمييزًا لها عن نوع آخر من الأعاصير التي تظهر في الأقاليم المدارية الحارة. ومن أشهرها التيفون في بحر الصين والهاريكين في خليج المكسيك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 الانفصال Surface of Separation" فإذا فرضنا أن الأرض ثابتة فإن سطح الانفصال هذا يكون أفقيًّا، بمعنى أن الهواء الدافئ يطفو فوق الهواء البارد، كما يحدث تمامًا عندما يتقابل سائلان مختلفا الكثافة، ولكن بما أن الأرض تدور حول نفسها باستمرار فإن سطح الانفصال يكون مائلًا على المستوى الأفقي بدرجة تتزايد كلما بعدنا عن خط الاستواء ولكنها تبلغ في المتوسط حوالي 1/ 100 أي أن سطح الانفصال يرتفع بمعدل وحدة لكل مسافة قدرها 100 وحدة أفقية، ويوضح شكل "36" بصورة تخطيطية كيف يصعد الهواء المداري الدافئ فوق الهواء القطبي البارد. شكل "36" المراحل المختلفة التي يمر بها المنخفض الجوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 والتقاء كتلتين هوائيتين مختلفي النشأة والصفات يمكن تشبيهه بالتقاء جيشين متحاربين على طول جبهة واحدة، فكما يحاول كل جيش أن يقتحم صفوف الجيش الآخر فإن هواء كل كتلة من الكتلتين المتضادتين يحاول باستمرار الاندفاع في منطقة هواء الكتلة الأخرى، إلا أن هواء الكتلة الباردة يظل دائمًا ملاصقًا لسطح الأرض بسبب ثقله النسبي، أما هواء الكتلة الدافئة فيندفع فوق سطح الأرض على شكل موجات، تكون كل موجة منها بمثابة النواة الأولى لأحد المنخفضات الجوية. وتبدأ الموجة صغيرة في أول الأمر ولكنها لا تلبث أن تكبر وتتوغل فوق سطح الانفصال، ويؤدي ذلك إلى تكون منطقة من الضغط المنخفض فوق هذا السطح، فيندفع الهواء البارد نحو هذه المنطقة محاولًا الوصول إلى مركزها وذلك في حركة مضادة في اتجاهها لحركة عقرب الساعة، ولهذا السبب فإن هجومها يكون دائمًا موجهًا إلى مؤخرة الموجة الدافئة، ويطلق على مقدمة الهواء البارد التي تهاجم الموجة الدافئة بهذا الشكل اسم الجبهة الباردة "Cold front" أما مقدمة الموجة الدافئة فيطلق عليها اسم الجبهة الدافئة "Warm front" أما الموجة الدافئة نفسها فيطلق عليها اسم "القطاع الدافئ "warm Sector". ويأخذ المنخفض الجوي بعد بدء تكونه في التحرك من الغرب إلى الشرق إلا أن سرعة تقدم الجبهة الدافئة تكون عادة أقل بحوالي سبعة كيلو مترات في الساعة من سرعة تقدم الجبهة الباردة؛ لأن الهواء الدافئ يضيع بعض الوقت في محاولة الارتفاع فوق الهواء البارد، ويترتب على هذا الفرق في السرعة أن تضيق الموجة الدافئة بالتدريج، ويستطيع الهواء البارد في النهاية أن يعزل القسم المتقدم منها عن الكتلة الدافئة الأصلية، ويحدث ذلك عندما يلتقي الهواء البارد الذي في مقدمة المنخفض الجوي بالهواء البارد الذي في مؤخرته، وانفصال القسم المتقدم من الموجة الدافئة بهذا الشكل يعتبر المرحلة الأخيرة من مراحل المنخفض الجوي، وهي المرحلة التي يطلق عيها اسم "مرحلة الامتلاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 Occlusion". وفيها يبدأ الهواء البارد في السيطرة على المنطقة نهائيًّا فيستمر في اندفاعه تحت الجزء المحصور من الهواء الدافئ حتى يطرده إلى أعلى الجو، وبهذا الشكل يتلاشى المنخفض، وقد وضحنا في شكل "37" المراحل المختلفة التي يمر بها المنخفض الجوي حتى يصل إلى أعنف مراحله. ولكن يلاحظ أن هناك نوعين مختلفين من الامتلاء أحدهما دافئ "warm Occlusion" والثاني "Cold Occlusion" ويحدث الامتلاء الدافئ إذا كان الهواء البارد الذي في مقدمة المنخفض أشد برودة من الهواء البارد الذي في مؤخرته، فالذي يحدث عند التقائها هو أن يصعد الهواء الأخير فوق الهواء الأول كما يحدث تمامًا عندما يصعد هواء كتلة دافئة فوق هواء كتلة أخرى، أما الامتلاء البارد فيحدث إذا كان الهواء البارد الذي في مؤخرة المنخفض أشد برودة من الهواء البارد الذي في المقدمة فبدل أن يصعد فوقه، كما يحدث في الامتلاء الدافئ، فإنه يندفع تحته. شكل "37" الامتلاء الدافئ "أ" والامتلاء البارد "ب" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 شكل "38" صعود الهواء المداري الدافئ فوق الهواء القطبي البارد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 توزيعها واختلاف بعضها عن بعض ... 7- 2- 2- توزيعها واختلاف بعضها عن تظهر المنخفضات الجوية في مناطق واسعة من العالم، وذلك في العروض المعتدلة، ما بين خطي عرض 35 ْو65 ْفي نصفي الكرة الشمالي والجنوبي وهي العروض التي تسود فيها الرياح الغربية ويكثر فيها تقابل الكتل الهوائية المدارية بالكتل الهوائية القطبية، ولكنها تكثر في بعض الفصول عنها في فصول أخرى، فعلى حوض البحر المتوسط مثلًا نجد أنها تكثر بصفة خاصة في الشتاء والربيع، أما في غرب أوروبا فإنها تكثر في فصلي الشتاء والخريف. ومرور المنخفضات الجوية يسبب عادة حدوث تقلبات فجائية في الطقس فيشتد هبوب الرياح وتسقط الأمطار بغزارة وقد تظهر عواصف الرعد وغير ذلك من التقلبات الجوية التي سنشرحها فيما بعد، ويجب ألا يخلط بين المنخفضات الجوية "أو كما تسمى أحيانًا أعاصير المنطقة المعتدلة" وبين الأعاصير المدارية التي تظهر في المنطقة الحارة ما بين المدارين، والتي سنتكلم عليها فيما بعد. وتتحرك المنخفضات الجوية بعد تكوينها من الغرب إلى الشرق بصفة عامة، ولو أنها قد تغير اتجاه سيرها فجأة أو بالتدريج وتنحرف نحو الشمال الشرقي أو الجنوبي الشرقي، وتبين الخريطة التي في الشكل "39" المسالك الرئيسية التي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 تتبعها معظم المنخفضات الجوية في المنطقة المعتدلة، وكذلك المسالك التي تتبعها الأعاصير المدارية، وتبين الخريطة شكل "40" المسالك الرئيسية للمنخفضات الجوية على أوروبا وحوض البحر المتوسط. أما السرعة التي تتحرك بها المنخفضات فإنها ليست ثابتة ولكنها تتراوح في المتوسط ما بين 20 و30 كيلو مترًا في الساعة، ولكن قد يحدث في بعض الأحيان أن يتمركز المنخفض الجوي في مكان واحد عدة أيام، وهذا ما يحدث شكل "39" المسالك الرئيسية للمنخفضات الجوية "الخطوط المتصلة" والأعاصير المدارية "الخطوط المقطعة" في العالم مثلًا في بعض المنخفضات الشتوية التي تمر إلى الشمال من مصر في فصل الشتاء، فكثيرًا ما يتمركز أحد هذه المنخفضات على جزيرة قبرص ويبقى ثابتًا في مكانه عدة أيام يكون الجو خلالها في شمال مصر دائم الاضطراب "شكل 41". وتختلف المنخفضات الجوية بعضها عن بعض من حيث الاتساع، فبينما يغطي بعضها منطقة يزيد قطرها على 1500 كليو متر، نجد أن بعضها الآخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 شكل "40" المسالك الرئيسية للمنخفضات الجوية على أوروبا وحوض البحر المتوسط شكل "41" منخفض جوي متمركز على جزيرة قبرص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 يغطي منطقة لا يزيد قطرها على 300 كيلو متر، أما تأثير المنخفض الجوي فقد يظهر في مناطق تبعد كثيرًا عن مركزه، حتى إنه قد يكون سببًا في وصول رياح قطبية باردة إلى المناطق المدارية الحارة، أو وصول رياح حارة من المناطق المدارية إلى الأقاليم الشمالية الباردة، فقد حدث مثلًا في حالات كثيرة أن وصلت إلى شمال إفريقية، بل إلى شمال السودان، رياح شديدة البرودة من وسط وشمال أوروبا، كما وصلت إلى هذه المناطق الأخيرة "وسط وشمال أوروبا" رياح شديدة الحرارة من الصحراء الكبرى. وتختلف المنخفضات الجوية بعضها عن بعض كذلك في العمق، ثم في شدة انحدار الضغط الجوي نحو مركزها، ويدل نظام خطوط الضغط المتساوي التي ترسم حول مركز المنخفض في خرائط الطقس اليومية على عمق المنخفض وشدته فإذا كانت الخطوط متقاربة دل هذا على أن الضغط ينخفض بسرعة في مسافة قصيرة، ومعنى هذا أنه يكون شديد الانحدار نحو المركز، أما إذا كانت الخطوط متباعدة فمعنى ذلك أن انحدار الضغط الجوي نحو المركز يكون بطيئًا. ويتوقف عنف المنخفض الجوي، وشدة اضطراب الجو عند مروره، وسرعة الرياح التي تهب حوله على شدة انحدار الضغط الجوي نحو المركز أكثر من توقفه على عمق المنخفض نفسه، فكلما كان الانحدار شديدًا ازدادت سرعة الرياح المندفعة نحو المركز، كما يحدث للمياه التي تنحدر نحو قاع منخفض أرضي جوانبه شديدة الانحدار، ولكن مع فارق مهم وهو أن المياه تقصد عند انحدارها غالبًا مركز المنخفض الأرضي مباشرة، أما الرياح فإنها تنحرف عند هبوبها نحو مركز المنخفض الجوي لتأخذ اتجاهًا مضادًا لاتجاه حركة عقرب الساعة في نصف الكرة الشمالي ومتفقًا معه في نصفها الجنوبي، فالمنخفض الجوي الذي يتدرج الضغط نحو مركزه من 1013 ملليبارات إلى 1008 ملليبارات في مسافة خمسين كيلو مترًا، يكون أشد عنفًا من منخفض آخر يتدرج الضغط نحو مركزه من 1013 ملليبارات إلى 1007 ملليبارات في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 مسافة 150 كيلو مترًا أو أكثر وذلك على الرغم من أن الثاني كما هو واضح أعمق من الأول. ويوضح شكل "42" قطاعًا في منخفضين ينحدر الضغط الجوي في أحدهما نحو المركز انحدارًا أشد بكثير من انحداره في الآخر. شكل "42" العلاقة بين عنف المنخفض الجوي وشدة انحدار الضغط الجوي نحو مركزه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 5- 2- 3- ظاهرات الطقس التي تصاحب المنخفضات الجوية : لما كانت المنخفضات الجوية تتحرك عمومًا من الغرب إلى الشرق فإن الظاهرات الجوية التي تصاحبها تنتقل معها في نفس الاتجاه، ولهذا فإن القائمين بعمل التنبوءات الجوية في محطة ما يعتمدون في تنبوءاتهم بصفة خاصة على البيانات التي تذيعها المحطات الواقعة إلى الغرب من محطتهم عن الأحوال الجوية وتطوراتها وتسجل هذه البيانات في ساعات معينة يوميًّا على "خرائط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 الطقس "Synoptic charts" وبواسطة هذه الخرائط يمكن تحديد موقع المنخفض الجوي، كما يمكن معرفة عمقه، وشدة تدرج الضغط الجوي نحو مركزه، وخط سيره، وسرعة تحركه على وجه التقريب. ويمكن بناء على ذلك التنبوء بالتغيرات المنتظره في حالة الجو، إلا أن التنبوءات قد تخطئ أحيانًا لأسباب خارجة عن إرادة المتنبئ الجوي نتيجة لحدوث تغيرات غير متوقعة على المنخفض الجوي أو على خط سيره، فقد يحدث أن يمتلئ المنخفض أو يغير اتجاهه أو يتوقف عن التحرك قبل أن يصل إلى مكان المتنبئ الجوي، وفي مثل هذه الأحوال لا تكون التنبوءات الجوية متفقة مع ما يحدث فعلًا. أما إذا لم تطرأ على المنخفض الجوي تطورات غير متوقعة فإن الأحوال الجوية في الأماكن التي تقع على امتداد خط سيره تتتابع غالبًا بترتيب معروف، ولكنه قد يختلف في بعض التفاصيل باختلاف موقع المكان إلى الجنوب أو إلى الشمال من خط سير المنخفض. ويمكن تقسيم التغيرات التي تطرأ على الجو منذ اقتراب المنخفض ثم مروره وابتعاده إلى خمس مراحل كما يلي: أولًا- مرحلة اقتراب المنخفض، قبل أن يطرأ على الجو أي اضطراب واضح تأخذ درجة حرارة الجو في الارتفاع بينما يأخذ الضغط الجوي في الانخفاض، وتهب الرياح من الشرق ثم تتحول تدريجيًّا إلى جنوبية شرقية، وتكون معتدلة السرعة وجافة أو رطبة على حسب طبيعة المنطقة التي تهب منها، وتظهر في السماء سحب رقيقة متفرقة على ارتفاع كبير، وتكون غالبًا شفافة وناصعة البياض حتى إنها لا تحجب الشمس، وتأخذ عادة شكل أهداب الريش أو القطن المندوف، وكلما اقترب المنخفض تزايدت هذه السحب حتى تتكون منها طبقة رقيقة متصلة تنفذ من خلالها أشعة الشمس وتظهر حول قرصها هالة مستديرة بسبب تكسر الأشعة على بلورات الثلج التي تتكون منها أغلب هذه السحب، وبمرور الوقت وتزايد اقتراب المنخفض يتزايد سمك السحب حتى تحجب أشعة الشمس تمامًا ويتزايد قربها من الأرض. وفي نفس الوقت تتزايد سرعة الرياح ويكن أغلبها جنوبيًّا شرقيًّا أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 جنوبيًّا، وتستمر درجة الحرارة في الارتفاع، ويستمر الضغط الجوي في الانخفاض، وقد يسقط مطر خفيف. ثانيًا- مرحلة مرور الجبهة الدافئة، بمجرد وصول هذه الجبهة تتحول الرياح من جنوبية شرقية أو جنوبية إلى جنوبية غربية سريعة. وتستمر درجة الحرارة في ارتفاعها، ويزداد سمك السحب كما يزداد قربها من الأرض وتحتجب بها السماء تمامًا وقد يصاحبها سقوط بعض الأمطار، وتحدث في هذه المرحلة أحيانًا موجات حرارية شديدة إذا ما حدث في فصل الربيع وأوائل الصيف، أما الضغط الجوي فيكون مستمرًا في انخفاضه نجو مركز المنخفض الجوي. وتتوقف رطوبة الجو أو جفافه على طبيعة المنطقة التي تأتي منها الرياح. ثالثًا- مرحلة مرور قلب المنخفض، وهو الذي يقع في قلب الموجة الدافئة التي تنحصر بين الجبهة الدافئة والجبهة الباردة، وفي مركزها يكون الضغط الجوي قد وصل إلى أدناه، أما درجة الحرارة فتظل مرتفعة، وتظل السماء محتجبة بطبقة متصلة سميكة من السحاب، وقد تسقط بعض الأمطار، وتكون الرياح خفيفة في بداية هذه المرحلة ولكنها تسكن تمامًا تقريبًا في أواسطها وقرب نهايتها، ولكنه هو "السكون الذي يسبق العاصفة" على حسب التعبير المشهور؛ إذ إن الجو يدخل بعدها مباشرة في أشد حالاته اضطرابًا. رابعًا- مرحلة مرور الجبهة الباردة، وهي أشد مراحل المنخفض الجوي اضطرابًا، ويحدث الاضطراب عادة بشكل مفاجئ، فما إن تصل الجبهة الباردة حتى تتحول الرياح فجأة من جنوبية غربية إلى شمالية غربية أو شمالية، وتصل إلى أعلى سرعتها، وتتوقف هذه السرعة على عمق المنخفض وشدة انحدار الضغط نحو مركزه، ففي حالة المنخفضات الشتوية العنيفة قد تصل هذه الرياح إلى سرعات يترتب عليها حدوث كثير من التخريب. وبمجرد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 مرور هذه الجبهة تنخفض درجة الحرارة انخفاضًا فجائيًّا، فإذا حدث ذلك في فصل الشتاء فقد تنخفض درجة الحرارة إلى قرب درجة التجمد أو دونها على حسب موقع المكان، وذلك بسبب وصول هواء قطبي من العروض القطبية، وتتلبد السماء بغيوم داكنة سميكة قريبة من سطح الأرض، وتحدث عواصف رعدية تنهمر في أثنائها الأمطار بغزارة شديدة، وتستمر هذه الاضطرابات بدون انقطاع لفترة تتوقف على سرعة تحرك المنخفض الجوي أو تمركزه. خامسًا- مرحلة ابتعاد المنخفض الجوي: تأتي هذه المرحلة بعد مرور الجبهة الباردة، وفي أثنائها تتناقص شدة الاضطرابات الجوية فتتناقص سرعة الرياح وتتناقص السحب وتتناقص الأمطار تبعًا لذلك وتسقط بشكل زخات متفرقة يزداد تباعدها بمرور الوقت ويصفو الجو تدريجيًّا، ولكن درجة الحرارة تظل مائلة للبرودة لبعض الوقت بينما يأخذ الضغط الجوي في الارتفاع حتى يبتعد المنخفض الجوي نهائيًّا أو يمتلئ وينتهي أثره. ويجب أن نشير مع ذلك إلى أن الظاهرات التي سبق وصفها، على الرغم من أنها تظهر عند مرور معظم المنخفضات الجوية، فإنها تتغير أحيانًا لأسباب طارئة، مما يؤدي إلى حدوث أخطاء في التنبوءات الجوية كما سبق أن بينا، كما أنها قد تختلف من مكان إلى آخر على حسب الموقع بالنسبة لمركز المنخفض الجوي، ويبين شكل "41" اتجاه الرياح على مصر وشرق البحر المتوسط عندما تتمركز منخفض جوي شديد العمق على جزيرة قبرص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 الرياح المحلية التي تسببها المنخفضات الجوية مدخل ... 7- 2- 4- الرياح المحلية التي تسببها المنخفضات الجوية: بينا فيما سبق أن هبوب الرياح حول المنخفضات الجوية له نظام خاص قد لا يتمشى مع الدورة الهوائية العامة للرياح فوق سطح الكرة الأرضية، ففي نصف الكرة الشمالي تهب الرياح في مقدمة المنخفض من الاتجاهات الجنوبية بصفة عامة، ولهذا فإنها غالبًا دافئة أو حارة، خصوصًا في نصف السنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 الصيفي، أما في مؤخرة المنخفض فتهب الرياح من الشمال، وتكون باردة خصوصًا في نصف السنة الشتوية. وللرياح التي تهب في مقدمة المنخفضات الجوية أو في مؤخرتها أهمية خاصة بالنسبة لبعض المناطق, وذلك على حسب ما تتميز به من صفات خاصة, وما يمكن أن يكون لها من أثر في حياة السكان، ولكل نوع من هذه الرياح أسماء محلية يشتهر بها في المناطق التي يظهر فيها. ففي مصر مثلًا يطلق اسم رياح الخماسين على الرياح الحارة التي تهب في الصحراء في مقدمة المنخفضات الجوية في فصل الربيع، وقد تعبر هذه الرياح البحر المتوسط وتصل إلى جنوب أوروبا حيث يطلق عليها اسم السيروكو، ويطلق اسم رياح الفهن في منطقة جبال الألب على الرياح الدافئة التي تظهر على السفوح الشمالية للجبال، وهي رياح تهب من الجنوب في مقدمة المنخفضات الجوية التي تمر على شمال أوروبا ويطلق اسم المسترال في جنوب فرنسا على رياح شديدة البرودة تهب على وادي الرون من الشمال. وذلك في مؤخرة المنخفضات الجوية التي تغزو البحر المتوسط من الغرب، وتظهر في شبه جزيرة البلقان رياح من نفس نوع المسترال يطلق عليها اسم البورا، ويطلق على جميع هذه الرياح وأشباهها اسم الرياح المحلية "Local Winds" وذلك لأن تأثيرها لا يظهر غالبًا إلا في مناطق محدودة من العالم، فضلًا عن أنها لا تهب إلا في فترات متقطعة ولا يستمر هبوبها أكثر من بضعة أيام كلما توفرت أسباب هبوبها. ويمكننا أن نقسم الرياح المحلية المشهورة التي تسببها المنخفضات الجوية إلى ثلاث مجموعة رئيسية هي: أ- رياح حارة تهب في مقدمة المنخفضات الجوية، ومن أشهر أنواعها رياح الخماسين في مصر والسموم في صحاري شمال إفريقية وبلاد العرب والسيروكو على الساحل الجنوبي لأوروبا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 ب- رياح حارة يهب معظمها في مقدمة المنخفضات الجوية، ولكنها لا تظهر إلا في بعض الأقاليم الجبلية حيث تكتسب معظم حرارتها نتيجة لانضغاطها على سفوح الجبال، ومن أهمها رياح الفهن في جبال الألب في أوروبا والشنوك في جبال الروكي بأمريكا الشمالية. ج - رياح باردة تهب في مؤخرة المنخفضات الجوية، ومن أهمها رياح المسترال في حوض الرون، ورياح البورا في شمال البحر الأدرياتي. وفيما يلي وصف مختصر لأهم الرياح المحلية التي تنتمي إلى هذه المجموعات الثلاث: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 أولًا - المجموعة "أ" "نوع الخماسين": الخماسين: هي رياح صحراوية شديدة الحرارة والجفاف تهب علي القسم الشمالي من مصر في فصل الربيع، وذلك في مقدمة المنخفضات الجوية التي تمر بالقرب من الساحل الشمالي للبلاد في هذا الفصل، وهي تهب من ناحية الجنوب بصفة عامة، ونظرًا لأنها تأتي من الصحراء فإنها كثيرًا ما تكون محملة بالأتربة والرمال. وقد يحدث أن تصل درجة الحرارة في أثناء هبوبها إلى حوالي 45 درجة مئوية ولكنها لا تلبث أن تنخفض بنحو 15 درجة أو أكثر عندما تمر الجبهة الباردة من المنخفض الجوي وتتحول الرياح إلى شمالية أو شمالية غربية. وتعتبر رياح الخماسين من أقسى الظاهرات المناخية التي تشوب مناخ القسم الشمالي من مصر في فصل الربيع. وذلك على الرغم من أنها لا تهب إلا في أيام معدودة. ويعتبر شهر مارس وأبريل أكثر الأشهر تعرضًا لهبوبها ويتضح ذلك من الأرقام الآتية التي تبين متوسط عدد الأيام التي تهب فيها رياح الخماسين في الأشهر المختلفة. فبراير 6، مارس 7، أبريل 7، مايو 5، يونيو 2. السموم: هي صورة أخرى من رياح الخماسين، فهي رياح حارة جافة محملة بالأتربة تهب من الجنوب بصفة عامة وتشتهر بها صحاري بلاد العرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وشمال الصحراء الكبرى في ليبيا وبلاد المغرب، وهي تهب كذلك في مقدمة المنخفضات الجوية، خصوصًا في فصل الربيع. وقد تكون الأتربة التي تحملها من الكثرة بحيث تقلل مدى الإبصار أحيانًا إلى بضع ياردات. وهذه هي نفس الرياح التي تشتهر في ليبيا باسم "القبلي". والسيروكو Sirocco: هي رياح حارة رطبة تهب على جنوب أوربا وخصوصًا على البلقان وإيطاليا من ناحية الجنوب. وهي في الواقع امتداد لرياح الخماسين "أو السموم" التي قد تعبر البحر المتوسط فتحمل عند عبورها كميات كبيرة من بخار الماء. ويكون الجو عند هبوبها حارًّا رطبًا ذا أثر سيئ في النفوس، وقد يتسبب عنها ظهور ضباب كثيف على السواحل. ويكون اتجاهها على إيطاليا جنوبيًّا شرقيًّا في غالب الأحيان. وكلمة سيروكو مأخوذة من كلمة "الشرق" العربية1. الليفاتنو Levanter "أو السولانو Solano": وهي رياح حارة رطبة من نوع السيروكو، تهب من ناحية الشرق على منطقة جبل طارق، وكثيرًا ما يؤدي هبوبها إلى حدوث دوامات في مياه البحر تكون خطرًا على الملاحة، وتظهر هذه الدوامات بصفة خاصة على الجانب الغربي من بوغاز جبل طارق. وقد سميت هذه الرياح بالليفانتر لأنها تهب من الشرق، أي من ناحية الليفانت "Levant" وهو اسم تاريخي يطلق على القسم الشرقي من البحر المتوسط. الهارمتان Harmattan: هي رياح صحراوية شديدة الجفاف. وتهب من الصحراء الكبرى على البلاد الممتدة على طول ساحل غانة في غرب إفريقية ويكون اتجاهها شماليًّا شرقيًّا أو شرقيًّا. ورغم شدة حرارتها وجفافها وما تحمله أحيانًا من أتربة فإن السكان يرحبون بها ويحبونها لأنها تنقذهم ولو لفترة محدودة من الرطوبة الشديدة التي تتميز بها هذه المناطق، وهي على كل حال ذات تأثير حسن على صحة السكان بصفة عامة. ويتفق موسم هبوبها إجمالًا مع أشهر الشتاء والربيع، وكثيرًا ما تحمل مقادير كبيرة من الأتربة التي تنتشر على   1 HORROCKS, N. K. "PHYSICAL GEOGRAPHY AND CLIMATOLOGY" 1955 P. 22 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 شكل ضباب يمتد أحيانًا مسافات بعيدة قد تبلغ مئات الكيلو مترات فوق المحيط الأطلسي مما يسبب كثيرًا من الأخطار على الملاحة. البريكفيلدرزBiCKfIeLders: وهي رياح صحراوية حارة معروفة في جنوب شرق أستراليا، وتهب بصفة خاصة في فصلي الربيع والصيف، وذلك في مقدمة بعض المنخفضات الجوية التي تعبر القارة من الغرب إلى الشرق ونظرًا لأنها تهب من الصحراء فإنها تكون محملة بمقادير كبيرة من الأتربة فضلًا عن أنها تكون شديدة الحرارة وقد يستمر هبوبها عدة أيام، ولكنها تختفي فجأة وتحل محلها رياح جنوبية باردة تهب في مؤخرة المنخفض الجوي، ويطلق عليها اسم الجنوبية المندفعة "Southerly Burster" وسنشير إليها فيما بعد مع الرياح الباردة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 ثانيًا - المجموعة "ب" "نوع الفهن": الفهن Fohn: تظهر هذه الرياح في الوديان التي توجد في شمال جبال الألب خصوصًا في سويسرة، وهي رياح جنوبية دافئة شديدة الجفاف، تهب في مقدمة بعض المنخفضات الجوية التي تمر على شمال أوروبا، وعند هبوبها ترتفع درجة الحرارة ارتفاعًا سريعًا، ويشتد الجفاف فتنصهر الثلوج التي تغطي منحدرات الجبال بسرعة ينجم عنها أحيانًا حدوث فيضانات خطيرة. وهي تظهر بصفة خاصة في نصف السنة الشتوي. وتختلف مدة هبوبها من بضع ساعات إلى عدة أيام، وهي تبدأ على شكل هبات حارة متقطعة، ولكنها تستمر بعد ذلك في هبوب شديد متواصل لبضع ساعات أو بضعة أيام. ونظرًا لشدة حرارتها وجفافها فإنها تساعد على انتشار الحرائق التي تحدث لأقل الأسباب وذلك فضلًا عن أنها تكون ذات أثر سيئ في نفوس السكان، ولكن رغم هذه المساوئ فإن الفهن لها فوائد اقتصادية عظيمة من أهمها أنها تساعد على نضج الفاكهة التي تزرع في هذه الوديان ومنها التفاح والكمثرى، ويتراوح متوسط عدد الأيام التي تظهر فيها هذه الرياح ما بين 30 و40 يومًا في السنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وتكتسب الفهن قسمًا كبيرًا من حرارتها نتيجة لانضغاطها عند هبوطها بشدة على المنحدرات الشمالية للجبال. ومما يساعد على سرعة ارتفاع درجة حرارتها عند الهبوط أنها تكون قد فقدت معظم بخار الماء الذي كانت تحمله بالتكثف على المنحدرات الجنوبية. وتكون لهذا السبب جافة نسبيًّا عند هبوطها على المنحدرات الشمالية. الشنوك Chinook: وهي رياح دافئة من نفس الفهن ولها نفس صفاتها تقريبًا، وتظهر على المنحدرات الشرقية لجبال الروكي في الولايات المتحدة وكندا، حيث تعبر الرياح الرطبة الآتية من المحيط الهادي سلاسل هذه الجبال وتنحدر بشدة على جوانبها الشرقية، وهي رياح محبوبة عند الرعاة؛ لأنها تؤدي إلى انصهار الثلوج التي على منحدرات الجبال وقممها فتساعد المياه الناتجة من هذا الانصهار على ظهور المراعي. وموسم هبوب الشنوك هو فصلا الشتاء والربيع، وذلك عند مرور المنخفضات الجوية نحو الشرق، ويكون اتجاهها جنوبيًّا غربيًّا بصفة عامة. سانتا آنا Santa Ana: هي رياح صحراوية حارة شديدة الجفاف تهب على جنوب كاليفورنيا من الصحاري الواقعة إلى الشرق من سلاسل جبال سيرا نيفادا عند مرور أحد المنخفضات الجوية، وقد تحمل معها كثيرًا من الأتربة والرمال، وهي في الحقيقة نوع من الرياح تجمع بين مميزات نوعي الخماسين والفهن، وذلك لأنها فضلًا عن كونها رياحًا حارة بطبيعتها لهبوبها من إقليم صحراوي حار كما هي الحال في الخماسين، فإنها تكتسب مقادير أخرى من الحرارة عند هبوطها بشدة على المنحدرات الغربية لجبال سيرا نيفادا كما يحدث تمامًا لرياح الفهن، وموسم هبوبها هو الشتاء والربيع، وهي تسبب أضرارًا كثيرة للمحصولات، خصوصًا إذا ظهرت في الربيع عندما تكون أشجار الفاكهة قد بدأت تخرج براعمها وتكون الأشجار الصغيرة قد بدأت نموها وإلى جانب ذلك فإنها تسبب مضايقات كثيرة للسكان، وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى وادي سانتا آنا الذي تهب على امتداده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 ثالثًا - المجموعة "ج" "نوع المسترال": المسترال Mistral: وهي رياح شمالية شديدة البرودة تهب في فصل الشتاء على وادي الرون بسرعة عظيمة تتراوح بين 50 و60 كيلو مترًا في الساعة، ولكنها تصل في بعض الأحيان إلى 100كم في الساعة، وفي هذه الحالة قد ينتج عنها غرق بعض السفن واقتلاع بعض الأشجار، ولهذا السبب نجد أن المنازل في هذا الحوض تبنى بحيث تتجه أبوابها ونوافذها بصفة عامة نحو الجنوب وسبب هبوب المسترال هو ظهور منخفض جوي على القسم الغربي من البحر المتوسط، مما يؤدي إلى اندفاع الرياح الباردة في مؤخرته من داخل قارة أوروبا، ونظرًا لوجود حواجز جبلية مرتفعة تحول بين هذه الرياح وبين الوصول إلى البحر المتوسط فإنها تتجمع في وديان الأنهار المتجهة جنوبًا، ومن أهمها وادي الرون الذي تندفع على طوله بقوة عظيمة، ومما يساعد على ازدياد قوة المسترال أن الهواء الذي يبرد على قمم الجبال المجاورة وجوانبها ينحدر باستمرار نحو قاع الوادي فيضيف هواءً جديدًا إلى هوائها. البورا Bora: ومعناها الشمالية، وهي رياح شديدة البرودة تشبه المسترال وتهب في فصل الشتاء على البحر الإدرياتي من الشمال الشرقي بصفة عامة، ويكون هبوبها غالبًا في أعقاب المنخفضات الجوية التي تمر على شرق البحر المتوسط، وكما هو الحال في المسترال نلاحظ أن البورا تكتسب كثيرًا من قوتها نتيجة لهبوط الهواء الذي يبرد على قمم جبال الألب الدينارية وجوانبها نحو البحر الإدرياتي. الجنوبية المندفعة Southerly Burster: هي رياح جنوبية باردة تهب بصفة خاصة في فصلي الربيع والصيف على ساحل نيو سوث ويلز في جنوب شرق أستراليا، وذلك في أعقاب بعض المنخفضات الجوية التي تعبر أستراليا من الغرب إلى الشرق، ولكن نظرًا لأنها تهب من ناحية البحر فإنها لا تصل في برودتها إلى درجة البورا أو المسترال، ويلاحظ أن هذه الرياح تهب عادة عقب هبوب رياح أخرى حارة تأتي من الشمال في مقدمة المنخفضات الجوية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 ويطلق عليها اسم بريكيفلدرز، وقد سبقت الإشارة إليها عند الكلام على الرياح الدافئة. الهبوب HaBooB: ويطلق هذا الاسم على نوع من الزوابع الترابية المشهورة في شمال السودان وفي جنوب البحر الأحمر، وهو في الواقع نوع فريد في بابه من الرياح المحلية وسبب حدوثه، كما يبدو في الوقت الحاضر، هو وصول جبهة إحدى الكتل الهوائية الباردة إلى شمال السودان، فالذي يحدث عندئذ هو أن الهواء البارد يسخن في طبقاته السفلى بسبب مروره على سطح أدفأ منه، ويترتب على ذلك حدوث حالة عدم استقرار في هواء الكتلة الباردة، وما يؤدي إلى نشاط التيارات الهوائية الصاعدة نشاطًا كبيرًا يترتب عليه ارتفاع مقادير كبيرة جدًّا من الأتربة والرمال، التي توجد بكثرة فوق سطح المنطقة، فإذا ما وصلت الرياح الشمالية التي تهب بعد ذلك فإنها تدفع هذه الأتربة والرمال أمامها نحو الجنوب أو الجنوب الشرقي وتلقي بها فوق المدن والقرى التي تصادفها، وكثيرًا ما تستمر سحب الأتربة عالقة بالجو حوالي ثلاثة أيام أو أكثر، ويكون ظهور الهبوب مصحوبًا في بعض الأحيان بسقوط الأمطار وحدوث البرق والرعد ويعتبر شهرا مايو ويونيو الموسم الرئيسي لحدوث هذا النوع من الزوابع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الأعاصير أو العواصف الدوارة الفرق بينها وبين المنخفضات الجوية ... 7- 3 : الأعاصير أو العواصف الدوارة 7- 3- 1- الفرق بينها وبين المنخفضات الجوية: تختلف هذه الأعاصير أو كما تسمى أحيانًا بالعواصف المدارية عن المنخفضات الجوية التي تظهر في المنطقة المعتدلة من عدة وجوه، فبينما تظهر المنخفضات الجوية في نطاق الرياح الغربية فإن الأعاصير المدارية تظهر في نطاق الرياح التجارية أو الموسمية أي في المناطق الحارة، وبينما تنشأ المنخفضات الجوية على اليابس والماء على حد سواء فإن الأعاصير المدارية يغلب حدوثها في مناطق معينة من المحيطات ولا تتوغل في اليابس إلا إلى مسافات قصيرة، وبينما يغطي المنخفض الجوي عادة مساحة واسعة جدًّا قد يصل قطرها إلى أكثر من 1500 كيلو متر فإن قطر الإعصار المداري يكون أقل من ذلك بكثير حيث إنه يتراوح ما بين 100 و 250 كيلو مترًا فقط، وبينما تتحرك المنخفضات الجوية دائمًا من الغرب إلى الشرق على وجه الإجمال، فإن الأعاصير المدارية تتحرك عادة من الشرق إلى الغرب، ولو أن خط سيرها ينحرف نحو الشمال في نصف الكرة الشمالي ونحو الجنوب في نصفها الجنوبي، ويلاحظ أخيرًا أن الأعاصير المدارية تكون غالبًا أشد قسوة وأثرًا من المنخفضات الجوية، وكثيرًا ما تؤدي إلى تدمير المباني والمنشآت وحدوث ضحايا في الأنفس وغرق السفن حتى الكبير منها، كما يصحبها تدفق الأمطار بصورة أشد بكثير مما يحدث في المنخفضات الجوية، ويغلب أن يتتابع في أثناء مرور الإعصار حدوث برق ورعد شديدين. ويكون الضغط الجوي في مركز الإعصار شديد العمق جدًّا كما يكون انحداره شديدًا جدًّا كذلك، حتى إن خطوط الضغط المتساوي المرسومة حول المركز تكون على شكل دوائر شديدة التقارب، ويلاحظ أن الهواء في مركز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 الإعصار يكون ساكنًا تقريبًا وذلك في دائرة قطرها حوالي 30 كيلو مترًا، وهذه الدوائر هي التي يطلق عليها اسم "عين الإعصار" ويدور الهواء حولها ضد عقرب الساعة في نصف الكرة الشمالي ومعه في نصفها الجنوبي، وذلك بسرعة تصل أحيانًا إلى أكثر من 100 عقدة في الساعة. وعند مرور الإعصار على أن مكان يرسم الباروجراف رقم 7 مما يدل على أن الضغط الجوي ينخفض فجأة عند مرور الإعصار، ثم يرتفع فجأة بعد ذلك مباشرة. وتشتهر الأعاصير المدارية في الأقاليم التي تتعرض لها بأسماء مختلفة، منها "الهاريكين Hurricane" في أمريكا و"التيفون Typhoon" في الصين والويلي ويلي "Willy- Willy" في أستراليا. ومن حوادث الأعاصير المشهورة ذلك الإعصار الذي مر على شبه جزيرة فلوريدا في سنة 1926 وقتل بسببه حوالي 1500 شخص بينهم 114 في مدينة ميامي وحدها، وقدرت الخسائر المادية التي نجمت عنه بما يزيد على 15 مليون جنيه، ويبين شكل "43" حالة الضغط الجوي في ذلك الإعصار شكل "43" نظام خطوط الضغط المتساوي في إعصار فلوريدا "18 سبتمبر 1926" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 ومن أقرب حوادث الأعاصير المفجعة إلى الأذهان فهو ذلك الإعصار الذي أصيبت به المناطق الساحلية من باكستان الشرقية في نوفمبر سنة 1970 وقتل بسببه ما يقرب من نصف مليون شخص، بالإضافة إلى أعداد أكبر بكثير من الجرحى والذين أصبحوا بدون مأوى. وقد زادت سرعة الرياح في هذا الإعصار عن 80 عقدة في الساعة. وطغت مياه البحر على المناطق الساحلية وغرقت جزر بأكملها بكل سكانها، وتشتهر الولايات الهندية المطلة على خليج البنغال بهذا النوع من الأعاصير فلا يكاد يمر عام إلا وتصاب بواحد منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 7- 3- 2- نشأتها : تنشأ الأعاصير المدارية بصفة خاصة على الأجزاء الغربية من المحيطات وذلك في منطقة الركود الاستوائي، حيث يساعد سكون الهواء على رفع درجة حرارة الطبقات السفلى منه بسرعة مما يؤدي إلى نشاط التيارات الصاعدة وحدوث حالة عدم استقرار في الهواء، وفضلًا عن ذلك فإن التيارات المائية الاستوائية تنقل باستمرار إلى الأجزاء الغربية من المحيطات مقادير كبيرة من المياه السطحية الدافئة، التي يكون الهواء فوقها محملًا بكميات عظيمة من بخار الماء اللازم لتكوين الأمطار المتدفقة، التي تعتبر من الظاهرات الرئيسية التي تلازم الأعاصير. ويلاحظ مع ذلك أن هذه الأعاصير لا تظهر عند خط الاستواء نفسه لأن الرياح التي تعبر هذا الخط من الشمال إلى الجنوب أو العكس لا تنحرف الانحراف الكافي الذي يمكن أن يساعد على إحداث الحركة الدورانية التي تتميز بها الأعاصير المدارية، ويقصد بها دوران الهواء بسرعة حول مركز الإعصار على شكل دوامة، ولكن كلما بعدنا شمالًا أو جنوبًا عن خط الاستواء ساعد دوران الأرض على انحراف الرياح وإحداث هذه الحركة الدورانية، ولهذا السبب نجد أن الأعاصير لا تنشأ غالبًا إلا في الفصل الذي تتزحزح فيه منطقة الركود الاستوائية إلى أبعد وضع لها عن خط الاستواء نحو الشمال أو نحو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 الجنوب، ويكون ذلك ما بين خطي عرض 10 ْو 20 ْتقريبًا في نصفي الكرة. هذه هي الظروف العامة التي جعلت الأجزاء الغربية من المحيطات ما بين خطي عرض 10 ْو20 ْشمالًا وجنوبًا ملائمة لنشأة الأعاصير المدارية، أما في العوامل المباشرة التي تؤدي إلى إثارة هذه الأعاصير فقد اختلفت الآراء في تفسيرها، ولكن الرأي السائد في الوقت الحاضر هو أنها تنشأ نتيجة لتقابل ثلاث كتل هوائية مدارية في مكان واحد، بشرط أن تكون واحدة منها مختلفة عن الكتلتين الأخريين، ويحدث هذا عادة عندما تلتقي كتلة مدارية قارية بكتلة مدارية بحرية في مكان ما يقع على الجهة الاستوائية "انظر شكل 44". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 7- 3- 3- خطوط سيرها وتوزيعها : يبين شكل "39" المسالك الرئيسية التي تتبعها الأعاصير المدارية والمنخفضات الجوية في العالم، ومنه يتضح أن الأعاصير المدارية تتجه بصفة عامة من الشرق إلى الغرب، ثم تنحرف نحو الشمال في نصف الكرة الشمالي ونحو الجنوب في نصفها الجنوبي، فإذا ما حدث ووصل بعضها إلى نطاق الرياح الغربية فإنه يتغير اتجاه سيره تغييرًا تامًّا. ويبدأ في التحرك من الغرب إلى الشرق، وعندئذ يتلاشى الإعصار نهائيًّا أو يتحول إلى منخفض جوي عادي من نوع المنخفضات الجوية التي تظهر في المناطق المعتدلة. وعند مقارنة خطوط الأعاصير المدارية بتوزيع مناطق الضغط الجوي العامة على سطح الكرة الأرضية، نلاحظ أن هذه الأعاصير تدور في سيرها غالبًا حول الأطراف الغربية لنطاقات الضغط المرتفع الدائمة فوق المحيطات وهي الأطراف التي تلتقي عندها نطاقات الضغط المذكورة بمناطق الضغط المنخفض التي تتكون في فصل الصيف على كتل اليابس. ورغم أن هذه الأعاصير قد تظهر في أي شهر من شهور السنة فإنها تكثر بصفة خاصة في فصلي الصيف والخريف، وهما الفصلان اللذان يكون فيهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 نطاق الركود الاستوائي أبعد ما يكون عن خط الاستواء شمالًا أو جنوبًا، ولو أن موسم كثرتها قد يتغير نوعًا ما في منطقة عنه في منطقة أخرى. ويلاحظ أن المحيط الأطلسي الجنوبي يكاد يخلو تمامًا من الأعاصير المدارية، وربما كان السبب في ذلك هو أن منطقة الركود الاستوائي على هذا المحيط لا تتزحزح إلى الجنوب من خط الاستواء في أي فصل من فصول السنة نتيجة لقلة مساحة اليابس بالنسبة لمساحة الماء في هذه المنطقة. وفيما يلي أهم المناطق التي تشتهر بأعاصيرها "انظر الجدول رقم 7" 1- بحر الصين: ويبلغ متوسط ما ينتابه من الأعاصير سنويًّا حوالي 22 إعصارًا يحدث معظمها في يوليو وأغسطس وسبتمبر وأكتوبر، ويعتبر سبتمبر أكثر الأشهر تعرضًا لها حيث تبلغ نسبة ما يصيبه منها 19% من المتوسط السنوي. وإن كنا نجد في هذه المنطقة بالذات أن جميع أشهر السنة معرضة لحدوثها. 2- خليج البنغال: وينتابه سنويًّا حوالي عشرة أعاصير يبدأ موسمها في يونيو وينتهي في نوفمبر. وهي تكثر بصفة خاصة في يوليو وأغسطس وتبلغ نسبة مجموع ما يحدث فيهما معًا حوالي 37% من المتوسط السنوي، وتنعدم تقريبًا في يناير وفبراير ومارس. 3- جزر الهند الغربية: ويصيبها حوالي ستة أعاصير في السنة، ويبدأ موسمها في يونيو وينتهي في نوفمبر. وأكثر الأشهر تعرضًا لها هي شهرا سبتمبر وأكتوبر إذ تبلغ نسبة مجموع ما يحدث فيهما حوالي 46% من المتوسط السنوي، أما الفترة التي تنتهي في مايو فتنعدم فيها الأعاصير تمامًا. 4- جنوب المحيط الهندي "إلى الشرق من مدغشقر": ويظهر هنا حوالي ستة أعاصير سنويًّا، يبدأ موسمها في ديسمبر وينتهي في أبريل. تبلغ نسبة ما يحدث منها في فبراير وحده حوالي 29% من المتوسط السنوي. وتختفي الأعاصير تقريبًا فيما بين يونيو وأكتوبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 5- البحر العربي: ويصيبه حوالي إعصارين سنويًّا، واحتمال ظهور الأعاصير هنا له موسمان يبدأ الأول منهما في أبريل وينتهي في يوليو، ويبدأ الثاني في سبتمبر وينتهي في يناير. 6- جنوب المحيط الهادي "حول جزر فيجي وكوينزلاند": وتصيبه في المتوسط إعصاران سنويًّا وأكثر الأشهر تعرضًا لها هي ديسمبر حتى أبريل شكل "44"نشأة الأعاصير المدارية في منطقة التقاء ثلاث كتل هوائية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 7- 3- 4- الترنادو ToRNADO يطلق اسم الترنادو على نوعين مختلفين من الأعاصير، يظهر الأول منهما في غرب إفريقية على ساحل غانة بالقرب من خط الاستواء ويطلق عليه عادة اسم الترنادو الإفريقي، وهو ينشأ عندما تلتقي رياح الهارمتان الجافة التي تهب من الصحراء الكبرى في الشمال بالرياح الموسمية الرطبة التي تهب من الجنوب ويكون مصحوبًا ببرق ورعد شديدين وأمطار تنهمر بغزارة متناهية، وكثيرًا ما تتسبب عنه أضرار كثيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 جدول "7" متوسط عدد الأعاصير المدارية في المناطق المختلفة وتوزيع النسب المئوية لها على أشهر السنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 أما النوع الثاني من الترنادو، وهو في الواقع النوع المشهور الذي يقصد غالبًا عند ذكر هذا الاسم، فيظهر في المناطق المعتدلة داخل نطاق بعض المنخفضات الجوية العادية، ويتميز بأنه صغير الحجم جدًّا، فالمنطقة التي يغطيها لا يزيد قطرها في الغالب على 1.5 كيلو متر، وقد ينخفض أحيانًا إلى 100 متر فقط. ورغم صغر حجمه بهذا الشكل فإنه يعتبر أشد أنواع الأعاصير فتكا وتدميرًا، ويرجع ذلك لسببين هما: أولًا- سرعة دوران الهواء حول مركز الإعصار بدرجة لا يزال من المستحيل قياسها، ولكنها تقدر بأكثر من 300 عقدة في الساعة في غالب الأحيان شكل "45" منظر لقمع السحاب ونافورة الماء اللذين يظهران عند مرور الترنادو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 ثانيًا- انخفاض الضغط الجوي، في وسط الإعصار انخفاضًا غير مألوف ولا يعرف بالضبط مدى هذا الانخفاض، حيث إن الترنادو يزيل كل ما يكون في طريقه من معالم ويدمر كل شيء بما في ذلك أجهزة الرصد، ومن الغريب أنه بينما يدمر الترنادو جميع ما يقع في طريقه من معالم الحياة ومظاهر العمران، فإن هذا التدمير يقتصر عادة على شريط ضيق يزيد عرضه على قطر دائرة الترنادو نفسها، بينما يظل كل ما حولها سليمًا إلى حد كبير. ويغلب أن ينشأ هذا النوع من الأعاصير على اليابس في فصل الربيع والصيف خصوصًا فيما بعد الظهر، وهو يتحرك عادة من الغرب إلى الشرق في خط مستقيم تقريبًا، وذلك بسرعة تتراوح ما بين 20 و40 عقدة في الساعة، ولكنه يتلاشى غالبًا بعد تحركه مسافة 30 كيلو مترا فقط، وإذا مر هذا الإعصار على البحر فإن المياه تضطرب اضطرابًا شديدًا، وقد تخرج من سطح الماء نافورة يصل ارتفاعها أحيانًا إلى أكثر من 50 مترًا وقطرها حوالي 8 أمتار، كما يتدلى من السحاب مخروط طويل يمتد نحو الأرض شكل "45" وظهور هذا المخروط يعتبر دائمًا نذيرًا باقتراب الترنادو، وهاتان الظاهرتان يكثر حدوثهما في خليج المكسيك. وأكثر بلاد العالم تعرضًا لهذا النوع من الأعاصير هي الولايات المتحدة خصوصًا في حوض المسيسبي وهي تنشأ هنا نتيجة لتقابل تيارين من الهواء أحدهما حار رطب يهب من ناحية خليج المكسيك، والثاني بارد جاف يهب من ناحية الشمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 التبخر ورطوبة الهواء تمهيد - "الحالات التي يوجد بها الماء في الجو" ... 8- التبخر ورطوبة الهواء 8- 1- تمهيد- "الحالات التي يوجد بها الماء في الجو": يوجد الماء في الجو في حالة أو أكثر من ثلاث حالات هي: الحالة الغازية "بخار" والحالة السائلة "ماء" والحالة الصلبة "ثلج". ولكنه قد يتحول من أية حالة من هذه الحالات الثلاث إلى أية حالة من الحالات الأخرى نتيجة لإحدى العمليات الآتية: 1- التبخر Evaporation: وهو التحول من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية. 2- التكثيف Condensation: وهو التحول من الحالة الغازية إلى الحالة السائلة. 3- التسامي Sublimation: وهو التحول من الحالة الصلبة إلى الحالة الغازية مباشرة دون المرور بالحالة السائلة، كما هي الحال مثلًا عند حدوث التبخر من سطح الجليد في الأقاليم القطبية. 4- الترسيب Deposition: وهو التحول من الحالة الغازية إلى الحالة الصلبة مباشرة، دون المرور بالحالة السائلة، كما يحدث أحيانًا عند تكون الصقيع نتيجة لهبوط مفاجئ في درجة الحرارة إلى مادون درجة التجمد Freezing Point "صفر مئوي أو 32 ف" أو عند تجمد البخار أحيانًا. 5- التجمد "أو التبلور" Crystallisation أو Freezing: وهو يحدث عندما تنخفض درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، ولكن يجب ألا يفهم من هذا أن التجمد لا بد أن يحدث بمجرد حدوث الانخفاض؛ إذ إن الماء قد يبقى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 سائلًا حتى بعد برودته إلى درجات منخفضة جدًّا قد تصل إلى- مئوية1. ويوصف الماء الذي يبقى سائلًا في درجة حرارة أدنى في درجة الصفر المئوي بأنه دون البارد Supercooled أو subcooled ولكن مثل هذا الماء يكون دائمًا عرضة للتجمد بسرعة خصوصًا إذا تلامس مع أي ثلج ومعنى هذا أن الدرجة التي يتجمد فيها الماء ليست دائمًا ثابتة. ولكنها على أي حال لا يمكن أن تزيد على الصفر المئوي، فهذا الصفر هو في الواقع الحد الأعلى للحرارة التي يبقى فيها الثلج صلبًا، ولكنه من ناحية أخرى ليس الحد الأدنى للحرارة التي يبقى فيها الماء سائلًا. الانصهار Fusion أو Melting وهو التحول من الحالة الصلبة إلى الحالة السائلة. وهو يحدث دائمًا بمجرد ارتفاع درجة الحرارة عن الصفر المئوي، ونظرًا لأن هذه الدرجة هي الحد بين بداية التجمد وبداية الانصهار فإنها يمكن أن تسمى درجة التجمد أو درجة الانصهار. ولكن بينما قد يبقى الماء سائلًا تحتها في بعض الحالات فإن الثلج لا بد أن يبدأ في الانصهار بمجرد الارتفاع عنها   1 Meteorological office "London" Met. O. 707 A Course in Elementary Melecordgy الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 التبخر تعريفه ... 8- 2- التبخر 8- 2- 1- تعريفه: التبخر، كما ذكرنا آنفًا، وهو تحول الماء من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية وانطلاقه، وهو في هذه الحالة إلى الجو، وهو عبارة عن عملية فيزيقية، كما أن التكثيف وهو عكس التبخر، عبارة عن عملية فيزيقية أخرى يتم بمقتضاها تحول البخار من الحالة الغازية إلى الحالة السائلة. ويحدث هاتان العمليتان نتيجة لظاهرة طبيعية معروفة، وهي أن أي جسم مائي مهما كان حجمه، سواء أكان نقطة مائية دقيقة عالقة بالجو أو بأحد الأجسام، أو غشاءً رقيقًا حول حبة صغيرة من الرمل أو محيطًا عظيم الضخامة، يتكون من جزيئات Molecules دائمة الحركة. وفي أثناء تحركها ينطلق بعضها من الجسم المائي إلى الهواء المجاور، ويعود بعضها الآخر من الهواء إلى الجسم المائي، فإذا كانت الجزيئات المنطلقة من الجسم المائي أكثر من الجزيئات العائدة إليه من الهواء يكون معنى هذا أن هناك تبخرًا، أما إذا كانت الجزيئات العائدة من الهواء أكثر من الجزيئات الواصلة إليه فمعنى هذا أن هناك تكثفًا، وتتوقف سرعة التبخر أو التكثف على مقدار الفرق بين العمليتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 8- 2- 2- أهميته : يعتبر التبخر حلقة أساسية في الدورة المائية العامة، ولولاه لما تحولت مياه البحار والمحيطات إلى مياه عذبة يعيش عليها كل ما هو حي على الأرض، بل إن الثلوج التي تكسو مساحات واسعة من العالم ما كان لها أن تتكون لو لم يكن هناك تبخر من مياه البحار والمحيطات، فلولا التبخر لما تكونت السحب ولما سقطت الأمطار ولما تكون الندى أو الضباب أو أي مظهر آخر من مظاهر التكثف في الطبيعة. ولكن بجانب هذه الأهمية الكبرى فإن التبخر له من ناحية أخرى بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 السلبيات، ولو في حالات خاصة؛ إذ إنه يتسبب في ضياع كميات كبيرة من مياه الأنهار والبحيرات، ومياه التربة والنباتات لدرجة تؤدي إلى عجز الميزانية المائية لكثير من المناطق، أو إلى رفع نسبة الرطوبة في الهواء في بعض الأيام الحارة بصورة تجعل الجو ثقيلًا مرهقًا حتى إنه قد لا يكون صالحًا للعمل وبذل الجهد في بعض الأحيان. ويحدث معظم التبخر. الذي له دخل كبير في المناخ، من سطح البحار، والمحيطات التي تعتبر المصدر الرئيسي لكل المياه الموجودة في الجو أو على سطح اليابس أو في طبقات القشرة الأرضية. إلا أن التبخر يحدث كذلك بكميات كبيرة من النباتات والأنهار والبحيرات ومن سطح التربة. بل ومن أي سطح آخر يحتوي على أي مقدار من الماء ولو في صورة جليد. وبخار الماء هو أحد المواد التي توجد دائمًا عالقة بالهواء حتى في أشد الأماكن جفافًا، إلا أن نسبته تتباين تباينًا كبيرًا من مكان إلى آخر. وعلى الرغم من أن نسبة الوزن الكلي لبخار الماء العالق بجو الأرض تقدر عمومًا بنحو 5% فقط من الوزن الكلي فإن هذه النسبة الصغيرة هي المسئولية عن كل مظاهر التكثف وعن كل المياه التي تسقط على سطح الأرض أو تتجمع في التربة وطبقات القشرة الأرضية، ولولاها لما وجدت الحياة على الأرض ولكان مناخها مختلفًا تمام الاختلاف عن المناخ الموجود فعلًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 العوامل التي تتحكم في التبخر مدخل ... 8- 2- 3- العوامل التي تحكم في التبخر: تتدخل في عملية التبخر، سواء من سطح الماء المكشوف أو من سطح التربة، عوامل متعددة بعضها عوامل مناخية مثل الإشعاع الشمسي ودرجة الحرارة والرطوبة النسبية للهواء والرياح والضغط الجوي، وبعضها الآخر مرتبط بحالة الجسم المائي أو حالة التربة التي يحدث منها التبخر. وليس من الممكن تحديد الدور الذي يقوم به أي عامل من العوامل التي تتحكم في التبخر تحديدًا مستقلًّا عن الأدوار التي تقوم بها العوامل الأخرى؛ لأن العوامل كلها تعمل مع بعضها بصورة معقدة ومتشابكة، وكل ما يمكن عمله هو تقدير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 النتيجة النهائية العامة لكل آثارها متجمعة. ومع ذلك فقد أثبتت الدراسات والتجارب أن تأثير بعض العوامل أقوى وأوضح من تأثير بعضها الآخر. وفيما يلي شرح موجز للعلاقة بين التبخر وبين العوامل التي تؤثر فيه، وهي: أ- العوامل المناخية ب- العوامل المتعلقة بحالة الماء. ج- العوامل المتعلقة بحالة التربة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 أ- العوامل المناخية : 1- الإشعاع الشمسي: وهو أهم العوامل المؤثرة في التبخر على الإطلاق، فقد أثبتت التجارب التي أجريت حتى الآن أن الدور الذي يقوم به يفوق كثيرًا الدور الذي يقوم به أي عامل آخر منفرد. وقد تبين من هذه التجارب وجود علاقة طردية واضحة بين قوة الإشعاع الشمسي والتبخر. 2- درجة الحرارة: فهي التي تحدد درجة حرارة السطح الذي يحدث منه التبخر، وحرارة هذا السطح هي التي تحدد بدورها سرعة انطلاق الجزيئات منه إلى الجو. وكما هي الحال بالنسبة للإشعاع الشمسي فإن العلاقة بين درجة الحرارة والتبخر علاقة طردية واضحة. ولدرجة الحرارة فضلًا عن ذلك تأثير آخر غير مباشر يحدث عن طريق تأثيرها على الرطوبة النسبية للهواء، وهذه الرطوبة لها بدورها تأثير قوي على التبخر، كما يتضح من الفقرة التالية. 3- الرطوبة النسبية للهواء: فالتبخر يحدث طالما أن الهواء لم يصل إلى درجة التشبع، وتتوقف سرعة التبخر على مقدار الفرق بين الرطوبة النسبية الفعلية للهواء وبين رطوبته النسبية عندما يصبح مشبعًا تمامًا وهي100%. فالهواء الذي رطوبته النسبية 30% مثلًا يكون أكثر ملاءمة لنشاط التبخر من الهواء الذي رطوبته النسبية40%، ويتناقص نشاط التبخر كلما اقتربت الرطوبة النسبية من حدها الأقصى وهو 100%، وعندئذ يتوقف التبخر تمامًا، ومن المعروف أن انخفاض درجة حرارة الهواء يؤدي إلى زيادة رطوبته النسبية بينما يؤدي ارتفاعها إلى نقص هذه الرطوبة، وهذا يفسر لنا أحد الأسباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 المهمة لتناقص التبخر نتيجة لانخفاض درجة الحرارة، وتزايده نتيجة لارتفاعها. 4- الرياح: ويرجع تأثيرها إلى أنها قد تزيح من فوق السطح المائي طبقة الهواء التي تكون رطوبتها النسبية مرتفعة بسبب ما اكتسبته من بخار الماء وتأتي بدلًا منها بهواء أكثر جفافًا من اليابس المجاور مما يؤدي إلى زيادة نشاط التبخر. وكلما زادت سرعة الرياح كان تأثيرها أكبر، وخصوصًا إذا كانت مساحة السطح المائي صغيرة نسبيًّا. ومن الطبيعي أن سكون الهواء فوق السطح المائي يتبعه تزايد تدريجي في رطوبته النسبية ويتبعه بالتالي تناقص تدريجي في نشاط التبخر. 5- الضغط الجوى: فمن البديهي أن ارتفاع الضغط الجوي يعطل إلى حد ما سرعة انطلاق الجزيئات من الماء أو التربة إلى الجو، بينما يساعد انخفاضه على زيادة هذه السرعة، وبالتالي على زيادة نشاط التبخر، وبالإضافة إلى ذلك فإن الضغط الجوي له كذلك آثار غير مباشرة على التبخر، فهو مثلًا يؤدي إلى ضعف الرياح أو قوتها، وهذا يؤثر بدوره على نشاط التبخر. والواقع أن الآثار غير المباشرة للضغط الجوي أهم بكثير من آثاره المباشرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 ب – العوامل المتعلقة بحالة المياه : بالإضافة إلى العوامل المناخية التي سبق شرحها فإن حالة المياه التي يحدث منها التبخر من حيث الملوحة والعمق والمساحة لها علاقة مباشرة بعملية التبخر، فزيادة الملوحة تؤدي إلى تناقص سرعة التبخر، ويقدر أن هذا التناقص يحدث بمعدل واحد في المائة لكل واحد في المائة زيادة في درجة الملوحة، أما عمق المياه فيرجع أثره إلى أن تأثير كل من أشعة الشمس ودرجة الحرارة يكون أقوى وأسرع على المياه الضحلة منه على المياه العميقة، ولذلك فإن زيادة الإشعاع وارتفاع درجة الحرارة يظهر أثرهما بسرعة على المياه الضحلة، بينما يتأخر ظهور هذا الأثر نوعًا ما في المياه العميقة. أما مساحة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 سطح الماء فيرجع دورها إلى أن أثر الرياح يكون أقوى على المساحة الصغيرة منه على المساحة الواسعة. ففي حالة المساحة الصغيرة قد يؤدي -أي تحرك الهواء- إلى إزاحة الهواء الرطب نسبيًّا وإحلال هواء جاف محله من اليابس المجاور، بينما قد يبقى هواء المساحة المائية الواسعة فوقها مدة أطول مما يؤدي إلى زيادة رطوبته النسبية، وبالتالي إلى تناقص سرعة التبخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 ج- العوامل المتعلقة بحالة التربة : تتحكم في التبخر من سطح التربة نفس العوامل المناخية التي تتحكم في التبخر من سطح المياه المكشوفة، ولكن التبخر من سطح التربة يتأثر إلى جانب ذلك بحالة التربة نفسها وظروفها من حيث البلولة والنسيج والتركيب، ووجود طبقة مائية قريبة أو بعيدة عن سطحها، ووجود غطاء نباتي أو جليدي فوقها، ومن أهم الملاحظات الخاصة بهذا الموضوع ما يأتي: 1- إذا كانت التربة مبللة باستمرار وبدرجة كافية فقد يكون التبخر من سطحها معادلًا تقريبًا للتبخر من سطح مائي مساوٍ له في المساحة، ولكن التبخر من التربة يأخذ في التناقص كلما تناقصت درجة البلولة حتى يتوقف عندما تصبح التربة جافة تمامًا. 2- يكون التبخر أنشط في التربة الناعمة، مثل التربة الطينية أو الصلصالية، منه في التربة الخشنة مثل التربة الرملية؛ لأن دقة مسام الطين والصلصال تساعد على ارتفاع المياه في التربة من أسفل إلى أعلى بتأثير الخاصة الشعرية "Capillary action" ولذلك فكلما تبخر الماء من سطحها، ارتفع إلى هذا السطح ماء جديد من أسفل طالما كانت الطبقة السفلى منه مبللة بعكس التربة الخشنة التي تحتفظ طبقاتها السفلى بمياهها لمدة أطول بسبب ضعف تأثير الخاصة الشعرية. 3- يساعد وجود طبقة مائية تحت التربة على زيادة التبخر، وكلما كانت هذه الطبقة قريبة من السطح كان تأثيرها أكبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 4 - تساعد النباتات على حماية التربة من التبخر المباشر، وكلما كان الغطاء النباتي كثيفًا كان تأثيره أكبر، ومع ذلك فإن عملية النتح من النباتات تؤدي إلى ضياع مقادير كثيرة من مياه التربة، حيث تمتص المياه بواسطة الجذور وتنطلق إلى الجو من مسام النباتات، وإذا كانت التربة مغطاة بطبقة من بقايا النباتات المتراكمة، كما يحدث غالبًا من مناطق الغابات، فإن هذه الطبقة تحمي التربة كذلك من التبخر. 5- إذا كانت التربة مكسوة بغطاء من الجليد فإن هذا الغطاء يساعد على حمايتها من التبخر حماية تكاد تامة. 6- يتأثر التبخر بلون التربة، والمعتاد هو أن يكون في التربة السوداء أو الداكنة أسرع منه في التربة الفاتحة؛ لأن اللون الداكن يساعد على امتصاص الحرارة ويساعد بالتالي على نشاط التبخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 8- 2- 4- قياس التبخر أو حسابه : يقاس التبخر بواسطة أجهزة خاصة عليها عمومًا اسم مقاييس التبخر "vaporometers" ويوجد منها نوعان رئيسيان هما: 1- نوع يقاس بواسطته التبخر من سطح مائي مكشوف ويستخدم فيه حوض معدني اتساعه حوالي ستة أقدام مربعة وعمقه حوالي قدم ونصف. وعند استخدامه يملأ الحوض بالماء ويعرض للجو، ثم يقاس الانخفاض الذي يطرأ على سطح الماء به من حين إلى آخر. والجهاز القياسي المستخدم في محطات الأرصاد الجوية الأمريكية، والمستخدم كذلك في كثير من محطات العالم العربي هو الجهاز المعروف باسم "Cladss Apn". 2- نوع يقاس بواسطته التبخر من سطح مبلل بالماء. مثل ورقة من الجفاف أو أي مادة أخرى مشابهة له، ومن أبسط الأجهزة التي من هذا النوع وأشهرها الجهاز المعروف بجهاز "بيشي plass" وهو عبارة عن أنبوبة زجاجية مدرجة توضع منكسة بعد أن تملأ بالماء، ويثبت فوق فوهتها قرص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 من الجفاف، فالذي يحدث في هذه الحالة هو أن الماء يتبخر من سطح ورقة الجفاف التي تمتص بدورها الماء من الأنبوبة فينخفض ارتفاع الماء بها، وتدل سرعة هذا الانخفاض في فترة معينة على نشاط عملية التبخر أو بطئها، "شكل 46". شكل "46" مقياس التبخر "بيشي". ولكن يلاحظ أن طريقة قياس التبخر بواسطة أي نوع من الأجهزة السابقة تشوبها بعض العيوب التي تقلل كثيرًا من قيمتها للدراسات الجغرافية وغيرها، فالنتائج التي أمكن الحصول عليها حتى الآن بواسطة هذه الطريقة لا تمثل في الغالب ما يحدث في الطبيعة فعلًا؛ لأنها لا تراعي بعض العوامل المهمة التي تتحكم في تبخر المياه من سطح الأرض أو من سطح البحار والمحيطات، ومنها سرعة الرياح واتساع المسطحات المائية وعمق المياه فيها، ثم نوع التربة ودرجة رطوبتها وغير ذلك. ومن أهم عيوب هذه الطريقة أيضًا أن الأجهزة التي تستخدم في المحطات المختلفة يتباين بعضها عن بعض، لا في أنواعها فحسب، بل وفي تصميم أجهزة النوع الواحد وطريقة استخدامها والظروف التي تستخدم فيها. ومن الغريب أنه لا يوجد حتى الآن جهاز واحد متفق عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 دوليًّا لقياس التبخر كما هي الحال في قياس درجة الحرارة أو الضغط الجوي مثلًا1، ولذلك فإن النتائج القليلة التي تنشرها بعض محطات الأرصاد للتبخر يجب ألا ينظر إليها إلا على أنها نتائج تقريبية فقط ويجب أن نكون حريصين عندما نقارن بعضها ببعض أو نستخدمها لرسم خريطة نبين عليها توزيع التبخر في أي منطقة من المناطق. والواقع أن التبخر يعتبر من الظاهرات المناخية التي لا توجد لها خرائط عامة موثوق به في الوقت الحاضر، وذلك باستثناء الخرائط القليلة التي رسمها بعض الجغرافيين أو علماء المناخ لتوزيع التبخر بصورة تقريبية جدًّا في بعض دول أوروبا وأمريكا. ولتلافي العيوب الكثيرة التي تشوب قياس التبخر بواسطة الأجهزة التي سبقت الإشارة إليها رأى بعض الباحثين في علوم الطبيعة أنه من الممكن الحصول على تقديرات قريبة من الصحة للتبخر إذا أمكن إيجاد معامل الارتباط بينه وبين العناصر الأخرى التي تتحكم فيه. فبهذه الطريقة يكون من السهل تقدير التبخر إذا عرفنا نتائج قياس أو تقدير هذه العناصر، فإذا استطعنا مثلًا أن نوجد معامل الارتباط بين درجة الحرارة والتبخر، فإننا نستطيع أن نقدر على أساسه سرعة التبخر في أي درجة حرارة معينة، وهذا بالطبع على فرض أن الحرارة هي العنصر الوحيد الذي يتحكم في التبخر، وهذا غير صحيح كما ذكرنا، وقد اقترح بعض الباحثين في دول مختلفة مثل إنجلترا وألمانيا وأمريكا عدة معادلات وطرق رياضية من هذا النوع لحساب التبخر2. ولو أن العناصر والعوامل التي بنيت عليها هذه المعادلات تختلف اختلافًا واضحًا من   1 "report on standard methods of measurement of evaporation" journal of the institute of water engineer VOL.2.1948.PP.97-299 2 Thornthwaite, C.W. "An approach Towards Rational Classification of Climate" grog. rev, vol.38.1948 pp 59-39. Penman. H.I. "Natural Evaporation Form Open Water, bare soil and grass" Proceedings of the Royal Society, Series a, vol. 193. 1948. pp. 120-45. &"Evaporation over the briyish isles" Quarterly journal of the royal meteorological society, London vol, 79. 1950. pp 59-65 and pp. 372-385 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 معادلة إلى أخرى, وفضلًا عن ذلك فإن كل المعادلات تقريبًا معقدة بدرجة لا تشجع الباحث الجغرافي على الاستفادة بها في دراساته. ويمكن القول على أية حال أن طريقة التقدير الرياضي للتبخر تشوبها هي الأخرى عيوب وتعترضها صعوبات لا تقل في خطورتها عن العيوب والصعوبات التي تشوب وتعترض طريقة قياس التبخر بواسطة الأجهزة ويكفي أن نشير إلى ما سبق أن ذكرناه من أن العناصر التي تتحكم في التبخر ليست معروفة بالضبط، كما أن الدور الذي يلعبه كل عنصر منها ليس محددًا تحديدًا دقيقًا، وفضلًا عن ذلك فإن كثيرًا من هذه العناصر نفسها، ومن أهمها الرطوبة النسبية أو ضغط بخار الماء في الجو لا توجد لها بيانات دقيقة في الوقت الحاضر, لعدم وجود أجهزة مضمونة لقياسها، ولذلك فإنها هي الأخرى تحسب بطرق رياضية معقدة تكون نتائجها غالبًا تقريبية. وأخيرًا يجب أن نوجه النظر إلى أن نتائج قياس التبخر في أي منطقة من المناطق لا يدل في معظم الأحيان على ما يحدث في الطبيعة فعلًا؛ لأن هناك فرقًا بين ما يتبخر من سطح المنطقة في ظروفها العادية وما يمكن أن يتبخر منها إذا فرض وكان سطحها مغطى باستمرار بالماء، وهذا في الواقع هو ما تدل عليه نتائج القياس بالأجهزة المختلفة ففي الصحاري الحارة مثلًا تدل نتائج القياس على أن معدل ارتفاع طبقة المياه التي تتبخر سنويًّا يزيد على 700 سنتيمتر، ولكن هل هذا هو ما يتبخر فعلًا من سطح هذه الصحاري؟ من الواضح أن الإجابة عن ذلك يجب أن تكون بالنفي لسبب بسيط، وهو أن الصحراء لا يمكن أن يتوفر فيها هذا القدر من الماء لكي يتبخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 النتج ... 8- 3- النتح TRANSPIRATION: يعتبر النتح من أهم العمليات التي تنطلق بواسطتها مقادير عظيمة جدًّا من بخار الماء في الجو؛ إذ إن المياه تخرج باستمرار من مسام أوراق جميع النباتات تقريبًا ثم تتحول إلى بخار. ويطلق على عملية خروج المياه من مسام أوراق النباتات بهذا الشكل اسم "النتح" ويمكننا أن نتصور عظم كمية بخار الماء التي تنطلق في الجو بهذه العملية، إذا عرفنا أن مقدار الماء الذي يخرج بواسطة النتح من عود واحد من الذرة في اليوم الواحد على عشرة أرطال1، ويحدث ذلك في الفترة التي يكون فيها النبات قد وصل إلى أوج نموه. وقياس النتح ليس بأقل إن لم يكن بأكثر صعوبة وتعقيدًا من قياس التبخر ولو أن بعض الباحثين في علم النبات استطاعوا أن يحصلوا على نتائج تقريبية بواسطة عمل تجارب في المعمل على نباتات معينة، ولكن هذه النتائج لا يمكن أن تدل على النتح من النباتات المختلفة في بيئاتها الطبيعية التي قد تختلف من نواح كثيرة عن البيئة الصناعية التي يمكن توفيرها في المعمل لإجراء التجربة، وهذا فضلًا عن أن النباتات تتباين فيما بينها تباينًا كبيرًا فيما يختص بمقدرتها على النتح لأن هذه العملية تتوقف على عوامل كثيرة، منها شكل الأوراق وحجمها وحجم النبات وكذلك نوع التربة ودرجة رطوبتها، ودرجة حرارة الجو والرطوبة النسبية للهواء وسرعة الرياح. ولكننا إذا ما استثنينا العوامل الخاصة بحجم النبات نفسه وشكل أوارقه نلاحظ أن العوامل التي تتحكم في النتح هي على وجه التقريب نفس العوامل التي رأينا أنها تتحكم في التبخر، ومن أهمها الإشعاع الشمسي، ودرجة الحرارة والرطوبة النسبية والرياح والضغط الجوي. ومن الطبيعي أنه كلما كثرت النباتات التي تغطي سطح الأرض زادت كمية المياه التي تضيع بالنتح من أوراقها.   1 kIMble G."The Weather1951" pelican Book p.76 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 والتجارب التي تستخدم لتقدير النتح من النباتات كثيرة وأغلبها معقد، ولن نحاول هنا أن ندخل في شرحها، خصوصًا وأن معظم نتائجها ما زالت غير مؤكدة، ولكننا يمكن أن نشير باختصار إلى أن معظم هذه التجارب تدخل تحت أحد نوعين رئيسين هما: 1- تجارب تجرى على النبات وهو حي في مراحل نموه المختلفة لتقدير ما يخرج منه من المياه بالنتح، ويكون ذلك بوضع النبات في غرفة خاصة يمكن أن يقاس ما يطرأ على رطوبة الهواء في داخلها من تغير. 2- تجفيف النبات أو جزء منه، وإيجاد الفرق بين وزنه وهو حي ووزنه بعد أن يجف، ويمكن أن يتخذ هذا الفرق أساسًا لتقدير النتح من هذا النبات، وقد أجريت تجارب من هذا النوع على بعض النباتات في كلورادو بأمريكا الشمالية، فظهر أن وزن ما يخرج منها بالنتح طول موسم نموها يكون كما هو مبين في الجدول "8"1. جدول "8" معدل وزن الماء الذي يخرج بالنتح من بعض النباتات في أثناء موسم نموها "من أبريل إلى 30 سبتمبر"   1 SHANTZ, H. L.& PLEMEISEL L. N. "THE WATER REQUIREMENTS OF PLANT AT AKON COLORADO" JOURNAL OF AGRICULTURAL RESEARCHES, VOL. 34. 1927. NO. 12 PP. 1933-1190 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 8 - 4 - التبخر الكلي Total Evaporation أو EVAPOTRANSPIRATION: المقصود بالتبخر الكلي هو مجموع ما يضيع من مياه أية منطقة من المناطق نتيجة للتأثير المشترك للتبخر من سطح المياه والتربة والنتح من النباتات ولذلك فإن بعض الباحثين يطلقون عليه ببساطة تعبير التبخر الكلى Total الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 Evapotranspiraion أما تعبير Evaporation فكان قد استخدمه لأول مرة الباحث الأمريكي تورنثويت1 في سنة 1948 وكونه من كلمتي Transpirtion و Evaporation وكان قد تبين له كما تبين لغيره من الباحثين أن هذين العاملين هما أهم عاملين يتحكمان في تحديد القيمة الفعلية للأمطار، وأنهما متلازمان دائمًا في أية منطقة تنمو بها أية حياة نباتية. ونظرًا لأن العوامل الرئيسية التي تتحكم فيهما واحدة تقريبًا وأنه لا يوجد أي حد فاصل بين الدور الذي يلعبه أحدهما والدور الذي يلعبه الآخر فقد اقترح ثورنثويت معالجتها كعنصر واحد وتحديد الأثر العام لهما معًا بدلًا من محاولة تحديد كل منهما على حدة، خصوصًا وأن هذا الأثر العام هو الذي يحدد فعلًا المقدار الكلي لما يضيع من المياه، وبالتالي القيمة الفعلية لها. وقد كانت الفكرة الأولي هي البحث عن طريقة لتقدير أو قياس كمية ما يضيع فعلًا بواسطة التبخر الكلي، ولكن ثورنثويت رأى أنه لا يكفي أن تعرف كمية المياه التي تضيع من المنطقة فعلًا بالتبخر الكلي، بل يجب كذلك معرفة الكمية التي يمكن أن تضيع بنفس الطريقة لو فرض وأصبحت المنطقة وفيرة المياه بدرجة تبقى معها التربة مبللة باستمرار ومكسوة في نفس الوقت بغطاء نباتي متصل. وقد أطلق ثورنثويت على التبخر الكلي في هذه الحالة تعبير potential Eapotranspiration الذي سنسميه "التبخر الأقصى". وقد أصبحت دراسة التبخر الكلي الفعلي والأقصى من الدراسات الأساسية في معظم مشروعات التنمية التي تعتمد بصفة أساسية على المياه مثل مشروعات استخدام الأرص للزراعة. وفضلًا عن ذلك فقد أمكن الاستعانة بها في التنبؤ باحتمالات حدوث الفيضانات أو حالات القحط في بعض مناطق العالم   1 THORNTHWAITE CW "AN APPROACH TOWARD ARITIONAL CLASSIFICATION OF CLIMATE "GROGRAPHICAL REVIEW, VOL. 38.PP. 55-94 1948 وراجع الحدود التي اقترحها ثورنثويت للأقاليم النباتية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وكذلك في دراسة نظام تصريف المياه والميزانية المائية في بعض أحواض الأنهار. وهناك وسيلتان لمعرفة كمية المياه التي تضيع فعلًا بالتبخر الكلي أو "التبخر الكلي الأقصى" إحداهما هي التقدير الرياضي المبني على دراسة معاملات الارتباط بين التبخر الكلي من جهة والعوامل التي تتحكم فيه وأهمها درجة الحرارة والإشعاع الشمسي من جهة أخرى. وقد اقترحت لهذا الغرض بعض المعادلات إلا أن دراستها لا تدخل في مجال دراستنا الحالية، أما الوسيلة الثانية لمعرفة التبخر الكلي فهي طريقة القياس بواسطة الأجهزة التي اقترحت لهذا الغرض. وتعرف الأجهزة التي تستخدم لقياس التبخر الكلي الفعلي، باسم ليزيمترات "Lysimeters" أما الأجهزة التي تستخدم لقياس التبخر الكلي الأقصى فتعرف باسم"Evapotranpirometers". ويلاحظ أن قياس "التبخر الكلي الأقصى" أيسر إلى حد ما من قياس "التبخر الكلي الفعلي" لأن قياس "التبخر الكلي الفعلي" تتدخل فيه ظروف طبيعية لا يمكن التحكم فيها ومنها ظروف المناخ وظروف التربة والنبات، أما قياس "التبخر الكلي الأقصى" فيمكن إجراؤه في ظروف صناعية يمكن التحكم فيها، ومن الأجهزة المستخدمة لهذا الغرض مثلًا جهاز مكون من ثلاثة أحواض يملأ اثنان منها بتربة مغطاة تمامًا بالحشائش وموصلان من أسفل بأنابيب تنتهي في صفائح محفوظة في الحوض الثالث، وفائدة الأنابيب والصفائح هي تجميع المياه التي تتسرب خلال التربة، وطريقة استخدام هذا الجهاز هي أن ترش المياه بسرعة معينة فوق سطح التربة بحيث تبقى دائمًا مغطاة بالماء إلى ارتفاع ثابت. فالذي يحدث في هذه الحالة هو أن بعض المياه تنطلق إلى الجو بالتبخر والنتح أما الباقي فيتسرب في التربة ويتجمع في الصفائح وتستخرج كمية المياه التي ضاعت بالتبخر والنتح في مدة معينة بطرح كمية المياه التي تجمعت في الصفائح من الكمية الكلية التي أضيفت إلى التربة، ويدل الناتج على كمية "التبخر الكلي الأقصى" من هذه التربة، ومن أي مساحة مماثلة من التربة في نفس الظروف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 رطوبة الهواء طرق التعبير عنها ... 8- 5- رطوبة الهواء HUMIDITY OF THE AIR: 8- 5- 1- طرق التعبير عنها: ويمكن التعبير عن رطوبة الهواء بعدة طرق لكل منها مصطلح خاص بها وأهمها: 1- الرطوبة المطلقة Absolute humidity: وهي وزن بخار الماء الموجود في متر مكعب من الهواء بالجرامات، ويمكن حسابها بتمرير كمية معينة من هذا الهواء في مادة كيميائية يمكنها امتصاص كل ما به من بخار. ويدل الفرق بين وزن هذه المادة قبل تمرير الهواء وبعده على وزن بخار الماء الذي كان عالقًا به. 2- الرطوبة النوعية Specific humidity: وهي النسبة بين وزن بخار الماء الموجود في حجم معين من الهواء إلى الوزن الكلي لهذا الهواء، فإذا كان وزن هذا الهواء كيلو جرامًا واحدًا وكان وزن بخار الماء الموجود به 15 جرامًا فإن رطوبته النوعية تكون 15 جرامًا في كل كيلو جرام "15جم/ كجم". 3- ضغط بخار الماء Vapour pressure: وهو الضغط الذي يسببه بخار الماء الموجود في الجو، وهو ضغط جزئي لا يدخل فيه ضغط الهواء الجاف أو ضغط أي غاز آخر من الغازات التي تدخل في تركيب الهواء. وهو يقاس بنفس الوحدات التي يقاس بها الضغط الجوي. وهي الملليبار والبوصة الزئبقية أو السنتيمتر الزئبقي. ويبلغ ضغط بخار الماء أقصاه عندما يكون الهواء مشبعًا تمامًا به. 4- الرطوبة النسبية Relative humidity: وهي التي تهمنا بصفة خاصة في دراسة المناخ، والمقصود بها هو النسبة المئوية لوزن بخار الماء الموجود في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 الهواء إلى وزن ما يستطيع نفس هذا الهواء أن يحمله لكي يصل إلى حالة التشبع وهو في نفس درجة الحرارة. ويلاحظ أن مقدرة الهواء على حمل بخار الماء تتناسب تناسبًا طرديًّا مع درجة حرارته بمعنى أنه كلما ارتفعت درجة حرارته زادت مقدرته على حمل مقادير جديدة من بخار الماء. 5- درجة الندى Dew point: وهي الدرجة الحرارية التي يصبح عندها الهواء عاجزًا عن حمل كل ما به من بخار الماء فيبدأ بعضه في التكثف بأية صورة من صور التكثف المعروفة، ومنها السحب والأمطار والضباب والندى والثلج وهذه الدرجة لا تختلف كثيرًا عن الدرجة التي يصبح عندها الهواء مشبعًا تمامًا بالبخار. ومن الواضح أن الانخفاض الحراري الذي يلزم لتوصيل الهواء إلى درجة الندى يتوقف إلى حد كبير على رطوبته النسبية, فكلما كانت هذه الرطوبة مرتفعة كان الانخفاض الحراري اللازم لتوصيله إلى درجة الندى بسيطًا. ومن الممكن أن تحسب درجة الندى للهواء بتجربة بسيطة وذلك بأن نضع كمية من الماء في كوب من النحاس الأملس الرقيق، ففي هذه الحالة ستكون درجة حرارة الكوب هي نفس درجة حرارة الماء. فلو أضفنا إلى الماء تدريجيًّا بعض قطع الثلج مع تقليبها باستمرار سنلاحظ أن جزئيات دقيقة من بخار الماء المتكثف من الجو قد بدأت تتراكم على الجدار الخارجي للكوب وتكسوه بطبقة تشبه الضباب، فلو قيست درجة حرارة الماء في الكوب عند بدء تكون هذه الطبقة فإنها تكون هي نفس درجة الندى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 8- 5- 2- قياس الرطوبة النسبية : تقاس الرطوبة النسبية بواسطة عدة أجهزة أهما: 1- السيكرومتر Psyhroneter، 2- الهيجرومتر ذو الشعر Hair hygrometer، 3- الهيجروجراف Hygrograph. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 السيكرومتر "شكل 47": يتركب هذا الجهاز من ترمومترين عاديين مركبين على قاعدة خاصة، ولكن أحدهما معرض للجو مباشرة ويطلق عليه اسم "الترمومتر الجاف" أما الآخر فتلف فقاعته بواسطة قطعة قماش رقيقة مبللة باستمرار، ولذلك فإنه يسمى "الترمومتر المبلل" فالذي يحدث في هذه الحالة هو أن الماء يتبخر من قطعة القماش فينتج عن ذلك انخفاض في درجة الحرارة التي يبينها هذا الترمومتر؛ لأن التبخر كما هو معروف، يستنفد بعض الحرارة. ولما كان من الثابت أن التبخر يكون أنشط في الجو الجاف منه في الجو الرطب وأن سرعة التبخر تتناقص كلما زادت الرطوبة النسبية فإن الفرق بين درجتي الحرارة اللتين بينهما الترمومتران يمكن أن يتخذ أساسًا لتقدير الرطوبة النسبية، وقد أعدت لهذا الغرض جداول خاصة مثل الجدول رقم "9" ومنها تقرأ الرطوبة النسبية بمقابلة قراءتي الترمومترين. ولكن هذا الجهاز له شكل "47" السيكرومتر "الترمومتر الجاف والتومتر المبلل" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 جدول "9" حساب الرطوبة النسبية من قراءات الترمومتر الجاف والترمومتر المبلل بالدرجات المئوية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 بعض العيوب ومنها أنه لا يصلح لقياس الرطوبة النسبية إذا كانت درجة الحرارة أقل من درجة التجمد؛ لأن الثلج في هذه الحالة يتراكم فوق فقاعتي الترمومترين. ولقد ابتكر من السيكرومتر نوع كهربائي يمكن أن تنقل قراءته إليكترونيًا إلى أي مكان داخل مبنى محطة الرصد، دون الحاجة إلى الخروج إلى الخلاء لقراءته، ولهذا السبب فقد أُعطي اسم "تيلي سيكرومتر Telepsychroneter" الهيجرومتر ذو الشعر: وهو جهاز تقوم فكرته على أساس مقدار ما يطرأ على حزمة من شعر الإنسان من تمدد أو تقلص تبعًا لتغير نسبة الرطوبة في الهواء، فالمعروف أن شعر الإنسان يتقلص في الهواء الجاف ويتمدد كلما زادت الرطوبة، ولذلك فإن الجزء المهم في هذا الجهاز هو حزمة مكونة من عدة خصلات من الشعر، ومثبت في هذه الحزمة سن ريشة يتحرك أمام مسطرة مقسمة إلى مائة قسم من صفر إلى 100، فعندما تتغير نسبة الرطوبة يتحرك سن الريشة تبعًا لتمدد حزمة الشعر أو تقلصها، ويدل الرقم الذي يثبت أمامه على الرطوبة النسبية. ومن عيوب هذا الجهاز أن تأثير تغير الرطوبة على حزمة الشعر لا يحدث في نفس اللحظة التي يحدث فيها هذا التغير في الهواء بل يتخلف عنه قليلًا، وهي مسألة يجب تقديرها. الهيجروجراف: يعتمد هذا الجهاز على نفس الفكرة التي يعتمد عليها الهيجرومتر ذو الشعر. وأهم فرق بينهما هو أن الهيجروجراف يسجل التغيرات التي تطرأ على الرطوبة النسبية تسجيلًا آليًّا مستمرًا على خريطة مقسمة تقسيمًا خاصًّا. وتثبت هذه الخريطة على أسطوانة تدور بواسطة ساعة أمام سن ريشة. كما هي الحال في الترموجراف والباروجراف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 8- 5- 3- أهمية الرطوبة النسبية : من الواضح أن كمية الرطوبة في الهواء تتوقف قبل كل شيء على وجود مصادر مائية يمكن أن ينطلق منها بخار الماء، وأهم هذه المصادر هي المحيطات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 والبحار وغيرها من المسطحات المائية والتربة المبللة والغطاءات النباتية. فكلما زادت مساحة هذه المصادر زادت كمية البخار في الهواء، وزادت تبعًا لذلك مظاهر التكثف، ومن الطبيعي أن ترتفع الرطوبة النسبية كلما اقترب المكان من ساحل البحر وأن تكون مرتفعة بصفة خاصة في الجزر الصغيرة. وبالإضافة إلى أهمية الرطوبة النسبية كعنصر مناخي فإن لها كذلك آثارًا فسيولوجية على كل الكائنات الحية التي تعيش على الأرض. فكل كائن حي بري يحتاج إلى وجود نسبة ولو ضئيلة من بخار الماء في الجو الذي يعيش فيه وتتباين هذه النسبة تباينًا كبيرًا من كائن إلى آخر. ومع ذلك فإن معظم الكائنات يمكنها أن تقاوم نقص الرطوبة في الجو بواسطة بعض الوظائف الفسيولوجية. ومن أهمها إفراز العرق الذي يعمل على ترطيب الجلد في الجو الجاف، وخصوصًا إذا كان هذا الجو حارًّا، حيث إن نقص رطوبة الهواء في مثل هذا الجو عن الحد المطلوب يؤدي إلى جفاف الجلد وشعور الإنسان بالضيق. أما في الجو البارد فإن قدرة الجلد على إفراز العرق تكون محدودة جدًّا بسبب تقلص مسامه، وفي مثل هذا الجو يتعرض جلد الوجه والأيدي والأجزاء الأخرى المكشوفة، إلى التقشف أو التشقق. ومن الثابت أن قدرة الإنسان على تحمل الارتفاع في درجة الحرارة يرتبط ارتباطًا وثيقًا برطوبة الهواء. ويطلق على درجة الحرارة التي يحس بها الإنسان فعلًا تعبير "درجة الحرارة المحسوسة Sensible temperature" ففي الجو الحار يلجأ الجسم إلى مقاومة الحرارة الشديدة عن طريق إفراز العرق الذي يؤدي تبخره على الجلد إلى خفض درجة الحرارة التي يحس بها الجسم فعلًا عن درجة حرارة الجو. وكلما زاد إفراز العرق زاد الفرق بين الحرارة المحسوسة وحرارة الجو. ولما كانت قدرة الجسم على إفراز العرق تتناقص كلما ارتفعت الرطوبة النسبية فمن الطبيعي أن يؤدي هذا الارتفاع أيضًا إلى ارتفاع الحرارة المحسوسة وإلى زيادة الشعور بالضيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 التكثف ومظاهره مدخل ... التكثف ومظاهره: تمهيد- تعريف التكثف ومسبباته ومظاهره: التكثف هو تحول البخار من الحالة الغازية إلى الحالة السائلة أو شبه السائلة، وهو يبدأ في الهواء بمجرد انخفاض درجة حرارته إلى درجة الندى وما دونها. وتساهم في حدوثه عدة عوامل أهمها: فقدان الهواء لحرارته بالإشعاع، أو ملامسته لسطح بارد، أو انتقاله من منطقة دافئة إلى أخرى باردة، أو ارتفاعه إلى أعلى نتيجة لتسخينه عند سطح الأرض أو لصعوده فوق حافات جبلية أو لصعوده فوق هواء أبرد منه1. وتنقسم مظاهر تكثف بخار ماء الجو إلى مجموعتين هما2. أ- مظاهر تحدث عند سطح الأرض أو البحر، وتشمل الضباب بدرجاته المختلفة والندى والصقيع. ب- مظاهر تحدث في أعلى التروبوسفير وتشمل السحاب والتساقط بمختلف أشكاله. ويختلف الشكل الذي يأخذه بخار الماء المتكثف على حسب مدى انخفاض درجة الحرارة، وعلى حسب المستوى الذي يحدث فيه التكثف، وهو يأخذ أحد الأشكال الآتية: 1- شكل قطيرات مائية دقيقة تظل عالقة بالهواء ويتكون منها الضباب عند سطح الأرض والسحاب في المستويات الأعلى. 2- شكل نقط مائية مختلفة الأحجام يتكون منها المطر، والندى. 3- مواد ثلجية صلبة منها البرد والثلج اللذان يتكونان في المستويات المرتفعة، والصقيع الذي يتكون عند سطح الأرض.   1 عبد العزيز طريح - المقدمات في الجغرافيا الطبيعية - الإسكندرية ص234-35. 2 نفس المرجع ص335-339. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 مظاهر التكثف عند سطح الأرض أو البحر الضباب ... 9- 1- مظاهر التكثف عند سطح الأرض أو البحر: 9- 1- 1- الضباب: وهو بخار الماء المكثف في الهواء المجاور لسطح الأرض أو البحر بشكل قطيرات دقيقة تظل سابحة في الهواء بكميات يترتب عليها تقليل مدى الرؤية Visibility إلى أقل من كيلو متر، وقد يكون الضباب خفيفًا بحيث يسمح بالرؤية إلى بضعة كيلو مترات، ويطلق عليه في هذه الحالة اسم "الشابورة" أو كثيفًا بحيث تنعدم فيه الرؤية تمامًا. ويتكون الضباب على البر وعلى البحر على حد سواء حيثما تتوفر عوامل تكونه، فضباب البر يتكون عندما ينتقل هواء دافئ رطب إلى منطقة سطحها بارد، أو عندما يؤدي الإشعاع الأرضي، وخصوصًا في أثناء الليل وفي الصباح الباكر إلى برودة سطح الأرض والهواء المجاور له، أو في قاع الأودية التي يتجمع فيها الهواء البارد المنحدر من المرتفعات المجاورة. وفي كل الأحوال يجب أن يكون الهواء ساكنًا حتى لا يتشتت الضباب في أثناء تكونه أو بعد تكونه. ويضم الضباب البر عدة أنواع على حسب الأماكن التي يتكون فيها، فمنه ضباب الأودية وضباب المنحدرات الجبلية وضباب المدن. ويعتبر ضباب المدن بالذات من أشهر أنواع الضباب التي لها علاقة بحياة السكان لما يترتب عليه من مخاطر على وسائل النقل والمواصلات وعلى الصحة العامة، وهو يتكون نتيجة لفقدان سطح الأرض حول المدن الكبيرة لحرارته بالإشعاع مما يؤدي إلى برودة الهواء المجاور له وتكثف بخار الماء العالق به، وتساعد كثرة الغبار وغيره من الملوثات الصلبة في جو بعض المدن وخصوصًا المدن الصناعية على تكون الضباب الذي يكون مختلطًا في بعض الأحيان بالدخان، ويطلق عليه في هذه الحالة اسم الضباب الدخاني *Smog. وقد اشتهرت بعض المدن   * Smog - كلمة مكونة من مقطعين مأخوذين من كلمتي Fog و Smoke الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 الكبرى بهذا النوع من الضباب، وكانت له في بعض الأحيان آثار سيئة جدًّا على صحة السكان، ومثال ذلك الضباب الدخاني الذي غطى مدينة لندن في عام 1952 وأدى إلى وفاة حوالي أربعة آلاف من السكان. وذلك لأن مثل هذا الضباب يكون عادة مختلطًا ببعض الغازات السامة التي تخرج من مداخن المصانع مثل أول أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد الكبريت وغيرها. أما ضباب البحر فيتكون عادة حيثما يلتقي تياران أحدهما بارد والآخر دافئ كما يحدث عند التقاء تيار ليرادور البارد بتيار الخليج الدافئ عند شبه جزيرة نيوفوندلاند، أو عند هبوب هواء بحري دافئ من داخل المحيط فوق مياه ساحلية باردة نسبيًّا1. كما هي الحال أمام سواحل جنوب غربي إفريقيا، وشيلي وبيرو ومراكش وكاليفورنيا.   1 عبد العزيز طريح شرف: المقدمات في الجغرافيا الطبيعية - مرجع سبق ذكره - ص336-337. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 9- 1- 2- الندى : وهو قطرات الماء التي تتكون في أثناء الليل وفي الصباح الباكر على أوراق الأشجار وزجاج النوافذ وأجسام السيارات نتيجة لتكثف بخار ماء الهواء عليها، بسبب سرعة فقدان هذه الأجسام لحرارتها بالإشعاع، وكلما كان الجو صافيًا والهواء ساكنًا ساعد ذلك على تكون الضباب، ويشترط لتكونه أن تنخفض درجة حرارة الأجسام المعرضة للجو إلى أقل من درجة الندى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 9- 1- 3- الصقيع : المقصود بالصقيع بمعناه الدقيق هو تحول بخار ماء الهواء من الحالة الغازية إلى بلورات ثلجية على النباتات والأجسام الأخرى المختلفة نتيجة لهبوط درجة الحرارة بشكل مفاجئ، أو سريع إلى درجة التجمد أو دونها، وكثيرًا ما يؤدي الهبوط الحراري المفاجئ إلى تحول بخار الماء إلى ثلج مباشرة، وفي هذه الحالة يكون خطر الصقيع على النباتات أشد من خطره المعتاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 مظاهر التكثف في المستويات المرتفعة السحب مدخل ... 9- 2- مظاهر التكثف في مستويات مرتفعة عن سطح الأرض أو البحر: 9- 2- 1- السحب CLOUDS: هي تجمعات من بخار الماء المتكثف في الجو بشكل قطيرات مائية دقيقة، وقد تختلط بها جزيئات دقيقة كذلك من الثلج إذا كانت درجة الحرارة في مستوى السحب دون درجة التجمد. وقد تكون السحابة كلها مكونة من هذه الجزيئات الثلجية. ولا تختلف السحب المكونة من قطيرات مائية في مظهرها وتركيبها العام كثيرًا عن الضباب، والفارق الرئيسي بينهما هو أن السحاب يتكون في طبقات من الجو متباينة الارتفاع عن سطح الأرض، بينما يتكون الضباب فوق سطح الأرض أو البحر مباشرة. والذي يتيسر له الصعود في طائرة تخترق طبقة السحاب يلاحظ أن السير فيها لا يختلف في أي شيء عن السير في الضباب على الأرض، وكثيرًا ما ترتفع الطائرات فوق مستوى السحب فتطير في جو صاف تمامًا وعندئذ يمكن رؤية السحب تسبح في الهواء من تحتها: ومن أهم ما يتميز به السحاب عن الضباب أيضًا، أن الأول يتكون في كثير من الأحيان نتيجة لنشاط التيارات الهوائية الصاعدة في الجو، وقد سبق أن أشرنا عند الكلام على الضباب إلى أن التيارات الصاعدة تعتبر من العوامل التي تحول دون تراكمه، وإذا حدث أن نشطت هذه التيارات بعد تكونه، فإنها إما أن تبدده تمامًا، أو ترفعه إلى أعلى حيث يتحول إلى سحاب. وللسحب تأثير مهم على المناخ؛ لأنها هي مصدر الأمطار والثلوج التي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 تسقط نحو الأرض، كما أنها تؤثر على الإشعاع الشمسي والأرضي وتحدد مقدار ما ينفذ بواسطتها من حرارة الشمس إلى الأرض أو من حرارة الأرض إلى الطبقات العليا من الجو، فهي في أثناء النهار تحجب جانبًا من حرارة الشمس عما يقع تحت ظلها من سطح الأرض، أما في أثناء الليل فإنها تكون بمثابة غطاء يحول دون وصول الإشعاع الأرضي إلى طبقات الجو العليا، فتحتفظ الأرض وطبقات الهواء المحصورة بينها وبين قاعدة السحب بمعظم حرارتها. وللسحب كذلك تأثير مهم على حياة النبات والحيوان والإنسان؛ لأنها تحجب ضوء الشمس الذي يعتبر ضرورة من أهم ضرورات الحياة، ففي بعض جهات شمال وغرب أوروبا مثلًا تنتشر بعض الأمراض التي يصاب بها الإنسان نتيجة لنقص أشعة الشمس، ومنها مرض الكساح عند الأطفال "لين العظام" ويرجع ذلك بصفة خاصة إلى كثرة احتجاب الشمس بواسطة السحب في معظم أيام السنة، خصوصًا في نصف السنة الشتوي، ويستعان على تعويض هذا النقص بتعاطي بعض الأدوية التي تحتوي على فيتامين "D" الذي تساعد أشعة الشمس على تكوينه في الجسم1 وبالنسبة لحياة النباتات نلاحظ أن كثرة ضوء الشمس في بعض المناطق تساعد على سرعة نمو ونضج بعض المحاصيل، فمما لا شك فيه أن وفرة ضوء الشمس في أثناء فصل الصيف في العروض العليا هي العامل الرئيسي الذي يساعد كلًّا من كندا وروسيا على زراعة بعض محاصيل المناطق المعتدلة في أراضيهما الواقعة إلى الشمال من الدائرة القطبية، على الرغم من قصر فصل النمو هناك، وسنعود مرة أخرى لتوضيح هذه الحقيقة عند الكلام على القيمة الفعلية لدرجة الحرارة في باب الجغرافيا النباتية.   