الكتاب: كلمة للدعاة والمصلحين المؤلف: - الناشر: الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات عدد صفحات (الكتاب الورقي): 35   [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] ---------- كلمة للدعاة والمصلحين - الكتاب: كلمة للدعاة والمصلحين المؤلف: - الناشر: الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات عدد صفحات (الكتاب الورقي): 35   [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] كلمة للدعاة والمصلحين بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. وبعد ... فإن هذا الكتيب يحوي مقالين كتبا في فترتين سابقتين, أذكر بهما نفسي المقصرة وإخواني, سائلا الله أن يكتب بهما النفع, فما أصبت فيه ووفقت فمن الله وبفضله, وما أخطأت فيه فمن نفسي والشيطان. المقال الأول يعرض -على شكل نقاط- عددا من الإشكالات التي لوحظت في العديد من الخطابات الدعوية التي حدثت تفاعلا مع مآسي أمتنا (وتخبطاتها) الكثيرة المتنوعة المتكررة في عصرنا الحالي الذي نعيشه, والمقال الثاني يُذَكِّر ببعض الواجبات والمستوى الذي يؤمل أن يكون عليه الدعاة إلى الله خاصة في وقتنا هذا الذي كثرت فيها آلامنا واستبيحت دماؤنا وأذللنا أيما إذلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 وقد ذيل المقالان بهوامش بها نقاط تذكيرية هامة أتمنى الالتفات لها, خاصة هوامش المقال الثاني والتي منذ سنوات وأنا أتمنى نشرها في كتيب مستقل وأتت الآن فرصة لأضعها باختصار في هذه الهوامش, فأسأل الله أن ينفع بها. وأتقدم بالشكر والدعاء لكل من أعانني في إخراج هذا الكتيب وتنقيحه. اللهم عجل بفضلك وكرمك هداية أمتنا, وأعنا على أداء واجباتنا, وارزقنا الإخلاص وصدق محبتك, واكتب لنا يا عظيم النصر على الأعداء, وأفرحنا بكرمك بنيل رضاك, وبدخول فردوسك, وبلذة النظر إلى وجهك الكريم يوم لقاك. 4 / 6 / 1424هـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 الخطاب الدعوي ومآسي المسلمين هذه الكلمات في الفقرات التالية موجهةٌ لروح الأمة, وحاملي همها من الدعاة والمصلحين, وأصحاب الأقلام الطيبة, وإن كان الأصل أن كل الأمة تكون كذلك, فالدعوة إلى الله مسؤولية الجميع. أولا: إشكالات في الخطاب: 1- يحز في النفس كثيرًا أن العديد من الخطباء والمحاضرين والكتاب والشعراء في وقتنا الحاضر وبالذات في مآسينا (وأيضا تخبطاتنا) الأخيرة الرهيبة, لا يقومون في خطبهم ودعائهم وتوجيهاتهم -عند الحديث عن هذه المآسي- بتذكير المسلمين بواجب العودة إلى الله, وواجب كل مسلم في تحقيقها بالشكل الواضح والكافي , والمؤثر الحار , الذي يوصل هذه الحقيقة إلى كل المسلمين, مبينًا لهم بوضوح أن هذا هو الحل, ..... ومشعرًا لهم بأن مسؤولية تحقيقه تقع على كل فرد مسلم , مع أن هذا هو الحل الحقيقي الجذري (1) الموصل لتحقيق النصر, وإيقاف المآسي, وردع أعداء الدين. قال تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} ..الآية (محمد:7) , وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} ..الآية (الرعد:11) ,   (1) قد يخطر في فكر بعض المسلمين شبهة أن السبب الأساس لعجز الأمة هو تأخرها التقني والعسكري وتفرقها, والحقيقة أنه سبب هام بلا شك ولكنه ليس السبب الرئيس, لأن سنة الله اقتضت أن النصر الحقيقي التام لا يتحقق لأمتنا بدون عودة صادقة إليه واستقامة على أوامره حتى لو تقدمت ماديا وعسكريًّا واتحدت. ومن المعروف على مدى العصور أن أمتنا كانت ذات شأن في القوة بل وفي التقدم المادي عندما كانت مطبقة لدينها, وأن بداية تأخرها وضعفها وذهاب عزها تحصل عندما تنحرف عن دينها وشريعة ربها, لذا فالتخلف التقني والعسكري والتفرق في الأمة الإسلامية لاشك أنه من أسباب ضعفها (ويجب على الأمة أن تجتهد في تقويته) ولكنه متعلق وناتج بالدرجة الأولى من بُعدها عن الله وحقيقة منهج الإسلام. وهو بالدرجة الأولى عرضٌ للمرض الأساس للأمة وليس هو المرض نفسه, ..... ثم إن الأمة الإسلامية إذا صدقت في العودة إلى الله والاستقامة على شرعه ثم جاهدت أعداءها- في الوقت والظرف المناسبين- فهي منصورة بإذن الله ولو لم تصل في العدة والعتاد والاستعداد إلى مثل مستوى أعدائها, فقط هي مطالبة بأن تعد ما تستطيعه من القوة وقتئذٍ. وتاريخنا الإسلامي شاهد على انتصارات المسلمين الكثيرة على أعداء لهم فاقوهم كثيرا في استعداداتهم المادية. وحبذا الرجوع إلى رسالة قيمة (من نشر دار ابن المبارك) تتحدث عن هذا الموضوع عنوانها (ما هو سبب تخلف المسلمين) . ولنتذكر أيضًا أن تقصير أمتنا في الأخذ بأسباب القوة المادية اللازمة هو أحد ذنوبها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن ابن عمر «إذا تبايعتم بالعينة, وأخذتم أذناب البقر, ورضيتم بالزرع, وتركتم الجهاد, سلط الله عليكم ذلًّا لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم» (سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني) . ويبدو أن عدم وضوح بعض الأسس الإسلامية, إضافة إلى الضياع الفكري والتوجهي الذي تعيشه أمتنا حاليا, قد أثرا أيضا حتى على العديد من الدعاة والمصلحين؛ فرأينا البعض يتكلم ويكتب عن مآسي ومذابح الأمة بنظرة سمتها التركيز على الحلول الجزئية بما فيها الإكثار من نقد التوجه العالمي, والتحدث عن الأسباب السياسية والمادية أكثر من النظر للخلفيات الشرعية (1) المتعلقة بهذه الأحداث. والأهم من ذلك عدم التركيز بدقة, وإيضاح تام كافٍ على الحل الحقيقي لكل هذه المآسي بالشكل الذي يصل إلى قلب ويقين كل مسلم (وليس إلى فكره فقط) ، مشعرا له بواجبه في التغيير (2) والعودة والدعوة إلى الله.   (1) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله رسالة صغيرة هامة جدًّا تتحدث عن مشكلة عدم النظر للأسباب والخلفيات الشرعية في الأحداث عنوانها: (أثر المعاصي على الفرد والمجتمع) . وحقيقة أننا نستغرب من كلمات بعض الدعاة والكتاب الذين لا نكاد نرى أو أصبح نادرًا في كلماتهم تذكير للأمة بالتوبة وتقوى الله وآثار المعاصي عند الحديث عن آلامنا ومشاكلنا وأزماتنا في أي جانب (2) لا شك في أن الدعاة يذكرون الأمة بالتوبة والصلاح وهذا أساس دعوتهم, ولكن الجانب الذي لوحظ فيه النقص عند العديد هو التذكير بالتوبة والصلاح بتركيز عند الحديث عن مآسي الأمة وتخبطاتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 وفي بعض الخطابات والبيانات المتعلقة بالمآسي وكثير من المشكلات التي تعيشها الأمة ذكر موضوع التوبة وعودة الأمة والحذر من المعاصي ولكنه كان يذكر عَرَضًا , أو باختصار شديد قد لا ينتبه له , أو فقط كنقطة من النقاط ضمن نقاط أخرى عديدة وبدون التركيز الكافي عليه, مع أنه أس قضايانا وكما يقال قضية القضايا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 2- أيضًا وعلى الرغم من سرور قلوبنا بما نقرؤه ونسمعه من العديد من الصادقين من تألم على الواقع والجراح, إلا أننا من كثرة المآسي والجراح, وفي غياب التذكير بالحل الحقيقي بوضوح, أصبحنا نمل أحيانا من كثرة البكاء والتباكي على واقع الأمة المتكرر , فهل الهدف هو البكاء للبكاء؟ أم هل الهدف هو البكاء والتألم فقط لجمع المال للمنكوبين والمشردين؟ والذي لا شك في أهميته إلا أنه حل جزئي ووقتي, خاصة إذا لم يربط بالحل الحقيقي, ... فالأصل أن يكون الهدف والمؤمل الأكبر من البكاء والتألم هو جعل ذلك شعلة (1) للأمة للانطلاقة نحو التغيير في واقعها, والعودة إلى الله, والدعوة إليه, التي -بإذن الله- بها وبنتائجها وثمراتها تعز الأمة, ويعود مجدها, وينطلق بقوة جهادها, وتنتصر وتحل كل مشكلاتها (وتخبطاتها) .   (1) لقد مرت أمتنا وبالذات في السنوات الأخيرة بمآسٍ مؤلمة مبكية وأحداث عظيمة, وشاهدتها الأمة - خاصة مع إمكانيات وسائل الإعلام الحديثة - رأي العين, وتأثرت بها كثيرا, وأظن لو أنه تم تذكير الأمة بعمق بحقيقة وواجب الرجوع إلى الله وأنها هي الحل لحصل بإذن الله توجه كبير في الأمة نحو ذلك ولحدث بإذنه تعالى تصحيح طيب في وضع الأمة وتوجهاتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 3- أيضًا يلاحظ في الكثير من المآسي التركيز على الدعاء والدعم المالي مع الضعف في تذكير الأمة بواجب التوبة والعودة وإصلاح المسار, .... والدعاء والدعم المالي على الرغم من أهميتهما وضرورتهما إلا أنهما ليسا الواجب الوحيد والأهم, وقد أصبح هذا المظهر أي مواجهة المذابح فقط بالدعاء والدعم المالي سمة لأمة الإسلام في العقود الأخيرة , وهل يعقل أن يستمر حال أمة الإسلام في كل مذبحة لأبنائها بهذا الشكل, بل إن أي أمة لا ترضى أن يستمر حالها هكذا في كل مذبحة ومأساة تتعرض لها, فكيف بنا أمة الإسلام ونحن مَنْ مِنَ المفترض أننا ندرك قيمة الدم المسلم عند خالقنا العظيم سبحانه وتعالى. لذا فبالإضافة إلى تذكير الأمة بواجب الدعاء والدعم المالي وقت حدوث المآسي, فلا بد من التذكير والتركيز في ذات الوقت على واجب التوبة والعودة وإصلاح المسار, لأنها الطريق الذي سيقود الأمة بإذن الله إلى العزة والجهاد والنصر, حتى يأتي اليوم الذي توقف هذه المذابح والمآسي حال حدوثها, ولا نكتفي عندها فقط بالدعاء وتضميد الجراح, بينما السفاحون يقتلون ويبيدون!!. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 بل في ذلك الوقت أي عندما تسترجع الأمة عزتها لن يتجرأ عليها بإذن الله أعداء الدين, ويستبيحون كرامتها في كل حين, كما هو حاصل الآن حتى أننا أصبحنا أذل أمة على وجه الأرض. خاصة أن الأمة في أيام الأحداث تكون متأثرة ومتفاعلة, وخسارة عظيمة أن لا تذكر بواجب التوبة وإصلاح المسار وهي في قمة تفاعلها. وإن من سلبيات التركيز على الدعاء المقتصر على الدعاء للمنكوبين, وعلى الدعم المالي لهم مع ضعف التركيز على تذكير الأمة بالتوبة والإصلاح أن يحدث تخدير للمسلمين, فيشعرون أنهم - بعمل ذلك فقط - يكونون قد أدوا ما عليهم, بينما هم مستمرون ويستمرون في الغفلة واقتراف المنكرات والإصرار على المعاصي التي هي مصيبتنا العظمى (1) , وأساس ذلنا وضعفنا وهواننا, واستئساد الكفار علينا وتمكنهم منا, وعجزنا عن إنقاذ إخواننا , كما بين ذلك لنا كتاب ربنا العظيم وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم.   (1) إن أكبر مأساة تعيشها الأمة هي بعدها عن حقيقة دينها, والالتزام بكل شرائعه, وصدق التمسك به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 4- يتكلم العديد من المحاضرين والشعراء والكتاب وتصدر توجيهات من بعض الدعاة بعد العديد من المآسي والمحن عن الجهاد وعزة الأمة ووحدتها ونخوتها, ولاشك أن هذا تذكير نحتاجه وأن هذه أسس هامة جدا ونحن بأمس الحاجة إليها وبها بإذن الله يتحقق النصر ولكن ...... كيف السبيل إليها؟ وهل وُضِّح للناس كيف نصل لطريق الجهاد؟ وكيف يتحقق النصر فيه؟ وكيف تحدث العزة والوحدة؟ هل نريد من المسلمين أن يثبوا فجأة للجهاد, رغم كل العوائق وأهمها الذنوب والمعاصي؟ ,.. ونتمنى أن يحدث ذلك ولكن المخدر بشكل عام عادة لا يقوم فضلا من أن يثب وثوبا حقيقيا. ثم لو حصل الجهاد من أمتنا بدون تركها المعاصي ومجاهرة الجبار بها فلن يحصل النصر الحقيقي التام. (1) وحتى لو حصل نصر مؤقت فهل يكفينا حدوثه بينما أمتنا مستمرة في بعدها, وأين نضع هذا بالنسبة لأهداف الجهاد العظيمة وغاياته؟ !! وهل هدف الجهاد في الإسلام هو فقط إنقاذ المسلمين؟! فعلى الرغم من أهمية وضرورة هذا الهدف, إلا أن الهدف الأعلى والأعظم للجهاد هو حفظ الدين وإقامته وتعبيد الناس لله رب العالمين {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} (البقرة:193, الأنفال:39) .   (1) قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله كلمة مسجلة له تعتبر بالغة الأهمية, فقد قالها وسط غمرة أحداث الانتفاضة الفلسطينية المباركة الأخيرة وبالضبط يوم الاثنين 19رجب 1421هـ, فقال رحمه الله معلقا على الأحداث: ((كيف نؤمل النصر ونحن هذه أفعالنا ونياتنا. إذن لنرجع لأنفسنا لا تأخذنا العاطفة! ....... المسجد الأقصى لا يمكن أن يرجع إلا إلى أصحابه ومن هم أصحابه ... اسمع قول الله عز وجل ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون.. (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ...... لن يرجع المسجد الأقصى إلا إذا قاتل المسلمون لله عز وجل, لكي تكون كلمة الله هي العليا مهما عمل الناس ......... أرجو ألا تأخذنا العاطفة.. ألا تأخذنا العاطفة! وأن نغفل عن الأشياء الأساسية! ........ نحن لا نرضى أن يقوم طاغية من طغاة اليهود كشارون يطوف ببيت المقدس لإهانة المسلمين ولكي يرتفع عند قومه من وجه آخر ... لا نرضى بهذا أبدا ولن يرضى بذلك أي مسلم ... ولكن علينا أولا أن نصلح أنفسنا ... أنفسنا ما صلحت إلا ما شاء الله ... فكروا بهذه الأمور..لا تأخذكم العاطفة ((.* هذه الكلمة ملحقة في نهاية شريط قيم للشيخ عبد المحسن القاضي عن الأقصى وقد قامت تسجيلات الاستقامة في القصيم بإضافتها نظراً لأهميتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 ولا يخفى على الدعاة والمصلحين ما حصل في أمتنا من بعد كبير عن حقيقة دينها, ولا يخفى أيضا ما يفعله المفسدون في الأمة, حتى وصل الأمر إلى حد محاربة أوامر الله وتحكيم غير ما يرضاه. وليتنا نرجع إلى كتب التفسير ونتأمل بعض الحكم المستفادة من قوله تعالى في سورة محمد [سورة القتال] : {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} (محمد:21) . ومسألة أخرى هامة تجدر الإشارة إليها هنا وهي: أن تذكيرنا للأمة بالجهاد بدون توجيهها للتوبة والعودة قد يؤدي إلى حدوث اتكالية وتأخر في التغيير والإصلاح - الذي هو الطريق الذي يقود الأمة بفاعلية للجهاد ويحقق لها النصر فيه بإذن الله- بين أفراد الأمة, بحجة أن الجهاد لم يقم وأننا ننتظر اليوم الذي يبدأ فيه حتى ننصر إخواننا بمشاركتنا فيه, فتنسى الأمة وتغفل عن أن استمرارها في الذنوب والغفلة وعدم تحقيق العودة الصادقة إلى الله هو أحد أهم أسباب تأخر الجهاد في الأمة وتأخر تحقيق النصر فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 وكم واجهنا من المسلمين الذين عندما نذكرهم بترك اللهو والمعاصي غِيرةً على الأقل على واقع الأمة نجدهم يحتجون بحجة عدم وجود الجهاد الآن, وأنه لو كان موجوداً لتفاعلوا معه في إنقاذ إخوانهم, ونَسوا أنهم بأعمالهم هذه ولهوهم يكونون من أهم أسباب تأخر بدء وحصول الجهاد في الأمة. وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما وسلفنا الصالح كانوا عندما يرسلون جيوشهم التي حوت خيار الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم كانوا يوصونهم بتقوى الله والحذر من الذنوب وأنها أهم العدة على الأعداء (1) ...... فكيف يُنسى هذا -أو يذكر بدون إعطائه حقه- عندما نذكر أمتنا بالجهاد, وهي على ما هي عليه من الغفلة والبعد وتضليل المضلين وإفساد المفسدين.   (1) كتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص عندما أخبره عن كثافة جيش هرقل بإزاء جيش المسلمين: (إنكم لا تغلبون بقلة عددكم وإنما تغلبون بالمعاصي على كثرة عددكم فاحترسوا منها) «نقلاً من كتاب أسباب سعادة المسلمين وشقائهم للعلامة محمد الكاندهلوي» .ومما كتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسعد بن أبي وقاص عندما أرسله لفتح فارس: (أما بعد, فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال, فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب وآمرك ومن معك بأن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم) «نقلا عن كتاب توجيهات إسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع للشيخ محمد جميل زينو. . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 بل ويبدو أن تذكير الأمة بالجهاد بدون تذكيرها بالتوبة والرجوع ومساعدتها على تحقيقه, قد يؤدي إلى نشوء شوائب الحمية في إخلاص الأمة عند حماسها للجهاد, مما قد يجعل توجه البعض للجهاد تشوبه نية الحمية , التي تضعف تحقق العبودية فيه. وفي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً أي ذلك في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» . وصفاء النية من شوائب الإخلاص تحتاج إلى أفرادٍ تربوا على الصدق مع الله, والتزام أوامره, والحرص على ما يرضيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 5- وبالنسبة لجانب تفرق الأمة ووحدتها فمن الإشكالات في الخطاب الدعوي والإصلاحي أن تُوْهَم الأمة أن السبب الأساس لتخبط الأمة وتأخر النصر هو عدم وحدة الأمة وإتحاد صفها وتلاحمها, فليس الأساس كذلك, بل نحتاج في الخطاب الدعوي إلى أن نؤكد للمسلمين بأن أمتنا لن تنتصر النصر الحقيقي وتحفظ حتى ولو اتحدت وتلاحم أبناؤها طالما أنها لم تطبق شرع الله وتحترم أوامره. وذلك حتى لا تعتقد الأمة أن أساس دائها هو التفرق (ولا خلاف في أنه مشكلة هامة) , ولتدرك في واقعنا الحالي أنه ليس إلا عرضا من أعراض مأساتها الكبيرة, ألا وهي بعدها عن حقيقة الدين, وعن التمسك الكامل به في كل أمور وجوانب الحياة. قال تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} الآية (الأنعام:65) . ورجوع الأمة إلى دينها وتمسكها به سيكون أقوى دافع لاتحاد الأمة ولحمتها, بل هو جزء أساس من معاني الرجوع إلى الدين وصدق التمسك به وبتعاليمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 6- أيضا يلاحظ في أحيانٍ عديدة التركيز على كيد الكافرين ومؤامراتهم وخططهم وخطورتهم والسبل المادية لمواجهتهم أكثر من التركيز على الإصلاح وعودة الأمة, مع أن صلاح الأمة هو الأساس لردنا أي كيد وأي اعتداء, وخالقنا العظيم العليم أخبرنا سبحانه بأن كيدهم لن يضرنا إذا صبرنا واتقينا {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} (آل عمران:120) . ولا شك أن أقوى ما نواجه به الكافرين هو صدقنا مع الله والتزامنا بأوامره, وأن أهم أسباب هزيمتنا وذلنا هو المعاصي, وبعدنا عن الله وعن التطبيق الحقيقي الكامل لشرعه وأوامره, ولا رد حقيقي لكيد الأعداء ونحن نقويه بذنوبنا ومعصيتنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 بل وإن التركيز على كيد الأعداء (الذي من المُسَلّمْ بأنه لا خلاف في الأصل على أهميته) بطريقة تُشْعِر بأنه الأساس في مصائبنا وبدون تذكير الأمة بأمراضها التي كانت السبب في ذلها واستئساد الأعداء عليها وتمكنهم منها, قد يكون أيضا عاملاً آخراً يضعف التفات الأمة لمرضها الأساس, ودائها الأهم, وأولوياتها في طريق إنقاذ نفسها من الأخطار المحيطة بها؛ قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (آل عمران: 165) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 7- يكثر بعض الدعاة أحيانا من ذكر " صلاح الدين " وغيره من أبطال الأمة خاصة في الأشعار والأناشيد عند كلامهم عن مآسينا, ولاشك في أن أمتنا تحتاج إلى أمثالهم وبشدة, ولكن ....... أن نجعل أن كل مشاكل الأمة وكل مآسينا بسبب عدم وجود أمثال " صلاح الدين " يعتبر فهماً خاطئاً, وله خطورته من حيث إنه يصرف أنظار الأمة عن أمراضها الحقيقية التي تنخر في جسدها, كما وضح ذلك صاحب كتاب " هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس" الدكتور ماجد الكيلاني. ثم كيف يخرج لنا مثل " صلاح الدين "؟! , هل ننتظر أن يوجد بيننا حتى ونحن على ما نحن عليه!!!! إن العودة إلى الله ومناهج الإصلاح هي التي تخرج لنا" صلاحاً" -بإذن الله-!!. و" صلاح الدين " نفسه كان أحد ثمار المنهج الإصلاحي الذي عاصره وسبقه. ولا شك أن ذكر" صلاح الدين " والأبطال مهم ونحتاجه, ولكن ليكن وسيلة لتحفيز الأمة للعودة إلى الدين, والنخوة له, والجهاد الصادق في سبيله, وليكن حافزا لنا لنكون على مثل ما كان عليه " صلاح الدين " من صلاح (1) وتقوى, سبقت بطولته وإنجازاته.   (1) كلمة معبرة للشيخ جميل عقاد (من سوريا) رحمه الله عن القدس يستشهد بها هنا وهي:) لن تعود حتى نعود (. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وذلك حتى يكون ذكره حافزا لنا في معرفة واجباتنا ومسؤوليتنا في الإصلاح, لا أن يكون ذكره وذكر عدم وجود أمثاله شماعة!!!! يستغلها الشيطان لكي تُلقي الأمة عليها أخطاءها بينما هي سادرة في غفلتها ولهوها وذنوبها, والتي هي أساس مأساتها وتخبطها وتفرقها وضياعها وهوانها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 8- يبدو أيضا أن كثرة استخدام الدعاة والمصلحين والشعراء مصطلح العودة إلى الدين بالشكل الذي يخاطب الأمة بشكل عام لا بشكل فردي مثل عبارة "عودي إلى الله" التي تخاطب الأمه وعبارة "الحل في عودتنا لما كنا عليه سابقا" قد لا تشعر الفرد المسلم بواجبه في التغيير, خاصة مع وجود الغبش الكبير في فكر وسلوك أمتنا الديني, فقد يعتقد الكثير من أبناء الأمة أنهم ليسوا هم المقصودين بهذه العودة, خاصة مع وجود عدو الإنسان الكبير الشيطان الرجيم وشياطين الإنس, الذين يلبسون على المسلم أحكام دينه ويجعلونه يرضى بواقعه, على الرغم من وجود التقصير الكبير في تطبيقه والتزامه بالدين وأحكامه. وأيضا قد لا يكون واضحا للفرد أن بداية تغيير واقع الأمة وعودتها إلى الله تبدأ بالفرد نفسه, بالتزامه الصادق الكامل وبدعوته غيره من أفراد المجتمع (عودة ودعوة) . (1)   (1) هاتان الكلمتان تعبران باختصار عن دور المسلم في الإصلاح بتغييره نفسه ودعوته غيره, ويمكن أن يستفاد منها كشعار عملي يرمز لهذا الواجب. والشعارات لها أثرها الطيب الذي لا ينكر في التذكير والتحفيز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 9- مما يدل أيضا على أن خطابنا الدعوي كان ناقصاً هو ما نلاحظه من البرود والانتكاس العاطفي والعملي السريع , والعودة للضلال واللهو الذي يحدث للأمة بعد فترة وجيزة من انتهاء إحدى نكبات المسلمين. بل حتى أنه مع استمراء الواقع وكثرة المذابح أصبح الكثير من الأمة يلهو ويغني, وينشغل بالدنيا, والمعاصي التي يؤخر بها نصر أمته في نفس الوقت الذي يرى أمامه يوميا إخوانه وهم يذبح أطفالهم, وتهدم منازلهم, وينكل بهم أشد تنكيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 10- يبدو أن من آثار عدم تركيز الدعاة وغيرهم من المصلحين والغيورين على طريق النصر الحقيقي-بالقدر الكافي- في خطابهم الدعوي أننا أصبحنا نرى العديد من الإنتاجات الطيبة التي كانت ردة فعل للمحن من مقالات وأشعار وكتابات, وإصدارات إعلامية متنوعة, وتوجهات شعوبية (1) , كلها طيبة لكن الكثير منها يتسم بعدم تلمس طريق النصر الحقيقي بإيضاح جيد لا بكلمات رنانة عامة, وأفعال حماسية غير دقيقة في توجهها لأساس الداء والدواء. بل إن بعض ردود الفعل تجاه المحن سواء كانت نثراً أو شعراً أو خطابةً أو مظاهرات أو غير ذلك كانت تتكلم عن المحن بالطريقة التي يتكلم بها أي إنسان يضيع عليه مجده أو وطنه أو ينتهك عرضه ودمه, فبعضها جاف من المعاني الإسلامية, ومعاني العبودية, وفي بعضها سمة الحمية أظهر من سمة العبودية والإخلاص والتجرد والعمل من اجل إرضاء الله.   (1) إننا نأمل أن تصبح شعارات وكلمات الرجوع والعودة إلى الدين, والتحفيز للتوبة والصلاح هي السمة الأساس التي لا تفتقد في أي تفاعل طيب يحدث من الشعوب المسلمة بعد الآلام التي تراها ... فهذا هو الطريق الحق لعزنا ونصرنا وفلاحنا في الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 11- ومن الإشكالات التي لوحظت ما يمكن أن نسميه التخدير بالنصر والتفاؤل الذي يحدث عندما يحرص بعض الأفاضل الكرام الغيورين من الدعاة والمصلحين في خطاباتهم -كلمات كانت أو شعرا أو توجيهات- على طمأنة الأمة بأن النصر قادم, وبث روح التفاؤل فيها بدون أن ُتذَكَّر الأمة بأهمية أن تصحح مسارها, وتتوب من المعاصي التي وقعت فيها, وتعلن وتبدأ بجدية في العودة الصادقة إلى الله, وإلى حقيقة دينها وتطبيقه الكامل, والدعوة والبذل والتضحية من أجله, فنكون بذلك كمن يطمئن الطالب الكسول المحبط بأن عليه ألا ييأس وأنه سينجح بدون أن يذكره بأن عليه أن يثابر ويجتهد. ولا يعني هذا عدم التشجيع على بث روح الأمل والتفاؤل, فهو أمر مطلوب محمود, ولكن القصد أن يكون معه تذكير واضح بالعمل والسعي للتغيير, حتى تُتَلافى سلبية الركون واستمراء الواقع. ((إن أمتنا تحتاج إلى التفاؤل ولكنها ..... تحتاج أكثر ما تحتاج إلى من يهزها بقوة لتستيقظ من نومها العميق وبُعدها, تحتاج أكثر من التفاؤل إلى من يحذرها من حدوث مآسٍ وعقوبات أخرى من الجبار سبحانه لها فهي: لم تفق وترجع إلى الله وهي في أشد مآسيها وذلها وهوانها, الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 لم تعد ولم تتب من المعاصي (1) وهي ترى المسلمين يذبحون ذبح النعاج بما فيهم أطفالهم!!! الأبرياء, لم تعد (2) وهي تسمع بآلافٍ!!!! من أخواتهن يغتصبن!!!! . لم تعد ولم تتب وهي ترى الأعداء يتربصون بها من كل جانب!! لم تعد ولم تتب وهي ترى العالم يعيش في قمم من الضياع والتعاسة والكفر والضلال, وهي المسؤولة عن تبليغه طريق النجاة ... أولاً:بتمثلها هي نفسها الإسلام حقيقة وصدقاً (فهو الأهم لنشر الدين) , وثانياً: بتبليغها الإسلام بكل عزم وهمة. إن أمتنا التي لم تفق (3) ولم تعد وهي ترى كل هذه البلايا .... تحتاج أكثر ما تحتاج إلى من يخوفها من حصول مثل ما حصل لإخوانهم عليهم. وإذا أردنا أن نخفف بعض إحباطاتها فليُصاحب ذلك تذكيرٌ بالطريق والوسيلة التي بحصولها وبالبدء بتحقيقها نتفاءل التفاؤل الحقيقي الذي يكون تفاؤلا مفيداًً لا أماني قد تضر أكثر مما تفيد ((. (4)   (1) أمثلة المعاصي والانحرافات التي وقعت فيها الأمة وجاهرت الجبار بها واستمرأتها (وكأنها حلال) وأصرت عليها وانتشرت فيها كثيرة وفي جوانب متنوعة عديدة, .... ولكن لا أجد مثلاً أوضح على ذلك -كما يبدو لي- مثل قضية إصرار الأمة -سواءً المنفذين أو المشاهدين- على قبول واستمراء المنكرات التي تأتي بها القنوات ووسائل الإعلام وتساهلها بعرضها ورؤيتها (خاصةً مع معرفة الكثير بحرمتها) وإن كان ذلك مجرد النظر إلى المرأة المتبرجة مذيعةً كانت أو غير ذلك (وهذا من باب ضرب المثل بالأقل وإلا فإن هذه الوسائل يعرض فيها أكثر من ذلك بكثير, ويعرض في كثير منها ما يشيب له الرأس مما يفسد المجتمع دينياً وأخلاقياً) . وعلينا أن لا نستهين بهذا الجانب فخطر وأثر الانحراف في هذه الوسائل عظيم الأثر على فكر وقيم وسلوك وتوجهات واهتمامات وتربية أي مجتمع حتى لو غض الطرف عن جانب المعاصي المباشرة المتحققة بالنظر لها. وهي -بتعويدها الأمة على استسهال المعصية- تهيؤها للتمادي في معاصٍ أخرى في شتى المجالات. (2) لا يخلو المسلم من الذنوب فهذا من طبيعة النفس البشرية, ولكن الخطورة على الفرد والأمة تكمن في الإصرار عليها والمجاهرة بها,.. وخطر الذنوب وأثرها على الفرد والمجتمعات والأمة بشكل عام فصله علماء ودعاة الأمة في السابق والحاضر. ومن أفضل الكتب الحديثة - حسب إطلاعي- التي كتبت عن الذنوب وأثرها كتاب «المعاصي وأثرها على الفرد والمجتمع» للشيخ حامد المصلح (3) لا تعني هذه العبارات فقدان الأمل في الأمة, بل إن الأمل في الخير الكامن فيها هو ما يدفع لكتابة مثل هذه الكلمات, ولا يُنكر أن الأحداث غيرت العديد من المسلمين,.. ولكن بشكل عام فإن الغفلة لا زالت مستمرة والاستيقاظ المأمول لم يحصل حتى الآن (4) جزء من مقال يتحدث عن هذا الجانب من موقع «مأساتنا والحل: عودة ودعوة» , وهو موقع يركز على التذكير بواجب العودة وإصلاح المسار www.awda-dawa.com الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 12- ومن سلبيات بعض الألفاظ التي تستخدم للتعبير عن بعض مآسي ومحن الأمة ووصفها مثلاً بأنها القضية الأخطر التي تواجهنا ونعيشها أو بأنها مشكلة المسلمين وقضيتهم الكبرى - وذلك في غياب أو ضعف تذكير الأمة بواجبها في الصلاح والإصلاح عند الحديث عن هذه الأحداث- أن تصرف الأمة عن التركيز على قضيتها الكبرى ومأساتها الأكبر ألا وهي بعدها عن حقيقة الدين, والالتزام بأوامره, والتي نتجت واستمرت بسببها شتى المآسي التي تعيشها الأمة من ضعف وتفرق وتخبط, وذل وهوان, وضياع للمقدسات والأوطان, ..... فتعتقد الأمة أن المأساة هي فقط فيما حصل من فقدان للأراضي والبلاد, ... وكأنه يرضي الله وتتحقق رسالتنا في الأرض فقط باسترداد ما فقد منا, وبأن ننتصر على الأعداء, وإن استمررنا على مداومة المعاصي والبعد عن حقيقة الدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 13- وختاماً فمن بعض النقاط السابقة يلمس المرء أن بعض أحبتنا من الدعاة والمصلحين في حديثهم عمّا يتعلق بالمآسي التي نعيشها يخاطبون (في أحيانٍ قليلة أو كثيرة) الأمة أو بعض فئاتها وكأنها بشكل عام الأمة المستقيمة على ما يرضي الله والمطبقة لشرعه والسائرة على هداه, والتي لم يبق لها إلا توجيه لقضية معينة قصرت فيها, أو مسألة واحدة أخطأت في فهمها, أو فقط اجتماع كلمتها على حُكمٍ في مسألة, ..... ولكن القضية أكبر وأشمل من ذلك, .... إنها قضية إحياء أمتنا التي قتلها الأعداء والمفسدون والشيطان والهوى منذ عقود عديدة بإبعادها عن أساس حياتها, ومقتضيات رسالتها, وسر سعادتها في الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 ثانياً: ما نتمناه في خطابنا الدعوي عن المآسي: 1- نتمنى من الخطاب الدعوي والإصلاحي عن مآسي أمتنا وتخبطاتها أن يكون مركزا على الحل الأساس الأهم حسبما عرفنا من السنن الربانية التي عرَّفنا بها قرآننا العظيم, ونبينا صلى الله عليه وسلم, وعلماء الأمة وسلفها الصالح, ألا وهو رجوع الأمة إلى دينها, وتطبيقه الكامل, وابتعادها عن المعاصي والذنوب التي هي أساس المصائب والفتن والنكبات والشرور. وأن يركز على علاج مرض أمتنا أكثر من التركيز على علاج أعراضه, (1) وأن يكون مستمرا لا منقطعا, حتى لا يكون فقط ردة فعل تأخذ وقتها ثم تبرد وتنتهي.   (1) أيضاً لوحظ التركيز على الأعراض أكثر من المرض نفسه في كلمات بعض المصلحين بعد ما أصاب الأمة من أخطاء أو انحرافات, أو أزمات حادة أو مصائب أو نكبات, أو فتن أو تخبطات معينه, فكنا نجد التركيز على الفتاوى والأحكام والتوجيهات والنظرات الخاصة بذلك الحدث مع ضعف الاستفادة من الحدث لتذكير الأمة بوضوح وتركيز بدائها الأساس الذي تسبب في هذا الواقع وانحرافاته, فبذلك النهج نكون قد توجهنا لعلاج العرض ونسينا الأصل المتسبب في ظهوره. ولا شك أننا نحتاج بشدة إلى الفتاوى والتوجيهات التي تبين لنا الحكم الشرعي والنظرة الصحيحة في حدث مؤلم أو انحراف معين, وينبغي علينا توضيحها للأمة، ولكن الأهم هو علاج المرض الضخم الكبير الأساس الذي نتجت عنه تخبطات الأمة وانحرافاتها , وتفرقها واختلافها , وتشتت آرائها وتوجهاتها , وقلة البركة في رزقها , وضعفها وذلها, وتسلط الطغاة عليها, وتمكن الأعداء منها, ووضعها المأساوي الذي تعيشه, .... ألا وهو عدم استقامتها على الإسلام كاملا, وبعدها عن صدق التمسك بالدين, واستمراؤها الذنوب والمعاصي وإصرارها عليها, وعدم عيشها للدين حقيقةً لا خيالاً. قال تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير (الشورى 30) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 2- نتمنى أيضا من الخطاب الدعوي - عندما يوضح أن نصرنا بالعودة (1) إلى ديننا - أن يكون خطابه معروضاً بطريقة مفصلة دقيقة , تبين لكل فرد كيف يكون دوره في العودة والتغيير, لا أن يكون الخطاب بكلمة عامه فقط لا تُشعر الفرد بدوره ومسؤوليته في تحقيقها, بل وتؤدي أحيانا إلى أن نَجْعَل الفرد ممن يقول ما لا يفعل, فهو قد يتغنى بأن الحل في العودة ولكنه بعيد عن تحقيقها وعن معانيها وواجباتها. فنحن نتمنى أن تكثر الكلمات القوية والأشعار المؤثرة التي تجعل الفرد المسلم يخرج منها بخطوات عمليه عمَّا ينبغي أن يفعله هو بنفسه لتغيير واقع أمته, لا أن يخرج فقط بحماس وانفعال قد يبرد سريعا, فأمتنا تريد عملا وعاملين.   (1) أرجو ألا يُعْتَقَد بأن التركيز على العودة يعني تقليل أهمية الجهاد, .... فأولا: بلا أي شك فإن جزءاً هاماَ وأساسياً مما ينبغي أن تعود إليه الأمة هو الجهاد في سبيل الله, .... وثانياً: علينا ألا ننسى وأن نتذكر أن أقوى ما يُعِدْ وتستعد به الأمة للجهاد هو عودتها إلى الله والتزامها أوامره, .... وثالثاً: أن نصر الله لأمتنا مرتبط بنصرها له سبحانه وتعالى (العودة مَوْقِدُ شُعْلَةِ الجهاد وَسِرُّ انتصاره) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 3- حبذا أيضا لو كان في خطابنا الدعوي- نثرا كان أو شعرا أو خطابة - تبيين وتذكير ببعض المنكرات التي انتشرت في الأمة وخاصةً التي استمرأها المسلمون , وهذا أفضل من العموميات في الكلام عن العودة والذنوب, لكي يتضح للفرد المسلم نقاط خلله وتقصيره (1) , ومن ثم يكون خطابنا أقوى في النتيجة العملية الناتجة منه بإذن الله. وليت خطابنا الدعوي لا يُغفل تذكير الفرد والمجتمع بخطر المعاصي كلها بشتى أنواعها, بما فيها خطر الإصرار على الصغائر (2) , الذي تساهل به حتى الكثير من الأفاضل والطيبين, نسياناً منهم لبعض الحقائق والأسس المتعلقة بهذا الموضوع, ومنها تحول الصغائر إلى كبائر بأمور عديدة منها الإصرار والمجاهرة وعدم الحياء والخجل من الله في عملها كما وضح هذه الحقائق علماء الأمة وسلفها الصالح. فنحتاج في خطابنا إلى تبصير الأمة بهذه الحقيقة التي نُسيت, وخاصة وأننا نرى الانتشار الضخم في الإصرار على كثير من الصغائر في واقع أمتنا الحاضر, والذي لا شك في أن إفساد المفسدين وتضليل المضلين دعمه وقوَّاه في قضايا كثيرة.   (1) من أمثلة العموميات في الخطاب وبغض النظر عن مسألة المآسي وواجب العودة أن تكثر الكلمات المتحدثة عن التوبة بدون أن توضح هذه الكلمات من ماذا تكون التوبة؟ بذِكر بعض الأمثلة (وليس شرطاً أن تذكر الأمثلة في كل كلمة) , فالسامع للكلمة قد يكون واقعا في العديد من المنكرات (سواءً في أمر العقيدة أو الفكر أو السلوك) ولكن ضعف التصور وهوى النفس قد تجعله يرى أنه ليس هو من المقصودين بالتوبة, وأن المقصود بها غيره من الواقعين في الكبائر الظاهرة مثل شرب الخمر والزنا وغيرها. بل أحيانا يُذكَر مثلٌ ولكنه مثل عام يحتاج إلى توضيح وتحديد, فيشارك أيضا الهوى وضعف التصور في إيهام المستمع بأنه ليس المقصود؛ .... فمثلا الكلام عن النظر الحرام قد يتصور البعض أن المقصود به هو رؤية الأفلام الفاحشة والشديدة التبذل وأما أن يرى المرأة المتبرجة (بل أحيانا الكاسية العارية من شدة تبرجها) فلبس هذا من النظر الحرام في تصوره, ... خاصة مع الاستمراء الكبير للعديد من المنكرات في مجتمعات المسلمين في عصرنا الحاضر. (2) إن التنبيه على خطورة الإصرار على الصغائر لا يعني أبداً أنها أهم انحرافات الأمة, فحتى الإصرار على الكبائر إنتشر في الأمة, ...... ففي الأمة الكثير من الشرك والانحرافات العقدية, وضعف تحقيق التوحيد وتمثل معانيه! , والبدع, وتحكيم غير شرع الله, والخلل في الولاء والبراء, ومحاربة المصلحين, والاستهزاء والتهاون بقيم الدين, وترك الصلاة, والتعامل بالربا, والظلم والغش وتضييع الأمانات, والغيبة, ... وغير ذلك, ولكن نبه على الصغائر لأن التذكير بها وبخطرها قد يغفل وينسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وعلينا أن لا ننسى أن كثيراً من الكبائر التي انتشرت في الأمة كان مبدؤها التساهل بصغائر متعلقة بها وتؤدي إليها. كما أن التهاون والإصرار على الصغائر يُجَرِّئ المسلم على غشيان غيرها من المعاصي ولو لم تكن متعلقة بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 4- نتمنى أن يُشْعِر الخطاب الدعوي والإصلاحي المسلمين بفاعلية بالتحديات الخطيرة التي تواجه الأمة, ويربطها بضرورة تصحيح المسار والإصلاح, ... حتى يكون الشعور بالتحدي فعالا في إيقاظ المسلمين وعودتهم. وقد كان الشعور بالتحدي فعالا في تغيير حياة كثير من شعوب العالم بعد نكبات ألمت بهم (اليابان أحد هذه الأمثلة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 5- نحن في حاجة كبيرة إلى الخطاب الدعوي الذي -عندما يخاطبنا في مآسينا, ومشكلاتنا, وفي كل أمور وشؤون حياتنا وانفعالاتنا وتحركاتنا- يربطها بعبوديتنا لله , فهذا هو الأصل الذي ربانا الإسلام عليه وامرنا الله به وخلقنا من أجله, قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: الآيات 162-163) . وإن صدق الإخلاص لله في أمورنا -مع التزامنا بالنهج الصحيح بالطبع - من أهم أسباب نصرنا , بل حتى حميتنا وغيرتنا عندما نرى ذبح إخواننا ينبغي أن تكون مربوطة بعبوديتنا لله, فنسعى لإيقاف ذلك لأنه يغضب ربنا سبحانه, ويعوق نشر دينه, وتحقيق خلافة الإنسان في الأرض, لا أن يكون غيرة وحمية أرضية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 6- يحدونا أملٌ كبير -إن حقاً ذكرنا أمتنا بفعالية بدائها الأساس وجعلناه قضيتها الكبرىالأهم- أن ينتج عن ذلك حصول توجه ضخم لأمتنا نحو الحل الأساس بما يمكن أن نسميه للتذكير " مقاطعة الذنوب. " وعلى الرغم من أهمية وضرورة المقاطعة الاقتصادية وفرحنا بها إلا أن مقاطعة الذنوب! هي المقاطعة الأهم , وهي الدواء الأساس الذي بِعَدَمِهِ يفشل أي دواء أو عمل مساند في تحقيق الشفاء والتمكين لأمتنا المريضة الجريحة الذبيحة. بل إن مقاطعة الذنوب بمفهومها الحقيقي الكامل تشمل المقاطعة الاقتصادية, وتقويها, وتدعمها, وتحفز الأمة لها. وإن تحمس المسلمين الكبير للمقاطعة الاقتصادية التي دعا إليها الكثير من الدعاة والمصلحين لهي دلالة واضحة عن وجود البذرة الصالحة والاستعداد في الأمة للتوجه بحماس للعودة إلى الله في حال تذكيرها بهذه القضية بصورة مركزة كما حدث في المقاطعة الاقتصادية. فكما فرحنا بإحساس أمتنا بالمقاطعة الاقتصادية الذي أدركه وتحمس له حتى الكثير من أطفالنا!!! .... فإننا ننتظر فرحنا بحصول توجه كبير في الأمة نحو المقاطعة الأهم التي هي الأساس لحصول النصر واستعادة العزة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 ختاما : نقول لكل غيور قال أو كتب كلمة قوية مؤثرة وذرف الدموع تأثرا بالمآسي, وكتب الكلمات الحارة, نقول له: أكثر الله من أمثالك فبالصادقين أمثالكم- الذين يوضحون للأمة نهج الحق والصلاح بصدقٍ وغيرةٍ- تنتصر الأمة بإذن الله ويقترب فرجها. وإنكم عندما تتألمون لقلة الناصر للمسلمين فثقوا -كما لا يخفى عليكم- بأن النصر الأعظم والأكبر سيكون بإذن الله عندما تعود الأمة لله, فيومئذ يعظم العطاء والتضحية (1) من أمة عظيمة عاشت لله بمنهج الله, وتضحي بالمال والأنفس رخيصة في سبيل الله. {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} {بِنَصْرِ اللَّهِ} سورة الروم.   (1) يقول الأستاذ منير سعيد في كتاب هام له عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى عنوانه «على طريق الانتفاضة المباركة: إشراقة أمل وواجب الأمة نحوها» : (إذا كانت الانتفاضة المباركة تمثل أمل الأمة في التحرير والنصر فإنها لا يمكن أن توصل إلى النصر إلا إذا تضافرت معها جهود الأمة كاملة, ... ولكن أمة الإسلام اليوم تعيش واقعا بعيدا كل البعد عن مقومات النصر وأسبابه, مما يتطلب منها أن تعيد النظر في هذا الواقع بما يكفل لها تحقيق الشرط الرباني في تحقيق النصر. إن العودة لله تعالى تطلب منا أن نحقق في ديارنا مبادئ الإسلام الحنيف التي تدعو إلى العدالة والحرية والمساواة, وتجعل التقوى ميزان التفاضل بين الناس, وتطلب منا محاربة للمنكرات المحرمات, وأداء لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, حتى يشيع الخير في الأمة من جديد, ... عند ذلك فقط نسير في الطريق الصحيح الموصل لخيري الدنيا والآخرة, وعند ذلك نتلاقى مع إخواننا في فلسطين في نصرة الله تعالى فينزل علينا نصره الموعود) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 حتى نحقق النصر والفلاح أخي هل تراك سئمت الكفاح ... وألقيت عن كاهليك السلاح فمن للضحايا يواسي الجراح ... ويرفع راياتها من جديد (1) إخوتنا الدعاة إلى الله - والأصل أن أبناء أمتنا كلهم دعاة إلى الله - يا من حملتم مشاعل الأمل لهذه الأمة في طريقها إلى العودة والنصر. إخوتنا إن مسئوليتنا تعظم مع هذه المآسي, فتقصيرنا في الدعوة وفي تربية أنفسنا التربية القوية في شتى الجوانب الهامة يعني إطالة معاناة الأمة واستمرار مذابح إخواننا. فهل نهنأ والحال كذلك!!