الكتاب: عقوبتا الزاني والمرتد ودفع الشبهات في ضوء القرآن والسنة ودفع الشبهات المؤلف: عماد السيد محمد إسماعيل الشربينى عدد الأجزاء: 1   [الكتاب مرقم آلياً]   جمعه ورتبه وفهرسه الفقير إلى الله عبد الرحمن الشامي   ويسألكم الدعاء ---------- عقوبتا الزاني والمرتد ودفع الشبهات عماد السيد محمد إسماعيل الشربينى الكتاب: عقوبتا الزاني والمرتد ودفع الشبهات في ضوء القرآن والسنة ودفع الشبهات المؤلف: عماد السيد محمد إسماعيل الشربينى عدد الأجزاء: 1   [الكتاب مرقم آلياً]   جمعه ورتبه وفهرسه الفقير إلى الله عبد الرحمن الشامي   ويسألكم الدعاء هذا الكتاب يتناول فيه المؤلف الرد علي أعداء السنة المطهرة، ودعاة التغريب من خلال عدة قضايا منها: 1- بيان مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حددها رب العزة في كتابه، واستعراض شبهة أعداء السنة حول هذه المهمة والجواب عنها. 2- بيان أن مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيانية إنما تعني الحكمة وهي السنة النبوية، واستعراض شبهة أعداء السنة، بأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقيقية؛ هي القرآن فقط والجواب عنها. 3- بيان حقيقة وهدف أعداء السنة بإيمانهم ببيان نبوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في رسالته! . 4- بيان وجوب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة معاَ، والرد علي أعداء السنة في حصرهم طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن فقط. 5- بيان أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة هي عين التوحيد لله تعالى، والرد علي أعداء السنة في زعمهم أن الربط بين طاعة الله عز وجل في كتابه، وطاعة رسوله في سنته المطهرة شرك. 6- بيان السنة النبوية لعقوبة الزاني الواردة في القرآن الكريم؛ ودفع شبهات المنكرين لهذا البيان النبوي. 7- بيان السنة النبوية لعقوبة المرتد الواردة في القرآن الكريم؛ ودفع شبهات المنكرين لهذا البيان النبوي. والله الهادي إلي سواء السبيل صدق الله العظيم صدق الله العظيم صدق الله العظيم صدق الله العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 عقوبتا الزاني والمرتد في ضوء القرآن والسنة ودفع الشبهات الدكتور عماد السيد الشربيني مدرس الحديث وعلومه بجامعة الأزهر 1424هـ- 2003 م بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (1) {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (2) {ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام إن يخطئ في العفو؛ خير له من أن يخطئ في العقوبة} (3) . تقديم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلي آله، وصحبه، ورضي الله عمن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين. ثم أما بعد فإن السنة المطهرة، كانت هدفَا لأعداء الإسلام منذ زمن بعيد، لكنها قاومت وتقاوم، وحطمت وتحطم محاولات أعداء الإسلام، وأذيالهم بما رسخ في قلوب المؤمنين، من إيمان وتقديس وحب وإقتداء. إن الذين يحاولون النيل من السنة المطهرة تختلف مشاربهم وأهدافهم واتجاهاتهم، وإن كثيراً منهم يفتح له مجال واسع في الإعلام، الذي يجري وراء المادة الغريبة المستحدثة والشاذة، التي تجذب الجماهير. فإن أراد العلماء أن يكشفوا الزيف، ويردوا الشبهات؛ لم يجدوا المجال الكافي المتكافئ مع نشر السموم. ومن هنا يتهم العلماء والمتخصصون بالقصور أو التقصير.   (1) 1) الآ ية 229 البقرة. (2) الآية 65 النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 إن أملنا في عقيدة الأمة الراسخة التي لا تزعزعها العواصف، ولولا قوة إيمانها في عقيدتها وشريعتها الإسلامية، لكانت النتيجة خطيرة منذ زمن بعيد، ولكنه وعد رب العزة {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) } (1) .ومساهمة متواضعة في التصدي لشراذم البغي قديمَا وحديثَا، ممن يطعنون في شريعتنا الغراء ويتهمونها بالقسوة لما فيها من الحدود، وردَا علي أعداءالسنةالنبوية؛ الذين ينكرون عقوبة الرجم للزانى المحصن، وعقوبة القتل للمرتد، بحجة مخالفتهما للقرآن الكريم. أسطر هذه السطور حسبة لله تعالى، وانتصارَا لشريعته الغراء، في ستة مباحث هي: المبحث الأول: في بيان مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حددها رب العزة في كتابه. المبحث الثاني: في بيان أن مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلمالبيانية إنما تعني الحكمة، وهي السنة المطهرة. المبحث الثالث: في بيان وجوب طاعة رسول صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة معَا. المبحث الرابع: في بيان أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة هي عين التوحيد الخالص لله عز وجل. المبحث الخامس: في بيان السنة لعقوبة الزاني الواردة في القرآن ودفع الشبهات. المبحث السادس: في بيان السنة لعقوبة الردة الواردة في القرآن ودفع الشبهات. الخاتمة: في نتائج هذا البحث، ومقترحات، وتوصيات، وفهرس الموضوعات. منهجي في البحث: 1- كل ماعرضته في البحث من شبه ومطاعن أهل الزيغ والهوي قديمَا وحديثَا، المتضمنة الطعن في سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني قرنت ذلك بالرد الحاسم الذي يبين بطلان وزيف تلك الشبه والمطاعن معتمداً في ذلك علي القرآن الكريم، والسنة المطهرة، والسيرة العطرة، وكلام أهل السنة قديمَا وحديثَا. 2 - بينت مواضع الآيات التي وردت في البحث بذكر اسم السورة، ورقم الآية في الهامش، مع   (1) الآية 9 من سورة الحجر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 وضع الآية بين قوسين. 3- عزوت الأحاديث التى أوردتها فى البحث إلي مصادرها الأصلية، من كتب السنة المعتمدة، فإن كان الحديث فى الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بالعزو إليهما، بذكر اسم الكتاب، واسم الباب، وذكر الجزء والصفحة ورقم الحديث، وأقدم فى التخريج من ذكرت لفظه، مع البيان غالباً لدرجة الحديث، من خلال أقوال أهل العلم بالحديث، أو دراستى للسند، إن كان الحديث فى غير الصحيحين، وفيما عدا ذلك اقتصر على ما يفيد ثبوت الحديث أورده. 4 - اعتمدت فى التخريج من الصحيحين على طبعتى البخارى "بشرح فتح البارى" لابن حجر، والمنهاج "شرح صحيح مسلم" للنووى، لصحة متون الأحاديث فى الشرحين، ولصحة عرضهما على أصول الصحيحين، وتسهيلاً للقارئ لكثرة تداول تلك الشروح، وإتماماً للفائدة بالإطلاع على فقه الحديث المخرَّج. 5 - التزمت عند النقل من أى مرجع، أوالإستفادة منه الإشارة إلى رقم جزئه وصفحته بالإضافة إلى ذكر طبعات المراجع فى الفهرست. 6 - عند النقل من فتح البارى، أو المنهاج شرح مسلم للنووى، أذكر رقم الجزء والصفحة ورقم الحديث الوارد فيه الكلام المنقول، تيسيراً للوصول إلى الكلام المنقول، نظراً لاختلاف رقم الصفحات تبعاً للطبعات المتعددة. 7 - اكتفيت فى تراجم الأعلام من الصحابة بذكر مصادر تراجمهم بذكر رقم الجزء والصفحة ورقم الترجمة، ولم أترجم لهم لعدالتهم جميعا، ولم أخالف فى ذلك إلا فى القليل عندما تقتضى الترجمة الدفاع عن شبهة. 8 - ترجمت لكثير من الأعلام الذين جرى نقل شئ من كلامهم، مع ذكر مصادر تراجمهم، بذكر رقم الجزء والصفحة ورقم الترجمة. 9 - شرحت المفردات الغريبة التى وردت فى بعض الأحاديث مستعيناً فى ذلك بكتب غريب الحديث، ومعاجم اللغة، وشروح الحديث. والله عز وجل أسال أن ينفع بما كتبت، وأن يتقبله خالصَا لوجهه الكريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 اللهم تقبل هذا العمل خالصاً لوجهك الكريم، اللهم اجعلني جنداً من جنود كتابك، جنداً من جنود سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم لا تجعلني شقياً ولا محروماً، اللهم لا تعذب لساناً يخبر عنك، ولا عيناً تنظر إلى علوم تدل عليك، ولا قدماً تمشى إلى طاعتك، ولا يداً تكتب حديث رسولك وصفيك صلى الله عليه وسلم. اللهم لا تدخلنى النار، ولا تفضحنى فيها، فقد علم أهلها أنى كنت أذب عن دينك، وأدافع عن شرعك، وأظهر مكانة وحيك، وأبين عظمة وعصمة نبيك وخليلك وصفيك صلى الله عليه وسلم. اللهم اجعلنى وما عملت من عمل صالح فى ميزان أبوىَّ واغفر لهما، وأكرمهما، وارحمهما كما ربيانى صغيراً وألبسهما حلة الكرامة، وشفع فيهما كتابك ونبيك صلى الله عليه وسلم ... ... والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم الراجى عفو ربه الغفور أبو صلاح الدين د/ عماد السيد الشربيني مدرس الحديث وعلومه بكلية أصول الدين القاهرة جامعة الأزهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 المبحث الأول: في بيان مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رسالته كما حددها رب العزة في كتابه ... طعن أعداء السنة المطهرة، في دور رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي، وحصروا بلاغه في الرسالة، على تبليغ القرآن الكريم فقط، وقالوا هى مهمته الوحيدة، وعدوا القول بخلاف قولهم اتهام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنه فرط فى تبليغ الوحى. ... وجاءت أقوالهم فيما يفترون صريحة، وإليك نماذج منها: قال رشاد خليفة (1) : "إن مهمة الرسول الوحيدة: هى تبليغ القرآن بدون أى تغيير، أو إضافة، أو اختزال، أو شرح" (2) . وقال فى موضع آخر: "أمر محمد بتبليغ القرآن فقط بدون أى تغيير، وألا يختلق أى شئ آخر". ويقول: "محمد ممنوع من التفوه بأى تعالىم دينية سوى القرآن" (3) . ويقول محمد نجيب (4) : "نسبة أى شئ للرسول غير القرآن طعن فى أمانة الرسول صلى الله عليه وسلم" (5)   (1) هو: رشاد عبد الحليم محمد خليفة، حصل على بكالوريوس الزراعة من جامعة عين شمس، بمصر، عمل خبيراً زراعياً بالولايات المتحدة الأمريكية، وكان عميلاً للبهائية ويدعوا إليها، وينكر حجية السنة النبوية، ادعى النبوة، ومات مقتولاً داخل مسجد قريب من جامعة أريزونا، حيث كان يقوم بتدريس أفكاره البهائية التى تشكك فى الإسلام، وفى حجية السنة المطهرة، حبيشى، ينظر: رشاد خليفة صنيعة الصليبية العالمية للدكتور خالد نعيم ص16 - 59. (2) القرآن والحديث والإسلام ص13، وينظر: من نفس المصدر ص17، 18، 33. (3) المصدر السابق ص2، 3، وينظر له أيضاً: قرآن أم حديث ص2، 16. (4) كاتب مصرى معاصر، من مؤلفاته "الصلاة" أنكر فيه السنة المطهرة، وزعم أن تفاصيل الصلاة واردة فى القرآن الكريم، وكتابه صادر عن ندوة أنصار القرآن، نشر دائرة المعارف العلمية الإسلامية. (5) الصلاة ص271، 272. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 ويقول أحمد صبحى منصور (1) : "إن إسناد قول ما للنبى وجعله حقيقة دينية هو اتهام للنبى بأنه فرط فى تبليغ الرسالة … بإيجاز كانت مهمة النبى مقتصرة على التبليغ دون الإفتاء والتشريع" (2) . ويقول إسماعيل منصور (3) : "إنه ليس لجبريل عليه السلام فى القرآن الكريم دور إلا النقل الأمين فحسب، كما أنه ليس لمحمد فيه دور كذلك إلا البلاغ الصادق وحده. قال تعالى: {إن عليك إلا البلاغ} (4) وقال سبحانه: {وما على الرسول إلا البلاغ المبين} (5) . ويقول جمال البنا (6) : "ونصوص القرآن الكريم واضحة، وصريحة، ومتعددة، وهى تحصر   (1) هو: أحمد صبحي منصور، تخرج من جامعة الأزهر، وحصل علي العالمية في التاريخ من الجامعة، وتبرأ من السنة النبوية،زاعماً أنها من عنل الشيطان، ورواتها مجرمون خونة، فتبرأت منه الجامعة. (2) مشروع التعليم والتسامح لأحمد صبحى وغيره ص282 وينظر من نفس المصدر ص287، 293، وينظر له: الأنبياء فى القرآن ص26، ولماذا القرآن ص43 – 52، ولا ناسخ ولا منسوخ فى القرآن ص19، والمسلم العاصى ص13. (3) هو: إسماعيل منصور جودة، تخرج من جامعة القاهرة، وحصل على العالمية فى الطب البيطرى من الجامعة، تبرأ من السنة، وزعم أنها أكذوبة كبيرة وخطيرة، وداهية كبرى، أريد بها التشويش على كلام الله تعالى. من آثاره: تبصير الأمة بحقيقة السنة، وشفاء الصدر بنفى عذاب القبر، وبلوغ اليقين بتصحيح مفهوم ملك اليمين. وغير ذلك. (4) جزء من الآية 48 الشورى. (5) الآية 54 النور، وينظر: تبصير الأمة بحقيقة السنة ص267، 268. (6) هو: ابن العالم المحدث الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا، صاحب الفتح الربانى فى ترتيب مسند أحمد، وشقيق الأستاذ حسن البنا، المرشد الأول لجامعة الإخوان المسلمين، من آثاره التى طعن فيها فى حجية السنة، الأصلان العظيمان، والسنة ودورها فى الفقه الجديد. وغير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 دور الرسول فى البلاغ، وكثيراً ما تأتى الإشارة إلى البلاغ بصيغة الحصر، ولكنها فى حالات أخرى تضيف إلى البلاغ صفة "المبين" قال تعالى: {وإن تولوا فإنما عليك البلاغ} (1) وقال سبحانه: {فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين} (2) . و يجاب عن هذه المزاعم بما يلي : أولاً: لكل مسلم أن يعجب من جراءة هؤلاء الأدعياء الذين يتسترون بعباءة القرآن الكريم، فى جرأتهم وتطاولهم على الذات العليا من حيث يشعرون أو لا يشعرون. ... إذ بعثة الرسول أو النبى، وتحديد دوره فى رسالته أمر لا يملك منه أحد شئ سوى الخالق عز وجل؛ وتلك بديهة لا يخالفها عاقل. فإذا جاء أعداء السنة المطهرة، وزعموا أن مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصرة على بلاغ القرآن فقط، وأن نسبة أى شئ إليه سوى القرآن يعنى الطعن فى أمانته، وأنه فرط فى تبليغ الرسالة، فقد تجرءوا وتطاولوا على ربهم - جل جلاله -. حاسبهم سبحانه بما يستحقون. ثانياً: إذا كان أعداء السنة المطهرة والسيرة العطرة اتخذوا لأنفسهم شعار "القرآنيون" يستدلون به وحده على ما يزعمون؛ فهم يحرصون دائماً على الإيمان ببعض القرآن، والكفر ببعضه الآخر.   (1) جزء من الآية 20 آل عمران. (2) الآية 12 التغابن. وينظر: السنة ودورها فى الفقه الجديد ص190، وإعادة تقييم الحديث لقاسم أحمد ص152، والبيان بالقرآن لمصطفى المهدوى 1/12، 2/793، ومجلة المنار المجلد 9/521، 522 مقال: "الإسلام هو القرآن وحده" للدكتور توفيق صدقى، وينطر: المجلد 9/909، 913، وإنذار من السماء لنيازى عز الدين ص141، ودفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين ص129، والخدعة رحلتى من السنة إلى الشيعة ص40 كلاهما لصالح الوردانى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 حيث أنهم هنا فى افتراءاتهم يستدلون بظاهر وعموم بعض الآيات القرآنية التى تحث رسول الله صلى الله عليه وسلم، على البلاغ، وتركوا باقى نصوص القرآن الكريم التى تفصل حقيقة هذا البلاغ، وتفصل أيضاً باقى أدوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى رسالته! . الأدلة من القرآن الكريم علي أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في رسالته مهمة غير بلاغ القرآن فقط. ... وإليك شواهد من الآيات القرآنية ترد على افتراءاتهم، وتبين فى وضوح وجلاء أن دور رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رسالته ليس قاصراً على بلاغ القرآن الكريم فقط. وإنما بيان هذا الكتاب الكريم، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وتزكيتهم، والحكم بينهم فى كل شأن من شئون حياتهم. وما كل ذلك إلا بالسنة المطهرة، والسيرة العطرة التى ينكرونها. قال تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} (1) والبلاغ الذى أمر المولى عز وجل به رسوله، هو الوظيفة الأولى له صلى الله عليه وسلم وهو بلاغ عام وشامل لكل ما تحتاج إليه البشرية فى عاجلها وآجلها، ودنياها وأخراها. وقد وصل إلينا هذا البلاغ فى وحيين: أحدهما: متلو وهو القرآن الكريم. وثانيهما: غير متلو وهو السنة المطهرة. ... ويدل على عموم البلاغ، عموم الاسم الموصول "ما" فى الآية الكريمة، كما عمم من أراد تبليغهم، حيث حذف المفعول الأول لـ "بلغ" ليعم الخلق المرسل إليهم. والتقدير: بلغ جميع ما أنزل إليك من كتاب وسنة، من يحتاج إلى معرفته من أمر الدين الموحى به إليك (2) .   (1) الآية 67 المائدة. (2) التحرير والتنوير 6/260 بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 .. أما كون رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نص القرآن، ما عليه إلا البلاغ، والاستدلال بظاهر ذلك على حصر مهمته فى بلاغ القرآن فقط، فإن ذلك فهم غير مراد؛ لأن قوله تعالى: {ما على الرسول إلا البلاغ} (1) معناه نفى الإكراه على الاعتقاد والإيمان، نحو قوله تعالى: {قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل} (2) وقال سبحانه: {فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ} (3) والمعنى: نفى الإكراه على الإعتقاد والإيمان. ففى العقيدة والتصديق القلبى، لا إكراه، أى ليس هناك إلا البلاغ. أما فى شريعة الدولة والسياسة والاجتماع والمعاملات، فهناك السلطان والثواب والعقاب، وليس هناك أدنى تناقض بين وقوف سلطان الرسول صلى الله عليه وسلم، فى العقيدة عند البلاغ؛ {لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى} (4) وبين وجود ووجوب الطاعة المتميزة له، فى إطار بيان وتطبيق الوحى الإلهى … بل إن القرآن الكريم يجمع بين الأمرين فى الآية الواحدة. وتأمل قوله تعالى: {قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين} (5) فالرسول الله صلى الله عليه وسلم، طاعة متميزة وسلطان وتشريع لإقامة الدين، والإقامة تطبيق وتجسيد، يزيد على مجرد البلاغ والتبليغ بدليل ما يلي: قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (6) و"التبيين" هنا غير "التبليغ" الذى هو الوظيفة الأولى للنبى صلى الله عليه وسلم، {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} (7) .   (1) الآية 99 المائدة. (2) الآية 108 يونس. (3) الآية 48 الشورى. (4) الآية 256 البقرة. (5) الآية 54 النور. (6) الآية 44 النحل. (7) الآية 67 المائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 و"التبيين" و"التبليغ" وظيفتان موضوعهما واحد هو "القرآن الكريم" عبر عنه فى آية "التبليغ" بهذا اللفظ: {ما أنزل إليك} وعبر عنه فى آية التبيين بلفظ مختلف: {ما نزل إليهم} وبينهما فروق لها دلالتها. مردها إلى الفرق بين الوظيفتين. "فالتبليغ": تأدية النص، تأدية "ما أنزل" كما "أنزل" دون تغيير ما على الإطلاق، لا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير. و"التبيين": إيضاح، وتفسير، وكشف لمراد الله من خطابه لعباده، كى يتسنى لهم إدراكه، وتطبيقه، والعمل به على وجه صحيح. "والتبليغ": مسئولية "المبلغ" وهو المؤتمن عليها، وهذا سر التعبير: {وأنزلنا إليك} حيث عدى الفعل "أنزل" بـ "إلى" إلى ضمير النبى صلى الله عليه وسلم المخاطب. و"التبيين": مهمة، فرضتها حاجة الناس لفهم ما خوطبوا به وبلغوه، وإدراك دلالته الصحيحة، ليطبقوه تطبيقاً صحيحاً. ومن هنا كانت المخالفة فى العبارة … "نزل إليهم" حيث عدى الفعل "نزل" بـ "إلى" مضافاً إلى الضمير "هم" أى الناس، وعدى الفعل: "لتبين" إلى الناس بـ "اللام" أن كانت حاجتهم إلى "التبيين" هى السبب والحكمة من ورائه، وهى توحى بقوة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بحاجة إلى ما احتاج إليه الناس من هذا التبيين. ولعمرى إنه لكذلك، فقد أوحى إليه بيانه وألهمه، فالتقى فى نفسه "البيان" و"المبين" معاً وأصبح مؤهلاً لأن يقوم بالوظيفتين: وظيفة البلاغ، ووظيفة التبيين على سواء! . وكما أن محالاً أن يكتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، شيئاً مما أمر بتبليغه، فمحال أن يترك شيئاً مما أمر بتبليغه دون أن يبينه، فكلا الأمرين: التبليغ والتبيين من صميم رسالته: {بلغ ما أنزل إليك} … {لتبين للناس ما نزل إليهم} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 واختلاف الناس فى فهم القرآن ما بين مصيب ومخطئ … واختلافهم فى درجات الإصابة، ودرجات الخطأ … برهان بين على حاجتهم إلى "تبيين" لكتاب ربهم، ينهض به إمام الموقعين عن رب العالمين … رسول الله الذى أنزل عليه هذا الكتاب. هنا يقع قول الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (1) موقعاً يسد كل ثغرة، يحاول النفاذ منها من يرفض "سنة رسول الله" أو يهون من شأنها، أو يسعى للتشكيك فيها، وإسقاط حجيتها وإلزامها. ويقع نفس الموقع قول النبى صلى الله عليه وسلم: "لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدرى؟ ما وجدنا فى كتاب الله اتبعناه" (2) . وهنا لى أن أقرر: أن إنكار مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، البيانية ، أو رفضها أو التشكيك فيها ينطوى على رفض وتكذيب للقرآن نفسه؟. {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً} (3) . كما ينطوى على الطعن فى عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى بلاغ وحى الله تعالى إليه، لأن ترك تبيين كلمة واحدة فى القرآن الكريم، تحتاج إلى تبيين دون أن يبينها تقصير، ككتمان حرف واحد مما أمر بتبليغه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مبرأ من أن يخون فى التبليغ، أو يقصر فى التبيين. فمن المتهم إذن: باتهام رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنه فرط فى تبليغ رسالته؟ من يؤمن بأن من   (1) جزء من الآية 7 الحشر. (2) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب السنة، باب لزوم السنة 4/200 رقم 4605، والترمذى فى سننه كتاب العلم، باب ما نهى عنه أن يقال عند حديث النبى صلى الله عليه وسلم 5/36 رقم 2663 وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن ماجة فى سننه المقدمة، باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتغليظ على من عارضه 1/20 رقم 13، والشافعى فى الرسالة ص89 رقم 295 من حديث أبى رافع رضى الله عنه. (3) الآية 5 الكهف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 مهمته فى رسالته البيان أم من ينكر ذلك؟! . إن إنكار أعداء السنة المطهرة، لهذه المهمة، بحجة أن المولى عز وجل تكفل بهذا البيان والتفصيل فى قوله: {ثم إن علينا بيانه} (1) وقوله سبحانه: {وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلاً} (2) وقوله: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شئ} (3) . لا حجة لهم فى ذلك لما يلي: أن مجئ لفظ البيان فى جانب الله تعالى: {ثم إن علينا بيانه} ، ومجئ لفظ "التبيين" فى جانب رسول الله، {لتبين للناس ما نزل إليهم} لا يفسر بأنه تنويع فى اللفظ، أو تفنن فى العبارة، وإنما هو قصد مقصود، وراءه دلالات يبحث عنها وهى: أن "بيان" الله للقرآن إنما هو لنبيه صلى الله عليه وسلم. ومصدره هو الله تعالى. ومستقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم. وطريقه: الوحى فى صورة ما من صورة. أما "التبيين" فهو من رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس. ومصدره رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومستقبله المخاطبون بهذا القرآن. وطريقه إنما هو "اللغة" وليس "الوحى". ... والخلاصة: رسول الله يتلقى بيان القرآن عن ربه "وحياً" والناس يتلقون تبيينه عن رسول الله "لغة وكلاماً". إذن: هناك اختلاف بين "البيان" و"التبيين" من ثلاث جهات: من جهة المصدر، ومن جهة   (1) الآية 19 القيامة. (2) جزء من الآية 114 الأنعام. (3) جزء من الآية 89 النحل. وينظر: ممن استشهد بذلك، توفيق صدقى فى مقاله "الإسلام هو القرآن وحده"، مجلة المنار المجلد 9/516، 907، وجمال البنا فى السنة ودورها فى الفقه الجديد ص33، ومحمود أبو ريه فى أضواء على السنة المحمدية ص404، والصلاة لمحمد نجيب ص23، وقاسم أحمد فى إعادة تقييم الحديث ص86، ومصطفى المهدوى فى البيان بالقرآن 1/10، 29، وأحمد صبحى فى الصلاة فى القرآن 32، 60، 61، وإسماعيل منصور فى تبصير الأمة ص10، 11، 15 وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 المستقبل، ومن جهة الطريق أو الأداة، أو الوسيلة، التى يعبر خلالها "البيان" أو "التبيين" إلى مستقبله. هل يكفى هذا لبيان السبب فى اختصاص كل لفظ بموضعه؟. وهل يزعم زاعم بعد هذا أن بالإمكان التعبير عن كلا "البيانين" "بيان الله" و"تبيين رسوله" للقرآن بلفظ واحد. إن الفرق من السعة والوضوح والعمق، بحيث يفرض اختلاف التعبير فى هذين المقامين المختلفين (1) . إن المراد بتفصيل وتبيان الكتاب لكل شئ يعنى: تفصيل وتبيان القرآن لكل شئ من أحكام هذا الدين كقواعد كلية مجملة. أما تفاصيل تلك القواعد، وما أشكل منها، فالبيان فيها راجع إلى تبيين رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويدل على ذلك قول ابن مسعود فى قوله تعالى: {تبياناً لكل شئ} قال: قد بين لنا فى هذا القرآن، كل علم، وكل شئ. وقال مجاهد: كل حلال وحرام. وقول ابن مسعود أعم وأشمل؛ فإن القرآن اشتمل على كل نافع من خبر ما سبق، وعلم ما سيأتى، وكل حلال وحرام، وما الناس إليه محتاجون فى أمر دنياهم ودينهم، ومعاشهم ومعادهم. وقال الأوزاعى "تبياناً لكل شئ" أى بالسنة (2) . ... ولا تعارض بين القولين – ابن مسعود والأوزاعى – فابن مسعود يقصد العلم الإجمالى الشامل، والأوزاعى يقصد تفصيل وبيان السنة لهذا العلم الإجمالى. ومن هنا؛ فالقول بأن القرآن الكريم تبيان لكل شئ قول صحيح فى ذاته بالمعنى الإجمالى السابق، ولكن الفساد فيما بنوه عليه من قصر مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على بلاغ القرآن فقط، وإنكار مهمته البيانية (السنة المطهرة) والاكتفاء بالقرآن ليؤولوه حسب أهوائهم! .   (1) السنة بياناً للقرآن للدكتور إبراهيم الخولى ص4،5،21،47، 48. (2) ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/513. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 وإلا فرب العزة هو القائل فى نفس سورة النحل، وقبل هذه الآية قال: {ليبين لهم الذى اختلفوا فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين} (1) . وقال سبحانه: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (2) . وقال عز وجل: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذى اختلفوا فيه} (3) . فتلك ثلاث آيات كريمات فى نفس سورة النحل، وسابقة لآية {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شئ} والثلاث آيات تسند صراحة مهمة التبيين إلى نبيه صلى الله عليه وسلم. فهل يعقل بعد ذلك أن يسلب الله عز وجل هذه المهمة - التبيين - التى هى من مهام الرسل جميعاً كما قال عز وجل: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} (4) . ويوقع التناقض بقوله - جل جلاله -: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شئ} . وقوله عز وجل: {وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلاً} ؟ ! . إن كل الرافضين لمهمة رسول الله البيانية، لابد أن يلتزموا بهذه النتيجة التى تعود بالنقض على الإيمان بالكتاب، وبمن أنزل الكتاب جل جلاله، سواء أقروا بلسانهم بهذا النقض أم لا، وتنبهوا إلى ذلك أم لا؟!! . ... ويجدر بى هنا أن أشير إلى ما قاله الحافظ ابن حجر مبيناً المراد من الأحاديث والآثار المؤذنة بالاقتصار على كتاب الله عز وجل . نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله" (5) .   (1) الآية 39 النحل. (2) الآية 44 النحل. (3) الآية 64 النحل. (4) الآية 4 إبراهيم. (5) جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الحج، باب حجة النبى صلى الله عليه وسلم 4/431، 432 رقم 1218 من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده" فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن. حسبنا كتاب الله" (1) . وأشباه هذا مما روى مرفوعاً وموقوفاً، بالإقتصار على القرآن فقط. ... يقول الحافظ: "الإقتصار على الوصية بكتاب الله؛ لكونه أعظم وأهم، ولأن فيه تبيان كل شئ، إما بطريق النص، وإما بطريق الاستنباط، فإذا اتبع الناس ما فى الكتاب، عملوا بكل ما أمرهم النبى صلى الله عليه وسلم، به لقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (2) وهذا الذى قاله الحافظ رحمه الله، يؤكد ما سبق ذكره. ... ومما هو جدير بالذكر هنا. أن الكلام السابق للحافظ، نقله مبتوراً جمال البنا حيث قال: "التمسك بالقرآن والعمل بمقتضاه، إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله". وترك جمال البنا، بيان أن العمل بالقرآن الكريم يقتضى العمل بالسنة كما صرح ابن حجر (3) . ... وهذا ما فعله أيضاً أحمد صبحى منصور. حيث نقل كلام الحافظ ابن حجر الذى نقلته، وبتر منه لفظه (النبى صلى الله عليه وسلم) . فصارت العبارة: "فإذا اتبع الناس ما فى الكتاب عملوا بكل ما أمرهم به" (4) .   (1) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شئ يوص فيه 6/ 100رقم 1637، والبخاري (ببشرح فتح الباري) في عدة أماكن منها كتاب العلم، باب كتابةالعلم 1/251 رقم 114. (2) جزء من الآية 7 الحشر. وينظر: فتح البارى 5/425 رقم 2740 حديث عبد الله بن أبى أوفى رضى الله عنه، وينظر: الموافقات للشاطبى 3/274 – 276. (3) السنة ودورها فى الفقه الجديد ص246. (4) حد الردة ص89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وإذا تقرر لك هناك أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فى رسالته مهمة غير التبليغ وهى تبيين القرآن الكريم، الملازم للمهمة الأولى وهى تبليغه. فاعلم أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حُكمٌ فى رسالته، جعله ربه من مهام رسالته. قال تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} (1) فبين ربنا سبحانه أنه أنزل الكتاب إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ليحكم بين الناس بما ألهمه الله وأرشده. وإذا كان الحكم بالقانون، غير سن القانون فإن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما جاء فى القرآن من تشريعات، فضلاً عن تبيينه بالسنة، هو أمر زائد على مجرد البلاغ لهذه التشريعات. وتحكيمه صلى الله عليه وسلم فى كل شئون حياتنا، والرضى بحكمه، والتسليم به، جعله رب العزة علامة الإيمان كما قال: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسيلما} (2) وما ذلك إلا لأن حكمه صلى الله عليه وسلم، وحى من الله واجب الاتباع لقوله {بما أراك الله} وعلى هذا الفهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم. يدل على ذلك قول عمر رضي الله عنه وهو على المنبر: "يا أيها الناس إن الرأى إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيباً لأن الله عز وجل كان يريه، وإنما هو منا الظن والتكلف" (3) .   (1) الآية 105 النساء. (2) الآية 65 النساء. (3) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الأقضية باب قضاء القاضى إذا أخطأـ 3/302 رقم 3556، والبيهقى فى السنن الكبرى 10/117، والمدخل له ص189 رقم 210، وابن عبد البر فى جامع بيان العلم 2/164، والبزار ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 6/145، 146، وسكت عنه الحافظ فى فتح البارى 5/408 رقمى 2731، 2732. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 لقد قال عمر ذلك على المنبر، ولم يعترض عليه أحد من الحاضرين، لا من الصحابة، ولا من التابعين، مما يدل على أنهم جميعاً يعلمون أن لرسول الله حُكم فى رسالته هو من ربه عز وجل، وهو أمر زائد على مجرد البلاغ! . وقال تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين} (1) إن الله عز وجل فى هذه الآية الكريمة، يمتن على هذه الأمة، ببعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ من أنفسهم، وأنه جاء ليس لمجرد بلاغ وتلاوة القرآن الكريم فقط - كما يزعم أعداء الإسلام! وإنما جاء مع بلاغ القرآن وتلاوته؛ جاء بتزكيتهم وتعليمهم الكتاب والحكمة. وهذه التزكية والتعليم من مهامه صلى الله عليه وسلم فى دعوته ، مع بلاغه للقرآن وبيانه لما فيه، وحكمه به. وبهذه المهمة (التزكية والتعليم) تكون هداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور. قال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور} (2) أى من ظلمات الكفر والجهل والضلالة، إلى نور الإيمان والعلم والهداية (3) وقال سبحانه: {وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم} (4) فأسند الهداية إليه صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام بكل ما جاء به من عند الله عز وجل، يهدى إلى صراط مسقيم. ... وتأمل قوله "لتخرج" وقوله "تهدى" إنه سبحانه اسند الفعلين إليه صلى الله عليه وسلم وفى ذلك دلالة على أن ذلك من مهام رسالته التى كلفه بها، مع بلاغه للقرآن وتبيينه لما فيه، وحكمه بين الناس وتزكيته وتعليمه لأمته؛ وكل ذلك ينكره أعداء هذه الأمة! .   (1) الآية 164 آل عمران. (2) الآية الأولى إبراهيم. (3) فتح القدير 3/93. (4) الآية 52 الشورى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 إن زعم أعداء السيرة العطرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مهمته الوحيدة، تبليغ القرآن فقط، وإنكارهم مهمته البيانية للقرآن الكريم، يعد هذا الزعم منهم طعناً فى عصمته صلى الله عليه وسلم فيما بلغه من وحى السنة المطهرة، وطعناً منهم أيضاً فى عصمته فى رجاحة عقله وكماله، لأنهم فى كتاباتهم المفتراه، يقدمون رؤيتهم القرآنية بياناً، وتفسيراً، ومفهوماً لآيات القرآن الكريم. فكيف ينكرون أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم بيانه، وتفسيره وشرحه لآيات القرآن الكريم؛ وهو أعلم الناس به؛ حيث عليه أنزل؟ ! . ومن هنا لما قال رجل لمطرف بن عبد الله (1) : لا تحدثونا إلا بما فى القرآن قال مطرف: إن والله ما نريد بالقرآن بدلاً، ولكنا نريد من هو أعلم بالقرآن منا" (2) .   (1) هو: مطرف بن عبد الله بن الشخير العمرى، أبو عبد الله، من كبار التابعين، ثقة، عابد، فاضل، مات سنة 95هـ له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2/188 رقم 6728، ومشاهير علماء الأمصار ص113 رقم 645، والكاشف 2/269 رقم 5478، وخلاصة تهذيب الكمال ص249، والثقات للعجلى ص431 رقم 1586. (2) أخرجه أبو خيثمة فى العلم ص25 رقم 97، وابن عبد البر فى جامع بيان العلم 2/191، والحازمى فى الاعتبار فى الناسخ والمنسوخ ص100. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 .. ويقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه يصف حج النبى صلى الله عليه وسلم،: "فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى المسجد ثم ركب القصواء (1) حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصرى بين يديه من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شئ عملنا به.." الحديث (2) . ... فتأمل قول الصحابى: "ورسول الله بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله" إنه صلى الله عليه وسلم، هو الذى علمه الله القرآن، وكل ما من شأنه أن ييسر العمل به، فعلمه تأويله، وأراه ما به يتم الدين.   (1) القصواء: الناقة التى قطع طرف أذنها، ولم تكن ناقته صلى الله عليه وسلم كذلك، وإنما كان هذا لقباً لها. ينظر: النهاية فى غريب الحديث 4/66. (2) جزء من حديث طويل، أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الحج، باب حجة النبى صلى الله عليه وسلم، 4/431 رقم 1218. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 .. إن مقتضى إيمانهم برسالته صلى الله عليه وسلم، أن يسألوه ويحكموه عن كل ما بدا لهم؛ إنهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتيه الوحى فى أى وقت بالقرآن وتأويله، وبكل ما يتصل ببيان الدين، ومن هنا سألوا واستفسروا وأجابهم صلى الله عليه وسلم، بما به بين، ووضح، وأفاد وأجاد (1) حتى قال صلى الله عليه وسلم: "قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيع عنها بعدى إلا هالك" (2) . ... إن تأويل وتفسير، رسول الله صلى الله عليه وسلم، للقرآن الكريم، هو فريضة قرآنية ، وتكليف إلهى للنبى صلى الله عليه وسلم - زائد على مجرد بلاغه - وليس فضولاً ولا تزايداً، ولا إضافة يمكن الإستغناء عنها. لقوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (3) . فكيف ينكرون هذا التبيان النبوى للبلاغ القرآنى، بينما يمارسون هم شرح وتفسير آيات القرآن؟ ‍ أهذا معقول؟ فضلاً عن أن يكون مقبولاً؟ ‍‍‍!! . ... إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنص الآيات الكريمات السابق ذكرها، مبلغ، ومبين، وحاكم، ومزكى، ومعلم، وهادى إلى صراط مستقيم، وليس مجرد ساعى بريد؟! .   (1) المدخل إلى السنة النبوية لفضيلة الدكتور عبد المهدى عبد القادر ص129. (2) جزء من حديث طويل أخرجه ابن ماجه فى سننه المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين 1/29 رقم 43، وأحمد فى مسنده 4/126، والحاكم فى المستدرك 1/174 رقم 329 وقال: صحيح ليس له علة ووافقه الذهبى، وأخرجه ابن أبى عاصم فى كتابه السنة 1/26 رقم 48، والألكائى فى شرح أصول الاعتقاد 2/74،وابن عبد البر فى جامع بيان العلم 2/221 من حديث العرباض بن سارية رضى الله عنه، وأورده الحافظ السيوطى فى الجامع الصغير 2/90 وصححه بعد أن عزاه لأحمد، وابن ماجه، والحاكم. (3) الآية 44 النحل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 .. وبعد: إذا تقرر أن من مهام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى رسالته بيان القرآن الكريم، والمسلمون جميعاً يعلمون ذلك، ويسلمون به، يبقى توضيح أن البيان النبوى هو الحكمة، وهى السنة المطهرة التى ينكرها أعداء الإسلام، ويزعمون أن سنته الحقيقية هى القرآن فقط. فإلى بيان شبهتهم فىالمبحث التالى والرد عليها صدق الله العظيم صدق الله العظيم صدق الله العظيم صدق الله العظيم صدق الله العظيم المبحث الثانى: في بيان أن مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيانية إنما تعني الحكمة وهي السنة النبوية ... زعم أعداء السنة النبوية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليست له سنة، وأن سنته الحقيقية هى القرآن الكريم فقط، و زعموا أن القول بأن له سنة نبوية، تشويه لسيرته ، وتجعله مشرعاً. ... يقول إسماعيل منصور: "إن السنة الحقة، هى سنة واحدة، سنة الله عز وجل، وليست هناك سنة أخرى غيرها، وإنما للرسول، بيان نبوى للقرآن، نرفعه على العين والرأس، متى ثبت تحقيقاً، لا يخالف بأى حال أحكام ومدلولات القرآن الكريم، فنقبله كبيان فحسب، وليس تشريعاً مستقلاً" (1) . ...   (1) بلوغ اليقين بتصحيح مفهوم ملك اليمن ص21، 24 وينظر: مجلة المنار المجلد 9/908، 924 مقال الدكتور توفيق صدقى (الإسلام هو القرآن وحده} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 ويقول أحمد صبحى منصور: "إن تلك الأحاديث المذكورة فى كتب التراث ليست من الوحى، الذى نزل على النبى، وليس هناك فى الإسلام حديث إلا حديث الله تعالى فى القرآن، أما تلك الأحاديث التراثية، وأسفارها، فلا أول لها ولا آخر، وهى تتناقض حتى فى الكتاب الواحد، وربما فى الصفحة الواحدة وتخالف القرآن مثل الرجم وحد الردة" (1) . ... ويقول صالح الوردانى: "وإذا ما تبين لنا أن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم، هى تبليغ ما يوحى إليه من ربه، فلا يجوز للرسول أن يضيف أحكاماً فوق أحكام القرآن، فمهمته تنحصر فى تبليغ القرآن وتبيينه للناس، وتنتهى هذه المهمة بوفاته" (2) . ويقول أيضاً: "الروايات المنسوبة للرسول، والتى تضيف على لسانه أحكاماً جديدة، وتخترع أحكاماً لا وجود لها فى القرآن تضع الرسول فى دائرة المشرع" (3) .   (1) مشروع التعليم والتسامح لأحمد صبحى وغيره ص282، 287، 293 وينظر له أيضاً: لماذا القرآن ص68، 70 - 78، ولا ناسخ ولا منسوخ فى القرآن ص39، وعذاب القبر والثعبان الأقرع ص5، 16، وحد الردة ص40، 89، ومقدمة أحمد صبحى لكتاب إعادة قراءة القرآن لجاك بيرك ص25، 26. (2) الخدعة رحلتى من السنة إلى الشيعة ص40، 41، وينظر: له أيضاً أهل السنة شعب الله المختار ص79، 80. (3) دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين ص129، وينظر: المواجهة مع رسول الله لأحمد حسين يعقوب ص306،والسنة ودورها فى الفقه الجديد لجمال البنا ص253، 254، وينظر لها مقال فى جريدة الجيل العدد 33 بتاريخ 13/6/1999، والإسلام فى الأسر للصادق النيهوم ص138 -= =140، والصلاة لمحمد نجيب ص276، 662، وحقيقة السنة لأحمد حجازى السقا ص7، 9، 13، 14، والكتاب والقرآن قراءة معاصرة ص568، والدولة والمجتمع ص232، كلاهما لمحمد شحرور، والإمام الشافعى لنصر أبو زيد ص83، 90، وجريدة الجيل العدد 35 مقال لمحمد شبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 .. و يجاب عن ما سبق بما يلي: أولاً: سبق فى المبحث السابق تفصيل أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى رسالته مهمة ووظيفة، زائدة على مجرد البلاغ، وهى مهمة تبيان القرآن الكريم، وهذه المهمة تضاربت فيها أقوال من يسمون أنفسهم "القرآنيون". فبينما تجد بعضهم فيما سبق يجحد هذه المهمة من أصلها، ترى هنا بعضهم يؤمن بها، وبمفهومه الخاص، القائم على إنكار أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى رسالته، وحى غير متلو - السنة المطهرة. ثانياً: إذا تقرر لك بالدليل القاطع أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم تبياناً للقرآن الكريم، فاعلم أن لهذا التبيان صفة المبين، من حيث وجوب قبوله، ووجوب العمل به، وصلاحيته لكل زمان ومكان؛ ويستلزم هذا ضرورة أن هذا التبيان النبوى، هو الحكمة وهى السنة النبوية التى عبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه" (1) . ... وبناء الفعل للمجهول "أوتيت" يدل على أن الله تعالى، أعطى لرسوله صلى الله عليه وسلم، القرآن ومثله معه، فما هو المماثل الذى تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه؟ يصرح القرآن الكريم بأن هذا المماثل هو "الحكمة" التى قرنها رب العزة فى كتابه مع القرآن الكريم فى آيات عدة منها:   (1) أخرجه أبو داود في سننه كتاب السنة، باب لزوم السنة 4/200 رقم 4604،والترمذي في سننه كتاب العلم، باب مانهي عنه أن ييقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم 5/37 رقم 2664 وقال:حسن غريب من هذا الوجه، وابن ماجة في سننه المقدمة،باب تعظيم حديث رسول الله والتغليظ علي من عارضه 1/20 رقم 12، وابن حبان في صحيحه (الإحسان بترتيب صحيح بن حبان) باب الإعتصام بالسنة 1/107 رقم 12، والحاكم في المستدرك 1/191 رقم371 وسكت عنه الحاكم والذهبي، وصححه الشيخ أحمد شاكر في هامش الرسالة للشافعي ص 90،91. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 قوله تعالى: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً} (1) فالآية والحديث يفيدان أن الله تعالى، أنزل عليه صلى الله عليه وسلم، الكتاب والحكمة، مثل القرآن، وهى معه، آتاهما الله له صلى الله عليه وسلم. بل إن إحدى روايات هذا الحديث تتواءم مع الآية أكثر من هذه الرواية، ونصها: "أتانى الله عز وجل القرآن، ومن الحكمة مثليه" (2) . وقال تعالى: {واذكرن ما يتلى فى بيوتكن من آيات الله والحكمة} (3) فعطف الحكمة على آيات الله، لتندرج تحت ما أضيف إليها وهو "التلاوة". وهذا يضفى على الحكمة – وهى السنة – أنها فى حجيتها، ووجوب تبليغها، كالقرآن سواء بسواء (4) . وقال تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذا بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} (5) قال الإمام الشافعى (6) : "فذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول:   (1) الآية 113 النساء. (2) هذه رواية مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجها أبو داود فى مراسيله ص166 رقم 565. (3) الآية 34 الأحزاب. (4) السنة بياناً للقرآن للدكتور إبراهيم الخولى ص44. (5) الآية 164 آل عمران. (6) هو: أبو عبد الله، محمد بن أدريس بن العباس بن شافع القرشى المطلبى، الإمام الجليل صاحب المذهب المعروف، من أشهر مصنفاته: الأم، والرسالة، وأحكام القرآن، مات سنة 204هـ له ترجمة فى: طبقات الشافعية لابن السبكى 2/71 رقم 14، وشذرات الذهب 2/9، ووفيات الأعيان 4/164 رقم 558، وطبقات الفقهاء للشافعيين لابن كثير 1/3 – 93. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 الحكمة (1) سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وهذا يشبه ما قال، والله أعلم؛ لأن القرآن ذكر واتبعته الحكمة، وذكر الله منته على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز – والله أعلم – أن يقال الحكمة ههنا إلا سنة رسول الله، وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله" (2) . وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: "الكتاب والحكمة" الكتاب والسنة (3) . وعن قتادة قال: والحكمة أى السنة (4) . ونفس القول قال به غيرهما (5) . وعلى هذا الفهم سلفنا الصالح من أئمة المسلمين (6) . ثالثاً: إذا تقرر أن تبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن الكريم هو الحكمة، وأن هذه الحكمة هى السنة النبوية، وأنها متماثلة للقرآن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا يعنى أنها مثل القرآن فى وجوب قبولها، والعمل بها، سواء بسواء؛ لأنها مثل القرآن وحى من عنده تعالى، وإليك تفصيل أدلة ذلك:   (1) الحكمة: تطلق فى اللغة على عدة معان سبق ذكر بعضها ص258، ولقد اقتصرت على المعنى المراد فى الآيات التى استدل بها. (2) الرسالة للشافعى ص78، 79 فقرات رقم 252 – 257، والفقيه والمتفقه للخطيب 1/258 رقم 256، وينظر: مفتاح الجنة فى الاحتجاج بالسنة للسيوطى ص150. (3) أخرجه ابن المبارك فى زيادات الزهد ص22 رقم 89. (4) تفسير الطبرى 1/557، والفقيه والمتفقه للخطيب 1/260 رقم 258، وابن المبارك فى زيادات الزهد ص22 رقم 90. (5) ينظر: المدخل إلى السنن للبيهقى، حيث نقل بأسانيده عن الحسن البصرى، وقتادة، ويحيى بن أبى كثير، أنهم قالوا: الحكمة: هى السنة النبوية. (6) ينظر: كلام الإمام الطبرى فى تفسيره 4/163، 22/ 9، وابن قيم الجوزية فى مختصر الصواعق المرسلة 2/511، وللاستزادة ينظر: السنة بياناً للقرآن للدكتور إبراهيم الخولى ص32 – 46، والمدخل إلى السنة للدكتور عبد المهدى عبد القادر ص50، 51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 أ- الأدلة من القرآن الكريم على أن السنة وحى من الله تعالى: قال تعالى: {وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحى يوحى} (1) فأعلمنا ربنا سبحانه وتعالى، أن رسوله صلى الله عليه وسلم، لا ينطق عن هوى وغرض، وإنما ينطق حسبما جاءه الوحى من الله تعالى. فكلمة "ينطق" فى لسان العرب تشتمل كل ما يخرج من الشفتين من قول أو لفظ (2) أى ما يخرج نطقه صلى الله عليه وسلم عن رأيه، إنما هو بوحى من الله عز وجل (3) . ولقد جاءت الآيتان بأسلوب القصر عن طريق النفى والاستثناء، والفعل إذا وقع فى سياق النفى دل على العموم،وهذا واضح فى إثبات أن كلامه صلى الله عليه وسلم، محصور فى كونه وحياً لا يتكلم إلا به، وليس بغيره. وقال سبحانه: {ثم إن علينا بيانه} (4) إنه وعد قاطع بأن بيان القرآن، سوف يتولاه الله تعالى، كما تولى {إن علينا جمعه وقرآنه} (5) على حد سواء، ولا معنى لهذا سوى أن يوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، هذا البيان، بصورة ما من صور الوحى. وقال عز وجل: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما} (6) . وقال تعالى: {واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به} (7) إن هاتين الآيتين تفيدان – أن الله تبارك وتعالى – أنزل على رسوله شيئين: الكتاب: وهو القرآن، والحكمة: وهى سنته صلى الله عليه وسلم.   (1) الآيتان 3، 4 النجم. (2) ينظر: القاموس المحيط 3/277، ومختار الصحاح ص666، ولسان العرب 10/354. (3) جامع أحكام القرآن 17/ 84، 85. (4) الآية 19 القيامة. (5) الآية 17 القيامة. (6) الآية 113 النساء. (7) الآية 231 البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 السنة المطهرة إذن "وحى من الله تعالى" أنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم، كما أنزل القرآن الكريم، سواء بسواء (1) بشهادة القرآن البينة، وهى أيضاً وحى بشهادة السنة نفسها، وإليك شواهد ذلك: ب- الأدلة من السنة النبوية على أنها وحى من الله تعالى: قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه" وقد سبق قريباً بيان دلالته على أن السنة وحى من الله عز وجل 0 قوله صلى الله عليه وسلم: لما سئل فى عام جدب: سعر لنا يا رسول الله. قال: "لا يسألنى الله عن سنة أحدثتها فيكم لم يأمرنى بها، ولكن اسألوا الله من فضله" (2) . إن فى الحديث دلالته الصريحة فى أنه صلى الله عليه وسلم، لا يحدث أى سنة، وإنما يبلغ عن الله تعالى، ما أمره به عز وجل. مما يدل على أن السنة المطهرة، إنما تأتيه بوحى الله سبحانه. وقوله صلى الله عليه وسلم: "رأيت ما تعمل أمتى بعدى فاخترت لهم الشفاعة يوم القيامة" (3) .   (1) وإن غايرت وحى القرآن الكريم بأمور إن شئت أنظرها فى: الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى 4/331. (2) أخرجه الطبرانى فى الكبير بإسناد رجاله ثقات، سوى بكر بن سهل الدمياطى فإنه ضعفه النسائى، ووثقه غيره، كذا فى مجمع الزوائد 4/100 من حديث عبيد بن نضيلة، وللحديث شاهد عن أبى هريرة وأنس رضى الله عنهما أخرجهما أبو داود فى سننه كتاب البيوع، باب فى التسعير 3/272 رقمى 3450، 3451، وأحمد فى المسند 3/85 عن أبى سعيد الخدرى، ورجال أحمد رجال الصحيح كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 4/99. (3) أخرجه أبو يعلى فى مسنده ضمن مسند أم سلمة 12/ 382 رقم 6949، وسكت عنه الهيثمى فى مجمع الزوائد 10/371. قلت: لكن أصل حديث الشفاعة فى الصحيحين وغيرهما أهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وقوله صلى الله عليه وسلم: "قمت على باب الجنة، فإذا عامة من دخلها المساكين، وإذا أصحاب الجد (1) محبوسون، إلا أصحاب النار، فقد أمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار، فإذا عامة من دخلها النساء" (2) . إن هذين الحديثين، وما فى معناهما، مما يفيد أن الله تعالى أرى نبيه صلى الله عليه وسلم، كذا وكذا، يأتى تأكيداً لقوله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} (3) . فتأمل قوله تعالى: {بما أراك الله} وكل الأحاديث الصحيحة التى جاء فيها أن الله أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم، وأراه ما أراه، تعلم أن السنة النبوية وحى من الله تعالى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. حديث جبريل المشهور الذى سأل فيه النبى صلى الله عليه وسلم، عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، والساعة، ففى نهايته قال صلى الله عليه وسلم: يا عمر! أتدرى من السائل؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" (4) .   (1) أى أصحاب الغنى، والحظوظ الدنيوية، وإنما حبسوا للحساب. ينظر: النهاية 1/237. (2) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء 9/62 رقم 2736، والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب النكاح، باب رقم 87 جـ9/209 رقم 5196، من حديث أسامة بن زيد رضى الله عنه. (3) الآية 105 النساء. (4) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان --- إلخ 1/171 رقم 1، والبخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الإيمان،باب سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام رقم50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم، ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: "ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك، فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن جبريل عليه السلام أتانى فأخبرنى أن فيها قذراً" وقال: إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى فى نعليه قذراً أو أذى فليمسحه، وليصل فيهما" (1) . وهكذا يراقبه الوحى، فإذا أصاب نعله شئ من النجاسة نبهه. وبالجملة: فالأحاديث التى قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتحققت وفق ما أخبر، هذه يعترف العقل أنها لابد من وحى الله إليه صلى الله عليه وسلم (2) . والأحاديث التى تحدث فيها عن أخبار السابقين، وهو الصادق المصدوق ناطقة بأنها من وحى الله إليه، فما الذى أعلمه أخبار الأمم السابقة، وأنبيائها، إلا الوحى من الله تعالى إليه؟ (3) .   (1) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل 1/175 رقم 650، والدارمي في سننه كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعلين 1/370 رقم 1378، وفيه عمرو بن عيسي أبونعامة- صدوق- كما قال الحافظ في التقريب 1/743 رقم 5105 وبقية رجاله ثقات فالإسناد حسن. (2) ينظر: أمثلة على ذلك فى: دلائل النبوة لأبى نعيم 2/464 – 536، ودلائل النبوة للبيهقى 6/312،والخصائص الكبرى للسيوطى 2/168، ومعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم التى ظهرت فى زماننا للدكتور عبد المهدى عبد القادر. (3) ينظر: أمثلة على ذلك فى: صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب بدء الخلق 6/330، وكتاب الأنبياء 6/416، وغير ذلك من المصادر السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 والأحاديث التى تحدث فيها عن سنن الله الكونية، وأسرار الخليقة، كتحدثة عن تكوين الجنين فى بطن أمه، وأنه كيف يشبه أخواله أو أعمامه، وتحدثه عن الكثير من أسباب الصحة، فيحذر من امتلاء البطن، ويحث على النظافة، هذه مما يسلم العقل أنها من وحى الله تعالى إليه صلى الله عليه وسلم (1) . ومن أقوى الأدلة على أن السنة من وحى الله الخالق سبحانه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أن السنة على كثرة أحاديثها، وذيوعها وانتشارها، لا يجد فيها العقلاء إلا الحق الذى يسعد البشرية فى كل ناحية من نواحى الحياة، فى صحتها، فى اجتماعيتها، فى اقتصادها، فى نسلها، فى عقلها، فى كل شئون حياتها. إن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، منذ أن قالها إلى الآن تنهل البشرية من خيرها وصوابها، يعترف بذلك المسلمون، والمنصفون من غير المسلمين وهذا دليل قوى على أنها وحى الله سبحانه وتعالى، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) . جـ- السلف يؤمنون بأن السنة وحى: ... وإنى قد ذكرت الأدلة من كتاب ربنا عز وجل، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، على أن السنة وحى من الله إلى رسوله، فإنى أزيد ذلك توضيحاً ورسوخاً بإيراد أقوال بعض السلف، بما يفيد أن السنة النبوية وحى من الله عز وجل، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.   (1) ينظر: الطب فى السنة للدكتور محمد السنهورى فصل "القواعد الطبية العامة المستنبطة، ص154 - 196، وفصل "الطب الوقائى فى السنة" ص197، وفصل::"سبق السنة إلى مفاهيم طبية سبقت بها لعصر" ص197 - 250، وينظر: الإبداعات الطبية لرسول الإنسانية للأستاذ مختار سالم، والطب الوقائى فى الإسلام للعميد الصيدلى عمر محمود عبد الله، والطب النبوى فى العلم الحديث للدكتور محمود النسيمى. (2) المدخل إلى السنة النبوية للدكتور عبد المهدى عبد القادر ص61. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 فعن حسان بن عطية (1) قال: كان جبريل ينزل على النبى صلى الله عليه وسلم بالسنة، كما ينزل عليه بالقرآن، ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن (2) . ونحو هذا القول روى عن الأوزعى (3) . 2- وعن عبد الله بن المبارك (4) قال: كان جبريل إذا نزل بالقرآن على النبى صلى الله عليه وسلم يأخذه كالغشوة، فيلقيه على قلبه، فيسرى عنه وقد حفظه فيقرؤه، وأما السنن فكان يعلمه جبريل ويشافهه بها (5) .   (1) هو: حسان بن عطية المعاربى، أبو بكر الدمشقى، ثقة، فقيه، عابد، ومن أفاضل أهل زمانه، مات بعد العشرين ومائة بعد الهجرة. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1/199 رقم 1028، والثقات للعجلى ص112 رقم 269، وحلية الأولياء 6/70 رقم 330، وصفوة الصفوة 4/222 رقم 755 (2) أخرجه الدارمى فى سننه المقدمة، باب السنة قاضية على كتاب الله 1/153 رقم 588، والخطيب فى الفقيه والمتفقه 1/266 رقمى 268، 269، وابن المبارك فى زيادات الزهد ص23 رقم 91، والمروزى فى السنة ص32 رقم 102، وابن عبد البر فى جامع بيان العلم 2/191، وأبو داود فى المراسيل ص167 رقم 567، ورجال الخطيب فى أحد أسانيده برقم 268 كلهم ثقات – فالإسناد صحيح. (3) أخرجه الخطيب فى الفقيه 1/267 رقم 270، وفيه إسحاق بن إبراهيم قال فيه الدارقطنى ليس بالقوى تاريخ بغداد 6/381 فالإسناد ضعيف لكن يعضده ما سبق من الروايات. (4) هو: عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلى التميمى مولاهم، أبو عبد الرحمن، أحد الأئمة الأعلام، وكان ثقة، عالماً، متثبتاً صحيح الحديث. مات سنة 181هـ له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 1/274 رقم 260، والثقات لابن حبان 7/7، والديباج المذهب لابن فرحون ص212 رقم 261، 232. (5) أخرجه المروزى فى السنة ص34 رقم 112. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 3- وعن عمر بن عبد العزيز (1) قال فى إحدى خطبه: "يا أيها الناس، إن الله لم يبعث بعد نبيكم نبياً، ولم ينزل بعد هذا الكتاب الذى أنزله عليه كتاباً، فما أحل الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فهو حلال إلى يوم القيامة، وما حرم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فهو حرام إلى يوم القيامة … " (2) . وقال أيضاً: "سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولاة الأمر من بعده سنناً، الأخذ بها اتباع لكتاب الله عز وجل، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد من الخلق تغييرها، ولا تبديلها، ولاالنظر فى شئ خالفها، من اهتدى بها فهو المهتد، ومن انتصر بها فهو منصور، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولاه، وأصلاه جهنم، وساءت مصيراً" (3) . فتأمل ما قاله خامس الخلفاء الراشدين على ملأ من الحاضرين لخطبته: "فما أحل الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فهو حلال إلى يوم القيامة، وما حرم … الخ. وقوله: "الأخذ بما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم … إتباع لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله … الخ.   (1) هو: عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبى العاص الأموى، أمير المؤمنين، أمه: أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، ولى إمرة المدينة للوليد، وكان مع سليمان كالوزير، وولى الخلافة بعده، فعد من الخلفاء الراشدين، مدة خلافته سنتان ونصف، مات سنة 101هـ له ترجمة فى: طبقات الحفاظ للسيوطى ص53 رقم 101، وتقريب التهذيب 1/722 رقم 4956، ومشاهير علماء الأمصار ص209 رقم 1411. (2) أخرجه الدارمى فى سننه المقدمة، باب ما يتقى من تفسير حديث النبى صلى الله عليه وسلم وقول غيره عند قوله صلى الله عليه وسلم 1/126 رقم 433. (3) الشريعة للآجرى ص48، 65، وجامع بيان العلم لابن عبد البر 2/186، 187. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 تأمل ذلك تعلم عن يقين إيمان السلف جميعاً، بأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحى من عند الله عز وجل، واجبة الإتباع إلى يوم الدين. وهكذا توضح الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وأقوال السلف، أن السنة النبوية وحى من الله تعالى، إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وهى صالحة لكل زمان ومكان، وواجبة الإتباع، كالقرآن سواء بسواء. وعلى ذلك إجماع الأمة (1) منذ عهد نبيها صلى الله عليه وسلم، إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، دون اعتبار لقول من شذ، من المرجفين في دين الله عز وجل، العاملين على هدم كيان السنة المطهرة، والسيرة العطرة. رابعاَ: إذا تقرر لك أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، سنة، هي وحى من ربه عز وجل، واجب قبولها وإتباعها، فقد حان الوقت لبيان حقيقة وهدف تمسح أعداء السنة، بإيمانهم ببيان نبوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في رسالته. ... إن من يتسترون بعباءة القرآن، ويستدلون بظاهره، على أن مهمة الرسول الوحيدة هي تبليغ القرآن فقط، وجدوا أنفسهم فى مأزق من القرآن الكريم، حيث يصرح بتبيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى رسالته زائد على مجرد البلاغ، فاعترف بعضهم بهذا التبيان، إلا أنهم لا يعترفون بأن هذا التبيان، المراد به الحكمة، والتى فسرت بأنها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها بوحى من الله تعالى على ما سبق قريباً ومن هنا كان إيمانهم بهذا التبيان النبوى إيماناً كاذب اً من وجهين:   (1) ينظر: إرشاد الفحول للشوكانى 1/158، وتيسير التحرير لمحمد أمين 3/22، والتقرير والتحبير لابن أمير الحاج 2/225،، وفواتح الرحموت لعبد العلى الأنصارى 1/16، 17. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 الوجه الأول: أنهم يشترطون لهذا البيان النبوى أن يوافق القرآن الكريم بمفهومهم هم، القائم على إنكار السنة المطهرة؛ بدليل أنهم ينكرون جميع أنواع بيان السنة للقرآن؛ من تأكيد السنة لما جاء فى القرآن الكريم، وتفصيل لمجمله، وتقييد لمطلقه، وتخصيص لعامه، وتوضيح لمشكله، سواء كان هذا البيان فى العبادات من طهارة، وصلاة، وزكاة، وحج، أو فى المعاملات من بيع وشراء، ورهن، وسلم … الخ أو فى الحدود من قطع، ورجم، … الخ، أو فى الأحوال الشخصية من نكاح، وطلاق، ورضاع، وميراث. وغير ذلك (1) . وبالجملة: ينكرون جميع أنواع بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما اشتمل عليه القرآن الكريم، من عقائد وأحكام فى الدين والدنيا (2) . والوجه الثانى: أنهم حتى مع تظاهرهم بالإيمان بالبيان النبوى؛ فقيمة هذا الإيمان كعدمه. وتأمل كلام إسماعيل منصور بعد قوله السابق: "أن لرسول الله، بيان نبوى للقرآن، نرفعه على العين والرأس، متى ثبت تحقيقاً، لا يخالف بأى حال، أحكام ومدلولات القرآن الكريم … الخ (3) . قال فى وصف قيمة هذه السنة البيانية: "إنها للاستئناس لا للاستدلال، وللبيان لا للإثبات، الأمر الذى يجعل الآخذين بها والرافضين لها، أمام الشرع على حد سواء. فلا إلزام لأى طرف منهما على قبول رأى الآخر، فالأخذ بها فعله مقبول، والرافض لها فعله مقبول كذلك" (4) . ... قلت: فإذا كان هذا البيان لكتاب الله، الآخذ به والرافض له سواء! فأى قيمة لهذا البيان، حتى لو اعترفوا بأن هذا البيان هو السنة؟! .   (1) ينظر: تفصيل كل ما سبق بأمثلته فى: منزلة السنة من الكتاب للأستاذ محمد سعيد منصور ص125 – 466، والمدخل إلى السنة النبوية للدكتور عبد المهدى عبد القادر ص135 – 148، ومنزلة السنة فى التشريع الإسلامى للدكتور محمد الجامى ص22 – 30. (2) يراجع: مصادرهم السابقة ص 9. (3) يراجع: ص 24. 0 (4) تبصير الأمة بحقيقة السنة ص663. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وتأمل أيضاً ما قاله عبد العزيز الخولى: "وأما ما ورد فى السنة من أحكام، فإن كان مخالفاً لظاهر القرآن، فالقرآن مقدم عليه، ويعتبر ذلك طعناً فى الحديث من جهة متنه ولفظه، وإن صح سنده، فإن الحديث لا يكون حجة إلا إذا سلم سنده ومتنه من الطعن، ولذلك أجاز بعض المسلمين (1) نكاح المرأة على عمتها أو خالتها … إلى أن قال: "وإن كل ما فى السنة لا يخالف ظاهر القرآن، فهو اجتهاد من الرسول، يرجع إلى أصل قرآنى عرفه الرسول، وجهلناه نحن أو عرفناه" (2) . فتأمل قوله فى البيان النبوى: "وجهلناه نحن أو عرفناه" إذ العبرة عنده فى أول الأمر وآخره، هى: ظاهر القرآن، سواء عرف السنة البيانية أم جهلها، فهى فى حالة معرفته بها، لم تضف جديداً، وفى هذه الحالة العبرة بالقرآن، وفى حالة استقلالها بتشريع أحكام جديدة، تكون السنة مخالفة لظاهر القرآن؛ فلا حجة فيها. هكذا حال لسانه! ولا أدرى من أين فهموا قيمة هذا البيان النبوى للقرآن الكريم؟ حيث أن آيات القرآن الكريم السابق ذكرها، والتى تسند مهمة البيان، تصرح بأن هذا البيان وحى من الله عز وجل: {ثم إن علينا بيانه} (3) {إن أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} (4) وغير ذلك من الآيات (5) . ... فهل فى الإسلام، وحى واجب الإتباع؛ ووحى الآخذ به، فعله مقبول والرافض له، فعله مقبول أيضاً؟!! . ...   (1) صرح فى هامش كتابه مفتاح السنة ص7، بأنهم الخوارج، والشيعة، والروافض فهل هؤلاء مسلمون؟!! ينظر: نيل الأوطار للشوكانى 6/148 حيث نقل عن الإمام القرطبى إجماع المسلمين على التحريم، واستثنى الخوارج. قال: ولا يعتد بخلافهم لأنهم مرقوا من الدين أهـ. (2) مفتاح السنة ص6 - 11. (3) الآية 19 القيامة. (4) الآية 105 النساء. (5) يراجع: ص 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وإذا كان هذا البيان النبوى يحل مشاكل الإختلاف التى يمكن أن تحدث بين العباد، فى فهم وتطبيق، المراد من مجمل القرآن، وعامة، ومطلقة، ومشكلة … الخ كما صرح بذلك القرآن الكريم فى قوله تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذى اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} (1) . ... فهل يعقل أو يقبل بعد ذلك أن يكون هذا البيان النبوى غير ملزم؛ ولا واجب الإتباع؟! وما فائدة تنويه القرآن إلى هذا البيان النبوى حينئذ؟! وما قيمة المبين (القرآن) مع عدم حجية البيان (السنة) ؟ ! . إن البيان النبوى (السنة المطهرة) متى صح تكون منزلته، ومنزلة القرآن، سواء بسواء فى حجيته، ووجوب العمل به؛ وعلى هذا انعقد إجماع من يعتد به من علماء الأمة قديماً وحديثاً (2) . خامساً: زعم بعضهم أن ما استقلت به السنة المطهرة من أحكام، مرفوض بحجة مخالفته للقرآن الكريم، وفيه تشويه لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بجعله مشرعاً (3) ويضربون أمثلة بحد المحصن "الرجم" وحد الردة "القتل". ... وهذه المزاعم يجاب عنها بما يلي: يتفق العلماء أجمع على وجود أحكام، لم ترد فى القرآن، لا نصاً ولا صراحة، ولكنهم يختلفون خلافاً لفظيا ً، حول تسمية تلك الأحكام الواردة فى السنة. فالجمهور من العلماء يقولون: إن هذا هو الاستقلال فى التشريع بعينه؛ لأنه إثبات لأحكام لم ترد فى القرآن، وأن هذه الأحكام واجبة الإتباع، عملاً بعشرات الآيات التى تأمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباعه، وتحذر من مخالفته.   (1) الآية 640 النحل مع آية 39 من نفس السورة {ليبين لهم الذى يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين} . (2) ينظر: منزلة السنة من الكتاب للأستاذ محمد سعيد منصور ص469، 470، وحجية السنة للدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص444، 445. (3) يراجع: كلام صالح الوردانى ص 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وهذه الآيات جميعها (1) تستلزم أن تكون هناك أمور من الدين تأتى بها السنة، وهى حجة، وإلا فلا معنى للأمر بطاعته صلى الله عليه وسلم. أما الإمام الشاطبى (2) ومن نحا نحوه : فإنهم مع إقرارهم بوجود أحكام لم ترد فى القرآن إلا أنهم يقولون: إنها ليست زيادة على شئ ليس فى القرآن، وإنما هى زيادة الشرح، المستنبط من المشروح بإلهام إلهي، ووحي رباني، وتأييد سماوي. وبعبارة أخري: هي داخلة تحت أي نوع من أنواع السنة البيانية، أوداخلة تحت قاعدة من قواعد القرآن الكريم. وأنت ترى هنا أن الخلاف بين العلماء فى الأحكام الجديدة الواردة فى السنة المطهرة، الخلاف بينهم لفظى، فالكل يعترف بوجود أحكام فى السنة المطهرة، لم تثبت فى القرآن الكريم، ولكن بعضهم لا يسمى ذلك استقلالاً، والبعض الآخر يسميه. والنتيجة واحدة؛ وهى حجية تلك الأحكام الزائدة، ووجوب العمل بها. ليس فى الأحكام الزائدة على كتاب الله عز وجل، ما يشوه سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بجعله مشرعاً؛ كما يزعم أعداء السنة المطهرة! لأن الله تعالى قد جعل من جملة صفات رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن مهامه الكبار، أنه يحلل ويحرم، وهكذا جاء وصفه صلى الله عليه وسلم فى الكتب السماوية السابقة، وهو عليه الصلاة والسلام، لا يشرع   (1) سيأتى تفصيل تلك الآيات فى المبحث التالى ص 51. (2) هو إبراهيم بن موسى الغرناطى، الشهير بالشاطبى، أبو إسحاق، مفسر، أصولى، لغوى، محدث، ورع زاهد، من مؤلفاته النفيسة: الموافقات فى أصول الفقه، والاعتصام فى الحوادث والبدع، مات سنة= =790هـ له ترجمة فى: شجرة النور الزكية لمحمد مخلوف 231 رقم 828، والمجددون فى الإسلام لعبد المتعال الصعيدى ص305، والفتح المبين لعبد الله المراغى 2/204، وأصول الفقه وتاريخه للدكتور شعبان إسماعيل ص384. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 من عند نفسه، إنما يشرع حسب ما يريه الله تعالى ويوحيه إليه، لأنه لا ينطق عن الهوى. وتأمل قوله تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوباً عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون} (1) . ... فقوله تعالى: "يحل، يحرم، يضع" هذه من خصائص المشرع الحقيقى، ولكنه صلى الله عليه وسلم، لا يفعل من عند نفسه كما قلت، إنما يوحى الله تعالى إليه. فأطايب اللحم، كان محرماً على بنى إسرائيل: {إلا ما حرم إسرائيل على نفسه} (2) فقد أباحه النبى صلى الله عليه وسلم، كلحم الإبل، وشحم البقر، والغنم، على التفصيل المذكور فى قوله تعالى: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون} (3) . ... وقوله تعالى: {ويحرم عليهم الخبائث} كالميتة، والخنزير، والخمر، والربا … الخ وقوله تعالى: {ويضع عنهم إصرهم} أى ثقلهم {والأغلال} أى القيود التى كانت عليهم، كوجوب قتل النفس فى التوبة، بينما فى ديننا هو الاستغفار والندم، وغسل النجاسة بالماء، بينما كانت تقرض بالمقراض، فهذا كله تخفيف من الله تعالى ورحمة، أوحى به إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، وعلينا السمع والطاعة والامتثال. ... وبالجملة: إذا قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، له حق التشريع، فمرد هذا التشريع عند من يقول بذلك إلى الله عز وجل.   (1) الآية 157 الأعراف. (2) جز من الآية 93 آل عمران. (3) الآية 146 الأنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 لأن ما يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تبيانه لكتاب الله، لا يخلو عن أن يكون هذا البيان النبوى - حتى ولو كان بأحكام زائدة - أوحى الله تعالى بمعناه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وعبر عنه رسول الله، بألفاظ من عنده، وهذا هو الأعم الأغلب فى السنة النبوية، فيجب قبوله، لما تقرر من عصمته صلى الله عليه وسلم فى بلاغه لوحى الله تعالى - قرآناً وسنة -. وإما أن يقول رسول الله تبياناً أو حكماً باجتهاده مما يعلم أنه من شرع الله تعالى، فإن وافق قوله أو فعله أو حكمه مراد الله عز وجل، فالأمر كما أخبر به عليه الصلاة والسلام. وإن كان الأمر يحتاج إلى تصحيح أو توضيح؛ أوحى الله تعالى إلى نبيه بالتصحيح. وهذا هو الأقل النادر فى السنة النبوية. ... وبهذا التصحيح تصبح السنة فى هذه الحالة؛ حكم الله فى النهاية، حجة على العباد إلى يوم الدين، وتجب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فى هذه السنة، بيانية كانت، أو زائدة على كتاب الله عز وجل. يدل على ذلك عشرات الآيات القرآنية التى تحض على طاعته صلى الله عليه وسلم وتحذر من مخالفته. ... وإذا كان أعداء السنة المطهرة، والسيرة العطرة، ينكرون ذلك. ويزعمون أن طاعته صلى الله عليه وسلم تنحصر في القرآن فقط. فإلى بيان شبهتهم في المبحث التالي والرد عليها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 المبحث الثالث: في بيان وجوب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة معاً ... في الوقت الذي يتمسح فيه من يسمون أنفسهم (القرآنيون) بظاهر القرآن ويستدلون به على أن مهمة الرسول الوحيدة في رسالته هي تبليغ القرآن فقط؛ إذ بهم يجدون أنفسهم في مأزق من كتاب الله عز وجل الذي يصرح بأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بياناً للقرآن الكريم، وهو بيان حجة، وواجب الإتباع، بنص عشرات الآيات القرآنية، التي تحض على طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، طاعة مطلقة؛ في كل ما يأمر به، وينهى عنه، وتحذر من مخالفته. ... ولأن هذه الآيات تفضح إفكهم وتبطل شبهاتهم من جذورها، فقد تعسفوا في تأويل تلك الآيات، بما يتفق وإنكارهم لأن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، سنة مطهرة، واجبة الإتباع. ف زعموا: أن كلمة (الرسول) في القرآن تعنى القرآن ، وأن طاعة الرسول الواردة في القرآن إنما تعنى: طاعة القرآن فقط، أو بعبارة أخرى طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغه من القرآن فقط. ... يقول أحمد صبحى منصور: "كلمة الرسول فى بعض الآيات القرآنية تعنى القرآن بوضوح شديد كقوله تعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} (1) . ... يقول أحمد صبحى: فالآية تقرر حكماً عاماً مستمراً إلى قيام الساعة بعد وفاة محمد. فالهجرة فى سبيل الله، وفى سبيل رسوله أى القرآن، قائمة ومستمرة بعد وفاة النبى محمد وبقاء القرآن أو الرسالة. وأحياناً - ولازال الكلام له - تعنى كلمة "الرسول" القرآن فقط، وبالتحديد دون معنى آخر كقوله تعالى: {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً} (2) فكلمة "ورسوله" هنا: تدل على كلام الله فقط، ولا تدل مطلقاً على معنى الرسول محمد.   (1) الآية 100 النساء. (2) الآية 9 الفتح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 والدليل أن الضمير فى كلمة "ورسوله" جاء مفرداً، فقال تعالى: {وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً} . والضمير المفرد يعنى: أن الله ورسوله أو كلامه، ليسا اثنين، وإنما واحد، فلم يقل: "وتعزروهما وتوقروهما وتسبحوهما بكرة وأصيلا". ويقول تعالى: {يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه} (1) ولو كان الرسول فى الآية يعنى: شخص النبى محمد لقال تعالى: "أحق أن يرضوهما" ولكن الرسول هنا يعنى فقط كلام الله، لذا جاء التعبير بالمفرد، الذى يدل على الله تعالى وكلامه. ويقول فى موضع آخر: "أما أقوال الرسول، فهى القرآن دين الله، وقد أبلغه الرسول دون زيادة ولا نقصان، وفيه الكفاية، وفيه التفصيل، وفيه البيان، إن طاعة الرسول هى طاعة القرآن الذي أنزله الله على الرسول، ولا يزال الرسول أو القرآن بيننا" (2) . وقال قاسم أحمد (3) : "يبدو جلياً أن طاعة الرسول تعنى طاعة الله، لأن الرسول ليس سلطة مستقلة، فهو كرسول له حق التبليغ، تبليغ الرسالة، وطاعته من طاعة الله، وكما ذكر فى القرآن فى مرات عديدة {ما على الرسول إلا البلاغ} (4) يعنى: ملاحظة أن القرآن استخدم كلمة الرسول، ولم يقل "محمد" إذن فالطاعة للرسول أى الرسالة التى أرسل بها من قبل الله …   (1) الآية 62 التوبة. (2) لماذا القرآن أو القرآن وكفي ص33، 34. (3) كاتب ماليزي معاصر، ورئيس الحزب الإشتراكي الماليزي – سابقاً – من مؤلفاته: إعادة تقييم الحديث، أنكر فيه حجية السنة النبوية، وحجية السيرة العطرة الواردة فى السنة المطهرة. (4) الآية 99 المائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 فمثل هذه الآيات التى تتضمن أن طاعة الله مقترن بها طاعة الرسول، تفسرها آيات أخرى تتضمن أن الطاعة واجبة فقط لله" (1) . و يجاب عن ما سبق بما يلي : أولاً: تعسف أعداء رسول الله، فى تأويل كلمة "الرسول" فى كتاب الله عز وجل بأنها القرآن الكريم، دون شخص النبى محمد صلى الله عليه وسلم، أمر برفضه القرآن الكريم. وتأمل معى الآيات التالية: 1- قال تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} ((2)) . فهل يصح من عاقل أن يفسر كلمة الرسول فى الآية بأنها القرآن؟! . ويكون المعنى: وما محمد إلا قرآن قد خلت من قبله القرآن أو الرسل؟! . 