1 يعتبر زيت السمك من أشهر هذه الأدوية لأنه يحتوي على نسبة عالية من فيتامين د "D" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 توزيع السحب في العالم : من الممكن توزيع السحب في العالم بواسطة خرائط تبين عليها المعدلات الشهرية والسنوية كما هي الحال في توزيع الظاهرات المناخية الأخرى، ويكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 ذلك برسم خطوط تصل بين الأماكن ذات الكمية المتساوية من السحب ومن خرائط التوزيعات المختلفة يمكننا أن نسجل بعض الملاحظات العامة على توزيع السحب فوق سطح الكرة الأرضية منها: 1- أن المناطق الصحراوية في القارات المختلفة، مثل الصحراء الكبرى وصحاري بلاد العرب وأستراليا وغيرها هي أقل جهات العالم نصيبًا من السحب. 2- أن أكثر الجهات سحبًا في نصف الكرة الشمالي هي شمال أوروبا وشمال المحيطين الهادي والأطلسي. 3- تقل السحب نوعًا ما في المناطق القطبية، والسحب التي يمكن أن تظهر هنا كلها من النوع الخفيف نظرًا لقلة بخار الماء في الجو، ويعتبر هذا من العوامل التي ساعدت على وفرة ضوء الشمس في أثناء فصل الصيف في هذه المناطق. 4- في الأقاليم الموسمية تكثر السحب في موسم الأمطار ولكنها تكاد تنعدم تمامًا في موسم الجفاف الذي يقع في نصف السنة الشتوي. 5- في وسط أوروبا تكثر السحب في فصل الصيف، وتقل في الشتاء بينما يحدث العكس في حوض البحر المتوسط. 6- تكثر السحب في الأقاليم الاستوائية، ويكون ذلك غالبًا فيما بعد الظهر من كل يوم نتيجة لنشاط التيارات الصاعدة. 7- أن السحب تزداد على البحار والمحيطات عنها فوق اليابس. ويمكننا أن نلاحظ بناء على التوزيع السابق، أن موسم ازدياد السحب في الأقطار المختلفة هو نفس موسم زيادة الأمطار، وهذا أمر طبيعي لأن الظاهرتين مرتبطتان تمام الارتباط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 أنواع السحب : تظهر السحب بأشكال متعددة يختلف بعضها عن بعض في المظهر العام والسمك وطريقة التكوين والارتفاع عن سطح الأرض، وفيما يصاحبها من مظاهر جوية، ولتسهيل دراستها ورصدها فإنها تقسم عادة على أساس مظهرها العام إلى عشرة أنواع متفق عليها دوليًّا، وتقسم هذه الأنواع على حسب الارتفاع إلى أربعة مجموعات رئيسية. ولكن يلاحظ مع ذلك أنه لا توجد حدود دقيقة واضحة يمكن أن تفصل الأنواع بعضها عن بعض سواء في الشكل أو الارتفاع، وكثيرًا ما يظهر نوعان أو أكثر مع بعضها في وقت واحد, مما يجعل من الصعب على الشخص العادي غير المدرب أن يميزها عن بعضها. وفيما يلي وصف مختصر لك نوع من الأنواع العشرة المذكورة في الجدول "10" للمعاونة على تمييزها بصفة عامة عند مشاهدتها. 1- سحب السمحاق: "شكل 48" وهي سحب مرتفعة مكونة من جزيئات صغيرة من الثلج، وتظهر عادة بشكل خصلات رفيعة مكونة من الشعر، أو بشكل أذناب الخيل أو الريش أو القطن المندوف، وهي أعلى أنواع السحب حيث يصل ارتفاعها أحيانًا إلى عشرة كيلو مترات أو أكثر، وهي لا تحجب أشعة الشمس ولا يظهر لها ظل على الأرض، ومن صفاتها المميزة أن لونها يتغير على حسب موقعها في قبة السماء، وعلى حسب وقت ظهورها فمنها السحب الحمراء والوردية والصفراء التي تظهر في الأفق عند الشروق وعند الغروب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 جدول "10" المجموعات والأنواع الرئيسية للسحب 1- الأسماء اللاتينية للسحب هي المستخدمة في جميع الدول تقريبًا وعند وضعها على خرائط الطقس يُكتفى عادة بكتابة الحرفين الأولين منها، وإذا كان الاسم مكونًا من مقطعين فيكتب الحرف الأول من كل منهما، فمثلًا السمحاق أو السيروس رمزه "ci" والسمحاق الطبقي رمزه "cs". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 2- سحب السمحاق الركامي "Cc" وهي سحب عالية رفيعة وبيضاء متجانسة اللون تظهر بشكل طبقة مكونة من سحابات صغيرة تكاد تكون مرتبة بنظام يجعلها تبدو بشكل مموج ظاهر، وقد تأخذ قاعدتها أشكالًا ثديية، وتتدلى منها أحيانًا شعب أشبه بالذيول التي تتدلى في الاتجاه الرأسي أو في اتجاه مائل، ويصاحبها كذلك ظهور أكليل حول قرص الشمس، وقد يظهر بعضها بمظاهر معينة عند الراصدين مثل سحب السمحاق الركامي ذات المظهر العدسي Lenticular شكل "48" سحب السمحاق "سيروس" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 3- سحب السمحاق الطبقي Cs - وهي كذلك من السحب العالية، وتظهر بشكل طبقة شفافة يميل لونها إلى البياض وتتغطى بها السماء كلها، وإن كانت لا تحجب أشعة الشمس أو القمر تمامًا، ولكنها تكون حول قرصيها هالة دائرية تنشأ نتيجة لانعكاس الضوء على جزيئات الثلج التي تتكون منها السحب وقد لا تكون هذه الهالة تامة الاستدارة إذا لم تكن المساحة المحتجبة بالسحب من قبة السماء تسمح بذلك، وقد تكون السحب نفسها رقيقة بدرجة يصعب معها تمييزها إلا بوجود الهالة حول قرص الشمس. والأنواع الثلاثة السابقة من السحب لا يصاحبها عادة هطول من أي نوع من الأنواع، ولكن ظهورها في العروض المعتدلة يمكن أن يتخذ دليلًا على قرب اضطراب الجو؛ لأنها تتكون عادة في مقدمة المنخفضات الجوية. 4- سحب الركام متوسط الارتفاع "Ac" وهي سحب بيضاء أو رمادية اللون أو خليط منهما" وقد تظهر بشكل طبقة رقيقة شفافة أو قاتمة أو بشكل سحابات صغيرة كروية أو أسطوانية تتشابك أطرافها أحيانًا وتتكون منها صفوف أو تموجات تعطي السماء منظرًا جميلًا "شكل 49" وهي ليست من السحب التي يصاحبا هطول من أي نوع. شكل "49" سحب من النوع الركامي متوسط الارتفاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 5- السحب الطبقية متوسطة الارتفاع "As" وهي تظهر بشكل طبقة مخططة تحجب السماء بأكملها أو الجزء الأكبر منها، ويختلف سمكها باختلاف الظروف، فمنها ما يكون رقيقًا شفافًا لا يحجب الشمس، ومنها ما يكون سميكًا معتمًا، والنوع السميك منها يصاحبه في المعتاد هطول من المطر أو الثلج أو خليط منها. 6- سحب المزن الطبقي "Ns" وهي سحب رمادية وغالبًا ما تكون قائمة، وتظهر بشكل طبيعي متسعة تحجب الجزء الأكبر من السماء، وهي أسمك بكثير من السحب الطبقية، فبينما يكون أعلاها في مستوى السحب العالية فإن قاعدتها تكون في مستوى السحب المنخفضة، وهي من السحب التي يصاحبها هطول متصل أو متقطع سواء من المطر أو الثلج أو البرد. 7- سحب الركام الطبقي "Sc" -شكل "50"- وهي سحب منخفضة تميل إلى اللون الرمادي، وتظهر عادة بشكل رقعة أو طبقة مكونة من قطع مربعة أو كروية أسطوانية الشكل تكون مرتبة عادة في صفوف أو في مجموعات ذات شكل تموجي، وكثيرًا ما تتصل ببعضها لتتكون منها طبقة مموجة وتتخللها فجوات تبدو منها زرقة السماء واضحة. وهي ليست من السحب الممطرة إلا في الحالات النادرة، فقد يصاحبها هطول خفيف من المطر أو الثلج أو منهما معًا. شكل "50" سحاب من النوع الركامي الطبقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 8- السحب الطبقية "St" وهي، كما يفهم من اسمها تظهر بشكل طبقات تحجب السماء بأكملها ولا توجد لها حدود واضحة، ويمكن تشبيهها بالضباب المرتفع، وهي من السحب المنخفضة، وقد تصل قاعدتها في بعض الأحيان إلى سطح الأرض فتظهر بشكل ضباب. وقد يحدث أن تتكون من الضباب نفسه عندما يرتفع بتأثير حرارة الشمس أو الرياح أو كليهما، وهي من السحب التي قد يصاحبها هطول خفيف من الرذاذ أو حبيبات الثلج ويكون الهطول عادة متصلًا أو متقطعًا ولا يكون بصورة زخات. وتنشأ هذه السحب بصفة عامة نتيجة لاختلاط أنواع من الهواء مختلفة في درجة حرارتها ودرجة رطوبتها، أو نتيجة لارتفاع الهواء ارتفاعًا بطيئًا إلى أعلى، كما يحدث عند مرور الجبهات الدافئة للمنخفضات الجوية حيث يرتفع الهواء الدافئ فوق البارد على طول سطح الانفصال. 9- السحب الركامية "CU" "شكل 51" وهي من السحب التي تنمو نموًّا رأسيًّا، وتمتد قاعدتها في منطقة السحب المنخفضة بينما تكون قمتها في منطقة السحب المتوسطة الارتفاع أو العالية، وهي تبدو في مظهرها كالقباب أم القلاع أو التلال المتحركة، ويكون لونها رماديًّا على حسب شكل "51" سحب ركامي قبابي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 سمكها وكثافتها بينما تكون قمتها بيضاء لامعة بفعل ضوء الشمس، وهي تتحرك في كتل منفصلة تمتد قاعدتها في مستوى أفقي بينما تكون أجزاؤها العليا غالبًا منتظمة بحيث تبدو بشكل زهرة القنبيط. وهي تلقي عند تحركها ظلالًا كثيفة على سطح الأرض، ولا يصاحبها غالبًا هطول إلا عندما يكون نموها الرأسي كبيرًا كما يحدث عادة في الأقاليم الاستوائية، حيث تكون التيارات الهوائية الصاعدة نشطة، ويكون هذا الهطول بشكل زخات شديدة وتعتبر التيارات الهوائية الصاعدة السبب الرئيسي في تكوين هذا النوع من السحب ولذلك فإنها تتكون عادة في أثناء النهار خصوصًا فيما بعد الظهر. 10- سحب المزن الركامي "Cb" وهي من السحب الممطرة التي يصاحبها غالبًا حدوث عواصف رعد، وسقوط زخات شديدة من المطر الذي يكون مختلطًا في بعض الأحيان بالثلج أو البرد، وهي تنمو نموًّا رأسيًّا ظاهرًا بحيث تصل قمتها إلى منطقة السحب متوسطة الارتفاع، بل وإلى منطقة السحب العالية أحيانًا، وهي تظهر في كتل أو قطع ضخمة داكنة خصوصًا عند شكل "52" سحاب ركامي متفرق يظهر في الجو الصحو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 قاعدتها، وتأخذ في نموها الرأسي شكل القباب أو الجبال أو القلاع العالية، وقد تكون متفرقة أو متصلة ببعضها بشكل يجعلها أشبه بحائط عالٍ كثيف ومن مميزاتها أن قمتها تأخذ في كثير من الأحيان مظهرًا سمحاقيًّا أو شعريًّا واضحًا وتبدو القمة في هذه الحالة بشكل سندان أو شكل ريشة طائر ضخمة "شكل 53". شكل "53" سحاب مزن كامي توضيح كمية السحب على خرائط الطقس: توضح هذه الكمية على أساس الافتراض بأن قبة السماء مقسمة إلى ثمانية أقسام، وتحسب الكمية بعدد الأقسام أي الأثمان التي تكفي السحب الموجودة لحجبها، ويرمز للثمن الواحد بواسطة نصف قطر يرسم داخل دائرة المحطة، أما الثمنان فيرمز لهما بخط متصل يقطع الدائرة كلها. وبناء على هذا فإن هناك ثماني حالات لكمية السحب. وقد أعطي لكل حالة منها رقم شفرى دولي معين، فرقم 1 معناه أن 1/8 السماء محتجب بالسحب ورقم 8 معناه أن 8/8 السماء، أي كلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 محتجبة بالسحب. وهناك إلى جانب ذلك رقمان آخران أحدهما هو الصفر ومعناه عدم وجود سحب على الإطلاق، ولا يرسم له أي رمز على الخريطة، والثاني هو رقم 9 ومعناه أن الراصد لا يستطيع رؤية السماء بوضوح بسبب الضباب أو الغبار. ويرمز له على الخريطة بوضع علامةx داخل دائرة المحطة. ويبين الجدول رقم "11" الأرقام الشفرية "Code Numbers" والرموز "SymbolS" المستخدمة دوليًّا في توضيح السحب على خرائط الطقس وفي تبادل الرسائل الخاصة بها، والمتبع في الرسائل الجوية أن يذكر فقط الرقم الشفرى ويترك لمحطة الاستقبال تحديد مدلوله. جدول "11" الأرقام الشفرية والرموز المستخدمة في توضيح كمية السحب على خرائط الطقس وفي تبادل الرسائل الخاصة بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 تعيين اتجاه حركة السحاب وقياس سرعتها ... تعيين اتجاه حركة السحب وقياس سرعتها: يستخدم لهذا الغرض جهاز خاص يعرف باسم النيفوسكوب "Nephoscope" "شكل 45" وهو مكون من شوكة محمولة على عامود يدور حول نفسه ومثبت عند قاعدته قرص يبين الاتجاهات المختلفة. وعند رصد أي سحابة توجه الشوكة في نفس اتجاه حركة السحابة ثم يقرأ الاتجاه على القرص. أما السرعة فتحسب على أساس طول المسافة التي قطعتها هذه السحابة في مدة معينة كما تبينها أقسام الشوكة والزاوية المحصورة بين الخط الرأسي عند مكان الراصد والخط الواصل بين نقطة وقوفه والمكان الذي تحركت إليه السحابة يوجد هنا رسم شكل "54" جهاز تعيين اتجاه حركة السحب وقياس سرعتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 التساقط "المطر" مدخل ... 9- 3- التساقط Precipitation "المطر Rainfll": تمهيد- تعريف التساقط وأشكاله: المقصود بالتساقط هو سقوط المواد الناتجة من تكثف بخار الماء في الجو إلى سطح الأرض أو البحر. وهو يحدث بشكلين رئيسيين هما: التساقط السائل وهو المطر بمعناه الضيق، والتساقط الصلب الذي يحدث بشكل ثلج snow أو برد Hail والأول منهما عبارة عن بلورات ثلجية خفيفة ذات أشكال هندسية وتتطاير عند سقوطها في الهواء، والثاني عبارة عن كرات صغيرة من الجليد تتكون عادة في سحب المزن الركامي في أثناء حدوث العواصف الرعدية. وكثيرًا ما يكون التساقط مكونًا من خليط من التساقط السائل والتساقط الصلب، ويعرف في هذه الحالة بالتساقط المائي الثلجي sleet. أو التساقط المختلط. ورغم هذا التقسيم فإن كلمة "مطر" تستخدم غالبًا لتشمل كل هذه الأشكال، ولهذا فإن الأرقام التي تنشرها محطات الأرصاد تحت عنوان "الأمطار" لا تقتصر على المطر السائل وحده بل تتضمن كذلك التساقط الصلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 أنواع المطر "التساقط السائل" مدخل ... 9- 3- 1- أنواع المطر- "التساقط السائل". يشترط لسقوط المطر أن يرتفع الهواء المحمل ببخار الماء إلى مستويات تنخفض فيها درجة حرارته إلى ما دون نقطة الندى، ويحدث هذا الارتفاع نتيجة لأحد عوامل ثلاثة هي: التصعيد نتيجة لتسخين سطح الأرض، أو اعتراض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 الجبال طريق الرياح، أو صعود الهواء الدافئ فوق الهواء البارد عند تقابلهما. وعلى أساس هذه العوامل الثلاثة يقسم المطر إلى ثلاثة أنواع هي: مطر التصعيد، ومطر التضاريس، ومطر الأعاصير، وعلى الرغم من أن كل نوع من هذه الأنواع له أسبابه ومميزاته الخاصة فإن أيًّا منها لا يظهر مستقلًّا تمامًا عن النوعين الآخرين، وكثيرًا ما يوجد أكثر من نوع واحد في المنطقة الواحدة وكل ما هنالك هو أن أحد الأنواع يكون سائدًا على غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 أ- مطر التصعيد Convectional Rain: وهو الذي يسقط نتيجة لتسخين سطح الأرض وارتفاع الهواء بشكل تيارات صاعدة، فإذا كان الهواء محملًا ببخار الماء فإن هذا البخار يتكثف في أعلى التربوسفير وتتكون سحب من نوع المزن الركامي الذي ينهمر منه المطر بغزارة ويكون مسحوبًا في الغالب بعواصف رعد1 Thunder storms وتتوقف غزارة هذا المطر على ثلاثة عوامل هي: مدى نشاط التيارات الصاعدة، وكمية بخار الماء التي تحملها، ودرجة حرارة الطبقات التي تتجمع فيها السحب، فكلما كانت التيارات نشطة ومحملة ببخار الماء وكان الفرق بين درجة حرارة سطح الأرض ودرجة حرارة الطبقات التي تتجمع فيها السحب كبيرًا كلما اشتدت غزارة المطر. وهذا النوع من المطر هو النوع السائد في معظم السهول والهضاب الواقعة في العروض الاستوائية والمدارية مثل سهول السودان وحوض الكونغو وهضبة البحيرات في إفريقية، وسهول حوض نهر الأمزون الهضاب المدارية المحصورة بين جبال الإنديز في أمريكا الجنوبية، كما يظهر كذلك في السهول المعتدلة الواقعة في وسط كتل اليابس الكبرى مثل كتلة أوراسيا. وفي أغلب الأحيان تكون أمطار السهول الاستوائية أكثر من أمطار الهضاب التي تقع في نفس خطوط العرض. ويرجع ذلك إلى أن التيارات الصاعدة تكون أنشط في   1 سنعود للكلام على هذه العواصف بعد قليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 السهول منها على الهضاب بسبب الفرق الحراري بينهما، وهذا هو السبب في أن أمطار حوض الكونغو مثلًا أكثر من أمطار هضبة البحيرات الواقعة إلى الشرق منها حيث يبلغ معدل المطر السنوي في حوض الكونغو حوالي 180سم بينما يبلغ حوالي 100سم على الهضبة. ومثل هذا يمكن أن يقال كذلك عن أمطار حوض الأمزون وأمطار أكوادور. وتعتبر أمطار الصحاري كذلك من أوضح الأمثلة على مطر التصعيد. وهي إن سقطت فإنما تنهمر بشكل مفاجئ وبغزارة شديدة تؤدي إلى حدوث سيول جارفة قد تقطع الطرق وتغرق الواحات والقرى. وتتميز أمطار الأقاليم الاستوائية بأن لها نظامًا يوميًّا يرتبط بخط السير اليومي لدرجة الحرارة، ولذلك فإنها تسقط غالبًا بعد الظهور بعد أن تكون سحب المزن الركامي التي كونتها التيارات الصاعدة قد بلغت أعظم سمك لها وحجبت السماء كلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 ب- مطر التضاريس Orographic "or Relief" Rain: ويقصد به المطر الذي يسقط نتيجة لارتفاع الهواء المحمل ببخار الماء على جوانب الجبال. وتتوقف غزارة هذا المطر على كمية البخار التي يحملها الهواء وارتفاع الحافة الجبلية التي تعترضه، ولذلك فإن هذا النوع من المطر يكثر بصفة خاصة على جوانب الجبال المرتفعة التي تهب عليها الرياح عمودية من ناحية المحيط، خصوصًا إذا كانت مياه هذا المحيط دافئة. وتسقط معظم أمطار التضاريس على المنحدرات المواجهة لهبوب الرياح مباشرة Windward slopes أما المنحدرات التي في منصرف الريح "Lee slopes" فتقل عليها الأمطار أو تنعدم حيث تكون الرياح قد أفرغت معظم حمولتها من الماء على المنحدرات الأولى. ويطلق تعبير "ظل المطر Rain shadow" على المناطق الواقعة على الجانب غير الممطر من الجبال. وعلى الرغم من أن مطر التضاريس يتزايد عمومًا كلما زاد الارتفاع فإن هذا التزايد يتوقف عند مستوى معين، ثم يأخذ المطر في التناقص كلما زاد الارتفاع عن هذا المستوى، وذلك لأن حمولة الهواء الصاعد من البخار تأخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 في التناقص نتيجة لتحولها إلى مطر في أثناء الصعود. وليس هناك على أي حال معدل ثابت لتزايد المطر بالارتفاع لأن هذا المعدل يتأثر بعوامل أخرى غير الارتفاع ومنها شدة الانحدار واتجاه الرياح بالنسبة لاتجاه الحافة الجبلية، ومع ذلك فإن المعدل التقريبي لهذا التزايد هو 2% إلى 5% كلما زاد الارتفاع عشرين مترًا، حتى نصل إلى مستوى معين يكون فيه المطر أشد غزارة منه في أي مستوى آخر. ويمكننا أن نطلق على هذا المستوى اسم مستوى أغزر المطر "Level Maximum Rain" وهو ليس واحدًا في جميع الأقاليم أو في جميع الفصول، فهو في الأقاليم الجافة أعلى منه في الأقاليم الرطبة، ففي جزيرة جاوة يوجد هذا المستوى على ارتفاع 1000 متر بينما يوجد على ارتفاع 1500 متر فوق جبال غات الغربية وعلى ارتفاع 2200 متر فوق جبال الألب، كما أنه يكون في فصل الصيف أعلى منه في فصل الشتاء. وتسود أمطار التضاريس بصفة خاصة في الأقاليم المدارية على منحدرات الجبال التي تهب عليها الرياح التجارية أو الرياح الموسمية من ناحية البحر. ونظرًا لدفء المياه وقوه الرياح وشدة ارتفاع بعض الجبال وهبوب الرياح عمودية عليها في بعض المناطق فإننا نلاحظ أن أكثر بقاع العالم مطرًا موجودة في هذه الأقاليم، ومن أمثلتها منطقة شيرابونجي الواقعة على الجانب الجنوبي لجبال خاسي "Khasi" في أسام في شرق الهند على ارتفاع 1350متر، وفيها يبلغ المعدل السنوي للمطر 11.5 متر. ويأتي أغلبها في فصل الصيف نتيجة لاندفاع الرياح الموسمية الجنوبية الغربية نحوها من خليج بنغال وانحصارها بين سلاسل الجبال العالية. ومن أمثلتها أيضًا جزيرة كاواي "Kauai" وهي إحدى جزر هواي، وفيها يبلغ المعدل السنوي للمطر 12مترًا بسبب هبوب الرياح التجارية الرطبة عليها طول السنة، وكذلك المنحدرات الغربية لجبال الكاميرون في غرب إفريقية، وفيها يبلغ المعدل السنوي عشرة أمتار نتيجة لهبوب الرياح الجنوبية الغربية عليها طول السنة من خليج غانة الدافئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 مطر الأعاصير "أو المطر الجبهات" ... ج - مطر الأعاصير Cyclonic rain "أو مطر الجبهات Frontal rain": ويقصد به المطر الذي تسببه المنخفضات الجوية وهو ينتشر في مناطق واسعة من العالم في نطاق الرياح الغربية، كما هي الحال في غرب أوروبا وحوض البحر المتوسط وأمريكا الشمالية، كما يوجد أيضًا في بعض الأقاليم الحارة التي تتعرض للأعاصير المدارية. وتتتابع أحداث الأمطار الإعصارية في العروض المعتدلة غالبًا بنظام معروف تقريبًا، فهي تبدأ خفيفة في مقدمة المنخفضات الجوية، وتزداد نوعًا ما عند مرور الجبهة الدافئة وكذلك عند مرور قلب المنخفض، وتأتي الأمطار في هذه المراحل مع سحب خفيفة عالية أو متوسطة، ولكن لا تلبث الأمطار أن تنهمر بغزارة عند مرور الجبهة الباردة وتكون مصحوبة برياح شمالية قوية وبحدوث برق ورعد، ولكن لا تلبث الأمطار أن تتناقص تدريجيًّا بعد مرور الجبهة الباردة وتأتي بصورة زخات يزداد تباعدها كلما ابتعد المنخفض الجوي حتى تنتهي ويصفو الجو. وكما أن أحداث هذا النوع من المطر تسير بالترتيب الزمني المذكور فإن توزيعه الإقليمي يكون مرتبطًا كذلك بخط سير المنخفض الجوي أو الإعصار، وتتوقف كمية المطر وغزارته على عنف المنخفض الجوي أو الإعصار أو على موقع المكان بالنسبة للقطاعات المختلفة للمنخفض. ويشمل هذا النوع من المطر كذلك الأمطار التي تصاحب الأعاصير المدارية أو العواصف الدوارة، إلا أن هذه الأعاصير لا تكون لها غالبًا جبهات واضحة، ولذلك يحسن ألا نطلق على مطرها اسم "مطر الجبهات" عواصف الرعد Thunderstorms: تعتبر عواصف الرعد من ظاهرات الجو المألوفة في جميع أنحاء العالم تقريبًا ماعدا المناطق القطبية، وأهم ما تتميز به هو أنها تكون مصحوبة بحدوث برق ورعد، وهذا هو الشرط الرئيسي الذي يجب توفره في كل عاصفة رعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وتكون هذا العواصف في الغالب مصحوبة برياح قوية وأمطار غزيرة جدًّا1. مع سقوط البرد في كثير من الأحيان. أما سبب حدوثها فهو ارتفاع الهواء بقوة إلى أعلى نتيجة لأي عامل من العوامل التي سبقت الإشارة إليها عند الكلام على أنواع المطر، ومعنى ذلك أن عواصف الرعد يمكن أن تحدث نتيجة لنشاط التيارات الصاعدة التي يسببها ارتفاع درجة الحرارة في طبقات الجو السفلى، كما هي الحال في المنطقة الاستوائية، أو نتيجة لارتفاع الهواء الدافئ فوق الهواء البارد عند تقابل كتلتين هوائيتين مختلفتين في درجة الحرارة، أو لاندفاع الهواء في الأعاصير الدوارة بقوة إلى أعلى الجو، أو نتيجة لصعود الرياح بقوة على منحدرات الجبال التي تعترض طريقها، فالذي يحدث في مثل هذه الأحوال هو أن يرتفع الهواء الصاعد إلى مستويات مرتفعة جدًّا فيتكاثف بخار الماء العالق به بسرعة وتتكون منه سحب شديدة السمك والكثافة من النوع المعروف باسم المزن الركامي "Cumulonmbus" وتأخذ الأمطار في السقوط، إلا أن كثيرًا من نقط الماء لا تستطيع أن تصل إلى سطح الأرض بسبب قوة التيارات الصاعدة التي تدفعها باستمرار إلى أعلى، ويترتب على ذلك تزايد حجم هذه النقط حتى يبلغ قطر الواحدة منها نصف سنتيمتر تقريبًا. ومتى بلغت هذا الحجم لا تقوى على التماسك، فتتفتت إلى نقط صغيرة، لا تلبث أن تكبر ثم تتجزأ بنفس الطريقة وهكذا. ويترتب على تفتت النقط المائية انطلاق شحنة كهربائية يتجمع السالب منها في قمة السحابة أما الموجب فيتجمع في وسطها، وقد يتجمع بعضه في أسفلها. وعندما تكبر هذه الشحنات يحدث تفريغ بين أعلى السحابة ووسطها أو بين السحابة والأرض أو بين سحابتين متجاورتين. والتفريغ الذي يحدث بين السحابة والأرض هو الذي يعبر عنه بالصاعقة, ويؤدي التفريغ الكهربائي   1 Burgss R Meteorology for seamen 2 nd ed 1952 p 55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 إلى حدوث الشرارة المضيئة التي يعبر عنها بالبرق. أما الرعد فيحدث نتيجة لتمدد الهواء الذي تخترقه هذه الشرارة بسبب شدة الحرارة ثم انكماشه وانضغاطه بشدة نتيجة للتبريد الذي يحدث بعد مرورها، ونظرًا لأن الضوء ينتقل بسرعة 298.000 كيلو متر في الثانية بينما ينتقل الصوت بسرعة 340 مترًا في الثانية فإن سماع صوت الرعد يتأخر عن رؤية البرق بمعدل خمس ثوانٍ تقريبًا لكل 1.5 كيلو متر من المسافة بين الموضع الذي تحدث فيه شرارة البرق والمكان الذي يوجد فيه الرصد، ويبين الشكل "54" المظاهر المختلفة التي صاحب عواصف الرعد1 شكل "54" مظاهر النشاط المختلفة في عواصف الرعد   1 Horrocks, N.K., "Physial geography and climatogly." 1953. P 229 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وتتحرك عواصف الرعد في الأقاليم المعتدلة بصفة عامة من الغرب إلى الشرق بسرعة تبلغ في المتوسط حوالي 60 كيلو مترا في الساعة، وقد تقطع العاصفة أحيانًا مسافة 800 كيلو متر أو أكثر قبل أن تهدأ، ويعتبر سقوط الأمطار من أهم العوامل التي تساعد على هدوء العاصفة لأنه يساعد على تلطيف درجة حرارة سطح الأرض وطبقة الهواء الملامسة له، فيقل الفرق بين درجة حرارته ودرجة حرارة الطبقات العليا من الجو فيضعف تبعًا لذلك نشاط التيارات الصاعدة. وتعتبر الأقاليم الاستوائية أكثر الأقاليم تعرضًا لحدوث عواصف الرعد، نظرًا لنشاط التيارات الصاعدة بها، ويبلغ متوسط عدد الأيام يحدث فيها، البرق والرعد في هذه الأقاليم حوالي 76 يومًا في السنة، وتشتهر جزيرة جاوة بصفة خاصة بهذا النوع من العواصف، إذ يبلغ متوسط عدد الأيام التي يظهر فيها البرق والرعد هناك أكثر من 200 يوم، وتكثر هذه العواصف كذلك في الولايات المتحدة ولا يكاد يمر أسبوع دون أن يظهر البرق والرعد في يوم واحد على الأقل من أيامه، أما في مصر فتظهر عواصف الرعد أحيانًا في فصل الخريف، ولكن على الرغم من قلة أيام ظهورها بصفة عامة، فإنه لا يمكن أن يمر فصل الخريف في أية سنة، دون أن تحدث عاصفة رعد واحدة على الأقل. أما أقل جهات العالم تعرضًا لعواصف الرعد فهي المناطق القطبية، لعدم وجود أي تيارات هوائية صاعدة هناك، ولهذا فقد تمر سنوات عديدة دون أن تحدث عاصفة رعد واحدة، وتقل هذه العواصف كذلك في الصحاري الجافة لأنه على الرغم من نشاط التيارات الصاعدة بها فإن بخار الماء العالق بالهواء يكون قليلًا جدًّا بدرجة لا تكفي لتكون السحب الكثيفة. وتقل عواصف الرعد كذلك على البحار والمحيطات، وذلك لأن التيارات الصاعدة تكون بطيئة نسبيًّا، حيث يكون الفرق بين درجة حرارة الطبقات السفلى من الجو ودرجة حرارة الطبقات العليا منه أقل نسبيًّا منه على اليابس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 شكل "55" المتوسط السنوي لعدد أيام عواصف الرعد في العالم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 ويعتبر فصل الصيف على اليابس أكثر فصول السنة ملاءمة لظهور عواصف الرعد بصفة عامة، ويرجع ذلك إلى اشتداد حرارة سطح الأرض والهواء الملاصق له بواسطة أشعة الشمس، ويكون ظهورها غالبًا بعد منتصف النهار، وهو الوقت الذي تبلغ فيه التيارات الصاعدة أشدها. التساقط الصلب "أو المطر المتجمد": بالإضافة إلى الشكل السائل المعتاد للمطر، فإن المطر في الأقاليم الباردة يكون في كثير من الأحيان بشكل صلب، أو بشكل مختلط من السائل والصلب. وهناك شكلان رئيسيان للتساقط الصلب وهما: الثلج snow والبرد Hail، أما التساقط المختلط بين الصلب والسائل فيطلق عليه تعبير sleet. وعلى الرغم من الفروق الواضحة بين الشكل السائل للمطر وأشكاله الصلبة فإنها جميعًا تدخل في إحصاءات المطر بعد أن تحسب كميات التساقط الصلب على أساس ما يمكن أن تنتج من انصهارها من ماء. كما سنبين عند كلامنا على قياس المطر بعد قليل. وفيما يلي شرح للشكلين الرئيسيين للتساقط الصلب وهما الثلج والبرد. الثلج snow: وهو عبارة عن بلورات رقيقة جدًّا من الثلج لا يزيد قطر الواحدة منها غالبًا على بوصة واحدة، وهي تسقط نحو الأرض كما تسقط الأمطار تمامًا، ولكن نظرًا لخفتها فإنها تتطاير مع الهواء، ويكون منظرها أشبه بأهداف الريش الأبيض، وتأخذ عند سقوطها أشكالًا متباينة كما في شكل "56". شكل "56" بعض أشكال بلورات الثلج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 ويسقط الثلج نتيجة لانخفاض درجة الحرارة في طبقات الجو التي تسبح فيها السحب إلى ما دون التجمد، ويحدث ذلك بكثرة في المناطق الباردة حيث يؤدي سقوط الثلج بكثرة في بعض البلاد إلى تغطية الأرض وما عليها من أجسام بطبقة عظيمة منه يزيد سمكها في بعض المواضع على بضعة أمتار. وتكون هذه الطبقة هشة في أول الأمر ولكنها سرعان ما تتماسك بسبب ثقل الثلج فتتحول إلى طبقة من الجليد "lce" وهو المادة الصلبة المعروفة، وليست الأنهار الجليدية التي تشتهر بها البلاد الجبلية في الأقاليم المعتدلة والباردة، وكذلك غطاءات الجليد العظيمة التي توجد في المناطق القطبية إلا طبقات من الثلج الذي تراكم على مر السنين ثم تصلب بسبب ثقله وتكدسه. ومن الممكن أن يتكون الثلج في أعلى التربوسفير في الأقاليم الدافئة والحارة، ولكنه في هذه الحالة لا يصل غالبًا إلى سطح الأرض لأنه ينصهر عند سقوطه بسبب ارتفاع درجة حرارة الهواء بصفة عامة خصوصًا في طبقاته السفلى. البرد Hail: وهو عبارة عن كرات صغيرة من الجليد تتساقط على شكل أمطار عند حدوث عواصف الرعد. ويتراوح قطر الواحدة منها في المعتاد حوالي سنتيمتر ونصف، ولو أن بعضها يزيد قطره على ذلك كثيرًا بحيث يصل أحيانًا إلى عشرة سنتيمترات أو أكثر. وتتكون هذه الكرات نتيجة لتكثف بخار الماء في داخل سحب المزن الركامي التي تتراكم نتيجة لنشاط التيارات الهوائية الصاعدة، ويتكثف البخار أولًا إلى نقط مائية، فإذا كانت درجة الحرارة في داخل السحابة أقل من درجة التجمد فإن هذه النقط تتحول إلى كرات صغيرة من الثلج، ويأخذ حجم هذه الكرات في الازدياد تدريجيًّا؛ لأنها عندما تبدأ في السقوط نحو الأرض تعود فترتفع مرة أخرى بتأثير التيارات الهوائية الصاعدة التي تحملها ثانية إلى داخل السحب فتتكثف حولها طبقة جديدة، وبتكرار هذه العملية يتزايد عدد الطبقات التي تتراكم على الكرة الأصلية بحيث يصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 شكل "57" كرات من البرد أحيانًا إلى 20 طبقة، وأخيرًا تسقط الكرات بفعل ثقلها نحو سطح الأرض، وقد يكون سقوطها بكميات كبيرة وبسرعة عظيمة، تؤدي إلى تلف كثير من المحاصيل. ومما سبق يتبين لنا أن هناك عدة شروط يجب توافرها لظهور البرد وهي: 1- انخفاض درجة الحرارة في طبقات الجو التي توجد بها السحب إلى ما دون درجة التجمد. 2- وجود تيارات هوائية صاعدة يترتب عليها عواصف رعد كما يحدث كثيرًا في المناطق الاستوائية والمعتدلة. ونظرًا لعدم وجود تيارات هوائية صاعدة في الأقاليم القطبية فإن ظهور البرد فيها يعتبر من الظاهرات النادرة جدًّا. 3- عدم ارتفاع درجة حرارة الطبقات السفلى من الهواء بشكل يؤدي إلى انصهار كرات الثلج قبل وصولها إلى سطح الأرض، كما يحدث عادة في الأقاليم الاستوائية، فرغم نشاط التيارات الصاعدة هناك واحتمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 تكون البرد في طبقات الجو العليا فإنه لا يصل إلى سطح الأرض بسبب شدة الحرارة في طبقات الجو السفلى. وهكذا نجد أن المناطق القطبية والمناطق الاستوائية تخلو من البرد خلوًّا تامًّا تقريبًا، وفيما عدا ذلك يحتمل أن يظهر البرد في أي منطقة أخرى من العالم، ولكنه يكثر بصفة خاصة على الهضاب كما هي الحال فوق القسم الجنوبي من هضبة إفريقية الجنوبية، التي تتعرض في أثناء فصل الصيف لسقوط البرد بشكل يؤدي أحيانًا إلى حدوث خسائر كبيرة، وفي الهند يسقط البرد بكثرة في شهر مايو، وفي مصر يظهر البرد أحيانًا في فصلي الخريف والشتاء في أثناء عواصف الرعد. شدة المطر "أو غزارته" Rainfall intensity: المقصود بشدة المطر أو غزارته هو مقدار ما يسقط منه خلال فترة معينة وحساب غزارة المطر له أهمية كبيرة في تحديد قيمته الهيدرولوجية لما له من علاقة مباشرة بجريان الماء على السطح وتسربه في التربة. ويمكن حساب غزارة المطر في اليوم أو في أي فترة أخرى بقسمة كمية المطر على عدد الأيام المطيرة، مع ملاحظة أن اليوم المطير هو اليوم الذي يسقط خلاله مطر لا يقل على 0.01 من البوصة "0.2 من الملليمتر" إلا أن حساب الغزارة بهذه الطريقة لا يعبر تعبيرًا دقيقًا عن القيمة الهيدرولوجية للمطر، والأهم منه هو حساب الغزارة على امتداد الفترة الزمنية التي يسقط خلالها المطر منذ بدء سقوطه حتى توقعه، وتوضح هذه الغزارة ما يطرأ عليها من تغير خلال هذه المدة بواسطة منحنى يطلق عليه اسم منحنى "استمرارية الغزارة lntensity duration curve". وفيه تسجل كمية المطر التي تسقط في كل ساعة من ساعات سقوطه. وقد أظهرت معظم المنحنيات التي رسمت لمثل   1 Wiesner, C.J., "Hydrometeorology" 1970 Barnes & Noble U.S.A PP 90-11 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 هذا التوزيع أنه يسير على نمط واحد في أثناء العواصف المطيرة المتساوية الطول تقريبًا. ويمكن أن توضح الغزارة على امتداد مدة سقوطه بطريقة نسبية، وذلك بحساب النسبة المئوية لما يسقط في كل ساعة من ساعات العاصفة إلى الكمية الكلية التي تسقط في أثنائها، ويطلق على المنحنيات التي ترسم بهذه الطريقة اسم "منحنيات استمرارية العمق Depth duration curves" وقد تبين من دراسة مثل هذه المنحنيات أن شكلها يختلف تبعًا لاختلاف الكمية الكلية التي تسقطها العاصفة الممطرة، ففي حالة المطر الخفيف تسقط أكبر نسبة منه غالبًا خلال الفترة الأولى من سقوطه، أما في حالة المطر الغزير فإن المنحنى يكون غالبًا متوازيًا. وثمة طريقة أخرى لتوضيح غزارة المطر هي رسم منحنيات يطلق عليها اسم منحنيات مرات تكرار الغزارة Rainfall intensity frequency curves وهي من أكثر منحنيات الغزارة أهمية في الدراسات المائية. حيث يمكن بواسطتها مثلًا معرفة عدد مرات سقوط الأمطار بغزارة معينة في الشهر أو السنة، فيمكن على أساسها توقع احتمالات حدوث الفيضانات أو حدوث تغيرات في مناسيب الأنهار ومقدار تصريفها. ولكن المشكلة في حساب غزارة المطر بالتفصيل في أي منطقة من المناطق تكمن في كونها تحتاج إلى قياسات مستمرة ودقيقة للأمطار بواسطة أجهزة دقيقة يمكن بواسطتها قياس الأمطار الساقطة في كل دقيقة، ومثل هذه البيانات لا يسهل توفيرها إلا في مراصد معدة إعدادًا كافيًا للقيام بها. ومن الواضح أن حساب غزارة الأمطار له أهمية كبيرة في الدراسات التطبيقية لأن تأثير الأمطار على جريان الماء يتوقف علي غزارة الأمطار أو شدة سقوطها، فقد يؤدي سقوط خمسة سنتيمترات من المطر مثلًا خلال نصف ساعة إلى حدوث فيضانات تغرق بعض المناطق وتسبب كثيرًا من الخسائر بينما لا يؤدي سقوطها في 24 ساعة أو أكثر إلى أي شيء من هذا؛ لأن أغلبها يتبخر في أثناء سقوطه أو بعد وصوله إلى الأرض مباشرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 تقسيم المطر على أساس حجم نقطه وسرعة سقوطها: يتراوح حجم نقط المطر ما بين نقيطات الرذاذ التي لا يزيد قطرها على نصف ملليمتر والنقط الكبرى التي قد يصل قطرها في حالة عدم تفتتها إلى خمسة ملليمترات. وهناك تناسب طردي بين حجم نقط الماء وسرعة سقوطها بمعنى أنه كلما كانت الأمطار ثقيلة كان حجم نقطها كبيرًا، كما يتبين من الشكل رقم "58".1 شكل "58" العلاقة بين حجم نقط المطر وسرعة تساقطها   1 wiesner. C. j op. c.t.p.91 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 قياس المطر مدخل ... 9- 3- 2- قياس المطر: تستخدم في قياس المطر أجهزة خاصة وأبسطها وأكثرها هو الجهاز القياسي "Rain gauge" المستخدم في أغلب محطات الأرصاد. وأهم أجزائه هي: أسطوانة معدنية قطرها المعتاد حوالي 20 سنتيمترًا وبداخلها قمع مركب فوق إناء لجمع الماء، ومخبار مدرج لقياس الماء المتجمع، وقد يوضع المخبار داخل الأسطوانة بدلًا من الإناء بحيث يتجمع فيه ماء المطر مباشرة. ويوضع الجهاز دائمًا في العراء. ويدل ارتفاع الماء الذي يتجمع في المخبار على كمية المطر التي سقطت، وهي تحسب إما بالملليمترات أو البوصات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وقد ظهرت من هذا الجهاز أنواع منقحة يمكن أن تسجل بواسطتها كمية المطر الساقطة بطريقة آلية. وهناك نوعان من هذه المسجلات النوع الأول منها يعرف باسم "Tipping bucket gauge" أي الجهاز ذو الدلو المائل، وهو دلو صغير موضوع بميل بحيث يمكنه أن يفرغ نفسه آليًّا كلما تجمع فيه مقدار من المطر يعادل ربع ملليمتر. وتؤدي حركته عند التفريغ إلى توصيل دائرة كهربائية يتحرك بمقتضاها ذراع في طرفه سن ريشه تبين له كل مرة من مرات التفريغ على لوحة خاصة. ويمكن على هذا الأساس حساب مجموع كمية المطر التي سقطت. أما النوع الثاني فيعرف باسم ميزان المطر "Weighing - type gauge" وهو مزود بميزان خاص يمكنه أن يزن بطريقة آلية أي كمية من المطر يستقبلها الجهاز، ويسجل بطريقة آلية كذلك على لوحة خاصة بواسطة سن ريشة مثبت في نهاية ذراع يتحرك للوزن الذي بينه الميزان شكل "61" ميزان المطر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 ويجب عند قياس المطر أن ندخل في حسابنا مظاهر التكثف الأخرى مثل الثلج والبرد ونضيفها إلى كمية المطر، ولو أننا قد نصادف صعوبات كثيرة في قياس كمية هذا النوع من التساقط، ولكن يمكننا أن نقدرها تقديرًا تقريبيًّا على أساس أن كل عشرة سنتيمترات من الثلج أو البرد تعادل سنتيمتر واحد من الماء، أما أنواع التكثف الأخرى مثل الندى والضباب فهذه وإن كانت واسعة الانتشار إلا أنها لا تؤثر تأثيرًا يذكر في كمية التساقط "precipitation" نظرًا لبساطتها وسرعة تبخرها، ولعدم تأثيرها على المياه الجارية أو المياه الجوفية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 خطوط المطر المتساوي lsohyets: خطوط المطر المتساوي هي الخطوط التي ترسم على الخرائط لتوصيل الأماكن التي تتساوى فيها كميات الأمطار أو معدلاتها في أي فترة من الفترات، وهي تشبه في طريقة رسمها -نوعًا ما- خطوط الحرارة المتساوية وخطوط الضغط المتساوي ولكن مع فارق أساسي وهو أننا عند رسم خطوط المطر لا نحتاج إلى تعديل الأرقام التي تسجلها المقاييس لكي تمثل الحالة عند سطح البحر، بل يجب أن توضع هذه الأرقام على الخريطة بدون تعديل. والمألوف في رسم خرائط توزيع المطر هو أن تظلل المناطق التي يكون لها معدل واحد تقريبًا في فترة معينة "ولتكن شهرًا أو سنة" تظليلًا واحدًا أو تلون بلون واحد، بحيث لا يكون هناك داعٍ لوضع أي أرقام على الخريطة نفسها لتمييز الخطوط بعضها عن بعض، كما نفعل عادة عند رسم خطوط الضغط وخطوط الحرارة، بل يكتفى بعمل دليل للخريطة تبين بواسطته مدلولات الدرجات المتفاوتة من التظليل أو التلوين. واللون الذي يستخدم عادة في الأطالس وخرائط الحائط للدلالة على الأمطار هو اللون الأزرق. وكلما كان داكنًا دل ذلك على كثرة الأمطار، أما الأقاليم عديمة المطر فتلون غالبًا باللون البني الفاتح أو الأصفر الباهت أو تترك بيضاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 مشكلات قياس المطر "التساقط لسائل": على الرغم من التطور الذي طرأ على أجهزة قياس المطر وغيرها من أجهزة قياس العناصر المناخية فإن قياس المطر بالذات ما زال معرضًا لبعض الأخطاء الناجمة عن أسباب مختلفة. فقد تحدث بعض الأخطاء نتيجة لعدم دقة القراءات أو عمليات القياس التي يقوم بها الرصد نفسه، كما أن بعضها قد يحدث بسبب أي خلل في أجهزة التسجيل، أو بسب نوعية الجهاز المستخدم أو بسبب عدم وضعه في المواضع الصحيحة، ويكفي أن نعلم أنه حتى الآن لا يوجد نوع قياسي موحد للجهاز التقليدي لقياس المطر، ولا يوجد اتفاق بين كل مراصد العالم على حجمه أو المواصفات المطلوبة لتركيبه. ولهذا فإن مقارنة البيانات المستمدة من أجهزة القياس المستخدمة في البلاد المختلفة لا تكون في كثير من الأحيان دقيقة بالدرجة المطلوبة. ولمعالجة هذه المشكلة فقد ابتكرت منظمة الأرصاد الجوي الدولية lnternational Meteorological Organisation جهازًا قياسيًّا لتصحح على أساسه قراءات الأجهزة المستخدمة في الدول المختلفة، وقد تبين أن الفروق بين الأجهزة المختلفة وبين قراءات المقياس الدولي تتراوح بين 5% و 15%. ففي بريطانيا مثلًا يستخدم لقياس المطر جهاز قطر فتحته خمس بوصات وترتفع حافته Rim عند استخدامه بمقدار قدم واحد عن سطح الأرض. بينما يبلغ قطر فتحة الجهاز المستخدم في الولايات المتحدة ثماني بوصات. وليس هناك ارتفاع واحد لتثبيت جهاز قياس المطر عن سطح الأرض، وما زال تحديد الارتفاع الأمثل مختلفًا عليه حتى الآن، فعلى الرغم من أن كمية المطر المطلوب حسابها فعلًا هي الكمية التي تصل إلى سطح الأرض نفسه فإن القياس على هذا المستوى لن يكون دقيقًا من الناحية العلمية؛ لأن المياه التي تتجمع على الجهاز لن تكون في هذه الحالة مقصورة على مياه المطر التي تسقط فوقه. مباشرة بل ستضاف إليها كميات لا يستهان بها من المياه التي تتبعثر نحوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 من الأرض المجاورة عند سقوط المطر عليها. ومن ناحية أخرى فإن وضع الجهاز في مستوى أعلى من سطح الأرض يؤدي إلى اعتراض الرياح وحدوث دوامات بها مما يؤدي إلى زيادة سرعتها ودفعها لنقط المطر الساقطة بعيدًا عن الجهاز، وخصوصًا في أثناء هبوب الرياح القوية التي تكون في كثير من الأحيان مصاحبة لسقوط المطر، وهكذا فإن المستويات التي توضع عليها الأجهزة في الدول المختلفة تتفاوت من 30 سم إلى مترين أو أكثر فوق سطح الأرض. وتظهر هذه المشكلة بصورة أوضح عند وضع هذه الأجهزة على المرتفعات بسبب ارتفاع سرعة الرياح وكثرة الاضطرابات الجوية. ولتقليل الخطإ في نتائج القياس في مثل هذه الظروف يبنى حول جهاز القياس حائط بمقاييس محسوبة، وعلى بعد محسوب كذلك لكي يقلل من سرعة الرياح ولا يعرقل في نفس الوقت سقوط المطر في الجهاز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 مشكلات قياس التساقط الصلب : إن الأجهزة المستخدمة لتسجيل المطر السائل أو قياسه لا تصلح تمامًا لقياس التساقط الصلب إلا إذا كان هذا التساقط خفيفًا بدرجة تسمح بدخوله في الجهاز، حيث يمكن في هذه الحالة حسابه على أساس كمية الماء التي تنتج منه بعد انصهاره. ولهذا فقد ابتكرت مسجلات خاصة لتسجيل وزن الثلج المتساقط. وتقوم فكرتها على جمع الثلج في وعاء موضوع على سطح ميزان متصل بذراع في طرفه سن ريشه يتحرك على خريطة مثبتة على أسطوانة تديرها ساعة، ومقسمة إلى أقسام تدل على وزن الثلج المتجمع في وعاء. ولكن نظرًا لأن بلورات الثلج المتساقط تكون عادة خفيفة جدًّا فإن الرياح تذروها وتوزعها على سطح الأرض بشكل غير منتظم مما يؤدي إلى تباين سمك الطبقة المتراكمة من موضع إلى آخر، ولهذا فإن ما يسجله "ميزان الثلجsonw gauge" لا يدل إلا على كمية الثلج التي تسقط فوقه فقط، ولا يدل على سمك الثلج المتراكم على كل المنطقة التي يوجد فيها، ولذلك فقد اقترحت طريقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 أخرى لقياس كمية الثلج الذي سقط على المنطقة عن طريق عمل مجسات في عدة مواضع لقياس سمك الثلج المتراكم في كل منها وحساب المتوسط بالنسبة لكل المنطقة وتحول هذا المتوسط إلى ما يعرف "بالمعادل المائي Water equivalent" وذلك علي أساس أن سمكًا مائيًّا واحدًا يقابل 12 سمكًا من الثلج، ولكن هذه النسبة لا تتوقف على سمك الثلج وحده بل تتوقف كذلك على درجة تكدسه، فكلما ازداد تكدسه زاد المعادل المائي الذي يقابله، ومن الممكن كذلك حساب هذا المعدل بأخذ عينة من السمك الكلي لطبقة الثلج ووزنها وتصنيفها بواسطة أجهزة بسيطة لفرز الثلج ثم حساب متوسط المعادل المائي لها، وتستخدم هذه الطريقة أحيانًا كوسيلة مساعدة للقياس بواسطة "ميزان الثلج" وهي مفيدة بصفة خاصة لقياس غطاءات الثلج السميكة، ولهذا فإنها تستخدم على نطاق واسع في المناطق التي تكثر فيها تساقط الثلج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 استكمال النقص في إحصاءات المطر : من المتفق عليه دوليًّا في الوقت الحاضر أن فترة 30 سنة متتالية هي أصلح فترة لحساب المعدلات المناخية؛ إذ إن طول هذه الفترة يكفي لتغطية كل التغيرات التي تطرأ على أي عنصر من عناصر المناخ من شهر إلى آخر ومن سنة إلى أخرى. ومع ذلك فإن الأمر قد يختلف من منطقة إلى أخرى على حسب نوع المناخ، ففي المنطقة الاستوائية مثلًا تسير الأحوال المناخية بانتظام تقريبًا، وقلما تحدث فروق كبيرة في المتوسطات اليومية أو الشهرية أو السنوية. وفي مثل هذه المناطق يمكن استخراج المعدلات الصحيحة من متوسطات بضع سنوات فقط. وذلك بخلاف الحال في المناطق التي تتعرض لتغيرات جوية أو مناخية كبيرة من شهر إلى آخر ومن سنة إلى أخرى، وأهمها المناطق المعتدلة التي تتعرض لمرور المنخفضات الجوية في أوقات غير ثابتة فتؤدي إلى حدوث تقلبات جوية عنيفة يظهر تأثيرها في كل عناصر المناخ. وكذلك المناطق الجافة وشبه الجافة التي تتغير فيها كميات الأمطار السنوية تغيرًا كبيرًا من شهر إلى آخر ومن سنة إلى أخرى، ففي مثل هذه المناطق يكون من الأفضل حساب المعدلات من أرقام مدة أطول ولتكن 35 سنة مثلًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وعلى أية حال فإن معظم المحطات المناخية في معظم الدول النامية لم تبدأ عملها إلا منذ سنوات قليلة، ولهذا فلا تتوافر لها التسجيلات المناخية للمدة المتفق عليها دوليًّا. وفي مثل هذه الأحوال يمكن حساب المعدلات من التسجيلات المتوفرة لأي عدد من السنين مع ضرورة ذكر السنوات التي استخدمت بياناتها لحساب المعدلات. وكثيرًا ما يواجه الباحث بمشكلة عدم توفر بيانات بعض العناصر المناخية لشهر أو سنة أو أكثر في محطة من المحطات، وفي مثل هذه الحالة فإنه يستطيع أن يقدر البيانات المفقودة بالاسترشاد ببيانات محطتين أو ثلاث محطات قريبة منها. وكلما كانت ظروف المحطة المراد تكملة بياناتها المفقودة متشابهة لظروف المحطات القريبة منها وكانت متوسطاتها قريبة من متوسطاتها بحيث لا تزيد الفروق بينها على 10% كان التقريب مقبولًا، أما إذا زادت الفروق على هذا الحد فيحسن اللجوء إلى بعض الحسابات الأكثر دقة. ومثال ذلك العملية التي تجريها محطة الأرصاد الجوية الأمريكية لملء ثغرات بيانات الأمطار وتتخلص في حساب البيانات الناقصة من متوسطات ثلاث محطات قريبة منها ومتشابهة لها في ظروفها وذلك بمقتضى المعادلة الآتية: ولك على أساس أن س هي المحطة المطلوب حساب مطرها في فترة ما، وأن م هي مطر هذه الفترة وهي مجهولة بالنسبة للمحطة س ومعروفة في المحطات الثلاث الأخرى وهي أ، ب، ج، وأن م هي المتوسط السنوي للمطر في المحطات الأربع. مثال: إذا كانت سنة 1960 مفقودة في المحطة س وكانت أمطار نفس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 السنة في المحطات أ، ب، ج هي 45، 55، 44سم. وكان المعدل السنوي العام في المحطة س هو 50 وكان في المحطات أ، ب، ج هو 45، 50، 55 سم فإن حساب السنة المفقودة في س "م" يكون كما يلي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 التباين في كميات المطر السنوية والشهرية : إن معرفة مدى انتظام سقوط الأمطار أو تباينها من سنة إلى أخرى تعتبر من الموضوعات التي لابد منها عند البحث في أي مظهر من مظاهر النشاط البشري التي يتوقف نجاحها على ضمان سقوط كميات سنوية وشهرية معروفة تقريبًا مثل توفير المياه اللازمة للشرب أو للاستغلال الزراعي وتنمية الثروة الحيوانية الرعوية وغيرها. وتظهر خطورة التباين في كميات المطر السنوية والشهرية واضحة بصفة خاصة في الأقاليم الجافة وشبه الجافة لأن أي نقص في كمية الأمطار عن معدلها السنوي أو الشهري قد يؤدي إلى خسائر جسيمة في الإنتاج الزراعي المطري وفي الثروة الحيوانية الرعوية، بل وقد يؤدي كذلك إلى نقص المياه الجوفية وحدوث أزمات في توفير مياه الشرب، ولهذا فإن حساب التباين في كميات الأمطار السنوية والشهرية في مثل المناطق يمثل موضوعًا أساسيًّا في دراسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 مناخها وماله من علاقات مباشرة بعمرانها واستغلال أراضيها في التنمية الزراعية والحيوانية. ويستخدم للتعبير عن معدل التغير في كمية المطر تعبيران أحدهما عكس الآخر وهما معدل التغير أو معامل التغير Variailty ومعامل المواظبة أو الانتظام Dependability أو Reliability وكلما ارتفع معامل التغير كلما نقص معامل المواظبة. وتستخدم لحساب معامل "أو معدل" التغير في كمية المطر السنوية في أي منطقة عدة أساليب منها: 1- الطريقة الحسابية البسيطة: وفيها يستخرج متوسط زيادات الأمطار ونقصاناتها عن المعدل السنوي في المنطقة، ثم يوضع هذا المتوسط في صورة نسبة مئوية من المعدل العام، فكلما زادت النسبة المئوية دل ذلك على أن كمية المطر تتغير تغيرًا كبيرًا من سنة إلى أخرى. كما يأتي: ويتبين من الخريطة شكل "63" أن أكثر الأقاليم تعرضًا لتغير كمية المطر في سنة إلى أخرى هي الأقاليم الصحراوية وشبه الصحراوية التي يزيد معامل التغير فيها على 30% أما أقلها عرضة لهذا التغير فهي الأقاليم الاستوائية حيث يقل معامل هذا التغير عن 15%. 2- حساب معامل الانحراف والانحراف المعياري: أ- معامل الانحراف variance: المقصود بمعامل الانحراف، أو معامل التباين، هو معامل انحراف القيم "أي كميات الأمطار" السنوية أو الشهرية عن المتوسط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 شكل "62" معدل التغير السنوي في كمية المطر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 ولحساب معامل انحراف أمطار منطقة من المناطق خلال عدد من السنين تتبع الخطوات الآتية: يستخرج المتوسط الحسابي لقيم أمطار هذه السنوات، وذلك بجمعها ثم قسمتها على عددها. تحسب الفروق بين كل القيم والمتوسط الحسابي سواء بالسالب أو بالموجب، وتعرف هذه الفروق بالانحرافات، ويمكن أن يرمز لها بالحرف م. تربع كل الانحرافات ويتم جمعها "مج م 2 " يحسب معامل الانحراف "variance" الذي يرمز له عادة بالرمز S 2 بالمعادلة الآتية: ب- الانحراف المعياري Standard variation: الانحراف المعياري ومعامل الانحراف هما صيغتان لتحقيق هدف واحد، ويمكن استخراج أحدهما من الآخر. فإذا كان الانحراف المعياري هو ع فإن معامل الانحراف يكون ع 2 والعكس صحيح أي إذا كان معامل الانحراف ع 2 فإن الانحراف المعياري يكون: وبما أن معامل الانحراف = فإن الانحراف المعياري يكون: وأهم فوائد حساب معامل الانحراف والانحراف المعياري هو معرفة مدى التباين في كميات الأمطار "أو قيم أي ظاهرة أخرى" فكلما كانا مرتفعين دل ذلك على وجود تباين كبير في هذه الكميات، وهما بعبارة أخرى يقيسان مقدار التشتت في توزيع الظاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وفيما يلي على سبيل المثال حساب معامل انحراف الأمطار وانحرافها المعياري لإحدى المناطق خلال عشر سنوات "جدول 12". جدول "12" حساب معامل الانحراف والانحراف المعياري لأمطار إحدى المناطق المجموع 120 144 المتوسط س= 12 معامل الانحراف: الانحراف المعياري: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 حساب متوسط مياه المطر على أي منطقة : من المفروض عند توزيع مقاييس المطر على أي منطقة أن تغطي هذه المقاييس معظم أجزاء المنطقة وأن تكون موزعة توزيعًا صحيحًا حتى تبين الاختلافات المحلية لكميات الأمطار الساقطة. وعلى أي حال فمن الممكن استخدام إحدى الطرق الحسابية لحساب كمية المطر التي تسقط على المنطقة من قراءات المراصد الموجودة بها، ومن أبسط هذه الطرق ما يأتي: طريقة المتوسط الحسابي. طريقة الوزن المساحي. طريقة خطوط المطر المتساوي. أ- طريقة المتوسط الحسابي 1: وهي أبسط طريقة لحساب متوسط كمية المطر على أي منطقة؛ إذ إنها لا تتطلب أكثر من جمع متوسطات الأمطار التي تسجلها شبكة المراصد وقسمتها على عددها كما يأتي: وهذه الطريقة تصلح للمناطق ذات السطح المستوى تقريبًا، وخصوصًا إذا كانت مرصداها موزعة عليها توزيعًا جيدًا. وفي المناطق الأخرى يمكن الحصول على نتائج مقبولة إذا كانت المراصد ممثلة للمنطقة تمثيلًا صادقًا حيث إن النقص الذي تظهره بعض المراصد تعوضه الزيادة التي تظهرها المراصد الأخرى. وهذه الطريقة تعطي نتيجة موضوعية سريعة، ويسهل استخدام الآلات الحاسبة لاستخراج نتائجها.   1 Wiesner C.j. "1970" op cti,p.122 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 فعلى فرض أن شكل "63" يمثل المنطقة التي يراد حساب متوسط أمطارها وأن بها خمس محطات فإن المتوسط الحسابي لأمطارها على حسب المتوسطات المسجلة بجانب المحطات يكون: ب– طريقة الوزن المساحي Areal weaghting: هذه الطريقة هي أدق الطرق إذ أحسن استخدامها، وعند تطبيقها يعطي لكل محطة وزن يتناسب مع المساحة التي تمثلها. ولتحديد هذه المساحة توصل المحطات المتجاورة بخطوط ثم تنصف هذه الخطوط ويقام على منتصف كل منها عمود بحيث يتكون حول كل محطة شكل مضلع، ثم تحسب مساحة كل مضلع بواسطة البلانيمتر أو بأي طريقة أخرى، مثل طريقة المربعات، ثم تستخرج النسبة المئوية لمساحة كل مضلع إلى المساحة الكلية للمنطقة فتكون هذه النسبة هي "وزن المحطة" وبهذه الطريقة يكون لكل محطة في المنطقة وزن خاص بها، مع ملاحظة أن المحطات التي تقع خارج هذه المنطقة، والتي يلزم استخدامها في رسم المضلعات يحسب وزنها على أساس الجزء الذي يقع داخل المنطقة فقط من المضلع الذي حولها، ويفترض في هذه الطريقة، أن التغير في الأمطار بين المحطات يسير بانتظام بغض النظر عن توزيع المحطات، إلا في حالة وجود اختلافات طوبوغرافية، ومتيورولوجية واضحة "انظر شكل 63" والجدول "13". فإن نظرنا إلى نفس المنطقة الممثلة بشكل 63 وكانت توجد خارجها أربع محطات بجانب الخمس التي بداخلها فإن حساب متوسط أمطارها بطريقة الوزن المساحي تكون كما في الجدول "13". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 شكل "63" حساب كمية المطر على أي منطقة بطريقة الوزن المساحي ج- الطريقة التي تعتمد على خطوط المطر المتساوي: في هذه الطريقة ترسم خطوط المطر المتساوي للمنطقة، بحيث يراعى في رسمها تأثير عوامل التضاريس، واتجاه المنحدرات، وخطوط سير العواصف الممطرة حتى تكون الخطوط معبرة عن التوزيع الحقيقي للمطر بقدر الإمكان ثم تقاس المساحات المحصورة بين كل خطين متجاورين من الخطوط، ويكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 جدول "13" حساب متوسط أمطار إحدى المناطق بطريقة الوزن المساحي متوسط الأمطار في كل مساحة هو متوسط قيمتي خطي المطر اللذين يحددانها، مع مراعاة أن يكون هذا المتوسط أقرب نوعًا ما إلى قيمة أطول الخطين منه إلى قيمة الخط الأقصر. ثم يضرب متوسط مطر كل منطقة في مساحتها لتستخرج كمية المطر الساقطة عليها، ثم تجمع كل الكميات وتقسم على مساحة المنطقة كلها فيكون الناتج هو متوسط أمطار المنطقة كما في المثال التالي "شكل 64" وجدول "14". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 جدول "14" استخراج متوسط أمطار إحدى المناطق باستخدام خطوط لمطر المتساوي متوسط أمطار المنطقة 2350/420=5.6سم شكل "64" طريقة خطوط المطر المتساوي   1 نعمان شحاتة – مرجع سبق ذكره –ص85-87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 نظم المطر Rainfall regimes: المقصود بنظام المطر هو كمية توزيعه على أشهر وفصول السنة. وهو يتضمن بالضرورة معرفة معدلاته السنوية والشهرية والعوامل التي لها دخل في سقوطه وغزارته وأنواعه وأشكاله ومدى انتظامه أو تذبذبه. وقبل أن نستعرض أهم نظم المطر في العالم يحسن أن نلقي نظرة عامة على التوزيع الفصلي العام للأمطار على سطح اليابس كما هو موضح في الخريطة المبسطة شكل "65" وفيها يتضح أن الأقاليم الممطرة تنقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي: 1- أقاليم ممطرة طول العام: وتوجد عمومًا على امتداد خط الاستواء، وفي المناطق المطلة على المحيطات في شرق القارات وخصوصًا في الجزر والمناطق الساحلية في العروض المدارية وغرب أوروبا وعلى السواحل الشمالية الغربية لأمريكا الشمالية والجنوبية الغربية لأمريكا الجنوبية، وفي جزر نيوزيلندة شكل "65" التوزيع الفصلي للأمطار على سطح الكرة الأرضية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 2- أقاليم ممطرة صيفًا: وتوجد عمومًا إلى الشمال وإلى الجنوب من الأقاليم الممطرة طول العام حول خط الاستواء، والأقاليم التي تهب عليها الرياح الموسمية الممطرة صيفًا والموسمية الجافة وأهمها الهند ومعظم شرق آسيا والحبشة وشمال أستراليا والأقاليم الداخلية المعتدلة في شرق أوروبا وغرب آسيا ووسط أمريكا الشمالية. 3- أقاليم ممطرة شتاء: وهي موجودة في غرب القارات بين خطي عرض 30 ْ، 40 ْفي نصفي الكرة، وأكبرها هو إقليم حوض البحر المتوسط في العالم القديم، وإلى جانبه توجد أشرطة ساحلية في غرب أمريكا الشمالية "كاليفورنيا" وفي غرب أمريكا الجنوبية "شيلي" وفي الطرف الجنوبي الغربي لإفريقيا والطرف الجنوبي الغربي لأستراليا "وسنعود لذكر هذه المناطق عند الكلام على نظام البحر المتوسط وهو النظام المعروف لهذه الأقاليم". ولكن على الرغم من تمييزنا لهذه الأنواع الثلاثة من الأقاليم الممطرة فيجب ألا نتصور أن هناك حدودًا واضحة بين بعضها وبعض أو بين بعضها والمناطق الصحراوية المجاروة لها؛ لأن أقاليم المطر، بل الأقاليم المناخية عمومًا، تتداخل في بعضها بشكل تدريجي في أغلب الأحيان، بحيث تظهر بين بعضها وبعض أقاليم انتقالية يصعب ضمها إلى أي منها، ففيما بين الأقاليم الممطرة طول العام والأقاليم التي يسقط مطرها شتاء أو الممطرة صيفًا توجد أقاليم يسقط مطرها في فصلين أو أكثر. وفيما بين الأقاليم الممطرة والأقاليم الصحراوية توجد أقاليم متوسطة قد يكون بعضها أقرب إلى الأولى وبعضها الآخر أقرب إلى الثانية، بل كثيرًا ما نجد بين الأقاليم التي تنتمي إلى نظام واحد اختلافات جوهرية في كمية المطر أو توزيعه على الأشهر أو نوعيته وعوامل سقوطه. وذلك بسبب اختلاف الظروف المحلية التي لها دخل في سقوط المطر أو في توزيعه الزماني أو المكاني وأهمها الموقع والتضاريس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 وفيما يلي عرض موجز لأهم نظم المطر في العالم "شكل 66" وهي: 1- النظام الاستوائي: ويظهر في الأقاليم الواقعة حول خط الاستواء ويمتاز بأن أمطاره تسقط بغزارة طول السنة، إلا أن لها قمتين تتفقان مع فصلي الربيع والخريف، وهما الفصلان اللذان تكون الشمس فيهما متعامدة على خط الاستواء، ويمكننا أن نلاحظ وجود هاتين القمتين بوضوح إذا راجعنا أرقام بلدة أكاسا في غرب إفريقيا والمنحنى البياني الذي يوضحها، ويتراوح المعدل السنوي للمطر في معظم مناطقه بين 150 و250 سنتيمترًا. 2- النظام شبه الاستوائي "أو دون الاستوائي": ويظهر ما بين خطي عرض 5 ْو8 ْتقريبًا في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي، وأمطاره أقل نوعًا ما من أمطار النظام الاستوائي، كما أنه يتميز عنه بظاهرتين هما: أ- جفاف فصل الشتاء تقريبًا. ب- اقتراب قمتي المطر بحيث تظهر إحداهما في أوائل فصل الصيف والثانية في أواخره، ويزداد تقارب قمتي المطر كلما بعدنا عن خط الاستواء نتيجة لتناقص طول المدة التي تفصل بين مرتي تعامد الشمس على العروض الواقعة بين المدارين، ويتراوح المعدل السنوي لأمطار هذا النظام بين 100 و150 سنتيمترًا، وتمثله بلدة منجلا في جنوب السودان. 3- النظام المداري القاري "أو السوداني": وأهم ما يتميز به سقوط الأمطار كلها تقريبًا في فصل الصيف، وهو يظهر على جانبي النظام دون الاستوائي حتى خط عرض 18 ْتقريبًا في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي، وفيه تختفي قمتا المطر اللتان لاحظنا وجودهما في النطاقين السابقين وتحل محلهما قمة واحدة في منتصف فصل الصيف، ويتمثل هذا النظام بصفة خاصة في بلاد السودان، ويتراوح المعدل السنوي لأمطاره بين 40 و100 سنتيمتر وتمثله بلدة الدويم على النيل الأبيض في السودان. ويلاحظ أن أمطار النظم الثلاثة السابقة كلها تقريبًا من نوع أمطار التيارات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 شكل "66" أهم نظم المطر في العالم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 الصاعدة، التي تنشأ نتيجة لسخونة الهواء القريب من سطح الأرض وارتفاعه إلى أعلى، ولذلك فإن قمتها تتفق غالبًا مع وقت تعامد الشمس. 4- النظام المداري البحري "أو نظام موزمبيق": ويظهر على بعض السواحل الشرقية للقارات إلى الجنوب من النطاق الاستوائي وتسقط أمطاره طول العام ففي فصل الصيف تدخل هذه السواحل في نطاق الضغط المنخفض الاستوائي وتسقط عليها الأمطار بسبب التيارات الصاعدة، أما في فصل الشتاء فإنها تدخل في نطاق الرياح التجارية الجنوبية الشرقية بسبب تزحزح نطاق الضغط المنخفض الاستوائي نحو الشمال. ونظرًا لأن هذه الرياح تهب من ناحية بحار دافئة فإنها تؤدي إلى سقوط كميات كبيرة من الأمطار، وهو يتمثل بصفة خاصة على سواحل موزمبيق وسواحل جنوب شرق البرازيل والأرجنتين وجنوب شرق الولايات المتحدة ويتراوح المعدل السنوي لأمطاره بين 100 و200 سنتيمتر. 5- النظام الموسمي: وهو يشبه النظام السوداني في أن أمطاره تسقط صيفًا، ولكن الأمطار الموسمية تكون غالبًا أشد غزارة من أمطار النظام السوداني وسببها غالبًا هو الرياح الموسمية الصيفية التي تهب من المحيطات نحو اليابس، خصوصًا نحو الأجزاء الشرقية والجنوبية الشرقية من القارات، ويظهر هذا النظام في مناطق واسعة في جنوب شرق وشرق آسيا، وكذلك في جنوب شرق الولايات المتحدة، وتمثله مدينة بمباي في الهند، وتتباين معدلات أمطاره تباينًا كبيرًا من مكان إلى آخر، ولكنها تتراوح عمومًا بين 150 و300 سنتيمتر في السنة. 6- نظام البحر المتوسط: وفيه تسقط كل الأمطار أو معظمها في فصل الشتاء، وهو يظهر على السواحل الغربية للقارات ما بين خطي عرض 30 ْو40 ْتقريبًا وتسقط أمطاره بسبب الرياح الغربية والمنخفضات الجوية التي تكثر في نطاقها، وأكبر منطقة يظهر فيها هي حوض البحر المتوسط والبلاد المحيطة به في جنوب أوروبا وشمال إفريقية وغرب آسيا وهذا هو السبب في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 تسميته بنظام البحر المتوسط، وتمثله بلدة أزمير في تركيا، ويتراوح المعدل السنوي لأمطاره بين 50 و150 سنتيمترًا. 7- نظام السواحل الشرقية المعتدلة: ويظهر في نفس العروض التي يظهر فيها نظام البحر المتوسط ولكن على السواحل الشرقية للقارات، وتسقط أمطاره طول السنة تقريبًا، ففي فصل الصيف تسقط الأمطار بسبب الرياح الموسمية أو الرياح التجارية التي تهب على هذه السواحل من ناحية البحر، أما في فصل الشتاء فتسقط بسبب المنخفضات الجوية التي تأتي من ناحية الغرب عندما تدخل هذه السواحل في نطاق الرياح الغربية، بسبب تزحزح نطاقات الضغط العامة نحو خط الاستواء، ولكن الأمطار الصيفية تكون أغزر بكثير من أمطار الشتاء. ويوجد هذا النظام بصفة خاصة في إقليم ناتال بجنوب شرق إفريقية وفي جنوب ووسط الصين، وتمثله مدينة تشو نكنج "Chung King" وهو الذي يطلق عليه أحيانًا اسم النظام الصيني. ويتراوح المعدل السنوي لأمطاره بين 100 و200 سنتيمتر. 8- نظام غرب أوروبا: ويوجد على السواحل الغربية للقارات إلى الشمال من نظام البحر المتوسط في نصف الكرة الشمالي وإلى الجنوب منه في نصفها الجنوبي، وتسقط أمطاره طول السنة بسبب المنخفضات الجوية والرياح الغربية التي تهب على هذه السواحل من ناحية البحر، وتزداد الأمطار بصفة خاصة في فصلي الشتاء والخريف اللذين تكثر فيهما المنخفضات، وأكبر منطقة يتمثل فيها هذا النظام هي السواحل الغربية لأوروبا، وهذا هو السبب في تسميته باسمها، وتمثله مدينة فالنسيا على الساحل الغربي لأيرلندة، ويتراوح المعدل السنوي لأمطاره بين 100 و250 سنتيمترًا. 9- النظام القاري في العروض المعتدلة: ويوجد في الأجزاء الداخلية من القارات في نطاق الرياح الغربية، وتسقط معظم أمطاره في فصلي الصيف والربيع لأن اليابس يكون وقتئذ مركزًا لضغط منخفض، ولهذا فإن الرياح الغربية والمنخفضات الجوية تستطيع أن تتوغل كثيرًا في اليابس، وتسقط بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 أمطار هذا النظام أيضًا بسبب التيارات الصاعدة التي تنشط في فصلي الصيف والربيع نتيجة لاشتداد حرارة اليابس، وهو يظهر في مساحات واسعة في وسط وشرق أوروبا، وفي السهول الوسطى لأمريكا الشمالية، وتمثله مدينة كييف في أوكرانيا، وتتراوح معدلات أمطاره السنوية بين 50 و120 سنتيمترًا. النظام الصحراوي: وأمطاره قليلة جدًّا بحيث لا تكفي لقيام حياة نباتية ذات قيمة تذكر، والواقع أن المطر الصحراوي ليس له نظام واضح لا في كميته ولا في توزيعه الزمني أو المكاني، فقد ينقطع سقوطه لبضع سنوات ثم يعود فينهمر فجأة بغزارة متناهية يترتب عليها جرف التربة وقطع الطرق وغرق القرى والواحات، وهو عادة من مطر التصعيد الذي تأتي به عواصف رعد شديدة، ومع ذلك فإن أمطار بعض الصحاري الواقعة على أطراف الأقاليم الممطرة تكون منتظمة نوعًا ما، ويكون موسم سقوطها هو نفس موسم سقوطها في المناطق الممطرة، ففي الأطراف الشمالية للصحراء الكبرى مثلًا يكون الموسم الرئيسي للمطر هو فصل الشتاء تبعًا لموسم سقوطه في حوض البحر المتوسط، بينما يكون الموسم في الأطراف الجنوبية هو فصل الصيف تبعًا لموسم سقوطه في نطاق السفانا، ولا تزيد أمطار المناخ الصحراوي عمومًا على 25 سم وحيثما تكفي الأمطار لنمو حشائش تصلح كمراع فقيرة يمكن أن يوصف المناخ بأنه شبه صحراوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 توزيع الأمطار على سطح اليابس مدخل ... توزيع الأمطار على سطح اليابس تبين الخريطة شكل "67" توزيع المعدلات السنوية للأمطار في العالم، ويمكننا بمجرد النظر إليها أن ندرك أن الأمطار لا تخضع في توزيعها على سطح الأرض لعامل واحد، وبل إنها تتأثر بعوامل كثيرة أهمها: 1- وجود المسطحات المائية، فالمناطق التي تحيط بها بحار واسعة تكون في العادة أكثر مطرًا من المناطق البعيدة عن البحار، ويرجع ذلك إلى أن الهواء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 شكل "67" توزيع المعدلات السنوية للأمطار في العالم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 في المناطق الأولى يكون أكثر رطوبة من الهواء في المناطق الثانية، وذلك على فرض تساويهما في درجة الحرارة ونظام التضاريس. 2- ارتفاع درجة الحرارة فهذا الارتفاع يساعد على نشاط عملية التبخر وازدياد الرطوبة في الهواء، فضلا عن أنه يساعد على نشاط حركة التيارات الصاعدة. 3- مظاهر التضاريس، فالمناطق الجبلية تكون عادة أكثر مطرًا من السهول، وتكون المنحدرات المواجهة لهبوب الرياح دائمًا أغزر مطرًا من المنحدرات الأخرى. وكثيرًا ما يؤدي وجود سلاسل جبلية مرتفعة إلى ظهور مناطق صحراوية في السهول المجاورة لها. 4- اتجاه الرياح ونوع الهواء الذي تأتي به، فالرياح التي تهب من ناحية البحر تساعد على سقوط الأمطار، على العكس من الرياح التي تهب من ناحية اليابس، والرياح التي تهب من بحار دافئة أو تمر على تيارات بحرية حارة تكون أكثر مطرًا من الرياح التي تهب من بحار باردة أو تمر على تيارات مائية باردة. 5- المنخفضات الجوية والأعاصير: فهي كما رأينا في الفصول السابقة تعتبر من العوامل المهمة التي تساعد على كثرة الأمطار في البلاد التي تتعرض لها. وهذا هو ملخص العوامل التي تتدخل في توزيع الأمطار، ويلاحظ مع ذلك أنه لا توجد حدود واضحة تفصل بين تأثير كل عامل من هذه العوامل وتأثير العوامل الأخرى، خصوصًا وأن كثرة الأمطار أو قلتها في أي إقليم من الأقاليم تكون غالبًا راجعة إلى عدة عوامل تعمل جنبًا إلى جنب وليس إلى عامل واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 النطاقات العامة للمطر : يقسم سطح اليابس على أساس الأمطار إلى عدة نطاقات كبرى يشمل كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 منها عددًا من الأقاليم الموزعة في القارات المختلفة, ويتميز كل نطاق من هذه النطاقات ببعض الصفات العامة المتعلقة بنظام سقوط الأمطار وكميتها، والعوامل التي تسببها وتتحكم في توزيعها، وكثيرًا ما يحدث مع أن تختلف الأقاليم التي يضمها النطاق الواحد بعضها عن بعض، على حسب الظروف المحلية الخاصة بكل منها وفيما يلي وصف مختصر للظروف السائدة في نطاقات المطر الرئيسية في العالم وهي: أولًا- النطاق الاستوائي: ثانيًا- نطاق الرياح التجارية. ثالثًا- نطاق الرياح الموسمية "المدارية". رابعًا- نطاق الرياح الغربية ويشمل: 1- غرب القارات المعتدل الدافئ، كما يمثله حوض البحر المتوسط. 2– غرب القارات المعتدل البارد، كما يمثله غرب أوروبا. 3– الأقاليم القارية المعتدلة في داخل اليابس. 4– الأقاليم المعتدلة في شرق القارات. أولًا- النطاق الاستوائي: يشمل هذا النطاق الأقاليم الواقعة حول خط الاستواء حيث توجد مناطق الركود الاستوائي، ويتميز بغزارة أمطاره التي يبلغ معدلها السنوي حوالي 150 سنتيمترًا أو أكثر، وهي غالبًا من نوع أمطار التصعيد، وتتبع في سقوطها نظامًا يوميًّا مألوفًا، فهي تسقط كل يوم تقريبًا بعد الظهر ويكون سقوطها بغزار ة شديدة بسبب ارتفاع درجة حرارة الهواء ومقدرته على حمل كميات عظيمة من بخار الماء، وكثيرًا ما تصاحبها عواصف رعد شديدة. وهذا النظام اليومي للأمطار ليس إلا نتيجة للنظام اليومي لدرجة الحرارة فقبل شروق الشمس مباشرة يظهر الضباب الذي يتكون بسبب برودة سطح الأرض نسبيًّا في أثناء الليل، إلا أن هذا الضباب لا يلبث أن ينقشع بعد شروق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 الشمس بقليل، وتأخذ درجة الحرارة في الارتفاع بسرعة ويتبع ذلك نشاط مستمر في التيارات الهوائية الصاعدة، وحوالي الظهر يكون هذا النشاط قد بلغ أشده، فتحتجب السماء بكتل عظيمة السمك من سحب المزن الركامي، ويظهر البرق والرعد وتتدفق الأمطار بغزارة شديدة، وتستمر على ذلك حتى قرب غروب الشمس ثم يصفو الجو من جديد ويستمر على ذلك حتى الصباح التالي، وهكذا. إلا أن النظام قد يتغير في بعض المناطق تبعًا لظروف محلية خاصة، ففي غرب إفريقية ووسطها مثلًا تظهر بعض الأعاصير المدارية التي يطلق عليها هنا اسم الترنادو1 وهي تنشأ عند التقاء رياح الهارماتان الجافة التي تهب من الصحراء الكبرى بالرياح الجنوبية الغربية الرطبة، التي كانت في الأصل رياحًا تجارية جنوبية شرقية ثم انحرفت نحو الشرق بعد عبورها خط الاستواء، ويمكن أن تظهر هذه الأعاصير في أي ساعة من ساعات اليوم سواء في أثناء الليل أو في أثناء النهار ويؤدي ظهورها إلى تدفق الأمطار بغزارة متناهية، ولكنها لا تدوم غالبًا إلا لفترة قصيرة قد لا تزيد على ربع ساعة. ويتميز كل إقليم من الأقاليم التي تدخل في النطاق الاستوائي بظروف خاصة يختلف بها عن غيره من الأقاليم, وتلعب التضاريس ونظام هبوب الرياح دورًا مهمًّا في توزيع الأمطار، فيه تكثر بصفة خاصة على منحدرات الجبال وعلى السواحل التي تواجه الرياح مباشرة، ففي إفريقية مثلًا يزيد معدل ما يسقط سنويًّا فوق المنحدرات الغربية لجبال الكاميرون على عشرة أمتار، وذلك لأن الرياح الجنوبية الغربية المحملة بالرطوبة تهب عمودية عليها طول السنة تقريبًا، أما حوض الكونغو فلا يزيد المعدل السنوي للمطر في معظم أجزائه على 150 سنتيمترًا، وذلك بسبب انخفاضه بالنسبة للأقاليم المرتفعة التي تحيط به من جميع الجهات تقريبًا؛ إذ إن هذه الأقاليم تحول دون وصول الرياح الممطرة إليه. وأمطار هذا الحوض موزعة بانتطام على جميع أشهر السنة ولكنها تزداد نوعًا   1 هذا الترنادو يختلف عن الترنادو الذي يظهر في الأقاليم المعتدلة الذي سبق وصفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 ما في فصلي تعامد الشمس؛ لأنها كلها تقريبًا من أمطار التصعيد التي تزداد بازدياد درجة الحرارة. ومما يستلفت النظر أيضًا، أننا نجد في نفس هذا النطاق منطقة شبه صحراوية تشغل معظم الصومال في شرق القارة، ففي أغلب أجزاء هذه المنطقة لا يزيد معدل المطر السنوي على 75 سنتيمترًا، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل أهمها: 1- أن الرياح التجارية الشمالية الشرقية التي تهب عليها شتاء تكون جافة بصفة عامة لأنها تأتي من آسيا. 2- أن الرياح الجنوبية الغربية التي تهب عليها في فصل الصيف يكون أغلبها موازيًا للساحل. 3- انخفاض سطح المنطقة وشدة حرارتها مما يؤدي إلى انخفاض الرطوبة النسبية للهواء الذي يصل إليها. 4- وقوعها في منطقة ظل المطر بالنسبة لهضبة البحيرات التي تقف في طريق أي رياح ممطرة قد تصل إليها من ناحية الغرب. وفي داخل نفس هذا النطاق توجد هضبة البحيرات، وهي على الرغم من كونها أكثر مطرًا من الصومال فإن مطرها يقل بنحو 50 سم عن مطر حوض الكونغو حيث يبلغ معدله حوالي 100 سم. وسبب ذلك هو أن ارتفاعها يؤدي إلى انخفاض درجة حرارتها وضعف تياراتها الصاعدة بالنسبة لهما في حوض الكونغو. وإذا انتقلنا إلى أمريكا الجنوبية نستطيع أن نميز في المنطقة الاستوائية أربعة أقسام: 1- الساحل الممتد من جنوب مصب الأمزون نحو الشمال حتى مصب الأورينوكو، وهنا تهب الرياح التجارية الشمالية الشرقية عمودية على الساحل طول السنة تقريبًا، مما يؤدي إلى غزارة الأمطار، التي يتراوح معدلها السنوي ما بين 200 و250سم. 2- منحدرات جبال الإنديز المشرفة على حوض الأمزون، من ناحية الغرب، ويزيد معدل أمطارها على 250 سنتيمترًا؛ لأن الرياح التجارية التي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 تهب من الشرق كل أمطارها عندما تصادفها. 3- سهول الأمزون بين القسمين السابقين، ومعدل أمطارها أقل نسبيًّا منهما ويتراوح معدلها السنوي بين 150 و200 سم. 4- الهضاب المحصورة بين سلاسل الإنديز، وهذه رغم أن ارتفاعها يصل إلى 2800 متر أو أكثر في بعض المواضع فإن أمطارها قليلة نسبيًّا؛ لأن الجبال التي تحيط بها من جميع الجهات تحول دون وصول الرياح الممطرة إليها، سواء من الشرق أو من الغرب، ويتراوح المعدل السنوي هنا ما بين 100 و125 سنتيمترًا. وتعتبر جزر إندونيسيا من أهم الأقاليم التي يضمها هذا النطاق، ولكن نظرًا لوقوعها بين آسيا في الشمال وأستراليا في الجنوب، فإنها تتأثر بالرياح الموسمية الصيفية والشتوية على حد سواء، وتكون كل منهما سببًا في سقوط أمطار غزيرة لأنها تمر على مساحات واسعة من المياه الدافئة، ويزيد معدل ما يسقط من الأمطار في هذه الجزر بصفة عامة على 250 سنتيمترًا في السنة. إلا أن الفصل الذي يبلغ فيه قمتها يختلف باختلاف الموقع بالنسبة لاتجاه الرياح الممطرة، ففي جاكارتا "بتافيا" مثلًا وهي على الساحل الشمالي لجزيرة جاوة تبلغ الأمطار قمتها في يناير وفبراير عندما يشتد هبوب الرياح الموسمية الشمالية الغربية، أما على الساحل الجنوبي للجزيرة فتبلغ الأمطار قمتها في يونيو ويوليو، عندما يشتد هبوب الرياح التجارية الشرقية. ثانيًا- نطاق الرياح التجارية: نظرًا لأن الأقاليم التي تنتقل إليها الرياح التجارية تكون على وجه الإجمال أشد حرارة من الأقاليم التي تهب منها فإنها تبدو منخفضة الرطوبة نسبيًّا، على الرغم من أنها تكون أحيانًا محملة بكميات عظمية من بخار الماء، ومع ذلك فإنها إذا صادفت أرضًا جبلية مرتفعة فإن هذا البخار يتكثف ويسقط على شكل مطر يكون شديد الغزارة في كثير من الأحيان، ويظهر ذلك حتى في المناطق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 الصحراوية التي توجد بها سلاسل جبلية أو هضاب مرتفعة تعترض طريق الرياح، فقد تسقط في هذه الحالة كمية من المطر تكفي لتكوين مجار نهرية صغيرة أو كبيرة على حسب الكمية الساقطة، ومثال ذلك المجاري التي توجد حول مرتفعات تيسبتي في الصحراء الكبرى حيث إن الرياح التجارية تسقط على هذه الجبال بعض الأمطار التي كانت سببًا في قيام بعض الواحات حولها. وعند دارسة الأمطار في نطاق الرياح التجارية "باستثناء الأقاليم التي لها نظام موسمي" يجب أن نميز بين السواحل الشرقية والسواحل الغربية للقارات، ثم بين كل من هذه السواحل والمناطق التي تقع في الداخل بعيدًا عن البحر، فالسواحل الشرقية تكون غالبًا أكثر مطرًا من السواحل الغربية أو المناطق الداخلية، وذلك لأن الرياح التجارية تهب عليها بعد مرورها على مساحات واسعة من المياه الدافئة ولذلك فإنها تكون سببًا في سقوط أمطار غزيرة طول السنة تقريبًا، ولكنها تزداد بصفة خاصة في فصل الصيف لأن اليابس يكون في هذا الفصل مركزًا لضغط منخفض تندفع نحوه الرياح التجارية بقوة، وتكون لها صفات الرياح الموسمية، أما في فصل الشتاء فيحدث العكس حيث تتكون على اليابس مناطق من الضغط المرتفع فلا تستطيع الرياح التجارية أن تتوغل في داخله، وتكون غالبًا أقل أمطارًا منها في فصل الصيف، وكلما اتجهنا نحو الغرب أخذت كمية الأمطار في التناقص حتى نصل في النهاية إلى مناطق صحراوية جافة، وهذا هو السبب في أغلب الصحاري المدارية في العالم تقع في غرب القارات من أشهرها الصحراء الكبرى في شمال إفريقية وامتدادها في غرب آسيا وصحراء كلهاري ونامبيا في جنوب غرب إفريقية وصحراء أتكاما في شيلي، وصحاري وسط أستراليا وغربها. ففي جنوب إفريقية مثلًا نلاحظ أن الرياح التجارية الجنوبية الشرقية تهب طول السنة على سواحلها الشرقية الممتدة إلى الجنوب من خط الاستواء حتى شمال نلتلل تقريبًا، ونظرًا لأن هذه الرياح تمر قبل وصولها إلى الساحل على مساحات واسعة من الماء وبالأخص على مياه تيار موزمبيق الحار فإنها تكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 محملة بكميات كبيرة من بخار الماء، وتكون سببًا في سقوط أمطار غزيرة على الساحل الشرقي وعلى المنحدرات المواجهة له من الهضبة، أما الساحل الغربي والأراضي المتاخمة له فإنها تكون واقعة في منطق ظل المطر، ولهذا السبب ظهرت صحراء كلهاري ونامبيا في غرب القارة، أما الأمطار التي تسقط إلى الشمال من هذه الصحاري فكلها تقريبًا من نوع أمطار التصعيد التي تكثر في النطاق الاستوائي. ويلاحظ أن الرياح التجارية لا تسقط أمطارًا تذكر على المحيطات إلا إذا صادفت جزرًا سطحها جبلي، ومن الطبيعي أن تكون الأمطار على المنحدرات المواجهة لهبوب الرياح أغزر بكثير منها على المنحدرات الأخرى، فجزيرة جاميكا مثلًا تخترقها سلسلة جبلية تمتد من الشرق إلى الغرب، ويصل ارتفاعها إلى أكثر من 2000 متر، ولهذا فبينما يبلغ المعدل السنوي للمطر في بورت انتونيو "port Antonio" الواقعة على الساحل الشمالي المواجه لهبوب الرياح التجارية الشمالية الشرقية 350 سنتيمترًا فإنه يبلغ 100 سنتيمتر في كنجستون "Kingston" على الساحل الجنوبي. أما الجزر السهلية فتكون عادة أقل مطرًا من الجزر ذات السطح الجبلي، ففي جزر بهاما مثلًا لا يزيد معدل المطر السنوي عن 125 سنتيمترًا، وقد ينخفض أحيانًا إلى أقل من 75 سنتيمترًا، وهذه حقيقة لها أهميتها لأن الجزر السهلية، على الرغم من أنها من أصلح الجزر للزراعة، إلا أن قلة أمطارها تعتبر أحيانًا من المشكلات التي تعترض زراعة كثير من الغلات. ثالثًا- نطاق الرياح الموسمية "المدارية": سبق أن ميزنا في فصل سابق بين الرياح الموسمية الصيفية والرياح الموسمية الشتوية، وذكرنا أن الأولى دافئة رطبة أما الثانية فباردة جافة، ولذلك فإن الأمطار الموسمية تسقط في جملتها في فصل الصيف، ففي بمباي مثلًا نجد أن معدل ما يسقط من المطر في الأربعة أشهر التي أولها يونيو وآخرها سبتمبر هو 172 سنتيمترًا وذلك من المعدل السنوي وقدره 183 سنتيمترًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وقد يختلف نظام الرياح الموسمية وتوزيعها اختلافًا كبيرًا من منطقة إلى أخرى على حسب الظروف المحلية الخاصة بالمواقع ونظام التضاريس، ففي جزيرة سيلان مثلًا لا يقتصر سقوط الأمطار على فصل الصيف عند هبوب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية؛ إذ إنها تسقط كذلك في فصل الشتاء؛ لأن الرياح الموسمية التي تهب على الجزيرة في هذا الفصل من الشمال الشرقي تمر قبل وصولها إليها على خليج بنغال فتحمل مقادير كبيرة نسبيًّا من بخار الماء، وتكون سببًا في سقوط بعض الأمطار على الأجزاء الشرقية منها، خصوصًا على منحدرات الجبال التي تواجهها مباشرة، ومثل هذا يقال أيضًا على جزر اليابان، وساحل أنام في الهند الصينية، وجزر الفلبين، وجزيرة فورموزا؛ إذ إن الرياح الموسمية الشتوية الخارجة من القارة لا تصل إلى هذه المناطق إلا بعد مرورها على بحر اليابان أو بحر الصين، ولهذا فإن الأمطار في كل هذه المناطق تسقط طول العام تقريبًا، ولكنها تكون غزيرة بصفة خاصة على السواحل والمنحدرات الغربية في فصل الشتاء، وعلى السواحل والمنحدرات الشرقية في فصل الصيف تبعًا لاختلاف اتجاه الرياح، ويلاحظ كذلك أن بعض الأقاليم الموسمية تتعرض في فصل الشتاء لمرور كثير من المنخفضات الجوية التي يترتب عليها سقوط الأمطار في هذا الفصل، وتعتبر الصين من أحسن الأمثلة لهذا النوع من الأقاليم. وتتميز الأقاليم الموسمية عمومًا بأنها من أكثر أقاليم العالم تعرضًا لحدوث تغيرات واضحة في كمية الأمطار، بل وفي طول الفصل الممطر من سنة إلى أخرى، فقد يحدث أن تؤدي قلة الأمطار في بعض السنين إلى هبوط شديد في المحصولات الزراعية، فيسود الجدب والقحط كما يحدث كثيرًا في الهند والصين، وفي سنين أخرى تشتد غزارة الأمطار بدرجة يترتب عليها حدوث فيضانات غاية في الخطورة كما حدوث مثلًا في الصين في سنة 1931، عندما فاض نهر اليانجسنتي وغرق بسببه ما لا يقل عن أربعة ملايين من المساكن ومئات الألوف من السكان، وانتشرت بسببه المجاعات وتفشت الأوبئة، وتشتهر بنجلاديش بالذات بكثرة تعرضها لمثل هذه الفيضانات الخطيرة، وأقربها إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 الذهن هو فيضان أغسطس سنة 1974 الذي قتل بسببه أكثر من ألفي شخص. ويدخل في هذا النطاق الموسمي كذلك القسم الجنوبي الشرقي من الولايات المتحدة، وتسقط الأمطار هنا طول السنة، فهي تسقط في فصل الصيف نتيجة للرياح الموسمية، وتبلغ قمتها في شهري يوليو وأغسطس أما في فصل الشتاء فإنها تسقط بسبب المنخفضات الجوية، وتعتبر الأعاصير المدارية كذلك، وهي تشتهر في الولايات المتحدة باسم الهاريكين "Hurricane" من العوامل التي تساعد على كثرة الأمطار في أواخر فصل الصيف، وهو الموسم الذي تكثر فيه هذه الأعاصير. رابعًا- نطاق الرياح الغربية: تختلف الرياح الغربية عن الرياح التجارية في أنها تنتقل إلى مناطق أقل حرارة من المناطق التي تأتي منها، ولذلك فإن الرطوبة النسبية بها تبدو مرتفعة بصفة عامة، ويشتهر نطاق الرياح الغربية بكثرة حدوث المنخفضات الجوية، التي تتكون نتيجة لالتقاء الكتل الهوائية الحارة التي تأتي من ناحية المدارين بالكتل الهوائية الباردة التي تأتي من ناحية القطبين، وقد ترتب على عظم اتساع اليابس في نصف الكرة الشمالي في هذا النطاق أن ظهرت فوارق كبيرة بين المناطق الواقعة في شرق القارات والمناطق الواقعة في غربها، ثم يبن كل من هذه المناطق والأجزاء الداخلية الواقعة في قلب اليابس، أما المناطق الواقعة في شرق القارات فيدخل معظمها في النطاق الموسمي الذي سبق الكلام عليه، ولن نحاول التعرض لها هنا مرة أخرى. 1- غرب القارات المعتدل الدافئ "البحر المتوسط": يضم هذا الإقليم جميع الأراضي المحيطة بالبحر المتوسط في العالم القديم، وكذلك بعض الجهات التي تشابهها في القارات الأخرى، ومن أهمها كاليفورنيا ووسط شيلي وجنوب غرب ولاية الكاب بإفريقية، ثم الركن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 الجنوبي الغربي لأستراليا، وتسقط أمطار هذا الإقليم في فصل الشتاء بسبب الرياح الغربية والمنخفضات الجوية التي تكثر في نطاقها، أما في فصل الصيف فإن هذه الإقليم يدخل في نطاق الرياح التجارية بسبب تزحزح مناطق الضغط والرياح العامة نحو الشمال. ونظرًا لأن هذه الرياح تمر على مساحات واسعة من اليابس قبل وصولها إلى السواحل الغربية فإنها تكون غالبًا عديمة الأمطار. ويلعب الموقع ونظام التضاريس دورًا مهمًا في توزيع الأمطار على الأجزاء المختلفة من حوض البحر المتوسط، فهي تكثر بصفة خاصة على المنحدرات الغربية للجبال، كما هي الحال على منحدرات جبال الألب الدينارية المطلة على البحر الإدرياتي، حيث يزيد المعدل السنوي للأمطار على 250 سنتيمترًا. وتزداد أمطار حوض البحر المتوسط كما يزداد طول الفصل المطير بصفة عامة كلما اتجهنا غربًا، وهذا أمر طبيعي لأن الرياح الممطرة والمنخفضات الجوية تأتي عادة من ناحية الغرب، فبينما يبلغ المعدل السنوي للأمطار في جبل طارق حوالي 90 سنتمترًا نجد أنه حوالي 40 سنتيمترًا فقط في أثينا؛ وتقل الأمطار كذلك كلما اتجهنا نحو خط الاستواء لأننا نقترب في هذه الحالة من الصحاري المدارية الحارة، فبينما يبلغ المعدل السنوي في روما حوالي 83 سنتيمترًا، نجد أنه في الإسكندرية 20 سنتيمترًا فقط. 2- غرب القارات المعتدل البارد "غرب أوروبا": تتميز هذه المناطق عمومًا بغزارة أمطارها التي تسقط طول السنة، وأكثر المناطق مطرًا هي السواحل التي تمتد على طولها سلاسل جبلية مرتفعة، كما هي الحال في شمال غرب أوروبا وفي جهات أخرى كثيرة، مثل الساحل الغربي للولايات المتحدة إلى الشمال من كاليفورنيا، وفي جنوب شيلي، والجزيرة الجنوبية من جزر نيوزيلندة، وقد يزيد معدل المطر السنوي في هذه الجهات على 250 سنتيمترًا. ويتوقف البعد الذي تصل إليه الأمطار داخل اليابس على نظام التضاريس، ففي أوروبا مثلًا لا يوجد نطاق جبلي متصل على طول الساحل فيما بين شمال إسبانيا وجنوب النرويج، وذلك فإن الرياح والأعاصير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 تستطيع التوغل في القارة إلى مسافات بعيدة نحو الشرق، ويختلف الحال عن ذلك في الأمريكتين، حيث تمتد سلاسل جبال روكي وجبال الإنديز المرتفعة على طول السواحل الغربية للقارتين، ولهذا فإن الأمطار التي تحملها الرياح أو المنخفضات الجوية من ناحية الغرب لا تستطيع أن تتوغل في اليابس إلا إلى مسافات قصيرة جدًّا، فخط المطر السنوي50 سنتيمترًا مثلًا يقع على بعد 300 كيلو متر فقط من الساحل، في حين أنه يمتد في أوروبا حتى يصل إلى موسكو وكييف وبوخارست في الداخل، أي إلى مسافة تزيد على 1600 كيلو متر من المحيط الأطلسي. ويسقط على هذه السواحل نوعان من الأمطار، الأول هو أمطار التضاريس التي تسقط طول العام على منحدرات الجبال بسبب الرياح الغربية التي تكون محملة ببخار الماء بسبب مرورها فوق مياه التيارات البحرية الدافئة، التي من أشهرها تيار الخليج من المحيط الأطلسي الشمالي وتيار كوروسيفو في المحيط الهادي الشمالي، والثاني هو الأمطار الإعصارية، التي تسقط بسبب المنخفضات الجوية التي تكثر بصفة خاصة في فصلي الشتاء والخريف، وهذا هو السبب في زيادة الأمطار في هذين الفصلين عنها في الفصلين الآخرين من السنة. 