؛ .... إن أملنا في حاملي مشاعل الأمل هو أن: يحققوا أولاً صدق إخلاصهم وتجردهم لله (2) , وصدق محبتهم له سبحانه (3) , وارتفاعهم في درجات العبودية, وقوتهم في أعمال القلوب, وسلامتهم من أمراضها (4) , (فهذه الأمور من أقوى عوامل الفلاح والنصر) . وأن يلتزموا ما ورد في الكتاب والسنة والدليل الصحيح -فلا فلاح ولا نصر بدون هذا-,.. وحتى لا نقع في تمييع أحكام الدين أو التنطع, وأن يكونوا قدوة حقة تتحدث أفعالهم قبل أقوالهم (5) , وأن يكونوا قمة في أخلاقهم (6) ,   (1) شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث: حسني جرار، أحمد الجدع، (الجزء الرابع) من القصيدة البليغة المؤثرة «أخي» لسيد قطب، ص 44 (2) إن الإخلاص كما قال علماؤنا عزيز وتحقيقه يتطلب جهداً كبيراً وحرصاً بالغاً وهو هام جداً, فأولاً: ضعف الإخلاص قد يحبط العمل وقد يؤدي بالمسلم إلى الهلاك, وثانياً: هو عامل هام يؤدي عدم تحقيقه إلى تأخر نصر أمتنا بلا شك. ولا تخفى التنبيهات العديدة في القرآن العظيم والأحاديث الشريفة وكلام الكثير من علماء الإسلام في السابق والحاضر عن أهمية هذا الجانب والانتباه للصدق في تحقيقه, خاصة أن الشوائب والضعف في الإخلاص قد توجد بدون أن ينتبه لها الداعية أو العالم, فقد يظن نفسه محققاً الإخلاص بينما قد يوجد في إخلاصه الكثير من النقص والعديد من الشوائب التي تساهم في دفعه للدعوة بدون أن يشعر بها, وقد نبه الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد إلى مثل هذا الأمر عندما علق على قوله تعالى قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين فبين أن من المسائل المستفادة من هذه الآية التنبيه على الإخلاص فقال: (فيه مسائل. . . الثانية: التنبيه على الإخلاص لأن كثيرا لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه) , أي أنه قد يكون سبب دعوته هو تحقيق شهوات خفية لإرضاء نفسه وإسعادها لإتباع الناس لما يقول, أو لفرحٍ دنيوي بأنه أصبح ذو شأن ونشاط وذو حركة وتميز (كما يحصل لمقتنع أي فكر أومبدأٍ أرضي يعمل ويبذل من أجله) , وليس دافعه الأساس الدعوة إلى الله, وفي الحديث الصحيح: (يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل) (صحيح الترغيب والترهيب: تحقيق الألباني) . ونبه ابن رجب الحنبلي رحمه الله لشوائب الإخلاص في رسالته الهامة عن شرح حديث (ما ذئبان جائعان) , ولسيد قطب رحمه الله لفتات وتوجيهات هامة جداً عن الإخلاص والتجرد لله, ذكرها في أكثر من موضع في الظلال خاصة عند حديثه عن وعد الله للمسلمين بالنصر, فحبذا الرجوع إليها. (3) تحقيق المحبة الصادقة ليس بالأمر الهين ويحتاج إلى جهد ومجاهدة,.. فهل حقاً أن الله ورسوله (وما يحباه!!) أحب إلينا من أنفسنا!!!! ومما سواهما؟! , ..... وهل نحن حقاً نتأثر!! ونغضب لله أويتمعر وجهنا ونتألم! عند رؤية المنكرات أو سماع أخبارها!! وما يتعلق بها!!!!! (كما لو أن شيئاً يصيبنا) ؟!!! , .... وهل نحن حقاً نحب في الله!! ونبغض في الله؟!! (4) كان سلفنا الصالح مثل شيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم وغيرهما يهتمون بأعمال القلوب ويحذرون من أمراضها وخطورتها, ويركزون بالذات على من تصدر للدعوة من أهل الصلاح خوفا عليهم من الضعف فيها, فإثم ذلك عظيم وشره كبير. وليتنا نرجع إلى كتبهم ورسائلهم عن هذا الجانب, ومنها «التحفة العراقية في أعمال القلوب» لشيخ الإسلام إبن تيمية. ومن جانب آخر فإن تحسن المسلم في أعمال القلوب يرفعه درجات أكبر وأكبر مما ترفعه أعمال الجوارح. وأيضاً قد توجد في الإنسان - وهو غير منتبه- العديد من أمراض القلوب الخطيرة مثل الكبر والعجب والحسد والرياء وغيرها والتي هي كما ذكر ابن القيم رحمه الله في المدارج أبغض إلى الله وأخطر من العديد من الكبائر الظاهرة. وحقيقة أننا عندما نرى الاختلاف بين بعض فئات الصحوة من جهة, أوبين فئات الصحوة وغيرهم من المثقفين والمفكرين الخيرين من جهة أخرى فإن سببه الأهم (والله أعلم) الضعف في الإخلاص وفي أعمال القلوب والتي تجعل الإنسان لا يتقبل الرأي الآخر حتى مع وضوح وإيضاح!! الحق والدليل الشرعي فيه!! , نظراً لما قد أصابه من أمراض القلوب من عجب بالنفس والرأي, وكبر على الآخرين وعلى تقبل الحق منهم, وحب للرياسة.- ولا شك أيضاً أن من عوامل تأخر النصر الضعف في أعمال القلوب ووجود أمراضها, ولا أدل من ذلك من أن الصحابة الأطهار رضوان الله عليهم تأخر عليهم النصر في غزوة حنين لحدوث عُجْبٍ عَارِض!! كاد أن يكون سبباً في هزيمتهم ويوم حنينٍ إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً (التوبة:25) , وانظر كلام ابن القيم البليغ عن العبر من غزوة حنين في زاد المعاد. (5) القدوة أساس ومن أهم أسباب نجاح الدعوة, وضعفها مشكلة كبيرة ومن أهم أسباب النفور وعدم التقبل, ... فأذكر نفسي وإخوتي الكرام بأن نتقي الله في هذا, وحتى لا نكسب إثم تنفير أحد, خاصة أن الكثير يضعوننا تحت المجهر وحتى الخطأ الصغير يستكثر منا (ولا يليق بنا) .ومن أهم الجوانب التي تعيننا بإذن الله على تحقيق ذلك؛ التناصح بين الدعاة أنفسهم, والذي كثيرا ما نحتاجه..وكثيرا ما ننساه!! ونقصر ونجامل فيه!..وننسى أن جزءاً هاماً وواجباً!! من واجبات الدعوة أن ينصح الأخ أخاه ويقومه (بل وأيضاً نحتاج إلى أن نحسن ونطور جهودنا بالتناصح بيننا!) . (6) لا نشك في أن الشباب المتدين في واقعنا المعاصر في عمومهم يتميز الكثير منهم بالقرب من الأخلاق الحسنة بدرجات مختلفة في هذا القرب, ويعتبر الشباب المتدين بشكل عام أقرب إلى حسن الخلق وسماته وصفاته (وذلك لأثر التدين الذي لا ينكره منصف) , ..... ولكن الدرجة التي وصل إليها الشباب المتدين بشكل عام في جانب حسن الخلق لا تتناسب مع المستوى الذي ينبغي أن يكونوا عليه, وهم الذين من المفترض أن لا تخفى عليهم الدرجة الهامة والأجر العظيم الكبير لحسن الخلق في الإسلام والذي يتبين من كثير من الأحاديث الصحيحة مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحاسنهم أخلاقاً..) الحديث, وقوله: (أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً) , وقوله: (أثقل شيء في الميزان الخلق الحسن) وقوله: (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار) , وقوله: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس .... ولأن أمشي مع أخٍ في حاجةٍ أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا) «الأحاديث من سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني» . أيضا من الخسارة ألا يكون الجل الأعظم من الدعاة قمة في أخلاقهم وهم يدركون أثر حسن الخلق في التأثير على الناس وتقبلهم وتأثرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وقمة في تربيتهم الروحية الإيمانية (1) بما فيها الزاد العظيم زاد قيام الليل , وزاد الصلاة الخاشعة والذكر الذي يواطيء القلب فيه اللسان (2) , وأن لا ينسوا أن يتسلحوا بالسلاح العظيم ألا وهو الدعاء في كل أمورهم, ... خاصة دعاء أوقات الاستجابة, وأن يركزوا في دعوتهم للناس على تربية الإيمان والعقيدة أولا (3) , وأن يركزوا على الأولويات (4) , ....... والأهم فالأهم (5) , وألا تفوت عليهم الموازنة بين الواجبات (6) , وألا يركّزوا على الأعراض أكثر من الأمراض (على مستوى الفرد أو المجتمع) , وأن يقدموا العطف واللين والحسنى والتسامح والتحبب والإحسان في تعاملهم الدعوي مع الآخرين, فهو يأتي بما لا تأتي به الشدة التي -في غالبها- تنفر أضعاف ما تقرب, وتُخسِّرُ أكثر مما تُكسب (7) , ومن أُغْضِبَ وخُسِرَ قلبُه ومحبته لا يستجيب للنصح غالبا وإن غُلِبَ في الحجة والتبيان (8) , وألا ينشغلوا في طريق دعوتهم بأمور أو معارك جانبيه تشغلهم عن الأساسيات والواجبات الأهم, وعن الأعداء الحقيقيين (9) , وألا ينشغلوا