3- الأقاليم القارية المعتدلة داخل اليابس: كلما ابتعدنا عن السواحل الغربية نحو الشرق يأخذ النظام القاري في الظهور، وفيه تسقط معظم الأمطار أو كلها في نصف السنة الصيفي، ويكون الانتقال من النظام البحري على السواحل الغربية إلى النظام القاري سريعًا أو تدريجيًّا على حسب التضاريس السائدة، ففي إنجلترا مثلًا رغم صغرها نلاحظ أن النظام القاري يظهر في سهولها الجنوبية الشرقية؛ لأن معظم الأمطار التي تأتي من ناحية الغرب تسقط على مرتفعات ويلز. وكذلك على القارة الأوروبية نفسها تأخذ كمية الأمطار كما يأخذ طول الفصل الممطر في التناقص كلما اتجهنا شرقًا، حتى نصل إلى مناطق لا تسقط فيها إلا كميات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 قليلة من الأمطار في فصل الصيف، كما هي الحال في شرق أوروبا وغرب آسيا إلى الشمال والشرق من البحر الأسود، وأخيرًا نصل إلى الأقاليم الصحراوية التي تشغل مساحات واسعة في وسط آسيا. وتختلف أمطار المناطق القارية عن أمطار السواحل الغربية في أنها تسقط غالبًا في نصف السنة الصيفي، أما فصل الشتاء فيكون قليل الأمطار أو جافًّا تمامًا، والسبب في ذلك هو أن اليابس يكون في فصل الشتاء مركزًا لضغط مرتفع مما يحول دون توغل الرياح الغربية والمنخفضات الجوية كثيرًا نحو الشرق، أما في فصل الصيف فيكون الضغط الجوي منخفضًا على اليابس ولهذا فإن الرياح والمنخفضات الجوية تستطيع التوغل لمسافات بعيدة نحو الشرق. وثمة فرق آخر بين أمطار السواحل الغربية وأمطار المناطق القارية، هو أن الأولى كلها تقريبًا من نوع أمطار التضاريس وأمطار الجبهات. أما الثانية فإن نسبة كبيرة منها تكون من نوع أمطار التيارات الصاعدة، وذلك لأن هذه التيارات تنشط في فصل الصيف بسبب اشتداد حرارة سطح الأرض والهواء الملاصق له. ويظهر النظام القاري للأمطار في معظم سهول أوروبا الوسطى والشرقية والسهول الوسطى لكندا والولايات المتحدة بسبب ضيق اليابس، ومن أمثلة ذلك سهول أستراليا الوسطى وهضبة بتاجونيا في أمريكا الجنوبية وبعض الأجزاء الداخلية من جنوب هضبة إفريقية الجنوبية. 4- الأقاليم المعتدلة في شرق القارات: تعتبر هذه الأقاليم من أكثر أقاليم العالم مطرًا بسبب موقعها المشرف على المحيطات الكبرى ومرور تيارات مائية دافئة بجوار شواطئ معظمها، وهي تقع في نفس العروض التي تقع فيها أقاليم البحر المتوسط وغرب أوروبا. ولكن بينما تسقط أمطار البحر المتوسط وغرب أوروبا بسبب الرياح الغربية والمنخفضات الجوية التي تظهر في نطاقها، فإن الأمطار الصيفية تسقط في الأقاليم الشرقية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 بسبب الرياح الموسمية في شرق آسيا وشرق الولايات المتحدة وبسبب الرياح التجارية في الأرجنتين والطرف الجنوبي الشرقي لإفريقيا والطرف الجنوبي الشرقي لأستراليا، أما الأمطار الشتوية فيسقط أغلبها في هذه الأقاليم بسبب المنخفضات الجوية التي تتقدم نحوها من الغرب. وإلى جانب ذلك تسقط على بعض السواحل والجزر مثل جزر اليابان بعض الأمطار الشتوية بسبب الرياح الموسمية الشتوية التي تصلها بعد مرورها على مسطحات مائية. وعلى الرغم من أن هذه الأقاليم تشترك في أن أمطارها تسقط طول السنة، إلا أن لكل منها ظروفه المحلية الخاصة التي تتدخل في كمية المطر وتوزيعه على الأشهر، وتعتبر اليابان من أكثر هذه الأقاليم مطرًا في الصيف والشتاء بسبب امتدادها بين الشمال والجنوب وسطحها الجبلي ووجود بحر اليابان في غربها ومرور تيار اليابان بسواحلها، ولهذا فإن معدل المطر السنوي يزيد في معظم أجزائها على 150 سم "ناجاساكي 196سم" وفصل الصيف هو أكثر الفصول مطرًا أما أقلها فهو فصل الشتاء. أما في المناطق الأخرى في شمال الصين وكوريا ومنشوريا، فالأمطار أقل منها في اليابان كما أن الفرق بين أمطار الصيف وأمطار الشتاء أكبر منه في اليابان، وينطبق نفس الشيء تقريبًا على شرق الولايات المتحدة. ويلاحظ عمومًا أن الأقاليم المعتدلة الموسمية في شرق آسيا وشرق الولايات المتحدة أكثر أمطارًا من الأقاليم المعتدلة الأخرى في جنوب شرقي أمريكا الجنوبية وإفريقيا وأستراليا، وهي الأقاليم التي يسقط مطرها الصيفي بسبب الرياح التجارية؛ لأن اندفاع هذه الرياح نحو اليابس لا يكون قويًّا بسبب ضيق هذا اليابس وعدم اشتداد عمق الضغط المنخفض عليه بالنسبة للضغط المرتفع على المحيطات بخلاف الحال في الأقاليم الموسمية في القارات الشمالية. يبلغ معدل المطر السنوي في بوينس أيريس "الأرجنتين" 103 سم وفي بورت اليزابيث "جنوب إفريقيا" 95 سم وفي سيدني 56 سم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 تقسيم العالم إلى أقاليم مناخية الغرض من التقسيم والأسس التي يبنى عليها مدخل ... 10- تقسيم العالم إلى أقاليم مناخية: الغرض من التقسيم والأسس التي يبنى عليها: يتوقف المناخ السائد في أي مكان على عوامل مختلفة يؤثر كل منها فيه بشكل خاص، ولكنها جميعًا تعمل في وقت واحد بحيث يصعب في كثير من الأحيان أن نفصل بين الآثار التي تنتج عن أي عامل منها والآثار التي تنتج عن غيره من العوامل، وقد سبق أن تكلمنا في فصول سابقة على العوامل التي تتحكم في عناصر المناخ المختلفة، ويمكننا أن نلخص أهم هذه العوامل فيما يلي: 1- موقع المكان بالنسبة لخطوط العرض، فهذا الموقع هو الذي يحدد بصفة عامة مقدار ما يستفيده المكان من أشعة الشمس في الشهور المختلفة؛ لأنه هو الذي يحدد طول الليل وطول النهار من جهة, وزاوية الميل التي تسقط بها الأشعة على سطح الأرض من جهة أخرى. 2- توزيع الماء واليابس، فمن الثابت أن اليابس يسخن ويبرد أسرع من الماء، وهذا الاختلاف هو أحد العوامل الرئيسية التي يتوقف عليها توزيع الضغط الجوي والرياح، بل وتوزيع الأمطار فوق سطح الكرة الأرضية في الفصول المختلفة. 3- تضاريس اليابس نفسه، فإن امتداد سلاسل الجبال مثلًا على طول الساحل يعتبر حائلًا قويًّا دون توغل المؤثرات البحرية في اليابس، كما أن مقدار ارتفاع المكان عن سطح البحر، واتجاه منحدرات الجبال بالنسبة لأشعة الشمس، واتجاه الرياح، لها جميعًا آثارها المعروفة على توزيع عناصر المناخ المختلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 4- توزيع الضغط الجوي وما يطرأ عليه من تغير من وقت إلى آخر. والعوامل السابقة هي العوامل الرئيسية التي يجب بحثها عند دراسة مناخ أي إقليم، وتوجد إلى جانبها عوامل أخرى أقل منها أهمية؛ لأنها وإن كانت تؤثر في المناخ إلا أنها تعتبر في نفس الوقت أثرًا من آثاره، كما هي الحال بالنسبة للحياة النباتية والغطاءات الجليدية التي تغطي الأرض في كثيرًا من المناطق. وهذه العوامل مجتمعة هي التي تجعل لكل مكان فوق سطح الأرض صفات مناخية خاصة، يختلف بها كثيرًا وقليلًا عن غيره من الأماكن، ويندر أن يوجد مكانان متشابهان في ظروفهما المناخية تمام التشابه من جميع الوجوه، فإن لم يكن هناك فرق في الأمطار فقد يوجد فرق في درجة الحرارة، وإن لم يكن هناك فرق في المعدلين السنويين لهذين العنصرين فقد يكون هناك فرق واضح في توزيعهما على أشهر وفصول السنة. وفضلًا عن ذلك فقد يكون المكانان مختلفين في درجة الرطوبة، أو مقدار الإشعاع الشمسي أو في اتجاه الرياح وسرعتها أو في توزيع أي عنصر من هذه العناصر المناخية على الأشهر والفصول وهكذا. ولما كان من المستحيل في الدراسات المناخية العامة أن تدرس ظروف كل مكان على حدة دراسة تفصيلية فقد كان لا بد من إيجاد تقسيم عام للعالم توضح فيه المناطق التي تتشابه في ظروفها المناخية بصفة عامة تحت قسم أو نوع مناخي واحد، وذلك بصرف النظر عن الفوارق البسيطة التي قد تميز بعض هذه المناطق عن البعض الآخر، وبهذه الطريقة يمكن تقسيم العالم إلى أقاليم مناخية يتميز كل إقليم منها بمظاهر معينة، ويضم جميع الأماكن التي توجد فيها هذه المظاهر. ومعرفة المظاهر المناخية لأي مكان تتطلب دراسة جميع عناصر المناخ بدون استثناء، ولكننا إذا حاولنا أن نقسم العالم إلى أقاليم تتشابه فيها جميع العناصر فإننا سنصل إلى عدد لا نهائي من الأقسام، ولهذا فقد أصبح من الضروري اختيار العناصر الرئيسية فقط واعتبارها أساسًا لتقسيم العالم إلى أقاليم مناخية كبرى، أما في الدراسات التي تحتاج إلى شيء من التفصيل فيمكن تقسيم هذه الأقاليم الكبرى إلى أقاليم أصغر منها، وهذه بدورها إلى أقاليم أصغر وهكذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 وهناك شبه إجماع بين علماء المناخ على أن أي تقسيم مناخي يجب أن يعتمد قبل كل شيء على العنصرين الرئيسيين من عناصر المناخ وهما درجة الحرارة والأمطار وتوزيعهما على شهور السنة, وذلك لأن هذين العنصرين هما اللذان يتحكمان بصفة عامة في توزيع الحياة النباتية والحيوانية فوق سطح الأرض، كما يتدخلان بطريق مباشر أو غير مباشر في تشكيل مظاهر هذا السطح. وفضلًا عن ذلك فإن جميع العناصر المناخية الأخرى تتأثر في نظامها وتوزيعها تأثرًا واضحًا بدرجة الحرارة، فدرجة الحرارة مثلًا هي التي تتحكم عمومًا في توزيع مناطق الضغط الجوي، وهذه المناطق هي التي يترتب عليها توزيع الرياح ونظام هبوبها، كما أن الحرارة أيضًا هي التي تساعد على تبخر مياه البحار، وغيرها من المسطحات المائية أو من سطح التربة، ولها بالتالي تأثير مباشر على الأمطار وغيرها من مظاهر التكثف. ومن الممكن عند تقسيم العالم إلى أقاليم مناخية أن ندخل في اعتبارنا أيضًا العوامل الأساسية التي لها دخل في وجود أي نوع من أنواع المناخ، فبينما يمكننا أن نجمع المناطق الصحراوية مثلًا تحت نوع مناخي واحد تتشابه جميع المناطق التابعة له في قلة أمطارها وارتفاع مدى التغير الحراري فيها، فإننا نستطيع كذلك أن نقسم هذا النوع من المناخ إلى أقسام أصغر على حسب العوامل التي كانت سببًا في وجود هذا المناخ في المناطق المختلفة سواء أكانت هذه العوامل متعلقة بعناصر المناخ مثل نوع الرياح واتجاهها أو متعلقة بتضاريس سطح الأرض أو غير ذلك من العوامل. وكذلك من الممكن أن نقسم النطاقات الحارة الكبيرة إلى أقاليم صغيرة نسبيًّا على أساس العوامل التي تؤدي إلى سقوط الأمطار في كل منها، فمن هذه الأقاليم ما تسقط أمطاره بسبب التيارات الصاعدة ومنها ما تسقط أمطاره بسبب الرياح الموسمية أو بسبب الرياح التجارية. وعلى الرغم من أن إدخال مثل هذه العوامل في تقسيم الأقاليم المناخية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 الكبرى إلى أقسام أخرى أصغر منها سيؤدي حتمًا إلى زيادة التعقيد في التقسيم فمن الواجب الاستفادة بها بقدر الإمكان لأنها تساعد من غير شك على زيادة الدقة في تحديد الأنواع المناخية المتقاربة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 الدلائل الحيوية للمناخ : ونظرًا لأن المناخ يعتبر عاملًا من أهم العوامل التي لها دخل مباشر في توزيع كثير من مظاهر الحياة على سطح الأرض، فمن الممكن أن تتخذ بعض هذه المظاهر كأدلة يمكننا أن نسترشد بها في تحديد نوع المناخ السائد في أي منطقة من المناطق، وخصوصًا إذا لم تكن لدينا إحصاءات مناخية وافية عن هذه المنطقة. ومن أهم النباتات الطبيعية التي يمكننا أن نستفيد بها في هذه الناحية تلك النباتات التي لا يمكنها أن تنمو إلا في المناطق التي يسمح مناخها بنموها، ومنها معظم الحشائش التي تتكون منها مناطق السفانا الحارة، وحشائش الإستبس المعتدلة، وكذلك فصائل الأشجار التي تنمو طبيعيًّا في مناطق الغابات التي توجد في الأقاليم المناخية المختلفة، ولئن كان نوع التربة له كذلك دخل في توزيع كثير من هذه النباتات فمن الثابت أن التربة نفسها ليست إلا أثرًا من آثار العوامل المناخية. أما المظاهر الحيوية الأخرى بما في ذلك الإنسان وغيره من الحيوانات وكثير من المحاصيل الزراعية، فعلى الرغم من أنها تتأثر كذلك تأثرًا مباشرًا بالمناخ فإن توزيعها مرتبط كذلك بمجموعة أخرى من العوامل التي يتعلق بعضها بطبيعة هذه الكائنات ومقدرتها على التحايل على ظروف المناخ وبعضها الآخر متعلق بما يبذله الإنسان من مجهودات لنقل بعض النباتات أو الحيوانات من بيئتها الأصلية وتوطينها في بيئات أخرى جديدة، ويكفي أن نذكر أن الإنسان نفسه قد استطاع أن يعمر كل أنواع الأقاليم المناخية الموجودة على سطح الأرض ابتداء من خط الاستواء حتى قرب القطب، كما أنه استطاع أن ينقل بعض محاصيل الأقاليم الدافئة إلى الأقاليم الباردة أو العكس، وأن ينقل كذلك بعض الحيوانات من بيئاتها الأصلية إلى بيئات أخرى جديدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 ويجب أن نشير على أي حال أن حدود الأقاليم المناخية أو حدود الأقاليم النباتية التي ترسم على الخريطة لا يمكن أن تمثل الحدود الواقعة لهذه الأقاليم لأن مثل هذه الحدود ليس لها وجود فعلي في الطبيعة؛ إذ الواقع أن الانتقال من أي نوع مناخي أو نباتي إلى الأنواع الأخرى المجاروة له يحدث غالبًا بشكل تدريجي بحيث تظهر بين كل نوع مناخي والنوع المجاور له منطقة انتقالية يتدرج فيها المناخ وما يتبعه من نباتات طبيعية تدرجًا بطيئًا أو سريعًا على حسب الظروف السائدة خصوصًا ما يتعلق منها بمظاهر السطح، ويكون التدرج بطيئًا بصفة خاصة في الأقاليم السهلية، أما في المناطق التي توجد بها حواجز جبلية مرتفعة فإن الانتقال يأتي غالبًا بشكل فجائي، وكثيرًا ما نجد أن سلاسل الجبال تفصل في بعض المناطق أنواعًا مختلفة عن بعضها تمام الاختلاف، سواء في مظاهرها المناخية أو في أنواع الحياة النباتية والحيوانية التي توجد فيها، ويظهر هذا بوضوح إذا قارنا على سبيل المثال الأنواع المناخية والنباتية الموجودة إلى الغرب من جبال الإنديز أو جبال روكي بالأنواع الموجودة إلى الشرق منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 بعض التقسيمات المناخية العامة مدخل ... 10– 2- بعض التقسيمات المناخية العامة: حتى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كان معظم الجغرافيين يقسمون العالم إلى أقاليم مناخية على أساس النطاقات الحرارية الكبرى التي قسم اليونانيون القدماء إليها سطح الكرة الأرضية، وهي المنطقة الحارة المحصورة بين المدارين ثم المنطقتان المعتدلتان ما بين المدارين والدائرتين القطبيتين، ثم المنطقتان الباردتان إلى الشمال من الدائرة القطبية الشمالية من جهة وإلى الجنوب من الدائرة القطبية الجنوبية من جهة أخرى. ورغم أن المناخ لا يتمشى في كثير من الأحيان مع خطوط العرض نتيجة لتأثير العوامل المختلفة التي سبقت الإشارة إليها فإن بعض الجغرافيين ظلوا يتخذونها أساسًا لتقسيم العالم إلى أقاليم مناخية حتى وقت قريب، إلا أن هذا التقسيم لم تعد له قيمة تذكر في الوقت الحاضر، وحلت محله تقسيمات أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 تعتمد على توزيع درجة الحرارة وتوزيع الأمطار، من جهة أخرى بغض النظر عن خطوط العرض، ونظرًا لأنه من الصعب في التقسيمات العامة أن نعتمد على درجات الحرارة الفعلية فقد كان لا بد أن يكون الاعتماد في هذه التقسيمات على خطوط الحرارة المتساوية وذلك على الرغم من العيوب الكثيرة التي تقلل من قيمتها، أما التقسيمات المناخية للمناطق ذات المساحة الصغيرة نسبيًّا فمن المستحسن أن نراعي فيها درجات الحرارة الفعلية، مع الاهتمام ليس فقط بمعدلاتها الشهرية بل وكذلك بمعدلات النهايات العظمى والنهايات الصغرى فيها. ومن استعراض التقسيمات المناخية التقليدية والحديثة يمكننا أن نضعها في ثلاث مجموعات هي: أ- التقسيمات التجريبية lmperical classifications وهي التي تعتمد على الربط بين المناخ وبين توزيع الأشكال البيئية الرئيسية مثل النبات الطبيعي والتربة، ومثال ذلك تقسيم كوين والتقسيمات المشتقة منه مثل تقسيم ترايوارثا1 Trewartha والمهم في هذه التقسيمات هو أن تتضمن أقسامًا مناخية متشابهة في ظروفها البيئية المرتبطة بالمناخ دون الاهتمام كثيرًا بالعوامل التي تتدخل في تشكيل مناخها نفسه. ب- التقسيمات المناخية الأصولية Genetic classifications وفيها تراعى العوامل التي تتدخل في تشكيل المناخ مثل الموقع الفلكي والموقع الجغرافي ومناطق الضغط الجوي العامة والكتل الهوائية، ومثال ذلك تقسيم تيرجونج "1970"2 وتقسيم أوليفر3 Oliver" 1970". ج- التقسيمات البشرية، وهي تمثل اتجاهًا حديثًا في التقسيمات المناخية وفيها يراعى تأثير المناخ على حياة الإنسان ونشاطه، مثل شعوره   1 TREWATTHA. G.a "1966" An introduction to chimate. 2 terjung. W.H. "1970" toward a climatc class fication baed upon et radiation. Proc Ass. Of amer. Geographers 3 oliver. J.E "1970" a genetic approach to climatc lassifications. Annak. Assoe of amercan geyrapher الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 بالضيق أو الراحة أو قدرته على العمل وبذل الجهد، وفي هذا المجال وضعت معايير مختلفة لحساب الحدود التي يبدأ الإنسان عندها يشعر بالراحة أو بالضيق على أساس الربط بين درجة الحرارة ورطوبة الهواء. وهذا النوع من التقسيمات لا يستخدم عادة إلا عند تحليل المناخ في مناطق معينة وليس على نطاق العالم ومثال ذلك تقسيم تيرجونج Terjung لمناخ الولايات المتحدة1. وليست التقسيمات المناخية التي أشرنا إليها إلا أمثلة قليلة جدًّا للعديد من التقسيمات التي وضعت لخدمة أغراض متباينة، ويلاحظ أن بعض التقسيمات تصلح أكثر من غيرها لتحليل ظواهر الارتباط المكاني بينما البعض الآخر ذو طبيعية وصفية، وتعتمد أغلب التقسيمات الحديثة على الجمع بين عنصرين مناخيين أو أكثر مثل تقسيم كوبن الذي يجمع بين الحرارة والمطر وتوزيعهما الفصلي، مع إدخال بعض العناصر والحالات المناخية المميزة مثل الضباب والتطرف الحراري وزيادة الرطوبة. ومثل تقسيم أوستن ملو A.Austin Miller الذي اقترحه في بريطانيا سنة 1936، وحاول فيه أن يحدد الأقاليم المناخية على أساس طول فصل النمو، وذلك على اعتبار أن طول هذا الفصل هو الذي يحدد نوع الحياة النباتية التي يمكن أن تنمو في أي إقليم من الأقاليم، وهو تقسيم سهل وبسيط، ولذلك فإنه يعتبر من أصلح التقاسيم للدراسات الجغرافية العامة2، ولهذا فإننا سنحاول عرضه بشيء من التفصيل بعد قليل.   1 austin miller. A "1950" climatology London. 2 Turjung. W.h."1966 plimatology cilimates of the conterminous united states A bioclimaus lilassification based on manannals. Association o الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 وفي سنة 1948 اقترح باحث أمريكي هو ثورنثويت Thornthwaite تقسيمًا مناخيًّا تجريبيًّا يمكن الاستفادة به في المجالات التطبيقية وخصوصًا المجالات الزراعية1، وقد أدخل عليه في سنة 1955 بعض التعديلات بالاشتراك مع باحث آخر هو ماذر2 Mather. وأهم ما يميز هذه التقسيم هو اهتمامه بحساب التبخر الكلي الأقصى potential Evapotranspiration والربط بينه وبين رطوبة التربة وموازنتها المائية.   1 thornthwaite. G.w an gpprach towavols regional classification of climate geog. Rev. vol 38 1948. pp. 5-93. 2 Thornthwaite and mather, h. r. "1955' the water balance in cilimatology vol.7 no.1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 تقسيم كوبن للأقاليم المناخية مدخل ... 10- 2- 1- تقسيم كوبن 1 Koppen للأقاليم المناخية: ظل كوبن طول حياته العلمية تقريبًا يحاول الوصول إلى تقسيم مناخي للعالم يمكن أن يجمع فيه بين أكثر من عنصر واحد من عناصر المناخ، وبعد محاولات كثيرة استطاع أن يصل حوالي سنة 1928 إلى تقسيمه الذي يعتبر من الوقت الحاضر من أشهر التقسيمات العامة المعترف بها بين الجغرافيين في كثير من بلاد العالم، خصوصًا في ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وقد اشترك مع كوبن في آخر تقسيم مناخي له باحث ألماني آخر هو رودولف جايجر Rudolf Geiger وأهم الأسس التي اعتمد عليها كوبن في تقسيمه هي: أ- العلاقة بين المناخ ونوع الحياة النباتية الطبيعية: وقد اعتمد كوبن في تحديده لهذه العلاقة على تقسيم نباتي اقترحه أحد رواد علم النبات وهو دي كاندول A.De candolle سنة 1874. وفيه قسمت الحياة النباتية العامة على حسب احتياجاتها المناخية إلى خمسة أنواع كبرى هي: أ- نباتات الأقاليم الحارة الممطرة Megatherms وتشمل جميع النباتات التي   1 Koppen; w., "Klimakarte der Erde" 1928. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 تحتاج في نموها إلى درجة حرارة مرتفعة وأمطار غزيرة ومن أهمها تلك الأشجار التي تنمو في الغابات الاستوائية وفي غابات الأقاليم الموسمية الحارة ذات الأمطار الغزيرة. ب- نباتات الأقاليم الجافة Xerophytes وتشمل النباتات التي تمكنها أن تنمو بأمطار قليلة كما هي الحال في أقاليم الحشائش والمناطق الصحراوية. ج- نباتات الأقاليم المعتدلة المطيرة Mesotherms وهي تنمو بصفة عامة بين خطي عرض 22 ْو45 ْفي نصفي الكرة الشمالي والجنوبي وذلك في المناطق التي تمتاز بوجود فصل غزير الأمطار نسبيًّا، وتمثلها بصفة خاصة النباتات التي تنمو في مناخ حوض البحر المتوسط. د- نباتات الأقاليم الباردة الرطبة MiKrotherms وهي التي تستطيع الحياة في المناخ البارد، ويشترط أن يوجد فصل دافئ تسقط في أثنائه كمية مناسبة من الأمطار، وتمثلها الغابات الصنوبرية والنفضية. هـ- نباتات قطبية Hekistotherms وهي نباتات عشبية تنمو في الأقاليم القطبية التي لا تصلح بسبب برودتها لنمو أي نوع من أنواع الأشجار. وعلى أساس الأقسام النباتية السابقة قسم كوبن مناخ اليابس بصفة عامة إلى خمسة أنواع كبرى ورمز لكل منها بحرف معين من حروف الهجاء الكبيرة Capital كما يلي: A- مناخ مداري مطير، وفيه لا يقل المعدل الحراري لأي شهر عن 18 ْم. B- مناخ جاف أو شبه جاف، وليست له حدود حرارية خاصة. C- مناخ معتدل ممطر، وفيه لا ينخفض المعدل الحراري في أي شهر من الشهور عن، -3 ْم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 D- مناخ بارد رطب، وفيه تنخفض معدلات معظم الشهور عن درجة التجمد، ويوجد فيه شهر واحد على الأقل يرتفع معدله إلى 10 ْم. E- مناخ قطبي، وفيه تكون معدلات معظم الأشهر تحت درجة التجميد ولا ترتفع حتى في أدفأ الشهور إلى 10 ْم. ب- التوزيع الفصلي للمطر: فهذا التوزيع مهم لتحديد القيمة الفعلية للمطر، وهو بالتالي مهم لمعرفة الميزانية المائية للإقليم، فالمطر الذي يسقط في فصل الصيف تضيع نسبة كبيرة منه بالتبخر، وتكون قيمته الفعلية أقل من المطر الذي يسقط شتاء، وعلى هذا الأساس قسم كوبن كل نوع من الأنواع الكبرى الممطرة D, C, A إلى أنواع أصغر على حسب موسم المطر، ورمز لكل نوع منها بحرف صغير يوضع بجانب الحرف الكبير، والحروف الصغيرة المستخدمة هي: f- ممطر طول العام. m- له نظام موسمي أو شبه موسمي. w- به فصل جاف في الشتاء. s- به فصل جاف في الصيف. ج- النظام الفصلي لدرجة الحرارة: ويقصد به شدة حرارة الصيف أو شدة برودة الشتاء، فهذا النظام هو الذي يحدد مبلغ تطرف المناخ أو مبلغ اعتداله، ويكون المناخ متطرفًا إذا كان المدى الحراري السنوي به كبيرًا كما هي الحال في معظم الأقاليم القارية، وكلما ارتفع هذا المدى كلما ازداد تطرف المناخ، وقد استخدم كوبن حروفًا صغيرة ليرمز بها إلى شدة حرارة الصيف وشدة برودة الشتاء وطول مدتهما بالنسبة لباقي السنة كما يأتي: a- صيف شديد الحرارة، وفيه يصل المعدل الحراري في شهر واحد على الأقل إلى 22 ْ أو أكثر. b- صيف دافئ، وفيه لا يزيد معدل أي شهر على 22 ْم. وبه أربعة أشهر على الأقل معدلاتها أعلى من 10 ْم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 c- صيف مائل للبرودة، وفيه لا يزيد المعدل في أي شهر على 22 ْ "مثل النوع السابق" ولكن عدد الأشهر التي لا تزيد معدلاتها على 10 ْ لا يزيد عن ثلاثة أشهر. ويلاحظ أن الأنواع الثلاثة السابقة لا تظهر إلا ضمن النوعين الكبيرينC وD. d- شتاء شديد البرودة، وفيه ينخفض معدل أبرد الشهور إلى -38 ْم أو أقل، وهذا النوع لا يوجد إلا ضمن النوع الكبير D. وهكذا فإن كل نوع مناخي في تقسيم كوبن يرمز له بثلاثة حروف، الأول منها كبير ويبين النوع الأكبر والثاني صغير ويبين نظام المطر والثالث صغير أيضًا ويبين شدة حرارة الصيف أو شدة برودة الشتاء. د- شدة الجفاف في مناطق النوع "B": وقد قسم كوبن هذا النوع على أساس معدلات المطر ومعدلات الحرارة وما ينتج عنهما من حياة نباتية طبيعية إلى نوعين هما النوع الصحراوي ونوع الإستبس، ورمز للنوع الأول بالحرفين الكبيرين1 "BW" والنوع الإستبس بالحرفين "BS" ورأى أن يعين الحد بينهما بالمعادلات الآتية التي يوضحها شكل "68". 1- P = T+7 إذا كانت الأمطار موزعة على جميع الأشهر. 2- P = T + 14 إذا كانت الأمطار أو معظمها تسقط صيفًا. 3- P = T إذا كانت كل الأمطار أو معظمها تسقط شتاء. مع ملاحظة أن P هي كمية المطر السنوية بالسنتيمترات وT هي المعدل السنوي لدرجة الحرارة بالدرجات المئوية، فإذا كان الطرف الأول للمعادلة أصغر من الطرف الثاني "P" فإن المناخ يعتبر صحراويًّا، أما إذا كان أكبر منه فإنه يعتبر من نوع الإستبس. فإذا استمر تزايد المطر فإن المناخ يتحول تدريجيًّا إلى النوع الذي يصلح لنمو الغابات. وقد وضع كوبن معادلات أخرى لتمييز مناخ الحشائش عن مناخ الغابات. وسنبين ذلك بشيء من التفصيل في باب الجغرافيا   1 الحرف W هو الحرف الأول من الكلمة الألمانية Wust ومعناها صحراء، أما الحرف الثاني S فهو الحرف الأول من كلمة Steppe. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 مناطق أعصارها طول العام ... مناطق أمطارها صيفية ... مناطق أمطارها شتوية شكل "68" الحدود التي اقترحها كوبن للأقاليم النباتية الرئيسية النباتية، ومن الواضح أن تزايد درجة الحرارة يؤدي إلى تزايد التبخر فيؤدي بالتالي إلى تزايد حاجة النباتات إلى المياه. وهذا هو ما توضحه المعادلات السابقة. هـ- بعض الصفات المناخية الخاصة: بالإضافة إلى الصفات المناخية التي تدل عليها الرموز التي ذكرناها لاحظ كوبن أن بعض أنواع المناخ لها صفات خاصة بارزة، ولكن لا تشملها هذه الرموز، ولذلك فقد استخدم رموزًا أخرى إضافية لتوضيح هذه الصفات ومن أهمها الرموز الآتية: h- مناخ جاف شديد الحرارة. i- مناخ مداه الحراري السنوي منخفض. k- مناخ جاف مائل للبرودة. n- مناخ غير ممطر ولكنه كثير الضباب. n- مناخ غير ممطر ولكن نسبة الرطوبة في هوائه مرتفعة. ويوجد النوعان الأخيران عادة في مناطق الصحاري الساحلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 10– 2– 1– عرض موجز للأنواع المناخية التي يشملها تقسيم كوبن : أولًا- أنواع المناخ "A": AF- مداري ممطر طول العام. AM- مداري له نظام موسمي وبه فصل قصير جاف نسبيًّا ولكن أمطار باقي الأشهر كثيرة بدرجة يمكن أن تعرض أي نقص في مطر الفصل الجاف. AW- مداري به فصل طويل واضح الجفاف في الشتاء. ثانيًا- أنواع المناخ "B" الجاف وشبه الجاف: BSh- إستبس العروض الدنيا "الحارة". BSK- إستبس العروض المتوسطة "المعتدلة والباردة". BWh- صحاري العروض الدنيا "الحارة". BWK- صحاري العروض المتوسطة "المعتدلة الباردة". ثالثًا- أنواع المناخ "C" المعتدل: Cfa حار صيفا Cfb - ممطر طول العام حار صيفا Cfc مائ للبرود صيفا Cwa - جاف شتاء حار صيفا Cwb دافيء صيفا Csa - جاف صيفا حار صيفا Csb دافئ صيفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 رابعًا- أنواع المناخ "D" البارد: Dfa حار صيفا Dfb دافيء صيفا Dfc - ممطر طول العام مائل للبرودة صيفا Dfd بارد صيفا Dwa حار صيفا Dwb دافيء صيفا Dwc - جاف شتاء مائل للبرودة صيفا Dwd بارد صيفا خامسًا: أنواع المناخ القطبي: ET - التندرا - وبها فصل نمو قصير لا تزيد معدلاته الحرارية الشهرية على 10 ْم، ولا تنخفض عن درجة التجمد. EF - غطاء الثلج الدائم ICE Cap- وفيه لا يزيد المعدل الحراري في أي شهر على درجة التجمد. EH - وهو المناخ القطبي الناتج عن الارتفاع الكبير عن سطح البحر في العروض المتوسطة أو الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 خصائص الأنواع المناخية في تقسيم كوبن وتوزيعها الجغرافي "انظر الإحصاءات في الملحق "1": أولًا- المناخ "A" "المداري المطير": يغطي هذا المناخ حوالي خمس المساحة الكلية لليابس، وأهم مميزاته أنه حار طول السنة بحيث لا ينخفض المعدل في أي شهر عن الشهور عن 18 ْم "64 ف" وبأن أمطاره كثيرة ولكنها تتباين في كميتها وتوزيعها الفصلي، ونوعها من منطقة إلى أخرى على حسب ظروف الموقع والتضاريس، وهو يقسم على أساس المعدلات السنوية للمطر وتوزيعها الفصلي إلى ثلاثة أنواع هي: 1- AF– مداري مطير طول العام. 2- AM- مداري موسمي به فصل قليل المطر أو جاف. 3- AW– مداري به فصل طويل واضح الجفاف في الشتاء. 1- النوع "AF" "مداري مطير طول العام "شكل 70" يتفق هذا النوع عمومًا مع المناخ الذي يشتهر باسم "المناخ الاستوائي" أو "مناخ الغابات المدارية المطيرة" وهو يمتد بشكل نطاق غير متصل بين خطي عرض 10 ْ شمالًا وجنوبًا على وجه التقريب، ولكنه قد يمتد في بعض الجهات إلى ما وراء هذين الخطين وتوجد أكبر مناطقه في إفريقيا حيث تشمل معظم حوض الكونغو وبعض أجزاء من ساحل غانة والساحل الشرقي للقارة والساحل الشرقي لجزيرة مدغشقر، وفي أمريكا الجنوبية حيث تشمل معظم حوض الأمزون وبعض المناطق الساحلية في شمال غرب القارة وفي أمريكا الوسطى، كما تنتمي إليه بعض جزر إندونسيا وأجزاء من ماليزيا. وهو حار طول السنة ولا تنخفض المعدلات الحرارية فيه عن 25 ْ مئوية في أي شهر من الشهور، والمدى الحراري السنوي فيه منخفض ولا يزيد على أغلب المناطق عن درجة واحدة، أما المدى اليومي فمرتفع نوعًا ما، وقد يصل إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 10 درجات، ولذلك فإن بعض الكتاب يصفون الليل في هذا المناخ بأنه هو شتاؤه الفعلي. والأمطار موزعة على جميع الشهور ولكنها تبلغ قمتها، في فترتي تعامد الشمس في الربيع والخريف، وأغلبها من أمطار التصعيد، ولكن قد تسقط بعض أمطار التضاريس والأمطار الإعصارية، وتتراوح معدلاتها السنوية بين 200 و300 سم. ولكنها قد تزيد عن ذلك على المنحدرات المواجهة لهبوب الرياح الممطرة مثل المنحدرات الغربية لجبال الكاميرون "راجع أرقام سنغافورة ودوالا". والحياة النباتية في جملتها عبارة عن غابات كثيفة ذات أشجار ضخمة عريضة الأوراق دائمة الخضرة تشتهر باسم "الغابات المدارية المطيرة" أو "السلفا SELVa" وهي كلمة ألمانية معناها غابة. 2- النوع am "المداري الموسمي" "شكل 71": وأهم ما يميز هذا النوع هو أن به فصلًا مطيرًا طويلًا يشغل حوالي ستة أشهر أو سبعة وفصلًا قصيرًا في الشتاء يميل للجفاف، إلا أن كثرة أمطار الشهور المطيرة تستطيع أن تعوض هذا الجفاف بحيث تظل التربة السفلية محتفظة برطوبتها وتبقى الغابات دائمة الخضرة. ويضم هذا النوع الأقاليم الموسمية المدارية غزيرة الأمطار، كما يضم أقاليم غير موسمية ولكنها غزيرة المطر في معظم الشهور. وتوجد أهم مناطقه في جنوب وجنوب شرق آسيا، وخصوصًا في الهند والهند الصينية والفلبين، كما تنتمي إليه مناطق واسعة على ساحل غانة في إفريقيا، والحوض الأدنى لنهر الأمزون والسواحل المجاورة له في أمريكا الجنوبية. ولا تقل حرارة هذا النوع في شدتها عن حرارة النوع AF، بل إنها قد تزيد عنها في بعض الحالات، إلا أن الشتاء غالبًا أقل حرارة بسبب جفافه ولذلك فإن المدى الحراري فيه يكون أكثر ارتفاعًا، وهو يتراوح بين 4 و8 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 شكل "70"مداري ممطر طول العام شكل "71" مداري موسمي درجات، ومع ذلك فإن المعدلات الحرارية لا تنخفض حتى في أقل الشهور حرارة عن 24 ْم. والأمطار غزيرة في معظم الشهور إلا أن هناك فصلًا جافًّا أو قليل المطر. ولا تقل المعدلات السنوية عنها في النوع الممطر طول العام AF، بل إن معدلات أمطار بعض الشهور تكون مرتفعة بدرجة ليس لها نظير في أي نوع مناخي آخر. فكثيرًا ما يزيد المعدل لكل من يوليو وأغسطس عن 50 سم. وتكثر الأمطار بصفة خاصة على المنحدرات التي تهب الرياح الممطرة عمودية عليها. وهنا تسجل غالبًا الأرقام القياسية للأمطار التي تسقط في يوم واحد، فقد سجلت في بعض الحالات كميات تزيد على 20 سم في اليوم الواحد "راجع أرقام رانجون ومانيلا": ولا تختلف الحياة النباتية عنها في النوع AF إلا أنها قد تكون أقل كثافة نوعًا ما، وأغلبها غابات عريضة الأوراق دائمة الخضرة. "المداري المطير الجاف شتاء" "شكل 72": هذا النوع هو الذي يشتهر باسم مناخ السفانا، وأهم فرق بينه وبين النوع AM هو أن أمطاره أقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وفصل الجفاف أطول وأكثر وضوحًا، وهو موجود على جانبي النوعين AF وam بين خطي عرض 8 ْو15 ْ في نصفي الكرة، وأكبر مناطقه هي نطاق السفانا السودانية في شمال إفريقيا والنطاق المقابل له في جنوبها ثم نطاق حشائش الكمباس في شمال سهول الأمزون ونطاق حشائش اللانوس في جنوبها. وتنتمي إليه كذلك معظم جزر الهند الغربية وشبه جزيرة فلوريدا في الولايات المتحدة وبعض مناطق شرق أمريكا الوسطى وغربها، وفي آسيا تنتمي إليه أجزاء كبيرة من الهند والهند الصينية وبعض جزر الفلبين، كما تنتمي إليه بعض جزر إندونسيا وقسم كبير من شمال أستراليا. وفصل الصيف في هذا النوع أشد حرارة منه في النوعين الآخرين من المناخ A وأشد الشهور حرارة هو الشهر الذي يسبق الفصل المطير مباشرة، وهو عادة شهر مايو في نصف الكرة الشمالي، وقد يزيد معدله على 31 ْم ويليه شهر أكتوبر الذي يأتي بعد انتهاء هذا الفصل، أما الشتاء فمعتدل، ولكن معدلاته أقل في معظم الحالات منها في النوعين الآخرين، ولذلك فإن المدى الحراري السنوي يكون فيه أكبر منه فيهما، وهو يتراوح بين 5 و10 درجات. وتسقط الأمطار صيفًا عندما يتزحزح نطاق الضغط المنخفض الاستوائي ليغطي نطاقات هذا النوع، ولذلك فإن الأمطار معظمها أمطار تصعيد، وهي تتناقص في كميتها كما يتناقص طول الفصل المطير كلما ابتعدنا عن خط الاستواء؛ ويتراوح معدلها السنوي بين 75 و150 سم، ويتراوح طول الفصل الممطر بين سبعة أشهر على الجانب الأقرب إلى خط الاستواء وثلاثة على الجانب الأبعد "راجع أرقام كانو والمالاكال". والحياة النباتية ترتبط بتوزيع الأمطار وهي تتدرج من غابات مدارية نفضية أو شبه نفضية مختلطة بحشائش خشنة طويلة في المناطق الأقرب إلى خط الاستواء إلى حشائش أقصر وأقل كثافة على الجانب الأبعد، الذي يجاور نطاق الإستبس الأفقر نسبيًّا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 ثانيًا- المناخ "B" "الجاف وشبه الجاف": أهم ما يميز هذا المناخ هو قلة الأمطار وارتفاع المدى الحراري السنوي واليومي، وهو ينقسم على حسب شدة الجفاف إلى نوعين كبيرين هما: BW وهو نوع الصحاري و BS وهو نوع الإستبس. وقد سبق أن ذكرنا في بداية هذا الفصل المعادلات التي اقترحها كوبن لتعيين الحد بين هذين النوعين على أساس العلاقة بين المطر ودرجة الحرارة. وفيما يلي وصف للأنواع الأصغر المتفرعة من هذين النوعين. أ- النوع "BW" "نوع الصحاري": ينقسم هذا النوع على أساس المعدلات الحرارية إلى قسمين هما: 1- BWh- صحاري العروض المدارية "الحارة". 2- BWK - صحاري العروض المتوسطة "المعتدلة والباردة". 1- النوع BWh "صحاري العروض المدارية": تشغل هذه الصحاري مساحات شاسعة في العروض الدنيا وأكبرها هي الصحراء الكبرى وامتدادها في غرب آسيا، وصحراء كلهاري وناميبيا في جنوب غربي إفريقيا، وصحراء أريزونا بأمريكا الشمالية، وصحراء بيرو وشمال شيلي بأمريكا الجنوبية، وصحاري وسط وغرب أستراليا. ويلاحظ أن جميع هذه الصحاري واقعة في غرب القارات في نطاق الرياح التجارية، وذلك لعدة أٍسباب أهمها: أ- اتساع اليابس الذي يفصل بعضها "مثل الصحراء الكبرى وصحراء ناميبيا" عن المحيطات التي تأتي منها الرياح الممطرة من ناحية الشرق، ب- وقوع بعضها "مثل صحاري غرب الأمريكتين" في ظل حواجز جبلية عالية تحول دون وصول الرياح الممطرة إليها من ناحية الشرق، ج- أن معظمها يدخل في نطاق الضغط المرتفع وراء المداري حيث يميل الجو للاستقرار، د- أن معظمها تمر بسواحله تيارات مائية باردة لا يحمل الهواء الذي فوقها كميات كبيرة من بخار الماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 شكل "72" المداري المطير الجاف شتاء شكل "73" صحراوي حار "عروض مدارية" وصحراوي معتدل "عروض متوسطة" وهذا النوع شديد الحرارة جدًّا، ولا تنخفض معدلاته في أي شهر عن 18 ْم، وقد تصل معدلات بعض أشهر الصيف إلى 37 ْم، والمدى الحراري السنوي واليومي كلاهما مرتفع. وقد يزيد المدى السنوي على 20 درجة ويزيد المدى اليومي على 25 درجة. وهذه الصحاري هي التي تسجل بها عادة الأرقام القياسية لدرجات الحرارة القصوى في العالم، وأشهر الأماكن التي سجلت فيها مثل هذه الدرجات بالفعل مدينة العزيزية في طرابلس بشمال ليبيا، ووادي الموت بصحراء أريزونا، وقد سجلت في كل منهما درجات حرارية تزيد على 53 ْ مئوية. والأمطار نادرة جدًّا، ولكنها إن سقطت فإنها تكون من أمطار التصعيد التي تأتي بها عواصف رعدية عنيفة تنهمر الأمطار في أثنائها بغزارة متناهية فتؤدي إلى جرف التربة وجريان السيول وغرق الواحات، ولكن هذا لا يحدث إلا مرة كل بضع سنين، ويختلف موسم المطر على حسب موسمه في الأقاليم الممطرة المجاورة .... ففي شمال الصحراء الكبرى يكون موسمه هو الشتاء تبعًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 لموسم المطر في حوض البحر المتوسط أما في جنوبها فيكون موسمه هو الصيف تبعًا لموسم سقوطه في نطاق السفانا "راجع أرقام عين صالح بالجزائر وأرقام يوما في صحراء أرويزونا". والحياة النباتية عبارة عن أعشاب فقيرة جدًّا، وتكاد تنعدم تمامًا في بعض المناطق ولكنها تتزايد كلما اقتربنا من المناطق الممطرة المجاورة. 2- النوع BEK "صحاري العروض المتوسطة": توجد أكبر هذه الصحاري في أواسط آسيا وغربها ومنها صحاري العراق والشام وجوبى ومنغوليا كما توجد منها صحاري أصغر نسبيًّا في العالم الجديد، مثل صحراء الحوض العظيم في الولايات المتحدة وصحراء باتاجونيا، وصحراء وسط شيلي الساحلية في أمريكا الجنوبية، وفي إفريقيا يوجد منها كذلك شريط ساحلي ضيق في جنوب غربي القارة. والعوامل التي أدت إلى ظهور هذه الصحاري هي تقريبًا نفس العوامل التي أدت إلى ظهور الصحاري الحارة وهي: أ- وقوع بعضها في قلب كتل قارية واسعة بعيدًا عن مصادر الأمطار، كما هي الحال بالنسبة لصحاري وسط آسيا. ب- وقوع بعضها في ظل حواجز جبلية مرتفعة، كما هي الحال بالنسبة لصحراء باتاجونيا وصحراء وسط شيلي الساحلية. ج- وقوع معظمها وخصوصًا في الشتاء في نطاق الضغط المرتفع وراء المداري حيث يميل الجو للاستقرار. د- مرور تيارات باردة بجوار سواحل بعضها مثل تيار بنجويلا الذي يمر بجوار ساحل جنوب غربي إفريقيا وتيار بيرو الذي يمر بجوار سواحل شيلي. وعلى الرغم من أن هذه الصحاري تسمى أحيانًا بالصحاري الباردة فإن هذه التسمية ترجع فقط إلى شدة برودة فصل الشتاء الذي قد تنخفض المعدلات الحرارية لشهرين أو ثلاثة من شهوره إلى أقل من درجة التجمد، أما الصيف فشديد الحرارة وإن كانت حرارته لا تصل في شدتها إلى شدة حرارته في الصحاري الحارة، وتتراوح معدلاته غالبًا بين 25 ْو30 ْ مئوية. وكما هي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 الحال في كل أنواع المناخ القاري فإن المدى الحراري السنوي هنا مرتفع ويرجع ارتفاعه إلى شدة برودة الشتاء أكثر من رجوعه لشدة حرارة الصيف وهو يتراوح بين 15 و25 درجة. وأمطار هذه الصحاري نادرة بطبيعة الحال، ولكنها قد تسقط بغزارة في مرات متباعدة بسبب عواصف الرعد أو بسبب وصول بعض المنخفضات الجوية أو الرياح الممطرة من ناحية الغرب، ويحدث هذا بصفة خاصة في فصل الصيف عندما يكون الضغط الجوي منخفضًا مما يساعد على نشاط التيارات الصاعدة عندما يكون الضغط الجوي منخفضًا مما يساعد على نشاط التيارات الصاعدة وعلى توغل المنخفضات الجوية والرياح التي تحمل بعض الرطوبة، راجع أرقام بغداد وتدمر "سوريا". والحياة النباتية مكونة من أعشاب وحشائش فقيرة جدًّا، ولكنها تتزايد كلما ابتعدنا عن قلب الصحراء نحو مناطق الإستبس المجاورة لها. ب- النوع "BS" "الإستبس": كما هي الحال في المناخ الصحراوي ينقسم هذا النوع إلى قسمين هما: 1- BSh- إستبس العروض المدارية. 2- bsk- إستبس العروض المعتدلة والباردة. 1- النوع bsh "إستبس العروض المدارية": يوجد هذا النوع على أطراف الصحاري الحارة، وهو في الواقع نوع انتقالي بين هذه الصحاري وبين الأقاليم الممطرة القريبة منها، وتتوزع معظم مناطقه بين خطي عرض 15 ْو35 ْ شمالًا، وتوجد منه في إفريقيا ثلاث نطاقات يوجد أحدها بين الصحراء الكبرى ونطاق البحر المتوسط، والثاني بين هذه الصحراء ونطاق السفانا، والثالث في أواسط هضبة إفريقيا الجنوبية، وفي آسيا توجد أهم مناطقه في هضبة الدكن، وفي العالم الجديد توجد بعض مناطقه حول الصحاري الحارة في جنوب غرب الولايات المتحدة، وفي أواسط أمريكا الجنوبية، وحول الصحاري الوسطى بأستراليا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 والحرارة في هذا النوع مرتفعة طول السنة، ولا تقل معدلاتها في أي شهر من الشهور عن 18 ْ وترتفع في بعض أشهر الصيف إلى أكثر من 33 ْ، أما الأمطار فتتراوح معدلاتها بين 25 و45 سم، ويختلف موسم سقوطها تبعًا لموسم سقوطها في الأقاليم المطيرة المجاورة، ففي النطاق القريب من حوض البحر المتوسط يكون موسمها في الشتاء أما في النطاق المجاور للسفانا فيكون في الصيف "راجع أرقام تمبكتو "مالي" والفاشر "السودان". والحياة النباتية عبارة عن حشائش السفانا تبعًا لتناقص المطر. "شكل 74" مناخ إستبس "شكل 75" مناخ إستبس العروض العروض المدارية المتوسطة والمعتدلة والباردة 2- النوع BSK "إستبس العروض المعتدلة والباردة": كما أن الإستبس الحار يوجد على أطراف الصحاري فإن هذا النوع يوجد على أطراف الصحاري الباردة، كما يعتبر هو الآخر مناخًا انتقاليًّا بين هذه الصحاري وبين الأقاليم الممطرة القريبة منها، وتوجد أكبر مناطقه في أوراسيا حيث تمتد في نطاق عظيم بين الشرق والغرب لأكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر، وغير هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 النطاق توجد مناطق متفرقه منه على هضاب إيران وتركيا وأفغانستان وباكستان، وفي أمريكا الشمالية توجد أهم مناطقه إلى الغرب من خط طول 100 ْ غربًا. والحرارة في هذا النوع متشابهة لها في الصحاري الباردة من حيث شدة حرارة الصيف وشدة برودة الشتاء، وارتفاع المدى الحراري السنوي. ففي الصيف ترتفع المعدلات في بعض الأشهر إلى أكثر من 25 ْ بينما تهبط في بعض أشهر الشتاء إلى درجة التجمد، وقد ترتفع النهايات العظمى في بعض أيام الصيف إلى أكثر من 38 ْ، وقد تهبط النهايات الصغرى في بعض أيام الشتاء إلى -30 ْ والواقع أن شدة برودة الشتاء هي الصفة البارزة في هذا المناخ وهي المبرر الذي من أجله يوصف هذا المناخ "بالبارد". والأمطار أقل عمومًا منها في الإستبس الحار، وهي تتراوح بين 20 و40 سنتيمترًا في السنة، ويختلف موسم سقوطها من مكان إلى آخر تبعًا لموسم سقوطها في الأقاليم المطيرة المجاورة "راجع أرقام طهران وكمبرلي بجنوب إفريقيا". والحياة النباتية في جملتها عبارة عن حشائش تخلو في أغلب المناطق من الأشجار، وهي أصلح كغذاء للماشية والأغنام من حشائش الإستبس الحارة، ولذلك فإن مناطق الإستبس البارد هي أعظم المراعي العالمية وأكثرها إنتاجًا للحوم والألبان، إلا أن معظمها قد تحول إلى حقول زراعية وخصوصًا لإنتاج القمح وغيره من الحبوب الغذائية. ثالثًا- المناخ "C" "المعتدل": يشغل هذا المناخ بأنواعه المختلفة نطاقات شاسعة تمتد في عروض كثيرة حتى إن بعضها قد يمتد إلى ما وراء الدائرة القطبية. وعلى الرغم من أن هذا المناخ يوصف عمومًا بأنه معتدل إلا أن أغلب أنواعه ليست معتدلة بمعنى الكلمة، كما يدل على ذلك ارتفاع المدى الحراري بها، ولا يستثنى من ذلك إلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 النوع Cb أي المعتدل ذو الصيف الدافئ لأنه هو الوحيد الذي يكون فيه المدى الحراري السنوي صغيرًا. وفي جميع أنواع المناخ c يجب إلا ينخفض المعدل الحراري في أي شهر من شهور السنة عن -3 ْم، ولكن هناك على أي حال تباين ظاهر بين الأنواع التي يضمها هذا المناخ سواء في المعدلات الحرارية أو في المدى السنوي للحرارة. وأهم الأنواع التي تنتمي إلى هذا المناخ هي: أ- أنواع ممطرة طول العام Cf وتشمل: 1- نوع حار صيفًا cfa. 2- نوع دافئ صيفًا cfb. 3- نوع معتدل صيفًا cfc. ب- أنواع جافة شتاء cw وتشمل: 1- نوع حار صيفًا cwa. 2- نوع دافئ صيفًا cwB. ج- أنواع جافة صيفًا CS وتشمل: 1- نوع حار صيفًا csa. 2- نوع دافئ صيفًا cab. أ- أنواع المناخ cf "المعتدل الممطر طول العام": 1- النوع CFA "الحار صيفًا": وتوجد أهم مناطقه بشكل نطاقات ساحلية امتدادها العام بين الشمال والجنوب فيما بين كل من المدارين وخط عرض 40 ْ شمالًا أو جنوبًا، وتوجد "أكبر نطاقاته في الولايات المتحدة حيث يشغل حوالي ثلث المساحة الكلية للبلاد ما بين الساحل الشرقي وخط طول 102 غربًا. ووفي أمريكا الجنوبية يوجد منه في شرق القارة نطاق كبير يضم مساحات كبيرة من جنوب شرق البرازيل ومن أوروجواي والأرجنتين، وفي العالم القديم تنتمي إليه معظم الصين الجنوبية وأجزاء كبيرة من جزر اليابان في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 آسيا وإقليم ناتال في جنوب شرق إفريقية وحوض نهر اليو والجزء الأدنى من حوض الدانوب في أوروبا. وفي أستراليا ينتمي إليه معظم إقليم المرتفعات إلى الجنوب من مدار الجدي. وهذا النوع شديد الحرارة في الصيف وفيه تتراوح معدلات أشد الشهور حرارة بين 24 ْو27 ْم، أما الشتاء فمعتدل وتتراوح معدلاته بين 3 ْو12 ْ، ولكن بما أن الامتداد العام لنطاقات هذا المناخ يسير بين الشمال والجنوب في عروض كثيرة، فإن هناك فروقًا حرارية كبيرة بين الأجزاء الشمالية والأجزاء الجنوبية للنطاق الواحد. والتأثير البحري على هذا المناخ واضح بسبب موقع نطاقاته على امتداد السواحل، ولذلك فإن المدى الحراري اليومي والسنوي على طول سواحله منخفضان نوعًا ما. شكل "76" معتدل ممطر طول شكل "77" معتدل ممطر طول العام حار صيفًا العام دافئ صيفًا وتتراوح المعدلات السنوية للمطر بين 75 و150 سم. وهي موزعة على جميع الأشهر، ولكنها تزداد في فصل الصيف بسبب هبوب الرياح التجارية أو الموسمية من ناحية البحر، وتتعرض مناطق هذا المناخ في الصين وجنوب شرق الولايات المتحدة لغزو بعض الأعاصير المدارية العنيفة التي يطلق عليها اسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 "التيفون" في الصين، واسم "الهاريكين" في أمريكا وهي تساعد على زيادة أمطار الصيف، وتؤدي في كثير من الأحيان إلى حدوث بعض التخريب. ويتعرض جنوب الولايات المتحدة كذلك لغزو أعاصير "الترنادو" التي تشتهر بشدة تخريبها "راجع أرقام شارلستون وبورت ليزابيث". والحياة النباتية عبارة عن غابات نفضية تختلط بها غابات صنوبوية في مناطق التربة الحمضية وعلى المنحدرات العالية، وحيثما يقل المطر في السهول الداخلية تنمو حشائش الإستبس. 2- النوع cfb "الدافئ صيفًا": وهو يوجد بجوار النوع الحار cfa من ناحية القطب وعلى المنحدرات الأكثر ارتفاعًا، وهو يشغل في أوروبا نطاقًا شاسعًا يمتد من خط عرض 40 ْ حتى خط عرض 63 ْ. ومن السواحل الغربية لأيرلنده نحو الشرق حتى خط طول 28 ْ شرقًا وتقدر مساحته بنحو 30% من المساحة الكلية لهذه القارة. وفي أمريكا الشمالية تنتمي إليه منطقتان إحداهما على السواحل الغربية بين شمال الولايات المتحدة وجنوب ألاسكا، والثانية على مرتفعات الأبلاش وسط النوع الحار الذي يحتل المناطق السهلية. وفي نصف الكرة الجنوبي تنتمي إليه منطقة صغيرة في أقصى جنوب شرق إفريقيا ومنطقة ثانية أكبر نسبيًّا في أقصى جنوب شرق أستراليا, وفي أمريكا الجنوبية تنتمي إليه منطقتان صغيرتان إحداهما جنوب مدينة ريو دي جانيرو على الساحل الشرقي، والثانية بين خطي عرض 40 ْو50 ْ جنوبًا على الساحل الغربي. وهذا النوع معتدل الحرارة بصفة عامة، وتتراوح معدلاته الحرارية السنوية بين 5 ْو12 ْم، ومع ذلك فإن الصيف يميل للحرارة، ولكن معدلاته لا تزيد غالبًا على 22 ْم في أي شهر من الشهور. وقد تحدث في هذا الفصل موجات حرارية ترتفع في أثنائها النهايات العظمي إلى ما يقرب من 40 ْ، ولكن هذا لا يحدث إلا في حالة قليلة عندما يصل هواء مداري قاري حار من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 الجنوب في مقدمة المنخفضات الجوية، أما الشتاء فيميل للبرودة وقد تنخفض بعض معدلاته الشهرية عن درجة التجمد، وكثيرًا ما تحدث في أثنائه موجات برد قارصة نتيجة لهبوب هواء قطبي من الشمال في مؤخرة المنخفضات الجوية. وقد تستمر بعض هذه الموجات بضعة أيام تكون فيها درجة الحرارة أقل من درجة التجمد بكثير. والمدى الحراري السنوي واليومي كلاهما منخفض نوعًا منا على السواحل ولكنهما يتزايدان كلما توغلنا في اليابس نتيجة لتزايد المظاهر القارية. وأمطار هذا المناخ كثيرة وموزعة على جميع الأشهر ولكنها تبلغ قمتها شتاء في غرب القارات بسبب تزايد نشاط المنخفضات الجوية، وتتزحزح هذه القمة نحو الربيع أو الصيف كلما تعمقنا في اليابس نحو الشرق نتيجة لتزايد نشاط التيارات الصاعدة بسبب ارتفاع درجة الحرارة، وتتناقص كمية المطر عمومًا كلما سرنا في نفس الاتجاه، فبينما يتراوح المعدل السنوي في سهول شرق أوروبا بين 50 و100 سم فإنه قد يزيد على 400 سم على سواحلها الغربية، وتكثر الأمطار بصفة خاصة على المنحدرات الجبلية الغربية المواجهة للمحيط، وكثيرًا ما تسقط الأمطار خصوصًا في الشتاء بصورة ثلج. ونظرًا لارتفاع الرطوبة النسبية فإن الضباب يعتبر من الظاهرات الشائعة الحدوث "راجع أرقام بوردو ووارسو". والحياة النباتية غنية في هذا المناخ وأغلبها عبارة عن غابات نفضية، أو صنوبرية على المرتفعات، ولكن أغلب هذه الغابات أزيلت وحلت محلها الزراعة. 3- النوع cfc "المائل للبرودة صيفًا": يمثل هذا النوع الامتداد الشمالي للنوع الدافئ cfa. وهو يظهر على ساحل النرويج بين خطي عرض 63 ْو70 ْ وفي جنوب أيسلندة وجزر فاروس وشتلاند وبعض الجبال العالية في بريطانيا، وعلى سواحل ألاسكا وأرخبيل ألوشيان وفي جزء صغير في الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية وجزر فولكلاند. ويلاحظ أن كل هذه المناطق عبارة عن مناطق ساحلية، ولذلك فإن المدى الحراري بها صغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 وتتراوح المعدلات الشهرية في معظم المناطق بين -3 ْ لأبرد الشهور و13 ْ لأدفئها. والأمطار موزعة على جميع الأشهر، ولكن معظمها يسقط في نصف السنة الشتوي بسبب نشاط المنخفضات الجوية، وتسقط معظم أمطار الشتاء بصورة ثلج، وتتراوح المعدلات السنوية بين 75 و150 سم. "راجع أرقام ريكيافيك وكودياك". والحياة النباتية معظمها عبارة عن حشائش تختلط بها في بعض المواضع بعض الغابات الصنوبوية. ب- أنواع المناخ cw "الجاف شتاء": 1- النوع cwa "الحار صيفًا": هذا النوع هو أشد أنواع المناخ "c" حرارة، وخصوصًا في الصيف، ولولا أن به فصلًا واضحًا يميل للبرودة لما اختلف عن المناخ المداري، ومع أن مناطق واسعة منه تقع بين المدارين فإنه شكل 78 معتدل ممطر طول العام مائل للبرودة صيفًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 يصل في بعض مناطق شمال الصين وكوريا إلى خط عرض 40 ْ شمالًا. وينتمي إليه قسم كبير من وسط الصين وجنوبها وأجزاء من الهند الصينية، وفي إفريقيا ينتمي إليه نطاق المرتفعات الممتد في جنوب القارة بين خطي عرض 10 ْو17 ْ جنوبًا حيث يشمل مرتفعات أنجولا وزامبيا وتنزانيا، كما يشغل كثيرًا من مرتفعات شرق القارة ومرتفعات جزيرة مدغشقر. وفي أمريكا الجنوبية يوجد على المرتفعات المحيطة بالمناخ aw "السفانا" وهو يوجد غالبًا في المستويات التي لا يزيد ارتفاعها على 1600 متر، ويجاوره من أعلى النوع الدافئ cwb. ومعدلات الحرارة مرتفعة جدًّا في نصف السنة الصيفي، وأشد الشهور حرارة هو الشهر الذي يسبق موسم المطر مباشرة "مايو في نصف الكرة الشمالي". وكثيرًا ما يزيد معدله على 30 ْ. أما الشتاء فمعتدل، وسماؤه صافية، وأبرد شهوره هو شهر يناير الذي يتراوح معدله بين 14 ْو18 ْم. والأمطار لا تختلف في نوعها أو توزيعها الفصلي عن أمطار مناخ السفانا "AW" فأغلبها من أمطار التصعيد، وموسم سقوطها هو فصل الصيف تبعًا لحركة الشمس الظاهرية, ولكن معدلاتها تتباين تباينًا كبيرًا على حسب ظروف الموقع واتجاه المنحدرات بالنسبة للرياح الممطرة، فبينما تزيد في بعض الأماكن على 200 سم فإنها قد تهبط في أماكن أخرى إلى أقل من 60 سم، وعلى الرغم من جفاف فصل الشتاء فإن قليلًا من المطر قد يسقط في أثنائه بسبب المنخفضات، ومع ذلك فيجب أن يظل الجفاف واضحًا ولو في شهر واحد على الأقل، بحيث لا يزيد معدل هذا الشهر على 1/ 10 من معدل أكثر الشهور مطرًا. وهذا شرط مهم لتحديد هذا المناخ "راجع أرقام هونج كونج وسولزبري". والحياة النباتية أغلبها غابات عريضة الأوراق دائمة الخضرة في المناطق كثيرة المطر، وتتحول إلى غابات شبه نفضية أو حشائش من نوع السفانا حيثما يقل المطر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 النوع CWb "الدافئ صيفًا": يوجد هذا المناخ دائمًا في مستويات أعلى من المستويات التي يوجد فيها النوع cwa أو على جانبه الأقرب إلى القطبين. وتوجد منه في الهند وبرما والصين أشرطة ضيقة محصورة بين النوع الحار cwa من ناحية القمم الجبلية المرتفعة من ناحية أخرى، أما في إفريقيا فتنتمي إليه بعض مرتفعات الحبشة ومرتفعات مدغشقر. وفي أمريكا الجنوبية تنتمي إليه بعض المنحدرات العليا لجبال الإنديز. كما تنتمي إليه في أمريكا الشمالية مدينة مكسكو سيتي والمنطقة المجاورة لها من ناحية الشرق. ودرجة حرارة هذا المناخ أقل منها في النوع cwa، ففي الصيف تتراوح المعدلات الشهرية بين 17 ْو20 ْم، وأما في الشتاء فتتراوح بين 13 ْو17 ْم. ولذلك فإن المدى الحراري السنوي منخفض نسبيًّا، وهي صفة من الصفات المعروفة عن مناخ المناطق المرتفعة عمومًا، ويمكن أن يعتبر هذه النوع في الواقع مثالًا صادقًا للمناخ المعتدل. والأمطار أقل نوعًا ما منها في النوع cwa وموسم سقوطها هو فصل شكل "80" معتدل شتاء شكل "81" معتدل جاف شتاء دافئ صيفًا حار صيفًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 الصيف، ولكنها تتباين تباينًا كبيرًا في كميتها من مكان إلى آخر على حسب الظروف المحلية، وتتراوح معدلاتها على العموم بين 50 و120 سم، "راجع أرقام أديس أبابا ومكسكو سيتي". والحياة النباتية في جملتها عبارة عن حشائش من نوع الإستبس. أنواع المناخ csa "الجاف صيفًا": 1- النوع csa "الحار صيفًا": يوجد هذا النوع بصفة خاصة في حوض البحر المتوسط. ولذلك فإنه يشتهر باسم "مناخ البحر المتوسط". ومع ذلك فإن هذه التسمية ليست دقيقة؛ لأن بعض أجزاء هذا الحوض نفسه لها صفات مناخية خاصة لا تتفق مع الصفات المعروفة لهذا المناخ، كما أن نفس هذا النوع يتمثل بصورة أكثر وضوحًا في مناطق أخرى بعيدة عن هذا الحوض كما هي الحالة في وادي كاليفورنيا وفي منطقة رأس الرجاء الصالح وفي الطرفين الجنوبي الشرقي والجنوبي الغربي لأستراليا، وفي آسيا بالذات يتوغل هذا المناخ نحو الشرق لمسافة كبيرة قد تصل إلى خط طول 80 ْ شرقًا تقريبًا. وهو يوجد في بعض المناطق مجاورًا للنوع csb إلا أن هذا الأخير يكون دائمًا في المستويات الأكثر ارتفاعًا أو على الجوانب الأقرب إلى القطبين، فهما مثلًا موجودان معًا في تركيا وإيران وأفغانستان وباكستان وجنوب الاتحاد السوفيتي. ويمتد النطاق الذي يشغلانه معًا في آسيا لمسافة تزيد على 7000 كم إلى الشرق من ساحل البحر المتوسط، ولمسافة 1750كم بين الشمال والجنوب. وأغلب هذا النطاق عبارة عن هضاب وجبال تفصلها سهول صغيرة وتقطعها وديان عميقة وهذه السهول والوديان هي التي تنتمي فعلًا إلى نوع csa بينما تنتمي المناطق التي تليها في الارتفاع إلى النوع الدافئ csb. وتدخل السهول الساحلية والوديان المجاروة للبحر المتوسط نفسه ضمن النوع csa وينطبق نفس الكلام على المناطق المرتفعة التي يوجد فيها هذان النوعان متجاورين في باقي القارات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 ومن الصفات البارزة لهذا النوع أن صيفه شديد الحرارة، والسماء فيه صافية وأشعة الشمس قوية، ولا تكاد تقل حرارة الصيف هنا عنها في مناخ الإستبس المعتدل المجاور له BSK. وترتفع معدلات بعض أشهر هذا الفصل عن 23 ْم. وقد ترتفع النهايات العظمى في بعض الأيام إلى 45 ْ أو أكثر. أما الشتاء فمعتدل، وتتراوح معدلاته بين 5 ْو13 ْم، ولكن كثيرًا ما تحدث موجات برد قارصة نتيجة لوصول هواء قطبي شديد البرودة في مؤخرة بعض المنخفضات الجوية، وقد تنخفض النهايات الصغرى في أثناء هذه الموجات إلى أقل من درجة التجمد. وموسم المطر في المناخ CSA هو الشتاء عندما تدخل مناطقه في نطاق الرياح الغربية أما الصيف فجاف، ويكون الجو فيه صحوًا لأن هذه المناطق تدخل في أثنائه في نطاق الضغط المرتفع وراء المداري والأمطار في جملتها إعصارية بسبب المنخفضات الجوية التي تكثر في الشتاء، وهي تتناقص عمومًا من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق، وتكثر بصفة خاصة على المنحدرات الغربية للجبال، وتتراوح المعدلات السنوية بين 50 و100 سم "راجع أرقام الجزائر وطشقند". والحياة النباتية الطبيعية عبارة عن غابات وأحراج دائمة الخضرة تشتهر باسم "غابات البحر المتوسط" وحيثما يقل المطر تنمو بعض حشائش الإستبس. 2- النوع Csb "الدافئ صيفًا": يوجد هذا النوع مجاورًا للنوع الحار csa، ولكن على الجوانب الأقرب إلى القطب أو على المستويات الأعلى أو على السواحل، ويلاحظ على أي حال أن معظم مناطق هذا النوع مكونة من أشرطة ساحلية طويلة موجودة في مختلف القارات ومن أهمها الأشرطة الموجودة في غرب الولايات المتحدة بين كاليفورينا وكندا، وفي جنوب شيلي، وفي غرب أيبيريا وفي رأس الرجاء الصالح والطرفين الجنوبي الشرقي والجنوبي الغربي لأستراليا. وحرارة الصيف في هذا النوع أقل منها في النوع csa ولا تزيد معدلاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 الشهرية عن 22 ْم. أما الشتاء فتكاد ظروفه تكون واحدة في النوعين وتتراوح معدلات أشهره بين 4 ْو10 ْوالمدى الحراري السنوي على هذا الأساس ليس كبيرًا. والواقع أن هذا المناخ معتدل بمعنى الكلمة، وهو أحد الأنواع القليلة التي يصدق عليها هذا الوصف. ومع ذلك فقد تمر به في بعض أيام الشتاء موجات برد قارصة يسببها وصول هواء قطبي في مؤخرة بعض المنخفضات الجوية. والأمطار أكثر وموسمها أطول نوعًا ما منها في النوع الحار csa، وهي مثلها تتناقص كلما اتجهنا جنوبًا وكلما ابتعدنا نحو الشرق. وموسمها الرئيسي هو الشتاء بسبب كثرة المنخفضات الجوية، وتتراوح معدلاتها السنوية بين 60 و120 سم. ويعتبر الضباب من الظاهرات الشائعة على السواحل في هذا المناخ، ويساعد على كثرته رطوبة الهواء ومرور بعض التيارات البحرية الباردة بجوار هذه السواحل وأهمها تيار كاليفورنيا وتيار بيرو وتيار بنجويلا. "راجع أرقام لوس أنجلس وكيب تاون". شكل "82" معتدل جاف شتاء شكل "83" بارد ممطر طول العام دافئ صيفًا حار صيفًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 والحياة النباتية غنية بسبب وفرة المطر وتنوع مظاهر التضاريس، وأغلبها غابات دائمة الخضرة من نوع غابات البحر المتوسط، وهي تمثل في بعض المناطق مصدرًا من أهم مصادر الأخشاب في العالم، وينطبق هذا بصفة خاصة على بعض غابات الولايات المتحدة، وهي غابات تشتهر بعلو أشجارها وسمك جذوعها واستقامتها. رابعًا- المناخ "D" البارد: تشترك جميع أنواع هذا المناخ في أنها شديدة البرودة في الشتاء. وهي لا توجد إلا في نصف الكرة الشمالي حيث تشغل نطاقين كبيرين أحدهما في شمال أوراسيا بين خطي عرض 50 ْو75 ْ، والثاني في شمال أمريكا الشمالية بين خطي عرض 40 ْو75 ْوتمتد من هذين النطاقين نحو الجنوب السنة محدودة تشمل بعض المناطق الجبلية العالية، وعلى حسب تحديد كوبن فإن هذا المناخ يجب أن يكون به في الصيف شهر يتراوح معدل حرارته بين 10 ْو18 ْم ويكون به في الشتاء شهر معدله -3 ْم أو أقل. ومعظم أقاليم هذا المناخ قارية، والفرق الحراري بين صيفها وشتائها كبير، حيث يزيد المدى الحراري غالبًا عن 20 درجة مئوية. ونظرًا لأن جميع أنواع هذا المناخ تشترك في قسوة برودة الشتاء فإن أفضل الأسس لتقسيمه هي: أولًا- التوزيع الفصلي للمطر، وثانيًا- معدلات درجة حرارة فصل الصيف. فعلى أساس توزيع المطر يقسم هذه النوع إلى قسمين هما: 1- نوع ممطر طول العام، DF. 2- نوع جاف في الشتاء DW. أما على أساس حرارة فصل الصيف فيقسم كل نوع من هذين النوعين إلى أربعة أقسام كما يأتي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 أ- أقسام المناخ DF "الممطر طول العام". النوع DFa "الحار صيفًا": توجد أكبر مناطقه في الولايات المتحدة بشكل مثلث رأٍسه عند بحيرة أيرى وقاعدته عند خط طول 100 ْ غربًا. وتوجد منه مناطق أخرى صغيرة متفرقة في العالم مثل منطقة نهر الدونتز في الاتحاد السوفيتي ومنطقة بودابست في المجر وبعض المنحدرات المنخفضة لجبال وسط آسيا وأجزاء من جزيرة هونشو باليابان. وأجزاء صغيرة من جبال أطلس. وهذا النوع متطرف في حرارته بسبب الفرق الكبير بين حرارة صيفه وبردة شتائه، فقد يزيد المدى الحراري السنوي عن 22 درجة، وترتفع معدلات أشد شهور الشتاء برودة عن درجة التجميد. وأمطار هذا النوع قليلة نسبيًّا، وتتراوح معدلاتها السنوية بين 60 و90 سم، وهي موزعة على جميع الأشهر ولكنها تزيد نسبيًّا في أواخر الربيع وأوائل الصيف، وأمطار الصيف معظمها من نوع أمطار التصعيد أما أمطار الشتاء فمعظمها أمطار إعصارية بسبب المنخفضات الجوية التي تكثر في هذا الفصل. وكثيرًا ما يؤدي ظهورها إلى حدوث عواصف ثلجية حيث يندفع الهواء القطبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 القارص مع جبهاتها الباردة، وتشتهر هذه العواصف في شمال أمريكا الشمالية باسم البليزارد BLIZZARD. ويشتهر هذا النوع في الولايات المتحدة كذلك بظهور بعض أعاصير الترنادو المدمرة، فلا يكاد يمر عام دون أن تصاب مناطقه بأحد هذه الأعاصير التي يتعرض لها كذلك النوعان CFA وCFb "راجع أرقام شيكاغو وبودابست". والحياة النباتية في جملتها عبارة عن حشائش من نوع الإستبس، كما تنمو بعض الغابات النفضية حيثما تتوفر المياه، وخصوصًا على جوانب الأنهار. 2- النوع DFb "الدافئ صيفًا": الفرق الرئيسي بين هذا النوع والنوع السابق DFa هو أن معدلاته الحرارية أقل نوعًا ما سواء في الصيف أو في الشتاء. ففي الصيف لا تزيد معدلات أشد الشهور حرارة في الغالب عن 16 ْم، وفي الشتاء تنخفض المعدلات عن درجة التجمد لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر وخمسة، وقد تنخفض في أبرد الشهور عن -16 ْم أو أقل, وقد تهبط النهايات الصغرى في بعض الأيام إلى -40ْ ْم والمدى الحراري السنوي مرتفع كما هي الحال في النوع DFa. ويوجد هذا النوع في نطاقين أحدهما في شمال الولايات المتحدة وجنوب كندا، والثاني في شمال أوراسيا، كما أنه يظهر كذلك على بعض الجبال المرتفعة إلى الجنوب من هذين النطاقين مثل جبال روكي والألب والبرانس والكربات وبعض جبال آسيا الصغرى والقوقاز ووسط آسيا، كما توجد منه منطقة صغيرة في الجزيرة الجنوبية من جزر نيوزيلندة. وتسقط الأمطار طول السنة في بعض المناطق مثل شمال شرقي الولايات المتحدة وشرق كندا، ولكنها تقل نوعًا ما في نصف السنة الشتوي وتتباين كمياتها تباينًا واضحًا من مكان إلى آخر تبعًا لتباين ظروف الموقع والتضاريس وهي تتراوح على أي حال بين 50 و100 سم. وأغلب الأمطار من النوع الإعصاري وتسقط أمطار الشتاء غالبًا بصورة الثلج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 ويؤدي تراكمه في بعض الأماكن إلى تكوين طبقة ثلجية يتغطى بها سطح الأرض حوالي ستة أشهر, "راجع أرقام موسكو وهاليفاكس" "كندا". الحياة النباتية تتباين من مكان إلى آخر بسبب تباين كمية المطر ودرجة الحرارة، فمنها الغابات النفضية التي تنمو في الأماكن الأكثر دفئًا ومطرًا، والغابات الصنوبرية أو المختلطة التي تنمو في الأماكن الأقل دفئًا ومطرًا، وفي المناطق الجافة نسبيًّا تسود حشائش الإستبس. 3- النوع DFC "المائل للبرودة صيفًا": يوجد هذا النوع في نطاقات أوسع بكثير من نطاقات أنواع المناخ البارد الأخرى، ففي أمريكا الشمالية يمتد منه نطاق واسع بين سواحل ألاسكا وسواحل كندا الشرقية ويمتد من هذا النطاق ذراع نحو الجنوب فوق جبال روكي، وفي أوراسيا يمتد منه نطاق شاسع بين سواحل إسكنديناوة وخط طول 121 ْ شرقًا بعد أن يختفي قلب اليابس بين خطي طول 121 ْو161 ْ شرقًا يعود للظهور مرة أخرى في جزيرة سخالين وشبه جزيرة كمتشتكا. وينحصر هذا النطاق على وجه التقريب بين خطي عرض 60 ْو70 ْ شمالًا، ولكنه ينبعج نحو الجنوب في بعض الأماكن فوق الأقاليم الجبلية، حتى إنه يصل عند أعالي نهر أوب إلى قرب خط عرض 45 ْ. وهذا المناخ شديد البرودة ولكن يوجد به فصل صيف قصير يبلغ معدل أدفأ شهوره 10 ْم. والواقع أن كوبن يعتبر أن خط حرارة 10 ْ لأدفأ الشهور هو الحد الشمالي لهذا المناخ. أما الشتاء فطويل وشديد البرودة وتنخفض معدلات معظم شهوره عن درجة التجمد، ويكون الانتقال بين الصيف القصير والشتاء الطويل فجائيًّا تقريبًا، وتتعرض أشهر الشتاء أحيانًا للعواصف الثلجية المعروفة باسم البليزارد في أمريكا والبوران في روسيا، وقد تنخفض درجة الحرارة عند هبوبها إلى أقل من -40 ْ مئوية وتتغطى الأرض بالثلوج في معظم الشهور أو طول السنة، بل وتكون التربة نفسها متجمدة حتى في المناطق التي ينصهر جليدها السطحي في الصيف، وقد يمتد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 سمك طبقة التربة المتجمدة لبضع عشرات الأمتار تحت السطح، ومثل هذه المناطق هي التي يطلق عليها علميًّا تعبير بيرمافروست PERMafrost ومعناها الأرض المتجمدة على الدوام, وإن طول ساعات ظهور الشمس في صيف هذه العروض يمكن أن يعوض النقص في الحرارة, حيث تساعد كثرة الضوء على سرعة نمو النباتات بحيث يستطيع أن تتم حياتها ونضجها في فترة أقصر مما تحتاج إليه في العروض الأخرى، ويتراوح طول ساعات سطوع الشمس في الصيف بين 15 و18 ساعة تبعًا للفرق في خط العرض والأمطار أغلبها صيفية وتسقط بصورة ثلج، وتتراوح معدلاتها بين 40 و60 سم في السنة "راجع أرقام أركانجل". والحياة النباتية الطبيعية معظمها من الغابات الصنوبرية القصيرة التي يطلق عليها اسم التايجا. وهي تتناقص في كثافتها كلما اتجهنا شمالًا نحو مناطق التندرا، وتتميز بعض المناطق مثل شرق سيبريا بنوع من الغابات الصنوبرية التي تنفض أوراقها في الشتاء بسبب شدة البرودة، وهي تعرف أحيانًا باسم "الغابات الصنوبرية النفضية"1. وتنحصر أعمال السكان في هذا المناخ في الصيد وقطع الأشجار وقليل من الزراعة. 4- النوع DFd "البارد صيفًا": يشغل هذا النوع منطقتين صغيرتين من سيبريا إحداهما إلى الغرب من نهر لينا والثانية إلى الشمال من شبه جزيرة كمتشتكا وهو نوع شديد البرودة بحيث تنخفض معدلات خمسة شهور في نصف السنة الشتوي عن -18 ْم وينخفض معدل أشدها برودة عن -27 ْ، وهناك فصل صيف طوله حوالي ثلاثة أشهر، وفيه تتراوح المعدلات بين 10 ْو15 ْم. أما المعدل السنوي فيكون دائمًا دون درجة التجمد.. والمدى الحراري السنوي مرتفع جدًّا وقد يصل إلى حوالي 55 ْم. ومعنى هذه الصفات أن هذا المناخ متطرف جدًّا وبالغ القسوة، أما المطر فقليل ويسقط كله تقريبًا بصورة ثلج، ويتراوح معدله بين 25 و40 سم وهو   1 Koppe, E. C. and Long, G. C., "Weather and Climate" 1958, P. 289. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 موزع على جميع الشهور ولكنه يزيد في الصيف عنه في الشتاء وأغلبه مطر إعصاري "راجع أرقام إيجاركا". وأغلب الحياة النباتية الطبيعية عبارة عن أشجار صنوبرية نفضية ولكنها تتدرج إلى التندرا تبعًا لتناقص درجة الحرارة والمطر. ب- أنواع المناخ dw "الجاف شتاء": 1- النوع DWa "الحار صيفًا": لا يوجد هذا النوع إلا في شرق آسيا بين خطي عرض 36 ْو47 ْحيث يضم معظم منشوريا وكوريا وشمال شرق الصين، ويطلق عليه أحيانًا اسم "مناخ منشوريا" وهو نوع قاري شديد الحرارة في الصيف وشديد البرودة في الشتاء. وقد يرتفع فيه معدل أشد الشهور حرارة وهو شهر يوليو إلى 24 ْم وينخفض معدل أبرد الشهور وهو يناير إلى -15 ْم، ومعنى ذلك أن المدى الحراري يصل إلى 40 ْم. ويرجع ارتفاع هذا المدى إلى شدة الشتاء أكثر من رجوعه إلى شدة حرارة الصيف. والأمطار كلها تقريبًا صيفية بسبب الرياح الموسمية، وتتراوح معدلاتها السنوية بين 50 و75، أما الشتاء فجاف ولكن قد يسقط به قليل من المطر عندما تصل بعض المنخفضات الجوية من ناحية الغرب، وأكثر الشهور مطرًا هو شهر يوليو، ويزيد معدله عن عشرة أمثال أشد الشهور جفافًا وهذا شرط من الشروط التي وضعها كوبن لتحديد هذا النوع من المناخ "راجع أرقام مكدن". والحياة النباتية في جملتها من حشائش الإستبس، وقد تنمو بعض الغابات النفضية أو الصنوبرية في بعض الأماكن التي يزداد فيها المطر نسبيًّا. 2- النوع DWb "الدافئ صيفًا": يقتصر وجود هذا النوع على شرق آسيا حيث يشغل نطاقات واسعة تحاصر النوع الحار dwa من الشمال والشرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 والغرب، وذلك في غرب منشوريا وشمالها، وشمال شرقي كوريا والركن الجنوبي الشرقي للاتحاد السوفيتي، وتقل المعدلات الحرارية فيه عنها في النوع الحار بنحو ثلاث أو أربع درجات مئوية، ففي الصيف لا يرتفع المعدل غالبًا في أي شهر عن 20 ْم، وفي الشتاء تنخفض المعدلات عن درجة التجمد لخمسة أشهر تقريبًا، والمدى الحراري مرتفع جدًّا حتى إنه قد يزيد على 50 درجة في معظم المناطق. والمطر قليل، ويتراوح معدله السنوي بين 40 و50 سم، وتسقط كله تقريبًا في الصيف بسبب الرياح الموسمية الصيفية، ولكن قد يسقط قليل من المطر في الشتاء بسبب وصول بعض المنخفضات الجوية من الغرب، ويسقط أغلب المطر بصورة ثلج خصوصًا في الشتاء "راجع أرقام فلاديفوستوك". وتتكون الحياة النباتية في جملتها من حشائش الإستبس، وتنمو بعض الغابات الصنوبرية والنفضية في المناطق ذات المطر الكثير نسبيًّا في الشرق والشمال، وهي ذات قيمة اقتصادية كبيرة. 3- النوع DWC "المائل للبرودة صيفًا": يقتصر وجود هذا النوع أيضًا على شرق آسيا وتمتد مناطقه إلى الشرق من بحيرة بايكال، وتوجد أكبرها في غرب منشوريا وشرق سيبيريا، وهو أقل حرارة من النوع السابق Dwb، فصيفه قصير ومائل للبرودة، ولا ترتفع معدلاته الحرارية في أي شهر من الشهور عن 16 ْم وتنخفض النهايات الصغرى فيه إلى ما دون درجة التجمد في أغلب الليالي، ومعظم شهور السنة الأخرى باردة, وتنخفض معدلات سبعة أشهر منها إلى ما دون درجة التجمد, وتنخفض في ثلاثة منها إلى -18 ْم أو أقل، وقد تنخفض النهايات الصغرى إلى أقل من 55 ْم، وتشتد البرودة بصفة خاصة في المناطق الداخلية القريبة من بحيرة بايكال. والأمطار قليلة، وتتراوح معدلاتها السنوية بين 20 و25 سم، يسقط أغلبها في الصيف، وقد تتغطى الأرض بالثلج في الشتاء، ولكن نظرًا لقلة المطر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 خامسًا- المناخ القطبي "Polar or ARCLIC": يشغل هذا المناخ نطاقات شاسعة في العروض العليا بين الدائرة القطبية والقطب، ويتمشى حده الجنوبي عمومًا مع خط حرارة 10 ْم لأدفإ الشهور؛ لأن هذا الخط هو الحد الذي لا تنمو وراءه أي أشجار أو محاصيل زراعية. وأمطار هذا المناخ قليلة جدًّا بسبب قلة بخار الماء الذي يحمله الهواء، وهي تأتي غالبًا في الصيف حيث تسقط بصورة ثلج. وتدخل ضمن هذا المناخ أيضًا بعض قمم الجبال العالية التي يغطيها الجليد طول السنة أو معظمها في العروض المتوسطة، ويكون موسم المطر على هذه الجبال متفقًا مع موسم سقوطه في المناطق التي حولها. ويمكن تقسيم المناخ القطبي على حسب درجة الحرارة إلى نوعين هما: 1- نوع التندرا ET: وفيه يوجد شهر واحد معدله فوق درجة التجمد ولكنه أقل من 10 ْم، وفيه تنمو نباتات عشبية وطحالب فقيرة وقصيرة العمر، ويغطى هذا النوع مناطق واسعة في شمال أمريكا الشمالية وبعض سواحل جرينلاند وسواحل الجزر الواقعة في المحيط المتجمد الشمالي، وكذلك بعض الأجزاء الشاهقة من جبال روكي والإنديز والهيمالايا والتبت، ويمكن أن نضم إلى هذا النوع بعض الأجزاء الصغيرة من السواحل الشمالية للقارة القطبية الجنوبية. ويرمز كوبن إلى المناخ القطبي الذي يسببه الارتفاع عن سطح البحر بالحرفين1 EH. 2- نوع الثلج الدائم "LCECAP" EF: وفيه تنخفض المعدلات الحرارية لجميع الشهور عن درجة التجمد، ويتغطى سطح الأرض بطبقات سميكة من الجليد الذي تجمع فوقها خلال عشرات الآلاف من السنين، وأهم مناطقها هي جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية.   1 H هي الحرف الأول من كلمة HOCH الألمانية ومعناها مرتفع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 شكل "84" بارد ممطر طول العام شكل "85" بارد طول العام مائل دافئ صيفًا للبرودة صيفًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 10- 2- 2- تقسيم أوستن ملر : اقترح أوستن ملر تقسيمًا للمناخ لا يختلف في أسسه العامة عن التقسيم الذي اقترحه ديمارتون الفرنسي في1 سنة 1925: والفرق الرئيسي بينهما هو أن ديمارتمون يستخدم المعدل الحراري 20 ْ مئوية في تحديده للأقاليم الحارة والمعدل 10 ْ في تحديده للفصل البارد في الأقاليم المعتدلة والباردة، أما أوستن ملر فيستخدم المعدل 18 ْ م في تحديده للأقاليم الحارة والمعدل 6 ْ مئوية في تحديده للفصل البارد في الأقاليم المعتدلة الباردة ولكنه يمتاز عنه، بل وعن معظم التقسيمات المناخية الأخرى بأنه يوضح العلاقة بين المناخ والحياة النباتية العامة بطريقة أكثر تحديدًا وواقعية2. فهو مثلًا يقسم الأنواع المناخية المختلفة التي   1 de martonne. E. "geographie. Physique." 1952. 2 الطبعة المنقحة Miller, A. Austin, "Climatology" 1944. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 تظهر في المناطق المعتدلة والباردة على أساس طول الفصل البارد أو الفصل الدافئ في كل منها، ورغم أن هذا الأساس هو نفس الأساس الذي اعتمد عليه معظم الباحثين الآخرين في تقسيماتهم فإن الحد الذي اقتراحه أوستن ملر لهذين الفصلين هو المتوسط الحراري 6 ْم، وهو المتوسط الذي يعتبر في نظر كثير من الباحثين حدًّا أدنى لا تستطيع معظم النباتات أن تنمو في أقل منه، ويطلق عليه لهذا السبب اسم "صفر النمو". فالفصل الدافئ في نظر أوستن ملر إذن هو نفس الفصل الذي يطلق عليه اسم فصل النمو، أما الفصل البارد فيتفق مع الفترة التي يتوقف في أثنائها نمو معظم النباتات، أي التي تنخفض معدلاتها الحرارية عن صفر النمو "6ْم". وفضلًا عن ذلك فقد اهتم أوستن ملر في تقسيمه بالربط بين توزيع كل من الأمطار ودرجة الحرارة على أشهر وفصول السنة وذلك على اعتبار أن القيمة الفعلية للأمطار ليست متوقفة على مقدار ما يسقط منها فحسب بل إنها تتوقف كذلك على درجة حرارة الفصل الذي تسقط فيه وعلاقة ذلك بحياة النباتات ووقت نموها، وفيما يلي عرض مختصر للأنواع المناخية الرئيسية، وسنعود لدراستها بشيء من التفصيل بعد إدخال بعض التعديلات عليها فيما بعد، ويلاحظ أن كل نوع من الأنواع التي يضمها التقسيم قد رمز له بحرف معين وأعطي له كذلك رقم معين، وقد ميزت الأنواع التي لها نظام موسمي بالحرف "m" "monsoon" الذي يمكن أن نستبدله بالحرف "م" إلا أن الرموز التي تستخدم في هذا التقسيم ليست لها معان دقيقة محددة مثل الرموز التي استخدمها كوبن koppen، بل إنها تتخذ كما يذكر أوستن ملر نفسه كعلامات تقريبية، وليس من الضروري التقيد بها ما دام من الممكن استبدالها بغيرها. A "أ"- مناخ حار لا يقل المتوسط السنوي لدرجة الحرارة فيه عن 18 ْم، وهو يضم معظم الأقاليم الاستوائية والمدارية ويشمل الأنواع الآتية: 1- نوع استوائي له قمتان للأمطار تتفقان مع فصلي الاعتدالين، وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 يظهر عادة في منطقة الركود الاستوائي، وتسقط كل أمطاره بسبب التيارات الصاعدة. 1م- نوع استوائي له نظام موسمي. 2- نوع مداري بحري أمطاره موزعة توزيعًا منتظمًا تقريبًا على جميع شهور السنة ويظهر على السواحل الشرقية للقارات في المناطق التي تتعرض طول السنة لهبوب الرياح التجارية التي تهب من ناحية البحر. 2م- نوع مداري بحري له نظام موسمي. 3- نوع مداري قاري أمطاره صيفية من نوع الأمطار الاستوائية، وهي تسقط نتيجة لتزحزح منطقة الركود الاستوائي تبعًا لحركة الشمس الظاهرية. 3م- نوع مداري قاري له نظام موسمي. B "ب"- مناخ معتدل دافئ "أو شبه مداري" ليس به فصل بارد، بمعنى أن معدل درجة الحرارة لا ينخفض في أي شهر من الشهور عن 6 ْم، ويشمل الأنواع الآتية: 1- نوع غرب القارات "مناخ البحر المتوسط" ويمتاز بأن أمطاره تسقط في الشتاء. 2- نوع شرق القارات وتسقط أمطاره طول العام. 3م- نوع شرق القارات الموسمي ويمتاز بأن أمطاره تبلغ قمتها في فصل الصيف. C "ج"- مناخ معتدل بارد، ويميزه وجود فصل بارد يتراوح طوله بين شهر واحد وخمسة أشهر، ولا يرتفع المتوسط الشهري لدرجة الحرارة في أي شهر منها عن 43 ْف "6 ْم" ويشمل الأنواع الآتية: 1- نوع بحري أمطاره طول العام ولكن قد تكون لها قمة شتوية. 2- نوع قاري تسقط معظم أمطاره في فصل الصيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 3م- نوع قاري موسمي أمطاره صيفية ولكنها أغزر منها في النوع رقم "2" أي النوع القاري. D- مناخ بارد يتميز بأن متوسط درجة الحرارة لا يزيد فيه على 43 ْف "6ْ ْم" في ستة أشهر على الأقل، ويلاحظ أن الأنواع التي يشملها هذا المناخ تتشابه في تقسيمها مع الأنواع التي يشملها المناخ المعتدل البارد. 1- نوع بحري أمطاره طول العام ولكن قد تكون لها قمة شتوية. 2- نوع قاري تسقط معظم أمطاره في الصيف. 3م- نوع قاري موسمي أمطاره صيفية ولكنها أغزر منها في النوع رقم "2" أي النوع القاري. E "هـ"- مناخ قطبي يمتاز ببرودته طول العام بحيث لا يزيد المتوسط الحراري على 43 ْ في تسعة أشهر على الأقل، وربما تتغطى الأرض بالجليد طول السنة. F "و"- مناخ الصحاري، وفيه يجب ألا يزيد متوسط كمية الأمطار السنوية على 10 بوصات "25.4 سنتيمترًا" ويشمل النوعين الآتيين: 1- نوع الصحاري الحارة، وفيه لا ينخفض متوسط درجة الحرارة في أي شهر من الشهور عن 43 ْف. 2- نوع الصحاري الباردة وفيه يجب أن يوجد فصل بارد لا يقل طوله عن شهر واحد وتكون درجة الحرارة في أثنائه 43 ْف أو أقل. G "ز"- مناخ الجبال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 10 – 2 – 3 – خلاصة التقسيمات المناخية العامة : في ضوء العرض السابق لتقسيمي كوبن وأوستن ملر يمكننا أن نقسم العالم تقسيمًا مناخيًّا يتمشى في نظامه العام مع تقسيم أوستن ملر، ولكنه يختلف عنه من بعض الوجوه، فبينما يقسم أوستن ملر الصحاري إلى نوعين رئيسيين فقط هما الصحاري الحارة والصحاري الباردة فقد رأينا أن نقسمها إلى ثلاثة أنواع هي الصحاري الحارة والصحاري المعتدلة والصحاري الباردة. وبينما يحدد أوستن ملر المناخ الصحراوي عمومًا بأنه هو المناخ الذي لا تزيد فيه كمية أمطاره السنوية على عشر بوصات "25.4 سنتيمترا" فقد رأينا أن نحدد هذا النوع من المناخ على أساس القيمة الفعلية للأمطار، لا على أساس كمية ما يسقط منها فقط بسبب اختلاف هذه القيمة اختلافًا كبيرًا في الأقاليم الحارة عمومًا عنها في الأقاليم المعتدلة أو الباردة، وقد استخدمنا لذلك معامل الجفاف الذي اقترحناه ونشرناه لأول مرة في سنة 1954 وملخصه هو أن الصحاري تظهر إذا كانت كمية الأمطار أقل من درجة الحرارة المئوية مضافًا إليها معامل ثابت هو 9، وعلى هذا الأساس يكون الحد بين الصحاري ومناطق الحشائش هو م= ح + 9. وبينما يدخل أوستن ملر مناطق الجبال والمرتفعات في جميع العروض ضمن نوع مناخي واحد فقد فضلنا أن نعالجها في تقسيمنا ضمن النطاقات العامة التي توجد فيها لأن ذلك يفيدنا في توضيح أثر العوامل المحلية في تنوع المناخ داخل النطاق الواحد، خصوصًا وأن أنواع المناخ التي تتمثل على جوانب الجبال وكذلك الأنواع النباتية التي تصاحبها ليست متشابهة تمامًا في جميع العروض. وهكذا فإن التقسيم الذي نقترحه وسنسير عليه في دراستنا القادمة لمناخ العالم يتلخص فيما يلي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 أولًا- الأقاليم الحارة: وفيها لا ينخفض المعدل الشهري لدرجة الحرارة في أي شهر من الشهور عن 18 ْ مئوية "إلا في المناطق الجبلية" وهي تضم الأقاليم الآتية: "أ" الأقاليم الاستوائية: وهي ممطرة طول العام بسبب التيارات الصاعدة. "ب" الأقاليم المدارية، وتشمل: 1- أقاليم مدارية قارية ممطرة صيفًا بسبب التيارات الصاعدة "نوع السودان". 2- أقاليم مدارية بحرية مطرها طول العام بسبب الرياح التجارية "نوع موزمبيق". "ج" الأقاليم الموسمية وتشمل: 1- الأقاليم الموسمية الاستوائية وهي ممطرة طول العام بسبب التيارات الصاعدة والرياح الموسمية "نوع إندونيسيا". 2- الأقاليم الموسمية المدارية وهي ممطرة صيفًا "نوع الهند" وبعضها ممطر شتاء كذلك بسبب الرياح الموسمية الشتوية مثل الفلبين. "د" مناخ الجبال في الأقاليم الحارة. ثانيًا- الأقاليم المعتدلة الدافئة: وفيها لا تقل درجة الحرارة في أي شهر من الشهور عن 6 ْ مئوية، وتشمل: "أ" الأقاليم المعتدلة الدافئة في غرب القارات، وهي ممطرة شتاء بسبب المنخفضات الجوية والرياح الغربية "نوع البحر المتوسط" وبعضها ممطر طول العام مثل سواحل البرتغال. "ب" الأقاليم المعتدلة الدافئة في شرق القارات، وهي ممطرة طول العام بسبب الرياح التجارية في فصل الصيف والمنخفضات الجوية في فصل الشتاء "نوع ناتال". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 الشمالية، وهي ممطرة صيفًا بسبب الرياح الموسمية الصيفية، وقد تمطر بعض جهاتها شتاء بسبب المنخفضات الجوية "نوع منشوريا". خامسًا- الأقاليم القطبية: وفيها ينخفض معدل درجة الحرارة في معظم شهور السنة عن درجة التجمد، وقد يرتفع في بعض ِأشهر الصيف إلى 6 ْ مئوية أو أكثر قليلًا، وهي تشمل: "أ" أقاليم التندرا في شمال أوراسيا، وشمال كندا. "ب" أقاليم الثلج الدائم "نوع وسط جرينلاند". سادسًا- الأقاليم الصحراوية: ويحددها معامل الجفاف م = ح + 9 "م هي كمية المطر بالمليميترات، وح هي معدل درجة الحرارة بالدرجات المئوية" فهي بعبارة أخرى الأقاليم التي تقل كمية المطر بالسنتيمترات عن درجة الحرارة بالدرجات المئوية مضافًا إليها معامل ثابت هو 9، ويمكننا أن نقسمها على أساس المعدلات الحرارية إلى الأقسام الآتية: "أ" الصحاري الحارة: وفيها لا ينخفض المعدل الحراري في أي شهر من شهور السنة عن 13 ْ مئوية "55.4 ْف" "نوع الصحراء الكبرى". "ب" الصحاري المعتدلة، وفيها لا ينخفض المعدل في أي شهر من الشهور عن 6 ْمئوية "صفر النمو" "النوع بادية السام". "ج" الصحاري الباردة، وفيها ينخفض المعدل في بعض أشهر الشتاء إلى ما دون درجة التجمد. "نوع وسط آسيا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 مناخ العالم حسب خلاصة التقسيمات المناخية العامة الأقاليم الحارة مدخل ... 11 مناخ العالم حسب خلاصة التقسيمات المناخية العامة 11- 1- الأقاليم الحارة تحديدها: المقصود بالأقاليم الحارة على حسب أغلب التقسيمات المناخية هي الأقاليم التي لا ينخفض معدل درجة الحرارة فيها في أي شهر من الشهور عن 18ْ مئوية، وهي تشغل نطاقًا عظيم الاتساع حول خط الاستواء تقدر مساحته بأكثر من نصف مساحة سطح الكرة الأرضية كلها، وإن كنا نلاحظ أن القسم الأكبر من هذه الأقاليم عبارة عن مسطحات مائية مكونة من نطاقات عظيمة من المحيطات الثلاثة. وهذا النوع من المناخ أكثر انتشارًا في نصف الكرة الشمالي منه في نصفها الجنوبي، ويرجع ذلك، كما هو واضح، إلى أن اليابس في النصف الشمالي أعظم اتساعًا بكثير منه في النصف الجنوبي. وليس من شك أن نصيب القارة الإفريقية منه أكبر من نصيب أية قارة أخرى، فهو يشغل أكثر من ثلاثة أرباع القارة، ولا تخلو منه إلا مناطق محدودة في أطرافها الشمالية والجنوبية. وعلى الرغم من أن نطاق الأقاليم الحارة يتميز عمومًا بارتفاع درجة حرارته طول السنة فيجب أن نلاحظ أن نظام سقوط الأمطار ليس واحدًا في جميع أجزائه، كما نلاحظ أن الجبال المرتفعة الموجودة في بعض جهاته تتميز بظروف مناخية خاصة تجعل من الممكن وضعها ضمن نوع مناخي خاص، وفيما يلي وصف لأهم الأقاليم التي يضمها النطاق الحار وتوزيعها على سطح الكرة الأرضية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 11- 1- 1- الأقاليم الاستوائية : صفاتها العامة : تتخلص أهم الصفات المناخية التي تتميز بها هذه الأقاليم فيما يلي: 1- ارتفاع درجة الحرارة طول العام بحيث يندر أن ينخفض معدلها في أي شهر من الشهور عن 18 ْمئوية. 2- صغر المدى الحراري السنوي بحيث لا يزيد في متوسطه على ثلاث درجات مئوية "5.4 ْف" وكذلك صغر المدى اليومي الذي لا يزيد غالبًا على تسع درجات مئوية "16.2 ْف". 3- انخفاض الضغط الجوي وهدوء الرياح أو سكونها في معظم الأحيان حيث إن هذه الأقاليم تقع عمومًا في نطاق الركود الاستوائي. 4- ارتفاع الرطوبة النسبية في الجو بسبب كثرة المسطحات المائية مع شدة الحرارة التي تساعد الهواء على حمل مقادير عظيمة من بخار الماء، ويلاحظ أن اجتماع الحرارة والرطوبة الشديدتين مع سكون الهواء هو الذي يجعل مناخ هذه الأقاليم ثقيلًا لا يبعث على النشاط والعمل. 5- غزارة الأمطار طول السنة مع ظهور قمتين لها في فصلي الربيع والخريف وهي في جملتها من نوع أمطار التيارات الصاعدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 درجة الحرارة : من المعروف أن الشمس تتعامد على خط الاستواء مرتين في السنة، كما أنها لا تميل عنه في أي وقت من الأوقات عند تزحزحها الظاهري نحو الشمال أو نحو الجنوب بأكثر من 23.5ْ من درجات العرض، ولهذا السبب نجد أن المتوسط السنوي لدرجة الحرارة في المنطقة الاستوائية بصفة عامة أعلى منه في أي منطقة أخرى فوق سطح الأرض، ولكن يجب ألا نفهم من هذا أن النطاق الاستوائي هو أشد بقاع العالم حرارة في جميع الفصول دون استثناء، حيث إن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 بعض الأقاليم المدارية التي تمتد إلى الشمال وإلى الجنوب منه مباشرة تمتاز بأن صيفها شديد الحرارة جدًّا وخصوصًا في داخل اليابس، حتى إنها كثيرًا ما تكون في هذا الفصل أشد حرارة من الأقاليم الاستوائية، وترجع هذه الظاهرة إلى عاملين رئيسيين هما: أولًا: أن طول النهار يزداد في فصل الصيف كلما بعدنا عن خط الاستواء، فعند المدارين مثلًا يبلغ طول النهار حوالي 13.5 ساعة في يوم 21 يونيو، أما عند خط الاستواء فلا يزيد طول النهار ولا ينقص بشكل ملموس عن 12 ساعة في جميع أيام السنة تقريبًا، ولهذا فإن ما تكسبه الأرض من حرارة الشمس في ساعات النهار في أثناء اليوم الواحد من أيام الصيف عند خط عرض 30 مثلًا يفوق ما تكسبه عند حط الاستواء في أثناء النهار أيضًا في أي يوم من أيام السنة. ثانيًا: أن ظروف المنطقة الاستوائية بما يغطي سطح الأرض فيها من غابات كثيفة ومسطحات مائية كثيرة وما يسقط بها من أمطار غزيرة مع كثرة السحب التي تحجب أشعة الشمس فترة من النهار كلها تقلل نوعًا ما من فعل هذه الأشعة في رفع درجة الحرارة. وعندما نقارن المتوسطات الشهرية لدرجة الحرارة عند خط الاستواء بعضها ببعض نلاحظ أن مدى التغير السنوي لدرجة الحرارة صغير جدًّا فهو لا يزيد في المتوسط على 3 درجات مئوية بل إنه يقل عن ذلك كثيرًا في المناطق الساحلية وخصوصًا في الجزر التي تخضع للمؤثرات البحرية، كما هي الحال في الجزر الكثيرة المتناثرة حول خط الاستواء في المحيط الهادي، ففي معظم هذه الجزر يغلب ألا يزيد الفرق بين أشد الشهور حرارة وأقلها حرارة على درجة واحدة. أما المدى اليومي لدرجة الحرارة فإنه منخفض كذلك ولكنه يعتبر مرتفعًا إذا ما قورن بالمدى السنوي لها فهو يتراوح في متوسطه حول 8 درجات مئوية راجع الجدول رقم "15". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 جدول رقم "15" المعدلات الشهرية لدرجة الحرارة "بالدرجات المئوية" ومدى التغير السنوي في بعض محطات الأقاليم الاستوائية، وفيما يأتي بيانها وبيان مواقعها بالنسبة لخطوط الطول والعرض وارتفاعاتها بالنسبة لمنسوب سطح البحر. 1- سنغافوره -1 شمالًا و104 شرقًا، 3 أمتار. 2- زنجبار -6 جنوبًا و39 شرقًا، 17مترًا. 3- دوالا Duala "الكاميرون" - 4 جنوبًا و10 شرقًا، 8 أمتار. 4- مناوس "البرازيل" -3 جنوبًا و60 غربًا، و44 مترًا. 5- جورجتون "جيانا البريطانية" -7 شمالًا و58 شرقًا، متران. 6- عنتبة "أوغندة" - خط الاستواء و32 شرقًا، 83 مترًا. 7- كيتو Quit "إكوادور" - خط الاستواء و79 غربًا، 2850 مترًا. ومما تجدر الإشارة إليه أن السكان الوطنيين في الأقاليم الاستوائية قد يجدون من الصعب عليهم أن يتحملوا هذا الفرق اليومي في درجة الحرارة على الرغم من أنه صغير في حد ذاته، وكثيرًا ما يضطر هؤلاء السكان لأن يوقدوا النار للتدفئة في أثناء الليل إذا ما هبطت درجة الحرارة إلى أقل من 20 مئوية، ويرجع هذا بصفة خاصة إلى ضعف مقدرتهم على الاحتمال بسبب معيشتهم في مناخ لا تتغير مظاهره كثيرًا من فصل إلى آخر أو من يوم إلى آخر. والواقع أن الأقاليم الاستوائية بما يميزها من حرارة شديدة ورطوبة عالية طول السنة تعتبر من أقل بقاع العالم صلاحية لحياة الإنسان، ولبذل المجهود الذهني والبدني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 الأمطار : تعتبر الأقاليم الاستوائية من أغزر بقاع العالم أمطارًا، ويتراوح متوسط ما يسقط بها ما بين 150 و200 سنتيمتر، ولكنه قد يزيد على ذلك كثيرًا في بعض المناطق بحيث يصل أحيانًا إلى أكثر من 500 سنتيمتر. والأمطار التي تسقط في هذه الأقاليم معظمها من نوع أمطار التيارات الصاعدة وهي تتبع في سقوطها غالبًا نظامًا مألوفًا يتكرر كل يوم تقريبًا، فهي تسقط عادة بعد الظهر ويكون سقوطها بغزارة شديدة بسبب ما يحمله الهواء من كميات عظيمة من بخار الماء فإذا ما ارتفع هذه الهواء تكثف البخار وسقطت الأمطار التي تكون عادة مصحوبة ببرق ورعد. ويرتبط نظام الأمطار هذا على وجه الخصوص بالنظام اليومي لدرجة الحرارة وما يترتب عليه من نشاط في صعود التيارات الهوائية. فقبل شروق الشمس مباشرة تكون الأرض مغطاة بطبقة من الضباب الذي يتكون بسبب برودة سطح الأرض في أثناء الليل إلا أن هذه الضباب لا يلبث أن ينقشع بعد شروق الشمس بقليل، وتأخذ درجة الحرارة في الارتفاع بسرعة ويتبع ذلك تزايد في نشاط التيارات الهوائية الصاعدة، وحوالي الظهر يكون هذا النشاط قد بلغ أشده ويتبعه تكون سحب ركامية عظيمة السمك "CUMULUS" ثم تنهمر الأمطار بغزارة متناهية، وعند الغروب تصفو السماء من جديد حتى الصباح وهكذا. ويمتاز المناخ الاستوائي عادة بأن أمطاره لها قمتان تظهران في الأشهر التي تعقب تعامد الشمس على خط الاستواء مباشرة ولهذا فإن إحدى القمتين تظهر في إبريل بينما تظهر الأخرى في نوفمبر، ولكن لا يشترط أن تكون القمتان دائمًا متساويتين لأننا كثيرًا ما نلاحظ أن إحدى القمتين تكون أكثر وضوحًا من القمة الأخرى، فمثلًا إذا نظرنا إلى توزيع الأمطار في بلدة عنتبة التي تقع على خط الاستواء نفسه نجد أن القمة التي تظهر في الربيع أوضح بكثير من القمة التي تقع في الخريف. فبينما نجد أن مجموع ما يسقط في أشهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 الربيع "مارس – إبريل– مايو" يبلغ 65 سنتيمترًا نجد أن ما يسقط في أشهر الخريف "سبتمبر – أكتوبر – نوفمبر" يبلغ حوالي 35 سنتيمترًا فقط. وكما هي الحال في بقية الأقاليم الحارة نلاحظ أن المناخ الاستوائي أوسع انتشارًا في شمال خط الاستواء منه في جنوبه. فهو يشمل على وجه الإجمال نطاقًا يمتد ما بين خطي عرض 3 جنوبًا و8 شمالًا، ولكنه يتزحزح نحو الشمال في فصل الصيف بحيث يصل أحيانًا إلى خط عرض 18، ونحو الجنوب في فصل الشتاء "الشمالي" بحيث يمتد أحيانًا إلى خط عرض 10 جنوبًا. وإلى جانب أمطار التيارات الصاعدة التي تشتهر بها الأقاليم الاستوائية بصفة عامة تتميز بعض المناطق المرتفعة من هذه الأقاليم بسقوط مقادير كبيرة من أمطار التضاريس التي تكثر بصفة خاصة على المنحدرات المواجهة لهبوب الرياح المحملة ببخار الماء، ففي إفريقية مثلًا تسقط مقادير كبيرة من هذه الأمطار على المنحدرات الغربية لجبال الكاميرون بسبب الرياح الجنوبية الغربية الممطرة التي تهب من ناحية المحيط الأطلسي، وتبلغ كمية المطر التي تسقط سنويًّا على هذه المنحدرات أكثر من عشرة أمتار مقابل 150 سنتيمترًا فقط على المنحدرات الشرقية لهذه الجبال، وتسقط كذلك كثير من أمطار التضاريس على المنحدرات الشرقية لهضبة إفريقية الشرقية الاستوائية نتيجة لهبوب الرياح التجارية الجنوبية الشرقية التي تأتي من المحيط الهندي. وتتكرر هذه الظاهرة في أمريكا الجنوبية حيث تسقط مقادير كبيرة من أمطار التضاريس على المنحدرات الشرقية لجبال الإنديز "في إكوادور وكولومبيا" نتيجة لتصادم الرياح التجارية الآتية من الشرق بهذه المنحدرات بينما تكون الهضاب المحصورة بين سلاسل الجبال قليلة الأمطار بصفة عامة وإذا انتقلنا إلى الجزر الإندونسية نلاحظ أن أمطار التضاريس هي التي تسود في معظم هذه الجزر وذلك نتيجة لوقوعها في مهب الرياح الموسمية الشمالية في الشتاء والموسمية الجنوبية في الصيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 أما الأمطار الإعصارية فقل أن تظهر في الأقاليم الاستوائية إلا في غرب إفريقية على ساحل غانة، فهذا الساحل يتعرض لظهور نوع من الأعاصير المدارية يعرف في هذه المنطقة باسم الترنادو1 وهذه الأعاصير تنشأ في منطقة التقاء الرياح التجارية الشمالية الشرقية بالرياح التجارية الجنوبية الشرقية التي تعبر خط الاستواء وتصير جنوبية غربية، وهي تحدث في أي من السنة ويصحبها دائمًا هطول أمطار غزيرة جدًّا. وهكذا نرى أن الظروف المحلية لها دخل كبير في تحديد نوع الأمطار وكميتها وتوزيعها على أشهر وفصول السنة مما يجعل لكل إقليم من الأقاليم التي يضمها النطاق الاستوائي مميزات خاصة به فبعض الأقاليم أغزر أمطارًا من غيرها وفي معظمها توجد قمتان للأمطار، إلا أن بعضها قد تظهر فيه قمة واحدة، وكما أنه قد يوجد خلاف بين هذه الأقاليم بعضها وبعض في ميعاد ظهور قمة الأمطار أو قمتيها، ويلاحظ أن مثل هذه الاختلافات ليست واضحة في درجة الحرارة بمعنى أن جميع الأقاليم الاستوائية تقريبًا ما عدا الجبال والهضاب المرتفعة تشترك في شدة حرارتها وفي توزيع معدلاتها توزيعًا منتظمًا على أشهر السنة، ولهذا فإن الأمطار تعتبر العنصر المناخي الرئيسي الذي يمكن على أساسه تمييز الأقاليم التي يشملها المناخ الاستوائي بعضها عن بعض وينطبق هذا كذلك على الأقاليم الحارة الأخرى.   1 هذا الترنادو يختلف عن الترنادو العنيف الذي تتعرض له بعض الأقاليم المعتدلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 الحياة النباتية : كان من نتيجة اجتماع الحرارة الشديدة والأمطار الغزيرة طول السنة في الأقاليم الاستوائية أن ظهرت غابات كثيفة متعددة الفصائل والأنواع تحتوي على أشجار عظيمة الارتفاع تتشابك أغصانها بدرجة لا تسمح بوصول الضوء إلى أرض الغابة الذي ترتفع فوقه جذوع عظيمة السمك خالية من الأوراق ولكنها محاطة بأمراس ضخمة من نباتات متسلقة تحاول دائمًا أن ترتفع إلى أعلى لتصل إلى ضوء الشمس، ومعظمها يحمل أزهارًا كثيرة تظهر بألوانها الزاهية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 الجدول رقم "16" المعدلات الشهرية والسنوية للأمطار بالسنتيمترات في بعض المحطات الواقعة في النطاق الاستوائي وهي: 1- سنغافورة -1 شمالًا و104 شرقًا، 3 أمتار فوق سطح البحر. 2- داولا -4 شمالًا و10 شرقًا، 7 أمتار فوق سطح البحر. 3- بوجوتا -5 شمالًا و74 غربًا، 2661 مترًا فوق سطح البحر. المتباينة وسط هذه الطبقة الكثيفة من الأغصان المتشابكة، أما أرض الغابة، بين جذوع الأشجار، فتكسوها أعشاب ونباتات خضراء عريضة الأوراق يحمل الكثير منها أزهارًا جميلة. وبينما نجد أن باطن الغابة المظلم ذا الجو الخانق خال من الحياة الحيوانية تقريبًا بحيث لا تسمع فيه أية حركة لقلة ما يمكن أن يعيش فيه من الحيوانات نجد أن أعلى الأشجار يموج بأنواع متعددة من الحشرات وضفادع الأشجار والسحالي وثعابين الأشجار والطيور والقردة إلى غير ذلك، ومعظم هذه الأنواع تقضي حياتها دون أن تلمس الأرض تقريبًا، وكثير منها يمتاز بألوانه الجميلة الزاهية التي لا تختلف كثيرًا عن ألوان الأوراق والأزهار التي من حولها مما يجعل من الصعب تمييزها وسط هذه الأوراق ويجعل من السهل عليها الاختفاء من أعدائها. ونظرًا لأن الحرارة والأمطار متوفرتان طول السنة فليس هناك مجال لتوقف الإنبات والإزهار، ولهذا فإن النباتات كلها تقريبًا من الأنواع دائمة الخضرة. ومثل هذا النوع من المناخ، ولو أنه يساعد على سرعة النمو إلا أنه يعرقل في كثير من الأحيان التوسع في زراعة كثير من الحبوب الغذائية؛ لأن معظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 محاصيل الحبوب يلزم لها فصل جاف نسبيًّا قبل الحصاد لكي تتم نموها وتنضج حبوبها، وقد أمكن مع ذلك جعل أوقات الحصاد بالنسبة لبعض المحصولات الاستوائية مثل المطاط متفقة مع أقل فصول السنة مطرًا، وعلى هذا الأساس نجد أن موسم جمع المطاط مثلًا يبدأ في القسم الشمالي من حوض الأمزون في أغسطس وينتهي في فبراير بينما يبدأ في القسم الجنوبي حوالي شهر مايو ويستمر حتى أكتوبر. وأنواع الأشجار التي تنمو في الغابات الاستوائية متعددة جدًّا وكثير منها له قيمة اقتصادية كبيرة إما لأخشابه أو لثماره أو لما يستخرج منه من مواد أولية. ويعتبر الماهوجني "الكابلي" Mahogany والأبنوس من أهم أنواع الأخشاب التي يمكن الحصول عليها من الغابات الاستوائية التي توجد بها فضلًا عن ذلك أنواع أخرى من الأشجار المهمة ذات القيمة الاقتصادية مثل أشجار المطاط والموز والكينا واللبان والتانين والكاكاو. ولكن يلاحظ أن استغلال هذه الأنواع تقف دونه عقبات متعددة مما جعل المهتمين بها يفضلون إزالة الغابات الطبيعية لإحلال غابات زراعية محلها إلا أن عملية إزالة الغابات نفسها تعتبر من العمليات الشاقة عظيمة التكاليف، ويرجع هذا إلى عظم كثافة الغابات وصلابة أخشابها، وخصوصًا إذا لاحظنا أن غزارة الأمطار طول السنة تجعل من الصعب الاستعانة على إزالة الغابات بواسطة إشعال النيران فيها، وهي الطريقة المتبعة في كثير من جهات العالم الأخرى التي تمتاز بوجود فصل جاف تنقطع فيه الأمطار. وهناك أسباب أخرى تجعل من الصعب جدًّا استغلال الأشجار المهمة من أهمهما صعوبة المواصلات داخل الغابة بحيث يصعب اختراقها ثم انتشار الحشرات التي تسبب بعض الأمراض المهلكة ومن أشهرها مرض النوم الذي تسببه ذبابة "تسي تسي" وذلك فضلًا عن تعدد فصائل النباتات والأشجار في الغابة واختلاطها بدرجة كبيرة جدًّا حتى إن العثور على شجرة واحدة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 أشجار المطاط أو الكاكاو الطبيعية مثلًا قد يتطلب البحث عنها في مساحة واسعة جدًّا من الغابة، وربما كان هذا هو أهم الأسباب التي جعلت التفكير يتجه إلى إزالة الغابات الطبيعية، وغرس أشجار معينة مثل المطاط، أو الموز أو الكاكاو محلها، فقد أمكن مثلًا إقامة مزارع واسعة للمطاط في إندونيسيا وفي غيرها من جزر الهند الشرقية والملايو، كما أمكن زراعة الكاكاو بكثرة في غرب إفريقية خصوصًا في غانة التي تنتج في الوقت الحاضر أكثر من نصف محصول العالم من الكاكاو. وتعيش داخل الغابات الاستوائية جماعات بشرية قليلة العدد أغلبها متأخرة من الناحية الحضارية، ففي إفريقية مثلًا تنتشر في بعض هذه الغابات جماعات من الأقزام الذين يمثلون إحدى السلالات الزنجية القديمة، وذلك بإلاضافة إلى بعض الجماعات الزنجية الأخرى المتحضرة نسبيًّا، وتعتمد هذه الجماعات في حياتها على جمع الثمار والنباتات التي يمكن أكلها، كما يقوم بعضها بصيد الحيوانات من الغابات أو بصيد الأسماك من مجاري المياه، كما تنتشر حرفة الزراعة كذلك بين هذه الجماعات خصوصًا زراعة النباتات ذات الجذور الدونية التي يعتمدون عليها في غذائهم مثل اليام yam والكاسافا CASAVA. وأسلوب الزراعة السائد عندهم هو الزراعة المتنقلة. ويلاحظ أن التربة في الغابات الاستوائية فقيرة بصفة عامة لأن كثرة الأمطار تعمل على إذابة الأملاح الموجودة بها وعلى إزالتها، كما أن هذه التربة فقيرة في المواد العضوية لأن عدم وجود فصل جاف في المنطقة يعتبر من العوامل التي لا تساعد على تحلل البقايا النباتية والحيوانية تحللًا كافيًا. وأهم الأقاليم التي يتمثل فيها المناخ الاستوائي هي: 1- أمريكا الجنوبية حول خط الاستواء ما بين المحيط الأطلسي في الشرق والمحيط الهادي في الغرب خصوصًا في حوض الأمزون. 2- وسط إفريقية خصوصًا في حوض الكونغو وساحل غانة في غرب القارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 الإقليم الاستوائي بأمريكا الجنوبية كمثال للأقاليم الاستوائية: يمثل حوض الأمزون أكبر منطقة في العالم تسقط الأمطار على جميع أجزائها بغزارة طول السنة، فعلى مساحة لا تقل عن خمسة ملايين، من الكيلو مترات المربعة تسقط الأمطار بمعدل يزيد على 175 سنتيمترًا، إلا أنه يوجد مع ذلك تباين ظاهر في كمية المطر التي تسقط على الأجزاء المختلفة للحوض وتوزيعها على أشهر السنة نتيجة لاختلاف الظروف المحلية الخاصة بكل منها وخصوصًا ما يتعلق منها بالمواقع والتضاريس. وتقدر كمية الأمطار التي تسقط على حوض الأمزون بأكثر من عشرين ألف كيلو متر مكعب في السنة، وهذه الكمية العظيمة هي التي جعلت نهر الأمزون أعظم أنهار العالم من حيث كمية المياه التي تجري فيه، ويبلغ تصريف هذا النهر حوالي 3620 كيلو مترًا مكعبًا في السنة، ويليه في ذلك نهر الكونغو الذي يبلغ تصريفه حوالي 2870 كيلو مترًا مكعبًا، والواقع أن حوض الأمزون في مجموعه أغزر أمطارًا من حوض الكونغو، وربما كان السبب في ذلك هو أن الأول مفتوح من جانبه الشرقي بحيث تجد الرياح التجارية الطريق أمامها مفتوحًا إليه حتى تصادم الحافة الشرقية لجبال الإنديز فتؤدي إلى سقوط أمطار غزيرة ينصرف أغلبها إلى الحوض، أما حوض الكونغو فتحيط به المرتفعات من جميع الجهات تقريبًا خصوصًا من ناحية الشرق حيث تعترض هضبة إفريقية الشرقية سبيل الرياح التجارية التي تهب من المحيط الهندي فتضطرها إلى إسقاط معظم أمطارها على المنحدرات الشرقية للجبال حتى إذا ما وصلت إلى حوض الكونغو كانت قليلة الأمطار، وفضلًا عن ذلك فإن الرياح التي تهب عليه من المحيط الأطلسي تكون أيضًا قليلة الأمطار لمرورها على تيار بنجويلا البارد. ويمكننا أن نقسم النطاق الاستوائي في أمريكا الجنوبية على أساس كمية الأمطار وتوزيعها على فصول السنة إلى الأقسام الخمسة الآتية: 1- المنطقة الساحلية من جنوب مصب الأمزون حتى مصب نهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 أورينوكو في الشمال، وهي من أغزر أجزاء حوض الأمزون أمطارًا، ويرجع ذلك إلى أن الرياح التجارية الشمالية الشرقية تهب عمودية على الساحل تقريبًا، وتتراوح كمية المطر السنوية هنا ما بين 200 و250 سنتيمترًا، كما هي الحال في مدينة بارا PARA التي يبلغ معدلها حوالي 225 سنتيمترًا في السنة. وأكثر الشهور مطرًا هي فبراير ومارس وإبريل ومايو حيث يبلغ معدل ما يسقط في كل منها حوالي 30 سنتيمترًا، أما أقل الشهور مطرًا فهي سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر حيث يبلغ معدل ما يسقط في كل منها أقل من سنتيمترين، ويمكننا بعبارة أخرى أن نقسم السنة إلى نصفين أحدهما ممطر يبدأ في يناير وينتهي في يونيو والثاني جاف نسبيًّا ويبدأ في يوليو وينتهي في ديسمبر. 2- المنطقة الممتدة إلى الشرق مباشرة من سلاسل جبال الإنديز بما في ذلك السفوح الشرقية لهذه الجبال نفسها، والأمطار في هذا القسم أكثر منها في القسم السابق، بل وفي أي قسم من الأقسام الأخرى التي يشملها حوض الأمزون، والسبب في ذلك هو أن الرياح التجارية الشرقية تضطر للارتفاع عند مصادمتها للجبال فتشتد غزارة الأمطار التي يزيد معدلها السنوي عن 200 سنتيمتر كما هي الحال في بلدة إكيتوس Iquitos التي يسقط بها حوالي 208 سنتيمترات في السنة، والأمطار في هذا القسم موزعة توزيعًا منتظمًا تقريبًا على أشهر السنة فليس هناك فصل جفاف واضح. وشهر أغسطس هو أقل الشهور مطرًا، ورغم ذلك فإن معدل أمطاره يصل إلى حوالي 12 سنتيمترًا. 3- الحوض الأوسط للأمزون، وهو أقل من القسمين السابقين أمطارًا، وربما يرجع ذلك إلى استواء سطحه وقلة استفادته بأمطار الرياح التجارية ويتراوح معدل ما يسقط سنويًّا في هذا القسم ما بين 150 و200 سنتيمتر، وتمثله مدينة مناوس manaos التي يبلغ معدل أمطارها حوالي 156 سنتيمترًا في السنة، ولكن يلاحظ مع ذلك أن الفصل الجاف أقصر هنا منه في المنطقة الساحلية الشرقية، فبينما يمتد هذا الفصل في بارا من مايو إلى نوفمبر نجد أنه يمتد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 في مناوس من يونيو إلى أكتوبر فضلًا عن أن معدل ما يسقط في أي شهر من الشهور في المحطة الأخيرة لا يقل عادة عن 5 سنتيمترات. 4- الهضاب المحصورة بين سلاسل جبال الإنديز في كولومبيا وإكوادور وهي رغم ارتفاعها الذي لا يقل عن 2000 قدم فوق سطح البحر قليلة الأمطار نسبيًّا لأن الجبال المحيطة بها تحول دون وصول الرياح الممطرة إليها، ويبلغ معدل الأمطار في هذه الهضاب حوالي 110 سنتيمترات، ففي كيتو Quito وبوجوتا Bogota مثلًا تصل كمية الأمطار إلى 110 و105 سنتيمترات على الترتيب. وتمتاز بوجوتا رغم وقوعها على خط عرض 5 شمالًا بأنها تمثل النظام الاستوائي أصدق تمثيل، وأمطارها موزعة على جميع أشهر السنة مع وجود قمتين لها إحداهما حوالي إبريل والثانية حوالي نوفمبر، ومن الغريب أن هذا النظام يكاد يختفي عند خط الاستواء نفسه، ففي بلدة كيتو الواقعة على هذا الخط نلاحظ أن نظام الأمطار لا يتفق مع النظام الاستوائي المثالي، بل إنه أكثر شبهًا بالنظام السائد في المناطق الواقعة جنوب خط الاستواء وفيها يوجد فصل جاف يشمل ثلاثة أشهر تقريبًا هي يونيو ويوليو وأغسطس، بينما تغزر الأمطار في باقي الأشهر. والواقع أن جبال الإنديز في كولومبيا هي المنطقة الوحيدة التي يتمثل فيها النظام الاستوائي تمثيلًا واضحًا في أمريكا الجنوبية. 5- المنطقة الساحلية لجمهورية كولومبيا إلى الغرب من سلاسل الجبال، وهذه المنطقة تتأثر بالتيار الاستوائي الراجع في المحيط الهادي, وهي غزيرة الأمطار بحيث لا يقل المعدل السنوي فيها عن 450 سنتيمترًا، وقد يزيد عن ذلك كثيرًا في بعض الأماكن، كما هي الحال في بلدة بوينافيتورا Buenaventura التي يبلغ معدل المطر فيها حوالي 650 سنتيمترًا في السنة، والأمطار موزعة على جميع الأشهر وإن كانت تقل نسبيًّا في الخمسة أشهر التي تبدأ في ديسمبر وتنتهي في إبريل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 الأقاليم المدارية مدخل ... 11- 1- 2- الأقاليم المدارية: تحديدها: تشمل الأقاليم المدارية عظيم الاتساع يمتد إلى الشمال وإلى الجنوب من النطاق الاستوائي الذي سبق الكلام عليه، وتشترك أغلب الأقاليم الواقعة في هذا النطاق في أن المعدل الحراري فيها لا ينخفض في أي شهر من أشهر السنة عن 18 ْمئوية، شأنها في ذلك شأن الأقاليم الاستوائية، أما الأمطار فإن نظامها ليس واحدًا في جميع أجزاء هذا النطاق. وعلى هذا الأساس يمكننا أن نقسم هذه الأقاليم إلى عدة أقسام يتميز كل منها بنظام خاص للأمطار. وتعتبر الصحاري الحارة من أهم أقسام الأقاليم المدارية ولكننا مع ذلك لن نتكلم عليها في هذا الفصل حيث إننا سنتكلم عليها مع بقية الأقاليم الصحراوية في فصل مستقل. أما الأقاليم التي سنتكلم عليها هنا فهي: 1- الأقاليم المدارية القارية "نوع السودان" . 2- الأقاليم المدارية البحرية "نوع موزمبيق". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 1- الأقاليم المدارية القارية "نوع السودان" : إذا ما ابتعدنا عن خط الاستواء نحو الشمال أو نحو الجنوب نجد أن الأحوال المناخية تأخذ في التغير تدريجيًّا حتى نصل إلى نطاق تسوده الرياح التجارية طول العام، ونظرًا لأن الرياح التجارية جافة في جملتها فقد ظهرت في نطاق هبوبها أعظم صحاري العالم اتساعًا وأشدها حرارة، وتشمل الأقاليم المدارية القارية عمومًا معظم الأقاليم التي تنحصر بين هذه الصحاري من جهة ونطاق المناخ الاستوائي من جهة أخري، وهذه تتمثل بصفة خاصة في قارة إفريقية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 جدول رقم "17" معدلات الحرارة والأمطار في بعض محطات الأقاليم المدارية القارية "الارتفاعات منسوبة إلى سطح البحر" 1- الخرطوم - 35 َ15 ْشمالًا و31 َ 32 ْشرقًا، و345 مترًا. 2- المالاكول - 35 َ 9 ْشمالًا و47 َ 31 ْشرقًا، و390 مترًا. 3- كانوا "نيجيريا" - 12 ْشمالًا و20 َ 8 ْشرقًا، و468 مترًا. أولا: الحرارة "بالدرجات المئوية": ثانيا: المطر بالملليمترات: حيث نجد أنها تشغل هنا نطاقين عظيمين إلى الشمال وإلى الجنوب من النطاق الاستوائي إلا أن الشمالي أعظم اتساعًا بكثير من النطاق الجنوبي. والأقاليم المدارية القارية في جملتها هي نفس الأقاليم التي تشتهر باسم أقاليم السفانا أو "أقاليم المناخ السوداني" وهي تتميز عمومًا بأنها تكون في فصل الشتاء واقعة في مهب الرياح التجارية الجافة وأنها تكون لهذا السبب عديمة الأمطار، أما في فصل الصيف فإنها تدخل في نطاق الضغط المنخفض الذي يتميز بأمطاره التي تسقط بسبب نشاط التيارات الصاعدة، ومعنى ذلك أن أمطار هذه الأقاليم لا تختلف في نوعها عن الأمطار الاستوائية، ولكن الفرق الرئيسي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 بينهما هو انقطاع سقوط الأمطار شتاء في الأقاليم المدارية القارية، بخلاف الحال في الأقاليم الاستوائية التي لا ينقطع مطرها في أي فصل من الفصول. ويلاحظ أن طول الفصل الممطر ينتاقص تدريجيًّا كلما ابتعدنا عن خط الاستواء نحو الشمال أو نحو الجنوب فعلى حدود النطاق الاستوائي مثلًا نجد أن الفصل الممطر قد يشغل تسعة أشهر أو عشرة، أما عند حدود الصحراء فقد لا يزيد هذا الفصل على شهرين أو ثلاثة. ومما يسترعي النظر في الأقاليم المدارية القارية عمومًا أن الانتقال من الفصل الممطر إلى الفصل الجاف أو العكس يحدث بطريقة شبه فجائية، ويبدو أثر هذا الانتقال واضحًا في الحياة النباتية وما يتبعها من مظاهر الحياة الأخرى، حيث تكون هذه المظاهر في الفصل الممطر مختلفة اختلافًا تامًّا عنها في الفصل الجاف وفيما يلي وصف مختصر للمظاهر المناخية والنباتية العامة في كل فصل من هذين الفصلين: أ- الفصل الممطر: يختلف طول هذا الفصل من منطقة إلى أخرى حسب البعد عن خط الاستواء، فعلى حدود النطاق الاستوائي مثلًا نجد أن الفصل الممطر قد يشغل تسعة أشهر أو عشرة. أما على حدود الصحراء فإنه لا يشغل أكثر من شهرين أو ثلاثة أشهر، وبنفس الشكل تتناقص كمية الأمطار السنوية كلما بعدنا عن خط الاستواء فعلى الرغم من أن متوسط ما يسقط من المطر في معظم الأقاليم المدارية القارية يتراوح بين 50 و100 سنتيمتر في السنة فإن هذه الكمية قد ترتفع إلى 125 سنتيمترًا على حدود النطاق الاستوائي وتنخفض إلى حوالي عشر بوصات فقط على حدود الصحراء ومع ذلك فيجب أن نلاحظ أن كمية المطر تتباين في المنطقة الواحدة تباينًا عظيمًا من سنة إلى أخرى، فقد يحدث أن ترتفع كمية المطر في سنة من السنين إلى ضعف معدلها العام بينما يحدث في سنين أخرى أن تنخفض الكمية إلى نصف هذا المعدل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 ويعتبر عدم الاستقرار في نظام سقوط الأمطار بهذا الشكل من أهم العوامل التي يتعرض بسببها الإنتاج الزراعي في هذه المناطق إلى أخطار شديدة خصوصًا في المناطق الواقعة بالقرب من حدود الصحراء لأن أقل تغير في كمية الأمطار التي تسقط في هذه المناطق تكون لها آثار خطيرة على الحياة النباتية سواء في ذلك الحشائش الطبيعة أو المحاصيل الزراعية. وفضلًا عن التباين الشديد في كمية المطر السنوية فإن اتفاق فصل المطر مع فصل الحرارة الشديدة يترتب عليه ضياع كمية كبيرة من المياه بالتبخر، مما يقلل من القيمة الفعلية للأمطار، ولهذا فإن الحد الأدنى اللازم لنجاح الزراعة في هذه المناطق يجب ألا يقل في الغالب عن 75 سنتيمترًا. ولكن يلاحظ أن أشد أيام السنة حرارة لا توجد عادة في قلب الفصل الممطر نفسه بل توجد في الشهر الذي يسبق هذا الفصل مباشرة وكذلك في الشهر الذي يعقبه مباشرة، والسبب في ذلك هو أن سقوط الأمطار يعتبر من حد ذاته من العوامل التي تساعد على تلطيف حرارة الجو. والفصل الممطر هو فصل الحياة والرخاء في الأقاليم المدارية، فما أن يبدأ سقوط الأمطار حتى تأخذ الحياة النباتية في النمو بسرعة عجيبة بحيث يتغطى سطح الأرض في خلال أسبوعين أو ثلاثة بطبقة عظيمة الكثافة من الحشائش المرتفعة كما تعود الأشجار للاخضرار, وليس هذا النمو السريع للحياة النباتية إلا نتيجة طبيعية لاجتماع الأمطار الغزيرة مع الحرارة الشديدة، وهما العاملان الرئيسيان في نمو النباتات وذلك بشرط أن تكون كمية الأمطار كافية لتحمل البخر الشديد الذي يسببه ارتفاع درجة الحرارة في فصل سقوطها. وعند انتهاء موسم الأمطار تعود الحالة تدريجيًّا إلى ما كانت عليه من فقر وحرارة وجفاف، وتعتبر الأسابيع الأخيرة من الفصل المطير من أجمل أوقات السنة من حيث ملاءمة الأحوال الجوية فيها لحياة الإنسان، فالرطوبة الشديدة التي يتميز بها الفصل الممطر تكون قد نقصت نوعًا ما بينما لا تكون درجة الحرارة قد ارتفعت ارتفاعها الشديد بعد، كما أن التربة الكثيرة التي يتغطى بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 سطح الأرض والتي كثيرًا ما تعكر الجو في الفصل الجاف لا تكون قد كثرت بعد في هذا الوقت. وعلى العكس من ذلك فإن الفترة التي تسبق فصل المطر مباشرة تتميز بقسوة مناخها؛ لأن درجة الحرارة فيها تكون قد بلغت أقصى ارتفاع لها، كما تكون رطوبة الهواء آخذة في الزيادة المستمرة بينما لا يكون أثر الأمطار في تلطيف حرارة الجو قد أصبح ملموسًا. ب- الفصل الجاف: يستمر تأثير الأمطار على سطح الأرض حوالي أسبوعين بعد انتهاء موسم المطر، وتكون التربة خلال هذه الفترة ما زالت تحتفظ بنسبة من رطوبتها، وتظل النباتات التي تغطيها، بما في ذلك الأشجار والأحراج والحشائش بلونها الأخضر. ولكن سرعان ما يأخذ لونها في الاصفرار ثم الذبول والجفاف، كما أن البرك والجداول التي تكون قد تكونت في فصل المطر تأخذ في الجفاف بسبب ضياع مياهها بالتبخر والتسرب، وتنخفض مناسيب معظم الأنهار، وتتغطى الأرض في معظم الجهات بطبقة من الأتربة الناعمة والنباتات اليابسة التي تتطاير بكثرة مع الهواء فتؤدي إلى تعكير الجو. ومن الطبيعي أن تكون الرطوبة النسبية في هذا الفصل منخفضة عمومًا، وهي تتراوح في متوسطها ما بين 60% و70% بل إنها كثيرًا ما تنخفض عن ذلك انخفاضًا كبيرًا. ويحدث ذلك بصفة خاصة عند هبوب الرياح الجافة من ناحية الصحراء ومنها رياح الهارماتان التي تهب من الصحراء الكبرى نحو ساحل غانة فكثيرًا ما تنخفض الرطوبة النسبية عند هبوبها إلى 30%. وتتميز أيام الفصل الجاف عمومًا بصفاء سمائها وشدة حرارتها وارتفاع مدى التغير اليومي للحرارة فيها، وكثيرًا ما ترتفع النهايات العظمى التي تسجل في أيامها عن 43.3 ْمئوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 أما المعدل اليومي لدرجة الحرارة فيكون هو الآخر مرتفعًا حتى إنه يصل في بعض الأشهر إلى حوالي 33.2 ْمئوية. وتستمر الحرارة في ارتفاعها تدريجيًّا كلما اقترب موسم الأمطار، ثم تنخفض نوعًا ما خلال هذا الموسم، ولكنها سرعان ما تعود للارتفاع مرة أخرى عقب انتهاء موسم المطر ولكن بدرجة أقل من ارتفاعها قبل بدايته. ففي الخرطوم مثلًا يرتفع المعدل الحراري إلى 33.3 ْ في مايو ويونيو ويهبط إلى 30.6 ْ في أغسطس ثم يعود للارتفاع إلى 32.2 ْ في كل من سبتمبر وأكتوبر، وفي مدينة كانو بشمال نيجيريا نجد أن معدل درجة الحرارة يصل إلى 31.5 ْ مئوية في إبريل و31.3 ْ في مايو ثم ينخفض إلى 25 ْ في أغسطس ولكنه يعود للارتفاع مرة أخرى حتى يصل إلى 27.2 ْ في أكتوبر. وفي نهاية موسم الجفاف تتعرض الأقاليم المدارية لنوع من الأعاصير أو العواصف الشديدة التي تعرف في غرب إفريقية باسم الترنادو، ويبدأ ظهورها عمومًا في شهر إبريل وتستمر حتى شهر يونيو ثم تختفي تقريبًا في فصل الأمطار ولكنها تعود للظهور مرة أخرى في أعقاب الفصل الممطر أي في فصل الخريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 2- المناخ المدارى البحري "نوع موزمبيق": أهم أوجه الاختلاف بين النوع القاري والنوع البحري من المناخ المداري هي أن أمطار النوع الأول تسقط عمومًا في نصف السنة الصيفي بسبب التيارات الصاعدة بينما تسقط أمطار النوع الثاني طول السنة نتيجة لعاملين هما التيارات الهوائية الصاعدة التي يتميز بها نطاق الضغط المنخفض الاستوائي ثم الرياح التجارية التي تؤدي إلى سقوط كثير من أمطار التضاريس على السواحل الشرقية للقارات في العروض المدارية، والواقع أن هذا النوع الأخير من الأمطار هو الذي يسود في المناخ المداري البحري، خصوصًا في الأجزاء البعيدة عن خط الاستواء. أما أمطار التيارات الصاعدة فلا تسقط إلا في فصل الصيف في المناطق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 القريبة من خط الاستواء عندما ينتقل إليها نطاق الضغط المنخفض الاستوائي بينما يؤدي هبوب الرياح التجارية عليها في بقية فصول السنة إلى سقوط أمطار من نوع آخر هي أمطار التضاريس التي تحملها هذه الرياح وتسقط على منحدرات الجبال. وأهم المناطق التي يتمثل فيها النوع البحري، من المناخ المداري هي المناطق الساحلية في كينيا وتنزانيا، وموزمبيق في إفريقية والنصف الشرقي لجزيرة مدغشقر ثم السواحل الشرقية للبرازيل وأمريكا الوسطى وجنوب شرقي الولايات المتحدة حول شبه جزيرة فلوريدا والسواحل المواجهة لهبوب الرياح التجارية في جزر الهند الغربية، وكذلك في جزر هاواي وجزر ساموا في المحيط الهادي وفي جميع هذه المناطق نجد أن النباتات الطبيعية تتكون في جملتها من غابات كثيفة دائمة الخضرة لا تختلف كثيرًا عن غابات الأقاليم الاستوائية. وتختلف كمية الأمطار من مكان إلى آخر على حسب نظام التضاريس واتجاه المنحدرات بالنسبة لاتجاه هبوب الرياح الممطرة، فالسواحل الشرقية المرتفعة تكون عادة أغزر مطرًا من السواحل المقابلة لها في الغرب ففي جزيرة جامايكا مثلًا تبلغ كمية المطر على السواحل الشرقية المرتفعة حوالي 350 سنتيمترًا بينما تبلغ الكمية على السواحل الغربية المقابلة لها في نفس الجزيرة حوالي 100 سنتيمتر فقط "راجع أرقام مدينتي بورت أنطونيو port Antonio وكنجستون Kingston. وفي أمريكا الوسطى نجد كذلك أن كمية المطر التي تسقط على السواحل المطلة على المحيط الأطلسي تزيد كثيرًا عن كمية المطر التي تسقط على السواحل المطلة على المحيط الهادي المقابل. فبينما نجد أن أمطار مدينة كولون colon تصل إلى 325 سنتيمترًا نجد أن أمطار مدينة بالبوا Balboa تبلغ 175 سنتيمترًا فقط1 وإذا انتقلنا إلى جزر هاواي، وهي واقعة في طريق الرياح التجارية الشمالية الشرقية نجد نفس هذه الظاهرة ممثلة بوضوح فبينما تزيد أمطار مدينة هيلو Hilo الواقعة على   1 هاتان المدينتان واقعتان على طرفي قناة بنما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 الساحل الشمالي الشرقي عن 325 سنتيمترًا في السنة فإن أمطار مدينة هيليا hilea الواقعة على الساحل الجنوبي الغربي في منطقة ظل المطر لا تزيد على 88 سنتيمترًا، وهذا هو السبب في وجود منطقة شبه صحراوية صغيرة في هذه المنطقة وهي منطقة كاو Kau. ونظرًا لأن أغلب أمطار المناخ المداري البحري من نوع الأمطار التضاريسية فإن الارتفاع يعتبر عاملًا أساسيًّا في سقوطها، ولذلك فإن الجزر ذات السطح المنخفض تكون قليلة الأمطار بصفة عامة، ففي جزر الهند الغربية لا تزيد الأمطار على 125 سنتيمترًا في السنة. وإذا نظرنا إلى التوزيع الفصلي للأمطار نجد أنه لا يتبع نظامًا واحدًا في جميع المناطق، ففي بعض المناطق تظهر قمة الأمطار في فصل الشتاء وهو فصل اشتداد هبوب الرياح التجارية، وهذا هو ما يحدث في جزر هاواي مثلًا "راجع أرقام مدينة هونولولو" وفي بعضها الآخر تظهر قمة المطر في فصل الصيف وينطبق هذا بصفة خاصة على الأطراف الواقعة قرب خط الاستواء لأن هذه الأطراف تدخل عندئذ في نطاق الضغط المنخفض الاستوائي. وتسقط نسبة كبيرة من أمطارها بسبب التيارات الصاعدة، ومن أمثلة ذلك ما يحدث في جزيرة ترينيداد من جزر الهند الغربية وجزيرة ساموا في المحيط الهادي "خط 14 جنوبًا" ولكن إذا صرفنا النظر عن المناطق السابقة التي تظهر قمة المطر فيها في فصل الشتاء أو في فصل الصيف فإن قمة المطر في معظم الأقاليم المدارية البحرية الأخرى تظهر في فصل الخريف؛ لأن درجة حرارة مياه البحر تكون عندئذ مرتفعة بينما تكون درجة حرارة اليابس آخذة في الانخفاض. ومما تجدر الإشارة إليه أن بعض المناطق التي يشملها المناخ المداري البحري مثل جزيرة مدغشقر وجزر الهند الغربية تعتبر من أكثر الأقاليم العالم تعرضًا لظهور الأعاصير المدارية التي تهب عليها حدوث خسائر جسيمة في كثير من الأحيان، وتكثر هذه الأعاصير بصفة خاصة في فصل الصيف، ومن أشهرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 الهاريكين في جزر الهند الغربية، ومن أقرب حوادث الأعاصير إلى الأذهان الإعصاران اللذان أصيبت بهما جزر موريس في المحيط الهندي إلى الشرق من جزيرة مدغشقر، وقد كان أحدهما في يناير سنة 1960 والثاني في فبراير من نفس السنة، وقد ترتب على الأول قتل 6 أشخاص وجرح عدة مئات وتشريد أكثر من عشرة آلاف بعد هدم مساكنهم، كما ترتب على الثاني قتل ثلاثين شخصًا وجرح عدة مئات وتشرد عدة آلاف، ولم يكد يسلم من أي مبنى من مباني الجزيرة من الأضرار. أما درجة الحرارة فلا تختلف في هذا النوع من المناخ اختلافًا كبيرًا عنها في المناخ الاستوائي، فهي مرتفعة طول العام، ويندر أن ينخفض معدلها السنوي عن 21 مئوية، ويبين الجدول رقم "18" معدلات الحرارة والأمطار في بعض المحطات التي تمثل هذا النوع من الأقاليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 جدول رقم "18 معدلات الحرارة والمطر في بعض محطات الأقاليم المدارية البحرية وهي: 1- ممبسة -4 جنوبًا و40 شرقًا، 7 أمتار. 2- تاناناريف -19 جنوبًا و48 شرقًا، و1370 مترًا. 3- بييرا -20 جنوبًا و44 شرقًا، 15 مترًا. 4- لونسوا ماركس -26 جنوبًا و33 شرقًا، 59 مترًا. أ- درجة الحرارة "بالدرجات المئوية": ب- الأمطار "بالسنتيمترات": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 الأقاليم الموسمية الحارة الأقاليم الموسمية الاستوائية "نوع إندونيسيا" ... 11- 1- 3- الأقاليم الموسمية الحارة: 1- الأقاليم الموسمية الاستوائية "نوع إندونيسيا": تتمثل هذه الأقاليم بصفة خاصة في جزر إندونيسيا وغيرها من جزر الهند الشرقية، فعلى الرغم من أن خط الاستواء يمر في وسط هذه الجزر تقريبًا، فإن موقعها بين آسيا من جهة وأستراليا من جهة أخرى جعلها تتأثر بالتغيرات التي تطرأ على توزيع الضغط الجوي ونظام هبوب الرياح على كل منهما، وذلك بالإضافة إلى ما هو معروف عن تزحزح نطاق الضغط المنخفض الاستوائي نفسه نحو الشمال في فصل الصيف "الشمالي" ونحو الجنوب في فصل الشتاء، ومن الممكن أن نضم إلى هذه الأقاليم كذلك معظم أقاليم غانة في إفريقية وخصوصًا الأقاليم المرتفعة مثل هضاب فوتاجالون في أقصى الغرب، كما نضم إليها أيضًا الشريط الساحلي في إكوادور وكولومبيا في غرب أمريكا الجنوبية ومنحدرات جبال الإنديز المشرفة عليه من ناحية الشرق، وكذلك الشريط الساحلي والمرتفعات المشرفة عليه في جنوب غربي أمريكا الوسطى. وتسقط الأمطار في كل هذه الأقاليم طول السنة، شأنها في ذلك شأن الأقاليم الاستوائية العادية عمومًا ولكنها مع ذلك تختلف عنها من حيث نوع الأمطار وتوزيعها على أشهر وفصول السنة، فبينما نجد أن أمطار المناخ الاستوائي كلها تقريبًا من نوع أمطار التيارات الصاعدة نجد أن مطر هذه التيارات لا يمثل إلا نسبة صغيرة من أمطار المناخ الموسمي الاستوائي، أما أغلب أمطار هذا المناخ فتسقط نتيجة لهبوب الرياح الموسمية التي تأتي من ناحية الجنوب في فصل الصيف ومن ناحية الشمال في فصل الشتاء وتكون في كلا الفصلين محملة بكميات كبيرة من بخار الماء بسبب مرورها على مسطحات مائية دافئة، وتلعب التضاريس دورًا مهمًّا في توزيع هذه الأمطار، ففي الجزر الإندونيسية مثلًا نجد أن السواحل الشمالية، وخصوصًا السواحل المرتفعة تكون أغزر مطرًا في فصل الشتاء الشمالي من السواحل الجنوبية، والعكس هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 الذي يحدث في فصل الصيف تبعًا لاتجاه هبوب الرياح الممطرة. أما توزيع الأمطار على أشهر وفصول السنة فيختلف من منطقة إلى أخرى على حسب نظام توزيع الضغط الجوي وهبوب الرياح، ويمكننا أن نقسم الجزر الإندونيسية من هذه الناحية إلى ثلاثة نطاقات: أ- النطاق الواقع إلى الشمال من خط عرض 5 ْ شمالًا وفيه تبلغ الأمطار قمتها في فصل الصيف "من يونيو إلى أكتوبر" وذلك لأن الضغط المنخفض الاستوائي يتزحزح شمالًا في هذا الفصل فتسقط نسبة كبيرة من الأمطار بسبب التيارات الصاعدة، وذلك بالإضافة إلى أمطار التضاريس التي تأتي بها الرياح الموسمية الجنوبية الغربية، أما فصل الشتاء "من ديسمبر إلى إبريل" فهو أقل فصول السنة مطرًا في هذا النطاق. ب- النطاق الواقع إلى الجنوب من خط عرض 5 ْ جنوبًا، وفيه تكون الأحوال معاكسه تمامًا لما يحدث في النطاق الشمالي، حيث تزداد الأمطار في الفترة من ديسمبر إلى إبريل بسبب تزحزح نطاق الضغط المنخفض الاستوائي نحو الجنوب، وتبلغ حدها الأدنى في الفترة التي تبدأ في يونيو وتنتهي في أكتوبر. ويجب أن نلاحظ على الرغم من ذلك أنه من النادر أن نجد شهرًا ينعدم فيه سقوط الأمطار في كل الجزر الإندونيسية. ج- النطاق الأوسط المحصور بين النطاقين السابقين، وفيه يكون توزيع الأمطار منتظمًا بصفة عامة على جميع فصول السنة. أما درجة الحرارة فتختلف في المناخ الاستوائي الموسمي عنها في المناخ الاستوائي العادي إذ إنها مرتفعة طول السنة، ولا ينخفض معدلها عن 21 ْ مئوية في أي شهر من الشهور، إلا في الحهات المرتفعة التي تدخل في الواقع ضمن نوع خاص من المناخ سنتكلم عليه بعد قليل. ومما يزيد في قوة تأثير الحرارة أن نسبة الرطوبة في الهواء تكون مرتفعة ارتفاعًا شديدًا في الأقاليم التابعة للمناخ الاستوائي عمومًا "راجع الجدول رقم "19". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 جدول رقم "19". معدلات الحرارة والأمطار في بعض المحطات الواقعة في الأقاليم الموسمية الاستوائية وهي: 1- جاكارتا -6 جنوبًا و107 شرقًا، 7 أمتار. 2- ميامي "فلوريدا" -33 شمالًا و111 غربًا، متران. 3- فري تون -30 َ 8 ْشمالا و13 غربًا، 55 مترًا. 4- كولون "باناما" - 9 ْشمالًا و79 ْغربًا، و36 مترًا. أ- درجة الحرارة "بالدرجات المئوية": ب- الأمطار "بالسنتيمترات": وإذا نظرنا إلى الحياة النباتية في المناخ الاستوائي الموسمي نجد أنها لا تختلف كثيرًا عن الحياة النباتية في الأقاليم الاستوائية الأخرى، فهي في جملتها عبارة عن غابات مطيرة دائمة الخضرة عظيمة الكثافة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 الأقاليم الموسمية المدارية "نوع الهند" : توجد هذه الأقاليم بصفة خاصة في جنوب وجنوب شرقي آسيا حيث تتمثل في الهند وبورما وجنوب الصين والهند الصينية وجزر الفلبين كما تتمثل فضلًا عن ذلك في شمال أستراليا وفي الحبشة والصومال واليمن، وأهم أوجه الاختلاف بين مناخ هذه الأقاليم وبين الأنواع الأخرى من المناخ المداري هي أن النظام العام للرياح التجارية التي تسود هذه الأنواع الأخيرة يطرأ عليه بعض الاختلاف بسبب التغيرات التي تطرأ على حالة الضغط الجوي فوق كتل اليابس الكبرى خصوصًا على قارة آسيا لأن هذه القارة تكون في فصل الشتاء مركزًا لضغط مرتفع عظيم الاتساع تخرج منه الرياح الموسمية الشتوية نحو السواحل الجنوبية والشرقية للقارة، بينما تكون في فصل الصيف، مركزًا لضغط منخفض عظيم الاتساع شديد العمق تنجذب نحوه الرياح الموسمية الصيفية من المحيطين الهادي والهندي، ولهذا السبب نجد أن هذه القارة تضم أعظم الأقاليم الموسمية المدارية في العالم حيث تشمل القسم الأكبر من جنوب وجنوب شرقي القارة. وتسقط أمطار معظم هذه الأقاليم في فصل الصيف وأغلبها أمطار تضاريسية تكثر بصفة خاصة على السواحل المرتفعة التي تهب الرياح عمودية عليها من ناحية البحر، كما هي الحال على المنحدرات الغربية لجبال الملايووبورما والمنحدرات الغربية لجبال غات الغربية. ويلاحظ أن سقوط الأمطار الموسمية على المنحدرات الغربية بهذا الشكل يخالف ما هو مألوف عن أمطار الأقاليم المدارية الأخرى عمومًا؛ إذ المعروف أن أمطار هذه الأقاليم تتناقص كلما توغلنا في اليابس نحو الغرب. وعلى الرغم من أن أمطار الأقاليم الموسمية المدارية تسقط في جملتها في فصل الصيف، فإن الظروف المحلية الخاصة بالموقع والتضاريس قد تساعد كذلك على سقوط أمطار شتوية في بعض الأقاليم، كما هي الحال في جزيرة سيلان وأقصى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 الطرف الجنوبي الشرقي لهضبة الدكن وعلى الساحل أنام وفي جزر الفلبين حيث إن سقوط الأمطار في هذه المناطق لا يقتصر على فصل الصيف عند هبوب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية، بل إن الرياح الموسمية الشمالية الشتوية تسقط كذلك كثيرًا من الأمطار في هذه المناطق؛ لأن مرورها على مسطحات مائية دافئة يساعدها على حمل كميات كبيرة من بخار الماء. ويختلف طول الفصل الممطر في الأقاليم الموسمية المدارية من منطقة إلى أخرى على حسب الظروف المحلية، وخصوصًا ما يتعلق منها بالموقع والتضاريس واتجاه الرياح، ففي الهند مثلًا نجد أن طول الفصل الممطر يزداد كلما اتجهنا جنوبًا نحو الأطراف الجنوبية لهضبة الدكن لأن هذه الأطراف هي أول المناطق التي تصل إليها الرياح الموسمية الصيفية الممطرة من المحيط الهندي، كما أنها في آخر المناطق التي تختفي منها هذه الرياح. وتتميز الأقاليم الموسمية عمومًا بأنها من أكثر أقاليم العالم تعرضًا لحدوث تغيرات كبيرة في كمية الأمطار وفي طول الفصل الممطر من سنة إلى أخرى، فقد تؤدي قلة الأمطار في سنة من السنين إلى هبوط شديد في المحاصيل الزراعية فتنتشر المجاعات في جهات كثيرة كما يحدث أحيانًا في الصين وفي ولايات الهند الوسطى والشمالية، ولكن قد تكون الحالة على العكس من ذلك تمامًا في نفس الجهات في بعض السنين الأخرى حيث تزيد الأمطار بدرجة تؤدي إلى حدوث فيضانات غاية في الخطورة, ومثال ذلك ما حدث في جنوب الصين في سنة 1931 عندما فاض نهر يانج تسي فيضانًا خطيرًا غرق بسببه ما لا يقل عن أربعة ملايين مسكن وهلك عدة آلاف من الأنفس وأصبح حوالي 20 مليون من السكان بدون مأوى وغمرت السيول ثماني مقاطعات انتشرت فيها الأوبئة والمجاعات. والواقع أن طبيعة الأمطار الموسمية تساعد على ضياع كميات كبيرة من المياه دون فائدة؛ لأن الأمطار تسقط عادة بغزارة شديدة يترتب عليها ظهور سيول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 جارفة لا يسهل خزن مياهها أو التحكم فيها واستخدامها في أغراض الري والزراعة، فقد يزيد معدل ما يسقط من الأمطار في اليوم الواحد من الأيام الممطرة عن 90 سنتيمترًا، ويحدث هذا في الأماكن التي تساعد تضاريسها وموقعها على إسقاط الأمطار الغزيرة، كما هي الحال في منطقة شيرابونجي في أسام، راجع الجدول رقم "20". جدول رقم "20" معدلات الحرارة والأمطار في بعض المحطات الواقعة في الأقاليم الموسمية المدارية، وهي: 1- بمباي -19 شمالًا و73 شرقًا، 11 مترًا فوق سطح البحر. 2- رانجون -17 شمالًا و93 شرقًا، 6 أمتار فوق سطح البحر. 3- شيرابونجي -25 شمالًا و92 شرقًا، 1314 مترًا فوق سطح البحر. 4- مانيلا -15 شمالًا و121 شرقًا، 14 مترًا فوق سطح البحر. 5- أديس أبابا -9 شمالًا و39 شرقًا و2439 مترًا فوق سطح البحر. أ- درجة الحرارة "بالدرجات المئوية": ب- الأمطار "بالسنتيمترات": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 ويلاحظ أن الانحدار الشديد لمياه الأمطار فوق سطح الأرض له أضرار أخرى من أهمها أنه يساعد على جرف التربة الناعمة وإزالتها من على جوانب المنحدرات, وتعتبر هذا الظاهرة من أهم المشكلات التي تواجه التوسع الزراعي في الأقاليم الموسمية المدارية ذات المطر الغزير، ومع ذلك فإن هذه الأقاليم تعد من أهم مناطق الإنتاج الزراعي في العالم خصوصًا بالنسبة لإنتاج الأرز والشاي. أما الحياة النباتية في هذه الأقاليم فتختلف من منطقة إلى أخرى على حسب كمية الأمطار وطول الفصل الممطر، وعلى هذا الأساس نجد أن الحياة النباتية تتدرج من غابات كثيفة دائمة الخضرة لا تختلف كثيرًا عن الغابات الاستوائية إلى غابات نفضية أو شبه نفضية تسقط أوراقها في فصل الجفاف وقد تسود في المناطق قليلة الأمطار حشائش تشبه السفانا، ومع ذلك فإن النوع النباتي السائد في الأقاليم الموسمية هو الغابات النفضية وشبه النفضية، وهي تغطي مساحات واسعة في الهند وبرما والهند وشمال أستراليا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 11- 1- 4- مناخ الجبال في الأقاليم الحارة : ليس من شك في أن الارتفاع عن سطح البحر في بعض الأقاليم الجبلية الواقعة في النطاق الاستوائي وكذلك في النطاق المداري يجعل لهذه الأقاليم صفات مناخية خاصة تميزها عن غيرها من الأقاليم الحارة، ففي النطاق الاستوائي نلاحظ أن مناخ الهضاب التي يتراوح ارتفاعها ما بين 1500 و3000 متر فوق سطح البحر ويكون عادة أقل حرارة وأقل مطرًا عن مناخ الجهات المنخفضة المجاورة لها، ومع ذلك فإننا نلاحظ غالبًا أن نوع الأمطار وتوزيعها علي الأشهر يكاد يكون واحدًا في الهضاب المرتفعة والمناطق المنخفضة على حد سواء إلا على منحدرات الجبال التي تواجه هبوب الرياح الممطرة مباشرة، فعلي هذه المنحدرات تكون أغلب الأمطار من نوع الأمطار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 التضاريسية، أما على الهضاب مثل هضبة البحيرات في إفريقية والهضاب المحصورة بين سلاسل جبلية، مثل هضاب إكوادور وكولومبيا في أمريكا الجنوبية فإن الأمطار السائدة هي أمطار التيارات الصاعدة التي تسود في الأقاليم الاستوائية عمومًا، وكل ما هنا لك هو أنها تكون على الهضاب أقل منها في السهول، فبينما نجد على سبيل المثال أن معدل أمطار حوض الكونغو في إفريقية يبلغ حوالي 175 سنتيمترًا في السنة نجد أن معدل أمطار هضبة البحيرات المجاورة لهذا الحوض يبلغ حوالي 100 سنتيمتر فقط، والسبب في ذلك هو أن التيارات الصاعدة على الهضبة تكون أضعف نسبيًّا منها في المناطق المحيطة لها بسبب انخفاض درجة الحرارة، وكما هي الحال بالنسبة للجهات المنخفضة نلاحظ أن أمطار الهضاب لها قمتان تتفقان مع فصلي تعامد الشمس، وهما الربيع والخريف. وقد لوحظ أن المدى الحراري صغير على الهضاب، كما هو صغير أيضًا في المناطق المنخفضة، ومع ذلك فإن المدى اليومي يزيد كثيرًا على المرتفعات عنه في المناطق المنخفضة لأن هواء المرتفعات النقي يساعد على سرعة فقدان الأرض لحرارتها بالإشعاع في أثناء الليل. ويمكننا أن نلاحظ الفروق المناخية السابقة إذا ما قارنا على سبيل المثال معدلات درجة الحرارة والأمطار في مدينة "كنشاسا" في حوض الكونغو وارتفاعها 325 مترًا فوق سطح البحر "30 َ 4 ْ جنوبا و16 ْ شرقًا" بنظيراتها في مدينة نيروبي في كينيا على ارتفاع 1660 مترًا "1 ْجنوبًا و37 شرقًا" وكذلك إذا قارنا معدلات مدينة بارا "بلم" القريبة من مصب نهر الأمزون وارتفاعها حوالي عشرة أمتار فوق سطح البحر "1 ْ جنوبًا و49 ْغربًا" بنظيراتها في مدينة كيتو في إكوادور وارتفاعها 2850 مترًا "خط الاستواء و79 غربًا" كما يتبين من الجدول رقم "21". أما الحياة النباتية فمن الطبيعي أن تكون في الجهات المرتفعة أقل كثافة منها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 جدول رقم "21" مقارنة بين معدلات درجة الحرارة والأمطار في محطتين منخفضتين وأخرتين مرتفعتين في النطاق الاستوائي أ- درجة الحرارة "بالدرجات المئوية": ب- المطر "بالسنتيمترات": في الجهات المنخفضة بسبب قلة الأمطار نسبيًّا، فهضبة البحيرات مثلًا لا تغطيها إلا حشائش من نوع السفانا التي تختلط بها كثير من الأشجار بينما يتغطى حوض الكونغو بغابات استوائية كثيفة دائمة الخضرة. أما على منحدرات الجبال التي يزيد ارتفاعها على ثلاثة آلاف متر فوق سطح البحر فنلاحظ أن المناخ يتدرج بها على منحدرات الجبال في المناطق المعتدلة حيث تنتقل من نطاق الحشائش المدارية إلى نطاق الحشائش المعتدلة والغابات النفضية ثم الغابات الصنوبرية ثم نطاق التندرا والثلج الدائم. وما قيل عن المرتفعات الموجودة في النطاق الاستوائي يمكن أن يقال كذلك عن المرتفعات الموجودة في النطاق المداري إذ إن الارتفاع يقلل من درجة الحرارة كما يقلل من أمطار التيارات الصاعدة، وينطبق هذا بصفة خاصة على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 المرتفعات الموجودة في الأقاليم القارية، أما المنحدرات الجبلية لهبوب الرياح الآتية من البحر فتكون غزيرة الأمطار بسبب ما يسقط عليها من أمطار تضاريسية، وهذه المنحدرات هي التي تمثل أغزر جهات النطاق الحار أمطارًا بصفة عامة. ومن أهم الآثار البشرية للمرتفعات الموجودة في الأقاليم الحارة أنها مكنت الأوروبيين من استعمار هذه المناطق واستغلالها لإنتاج غلات المناطق المعتدلة في هذه الأقاليم، وتعتبر كينيا من أحسن الأمثلة على ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 الأقاليم المعتدلة الدافئة مدخل ... 11- 2- الأقاليم المعتدلة الدافئة: المناخ المعتدل الدافئ: المقصود بالمناخ المعتدل الدافئ هو المناخ الذي لا ينخفض معدل الحرارة فيه عن 6 مئوية في أي شهر من الشهور أو بعبارة أخرى هو المناخ الذي لا يوجد فيه أي فصل بارد، وهو يوجد في نطاق يمثل منطقة الانتقال بين نطاق الرياح التجارية من ناحية ونطاق الرياح الغربية من ناحية أخرى، ولهذا السبب نجد أنه يتأثر بتزحزح نطاقات الحرارة والضغط العامة، ففي فصل الصيف الشمالي تتزحزح هذه النطاقات نحو الشمال فتدخل الأقاليم المعتدلة الدافئة في نطاق الرياح التجارية التي تسقط أمطارها على الحافات الشرقية بينما تصل إلى الحافات الغربية وهي جافة، أما في فصل الشتاء فيحدث العكس حيث تتزحزح نطاقات الضغط والحرارة نحو الجنوب ويتبع ذلك دخول الأقاليم المعتدلة الدافئة في نطاق الرياح الغربية التي تسقط أمطارها في غرب القارات، ثم تتناقص هذه الأمطار تدريجيًّا كلما اتجهنا شرقًا حتى تنعدم تقريبًا في وسط القارات أو في شرقها، ولكن يلاحظ أن الأمطار تعود غالبًا للازدياد كلما اقتربنا من السواحل الشرقية حيث نصادف نوعًا خاصًّا من المناخ المعتدل الدافئ تتمثل فيه مظاهر المناخ الموسمي المعروفة ويمكننا على هذا الأساس أن نقسم الأقاليم المعتدلة الدافئة إلى ثلاثة أنواع كبرى هي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 1- الأقاليم المعتدلة الدافئة في غرب القارات "نوع البحر المتوسط". 2- الأقاليم المعتدلة الدافئة في شرق القارات "نوع ناتال". 3- الأقاليم المعتدلة الدافئة الموسمية "نوع وسط الصين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 الأقاليم المعتدلة الدافئة في غرب القارات "نوع البحر المتوسط" مدخل ... 11- 2- 1- الأقاليم المعتدلة الدافئة في غرب القارات "نوع البحر المتوسط": يعتبر حوض البحر المتوسط أكبر منطقة يسودها نوع المناخ الذي تشتهر به الحافات الغربية لليابس في الأقاليم المعتدلة الدافئة، وهذا هو السبب في أن هذا المناخ يشتهر بين الجغرافيين باسم مناخ البحر المتوسط، ولكن يجب أن نلاحظ مع ذلك أن تضاريس حوض البحر المتوسط وشكل سواحله واتجاه منحدراته وغير ذلك من الظروف الطبيعية المحلية قد أدت إلى خلق أنواع مناخية خاصة تظهر في مناطق معينة وتختلف في كثير من النواحي عن مناخ البحر المتوسط المشهور، وهو المناخ الذي لا يظهر على الرغم من اسمه الذي اشتهر به إلا في مناطق محدودة من البلاد الموجودة في حوض البحر المتوسط. ومن الغريب أننا بينما نجد أن هذا النوع من المناخ غير ممثل بوضوح في هذا الحوض نفسه نجد أنه يتمثل أصدق تمثيل في مناطق أخرى من العالم الجديد مثل كاليفورنيا وشمال شيلي. ولكن إذا صرفنا النظر عن الاختلافات المحلية الكثيرة التي تميز بعض أقاليم البحر المتوسط عن بعضها الآخر سواء في العالم القديم أو في العالم الجديد نجد أن هناك ظاهرات رئيسية عامة تشترك فيها كل هذه الأقاليم تقريبًا، وأهم هذه الظاهرات هي: 1- سقوط أغلب الأمطار في نصف السنة الشتوي، أما فصل الصيف فيغلب أن يكون جافًّا أو قليل الأمطار بشكل واضح. 2- ارتفاع درجة الحرارة في فصل الصيف بحيث لا ينخفض المعدل في أي شهر من شهور هذا الفصل عن 18 ْ مئوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 3- عدم وجود فصل شديد البرودة بمعنى الكلمة؛ إذ إن المعدل الحراري لا ينخفض في أي شهر من أشهر الشتاء غالبًا عن 6 ْ مئوية. 4- كثرة ضوء الشمس خصوصًا في فصل الصيف الذي لا تحتجب في أثنائه السماء بالسحب إلا نادرًا. وأهم المناطق التي يظهر فيها هذا النوع من المناخ بالإضافة إلى حوض البحر المتوسط نفسه هي كاليفورنيا في أمريكا الشمالية وأواسط شيلي بأمريكا الجنوبية وفي الطرف الجنوبي الغربي لمنطقة رأس الرجاء الصالح في إفريقية وجنوب غربي أستراليا وجزء صغير في جنوبها الشرقي. ويلاحظ أن الرياح السائدة في أقاليم البحر المتوسط تختلف في الشتاء عنها في الصيف، ففي الشتاء تسود الرياح الغربية التي تهب عمومًا من ناحية البحر وتكون لذلك سببًا في سقوط الأمطار في هذا الفصل، أما في فصل الصيف فإن الإقليم يدخل في نطاق الرياح التجارية، وهي في جملتها رياح جافة لأنها تكون غالب الأحيان خارجة من القارات فضلًا عن أنها تهب نحو مناطق أشد حرارة من المناطق التي تجيء منها مما يساعد على خفض رطوبتها النسبية ويجعلها تبدو شديدة الجفاف، ولكننا مع ذلك يجب أن نلاحظ أن هذا لا ينطبق تمامًا على السواحل الجنوبية للبحر المتوسط لأن الرياح تصل إلى هذه السواحل بعد مرورها على هذا البحر فتحمل معها بعض الرطوبة، ولكنها على أي حال لا تسقط أي أمطار. وهكذا نجد أن نظام الرياح على أقاليم البحر المتوسط هو الذي يجعل هذه الأقاليم خاضعة في فترة من السنة وهي الصيف لتأثير كتل اليابس الواقعة إلى الشرق منها، وفي فترة أخرى وهي الشتاء لتأثير البحار الواقعة إلى الغرب منها. وأمطار البحر المتوسط في جملتها من النوع الإعصاري الذي يسقط بسبب المنخفضات الجوية التي تكثر في نطاق الرياح الغربية، بالإضافة إلى ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 تسقط كثير من أمطار التضاريس على السواحل المرتفعة التي تقف في طريق الرياح الممطرة مباشرة، كما هي الحال على ساحل دالماشيو فهذا الساحل يعتبر من أغزر جهات أوروبا مطرًا، حيث يزيد معدل الأمطار في معظم أجزائه على 250 سنتيمترًا في السنة. ويختلف طول الفصل الممطر وكمية المطر في أقاليم البحر المتوسط على حسب الظروف المحلية، ولكن يلاحظ عمومًا أن طول الفصل الممطر يتناقص تدريجيًّا كلما اتجهنا نحو خط الاستواء حتى ينتهي في الصحاري المدارية، وعلى العكس من ذلك يزداد طول هذا الفصل تدريجيًّا كلما اتجهنا نحو القطبين حتى نصل إلى مناطق يسقط فيها المطر طول العام، وتدخل هذه المناطق الأخيرة ضمن نوع آخر من المناخ هو مناخ الحافات الغربية في الأقاليم المعتدلة الباردة وهو النوع الذي يشتهر باسم "مناخ غرب أوروبا" فبينما نجد على سبيل المثال أن الفصل الممطر في مدينة تونس يشمل سبعة أشهر نجد أنه يشمل تسعة أشهر في باليرمو وأحد عشر شهرًا في نابلي، ويشمل السنة كلها في مدينة جنوه. ونظرًا لأن أمطار مناخ البحر المتوسط تأتي، كما سبق أن أشرنا، من البحار الغربية، فإنها تتناقص تدريجيًّا كلما ابتعدنا عن هذه البحار نحو الشرق حتى نصل إلى أقاليم شبه صحراوية أو صحراوية في الداخل، ويمكننا أن نلاحظ هذا التناقص بوضوح إذا قارنا كميات الأمطار في بعض المحطات الواقعة على ساحل البحر المتوسط بعضها ببعض، فإذا أخذنا مثلًا معدلات الأمطار في مدن الجزائر وطرابلس والإسكندرية وبورسيعد نجد أنها على الترتيب هي 75 و34 و20 و10 سنتيمترات، وذلك مع العلم بأن معدل الأمطار في مناخ البحر المتوسط المثالي يتراوح عمومًا بين 60 و85 سنتيمترًا في السنة، راجع الجدول رقم "22". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 الحياة النباتية : على الرغم من أن المناخ في أغلب أقاليم البحر المتوسط يتميز بوجود فصل جاف يتفق مع فصل الحرارة الشديد، فإن أثر الجفاف في تشكيل المظهر العام للحياة النباتية سواء في ذلك النباتات الطبيعية أو المحاصيل الزراعية ليس واضحًا في هذه الأقاليم بدرجة وضوحه في بعض الأقاليم المناخية الأخرى التي تتميز كذلك بوجود فصل شديد الجفاف، كما هي الحال مثلًا في أقاليم السفانا والأقاليم الموسمية، ففي المناطق التي تكفي أمطارها لنمو الغابات في حوض البحر المتوسط نجد أن معظم الأشجار من الأنواع دائمة الخضرة التي تتحايل على تحمل الجفاف بوسائل مختلفة، فمنها ما تتغطى جذوعه بقشور سميكة تحول دون ضياع المياه منها بالتبخر مثل الفلين، ومنها ما له أوراق إبرية مثل الصنوبر والأرز، كما ينمو في هذا المناخ كذلك نوع دائم الخضرة من أشجار البلوط، أما النوع النفضي من هذه الأشجار فلا يظهر إلا في مناطق محدودة جدًّا، وإلى جانب هذه الغابات تنمو في مناخ البحر المتوسط كذلك أحراج كثيفة تتغطى بها الأرض في بعض المناطق وتتخللها أحيانًا شجيرات أو أشجار قصيرة وتشتهر هذه الأحراج في كاليفورنيا باسم "شابارول Chaparral" أما في البلاد المحيطة بالبحر المتوسط فيطلق عليها اسم ماكي1 Maqui. وإلى جانب المناطق التي تصلح بطبيعتها لنمو هذه الأحراج، وهي غالبًا مناطق رديئة التربة نجد أنها تظهر كذلك في بعض المناطق الأخرى التي أزال الإنسان غاباتها لاستغلال أخشابها. وليس هناك فصل واحد للنمو في مناخ البحر المتوسط، فعلى الرغم من أن برودة فصل الشتاء تؤدي إلى توقف نمو بعض النباتات، فإن كثيرًا من النباتات الأخرى تواصل نموها في هذا الفصل؛ إذ إن معدل درجة الحرارة لا يهبط غالبًا في أي شهر من الشهور إلى صفر النمو، وكذلك في فصل الصيف قد تؤدي قلة الأمطار أو انعدامها تمامًا في بعض المناطق إلى توقف نمو النباتات، ومع   1 Finch. V.C. and Trewartha, G. L. "Phisical Elements of Geography" 1949, p. 426 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 جدول رقم "22" معدلات الحرارة والأمطار في بعض محطات الأقاليم المعتدلة الدافئة في غرب القارات "نوع البحر المتوسط". 1- الجزائر -37 شمالًا و3 شرقًا، 22 مترًا فوق سطح البحر. 2- الإسكندرية -31 شمالًا و30 شرقًا، 32 مترًا فوقا سطح البحر. 3- أزمير -38 شمالًا و27 شرقًا، 20 مترًا فوق سطح البحر. 4- كيب تون -34 جنوبًا و18 شرقًا، و13 مترًا فوق سطح البحر. أ- الحرارة "بالدرجات المئوية": ب- المطر "بالسنتيمترات": ذلك فإن بعض النباتات تستطيع النمو اعتمادًا على الأمطار القليلة التي تسقط أحيانًا في هذا الفصل أو اعتمادًا على المياه الباطنية التي تستخدم كثيرًا في أغراض الري، ولكن يمكن القول على أي حال أن فصل الصيف هو أفقر فصول السنة في حياته النباتية، أما أصلح الفصول للنمو فهي فصلا الربيع والخريف بسبب اعتدال حرارتهما من جهة وكفاية أمطارهما لهذا الغرض من جهة أخرى. أما الزراعة فإنها موزعة على جميع فصول السنة دون استثناء، ففي فصل الصيف يشتغل الفلاحون بإعداد أشجار الفواكه، سواء في ذلك الفواكه التي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 تقاوم الجفاف بطبيعتها مثل الزيتون والتين والعنب، وكلها تتميز بجذورها الطويلة التي تتوغل بها في التربة وتستفيد من الرطوبة المخزونة فيها، أو الفواكه التي تعتمد في زراعتها على الري مثل الخوخ والبرتقال وغيره من الموالح. أما في فصول الشتاء فتعد الحقول لزراعة الحبوب والخضروات التي تعتمد في نموها على المطر، ويلائم جفاف فصل الصيف نضج أغلب محاصيل الحبوب مثل القمح والشعير كما يلائم صناعة تجفيف الفواكه مثل الزبيب والتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 الأقاليم المعتدلة الدافئة في شرق القارات "نوع ناتال" مدخل ... 11- 2- 2- الأقاليم المعتدلة الدافئة في شرق القارات "نوع ناتال": يقابل الأقاليم المعتدلة الدافئة التي توجد في غرب القارات أقاليم أخرى في شرقها يختلف مناخها من بعض الوجوه عن مناخ تلك الأقاليم، فبينما تسقط أمطار الأقاليم الغربية في فصل الشتاء فإن أمطار الأقاليم المقابلة لها في الشرق تسقط طول العام. وتزداد بصفة خاصة في فصل الصيف، وهو الفصل الذي تدخل فيه هذه الأقاليم في نطاق الرياح التجارية "أو الموسمية" التي تهب من ناحية البحر وتكون محملة بكميات كبيرة من بخار الماء. والأمطار في جملتها من نوع أمطار التضاريس التي تسقط عند مقابلة الرياح لمنحدرات الجبال، وهي تزداد بصفة خاصة في أواخر الصيف وأوائل الخريف حيث تكون كمية بخار الماء التي يحملها الهواء أعلى منها في أي وقت آخر، وتتناقص هذه الأمطار عمومًا كلما توغلنا في اليابس نحو الغرب، وعلى الرغم من أن الأقاليم غرب القارات تدخل هي الأخرى خلال هذا الفصل في نطاق الرياح التجارية فإن هذه الرياح تكون جافة نسبيًّا لأنها تكون آتية من ناحية اليابس. أما في فصل الشتاء فتدخل الأقاليم الشرقية في نطاق الرياح الغربية. شأنها في ذلك شأن الأقاليم الغربية وتسقط فيها بعض الأمطار بسبب المنخفضات الجوية التي تظهر في نطاق هذه الرياح، ولكن نظرًا لأن الرياح الغربية التي تهب على الحافات الشرقية تكون خارجة من اليابس فإن أمطارها تكون أقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 بطبيعة الحال من الأمطار التي تسببها نفس الرياح عند هبوبها على الحافات الغربية، ويتميز مناخ الأقاليم الشرقية بأنه يتعرض لظهور نوعين من الأعاصير هما: أولًا: الأعاصير المدارية التي تظهر في فصل الصيف عندما تدخل هذه الأقاليم في نطاق الرياح التجارية، ومن أمثلتها الهريكين في جزر الهند الغربية والتيفون في الصين. ثانيًا: أعاصير المناطق المعتدلة وهي المنخفضات الجوية المعتادة التي تظهر في نطاق الرياح الغربية، وهي تسبب أمطار فصل الشتاء كما أنها قد تسبب بعض التقلبات الجوية التي يترتب عليها أحيانًا اندفاع الهواء القطبي من ناحية سيبيريا في آسيا ومن ناحية شمال كندا في أمريكا, وكثيرًا ما يندفع هذا الهواء بشكل عواصف ثلجية قارصة البرد جدًّا يترتب عليها في بعض الأحيان حدوث وفيات بين السكان فضلًا عن الخسائر الكثيرة في المحاصيل والثروة الحيوانية. وإذا نظرنا إلى درجة الحرارة في مناخ الأقاليم المعتدلة الدافئة في شرق القارات عمومًا، نلاحظ أنها أميل إلى الاعتدال في فصل الشتاء، ففي هذا الفصل يبلغ المعدل الحراري حوالي 10 ْ مئوية، ومع ذلك فكثيرًا ما يظهر الصقيع وتنخفض الحرارة إلى درجة التجمد في أثناء الليل خصوصًا في المناطق الداخلية التي تبعد عن المؤثرات البحرية، أما فصل الصيف فشديد الحرارة عمومًا حيث ترتفع درجة الحرارة في أثناء النهار في معظم أيامه إلى أكثر من 30 ْ مئوية، ومما يزيد في قسوة هذه الحرارة أن الرطوبة في الهواء تكون مرتفعة ولهذا السبب كان فصل الصيف هو أقل فصول السنة نشاطًا وأكثرها أمراضًا، حيث تنتشر فيه كثير من الأوبئة خصوصًا الملاريا التي تزداد بسببها نسبة الوفيات، ولا تنتهي هذه الحالة السيئة بانتهاء فصل الصيف مباشرة، بل إنها تستمر في خلال الأسابيع الأولى من فصل الخريف ولهذا نجد أن المعدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 الحراري هذا الفصل الأخير أعلى نوعًا من المعدل الحراري لفصل الربيع. ويتمثل هذا النوع من المناخ بصفة خاصة في القارات الثلاث الجنوبية على الحافات الشرقية إلى الجنوب مباشرة من المناطق التي يتمثل فيها المناخ المداري البحري، كما أنه يتمثل أيضًا في مساحة كبيرة من شرق الصين ووسطها وفي جنوب شرق أمريكا الشمالية إلى الشمال من المناخ المداري الموسمي، ولكن نظرًا لأن هذه الجهات تغلب عليها صفات المناخ الموسمي فإننا سنضعها تحت نوع مناخي خاص هو "المناخ المعتدل الدافئ الموسمي" وهو نوع معدل من مناخ أقاليم شرق القارات. ويبين الجدول رقم "23" معدلات الحرارة والأمطار في بعض محطات الأقاليم المعتدلة في شرق القارات. الجدول رقم "23" معدلات الحرارة والأمطار في بعض محطات الأقاليم المعتدلة الدافئة في شرق القارات. 1- شارلستون "كارولينا الجنوبية" -33 ْشمالًا, و80 ْغربًا، 15 مترًا فوق سطح البحر. 2- سيدني -34 ْجنوبًا و151 ْشرقًا، 42 مترًا فوق سطح البحر. 3- بورت إليزابيث "جنوب إفريقية" 34 ْ جنوبًا و26 ْ شرقا، 53 مترًا فوق سطح البحر. 4- بوينس أيرس -35 جنوبًا و58 غربًا، و25 مترًا فوق سطح البحر. أ- درجة الحرارة "درجات مئوية": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 ب- الأمطار "سنتيمترات": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 الحياة النباتية : بصرف النظر عن الحالات التي يظهر فيها الصقيع في بعض ليالي فصل الشتاء فإن المعدل الحراري لا ينخفض في أي شهر من شهور هذا الفصل إلى حد يترتب عليه توقف نمو النباتات السائدة، ولهذا السبب نجد أن الحياة النباتية هنا تشتمل على كثير من أنواع الأشجار دائمة الخضرة مثل البلوط والجوز، وهي من الأنواع التي ذكرنا أنها موجودة كذلك في مناخ البحر المتوسط، ولكن نظرًا لأن أمطار الحافات الشرقية تسقط طول العام فإن مناخ هذه الحافات يساعد على نمو أنواع أخرى من الأشجار التي يحول جفاف فصل الصيف في مناخ البحر المتوسط دون نموها مثل أشجار السرخس والخيزران. وإلى جانب ذلك توجد في هذا النوع من المناخ غابات مختلطة من أشجار نفضية ودائمة الخضرة، ولا يخلو الأمر من وجود أشجار صنوبرية في بعض المناطق، وكثير من الأشجار لها قيمة اقتصادية كبيرة سواء لأخشابها مثل البلوط والأسفندان والجوز أو لأوراقها وثمارها مثل التوت الذي تربى عليه دودة القز. وتنفض أشجار التوت أوراقها في الشتاء، أما في الصيف فإنها تكون محملة بكميات كبيرة من الأوراق والثمار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 ومناخ الأقاليم المعتدلة الدافئة في شرق القارات صالح لزراعة بعض المحاصيل التي لها قيمة اقتصادية كبير مثل الأرز والشاي وقصب السكر والقطن والتبغ. وفصل الصيف هو فصل النمو بالنسبة لأغلب المحاصيل، حيث تجتمع فيه الأمطار والحرارة المرتفعة، وموسم حصاد المحاصيل وجني الثمار هو فصل الخريف، أما فصل الشتاء، فعلى الرغم من انخفاض درجة الحرارة نوعًا ما في أثنائه إلا أن ذلك لا يمنع من زراعة بعض المحاصيل خصوصًا في الأقاليم المزدحمة بالسكان حيث تشتد الحاجة لاستغلال الأرض إلى أقصى حد ممكن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 11- 2- 3- الأقاليم المعتدلة الدافئة الموسمية : يعتبر مناخ هذه الأقاليم نوعًا معدلًا من مناخ الأقاليم المعتدلة الدافئة الأخرى في شرق القارات وهو المناخ الذي سبق وصفه، وأهم ما يميز النوع الموسمي عن النوع الأصلي أن الأحوال المناخية تتغير فيه تغيرًا تامًّا في نصف السنة الصيفي عنها في نصفها الشتوي، ويكون الفرق بين الفصلين أوضح بكثير منه في النوع الأصلي، فقد رأينا مثلًا أن أمطار النوع الأصلي تتوزع على جميع شهور السنة وأن الرياح لا تهب بانتظام من اتجاه واحد بل إنها تتغير باستمرار في قوتها وفي اتجاه هبوبها نتيجة لوقوع المناطق التي يسودها هذا المناخ في منطقة التقاء نطاق الرياح التجارية بنطاق الرياح الغربية، أما في النوع الموسمي، فإن فصل الصيف يسوده نوع واحد من الرياح هو الرياح الموسمية الحارة التي تهب من ناحية البحر، وأما فصل الشتاء فيسوده نوع آخر مختلف تمام الاختلاف عن النوع الأول، وهو الرياح الموسمية الباردة التي تهب من داخل اليابس ولهذا السبب نجد أن معظم أمطار هذا النوع من المناخ تسقط في فصل الصيف، أما الشتاء فجاف أو قليل المطر. ويكون الانتقال من الصيف إلى الشتاء أو العكس فجائيًّا تقريبًا وهي صفة مهمة من صفات المناخ الموسمي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 ومن أهم ما يميز النوع الموسمي كذلك أن مدى التغير السنوي للحرارة فيه يكون أكبر منه في النوع الأصلي، حيث يصل أحيانًا إلى 22 ْمئوية "راجع الجدول رقم 24". ويرجع ارتفاع هذا المدى بصفة خاصة إلى شدة برودة فصل الشتاء، أكثر من رجوعه إلى ارتفاع درجة حرارة فصل الصيف. جدول رقم "24" أ- معدلات الحرارة "بالدرجات المئوية" في مدينة تشونكين، وهي مثال للمناخ المعتدل الدافئ الموسمي أ- درجة الحرارة "بالدرجات المئوية": ب- الأمطار "بالسنتيمترات": ويشغل المناخ المعتدل الدافئ الموسمي نطاقًا واسعًا في شرق الصين ووسطها ما بين نطاق المناخ الموسمي المداري في الجنوب ونطاق المناخ المعتدل البارد الموسمي "الذي سنتكلم عليه فيما بعد" في الشمال، ولكن ليس من السهل وضع حدود واضحة تفصل هذه النطاقات بعضها عن بعض لعدم وجود إحصاءات كافية من ناحية ولأنها تتداخل في بعضها بشكل تدريجي من ناحية ثانية، ومع ذلك فمن الممكن أن نأخذ بالحد الذي وضعه أوستن ملر بين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 النطاق المعتدل الدافئ في الجنوب والنطاق المعتدل البارد في الشمال، وهو يتمشى عمومًا مع نهر اليانجتسي، فإلى الشمال من هذا النهر تشتد البرودة في فصل الشتاء بحيث ينخفض المعدل إلى أقل من صفر النمو "6ْ" في بعض الأشهر، أما إلى الجنوب منه فيندر أن يهبط المعدل في أي شهر من الشهور إلى هذا الحد. وينعكس أثر هذا الاختلاف واضحًا في الحياة النباتية الطبيعية، والإنتاج الزراعي، فبينما تسود الأشجار دائمة الخضرة ذات الأوراق العريضة في المناطق الواقعة إلى الجنوب من النهر، ومن أمثلتها البلوط والزان والجوز والخيزران فإن الأشجار السائدة في المناطق الواقعة إلى الشمال منه أغلبها أنواع نفضية مثل القسطل والفلين والأسفندان وتختلط بها أشجار إبرية الأوراق مثل الصنوبر والشوكران. وبينما نجد أن الحقول الواقعة إلى الجنوب من النهر تنتج في كل سنة ثلاث غلات من المحاصيل التي تنمو في المناطق شبة المدارية مثل "الشاي وقصب السكر والتوت فإننا نجد أن الحقول الواقعة إلى الشمال منه لا تنتج إلا محصولًا واحدًا أو محصولين على الأكثر كل سنة، ومن أهم المحاصيل التي تزرع هنا القمح والشعير والفول وغيرها من محاصيل المنطقة المعتدلة الباردة، حيث يوجد هنا فصل نمو قصير نسبيًّا وفصل بارد أطول نوعًا ما. ويمكننا أن نأخذ معدلات الحرارة والأمطار في مدينة تشونكين كمثال لهذا المناخ، وهي واقعة على خط عرض 30ْ شمالًا وخط طول 107ْ شرقًا، وارتفاعها 23 مترًا عن سطح البحر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 الأقاليم المعتدلة الباردة مدخل ... 11- 3- الأقاليم المعتدلة الباردة أهم ما يميز هذه الأقاليم هو وجود فصل شديد البرودة يزداد طوله وتشتد قسوته كلما توغلنا في اليابس بعيدًا عن المؤثرات البحرية، وفي هذا الفصل لا يرتفع المعدل الحراري في أي شهر من الشهور عن 6ْ مئوية، وهناك ثلاثة أنواع رئيسية من هذه الأقاليم وهي: 1- الأقاليم المعتدلة الباردة البحرية في غرب القارات، وهي توجد بصفة خاصة في غرب أوروبا. 2- الأقاليم المعتدلة الباردة القارية، وهي تشمل معظم الأجزاء الوسطى من كتلتي أوراسيا وأمريكا الشمالية، وهي الأجزاء التي يندر أن تصل إليها المؤثرات البحرية. 3- الأقاليم المعتدلة الباردة الموسمية في شرق القارات وهي تتمثل بصفة خاصة في شمال الصين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 11- 3- 1- الأقاليم المعتدلة الباردة البحرية "نوع غرب أوروبا" : أهم الأقاليم التي تدخل تحت هذا القسم هي غرب أوروبا والجزر البريطانية وشمال غرب الولايات المتحدة وكولومبيا البريطانية. أما في نصف الكرة الجنوبي فلا يتمثل المناخ المعتدل البارد البحري إلا في منطقة صغيرة في جنوب شيلي، ثم في جزيرة تسمانيا ونوزيلندة، وخصوصًا في الجزيرة الجنوبية، ولكنه لا يظهر في أي جزء من أجزاء جنوب إفريقية لأن هذه القارة لا تصل في امتدادها إلى العروض التي يوجد فيها هذا النوع من المناخ. ومن أهم خصائص هذا المناخ أن المدى السنوي للحرارة فيه منخفض نسبيًّا، نتيجة لتأثير البحار المجاورة، ففي أوروبا مثلًا يصل أثر تيار الخليج الدافئ إلى السواحل الغربية للقارة مما يساعد على تدفئتها في فصل الصيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 أما في فصل الشتاء فإن مياه المحيط أقل حرارة من اليابس، ولهذا فإنها تساعد على تلطيف درجة الحرارة على السواحل المجاورة. والرياح السائدة في هذا النوع من المناخ هي الرياح الغربية إلا أن نظامها غير ثابت بسبب كثرة المنخفضات الجوية التي تظهر طول العام تقريبًا، خصوصًا في فصلي الشتاء والخريف، ويلاحظ أن الرياح الغربية لا تستطيع أن تتوغل في فصل الشتاء توغلًا كبيرًا في داخل اليابس، بسبب وجود منطقة ذات ضغط مرتفع متمركزة على أواسط كتلة أوراسيا. والواقع أن اختلاف نظام الضغط على أواسط أوراسيا في فصل الشتاء عنه في فصل الصيف له علاقة كبيرة باتجاه الرياح التي تهب على السواحل الغربية لأوروبا، ففي فصل الصيف يكون اتجاه هذه الرياح في جملته غربيًّا لأنها تكون مندفعة نحو الشرق، بتأثير الضغط المنخفض العميق الذي ينشأ في هذا الفصل على أواسط أوراسيا. أما في فصل الشتاء فإن هذا الضغط المنخفض يتلاشى ويحل محله ضغط مرتفع يقف في طريق تقدم الرياح نحو الشرق ويعمل على انحرافها نحو الشمال الشرقي بمعنى أنها تكون جنوبية غربية. ويتميز النوع البحري من المناخ المعتدل البارد كذلك بأن هواءه يكون محملًا بكميات كبيرة من بخار الماء، وبأن أمطاره تسقط طول السنة، ولكنها تكثر بصفة خاصة في فصلي الشتاء والخريف، وهناك نوعان رئيسيان من هذه الأمطار: 1- الأمطار الإعصارية التي تسببها المنخفضات الجوية التي تكثر في نطاق الرياح الغربية، وهي المسئولة عن زيادة أمطار فصلي الشتاء والخريف وهما فصلا نشاط المنخفضات الجوية. 2- أمطار التضاريس، وهي تسقط بغزارة على سلاسل الجبال المرتفعة التي تعترض طريق هبوب الرياح الممطرة التي تهب من ناحية المحيط، ففي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 جدول رقم "25" معدلات الحرارة والأمطار في بعض المحطات الواقعة في الأقاليم المعتدلة الباردة البحرية وهي: 1- دبلن "أيرلندة" - 53 ْ شمالًا و6 ْ غربًا، 50 مترًا فوق سطح البحر. 2- بوردو "فرنسا" - 45 ْ شمالًا و38 ْ غربًا، 75 مترًا فوق سطح البحر. 3- بروكسل "بلجيكا" -51 ْ شمالًا و4 ْ شرقًا، 100 مترًا فوق سطح البحر. 4- فانكوفر "كندا" -49 ْ شمالًا و123 ْغربًا، 41 مترًا فوق سطح البحر. 5- دانيدين "نيوزيلندة" -46 ْ جنوبًا و171 ْ شرقًا، 73 مترًا فوق سطح البحر. أ- درجة الحرارة "بالدرجات المئوية": ب- الأمطار "بالسنتيمترات": أوروبا مثلًا يكثر هذا النوع من الأمطار بصفة خاصة على المنحدرات الغربية لجبال إسكنديناوه ومرتفعات ويلز. أما في العالم الجديد فيكثر في كولومبيا البريطانية وجنوب شيلي وفي الجزيرة الجنوبية في جزيرتي نيوزيلندة. ومما تجدر ملاحظته أن وجود السلاسل الجبلية على امتداد السواحل في المناطق المذكورة كان من نتائجه أن أصبح هذا النوع البحري من المناخ المعتدل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 البارد مقصورًا على أشرطة ساحلية ضيقة، ثم يتغير المناخ تغيرًا فجائيًّا بمجرد عبورنا للجبال نحو الداخل حيث تنتقل مباشرة إلى النوع القاري من هذا المناخ، وهذا بخلاف ما نشاهده في معظم غرب أوروبا وشمالها الغربي باستثناء ساحل النرويج حيث نجد أن عدم وجود حواجز جبلية مهمة ممتدة بمحاذاة الساحل قد ساعد على توغل المؤثرات البحرية لمسافات بعيدة في داخل القارة. وإذا نظرنا إلى الحياة النباتية الطبيعية نجد أنها تتكون في جملتها من غابات نفضية تسقط أوراقها في فصل الشتاء بسبب انخفاض درجة الحرارة إلى أقل من 6ْ، وهي تشمل بعض أنواع الأشجار التي تتميز بأخشابها ذات القيمة الاقتصادية العالية الكبيرة، ومن أمثلتها أشجار البلوط، والزان والدردار والأسفندان، ولكن يلاحظ أن هذه الغابات قد أزيلت من معظم المناطق وحلت محلها حشائش غنية تقوم عليها حرفة رعي الماشية، كما تحولت مناطق واسعة منها لحقول تزرع فيها بعض المحاصيل المهمة مثل البطاطس والشوفان، أما القمح فنظرًا لأنه يحتاج دائمًا لفصل جاف يتفق مع موسم الحصاد فإن محصوله يتعرض في هذه المناطق لأضرار بالغة في بعض السنوات بسبب زيادة الأمطار. وبالإضافة إلى الغابات النفضية تنمو كذلك الغابات الصنوبرية في بعض المناطق التابعة لهذا المناخ وخصوصًا في المناطق ذات التربة الرملية، وهذا النوع من الغابات هو النوع السائد في غرب كندا وشمال غرب الولايات المتحدة وتعتبر هذه المناطق من أغنى مناطق العالم في إنتاج أخشاب البناء. ويلاحظ أن الغابات تتناقص تدرجيًّا كلما ابتعدنا عن الساحل الغربي في أوروبا حيث تختلط بالحشائش ثم لا تلبث أن تختفي تمامًا في مناطق الإستبس في الداخل، أما في أمريكا الشمالية فإن وجود سلاسل الجبال بمحاذاة الساحل يجعل الانتقال من نطاق الغابات إلى نطاق الحشائش التي تعرف هنا باسم البراري يأتي فجائيًّا تبعًا للتغير الفجائي في الأحوال المناخية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 11- 3- 2 - الأقاليم المعتدلة الباردة القارية "نوع شرق أوروبا" : إذا توغلنا في اليابس بعيدا عن السواحل الغربية أو عبرنا الحواجز الجبلية التي تمتد بحذاء هذه السواحل، فإننا نصل تدريجيا إلى نوع قاري من المناخ لا تكاد المؤثرات البحرية تصل إليه سواء من الشرق أو من الغرب، وهو يتمثل في مساحات واسعة من أواسط أوراسيا وأمريكا الشمالية، أما في نصف الكرة الجنوبي فإنه لا يتمثل إلا في المناطق محدودة جدًّا من جنوب أمريكا الجنوبية، أهمها إقليم هضبة بتاجونيا ويختلف هذا النوع من المناخ عن النوع البحري الذي سبق وصفه من عدة وجوه أهمها: 1- انخفاض كمية الرطوبة في هوائه. 2- قلة الأمطار نسبيًّا وسقوط أغلبها في نصف السنة الصيفي. 3- ارتفاع المدى الفصلي لدرجة الحرارة. 4- قصر الفصلين الانتقاليين أي الربيع والخريف بشكل يجعل من الممكن تقسيم السنة إلى فصلين اثنين هما الصيف والشتاء، ففي مدينة وارسو مثلا نجد أن المعدل الحراري لشهر مايو يزيد بنحو 6 درجات مئوية عن معدل شهر أبريل، وينقص معدل شهر نوفمبر بنحو خمس درجات عن معدل شهر أكتوبر، ومعنى ذلك بعبارة أخرى أن الانتقال يكون فجائيًّا تقريبا بين الظروف المناخية لنصف السنة الصيفي والظروف المناخية لنصفها الشتوي. وبالنظر إلى المعدلات الحرارية في بعض المحطات التي تمثل النوع القاري من المناخ المعتدل البارد مثل وارسو وفينا وكييف نلاحظ أن هذه المعدلات تنخفض في بعض أشهر الشتاء إلى ما دون درجة التجمد، وأنها ترتفع في بعض أشهر الصيف إلى أكثر من 21 ْ مئوية، وهذا التطرف في درجات الحرارة ليس في الواقع من صفات الأقاليم المعتدلة الحقيقية ولذلك فإن تسميتنا لهذا النوع القاري باسم المناخ المعتدل به كثير من التجاوز "راجع الجدول 26". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 جدول رقم "26" معدلات الحرارة والأمطار في بعض محطات الأقاليم المعتدلة الباردة القارية وهي: 1- وارسو -54 شمالًا و21 شرقًا، 130 مترًا فوق سطح البحر. 2- كييف -50 شمالًا و30 شرقًا، 180 مترًا فوق سطح البحر. 3- فينا -48 شمالًا و16 شرقًا، 202 مترًا فوق سطح البحر. 4- أوماها "نبراسكا" -41 شمالًا و96 ْ غربًا، 330 مترًا فوق سطح البحر. أ- درجة الحرارة "بالدرجات المئوية": ب- الأمطار "بالسنتيمترات": ويترتب على الانخفاض في درجة الحرارة في فصل الشتاء في بعض الأجزاء الداخلية من اليابس تجمد المياه في بعض الأنهار لفترات يختلف طولها من منطقة إلى أخرى ولكنها تزداد طولًا كلما توغلنا في اليابس نحو الشرق بصفة عامة، فبينما تتجمد مياه نهر الرين عن مدينة كولونيا حوالي ثلاثة أسابيع أو أربعة يكون النهر خلالها غير صالح للملاحة فإن مياه الجزء الأدنى من نهر الدانوب تتجمد لفترة يتراوح طولها ما بين خمسة أسابيع أو ستة أسابيع من كل سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 والمظهر النباتي السائد في المناخ المعتدل البارد القاري هو الحشائش التي من نوع الإستبس، وهي تتناقص تدريجيًّا كلما اتجهنا نحو الشرق في أوراسيا حتى نصل إلى مناطق صحراوية واسعة يمكننا أن ندخلها كذلك ضمن هذا النوع القاري من المناخ، وتبدأ الحشائش في النمو عقب سقوط الأمطار في أوائل فصل الربيع، ثم تستمر خلال فصل الصيف ولكنها تأخذ في الذبول والاحتراق في أواخر هذا الفصل بسبب الحرارة الشديدة، ويساعد اختلاط بقايا هذه الحشائش بالتربة وتحللها فيها إلى زيادة خصوبتها. والحرفة السائدة في مناطق الإستبس هي حرفة رعي الماشية، ومع ذلك فقد تحولت مساحات كبيرة منها إلى حقول زراعية. وتعتبر مناطق الإستبس في الوقت الحاضر أغنى مناطق العالم في زراعة القمح، كما أن الذرة يزرع كذلك في مساحات واسعة منها خصوصًا على أطرافها المواجهة لخط الاستواء حيث يزداد طول فصل النمو وتشتد حرارة فصل الصيف عنها في الأطراف المواجهة للقطب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 11- 3- 3- الأقاليم المعتدلة الباردة الموسمية "نوع كوريا وشمال الصين" : يقابل المناخ البحري الذي رأينا أنه يتمثل في غرب القارات نوع آخر من المناخ يظهر في أجزائها الشرقية، وفيه تبرز صفات المناخ الموسمي بشكل واضح، فإذا ما تركنا المناطق الممطرة في غرب القارات واتجهنا شرقًا فإننا نصادف أقاليم قارية أو صحراوية تتمثل بصفة خاصة في كتلة أوراسيا وفي أمريكا الشمالية، وإذا ما واصلنا سيرنا نحو الشرق فإننا ننتقل تدرجيًّا إلى أقاليم يسقط مطرها في فصل الصيف، ويتزايد المطر بطبيعة الحال، كلما اقتربنا من البحر، وهذه الأقاليم تخضع في نصف السنة الصيفي لتأثير الرياح الموسمية الرطبة التي تهب من المحيطين الهادي والأطلسي نحو منطقتي الضغط المنخفض اللتين تتمركزان في هذا الفصل على الأجزاء الداخلية، من كتلتي أوراسيا وأمريكا الشمالية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 ويكون النظام الموسمي واضحًا بصفة خاصة في شرق آسيا حيث تتجمع معظم الأمطار في أشهر الصيف بسبب الرياح الموسمية التي تهب من ناحية البحر، بينما تشتد البرودة ويسود الجفاف في فصل الشتاء بسبب هبوب الرياح الموسمية الشتوية من داخل اليابس، وتتمثل هذه المظاهر بصفة خاصة في شمال الصين وكوريا وجنوب منشوريا، أما اليابان فعلى الرغم من أنها تدخل كذلك في هذا النوع من المناخ، إلا أن الأمطار الشتوية التي تسقط عليها تكون أكثر منها في المناطق السابقة بسبب وجود بحر اليابان إلى الغرب منها "راجع الجدول رقم "27". جدول رقم "27" معدلات الحرارة والأمطار في بعض المحطات الواقعة في الأقاليم المعتدلة الباردة الموسمية وهي: 1- بوستن -42 ْغربًا، 381 مترًا فوق سطح البحر 2- مكدن "منشوريا" -42 ْشمالًا و124 ْشرقًا، و44 مترًا فوق سطح البحر. 3- وونسان "كوريا" -39 ْشمالًا و127 ْشرقًا، 37 مترًا فوق سطح البحر. 4- ناجاسكي -33 ْشمالًا و130 ْشرقًا، 135 مترًا فوق سطح البحر. أ- درجة الحرارة "بالدرجات المئوية": ب- الأمطار "بالسنتيمترات": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 شكل "89" توزيع الأقاليم المعتدلة الباردة في العالم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 أما في أمريكا الشمالية فإن النظام الموسمي أقل وضوحًا بكثير منه في شرق آسيا، ويرجع ذلك إلى أن الضغط المنخفض على كتلة أوراسيا يكون أكثر عمقًا وأشد انحدارًا من الضغط المنخفض على أمريكا الشمالية، ولهذا السبب نجد أن أمطار شرق الولايات المتحدة ليست مقصورة على فصل الصيف بل إنها تسقط كذلك في فصل الشتاء نتيجة لهبوب الرياح الممطرة من المحيط الأطلسي في مقدمة المنخفضات الجوية التي تعبر البلاد من الغرب إلى الشرق. والواقع أن مناخ شرق الولايات المتحدة يعتبر خليطًا من المناخ البحري والمناخ القاري إذ إن الرياح الغربية السائدة تنقل إليه مظاهر المناخ القاري من الداخل. أما المؤثرات البحرية فتصل إليه بواسطة الرياح الجنوبية الشرقية التي تهب عليه أحيانًا من المحيط الأطلسي في مقدمة المنخفضات الجوية. ولا يختلف المظهر العام للحياة النباتية في هذا النوع من المناخ عنه في المناخ المقابل له على الحافات الغربية، فهنا أيضًا نجد أن الغابات النفضية هي أهم أنواع النباتات الطبيعية، وعلى الرغم من أن هذه الغابات أزيلت من مناطق كثيرة فإنها مازالت تغطي مساحات واسعة في شرق آسيا، خصوصًا في منشوريا واليابان، وكذلك على جوانب مرتفعات الأبلاش في شرق الولايات المتحدة، أما في نصف الكرة الجنوبي فإنها لا تظهر إلا في جنوب أمريكا الجنوبية حيث تغطي مساحات صغيرة نسبيًّا في بتاجونيا وجزيرة أرض النار "تيرادلفويجو". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 الأقاليم الباردة مدخل ... 11- 4- الأقاليم الباردة: المقصود بالأقاليم الباردة -كما سبق أن بينَّا- هي الأقاليم التي يوجد بها فصل طويل شديد البرودة ينخفض المعدل الشهري لدرجة الحرارة خلاله إلى أقل من درجة التجمد، ويتراوح طوله ما بين ستة أشهر من كل سنة، وتقع هذه الأقاليم غالبًا في الأطراف المواجهة للقطبين من نطاق الرياح الغربية في نصف الكرة الشمالي حيث يتسع اليابس اتساعًا كبيرًا في العروض العليا، أما في نصف الكرة الجنوبي فإن اليابس "باستثناء القارة القطبية الجنوبية" لا يصل في امتداده إلى العروض التي يتمثل فيها هذا المناخ. وإن التدرج الذي لاحظنا وجوده في نطاق الأقاليم المعتدلة الباردة إذا ما تتبعناه من الغرب إلى الشرق نلاحظ وجوده كذلك في نطاق الأقاليم الباردة، ومعنى ذلك أننا نستطيع أن نقسم هذه الأقاليم إلى ثلاثة أقسام هي: 1- الأقاليم الباردة البحرية في شمال غرب أوروبا وشمال غرب أمريكا الشمالية. 2- الأقاليم الباردة القارية، في الأجزاء الداخلية التي لا تصل إليها المؤثرات البحرية. 3- الأقاليم الباردة الموسمية، في شرق آسيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 11- 4- 1- الأقاليم الباردة البحرية "نوع النرويج" : بالإضافة إلى سواحل النرويج يتمثل المناخ البارد البحري في نطاق ساحلي ضيق في ألاسكا وغرب كندا، ويلاحظ في كلتا المنطقتين التابعتين لهذا المناخ في أوروبا وأمريكا الشمالية أن هناك نطاقات جبلية مرتفعة تمتد بدون انقطاع تقريبًا بحذاء الساحل، وقد ترتب على ذلك أن أصبح النوع البحري من المناخ البارد مقصورًا على شريط ساحلي ضيق جدًّا في الجانب الغربي من الجبال، فإذا ما انتقلنا إلى جانبها الشرقي فإننا نجد نوعًا مناخيًّا لا يكاد يظهر فيه أي أثر للمناخ البحري، وهذا النوع الأخير هو الذي يعرف باسم المناخ البارد القاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 ومن أهم ما تتميز به الأقاليم الباردة البحرية أن شتاءها معتدل نسبيًّا إذا ما قارناها بغيرها من الأقاليم الباردة، فعلى ساحل النرويج مثلًا لا ينخفض المعدل الحراري في أي شهر من أشهر الشتاء عن درجة التجمد، ولا شك في أن تيار الخليج يعتبر عاملًا أساسيًّا في الدفء النسبي الذي يتمتع به هذا الساحل إذا ما قورن بالأجزاء الداخلية، وهو الدفء الذي يظهر حتى خط عرض 67ْ شمالًا تقريبًا، وهذه الظاهرة لها فائدة كبيرة جدًّا وهي أن الملاحة لا تتوقف على طول ساحل النرويج في أي شهر من الشهور، وتتكرر نفس الظاهرة كذلك على ساحل كندا وألاسكا حيث نجد هنا أيضًا أن المعدل الشهري، لدرجة الحرارة لا ينخفض في أي شهر من الشهور إلى أقل من درجة التجمد، وذلك في جميع أجزاء المنطقة الممتدة حتى خط عرض 52ْ شمالًا إلى الجنوب بنحو 10 درجات تقريبًا من الحد الشمالي للمنطقة المقابلة لها على ساحل النرويج، وكما أن تيار الخليج الدافئ هو الذي يساعد على تدفئة هذا الساحل الأخير فإن تيار المحيط الهادي الشمالي الدافئ "كيروسيفو" هو الذي يساعد على تدفئة السواحل الغربية لكندا وألاسكا، ولكن يجب أن نلاحظ أن هذا الدفء مقصور على شريط ساحلي ضيق جدًّا وأن البرودة تشتد بمجرد الابتعاد ولو قليلًا عن البحر، حتى إن درجة الحرارة قد تنخفض عند رءوس الخلجان بما يتراوح بين 3 و6 درجات مئوية عما هي عليه عند مداخل نفس هذه الخلجان، ولذلك فكثيرًا ما نجد أن رءوس الخلجان تكون أحيانًا مغطاة بالثلوج في الوقت الذي تكون فيه مداخلها مفتوحة للملاحة. أما عن المطر في هذا النوع البحري من المناخ البارد فنلاحظ أنه موزع على جميع أشهر السنة ولكنه يكثر بصفة خاصة في فصلي الخريف والشتاء بسبب ازدياد نشاط المنخفضات الجوية في هذين الفصلين عنه في فصلي الصيف والربيع، ومن أهم ما يساعد على كثرة الأمطار كذلك أن الرياح الغربية تمر على مياه التيارات الدافئة قبل وصولها إلى الساحل فتصطدم بالجبال التي تكون قممها ومعظم منحدراتها مغطاة بالجليد، ووجود هذه الثلوج على منحدرات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 الجبال يعتبر من غير شك عاملًا مساعدًا على حدوث التكثف وزيادة كمية المطر تبعًا لذلك. ومن الظاهرات التي تجدر الإشارة إليها أن كمية الأمطار تتناقص تدريجيًّا كلما ابتعدنا نحو الشمال، ويرجع ذلك إلى زيادة برودة الهواء، وما يتبع ذلك من تناقص في مقدرته على حمل بخار الماء. ونظرًا لشدة برودة فصل الصيف فإن معظم الأمطار التي تسقط خلاله تكون غالبًا على شكل ثلوج تتراكم على قمم المرتفعات وعلي منحدراتها وتتكون منها في بعض المناطق طبقات سميكة خصوصًا في الشمال. ويمكننا أن نشير هنا إلى مستوى خط الثلج الدائم على مرتفعات النرويج ويتراوح عمومًا ما بين 1400 متر في الشمال، ولكنه مع ذلك قد يهبط في بعض المناطق الشمالية المتطرفة إلى مستوى حوالي 50 مترًا. أما الحياة النباتية الطبيعية في هذا المناخ فتتكون بصفة خاصة من غابات صنوبرية دائمة الخضرة تتخللها أحيانًا بعض الغابات الفضية، ولكن يلاحظ أن هذه الغابات أقل من كثافتها وفي ضخامة أشجارها بكثير من الغابات التي تنمو في المناخ المعتدل البارد الممتدة إلى الجنوب منها على الحافات الغربية لليابس، ففي هذه الغابات الأخيرة توجد أنواع من الأشجار النفضية أكثر تعددًا منها في المناخ البارد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 11- 4- 2- الأقاليم الباردة القارية "نوع سيبريا": أهم ما يميز هذه الأقاليم أن البرودة الشديدة التي تسودها في فصل الشتاء يترتب عليها تكون نطاق من الضغط المرتفع الذي يحول دون وصول المؤثرات البحرية إليها من ناحية الغرب، وهي المؤثرات التي تحملها الرياح الغربية، كما أن تأثير المحيطات الواقعة في الشرق لا يستطيع كذلك أن يصل إلى هذه الأجزاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 لأن الرياح الشتوية التي تخرج من القارة إلى البحر تعمل على طردها بعيدًا عن اليابس. ويظهر هذا النوع من المناخ في مناطق واسعة في شمال أوراسيا وكندا ولكن نظرًا لاتساع كتلة أوراسيا، فإن المناخ البارد فيها يكون أشد قسوة منه في كندا، ففي سيبيريا، نجد أن المعدل الشهري لدرجة الحرارة ينخفض في بعض المناطق إلى أقل من -50 ْمئوية كما هي الحال في منطقة فرخويانسك التي يطلق عليها اسم قطب البرودة، أما في كندا فإن المعدل الشهري لا ينخفض عادة في أي منطقة من المناطق إلى أقل من -30 ْمئوية. ومن الطبيعي أن تتناقص درجة الحرارة وتشتد وطأة البرودة في فصل الشتاء كلما توغلنا في اليابس بعيدًا عن السواحل الغربية، ويمكننا أن نلاحظ ذلك إذا ما قارنا معدلات الحرارة في بعض المحطات الواقعة على خطوط عرض متقاربة فبينما نجد أن معدل درجة حرارة شهر يناير في مدينة برجن هو 3 ْمئوية نجد أنه ينخفض إلى -4 ْفي أوسلو و -7 ْفي هلسنكي و9 ْفي لننجراد و19 في توبولسك و35 ْفي أوليكمنسك olekminsk. ويمكننا أن ندرك نفس هذه الحقيقة بطريقة أخرى إذا نظرنا إلى امتداد خط حرارة 6 ْمئوية مثلًا لشهر يناير حيث نجد أنه يبدأ عند خط عرض 70 ْشمالًا على ساحل النرويج ثم ينحني تدريجيًّا نحو الجنوب كلما اتجهنا نحو الشرق حتى يصل في سيبيريا إلى حوالي خط عرض 45 ْشمالًا. ولئن كان الشتاء شديد البرودة بهذا الشكل فإن الصيف يعتبر دافئًا أو معتدلًا بصفة عامة، حيث يزيد معدل شهر يوليو عن 60 ْفي كثير من المناطق، ويكون الانتقال ما بين ظروف الصيف وظروف الشتاء فجائيًّا تقريبًا، ففي مدينة فرخويانسك مثلًا يرتفع معدل درجة الحرارة من -13 ْفي شهر إبريل إلى 2 ْمئوية في أكتوبر، ومن الواضح أن المدى السنوي للحرارة يكون في هذا النوع القاري من المناخ أكبر منه على السواحل الغربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وتختلف الحياة النباتية بسبب هذا الاختلاف في درجة الحرارة اختلافًا تامًّا في فصل الصيف عنها في فصل الشتاء، فبينما نجد أن الأرض تكون في فصل الصيف مكسوة بغطاء من الأعشاب والطحالب، نجد أنها تكون في الشتاء مغطاة بطبقة من الثلج. أما أمطار هذا المناخ فأقل بكثير من أمطار المناخ البحري إذ إنها لا تزيد غالبًا على 45 سنتيمترًا، وهي تتناقص تدريجيًّا كلما اتجهنا شرقًا حتى تكاد تنعدم في وسط آسيا الذي تشغله مناطق صحراوية وشبه صحراوية واسعة، ويكثر التساقط بصفة خاصة في نصف السنة الصيفي، أما في نصفها الشتوي فإن الانخفاض الشديد في درجة الحرارة لا يسمح للهواء بحمل كميات كبيرة من بخار الماء، ومع ذلك فإن التساقط يكثر في هذا الفصل، ولكنه يكون عادة على شكل ثلج. وتتأثر المناطق الداخلية من اليابس في بعض الأحيان بالمنخفضات الجوية التي تصل من ناحية الغرب مخترقة نطاق الضغط المرتفع الذي يكون متمركزًا على اليابس في فصل الشتاء، وتهب في مؤخرة هذه المنخفضات عواصف قطبية شديدة البرودة جدًّا، تبلغ سرعتها، ما بين 75 و90 كيلومترًا في الساعة، وتنخفض درجة الحرارة عند هبوبها بنحو 10 و15 درجة تحت درجة التجمد، هذه الرياح هي التي يطلق عليها في روسيا اسم البوران Buran، وفي كندا والولايات المتحدة اسم Blizzard وكثيرًا ما تكون هذه الرياح محملة بمقادير كبيرة من الثلج إما بشكل حبيبات دقيقة أو بشكل كرات صغيرة، ووجود هذا الثلج يزيد من غير شك من خطرها على الحياة. وتختلف الحياة النباتية في المناخ السيبيري على حسب درجة الحرارة أولًا وعلى حسب كمية التساقط ثانيًا، فحيثما يزيد المعدل على 25 سنتيمترًا تنمو غابات صنوبرية دائمة الخضرة، أما إذا قلت الأمطار عن ذلك فإن المظهر النباتي السائد يكون عبارة عن حشائش قصيرة العمر تنمو خلال فصل النمو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 فقط، وتغطي الغابات الصنوبرية في الوقت الحاضر نطاقًا يمتد بدون انقطاع تقريبًا عبر سيبيريا في العالم القديم، وكذلك عبر كندا وبعض أجزاء ألاسكا في العالم الجديد، فعلى الرغم من قصر فصل النمو في هذا النطاق فإن ارتفاع درجة الحرارة ثم طول ساعات النهار، وما يتبعها من زيادة ضوء الشمس خلال أشهر هذا الفصل يعتبران عاملين مهمين يساعدان على نمو الغابات، وكذلك على زراعة بعض غلات المناطق المعتدلة مثل القمح في هذا النطاق. ولكن يلاحظ أن الغابات التي تنمو هنا معظمها من الأنواع القصيرة التي ليست لأشجارها قيمة اقتصادية كبيرة من حيث صلاحية أخشابها لأعمال النباء وما شابه ذلك. ويطلق اسم "التايجا" على الغابات التي من هذا النوع في سيبيريا، وتتناقص كثافة الأشجار كما تتناقص أحجامها كلما اتجهنا شمالًا حتى تختفي تمامًا في إقليم التندرا، كما أن الأشجار تتناقص كذلك على الأطراف الجنوبية كلما سرنا جنوبا نحو قلب آسيا وقلب أمريكا الشمالية حتى نصل إلى مناطق الإستبس والبراري، التي يتميز بها المناخ المعتدل القاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 11- 4- 3- الأقاليم الباردة الموسمية "نوع منشوريا" : لا تختلف حالة الشتاء في هذه الأقاليم عنها في الأقاليم الباردة القارية لأن شرق القارات يكون في هذا الفصل خاضعًا للمؤثرات القارية التي تحمل إليه الرياح الموسمية الخارجية من اليابس، وهي رياح جافة شديدة البرودة لدرجة أنها تؤدي إلى تجمد مياه الأنهار لفترة تتراوح بين خمسة وستة أشهر من كل سنة وتهبط درجة الحرارة في بعض المناطق مثل شمال منشوريا إلى 15ْ مئوية ومما يزيد في قسوة البرودة أن الرياح الموسمية الخارجة من القارة تكون غالبًا رياحًا شديدة أقرب إلى العواصف في قوتها. أما فصل الصيف فهو الذي يميز الأقاليم الباردة الموسمية عن الأقاليم المقابلة لها في داخل اليابس؛ لأن الرياح تهب على الأولى في هذا الفصل من ناحية البحر حاملة إليها المؤثرات البحرية بما يصاحبها من أمطار ورطوبة، وتبلغ كمية المطر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 على السواحل في متوسطها حوالي 100 سنتيمتر، ولكن تتناقص تدريجيًّا كلما اتجهنا غربًا، ويبدأ موسم المطر عادة في شهر مايو وينتهي في شهر سبتمبر. وتتميز أشهر فصل الصيف كذلك بارتفاع درجة حرارتها إذا ما قورنت ببقية أشهر السنة حيث تأخذ درجة الحرارة في الارتفاع بسرعة ابتداء من شهر إبريل، ويأخذ الجليد في الانصهار، وهذا هو الوقت الذي تبدأ فيه زراعة المحاصيل وأهمها القمح والشعير. جدول رقم "28" معدلات الحرارة بالدرجات المئوية، ومعدلات الأمطار بالسنتيمترات في بعض المحطات الواقعة في الأقاليم الباردة وهي: أ- الأقاليم الباردة البحرية "نوع النرويج" وتمثلها مدينة برجن في غرب النرويج، ومدينة كودياك في جنوب غرب ألاسكا. ب- الأقاليم الباردة القارية "نوع سيبيريا" وتمثلها مدينة تمسك وموسكو ووينيبج "في ولاية مانيتويا في كندا". ج- الأقاليم الباردة الموسمية "نوع منشوريا" وتمثلها مدينة فلاديفوستك برجن 60 o شمالا و5 o شرقا "22مترا": كودياك 58 o شمالا و37 o شرقًا "متران": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 موسكو 56 o شمالا و37 o شرقًا "146 مترا": تمسك 57 o شمالا و78 5 شرقا "120 مترا": وينبيج 50 o شمالا، 97 o غربا "232 مترا": فلاديسفتوك 43 o شمالا و132 o شرقا "15 مترا": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 11- 5- الأقاليم القطبية : المقصود بهذه الأقاليم -على حسب تقسيمنا الذي سبق شرحه- هي الأقاليم التي ينخفض المعدل الشهري لدرجة الحرارة فيها إلى ما دون التجمد في معظم شهور السنة، وتوجد أغلب هذه الأقاليم في العروض العليا من نصف الكرة الشمالي، أما في النصف الجنوبي فلا تمثلها إلا القارة القطبية الجنوبية، ويتفق حدها الشمالي في هذا النصف مع خط عرض 55 o جنوبًا تقريبًا، أما في النصف الشمالي فنظرًا لاختلاط اليابس بالماء اختلاطًا شديدًا فإن الحد الجنوبي للأقاليم القطبية ينحرف نحو الشمال أو نحو الجنوب على حسب الموقع بالنسبة للمؤثرات البحرية، فعلى ساحل النرويج وساحل ألاسكا نلاحظ أن الحد الجنوبي للمناخ القطبي ينحرف شمالًا بتأثير التيارات البحرية الدافئة، وذلك بخلاف الحال في الأجزاء الداخلية من اليابس حيث ينحرف هذا الحد نحو الجنوب لتدخل فيه مناطق واسعة في شمال روسيا وكندا، كما تساعد التيارات الباردة التي تمر بالسواحل الشرقية لآسيا وأمريكا الشمالية على دفع هذا لحد نحو الجنوب بشكل واضح على طول هذا الساحل. ويمكننا أن نقسم الأقاليم القطبية على أساس درجة الحرارة إلى قسمين هما: 1- مناطق التندرا، وفيها يرتفع معدل درجة الحرارة في فصل الصيف القصير إلى ما فوق درجة التجمد، مما يسمح بنمو حياة نباتية فقيرة تتكون من بعض الحشائش والنباتات الزهرية. 2- مناطق الثلج الدائم، وفيها لا ترتفع درجة الحرارة في أي شهر من الشهور عن درجة التجمد، ولذلك فإن سطح الأرض يكون مغطى بالجليد، طول السنة ولا توجد بها مظاهر تستحق الذكر من مظاهر الحياة ومن أهم ما يميز الأقاليم القطبية عمومًا أن الفرق بين طول الليل وطول النهار يزداد كثيرًا كلما اتجهنا نحو القطب، وهنا نجد أن السنة تنقسم إلى فصلين يبلغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 طول كل منهما ستة أشهر، ويكون أحدهما وهو فصل الصيف بمثابة ليل طويل لا تظهر الشمس في أثنائه مطلقًا، وهذا في الواقع هو أقصى طول لليل وأقصى طول للنهار، ويتناقص طول الليل الشتوي وطول النهار الصيفي تدريجيًّا كلما اتجهنا ناحية خط الاستواء حتى إذا ما وصلنا إلى الدائرة القطبية نجد أن هناك يومًا واحدًا في "21 يونيو" تظل الشمس مشرقة في أثنائه لمدة 24 ساعة، ويومًا واحدًا "22 ديسمبر" لا تشرق فيه الشمس لمدة 24 ساعة. وتتغطى الأقاليم القطبية كلها بالثلوج في فصل الشتاء الطويل، كما تتجمد التربة حتى عمق كبير فإذا ما بدأ فصل الصيف أخذت الثلوج في الانصهار ببطء ولكن هذا الانصهار يكون مقصورًا على الطبقة السطحية من التربة، أما الطبقات السفلى فلا يكفي طول فصل الصيف وحرارته لانصهارها، ومع جدول رقم "29" معدلات الحرارة والتساقط في محطتين من المحطات الواقعة في الأقاليم القطبية. 1- فاردو "النرويج" -70 o شمالًا و31 o شرقًا، 10 أمتار فوق سطح البحر. 2- أوركني الجنوبية -61 o شمالًا و45 o غربًا، 7 أمتار فوق سطح البحر. أ- الحرارة "بالدرجات المئوية": ب- التساقط "بالسنتيمترات": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 ذلك فإن الدفء الذي تسببه أشعة الشمس في هذا الفصل يكفي لظهور بعض الأعشاب التي تبدأ في النمو بسرعة عقب انصهار الجليد، ذلك الانصهار الذي تتكون بسببه كثير من المستنقعات التي تستمر حتى تتجمد مياهها مرة أخرى في فصل الشتاء، وتنمو في هذه المستنقعات بعض الأعشاب المائية مثل حشائش البحر والحلفا. أما أمطار المناخ القطبي فقليلة بصفة عامة وتتكون غالبًا من بلورات ثلجية تتراكم بعد سقوطها على سطح الأرض، ويتراوح معدل ما يسقط منها سنويًّا من 50 إلى 70سنتيمترًا "راجع الجدول رقم 29" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 11- 6- الأقاليم الصحراوية : حدودها وأقسامها : إن الصفة الرئيسية التي يتميز بها المناخ الصحراوي كما هو معروف هي قلة الأمطار بدرجة لا تسمح بظهور حياة نباتية طبيعية لها قيمة تذكر من حيث صلاحيتها للرعي أو لأي غرض آخر من الأغراض الاقتصادية المشهورة، أو لقيام أي نوع من أنواع الزراعة والاستقرار إلا حيثما يمكن استخدام وسائل الري، سواء بواسطة المياه الجوفية أو مياه الأنهار التي قد تصل إلى المناطق الصحراوية من الأقاليم الممطرة المجاورة لها، ويلاحظ أن الصحاري ليست عديمة الأمطار تمامًا، بل إنها تتعرض ولو في فترات متباعدة جدًّا لسقوط بعض الأمطار التي تأتي غالب الأحيان مع عواصف رعد شديد قد يترتب عليها حدوث سيول جارفة، وهناك على أي حال حد أعلى لكمية المطر السنوية التي تسقط في المناخ الصحراوي، ولكن هذا الحد ليس واحدًا في جميع الأقاليم؛ لأن حالة الجفاف التي يتميز بها المناخ الصحراوي لا تتوقف على كمية الأمطار فحسب بل إنها تتوقف كذلك على عوامل أخرى أهمها درجة الحرارة التي لها دخل كبير في تحديد القيمة الفعلية للأمطار، ففي أقاليم التندرا مثلًا يندر أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 تزيد كمية التساقط على 25 سنتيمترًا في السنة، ومع ذلك فإن هذه الأقاليم لا تعتبر من الأقاليم الجافة لأن التربة السطحية فيها تظل مشبعة بالمياه في فصل الصيف حيث إنها تكون متجمدة في معظم أشهر السنة ويكون التساقط في هذه الأقاليم عبارة عن بلورات ثلجية، ومعني هذا أن المياه لا تضيع سواء بالانحدار فوق سطح الأرض أو بالتسرب نحو الباطن وحتى في فصل الصيف تظل الطبقات السفلى من التربة متجمدة وتحول بذلك دون تسرب المياه التي تتجمع على السطح نتيجة لانصهار الجليد نحو الباطن، وثمة مثال آخر أن كمية المطر التي تسقط في بعض مناطق غرب أستراليا لا تزيد عمومًا على 25 سنتيمترًا، ومع ذلك فإن زراعة القمح تجود في هذه المناطق لأن سقوط الأمطار يتفق مع الفترة التي يكون فيها النبات في أشد الحاجة للمياه خصوصًا إذا لاحظنا أن ميعاد سقوط هذا المطر لا يتغير تغيرًا واضحًا من سنة إلى أخرى. وعلى العكس من ذلك نجد أن كمية المطر التي تسقط في بعض المناطق الصحراوية الحارة قد تصل إلى حوالي 50 سنتيمترًا، كما هي الحال على حدود السفانا في إفريقية، ومع ذلك فإن معظم هذه الكمية تضيع بالتبخر نتيجة لاشتداد درجة الحرارة في فصل الصيف وهو وفصل سقوط المطر. وهكذا نجد أن كمية المطر لا تعتبر في حد ذاتها أساسًا طبيعيًّا دقيقًا لتحديد المناخ الصحراوي، ولكن أفضل مظهر يمكن الحكم بواسطته على أي إقليم بأنه صحراوي هو النباتات الطبيعية التي تظهر في هذا الإقليم؛ لأن هذه النباتات تعتبر خير مقياس للقيمة الفعلية للأمطار. وقد سبق أن ذكرنا أننا سنحدد المناخ الصحراوي على أساس معامل الجفاف م = ح + 9، ومعناه بعبارة أخرى أن الصحاري توجد في الأقاليم التي تقل فيها كمية المطر "بالسنتيمترات" عن معدل درجة الحرارة المئوية مضافًا إليها معامل ثابت هو 9. أما من حيث درجة الحرارة فمن الواضح أنه لا يوجد للمناخ الصحراوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 حد حراري معين فالصحاري يمكن أن توجد في أي إقليم من الأقاليم الحرارية بما في ذلك الأقاليم القطبية التي سبق أن ذكرنا أنها تمثل نوعًا خاصًّا من الصحاري وكان من الممكن أن ندرس هذه الأقاليم ضمن الأقاليم الصحراوية لولا أننا فضلنا أن ندرسها في نهاية الأقاليم المناخية العامة لأنها تعتبر في نفس الوقت نوعًا قائمًا بذاته من الأقاليم المناخية، وهو نوع يتمشى مع النطاقات المناخية العامة، فإذا ما صرفنا النظر عن هذه الأقاليم -الأقاليم القطبية- نلاحظ أن الأقاليم الصحراوية سواء منها ما يوجد في العروض الحارة أو ما يوجد منها في العروض الباردة، تشترك كلها في صفتين أساسيتين هما: 1- أن المدى السنوي، واليومي للحرارة فيها جميعًا مرتفع جدًّا، خصوصًا في الصحاري المعتدلة والباردة التي يزيد المدى السنوي للحرارة في أغلبها عن 26 ْمئوية. 2- أن فصل الصيف فيها جميعًا شديد الحرارة، وليس هناك فرق كبير بين الصحاري الحارة والصحاري المعتدلة أو الباردة من هذه الناحية، ففي صحاري وسط آسيا حتى في الأطراف الشمالية منها يصل معدل درجة حرارة شهر يوليو في الأماكن إلى 50 ْ مئوية، وهو نفس المعدل الذي نجده في الصحراء الكبرى عمومًا، كما أن النهاية العظمى التي تسجل في صحاري وسط آسيا أو أمريكا الشمالية قد ترتفع إلى نفس المعدل الذي ترتفع إليه في الصحراء الكبرى وهو 65 ْمئوية، وقد دلت الإحصاءات على أن أعلى درجات حرارة سجلت في العالم كله كانت في الوادي المعروف باسم وادي الموت بكاليفورنيا على خط عرض 36 ْشمال خط الاستواء1. ولكن على الرغم من التشابه الذي رأينا أنه يوجد بين الأقاليم الصحراوية في فصل الصيف، فإن المعدلات الحرارية لفصل الشتاء تدل على وجود اختلافات واضحة بين الصحاري الواقعة في العروض الحارة والصحاري الواقعة في العروض المعتدلة أو الباردة، فإذا أخذنا مثلًا المعدلات الحرارية لشهر يناير في   1 A. Austin Miller, ibid. p. 252 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 عدد من الأماكن الصحراوية الواقعة على خطوط عرض مختلفة تتراوح ما بين 6ْ و24ْ مئوية، ولهذا السبب فإننا نرى أن المعدلات الحرارية لفصل الشتاء هي أصلح الأسس التي يمكن الاعتماد عليها لتقسيم المناخ الصحراوي إلى أنواعه الرئيسية، وعلى هذا الأساس يمكننا أن نقسم الصحاري إلى ثلاثة أنواع "غير النوع القطبي الذي سبق الكلام عليه" وهي: 1- صحاري حارة، وفيها لا ينخفض المعدل الحراري في أي شهر من الشهور عن 13ْ مئوية "55.4ْف". 2- صحاري معتدلة، وفيها لا ينخفض المعدل في أي شهر من الشهور عن 6ْ مئوية. 3- صحاري باردة وفيها ينخفض المعدل في بعض الشهور عن درجة التجمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 الصحاري الحارة مدخل ... 11- 6- 1- الصحاري الحارة: ليس من شك في أن الصحراء الكبرى بإفريقية وامتدادها في شبه الجزيرة العربية بغرب آسيا هي أعظم الصحاري الحارة، بل أعظم الصحاري عمومًا من حيث الاتساع، حيث إن مساحتها تزيد على ثلاثة ملايين من الأميال المربعة وتدخل ضمن الصحاري الحارة كذلك صحراء ناميبيا وصحراء كلهاري في جنوب إفريقية ثم الصحاري التي تشغل معظم قارة أستراليا، وصحاري المكسيك وأريزونا في أمريكا الشمالية، وصحراء أتكاما في غرب أمريكا الجنوبية. وإذا ألقينا نظرة عامة على توزيع هذه الصحاري نلاحظ أنها تتسع بصفة خاصة في شمال إفريقية وفي أستراليا، والسبب في ذلك هو أن هاتين القارتين تتسعان اتساعًا واضحًا في العروض المدارية، ولا شك في أن اتصال إفريقية بكتلة آسيا من ناحية الشرق قد ساعد كثيرًا على عظم امتداد الصحاري بها، كما أن امتداد سلاسل الجبال الرئيسية بأستراليا بمحاذاة سواحلها الشرقية قد حال دون توغل الرياح الممطرة نحو الأجزاء الوسطى والغربية وساعد بذلك على ظهور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 جدول رقم "30" معدلات الحرارة والأمطار في بعض محطات الأقاليم الصحراوية الحارة وهي: 1- أسوان -24 ْشمالًا و33 شرقًا، 10 أمتار فوق سطح البحر. 2- عين صالح "الجزائر" -27 ْشمالًا و2 ْشرقًا، 280 مترًا فوق سطح البحر. 3- يوما yuma "أريزونا" -23 ْشمالًا و115 غربًا، 43 مترًا فوق سطح البر. أ- درجة الحرارة "مئوية": ب- الأمطار "سنتيمترات": مساحات صحراوية واسعة في هذه القارة إلى الغرب من نطاق الجبال، ومثل هذا يقال أيضًا عن جنوب إفريقية حيث نجد أن الحافة المرتفعة للهضبة تمتد بحذاء الساحل الشرقي للقارة، ووجود هذه الحافة هو الذي يحول دون توغل معظم الرياح الممطرة نحو الغرب مما أدى إلى ظهور صحراء كلهاري وصحراء ناميبيا. أما في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية فإن الحال يختلف عن ذلك، ففي أمريكا الشمالية نجد أن اليابس يضيق بشكل فجائي تقريبًا إلى الجنوب من خط عرض 30 ْشمالًا، ويكون أثر البحار المجاورة وهي خليج المكسيك في الشرق والمحيط الهادي في الغرب واضحًا في مناخ الأطراف الجنوبية للقارة مما أدى إلى حصر المناخ الصحراوي الحار في الأجزاء الداخلية من هذه الأطراف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 أما في أمريكا الجنوبية فنجد أن امتداد سلاسل جبال الإنديز بجوار سواحلها الغربية قد حصر المناطق الصحراوية فيها في الشريط الضيق الموجود بين هذه الجبال والساحل، كما هي الحال في بيرو وشمال شيلي، بينما تجد الرياح الشرقية الطريق أمامها مفتوحًا لإسقاط أمطارها على مناطق واسعة من شرق القارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 النواع الساحلي من الصحاري الحارة ... النوع الساحلي من الصحاري الحارة: على الرغم من أن الصحاري الحارة عمومًا تتميز بمناخها القاري المتطرف فإن الأجزاء الساحلية منها تتميز بأن أثر البحار يعمل على تلطيف مناخها من عدة وجوه، بحيث يمكننا أن نعتبر هذه الأجزاء نوعًا خاصًّا من الصحاري الحارة، وهو النوع الذي سنطلق عليه اسم النوع الساحلي. وهو يتمثل في أشرطة ضيقة من السواحل الغربية للصحاري الحارة في إفريقية وأمريكا الجنوبية وأستراليا، ومن أهم الصفات التي تميز الصحاري الساحلية الحارة ما يأتي: 1- انخفاض المدى السنوي لدرجة الحرارة انخفاضًا كبيرًا عنه في الأجزاء الداخلية، ففي فصل الصيف يندر أن يرتفع معدل درجة الحرارة على الساحل في أي شهر من الشهور عن 20 ْمئوية، كما يندر أن ينخفض هذا المعدل من ناحية أخرى في أي شهر من أشهر فصل الشتاء عن 15 ْ، ومعنى ذلك أن المدى السنوي لدرجة الحرارة قلما يزيد على خمس درجات، مع العلم بأنه يرتفع في معظم الأجزاء الداخلية إلى أكثر من عشرين درجة. أما المدى اليومي فقلما يزيد على الساحل عن عشر درجات مقابل ثلاثين درجة أو أكثر في الداخل، وبينما نجد أن درجة الحرارة قد ترتفع في الداخل إلى حوالي 49 ْمئوية في بعض أيام فصل الصيف نجد أنها لا تزيد مطلقًا على 38 ْفي المناطق الساحلية. ومن الظاهرات التي يجب ملاحظتها أن هناك تيارات مائية باردة تمر بجوار السواحل الغربية للصحاري الحارة، وهي تيار غرب أستراليا، وتيار الكناريا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 وتيار بنجويلا في غرب إفريقية ثم تيار كاليفورنيا وتيار همبولت في غرب أمريكا الجنوبية، ومن الواضح أن وجود هذه التيارات الباردة يعتبر من العوامل المهمة التي تساعد على خفض درجة الحرارة في المناطق الساحلية في فصل الصيف، وخصوصًا إذا لاحظنا أن الرياح التجارية التي تسود في مناطق الصحاري الحارة تخرج عمومًا من ناحية اليابس فتعمل باستمرار على دفع الطبقة السطحية الدافئة نسبيًّا من مياه البحر بعيدًا عن الشاطئ، وهذا يؤدي إلى كشف طبقات أخرى جديدة أبرد نسبيًّا من الطبقات السطحية. وبمقارنة درجات الحرارة في بعض المحطات الواقعة على طول بعض السواحل الصحراوية التي تمتد من الشمال إلى الجنوب أن الفروقات بين هذه الدرجات ليست كبيرة مما يدل على أن تأثير البحر على درجة حرارة هذه السواحل يفوق كثيرًا أثر الموقع بالنسبة لخط العرض، كما يظهر من الجدول رقم "31" جدول رقم "31" درجات الحرارة في بعض محطات الصحاري الساحلية على خطوط عرض مختلفة: ويمكننا أن ندرك نفس هذه الظاهرة بوضوح كذلك إذا نظرنا إلى خريطة لخطوط الحرارة المتساوية، حيث نلاحظ أن هذه الخطوط تمتد موازية للساحل تقريبًا لمسافات طويلة. ولكن بينما نجد أن الاختلاف في درجة الحرارة لا يكون كبيرًا بين البلاد الواقعة على طول الساحل بهذا الشكل، فإن الاختلاف يكون كبيرًا جدًّا بين المحطات الساحلية والمحطات الأخرى الواقعة في الداخل على نفس خط العرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 تقريبًا، وذلك بعد أن نأخذ في اعتبارنا الفرق الناتج عن أثر التضاريس ويظهر هذا واضحًا من الجدول رقم "32". 2- الفرق الثاني بين الصحاري الساحلية الحارة والصحاري الداخلية هو ارتفاع نسبة الرطوبة وكثرة الضباب في الأولى بشكل واضح، وهذا أمر طبيعي يرجع إلى تأثير البحر على مناخ هذه السواحل. فعلى ساحل خليج والفس في جنوب غرب إفريقية مثلًا يبلغ معدل الرطوبة النسبية في يناير "الصيف" حوالي 85% وفي يوليو حوالي 77%، كما تبلغ في رأس جوبى على ساحل الصحراء الكبرى المطل على المحيط الأطلسي حوالي 82% في يناير "الشتاء" و91% في يوليو، أما في الداخل فتنخفض الرطوبة كثيرًا عن ذلك، ففي أسوان نجد أنها تبلغ حوالي 46% فقط في شهر يناير و30% في شهر يوليو. الجدول رقم "32" مقارنة بين معدلات الحرارة على سواحل الصحاري الحارة وفي داخلها "المقارنة بين محطة على ساحل الصحراء الكبرى وأخرى في داخلها وبين محطة على ساحل صحراء ناميبيا وأخرى في داخلها" أ- كيب جوبى "رأس جوبي" في ريودورو على الساحل الشمالي الغربي لإفريقية على خط عرض 28 ْشمالًا وخط طول 13 ْغربًا، وهي في مستوى سطح البحر، وعين صالح في الجزائر إلى الشرق من رأس جوبى بنحو 230 كيلو مترًا وعلى خط عرض 27 ْشمالًا وخط طول 2 شرقًا وعلى ارتفاع 280 مترًا فوق سطح البحر. ب- خليج والفس p في إفريقية الجنوبية الغربية على خط عرض 23 جنوبًا وخط طول 30 َ 14 ْشرقًا، وويندهوك Windhock إلى الشرق من الساحل بنحو 560 كيلو مترًا على خط عرض 30 َ 22 ْجنوبًا وخط طول 17 ْشرقًا وعلى ارتفاع 1650 مترًا فوق سطح البحر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 ويكثر الضباب في معظم أيام السنة على طول السواحل بل إنه يعتبر من الظاهرات الطبيعية المستمرة في بعض الأماكن، ويلاحظ في معظم المناطق أن الضباب يزداد بصفة خاصة في فصل الشتاء عنه في فصل الصيف، كما يزداد في أثناء الليل عنه في أثناء النهار، وذلك على الرغم من ازدياد التبخر في الصيف وكذلك في أثناء النهار تبعًا لارتفاع درجة الحرارة، والسبب في ذلك هو أن برودة اليابس في الشتاء وفي أثناء الليل تساعد على تكثف بخار الماء العالق بالهواء أما في فصل الصيف وفي أثناء النهار فإن ارتفاع درجة حرارة اليابس يعمل على تبديد الضباب بسرعة كلما ابتعدنا عن الساحل نحو الداخل، حتى إنه لا يستطيع أن يتوغل في اليابس إلا لمسافات محدودة، فهو لا يتخطى السلاسل الجبلية في بيرو وشيلي كما لا يتوغل في صحراء ناميبيا في جنوب غرب إفريقية إلى أكثر من مائة كيلو متر. وعلى الرغم من ارتفاع نسبة الرطوبة في هواء السواحل الصحراوية الحارة فإن كمية هذه الرطوبة ليست كبيرة بسبب مرور الهواء الذي قد يهب من البحر على مياه التيارات الباردة ولذلك فإن هذه الرطوبة لا تكفي لإسقاط أمطار تذكر على هذه السواحل خصوصًا إذا لاحظنا أن اليابس يكون عمومًا شديد الحرارة وأن هذا يؤدي إلى تناقص نسبة الرطوبة كلما ابتعدنا عن البحر نحو قلب الصحراء، وتلعب الظروف المحلية مع ذلك دورًا مهمًا في تحديد كمية المطر، ففي بيرو وجنوب غرب إفريقية وجنوب كاليفورنيا نجد أن الرياح التي تهب من ناحية الشرق تهبط نحو هذه الصحاري من المرتفعات التي تشرف عليها، فيؤدي هبوطها إلى ارتفاع درجة حرارتها وانخفاض نسبة الرطوبة بها، ولهذا فإن كمية المطر لا تزيد في كل هذه المناطق على ثلاثة سنتيمترات في السنة، أما في غرب أستراليا فإن كمية المطر تزيد كثيرًا عن ذلك حيث تصل إلى حوالي 22 سنتيمترًا على الساحل الممتد تزيد من أقصى الجنوب حتى خط عرض 46 ْجنوبًا، كما تسقط مثل هذه الكمية على ساحل شيلي وجنوب غرب إفريقية من أقصى جنوبها حتى خط عرض 33 ْجنوبًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 11- 6- 2- الصحاري المعتدلة : تتمثل هذا الصحاري في مناطق كثيرة من قارة آسيا بسبب اتساعها العظيم في العروض المعتدلة، كما أنها تتمثل كذلك في بعض الأحواض المحصورة بين سلاسل جبال روكي في أمريكا الشمالية مثل صحراء الحوض العظيم، وفي أمريكا الجنوبية نجد كذلك أن الصحاري المعتدلة تتمثل في شمال هضبة باتاجونيا التي تكونت بسبب وجود جبال الإنديز إلى الغرب منها، حيث إن هذه الجبال تحول دون وصول الرياح والأعاصير الممطرة إليها من ناحية الغرب إلا أن صحراء باتاجونيا تتميز عن نظيراتها في آسيا بأن مناخها يتأثر تأثرًا واضحًا بالمحيط الأطلسي الممتد إلى الشرق منها بحيث أصبحت له بعض الصفات البحرية الخاصة به من حيث ارتفاع نسبة الرطوبة وصغر المدى الحراري خصوصًا في المنطقة المجاورة للمحيط الأطلسي. وتشغل الصحاري المعتدلة في آسيا نطاقًا عظيمًا يبدأ في سوريا وشمال فلسطين في الغرب ويمتد نحو الشرق عبر الأردن وإيران، وكذلك الصحاري الممتدة حول بحر قزوين والصحاري الواقعة إلى الشرق منها حتى سلاسل جبال خنجان في الشرق، ويلاحظ أن بعض هذه الصحاري عبارة عن أحواض محصورة بين سلاسل جبلية مرتفعة، ويختلف اتساعها من منطقة إلى أخرى، ومن أمثلها حوض تاريم وأحواض هضبة التبت، وليس من شك في أن وجود السلاسل الجبلية المرتفعة حول هذه الأحواض يعتبر عاملًا مهمًّا من العوامل التي ساعدت على ظهور المناخ الصحراوي فيها لأنه قلل من فرصة وصول الرياح الممطرة إليها من أي جهة من الجهات، ومع ذلك فإن المياه التي تنحدر على جوانب الجبال قد ساعدت على ظهور عدد من الواحات بالقرب منها، وتستفيد هذه الواحات من المياه التي تنحدر على جوانب الجبال مباشرة وكذلك من المياه التي تتجمع في طبقات التربة, ولا يختلف الظروف في صحراء الحوض العظيم بأمريكا الشمالية عنها في الأحواض الصحراوية بوسط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 آسيا، حيث إن الحوض العظيم محاط كذلك بسلاسل جبلية تحول دون وصول الرياح الممطرة إليه من أي ناحية. ولكن يلاحظ أن بعض الصحاري الموجودة بين سلاسل الجبال يكون مستوى سطحها مرتفعًا بدرجة يترتب عليها انخفاض المعدلات الحرارية لبعض أشهر فصل الشتاء في بقية الصحاري المعتدلة، ويمكننا أن نضم مثل هذه الصحاري إلى النوع البارد من الأقاليم الصحراوية، وهو النوع الذي سنتكلم عليه فيما بعد, ويختلف موسم سقوط الأمطار في صحاري آسيا من الغرب إلى الشرق تبعًا لاختلاف موسم سقوط الأمطار في الأقاليم المجاورة، ففي صحاري سوريا والعراق وإيران والصحاري الواقعة حول بحر قزوين وبحر آرال يسقط أكثر من 80% من الأمطار القليلة التي تصيب هذه الصحاري في نصف السنة الشتوي، وذلك لأن مثل هذه الصحاري تتأثر بمظاهر مناخ البحر المتوسط التي تسود إلى الغرب منها ويتبين هذا من توزيع الأمطار في كل من تدمر بالصحراء السورية وبغداد "انظر الجدول رقم 33" وعلى العكس من ذلك نجد أن الأمطار القليلة التي تسقط في صحراء جوبى وصحراء تاكلاما كانت تأتي في نصف السنة الصيفي، وذلك لأن مناخ هاتين المنطقتين يعتبر امتدادًا لمناخ الإستبس الذي تسقط معظم أمطاره في هذا النصف من السنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 11- 6- 3- الصحاري الباردة : تشغل هذه الصحاري نطاقًا يمتد إلى الشمال من نطاق الصحاري المعتدلة في آسيا، ويمكننا أن نضم إليه بعض الصحاري التي تقع على مستويات مرتفعة وسط سلاسل الجبال الهيمالايا حيث إن ارتفاع مستواها يؤدي إلى انخفاض المعدلات الحرارية عليها في بعض أشهر الشتاء عن 6 ْمئوية. ولا تختلف ظروف الصحاري الباردة اختلافًا كبيرًا عن ظروف الصحاري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 جدول رقم "33" معدلات الحرارة والأمطار "بالدرجات المئوية" في بعض بلاد الصحاري المعتدلة وهي: 1- تدمر -35 ْشمالًا و38 ْشرقًا، 405 مترًا فوق سطح البحر. 2- بغداد -33 ْشمالًا و44 ْشرقًا، 34 مترًا فوق سطح البحر. أ- الحرارة "بالدرجات المئوية": ب- معدلات المطر "بالسنتيمترات": المعتدلة إلا في انخفاض درجة الحرارة في فصل الشتاء خصوصًا على الأطراف الشمالية التي تقع على حدود إقليم التندرا، وأهم ما يميز هذه الصحاري عن النوعين الآخرين أن درجة الحرارة تنخفض فيها في فترة من السنة إلى ما دون درجة التجمد، وفيما عدا ذلك نجد أن بقية مظاهر المناخ لا تختلف كثيرًا عنها في الصحاري المعتدلة من حيث ارتفاع درجة حرارة فصل الصيف وارتفاع المدى السنوي واليومي لدرجة الحرارة، وتسقط معظم أمطار الصحاري الباردة في فصل الصيف تبعًا لنظام سقوط المطر في مناطق الإستبس المجاورة لها. ويلاحظ أن هذا النوع من الصحاري لا يتمثل في نصف الكرة الجنوبي إلا في جنوب صحراء بتاجونيا، ولكن نظرًا لأن هذه الصحراء واقعة في الطرف الجنوبي من أمريكا الجنوبية وهو أضيق أجزاء القارة فإن تأثير البحر على درجة الحرارة يؤدي إلى خفض المدى السنوي والمدى اليومي بالنسبة لهما في صحاري وسط آسيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 ويبين الجدول رقم "19" معدلات الحرارة والأمطار في بعض البلاد الواقعة في الصحاري الباردة. جدول رقم "34" معدلات الحرارة والأمطار في بعض البلاد الواقعة في الصحاري الباردة وهي: 1- أرغيز "روسيا" -49 ْشمالًا و61 ْشرقًا، 110 أمتار فوق سطح البحر. 2- إستراخان "روسيا" -46 ْشمالًا و48 شرقًا، 140 مترًا فوق سطح البحر. 3- سانتا كروز "باتاجونيا" -50 ْجنوبًا و69 ْغربًا، 23 مترًا فوق سطح البحر. أ- درجة الحرارة "بالدرجات المئوية": ب- الأمطار "بالسنتيمترات": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 مناخ إفريقيا العوامل التي تؤثر في مناخ القاره موقع القارة وشكلها ... مناخ إفريقية "عرض موجز" 12- 1- العوامل التي تؤثر في مناخ القارة: أولًا- مواقع القارة وشكلها: تتميز إفريقية عن غيرها من القارات بأن خط الاستواء يمر في منتصفها تقريبًا، بمعنى أن البعد بين هذا الخط وبين ساحلها الشمالي يكاد يساوي البعد بينه وبين ساحلها الجنوبي، وإذ إن القارة تمتد على وجه التقريب ما بين خطي عرض 35 ْشمالًا و37 ْجنوبًا، وكان من نتائج هذا الموقع أن أصبح معظم القارة داخلًا في نطاق الأقاليم الحارة، كما أصبح ترتيب فصول السنة في قسمها الشمالي مخالفًا له في قسمها الجنوبي، وتعتبر إفريقية في الواقع أشد القارات حرارة، فإذا ما استثنينا الأطراف الشمالية والجنوبية لهذه القارة، وكذلك المناطق الجبلية المرتفعة فيها، ومن أهمها منطقة جبال أطلس وهضبة الحبشة وغيرها نجد أن المعدل السنوي لدرجة الحرارة في معظم أجزائها يزيد على 30 ْمئوية. ويتأثر مناخ القارة فضلًا عما تقدم بتوزيع الماء واليابس من حولها، فبينما نجد أن كتلة أوراسيا تؤثر تأثيرًا واضحًا على مناخ الأجزاء الشمالية والشمالية الشرقية نجد أن هذا التأثير لا يكاد يظهر في المناطق الواقعة جنوب خط الاستواء، اللهم إلا في مناطق محدودة في شرق القارة، وفيما عدا ذلك نلاحظ أن القسم الجنوبي تحيط به من الشرق والغرب والجنوب مساحات مائية عظيمة الاتساع تحول دون وصول المؤثرات القارية إلى هذا القسم من أي اتجاه من هذه الاتجاهات الثلاثة، وإن كان هذا لا يمنع بطبيعة الحال من أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 تكون بعض الأجزاء الداخلية في هذا القسم ذات مناخ قاري بسبب بعدها النسبي عن البحار، خصوصًا إذا لاحظنا أن هناك مناطق مرتفعة تفصل بين هذه الأجزاء وبين الساحل. وتعتبر قارة إفريقية ثاني قارة في العالم من حيث الاتساع بعد قارة آسيا، وتبلغ مساحتها حوالي ثلاثين مليونًا من الكيلومترات المربعة، كما أنها تتميز عن بقية القارات بقلة تعاريج سواحلها قلة ظاهرة بدرجة لا تظهر في أي قارة أخرى وقد كان اتساع القارة بهذا الشكل مع قلة تعاريج سواحلها من أهم العوامل التي جعلت المؤثرات البحرية لا تتوغل فيها إلا لمسافات محدودة جدًّا، خصوصًا في القسم الشمالي منها لأنه أعظم اتساعًا بكثير من قسمها الجنوبي، فإذا أضفنا إلى ذلك صغر مساحة البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط بالنسبة للمحيطات عامة أمكننا أن ندرك السبب في أن معظم شمال إفريقية تحتله أعظم صحاري العالم اتساعًا وأشدها جفافًا، أما في الجنوب فإن ضيق القارة وعدم وجود مساحات من اليابس قريبة منها قد أدى إلى صغر المساحة التي يظهر فيها المناخ الصحراوي في هذا القسم بخلاف الحال في الشمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 ثانيًا- التيارات البحرية : يتأثر مناخ السواحل الشرقية والسواحل الغربية للقارة ببعض التيارات البحرية التي لا يقتصر أثرها على درجة حرارة هذه السواحل، بل يظهر كذلك في رطوبة الجو وما يتبع هذه الرطوبة من مظاهر التكثف المختلفة، ففي الغرب نجد أن تياري الكناريا في الشمال وبنجويلا في الجنوب قد ساعدا كثيرًا على خفض درجة الحرارة على السواحل التي يمران بها، ويظهر أثر تيار الكناريا على طول الساحل الممتد ما بين بوغاز جبل طارق في الشمال وخط عرض 12ْ شمالًا في فصل الشتاء أو خط عرض 17ْ في فصل الصيف في الجنوب "تبعًا لتزحزح المناطق الحرارية العامة" وأهم الآثار المناخية لهذا التيار البارد هي خفض درجة الحرارة على السواحل التي يمر بها وزيادة احتمال ظهور الضباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 كما أن هذا التيار يعتبر عاملًا مهمًّا في قلة الأمطار على نفس السواحل، ويمكننا أن ندرك مبلغ تأثير تيار الكناريا على درجة الحرارة إذا عرفنا أن درجة حرارة الهواء الذي يقع فوقه مباشرة قد تقل كثيرًا عن درجة حرارة الهواء على مسافة قصيرة في الداخل على نفس خط العرض، ويزداد الفرق بصفة خاصة في فصل الصيف نتيجة لاشتداد درجة حرارة اليابس، وتعمل الرياح التجارية الشمالية الشرقية، وهي الرياح السائدة في شمال القارة على خفض درجة حرارة المياه الساحلية بطريقة غير مباشرة، حيث إنها تعمل باستمرار عند خروجها من اليابس على إزاحة الطبقة السطحية من المياه المجاورة للساحل ودفعها بعيدًا عنه فتكشف بذلك الطبقة التي تحتها والتي تكون درجة حرارتها أقل من المياه السطحية، ولهذا فإن معدل درجة حرارة مياه الساحل تظل منخفضة بصفة عامة ولا تزيد في أي شهر من شهور السنة على 18 ْمئوية، بينما يزيد المعدل في كثير من الأجزاء الداخلية في الصحراء على 32 ْفي أشهر الصيف. ولا يقل أثر تيار بنجويلا على مناخ القسم الجنوبي من الساحل الغربي عن أثر تيار الكناريا في الشمال فهو يعمل كذلك على خفض درجة حرارة السواحل التي يمر بها بصورة واضحة فضلًا عن أنه يساعد على كثرة ظهور الضباب وقلة الأمطار على هذه السواحل، وليس من شك في أن وجود تياري الكناريا وبنجويلا الباردين يعتبر من العوامل المهمة التي ساعدت على امتداد المناخ الصحراوي في شمال إفريقية وجنوبها نحو الغرب لدرجة أن هذا المناخ يصل إلى ساحل المحيط الأطلسي مباشرة، ويلاحظ أن أثر تيار بنجويلا يظهر على الساحل الغربي لإفريقية الجنوبية ما بين خط الاستواء في الشمال ورأس الرجاء الصالح في الجنوب. وإلى جانب تياري الكناريا وبنجويلا الباردين يتأثر الساحل الغربي لإفريقية بتيار آخر دافئ يعرف باسم تيار غانة، وهو تيار استوائي يظهر على الساحل الممتد بين النقطتين اللتين ينتهي عندهما أثر التيارين السابقين، أي ما بين خط الاستواء تقريبًا وخط عرض 12 ْشمالًا في الشتاء و17 ْشمالًا أيضًا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 الصيف ويزيد معدل درجة حرارة مياه هذه التيار على 26 ْمئوية، ولهذا فإنها تكون عاملًا مساعدًا على رفع درجة الحرارة وزيادة كمية بخار الماء على السواحل التي تمر بها. وإذا انتقلنا إلى الساحل الشرقي نلاحظ أن نظام التيارات البحرية يختلف في فصل الشتاء عنه في فصل الصيف، وذلك لأن التيارات البحرية في القسم الشمالي من المحيط الهندي تتأثر باتجاه هبوب الرياح الموسمية التي تخرج من القارة الآسيوية نحو المحيط في فصل الشتاء والعكس في فصل الصيف، إلا أن هذا التأثير لا يكون واضحًا بالنسبة للتيارات البحرية التي توجد إلى الجنوب من خط الاستواء، فإلى الجنوب من هذا الخط بحوالي 15 ْتقريبًا يتحرك "تيار استوائي" ضخم من الشرق إلى الغرب، وعندما يصطدم هذا التيار بالساحل الشرقي لإفريقية "عند رأس دلجادو Delgado" ينقسم إلى قسمين أحدهما يتجه شمالًا، أما الثاني فيتجه نحو الجنوب، ويستمر هذا القسم الأخير في حركته حتى يصل إلى رأس الرجاء الصالح، وهنا يلتقي بتيار بنجويلا الذي سبق ذكره، وهذا التيار هو الذي يشتهر باسم تيار موزمبيق الحار، وتتراوح درجة حرارة مياهه في فصل الصيف "يناير" ما بين 30 ْمئوية عند نهايته الجنوبية و38 عند بدايته الشمالية، أما في فصل الشتاء "يوليو" فتتراوح درجة حرارة مياه هذا التيار في نفس المكانين بين 17 ْو26 ْ، وبمقارنة هذا التيار بتيار بنجويلا المقابل له على الساحل الغربي نجد أن درجة حرارة مياه التيار الأول تزيد في المتوسط بنحو 6 درجات مئوية عن درجة حرارة مياه التيار الثاني، ويلاحظ أن قسمًا من تيار موزمبيق ينحرف في شمال جزيرة مدغشقر ليمر بالسواحل الشرقية لهذه الجزيرة مما يساعد أيضًا على تدفئتها وعلى زيادة بخار الماء العالق بهوائها، أما القسم الذي يتجه نحو الشمال "من التيار الاستوائي الضخم" فيصل في جولته إلى خط الاستواء ثم يختلف اتجاهه بعد ذلك في القسم الواقع إلى الشمال من هذا الخط على حسب نظام الرياح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 الموسمية، ففي فصل الصيف تعمل الرياح الموسمية الجنوبية الغربية التي تتجه نحو آسيا على دفع مياه هذا التيار أمامها نحو الشمال إلى البحر العربي ومن ثم يسير التيار أمام سواحل إيران الجنوبية وسواحل الهند وبورما وغرب الملايو في حركة متفقة في اتجاهها مع حركة عقرب الساعة، وتبلغ سرعة التيار أمام سواحل الصومال شمال خط الاستواء أكثر من 6 كيلو مترات في الساعة وتكون درجة حرارة مياهه في هذه المنطقة مرتفعة حتى إنها تصل عند السطح إلى حوالي 28 ْمئوية أو أكثر، وقد ترتفع إلى 29 ْفي شهري إبريل ومايو، ولكن هناك ملاحظة مهمة يجب ألا نهملها عند الكلام على أثر هذا التيار البحري على مناخ الساحل الشرقي لإفريقية والساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، وهذه الملاحظة هي أن درجة حرارة المياه أمام هذه السواحل تكون عادة أقل من درجة حرارة المياه في داخل المحيط بعيدًا عن الشاطئ طول السنة، ويزداد الفرق بصفة خاصة في مايو وإبريل حيث تكون المياه الساحلية أبرد بنحو ثلاث درجات مئوية من مياه الداخل، ويرجع ذلك إلى أن المياه السطحية للتيار تميل للانحراف بعيدًا عن الساحل خصوصًا عند اشتداد الرياح الموسمية الجنوبية الغربية فيؤدي هذا إلى حدوث حركة انبثاق تؤدي إلى رفع المياه السفلية إلى أعلى في الأجزاء الملاصقة للساحل، وتكون هذه الظاهرة واضحة بصفة خاصة أمام الساحل الإفريقي مباشرة حوالي خط عرض 10 ْعند هبوب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية، ومن المرجح أن برودة المياه الساحلية بهذا الشكل تعتبر من العوامل التي تساعد على جفاف إقليم الصومال وجنوب شرق شبه الجزيرة العربية. أما في فصل الشتاء فينقلب نظام التيارات البحرية في شمال خط الاستواء، ويبدأ هذا الانقلاب في شهر نوفمبر عندما يبدأ هبوب الرياح الموسمية الشتوية من ناحية آسيا، حيث تؤدي هذه الرياح إلى تحرك المياه على طول الساحل الجنوبي لآسيا في اتجاه مضاد لاتجاه حركة عقرب الساعة، وتستمر هذه المياه في حركتها مع ساحل القرن الإفريقي حتى تصل إلى خط الاستواء ويكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 اتجاه حركة تيار الماء أمام هذا الساحل من الشمال الشرقي، وتكون درجة حرارة مياهه أقل من درجة حرارة مياه الأجزاء الداخلية من المحيط بحوالي درجة ونصف درجة مئوية، وترجع هذه البرودة النسبية إلى عاملين هما برودة فصل الشتاء نفسه بالإضافة إلى أن المياه تتحرك نحو خط الاستواء، أي نحو مناطق أشد حرارة من المناطق التي تأتي منها. ويستمر نظام التيارات بهذا الشكل حتى شهر فبراير، وعلى الرغم من أن الرياح الموسمية الجنوبية الغربية لا تكون عندئذ قد بدأت هبوبها بعد فإن دورة التيارات البحرية تبدأ في الانعكاس في هذا الشهر لتأخذ اتجاهًا متفقًا مع اتجاه حركة عقرب الساعة، وتكون هذه التيارات بطيئة في أول الأمر، ولكن سرعتها تزداد بمجرد بدء هبوب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية. أما أثر البحر الأحمر على مناخ السواحل الشرقية لإفريقية فمحدود جدًّا بسبب صغر مساحته مع ملاحظة أن هذا الأثر يكون أقل وضوحًا في فصل الصيف منه في فصل الشتاء؛ لأن البحر الأحمر يعتبر من البحار الدافئة طول السنة، ولهذا فإن تأثيره الملطف على درجة حرارة السواحل المطلة عليه يكون محدودًا جدًّا، ويتراوح درجة حرارة سطح الماء lفي القسم الشمالي من هذا البحر ما بين 22ْ في يناير و27ْمئوية في يوليو، أما في القسم الجنوبي منه فتتراوح درجة حرارة المياه السطحية ما بين 28ْ في يناير و32ْ في يوليو، ولكن على الرغم من الارتفاع الشديد لدرجة حرارة مياه هذا البحر في فصل الصيف فإنها تكون على أي حال أقل من درجة حرارة السواحل المجاورة. وبخلاف الحال بالنسبة للبحر الأحمر نلاحظ أن البحر المتوسط له أثر عظيم على مظاهر الجو وأحوال المناخ في معظم شمال إفريقية، ففي فصل الشتاء يساعد الدفء النسبي لمياه هذا البحر على ظهور منطقة من الضغط المنخفض فوقه كما يساعد على تدفئة السواحل المجاورة وعلى زيادة أمطارها؛ إذ إن الرياح التي تمر على هذه المياه تكون عادة محملة بكميات كبيرة من بخار الماء. أما في فصل الصيف فتنعكس الآية ويكون البحر أقل حرارة من اليابس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 المحيط به، ويساعد ذلك على امتداد الضغط المرتفع الآزوري عليه من ناحية الغرب وتكون الرياح السائدة على شمال إفريقية في هذا الفصل هي الرياح التجارية الشمالية الشرقية، وعلى الرغم من مرور هذه الرياح على مياه البحر المتوسط قبل وصولها إلى السواحل الشمالية فإنها تكون عديمة الأمطار لأنها تنتقل إلى مناطق أشد حرارة بكثير من حرارة البحر المتوسط نفسه، ويعتبر هذا العامل من الأسباب المهمة التي كان لها دخل في وجود الصحراء الكبرى. ومما يلاحظ أن مياه البحر المتوسط لا تبرد برودة سريعة عقب انتهاء فصل الصيف بل إنها تظل محتفظة في فصل الخريف بكثير من حرارتها، ولهذا فإن درجة حرارتها في هذا الفصل تكون عادة أعلى من فصل الربيع الذي تأخذ درجة الحرارة في الارتفاع خلاله ببطء شديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 ثالثا: التضاريس : تختلف إفريقية عن غيرها من القارات في عدم وجود سلاسل جبلية كبرى بها من نوع الهيمالايا والألب والإنديز والروكي ولذلك فإنه بدلًا من الانتقال المناخي المفاجئ الذي يسببه وجود مثل هذه السلاسل نجد أن الأنواع المناخية المختلفة في القارة الإفريقية يتداخل بعضها في بعض بحيث يكون الانتقال تدريجيًّا من نوع إلى آخر. كما يلاحظ من ناحية أخرى أن المناطق السهلية التي يقل ارتفاعها عن 3000 متر فوق سطح البحر قليلة المساحة أيضًا؛ إذ إن ارتفاع القسم الأكبر من هذه القارة يتراوح بين 300 و1300 متر فوق سطح البحر، وفيما عدا جبال أطلس نلاحظ أن معظم الأقاليم المرتفعة في إفريقية موجودة بشكل نطاق عظيم يشغل معظم جنوب القارة وشرقها. ويمكننا أن نلخص أهم الأقسام التضاريسية في إفريقية فيما يلي: 1- سلاسل جبال أطلس وهضبة الشطوط وهي تفصل فصلًا يكاد يكون تامًّا بين مناخ البحر المتوسط في شمالها والمناخ الصحراوي إلى الجنوب منها، وأعظم هذه السلاسل ارتفاعًا في سلسلة أطلس العظمى في مراكش حيث يصل ارتفاع بعض قممها إلى حوالي 3000 متر أو أكثر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 شكل "94" تضاريس إفريقية. 2- الصحراء الكبرى وهي في جملتها عبارة عن هضبة لا يزيد ارتفاعها على 900 متر إلا في مواضع قليلة حيث تبرز فوقها بعض المرتفعات التي قد يزيد ارتفاعها على 2400 متر، ومن أمثلتها مرتفعات تيبستي والحجار، وإن وجود هذه المرتفعات قد ساعد على وجود مناطق مناخية أقل جفافًا نوعًا ما من مناخ الصحراء التي حولها. 3- مرتفعات شرق القارة ويتكون منها نطاق عظيم يشمل مرتفعات تنزانيا وهضبة البحيرات وهضبة الحبشة وجبال البحر الأحمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 4- مرتفعات الكاميرون وغانة الجنوبية، وهي تفصل حوض الكونغو عن المحيط الأطلسي. 5- أحواض جنوب القارة وهي عبارة عن مناطق منخفضة نسبيًّا عن المستوى العام للهضبة الجنوبية، ومن أهمها حوض الكونغو وحوض كلهاري، وإن انخفاض هذه الأحواض عما حولها يجعل فرصة وصول الرياح الممطرة إليها ضعيفة بصفة عامة. 6- الهضبة الجنوبية ويزيد ارتفاعها عمومًا على 1200 متر، وتوجد أعلى مناطقها في الشرق، ويتناقص الارتفاع بصفة عامة كلما اتجهنا غربًا. 7- المرتفعات الموجودة في إفريقيا الشمالية، ومن أهمها مرتفعات تيبستي والحجار في الصحراء الكبرى ومرتفعات غانة الغربية التي تشمل هضبة فوتاجالون في أقصى غرب إقليم ساحل غانة ثم مرتفعات كردفان ودرافور في السودان، وكل هذه المرتفعات تكون أكثر أمطارًا من المناطق التي حولها والتي تقل عنها في الارتفاع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 رابعًا- توزيع الضغط الجوي على القارة : يتأثر مناخ القارة بحركة الشمس الظاهرية نحو الجنوب في نصف السنة الشتوي ونحو الشمال في نصفها الصيفي، ويظهر هذا واضحًا في توزيع الضغط الجوي ونظام هبوب الرياح على أجزائها المختلفة، فبالنظر إلى خريطتي الضغط الجوي والرياح لفصلي الصيف والشتاء الشماليين "كما تمثلهما خريطتا يوليو ويناير" نلاحظ وجود بعض المظاهر العامة التي يمكن إجمالها فيا يلي: أ- الحالة في فصل الصيف "يوليو": في هذا الفصل يكون توزيع مناطق الضغط الجوي الكبرى التي تؤثر في مناخ القارة كما يأتي: 1- نطاق من الضغط المنخفض يمتد على الصحراء الكبرى بسبب شدة الحرارة ويصل في امتداده نحو الجنوب حتى يتصل بنطاق الضغط المنخفض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 الاستوائي الذي يتزحزح شمالًا في هذا الفصل، ويتكون من النطاقين معًا نطاق عظيم يشمل معظم القسم الشمالي من إفريقية ويكون مركزه ممتدًا بين خطي عرض 15ْ و20ْ شمالًا على وجه التقريب. 2- نطاق الضغط المرتفع الآزوري، الذي يتسع نطاقه على المحيط الأطلسي الشمالي في هذا الفصل، ويمتد منه ذراع عظيم على جنوب أوروبا وحوض البحر المتوسط، ومن هذا النطاق تهب الرياح التجارية الشمالية الشرقية نحو مركز الضغط المنخفض الذي سبق ذكره، وهذه الرياح هي التي تكون سائدة على السواحل الجنوبية للبحر المتوسط ومعظم شمال القارة. 3- نطاق الضغط المرتفع وراء مدار الجدي، وهو يتزحزح قليلًا نحو الشمال في هذا الفصل ويكون ممتدًا بدون انقطاع على جنوب القارة وعلى المحيط الهندي من جهة والمحيط الأطلسي الجنوبي من جهة أخرى، وتهب الرياح الشمالية الغربية من هذا النطاق على قسم صغير من الطرف الجنوبي الغربي للقارة أي على إقليم رأس الرجاء الصالح، وتؤدي هذه الرياح بما يصاحبها من منخفضات جوية إلى سقوط الأمطار الشتوية. وفيما عدا هذا القسم نلاحظ أن الهضبة الجنوبية بأكملها تقريبًا تسودها الرياح التجارية الجنوبية الشرقية التي تهب من نفس نطاق الضغط المرتفع متجهة نحو الضغط المنخفض الاستوائي، وتستمر في هبوبها نحو الشمال حتى بعد خط الاستواء، ولكن بعد عبورها لهذا الخط تواصل هبوبها حتى حوالي خط عرض 20 شمالًا. ويكون اتجاهها عندئذ جنوبيًّا غربيًّا. ب- الحالة في فصل الشتاء "يناير": في هذا الفصل تتزحزح مناطق الضغط الجوي بصفة عامة نحو الجنوب تبعًا لحركة الشمس الظاهرية ويطرأ عليها في نفس الوقت كثير من التغيرات سواء على القارة أو على الأقاليم المحيطة بها. ويكون توزيعها مختلفًا من بعض الوجوه عما كان عليه في فصل الصيف بسبب الاختلاف الذي يطرأ على توزيع المناطق الحرارية سواء على القارة نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 أو على المحيطات والقارات الأخرى المحيطة بها، ويمكننا أن نلخص نظام الضغط الجوي على القارة في هذا الفصل كما يلي: 1- الضغط المرتفع الآزوري الذي يمتد في هذا الفصل على شمال إفريقية ويتكون منه نطاق عظيم الاتساع يقع إلى الجنوب من السواحل الشمالية للقارة ويكون مركزه واقعًا في جنوب جبال أطلس. 2- الضغط المنخفض الذي يتكون على البحر المتوسط نتيجة لدفئه بالنسبة لليابس المحيط به، وتهب الرياح الجنوبية الغربية نحو هذا الضغط المنخفض من منطقة الضغط المرتفع التي سبق ذكرها، وهذه الرياح هي التي تكون سائدة على السواحل الشمالية لإفريقية. وتغزو البحر المتوسط في هذا الفصل كثير من المنخفضات الجوية التي تتحرك على طوله من الغرب إلى الشرق وتكون سببًا في سقوط معظم الأمطار الشتوية التي تصيب الأطراف الشمالية للقارة. 3- نطاق الضغط المنخفض الاستوائي، وهو على الرغم من تزحزحه نحو الجنوب في هذا الفصل فإنه لا ينتقل بأكمله إلى الجنوب من خط الاستواء بل يظل معظمه واقعًا إلى الشمال من هذا الخط بصفة عامة خصوصًا في الغرب حيث نجد أنه يمتد إلى الشمال مباشرة من خط عرض 5ْ شمالًا، والسبب في ذلك يرجع إلى عظم اتساع القارة في الشمال مما يجعل المناطق المدارية الشمالية ذات الحرارة مرتفعة طول السنة حتى في فصل الشتاء، وباستثناء السواحل الشمالية نلاحظ أن معظم القسم الشمالي من إفريقية تسوده الرياح التجارية الشمالية الشرقية التي تهب من نطاق الضغط المرتفع الآزوري الذي سبق ذكره في الشمال نحو نطاق الضغط المنخفض الاستوائي في الجنوب. 4- منطقة الضغط المنخفض التي تتكون في هذا الفصل على جنوب القارة بسبب ارتفاع درجة الحرارة، ويلاحظ أن هذه المنطقة تمتد نحو الشمال حتى تتصل بنطاق الضغط المنخفض الاستوائي، ويتكون من المنطقتين نطاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 واحد يقع مركزه حول خط الاستواء ويكون له أثر واضح في اجتذاب الرياح التجارية الشمالية الشرقية من جهة والرياح التجارية الجنوبية الشرقية من نطاق الضغط المرتفع وراء مدار من جهة أخرى. 5- نطاق الضغط المرتفع وراء مدار الجدي، ويلاحظ أن هذا النطاق يكون له في هذا الفصل مركزان منفصلان يقع أحدهما على المحيط الهندي، ويقع الثاني على المحيط الأطلسي، وتفصل بينهما منطقة الضغط المنخفض التي تتكون على جنوب القارة، ومما يلاحظ أن هذا النطاق يتزحزح في هذا الفصل نحو الجنوب بحيث يمتد عمومًا حول خط عرض 35ْ، ولهذا السبب نجد أن كل جنوب القارة يقع في نطاق الرياح التجارية الجنوبية الشرقية، وتختفي الرياح الغربية التي كانت تهب في الفصل السابق على إقليم رأس الرجاء الصالح في الطرف الجنوبي الغربي. ونظرًا لأن الضغط المنخفض الاستوائي في غرب القارة يظل في هذا الفصل واقعًا إلى الشمال من ساحل غانة فإن الرياح التجارية الجنوبية الشرقية تضطر لعبور خط الاستواء بحيث تنحرف وتصير جنوبية غربية كما يحدث في فصل الصيف "يوليو" ولكنها لا تمتد في هبوبها نحو الشمال إلى أبعد من خط عرض 10ْ شمالًا بينما يصل هبوبها في فصل الصيف إلى حوالي خط عرض 20ْ شمالًا. ومما يلاحظ أيضًا أن وجود الضغط المنخفض على جنوب القارة يؤدي إلى ضعف الرياح التجارية وعدم انتظام هبوبها على الساحل الغربي إلى الجنوب من خط الاستواء، وهذا هو السبب في أن الرياح التي تسود على هذا الساحل في فصل الصيف الجنوبي تكون ما بين الجنوبية والجنوبية الغربية والغربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 خامسًا: الكتل الهوائية التي تؤثر في مناخ القارة : لا توجد في الوقت الحاضر بيانات وافية عن أنواع الكتل الهوائية التي تؤثر في مناخ الأقاليم المختلفة للقارة الإفريقية، ولكننا مع ذلك نستطيع أن نكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 فكرة عامة عن هذه الكتل على أساس نظام هبوب الرياح وتوزيع درجة الحرارة في الفصول المختلفة، سواء على القارة نفسها أو على اليابس والماء والمحيط بها. وكما هو المتوقع نلاحظ أن الكتل الهوائية المدارية هي أكثر أنواع الكتل الهوائية تأثيرًا على مناخ القسم الأكبر من القارة بينما يقتصر أثر الكتل الهوائية القطبية على مناطق محدودة في أطرافها الشمالية والجنوبية، ويمكننا أن نذكر باختصار أهم أنواع الهواء التي تؤثر في مناخ إفريقية بصفة عامة كما يأتي: الهواء المداري, وهو إما يكون مداريًّا بحريًّا "mt" مصدره المحيط الأطلسي الجنوبي من ناحية والمحيط الهندي من ناحية أخرى، أما مداريًّا قاريًّا "ct" ينشأ على القارة نفسها أو يصل إليها من أوروبا وآسيا. الهواء القطبي وهو إما أن يكون قطبيًّا بحريًّا مصدره المحيط الأطلسي الشمالي أو قطبيًّا قاريًّا مصدره السهول الوسطى والشمالية لأوروبا. ومما يلاحظ أن كل نوع من الأنواع السابقة قد يوصف بأنه مستقر أو غير مستقر على حسب الاختلاف بين درجة حرارته ودرجة حرارة المناطق التي ينتقل إليها، فالهواء المستقر هو الذي تكون درجة حرارة المنطقة التي يصل إليها أقل من درجة حرارته ويرمز له بالحرف "w" والعكس في حالة الهواء غير المستقر الذي يرمز له بالحرف "k". وعلى هذا الأساس نجد، على سبيل المثال أن هناك نوعين من الهواء المداري البحري أحدهما مستقر "Mtw" والآخر غير مستقر "mtk". ويمكننا أن نلقي نظرة عامة على توزيع الأنواع المختلفة من الهواء على قارة إفريقية في الشتاء والصيف كما يلي: أولًا: فصل الشتاء "يناير": أ- الهواء المداري: تعتبر الصحراء الكبرى بسبب اتساعها وانسجام سطحها بصفة عامة من أهم مناطق نشأة الكتل الهوائية المدارية القارية في العالم ct، ويتميز هواؤها بأنه شديد الجفاف طول السنة، وبأنه شديد الحرارة في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 فصل الصيف ومائل للبرودة في فصل الشتاء، وهذا هو الهواء الذي يسيطر في فصل الشتاء على الأحوال الجوية في كل شمال إفريقية تقريبًا حتى قرب خط الاستواء، ولهذا فإن معظم هذا القسم من القارة يسوده في هذا الفصل جو صحو عديم الأمطار خصوصًا في العروض المحصورة بين خطي عرض 15 ْو30 ْشمالًا, أما في المناطق الممتدة على طول البحر المتوسط في الشمال وعلى طول ساحل غانة في الجنوب فإن هذا الهواء يؤدي في كثير من الأحيان إلى ظهور السحب وسقوط بعض الأمطار خصوصًا عندما يلتقي بجبهة باردة حيث إنه يضطر في هذه الحالة للارتفاع فوق هذه الجبهة. وفي جنوب القارة ينشأ الهواء المداري كذلك في منطقة حوض كلهاري ولكن على نطاق أضيق مما يحدث في الصحراء الكبرى، ويسيطر هذا الهواء بصفة خاصة على جنوب غرب إفريقية، ونظرًا لشدة الحرارة في جنوب القارة في هذا الفصل "الصيف الجنوبي" فإن التيارات الهوائية الصاعدة تكون نشطة في هذا النوع من الهواء ويؤدي ذلك إلى سقوط بعض الأمطار، ولكنها تكون قليلة بسبب قلة بخار الماء الذي يحمله الهواء "المداري القاري". أما الهواء المداري البحري فيظهر أثره بوضوح في منطقتين مختلفتين من إفريقية وهما: 1- السواحل الشرقية ما بين رأس الرجاء الصالح في الجنوب وخط عرض 5 ْجنوبًا في الشمال فإلى هذه السواحل يصل هواء مداري بحري غير مستقر MTK من المحيط الهندي مع الرياح التجارية الجنوبية الشرقية، ويكون هذا الهواء محملًا بكميات كبيرة من بخار الماء، ونظرًا لأن جنوب القارة يكون شديد الحرارة في هذا الفصل فإن هذا يساعد على زيادة حالة عدم الاستقرار في الهواء عند انتقاله من البحر إلى اليابس، ويترتب على ذلك سقوط كثير من الأمطار على السواحل وعلى المنحدرات الشرقية للجبال والهضاب المتاخمة لهذه السواحل أو القريبة منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 ساحل غانة حيث يؤدي الهواء المداري غير المستقر إلى سقوط كميات كبيرة من الأمطار. ويلاحظ أن السواحل الشرقية لإفريقيا إلى الشمال من خط الاستواء يصلها من آسيا نوع من الهواء المداري القاري ct، إلا أن مرور هذا الهواء على المياه الدافئة للبحر العربي يجعل الطبقات السفلى منه تكتسب بعض صفات الهواء المداري البحري MT، ولهذا فإنه يكون سببًا في سقوط قليل من الأمطار على هذه السواحل، ولكن يلاحظ أن الطبقات العليا من هذا الهواء تظل محتفظة بصفات الهواء المداري القاري، حيث إن مساحة البحر العربي ليست كبيرة بدرجة تكفي لأن تغير صفات الهواء كله في جميع طبقاته. ب-الهواء القطبي: نظرًا لأن القارة الإفريقية في معظمها واقعة في العروض الحارة فإن تأثير الهواء القطبي في مناخها يكون أقل بكثير من تأثير الهواء المداري، ولذلك فإن أثر الهواء القطبي يقتصر غالبًا على الأطراف الجنوبية للقارة، ففي فصل الشتاء الشمالي نجد أن مرور المنخفضات الجوية على البحر المتوسط من الغرب إلى الشرق يؤدي إلى وصول تيارات من الهواء القطبي البحري MP في مؤخره هذه الانخفاضات إلى السواحل الشمالية الغربية لإفريقية، حيث يؤدي وصولها إلى سقوط الأمطار على هذه السواحل، وتكثر الأمطار بصفة خاصة على المنحدرات الشمالية والغربية، ومصدر هذا الهواء هو الكتل الهوائية القطبية البحرية التي تتكون على المحيط الأطلسي الشمالي، وقد يصل أثره في بعض الأحيان إلى السواحل الشمالية لجمهورية مصر العربية وليبيا حيث يؤدي إلى سقوط بعض الأمطار. ولكن يلاحظ أن معظم الهواء القطبي الذي يصل إلى هذه السواحل الأخيرة في الشتاء يكون في الأصل من النوع القاري CP الذي ينشأ على السهول الوسطى والشمالية لأوروبا، ولكن مروره على المياه الدافئة للبحر المتوسط يؤدي إلى رفع درجة الحرارة الطبقة السفلى منه وارتفاع نسبة بخار الماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 بها، كما يؤدي إلى ظهور حالة عدم استقرار في هذا الهواء، ولهذا فإنه يكون سببًا في سقوط بعض الأمطار على شمال ليبيا ومصر. وهو يأتي عادة في مؤخرة المنخفضات الجوية التي تغزو البحر المتوسط من ناحية الغرب في فصل الشتاء وكثيرًا ما تصحبه موجات من البرد شديدة القسوة. ثالثًا- فصل الصيف "يوليو": الهواء المداري: تظل الصحراء الكبرى في هذا الفصل أيضًا مركزًا لنشأة الهواء المداري القاري CT، الذي يكون شديد الحرارة والجفاف، وعلى الرغم من أن اشتداد الحرارة في الصحراء يؤدي إلى عدم استقرار هذا الهواء إلا أن صغر كمية الرطوبة العالقة به لا تسمح إلا بسقوط كميات قليلة جدًّا من الأمطار. ويصل إلى السواحل الشمالية للقارة في هذا الفصل من ناحية البحر المتوسط نوع معدل من الهواء المداري القاري مصدره الأجزاء الجنوبية من أوروبا، ورغم أن هذا الهواء يمر فوق مياه البحر المتوسط فإنه يظل محتفظًا في معظم قطاعاته بالصفات القارية، إلا في أجزائه السفلى التي تزداد فيها نسبة بخار الماء, ولكن هذه الزيادة لا تظهر في الطبقات العليا منه؛ لأن البحر المتوسط يكون عندئذ مركزًا لضغط مرتفع يميل فيه الهواء للهبوط إلى أسفل، ولذلك فإن هذا الهواء يكون رغم الرطوبة التي يحملها في أجزائه السفلى، مصحوبًا بجو صحو عديم السحب بسبب جفاف الطبقات العليا منه، وإذا ما انتقلنا إلى جنوب القارة نلاحظ أن الهواء المداري القاري الذي يظهر هنا في هذا الفصل "الشتاء الجنوبي" يكون أميل للبرودة كما يكون أكثر استقرارًا من الهواء المداري القاري الذي رأيناه في الشمال. أما الهواء المداري البحري فيكون في فصل الصيف سائدًا في النطاق المحصور بين خطي عرض 5 ْو15 ْشمال خط الاستواء، وهو يأتي من المحيط الأطلسي من الرياح الجنوبية الغربية التي يتسع نطاق هبوبها في هذا الفصل بسبب تزحزح نطاق الضغط المنخفض الاستوائي نحو الشمال. ونظرًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 لاشتداد حرارة اليابس فإن الهواء الذي ينتقل إليه يصبح في حالة عدم استقرار ويكون سببًا في سقوط أمطار غزيرة خصوصًا على ساحل غانة ومنحدرات الجبال المواجهة لهبوب الرياح الجنوبية الغربية، كما هي الحال على المنحدرات الجنوبية لمرتفعات غانة الغربية "فوتاجالون" والمنحدرات الغربية لجبال الكاميرون. يلاحظ أن الهواء المداري البحري يظهر كذلك في هذا الفصل "الشتاء الجنوبي" على القسم الشرقي من جنوب القارة ما بين خط الاستواء وخط عرض 30 ْجنوبًا تقريبًا، ولكن نظرًا لبرودة اليابس فإن هذا الهواء يكون أقرب إلى الاستقرار، ويكون بالتالي قليل الأمطار. كما يسود هذا الهواء أيضًا على السواحل الشمالية الغربية للقارة وعلى سواحلها الغربية في القسم الواقع إلى الجنوب من خط الاستواء، إلا أن هذا الهواء يكون كذلك من النوع المستقر الذي لا يساعد على سقوط أمطار كثيرة. الهواء القطبي: كما هي الحال في فصل الشتاء يلاحظ أن أثر الهواء القطبي في مناخ القارة في فصل الصيف يقتصر على مناطق محدودة جدًّا منها، ففي أقصى الجنوب يظهر نوع معدل من الهواء القطبي القاري البحري الدافئ الذي يساعد على سقوط الأمطار، وتحمله إلى جنوب القارة الرياح الجنوبية الغربية بعد مرورها على مسطحات مائية واسعة، وهذا الهواء هو الذي يسبب الأمطار الشتوية في إقليم رأس الرجاء الصالح وفي ناتال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 الأقسام المناخية لإفريقيا مدخل ... 12- 2- الأقسام المناخية لإفريقيا: لا تزال القارة الإفريقية محتاجة إلى مزيد من محطات الأرصاد الجوية اللازمة لجمع البيانات المختلفة التي تساعد على دراسة الأحوال المناخية فيها دراسة أكثر تفصيلًا من الدراسة الحالية، حيث إننا ما زلنا نجد في هذه القارة مساحات واسعة خالية من مثل هذه المحطات، ومع ذلك فإننا نستطيع بناء على ما لدينا من بيانات أن نقسم القارة إلى عدد من الأقاليم المناخية، وقد سبق أن أوضحنا كيف أن الموقع الفلكي لإفريقيا قد أخرجها تمامًا من نطاق الأقاليم الباردة والمعتدلة الباردة، ومعنى هذا بعبارة أخرى أن القارة تدخل كلها في نطاق المناخ الحار والمناخ المعتدل الدافئ، ويمكننا أن نحدد المناطق التي تدخل في كل نطاق من هذين النطاقين كما يلي: أولًا- المناخ الحار وينقسم إلى خمسة أقسام كما يأتي: أ- المناخ الاستوائي ويشمل حوض الكونغو وساحل غانة وقسمًا من الساحل الشرقي إلى الجنوب مباشرة من خط الاستواء. ب- المناخ المداري القاري، ويشمل نطاقًا عظيمًا يحيط بالإقليم الاستوائي من ناحيتي الشمال والجنوب، كما يحيط به من ناحية الشرق حيث يشمل هضبة البحيرات الاستوائية. ج- المناخ المداري البحري، ويشمل معظم الساحل الشرقي للقارة إلى الجنوب من خط الاستواء، كما يشمل الساحل الشرقي لجزيرة مدغشقر. د- المناخ المداري الموسمي، ويشمل هضبة الحبشة. هـ- مناخ الصحاري الحارة، ويشمل الصحراء الكبرى وصحراء كلهاري وصحراء ناميبيا الساحلية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 "شكل 97" توزيع الأمطار في إفريقيا في فصل الشتاء "شكل 98" توزيع الأمطار إفريقية في فصل الصيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 ثانيًا: المناخ المعتدل الدافئ، وينقسم إلى قسمين كما يأتي: مناخ البحر المتوسط الذي يتمثل بصفة خاصة على طول السواحل الشمالية للقارة خصوصًا في الشمال الغربي وكذلك في منطقة رأس الرجاء الصالح. ب- مناخ ناتال، وهو يمثل المناخ المعتدل الدافئ في شرق القارات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 الأقاليم الحارة المناخ الاستوائي ... 