بغير الأولى والأجدى والأهم للدعوة والإصلاح, فالوقت غالٍ ومحدود والواجبات كثيرة جدا (10) ,   (1) حبذا الرجوع إلى العديد من الكتب القيمة التي تكلمت وتطرقت للجوانب الإيمانية التربوية بما فيها أعمال القلوب والسلامة من أمراضها الخطيرة مثل العبودية لشيخ الإسلام إبن تيمية, و «مختصر منهاج القاصدين» لإبن قدامة المقدسي, و «تهذيب مدارج السالكين» لعبد المنعم العزي, و «تزكية النفوس وتربيتها كما يقرره علماء السلف» للدكتور أحمد فريد, وكتاب الرقائق لمحمد أحمد الراشد, وسلسلة «توجيهات نبوية على الطريق» للدكتور السيد محمد نوح. وإن أعظم اللذة والسعادة والفرح والفوز يكمن في تحقيق هذه الجوانب. (2) إن من أعظم ما يحقق الفائدة من الصلاة والذكر ويَعْظمْ به أجْرُهما حضور القلب واستشعار المعاني (3) إن عدم البدء والتركيز على تربية الإيمان وتقوية العقيدة في الله والدار الآخرة بين المدعوين, وفي المقابل التركيز فقط على النهي والأمر يؤدي إلى نفورهم وعدم استجابتهم,.. فَتَمَكُّنْ العقيدة والإيمان في النفوس هو الذي سيجعلها بإذن الله تستجيب لأوامر الشرع, كما حصل مع الصحابة رضوان الله عليهم, فبعد أن تَرَبَّى الإيمان والعقيدة والتطلع إلى الآخرة فيهم في الفترة المكية من الدعوة, أتت الأوامر والأحكام الشرعية في الفترة المدنية فنفذوها مباشرة بلا أي تلكؤ, لأنهم عرفوا أنها أوامر العظيم رب الكون الذي مُلئت نفوسهم بمحبته, وبالإيمان بعظمته, وما عنده من الأجر الكبير لمن اتبع وأطاع, وما عنده من العذاب الشديد لمن عصى وعاند. وعموماً فالطريق الدعوي الفعال الأقوى للتأثير على الناس ونقلهم بإذن الله إلى الالتزام بالدين هو معايشتهم والاحتكاك المستمر بهم وتقوية إيمانهم وعقيدتهم والإحسان إليهم لا مجرد الإنكار عليهم (4) ليتنا ونحن في طريق الدعوة نتذكر الأهداف والأولويات!! , حتى لا نغرق في وسيلة ونهتم بها حتى تصبح وكأنها هدف ونقدمها على الأهداف الحقيقية, أو حتى لا نقدم الأقل أهمية على الأهم منه. فمثلاً ليس الهدف الأساس للدعوة ازدياد معلومات المسلمين الفقهية - وإن كانت أمراً هاماً ووسيلة ضرورية لتحقيق معرفة المسلمين لأحكام الدين التي يجب عليهم معرفتها- فالهدف الأساس في الدعوة هو عودة الأمة إلى حقيقة الدين والصدق في تطبيقه والالتزام بأوامره في كل الأمور, وكمثل آخر ليس الهدف الأهم الأساس حفظ كتاب الله (مع جلالة هذا العمل العظيم) ولكن الأهم هو تطبيق الأفراد والمجتمعات لأوامر القرآن ونهجه, وتربيهم على معانيه وقيمه, (أيضاً المواضيع الفكرية هي وسيلة لا غاية!!) .وهذا يُذكرنا بأهمية أن يستفيد الدعاة من أفكار ومبادئ الإدارة التي تساعد على تقوية ملكات تقدير الأهداف والأولويات, وتقييم وتحسين!! الإنتاجية!!!! , والبحث عن الطرق الأكثر فاعليةً!!.وبمناسبة ذكر الاستفادة من العلوم الإدارية فأحب أن أذكر بالفائدة الكبيرة بإذن الله للخطباء والدعاة من معرفة ودراسة مهارات الإلقاء والاتصال والحوار (تقدم بعض المؤسسات الدعوية أو التدريبية دورات جيدة في هذا الجانب) , وأيضا معرفة القواعد التربوية المتعلقة بتغيير السلوك مثل ما يتعلق بالمعرفة والتوجهات وعلاقتها بتغيير السلوك (وأن المعرفة وحدها لا تكفي عادةً للتغيير) . (5) (أ) من الأولويات والأمور الأهم التي تفوت علينا أحياناً مسألة التذكير بالتوبة في مواسم الخير مثل شهر رمضان والعشر الأواخر فيه وعشر ذي الحجة وغيرها, حيث نجد التذكير مركزاً على الازدياد في النوافل والسنن والأذكار والصدقات وفضائل الأعمال, ويقل التركيز على التذكير بالتوبة والبعد عن المعاصي وأداء الواجبات المفروضة مع أنها أهم الأعمال وأحب الأعمال إلى الله, خاصة في هذا الواقع الذي بعدت فيه الأمة وتهاونت في كثير من الأحكام الواجبة وانتشرت فيه الكثير من المعاصي, فكما ورد في الحديث القدسي الصحيح: (وما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضته عليه..) صحيح البخاري, وفي الحديث أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (اتق المحارم تكن أعبد الناس) «حسنه الألباني في صحيح الترمذي, وفي الأثر عن ابن عمر رضي الله عنه: (لرد دانق من حرام أحب إلى الله من إنفاق مائة ألفٍ في سبيل الله) . أيضاً يفوت علينا أحياناً التذكير بالتوبة والالتزام بأوامر الدين عند الحديث عن حِكَمِ بعض العبادات مثل الحج والعمرة, والأضحية!! , وصيام رمضان, وقراءة القرآن وواجبنا تجاهه, وصيام التطوع في مواسمه المختلفة, والأذكار وغير ذلك, مع أن التوبة من أعظم وأهم حكم هذه العبادات. بل إن التركيز في المواسم على فضائل الأعمال, والتركيز على حكم العبادات بدون التذكير بالتوبة قد يؤدي إلى تكريس رضا الأمة بواقعها الذي بعد كثيرا عن الالتزام الكامل بالدين, بحيث يمكن أن يتربى في فكر الفرد المسلم (بشكل غير مباشر) أنه يكفيه أن يتقرب إلى الله بفضائل الأعمال في المواسم وغيرها بينما هو مستمر في إصراره على ذنوب لا يرضاها الله سبحانه وتعالى, أي تحصل لديه اتكالية كبيرة على فضائل الأعمال التي يقوم بها, (ومن المهم أن تُذكّر أمتنا بأن من علامات قبول الأعمال التوبة والأوبة بعدها) . (ب) أيضاً عندما يتحدث داعية لأفراد مجتمعاتنا في هذه الأيام عن حديث البطاقة بدون أن يتكلم عن شروط لا إله إلا الله, ... أو يُذَكِّر في موعظة عن سعة رحمة الله ومغفرته بدون أن يستدرك في الأخير وينبه أن سعة رحمة الله يجب أن لا تنسينا أنه سبحانه شديد العقاب؛ فتزيد بذلك الاتكالية!. (ج) ومثل آخر على تفويت الأولويات وموازنتها أن نجد بعض الأفاضل ممن لا نشك كما نحسبهم في مدى تقواهم وصدقهم فتجدهم يجتهدون ويبذلون الأموال من أجل الاعتكاف في الحرم الشريف في العشر الأواخر ويفوت عليهم سعيهم لدعوة أهلهم وأقربائهم في موسم العيد (بتجهيز وشراء ما يمكن أن يوزع عليهم من وسائل الدعوة في فترة العيد, أو بغير ذلك من طرق ووسائل الدعوة) مع أن الدعوة والبذل لها واجب أهم من الاعتكاف. (د) ومثل آخر على تفويت الأولويات ما يحدث أحياناً من حماس لتوزيع أشرطة أو كتيبات أو مطويات أو أي وسيلة أخرى لا تتحقق فيها الأولوية الدعوية من حيث أثرها في الدعوة وإحداث التأثر والتوبة والتغيير لديهم على حساب الأشرطة والوسائل الأهم في التذكير والإصلاح. فتوزيع ما يحوي قصص التائبين ووصف الجنة وأحوال الآخرة والتذكير بعظمة الله ومعاني!! العقيدة أهم وأكبر أثراً من توزيع ما يتعلق بفتوى عن قضية محددة أو الأذكار (مع عدم إنكار أهمية توزيع كل ما ذكر, ولكن المسألة هي على ماذا نركز ونبذل الجهد الأكبر) , ........ وللجمع بين الخيرين!! فليتنا مثلاً عندما ننشر كتيبا عن الأذكار نضيف فيه (في باطن غلافه أو صفحته الأولى أو الأخيرة) كلمة أو قصة تذكيرية عن التوبة (وبالذات القصص أو كلمات التائبين, فلها أثر عظيم وقد اهتدى أناسٌ كثيرون بسببها) . (هـ) أيضاً عندما نقدم بعض أنواع النوافل على عمل فيه خدمة للآخرين وإسعاد لهم, فالأخير هو الأهم وأجره أكبر. (6) قد نسرف أحياناً في واجب دعوي على حساب واجبات أخرى هامة أو أهم, ولعل من أمثلة ذلك ما قد يحدث في إسراف في الوقت المعطى للدعوة عن طريق الإنترنت على حساب واجبات أخرى,.. وأيضاً إنكار المنكرات فعلى الرغم من أهميته إلا أنه يجب الانتباه إلى أن لا ننشغل أكثر من اللازم في إنكار منكر معين فيشغلنا ذلك عن منكرات أخرى أهم, أو عن واجبنا الدعوي التربوي الذي هو الأكبر فعالية في الإصلاح. بل يبدو لي أحياناً أن بعض المفسدين قد يفرحون بانشغال الدعاة انشغالاً أكثر من اللازم في إنكار منكر (وقد يكونوا قصدوا ذلك الإشغال) , فحتى الكثير من أعداء الدين يعلمون بأهمية وفعالية العمل الدعوي التربوي فيفرحون بانشغالنا عنه, وباختلاط الأولويات علينا. (7) يكفي دليلاً على أهمية تقديم الرفق أمر الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام بأن يخاطبوا الطاغية فرعون بالقول اللين ليكون ذلك الأسلوب عوناً على الهداية, فأسلوب الشدة غالباً ما يعين الشيطان ليحرف الإنسان ويعوقه عن