12- 2- 1- الأقاليم الحارة: أ- المناخ الاستوائي: حوض الكونغو: يتكون القسم الأوسط من هذا الحوض من سهل منبسط يمتد حول نهر الكونغو نفسه وحول الأجزاء الوسطى والدنيا من روافده، ويبلغ ارتفاع هذا السهل حوالي 300 متر فوق مستوى سطح البحر، وتنمو به غابات كثيفة دائمة الخضرة تتخللها في مواضع متفرقة مناطق صغيرة يقوم فيها الوطنيون ببعض الزراعة المتنقلة، وتحيط بهذا القسم من جميع الجهات أراض مرتفعة يزيد ارتفاعها بصفة خاصة من ناحية الشرق حيث تمتد الحافة الغربية للفرع الغربي من الوادي الانكساري العظيم، ويتراوح ارتفاعها ما بين 2000 و3000 متر، وأعلى نقطة فيها هي جبال روونزوري التي يبلغ ارتفاعها حوالي 5120 مترًا، ويتدرج الارتفاع كذلك كلما اتجهنا جنوبًا حتى إنه يتراوح في معظم النصف الجنوبي من الحوض ما بين 500 و1000 متر وقد يصل في بعض الأماكن إلى أكثر من 1200متر، كما هي الحال حول مدينة إليزابيث فيل في الجنوب الشرق، والمظهر النباتي السائد في القسم الجنوبي المرتفع نسبيًّا من الحوض هو السفانا الكثيفة التي تتغطى بها في بعض المناطق مساحات شاسعة وغير منقطعة. ويقطع خط الاستواء القسم الشمالي من الحوض حيث يمر بشلالات إستانلي، وهذا القسم هو الذي يمثل المناخ الاستوائي الحقيقي، وهو يمتد من شمال الحوض حتى خط عرض 5 ْجنوبًا ولكن نظرًا لأن الارتفاع عن سطح البحر لا يقل عن 300 متر فإن المناخ الاستوائي السائد هنا يكون أقل حرارة نوعًا ما من المناخ الاستوائي الذي يظهر في المستويات القريبة من سطح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 البحر، وحيثما يزيد الارتفاع عن ذلك يختفي المناخ الاستوائي الحقيقي وتحل محله أنواع معدلة من المناخ المداري، وقد تظهر بعض أنواع المناخ البارد على القمم المرتفعة التي توجد على الحافة الشرقية للحوض. ومن الطبيعي أن يكون الهواء الذي يسود في حوض الكونغو هو الهواء المداري خصوصًا الهواء المداري البحري الذي يصل إليه من المحيط الأطلسي الجنوبي في الغرب ومن المحيط الهندي في الشرق، أما الهواء المداري القاري فعلى الرغم من أنه يصل كذلك إلى حوض الكونغو من المناطق الواقعة إلى الشمال منه إلا أن ذلك مقصور على بعض أشهر فصل الشتاء "يناير"K حيث يصل بعض هذا الهواء إلى القسم الشمالي والأوسط من الحوض، وفي نفس هذا الفصل يتأثر مناخ القسم الجنوبي الغربي من حوض الكونغو بتيارات مماثلة تصل إليه من المحيط الهندي، وهذا الهواء المداري الرطب، سواء منه ما يصل من المحيط الأطلسي أو ما يصل من المحيط الهندي، وهو المصدر الذي يغذي الأمطار التي تسقط على حوض الكونغو في هذا الفصل "الشتاء الشمالي". أما في فصل الصيف فيختفي الهواء المداري القاري من حوض الكونغو تمامًا، ويحل محله الهواء المداري البحري خصوصًا الهواء الذي يأتي من المحيط الأطلسي وذلك لأن اشتداد عمق الضغط المنخفض الذي يتكون على الصحراء الكبرى في هذا الفصل يساعد على اجتذاب الرياح الجنوبية الغربية التي تهب من ناحية هذا المحيط وعلى زيادة سرعتها نسبيًّا، والهواء الرطب الذي تحمله هذه الرياح هو المصدر الذي تأتي منه الأمطار التي تسقط في الفترة من إبريل إلى أكتوبر "الصيف الشمالي". ويلاحظ عمومًا أن الرياح السائدة على حوض الكونغو أغلبها رياح خفيفة كما أن فترات سكون الهواء كثيرة جدًّا، ومع كل هذا فإن الإقليم يتعرض في فصلي الربيع والخريف، وهما فصلا تعامد الشمس على خط الاستواء لظهور عواصف شديدة تشتهر باسم الترنادو، وهي من نفس نوع عواصف الترنادو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 "شكل 99" النباتات الطبيعية في إفريقية. التي تظهر على ساحل غانة، ويشتد هبوب الرياح عند ظهورها، وقد تصل سرعتها إلى 75 كيلو مترًا في الساعة أو أكثر، وهي تظهر غالبا بعد منتصف النهار أي في أشد الساعات حرارة، وهي تتحرك بعد نشأتها عمومًا من الشرق إلى الغرب. وإذا نظرنا إلى إحصاءات المطر نجد أن حوض الكونغو على الرغم من وقوعه حول خط الاستواء فإنه أقل مطرًا من حوض الأمزون المقابل له في أمريكا الجنوبية، وذلك لأن معظم الرطوبة التي يحملها هواء المحيط الهندي تسقط أمطارها على الحافات الشرقية للهضاب التي تقف في طريقها قبل وصولها إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 حوض الكونغو، ويبلغ معدل الأمطار التي تسقط على معظم أجزاء الحوض حوالي 135 سنتيمترًا في السنة مقابل 175 إلى 200 سنتيمتر في حوض الأمزون، وهي مع ذلك تكفي لأن تجعل نهر الكونغو يأتي في المرتبة الثانية من بين أنهار العالم بعد بهر الأمزون من حيث كمية المياه التي تحملها1. ولقد كان من نتائج موقع حوض الكونغو حول خط الاستواء أن أصبح موسم زيادة الأمطار في القسم الشمالي منه مختلفًا عن موسم زيادتها في قسمه الجنوبي، وقد ترتب على هذه الظاهرة أن أصبح لهذا النهر موسمان للفيضان، أحدهما في شهر مايو "في القسم الشمالي" والثاني في شهر ديسمبر "في القسم الجنوبي" ولهذا فإن مستوى المياه فيه لا يهبط في أي شهر من الشهور إلى درجة تعوق الملاحة. أ- درجة الحرارة "بالدرجات المئوية"2: ب- الأمطار "بالسنتيمترات":   1 A., Austin Miller, op. cit. 109 2 Kendrew, "Climates of the Continents, p. 136- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 ساحل غانة: على الرغم من أن المناخ السائد على هذا الساحل ينتمي في جملته إلى النوع الاستوائي، فإن له طابعًا موسميًّا خاصًّا، حيث إن الساحل يتعرض طول السنة لهبوب الرياح الجنوبية الغربية التي كانت في الأصل تجارية جنوبية شرقية ثم انحرفت بعد عبورها لخط الاستواء، وهي ظاهرة مستمرة طول السنة بسبب اتساع القارة الإفريقية اتساعًا واضحًا إلى الشمال مباشرة من ساحل غانة، فقد ترتب على هذا الاتساع أن أصبح القسم الجنوبي من الصحراء الكبرى والأراضي الواقعة إلى الشمال من ساحل غانة مرتفعة الحرارة، حتى في فصل الشتاء بالنسبة للمحيط الأطلسي، وكانت نتيجة ذلك أن ظل مركز الضغط المنخفض واقعًا طول السنة إلى الشمال من ساحل غانة، ولو أنه يتزحزح شمالًا في يوليو حتى يقع بين خطي عرض 10 ْو15 ْشمالًا، ثم يعود فيتزحزح جنوبًا في يناير حتى يقع على امتداد الساحل نفسه، وليس من شك في أن هبوب الرياح الجنوبية الغربية على ساحل غانة طول السنة قد زاد من قسوة الأحوال المناخية على هذا الساحل الذي اجتمعت فيه الحرارة الشديدة مع الرطوبة المرتفعة، حتى إنه كان يشتهر لهذا السبب باسم "مقبرة الرجل الأبيض" ولا يكاد الأثر الملطف الذي تأتي به الرياح التجارية الشمالية الشرقية الجافة يصل إلى الساحل إلا في فترات قليلة عندما تهب رياح الهارمتان المعروفة، وينطبق هذا عمومًا على كل النطاق الواقع إلى الجنوب من خط عرض مدينة فري تاون في سيراليون، أما إلى الشمال من هذا الخط فإن أثر الرياح التجارية الشمالية الشرقية في تلطيف المناخ يكون واضحًا نسبيًّا. وتسقط الأمطار على ساحل غانة طول السنة بسبب التيارات الصاعدة من ناحية وهبوب الرياح الجنوبية الغربية من ناحية أخرى، إلا أن كمية المطر تختلف من مكان إلى آخر على طول الساحل على حسب الظروف المحلية فبينما يصل المعدل السنوي في فري تاوي إلى 438 سنتيمترًا، وفي كوناكري إلى 175 سنتيمترًا، بسبب وجود مرتفعات فوتا جالون قرب الساحل، كما يصل إلى 900 سنتيمتر على المنحدارت الغربية لجبال الكاميرون التي يصل ارتفاعها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 جدول رقم "36" معدلات الحرارة والمطر في بعض بلاد ساحل غانة أ- الحرارة "بالدرجات المئوية": ب- معدلات المطر "بالسنتيمترات": إلى حوالي 4000 متر فوق سطح البحر فإنه ينخفض إلى الشرق من رأس النقط الثلاثة Cape THREE POINTS في جنوب غانة إلى أقل من 90 سنتيمترًا، بل إلى أقل من 65 سنتيمترًا في بعض المواضع، كما هي الحال في أكرا التي يبلغ معدلها 60 سنتيمترًا، وفي كريستيان بورج ومعدلها 53 سنتيمترًا وفي كويتا ومعدلها 54 سنتيمترًا، ولكن يلاحظ أن هذا النقص في كمية المطر مقصور على شريط ساحلي ضيق ثم لا تلبث الأمطار أن تزيد عن ذلك بزيادة واضحة في المناطق التي تلي ذلك من الداخل ففي بلدة أبوري ABURI التي تقع إلى الشمال من أكرا بنحو 45 كيلو مترًا يرتفع المعدل إلى 145 سنتيمترًا، وفي خوماسي التي تبعد في الداخل أكثر من ذلك بنحو 150 كيلو مترًا يصل المعدل إلى 145 سنتيمترًا، وليس هناك في الوقت الحاضر تفسير واضح لنقص الأمطار بهذا الشكل في الشريط الساحلي المذكور، ومع ذلك فمن الممكن أن نرجعه إلى عاملين هما: 1- أن اتجاه الساحل يجعل الرياح الجنوبية الغربية تهب موازية له تقريبًا. 2- أن تيار غانة يعمل عند تحركه نحو الغرب على إزاحة الطبقة السطحية. الدافئة من المياه الساحلية فيكشف بذلك المياه الباردة نسبيًّا، وهذا يقلل من كمية بخار الماء التي تستطيع الرياح الجنوبية الغربية أن تحملها معًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 ب- المناخ المداري القاري : يوجد هذا المناخ في قلب القارة الإفريقية إلى الشمال وإلى الجنوب مباشرة من المناخ الاستوائي، وهو يضم نطاق السودان في الشمال وقسمًا كبيرًا من هضبة إفريقية الجنوبية في الجنوب، ويحدث الانتقال بين هذا المناخ وبين المناخ الاستوائي من جهة، وبينه وبين المناخ الصحراوي من جهة أخرى تدريجيًّا بصفة عامة. والمناخ المداري القاري هو الذي يشتهر باسم مناخ السفانا، وأهم ما يميزه هو وجود فصل ممطر في الصيف وفصل جاف في الشتاء، ويتزايد طول هذا الفصل الأخير كلما ابتعدنا عن خط الاستواء حتى نصل إلى المناخ الصحراوي، والأمطار التي تسقط في هذا الإقليم لا تختلف في نوعها عن أمطار المناخ الاستوائي، فهي تسقط بسبب التيارات الصاعدة التي تصاحب الضغط المنخفض الاستوائي، وهو الضغط الذي يتزحزح نحو الشمال في فصل الصيف ونحو الجنوب في فصل الشتاء وهذه الزحزحة هي المسئولة عن التوزيع الفصلي للأمطار في مناخ السفانا، ولكن يلاحظ أن كمية المطر تختلف من مكان إلى آخر على حسب نظام التضاريس أولًا، وعلى حسب البعد عن خط الاستواء ثانيًا. ويبين الجدول رقم "37" معدلات درجة الحرارة والأمطار في بعض المحطات التي تقع في الإقليم المداري القاري وهي: داكار وكانو والخرطوم ولواندا "أنجولا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 جدول رقم "37" معدلات الحرارة والأمطار في بعض محطات المناخ المداري القاري في إفريقية أ- درجة الحرارة "بالدرجات المئوية": ب- الأمطار "بالسنتيمترات": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 ج- المناخ المداري البحري : يتمثل هذا المناخ في المناطق الساحلية الشرقية في كينيا وتنجانيقا وموزمبيق وهو يختلف عن المناخ المداري القاري في أن أمطاره تسقط طول السنة، وأنها لا تسقط بسبب التيارات الهوائية الصاعدة وحدها؛ إذ إن الرياح التجارية الجنوبية الشرقية المحملة بالرطوبة تهب على هذه السواحل من المحيط الهندي طول السنة وتسبب سقوط أغلب الأمطار، ولكن يلاحظ إلى جانب ذلك أن نسبة كبيرة من الأمطار التي تسقط صيفًا على القسم الشمالي من هذه السواحل سببها هو نشاط التيارات الهوائية الصاعدة التي تنشط عندما يتزحزح نطاق الضغط المنخفض الاستوائي جنوبًا في فصل الصيف "الجنوبي". أما درجة الحرارة فمرتفعة طول السنة، ولا تختلف كثيرًا عن درجة الحرارة في النطاق الاستوائي من حيث ارتفاعها وعدم وجود فرق كبير بين حرارة الصيف والشتاء، وهذا يختلف عما نلاحظه في المناخ المداري القاري، والحياة النباتية في هذا المناخ تتكون في جملتها من غابات كثيفة لا تختلف كثيرًا عن الغابات الاستوائية المطيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 المناخ المداري الصحراوي : يتمثل هذا المناخ في الصحراء الكبرى التي تشغل معظم شمال القارة ما بين مناطق السفانا في الجنوب وساحل البحر المتوسط في الشمال، كما يتمثل في جنوب القارة حيث توجد صحراء كلهاري وصحراء ناميبيا الساحلية، وأهم ما يميزه هو ارتفاع درجة الحرارة بصفة عامة خصوصًا في أثناء النهار في فصل الصيف حيث تصل أحيانًا إلى 49 ْمئوية أو أكثر، والمدى اليومي والفصلي لدرجة الحرارة أعظم في هذا المناخ منه في أي نوع مناخي آخر، أما الأمطار فهي معدومة أو نادرة إلا في بعض الأماكن القليلة التي يرتفع فيها سطح الأرض، كما هي الحال في منطقة هضبة الهوجار، ففي هذه المناطق تسقط بعض الأمطار التي تساعد على ظهور عدد من الواحات والرياح السائدة على الصحراء الكبرى في معظم أيام السنة هي الرياح التجارية الشمالية الشرقية، وهي شديدة الجفاف لمرورها على مساحات واسعة من اليابس ولهبوبها نحو مناطق أشد حرارة بصفة عامة من المناطق التي تهب منها، ومع ذلك فإن هذه الرياح تسقط بعض الأمطار، إذا صادفت أرضًا مرتفعة، كما يحدث على هضبة الهوجار وتيبستي، ويلاحظ أن السواحل الغربية للصحراء الكبرى أقل حرارة من بقية الصحراء لأنها تتأثر بتيار الكناريا البارد، كما يكثر الضباب بالقرب من هذه السواحل بسبب مرور الهواء على المياه الباردة، ومثل هذا يمكن أن يقال كذلك على صحراء ناميبيا التي يمر بجوارها تيار بنجويلا البارد، ويلاحظ أن صحراء كلهاري وصحراء ناميبيا أقل جفافًا بصفة عامة من الصحراء الكبرى، ويرجع ذلك إلى ضيق القارة وارتفاع مستوى سطحها عنه في الشمال، والحياة النباتية في الصحراء فقيرة جدًّا، وإن وجدت فإنها تكون عبارة عن نباتات شوكية من الأنواع التي تتحمل الجفاف، ولكنها تكثر نوعًا ما في الواحات وفي المناطق الانتقالية بين الصحراء والسفانا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 المناخ المعتدل الدافئ مناخ البحر المتوسط ... 12- 2- 2- المناخ المعتدل الدافئ: أ- مناخ البحر المتوسط: أهم ما يميز هذا المناخ هو سقوط معظم الأمطار أو كلها في نصف السنة الشتوي وهو يتمثل في شمال القارة في شريط ضيق يمتد على طول ساحل البحر المتوسط، ويزداد اتساع هذا الشريط عمومًا كلما اتجهنا غربًا، كما أن تضاريس الشريط الساحلي وشكل الساحل نفسه لهما كذلك دخل في تحديد اتساع المنطقة التي تدخل في هذا المناخ وسبب أمطار البحر المتوسط هي الرياح الغربية والمنخفضات الجوية التي تكثر في نطاقها، وتظهر هذه المنخفضات بكثرة في الشتاء، كما تظهر كذلك في الربيع والخريف، ويتراوح المعدل السنوي للأمطار في هذا النوع من المناخ بين 45 و86 سنتيمترًا، وهي تتناقص كلما اتجهنا شرقًا، فبينما تبلغ في مدينة الجزائر 75 سنتيمترًا في السنة نجد أنها تبلغ 20 سنتيمترًا في الإسكندرية و7 سنتيمترات في بورسعيد، وعلى الرغم من قلة أمطار الساحل الشمالي لمصر بهذا الشكل فإننا يمكن أن نعتبره مع التجاوز داخلًا في هذا النوع من المناخ، ولو أنه في الحقيقة يمثل مرحلة انتقالية بين المناخ الصحراوي ومناخ البحر المتوسط، وأكثر المناطق أمطارًا في شمال إفريقية هي منطقة جبال أطلس بسبب ارتفاعها من جهة ولأن معظم الأمطار تأتي من الغرب من جهة أخرى. ويتمثل مناخ البحر المتوسط فضلًا عن ذلك في منطقة الكاب بأقصى جنوب القارة حيث تسقط بعض الأمطار شتاء نتيجة لتزحزح نطاقات الضغط الجوي نحو الشمال مما يؤدي إلى دخول هذه المنطقة في نطاق الرياح الغربية، ويبلغ معدل الأمطار في كيب تون حوالي 75 سنتيمترًا في السنة. والحياة النباتية التي تنمو في مناخ البحر المتوسط تتكون في جملتها من أشجار يمكنها أن تتحمل جفاف فصل الصيف، ومنها بعض الأشجار ذات الجذور الطويلة التي تستطيع الاستفادة بالمياه الباطنية مثل أشجار الزيتون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 واللوز والكروم، وعلى منحدرات جبال أطلس تنمو أشجار الصنوبر والبلوط، وتزرع في هذا المناخ كذلك كثير من نباتات المنطقة المعتدلة مثل القمح والشعير. وإلى جانب الأنواع المناخية السابقة، وهي التي تتكرر حول خط الاستواء في النصفين الشمالي والجنوبي للقارة توجد بعض الأنواع المناخية الأخرى التي تظهر نتيجة للظروف الخاصة بالمواقع والتضاريس وهي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 ب- مناخ ناتال : وهو يمثل المناخ المعتدل الدافئ في شرق القارة وأهم ما يميزه عن مناخ البحر المتوسط أن أمطاره تسقط طول السنة، فهي تسقط في فصل الشتاء الجنوبي "يوليو" بسبب المنخفضات الجوية التي تصل إليه من الغرب، وهي إما أن تتكون على القارة نفسها أو تصل إليها من المحيط الأطلسي، أما في فصل الصيف "ديسمبر" فتدخل منطقة ناتال في نطاق الرياح التجارية التي تهب عليها من المحيط الهندي وتسبب سقوط أمطار غزيرة على الساحل وعلى منحدرات الجبال. أما درجة الحرارة فهي معتدلة طول السنة حتى في فصل الصيف لأن الرياح التي تهب من المحيط تساعد على تلطيف درجة الحرارة, ونظرًا لأن تيار موزمبيق الحار يمتد أثره على الطرف الجنوبي الشرقي للقارة الإفريقية، فإن هذا الأثر يبدو واضحًا على مناخ ساحل ناتال، خصوصًا في فصل الشتاء حيث يساعد على رفع درجة الحرارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 ج- المناخ المعتدل القاري : وهذا النوع هو الذي يعرف كذلك باسم مناخ الإستبس وهو يتمثل بصفة خاصة في إقليم الفلد، وتسقط معظم أمطاره في فصل الصيف عندما تتوغل الرياح التجارية في الداخل، وهذا المناخ معتدل من حيث درجة الحرارة بسبب ارتفاع الهضبة، والحياة النباتية في جملتها عبارة عن حشائش من نوع الإستبس، وهي التي تشتهر باسم "الفلد" وتربى عليها قطعان كبيرة من الماشية والأغنام، وقد قامت زراعة بعض الحبوب والفاكهة في الأماكن التي تكفي أمطارها لهذه الزراعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 د- المناخ المعتدل الدافئ الموسمي : ويوجد بصفة خاصة في هضبة الحبشة التي تسقط عليها الأمطار في الصيف بسبب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية من ناحية خط الاستواء، وهذه الأمطار هي المصدر الذي يستمد منه نهر النيل مياه الفيضان، ونظرًا لارتفاع الهضبة فإنها أقل حرارة من المناطق التي حولها، والحياة النباتية معظمها عبارة عن غابات موسمية تسقط أوراقها في الشتاء وهو فصل انقطاع الأمطار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 مناخ العالم العربي موقع العالم العربي وآثاره المناخية ... 13- مناخ العالم العربي: 13- 1- موقع العالم العربي وآثاره المناخية: يقع العالم العربي في جملته في العروض المدارية والمعتدلة الدافئة، حيث إن بعض أطرافه الجنوبية تقترب من خط الاستواء، بل إنها تصل في أحد المواضع، وهو الطرف الجنوبي للصومال إلى خط عرض 3 ْجنوبًا، ولهذا فباستثناء الجبال المرتفعة، فإن الصفة المناخية السائدة في كل العالم العربي هي شدة الحرارة في الصيف واعتدالها في الشتاء. ويمتد هذا العالم بشكل نطاق عظيم وسط أكبر تجمع قاري في العالم، ولهذا فإن الصفة القارية هي الصفة المناخية السائدة فيه، وذلك على الرغم من أن له سواحل ممتدة لبضعة آلاف من الكيلو مترات على المحيطين الأطلسي والهندي وعلى البحرين الأحمر والمتوسط وعلى الخليج العربي؛ لأن تأثير هذه المسطحات على مناخه لا يتوغل كثيرًا في الداخل إلا في مناطق محدودة، بينما ينحصر في أغلبها في أشرطة ضيقة يتوقف اتساعها على طبيعة المسطح المائي نفسه وعلى تضاريس الساحل واتجاه الرياح السائدة، فالبحر الأحمر مثلًا تأثيره محدود بسبب ضيقه وإحاطة الجبال والصحاري به من الشرق والغرب، وارتفاع درجة حرارة مياهه، وهبوب الرياح السائدة عليه من الاتجاهات الشمالية، أما البحر المتوسط فتأثيره أكبر من تأثير البحر الأحمر لعدة أسباب منها أنه أكبر اتساعًا وامتدادًا، وأن مياهه أقل حرارة بصفة عامة وأن الرياح السائدة عليه تهب من الاتجاهات الشمالية والغربية وتصل إلى بعض المناطق الساحلية بعد أن تكون قد قطعت رحلة طويلة فوق مياهه، ويكون اتجاهها متعامدًا تقريبًا على امتداد بعض هذه السواحل، كما أن هذا البحر له تأثير قوي على الضغط الجوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 وعلى النشاط الإعصاري الذي يؤدي إلى حدوث معظم الاضطرابات الجوية وسقوط معظم الأمطار في البلاد المحيطة به، وسنعود لمعالجة هذا الموضوع عند الكلام على الضغط الجوي والدورات الهوائية. ويلاحظ أن تأثير المحيط الهندي على مناخ العالم العربي لا يتناسب مع حجمه أو موقعه؛ إذ إن تأثيره ينحصر عمومًا في زيادة رطوبة الهواء على السواحل المجاورة له وفي تزويد المناطق الجنوبية والشرقية من شبه الجزيرة العربية بالهواء المداري البحري الرطب الذي يؤدي إلى سقوط الأمطار إذا ما تهيأت الظروف اللازمة لرفعة إلى أعلى وهو ما يحدث عادة عند مرور المنخفضات الجوية أو حدوث عواصف الرعد. أما المحيط الأطلسي فتأثيره في مناخ البلاد العربية أكبر بكثير من تأثير المحيط الهندي لأن القسم الاستوائي منه، وهو القسم الذي يشمل خليج غانة، هو مصدر الهواء المداري البحري الذي يحمل معظم أمطار السودان والحبشة والقرن الإفريقي ومرتفعات اليمن وجنوب المملكة العربية السعودية، كما أن قسمه الممتد بجوار غربي إفريقيا وجنوب غربي أوروبا هو مصدر الهواء الرطب الذي يحمل معظم الأمطار التي تسقط على المغرب العربي. وعلى العموم فإن الآثار البحرية التي تنتج من وجود المسطحات المائية التي ذكرناها لا تكفي لتغيير الحقيقة الخاصة بقارية المناخ في معظم أجزاء العالم العربي، حيث إن المناطق التي تظهر في مناخها الصفات البحرية الكاملة وأهمها انخفاض المدى الحراري وارتفاع رطوبة الهواء وكثرة السحب والضباب والأمطار أغلبها عبارة عن أشرطة ساحلية متباينة الاتساع في سوريا ولبنان وشمالي فلسطين وبرقة والمغرب العربي، وفيما عدا ذلك فإن كثيرًا من المناطق الساحلية لا يظهر فيها من صفات المناخ البحري إلا ارتفاع نسبة الرطوبة في الهواء وانخفاض المدى الحراري وخصوصًا المدى الحراري اليومي، وفي كثير من هذه المناطق تمتد الصحاري حتى تصل إلى شاطئ البحر مباشرة، ولكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 نظرًا لوجود بعض المظاهر البحرية في مناخ هذه الصحاري فإنها توضع عادة ضمن نوع مناخي صحراوي خاص هو "المناخ الصحراوي الساحلي أو البحري" وينطبق هذا على معظم المناطق الساحلية في شبه الجزيرة العربية، وفي شمالي مصر وليبيا وفي غربي المملكة المغربية. وبالإضافة إلى أن قارية المناخ في معظم أجزاء العالم العربي ترجع إلى موقعه الجغرافي في وسط وأكبر كتلة قارية في العالم فإن موقعه بالنسبة لنطاقات الضغط الجوي الدائمة وللدورة الهوائية العامة التي ترتبط بها يعتبر هو الآخر سببًا من أسباب جفافه وانتشار الصحاري فيه حيث إن أغلبه يقع في نطاق الضغط المرتفع وراء مدار السرطان، وهنا يكون الهواء دائمًا ميالًا للهبوط فلا يتيح الفرصة لارتفاع الهواء وتشكيل السحب الممطرة، كما أن الرياح السائدة على العالم العربي هي الرياح التجارية التي تهب من الاتجاهات الشمالية والتي تكون عادة جافة بسبب قدومها من اليابس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 13- 2- الآثار التضاريسية على مناخ العالم العربي : تلعب التضاريس دورًا رئيسيًّا في تنوع المناخ، وهو دور يسهل إدراكه من مقارنة الأنواع المناخية على الجوانب المتقابلة للجبال، ومن مقارنة مناخ الوديان والسهول بمناخ المرتفعات المجاورة لها. ويظهر تأثير هذا العامل واضحًا في كل العناصر المناخية، ولكنه يبدو واضحًا بصفة خاصة بالنسبة لعنصري الحرارة والأمطار، فبالنسبة للحرارة يساعد الارتفاع عن سطح البحر على خلق أنواع مناخية معتدلة أو باردة نسبيًّا في وسط المناطق السهلية الحارة أو الدافئة، كما أنه قد يؤدي كذلك إلى رفع درجة حرارة الوديان والسهول الواقعة في حضن الجبال بسبب هبوط الهواء نحوها من الجبال وارتفاع درجة حرارته بسبب انضغاطه كما يحدث في ظاهرة "الفهن1 "fohn" وهي ظاهرة.   1 هذه الظاهرة منسوبة إلى "رياح الفهن" وهي رياح محلية دافئة تهب على منحدرات الجبال في سويسرة وتكتسب كثيرًا من حرارتها من انضغاطها عند هبوطها من أعلى الجبال إلى الوديان المجاورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 يمكن ملاحظتها في جبال لبنان وجبال أطلس وجبال شمالي ليبيا، وعندما تضطر الرياح لعبورها والانحدار على جوانبها نحو الوديان والسهول المجاورة. وتلعب التضاريس دورًا رئيسيًّا كذلك في توزيع الأمطار التي تسقط أغلبها على المنحدرات المواجهة لهبوب الرياح الرطبة، بينما تقل أو تنعدم على المنحدرات والمناطق التي تقع في الجانب الآخر أي في "ظل المطر" ولهذا فإن السلاسل الجبلية تعتبر من أهم الحواجز المناخية، وتظهر أهميتها بصفة خاصة في المناطق التي تمتد جبالها موازية للساحل، والتي تهب رياحها السائدة من ناحية البحر في مواجهة الجبال، كما هي الحال على المنحدرات البحرية لجبال أطلس وجبال برقة وجبال لبنان، وهي تعتبر من أكثر أجزاء البلاد العربية مطرًا، وتوجد في العالم العربي كذلك بعض المناطق الجبلية البعيدة عن البحر المتوسط، ومن أهمها الجبال الممتدة على جانبي البحر الأحمر ومرتفعات اليمن وعمان وشمالي العراق وجنوبي السودان وغربيه، ولكل منها ظروفها الخاصة ومناخها الخاص الذي يميزها عن المناطق المنخفضة التي حولها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 13- 3- الضغوط الجوية الرئيسية المؤثرة على مناخ العالم العربي : إن الضغط الجوي وما يطرأ عليه من تغيرات فصلية أو شهرية أو خلال فترات أطول من ذلك أو أقصر هو في الواقع العامل الأساسي الذي يتحكم في الدورات الهوائية وما يصاحبها من مظاهر جوية مختلفة، ولهذا فلا بد لنا من تحديد أهم مناطق الضغط الجوي التي لها أدوار مهمة في مناخ العالم العربي وما يطرأ عليها من تغير على مدار السنة، تبعًا لتغير الأحوال الحرارية التي تترتب على حركة الشمس الظاهرية من جهة وعلى توزيع الماء واليابس من جهة أخرى. ففي فصل الصيف "يوليو" تكون أهم الضغوط المؤثرة في مناخ العالم العربي كما يأتي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 1- الضغط المنخفض الاستوائي، الذي يتزحزح نحو الشمال ليغطي كل شمالي إفريقيا وغربي آسيا وجنوبها، ويكون له مركزان رئيسيان أحدهما على شمالي السودان ويعرف باسم "منخفض السودان الموسمي" والثاني على باكستان وشمال غربي الهند، ويعرف باسم "منخفض الهند الموسمي". ويلعب هذان المركزان أدوارًا مهمة من الأحوال الجوية والمناخية في كل البلاد العربية تقريبًا، وخصوصًا في المشرق العربي وحوض النيل والصومال. ويلاحظ أن تزحزح الضغط المنخفض الاستوائي "وغيره من نطاقات الضغط العامة" نحو الشمال في هذا الفصل يترتب عليه انتقال الجبهة بين المدارية "أو الاستوائية" ITCZ1 في نفس الاتجاه حتى إنها تكون في منتصف الفصل تقريبًا ممتدة مع دائرة العرض 15 ْشمالًا تقريبًا، ويتبع ذلك حدوث تعديلات جوهرية في الدورة الهوائية العامة، حيث تندفع الرياح التجارية القادمة من جنوبي خط الاستواء نحو الشمال وتتحول إلى جنوبية غربية على شمالي المحيط الهندي والبحر العربي والقرن الإفريقي ونطاق السودان، بل إن بعضها قد يواصل اندفاعه شمالًا إلى جنوبي شبه الجزيرة العربية وجنوبي الصحراء الكبرى. 2- الضغط المنخفض الموسمي الذي يتكون على أواسط آسيا بسبب ارتفاع درجة الحرارة. وهو يلتقي بالضغط المنخفض الاستوائي الذي سبق ذكره ويتكون منهما أعظم نطاق للضغط المنخفض على سطح الكرة الأرضية, وهو الذي يتحكم في مناخ كل النصف الشمالي من العالم القديم في هذا الفصل، وتتكون في نطاقه سلسلة من الجبهات القطبية والمدارية التي تندفع نحوها الرياح من الاتجاهات المختلفة. 3- الضغط المرتفع وراء مدار السرطان "الآزوري" الذي يتزحزح في هذا الفصل نحو الشمال، ويختفي من فوق آسيا وجنوبي أوربا وشمالي.   1 اختصار عبارة Inter Tropical Convergence Zone الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 إفريقيا، بينما يبقى متمركزًا على المحيط الأطلسي حول جزر أزورس، ويمتد منه على الرغم من ذلك ذراع طويل فوق سطح البحر المتوسط والأطراف الشمالية من إفريقية والأطراف الغربية من آسيا. ويحدث التحول من الضغط المنخفض الشتوي على البحر المتوسط إلى الضغط المرتفع الصيفي فوقه تدريجيًّا، ففي أواسط إبريل يكون قد تكون لسان من الضغط الجوي المرتفع على أراضي البحر المتوسط الإفريقية، بينما يظل الضغط منخفضًا على البحر نفسه حتى أواسط شهر مايو، ثم يأخذ في الاختفاء خلال الأيام العشرة الأخيرة منه ليحل محله ضغط مرتفع ممتد من الضغط المرتفع الذي سبق تكونه على شمالي إفريقيا، إلا أن الضغط المرتفع الآزوري لا يتمكن من السيطرة تمامًا على كل حوض البحر المتوسط إلا بعد 25 يونيو، وقد كان لهذا التأخر آثار مناخية مهمة، حيث إن شهر يونيو يكون في معدل حرارته أقرب إلى أشهر الربيع منه إلى أشهر الصيف وأن الجفاف الصيفي الحقيقي لا يبدأ في هذا الشهر بل يتأخر حتى أوائل شهر يوليو1. 4- الضغط المرتفع وراء مدار الجدي، وهو يتزحزح شمالًا في هذا الفصل بحيث يمتد بين خطي عرض 25 ْو30 ْ جنوبًا على الماء واليابس، ويلاحظ أن هذا الفصل يكون شتاء في الجنوب، ولكن نظرًا لصغر مساحة اليابس بالنسبة للماء نطاق الضغط المرتفع يمتد عليهما بشكل نطاق متصل ولكنه يكون أعلى نسبيًّا على أستراليا وجنوبي إفريقيا حيث تكون البرود أشد منها على المحيطات. ومن هذا النطاق تهب الرياح التجارية الجنوبية الشرقية التي تعبر خط الاستواء لتتحول إلى جنوبية غربية، وتصل في هبوبها التي شمالي السودان والصومال وجنوبي شبه الجزيرة العربية وخصوصًا اليمن وتكون رطبة أو جافة على حسب طبيعة المناطق التي تجيء منها أو تمر عليها. وفي فصل الشتاء "يناير" تظل الضغوط الصيفية موجودة، ولكنها تتعرض لتغيرات أساسية كما يأتي:   1 Trewartha The Earth Problem Climlates. Methuen. London. 1966. p. 224 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 شكل رقم "100" الضغط والرياح خلال الشتاء على العالم العربي شكر رقم "101" الضغط والرياح خلال الصيف على العالم العربي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 1- يتزحزح نطاق الضغط المنخفض الاستوائي نحو الجنوب فيقع أغلبه إلى الجنوب من خط الاستواء، وعلى الرغم من أنه يمتد بدون انقطاع على الماء واليابس إلا أن أعمق مراكزه تكون على أستراليا وجنوبي إفريقيا بسبب شدة حرارتهما في هذا الفصل "وهو الصيف الجنوبي" وفي إفريقيا بالذات نلاحظ أن هذا النطاق لا ينتقل بأكمله إلى الجنوب من خط الاستواء، بل ويظل قسم منه واقعًا إلى الشمال منه، ويرجع ذلك إلى اتساع القسم الشمالي من القارة وبقاء درجة حرارته مرتفعة إلى حد ما. وتكون الجبهة الاستوائية ITCZ ممتدة عندئذ حوالي خط عرض 5 ْجنوبًا. 2- الضغط المرتفع وراء مدار السرطان، وهو يتزحزح قليلًا نحو الجنوب، ويتكون منه نطاق متصل على المحيط الأطلسي وكتلة أوراسيا وشمالي الصحراء الكبرى، وتساعد برودة آسيا في هذا الفصل على تكون مرتفع جوي موسمي فوقها، وبالتقاء هذا الضغط بالضغط المرتفع وراء مدار السرطان يتكون منهما معًا أعظم نطاق من الضغط المرتفع في العالم، وهذا النطاق هو الذي يسيطر على مناخ كل أوراسيا ومعظم إفريقيا. 3- الضغط المنخفض الذي يتكون على البحر المتوسط بسبب دفئه بالنسبة لليابس المحيط به، ويكون الامتداد العام لهذا الضغط بين الشمال الغربي والجنوب الشرقي، فيفصل في هذه الحالة بين الضغط المرتفع الآسيوي والضغط المرتفع الآزوري، ويعتبر البحر المتوسط عندئذ ممرًا رئيسيًّا للمنخفضات الجوية1. الضغط المرتفع وراء مدار الجدي، وهو يتزحزح جنوبًا في هذا الفصل حتى يقع في جملته بين خطي عرض 30 ْ و35 ْ جنوبًا، وليس لهذا الضغط تأثير كبير على مناخ العالم العربي في هذا الفصل، إلا أن بعض التيارات الهوائية قد تندفع منه نحو جنوبي الصومال وجنوبي السودان حيث تصلها.   1 Trewartha Ibid P 224 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 بشكل رياح جنوبية غربية، بعد أن كانت جنوبية شرقية قبل عبورها لخط الاستواء. 5- المنخفضات الجوية، ويقصد بها المنخفضات التي تتكون في العروض المعتدلة في نصف السنة الشتوي، وهي المسئولية عن معظم التقلبات الجوية في معظم البلاد العربية في نصف السنة الشتوي، وعلى الرغم من أن هذه المنخفضات تتحرك عادة من الغرب إلى الشرق، وأن خطوط سيرها توجد غالبًا على جنوبي أوروبا وحوض البحر المتوسط فإن تأثير بعضها قد يمتد نحو الجنوب حتى شمال السودان وجنوب شبه الجزيرة العربية، ويعتبر البحر المتوسط نفسه منطقة رئيسية من مناطق نشأة هذه المنخفضات، وإن كان بعضها قد ينشأ على الأراضي المجاورة له أو يغزوه من ناحية الغرب. وقد دل إحصاء المنخفضات الجوية خلال عشر سنوات من 1929 حتى 1939 على أن مجموع ما ظهر منها في الأشهر المبتدئة بأكتوبر والمنتهية بمايو من هذه السنوات بلغ 442 منخفضًا وأن 74 منها نشأ في المنطقة الواقعة بين تونس وإيطاليا بينما نشأ 30 منها جنوب جبال أطلس، وقد لوحظ أن المنخفضات التي تنشأ إلى الجنوب من جبال أطلس تنشأ غالبًا في الربيع بل وينشأ بعضها في فصل الصيف1.   1 Trewartha Ibid 229. 30 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 13- 4- الدورات الهوائية والرياح المترتبة على الضغوط الجوية : في ضوء الدراسة السابقة للضغوط الجوية, وتوزيع مناطقها وما يطرأ عليها من تغير بين الصيف والشتاء يمكننا أن نرسم صورة عامة لنظام الرياح السائدة على مختلف أجزاء العالم العربي فيما يلي: من الطبيعي أن تكون الرياح التجارية التي تهب من الاتجاهات الشمالية عمومًا هي أوسع أنواع الرياح العامة انتشارًا في العالم العربي بسبب وقوع القسم الأكبر منه في نطاقها، وهي في جملتها رياح منتظمة ذات تأثير ملطف وخصوصًا في الصيف، إلا أن تزحزح الجبهة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 الاستوائية ITCZ نحو الشمال في هذا الصيف ونحو الجنوب في فصل الشتاء يترتب عليه تغير في موقع الحد الجنوبي للنطاق الذي تسوده هذه الرياح من فصل إلى آخر. ففي فصل الصيف تكون الجبهة الاستوائية ممتدة على شمال إفريقيا وغربي آسيا مع خط عرض 15ْ شمالًا تقريبًا، ويكون هذا الخط هو الحد الجنوبي لنطاق الرياح التجارية والحد الشمالي لنطاق الرياح الموسمية الجنوبية الغربية التي كانت في الأصل تجارية جنوبية شرقية ثم انحرفت بعد عبورها لخط الاستواء أما في فصل الشتاء فيتغير الوضع حيث تأخذ الجبهة ITCZ في التزحزح تدريجيًّا نحو الجنوب حتى تصل إلى الجنوب من خط الاستواء، وهكذا فإن الحد الجنوبي لنطاق الرياح التجارية يتمشى في هذا الفصل مع خط الاستواء تقريبًا، بينما يتزحزح الضغط المرتفع الآزوري في نفس الاتجاه, ويمتد على شمال إفريقيا وغربي آسيا كما سبق أن بينا، ونتيجة لهذا يدخل شمال الوطن العربي "حتى خط عرض 29ْ شمالًا تقريبًا" في منطقة الانتقال بين الرياح الغربية والرياح التجارية ويكون معرضًا للتقلبات التي يسببها النشاط الإعصاري على البحر المتوسط الذي يكون عندئذ مركزًا لضغط منخفض. ولذلك فإن اتجاهات الرياح تكون متقلبة. وبناء على التوزيع السابق للضغط الجوي والرياح يمكننا أن نقسم العالم العربي على أساس اتجاهات الرياح السائدة إلى ثلاثة نطاقات هي: 1- النطاق الواقع شمالي خط عرض 29ْ شمالًا، وهو الخط الذي تقع عليه مدينة الكويت ويمر إلى الشمال من حائل وتبوك في المملكة العربية السعودية وبمدينة بني سويف على نهر النيل وواحة سيوة بصحراء مصر العربية وواحات جغبوب وجالو وغدامس في شمال ليبيا. ففي كل المناطق الواقعة شمال هذا الخط تكون الرياح التجارية سائدة في فصل الصيف، ويتوقف اتجاهها على موقع المنطقة بالنسبة لمركز الضغط الآزوري في الشمال وللمنخفضات الواقعة على امتداد الجبهة الاستوائية ITCZ في الجنوب، وأهمها منخفض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 السودان الموسمي ومنخفض الهند الموسمي، إلا أن أغلبها يكون شماليًّا غربيًّا أو شماليًّا، ففي مدينة الإسكندرية مثلًا تكون النسبة المئوية للرياح الشمالية الغربية في شهر يوليو 52% والنسبة المئوية للرياح الشمالية 29% بينما لا تكاد تهب رياح تذكر من الاتجاهات الجنوبية "راجع جدول 38". أما في فصل الشتاء فتكون الرياح في هذا النطاق متقلبة الاتجاه وتكون موزعة على جميع الاتجاهات بنسب متقاربة مع ميل إلى زيادة نسب مرات الهبوب من الاتجاهات الشمالية والغربية، ويرجع ذلك إلى أن هذا النطاق يقع في المنطقة الانتقالية بين النطاق الذي تسوده الرياح التجارية في الجنوب والنطاق الذي تسوده الرياح الغربية "العكسية" في الشمال، وإلى أنه يتعرض في هذا الفصل لغزو كثير من المنخفضات الجوية التي تعبره من ناحية الغرب، والتي تؤدي إلى تقلبات كثيرة في اتجاهات الرياح. 2- النطاق المحصور بين خطي عرض 29ْ و18ْ شمالًا تقريبًا، وهو يضم معظم النطاق الصحراوي المداري من الوطن العربي من الخليج العربي في الشرق حتى ساحل المحيط الأطلسي في الغرب، وفيه تسود الرياح التجارية التي تهب من الاتجاهات الشمالية بصفة دائمة تقريبًا ومعظمها يهب من الشمال والشمال الشرقي، فإذا راجعنا اتجاهات الرياح في وادي حلفا مثلًا "الجدول 38" نجد أن 32% منها اتجاهها شمالي، و9% اتجاهها شمالي غربي كما نجد أن نسب مرات السكون في نفس الشهر مرتفعة جدًّا حيث تصل إلى 45%، ولا يتغير الوضع كثيرًا في شهر يوليو عنه في شهر يناير حيث تظل الرياح التجارية هي السائدة، إلا أن التغيرات التي تطرأ على توزيع مناطق الضغط الجوي الرئيسية في الصيف تؤدي إلى زيادة مرات هبوب الرياح الشمالية الغربية والغربية على حساب الرياح الشمالية والشمالية الشرقية، كما أن تزحزح الجبهة الاستوائية ITCZ نحو الشمال في هذا الفصل يؤدي إلى وصول بعض الرياح الجنوبية الغربية إلى الأجزاء الجنوبية من هذا النطاق في بعض الأحيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 جدول "38" النسبة المئوية لاتجاهات الرياح على بعض بلاد مصر والسودان في شهري يناير ويوليو النطاق الواقع إلى الجنوب من خط عرض 18ْ شمالًا حتى خط الاستواء، وهو نطاق يتميز بنظامه الموسمي الذي يسببه انتقال الجبهة الاستوائية ITCZ نحو الشمال في الصيف ونحو الجنوب في الشتاء، ولهذا فإن الرياح الشتوية تهب كلها تقريبًا من الاتجاهات الشمالية، أما الرياح الصيفية فيهب أغلبها من الاتجاهات الجنوبية، ففي مدينة الخرطوم مثلًا نجد أن 56% من رياح شهر يناير تهب من الشمال و20% منها تهب من الشمال الشرقي و13% من الشمال الغربي، بينما نجد في شهر يوليو أن 36% من الرياح تهب من الجنوب الغربي و31% من الجنوب و9% من الغرب، بينما يندر هبوبها من الاتجاهات الشمالية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 13- 5- الرياح المحلية والزوابع الترابية : لا يمكننا أن نترك موضوع الرياح في العالم العربي دون أن نشير إلى الرياح المحلية ذات الصفات الخاصة، والتي تسببها عادة تغيرات عارضة في الضغط الجوي، ومن أهمها المنخفضات الجوي التي سبقت الإشارة إليها، أو نشير إلى الزوابع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 الترابية التي تشتهر بها معظم البلاد الواقعة في قلب الصحاري أو على أطرافها، والتي لا يكاد يخلو منها بلد عربي تقريبًا. ففي العالم العربي تتمثل كل أنواع الرياح المحلية سواء في ذلك الرياح اليومية التي تشتمل على نسيمي البر والبحر ونسيمي الجبل والوادي، أو الرياح التي تسببها تغيرات في الضغط الجوي وأهمها رياح الخماسين في شمال مصر ورياح القبلي في شمال ليبيا والسموم في المغرب العربي وشبه الجزيرة العربية، وكلها رياح صحراوية حارة تهب في مقدمة المنخفضات الجوية الربيعية، وكثيرًا ما تكون محملة بالأتربة والرمال الناعمة، وهي المسئولة غالبًا عن الموجات الحرارية الشاذة التي تسجل في أثنائها أعلى النهايات الحرارية العظمى. وتظهر في العالم العربي كذلك رياح جبلية من نوع "الفهن" التي تشتهر بها المنحدرات الشمالية لجبال الألب والتي تكتسب حرارتها نتيجة لانضغاطها عند هبوطها على جوانب الجبال، ولهذا فإن ظهورها يقتصر على الأقاليم الجبلية في المغرب العربي وشمالي ليبيا وجبال سوريا ولبنان وشمالي العراق، وفي هذه المناطق يظهر كذلك نسيما الجبل والوادي، ولكن ظهورها يكون عادة مقصورًا على الأيام التي لا تسودها رياح قوية. وفي كل البلاد الساحلية في العالم العربي يظهر نسيما البر والبحر واضحين، وخصوصًا في فصل الصيف، ويستفيد صيادو السمك في المياه الساحلية بهذه الظاهرة، حيث تبدأ زوارقهم في التحرك نحو داخل البحر عندما يبدأ نسيم البر بعد الغروب ثم تبدأ رحلة العودة إلى البر في الصباح مع بدء نسيم البحر. أما الزوابع الترابية والرملية فهي من الظاهرات المألوفة في كل البلاد العربية تقريبًا، ومع ذلك فإن ظهورها نادر في بعض المناطق التي تتميز بكثرة أمطارها وكثافة غطائها النباتي الطبيعي أو الزراعي وبعدها عن مناطق الرمال والأتربة المفككة، ومن أمثلها سهول جنوب السودان ودلتا نهر النيل، وتكثر هذه الزوابع بصفة خاصة في البلاد الواقعة على أطراف الصحاري، عندما ينقطع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 المطر ويزول الغطاء النباتي الذي يكسو التربة، ويختلف موسمها في البلاد المتأثرة بمناخ البحر المتوسط عنه في البلاد المتأثرة بالمناخ المداري الممطر صيفًا، ففي البلاد الأولى تكثر الزوابع الترابية عادة في أواخر الربيع وأوائل الصيف وأواسطه، وقد يمتد موسمها حتى بداية الخريف، أما في البلاد الثانية مثل سهول وسط السودان وشماله فإنها تكثر بصفة خاصة في الربيع وأوائل الصيف. وتتوقف شدة الزوابع الترابية والرملية على عدة عوامل أهمها: 1- كثرة الأتربة أو الرمال الناعمة المفككة على سطح الأرض وانتشارها في مساحات واسعة. 2- جفاف الجو، حيث إن هذا الجفاف يساعد على تفكك الرمال والأتربة. 3- نشاط التيارات الهوائية الصاعدة مما يؤدي إلى ارتفاع الأتربة والرمال الناعمة. 4- هبوب الرياح سطحية تحمل معها الأتربة والرمال الصاعدة، وتحدث العمليتان الأخيرتان عادة عندما تمر جبهة هوائية باردة على أرض دافئة، ففي هذه الحالة تسخن الأجزاء السفلى من الهواء البارد وترتفع بشكل تيارات صاعدة تحمل معها الأتربة والرمال الناعمة التي تدفعها الرياح أمامها. ومن الزوابع الترابية ذات الصفات المميزة في الوطن العربي تلك الزوابع التي تشتهر بها السهول الوسطى والشمالية للسودان والتي تعرف محليًّا باسم "الهبوب haboob" وهي تظهر بصفة خاصة في أواخر الربيع وأوائل الصيف، حيث يكون الجو عندئذ حارًا جافًّا وتكون التربة مفككة وخالية من الحشائش، ويتقدم الهبوب عادة بشكل جبهة متصلة يسهل تمييزها عن بعد، وقد يستطيع المراقب في بعض الأحيان أن يلاحظ مولد الهبوب وتجمعه في منطقة نشأته، وعندما يمر الهبوب على أي مكان فإنه يؤدي إلى انخفاض مدى الرؤية عند سطح الأرض إلى الصفر، كما يؤدي إلى ترسيب طبقة سميكة من الغبار الناعم على كل ما يقع في طريقه، وكثيرًا ما يعقب مروره سقوط بعض الأمطار مما يساعد على تنظيف الجو من الغبار، ويكثر حدوث الهبوب بصفة خاصة في منطقة الخرطوم ومنطقتي توكر وكسلا في شمال شرقي السودان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 أنواع الهواء "الكتل الهوائية" مدخل ... 13- 6- أنواع الهواء "الكتل الهوائية": إن الموقع الجغرافي للعالم العربي يعرضه لتأثير كل أنواع الهواء المعروفة تقريبًا، ولكن أكثر الأنواع انتشارًا وتأثيرًا هي الأنواع الآتية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 1- الهواء المداري القاري "ct" : وهو أهم الأنواع وأعظمها تأثيرًا، ويرجع ذلك إلى وقوع العالم العربي في العروض المدارية والمعتدلة الدافئة، وإلى طبيعة أرضه وموقعه القاري، ويكاد هذا النوع يكون هو نوع الهواء الوحيد الذي يسيطر في فصل الصيف على مناخ معظم البلاد العربية الواقعة إلى الشمال من خط عرض 15ْ شمالًا، بل إن هذا العالم يعتبر من أهم مناطق نشأة هذا الهواء، ولكنه كثيرًا ما يصل إليه كذلك من الأقاليم القارية الواقعة في شماله أو في شماله الشرقي، حيث يصل عادة بشكل رياح شمالية أو شمالية شرقية ذات تأثير ملطف على حرارة فصل الصيف، إلا أن صفاته تتباين بعض الشيء من مكان إلى آخر على حسب طبيعة السطح الذي يمر فوقه، فإذا كن مروره على مسطحات مائية فإنه يكتسب بعض الرطوبة في أجزائه السفلى بينما تظل قطاعاته العليا جافة، وكثيرًا ما يؤدي هذا الهواء إلى تكون الضباب أو الشابورة على بعض السواحل في ساعات الصباح، ولكن على الرغم من أن الرطوبة النسبية لمثل هذا الهواء تصل أحيانًا إلى مائة في المائة فإنها لا تؤدي عادة إلى تكون سحب كثيفة؛ لأن الطبقة الهوائية الرطبة تكون عادة رقيقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 الهواء المدارى البحري "mt": وأهم مصادره هي المحيطان الأطلسي والهندي، فالمحيط الأطلسي هو مصدر الهواء الذي تحمله الرياح الغربية إلى المغرب الغربي وشمال ليبيا وشمال مصر، كما أنه هو مصدر الهواء الرطب الذي يصل إلى أواسط السودان وشماله في فصل الصيف وإلى أجزائه الجنوبية في معظم شهور السنة، وهو مصدر الأمطار التي تسقط على كل هذه المناطق، كما أن بعض هذا الهواء يعبر هضبة الحبشة والبحر الأحمر في فصل الصيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 الهواء القطبي القاري "cp" : ومصدره المعتاد هو السهول الشمالية لأوروبا وآسيا، ويرتبط وصوله إلى الأجزاء المختلفة للوطن العربي بمرور المنخفضات الجوية التي تتكون على حوض البحر المتوسط أو على جنوبي أوروبا أو شمالي إفريقيا، ولهذا فإن كثرة وصوله وشدة تأثيره تتوقفان على كثرة هذه المنخفضات وعلى طبيعتها من حيث العمق وشدة انحدار الضغط الجوي نحو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 مركزها. كما أن طبيعة هذا الهواء تختلف من فصل إلى آخر، فالهواء الذي يصل في فصل الشتاء يكون عادة شديد البرودة، فيؤدي إلى حدوث موجات باردة غير عادية، وقد تنخفض درجة الحرارة عند وصوله إلى ما دون درجة التجمد حتى في الأجزاء الوسطى والشمالية من شبه الجزيرة العربية، وفي جنوب العراق وشمالي الخليج العربي، وقد تصحبه في بعض الأحيان عواصف ثلجية مدمرة في البلاد الشمالية من المشرق العربي وخصوصًا في سوريا ولبنان، أما في البلاد الواقعة إلى الجنوب من البحر المتوسط فإن موجات البرد التي يجلبها هذا الهواء تكون أقل قسوة منها في البلاد الواقعة إلى الشرق منه؛ لأن مروره على مياه البحر المتوسط الدافئة نسبيًّا يساعد على تخفيف حدة برودته، وعلى زيادة نسبة الرطوبة في قطاعاته السفلى بدرجة تجعله شبيهًا بالهواء القطبي البحري، ولهذا فإنه يؤدي إلى تكوين الضباب والسحب المنخفضة، وقد يؤدي إلى سقوط الأمطار. وتتوقف المدة التي يستمر فيها غزو الهواء القطبي لأي مكان على مدة بقاء المنخفض الجوي الذي أدى إلى وصوله متمركزًا في مكانه، فعلى الرغم من أن معظم المنخفضات الجوية تواصل تحركها من الغرب إلى الشرق فإن بعضها قد يتوقف في مكان واحد لبضعة أيام، وتعتبر جزيرة قبرص من أشهر المراكز التي تتوقف عندها المنخفضات الجوية في بعض الأحيان لبضعة أيام، فيؤدي هذا إلى استمرار الاضطرابات الجوية المرتبطة بها طول مدة توقفها، وتختلف هذه الاضطرابات من مكان إلى آخر على حسب موقع كل مكان منها بالنسبة لمركز المنخفض الجوي، وقد يؤدي تمركز أحد المخفضات النشطة على هذه الجزيرة لعدة أيام إلى اندفاع الهواء القطبي في مؤخرتها نحو الجنوب حتى أواسط السودان وأواسط شبه الجزيرة العربية حيث يحمل إليها موجات من البرد الشديد. والهواء القطبي القاري هو أحد العوامل المهمة التي تؤدي إلى حدوث الزوابع الترابية والرملية في أشهر الربيع وأوائل الصيف في المناطق الصحراوية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 المناطق الواقعة على أطرافها إذ إن سخونة سطح هذه المناطق تؤدي إلى حدوث حالة عدم استقرار في الأجزاء السفلى من الهواء مما يساعد على نشاط التيارات الصاعدة التي تحمل الأتربة والرمال الناعمة إلى أعلى، ويساعدها على ذلك أن سطح الأرض عندئذ جافًّا وفقيرًا حياته النباتية وتكون الرمال والأتربة مفككة وسهلة الحركة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 الهواء القطبي البحري "mp" : يصل هذا النوع من الهواء إلى الوطن العربي من المحيط الأطلسي الشمالي، وكما هي الحال بالنسبة للنوع القطبي القاري فإن وصوله يرتبط بنشاط المنخفضات الجوية في حوض البحر المتوسط والمناطق المحيطة به، وباستثناء البلاد المغربية والموريتانية التي قد يصلها هذا الهواء من شمالي المحيط الأطلسي مباشرة فإن وصوله إلى بقية الوطن العربي يكون عن طريق أوروبا والبحر المتوسط، ولهذا فإن صفاته تكون معدلة بعض الشيء، ولكنه يظل مع ذلك محتفظًا بمعظم صفاته الرئيسية من حيث شدة البرودة وارتفاع نسبة الرطوبة، ويصل هذا الهواء عادة عند مرور الجبهة الباردة أو بعد مرورها مباشرة. وهو المسئول عن تكون السحب وسقوط الأمطار التي تتميز بها هذه المرحلة من مراحل المنخفضات الجوية، حيث إن مرورها على سطح مياه البحر المتوسط الدافئة يساعد على زيادة رطوبته وعلى خلق حالة عدم استقرار بها، والموسم الرئيسي لوصول هذا الهواء هو فصل الشتاء وأوائل الخريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 الأحوال الحرارية في العالم العربي مدخل ... 13- 7- الأحوال الحرارية في العالم العربي: راجع إحصاءات الحرارة والمطر لبعض محطات الدول العربية في الملحق رقم 4. إن تعدد العوامل التي تتحكم في درجة الحرارة وتباين أهمية الدور الذي يلعبه كل عامل منها في الأماكن المختلفة قد خلق في العالم العربي نماذج حرارية مختلفة، على حسب الظروف المحلية بكل مكان، وأن امتداد هذا العالم من خط عرض 2 ْجنوب خط الاستواء تقريبًا إلى خط عرض 37 ْشماله يعني أنه يمتد عبر حوالي 39 درجة عرضية، وأن بعض أجزائه يقع في العروض الحارة بينما يقع بعضها الآخر في العروض المعتدلة، وقد ترتب على هذا وجود فروق حرارية كبيرة بين أطرافه الشمالية من ناحية وأطرافه الجنوبية من ناحية أخرى. فبينما نجد مثلًا أن المعدل الحراري السنوي في مدينة بربرة الصومالية على خليج عدن يزيد على 30 ْم فإننا نجد أنه لا يزيد على 15 ْفي مدينة حلب بشمالي سوريا، وبينما يرتفع معدل شهر يوليو في بربرة إلى 37 ْفإنه يبلغ 29 ْفي حلب، وبينما لا ينخفض معدل شهر يناير في بربرة عن 24ْ ْفإنه ينخفض إلى 6 ْفي حلب، ومن هذا يظهر أن الفرق الحراري بين هاتين المدينتين يكون صغيرًا في الصيف حيث يبلغ 8 درجات فقط بينما يكون كبيرًا في الشتاء حيث يصل إلى 18 درجة، ومعنى هذا أن كل البلاد العربية تقريبًا، ما عدا البلاد الجبلية والبلاد الواقعة على سواحل البحر المتوسط، تكون حارة في الصيف ولا توجد فروق كبيرة بين بعضها وبعض، أما في الشتاء فإن الأطراف الشمالية وخصوصًا الجبلية منها تكون شديدة البرودة، بينما تظل الأطراف الجنوبية دافئة، وهذا يعني أن أهم الاختلافات الحرارية بين شمالي العالم العربي وجنوبيه ترجع بصفه خاصة إلى شدة برودة الشتاء في الشمال أكثر من رجوعها إلى شدة حرارة الصيف في الجنوب، وذلك لأن الحرارة الشديدة تكون عامة في كل البلاد العربية. وترجع شدة حرارة الصيف عمومًا إلى صفاء الجو وطول ساعات سطوع الشمس وكبر زاوية سقوط الأشعة، وجفاف التربة بسبب جفاف الهواء وانعدام الأمطار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 شكل رقم "102" خطوط الحرارة المتساوية في شهر يناير في العالم العربي شكل رقم "103" خطوط الحرارة المتساوية في شهر يوليو في العالم العربي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 تقريبًا وقلة مظاهر التكثف الأخرى وخصوصًا الندى، بحيث لا تحد التربة أي مصدر يعوضها عما تفتقده من مياه بالتبخر. ولهذا فإن سطح الأرض نفسه يسخن بسرعة في أثناء النهار حتى ترتفع درجة حرارته في الأماكن المكشوفة إلى أكثر من 40 ْم، بل وكثيرًا ما تصل درجة حرارة سطح رمال الصحراء في أواسط النهار إلى 70 ْم أو أكثر، ومما يذكر أن سخونة الرمال بهذا الشكل مع سكون الهواء يترتب عليهما انطلاق الإشعاعات الحرارية بكثرة من سطح الرمال إلى الجو فيؤدي ذلك إلى ظهور "السراب" الذي تشتهر به الصحاري الحارة عمومًا. وباستثناء المناطق الممطرة صيفًا مثل جنوب السودان ووسطه فإن أشد الشهور حرارة في كل أجزاء العالم العربي الأخرى هي شهرا يوليو وأغسطس، أما في المناطق الممطرة صيفًا فإن معدلات هذين الشهرين تكون قليلة الارتفاع نوعًا ما بسبب كثرة السحب والأمطار بالنسبة للأشهر الجافة التي تسبقها أو التي تعقبها مباشرة، ففي هذه المناطق تكون الحرارة عادة قمتان إحداهما قبل موسم المطر مباشرة والثانية بعدها مباشرة، وتكون القمة الأولى غالبًا أوضح من القمة الثانية، في مدينة الخرطوم مثلًا تكون أشد أيام السنة حرارة هي الأيام الواقعة بين منتصف مايو ومنتصف يونيو، وتليها الأيام الواقعة بين منتصف سبتمبر ومنتصف أكتوبر. والسبب في ارتفاع القمة الأولى عن القمة الثانية هو أن موسم المطر ينتهي بشكل تدريجي وتظل التربة محتفظة ببعض رطوبتها وبكثير من غطائها النباتي لمدة أسبوعين أو ثلاثة بعد انتهاء موسم المطر، فهذه العوامل كلها تساعد على تخفيف قسوة القمة الثانية نوعًا ما عن القمة الأولى التي تأتي في وقت تكون فيه التربة قي أشد حالات جفافها، وفي أشد حالات فقرها في الغطاء النباتي، ولكن ما إن تبدأ الأمطار في السقوط حتى تتبلل التربة وتبدأ الحشائش في النمو فتنخفض درجة الحرارة بشكل ملحوظ. ونظرًا لأن طول فصل المطر يزداد كلما اتجهنا جنوبًا فإن قمتي المنحنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 الحراري تتباعدان تبعًا لذلك. ففي بلدة المالاكال التي تقع إلى الجنوب من الخرطوم بنحو 6 درجات عرضية تظهر القمة الحرارية الأولى قبل نظيرتها في الخرطوم بحوالي ثلاثين يومًا، كما تظهر القمة الثانية بعد نظيرتها في الخرطوم بنفس المدة تقريبًا، إلا أن القمة الثانية في الماكال لا تكون واضحة بدرجة وضوحها في الخرطوم بسبب كثرة المطر وزيادة رطوبة التربة وكثافة الغطاء النباتي ووجود كثير من المسطحات المائية، وتلعب التضاريس دورًا مهمًّا في توزيع الحرارة، ولا يقتصر أثرها على التناقص الذي يحدث عادة بالارتفاع، بل إن هذا الأثر يظهر كذلك بأشكال أخرى من بينها التأثير الذي يحدثه نسيم الجبل ونسيم الوادي، والتأثير الذي يحدث انضغاط الهواء عند هبوطه على جوانب الجبال أو ارتفاعه عليها حيث يسخن في الحالة الأولى لانضغاطه، كما هي الحال بالنسبة لرياح الفهن المشهورة، بينما يبرد في الحالة الثانية نتيجة لتخلخله عند اندفاعه إلى أعلى. وتحدث ظاهرة "الفهن" في معظم المناطق الجبلية في الوطن العربي مثل المنحدرات الشمالية لجبال طرابلس في ليبيا، فعندما تهبط الرياح الصحراوية على هذه المنحدرات في بعض أيام الربيع ترتفع درجة الحرارة في السهول المجاورة لها إلى أكثر من 50 ْم. وقد سجلت في هذه السهول بالفعل درجات حرارية لا تعادلها في الارتفاع إلا الدرجات التي سجلت في وادي الموت بكاليفورنيا، وقد وصلت درجة الحرارة في بلدة العزيزية الواقعة في سهل الجفارة إلى الشمال من حافة جبال طرابلس بليبيا في أحد الأيام إلى 56 ْم، وتتكرر نفس الظاهرة تقريبًا في المناطق الجبلية الأخرى وأهمها جبال أطلس وجبال لبنان. وتلعب الأودية التي تقطع الجبال دورًا مهمًا في توجيه الرياح، التي تؤثر بدورها تأثيرًا واضحًا على درجة الحرارة، كما أن اتجاه المنحدرات الأودية له علاقة مباشرة بتوزيع الإشعاع الشمسي سواء على امتداد ساعات النهار أو على امتداد أشهر السنة.   1 عبد العزيز طريح شرف "1962" جغرافية ليبيا – الإسكندرية ص611. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 أولًا- فصل الصيف : في الفصل تشتد الحرارة في معظم البلاد العربية، ما عدا المناطق الساحلية حول البحر المتوسط، ومناطق الجبال المرتفعة، وعلى أساس شدة الحرارة يمكننا أن نقسم العالم العربي إلى ثلاثة أقسام هي: 1- مناطق الصيف القائظ، وفيها تزيد معدلات شهرين على الأقل من أشهر الصيف على 32 ْم "90 ْف" وقد تصل إلى 37 ْأو أكثر، وفي أمثلتها البلاد الواقعة في قلب الصحراء الكبرى مثل بلدة عين صالح في الجزائر، وبعض بلاد وسط وشمال السودان مثل مدينة بور سودان والمناطق الصحراوية والسهلية في شبه الجزيرة العربية بما في ذلك إمارات الخليج العربي، وتمثلها معدلات الكويت والظهران. 2- مناطق الصيف الحار، وفيها تتراوح معدلات أشهر هذا الفصل بين 27 ْو32 ْم، وتضم المناطق الواقعة إلى الجنوب من الصحاري الحارة، وفيها تسقط الأمطار صيفًا فتلطف نوعًا ما من شدة الحرارة، كما هي الحال في سهول وسط وجنوب السودان واليمن والبلاد المحيطة بخليج عدن وتمثلها معدلات مدن الأبيض وجوبا والخرطوم وصنعاء وبربرة بالصومال. 3- مناطق الصيف المعتدل، وفيها لا تزيد معدلات أشهر الصيف عادة عن 27 ْم، وتشمل كل المناطق المحيطة بالبحر المتوسط، ومرتفعات العراق والمرتفعات المحيطة بالبحر الأحمر، وفي هذه المناطق توجد المنتجعات الصيفية المشهورة في العالم العربي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 ثانيًا: فصل الشتاء : هذا الفصل الدافئ نسبيًّا في أغلب أجزاء العالم العربي، ولا يستثنى من ذلك إلا الأجزاء الشمالية من المشرق العربي، وخصوصًا المناطق الجبلية التي تشتد البرودة في بعضها بدرجات تتناسب مع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 شكل "104" معدل المدى الحراري اليومي في العالم العربي شكل "105" معدل النباتات العظمى للحرارة في العالم العربي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 وارتفاعاتها، فباستثناء هذه المناطق، فإن المعدلات الحرارية الشهرية الشتوية لا تنخفض في معظم الأجزاء الشمالية من العالم العربي عن 5ْ مئوية، وأبرد الشهور عادة هو شهر يناير الذي يبلغ معدله في حلب 5.5ْم وفي دمشق 6.6ْ وفي الموصل 6.6ْ، أما على الجبال المرتفعة مثل بعض جبال لبنان وبعض جبال أطلس فقد تنخفض المعدلات إلى ما دون درجة التجمد فتتغطى هذه الجبال بالثلوج خلال شهر أو أكثر من أشهر الشتاء. أما في باقي أجزاء العالم العربي بما في ذلك السواحل المشرفة على البحر المتوسط نفسه فإن الحرارة تكون عادة معتدلة في هذا الفصل، بل إن كل المناطق الواقعة إلى الجنوب من مدار السرطان تقريبًا تكون دافئة أو مائلة للحرارة، كما هي الحال في جنوب السودان والصومال واليمن الجنوبية، حيث لا تنخفض المعدلات الشهرية فيها جميعًا عن 24ْم، كما يتضح من أرقام محطات واو وجوبا والمالاكال في السودان، وأرقام بربرة ومقديشيو وجيبوتي وعدن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 ثالثًا- الفصلان الانتقاليان "الربيع والخريف" : يلاحظ أن الانتقال بين الصيف والشتاء يحدث في بعض المناطق بصورة سريعة بينما يحدث في بعضها الآخر بشكل تدريجي، ويكون الانتقال سريعًا بصفة خاصة في المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية، وفي المناطق الواقعة على أطراف الضغوط الموسمية الكبرى، وأهمها الضغط المرتفع الذي يتكون على آسيا في الشتاء، والضغط المنخفض الذي يتكون عليها وعلى كل شمال إفريقيا في الصيف، وتعتبر العراق وإمارات الخليج العربي وشمالي المملكة العربية السعودية ووسطها من أوضح الأمثلة على ذلك، ويبدو هذا واضحًا بمجرد النظر إلى المنحنيات الحرارية لبعض محطاتها مثل محطات الكويت والبصرة، ويرجع هذا الانتقال السريع إلى أن الضغط المرتفع يأخذ في الارتفاع بسرعة على آسيا بعد انتهاء فصل الصيف بوقت قصير، وإلى أن الضغط المنخفض على نفس القارة وامتداده على شمال إفريقيا يأخذان كذلك في التعمق بسرعة بمجرد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 شكل "106" مواسم سقوط المطر في العالم العربي انتهاء فصل الشتاء، وهكذا فإن التيارات الهوائية الباردة سرعان ما تخرج من آسيا نحو العراق والخليج العربي بعد انتهاء فصل الصيف بوقت قصير، كما تبدأ التيارات الصحراوية الحارة في الوصول إليها في أثناء تحركها نحو الضغط المنخفض على آسيا بمجرد انتهاء فصل الشتاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 رابعًا: المدى الحراري والطبيعة القارية للمناخ : تتميز معظم أقاليم الوطن العربي بارتفاع المدى الحراري، سواء في ذلك المدى اليومي أو المدى الفصلي بسبب الطبيعة القارية للمناخ، ولكن هذا الحكم العام لا ينطبق على معظم المناطق الساحلية أو المناطق التي يسقط مطرها طول العام أو في معظم الأشهر مثل سهول وهضاب جنوب السودان. ففي هذه المنطقة بالذات يكون المدى الحراري الفصلي أقل منه في أي منطقة أخرى من العالم العربي بسبب كثرة الأمطار وطول فصل سقوطها وكثافة الحياة النباتية وكثرة المستنقعات والبحيرات والمجاري المائية, وهو يتراوح هنا بين 4 و6 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 درجات مئوية فقط، كما يتضح من أرقام محطات جوبا وواو والمالاكال وغيرها من محطات جنوبي السودان، أما في البلاد الساحلية فإن المدى الفصلي يرتفع عن ذلك كثيرًا ولكنه يظل أقل بكثير منه في المناطق القارية، فهو يتراوح في معظم البلاد الساحلية بين 10 و15 درجة، أما في المناطق البعيدة عن المؤثرات البحرية فقد يرتفع إلى 25ْ، ويكون هذا المدى مرتفعًا بصفة خاصة في سوريا والأردن وشمالي العراق، ويرجع ذلك إلى اشتداد برودة الشتاء في هذه المناطق أكثر من رجوعه إلى اشتداد حرارة الصيف, والسبب في ذلك هو أن هذه المناطق تكون في هذا الفصل خاضعة لنفوذ الضغط الآسيوي والكتل القطبية القارية التي تنشأ في نطاقه والتي يصل هواؤها في كثير من الأحيان إلى هذه المناطق فيؤدي إلى هبوط الحرارة إلى درجة التجمد، ففي شمالي العراق، ووسطه مثلًا نجد أن المدى الحراري الفصلي يبلغ 26 درجة في الموصل و24 درجة في بغداد، كما يبلغ في حلب بشمال سوريا 23 درجة. وعلى الرغم من أن المدى الحراري الفصلي يكون على السواحل منخفضًا بالنسبة للداخل فإن الظروف المحلية لبعض المناطق الساحلية تؤدي إلى ارتفاع هذا المدى, وينطبق هذا بصفة خاصة على السواحل الصحراوية أو شبه الصحراوية التي تسودها المؤثرات الصحراوية في فصل من الفصول بينما تسودها المؤثرات البحرية في فصل آخر، وكذلك السواحل التي تخضع في الشتاء لنفوذ الضغط المرتفع الآسيوي الذي يؤدي إلى كثرة وصول الهواء القطبي القاري بينما تخضع في الصيف للنفوذ الصحراوي بهوائه القاري الحار. ومثال ذلك سواحل شبه الجزيرة العربية المشرفة على الخليج العربي، وخصوصًا في أجزائها الشمالية مثل سواحل الكويت، حيث نجد أن المدى الحراري الفصلي يرتفع هنا إلى حوالي 23.5 درجة مئوية، أي أنه لا يختلف في هذه الناحية عنه في قلب الصحراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 خامسًا: الموجات الباردة والموجات الحارة غير العادية : تتعرض البلاد الغربية الواقعة حول البحر المتوسط أو المتأثرة بمناخه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 وخصوصًا في غربي آسيا من البرد القارص غير العادية في بعض أيام الشتاء وموجات من الحر القائظ غير العادية في بعض أيام الربيع وأوائل الصيف، والسبب الرئيسي للموجات الباردة هو وصول هواء قطبي قاري شديد البرودة لعدة أيام في مؤخرة المنخفضات الجوية العميقة إذا ما تمركز أحدها على شرقي البحر المتوسط أو غربي آسيا, وكثيرًا ما تكون الموجات الباردة على الأجزاء الشمالية من المشرق العربي في سوريا ولبنان وشمالي العراق وشمالي الأردن مصحوبة بعواصف ثلجية تتغطى المناطق الجبلية بسببها بالثلوج وتتعطل المواصلات وتتلف كثير من المحاصيل. أما الموجات الحارة فيكون سببها غالبًا هو وصول هواء مداري حار من الصحراء في مقدمة المنخفضات الجوية، حيث تحمله الرياح المحملة التي تشتهر من بينها رياح الخماسين في مصر والسموم في شبه الجزيرة العربية والمغرب العربي والقبلي في ليبيا. ويبن الجدول "39" النهايات الصغرى والنهايات العظمى المطلقة التي سجلت في بعض البلاد العربية التي تتعرض لموجات البرد وموجات الحر غير العادية، وفيه يتبين أن موجات البرد القارص قد تصل جنوبًا إلى أواسط السودان حيث وصلت النهاية الصغرى المطلقة في مدينة الأبيض مثلًا إلى 0.5 ْم تحت الصفر، ومنه يتبين كذلك أن أشد الموجات الباردة هي التي تحدث في شرقي البحر المتوسط، كما تدل على ذلك النهاية الصغرى المطلقة التي سجلت في بلدة الرطوبة على الحدود الأردنية العراقية وهي 14.4 ْم تحت الصفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 جدول "39" النهايات العظمى والصغرى المطلقة1 في بعض المحطات العربية "بالدرجات المئوية":   1 Kendrew, W.G. "1960" "Climates of the Continents "P 49, P. 68&P;, 248 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 الأمطار مدخل ... 13- 8- الأمطار إن الأقاليم التي يمكن وصفها بالمطيرة لا تشغل من العالم العربي إلا نسبة لا تزيد على 5% من مساحته الكلية بينما تمثل الصحاري أكثر من85% هذه المساحة، وفيما بين هذين النوعين توجد مناطق متوسطة يمكن أن توصف بأنها شبه جافة أو شبه صحراوية. وأكثر أجزاء العالم العربي مطرًا هي جنوب السودان الذي تتراوح معدلاته السنوية بين 80 و110 سم. وتأتي بعد ذلك المنحدرات الجبلية المواجهة للبحر المتوسط في سوريا ولبنان وفلسطين والمغرب العربي وشمال برقة في ليبيا, وتتراوح المعدلات السنوية للأمطار فيها بين 70 و100 سنتيمتر. ونظام المطر السائد في العالم هو نظام البحر المتوسط، ولا يقتصر وجود هذا النظام على المناطق المحيطة بالبحر المتوسط نفسه بل إن بعض مظاهره يمتد نحو الشرق حتى العراق ودول الخليج العربي ونحو الجنوب حتى شمال شرق السودان واريتريا والمناطق المقابلة لها في الحجاز وعسير، وأهم هذه المظاهر هي سقوط كميات محدودة من الأمطار الشتوية التي تسببها المنخفضات الجوية التي تأتي من ناحية البحر المتوسط، فالمعروف أن أمطار البحر المتوسط في جملتها أمطار إعصارية وأنها تأتي مع المنخفضات التي تتحرك عادة من الغرب إلى الشرق, ويزداد نشاط هذه المنخفضات بصفة خاصة في فصل الشتاء، ولكنها تظهر كذلك ولكن بصورة أقل في فصلي الربيع والخريف, وتكون مسارات منخفضات الربيع واقعة في الغالب على طول السواحل الجنوبية للبحر المتوسط أو إلى الجنوب منها، وقد ينحرف بعضها نحو الجنوب أو الجنوب الشرقي ويسير على طول البحر الأحمر حتى أواسطه قبل أن يعود للاتجاه شرقًا عبر شبه الجزيرة العربية إلى منطقة الخليج العربي. وهذه المنخفضات هي التي تسبب معظم الاضطرابات الجوية الربيعية في هذه المناطق. ومن أهمها حدوث موجات حرارية شديدة أو حدوث زوابع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 ترابية كثيفة ولئن سقطت بسببها بعض الأمطار فإنها تكون غالبًا أمطارًا قليلة. أما أكثر الأمطار فتأتي في الشتاء بسبب زيادة نشاط المنخفضات الجوية في هذا الفصل عنها في أي فصل آخر. وتلعب ظروف الموقع الفلكي والمواقع بالنسبة للبحار واتجاه السواحل والمنحدرات بالنسبة لاتجاه الرياح الممطرة وغير ذلك من العوامل الجغرافية أدوارًا متباينة في تحديد كمية الأمطار ونوعها ونظام سقوطها وطول فصل سقوطها ووقت ظهور قمتها، ولذلك فإن الدراسة العامة لأمطار العالم العربي لا يمكن أن تغني عن الدراسة التفصيلية لظروف كل منطقة. ويتباين فصل سقوط المطر وطوله في الوطن العربي على حسب الموقع بالنسبة للبحر المتوسط من جهة وبالنسبة للنطاق الاستوائي أو الموسمي سواء في إفريقيا أو آسيا من جهة أخرى. ومع ذلك فإننا سنقسم المناطق الممطرة في العالم العربي بصفة عامة إلى قسمين هما: أ- مناطق ممطرة شتاء. ب- مناطق ممطرة صيفًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 أولًا- المناطق الممطرة شتاء : توجد هذه المناطق بصفة خاصة على امتداد السواحل الجنوبية والشرقية للبحر المتوسط، ولكنها تشمل كذلك معظم المشرق العربي بما في ذلك كل أراضي الخليج العربي وشمال شبه الجزيرة العربية. ووسطها، ولكن ما يستلفت النظر أنه بينما تسقط معظم أمطار مرتفعات اليمن ومرتفعات عسير في جنوب غرب المملكة السعودية في نصف السنة الصيفي فإن معظم الأمطار التي تسقط في كل المناطق السهلية المحيطة بها تسقط في الشتاء. وينطبق هذا على سواحل اليمن الجنوبي وسواحل عمان والسواحل الإفريقية المطلة على جنوب البحر الأحمر وخليج عدن وتشمل سواحل شمال شرقي السودان وسواحل اريتريا وجيبوتي وأجزاء من ساحل الصومال والسبب الرئيسي للأمطار الشتوية في هذه المناطق هو المنخفضات الجوية التي تتقدم عمومًا من الغرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 إلى الشرق والتي يصل تأثيرها أحيانًا إلى الأطراف الجنوبية للبحر الأحمر، وذلك عندما ينحرف أحدها نحو الجنوب على امتداد البحر الأحمر حتى يصل إلى أواسط هذا البحر قبل أن يعود للاتجاه شرقًا. وبالنظر إلى خرائط توزيع المطر في المناطق المحيطة بالبحر المتوسط ومقارنتها بخرائط الرياح والتضاريس، نلاحظ الحقائق العامة الآتية: 1- أنه حيثما تتشابه العوامل المحلية التي تتحكم في سقوط المطر وتوزيعه، وخصوصًا ما يتعلق منها بالتضاريس واتجاه السواحل فإن الأمطار تتناقص عمومًا على طول سواحل هذا البحر. وعبر المشرق العربي من الغرب إلى الشرق فبينما يبلغ معدلها السنوي في مدينة الجزائر مثلًا 75 سم فإنه يبلغ 43 سم في طرابلس الغرب و19 سم في الإسكندرية و6سم في بورسعيد و5سم في بغداد و5 سم في الكويت، إلا أن عامل التضاريس واتجاه المنحدرات والسواحل بالنسبة للرياح الممطرة قد يؤدي إلى زيادة الأمطار في أماكن خاصة وسط أقاليم أقل منها مطرًا بكثير. بالإضافة إلى التناقص العام للمطر من الغرب إلى الشرق فإنه يتناقص تدريجيًّا كذلك كلما اتجهنا من الأطراف الشمالية للوطن العربي نحو النطاق الصحراوي، والذي يعتبر حاجزًا مناخيًّا كبيرًا يفصل بين الأقاليم الممطرة شتاء في الشمال والأقاليم الممطرة صيفًا في الجنوب. 2- أن تعاريج السواحل واختلاف اتجاهاتها بالنسبة لاتجاه الرياح الممطرة يؤدي أحيانًا إلى تباين توزيع المطر تباينًا كبيرًا في قطاعات متجاورة من الساحل، فبغض النظر عن وجود الجبال بجوار بعض السواحل فإن أي تغيير في اتجاه الساحل بالنسبة لاتجاه الرياح الممطرة كفيل بأن يؤدي إلى تغير واضح في كمية المطر، ففي شمال إفريقيا مثلًا نجد أن السواحل المواجهة للشمال الغربي أو الغرب هي أكثر السواحل مطرًا، وخصوصًا إذا كانت تكتنفها جبال مرتفعة، أما أقلها مطرًا فهي السواحل المقوسة نحو الجنوب مثل سواحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 الخلجان المتسعة، والسواحل المواجهة للشرق أو الشمال الشرقي أو الجنوب الشرقي، وخصوصًا إذا كانت الجبال تكتنفها من ناحية الغرب لأنها تكون في هذه الحالة واقعة في ظل المطر. فعلى سواحل المغرب العربي مثلًا يتراوح معدل المطر السنوي على السواحل التونسية والجزائرية المقوسة نحو الشمال بين 60 و80 سم، بينما يتراوح بين 30 و50 سم على سواحل المملكة المغربية الممتدة إلى الشرق من منطقة الريف الجبلية ما عدا بعض أشباه الجزر البارزة في البحر مثل شبه الجزيرة التي تقع عليها مدينة مليلة، والتي تعرف باسم رأس السواري. كما تقل الأمطار بصورة أوضح على الساحل الشرقي لتونس، وفي شمال ليبيا نجد أن أقل السواحل مطرًا هي ساحل سهل الجفارة الذي يبدأ من حدود تونس في الغرب حتى مدينة الزاوية تقريبًا في الشرق، وكذلك ساحل خليج سرت بين ميناء مصراته في الغرب ومدينة أجدابية في الشرق، وساحل خليج بمبه الواقع في ظل المطر بالنسبة لمرتفعات شبه جزيرة برقة وامتداده نحو الشرق حتى الحدود المصرية، فعلى كل هذه السواحل تتراوح معدلات المطر السنوية بين 10 و15 سم. ولهذا السبب فإن الصحاري تمتد عندها حتى تصل إلى شاطئ البحر نفسه. وعلى العكس من ذلك نجد أن الأمطار تزيد بصورة واضحة على النتوء الساحلي الذي تقع عليه مدينة طرابلس وعلى كل السواحل الأخرى البارزة نحو الشمال والمتجه نحو الغرب أو الشمال الغربي ومنها الساحل الممتد بين مدينتي طرابلس والخمس والساحل الشمالي والشمالي الغربي لشبه جزيرة برقة. وتتراوح معدلات الأمطار على كل هذه السواحل بين 40 و60 سم. وهي تزداد بصفة خاصة على السواحل التي تكتنفها نطاقات جبلية مثل سواحل شبه جزيرة برقة. وفي شمال مصر تكثر الأمطار نوعًا ما على سواحل الدلتا وعلى ساحل الإسكندرية وساحل سيدي براني، وهي المناطق التي تتقوس سواحلها نحو الشمال، وفيها تتراوح المعدلات السنوية بين 15 و20سم، بينما لا تزيد على 15 سم في المناطق الأخرى التي تتقوس سواحلها نحو الجنوب مثل الساحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 الذي يمتد بين بلدة العامرية ومدينة مرسى مطروح، والذي تقع عليه بلدة الحمام، وكذلك الساحل الذي يمتد بين دمياط والعريش. وإذا انتقلنا إلى سواحل فلسطين وسوريا ولبنان نجد أن امتدادها بين الشمال والجنوب يضعها في مواجهة الرياح الممطرة مباشرة تقريبًا, ولذلك فإنها تكون أكثر مطرًا من سواحل شمال مصر وليبيا بصفة عامة، وتزيد الأمطار على سواحل لبنان وسوريا بصفة خاصة بسبب وجود سلاسل الجبال بحذاء الساحل بينما تقل نوعًا ما في جنوب فلسطين لسببين هما: عدم وجود مثل هذه الجبال من ناحية والاقتراب من النطاق; الصحراوي الواقع إلى الجنوب منها من ناحية ثانية. 3- أن تأثير التضاريس على توزيع الأمطار يبدو واضحًا في كل العالم العربي، فحيثما تكون الجبال ممتدة بموازاة السواحل المواجهة للرياح القادمة من البحر فإن معظم الأمطار تسقط على المنحدرات والسهول الساحلية المواجهة لها وتقل كثيرًا بل وربما تنعدم على المنحدرات والسهول الواقعة على الجانب المضاد، أي في ظل المطر، ويظهر هذا التوزيع بوضوح في كل المناطق الجبلية المجاورة للبحر المتوسط في سوريا ولبنان وشمال ليبيا والمغرب العربي، كما أن التضاريس المعقدة وانقسام المناطق الجبلية إلى كتل أو سلاسل تفصل بعضها عن بعض وديان أو أحواض منخفضة يؤدي إلى ظهور أنواع مناخية متباينة في مناطق متجاورة، وينطبق هذا بوضوح على نفس الأقاليم الجبلية السابقة، فعلى معظم المنحدرات الشمالية لسلاسل جبال أطلس التل مثلًا يزيد المعدل السنوي للأمطار على 80 سم، بينما لا يزيد على المنحدرات الجنوبية لنفس السلاسل وفي هضبة الشطوط عن 30 سم، ولكنه يعود فيزيد قليلًا على المنحدرات الشمالية لأطلس الصحراء التي لا تلبث المظاهر الصحراوية الحقيقية أن تسود على منحدراتها الجنوبية, ومن الطبيعي أن ينعكس توزيع الأمطار على كل مظاهر الحياة الطبيعية والبشرية التي تتباين كثيرًا في بعض المناطق المتجاورة، فعلى المنحدرات الشمالية لجبال أطلس التل تتكون الحياة النباتية عن غابات دائمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 الخضرة، بينما تتكون على منحدراتها الجنوبية وعلى هضبة الشطوط والمنحدرات الشمالية لسلاسل أطلس الصحراء من حشائش الإستبس. وكذلك في شمال ليبيا تسقط معظم الأمطار على المنحدرات الشمالية والشمالية الغربية لجبال برقة وجبال طرابلس. ولكنها تكثر بصفة خاصة على جبال برقة بسبب مجاورتها للبحر وبروزها فيه بشكل شبه جزيرة كبيرة بينما تقل نوعًا ما على جبال طرابلس التي يفصل قطاعها الأوسط والغربي عن البحر سهل متسع هو سهل الجفارة الذي يبلغ أقصى اتساعه في الغرب، ولهذا فإن القسم المطير فعلًا من جبال طرابلس هو قسمها الشرقي المجاور للبحر. ففي هذا القسم وكذلك على المنحدرات الشمالية والغربية لجبال برقة تتراوح معدلات المطر السنوية بين 25 و45 سم وفيها تكون الحياة النباتية السائدة عبارة عن غابات أو أحراج دائمة الخضرة بينما تتناقص النباتات كلما ابتعدنا عن البحر حتى تنتهي في النطاق الصحراوي الممتد إلى الجنوب من الجبال. وتتكرر نفس الصورة كذلك في المناطق الجبلية في شرقي البحر المتوسط، حيث تستأثر المنحدرات الغربية في سوريا ولبنان بمعظم الأمطار وتكون الحياة النباتية الطبيعية في جملتها مكونة من غابات وأحراج دائمة الخضرة, وتتناقص الأمطار بسرعة كلما اتجهنا شرقًا حيث تظهر مناطق من الحشائش على المنحدرات الشرقية وفي السهول القريبة منها وفي بعض الأحواض المحصورة بين الجبال ثم تتناقص الأمطار وتنتشر المظاهر الصحراوية بسرعة نحو الشرق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 المناطق الممطرة صيفًا: أهم المناطق الغربية التي يسودها المطر الصيفي هي جنوب السودان ووسطه والصومال واليمن. ولكل دولة من هذه الدول ظروفها الجغرافية الخاصة التي تحدد نوع الأمطار وكمياتها وتوزيعها الإقليمي والفصلي. وتوجد في السودان بالذات أكبر المناطق الممطرة صيفًا في الوطن العربي، فباستثناء أطرافه الشمالية المجاورة للبحر الأحمر، والتي يسقط معظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 مطرها شتاء بسبب بعض المنخفضات الشتوية التي تنحرف نحو الجنوب على طول البحر الأحمر، فإن الأمطار في بقية الأقاليم السودانية تسقط في نصف السنة الصيفي، إلا أن طول الفصل الممطر يكون في الجنوب أطول بكثير منه في الشمال، فبينما يبلغ طوله بين 10 و11 شهرًا على الحدود الجنوبية للبلاد فإنه يتناقص كلما اتجهنا شمالًا حتى يصل إلى شهرين فقط في الخرطوم ثم يزداد تناقصه حتى ينتهي في الصحراء، ويرتبط هذا التناقص بحركة الجبهة الاستوائية ltcz مع حركة الشمس الظاهرية وتناقص فترة تعامدها كلما ابتعدنا عن خط الاستواء. ومع تناقص طول الفصل الممطر تتناقص كذلك كمية المطر كلما اتجهنا شمالًا، بسبب قصر فصل سقوطها وبسبب تناقص سمك طبقة الهواء البحري القادم من الجنوب وتناقص فرص تكون السحب تبعًا لذلك, ولكن بينما يكون تناقص طول الفصل الممطر منتظمًا فإن تناقص كمية المطر لا تسير بنفس الانتظام؛ لأنها لا تتوقف على حركة الشمس وحدها بل تتوقف كذلك على طبيعة سطح الأرض واتجاه الرياح الممطرة بالنسبة للمنحدرات الجبلية، ولهذا فإن أمطار المناطق الواقعة في حضن هضبة الحبشة في شرق السودان تزيد على أمطار السهول الواقعة على نفس العروض في وسط البلاد وغربها. لأن وجود حافة هضبة الحبشة في طريق الرياح الجنوبية الغربية الرطبة يؤدي إلى زيادة الأمطار عليها وعلى الأراضي السودانية المجاورة لها، كما هو واضح من انحراف خطوط المطر المتساوي نحو الشمال على هذه الأراضي. وبنفس الطريقة فإن وجود المناطق الجبلية المرتفعة في منطقة منابع بحر الغزال في جنوب غرب البلاد، ووجود جبال إيما تونج في أقصى الجنوب الشرقي قد أدى إلى زيادة أمطار هذه المناطق زيادة واضحة عن أمطار سهول بحر الجبل وبحر الزراف الواقعة في ظل المطر. أما الصومال فله ظروفه الخاصة التي أدت إلى نقص أمطاره بدرجة أدت إلى انتشار المظاهر الصحراوية في القسم الأكبر منه على الرغم من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 موقعه الاستوائي أو شبه الاستوائي ومن طول سواحله المشرفة على المحيط الهندي وخليج عدن، فمن النادر أن تزيد الأمطار في أي جزء من أجزائه عن 45 سم بل إنها تنقص في نطاقات شاسعة منه عن 20 سم، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب أهمها: 1- وقوعه في منطقة ظل المطر بالنسبة للهضبة الاستوائية وهضبة الحبشة الواقعتين إلى الغرب منه. 2- جفاف الرياح الموسمية الشتوية التي تهب عليه من ناحية آسيا، فحتى بعد مرور بعض هذه الرياح على البحر العربي فإنها تهب على القرن الإفريقي بحذاء الساحل تقريبًا، كما أن الرياح الموسمية الجنوبية الغربية التي تهب في فصل الصيف، تكون هي الأخرى موازية للساحل. 3- قلة سمك الهواء المداري البحري الذي يصل إلى المنطقة من المحيط الهندي بدرجة لا تسمح لحركة التصعيد التي تحدث فيه بتكوين سحب من النوع الكثيف الذي يكفي لسقوط أمطار غزيرة. 4- تعرض الإقليم لتيارات هوائية علوية ساخنة من الهضاب الداخلية؛ إذ إن وجود هذه التيارات في أعلى الجو لا يساعد على تكثف بخار الماء الذي تحمله التيارات الهوائية الصاعدة. وباستثناء السواحل المطلة على خليج عدن والتي تسقط معظم أمطارها القليلة في الشتاء، فإن موسم الأمطار في معظم الصومال هو نصف السنة الصيفي. وينطبق هذا بصفة خاصة على الأجزاء الوسطى من البلاد، فإذا ما اتجهنا جنوبًا نجد أن هذا الموسم يزداد طولًا، كما تتزايد الأمطار كلما اقتربنا من خط الاستواء حيث يمتد موسم المطر ليشغل السنة كلها، ولكن الكميات التي تسقط تكون أقل بكثير من المعدلات المألوفة في المناخ الاستوائي العادي، حيث لا يزيد المعدل السنوي غالبًا على 45 سم فقط. أما السواحل المطلة على خليج عدن فإن أمطارها القليلة يمكن أن تأتي في أي شهر من شهور السنة إلا أن أشهر الشتاء هي أكثر الأشهر تعرضًا لها، وسببها هو نفس سبب أمطار عدن وجيبوتي وإريتريا وشمال شرقي السودان، وهو وصول تأثير بعض المنخفضات الجوية التي تنحرف من ناحية البحر المتوسط وتتقدم جنوبًا عل طول البحر الأحمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 وتمثل مرتفعات اليمن ومرتفعات عسير في جنوب غربي المملكة العربية السعودية المنطقة الثالثة التي يسقط أغلب مطرها صيفًا، وتعتبر اليمن بصفة خاصة منطقة موسمية بمعنى الكلمة وإن كانت أمطارها أقل في كميتها من أمطار معظم الأقاليم الموسمية الأخرى في جنوب وجنوب شرق آسيا ومعظم أمطارها وكذلك معظم أمطار عسير أمطار تضاريسية صيفية تسببها الرياح الموسمية الجنوبية الغربية التي تتقدم من الجنوب الغربي بتأثير مراكز الضغط المنخفض الموسمية التي تتبع الضغط المنخفض الذي يتكون على آسيا عمومًا في هذا الفصل. ومما يستلفت النظر أنه بينما تسقط معظم أمطار مرتفعات اليمن وعسير في نصف السنة الصيفي فإن معظم أمطار المناطق المنخفضة من حولها ومن بينها سهول تهامة المجاورة للبحر الأحمر تسقط شتاء، وذلك بسبب مواجهة المرتفعات للرياح الرطبة التي تحمل بعض الهواء المداري البحري من خليج غانة. حيث يستطيع بعض هذه الرياح أن يعبر السودان وهضبة الحبشة في مستويات عالية. وهذا يعني أن معظم المطر الذي يسقط في الصيف على هذه المرتفعات عبارة عن مطر تضاريسي, وإلى جانب الأمطار الصيفية التي تسقط على هضاب اليمن وعسير تسقط كذلك بعض الأمطار الربيعية التي تحدث غالبًا بسبب العواصف الرعدية المحلية التي يسببها نشاط التيارات الهوائية الصاعدة. ولذلك فإن وقت سقوطها يكون عادة بعد الظهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 تذبذب الأمطار في معظم أجزاء العالم العربي : باستثناء المناطق المطيرة في جنوب السودان وعلى الجوانب البحرية لجبال أطلس والجبل الأخضر في ليبيا وجبال سوريا ولبنان ومرتفعات اليمن وعسير، حيث لا يؤدي تغير كمية المطر فيها من سنة إلى أخرى إلى حدوث تغيرات كبيرة على مظاهر الحياة الطبيعية والبشرية، فإن كل المناطق الأخرى في العالم العربي تعاني من التغير الواضح في كمية الأمطار وتوزيعها على الأشهر من سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 إلى أخرى بحيث يصعب الاعتماد عليها في أي تخطيط زراعي أو رعوي، ففي شمال مصر وليبيا مثلًا يبلغ معدل التغير 50% أو أكثر. ولا شك في أن قلة الأمطار عمومًا معناه أن أي تغير في كميتها قد تترتب عليه نتائج كبيرة. ويمكننا أن ندرك التغير الكبير في نظام المطر إذا استعرضنا على سبيل المثال أمطار أي محطة من المحطات الواقعة على حافة الصحراء خلال عدة سنين. ففي واحة سيوة مثلًا نجد أن 43.2 مم قد سقطت بها في سنة 44/ 45، بينما لم يسقط بها أي شيء خلال 21 سنة بين 1900و1921، ويبلغ المعدل السنوي فيها 10.1مم. وعلى الأطراف الجنوبية للصحراء وفي مناطق الإستبس المجاروة لها يرتفع كذلك معدل تغير المطر ارتفاعًا كبيرًا، ففي بورسودان مثلًا يبلغ المعدل السنوي 84.4 مم، ومع ذلك فإن الأمطار قد انخفضت في سنة 1910 إلى 20.3 مم بينما ارتفعت في سنة 1925 إلى 421.6 مم، وفي تلك السنة سقط 71.1 مم خلال 24 ساعة. وفي الخرطوم يبلغ المعدل السنوي 168مم، ومع ذلك فإن أمطارها قد انخفضت في سنة 1901 إلى 63.5 مم بينما ارتفعت في سنة 1938 إلى 381مم، وفي البصرة يبلغ المعدل السنوي 144.4مم ولكن أمطارها انخفضت في إحدى السنوات إلى 53.3 مم بينما ارتفعت في سنة أخرى إلى 353.1 مم، وسجل في يوم واحد من الأيام 88.9 مم، وفي الشارقة على الخليج العربي يبلغ المعدل السنوي 1157 مم، ومع ذلك فقد حدث أن سقط 110.2 مم في يوم واحد. كما حدث نفس الشيء تقريبًا في البحرين التي يبلغ معدل مطرها السنوي 82.7 بينما سجل في أحد الأيام 71.1 مم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 الأقسام المناخية للوطن العربي حسب تقسيم كوبن مدخل ... 13- 9- الأقسام المناخية للوطن العربي حسب تقسيم كوبن إن القسم الأكبر من العالم العربي يدخل ضمن القسم المناخي الكبير "B" في تقسيم كوبن، بينما تدخل أجزاء محدودة منه ضمن القسم "A" وأجزاء أخرى ضمن القسم "C". وفيما يلي أهم الأنواع المناخية التي توجد في هذا العالم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 أولًا - المناخ "A" "الحار الممطر": إن النوع الموجود في العالم العربي من هذا المناخ هو النوع "AW" وهو الذي يتفق عمومًا مع النوع المشهور باسم نوع السفانا، وهو يشمل معظم جنوب السودان ونطاقًا كبيرًا في وسطه، وأهم ما يميزه هو وجود فصل جاف في الشتاء يشغل ما بين ثلاثة أشهر في أقصى الجنوب وسبعة أشهر في أقصى الشمال. ويمكن اعتبار خط المطر السنوي 60 سم حدًّا تقريبيًّا لهذا المناخ من ناحية الشمال, والأمطار في جملتها من نوع أمطار التصعيد, وهي تتزايد كلما اتجهنا جنوبًا، حتى يصل معدلها في أقصى جنوب السودان إلى 120 سم أو أكثر. أما درجة الحرارة فمرتفعة طول السنة ولا ينخفض معدلها في أي شهر من الشهور عن 18ْ مئوية، بل إنه قد يصل في بعض الأشهر إلى 30ْ أو أكثر، ويحدث هذا عادة في الشهر أو الشهرين اللذين يسبقان الفصل المطير الرئيسي، كما هي الحال في شمال السودان ووسطه، ولكنه يتناقص تدريجيًّا نحو الجنوب بسبب تزايد طول الفصل المطير في هذا الاتجاه مما يؤدي إلى سقوط الأمطار في كل الأشهر الحارة فلا تكون هناك فرصة للارتفاع غير العادي في معدل أي منها، ولذلك فبينما تزيد معدلات بعض الأشهر إلى أكثر من 30ْ في المناطق الواقعة إلى الشمال من بحر الغزال فإنها "تكاد تصل في أي شهر من الشهور إلى 29ْ في المناطق الواقعة إلى الجنوب منه، ويبدو هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 شكل "107" الأنواع المناخية في العالم العربي حسب تقسيمات كوبن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 واضحًا لو قارنا المعدلات الحرارية لبلدة جوبا الواقعة على خط عرض 5 ْشمالًا تقريبًا بنظيراتها في بلدة توزي الواقعة على خط عرض 30 َ 12 ْ شمالًا "وهما واقعتان على ارتفاع واحد من سطح البحر". وإقليم المناخ "A" في الواقع هو أغنى أقاليم الوطن العربي في موارده المائية والنباتية وفي إمكانات استخدام أراضيه للتنمية الزراعية والحيوانية، وقد بدأت فيه بالفعل كثير من مشروعات التنمية الزراعية والصناعية، ولكن ما زالت مشكلاته الصحية ونقص سكانه، وصعوبة المواصلات بين أجزائه بعضها وبعض، وبينه وبين بقية البلاد تحول دون تنمية موارده بالسرعة المطلوبة. وتتدرج النباتات الطبيعية في هذا الإقليم من حيث الكثافة والتنوع من الجنوب إلى الشمال تبعًا لتناقص كمية المطر وتناقص طول الفصل الممطر، ففي أقصى الجنوب توجد بعض الغابات دائمة الخضرة التي يظهر معظمها حول مجاري الأنهار، وهذا النوع من الغابات هو الذي يشتهر باسم غابات الدهاليز Gallery Forests. أما في الشمال فتسود حشائش السفانا الخشنة التي تختلط بها بعض الأشجار النفضية، وتتناقص الأشجار وتقل أحجامها كما تتناقص كثافة الحشائش ويقل ارتفاعها كلما اتجهنا نحو الجنوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 ثانيًا : المناخ "BS": هذا النوع من المناخ هو الذي يمكن أن يطلق عليه تعبير المناخ شبه الجاف أو "مناخ الإستبس". وهو يغطي نطاقات واسعة من العالم العربي، وذلك في مناطق الانتقال بين المناطق الممطرة والمناطق الصحراوية، ولذلك فإنه يشغل نطاقًا متسعًا في وسط السودان بين نطاقي السفانا والصحراء، كما يواصل امتداده في شمال شرقي البلاد حتى سواحل البحر الأحمر، وإلى الشمال من الصحراء الكبرى يعود هذا المناخ للظهور في نطاق آخر إلى الجنوب من البحر المتوسط في مصر وليبيا وإلى الجنوب من جبال أطلس في دول المغرب العربي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 وفي قلب الصحراء الكبرى نفسها يظهر هذا المناخ في منطقة المرتفعات الوسطى ومن أهمها مرتفعات الحجاز, وفي الجانب الآسيوي من العالم العربي يوجد هذا المناخ حول صحراء شبه الجزيرة العربية من معظم الجهات، فمن ناحية الشمال يوجد منه نطاق يشمل معظم سهول وسط وغربي العراق وبادية الشام وشمال الأردن، ومن ناحية الغرب يوجد منه نطاق ممتد من شرق وجنوب فلسطين عبر الحجاز إلى هضاب نجد وحضرموت، ومن ناحية الجنوب الشرقي توجد منطقة تابعة له في إقليم عمان. وتشترك كل هذه المناطق في أن أمطارها لا تكفي إلا لنمو غطاء خفيف من الحشائش والأعشاب التي يمكن أن تصلح للرعي ولكنها لا تكفي لقيام الزراعة دون الاستعانة بالري، وهذه في الواقع هي أهم مناطق الثروة الرعوية في العالم العربي، كما أن كثيرًا منها يمكن أن يستغل للزراعة حيثما تتوفر مياه الري من الأنهار مثل دلتا نهر النيل والأراضي التي ترويها مياه نهر الفرات وشط العرب. أو من مياه الآبار والعيون، كما هي الحال في الواحات التي يوجد عدد كبير منها إلى الجنوب من جبال أطلس وفي شمال ليبيا وشمال مصر. وهناك مجال واسع جدًّا للتنمية الزراعية في كل مناطق هذا المناخ إذا ما أحسن استخدام مواردها المائية، سواء منها الموارد السطحية أو الموارد الجوفية. وعلى أساس التباين في المعدلات الحرارية وفي موسم المطر تنقسم المناطق التابعة لهذا المناخ إلى أقسام أصغر كما يأتي: أ- مناطق حارة صيفًا جافة شتاء "BShw" وتشمل معظم الصومال حيث تمثله معظم البلاد الساحلية، ووسط السودان حيث تمثله الفاشر "في الغرب" والدويم "في الشرق" ومنطقة هضاب وسط الصحراء، وفي شبه الجزيرة العربية لا يتمثل هذا النوع إلا في الأطراف الجنوبية المجاورة للبحر العربي في اليمن الجنوبية وجنوب غرب سلطنة عمان، كما تمثلها بلدة صلالة العمانية، وفي كل هذه المناطق تشتد حرارة فصل الصيف وخصوصًا في المناطق المنخفضة البعيدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 عن تأثير البحار مثل بلدة الدويم في شرق السودان، حيث نجد أن معدل درجة حرارة شهر إبريل الذي يسبق فصل المطر مباشرة يبلغ حوالي 33 ْم، ولكن سقوط الأمطار في الأشهر التالية يؤدي إلى هبوط المعدلات بعض الشيء في أشهر الصيف نفسها. ب- مناطق حارة جافة صيفًا "Bshs" وهي المناطق التي تخضع لتأثير مناخ البحر المتوسط وتشمل مناطق الإستبس في شمال مصر وليبيا وجنوب جبال أطلس وامتدادها حتى ساحل المحيط الأطلسي, كما تشمل مناطق الإستبس في غرب وأواسط شبه الجزيرة العربية، وفي وسط العراق وجنوبه وفي الأردن وفلسطين وجنوب سوريا، وتعتبر هذه المناطق كذلك من أهم مناطق الرعي في العالم العربي، كما أنها هي أهم مناطق إنتاج الشعير، وحيثما تكون كمية الأمطار مناسبة تزرع بها كذلك محاصيل أخرى أهمها القمح، وقد اتجهت الأنظار في معظم الدول العربية إلى تنمية هذه المناطق عن طريق تطوير حرفة الرعي وتربية الماشية وتحسين سلالاتها وعن طريق تشجيع الاستقرار والاهتمام بالإنتاج الزراعي حيثما تسمح الظروف الطبيعية وموارد المياه بذلك. ج- مناطق معتدلة جافة صيفًا "BSKS" وهي تقع إلى الشمال من المناطق السابقة "BShS" وتشمل قسمًا من بادية الشام وشمال الأردن وغربي العراق، وهي المناطق التي تشكل الإطار الداخلي للهلال الخصيب حيث تبدأ الصحاري بعده امتدادها الشاسع نحو الجنوب في أواسط الجزيرة العربية وجنوبيها، وفيها تسقط الأمطار في الشتاء بمعدلات تكفي لنمو حشائش تصلح للرعي، ولهذا فإن هذه المناطق تعتبر من أهم مناطق الرعي في الجزيرة العربية، وهي لا تختلف كثيرًا في حرارتها عن الصحاري المجاورة لها، ففيها يرتفع المدى الحراري وتشتد حرارة فصل الصيف كما تشتد برودة فصل الشتاء، وكثيرًا ما تتعرض هذه المناطق لعواصف ثلجية شديدة في فصل الشتاء بسبب وصول هواء قطبي قاري من شمال أوارسيا في مؤخرة المنخفضات الشتوية العميقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 ثالثًا - المناخ "BW" "الصحراوي": يشغل هذا المناخ مساحات شاسعة في العالم العربي، بل إنه يشغل أكثر من 95% من مساحات بعض الدول العربية مثل الجزائر وليبيا ومصر والمملكة العربية السعودية، وتشترك كل الصحاري العربية في جفافها وشدة حرارتها في الصيف وارتفاع مداها الحراري الفصلي واليومي، وفي قصر الفصلين الانتقاليين "الربيع والخريف" بها وفي ندرة سحبها وقوة الإشعاع الشمسي بها وفي كثرة ما تتعرض له من عواصف رملية وترابية، وخصوصًا في فصل الربيع عندما يصلها من الشمال هواء بارد نسبيًّا بعد أن يكون سطحها قد بدأ يسخن ويجف وتنشط فوقه التيارات الصاعدة، وتتخلل هذه الصحاري بعض المناطق الجبلية التي تجتذب بعض الأمطار التي قد تكفي لجريان الماء في بعض الأودية، ولظهور بعض الواحات عند مصباته ونمو بعض الحشائش على المنحدرات وفي الأراضي التي تنصرف نحوها المياه، ومن أكبر هذه المناطق مناطق جبال الحجاز في الصحراء الكبرى. ويرتبط موسم الأمطار القليلة التي تسقط على أطراف هذه الصحاري بموسم سقوطها في الأقاليم الممطرة المجاورة لها، ففي الصحاري الواقعة على أطراف مناخ البحر المتوسط في أواسط ليبيا وأواسط الجزائر تأتي معظم الأمطار في الشتاء وهنا يظهر نوع المناخ BWhs أي الجاف في الصيف أما في الجنوب حيث تتدرج الصحاري إلى مناخ السفانا، كما هي الحال في موريتانيا وتشاد وشمال السودان، فيظهر نوع المناخ BWhw أي الجاف في الشتاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 رابعًا - المناخ "C" "المعتدل": ويوجد منه نوعان هما: 1- نوع ممطر شتاء وجاف صيفًا Cs، ويشمل كل المناطق المجاورة لسواحل البحر المتوسط في شمال إفريقيا، ويختلف اتساعها من منطقة إلى أخرى على حسب تعاريج الساحل وتضاريس الأراضي المجاورة له، ويبلغ أقصى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 اتساعها في بلاد المغرب وفي شمال ليبيا ومصر، كما يشمل كل فلسطين ولبنان ومعظم سوريا وإقليم عمان في أقصى جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية. وتختلف درجة الحرارة في هذا النوع على حسب التضاريس ففي المناطق السهلية يظهر النوع csa أي شديدة الحرارة، أما على المرتفعات وأهمها جبال أطلس والجبل الأخضر في ليبيا وجبال لبنان فيظهر النوع csb المعتدل صيفًا. 2- نوع يسقط مطره صيفًا cw، ويوجد على المرتفعات الواقعة في الأقاليم المدارية أو بالقرب منها وأهمها هضبة اليمن والأجزاء المرتفعة في الصومال وأثيوبيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 الجغرافيا النباتية العوامل التي تتحكم في نمو النباتات وتوزيعها مدخل ... 14- الجغرافيا النباتية 14- 1- العوامل التي تتحكم في نمو النباتات وتوزيعها: ليست الحياة النباتية التي تنمو طبيعيًّا في أي إقليم من الأقاليم إلا نتيجة لتفاعل عدد من العوامل الطبيعية التي تتعلق في جملتها بالأحوال المناخية السائدة، وتعتبر التربة كذلك من أهم العوامل التي تتدخل في حياة النباتات، وإن كان من الثابت أن التربة نفسها تستمد معظم خواصها من الظروف المناخية كما سنبين بعد قليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 العوامل المناخية مدخل ... 14- 1- 1- العوامل المناخية: تعتبر المياه والحرارة والضوء أهم عناصر المناخ التي تؤثر بطريق مباشر أو غير مباشر في حياة النباتات، وفيما يلي عرض مختصر للدور الذي يقوم به كل منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 الأمطار وقيمتها الفعلية precipitation Effectiveness: إن أهمية المياه وضرورتها لقيام أي نوع من أنواع الحياة فوق سطح الأرض معروفة ومسلم بها، والمصدر الأصلي للمياه العذبة هو الأمطار وغيرها من مظاهر التساقط، وكلما توافرت هذه المياه في منطقة من المناطق، كان هذا أدعى إلى ظهور حياة نباتية غنية، ويكفي للدلالة على ذلك أن نقارن بين خريطتين للعالم إحداهما تبين توزيع المعدلات السنوية للمطر، والأخرى تبين توزيع الحياة النباتية الطبيعية، حيث نرى بوضوح أن الأقاليم ذات الأمطار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 الحرارة وقيمتها الفعلية بالنسبة لحياة النبات TEMPERATURE Efficiency: ليس من شك في أن الحرارة هي أحد العناصر الرئيسية التي تلزم لقيام أي نوع من أنواع الحياة فوق سطح الأرض، ولكن يلاحظ أن أثرها على تنوع فصائل النباتات يكون أوضح من أثرها على المظهر العام للحياة النباتية. فالغابات والحشائش توجد في كل المناطق الحرارية تقريبًا ما بين خط الاستواء من جهة والدائرة القطبية من جهة أخرى، إلا أن الفصائل التي تتألف منها الغابات والحشائش في المناطق الحارة تختلف في جملتها عن الفصائل التي تتألف منها الغابات الحشائش في المناطق المعتدلة. والواقع أن العلاقة بين درجة الحرارة وحياة النباتات لا تزال غير محدودة تحديدًا دقيقًا واضحًا، فعلى الرغم من أننا نعرف عمومًا أن ارتفاع درجة الحرارة يساعد على نشاط نمو النباتات، فإنه لا يشترط أن يؤدي كل ارتفاع في درجة الحرارة إلى زيادة سرعة النمو أو يؤدي كل انخفاض فيها إلى بطء هذا النمو، كما لا يشترط أن تكون سرعة النمو بالنسبة لجميع أنواع النباتات أو حتى بالنسبة للنوع الواحد متساوية في درجة الحرارة الواحدة، أو أن تكون أصلح درجة لنمو النبات الواحد واحدة في جميع مراحل نموه، ولهذا فإن درجة الحرارة لا تكفي بمفردها لإعطاء فكرة صحيحة عن الأثر الحقيقي الذي تتركه في مظاهر النمو المختلفة، وقد أوضح لفنسجتون ivingston E. هذه الحقيقة في سنة 1913 وذكر أنه من الواجب على الباحثين أن يحاولوا الوصول إلى طريقة يمكن بواسطتها تقدير القيمة الفعلية لدرجات الحرارة المختلفة بالنسبة لحياة النباتات، ورأى أنه من الممكن تقدير هذه القيمة بطريقتين هما:   1 Livingiston, B. E. "Physical Temperature Indices for the plant Growth in Relation to climatic Condition", Physical Rev, Vol., 1, 1916, pp. 370- 420. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 1- الطريقة التجريبية، أي بإجراء تجارب معينة على أنواع مختلفة من النباتات لتقدير سرعة نموها في درجات الحرارة المختلفة، ورغم أن إجراء مثل هذه التجارب يعتبر عمومًا من اختصاص الباحثين في علم النبات فإن هذا يجب ألا يحول بين الجغرافيين وبين الاستفادة بنتائجها حتى تكون دراستهم أكثر دقة وواقعية. وهذا في الحقيقة هو أحد الاتجاهات الحديثة في دراسة المناخ. 2- تحديد فصل النمو "Growing season" وتقدير مجموع الوحدات أو الدرجات الحرارية التي تتجمع خلاله فوق أدنى درجة حرارة ملائمة لنمو النبات، وهي الدرجة التي يطلق عليها عادة اسم "صفر النمو Zero point of Growth" ويطلق عليها مجموع الدرجات الحرارية التي تتجمع فوق هذا الصفر اسم "الحرارة المتجمعة Temprarature Accumulated": أولًا- الطرق التجريبية لتقدير القيمة الفعلية لدرجة الحرارة: يعتبر القانون الذي وضعه فانهوف1 "van't Hoff" حوالي سنة 1882 من أهم القوانين الكيميائية التي استفاد بها الباحثون في العلاقة بين حياة النبات والبيئة الطبيعية، حتى إنه لا يزال رغم قدمه من الأسس التي يعتمد عليها هؤلاء الباحثون في دراساتهم، وملخص هذا القانون هو أن التفاعلات الكيميائية في النبات يزداد نشاطها كلما ارتفعت درجة الحرارة، ويتبع ذلك زيادة في سرعة نمو النبات بحيث تتضاعف هذه السرعة كلما زاد متوسط درجة الحرارة بمقدار 10 ْمئوية، فإذا فرضنا أن سرعة نمو نبات معين "يكون قد بدأ نموه في درجة حرارة 6 ْمئوية" هي 1 ْمثلًا فإنها تصبح 2 في درجة حرارة 16 ْم و4 درجة 26 ْم وهكذا حتى يصل إلى أقصاها في درجة حرارة معينة هي التي يمكن اعتبارها أصلح درجة لنمو النبات، فإذا ما ارتفعت درجة الحرارة أكثر من ذلك أخذت سرعة النمو في التناقص من جديد، ويمكننا بناء على هذا القانون   1 Van't Hoff, U.H. "Etudes de dynamique" Amsterdam, 1882. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 أن نحسب القيمة الفعلية لأي متوسط يومي لدرجة الحرارة ما يبن درجة 6 ْم وهي الدرجة التي يبدأ عندها النمو "في رأي فانهوف" من جهة، والدرجة التي تصل عندها سرعة هذا النمو إلى أقصاها من جهة أخرى بالمعادلة الآتية: وذلك على اعتبار أن "ق" هي القيمة الفعلية لدرجة الحرارة و"ح" هي المتوسط اليومي بالدرجات المئوية. وقد استخدم بعض الباحثين في علم المناخ هذا القانون حديثًا في بعض أبحاثهم، فقد استخدمه ثورنثويت1 "Thornthwaite" مثلًا في سنة 1948 لتقسيم الولايات المتحدة إلى أقاليم حرارية على أساس القيمة الفعلية لدرجة الحرارة، كما استخدمه زتسر2 "zetzer" في سنة 1946 لتقسيم البرازيل إلى أقاليم حرارية على نفس الأساس. ويلاحظ أن درجة الحرارة التي تبلغ عندها سرعة النمو أقصاها ليست واحدة بالنسبة لجميع النباتات، ولكن معظم التجارب التي أجريت على نباتات المنطقة المعتدلة قد دلت على أن هذه الدرجة تتراوح بين 15 ْو32 ْ، فهي بالنسبة للقمح 31 ْم وبالنسبة للذرة تتراوح بين 29 ْو32 ْ، أما نباتات المنطقة الحارة فيغلب أن يسرع نموها في درجات حرارة أعلى من 32 ْ. وإننا مع عدم تقليلنا من قيمة هذه التجارب يجب ألا نغالي كثيرًا في الاعتماد على نتائجها التي تعطي في بعض الأحيان صورة غير صحيحة لما يحدث في الطبيعة فعلًا، فالظروف التي تجري فيها مثل هذه التجارب تكون غالبًا ظروفًا   1 Thornthwait C.W., "An Approach Towards a Rational Classification of Climate," Geographical Review Vol. 38. 1948, pp. 59-93 2 Zetzer, Jose. "A New Formula for Precipitation Effecciveness" Geographical Review, Vol. 36, 1946, pp. 247-263. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 صناعية يحدد فيها أثر كل عنصر من العناصر التي تتدخل في حياة النباتات بصورة يندر أن توجد في البيئة الطبيعية، فعندما يراد مثلًا إجراء تجربة ما لمعرفة سرعة نمو أحد النباتات في درجة حرارة معينة فإن هذا النبات يوضع في مكان معين يمكن تثبيت حرارته على الدرجة المطلوبة لعدة أيام أو أسابيع، وهذا يختلف بالطبع عما يتعرض له النبات في الخلاء، حيث يخضع لدرجات حرارة قد تتغير تغيرًا كبيرًا عن ساعة إلى أخرى، ومن يوم إلى آخر، وهذا فضلًا عن أن درجة الحرارة كما هو معروف ليست هي العامل الوحيد الذي يتحكم في نمو النباتات، بل إن هناك عوامل أخرى كثيرة تتدخل في نموه، منها رطوبة الجو وكمية الأمطار ونظام سقوطها وتوزيعها على أشهر وفصول السنة ونوع التربة، ولذلك فإن نتائج التجارب التي تجري في المعامل على نباتات أو أجزاء من نباتات معينة قد لا تفيدنا كثيرًا في دراسة المظاهر المناخية والحياة النباتية وتوزيعها توزيعًا عامًّا على سطح الكرة الأرضية, وإن كنا مع ذلك لا ننكر أهميتها بالنسبة للدراسات التفصيلية التي تدخل غالبًا في اختصاص المهتمين بالدراسات التحليلية للنباتات وعناصر البيئة التي تعيش فيها وهي الدراسات التفصيلية التي تدخل علمي النبات Botany والبيئة Ecology. ومن المهم أن نشير كذلك إلى أن التجارب القليلة التي أجريت فعلًا لتحديد القيمة الفعلية لدرجات الحرارة المختلفة كانت مقصورة على أنواع قليلة جدًّا من النباتات، ولذلك فقد يكون من الخطإ تطبيق نتائجها على الحياة النباتية بصفة عامة، إذ المعروف أن لكل نبات ظروفه واحتياجاته الخاصة التي قد تختلف اختلافًا كبيرًا عن ظروف واحتياجات غيره من النباتات، بل إن الفصائل المختلفة للنبات الواحد يختلف بعضها عن بعض اختلافًا واضحًا كذلك من هذه الناحية. ثانيًا: فصل النمو والحرارة المتجمعة: تعتبر دراسة الحرارة وقيمتها الفعلية على أساس طول فصل النمو ومقدار الوحدات الحرارية التي تتجمع خلاله من أحدث الدراسات التي صادفت قبولًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة من جانب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 علماء المناخ والنبات، الذين أخذوا يوجهون إليها عناية خاصة في كتاباتهم المختلفة. وتمتاز هذه الطريقة عن الطرق التجريبية التي سبقت الإشارة إليها من عدة نواح أهمها: أ- أنها أبسط منها بكثير حتى إنه من الممكن تطبيقها بسهولة في الدراسات المناخية العامة والتفصيلية على حد سواء لأن كل ما يلزم لتطبيقها كما سنرى فيما بعد هو المعدلات الشهرية لدرجة الحرارة. ب- أنها تحاول دراسة العلاقة بين درجة الحرارة والحياة النباتية كما هي موجودة فعلًا في الطبيعة. ج- أنها تستند إلى المبادئ المتفق عليها بين معظم الباحثين في علمي المناخ والنبات ومن أهمها: 1- أن كل نبات يحتاج لكي يتم نموه ونضجه إلى عدد معين من الوحدات الحرارية التي يجب أن تتجمع في أثناء حياته فوق الحد الأدنى الذي يبدأ عنده هذا النبات في النمو، أي فوق "صفر النمو". 2- أن كل نبات يحتاج إلى عدد معين من الأيام التي يجب ألا ينخفض متوسط درجة حرارتها عن "صفر النمو". تحديد فصل النمو: يجب أن نشير هنا إلى أن فصل النمو كما يفهمه طلاب علم المناخ قد يختلف نوعًا ما عنه في نظر الزراع وطلبة علم الزراعة، وهم الذي يتكلمون غالبًا عن فصل النمو على أنه هو الفترة التي ما بين عمليتي البذر والحصاد، وهذه الفترة كما هو معروف تختلف من نبات إلى آخر، فضلًا عن أنها تتأثر بعوامل أخرى غير درجة الحرارة، ففي بعض دول غرب أوروبا مثلًا قد يحدث في بعض السنين أن تؤدي غزارة الأمطار إلى تأخير عمليات البذر والحصاد عن مواعيدها المعتادة عدة أيام أو أسابيع. أما في علم المناخ فإننا نقصد بفصل النمو تلك الفترة من السنة التي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 لا ينخفض المتوسط اليومي لدرجة الحرارة في أثنائها عن "صفر النمو" بالنسبة للحياة النباتية بصفة عامة، ويتفق كثير من الباحثين على أن معظم النباتات التي تنمو في المنطقة المعتدلة يبدأ نموها بصفة عامة في أوائل الربيع عندما يرتفع المتوسط اليومي لدرجة الحرارة إلى 6 ْم. وهذا بالطبع حكم عام قد لا ينطبق على كثير من الأنواع والفصائل النباتية، فبعض النباتات تستطيع أن تنمو في درجات حرارة اقل أو أعلى بكثير من هذا الحد، فبينما يبدأ القمح مثلًا نموه عندما ينخفض المعدل اليومي إلى 3 ْم. نجد أن الذرة والقطن لا يبدآن نموهما إلا إذا ارتفع المعدل إلى 13 ْم بالنسبة للأول و17 ْ بالنسبة للثاني. ويحسب طول فصل النمو عادة بالأيام، فإذا اعتبرنا أن المتوسط اليومي 6 ْم في "صفر النمو" أمكننا أن نقدر طول هذا الفصل في أي مكان بالطريقة المبينة في شكل "108". الصقيع وفصل النمو: ويجب أن نشير أيضًا إلى أن هناك تحديدًا آخر لفصل النمو يستخدم بصفة خاصة في البلاد التي تهتم بزراعة النباتات الحساسة التي لا تتحمل الصقيع، ومن أشهرها الخضراوات وكثير من أنواع الفواكه والنباتات ذات الزهور فكثيرًا ما يؤدي ظهور صقيع شديد إلى تعطيل نمو هذه النباتات أو هلاكها، وفي مثل هذه البلاد يحدد فصل النمو عادة بالفترة التي لا يحتمل أن يظهر في أثنائها صقيع من هذا النوع، وهذه الفترة تكون غالبًا أقصر من الفترة التي لا يقل المتوسط اليومي لدرجة الحرارة في أثنائها عن 6 ْم1. والمقصود بالصقيع بمعناه الضيق هو المادة الثلجية البيضاء التي تظهر فوق سطح الأرض وما عليه من أجسام مختلفة بشرط أن تكون هذه المادة قد تكونت نتيجة لانخفاض درجة الحرارة إلى ما دون نقطة التجمد انخفاضًا فجائيًّا يترتب عليه تحول بخار الماء الموجود في الجو من حالته الغازية إلى الحالة الصلبة   1 kincer J.B Climate and weather date for the jrited states, u.s. department الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 شكل "108" طول فصل النمو وعدد أيام الصقيع في لندن الأعمدة السوداء تدل على عدد أيام الصقيع في الشهر، المسافة المحصورة بين نقطتين تقاطع منحنى الحرارة مع خط 43 ْ"6 ْم" هي التي تبين طول فصل النمو مباشرة، أي دون أن يتكاثف أولًا إلى ماء ثم إلى ثلج بعد ذلك، وهذا الهبوط الفجائي في درجة الحرارة يكون عادة أشد خطرًا على نمو النبات، من هبوطها بشكل تدريجي. ولكن كلمة صقيع تستخدم في الوقت الحاضر بمعنى أوسع من معناها الأصلي الذي سبقت الإشارة إليه، فهي تطلق الآن على أي انخفاض في حرارة الجو يؤدي إلى هبوطها إلى درجة الصفر المئوي أو إلى ما دونها حتى ولو لم يؤد هذا الانخفاض إلى ظهور المادة الثلجية البيضاء، وتقدر شدة الصقيع عادة على أساس مقدار انخفاض درجة الحرارة عن الصفر، ويلاحظ أن سرعة الرياح تزيد عادة من قسوة البرودة، فدرجة الحرارة 5 ْم مثلًا تكون أشد تأثيرًا وخطرًا على النباتات إذا كانت الرياح شديدة منها إذا كان الهواء ساكنًا، ويتبين هذا من الجدول "41". ويعتبر الصقيع من أخطر الظاهرات الجوية على حياة النباتات، وخصوصًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 جدول "41" الحدود الحرارية التي وضعها مكتب الأرصاد الجوية البريطانية للصقيع1 الأنواع الحساسة منها، مثل الأزهار والفواكه والخضراوات، ولهذا فإن محطات الإذاعة والتلفاز في البلاد التي تتعرض كثيرًا لظهوره تذيع باستمرار إنذارات للزراع في حالة توقع ظهوره في بعض الليالي. وكثيرًا ما يعمد هؤلاء الزراع إلى إيقاد النيران في حدائقهم ومزارعهم لتلافي بعض أخطاره، كما هي الحال في الولايات المتحدة. وينتشر الصقيع في جميع الأقاليم المعتدلة والباردة من العالم، ولو أن مرات حدوثه تتزايد بصفة عامة كلما اتجهنا ناحية القطبين, وموسم ظهوره هو فصل الشتاء، ولكنه قد يظهر كذلك في فصلي الخريف والربيع, ويلاحظ أن صقيع فصل الشتاء لا يهم الزراع كثيرًا؛ لأنه تأتي في الفصل الذي يتوقف فيه نمو معظم النباتات، وخصوصًا في الأقاليم الباردة، كما أن صقيع فصل الخريف ليست له أهمية كبيرة؛ لأنه يأتي غالبًا بعد أن تكون معظم النباتات قد أتمت نموها، أو تكون على الأقل قد وصلت في نموها إلى مرحلة لا تتأثر فيها بظهور   1 نشرة رقم 336 - إدارة الأرصاد الجوية – لندن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 الصقيع. أما صقيع فصل الربيع فهو في الواقع أخطر أعداء الفلاح في العروض المعتدلة لأنه يأتي في الوقت الذي تكون فيه النباتات قد بدأت نموها وتكون الأشجار قد أخذت تخرج براعمها، ويشتد خطر صقيع الربيع بصفة خاصة في السنوات التي يكون شتاؤها دافئًا نسبيًّا؛ لأن جميع النباتات، والأشجار تبدأ نموها وازدهارها في مثل هذه السنوات في أواخر الشتاء وأوائل الربيع، أي قبل مواعيدها المعتادة فإذا حدث وظهر صقيع شديد بعد ذلك فإنه يؤدي إلى هلاكها مما يسبب خسائر كبيرة للزراع، ففي مصر وغيرها من البلاد العربية مثلًا كثيرًا ما يحدث صقيع شديد في بعض الليالي الربيعية فيؤدي إلى هلاك بعض المحاصيل الحساسة مثل محصول الطماطم، مما يتسبب في نقص المعروض منه في الأسواق وارتفاع أسعاره فجأة ارتفاعًا كبيرًا. الحرارة المتجمعة Accumulated Temperature: ويقصد بها مجموع الوحدات أو الدرجات الحرارية التي تتجمع فوق أدنى متوسط يومي للحرارة يمكن أن تنمو فيه النباتات بصفة عامة، وهو في رأي معظم الباحثين ومن بينهم كوبن وأوستن ملر 6 ْم، ويمكن أن تحسب الحرارة المتجمعة ليوم واحد أو لأسبوع أو شهر أو لأي فترة غير ذلك، إلا أن المعتاد هو حسابها لفصل النمو بأكمله، والحرارة المتجمعة لأي يوم هي الفرق بين متوسط درجة حرارته وصفر النمو:"6 ْ" فإذا كان متوسط درجة الحرارة في يوم ما هو 16 ْم فإن الحرارة المتجمعة لهذا اليوم تكون 16 - 6 = 10 ْم والحرارة المتجمعة لأي شهر من الأشهر هي مجموع الدرجات الحرارية المتجمعة في جميع أيام هذا الشهر، وأبسط طريقة لحسابها هي: م = "ح- 6" × عدد أيام الشهر. وذلك على اعتبار أن "م" هي الحرارة المتجمعة و"ح" هي المتوسط اليومي لدرجة حرارة الشهر, فإذا كان المتوسط اليومي لدرجة حرارة شهر يناير مثلًا هو 10 ْم فإن حرارته المتجمعة تكون "10 - 6" × 31 = 124 ْم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 والحرارة المتجمعة لفصل النمو هي مجموع درجات الحرارة التي تتجمع في جميع الأشهر التي يشملها هذا الفصل، وتقدير الحرارة المتجمعة لفصل النمو له أهمية كبيرة بالنسبة للحياة النباتية بصفة عامة والتوسع الزراعي في الأقاليم الباردة بصفة خاصة لأنه هو الذي يحدد نوع الغلات التي يمكن زراعتها في هذه الأقاليم، وذلك على أساس ما سبق أن ذكرناه من أن كل نبات يحتاج لكي يتم حياته إلى عدد معين من الأيام وإلى عدد معين أيضًا من الوحدات الحرارية، وقد ساعد هذا النوع من الدراسة كثيرًا من الدول الواقعة على حدود المناطق القطبية، كما هي الحال كندا وروسيا، على استغلال كثير من الأراضي الواقعة إلى الشمال من الدائرة القطبية في زراعة بعض المحاصيل التي أهمها القمح. وقد دلت التجارب على أن القمح يحتاج لكي يتم حياته إلى أن تتجمع خلال فصل نموه المعتاد الذي حوالي 215 يومًا، 1090 ْم1 على الأقل، ومع ذلك فقد استنبتت من القمح فصائل يمكن أن تتم حياتها في فترة أقصر من ذلك وبعدد أقل من الدرجات الحرارية المتجمعة، ومن أمثلتها بعض الفصائل التي تزرع في شمال كندا وبعض جهات ألاسكا، وهي تستطيع أن تتم حياتها في يوم واحد أو أقل ولا تحتاج إلا إلى 750 ْم، وليس من شك في أن وفرة ضوء الشمس في هذه العروض العليا في فصل الصيف يعتبر من العوامل التي تساعد على سرعة نمو النباتات وسرعة نضجها؛ لأنه يعوض النقص في درجة الحرارة من جهة وقصر النمو من جهة أخرى2. ويمكننا أن نلخص العلاقة بين درجة الحرارة وحياة النباتات فيما يلي:   1 Gilbert, J.H. "relation entre les somme de temperature et le production agricole" "archives des sciences physiques et naturelles, genevea 1886. gillbert's results were reviewed by curtis R.H, in symon's met. Magazine vol II, 1954 pp 133-119 under on the amount of geat requiring of wheat, 2 unstead, J. "the climatic limits of wheal cnlivation with special reference to north America" geog journal vol 36, 1612 pp. 347-366. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 1- أن هناك حدًّا أدنى لدرجة الحرارة التي يمكن أن تنمو فيها النباتات، وهذا الحد الأدنى هو الذي يطلق عليه اسم "صفر النمو" zero point of GROWTH" وهو يختلف من نبات إلى آخر، فبينما تستطيع نباتات الأقاليم الباردة أن تنمو في درجة حرارة أقل من الصفر المئوي نجد أن أغلب نباتات الأقاليم المعتدلة لا تنمو إلا إذا ارتفع المتوسط اليومي لدرجة الحرارة عن 6 ْم، "وهذا هو صفر النمو المتفق عليه بين كثير من الباحثين" أما نباتات الأقاليم الحارة فيلزم لنموها من غير شك درجات حرارة أعلى من ذلك. 2- ولئن كان هناك حد أدنى لدرجة الحرارة التي ينمو فيه النبات، فإن هناك كذلك حدًّا أعلى لها، ويكون هذا الحد أقل بالنسبة لنباتات الأقاليم المعتدلة والباردة منه بالنسبة لنباتات الأقاليم الحارة، فبينما تموت بعض نباتات الأقاليم الباردة إذا زاد المتوسط اليومي لدرجة الحرارة عن 21 ْم، نجد أن أغلب نباتات الأقاليم الحارة لا يؤذيها ارتفاع هذا المتوسط إلى 38 ْم أو أكثر. 3- أن سرعة نمو أي نبات تبلغ أقصاها في درجة حرارة معينة يمكن اعتبارها أصلح درجة لنموه "Optimum Temperature" وهي ليست واحدة بالنسبة لجميع النباتات، بل إنها ليست واحدة بالنسبة للنبات الواحد في مراحل نموه، المختلفة، وهي تقع بطبيعة الحال بين أدنى وأعلى درجتي حرارة يستطيع أن ينمو فيهما النبات، وتكون أعلى بالنسبة لنباتات الأقاليم الحارة منها بالنسبة لنباتات الأقاليم الباردة. 4- أن كل نبات يحتاج لكي يتم حياته ونضجه إلى عدد معين من الوحدات الحرارية التي يجب أن تتجمع في أثناء حياته فوق "صفر النمو" ويطلق على هذه الوحدات اسم الحرارة المتجمعة Accumulated Temperature. 5- في الأقاليم المعتدلة والباردة يقف نمو معظم النباتات في الفصل الذي ينخفض في أثنائه المتوسط اليومي لدرجة الحرارة عن "صفر النمو" ويتزايد طول هذا الفصل، أو بعبارة أخرى يتناقص طوله كلما اقتربنا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 القطبين، ولهذا فإن النباتات التي تنمو في الأقاليم الباردة والقطبية تكون عادة من الأنواع التي تستطيع أن تتم حياتها في فترات قصيرة نسيبًّا، ويلاحظ مع ذلك أن كثيرًا من النباتات لا تموت تمامًا بانتهاء فصل النمو بل تموت فقط موتًا ظاهريًّا، ولا تلبث أن تدب فيها مظاهر الحياة من جديد عندما يحل الدفء، كما يلاحظ أن بعض النباتات لا تتأثر تأثرًا ظاهرًا ببرودة فصل الشتاء بل تظل خضراء طول السنة, وتعتبر الأشجار الصنوبرية التي تنمو قرب الدائرة القطبية من أحسن الأمثلة على ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 الضوء : يعتبر ضوء الشمس بغض النظر عن حرارة الجو من أهم العناصر الضرورية لنمو النبات، وكلما زادت كمية الضوء ساعد ذلك على سرعة النمو، وهذه الحقيقة لها أهمية خاصة في العروض العليا؛ إذ إن طول النهار في فصل الصيف هناك يساعد النباتات على الإسراع في نموها، بحيث تتم حياتها ونضجها في فترة أقصر وبحرارة متجمعة أقل مما يلزم لنموها في العروض الأكثر دفئًا، ومعنى ذلك أن وفرة الضوء تستطيع أن تعوض النباتات عن بعض النقص في الحرارة، فالقمح الربيعي مثلًا يتم نموه ونضجه في شمال السويد في 79 يومًا تقريبًا، بينما يحتاج إلى حوالي 107 أيام في جنوبها، ويرجع ذلك من غير شك إلى تزايد طول النهار في الصيف كلما اتجهنا شمالًا، ويبين الجدول رقم 16 أقصى طول للنهار في العروض المختلفة. جدول "16" أقصى طول للنهار "في 21 يونيو" في العروض المختلفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 14- 1- 2- التربة : تمهيد : تعتبر التربة من غير شك ثروة من أعظم الثروات الطبيعية التي ترتبط بها حياة الإنسان ارتباطًا مباشرًا، فهي الوعاء الذي تجد فيه النباتات الاحتياجات اللازمة لوجودها ونموها وتكاثرها، والذي يحصل منه الإنسان بطريق مباشر أو غير مباشر على كل ما يحتاج إليه من ضروريات غذائه وملبسه ومسكنه. وليست المصادفة هي التي جعلت سكان العالم يتجمعون منذ بدء انتشارهم على سطح الأرض، وخصوصًا بعد أن بدءوا يعرفون الزراعة، في وديان الأنهار وغيرها من المناطق التي لا تصلح تربتها لإنتاج المحاصيل الغذائية، أو حتى لتقديم ثروة نباتية وحيوانية طبيعية يمكن أن يحصل منها الإنسان على احتياجاته الضرورية باتباع أساليب الجمع والالتقاط والصيد، وترتبط التربة في نشأتها وتركيبها وخصوبتها وغير ذلك من صفاتها العامة بعوامل مختلفة أهمها نوع الصخور التي استمدت منها "Parent Rocks" والعوامل المناخية التي تدخلت في تفتيت هذه الصخور وتحليل موادها ونقلها وتوزيعها على سطح الأرض وعلاقة ذلك بتضاريس هذا السطح وانحدارته وغير ذلك من العوامل التي يترتب عليها خلق أنواع من التربة ذات أشكال وخواص متباينة بحيث أصبح موضوع التربة من الموضوعات العلمية المعقدة التي لا يمكن الإلمام بكل جوانبها في أية دراسة عامة. وسنحاول فيما يلي أن نقدم عرضًا مختصرًا لأهم جوانب الموضوع بالقدر الذي تحتاج إليه دراستنا الجغرافية العامة. والمقصود بالتربة بمعناها الضيق هو المواد الصخرية المفتتة التي طرأ عليها بعض التغير الكيميائي واختلطت بها نسبة من المواد العضوية والسائلة والغازية فأصبحت ملائمة لنمو نوع أو أكثر من أنواع الحياة النباتية، وعلى هذا الأساس لا يعتبر الصخر المفتت وحده تربة بمعنى الكلمة طالما لم يطرأ عليه تغير كيميائي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 أو يختلط بنسبة من المواد المذكورة، حيث إنه لا يكون في هذه الحالة صالحًا لنمو النباتات، وتتكون التربة عادة ببطء تحت تأثير عوامل مختلفة أهمها المناخ والنبات وتضاريس سطح الأرض، إن اختلاف هذه العوامل بالإضافة إلى نوع الصخر الأصلية التي تستمد منها المواد الصلبة التي تتكون منها التربة هو الذي يؤدي إلى ظهور الصفات الكثيرة التي تتميز بها بعض أنواع التربة عن بعضها الآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 مواد التربة : تنقسم المواد التي تتكون منها التربة عمومًا إلى قسمين كبيرين: فالقسم الأكبر منها يتكون من مواد غير عضوية "Lnorganlc" أما القسم الآخر فيتكون من مواد أصلها عضوية "organlc" بمعنى أنها مستمدة في الأصل من الكائنات الحية على اختلاف أنواعها ومراتبها، المواد غير العضوية: هذه المواد هي التي تكون القسم الأكبر من التربة وهي تنتج من تفكك وتحلل الصخور المختلفة التي تتكون منها قشرة الأرض بفعل التجوية الميكانيكية والكيميائية، والمعروف أن كل هذه الصخور عبارة عن مركبات من معادن مختلفة، كما أن المعادن نفسها ليست في معظمها إلا مركبات غير عناصر كيميائية مختلفة، وعلى هذا الأساس يمكن القول إن المواد غير العضوية التي تتكون منها التربة هي عمومًا نفس العناصر التي تدخل في تركيب صخور القشرة الأرضية ومعادنها، وقد اكتشف من هذه العناصر أكثر من مائة عنصر ولكن نبين أن 98.5% من تركيب قشرة الأرض يتكون من ثمانية عناصر منها فقط وهي الأكسوجين والسيليكون والألومينيوم "ويتكون من هذه العناصر ثلاثة وحدها حوالي 82% من صخور القشرة الأرضية" ويأتي بعدها بالترتيب الحديد والكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والمغنسيوم وكلها عناصر ضرورية لحياة النباتات. وهناك عناصر أخرى ضرورية لحياة النباتات أيضًا ولكنها موجودة بنسب صغيرة ومنها النيتروجين والفوسفور والكبريت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 وهكذا فعندما تتفتت الصخور المختلفة بفعل التجوية فإنها تنتج أنواعًا متباينة من المواد التي يكون بعضها قابلًا للذوبان في الماء مثل كربونات الكالسيوم وبعضها الآخر غير قابل للذوبان مثل الصلصال والغرين والرمال التي تتكون من حبات الكوارتز وقطع الصخور، وهذه المواد غير القابلة للذوبان هي التي تمثل التركيب غير الضروري الرئيسي للتربة. التركيب الكيميائي للتربة: إن دراسة التركيب الكيميائي للتربة له علاقة قوية بنوعيتها ومدى صلاحيتها لنمو الأنواع المختلفة من النباتات، وكلما كانت التربة متوازنة في تركيبها الكيميائي كانت أكثر صلاحية للزراعة، وفي حالة عدم توازنها تستخدم عادة أسمدة كيميائية خاصة لتزويدها بالعناصر الناقصة. ويطلق تعبير عناصر التربة الحرجة soil critical elements على بعض العناصر الضرورية التي تستهلك منها النباتات كميات كبيرة والتي توجد غالبًا بنسب صغيرة في التربة ومنها النيتروجين "الآزوت" والفوسفور والبوتاسيوم، وهي تضاف عادة إلى التربة في صورة أسمدة كيميائية لتعويض ما يطرأ عليها من نقص، وهناك غير ذلك عناصر أخرى لها دخل في توازن التربة مثل المنجنيز والنحاس والزنك، كما أن درجة تركيز الأيدروجين، التي يعبر عنها عادة بالرمز ph تعتبر من العناصر المهمة التي لا بد أن يحسب لها حساب في تقدير صلاحية التربة للزراعة لأنها هي التي تحدد درجة حموضتها أو قلويتها، وتتراوح قيمة الph بين 4 و5 في التربة الحمضية و8 و10 في التربة القلوية. وتعتبر المواد الجيرية "أو الكلسبة" والمواد الملحية وأكاسيد الحديد والألومينيوم وأملاح الصوديوم والبوتاسيوم من العناصر التي يمكن أن تعطي للتربة نوعية خاصة إذا كثرت فيها، وعلى هذا الأساس تقسم التربة عمومًا إلى أربعة أنواع كبرى هي: التربة الجيرية، والتربة الملحية، والتربة الحديدية، والتربة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 المتعادلة. أما التربة الجيرية فيقصد بها التربة التي تسود فيها المواد الجيرية، ويطلق عليها عمومًا تعبير "بيدوكال"1 Pedocal، وهي موجودة على نطاق واسع في مناطق الصخور الجيرية، وخصوصًا في الأقاليم الجافة، وهي تربة قلوية حيث ترتفع فيها درجة التركيز الأيدروجيني إلى 8 أو أكثر، وفيها تجود زراعة أنواع متباينة من المحاصيل إذا توافرت لها المياه. أما التربة الملحية Halomorphic، فهي التربة التي تحتوي على نسبة عالية من الأملاح، وخصوصًا أملاح الصوديوم والبوتاسيوم، وهي موجودة بكثرة في منخفضات الأقاليم الجافة التي تنصرف نحوها مياه الأمطار أو ترتفع فيها بعض المياه الجوفية إلى السطح، ففي هذه الأقاليم يؤدي نشاط التبخير إلى سرعة ارتفاع مياه التربة ومعها الأملاح الذائبة بفعل الخاصية الشعرية، مما يؤدي إلى تركز الأملاح بمرور الوقت على السطح وفي التربة السطحية، كما يكثر وجود هذا النوع من التربة في الأشرطة الساحلية المنخفضة التي تكونت على حساب البحر أو التي تطغى عليها مياهه عند ارتفاعها في حالة المد أو الأمواج العالية. ومن أشهر السبخات الساحلية والسبخات التي توجد في منخفضات الأقاليم الجافة ومنها منخفضات الواحات. أما التربة الحديدية2 pedalfer، فيميزها وجود نسبة عالية من أكاسيد الحديد وأكاسيد الألومينيوم بها، وتعطيها أكاسيد الحديد عادة لونًا أحمر طوبيًّا أو مائلًا للاحمرار، وهي غالبًا حمضية، وفيها لا تزيد قيمة الph عن 4.5، وهي عمومًا قليلة الخصوبة بسبب حموضتها ولكن من الممكن معالجتها بإضافة بعض الجير إليها، وهي توجد عادة في الأقاليم الاستوائية، كما تمثلها تربة البودزول في الأقاليم الباردة.   1 PEDOCAL كلمة من أصل لاتيني مكونة من مقطعين هما PED ومعناه أرض وCAL وهي اختصار كلمة كالسيوم CALCIUM. 2 pedalfer كلمة من أصل لاتيني مكونة من ثلاثة مقاطع هي: ped ومعناها أرض ثمAl وFER وهما اختصار كلمتي Aluminium وferrum أي حديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 أما التربة المتعادلة فهي التربة المتوسطة بين التربة الجيرية القلوية والتربة الحديدية الحمضية، وفيها تكون درجة التركيز الأيدروجينى ما بين 6 و7. المواد العضوية: مصدر هذه المواد هو بقايا ومخلفات الحياة النباتية والحيوانية بمختلف أنواعها ومراتبها، فكل هذه الكائنات مردها النهائي إلى التربة حيث تتفتت وتتحلل فيها بمرور الزمن وتحت الظروف الملائمة إلى أعداد لا حصر لها من الكائنات العضوية الميكروسكوبية، والمواد العضوية المتحللة في التربة هي التي يطلق عليها عادة اسم الدبال أو الهيومص "Humus" وعندما يزداد تحلل الدبال فإنه يتحول إلى أملاح بسيطة وثاني أكسيد كربون وماء وتعتبر المواد العضوية المتحللة من أهم العوامل التي تساعد على تحسين التربة وعلى المحافظة على خصوبتها، ولذلك فإن وجودها ضروري جدًّا في الأراضي الزراعية، والواقع أن التربة لا تكون ذات قيمة حقيقية إلا إذا كانت بها نسبة معقولة من المواد العضوية المتحللة. وتعتبر البكتريا وغيرها من الكائنات العضوية الميكروسكوبية مثل الطحالب والفطريات والبروتوزوات من المواد العضوية المهمة، التي يساعد وجودها بكثرة في التربة على إحداث التغيرات الكيميائية الضرورية لتحليل المواد العضوية الأخرى وتحويلها إلى دبال "Humus" ثم تحويل الدبال بدوره إلى عناصر أبسط منه يسهل على النباتات أن تستفيد بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 العوامل التي تتدخل في تكوين التربة : تتدخل في تكوين التربة عوامل متعددة وعمليات طبيعية وكيميائية معقدة تشترك فيها كل عناصر البيئة الطبيعية والحيوية بدون استثناء، وليس من السهل حصر كل العوامل التي لها دور مهم في التكوين، ولكننا مع ذلك يمكننا أن نحدد أهمها كما يأتي: 1- نوع الصخر الذي تستمد منه التربة 2- المناخ 3- التضاريس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 4- المياه 5- الكائنات الحية أولًا: نوع الصخر: فالصخور هي مصدر المواد غير العضوية التي تستمد منها المكونات الرئيسية الأولية للتربة، ولكل تربة مصدر صخري أصلي تستمد منه مكوناتها الرئيسية، ويطلق علي هذا المصدر تعبير الصخر الوالد parent Rock ولهذا فلابد للباحث الذي يتعرض لدراسة التربة أن يكون على علم بأنواع الصخور وتركيبها المعدني والعنصري لأن هذا التركيب سيكون هو نفسه تقريبًا تركيب التربة، ونظرًا لأهمية هذا العامل فإن التربات تصنف أحيانًا على أساس أنواع الصخور التي استمدت منها، كأن تكون مثلًا تربة رملية أو جيرية أو طينية وتوصف التربة بأنها محلية إذا كانت مستمدة من الصخر الذي ترتكز عليه مباشرة، ومنقولة إذا كانت مستمدة من صخور منطقة أخرى غير منطقة وجودها، ويكون تركيبها في هذه الحالة مختلفًا عن تركيب الصخر الذي ترتكز عليه. ولا شك أن تحول الصخر إلى المواد المفتتة التي تتكون منها التربة يحتاج إلى أن يتعرض هذا الصخر لعمليات التجوية المختلفة، سواء في ذلك علميات التجوية الميكانيكية أو الكيميائية، وهي العمليات التي تتدخل فيها عوامل كثيرة أهمها المناخ والمياه والكائنات الحية فإذا ما تفتت الصخر وتحلل بالتجوية وبقيت المواد المفتتة الناتجة في مكانها على سطحه فإن هذا يؤدي إلى تكوين التربة المحلية، أما إذا قامت عوامل التعرية بنقل هذه المواد إلى أماكن أخرى فإن هذا يؤدي إلى نشوء أنواع مختلفة من التربة المنقولة التي تتميز بصفات خاصة على حسب طبيعة عوامل التعرية التي قامت بنقلها وترسيبها، ومن أهمها: 1- التربات الهوائية التي تقوم الرياح بنقلها مثل تربة اللويس والتربات الرملية في الأقاليم الجافة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 2- التربات الفيضية التي تقوم المياه الجارية بنقلها، والتي تتكون منها تربات وديان الأنهار ودلتاواتها، بما في ذلك تربات وديان الأقاليم الجافة التي تجري فيها المياه بصورة متقطعة، وتربات الدلتاوات المروحية التي تتكون في نهايات هذه الوديان، وتربات الأحواض التي تصب فيها. 3- التربات الجليدية وهي التي يقوم الجليد بنقلها وترسيبها عند انصهاره، وهي توجد حول الثلاجات وعلى أطراف المناطق التي زحف عليها الجليد خلال العصور الجليدية في البليستومين. ثانيًا- المناخ: وهو العامل الرئيسي الذي يؤثر في المواد الصخرية والمعدنية المستمدة من الصخر الأصلي ولكل عنصر من عناصر المناخ دوره الخاص في هذا المجال ومع ذلك فإن العناصر كلها تعمل مجتمعة وتؤدي بمرور الوقت إلى إضعاف الصلة بين مواد التربة وبين الصخر الأصلي الذي استمدت منه، وكلما طال الزمن اكتسبت التربة صفات جديدة تبعدها عن صفات هذا الصخر، حتى إن النوع الواحد من الصخور قد يعطي أنواعًا مختلفة من التربة إذا ما تعرضت المواد المستمدة منه لظروف مناخية مختلفة، ولهذا فإن علماء التربة يميلون في الوقت الحاضر إلى تصنيف التربات في العالم على أساس النطاقات المناخية التي تكونت فيها، لا على أساس الصخور الأصلية التي استمدت منها، ولا يكاد يوجد أي عنصر مناخي إلا وله دور مهم في تكوين التربة. فالإشعاع الشمسي له دور مهم في حياة الكائنات الحية التي تعيش في التربة أو تموت وتتحلل فيها، كما أنه يعتبر عاملًا رئيسيًّا في عمليات التبخر منها وفي التفاعلات الكيميائية التي تحدث فيها، كما أن درجة الحرارة تعتبر هي الأخرى عاملًا رئيسيًّا من العوامل التي لها دخل في تكوين التربة على اعتبار أنها عامل مهم من عوامل التجوية الميكانيكية وأن لها تأثيرًا قويًّا على نمو الكائنات الحية وعلى قدرة التربة على استخلاص الأزوت من الهواء وعلى تبخر الماء منها وعلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 ترسيب الأملاح عليها، أو على تجفيف سطحها وتفتيته مما يساعد الرياح على إزالة ما يغطيه من أتربة ورمال ناعمة. وتعتبر درجة حرارة التربة من العناصر التي يمكن قياسها بواسطة ترمومترات خاصة، والمعتاد هو أن تكون درجة حرارة التربة السطحية مرتبطة بدرجة حرارة الهواء الملاصق لها، وأن هذا الارتباط يتناقص كلما تعمقنا فيها، ولهذا فكثيرًا ما يكون هناك فرق كبير بين درجة حرارة التربة السطحية ودرجة حرارة التربة السفلية. ففي الأقاليم الصحراوية الحارة مثلًا قد ترتفع درجة حرارة سطح الرمال أحيانًا في وسط النهار في فصل الصيف إلى 70ْ مئوية أو أكثر ولكنها تتناقص تدريجيًّا كلما تعمقنا بعيدًا عن السطح حتى إن المياه الجوفية التي قد توجد على عمق بضعة أمتار تكون باردة، أما في فصل الشتاء فقد يحدث العكس فتكون درجة حرارة السطح أقل من درجة حرارة التربة السفلية التي تظل محتفظة بحرارتها، ومعنى هذا بعبارة أخرى أن درجة حرارة التربة السفلية لا يطرأ عليها تغير كبير من وقت إلى آخر بينما تتغير درجة حرارة التربة السطحية كلما تغيرت درجة حرارة الجو، ومن الظاهرات المعروفة أن التربة السفلية في كثير من المناطق الباردة والقطبية متجمدة باستمرار منذ العصور الجليدية أو قبلها وتعرف هذه الظاهرة باسم perma frost أي ظاهرة التجمد الدائم للتربة, ويمتد هذا التجمد لعمق كبير قد يصل إلى 400 متر أو أكثر، ومع هذا فإن التربة السطحية في نفس هذه المناطق تنصهر خلال فصل الصيف وتنمو بها الحشائش القطبية بل ويمكن استخدامها للزراعة، إلا أن مثل هذه التربة تكون رديئة الصرف؛ لأن المياه التي تتجمع على سطحها لا تستطيع التسرب إلى طبقاتها السفلى المتجمدة، وتعتبر الأمطار كذلك من أهم العناصر المناخية التي لها دخل مباشر وغير مباشر في تكوين التربة، وهي كغيرها من العناصر لا تقوم بعملها منفردة بل إنها جميعًا تعمل متضافرة، فالأمطار الكثيرة التي تسقط طول السنة أو في معظم الأشهر على المناطق السهلية تؤدي إلى تبلل التربة باستمرار، بل وإلى تراكم المياه فوقها مما يؤدي إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 ذوبان ما بها من أملاح قابلة للذوبان وإلى تصفية هذه الأملاح بالتسرب نحو التربة السفلية حيث تتجمع غالبًا في طبقة ملحية تتماسك بمرور الوقت حتى تتصلب وتتكون منها طبقة غير نفاذة تحول دون انصراف مياه التربة إلى أسفل مما يؤدي إلى رداءة صرفها وتدهورها. ويطلق على عملية ذوبان أملاح التربة وتسربها إلى أسفل اسم عملية التصفية leaching وهي تساهم في تكوين أنواع متباينة من التربة على حسب كثرة الأمطار وتوزيعها الفصلي ودرجة حرارة الأقاليم التي توجد فيها، ففي الأقاليم الباردة المطيرة تؤدي هذه العملية مع قلة التبخر إلى تراكم البقايا النباتية بكثرة وتكدسها على السطح وعدم تحللها تحللًا كافيًا، فينتج عن ذلك نوع من التربة النباتية الحمضية يعرف باسم تربة البودزول، أما في الأقاليم الحارة المطيرة مثل الأقاليم الاستوائية فإن عملية التصفية لا تزيل أكاسيد الحديد الحمراء من التربة بسبب عدم قابليتها للذوبان فينتج عن هذا تكون نوع من التربة الحمراء يشتهر باسم تربة اللاتيريت Laterite أي التربة الطوبية لأنها تشبه الطوب الأحمر. وعلى العكس من كثرة الأمطار فإن قلتها في الأقاليم الجافة تؤدي إلى جفاف التربة وإلى ارتفاع مياهها إلى السطح بتأثير الخاصة الشعرية حيث تتبخر تاركة ما بها من أملاح على السطح أو تحته مباشرة، وبتكرار هذه العملية تزداد ملوحة التربة السطحية وتتكون فوقها قشرة ملحية، وبهذه الطريقة تتكون المسطحات المالحة والسبخات المنتشرة في منخفضات كثير من الأقاليم الجافة. وبالإضافة إلى تأثير المطر على نوعية التربة، فإن له تأثيرًا آخر بوصفه عاملًا من عوامل التعرية، حيث إن سقوطه بغزارة على جوانب المنحدرات، وخصوصًا المنحدرات الخالية من الغطاء النباتي، يؤدي غالبًا إلى جرف التربة وإزالتها باستمرار. وتعتبر الرياح كذلك من العناصر المناخية التي لها دخل في تكوين التربة، وذلك باعتبار كونها عاملًا من عوامل التعرية، فهي تقوم بتذرية التربة الناعمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 في المناطق الجافة مما يؤدي إلى كشف القاعدة الصخرية التي ترتكز عليها أو الطبقة الحصوية التي تتخلف على السطح بعد أن تزيل الرياح الحبات الصغيرة التي كانت مختلطة بها، وبهذه الطريقة تكونت مناطق الحمادة الصخرية ومناطق الرق الحصوية التي تعتبر من أهم الأشكال السطحية في الأقاليم الصحراوية. كما تقوم الرياح من ناحية أخرى ببناء التربة في المناطق التي ترسب فيها ما تنقله من رمال أو أتربة، فالمعروف مثلًا أنها هي المسئولة عن تكوين بعض أنواع التربة المشهورة في العالم وأهمها تربة اللويس التي توجد في مناطق واسعة وبسمك كبير في كثير من المناطق مثل شمال الصين ووسط أمريكا الشمالية. ثالثًا- التضاريس: تتدخل التضاريس في تكوين التربة بطرق مختلفة بعضها مباشر وبعضها غير مباشر، فمن آثارها المباشرة أنها تساعد على انجراف التربة وتحول دون تراكمها على المنحدرات الشديدة والقائمة، بينما تساعد على ترسيبها وتراكمها في السهول والأحواض المنخفضة، وفيما بين هاتين النهايتين يتدرج تأثير التضاريس على تكوين التربة وعلى تطورها. ويعتبر انجراف التربة بالذات من أخطر المعوقات الزراعية في الأقاليم الجبلية، ولذلك فقد اهتم الزراع بمقاومته والتغلب عليه منذ العهود الحضارية القديمة، ومن أشهر طرق مقاومته وأقدمها طريقة بناء المدرجات على المنحدرات وهي طريقة منتشرة في مناطق كثيرة من العالم مثل اليمن والجزائر وإندونيسيا وغيرها من بلاد جنوب شرقي آسيا، وهناك طريقة أخرى تستخدم غالبًا في أوروبا وأمريكا، وبمقتضاها تترك أشرطة من الأعشاب الطبيعية على الأطراف السفلية للحقول الواقعة على المنحدرات حتى تعوق انجراف التربة كما تفعل سدود المدرجات، وكلما كان الانحدار شديدًا كلما احتاج الأمر إلى زيادة عرض الأشرطة وزيادة كثافة نباتاتها, ومن المتبع كذلك أن تبنى سدود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 منخفضة بعرض الوديان التي تنحدر فيها المياه لتتجمع أمامها التربة فتتكون بذلك أحواض رسوبية صغيرة يمكن زراعتها بعد توقف جريان المياه. وبالإضافة إلى الطرق السابقة التي تستخدم بقصد استخدام المنحدرات للزراعة، فمن الممكن كذلك حماية تربة المنحدرات الجبلية بتشجيرها أو المحافظة على الغطاء النباتي الطبيعي الذي يكسوها. رابعًا- المياه: تعتبر المياه المختلطة بحبيبات التربة من أهم العوامل التي تتدخل في عمليات التحلل الطبيعية والكيميائية التي تحدث للكائنات العضوية التي توجد في التربة، وكلما كانت التربة جيدة الصرف ساعد ذلك على تطورها ونضوجها بشكل متعادل، أما إن كانت رديئة الصرف ظلت مبللة باستمرار فإن ذلك يؤدي إلى تكوين أنواع خاصة من التربة لا تصلح غالبًا للزراعة إلا بعد تجفيفها وإصلاحها، وكثيرًا ما يحدث هذا في الأراضي المنخفضة في المناطق المطيرة وفي المناطق التي ترتكز فيها التربة السطحية على طبقة صماء قريبة من السطح. ويوجد الماء في التربة بأشكال وصور متعددة من أهمها: 1- الماء الممتص Absorbed water وهو الماء الذي تجتذبه جزيئات التربة فيتجمع حولها، ولكنها لا تحول دون انفصاله عنها عندما تحتاج إليه جذور النباتات ولهذا فإنه يسمى أحيانًا بالماء المتيسر. 2- الماء الملتصق أو الهيجروسكوبيWATER HYGROSCOPIC وهو الماء الذي يلتصق التصاقًا شديدًا جدًّا بحبات التربة بشكل أغشية رقيقة جدًّا لا يمكن فصلها إلا بالتبخر عندما ترتفع درجة حرارة التربة إلى مائة درجة أو أكثر، ولهذا السبب فإن هذا الماء يسمى أحيانًا بالماء غير المتيسر حيث إن النباتات لا يمكنها أن تستفيد به. 3- الماء الشعري Capillary "or film" water وهو الماء الذي يستطيع أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 يرتفع في مسام التربة بتأثير الخاصة الشعرية بسبب ضعف التصاقه بحبات التربة مما يسمح له بالارتفاع بين مسامها، ويمكن للنباتات أن تستفيد به. 4- الماء الحر "الماء الفائض" FREE OR GRAVITATIONAL WATER وهو الماء الزائد عن قدرة الجذب الشعري، وهو يتحرك بقوة الجاذبية الأرضية وهو ماء غير مرغوب فيها لأن زيادته تؤدي إلى رداءة الصرف وسوء تهوية التربة واختناق جذور النباتات، كما أن التخلص منه عن طريق المصارف قد يؤدي إلى فقدان التربة لبعض الأملاح المفيدة للنباتات، ويظهر تأثير هذا الماء بوضوح في المناطق الرطبة حيث يقوم بعمليتي الغسل والترسيب، وهذا الماء هو الذي تتكون منه الطبقة المائية الجوفية حيثما يصادف طبقة صماء تحول دون تسربه إلى أسفل. خامسًا- الكائنات الحية: أن العلاقة بين التربة والكائنات الحية علاقة متبادلة بمعنى أن كلًّا منهما يعتمد على الآخر، حتى إن موضوع التربة يدرس غالبًا ضمن موضوع الجغرافيا الحيوية. ويتوقف الدور الذي تؤديه الكائنات الحية في تكوين التربة على نوع هذه الكائنات، فالدور الذي تؤديه الكائنات المجهرية والحشرات مثل الديدان يختلف اختلافًا تامًّا عن الدور الذي تؤديه الدواب بمختلف أنواعها بما فيها الإنسان والحيوانات المفترسة أو الذي تؤديه الطيور والزواحف وغيرها. ويعتبر الغطاء النباتي بالذات أهم العوامل الحيوية التي تتدخل في تكوين التربة؛ لأنه تؤثر فيها ويتدخل في تكوينها بطرق عديدة منها: 1- أنه يقلل من الإشعاع الشمسي الواصل إليها فيقلل من درجة حرارتها في أثناء النهار، ويحفظ حرارتها في أثناء الليل فيقلل من المدى الحراري اليومي لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 2- أنه يساعد على ضياع مياهها عن طريق النتح ولو أنه يقلل من ناحية أخرى من التبخر المباشر لمياهها. 3- أن جذور النباتات تعمل على تفكيك التربة وزيادة نفاذيتها وتهويتها. 4- أن النباتات تستخدم أشعة الشمس في عمليات التمثيل الكلوروفيلي، وتحول بعض عناصر الهواء بطريقة كيميائية إلى عناصر جديدة تنتقل من النبات إلى التربة ومنها بعض المركبات النباتية المهمة مثل الجلوكوز والنشويات والسليلوز وبعض السكريات، وتختلط هذه المركبات بالتربة نتيجة لتراكم بقايا النباتات عليها واختلاطها بها. 5- أنها تساهم في نقل المواد المعدنية رأسيًّا في التربة؛ لأنها تمتص الأملاح والمواد المعدنية بواسطة الجذور من أعماق متباينة وتتركها على السطح مع البقايا النباتية. 6- تساهم بعض الأشكال النباتية في تكوين أنواع معينة من التربة مثل تربة التشرنوزيم التي تتكون عادة في مناطق الإستبس وتربة البودزول الحمضية في مناطق الغابات الرطبة ذات الصرف الرديء. 7- أن الغطاء النباتي يحمي التربة من الانجراف على جوانب المنحدرات. 8- أن كثرة الكائنات الحية الدقيقة، مثل الطحالب في التربة تساعد على تحلل المادة العضوية وتحويلها إلى دبال وإلى عناصر غذائية مختلفة يستفيد بها النبات. وتوجد من هذه الكائنات أنواع متباينة في صفاتها ومناطق تكاثرها وآثارها ومن أهمها: أ- الطحالب الأرضية التي تعيش عند سطح التربة والتي تكثر بها مادة الكلوروفيل، وتساعد على تثبيت بعض الأزوت في التربة عندما تكون مبللة ومعرضة للشمس. ب- الفطريات وهي تتميز عن الطحالب بخلوها من الكلوروفيل وبعدم مقدرتها على تثبيت أزوت الهواء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 ج- البكتريا وهي من أكثر الكائنات الدقيقة انتشارًا وهي تساعد على عدة عمليات كيميائية في التربة مثل تثبيت النيتروجين والتأزت وتأكسد الكبريت. د- الأشينيات وهي أحياء نباتية دقيقة جدًّا بين الطحالب والفطريات وتتميز بمقدرتها على الحياة على سطح الصخور الجرداء بسبب قدرتها على الاستفادة من أي غشاء مائي دقيق وعلى امتصاص غذائها من بعض معادن الصخور غير المتحللة وعلى امتصاص بعض الأزوت من الهواء، وهي تمثل البداية الأولى للحياة النباتية على سطح الصخور العارية، كما تعتبر من العوامل الأولى لتكوين التربة عليها. نسيج التربة وتركيبها Soil texture and soil structure: المقصود بنسيج التربة هو حجم الحبات التي تتكون منها، أما تركيبها فيقصد به الطريقة التي تتكتل بها هذه الحبات والأشكال التي تأخذها الكتل المكونة منها. ويتدرج نسيج التربة على حسب حجم من قطع الأحجار المهشمة إلى الحصى والحصباء ثم الرمال بمختلف أحجامها "خشنة - متوسطة - ناعمة - ناعمة جدًّا" ثم الغرين "silt" ثم الصلصال, وليست هناك حدود دقيقة لحجم الحبات التي يتكون منها نسيج التربة ومع ذلك فإن هناك حدودًّا تقريبية يمكن أن يحدد بها هذا النسيج على أساس قطر الحبات المكونة لها كما يأتي1. صلصال Clay - قطر الحبة 0.002 من الملليمتر. غرين silt - قطر الحبة من 0.002 إلى 0.05 من الملليمتر. رمل sand – قطر الحبة من 0.05 إلى ملليمترين. أحجار، وحصى وحصباء "grit" - قطر الحبة أكبر من ملليمترين. ولكن يندر أن تكون التربة مكونة من نوع واحد من هذه المواد، والغالب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 شكل "109" مثلث نسيج التربة وهو أنها تكون مكونة من خليط من حبات مختلفة الأحجام، ويحدد نوع التربة على أساس نسبة المواد التي يتكون منها النسيج فإذا كان النسيج مكونًا من خليط من الرمل والغرين والصلصال فإن أنواع التربة يمكن أن ترتب على أساس تزايد نسبة الصلصال والغرين بها كما يأتي: رملية - رملية طفلية - غرينية طفلية - صلصالية طفلية - صلصالية1 "شكل 109". وتعتبر الحبيبات الصلصالية أدق الحبيبات التي يمكن رؤيتها في نسيج التربة سواء بالعين المجردة أو بالمجهر، ولكن هناك فضلًا عن ذلك ذرات بالغة الدقة لا يمكن رؤيتها ولكنها تظهر بشكل مادة غروية "colloidal" تساعد على تماسك حبات التربة وحبيباتها، ويوصف نسيج التربة بأنه ناعم أو خشن على أساس حجم الحبات والحبيبات التي يتكون منها، وكلما كان النسيج ناعمًا أي   1 هذه هي الحدود التي وضعها مكتب الكيمياء والتربة في الولايات المتحدة راجع united states bureau of chemistry and soils "soil and man" yearbook of agriculture 1938 u.s.p.893. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 كانت حبيباته دقيقة ساعد ذلك جذور النباتات على أن تستمد غذاءها من سطح أوسع لأن مجموع سطح الحبيبات في التربة الناعمة يكون أكبر منه في التربة الخشنة، والمعروف أن النباتات تستمد غذاءها من هذه السطوح، وقد قدر مثلًا أن الرطل الواحد من المواد الغروية يمكن أن يغطي مساحة قدرها خمسة أفدنة لو أنه نشر على سطح مستوٍ. والمألوف في التربة هو أن الحبات والحبيبات لا توجد متفرقة ولكنها تتكتل مع بعضها لتتكون منها مجمعات مختلفة الأشكال والأحجام، والنظام الذي تتكتل به الحبات هو ما يعبر عنه باسم تركيب التربة أو بنائها "soil structure" وتأخذ الحبات في تكتلها أشكالًا معروفة فمنها ما يتكتل في مجمعات تأخذ أشكال قطع الصخور المهشمة أو الشظايا ذات الزوايا المحددة، ومنها ما يأخذ أشكالًا كروية أو بيضية أو منشورية أو شكل الضفائر أو البلاط. وقد يوصف تركيب التربة بأنه جيد أو رديء على حسب درجة ملاءمته لنمو النباتات، وترتبط جودة التركيب بعوامل مختلفة من أهمها وجود مواد تساعد حبات التربة على الالتصاق والتكتل، وأفضل المواد لهذا الغرض هي المواد التي تحتوي على غذاء عضوي أو معدني مثل الدبال "humus" والكالسيوم والبوتاسيوم والمنجنيز، كما أن نسيج التربة نفسه له دخل كبير في خلق التركيب المناسب، وتعتبر التربة الغرينية والصلصالية من أكثر أنواع التربة ملاءمة لإيجاد التركيب الجيد بسبب كثرة ما بها من مواد غروية. ولئن كان التوازن الكيميائي في تكوين التربة مهم لرفع قيمتها الإنتاجية فإن نسيج التربة وتركيبها يعتبران كذلك من الصفات المهمة التي يجب مراعاتها عند بحث هذه القيمة، وهما يسيران جنبًا إلى جنب ولا يمكن أن يستغني بأحدهما عن الآخر، فلا يكفي مثلًا أن يكون نسيج التربة ناعمًا مثل الصلصال أو الغرين دون أن يكون تركيبها جيدًا؛ لأنها تكون في هذه الحالة صماء وغير ملائمة لتسرب الماء أو الهواء بين حباتها، كما يكون نفاذ جذور النباتات فيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 صعبًا، ولكن الذي يحدث غالبًا هو أن تأخذ هذه التربة تركيبًا ملائمًا حيث تتحد حبيبات الغرين والصلصال مع بعضها لتتكون منها حبات كبيرة نسبيًّا تبدو كل منها وكأنها حبة أصلية مستقلة، وهذا يسمح للهواء والماء بالتسرب فيها، وقد يحدث أن تعود هذه الحبات الكبيرة نسبيًّا فتتجمع مع بعضها لتتكون منها مجمعات أكبر حجمًا مما يؤدي إلى اتساع الفراغات التي تفصل بعضها عن بعض مما يسهل تهويتها. القطاع الرأسي للتربة soil profile: المقصود بالقطاع الرأسي للتربة هو القطاع الذي يبين الطبقات المكونة لها، وهي الطبقات التي يمكن ملاحظتها في كثير من الأحيان على جوانب الوديان والآبار والحفر العميقة, والمعتاد هو أن تكون التربة مكونة من عدد من الطبقات "HORIZONS" التي قد يكون من السهل تمييز بعضها عن بعض على أساس اللون أو التركيب أو النسيج، وهناك ثلاث طبقات رئيسية تكون غالبًا موجودة في معظم أنواع التربة، ويرمز لكل طبقة منها بحرف كبير "CAPITAL" من حروف الهجاء، وهذه الطبقات من أعلى إلى أسفل هي: الطبقات C,B,A كما أن كل طبقة منها قد تكون مكونة من عدة طبقات أصغر. وتتميز كل طبقة من الطبقات الرئيسية بصفات خاصة بها، فالطبقة "A" تحتوي عمومًا على أكبر نسبة من المواد العضوية والكائنات الميكروسكوبية المتحللة "الدبال". وهذه هي الطبقة التي تنمو فيها المحاصيل الزراعية، كما أنها هي التي تتعرض دائمًا لعمليات التصفية وتشمل عملية ذوبان الأملاح وتسربها مع المياه إلى الطبقة التي تحتها LEACHING، وعملية إزاحة المواد الناعمة منها بواسطة المياه إلى الطبقة التي تحتها ELUVIATION وتكون هاتان العمليتان نشطتين بصفة خاصة في المناطق الرطبة. أما الطبقة الثانية "B" فتختلف عن الطبقة الأولى في النسيج والتركيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 واللون، وفي هذه الطبقة تتجمع معظم الأملاح والمواد الناعمة التي تحملها المياه إليها من الطبقة الأولى، وقد تكون هذه المواد في بعض الأحيان كثيرة بدرجة تؤدي إلى تماسكها وجعلها صماء غير مسامية، وهي عادة خالية من الدبال. وتتكون التربة بمعناها الدقيق من الطبقتين السابقتين، وهما ترتكزان على الطبقة الثالثة "C" التي تتكون من المواد الصخرية الأصلية التي استمدت منها التربة، والتي قد تكون عبارة عن طبقة من المواد الصخرية المفككة أو المتماسكة، أو عبارة عن القاعدة الصخرية الصلبة نفسها، وهي غالبًا ما تكون خالية من أي مظهر من مظاهر التطور المعروفة في التربة. ولكن لا يشترط أن تكون الطبقات الثلاث ممثلة كلها في قطاع التربة، ففي بعض الأحيان تكون الطبقة "A" مرتكزة فوق الطبقة "C" مباشرة، كما يحدث كثيرًا في الأقاليم الجافة وشبه الجافة. سمك التربة أو عمقها Soil DEPTH: تخضع التربة في أثناء تكوينها وتطورها لتأثير عاملين كبيرين يتعارض نشاط أحدهما مع نشاط الآخر وهما عامل البناء وعامل الهدم والإزالة، فبينما يؤدي العامل الأول باستمرار إلى تكوين التربة نتيجة للتغيرات التي تطرأ على المواد التي تحتها فإن العامل الثاني يؤدي باستمرار إلى نحتها وإزالتها وتصفية ما بها من أملاح ومواد ناعمة وخصوصًا في طبقتها السطحية. ويتوقف نمو التربة وازدياد سمكها على الفرق بين نشاط هذين العاملين، ويكون عامل البناء غالبًا أنشط في مناطق السهول المستوية من عامل الهدم مما يترتب عليه ازدياد سمك التربة بحيث يصل أحيانًا إلى عدة أمتار، أما في المناطق المنحدرة أو المموجة فإن سرعة بناء التربة تكون في كثير من الأحيان مساوية لسرعة إزالتها، ويترتب على ذلك أن تظل رقيقة جدًّا، بل وربما تختفي تمامًا بحيث تبدو القاعدة الصخرية مكشوفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 نضوج التربة MATURITY OF SOIL: ويطلق تعبير التربة الناضجة على التربة التي اكتمل تكوينها وأصبحت تتمثل فيها الصفات العامة التي اكتسبتها خلال مراحل تكوينها وتطورها الطبيعي الذي يحدث عادة ببطء شديد، ولكي يتم هذا النضوج يجب أن تبقى المواد الرسوبية الأساسية المكونة لها في نفس مكانها زمنًا طويلًا، وألا تطرأ عليها خلال هذا الزمن تغيرات مهمة، نتيجة لجرفها أو لإضافة رواسب جديدة بكميات كبيرة إليها، أو نتيجة لحدوث تغيرات كبيرة في الأمطار ونظام تصريف المياه، وعلى أساس مراحل التكوين والتطور تقسم التربة أحيانًا إلى ثلاث درجات هي: التربة الناشئة أو المتغيرة وهي التي ما زالت في بداية تكوينها، ثم التربة الحديثة أو غير الناضجة، ثم التربة الناضجة. وتوجد التربة الناضجة عادة في المناطق ذات الصرف الجيد ومن مميزاتها أن قطاعها يكون مكتملًا أو ناضجًا ومنتظمًا نتيجة لتطورها البطيء في بيئة طبيعية ملائمة, وأصلح الأراضي لحدوث هذا التطور هي الأراضي التي لا يكون استواؤها شديدًا بدرجة تؤدي إلى تراكم المياه فوقها أو يكون انحدارها شديدًا بدرجة تؤدي إلى جرف التربة باستمرار. ففي مثل هذه الأراضي يمكن أن تتطور التربة تحت تأثير العوامل المناخية والنباتات الطبيعية، كما تنشط فيها التفاعلات البكتريولوجية اللازمة لتحلل المواد العضوية فيها، وينعكس أثر ذلك في الطبقات التي يتكون منها قطاعها. ويطلق تعبير القطاع الناضج "MATURE PROFILE" على القطاع النهائي الذي تصل إليه التربة التي تطورت في موضعها تطورًا مطردًا حتى وصلت إلى النضوج, وهذا القطاع يظل ثابتًا بعد ذلك ولا يتغير بمرور الوقت. ويلاحظ أن قطاع التربة لا يكون مكتملًا غالبًا في المناطق التي تتجمع فيها رواسب جديدة باستمرار مثل السهول الفيضية لوديان الأنهار؛ لأن التربة لا تكون في هذه الحالة خاضعة لعوامل التطور العادية التي تساعد على اكتمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 قطاعها، بل تكون متأثرة بصفة خاصة بالمواد الأصلية الجديدة التي كونتها وبدرجة انحدار سطح الأرض، ومثل هذه التربة يكون لها قطاعها الخاص الذي تفرضه ظروفها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 تصنيف التربة وأقسامها الكبرى . ليس هناك تقسيم واحد تميز فيه أنواع التربة عن بعضها؛ لأن تباين صفاتها من حيث النسيج والتركيب واللون ودرجة النضوج ودرجة الخصوبة وتباين ظروف تكوينها وتوزيعها، بالإضافة إلى تباين الأغراض التي يوضع التقسيم من أجلها، كل ذلك قد فتح المجال لظهور تقسيمات عديدة مبنية على أسس مختلفة، ومن أشهر الأسس التي استخدمت لهذا الغرض ما يأتي: 1- المواد الصخرية التي تتكون منها. 2- اللون السائد فيها. 3- الأقاليم المناخية والنباتية التي نشأت فيها، ويشتهر التقسيم الذي يعتمد على هذا الأساس باسم التصنيف الإقليمي المناخي the zonal classification "أو التقسيم النطاقي". تصنيف التربة على أساس موادها الصخرية: كان تصنيف التربة على هذا الأساس هو السائد حتى بداية القرن الحالي، وكانت تدخل فيه أنواع الرواسب نفسها والعوامل الطبيعية التي أدت إلى تكوينها وتراكمها سواء في نفس مكانها أو بعد نقلها إلى أماكن أخرى، فكانت التربة تقسم إلى أنواع مثل التربة الفيضية والتربة البركانية والتربة الجليدية والتربة الجيرية أو الرملية أو الصلصالية. كما كانت كل هذه الأنواع تقسم على أساس علاقتها بالصخور التي تحتها إلى مجموعتين كبيرتين هما: أ- مجموعة التربات المنقولة Transported التي تكونت من مواد رسوبية منقولة من أماكن أخرى غير الأماكن التي توجد فيها، ومنها معظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 أنواع التربة الفيضية والجليدية والهوائية, وهي غالبًا ما تكون مرتكزة على قاعدة صخرية مختلفة في تركيبها عنها. ب- مجموعة التربات الموضعية "Residual" وهي التي نشأت من تجوية الصخور التي توجد تحتها مباشرة. وعلى الرغم من أن هذا التصنيف لم يعد مقبولًا كأساس لتقسيم شامل للتربة في العالم، فإنه ما زال مفيدًا للدراسة في مناطق محدودة؛ لأن معرفة نوع الصخر الذي استمدت منه التربة "parent rock" والعوامل التي أدت إلى تجويته ونقل الرواسب الناتجة من هذه التجوية تساعد من غير شك على فهم الكثير من خواص التربة ومميزاتها من حيث النسيج والتركيب ونوع المواد المعدنية والأملاح التي توجد بها ودرجة خصوبتها وغير ذلك من الخواص، فالتربة التي تنشأ من تجوية الجرانيت مثلًا "وهو صخر ناري حمضي" تكون معظم موادها الصخرية، عبارة عن رمال كوارتزية وبعض الصلصال، كما تكون محتوية على نسبة عالية من كربونات البوتاسيوم والمغنسيوم، أما التربة التي تنشأ من تجوية البازلت، وهو كذلك صخر ناري ولكنه قاعدي فتكون معظم موادها الصخرية عبارة عن صلصال، ومعه نفس أنواع المعادن التي تنشأ من تجوية الجرانيت، ومثل هذا يمكن أن يقال عن المواد المتخلفة من تجوية الصخور الرسوبية والمتحولة بأنواعها المختلفة، فكل منها ينتج موادَّ لها صفات خاصة به وصفات مشتركة مع المواد الناتجة من تجوية غيره من الصخور. تصنيف التربة حسب اللون السائد فيها: إن لون التربة في حد ذاته ليست له قيمة كبيرة في تقدير أهميتها ولكنه يمكن أن يتخذ مع ذلك دليلًا مساعدًا على معرفة بعض صفاتها الرئيسية، وعند دراسة الأنواع الكبرى للتربة سنجد أنه من الممكن تقسيمها على أساس اللون إلى أقسام كثيرة أشهرها التربة السوداء "black soil" والتربة البنية الكستنائية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 "Chestnut brown" "أو البنية الداكنة" والتربة البنية، والبنية الرمادية "gray brown" والحمراء، والصفراء، والرمادية. والتربة السوداء والتربة الكستنائية "البنية الداكنة" هما في أغلب الأحوال أعظم أنواع التربة خصوبة، ويرجع اللون الأسود أو البني الداكن للتربة إلى وجود نسبة عالية من المواد العضوية المتحللة بها ووجود كميات متوفرة من العناصر الكيميائية ووجود تركيب ملائم، ولكن يجب أن نتنبه إلى أن اللون الأسود أو البني الداكن قد لا يكون سببه هو وفرة المواد العضوية المتحللة بل ربما يكون راجعًا إلى وجود مادة معدنية خاصة أو إلى رداءة الصرف في الأقاليم الرطبة. أما التربة الحمراء أو البنية المائلة للاحمرار فتكون غالبًا أقل خصوبة من التربة السوداء أو التربة الكستنائية، ويرجع لونها إلى وجود بعض أكاسيد الحديد غير المائية، وتتكون هذه الأكاسيد بصفة خاصة في المناطق ذات الصرف الجيد في الأقاليم المدارية وشبه المدارية التي ينتشر فيها هذا النوع من التربة انتشارًا واسعًا. أما التربة الصفراء فالمعتقد هو أن لونها يرجع إلى وجود أكاسيد حديد مائية "hydrated iron oxides" بها. وتتكون هذه الأكاسيد نتيجة لاتحاد الأكاسيد بالماء، ولذلك فإن هذه التربة تظهر غالبًا في المناطق ذات الصرف الرديء أو التي كانت ذات صرف رديء في وقت من الأوقات, وهي لا تعتبر بصفة عامة من أنواع التربة الخصبة. والتربات ذات الألوان الفاتحة سواء منها التربة الصفراء أو الرمادية أو البيضاء لا تعد من التربات الملائمة للإنتاج الزراعي الناجح إلا بالنسبة لبعض المحاصيل الخاصة، ويرجع اللون الرمادي في الغالب إلى فقر التربة في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 الأكسوجين وفي المواد العضوية والحديدية، ومن أمثلتها التربة الموجودة في مناطق الغابات في شمال كندا وسيبريا، حيث أدت كثيرة الأمطار مع برودة الجو إلى تصفيتها تمامًا تقريبًا من المواد الحديدية والعضوية، وتنتشر التربة الفاتحة كذلك في المناطق الصحراوية بسبب فقرها في المواد العضوية، كما أن تجمع المواد الجبرية وبعض الأملاح القلوية قد يؤدي أحيانًا إلى ازدياد اللون الفاتح في التربة لدرجة أنها تبدو بيضاء في بعض الأماكن، والتربة البيضاء هي أقل أنواع التربة خصوبة. التصنيف الإقليمي المناخي "النطاقي" The Zonal Classification: يعتبر تصنيف التربة على أساس الأقاليم المناخية وما تتميز به من حياة نباتية طبيعية خاصة من أحدث التصنيفات العامة، وهو كذلك من أكثر التصنيفات استخدامًا في الوقت الحاضر، وقد كان الباحث الروسي جلينكا1 "Glinka" من أول الباحثين الذين وجهوا النظر إلى وجود علاقة قوية بين توزيع الأنواع الرئيسية للتربة وبين الأقاليم المناخية، فقد لاحظ في أوروبا مثلًا أن تربة البودزول "Podzol" تمتد في شمال القارة في نطاق يتفق مع نطاق المناخ البارد الرطب نسبيًّا، الذي تسود فيه الغابات الصنوبرية، وأنه إلى الجنوب من ذلك يمتد نطاق آخر تسود فيه التربة البنية، وهو مناخ دافئ في فصل الصيف وتتكون نباتاته الطبيعية من غابات نفضية، ثم إلى الجنوب من ذلك توجد التربة السوداء المعروفة باسم تشرنوزيم "Chernozem" في مناطق الحشائش "الإستبس" التي يسودها مناخ شبه جاف شديد الحرارة في فصل الصيف. وفي نفس الوقت الذي لاحظ جلينكا، وجود علاقة قوية بين توزيع التربة في أوروبا وبين الأقاليم المناخية بها لاحظ بعض الباحثين في أمريكا أن نفس العلاقة تقريبًا موجودة بين أنواع التربة الرئيسية في هذه القارة وبين   1 clinka, K.D. the great soil groups of the world and their development, translated by marbut edwatds brothers" 1927. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 النطاقات المناخية بها. وبعد ذلك تبين أن علاقات مشابهة موجودة كذلك في جهات أخرى من العالم، ولذلك فقد أصبح من المتفق عليه تقريبًا أن تصنيف التربة على أساس المناخ أفضل من تصنيفها على أساس نوع الصخر الأصلي أو اللون. والواقع أن تأثير المناخ على عمليات تكوين التربة وتطورها "Pedological processes" يظهر في نواح كثيرة، فالمناخ هو الذي يتحكم في تجوية الصخور وفي عمليات الإذابة والتصفية وفي عمليات تحلل المواد العضوية وفي كثير من العمليات الجيومورفولوجية التي تؤدي إلى جرف التربة أو نقلها وترسيبها وهكذا. وفيما يلي وصف لأهم صفات التربة السائدة في بعض الأنواع المناخية الرئيسية وهي: 1- الأقاليم الرطبة. 2- الأقاليم الجافة وشبه الجافة. 3- الأقاليم القطبية. أولًا- تربات الأقاليم الرطبة: تشترك تربات هذه الأقاليم في أنها خالية تقريبًا من المواد الجيرية، ولكنها غنية من ناحية أخرى ببعض المواد المعدنية، خصوصًا أكاسيد الحديد والألومينيوم، ولذلك فإن هذه التربات تشتهر في مجموعها باسم البيدالفرز Pedalfers. وتعتبر مناطق الغابات من أهم المناطق التي تتكون فيها هذه التربات، وهي في غالب الأحيان ذات حموضة مرتفعة وعلى درجة منخفضة نسبيًّا من الخصوبة، خصوصًا وأن كثرة الأمطار لا تؤدي إلى تصفيتها من الجير فحسب بل إلى تصفيتها كذلك من أملاح البوطاس والفوسفات ومركبات النترات، وكلها مواد لازمة للإنتاج الزراعي، ولكن على الرغم من أن هذه التربات تشترك في مثل هذه الصفات العامة فإن هناك اختلافًا بين بعضها وبعض على حسب العوامل المحلية التي تتدخل في تكوينها خصوصًا ما يتعلق منها بدرجة الحرارة، فالتربة التي تتكون في الأقاليم الرطبة الحارة أو الدافئة تكون مختلفة من نواح جوهرية عن التربة التي تتكون في المناطق الرطبة الباردة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 ففي الأقاليم الحارة: تساعد كثرة الأمطار وارتفاع درجة الحرارة على سرعة التفاعلات الكيميائية وعلى سرعة تحلل المواد العضوية، ولكن كثرة المياه المتسربة في التربة تساعد من ناحية أخرى على تصفيتها "Leaching" من المواد العضوية المتحللة ومن الأملاح المعدنية القابلة للذوبان، ويترتب على ذلك ظهور نوع فقير من التربة هو تربة اللاتيريت "Laterite" وهي تربة غنية جدًّا بأكاسيد الحديد والألومينيوم، وفقيرة في الجير والأملاح القابلة للذوبان مثل أملاح الفسفات والبوطاس والنترات، كما أنها فقيرة كذلك في المواد الدبالية "Humus" أي العضوية المتحللة تحللًا تامًّا، واللون المشهور لهذه التربة هو اللون الأحمر أو البني بسبب كثرة أكاسيد الحديد التي قد تكون في بعض الأحيان كثيرة بدرجة يمكن معها استغلال هذه التربة كخام من خامات الحديد، وتعتبر تربة اللاتيرت من التربات غير الخصبة بسبب فقرها في المواد اللازمة لغذاء النبات إلا أن ضعف الخصوبة تعوضه إلى حد ما ملاءمة الظروف المناخية التي تساعد على النمو، ولذلك فإنها تنتج رغم فقرها إنتاجًا طيبًا من بعض المحاصيل الزراعية مثل الموز والكاكاو ونخيل الزيت والتوابل، ولقد كانت نفس هذه الظروف هي السبب في نمو الغابات الكثيفة التي تتميز بها مناطق هذه التربة. وقد أزيلت هذه الغابات من بعض المناطق وحل محلها الإنتاج الزراعي، ويقوم الزراع الوطنيون في المناطق المدارية الرطبة بتطهير بقع معينة من أراضي الغابات لاستغلالها في زراعة محاصيلهم الغذائية، ولكن سرعان ما تفقد هذه البقع الأملاح المعدنية اللازمة لغذاء النبات بسبب كثرة الأمطار وارتفاع درجة الحرارة وهما عاملان يساعدان على سرعة التجوية الكيميائية، ولهذا السبب فإن هؤلاء الزراع يتبعون عادة أسلوب الزراعة المتنقلة. وتربة اللاتيريت بمعناها الدقيق، وهي التي تكون قد وصلت إلى آخر مراحل تطورها، قليلة الوجود، والغالب هو وجود أنواع متباينة فيما بينها في درجة تحولها إلى اللاتيريت الحقيقي، ويمكن أن نطلق عليها عمومًا اسم التربات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 شبه اللاتيريتية Laterititc Solis وفضلًا عن ذلك فقد تختلف التربات شبه اللاتيريتية فيما بينها على حسب الاختلاف في نوع الصخور الأصلية التي استمدت منها والاختلاف في الظروف المحلية خصوصًا ما يتعلق منها بمظاهر السطح والمناخ, وبالإضافة إلى الأقاليم المدارية المطيرة فإن بعض أنواع التربات شبه اللاتيريتية تنتشر في بعض الأقاليم شبه المدارية حيث تكون الأمطار أقل انتظامًا ودرجة الحرارة أقل نوعًا ما، ولو في فصل من الفصول، عنها في مناطق الغابات المدارية المطيرة، ففي هذه الأقاليم تظهر أنواع التربة الحمراء أو الصفراء التي تتميز بنفس الصفات العامة التي تتميز بها التربات اللاتيريتية وشبه اللاتيريتية في مناطق الغابات المدارية المطيرة، فهي مثلها فقيرة في الجير والدبال وأملاح الفسفات والبوطاس والنترات، ولكنها لا تكون على أي حال مصفاة بدرجة تلك التربات بسبب الفرق في كمية المطر وتوزيعه. أما في الأقاليم الرطبة المعتدلة الباردة، أو الباردة فإن عمليات تكوين التربة تختلف عنها في الأقاليم الحارة من نواح أساسية، ففي هذه الأقاليم تتعفن المواد العضوية وتتحلل ببطء بسبب انخفاض درجة الحرارة الذي يؤدي إلى ضعف نشاط البكتريا، ويترتب على تراكمها على السطح كما يحدث مثلًا في مناطق الغابات القريبة من الدائرة القطبية حيث تتراكم على أرض الغابة كميات كبيرة من كيزان الصنوبر وبذوره وغير ذلك من البقايا النباتية التي تتكون منها طبقة يزداد سمكها بالتدريج، وتتسرب المياه الحمضية خلال التربة العليا حاملة معها مركبات الحديد والألومينيوم وبعض المواد العضوية التي تتجمع كلها في التربة السفلى، وينتج عن كل هذه العمليات تربة حمضية فقيرة تشتهر باسم تربة "البودزول podzol" ويطلق على عمليات تكوينها تعبير "عمليات التحول البودزولي Podzolization" وهي تربة فقيرة جدًّا في الجير الذي تعمل المياه الحمضية على إذابته وتصفيته باستمرار، كما تكون طبقتها العليا مصفاة كذلك من مركبات الحديد والألومينيوم، وأحسن مثال للبودزول هو التربة الرمادية التي تغطي نطاقات واسعة في إقليم الغابات الصنوبرية في شمال أوروبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 وآسيا وأمريكا الشمالية، والواقع أن كلمة بودزول هي التسمية الروسية لهذه التربة الرمادية، وبالإضافة إلى تربة البودزول المثالية توجد تربات تنتمي إلى نفس النوع ولكنها لم تصل في تطورها إلى درجة النوع المثالي، ويطلق عليها عمومًا اسم التربات شبه البودزولية، ومن أمثلتها التربات الرمادية البنية "Gray brown Solis" التي تغطي في الولايات المتحدة نطاقًا واسعًا يمتد إلى الشمال من الأراضي الحمراء والصفراء الموجودة في نطاق القطن في الجنوب حتى نطاق من البودزول في القسم الأعلى من إقليم البحيرات في الشمال، والتربة الرمادية البنية التي تغطي كذلك مناطق واسعة في شمال غرب أوروبا. ثالثًا- تربات الأقاليم الجافة وشبه الجافة: تمتد هذه الأقاليم في نطاقات عظيمة الاتساع في العروض المدارية والمعتدلة، وهي تشمل كل مناطق الحشائش والصحاري, وأهم مميزاتها المناخية هي قلة الأمطار، ولذلك فإن عمليات التصفية "Leaching" فيها تكون ضعيفة جدًّا أو معدومة، مما يجعلها دائمًا غنية بالأملاح، كما أنها تكون كذلك غنية بالجير الذي تساعد الظروف المناخية على تجميعه خصوصًا في القطاعات السفلى من التربة، وهذا هو السبب في أنها كثيرًا ما توضع ضمن مجموعة التربات المعروفة باسم بيدوكالز "Pedocals" أي التربات الجيرية تمييزًا لها عن تربات البيدالفر في الأقاليم الرطبة كما سبق أن ذكرنا. ويميل لون هذه التربات غالبًا إلى السواد بسبب كثرة ما بها من مواد عضوية متحللة أو دبال، ومن أمثلتها التربة السوداء التي تغطي نطاقًا عظيم الاتساع في أواسط أمريكا الشمالية، ونطاقًا عظيمًا كذلك في جنوب روسيا، وهي تربة عميقة وعظيمة الخصوبة ولذلك فقد أصبحت مناطقها هي أعظم مناطق الإنتاج الزراعي في العالم، وخصوصًا في إنتاج القمح، وهي تشتهر في أمريكا باسم الأرض السوداء، وفي روسيا باسم تشرنوزم "Chernozem" وحيثما تقل الأمطار نسبيًّا فإن لون هذه التربة يتحول إلى اللون البني الداكن أو البني، كما هي الحال في مناطق الرعي الواقعة إلى الغرب مباشرة من نطاق القمح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 ونطاق الذرة في السهول العظمى بأمريكا الشمالية، والتربة في هذه المناطق من النوع المعروف باسم التربة الكستنائية البنية "Chestunt Brown Soli" وهي أفقر نوعًا ما من التربة السوداء في المادة العضوية، ولكنها ذات تركيب جيد وتتوفر فيها المواد المعدنية اللازمة لغذاء النبات، كما توجد بها نسبة من الجير، ومع ذلك فإنها تستغل أساسًا للرعي بينما تحتل الزراعة المركز الثاني بسبب عدم كفاية الأمطار لضمان نجاحها في بعض السنين، والقمح هو أصلح محاصيل الحبوب للزراعة في هذه التربة، ولكن إنتاجه كثيرًا ما يتعرض للفشل بسبب الجفاف، ويوجد في روسيا نطاق كبير من هذه التربة إلى الشرق من نطاق التربة السوداء "تشرنوزم" وهو لا يختلف في ظروف استغلاله للزراعة والرعي عن ظروف النطاق المتشابه له في أمريكا الشمالية، وحيثما تتوفر مياه الري في مناطق هذه التربة فإنها تغطي محاصيلَ غنية جدًّا. أما في الصحاري فإن قلة المياه والنباتات الطبيعية تجعل فرصة التجوية الكيميائية ضعيفة جدًّا، ولكن التفكك والتفتت الميكانيكي يكون من ناحية أخرى كافيًا لتكوين طبقة سطحية دقيقة الحبيبات من المواد الصخرية، ويحدث هذا التفكك بصفة خاصة نتيجة للتطرف في درجة الحرارة، ونتيجة لفعل الصقيع، ومن الطبيعي أن تكون نسبة المواد العضوية المتحللة بل وغير المتحللة في التربة منخفضة جدًّا أو معدومة إلا حيثما يسقط قليل من الأمطار التي تساعد على نمو بعض العشب، وفقر التربة في المواد العضوية المتحللة مع قلة المياه يجعلها مفككة ولا تجد ما يحميها من فعل الرياح التي تذروها باستمرار. وتربة الصحاري غالبًا غنية بالجير وبالأملاح القابلة للذوبان، وحيثما تتوفر مياه الري يكون من الممكن تحويلها إلى حقوق زراعية خصوصًا لزراعة الخضراوات والمقائي، واللون السائد فيها هو اللون الرمادي gray الفاتح وكلما ازدادت نسبة الجير بها ساعد ذلك على ظهورها بلون مائل للبياض، ولاستغلال مثل هذه التربة يلزم الاعتماد على الأسمدة العضوية المخصبة لتعويض فقرها في المواد العضوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 ثالثًا- تربات الأقاليم القطبية: في هذه الأقاليم لا تساعد شدة البرودة عمومًا على نشاط عمليات تكوين التربة وتطورها، وخصوصًا في المناطق الجافة الجرداء من الأقاليم القطبية، ففي هذه المناطق لا تساعد الظروف على نمو النباتات أو تحللها، أو على حدوث تجوية كيميائية تستحق الذكر. ومع ذلك فإن التجوية الميكانيكية الناشئة عن فعل الصقيع تكون نشطة جدًّا مما يؤدي إلى سرعة تكسر الصخور وتفتيتها، ومما يساعد على زيادة نشاط هذه التجوية أن سطح التربة لا يكون محميًّا بأي غطاء نباتي، كما أنه لا يكون كذلك مغطى بأي غطاء جليدي؛ لأن قلة رطوبة الهواء لا تساعد على حدوث التكثف اللازم لتكوين هذا الغطاء. وتتميز التربة في هذه المناطق، بل وفي المناطق القطبية عمومًا، بأن طبقاتها السفلية تكون متجمدة باستمرار حتى عمق قد يصل إلى بضع مئات من الأمتار، وتعرف هذه الظاهرة باسم "بيرمافروست Permafrost" وهي تساعد على تركيز التجوية الميكانيكية الصقيعية في الطبقة السطحية فقط، وقد أدى ذلك بمرور الزمن إلى تكوين طبقة من الصخور المهشمة والحصى والرمال الخشنة فوق السطح، وعلى الرغم من أن تجوية الصخور تؤدي كذلك إلى تكون بعض الرواسب الناعمة مثل الرمال الدقيقة والأتربة، فإن قوة الرياح في هذه المناطق تؤدي إلى إزالتها بمجرد تكونها، وهذا يحول بالطبع دون تكون أية تربة ناعمة، إلا في بعض المواضع القليلة المحمية. ولكن هذه الحالة تتغير نوعًا ما في مناطق التندرا. ففي هذه المناطق ترتفع درجة الحرارة في فصل الصيف فوق درجة التجمد وتسقط بعض الأمطار، وتنمو نتيجة لذلك حياة نباتية عشبية قد تكون كثيفة نوعًا ما، ولهذه الظروف فإن مناطق التندرا تكون في جملتها أكثر ملاءمة لحدوث عمليات تكون التربة وتطورها من المناطق الجرداء, فوجود النباتات يعمل على حماية التربة في أغلب المناطق، كما أن ارتفاع درجة الحرارة في فصل الصيف يساعد على نشاط بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 عمليات التجوية الكيميائية وعلى تحلل البقايات النباتية والحيوانية، ولو بدرجة جزئية. وهنا أيضًا نجد أن ظاهرة "البيرمافروست" تظهر بوضوح، ونظرًا لكثرة المطر نسبيًّا فإن هذه الظاهرة تؤدي إلى تجمع المياه في التربة السطحية مما يؤدي إلى تكوين كثير من المستنقعات وإلى بقاء التربة مبللة لفترات طويلة ويكون الصرف رديئًا بصفة عامة، ولهذا السبب فإن التربة تكون غالبًا مائلة للحموضة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 14- 2- النباتات الطبيعية وتوزيعها العام : تمهيد : رغم أن الإنسان قد عمد في معظم بقاع العالم إلى إزالة النباتات الطبيعية بمختلف أنواعها سواء لإحلال الزراعة محلها أو لأي غرض آخر، فإن الحياة النباتية الطبيعية التي ما زالت موجودة فوق سطح الأرض تعتبر رغم قلتها بالنسبة لما كانت عليه من قبل من أهم إن لم تكن هي أهم مورد من موارد الثروة الطبيعية في العالم، وخصوصًا إذا أضفنا إليها الحياة الحيوانية التي تعيش فيها أو عليها سواء في ذلك تلك الحيوانات التي استأنسها الإنسان على مر العصور واستخدمها لأغراضه الخاصة، أو تلك التي ما زالت تعيش بريًّا في مناطق كثيرة، وأهمها مناطق الغابات والحشائش في العروض المختلفة. ويمكننا أن ندرك عظم الأهمية الاقتصادية للنباتات الطبيعية إذا تصورنا مثلًا مقدار ما يستهلكه العالم يوميًّا من الأخشاب في أغراض البناء أو صناعة الأثاث، أو في مد السكك الحديدية وصناعة السفن، أو في غير ذلك من الأغراض. إن جميع هذه الأخشاب مصدرها الغابات الطبيعية التي تنمو في مناطق معروفة من العالم، وقد بدأت كثير من الدول المتحضرة خصوصًا في أوروبا وأمريكا، تدرك الخطر الذي يهدد بزوال غاباتها الطبيعية، نتيجة لعظم الطلب عليها من جهة ولطغيان الزراعة عليها من جهة أخرى، فسنت لذلك بعض القوانين التي تنظم بمقتضاها استغلال ما تبقى من هذه الغابات، كما بذلت مجهودات كبيرة لزراعة غابات جديدة، لتعويض النقص الناتج عن كثرة الاستهلاك, ويمكننا كذلك أن نتبين الأهمية الكبرى للحياة النباتية الطبيعية إذا عرفنا أن ما يستهلكه العالم من لحوم وجلود وأصواف يأتي معظمه من المناطق ذات المراعي الطبيعية، التي تربى عليها قطعان كبيرة من الماشية والأغنام، كما هي الحال في مراعي أوروبا والأمريكتين وأستراليا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 المجموعات الرئيسية للنباتات الطبيعية: بينا فيما سبق أن المناخ هو العامل الرئيسي الذي يتحكم في توزيع الحياة النباتية فوق سطح الأرض، خصوصًا وأن التربة نفسها، وهي من العوامل التي تتدخل كذلك في حياة النباتات، وتستمد معظم خواصها من الظروف المناخية السائدة، وتعتبر الأمطار أهم عنصر مناخي تتوقف عليه كثافة الحياة النباتية ومظهرها العام، فعلى فرض عدم الاختلاف في درجة الحرارة نجد أن النباتات في الأقاليم الممطرة، تكون أعظم كثافة منها في الأقاليم قليلة المطر أو الجافة، وعلى هذا الأساس تقسم الحياة النباتية عمومًا إلى ثلاث مجموعات كبرى، وهي الغابات والحشائش والصحاري "انظر شكل 110" ولكن يلاحظ أن النباتات التي تتألف منها كل مجموعة من هذه المجموعات تتباين في فصائلها وأنواعها، وكذلك في درجة كثافتها من منطقة إلى أخرى تبعًا لعوامل أخرى، أهمها درجة الحرارة وطول فصل النمو والتوزيع الفصلي للأمطار وعلى هذا الأساس قسمت كل مجموعة من المجموعات السابقة إلى عدة أنواع ينمو كل منها في أقاليم تتميز بظروف مناخية خاصة، كما سنوضح فيما بعد. شكل "110" توزيع المجموعات الرئيسية للنباتات الطبيعية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 الغابات مدخل ... 