الاستجابة للحق فقولا له قولًا لينًا لعله يتذكر أو يخشى (طه:44) . وأسلوب الشدة يجعلنا نكسب!! عداوة الكثيرين,.. في الوقت الذي نحن بحاجةٍ إلى أن نجعل كل مسلم وكل ضالٍ مع الحق لا عليه!!! (8) من العبارات التربوية الجميلة القيمة التي ينبغي أن نستفيد منها في الدعوة وعندما نناقش ونحاور عبارة: «إن كسب القلوب أهم من كسب المواقف» , وهي منقولة من كتاب رائع وقيم ينصح جداً بقراءته وعنوانه «أصول الحوار» صدر من الندوة العالمية للشباب الإسلامي. (9) من المؤلم ما نراه أحيانا من انشغال بعض الدعاة والمصلحين والغيورين والأخيار الأفاضل بالرد على خطأ أو وجهة نظر أخرى من دعاة آخرين بطريقة غير مقبولة, أو بإعطاء الموضوع أكثر مما يستحق, ولا نقول أن يقفل باب التناصح والرد على الأخطاء, ولكن ليعطى كل شيء حقه وبالطريقة المناسبة وبدون أن يحمل الموضوع أكثر مما يحتاجه, وبدون أن ننسى فضل وخير من يُنتقدون, خاصة إذا كانوا ممن نفع الله بهم الأمة كثيرا. وأيضا على الناقد أن يتأكد أولا, فقد يكون الرأي الآخر صواباً أو يعذر فيه صاحبه, وخاصة أن أهواء النفوس تدخل في مثل هذه الأمور حتى بدون أن يشعر الإنسان بها. وليس من الصحيح أن يصبح ذلك جل همنا, فمحاربو الدين ومضيعوه هم الأولى بالوقوف في وجههم, بل هم من أهم أسباب الواقع البعيد عن الدين وعن المنهج الحق الذي نعيشه, والذي من آثاره حدوث تفرق في الأمة, واجتهادات مختلفة للدعاة والمصلحين, قد يحدث الخطأ في بعضها. بل وحتى الكثير من الفاسدين المفسدين والكثير من المنحرفين والمخطئين في فكرهم وتوجهاتهم يحسن أن يُرفق بهم وأن يُدعوا باللين والحسنى في أحيانٍ كثيرة عند دعوتهم, فبعضهم ليس خبيث النفس سيء النية, ولكنها الغفلة والبعد والضياع والتناقض الذي تعيشه أمة الإسلام في عصرنا (ونأمل أن يهتدي الكثير منهم ليقفوا معنا ضد الكفار المحاربين) , .... فكيف بمن يكون أخاً لنا في الدعوة ويضحي بالكثير من أجلها. ويجب أن نحذر بشدة في هذا الموضوع لأنه لا شك أن الشيطان الرجيم يدخل في مثل هذه الأمور ويقويها, وأيضا شياطين الإنس وأعداء التدين وأعداء الإسلام يسرون جدا من ذلك, بل هو من أسعد الأمور إلى قلوبهم أن يروا الدعاة والمصلحين والغيورين والأخيار مشغولين ببعضهم البعض, ويعطل بعضهم خير بعض. وإن مثل ذلك مثل أخوين في غابة مليئة بالسباع يفترض أن يكونا في غاية الحب والعون لبعضهما, فإذا بهما يتقاتلان بينما السباع تقترب منهما! ... فلنتق الله ولنحذر من أن نكون سببا في استمرار جراح الأمة وتعطيل الدعوة وتأخير النصر. (10) كثيرا ما نجامل!! بعضنا بعضاً وفي أمور يضيع فيها الوقت بل والمال أحياناً فيما ليس له ضرورة أو أولوية دعوية! , فليتنا نقلل من ذلك, ولنتقي الله في أوقاتنا, ... وليعذر الواحد منا الآخر في هذه الأمور, ولنشجع بعضنا بعضاً على التقليل من ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وأن يحفزوا الهمم, ويشدوا العزم, وينطلقوا متفانين باذلين كل أوقاتهم وأموالهم لا بعضها فقط, فهم ممن يفترض أنهم باعوا أنفسهم وأموالهم لله شراءً لجنته, وأن يشحوا بأوقاتهم وأموالهم بأن تضيع في غير ما يخدم الدين ويساهم في تقريب النصر, ... لأنهم قد باعوا حياتهم لله فهي ليست لهم!! , وألا يدعوا أي فرصة فيها خدمة للدعوة إلا واستغلوها أحسن استغلال, ولو كانت فرصة صغيرة أو عارضة (1) , وأن يضحوا براحتهم في سبيل نصر الدين والعمل له, ليبزغ بإذن الله فجر العزة والسؤدد الذي طال انتظاره. وليكونوا كما قيل: نبي الهدى قد جفونا الكرى ... وعفنا الشهي من المطعم نهضنا إلى الله نجلو السرى ... بروعة قرآنه المنزل (2) وأن يجددوا العهد إن ضعف العزم: جدد العهد وجنبني الكلام ... إنما الإسلام دين العاملين وانشر الحق ولا تخش الظلام ... فبصدق العزم يعلو كل دين (3) يقول أحد الدعاة متحدثا عن الدرجة التي ينبغي أن نكون عليها في حماسنا لديننا ودعوتنا:   (1) لقد سمعت من أحد الدعاة كلمة عظيمة في معناها أتمنى أن نتمثلها جميعاً, وهي: (أن واقع أمتنا!! يقتضي أن يكون كل داعية مثل الجهاز المتعدد الأغراض) يقصد أن يعمل للدعوة في كل اتجاه, ولا يقول مثلا: أنا داعية كبير مشغول فليس من مهامي (إذا أمكنني وتيسر ذلك) أن أوزع شريطاً, أو أضع كتيبات في أماكن الإنتظار!!! , أو ألقي كلمة وعظية عابرة في مسجد أو مجلس!! , أو أن أنكر منكراً أراه أمامي, أو أن أعظ وأنصح شباباً مجتمعين على رصيف, أو أن أُنسق لحلقة ذكرٍ للأقارب أو الجيران, أو أن أعلق إعلان محاضرة أو ورقة نافعة,.. وغير ذلك, ولا تعارض بين هذه الكلمة وموضوع التخصص الذي تحتاجه الدعوة في بعض مجالاتها, اللهم إلا إذا كان وقته وظروفه بالفعل نظرا لتخصصه وانشغاله لا تسمح له ولو بشيء من ذلك, ... ولكن في أحيانٍ كثيرة -عند البعض- ليس التخصص أو الإنشغال السبب, ولكنه نسيان الواجب, وضعف إدراك الأجر والفائدة, وضعف في الهمة وكسل, وضعف في الشعور والتألم لجراح الأمة التي تدفع المستشعر لها حقا أن يبادر بكل وبِأَي شيء لتضميدها وإيقاف نزفها,.. وقد يكون ضعف صدق الإخلاص ودخول الشوائب فيه سبب عدم اجتهاد بعضنا في أعمال دعوية غير التي نقوم بها عادة وتألفها وتحبها!!! أنفسنا!!. ومما يُحزن أننا نرى حتى الآن!!! العديد من الدعاة ممن يبخل على الدعوة بماله, أو يكون حرصه على دنيا يصيبها أو مال يحصل عليه أعظم من حرصه على الدعوة، ... وتأثره وقهره لما يفقده في الدنيا أعظم من تأثره إذا قصر في الدعوة والبذل من أجلها, أو إذا ضاعت عليه فرصة كان من الممكن أن يخدم الدعوة فيها بكلمة أو عمل معين ولو كان صغيرا, أو إذا فوت (أو أخر!!) أي شيء متعلق بها, ... وكأنه لا يستشعر - وهو الداعية العارف بواقع الأمة وآلامها- أن تأخره وضعفه في همته الدعوية يعني تأخر نصر الإسلام ويعني!! تأخير إنقاذ أبناء أمتنا المذبحين في كل مكان. وأصبح أداء العديد من الدعاة لواجب الدعوة تشوبه (الروتينية!) والبرود! والفتور ويفتقد الحرارة والحماس والهمة العالية, والتألم والحرقة على الواقع, والحرص والغيرة الشديدة على أن لا يفوت عليه أي شيء فيه فائدة للدعوة ولو كان من غير المجالات التي يهتم بها هذا الداعية عادة. ومتى لم نبلغ الدرجة اللازمة في حرصنا وهمتنا وبذلنا وتضحيتنا فلنعلم أن نصر الإسلام سيتأخر كما وُضِّحَ ذلك في الكلمة المؤثرة لأحد الدعاة والتي ستُذكَر في آخر هذا المقال. وحقاً ما قيل من أن جهود الدعاة والأخيار في الدعوة بشكل عام تعتبر قليلة مقارنةً بأعدادهم. (2) - شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث: حسني جرار، وأحمد الجدع، من قصيدة الكتائب لعبد الحكيم عابدين، ص 40. (3) شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث: أحمد الجدع وحسني جرار الجزء الرابع, من قصيدة (نداء القرآن) للشاعر أحمد حسن القضاة, ص 106 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ((إنه من الواجب أن تكون في قلوبكم نار متقدة تكون في ضرامها على الأقل!!! مثل النار التي تتقد في قلب أحدكم عندما يجد ابنا له مريضا ولا تدعه حتى تجره إلى الطبيب, أو عندما لا يجد في بيته شيئا يسد به رمق حياة أولاده فتقلقه وتضطره إلى بذل الجهد والسعي. إنه من الواجب أن تكون في صدوركم عاطفة صادقة, تشغلكم في كل حين من أحيانكم بالسعي في سبيل غايتكم, وتعمر قلوبكم بالطمأنينة, وتكسب لعقولكم الإخلاص والتجرد, وتستقطب عليها جهودكم وأفكاركم, بحيث إن شؤونكم الشخصية وقضاياكم العائلية إذا استرعت اهتمامكم، فلا تلتفتون إليها إلا مكرهين!!. وعليكم بالسعي أن لا تنفقوا لمصالحكم وشؤونكم الشخصية إلا أقل ما يمكن من أوقاتكم وجهودكم ,!!!! فتكون معظمها منصرفة لما اتخذتم لأنفسكم من الغاية في الحياة. وهذه العاطفة ما لم تكن راسخة في أذهانكم ملتحمة مع أرواحكم ودمائكم آخذة عليكم ألبابكم وأفكاركم، فإنكم لا تقدرون أن تحركوا ساكنا بمجرد أقوالكم)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (الأحزاب:23) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37