14- 2- 1- الغابات: تتكون الغابات أو مناطق الأشجار "Woodlands" بصفة عامة من نباتات خشبية أهمها الأشجار المرتفعة التي تفصل بينها في كثير من الأحيان شجيرات وأحراج أقصر منها، وعلى أساس حجم الأشجار وتقاربها ودرجة اختلاطها بغيرها من النباتات الصغيرة، تقسم مناطق الأشجار عادة إلى ثلاثة أنواع هي: 1- الغابات بمعناها الدقيق "Forest" وهي التي تكون أشجارها غالبًا مستقيمة الجذوع ومرتفعة ومتقاربة جدًّا بحيث تتشابك أجراؤها العليا. 2- أدغال "Bushwoods" وفيها تكون الأشجار متباعدة نوعًا ما، وتفصل بينها شجيرات وأحراج كثيفة تحول دون تشابك قممها. 3- الأحراج "Shrubwoods" أو "Scrubs" وفيها تسود الأحراج والشجيرات التي تتغطى الأرض بينها بالحشائش، أما الأشجار الكبيرة فلا تظهر إلا على مسافات متباعدة1 ويطلق اسم المناطق الشجرية "Woodlands" على الغابات التي تكون أشجارها غالبًا مستقيمة الجذوع، متباعدة نوعًا ما. مناخ الغابات: أهم شرط يجب توفره لنمو الغابات هو وفرة المياه؛ لأن الأشجار تحتاج عادة إلى مقادير من المياه أكثر مما يحتاج إليه أي نوع آخر من النباتات، والسبب في ذلك هو أن شكل الشجرة وكثرة أغصانها وأوراقها يجعلها تفقد مقادير كبيرة من المياه بواسطة النتح "بالنسبة للمساحة التي يغطيها جذعها" وليس من شك في أن ارتفاع الأشجار نفسه يساعد كذلك على نشاط عملية النتح لأنه يجعل أجزاءها العليا أكثر تعرضًا لحركة الرياح من النباتات القصيرة. ولكن يلاحظ من ناحية أخرى أن الجذور الطويلة التي تتميز بها الأشجار عمومًا تجعلها أقدر على استغلال المياه الباطنية ومياه التربة العميقة من النباتات الصغيرة مثل الحشائش، ولهذا تستطيع مقاومة الجفاف في فصل انقطاع   1 finch, C.V. & Trewattha G.t "physical elements of geography" 1949. p. 417 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 الأمطار، بشرط أن تظل التربة نفسها محتفظة بمقادير كافية من الرطوبة التي تتجمع فيها خلال الفصل المطير بخلاف الحال بالنسبة للحشائش التي تموت غالبًا خلال الفصل الجاف، ثم تعود للظهور بمجرد سقوط الأمطار. وتستطيع الأشجار أن تنمو في درجات حرارة مختلفة، ولكن أنواعها وفصائلها تختلف في المناطق الحارة عنها في المناطق المعتدلة أو الباردة، وهناك مع ذلك حد أدنى لدرجة الحرارة التي تستطيع الغابات أن تنمو فيها، فهي لا يمكن أن تنمو في الأقاليم الباردة إلا إذا كان هناك فصل دافئ يزيد معدل درجة الحرارة في أثنائه عن 6 ْ "صفر النمو" ويرتفع في شهر واحد على الأقل من شهوره إلى 10 ْم أو أكثر، ولهذا فإن الحد الشمالي للغابات في أوراسيا وأمريكا الشمالية يتفق بصفة عامة مع خط حرارة 10 ْم لأدفإ الشهور. ولما كان فصل الصيف في العروض المعتدلة والباردة هو الفصل الذي ينشط فيه نمو النباتات وتشتد في أثنائه حاجتها إلى الماء، فإن المناطق التي تغزر فيها الأمطار صيفًا تكون غالبًا أصلح لنمو الغابات من المناطق التي تسقط أمطارها في فصل الشتاء إذا كانت درجة الحرارة في أثنائه أقل مما يلزم لنمو الأشجار، ويمكننا بناء على هذا أن نلخص الشروط الواجب توفرها لنمو الأشجار بصفة عامة فيما يلي: 1- أمطار غزيرة تسقط طول السنة أو على الأقل خلال فصل النمو. 2- أن تكون التربة السطحية والسفلية محتوية باستمرار على مقادير كافية من الرطوبة. 3- أن يكون هناك فصل دافئ يزيد معدل درجة حرارته على 6 ْم وترتفع في شهر واحد على الأقل من شهوره إلى 10 ْم أو أكثر. أنواع الأشجار: يمكننا أن نميز الأشجار التي تتكون منها الغابات المختلفة في العالم على أسس مختلفة أهمها: أ- موسم سقوط الأوراق: وعلى هذا الأساس يوجد نوعان من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 الأشجار، هما: 1- الأشجار النفضية وهي التي تسقط كل أوراقها في فصل معين من السنة، هو عادة فصل البرودة الشديدة أو فصل الجفاف الشديد. 2- الأشجار دائمة الخضرة، وهي تسقط أوراقها في أي وقت من الأوقات ولكنها لا تسقطها كلها في وقت واحد، بل إنها تجددها باستمرار بحيث تبدو دائمًا خضراء. ب- شكل الأوراق: فمن الأشجار ما تكون أوراقه إبرية، كما هي الحال في الأشجار الصنوبرية، ومنها ما تكون أوراقه عريضة، كما هي الحال في معظم الأشجار النفضية وبعض الأشجار دائمة الخضرة. ج- نوع الأخشاب: وعلى هذا الأساس تقسم الأشجار عمومًا إلى قسمين: هما 1- أِشجار خشبها لين "Softwood" وينطبق هذا بصفة عامة على أشجار الغابات الصنوبرية ذات الأوراق الإبرية. 2- أشجار خشبها صلب "Hardwood" وينطبق هذا بصفة عامة على أخشاب الغابات النفضية ومعظم الأشجار التي تنمو في المناطق الحارة.   1 klimm L.E starkey, o.p. & Hall, N.F. "introductory economic geography" 1949 p. 119. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 ويجب أن نلاحظ مع ذلك أن هذه التقسيم عام جدًّا، وذلك لعدم وجود تحديد دقيق للأخشاب اللينة أو الأخشاب الصلبة. الأنواع الرئيسية للغابات وتوزيعها الجغرافي: تنقسم الغابات على حسب صفاتها العامة والظروف المناخية التي تلائمها إلى الأنواع الآتية: وهي مبينة بصفة إجمالية في الخريطة شكل "111". أولًا- الغابات المدارية: وهي تنمو في الأقاليم الحارة التي لا يقل المتوسط الشهري لدرجة الحرارة فيها عن 18 ْم تقريبًا1، ولكنها تختلف في كثافتها وفي تنوع أشجارها على حسب كمية الأمطار ونظام سقوطها، وهي تقسم عادة إلى الأنواع الآتية: 1- الغابات المدارية المطيرة Tropical Rain Forests. 2- الغابات المدارية شبه النفضية Tropical Semideciduous Forests. شكل "111" توزيع الأنواع الرئيسية للغابات في العالم   1 الحدود المذكورة هنا هي التي اقترحها أوستن ملر للمناطق الحرارية في سنة 1953. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 وهي التي تسمى أحيانًا بالغابات المدارية الجافة أو الغابات دون الاستوائية. 3- الغابات الساحلية أو المانجروف Mangrove Forests 4- الأحراج والغابات الشوكية Scrubs and Thorn Forests ثانيًا- غابات المنطقة المعتدلة الدافئة: وهي المنطقة التي لا ينخفض المتوسط الشهري لدرجة الحرارة فيها عن 6 ْم في أي شهر من الشهور وأهم أنواع الغابات التي تنمو بها هي: 1- غابات البحر المتوسط. 2- الغابات الرطبة الدافئة في شرق القارات "غابات الصين". ثالثًا- غابات المنطقة المعتدلة الباردة: أي التي يوجد بها فصل شديد البرودة، وينخفض في أثنائه المتوسط الشهري لدرجة الحرارة عن 6 ْم ويوجد بها نوع من الغابات هما: 1- الغابات النفضية Deciduos Forests 2- الغابات الصنوبرية Coniferous Forests الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 14- 2- 1- 1 الغابات المدارية : 1- الغابات المدارية المطيرة "شكل 112": تشغل هذه الغابات مناطق واسعة في الأقاليم الحارة التي تسقط أمطارها طول السنة، كما هي الحال في الكونغو وساحل غانا، في إفريقية، وحوض الأمزون وجنوب شرق البرازيل في أمريكا الجنوبية، ثم جزر إندونسيا وشبه جزيرة الملايو، وهي تنمو بصفة خاصة في المناطق السهلية، ولكنها تنمو كذلك فوق منحدرات الجبال والهضاب حتى في المناطق السهلية، ولكنها تنمو كذلك فوق منحدرات الجبال الهضاب حتى ارتفاع لا يزيد على 2000 قدم فوق سطح البحر، ويعتبر حوض الأمزون أكبر منطقة في العالم تغطيها هذه الغابات، وهي تشتهر هنا باسم السلفا "Selva" ولكن كثيرًا ما يطلق هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 الاسم كذلك على الغابات التي من نفس النوع في حوض الكونغو وغيره من المناطق. وتتكون الغابات المطيرة في جملتها من أشجار دائمة الخضرة، عريضة الأوراق، لها جذوع مرتفعة، تتشابك أجزاؤها العليا بدرجة لا تسمح بوصول الضوء إلى قلب الغابة، الذي يكون لهذا السبب شديد الظلمة في بعض الأحيان، ويلاحظ أن جذوع الأشجار تخلو من الأغصان والأوراق، ولكنها تحاط بأمراس ضخمة من النباتات المتسلقة التي ترتفع إلى أعلى لكي تصل إلى ضوء الشمس، وفيما عدا ذلك تخلو أرض الغابة من الحشائش والشجيرات القصيرة؛ لأن عدم وصول أشعة الشمس إلى سطح الأرض لا يساعد على نمو هذه النباتات، وليس هناك موسم معين لخروج الأوراق أو الأزهار في هذه الغابات حيث إن ذلك يحدث في جميع فصول السنة على حد سواء. شكل "112" الغابات المدارية المطيرة "منظر في البرازيل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 وأنواع الأشجار المدارية المطيرة جدًّا، وبعضها له قيمة اقتصادية كبيرة، إما لأخشابه أو لثماره، أو لما يستخرج منه من مواد أولية، والأخشاب في جملتها من النوع الجامد، من أشهرها خشب الماهوجني "الكابلي" "Mahogany" وتشتهر هندوراس "في أمريكا الوسطى" بصفة خاصة بتصديره، ومن الأشجار المهمة أيضًا المطاط والموز والكينا واللبان والكاكاو. وقد اكتشفت شجرة المطاط الطبيعية لأول مرة في غابات حوض الأمزون ثم نقلت إلى الملايو وجزر الهند الشرقية حيث زرعت في مساحات واسعة. فضلًا عن أنها زرعت كذلك، ولكن على ضيق نسبيًّا في غرب إفريقية والبرازيل. أما أشجار الموز فتزرع في الوقت الحاضر على نطاق واسع في بعض المناطق الساحلية المنخفضة من الأقاليم المدارية الرطبة خصوصًا في هندوراس "Honduras" وجمايكا "Jamaica" وهما أهم البلاد التي تصدر الموز في العالم. أما اللبان "Chicle" فعبارة عن عصارة بعض الأشجار التي تنمو في الغابات المدارية المطيرة في أمريكا الوسطى والجنوبية, وتحول هذه العصارة إلى اللبان المعروف "Chewing Gum" الذي يعتبر من صادرات جواتيمالا المهمة. أما أشجار الكينا "Chincona" التي تستخرج منها الكينا والكيتين فتنمو بكثرة في جاوة وكولومبيا وإكوادور. ويعتبر الكاكاو كذلك من الأشجار المهمة في الغابات المدارية المطيرة، وهو يزرع الآن بكثرة في غرب إفريقيا، خصوصًا في غانا التي تنتج حوالي نصف محصول العالم منه، وتوجد بعض مزارعه المهمة كذلك في أمريكا الوسطى، ويلاحظ أن استغلال الأشجار التي تنمو طبيعيًّا في الغابات المدارية المطيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 تقف دونه عقبات متعددة، منها صعوبة المواصلات داخل الغابة، ثم انتشار الحشرات التي تسبب بعض الأمراض الخطيرة ومنها مرض النوم الذي تسببه ذبابة "تسي تسي" المشهورة، وذلك فضلًا عن تعدد فصائل النباتات على الأشجار في الغابة واختلاطها بدرجة كبيرة جدًّا مما يجعل من الصعب العثور على الأشجار ذات القيمة الاقتصادية لأن هذا يتطلب البحث عنها في مساحات واسعة من الغابة، ولهذه الأسباب نجد أن المهتمين بإنتاج المطاط أو الكاكاو أو غيرهما من الغلات المدارية يفضلون عادة إزالة الغابات الطبيعية، وزراعة أشجار خاصة محلها، إلا أن عملية إزالة الغابات نفسها تعتبر من العمليات الشاقة عظيمة التكاليف، ويرجع هذا إلى عظم كثافة الغابات وصلابة أخشابها، فضلًا عن أن غزارة الأمطار طول السنة تجعل من الصعب الاستعانة على إزالتها بواسطة إشعال الحرائق فيها، كما هو متبع في بعض الأقاليم التي تتميز بوجود فصل جاف. 2- الغابات المدارية شبه النفضية "شكل 113": تنمو هذه الغابات في الأقاليم التي تسقط بها أمطار غزيرة في فصل الصيف ويوجد بها فصل جاف في الشتاء، ومن أمثلتها: 1- الأقاليم الموسمية في جنوب وجنوب شرق آسيا مثل الهند وبورما والهند الصينية، وفي شمال أستراليا، ويطلق على غابات هذه الأقاليم اسم الغابات الموسمية. 2- الأقاليم الواقعة على حافة الغابات المدارية المطيرة في إفريقية، وفي حوض الأمزون، ويطلق على الغابات التي تنمو فيها أحيانًا اسم غابات السفانا "Savanna Forests" أو الغابات دون الاستوائية، وهي تمثل مرحلة انتقال بين الغابات المدارية المطيرة من جهة والسفانا من جهة أخرى. وتتميز هذه الغابات عن الغابات المدارية المطيرة من عدة وجوه، أهمها أن كثيرًا من أشجارها ونباتاتها تسقط أوراقها وتتوقف عن النمو في فصل الجفاف، ولهذا فإن الغابة أقل اخضرارًا في هذا الفصل منها في الفصل المطير، وذلك فضلًا عن أن الأشجار نفسها تكون أقل ارتفاعًا وأكثر تباعدًا منها في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 شكل "113" غابة مدارية شبه نفضية الغابات المطيرة، كما أن الكثير منها يتفرع بالقرب من سطح الأرض، وتتغطى الأرض فيما بينها بكثير من الشجيرات والأحراج والحشائش التي تجعل التنقل في داخل الغابة أمرًا شديد الصعوبة في كثير من الأحيان، ويلاحظ كذلك أن النباتات المتسلقة في هذه الغابات أقل بكثير منها في الغابات المطيرة. وأهم أنواع الأشجار التي تنمو في هذه الغابات هي أشجار السنط "Acacia" وتشتهر الغابات الموسمية في جنوب شرق آسيا بصفة خاصة بكثرة أشجار الخيزران الطويلة "Bamboo" وكذلك أشجار التيك "الساج" Teak، التي تنفض أوراقها في فصل الجفاف، وهي ذات قيمة اقتصادية حيث تستخدم أخشابها "الصلبة" في صناعة الأثاث. وأقاليم الغابات الموسمية أصلح لحياة الإنسان من أقاليم الغابات المدارية المطيرة، وأسهل منها في تحويلها إلى حقول زراعية، وقد تحولت بالفعل كثير من الأقاليم الموسمية منذ زمن بعيد إلى إنتاج بعض المحاصيل المهمة مثل الأرز وقصب السكر والموز وزيت النخيل والذرة الرفيعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 3- الغابات الساحلية "المانجروف": تتميز السواحل المنخفضة في نطاق الغابات المدارية المطيرة بظهور غابات كثيفة تتكون في جملتها من أشجار دائمة الاخضرار تعرف باسم أشجار المانجروف، وهي تنمو عادة في شريط ساحلي ضيق جدًّا، خصوصًا عند مصبات الأنهار وفي المواضع التي تصل إليها مياه المد، ويتراوح ارتفاع هذه الأشجار ما بين 5 و7 أمتار، وهي تتميز بكثرة فروعها، وبكثرة الجذور العريضة التي تتدلى من فروعها نحو الأرض وتتكون منها شبكة يصعب اختراقها، وهي ذات أوراق مستطيلة ملساء، وتحمل طول السنة تقريبًا أزهارًا لونها أصفر فاتح، وثمارًا مخروطية الشكل تشبه ثمار التوت ويميل لون جذوعها إلى الاحمرار1. وتعتبر هذه الغابات من أهم العقبات التي تعترض الملاحة على طول كثير من السواحل المدارية؛ لأنها تجعل الانتقال من البحر إلى الداخل أمرًا في غاية الصعوبة، فضلًا عن أنها تحول دون إنشاء المرافئ الصالحة لرسو السفن، ولئن ظهرت بعض المواني المهمة على هذه السواحل فإنها توجد دائمًا في المناطق التي تخلو من أشجار المانجروف. 4- الأحراج والغابات الشوكية "شكل 114": تنمو هذه الغابات في الأقاليم المدارية التي يوجد بها فصل جاف طويل، وهي تتكون في جملتها من أشجار صغيرة متناثرة جميعها نفضية، وتتغطى الأرض فيما بينها بالحشائش، وتجف الغابة تمامًا في فصل الجفاف حيث تسقط الأشجار أوراقها وتموت الحشائش، ولكنها لا تلبث أن تخضر عندما يبدأ فصل النمو الذي يتفق مع موسم سقوط الأمطار، وأنواع الأشجار التي تنمو في هذه الغابات محدودة، وبعضها يتميز بأوراقه الشوكية كما هي الحال في أشجار   1 يستفاد من قشور جذوع هذه الأشجار في صناعة الأدوية التي تستخدم في علاج الإسهال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 شكل "114" أحراج مدارية "منظر في السنغال" السنط، وقد تكون الغابة مكونة في جملتها من الأشجار الشوكية، وفي هذه الحالة يطلق عليها اسم الغابة الشوكية Thorn Forest ومنها بعض الغابات الموجودة في شمال شرق البرازيل، ويطلق عليها اسم كاتينجا "Caatinga" ومن أهم النباتات أيضًا اليوفوربيا الشوكية "Euphorbia" وكذلك الباوباب "Baobab" التي تتميز بمقدرتها على تخزين المياه في جذوعها المتضخمة، مما يساعد على تحمل الجفاف في فصل انقطاع الأمطار "شكل 115". شكل "115" شجرة باوباوب "في غرب أستراليا" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 ويلاحظ أن الغابات شبه النفضية، وكذلك الأحراج تكون عادة مختلطة بكثير من الحشائش، ولذلك فإنها تدرس أحيانًا ضمن نطاق السفانا، ولو أن كلمة سفانا بمعناها الضيق لا تشمل إلا المناطق الخالية من الأشجار1، وسنعود لوصف الحد الفاصل بين السفانا والغابات بعد قليل. الحياة الحيوانية في الغابات المدارية: تشمل الحياة الحيوانية في هذه الغابات أنواعًا متعددة من الحيوانات التي يعيش بعضها في الغابات المدارية المطيرة، ويعيش بعضها الآخر في الغابات المدارية الأخرى، أو ينتقل بينها بين مناطق السفانا. ومعظم الحيوانات التي تعيش في الغابات المطيرة تقضي كل حياتها تقريبًا في أعلى الأشجار نظرًا لقسوة الظروف في قلب الغابة، وهي تشمل كثيرًا من القردة مثل الغوريلا الشمبانزي، كما تشمل السنجاب الطائر، وضفادع الأشجار والسحالي والثعابين، وأنواعًا مختلفة من الطيور والحشرات، ويتميز الكثير من هذه الحيوانات بألوانه الزاهية التي تجعل من الصعب تمييزه وسط الأوراق والأزهار، وهذه الميزة لها أهمية كبيرة، في حياة بعض الحيوانات؛ لأنها تسهل عليها مهمة الاختفاء من أعدائها، وبينما يموج أعلى الغابة بهذه الأنواع المتعددة من الحيوانات التي يساعد تكوين أجسامها على التسلق والتعلق بغصون الأشجار، نجد أن أرض الغابة لا يعيش فوقها غالبًا إلا أنواع قليلة من الزواحف والحشرات التي يوجد بعضها بأعداد هائلة، ومثال ذلك نوع من النمل الأبيض "Termites" الذي يوجد بكثرة في غابات حوض الأمزون، وفيما عدا ذلك تخلو الغابات المدارية المطيرة إلى حد كبير من الحيوانات البرية ذات الأحجام الكبيرة، وينطبق هذا بصفة خاصة على غابات أمريكا الجنوبية، أما في إفريقية فإن هناك عددًا من الحيوانات التي تتنقل ما بين الغابات المدارية والسفانا ومنها بعض آكلات اللحوم مثل النمور والقطط المتوحشة، وبعض آكلات النباتات مثل الفيلة والزراف والبقر الوحشي، وتعيش في حوض الكونغو بصفة خاصة بعض الحيوانات التي أهمها الفيلة والجاموس، وكذلك فرس البحر والتمساح اللذان يعيشان في مجاري الأنهار.   1 Horrocks, N.K. "physical geography and climatology 1953. p.243. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 14- 2- 1- 2- الغابات المعتدلة الدافئة : 1- غابات البحر المتوسط "شكل 75، 76": يتميز مناخ البحر المتوسط بشتائه المعتدل، الذي لا ينخفض في أثنائه المتوسط اليومي لدرجة الحرارة في معظم المناطق انخفاضًا يؤدي إلى توقف نمو معظم الأشجار، أما فصل الصيف فيمتاز بحرارته وجفافه، ولكن رغم ذلك فإن الغابات التي تنمو في هذا المناخ تتكون في جملتها من أشجار عريضة الأوراق دائمة الخضرة لا تنفض أوراقها بسبب الجفاف، كما يحدث للغابات الموسمية أو الأحراج المدارية مثلًا، وتعتبر غابات البحر المتوسط في الواقع نوعًا فريدًا في بابه من أنواع الغابات لأنه ليس من المألوف أن تنمو غابات عريضة الأوراق في إقليم يوجد به فصل جاف طويل نسبيًّا دون أن تنفض أوراقها خلال هذا الفصل. وتتميز هذه الغابات بصفات خاصة هي التي تساعدها على الاحتفاظ باخضرارها في فصل الصيف، ومن هذه الصفات أن الأشجار تكون متباعدة نوعًا ما بحيث تستطيع الشجرة الواحدة أن تستفيد من المياه الموجودة في منطقة واسعة من الأرض، كما تكون الجذور متشعبة، وطويلة بدرجة تستطيع معها أن تصل إلى طبقة المياه الباطنية، أما الأوراق فتكون قليلة، كما يكون أغلبها صغيرًا سميكًا متصلبًا "Stiff" ذا سطح أملس ناعم أو غير ذلك من الصفات التي تحول دون سرعة فقدان المياه بالنتح، وبعض الأشجار مثل الفلين تغلف جذوعها بقشور سميكة جدًّا تحول دون ضياع مياهها وعصارتها بالتبخر وكثيرًا ما تكون الأوراق شوكية متشابهة لأوراق كثير من النباتات التي تنمو في الأقاليم الجافة1.   1 preston E. James, "A Geography of man" 1944. p.126. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 وغابات البحر المتوسط في جملتها من نوع الأدغال "Scrub Forests" التي تتكون من أشجار متوسطة الارتفاع أو قصيرة، أما الأشجار الضخمة فيقل وجودها بصفة عامة، إلا في بعض المواضع التي تساعد ظروف المناخ والتربة فيها على سرعة النمو، فهنا تنمو أشجار ذات جذوع سميكة، يلتوي بعض أغصانها على البعض الآخر، وتتغطى الأرض فيما بينها بطبقة من الحشائش القصيرة، ورغم أن الأشجار لا تنقص أوراقها غالبًا في أي فصل من الفصول فإن هناك موسمًا معينًا لخروج البراعم والأوراق الجديدة، ويكون ذلك عند بداية الفصل المطير، في الخريف، أما خروج الأزهار والثمار فيحدث عمومًا في فصل الربيع، وهذا بخلاف الحال في الغابات المدارية المطيرة التي لا يوجد فيها موسم خاص لخروج الأوراق أو الزهور؛ إذ إن هذا يحدث في جميع شهور السنة على حد سواء. ويعتبر البلوط دائم الخضرة "Oak" والفلين "Cork" من أهم الأشجار التي يختص بها مناخ البحر المتوسط، وهي تمتاز بأن جذوعها مغلفة بقشور سميكة جدًّا تقطعها شقوق عميقة وبأن أوراقها صغيرة سميكة، ومتصلة سطحها أملس، وتعتبر أشجار الزيتون أيضًا من الأنواع الرئيسية، وهي ذات جذوع ضخمة مغلفة بقشور سميكة تقطعها كذلك شقوق عميقة، ويلتوي بعض فروعها على البعض الآخر، أما أوراقها فصغيرة متصلبة قليلة المسام، ومن الأشجار المهمة أيضًا شجرة القسطل "أبو فروة" "Sweet Chestnut" والغاز "Laurel" وبعض أنواع الأشجار المخروطية "Conifers" مثل الأرز "Cedar" والسرو، ثم أشجار اليوكاليبتوس1 "Eucalyputs"، وأشجار الكافور التي تكثر بصفة خاصة في أستراليا.   1 كلمة Eukalyptos أصلها يوناني، وهي مكونة من مقطعين هما EU ومعناها جيد Kalyptos ومعناها مغطى أو مغلف، وذلك لأن ثمارها مغلفة تغليفًا جيدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 وإلى جانب الغابات التي سبق وصفها تنمو في مناخ البحر المتوسط كذلك أحراج كثيفة تتغطى بها الأرض في بعض المناطق وتتخللها أحيانًا شجيرات أو أشجار قصيرة، وتشتهر هذه الأحراج في كاليفورنيا باسم "شابارول Chaparral" أما في البلاد المحيطة بالبحر المتوسط فيطلق عليها اسم "ماكي Maqui" وإلى جانب المناطق التي تصلح بطبيعتها لنمو هذه الأحراج نجد أنها تظهر كذلك في بعض المناطق الأخرى التي كانت تغطيها الغابات، وذلك بعد أن اجتثت أشجارها، وأهم فائدة لهذه الأحراج هي أنها تنظم انحدار المياه على جوانب المنحدرات وتحول دون جرفها للتربة. وفضلًا عن النباتات الطبيعية السابق ذكرها يشتهر مناخ البحر المتوسط بصلاحيته لغرس أشجار الفاكهة التي أهمها الموالح والمشمش والكمثرى والتفاح والخوخ والتين واللوز والكروم وأشجار الزيتون. ويظهر مناخ البحر المتوسط بصفة عامة في غرب القارات ما بين خطي عرض 30ْ و40ْ تقريبًا، وأكبر منطقة يتمثل فيها هي التي تحيط بالبحر المتوسط نفسه في العالم القديم، وإلى جانب ذلك نجد أنه يتمثل في كاليفورينا بأمريكا الشمالية، وفي وسط شيلي وأمريكا الجنوبية، وفي منطقة رأس الرجاء الصالح في إفريقية، وفي منطقتين صغيرتين في الطرفين الجنوبي الشرقي والجنوبي الغربي لأستراليا. 2- الغابات الرطبة الدافئة في شرق القارات "غابات الصين": تنمو هذه الغابات في بعض العروض التي توجد فيها غابات البحر المتوسط وذلك في المناطق التي تنتمي عمومًا إلى المناخ المعرف "بالمناخ الصيني" ومن أهمها الصين، وجنوب شرقي الولايات المتحدة وجنوب شرقي البرازيل والساحل الشرقي لأستراليا وساحل ناتال في إفريقية، وهي تنمو كذلك في الأقاليم المدارية، ولكن على مستويات أعلى من 900 متر فوق سطح البحر، كما هي الحال في شرق المكسيك وأمريكا الوسطى، وعلى المنحدرات الشرقية لجبال الإنديز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 ونظرًا لأن أمطار هذه الأقاليم تسقط طول السنة فإن الغابات التي تنمو بها تكون غالبًا أشد كثافة من غابات البحر المتوسط، وهي تتكون في جملتها من أشجار عريضة الأوراق معظمها دائمة الخضرة وأخشابها من النوع الجامد، وتشمل بعض أنواع الأشجار التي تنمو في مناخ البحر المتوسط مثل البلوط دائم الخضرة وكثير من الأشجار التي تتكون منها الغابات عريضة الأوراق في الأقاليم المعتدلة في غرب القارات، كما هو الحال في غرب أوروبا مثلًا، ومن الأشجار المهمة التي من هذا النوع أشجار الزان "Beech" والجوز "Walnut" والبتولا "Birch" والهيكوري "Hickory" "وهو نوع من أشجار الجوز" والحور "poplar" والأسفندان "maple" وتختلط هذه الأشجار في بعض المناطق بكثير من الأشجار الصنوبرية ذات الأوراق الإبرية مثل الصنوبر "pine" والشوكران "Hemlock" ويحدث ذلك بصفة خاصة في المناطق رديئة التربة وعلى منحدرات الجبال حيث تنمو غابات مكونة من النوعين، ويطلق عليها اسم "الغابات المختلطة "Mixed Forests" وقد تسود الأشجار الصنوبرية في بعض المناطق بحيث تتكون منها معظم الغابة أو كلها، كما هي الحال في بعض السهول الساحلية في جنوب شرقي الولايات المتحدة، حيث تسود التربة الرملية الفقيرة، وعلى منحدرات السلاسل الجبلية لجبال الأبلاش، حيث يكون سطح الأرض صخريًّا بصفة عامة، أو يكون مغطى بطبقة رقيقة جدًّا من التربة، وتعتبر الغابات التي تنمو على هذه المنحدرات في الواقع لسانًا من الغابات الصنوبرية يمتد ناحية الشمال وسط إقليم تسود فيه غابات عريضة الأوراق ويزداد اختلاط الأشجار كذلك كلما اتجهنا ناحية القطبين بسبب تناقص الحرارة حتى تصل إلى المناطق التي تسود فيها الغابات الصنوبرية. وتعتبر الغابات الصنوبرية والغابات المختلطة موردًا من المورد المهمة للأخشاب في العالم؛ إذ إن كثيرًا من أشجارها يمتاز بجودة أخشابه، ومثال ذلك أشجار الجوز والزان، وقد أزيلت هذه الغابات من مناطق واسعة في العالم لكثرة الطلب على أخشابها من جهة ولإحلال الزراعة محلها من جهة أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 حيث إن الأقاليم التي توجد بها تعتبر عمومًا من أكثر جهات العالم ازدحامًا بالسكان، كما هي الحال في الولايات المتحدة، وجنوب اليابان وكوريا وجنوب شرقي الصين، ففي الولايات المتحدة مثلًا كانت هذه الغابات تغطي معظم جنوب وجنوب شرقي البلاد، ولكنها أصبحت في الوقت الحاضر تكاد تكون مقصورة على المناطق الجبلية الوعرة التي ليس من السهل استغلالها للزراعة، ولا تزال مساحتها آخذة في التناقص بسبب كثرة الطلب على أخشابها، ويعتبر الأرز والشاي من أهم الغلات التي انتشرت زراعتها مكان هذه الغابات في شرق آِسيا، أما في الولايات المتحدة فقد انتشرت مكانها زراعة الذرة والقطن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 14- 2- 1- 3- الغابات المعتدلة الباردة . 1- الغابات النفضية "عريضة الأوراق": أهم ما تتميز به أشجار هذه الغابات هو أنها تسقط أوراقها في فصل الشتاء بسبب انخفاض المعدل اليومي لدرجة الحرارة إلى ما دون حاجة النباتات، وليس بسبب انقطاع الأمطار كما يحدث للغابات النفضية التي تنمو في الأقاليم المدارية، والأوراق في جملتها عريضة ورقيقة، أما الجذوع فتغلفها غالبًا قشور سميكة يمكنها أن تحول دون تبخر الماء منها في الفصل الذي يتوقف فيه نشاط عمليات النمو، وبينما تكون الغابة مزدهرة خضراء في فصل الصيف فإنها تبدو جافة تمامًا في فصل الشتاء، حيث تكون معظم الحياة النباتية فيها في حالة سكون "شكل 116". وتنمو الغابات النفضية بصفة خاصة في غرب القارات ما بين خطي عرض 40 ْو60 ْتقريبًا، وذلك في الأقاليم التي ينتمي مناخها إلى النوع المعروف باسم "مناخ غرب أوربا" وهو ممطر طول العام ومعتدلة الحرارة في الصيف ولكنه شديد البرودة في الشتاء، وقد كانت هذه الغابات فيما مضى تغطي معظم دول غرب أوروبا ووسطها، ولكن نظرًا لازدحام هذه البلاد بالسكان وعظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 شكل "116" غابة نفضية في فصل الشتاء. الطلب على المواد الغذائية فقد أزيلت من مناطق واسعة، وحلت محلها زراعة بعض المحاصيل التي أهمها القمح والبطاطس والبنجر والشوفان، ولا تزال توجد مع ذلك مساحات واسعة منها في بعض البلاد خصوصًا في غرب روسيا، وتتناقص هذه الغابات كلما توغلنا في أوروبا نحو الشرق تبعًا لتناقص الأمطار حتى تختفي تقريبًا عند جبال أورال، ألا إنها لا تلبث أن تظهر من جديد في شرقي آسيا حيث تغطي مساحات واسعة في منشوريا واليابان، وفي أمريكا الشمالية توجد الغابات النفضية بصفة خاصة شمال غرب الولايات المتحدة وغرب كندا أما في نصف الكرة الجنوبي فلا توجد منها إلا مساحات صغيرة في جنوب شيلي وفي جزيرة تيراديلفويجو "Tierradel Fuego" وفي الطرف الجنوبي لجزيرة تسمانيا وبعض أجزاء الجزيرة الجنوبية لنيوزيلندة. ويلاحظ أن هذا النوع من الغابات لا ينمو غالبًا على السواحل التي ينتمي مناخها إلى النوع البحري المثالي؛ لأن انخفاض درجة حرارة فصل الشتاء في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 هذا المناخ لا يكون عادة شديدًا بدرجة تؤدي إلى توقف الحياة النباتية، كما أن الرياح تكون محملة أحيانًا برذاذ من المياه المالحة التي تضر النباتات1، وذلك فضلًا عن أن قوة الرياح على الشاطئ تعتبر من العوامل التي لا تساعد على نمو الأشجار حيث إنها تعمل على نشاط فقدان المياه بالنتح. وتعتبر الغابات النفضية عمومًا من أهم موارد الأخشاب في العالم خصوصًا فيما يتعلق بالأخشاب الصلبة، وأهم الأشجار التي تنمو بها هي أشجار البلوط والزان والبوداق، "لسان العصفور" والغرغار "Ash" والأسفندان والقسطل "Elm" والجوز، ومما يساعد على استغلال هذه الأشجار أنها قليلة الاختلاط بعضها ببعض أو بغيرها من الأشجار، فكثيرًا ما توجد مساحات واسعة منها لا يغطيها إلا نوعين أو ثلاثة أنواع فقط من الأشجار، وذلك بخلاف الحال في الغابات المدارية المطيرة التي تختلط بها الأنواع المتباينة واختلاطًا شديدًا يجعل استغلال الأنواع ذات القيمة الاقتصادية أمرًا شديد الصعوبة. 2- الغابات الصنوبرية "أو المخروطية": تعتبر الغابات الصنوبرية من أهم النباتات الطبيعية التي تنمو في العروض المعتدلة الباردة في نصف الكرة الشمالي، وهي تغطي مساحات واسعة في أوراسيا وأمريكا الشمالية، وذلك إلى الشمال من خط عرض 50ْ تقريبًا في أوراسيا و45ْ في أمريكا، أما حدها الشمالي فيتفق عمومًا مع خط حرارة 10ْ لأدفإ الشهور، حيث إن الأشجار لا تستطيع النمو إلا إذا كان هناك شهر واحد على الأقل يرتفع درجة حرارته إلى 10ْ أو أكثر. ويلاحظ أن الانتقال بين الغابات الصنوبرية والصحاري الجليدية التي تمتد إلى الشمال منها، وبينها وبين الغابات النفضية التي تنتشر إلى الجنوب منها يكون غالبًا تدريجيًّا، فمن ناحية الشمال تتناقص كثافة الغابات ويتناقص حجم أشجارها كلما اقتربنا من القطبين، ويطلق اسم التايجا "Taiga" في شمال أوارسيا على القسم الشمالي من الغابات الصنوبرية الذي يمثل مرحلة الانتقال   1 Horrocks, N.K. "physical geography and climatology" 1953. p.245 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 بين الغابات الصنوبرية ذات الأشجار الضخمة في الجنوب وإقليم التندرا في الشمال، وهو يتكون في جملته من أشجار متقاربة ذات جذوع رفيعة وقصيرة نسبيًّا "شكل 117" ولكن كثيرًا ما يطلق اسم التايجا بصفة عامة على كل نطاق الغابات الصنوبرية في شمال أوراسيا وأمريكا الشمالية، ويلاحظ أن هذه الغابات تختلط من ناحية الجنوب في كثير من المناطق بالأشجار النفضية ويتكون من النوعين غابات مختلطة، كما سبق أن ذكرنا عند الكلام على الغابات النفضية. شكل "117" غابات التايجا، "منظر في كندا" وتنمو الغابات الصنوبرية فضلًا عما تقدم على المنحدرات المرتفعة للجبال في الأقاليم المعتدلة الدافئة أو المدارية، وذلك في المستويات التي تتفق ظروفها المناخية مع ما يلزم لنمو هذه الغابات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 وتمتاز أشجار الغابات الصنوبرية بأنها مخروطية الشكل مستقيمة الجذوع بصفة عامة، وبأن أوراقها سميكة تغطيها طبقة صمغية تحول دون فقدان مياهها وعصارتها بالتبخر، ولا تسقط هذه الأوراق في أي فصل من الفصول ولكنها تكون في حالة سكون خلال الفصل البارد ثم تبدأ في النمو بسرعة عندما يرتفع المعدل اليومي لدرجة الحرارة إلى 6ْم في بداية فصل الصيف، وذلك دون حاجة إلى إضاعة بعض أيام فصل النمو القصير في تكوين أوراق جديدة كما يحدث مثلًا في الغابات النفضية التي تنمو في الأقاليم الأكثر دفئًا. ويمكننا أن نلخص أهم أوجه الاختلاف بين الغابات الصنوبرية من جهة والغابات النفضية من جهة أخرى فيما يلي: 1- الغابات الصنوبرية دائمة الاخضرار1، أما النفضية فتسقط أوراقها في فصل الشتاء. 2- الغابات الصنوبرية أوراقها إبرية أما النفضية فعريضة الأوراق. 3- أخشاب الغابات الصنوبرية معظمها من النوع اللين أما الغابات النفضية فمعظم أخشابها من النوع الصلب. 4- تحتاج الغابات الصنوبرية إلى أمطار أقل مما يحتاج إليه الغابات النفضية إذ يكفي لنموها سقوط 25 سنتيمترًا فقط خلال فصل النمو، ولهذا فإنها تمتد بدون انقطاع تقريبًا على شمال أوراسيا وأمريكا الشمالية. 5- تحتاج الغابات الصنوبرية إلى درجة حرارة أقل وفصل النمو أقصر مما تحتاج إليه الغابات النفضية. 6- تستطيع الغابات الصنوبرية أن تنمو في بعض أنواع التربة الفقيرة التي لا تصلح لنمو الغابات النفضية، ففي شرق الولايات المتحدة مثلًا نجد أن الغابات الصنوبرية تحتل بعض المناطق الساحلية ذات التربة الرملية، وذلك في نطاق الغابات النفضية.   1 يوجد في بعض الأقاليم الباردة القارية في شرق آسيا نوع من الغابات الصنوبرية التي تنفض أوراقها في الشتاء بسبب قسوة البرودة، وتعرف باسم "الغابات النفضية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 7- تمتاز الغابات الصنوبرية بقلة ما ينمو بين أشجارها من نباتات صغيرة، ويرجع ذلك بصفة خاصة إلى قلة ما يصل إلى سطح الأرض من ضوء الشمس بسبب تقارب الأشجار ودوام اخضرارها، أما في الغابات النفضية فتنمو بين الأشجار حياة نباتية كثيفة مكونة من حشائش وشجيرات، ويساعد على ظهورها كون الأشجار تنفض أوراقها في فترة من السنة، مما يسمح لأشعة الشمس بالوصول إلى سطح الأرض. وتعتبر الغابات الصنوبرية أهم مورد للأخشاب اللينة في العالم، وأهم أنواع الأشجار التي تنمو بها هي الصنوبر "Pine" والشربين والشوكران "Fir" واللاريس "Larch" كما تنمو أشجار الأرز "Cedar" والسرو "Cypress" بكثرة على منحدرات الجبال المرتفعة في الأقاليم الدافئة أو الحارة كما هي الحال في المناطق الجبلية في حوض البحر المتوسط وهضبة الحبشة وشرق إفريقية. وقد استغلت هذه الغابات على نطاق واسع في شمال أوروبا خصوصًا في السويد والنرويج وفلندة، وتقطع الأشجار عادة في فصل الشتاء ثم تجر على الجليد إلى مجاري الأنهار وتترك فيها حتى تنقلها المياه إلى المصب بعد انصهار الجليد، وتعتبر سيبيريا أكبر منطقة تغطيها الغابات الصنوبرية في العالم، إلا أن هذه الغابات ما زالت في جملتها بعيدة عن الاستغلال، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل منها: 1- قسوة المناخ وقلة السكان. 2- شدة كثافة الغابات وصعوبة اختراقها. 3- أن الأنهار المهمة في سيبيريا تتجه عمومًا من الجنوب إلى الشمال حيث تصب في المحيط المتجمد الشمالي، مما يقلل من أهميتها كطرق لنقل الأخشاب، ويلاحظ كذلك أن مياه هذه الأنهار تفيض على الأراضي التي حولها في الربيع والصيف، لأنه عندما ينصهر الجليد في أجزائها العليا تكون أجزاؤها الدنيا ما زالت متجمدة، ويترتب على ذلك تحول منطقة واسعة حولها إلى مستنقعات تزيد من صعوبة اختراق الغابات، وفضلًا عن ذلك فإن طغيان المياه وتراكمها على أرض الغابات بهذا الشكل يؤثر تأثيرًا سيئًا على الأشجار؛ لأنه يتلف الأخشاب ويقلل من قيمتها الاقتصادية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 وإلى جانب النطاق الرئيسي الصنوبرية في شمال أوراسيا تنمو هذه الغابات كذلك على منحدرات جبال الألب والكربات، وهي ذات أهمية اقتصادية كمورد للأخشاب اللينة في هذه المناطق. وإذا انتقلنا إلى العالم الجديد نجد أن الغابات الصنوبرية تشغل نطاقًا واسعًا يمتد ما بين المحيطين الأطلسي والهادي في كندا وشمال الولايات المتحدة، والغابات التي تنمو هنا في جملتها من نوع التايجا التي تنتشر في شمال أوراسيا، وإلى جانب ذلك تنمو الغابات الصنوبرية أيضًا على منحدرات الجبال في المناطق الساحلية ذات التربة الرملية في العروض المعتدلة الدافئة في غرب الولايات المتحدة وشرقها، وتمتاز هذه الغابات عن التايجا بضخامة أشجارها وجودة أخشابها مما يجعل أهميه اقتصادية عظيمة وينطبق هذا بصفة خاصة على الغابات التي تنمو على منحدرات السلاسل الغربية لجبال روكي، ويتكون منها نطاق عظيم يتصل بنطاق التايجا في الشمال ويمتد حتى المكسيك في الجنوب، ففي هذا الناطق تنمو أجود أنواع الأشجار الصنوبرية في العالم، ومن أهمها نوع من الشربين يطلق عليه اسم "Douglas Fir" ويزيد ارتفاع شجرته أحيانًا على 150 مترًا ويزيد قطر جذعها على مترين، ويشبهه في ذلك نوع من أشجار الغابات الصنوبرية المعروفة باسم الغابات الحمراء "Redwood" وهي موجودة بصفة خاصة في كاليفورنيا "انظر شكل 118". وقد كانت الغابات الصنوبرية تغطي كذلك مساحات واسعة من شرق الولايات المتحدة وكندا، ولكنها أزيلت من مناطق كثيرة لإحلال الزراعة محلها من جهة والاستفادة بأخشابها من جهة أخرى، وقد بدأت هاتان الدولتان تتبعان في الوقت الحاضر سياسة ترمي إلى تنظيم استغلال الغابات والمحافظة عليها، وتعتبر الغابات التي تنتشر على المنحدرات الغربية لجبال روكي أعظم مورد للأخشاب في الولايات المتحدة في الوقت الحاضر، وتليها الغابات التي تنتشر في الولايات الجنوبية الشرقية للبلاد. أما في نصف الكرة الجنوبي فلا توجد الغابات الصنوبرية إلا في مناطق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 شكل "118" صغيرة في غرب وجنوب أمريكا الجنوبية، وذلك لضيق اليابس وعظم امتداده كثيرًا في العروض الجنوبية الباردة. والحيوانات التي تعيش في الغابات المعتدلة الباردة سواء في ذلك الغابات النفضية أو الغابات الصنوبرية قليلة بصفة عامة، وهي تشمل بعض أنواع الطيور التي تعيش على الفاكهة أو على ما تلتقطه من الحشرات، ثم بعض الحيوانات القارضة "Rodents" مثل السنجاب، الذي يعيش على الحبوب الجافة والأرانب التي تعيش على الحشائش، ثم بعض القطط المتوحشة والثعالب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 والدببة والذئاب، كما يعيش بها نوع ضخم من الغزال يطلق عليه اسم "Moose" أو "Elk" وتوجد هذه الحيوانات بصفة خاصة في غابات شمال أوراسيا وأمريكا الشمالية. وإلى جانب حرفة قطع الأشجار وتصدير أخشابها، وهي من أهم الحرف التي يقوم بها السكان في أقاليم الغابات الصنوبرية، وتوجد كذلك حرف أخرى مهمة منها حرفة صيد الحيوانات ذات الفراء مثل الثعالب والأرانب، كما توجد بعض الصناعات المهمة مثل صناعة عيدان الثقاب وصناعة الورق من لب الخشب، وتزرع في هذه المناطق كذلك بعض المحصولات التي أهمها الشعير والشوفان والقمح وذلك في الأماكن التي أزيلت منها الغابات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 الحشائش مدخل ... 14- 2- 2- الحشائش DRASSLANDS: تغطي الحشائش مساحات واسعة جدًّا من سطح اليابس، وذلك في المناطق التي تسقط بها كمية من الأمطار تزيد على أمطار الجهات الصحراوية ولكنها لا تكفي لنمو الأشجار، وأصلح أنواع المناخ لظهورها هي التي يوجد بها فصل نمو دافئ ممطر وفصل آخر يتوقف في أثنائه نمو معظم النباتات، سواء بسبب انقطاع الأمطار أو بسبب انخفاض درجة الحرارة عن صفر النمو "6 ْ" "انظر شكل 119" والحشائش في جملتها من النباتات الحولية أو الفصلية التي تنتهي حياتها أو يتوقف نموها بانتهاء فصل النمو ولكنها تعود للظهور والنمو من جديد بمجرد ابتداء فصل النمو التالي، ولهذا نجد أن سطح الأرض يكون في فترة من السنة مغطى بطبقة من الحشائش الخضراء وفي فترة أخرى يبدو قاحلًا مجدبًا، وتختلف الحشائش في كثافتها من منطقة إلى أخرى تبعًا لكمية الأمطار التي تسقط خلال فصل النمو، وهناك نوعان رئيسيان من الحشائش هما: 1- السفانا أو حشائش الأقاليم المدارية. 2- الإستبس أو حشائش الأقاليم المعتدلة، ولكن يلاحظ أن كلمة إستبس تستخدم في الوقت الحاضر "خصوصًا في أمريكا" للدلالة على الحشائش الفقيرة فقط، سواء منها ما ينمو في الأقاليم المعتدلة أو ما ينمو في الأقاليم المدارية على أطراف السفانا من ناحية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 شكل "119" مناطق الحشائش في العالم الصحراء، بينما يطلق اسم البراري على الحشائش المعتدلة الغنية نسبيًّا كما سنرى فيما بعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 14- 2- 2- 1- السفانا "الحشائش المدارية" : وصفها وتوزيعها الجغرافي: تعتبر السفانا المظهر النباتي الرئيسي في الأقاليم المدارية الحارة، التي تسقط كل أمطارها تقريبًا في فترة يتراوح طولها بين 4 و6 أشهر في نصف السنة الصيفي، ولكنها لا تكون كافية لنمو الغابات، وهي تتمثل بصفة خاصة في قارة إفريقية، حيث يتكون منها نطاقان عظيمان يشملان معظم الأجزاء الداخلية للقارة، ويمتد أحدهما إلى الشمال من الغابات المدارية، بينما يمتد الثاني إلى الجنوب منها ويتصل النطاقان عبر الهضبة الشرقية الاستوائية، التي لا تساعد ظروفها على نمو الغابات الكثيفة بسبب قلة أمطارها بالنسبة للأقاليم الاستوائية الأخرى، التي تمتد إلى الغرب منها والتي تتمثل بصفة خاصة في حوض الكونغو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 وتظهر السفانا كذلك في أمريكا الجنوبية في منطقتين الأولى منهما معظم هضبة البرازيل إلى الجنوب مباشرة من نطاق الغابات المدارية المطيرة في حوض الأمزون، وتشتهر السفانا هنا باسم الكامبوس "Campos" أما المنطقة الثانية فتوجد إلى الشمال من نطاق الغابات وتشمل حوض الأورينوكو ومعظم مرتفعات جيانا، وهذه المنطقة هي التي تشتهر باسم اللانوس "Llanos" وتوجد السفانا فضلًا عن ذلك في أستراليا حيث تشمل نطاقًا يفصل بين إقليم الغابات الموسمية في الشمال والأقاليم الصحراوية في الوسط، كما أنها تنمو في بعض جهات هضبة الدكن وجنوب شرق آسيا. وتتكون السفانا عمومًا من أعشاب كثيفة تنمو بها أشجار قصيرة متفرقة تتزايد كلما اقتربنا من خط الاستواء تبعًا لتزايد كمية الأمطار وطول الفصل المطير، ولهذا فإن الانتقال بين الغابات المدارية والسفانا يكون غالبًا تدريجيًّا حتى إنه ليصعب إيجاد حد فاصل بينهما، وعلى العكس من ذلك تتضاءل الحشائش وتتناقص الأشجار كلما بعدنا عن خط الاستواء تبعًا لتناقص الأمطار وتناقص طول الفصل المطير، حتى نصل إلى نطاق شبه صحراوي لا تنمو فيه إلا حشائش قصيرة من نوع الإستبس، ولا تكاد تنمو به أشجار تذكر، وأخيرًا نصل إلى النطاق الصحراوي الجاف الذي تمثله الصحراء الكبرى في شمال إفريقية وصحراء كلهاري وناميبيا في جنوبها. وحشائش السفانا في جملتها من الأنواع الخشنة ذات الأوراق النصلية الطويلة، وهي تبدأ في النمو بسرعة عظيمة بمجرد أن يبدأ الفصل المطير، وقد يصل ارتفاعها في هذا الفصل إلى 7 أمتار في بعض الجهات، ولو أنه يتراوح في الغالب ما بين مترين وأربعة أمتار، ويكون اختراق المنطقة عندئذ أمرًا غاية في الصعوبة، أما في فصل الجفاف فيختلف الحال عن ذلك تمامًا لأن الحشائش سرعان ما تذبل وتجف بمجرد انقطاع الأمطار، ويتحول سطح الأرض إلى مساحات شاسعة جرداء تغطيها طبقة من الحشائش الجافة ويستمر الحال على ذلك حتى يبدأ موسم المطر من جديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 والأشجار التي تنمو في أقاليم السفانا معظمها من النوع النفضي، وكثير منها يتميز بأوراقه الشوكية التي تساعده على تحمل الجفاف وقد يوجد كذلك أشجار قليلة دائمة الخضرة تتغطى أوراقها بطبقة جلدية غير مسامية كما تغلف جذوعها بقشور سميكة. والصفة الغالبة على الأشجار هي أنها تكون أشبه بالمظلات وربما كان ذلك راجعًا إلى تباعدها وتعرض هذه الأقاليم لهبوب الرياح التجارية التي تهب بقوة في معظم شهور السنة، مما يعاكس نمو الفروع إلى أعلى فضلًا عن أن الشجرة التي تأخذ شكل المظلة تكون غالبًا أقدر على مواجهة الرياح القوية من غيرها "انظر شكل 120". الحياة الحيوانية: تختلف حيوانات السفانا عن حيوانات الغابات المدارية المطيرة من بعض الوجوه، فبينما تتكون معظم الحياة الحيوانية في الغابات المطيرة من أنواع لها القدرة على التسلق وتقضي كل حياتها تقريبًا فوق الأشجار وتتغذى على ثمارها نجد أن حيوانات السفانا معظمها من الأنواع البرية التي تتغذى على الحشائش، ومن أهمها الجاموس والبقر الوحشي "Antelope" والحمار الوحشي "Zebra" والخرتيت "Rhinoceros" والزراف والغزال والفيل، ثم الكانجارو الذي لا يوجد إلا في أستراليا، وهناك كذلك بعض الحيوانات المفترسة مثل الأسد والنمر والفهد وهي تتغذى على لحوم غيرها شكل "120" منظر للسفانا في روديسيا، "لاحظ شكل الأشجار الذي يشبه المظلات" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 من الحيوانات الأضعف منها، ويلاحظ أن معظم هذه الحيوانات كثير التنقل بحثًا عن الماء والغذاء، فالحيوانات التي تتغذى على الحشائش تضطر في كثير من الأحيان للهجرة في فصل انقطاع الأمطار إلى نطاق الغابات بسبب جفاف حشائش السفانا فتنتقل وراءها الحيوانات الأخرى المفترسة. وتعيش في السفانا كذلك كثير من الحشرات والديدان التي تكثر بصفة خاصة في الفصل المطير، كما توجد بعض الحيوانات القارضة التي تعيش في مساكن تحفرها لنفسها في الأرض ولا تخرج منها إلا ليلًا لكي تتفادى الحيوانات المفترسة، وتعيش هنا أيضًا بعض الطيور المتوطنة التي لا تعرف الهجرة والانتقال، وهي تتغذى على الحشرات والسحالي، وتعتبر النعامة من أهم هذه الطيور، ولكن يلاحظ أنها فقدت القدرة على الطيران بعد أن تطورت أجنحتها وأصبحت صغيرة بدرجة لا تتناسب مع حجم جسمها، ولكنها تتميز في نفس الوقت بسرعة العدو، ويساعدها على ذلك قوة سيقانها. المستقبل الاقتصادي للسفانا: ليس من شك في أن حرفة الرعي هي أوسع الحرف انتشارًا في الوقت الحاضر في أقاليم السفانا، حيث يقوم السكان بتربية قطعان عظيمة من الأبقار، ولكنهم لا يتبعون في تربيتها أساليبَ علمية منظمة، ولهذا فإن اللحوم التي تنتج هنا معظمها من الأنواع الرديئة التي ليست لها قيمة كبيرة في التجارة العالمية، إلا أن الدول الاستعمارية بدأت تهتم اهتمامًا كبيرًا باستغلال هذه الأقاليم، سواء بتنظيم حرفة الرعي فيها أو بتحويل بعض أراضيها إلى حقول لإنتاج الغلات المدارية التي يمكن أن تجود فيها مثل الذرة والفول السوداني والقطن وقصب السكر، وقد استطاعت كل من إنجلترا وفرنسا أن تستغل بالفعل مساحات كبيرة من السفانا الإفريقية لإنتاج هذه الغلات ولا تزال توجد رغم ذلك بعض العقبات التي تحول دون سرعة التوسع في هذا الاستغلال، ومن أهمها قلة الأيدي العاملة وصعوبة المواصلات، وإلى جانب الرعي والزراعة يقوم سكان السفانا كذلك بصيد الحيوانات المختلفة التي تعيش فيها مثل الفيل الذي يتجرون في سنه، ثم النمور والقطط المتوحشة وغيرها من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 الحيوانات التي لجلودها بعض الأهمية التجارية، وقد ترتب على نشاط عمليات الصيد في هذه المناطق وتحويل كثير من أراضيها للزراعة أن أخذت أعداد الحيوانات البرية فيها في التناقص مما حدا ببعض الدول الواقعة في مناطق السفانا والغابات المدارية إلى أن تحدد مناطق خاصة تحيا فيها الحيوانات البرية حياتها الطبيعية ويقيد فيها صيدها، وتوجد بعض هذه المناطق في السودان وكينيا وغيرها من الدول الإفريقية, وهذه هي المناطق التي تعرف باسم Game Reserves. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 14- 2- 2- 2- الإستبس "حشائش العروض المتوسطة": وصفها وتوزيعها الجغرافي: كان اسم الإستبس يطلق بمعناه الأصلي على الحشائش التي تغطي مساحات واسعة في داخل القارات في العروض المتوسطة، ولكنه أصبح في الوقت الحاضر يضم كذلك نطاقات أخرى من الحشائش الموجودة في العروض المدارية بين نطاقات السفانا من ناحية و الصحاري الحارة من ناحية أخرى، وقد سبق أن أوضحنا ذلك عند شرح التقسيم المناخي الذي اقترحه كوبن، وسيكون كلامنا هنا مركزًا على حال على إستبس العروض المتوسطة، وهي في الواقع أعظم مناطق الإستبس اتساعًا وأهمها من حيث تنوع مظاهر استغلالها الاقتصادي في الوقت الحاضر، وهي تتميز بأن حشائشها أقصر وأكثر اخضرارًا وليونة من حشائش السفانا والإستبس الحار مما يجعلها أصلح منها لتغذية الماشية. ومن الناحية المناخية نلاحظ أن مناخ السفانا والإستبس كلاهما قاري وأن أمطارهما تسقط في نصف السنة الصيفي، ألا أن أمطار الإستبس أقل نوعًا ما من أمطار السفانا، فبينما يبلغ معدل أمطار السفانا حوالي 100 سنتيمتر أو أكثر نجد أن معدل أمطار الإستبس يندر أن يزيد على 75 سنتيمترًا, وفيما يختص بدرجة الحرارة نجد أنها يندر أن تنخفض في أقاليم السفانا عن 21 ْمئوية في أي شهر من الشهور، أما أقاليم الإستبس فعلى الرغم من أنها تكون شديدة الحرارة في فصل الصيف فإنها تكون شديدة البرودة في فصل الشتاء الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 ينخفض المعدل اليومي لدرجة الحرارة في أثنائه إلى أقل من 6 ْم، وقد ينخفض في بعض الجهات إلى ما دون درجة التجمد فيتغطى سطح الأرض بالجليد، وفي هذا الفصل تجف معظم الحشائش وتموت نهائيًّا أو تبقى في حالة سكون حتى بداية الفصل الدافئ الذي يتفق مع فصل سقوط الأمطار. وتتباين الحشائش المعتدلة في كثافتها من جهة إلى أخرى على حسب كميات الأمطار، وعلى هذا الأساس يقسم بعض الجغرافيين1 المناطق التي تنمو فيها الحشائش إلى نوعين: هما 1- البراري ويقصد بها المناطق التي تنمو بها حشائش كثيفة مرتفعة تختلط بها أحيانًا بعض الأشجار، وتتراوح كمية المطر السنوي فيها ما بين 75 و100 سنتيمتر، ومن أحسن الأمثلة عليها تلك المنطقة المعروفة باسم البراري في وسط أمريكا الشمالية. 2- الإستبس ويقصد بها المناطق التي تغطيها حشائش فقيرة نسبيًّا، ويكون ذلك في الأقاليم التي تتراوح أمطارها بين 25 و50 سنتيمترًا، وهي تخلو تمامًا من الأشجار، وفي بعض هذه المناطق يتغطى سطح الأرض بخصل أو مجموعات متفرقة من الحشائش شكل "121"، بينما ينمو في بعضها الآخر غطاء متصل من الحشائش القصيرة. شكل "121" حشائش الإستبس   1 finch, V.C. & Rtewatha, C. "physical elements of geography" 3 rd ed. 1949 p. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 وتغطي الحشائش المعتدلة مساحات واسعة من القارات المختلفة، ففي أوراسيا نجد أنها تنتشر في معظم دول شرق أوروبا وجنوب روسيا وغرب آسيا، وهي تتدرج من إقليم الغابات النفضية في الغرب ومن إقليم الغابات الصنوبرية في الشمال، وتتناقص كثافتها كلما اتجهنا شرقًا تبعًا لتناقص الأمطار حتى تنتهي في صحاري وسط آسيا، ولكنها تعود للظهور مرة أخرى في منشوريا، وهي تظهر فضلًا عن ذلك في مساحات واسعة نسبيًّا في بعض دول حوض البحر المتوسط خصوصًا في إيطاليا وإسبانيا. وفي إفريقية نجد أنها تنمو في القسم الجنوبي من هضبة إفريقية الجنوبية إلى الشرق من صحراء كلهاري، ومنها الحشائش التي تنمو على هضاب الفلد والتي اشتهرت باسمها هذه الهضاب. وفي أستراليا تنمو هذه الحشائش في السهول الوسطى في حوض نهر مرى - دارلنج، وتتناقص كثافتها كلما اتجهنا غربًا حتى تنتهي في النطاق الصحراوي الذي يشمل معظم وسط القارة، وإذا انتقلنا إلى العالم الجديد نجد أنها تشغل معظم السهول الوسطى في الولايات المتحدة وجنوب كندا، وتتناقص كثافتها كلما اتجهنا غربًا تبعًا لتناقص الأمطار، ولهذا فمن الممكن أن نقسمها إلى قسمين هما: 1- إقليم البراري في وسط الولايات المتحدة وجنوب كندا، وهو يمتاز بعلو حشائشه وكثافتها وكثرة الأزهار التي توجد بها، ويعتبر خط طول 100 ْغربًا الحد الغربي لهذه الأقاليم على وجه التقريب. 2- إقليم الإستبس الذي تعطيه حشائش فقيرة نسبيًّا، ويمتد إلى الغرب من ذلك حتى ينتهي عند المنحدرات الشرقية لجبال روكي. ولكن يلاحظ أن مساحات واسعة من منطقة الحشائش المعتدلة في جميع القارات تقريبًا قد حولت إلى حقول زراعية لإنتاج بعض الغلات التي من أهمها الحبوب الغذائية مثل القمح. القيمة الاقتصادية: ليس من شك في أن مناطق الحشائش المعتدلة تعتبر في الوقت الحاضر أعظم مناطق إنتاج اللحوم في العالم، بل إنها أصبحت كذلك أعظم مناطق إنتاج القمح وبعض الحبوب الغذائية الأخرى وقد ساعد على ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 عدة عوامل أهمها: 1- اعتدال مناخها وملاءمته لنمو الحشائش والمحاصيل الزراعية. 2- عظم صلاحية حشائشها لتغذية الماشية والأغنام. 3- وجود معظمها في دول متحضرة يمكنها أن تحسن استغلالها. 4- جودة التربة في معظم مناطقها. وقد ترتب على قرب مراعي أوروبا وأمريكا الشمالية، من مراكز الصناعة وازدحام السكان بالقارتين، وشدة الحاجة إلى الحبوب الغذائية أن تحولت مساحات واسعة منها إلى حقول زراعية ففي الولايات المتحدة مثلًا نجد أن معظم البراري التي في القسم الشرقي من السهول الوسطى أصبحت في الوقت الحاضر من أعظم مناطق إنتاج القمح والذرة في العالم، وقد بدأت الزراعة تنتشر في هذه السهول منذ أواخر القرن الثامن عشر، فقد كان سكان البلاد القليلون وقتئذ ينتشرون في الولايات الشرقية بالقرب من ساحل المحيط الأطلسي. وكان رعي الماشية موجودًا جنبًا إلى جنب مع الزراعة في نفس هذه الولايات، إلا أن السكان أخذوا في التزايد بسرعة وترتب على ذلك أمران هما: أولًا: زيادة الاهتمام باستغلال أراضي الولايات الشرقية للإنتاج الزراعي، فأخذت المناطق التي كانت مخصصة لرعي الماشية في التناقص حتى اختفت حرفة الرعي تمامًا من هذه الولايات. ثانيًا: هاجر الرعاة نحو الغرب إلى السهول الوسطى، إلا أن التوسع الزراعي ما لبث أن امتد إلى هذه السهول أيضًا مما أدى إلى تزحزح حرفة الرعي مرة أخرى نحو الغرب حتى استقرت في نطاق الإستبس في القسم الغربي من السهول الوسطى وعلى الهضاب شبه الجافة إلى الشرق من جبال روكي مباشرة، ونظرًا لأن هذه المراعي فقيرة نسبيًّا فإن المواشي التي تربى عليها تكون غالبًا هزيلة، ولذلك فإنها تنقل إلى المناطق الزراعية في الشرق حيث تعلف على الذرة فترة من الوقت لتسمينها قبل ذبحها. وما حدث في أمريكا قد حدث ما يشبهه إلى حد كبير في أوروبا، حيث حولت كثير من مناطق الرعي في وسط وشرق أوروبا إلى حقول زراعية ولهذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 فقد تزحزحت حرفة الرعي نحو الشرق وأصبحت تتمركز في الوقت الحاضر في مراعي وسط وغرب آسيا، بينما أصبحت أوكرانيا وجنوب روسيا من أعظم مناطق إنتاج القمح في العالم. أما أمريكا الجنوبية وإفريقية وأستراليا فإن نسبة ما حول من مناطق الحشائش المعتدلة فيها للإنتاج الزراعي لا تزال أقل منها في أوروبا وأمريكا الشمالية ولا تزال حرفة الرعي هي السائدة في كل منها. وأهم الحيوانات التي تربى في المراعي المعتدلة هي الأبقار والأغنام، وترعى الأبقار عادة في مناطق البراري الغنية، أما الأغنام فترعى في المناطق الفقيرة نسبيًّا، وتشتهر مراعي أستراليا ونيوزيلندة بصفة خاصة بتربية الأغنام التي تربى غالبًا من أجل الصوف، الذي تعتبر أستراليا أكبر الدول المصدرة له في العالم، أما مراعي الأرجنتين وأمريكا الشمالية فتسود تربية الماشية على تربية الأغنام، وتعتبر الخيول كذلك من حيوانات المراعي المعتدلة، وتكثر تربيتها بصفة خاصة في مراعي آسيا. الحيوانات غير المستأنسة: بصرف النظر عن الحيوانات المستأنسة التي سبق ذكرها والتي تربى لأغراض اقتصادية، يلاحظ أن مناطق الحشائش تعتبر موطنًا لأنواع متعددة من الحيوانات التي يشترك أغلبها في صفات معينة تمكنها من تحمل الظروف الطبيعية السائدة فيها، ومن أهمها جفاف فصل الشتاء وشدة برودته وفقر الحياة النباتية في أثنائه، ولهذا فإن بعض الحيوانات يضطر للهجرة إلى مناطق أخرى، بينما يضطر البعض الآخر للاعتكاف والراحة التامة في مساكنه حتى يحل فصل الدفء. وتميل معظم حيوانات هذه المناطق سواء في ذلك الطيور أو الحيوانات الثديية إلى أن تعيش في مجموعات وأن تهاجر في مجموعات كذلك، وكثيرًا ما تضطر للانتقال إلى أماكن بعيدة جدًّا هربًا من البرودة الشديدة أو بحثًا عن الماء في فصل الشتاء وتغير في أثناء انتقالها على المناطق الزراعية التي تصادفها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 والحيوانات الثديية التي تعيش بريًّا في المراعي المعتدلة أهمها الغزال وبعض الحيوانات القارضة مثل السنجاب البري والجربوع "Jerboa" والأرانب البرية، وقد كانت مراعي أمريكا الشمالية تشتهر بوجود نوع من الثيران الوحشية يطلق عليه اسم البيزون "Bison" وتشتهر بسرعة العدو، وهي ميزة تساعده على الهروب من الذئاب التي توجد بكثرة في هذه المراعي، وقد كان البيزون موجودًا بكثرة في الماضي ولكنه كاد ينقرض في الوقت الحاضر بسبب كثرة اصطياده من جهة وتحول كثير من مناطق الحشائش للإنتاج الزراعي أو الرعوي المنظم من جهة أخرى. أما الطيور فمن أهمها السمان "Quails" الذي يهاجر في أواخر الخريف نحو المناطق الدافئة هربًا من برودة فصل الشتاء وبحثًا عن الغذاء، ومنها كذلك الحجل "partridge" والقنابر "قنبر Lark" وبعض الطيور الجارحة مثل النسور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 14- 2- 3- الصحاري : تعريفها وتوزيعها الجغرافي : يطلق اسم الصحاري على أي إقليم لا تساعد ظروفه الطبيعة على قيام حياة نباتية أو حيوانية تذكر، ولكن ليس معنى هذا أن الصحراء يجب أن تكون خالية خلوًّا تامًّا من الحياة؛ إذ إن الصحاري التي من هذا النوع قليلة، وأغلب الصحاري بها حياة نباتية وحيوانية ولكنها فقيرة جدًّا. وتشمل الصحاري مساحات واسعة من اليابس، وأهمها هي الصحاري المدارية مثل الصحراء الكبرى في شمال إفريقية وامتدادها في جنوب غرب آسيا وصحراء كلهاري وصحاري وسط غرب أستراليا، وصحاري أريزونا والمكسيك في أمريكا الشمالية، وأتكاما في أمريكا الجنوبية، ثم الصحاري المعتدلة والباردة التي تشغل مساحات واسعة في وسط آسيا ما بين بحر قزوين في الغرب وجبال خنجان في الشرق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 ونظرًا لفقر الحياة النباتية في الأقاليم القطبية التي يغطيها الجليد في معظم شهور السنة فإنها يمكن أن تعتبر كذلك نوعًا من الصحاري الباردة، وهي تشتهر غالبًا باسم "التندرا" ويمكن أن نضم إليها كذلك الأقاليم التي تكسوها غطاءات جليدية دائمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 نباتات الصحاري الحارة والمعتدلة : أهم ما يتميز به مناخ الصحاري هو أن أمطاره قليلة جدًّا بحيث لا تزيد على 25 سنتيمترًا في السنة, وأن المدى اليومي والفصلي لدرجة الحرارة فيه مرتفع جدًّا، ويندر أن تحتجب سماء الصحاري بالسحب، ولهذا فإن أشعة الشمس تكون مسلطة على سطح الأرض طول النهار تقريبًا، ولا يستثنى من ذلك إلا بعض الصحاري الساحلية حيث يكثر ظهور الضباب في ساعات الصباح، وقد ترتب على هذا النوع من المناخ ظهور حياة نباتية فقيرة تتكون في جملتها من أنواع يمكنها أن تتحمل الجفاف الشديد أو تتحايل عليه فمن هذه النباتات ما هو قصير العمر جدًّا بحيث يستطيع أن يتم حياته أحيانًا في فترات لا تزيد على شهر واحد عقب سقوط الأمطار مباشرة، ثم يموت ويترك بذوره في الأرض حتى تسقط الأمطار مرة أخرى فينمو من جديد، ومنها ما يخزن الماء في جذوره، أو في أوراقه وسيقانه كما هو الحال في بنات الصبير "Cactus" ومنها ما يستطيع أن يتعمق بجذوره في الأرض ليستفيد من رطوبتها أو يصل إلى مستوى الماء الباطني في بعض الأحيان. ويكون هذا النوع الأخير غالبًا عبارة عن شجيرات قليلة الارتفاع ذات أوراق شوكية مثل السنط، وتمتاز الصحاري الساحلية بظهور بعض أنواع النباتات التي لها القدرة على امتصاص بخار الماء من الجو ومن الضباب أو من نقط الندى التي تتكون عليها. وقد تختلف النباتات من بقعة إلى أخرى كذلك تبعًا لطبيعة سطح الأرض الذي يكون في بعض الجهات صخريًّا، بينما يكون في بعضها الآخر مغطى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 بطبقة من الرمال والكثبان الرملية، أو بطبقة من الحصى والزلط، والجهات الصخرية والحصوية هي في الغالب أفقر الجهات الصحراوية في العالم، وأصلح المواضع لنمو النباتات في الصحراء هي المواضع التي ينخفض مستوى سطحها نسبيًّا عما حولها حيث تنحدر إليها مياه الأمطار القليلة، وتكون تربتها غالبًا مكونة من المواد الطينية والرملية الناعمة التي تجلبها المياه المنحدرة من الجوانب، كما تكثر النباتات أيضًا حول التلال التي تنحدر على جوانبها مياه الأمطار، وفي الوديان التي تنحدر فيها مياه السيول، والدالات التي تتكون أحيانًا عند نهايات هذه الوديان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 الاستغلال الاقتصادي : بصرف النظر عن رعي قليل من الحيوانات التي لا تحتاج إلى مراعٍ غنية مثل الماعز والجمال، وتنحصر الأهمية الاقتصادية للصحاري حاليًا من ناحيتين هما: أولًا: الزراعة التي تقوم في وديان الأنهار، أو في الواحات اعتمادًا على المياه الباطنية، أو على مياه الأمطار التي تنحدر على جوانب التلال، والواحات إما أن تتكون في المنخفضات التي يقترب فيها مستوى الماء الباطني من سطح الأرض كما هي الحال في الواحات التي توجد في صحراء مصر الغربية مثل سيوة والبحرية ومعظم الواحات الأخرى التي توجد في الصحاري المدارية، أو تنشأ عند قاعدة الجبال التي توجد أحيانًا في قلب الصحراء أو على حافاتها، حيث تكون أمطارها عادة أكثر نسبيًّا من السهول التي حولها، ومن أمثلة ذلك الواحات التي توجد حول مرتفعات تيبستي والحجار في الصحراء الكبرى ومعظم الواحات التي توجد في صحاري وسط آسيا، والأحواض الصحراوية المحصورة بين سلاسل جبال روكي والإنديز، ويعتبر نخيل البلح، من أهم المحاصيل التي تزرع في واحات الصحاري المدارية التي تكثر فيها كذلك زراعة الشعير والذرة والزيتون، أما في الصحاري المعتدلة فتكثر زراعة القمح والشعير وبعض الفواكه مثل الكروم والتفاح والكمثرى. ثانيًا: استغلال الثروة المعدنية التي توجد في بعض الصحاري وخصوصًا زيت البترول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 حيوانات الصحراء : نظرًا لفقر الحياة النباتية في الصحاري فإن الحيوانات التي يمكن أن تعيش فيها قليلة جدًّا، وهي تعيش عادة في الواحات وعلى الحافات التي تمثل مرحلة الانتقال بينها وبين أقاليم الحشائش المجاورة، وأهم هذه الحيوانات هي الجمل ذو السنام الواحد والغزال والوعل، وتوجد كذلك كثير من الزواحف مثل السحالي والأفاعي وبعض الحيوانات القارضة الصغيرة، ومعظمها يختفي بالنهار ولا يظهر إلا في الليل، كما أن أغلبها يتميز بلونه الذي لا يختلف كثيرًا عن رمال الصحراء، وهي ميزة تجعل من السهل عليها الاختفاء من أعدائها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 14- 2- 4- التندرا : تشمل التندرا نطاقًا عظيم الاتساع في الأصقاع الباردة التي يقصر فيها فصل النمو بدرجة لا تسمح بقيام حياة نباتية غنية، وهي تمتد إلى الشمال من نطاق التايجا الذي سبقت الإشارة إليه، ويكون الانتقال بينهما تدريجيًّا بصفة عامة، فكلما اتجهنا ناحية القطب قلت كثافة التايجا وتضاءل حجم أشجارها حتى تصل إلى مناطق يغطيها الجليد في معظم شهور السنة، ولا توجد بها إلا فصل دافئ قصير لا يزيد طوله على ثلاثة أشهر، ولا يرتفع معدل درجة الحرارة في أي شهر من شهوره عن 10 ْم، ولكنه يزيد على 6 ْم في شهر أو شهرين منها, وفي هذا الفصل تنمو حياة نباتية فقيرة قصيرة العمر تتكون من أعشاب وطحالب وبعض نباتات ذات أزهار جميلة، وقد تختلف النباتات من بقعة إلى أخرى تبعًا لبعض الاختلافات المحلية الخاصة بطبيعة سطح الأرض، ففي المواضع المنخفضة التي تتحول إلى مستنقعات عند ذوبان الجليد تشمل الحياة النباتية كثيرًا من الطحالب "Mosses" وحشائش البحر "Lichens" التي تكثر كذلك على شواطئ البحار، أما على المنحدرات التي تتجه نحو الجنوب فتنمو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 كثير من النباتات ذات الأزهار المختلفة؛ لأن هذه المنحدرات تكون أدفأ نسبيًّا ونصيبها من أشعة الشمس أكبر من نصيب الأراضي المنخفضة أو المنحدرات الشمالية. وتتميز جميع هذه النباتات بأن جذورها قصيرة؛ لأن ذوبان الجليد في فصل الصيف يكون غالبًا مقصورًا على طبقة سطحية رقيقة من التربة، بينما تظل التربة السفلية متجمدة ولا تسمح لجذور النباتات بالتعمق فيها. وتتناقص النباتات بطبيعة الحال كلما اقتربنا من القطب حتى تنتهي تمامًا في المناطق التي يغطيها الجليد الدائم، وهي التي يطلق عليها أحيانًا اسم الصحاري الجليدية. وتشمل الحياة الحيوانية في التندرا بعض أنواع الحيوانات والطيور التي تتميز بمقدرتها على تحمل البرودة، وتعتبر الرنة "Riendeer" من أهم هذه الحيوانات، وقد استطاع سكان تندرا أوارسيا أن يستأنسوها ويستخدموها في جر الزحافات التي يستخدموها في تنقلاتهم، وذلك فضلًا عن أنهم يأكلون لحمها ويستفيدون من جلودها في صناعة ملابسهم وخيامهم، ويطلق اسم الكاريبو "Caribou" على الرنة التي تعيش في شمال كندا، وهي لم تستأنس بعد، ويقوم الإسكيمو الذين يعيشون هنا بصيدها، وتتغذى الرنة "أو الكاريبو" على العشب الذي يمكنها أن تحصل عليه حتى في فصل الشتاء بأن تكسر بحوافرها وقرونها طبقة الجليد التي تغطيه. وتعيش في التندرا كذلك بعض الحيوانات المفترسة التي أهمها الدببة والذئاب والثعالب وهي تعتمد في غذائها على الحيوانات الصغيرة التي تنتشر في هذا الإقليم، ومن أهمها الجرذان والأرانب القطبية، وبعض هذه الحيوانات مثل الثعالب تمتاز بأن لها فراء ناعمًا مما يجعل له قيمة عظيمة من الناحية الاقتصادية، ولهذا فإن صيدها والاتجار في فرائها يعتبر من الحرف المهمة التي يقوم بها السكان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 ونظرًا لفقر التندرا في فصل الشتاء ولأن الأرض تكون مغطاة بالثلوج فإن حيواناتها تهاجر إلى نطاق الغابات الصنوبرية في الجنوب بينما يقضي بعضها الآخر معظم أيام هذا الفصل في جحور يحفرها تحت الثلوج حيث تكون درجة الحرارة أعلى نسبيًّا منها على السطح. وتتميز المياه الساحلية في إقليم التندرا بوجود حيوانات خاصة مثل فرس البحر "Seal" والدب القطبي، وكثير من الطيور البحرية مثل طير البطريق أو البينجوين penguin ونوع من البط يعرف باسم بط الأيدر "Eider" وهو مشهور بريشه الناعم الذي يستخدم بكثرة في حشو الوسائد والألحفة، وجميع هذه الحيوانات تتغذى على ما تصطاده من أسماك وكائنات بحرية، ولهذا فإنها كثيرة التنقل فوق كتل الجليد التي تطفو فوق البحر. وسكان التندرا قليلون جدًّا في الوقت الحاضر، وهم يعتمدون في حياتهم على حرفتي الصيد والرعي، ففي شمال كندا، مثلًا يقوم "الإسكيمو" بصيد حيوان "الكاريبو" وسبع البحر، ويكون ذلك بصفة خاصة في فصل الصيف، أما في الشتاء فيرحلون نحو الجنوب، حيث يقومون بصيد الحيوانات ذات الفراء في الأطراف الشمالية لنطاق الغابات الصنوبرية. أما في شمال شبه جريرة إسكنديناوة، وفنلندة وروسيا فقد استطاعت جماعات اللاب أن تستأنس الرنة وتقوم برعيها وتنتقل من مكان إلى آخر بحثًا عن المرعى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 14- 2- 5- نباتات الجبال : تكلمنا في مواضع سابقة على أثر التضاريس في المناخ، ورأينا أن الجبال لها نوع خاص من المناخ أهم ما يميزه هو تناقص درجة الحرارة بصفة عامة كلما زاد الارتفاع عن سطح البحر، وقد ترتب على ذلك ظهور أنواع متباينة من النباتات الطبيعية التي تتابع على منحدرات الجبال من أسفل إلى أعلى بطريقة مشابهة لتتابع الأقاليم النباتية على سطح البحر ما بين خط الاستواء والقطب، إلا أن هذا التتابع ليس متشابهًا تمامًّا في جميع الجهات الجبلية في العالم، حيث إنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 يتأثر بعدة عوامل أخرى غير الارتفاع، أهمها المواقع بالنسبة لخط العرض واتجاه المنحدرات بالنسبة لسقوط أشعة الشمس أو بالنسبة لاتجاه الرياح الممطرة. ففي الأقاليم الحارة تتدرج الحياة النباتية على منحدرات الجبال المرتفعة من أسفل إلى أعلى من الغابات أو الحشائش المدارية إلى الغابات أو الحشائش المعتدلة ثم حشائش التندرا، وأخيرًا تصل إلى نطاق الثلج الدائم الذي لا يظهر بطبيعة الحال إلا على القمم المرتفعة جدًّا، أما في الأقاليم المعتدلة فيبدأ التدرج من غابات أو حشائش المناطق المعتدلة إلى التندرا ثم منطقة الثلج الدائم. والارتفاعات التي تبدأ عندها النطاقات النباتية السابقة ليست واحدة في جميع الأقاليم، فهي أكثر ارتفاعًا في الأقاليم الحارة منها في الأقاليم المعتدلة أو الباردة، كما أنها تكون في فصل الصيف أكثر ارتفاعًا منها في فصل الشتاء وعلى المنحدرات المواجهة للقطبين، حيث إن ما يصيب الأولى من أشعة الشمس يفوق كثيرًا ما يصيب الثانية في الفصول المختلفة، وتعيش في المناطق الجبلية أنواع مختلفة من الحيوانات، بعضها يعيش في نطاق الغابات وبعضها الآخر في نطاق الحشائش ومن أمثلة الحيوانات الجبلية التي تعيش في الغابات بعض أنواع القردة ذات الفراء وهي توجد في جبال هيمالايا وهضبة التبت، ثم الدب الأسود والنمر الأرقط "Panther" الذي يمتاز بفرائه الأسود السميك ذي البقع الرمادية، وهو يوجد بصفة خاصة في هضبة منغوليا، أما الحيوانات التي تعيش في نطاق الحشائش فمن أهمها بعض الحيوانات الثديية مثل التيتل الذي يوجد في جبال الألب والياك "Yak" في هضبة التبت، وهو أهم وسيلة لحمل الأثقال والتنقل عند سكان هذه الهضبة، وهو يشبه ذلك حيوان اللاما في جبال أمريكا الجنوبية، وتمتاز الثلاثة الأخيرة بأن لها حوافر قوية تساعدها على تسلق الجبال ذات المسالك الوعرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 الملاحق ملحق "1"- معدلات الحرارة والمطر لبعض المحطات التي توضح الأنواع المناخية المختلفة في تقسيم كوبن. ملحق "2"- تحويل الدرجات المئوية إلى درجات فهرنهيتيه. ملحق "3"- التحويل من سنتيمترات إلى بوصات. ملحق "4"- معدلات الحرارة والمطر في بعض محطات الدول العربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 معدلات الحرارة والمطر في المحطات المذكورة مرتبة بنفس أرقامها: السطر الأول: معدلات الحرارة بالدرجات المئوية1. السطر الثاني: معدلات المطر بالسنتيمترات. 1- لتحويل الدرجات المئوية إلى درجات فهرنهيتية والسنتيمترات إلى بوصات راجع الملحقين 2و 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 ملحق "2" تحويل الدرجات المئوية إلى درجات فهرنهيتية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 ملحق "4" معدلات الحرارة والمطر في بعض محطات الدول العربية: الحرارة بالدرجات المئوية "السطر الأول" - المطر بالملليمترات "السطر الثاني"1   الخانة الأخيرة في السطر الخاصة بمعدلات الحرارة مخصصة للمدى الحراري الفصلي. أما الخانة الأخيرة في الأسطر الخاصة بمعدلات الأمطار فهي مجموع معدلات الأشهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 مراجع مختارة أولًا- مراجع عربية: 1- حسن أبو العينين - أصول الجغرافيا المناخية - الإسكندرية – 1988. 2- خالد المطري - الجغرافيا الحيوية - جدة 1981. 3- عبد العزيز طريح - جغرافيا ليبيا - الإسكندرية 1963. 4- عبد العزيز طريح - المقدمات في الجغرافيا الطبيعية - الإسكندرية 1985. 5- عبد العزيز طريح - مناخ العالم - الإسكندرية 1963. 6- نعمان شحادة - المناخ العملي - عمان "الأردن" 1983. 7- نعمان شحادة - علم المناخ - عمان "الأردن" 1983. 8- يوسف فايد - جغرافية المناخ والنبات - القاهرة 1973. ثانيًا- مراجع أجنبية: أ- في الطقس والمناخ: 1- Blair, Tomas, A. & Fite, R. C. «Weather Elements» 5th ed. 1965. 2- Blair, Tomas, A. «Climatology, Generl and Regional» 1970. 3- Brooks, G. E. P., «Climate in Everyday Life» 1950. 4- Koppe, C.E., «Weather and Climate,» 1958. 5- Critchfield, H.I. «Climatology» 1960. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 6- Haurwitz B. & Austin, I. M., «Climatology» , 1944. 7- Horrocks, N. K., «Physial Geography and Climatology.» 1953. 8- Kendrew, W.G. «Climatology» 1944. 9- «Climates of the Continents,» 1947. 10- Kimble, O.H„ «The Weather,» 2nd ed. 1931. 11- C.E. Koeppe & G.C. De Long, «Weather and Climate» , 1958. 12- Mather, J.R., «Climatology» , Fundamentals and Applications,» 1974. 13- Meteorological Office (London) «Elementary Meteorology» M et. O. 707, 1962. 14- Miller, A. Austin, «Climatology,» Latest ed. 1960, 15- Neuberger, H., & Stephens, F.B., «Weather and Man.» 1948. 16- Smith, K., «Principles of Applied Climatology» 1975. 17- Thornthwaite, C.W., «An Approach toward a Rational Classification ot Climate» Geog. Rev., vol. 38, 1948, pp. 55- 94 18- Trewartha.C, T. «an Introduction to Climate and Weather,» 1943. 19- United States Department of Agriculture, Climate and Man.» 20- Yearbook, 1948. ب- في الجغرافيا النباتية: 21- Wiesner, C.J., «Hydrometeorology» 1970 22- Camphell, D. H. «An Outline of Plant Geography» 1962. 23- Cain, Stanley, «physical Basis of Plant Geography» ., 1950. 24- Dansereau, Pierre, «Biogeography- An Ecologial Persd ctive,» 1957 ~ 24- Eyre, «Soil and Vegetation» , 1965. 25- Glinka K. D., «The Grat Soil Groups of the World and Their Development,» translated by C.F. Marbut» 1937. 26- Hardy, M.E. «A Junier Plant Geography,» 1936 27- NeWbigin, M.I. «Plant and Animal Geography,» ' 1936 Hardy, M.E., «The Geography of Plants,» 1944 28- Schimper A.F. «Plant Geography upon a physiological Basis,» 1903 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 ج- مراجع عامة بها فصول عن المناخ والنبات والتربة: 29- Robinson, G W., «Soils Their Origin, Constitution and Classification,» New York, 1951. 30- Briault, E. W. H. and Habbard. J.H., «An Introduction to Advanced Geography» , 1959. 31- Case, Earl, C. «College Geography,» 1949. 32- Finch. V. C & Trewartha C. T., «Physical Elements of Geography,» 1949. 33- Finch. Trewartha and Shearer, M H. «The Earth and its Resources» 2nd. ed. 1948 34- Horrocks, N.K., «physica Geography,» 1953- 35- Lake, P. «Physical Geography,» 2nd. ed. 1949. 36- Money, D.C., «Climate, Soil and Vegetation» 1965. 37- Monkhouse, F.J., «The Principles of Physical Geography» 1955. 38- Strahler A. N., «Physical Geography,» 1951. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 الفهرس الموضوع الصفحة 1 الفكر المناخي 1- 1- الفكر المناخي القديم 9 1- 2- الفكر المناخي منذ عصر النهضة الأوروبية 10 1- 3- الفكر المناخي منذ أوائل القرن العشرين 11 1- 4- بعض الاتجاهات المعاصرة في الفكر المناخي 13 أولًا- دراسة القيم الفعلية لعناصر المناخ 13 ثانيًا- علم المناخ التفصيلي Micro Climatotology 16 ثالثًا- علم المناخ التطبيقي 18 2 الغلاف الجوي 2- 1- تركيبه 31 2- 2- طبقاته 33 2- 3- قياس عناصره المناخية 37 أولًا- قياسها في الطبقات العليا 37 ثانيًا- قياسها في الطبقة السفلى "المجاورة لسطح الأرض" 38 ثالثًا- أجهزة الرصد ومواصفات المرصد الجوي البسيط 39 3 الإشعاع الشمسي 3- 1- تعريف الإشعاع الشمسي ونصيب الأرض منه 43 3- 2- تركيبه 43 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 3- 3- حساب الطاقة الإشعاعية الواصلة إلى الأرض 44 أ- الطاقة الإشعاعية الواصلة إلى أعلى الغلاف الجوي 44 ب- الطاقة الإشعاعية المنتشرة Diffuse radiation 49 ج- تأثير الغلاف الجوي على الطاقة الإشعاعية 50 د- الميزانية الحرارية للأرض 52 3- 4- التوزيع الجغرافي للإشعاع الشمسي 54 3- 5- قياس الإشعاع الشمسي كعنصر من عناصر المناخ 59 4 حرارة الجو 4- 1- التوزيع العام لدرجة الحرارة على دوائر العرض 67 4- 2- تأثير الماء واليابس على التوزيع العام للحرارة 69 4- 3- أثر الارتفاع على درجة الحرارة 81 4- 4- الانعكاس الحراري 83 4- 5- قياس الحرارة 96 4- 6- التوضيح الفارتوغرافي للحرارة 97 5 الضغط الجوي 5- 1- تعريف الضغط الجوي وقياسه 91 5- 2- التوزيع الأفقي للضغط الجوي 94 5- 3- النطاقات الدائمة للضغط الجوي والدورة الهوائية العامة المرتبطة بها 96 5- 4- تأثير الماء واليابس على التوزيع الأفقي للضغط الجوي 99 5- 5- الضغط الجوي في المستويات العليا في الجو 104 5- 6- الضغط الجوي والطقس 104 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 6 الرياح 6- 1- تعريف الرياح ونظام هبوبها 109 6- 2- سرعة الرياح 112 - النظام اليومي لسرعة الرياح 114 - قياس سرعة الرياح وتحديد اتجاهها وتوضيحها 115 - توضيح سرعة الرياح واتجاهها على خرائط الطقس 118 6- 3- أنواع الرياح السطحية 120 6- 3- 1 الرياح العامة 121 أ- الرياح التجارية 121 ب- الرياح الغربية 124 ج- الرياح الموسمية 125 6- 4- الرياح العليا 127 7 الكتل الهوائية والمنخفضات الجوية والأعاصير المدارية 7- 1- الكتل الهوائية 7- 1- 1- نشأتها وأنواعها 133 7- 1- 2- استقرارها وعدم استقرارها 134 7- 1- 3- أثر الكتل الهوائية في مناخ بعض الأقاليم 136 7- 2 المنخفضات الجوية 7- 2- 1- نشأتها 141 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 7- 2- 2- توزيعها واختلاف بعضها عن بعض 145 7- 2- 3- ظاهرات الطقس التي تصاحبها 149 7- 2- 4- الرياح المحلية التي تسببها المنخفضات الجوية 152 7- 3 الأعاصير والعواصف الدوارة 7- 3- 1- الفرق بينها وبين المنخفضات 160 7- 3- 2- نشأتها 162 7- 3- 3- خطوط سيرها وتوزيعها 163 7- 3- 4- الترنادو 165 8 التبخر ورطوبة الهواء 8- 1- تمهيد- الحالات التي يوجد بها الماء في الجو 171 8- 2- 2- التبخر 172 8- 2- 1- تعريفه 172 8- 2- 2- أهميته 173 8- 2- 3- العوامل التي تتحكم في التبخر 174 8- 2- 4- قياس التبخر أو حسابه 178 8- 3- 5- النتح 182 8- 4- التبخر الكلي 183 8- 5- رطوبة الهواء 186 8- 5- 1- طريق التعبير عنها 186 8- 5- 2- قياسها 187 8- 5- 2- أهميتها 190 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 9 التكثف ومظاهره تمهيد- تعريف التكثف ومسبباته ومظاهره 195 9- 1- مظاهر التكثف عند سطح الأرض أو البحر 196 9- 1- 1- الضباب 196 9- 1- 2- الندى 197 9- 1- 3- الصقيع 197 9- 2- مظاهر التكثف في المستويات المرتفعة 198 9- 2- 1- السحب 198 9- 3- التساقط "المطر" 211 تمهيد- تعريف التساقط وأشكاله 211 9- 3- 1- أنواع المطر 211 - عواصف الرعد 215 - التساقط الصلب 220 - شدة المطر أو غزارته 223 9- 3- 2- قياس المطر 226 - مشكلات قياس المطر "التساقط السائل" 229 - مشكلات قياس التساقط الصلب 230 9- 3- 3- استكمال النقص في إحصاءات المطر 231 9- 3- 4- التباين في كميات المطر السنوية والشهرية 233 9- 3- 5- حساب متوسط مياه المطر على أي منطقة 238 9- 3- 6- نظم المطر 243 9- 3- 7- توزيع المطر على سطح اليابس 249 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 10 تقسيم العالم إلى أقاليم مناخية 10- 1- الغرض من التقسيم والأسس التي يبنى عليها 267 10- 2- بعض التقسيمات المناخية العامة 271 10- 2- 1- تقسيم كوبن 274-309 10- 2- 2- تقسيم أوستن ملر 310-314 10- 2- 3- خلاصة التقسيمات المناخية العامة 314-318 11 مناخ العالم حسب التقسيمات المناخية العامة 11- 1- الأقاليم الحارة 323 11- 1- 1- الأقاليم الاستوائية 324 11- 1- 2- الأقاليم المدارية 324 11- 1- 3- الأقاليم الموسمية الحارة 346 11- 1- 4- مناخ الجبال في الأقاليم الحارة 352 11- 2- الأقاليم المعتدلة الدافئة 357 11- 2- 1- الأقاليم المعتدلة الدافئة في غرب القارات "نوع البحر المتوسط" 358 11- 2- 2- الأقاليم المعتدلة الدافئة في شرق القارات 363 11- 2- 3- الأقاليم المعتدلة الدافئة الموسمية 367 11- 3- الأقاليم المعتدلة الباردة 370 11- 3- 1- الأقاليم المعتدلة البحرية "نوع غرب أوروبا" 370 11- 3- 2- الأقاليم المعتدلة الباردة القارية 374 11- 3- 3- الأقاليم المعتدلة الباردة الموسمية 376 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 الموضوع الصفحة 11- 4- الأقاليم الباردة 380 11- 4- 1- الأقاليم الباردة البحرية 380 11- 4- 2- الأقاليم الباردة القارية 382 11- 4- 3- الأقاليم الباردة الموسمية 386 11- 5- الأقاليم القطبية 389 11- 6- الأقاليم الصحراوية 391 11- 6- 1- الصحاري الحارة 395 11- 6- 2- الصحاري المعتدلة 401 11- 6- 3- الصحاري الباردة 402 12 مناخ إفريقيا 12- 1- العوامل التي تؤثر في مناخ القارة 407 أولًا- موقع القارة وشكلها 407 ثانيًا- التيارات البحرية 408 ثالثًا- التضاريس 414 رابعًا- توزيع الضغط الجوي على القارة 416 خامسًا- الكتل الهوائية التي تؤثر في مناخ القارة 420 12- 2- الأقسام المناخية لإفريقيا 426 12- 2- 1- الأقاليم الحارة 428 أ- المناخ الاستوائي 428 ب- المناخ المداري القاري 434 ج- المناخ المداري البحري 435 د- المناخ المداري الصحراوي 436 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 12- 2- 2- المناخ المعتدل الدافئ 437 أ- مناخ البحر المتوسط 437 ب- مناخ ناتال 438 ج- المناخ المعتدل الدافئ الموسمي 439 13 مناخ العالم العربي 13- 1 موقع العالم العربي وآثاره المناخية 443 13- 2- الآثار التضاريسية على مناخ العالم العربي 445 13- 3- الضغوط الجوية الرئيسية المؤثرة على مناخ العالم العربي في الصيف الشتاء 446 13- 4- الدورات الهوائية المترتبة على الضغوط الجوية 451 13- 5- الرياح المحلية والزوابع الترابية 454 13- 6- أنواع الهواء "الكتل الهوائية" 457 13- 7- الأحوال الحرارية 461 13- 8- الأمطار 472 13- 9- الأقسام المناخية للعالم العربي حسب تقسيم كوبن 482 14 الجغرافيا النباتية 14- 1- العوامل التي تتحكم في نمو النباتات وتوزيعها 491 14- 1- 1- العوامل المناخية 491 - الأمطار وقيمتها الفعلية 491 - الحرارة وقيمتها الفعلية بالنسبة لحياة النباتات 501 - الضوء 512 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 14- 1- 2- التربة 513 - مواد التربة 514 - العوامل التي تتدخل في تكوين التربة 518 - تصنيف التربة وأقسامها الكبرى 532 14- 2- النباتات الطبيعية وتوزيعها العام 543 - المجموعات الرئيسية للنباتات الطبيعية 544 14- 2- 1- الغابات 545 - الأنواع الرئيسية للغابات وتوزيعها الجغرافي 548 14- 2- 1- 1- الغابات المدارية 549 14- 2- 1- 2- الغابات المعتدلة الدافئة 556 - غابات البحر المتوسط 556 - الغابات المعتدلة الدافئة في شرق القارات 559 14- 2- 1- 3- الغابات المعتدلة الباردة 561 - الغابات النفضية 561 - الغابات الصنوبرية 563 14- 2- 2- الحشائش 569 14- 2- 3- الصحاري 579 14- 2- 4- التندرا 582 14- 2- 5- نباتات الجبال 584 الملاحق ملحق "1" معدلات الحرارة والمطر لبعض المحطات التي توضح الأنواع المناخية المختلفة في تقسيم كوبن 587 ملحق "2" تحويل الدرجات المئوية إلى درجات فهرنهيتية 592 ملحق "3" التحويل من سنتيمترات إلى بوصات 594 ملحق "4" معدلات الحرارة والمطر في بعض محطات الدول العربية 595 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611