2- وقال عز وجل {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً} (3) . فهل يصح من أعداء الإسلام تأويل "ورسوله" بمعنى "وقرآنه" وبالتالى ينكرون ما هو ثابت بالتواتر من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة؟! . تلك الهجرة التى كانت واجبة قبل فتح مكة، حتى أن الله سبحانه وتعالى نهى عن اتخاذ من لم يهاجر ولياً حتى يهاجر، كما قال عز وجل: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا} (4) فهل حديث القرآن عن الهجرة فى هذه الاية وغيرها، يعنى: الهجرة إلى القرآن؟! . ...   (1) إعادة تقييم الحديث ص80، وينظر: الإمام الشافعى وتأسيس الأيدلوجية الوسطية لنصر حامد أبو زيد ص83، 84، والدولة والمجتمع لمحمد شحرور ص155، والحقيقة من الحقائق المسكوت عنها لنيازى عز الدين ص348، وغيرهم ممن زعم أن مهمة الرسول فى رسالته قاصرة على بلاغ القرآن فقط. يراجع: ص 9. (2) 2) الآية 144 آل عمران. (3) الآية 100 النساء. (4) الآية 72 الأنفال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 كيف وقوله تعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجراً} صريح فى أنها هجرة حقيقية، من مكان إلى مكان، وهو الثابت تاريخيا ً؛ من هجرة رسول الله من مكة إلى المدينة، وهجرة الصحابة بعد ذلك إليه صلى الله عليه وسلم وهو ما يؤكد أن قوله "ورسوله" تعنى شخص النبى محمد صلى الله عليه وسلم. 3- وقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل على رسوله والكتاب الذى أنزل من قبل} (1) . فهل يصح أو يعقل أن يكون المراد بالآية: آمنوا بالله وكتابه – والكتاب الذى نزل على قرآنه؟! . 4- وقال تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون. قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} (2) . ... إن هاتين الآيتين تفيدان مع سابقتهما، أن كلمة "الرسول" مراداً بها شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يصح بحال أن تفسر كلمة "الرسول، بأنها القرآن، كما يزعم الأدعياء. فتكون الآية هكذا: "الذين يتبعون القرآن النبي الأمي" و"قل يا أيها الناس إني قرآن الله إليكم جميعاً" و"فآمنوا بالله وقرآنه النبي الأمي" (3) .   (1) الآية 136 النساء. (2) الآيتان 157، 158 الأعراف مع الآية 81 آل عمران {ثم جاءكم رسول لما معكم} . (3) وللإستزادة ينظر: ما ذكره الفيروز آبادى فى بصائر ذوى التمييز 2/72 فقد قال: الرسول فى القرآن؛ ورد على اثنى عشر وجهاً وعدها، وليس منها القرآن أهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 إن الآيات السابقة كلها تصرح فى وضوح وجلاء لمن عنده عقل، أن كلمة "الرسول" إنما تعنى شخص النبى محمد صلى الله عليه وسلم. وفى الآيات أيضاً الدلالة الواضحة على وجوب إتباعه وطاعته صلى الله عليه وسلم طاعة مطلقة فى كل ما يأمر به، وينهى عنه، حتى ولو كان خارجاً عن القرآن الكريم بدلالة (ويحل، ويحرم، ويضع) فى قوله: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم} . وتصرح الآيات بأن فى هذا الإتباع والطاعة له صلى الله عليه وسلم الفلاح والهداية إلى طريق مستقيم: {واتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون} {واتبعوه لعلكم تهتدون} . كما تصرح الآيات بأن الإيمان بشخص النبى محمد صلى الله عليه وسلم وبرسالته، جزء لا يتجزأ من الإيمان بوجود الله تعالى، وبإفراده بالعبودية والألوهية {فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى} وبدلالة هذا الإيمان كانت طاعته صلى الله عليه وسلم، طاعة لله عز وجل {من يطع الرسول فقد أطاع الله} (1) . وتأمل إفراد الضمير فى قوله: "واتبعوه" بعد أن فرق وغاير بواو العطف بين الإيمان به تعالى، والإيمان به صلى الله عليه وسلم، ليدل على أن إتباعه وطاعته صلى الله عليه وسلم، اتباع وطاعة له عز وجل. لأن المشكاة واحدة – فى القرآن والسنة – وهى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى} (2) . وبالتالى: فإفراد الضمير فى قوله: "واتبعوه" لا يعنى كما يزعم أعداء عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنه اتباع وطاعة للقرآن فقط. لأن زعمهم هذا بنوه على تفسير كلمة "الرسول" فى الآيات بمعنى القرآن، وقد تبين لك فساد وبطلان هذا التفسير.   (1) الآية 80 النساء. (2) الآيتان 3، 4 النجم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 ثانياً: زعم أدعياء العلم والفتنة؛ بأنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط، أمر يرفضه ويبطله القرآن الكريم الذى بين فى مواضع عدة أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أوامر ونواهى، وأحكام، خارج القرآن الكريم، وهى واجبة الإتباع مثل القرآن الكريم سواء بسواء. من ذلك ما يلي: 1- قوله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم} (1) فهذه الآية الكريمة تدلنا على أن التوجه إلى بيت المقدس، كان مشروعاً من قبل، وكان ذلك التوجه حقاً وصواباً واجباً عليهم قبل التحول إلى الكعبة. فأين ذلك كله فى القرآن الكريم؟ ألا يدلك ذلك على أن النبى صلى الله عليه وسلم، وأصحابه كانوا عاملين بحكم وأمر، لم ينزل بوحى القرآن، وأن عملهم هذا كان حقاً وواجباً عليهم الطاعة فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟! . ولا يصح أن يقال: إن عملهم هذا كان بمحض عقولهم واجتهادهم. إذ العقل لا يهتدى إلى وجوب التوجه إلى قبلة "ما" فى الصلاة، فضلاً عن التوجه إلى قبلة معينة، وفضلاً عن أن النبى صلى الله عليه وسلم، كان أثناء صلاته إلى بيت المقدس راغباً كل الرغبة فى التوجه إلى الكعبة المشرفة: {قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} (2) إذن: كان التوجه إلى بيت المقدس بوحى غير القرآن وهو وحى السنة المطهرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مطاعاً فى ذلك الوحى. بل: {وما جعلنا القبلة التى كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} (3) فتدبر.   (1) الآية 142 البقرة. (2) الآية 144 البقرة. (3) جزء من الآية 143 البقرة. وينظر: حجية السنة للدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص336 بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 2- وقال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} (1) . أفادت هذه الآية أن أمر النبى هو أمر الله، ولو كان خارج القرآن، لأن النبى صلى الله عليه وسلم، رأى أن يزوج زينب لزيد، على ما رواه الطبرانى بسند صحيح عن بن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم، خطب زينب وهو يريدها لزيد، فظنت أنه يريدها لنفس هـ، فلما علمت أنه يريدها لزيد أبت، واستنكفت، وقالت: أنا خير منه حسباً. فأنزل الله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} فرضيت وسلمت" (2) . ... فتأمل: كيف أن المولى عز وجل، جعل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أمره تعالى وأتى بصيغة عامة تشمل جمع أوامره صلى الله عليه وسلم. فالآية تصفع أولئك المبتدعة الذين يقصرون طاعة النبى صلى الله عليه وسلم على ما كان فى القرآن، ومتعلقاً بالدين! وزواج زينب بزيد لم يأمر به القرآن، ولا علاقة له بالدين. فإن تمسكوا بقول النبى صلى الله عليه وسلم فى مسألة تأبير النخل! "أنتم أعلم بأمور دنياكم" (3) فلا حجة لهم فيه؛   (1) الآية 36 الأحزاب. (2) رواه الطبراني بأسانيد، ورجال بعضها رجال الصحيح كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/91، 92. (3) أخرحه مسلم (بشرح النووي) كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ماقاله النبي صلى الله عليه وسلم شرعاً دون ما ذكره من معايش الدنيا علي سبيل الرأي 8/128 رقم 2363. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يأمر بترك التأبير، وإنما قال: "لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً" فأبدى رأياً مجرداً وليس كلامنا فيه، إنما كلامنا فيما أفادته الآية من وجوب اتباع أمره صلى الله عليه وسلم دينياً كان أو دنيوياً، مع تذييلها بقوله تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً} (1) . وقال تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم} (2) . أفادت هذه الآية أن أمر النبى صلى الله عليه وسلم، هو أمر الله عز وجل، ولو كان خارج القرآن. لأن النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد، أخبر أصحابه بنصر الله لهم فى المعركة، وأمر الرماة يومئذ بألا يتحركوا من مكانهم بأى حال من الأحوال سواء هزموا أو انتصروا، وذلك فى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبرحوا، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا" (3) وفى رواية: "احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا" (4) ولكن الرماة ما إن رأوا هزيمة أهل الشرك وجمع المسلمين الغنائم إلا تركوا مكانهم، وخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم طلباً للغنيمة، فكانت نتيجة مخالفة الأمر الهزيمة بعد النصر.   (1) الآية 36 الأحزاب. وينظر: دلالة القرآن المبين لعبد الله الغمارى ص116، 117. (2) الآية 152 آل عمران. (3) جزء من حديث طويل أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المغازى، باب غزوة أحد 7/405 رقم 4043 من حديث البراء بن عازب رضى الله عنه. (4) جزء من حديث طويل أخرجه أحمد فى مسنده 1/287، 288 من حديث ابن عباس رضى الله عنهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وتأمل قوله تعالى: {حتى إذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم} يتبين لك أن عدم طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سنته المطهرة، ومخالفته فى أوامره ونواهيه، عصيان، عاقبته الفشل فى الدنيا، والعذاب الأليم فى الآخرة. وقال تعالى: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين} (1) . فالآية الكريمة تصرح بأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخيل بنى النضير وتحريقها، إنما هو بإذن الله تعالى. فأين هذا الإذن والأمر فى كتاب الله عز وجل؟! . أليس فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وأن تلك السنة يجب طاعته صلى الله عليه وسلم فيها، حيث وصفت بأنها بإذن الله تعالى؟. على ما روى فى سبب نزول هذه الآية عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: "حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم، نخل بنى النضير وقطع، وهى: البويرة (2) فنزلت: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله} (3) فهل بقى للمتنطعين القاصرين طاعته صلى الله عليه وسلم على القرآن فقط من حجة؟! .   (1) الآية 5 الحشر. (2) تصغير البئر الذى يستقى منها الماء، وهو موضع منازل بنى النضير اليهود. معجم البلدان1/512. (3) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المغازى، باب حديث بنى النضير 7/383 رقم 4030 ومسلم (بشرح النووى) كتاب الجهاد، باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها 6/293 رقم 1746. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وقال عز وجل: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} (1) فتأمل كاف الخطاب المراد بها شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل يفسرها الأدعياء هنا بالقرآن؟ وتأمل كيف أن بيعة الرضوان، وكل ما حدث فيها من أوامر ونواهى، من رسول الله صلى الله عليه وسلم، خارج القرآن، وطاعة الصحابة رضى الله عنهم لتلك الأوامر والنواهى! (2) . وكيف وصفت تلك البيعة البيعة بأنها مبايعة لله تعالى، وأن يده فوق أيدي أصحاب البيعة! مما يفيد أن مبايعة رسول الله، مبايعة لله، وطاعته طاعته، وأن كل ما يصدر عن النبى صلى الله عليه وسلم، خارج القرآن، هو بإذن الله؛ بوحى غير متلو فى السنة المطهرة، مما يجب الإمتثال له، حيث يرضاه الله تعالى. وتأمل: {لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} (3) فإنها تؤيد ما سبق، حيث أن رضاه عز وجل عم الأشخاص الذين أطاعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى البيعة، كما عم رضاه سبحانه مكان مبايعتهم. وقال تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما آراك الله} (4) فالآية صريحة فى توجيه الخطاب إلى شخص النبى محمد صلى الله عليه وسلم، "إليك" "لتحكم" "أراك" فهل يزعم أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الخطاب فى الآية للقرآن وليس لشخصه الكريم؟! . ثم تأمل ما فى الآية من التصريح بأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حكماً بين الناس، والحكم أمر   (1) الآية 10 الفتح. (2) ينظر: قصة البيعة فى: صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الشروط، باب الشروط فى الحرب، والمصالحة مع أهل الحرب … الخ 5/390 رقمى 2731، 2732، ومسلم (بشرح= =النووى) كتاب الجهاد، باب صلح الحديبية 6/377 رقم 1785 من حديث سهل بن حنيف رضى الله عنه. (3) الآية 18 الفتح. وينظر: دلالة القرآن المبين لعبد الله الغمارى ص132، 133. (4) الآية 105 النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 زائد على مجرد القانون الذى يحكم به! وهذا الحكم النبوى وصف بأنه وحى إلهى {بما أراك الله} . أليس فى الآية تصريح بأن لهذا النبى الكريم طاعة واجبة خارج القرآن، فيما يحكم به مما جاء فى سنته؟! . وقال سبحانه: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم} (1) فهذه الآية الكريمة تصرح فى وضوح وجلاء، بوجوب الإيمان بكل ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه شيئان (الكتاب والحكمة) كما صرح رب العزة بقوله: {واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به} (2) . وقال تعالى: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما} (3) وقد سبق قريباً تفسير الكتاب والحكمة، وتفصيل الأدلة على أن الحكمة فى الآيتين وغيرهما بأنها السنة النبوية. إذن بصريح الآية الثانية من سورة محمد فإن له صلى الله عليه وسلم طاعة خارج القرآن، وذلك فيما أنزل عليه من السنة المطهرة. وتأمل: ذكر اسمه (محمد) مجرداً وصريحاً ليكون أبلغ رد على المتنطعين المتأولين كلمة "الرسول" بمعنى القرآن! . وقال تعالى: {ثم إن علينا بيانه} (4) وقال: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (5) . فهاتان الآيتان تصرحان بأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تبياناً لكتاب الله عز وجل، وهو تبيان إلهى بنص آية القيامة، وهذا البيان إنما جاء على لسانه صلى الله عليه وسلم فتجب طاعته فيه، لأنه أمر زائد على مجرد بلاغ المبين وهو القرآن الكريم على ما سبق تفصيله فى المبحث السابق.   (1) الآية 2 محمد. (2) الآية 231 البقرة. (3) الآية 113 النساء. (4) الآية 19 القيامة. (5) الآية 44 النحل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وبعد: فإذا ثبت لك بصريح القرآن الكريم، أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أوامر ونواهى وأحكام، خارج كتاب الله عز وجل، وأن هذه الأوامر والنواهى والأحكام هى بيانه للقرآن، وهو بيان منزل من عند الله عز وجل دل ذلك على أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، طاعة واجبة لهذا البيان مع طاعته لكتاب الله تعالى. كما دل ذلك على أن عشرات الآيات القرآنية التى تتحدث عن طاعته صلى الله عليه وسلم إنما تعنى إطاعة شخصه الكريم فيما يبلغ من وحى الله تعالى قرآناً وسنة؛ وليس كما يزعم أعداء عصمته صلى الله عليه وسلم، طاعته فى القرآن فقط. وإليك نماذج من تلك الآيات. ثالثاً: الأدلة من القرآن الكريم على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم: ... اشتدت عناية القرآن الكريم بتلك المسألة، فوجه إليها آيات كثيرة، تنوعت بين آيات تأمر فى وضوح بوجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم، وبين آيات أخرى تأمر بوجوب طاعته صلى الله عليه وسلم، طاعة مطلقة، فيما يأمر به وينهى عنه، وبين آيات أخرى، تنهى عن مخالفته صلى الله عليه وسلم، وتحذر من ذلك. ... واستعراض تلك الآيات أمر يطول، ولذا سوف أكتفى ببعض هذه الآيات فقط، مع بيان دلالتها على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل على رسوله والكتاب الذى أنزل من قبل} (1) . وقال سبحانه: {فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} (2) . قال الإمام الشافعى: "فجعل كمال ابتداء الإيمان، الذى ما سواه تبع له، الإيمان بالله ثم برسوله، فلو آمن عبد به تعالى ولم يؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم: لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبداً،   (1) الآية 136 النساء. (2) الآية 158 الأعراف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 حتى يؤمن برسوله معه (1) ، وبمقتضى هذا الإيمان وجبت طاعته صلى الله عليه وسلم، فى كل ما يبلغه عن ربه، سواء ورد ذكره فى القرآن أم لا. وتأمل كيف جاء الأمر بإتباعه {واتبعوه لعلكم تهتدون} عقب الأمر بالإيمان به صلى الله عليه وسلم، تأكيداً على وجوب إتباع. وإلا فإن الإتباع داخل في الإيمان، ولكن أفرد بالذكر هنا: تنبيهاً على أهميته وعظم منزلته؛ وإذا كانت المتابعة بالإتيان بمثل فعل الغير، ثبت أن الانقياد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله وأفعاله إلا ما خصه الدليل، طاعة له وانقياد لحكم الله تعالى (2) . ومن أهم الآيات دلالة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم، قوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما} (3) . يقول ابن قيم الجوزية: " أقسم سبحانه بنفسه، وأكده بالنفى قبله على نفى الإيمان عن العباد، حتى يحكموا رسوله فى كل ما شجر بينهم، من الدقيق والجليل، ولم يكتف فى إيمانهم بهذا لتحكيم بمجرده، حتى ينتفى عن صدورهم الحرج والضيق عن قضائه وحكمه، ولم يكتف منهم أيضاً بذلك حتى يسلموا تسليماً، وينقادوا انقياداً " (4) . ويقول أيضاً: "وفرض تحكيمه، لم يسقط بموته، بل ثابت بعد موته، كما كان ثابتاً فى حياته، وليس تحكيمه مختصاً بالعمليات دون العلميات كما يقوله أهل الزيغ والإلحاد" (5) . وقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} (6) .   (1) الرسالة ص75 فقرة رقم 239، 240. (2) ينظر: شرح الزرقانى على المواهب اللدنية 8/506. (3) الآية 65 النساء. (4) أعلام الموقعين 1/51. (5) مختصر الصواعق المرسلة 2/520. (6) الآية 59 النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 ودلالة الآية على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم من عدة وجوه: الوجه الأول: النداء بوصف الإيمان في مستهل الآية: {يا أيها الذين آمنوا} ومعنى ذلك: أن المؤمنين لا يستحقون أن ينادوا بصفة الإيمان، إلا إذا نفذوا ما بعد النداء، وهو طاعة الله تعالى، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولى الأمر. الوجه الثانى: تكرار الفعل "أطيعوا" مع الله تعالى، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، وتكرار ذلك فى آيات كثيرة كقوله: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا} (1) وقوله: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون} (2) . ... يقول الإمام الشاطبى: "تكراره الفعل "وأطيعوا" يدل على عموم الطاعة بما أتى به مما فى الكتاب، ومما ليس فيه مما هو من سنته" (3) . وقال العلامة الألوسى: "وأعاد الفعل: و"أطيعوا" وإن كان طاعة الرسول مقرونة بطاعة الله تعالى، اعتناءَ بشأنه صلى الله عليه وسلم، وقطعاً لتوهم أنه لا يجب امتثال ما ليس في القرآن، وإيذاناً بأن له صلى الله عليه وسلم، استقلالاً بالطاعة لم يثبت لغيره، ومن ثم لم يعد في قوله: {وأولى الأمر منكم} إيذاناً بأنهم لا استقلال لهم فيها استقلال الرسول صلى الله عليه وسلم (4) . بل طاعتنا لهم مرتبطة بطاعتهم هم لله ورسوله، فإن هم أطاعوا الله ورسوله فلهم علينا حق السمع والطاعة، وإلا فلا. لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" (5) . ...   (1) الآية 92 المائدة. (2) الآية 56 النور. (3) الموافقات 3/38. (4) روح المعانى 5/6 (5) أعلام الموقعين 1/48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 ومما هو جدير بالذكر هنا: أن فرض الله تعالى، طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليست له وحده، بل هى حق الأنبياء جميعاً. قال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} (1) فرب العزة يقرر هنا قاعدة: أن كل رسول جاء من عنده تعالى يجب أن يطاع. ... وأخبر سبحانه على لسان كثير من رسله أنهم طلبوا من أممهم أن يطيعوهم: فقال سبحانه على لسان نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وعيسى، أن كل واحد منهم قال لقومه: {فاتقوا الله وأطيعون} (2) . إنهم رسل الله إلى خلقه، كلفهم بالتبليغ وعصمهم فيه، فوجب على الخلق أن يطيعوهم؛ ولماذا لا يطاع هذا الرسول، الذى جاء بالمنهج الذى يصلح الخلل فى تلك البيئة التى أرسل إليها؟ ! . إن عدم الطاعة حينئذ؛ هو نوع من العناد والجحود والتكبر! . ... كما أن فى عدم الطاعة اتهاماً للرسالة بالقصور، واتهاماً للرسول فى عصمته من الكذب فى كل ما يبلغه عن ربه من كتاب وسنة. الوجه الثالث: فى آية النساء؛ دلالة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم، قوله تعالى: {فإن تنازعتم فى شئ فردوه إلى الله والرسول} فالرد إلى الله تعالى، هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، هو الرد إليه نفسه فى حياته، وإلى سنته بعد وفاته (3)   (1) الآية 64 النساء. (2) على لسان نوح فى سورة الشعراء الآيات: 108 – 110، وعلى لسان هود فى نفس السورة الآيات: 126 – 131، وعلى لسان صالح فى نفس السورة الآية: 144، وعلى لسان لوط فى نفس السورة الآية: 163، وعلى لسان شعيب فى نفس السورة الآية: 179، وعلى لسان عيسى فى سورة آل عمران الآية 50، وفى سورة الزخرف الآية: 63. (3) قاله: ميمون بن مهران فيما رواه عنه ابن عبد البر فى جامع بيان العلم 2/187، وينظر: الرسالة للشافعى ص80، 81 فقرات رقم 264 – 266. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وعلى هذا المعنى إجماع الناس كما قال بن قيم الجوزية (1) . وتعليق الرد إلى الله ورسوله على الإيمان {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} يعنى: أن الذين يردون التنازع في مسائل دينهم وحياتهم، دقها وجلها، جليها وخفيها؛ إلى كتاب الله عز وجل، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هم فقط المؤمنون حقاً؛ كما وصفتهم بذلك الآية الكريمة، أما غيرهم فلا ينطبق هذا الوصف عليهم. ... ثم يحدثنا الله تعالى بعد هذه الآية مباشرة، عن أناس يزعمون أنهم يؤمنون بالله ورسوله، ومقتضى هذا الإيمان أن يحكموا كتاب الله، وسنة رسوله فى كل شئون حياتهم، ولكنهم لا يفعلون ذلك، وإنما يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، مع أنهم قد أمورا أن يكفروا به. ... قال تعالى: {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} (2) ففى نهاية الأمر، حكم الله تعالى على من يعرض عن حكمه، وحكم رسوله، ويتحاكم إلى الطواغيت بأنهم منافقون.   (1) أعلام الموقعين1/49،وينظر: تفسير عبد الرزاق 1/162 رقم 613، وتفسير ابن جرير 5/151. (2) الآية 61 النساء. وقارن بالآيات 47 – 52 من سورة النور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 قال تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً} (1) فقد عبر بالمضارع "يطع" وهو الذى يقتضى الحال والمستقبل، وعبر بالماضى "أطاع" الذى يدل على الوقوع والتحقق، فمن أطاع رسوله صلى الله عليه وسلم حالاً، فقد وقعت طاعته قبل ذلك طاعة لله تعالى، لأن الله تعالى هو الذى أرسله، وأمر بطاعته، لذا فمن أطاعه صلى الله عليه وسلم، كان فى الحقيقة مطيعاً لمرسله قبل أن يطيعه صلى الله عليه وسلم، ومن عصاه صلى الله عليه وسلم، كان فى الحقيقة عاصياً لمرسله قبل أن يعصيه صلى الله عليه وسلم، لأنه عز وجل مرسله، وأوجب طاعته، وحرم معصيته (2) . وهذه الآية من أقوى الأدلة على أن الرسول معصوم في جميع الأوامر والنواهى، وفى كل ما يبلغه عن الله تعالى، لأنه لو أخطأ في شئ منها لم تكن طاعته طاعة لله عز وجل (3) . وأختم المطاف من الآيات الدالة على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة مطلقة فيما يأمر به، وينهى عنه، بقوله عز وجل: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (4) وهناك آيات كثيرة لم أتعرض لذكرها خشية الإطالة.   (1) الآية 80 النساء. (2) محبة النبى صلى الله عليه وسلم وطاعته للدكتور خليل ملا خاطر ص309. (3) شرح الزرقانى على المواهب 8/505. (4) الآية 7 الحشر. وقد استدل بهذه الآية على أن ما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم حجة تجب طاعته فيه، ابن مسعود. ينظر: صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب وما آتاكم الرسول فخذوه 8/498 رقم 4886، كما استدل بها أيضاً عمران بن حصين، ينظر: دلائل النبوة للبيهقى 1/25، 26، ومفتاح الجنة فى الاحتجاج بالسنة للسيوطى ص21، واستشهد بالآية أيضاً الإمام الشافعى على حجية قول الرسول وطاعته. ينظر: مناقب الإمام الشافعى لفخر الدين الرازى ص304، والفقيه والمتفقه للخطيب 1/445 رقم 468. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 فإذا انتقلنا بعد ذلك إلى الآيات التى تحذر من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم، وتنهى عن مخالفته تجدها كثيرة، وأشير إلى بعضها فيما يلي: قال سبحانه: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين} (1) . فهذا التحذير الشديد من رب العزة: "واحذروا" "فإن توليتم" يدل على خطورة الإعراض والمخالفة، وأن النبى صلى الله عليه وسلم، لن يتضرر هو نفسه بإعراض من أعرض، لأنه صلى الله عليه وسلم ما عليه إلا البلاغ المبين، وقد أبلغ، وقد بين، وأشهدعلى ذلك، وإنما الذى يتضرر هو المعرض المخالف العاصى! . وإذا عرف العاقل المدرك، أن الذى يتوعد ويحذر هو ربه عز وجل، فكيف يكون تمسكه بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم؟! . وقال سبحانه: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (2) وفى تفسير هذه الآية يسوق بن العربى بإسناده عن سفيان بن عيينة قال: سمعت مالك بن أنس رضي الله عنه– وأتاه رجل – فقال: يا أبا عبد الله، من أين أحرم؟ قال: من ذى الحليفة (3) من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: إنى أريد أن أحرم من المسجد. فقال: لا تفعل! قال: إنى أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل! فإنى أخشى عليك الفتنة. قال: وأى فتنة فى هذا؟ إنما هى أميال أزيدها. قال: وأى فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم! إنى سمعت الله يقول: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (4) .   (1) الآية 92 المائدة. (2) الآية 63 النور. (3) المكان الذى يحرم منه أهل المدينة بالحج، وبه بئر يسمى بئر على، وأصبح الآن يعرف باسم "آبار على" وبه مسجد كبير. (4) أحكام القرآن لابن العربى 3/1400، 1401. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 هذا وفى الآية دلالتها الصريحة على وجود طاعة استقلالية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما سنه، مما لم يرد فى القرآن الكريم؛ لأنه لو كان الأمر قاصراً على ما جاء به من القرآن فقط، كما يزعم أعداء عصمته صلى الله عليه وسلم، لما كان للتحذير من مخالفته فى أمره أى جديد! . وقال تعالى: {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين} (1) . 10- وقال سبحانه: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا} (2) . 11- وقال عز وجل: {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئاً وسيحبط أعمالهم} (3) . 12- وقال تعالى: {إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين} (4) . 13- وقال سبحانه: {إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين} (5) . إن الآيات السابقة تصرح بأن مخالفة كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدم طاعته، والطعن والتشكيك في تلك الطاعة، يدخل النار، ويورث الذل، والخزي، والفتنة، والكبت، ويحبط العمل! . فليختر المرء لنفسه ما يشاء. وبعد: فهذه نماذج من الآيات القرآنية التي تأمر فى وضوح وجلاء بوجوب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سنته المطهرة، وتحذر من مخالفته.   (1) الآية 14 النساء. (2) الآيتان 40، 41 النساء. (3) الآية 32 محمد. (4) الآية 5 المجادلة. (5) الآية 20 المجادلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وهناك آيات أخرى كثيرة تنوعت فى أسلوبها فى الحض على إتباعه وطاعته صلى الله عليه وسلم، لم أتعرض لها خشية الإطالة (1) فما ذكر فيه الكفاية لكل عاقل أهـ. رابعاً: الأدلة من السنة المطهرة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم: ... حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على طاعته، وامتثال أمره، وإتباع ما جاء به، والسير على سنته المطهرة، والإقتداء به في كل ما جاء به عن ربه عز وجل. ... وأحاديثه صلى الله عليه وسلم فى هذا المجال أعطت للأمة توجيهات عظيمة متى ساروا عليها وامتثلوا ما فيها، واستناروا بها، تحققت لهم سعادة الدارين وفازوا وأفلحوا بإذن الله تعالى. ... وقد امتازت الأحاديث فى هذا الشأن بكثرتها وتنوع عبارتها، وتعدد أساليبها، واشتمال بعضها على الأمثلة التى ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته فى هذا الشأن، ومما لا شك فيه أن هذه المميزات زادت الأمر توكيداً وتوضيحاً وبيانا ً، بحيث أنها لم تدع مجالاً لمتأول يأولها، أو محرف يغير معناها بهواه، ورأيه الفاسد. ... وهذه الأحاديث على تنوع عبارتها وتعدد أساليبها، اتحدت جميعها فى مضمون واحد: هو التأكيد على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم وإتباع ما جاء به، والترغيب فى ذلك، إضافة إلى التحذير من مخالفته، وتحريم معصيته، وبيان الوعيد الشديد فى ذلك. ... والخطاب فى تلك الأحاديث شامل لكل من كان فى عصره صلى الله عليه وسلم، ومن سيأتى بعده إلى يوم القيامة.   (1) إن شئت فانظرها فى: الشفا 2/2 - 13، وشرح الزرقانى على المواهب 8/504 - 536، 9/59 - 159، والمدخل إلى السنة ص77، 98، ودفع الشبهات عن السنة ص8 - 11 كلاهما للدكتور عبد المهدى عبد القادر، ومحبة النبى صلى الله عليه وسلم وطاعته للدكتور خليل ملا خاطر ص107 - 413، وحقوق النبى على أمته للدكتور محمد التميمى ص161 - 178. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 .. وسأشير هنا إلى طرف من تلك الأحاديث مع بيان ما فيها من توجيهات وإرشادات تنير الطريق للسالكين الراغبين بالفوز برضى الله وجنات النعيم (1) . قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان، متكئ على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلى، ولا كل ذى ناب من السباع، ولا كل ذى مخلب من الطير، ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغنى عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله ان يعقبهم بمثل قراه" وفى رواية: "ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عنى وهو متكئ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله" (2) . فقوله: "يوشك رجل شبعان … الخ" يحذر بهذا القول من عدم طاعته صلى الله عليه وسلم، مما جاء به وليس له فى القرآن ذكر، وهو مما يؤكد ما سبق ذكره من الآيات، من أن له صلى الله عليه وسلم، طاعة استقلالية. وفى الحديث: معجزة ظاهرة للنبى صلى الله عليه وسلم، فقد ظهرت فئة فى القديم والحديث، تدعوا إلى هذه الدعوة الخبيثة، وهى الإكتفاء بما جاء فى القرآن الكريم، دون ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سنته المطهرة، وعدم طاعته فيه. وهدفهم من ذلك هدم نصف الدين، وإن شئت فقل هدم الدين كله. حاسبهم الله بما يستحقون.   (1) ينظر: حقوق النبى صلى الله عليه وسلم على أمته للدكتور محمد التميمى ص179. (2) سبق تخريجه ص 25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم، أنه كان ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع نفر من أصحابه، فأقبل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا هؤلاء ألستم تعلمون أنى رسول الله إليكم؟ " قالوا: بلى، نشهد أنك رسول الله. قال: "ألستم تعلمون أن الله أنزل فى كتابه: من أطاعنى فقد أطاع الله؟ " قالوا: بلى، نشهد أن من أطاعك فقد أطاع الله، وأن من طاعة الله طاعتك، قال: "فإن من طاعة الله أن تطيعونى، وإن من طاعتى أن تطيعوا أئمتكم، أطيعوا أئمتكم، فإن صلوا قعوداً فصلوا قعوداً" (1) . وعن أبى هريرة رضى الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: "من أطاعنى فقد أطاع الله، ومن عصانى فقد عصى الله، ومن أطاع أميرى فقد أطاعنى، ومن عصى أميرى فقد عصانى" (2) .   (1) أخرجه أحمد فى مسنده 2/93، والطبرانى فى الكبير 12/321 رقم 13238ورجاله ثقات كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 2/67، 5/222، وأخرجه أبو يعلى فى مسنده 9/340 رقم 5450، وابن حبان فى صحيحه (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان) 3/272 رقم 2106. (2) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الأحكام، باب قول الله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم 13/119 رقم 7131، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء فى غير معصية وتحريمها فى المعصية 6/463 رقم 1835. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: جاءت ملائكة إلى النبى صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً، قال: فاضربوا له مثلاً. فقال: بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً وجعل فيها مأدبة، وبعث داعياً، فمن أجاب الداعى دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعى لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة. فقالوا: أولوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة، والداعى محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع محمد صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله، ومن عصى محمد صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس" (1) . وعن أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إنما مثلى ومثل ما بعثنى الله به كمثل رجل أتى قوماً فقال: يا قوم إنى رأيت الجيش بعينى، وإنى أن النذير العريان، فالنجاء. فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا (2) فانطلقوا على مهلهم فنجوا. وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم. فذلك مثل من أطاعنى فاتبع ما جئت به، ومثل من عصانى وكذب بما جئت به من الحق" (3) .   (1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم 13/263 رقم 7281. (2) أى: ساروا بالليل. النهاية 2/120. (3) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم 13/264 رقم 7283، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الفضائل، باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته 8/53 رقم 2283. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وعن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "والذى نفسى بيده لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرد على الله كشراد (1) البعير" قال: يا رسول الله ومن يأبى أن يدخل الجنة؟ قال: من أطاعنى دخل الجنة، ومن عصانى فقد أبى" (2) . إن هذه الأحاديث السابقة تؤكد وجوب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامتثال كل ما جاء به فى سنته المطهرة. إنها تؤكد ما ورد فى كتاب الله عز وجل، من أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من طاعة ربه عز وجل، وصرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما جاء فى حديث ابن عمر وغيره، وأشهد على ذلك أصحابه الكرام فأقروا! . كما تؤكد هذه الأحاديث أن هذه الطاعة هى مفتاح الجنة، وسبيل النجاة الوحيد التى متى سلكها الإنسان، فاز برضى الله، وجنته، ونجى من سخطه وعذابه.   (1) يقال: شرد البعير، يشرد، شروداً، وشراداً، إذا نفر وذهب فى الأرض. النهاية 2/410. (2) أخرجه ابن حبان فى صحيحه (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان) 1/111 رقم 17، والطبرانى فى الأوسط 1/246 رقم 808 ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 10/70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 أما من أبى إتباعه وطاعته صلى الله عليه وسلم فى سنته المطهرة فهو الذى شرد شرود الجمل على أهله، وهو الذى ضيع نفسه، وأوقعها فى جهنم؛ بل هو بعدم امتثاله لهدى النبى صلى الله عليه وسلم فى سنته كأنه يقتحم بنفسه نار جهنم، كما قال عليه الصلاة والسلام: "مثلى كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها، جعل الفراش وهذه الدواب التى تقع فى النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها" قال: "فذلكم مثلى ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار، هلم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني، تقحمون فيها" (1) . فعلى المسلم أن يسلك طريق طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم فى سنته المطهرة، وألا يحيد عنها يميناً أو شمالاً، فهذه الطاعة هى صراط الله المستقيم الذى أمر الله بإتباعه لقوله تعالى: {وأن هذا صراطى مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} (2) . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبى بعثه الله فى أمة قبلى إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون، ومن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" (3) .   (1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الفضائل، باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته 8/54 رقم 2284، والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الرقاق، باب الانتهاء عن المعاصى 11/323 رقم 6483 من حديث أبى هريرة رضي الله عنه. (2) الآية 153 الأنعام. (3) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب بيان كون النهى عن المنكر من الإيمان 1/297 رقم 80. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 فهذا الحديث يؤكد قوله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} (1) فطاعة رسل الله جميعاً واجبة على أقوامهم على مر الزمان والمكان. وهذا الحديث يبين صفة إتباع الأنبياء؛ فهم يطيعون أنبيائهم، ويأخذون بسنتهم، ويأتمرون بأمرهم، ولا يحيدون عن ذلك ولا يخالفونه إلى ما سواه. وأما المخالفون لهم: فهم الذين يتحدثون عن الطاعة والإتباع، ولكن بالقول دون العمل، فهم الذين يقولون مالا يفعلون، وهذا الوصف ينطبق تماماً على أهل البدع المحاربين لطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سنته المطهرة. ومن هنا فهم أكثر الناس بعداً عن هدى المصطفى وما جاء به عن ربه، ومع ذلك كله فهم كثيراً ما يتمسحون بظاهر القرآن، وكلامهم عنه لا يضبطونه ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لذا فكلامهم لا يتجاوز ألسنتهم، فهم أبعد الناس عن القرآن الكريم، فصدق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم: "يقولون مالا يفعلون، ويفعلون مالا يأمرون".   (1) الآية 64 النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلي بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يارسول! كأن هذه موعظة مودع. فماذا تعهد إلينا؟ فقال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" (1) . وواضح من هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم، يأمرنا بطاعته واتباع سنته، ويؤكد ويشدد على اتباعها، ويحذر من البعد عنها بالإبتداع فى الدين، لما فى ذلك من الضلال والإنحراف عن الطريق المستقيم الذى رسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ... وفى الحديث بيان واضح أن من واظب على سنته صلى الله عليه وسلم وقال بها، ولم يعرج على غيرها من الآراء هو من الفرقة الناجية يوم القيامة؛ جعلنا الله منهم بمنه (2) .   (1) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب السنة، باب لزوم السنة 4/200 رقم 4607، والترمذى فى سننه كتاب العلم، باب ما جاء فى الأخذ بالسنة واجتناب البدع 5/43 رقم 2676 وقال: حسن صحيح، وأخرجه ابن ماجة فى سننه المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين 1/15 رقمى 42، 43، وأحمد فى مسنده 4/126، وابن حبان فى صحيحه (الإحسان فى ترتيب صحيح بن حبان) 1/178 رقم 5، والمروزى فى السنة ص26 رقم 69 – 72. (2) أفاده ابن حبان في (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان) 1/178 رقم 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "دعونى ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم" (1) . والشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم" لقد أضاف الأمر والنهى إلى نفسه صلى الله عليه وسلم: "نهيتكم" و"أمرتكم". وهو موافق لكتاب الله عز وجل فى قوله: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم} (2) . وقوله: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (3) . وفى ذلك دليل على وجوب طاعته وامتثال أوامره ونواهيه فى سنته المطهرة؛ حتى ولو كانت أمراً زائداً على كتاب الله عز وجل، لأن ما يحله ويحرمه، ويأمر به وينهى عنه، هو بوحى الله عز وجل على ما سبق تفصيله. 10- وعن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستة لعنتهم، ولعنهم الله، وكل نبى مجاب: المكذب بقدر الله، والزائد فى كتاب الله، والمتسلط بالجبروت يذل من أعز الله، ويعز من أذل الله، والمستحيل لحرم الله، والمستحيل من عترتى   (1) أخرجه البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الاعتصام، باب الإقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم 13/264 رقم 7288، ومسلم (بشرح النووي) كتاب الفضائل، باب توقيره صلى الله عليه وسلم، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه 8/120 رقم 1337. (2) جزء من الآية 157 الأعراف. (3) جزء من الآية 7 الحشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 ماحرم الله، والتارك لسنتى" (1) . أنه صلى الله عليه وسلم، يبين فى هذا الحديث أن التارك لطاعته فى سنته المطهرة المنكر لتلك الطاعة ملعون. أى: مطرود من رحمة الله تعالى، وفى ذلك من الزجر ما فيه. إنه صلى الله عليه وسلم، جعل تارك طاعته فى سنته، مع المكذب بالقدر، وهو كافر، ومع خصال هى فى الكفر موغلة، مما يرهب كل الترهيب؛ من ترك سنته صلى الله عليه وسلم، والتحذير من عدم طاعته فيها. وبعد: فهذه نماذج من الأحاديث النبوية، التى تأمر فى وضوح وجلاء بوجوب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى سنته المطهرة، وتحذر أشد التحذير من مخالفته. وهناك أحاديث أخرى كثيرة، تنوعت فى أسلوبها فى الحض على إتباعه وطاعته صلى الله عليه وسلم، لم أتعرض لها خشية الإطالة (2) . فما ذكر فيه الكفاية عند من له سمع يسمع وعقل يدرك! .   (1) أخرجه الحاكم فى المستدرك 1/91 رقم 102، 2/572 رقم 3941، 4/101 رقم 7011، وصححه ووافقه الذهبى فى الموضع الأول والثانى، وخالفه فى الأخير رقم 7011، وأخرجه الطبرانى فى الكبير وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد 1/176 وفيه عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، قال يعقوب بن شيبة: فيه ضعف، وضعفه يحيى بن معين فى رواية، ووثقه فى أخرى، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، ووثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح. وأخرجه الطبرانى فى الأوسط 2/186 رقم 1667 ورجاله ثقات كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 7/205، وأخرجه ابن حبان فى صحيحه (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان) 7/501 رقم 5719. (2) إن شئت فانظرها فى: المدخل إلى السنة للدكتور عبد المهدى عبد القادر ص98 – 121. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وإذا كانت طاعته صلى الله عليه وسلم، الإستقلالية، ثابتة له بنص كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة (1) فتلك الطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هى عين الطاعة والتوحيد الخالص لله عز وجل، إلا أن أعداء عصمته صلى الله عليه وسلم يرون أن فى تلك الطاعة تأليه لرسول الله وشرك بربه. فإلى بيان شبهتهم فى ذلك والرد عليها صدق الله العظيم صدق الله العظيم صدق الله العظيم صدق الله العظيم صدق الله العظيم المبحث الرابع: في بيان أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة هي عين التوحيد لله عز وجل بلغت جراءة أعداء السنة النبوية على القرآن الكريم، وعلى نبى الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ب إفكهم أن الآيات والأحاديث التى تربط بين طاعة الله، وطاعة رسوله، هى صورة من صور تأليه الرسول ، وهذا هو الكفر بعينه فى نظرهم. ... يقول صالح الوردانى: "ومن أقوى الأدلة التى يستند عليها الفقهاء فى ربط الكتاب بالسنة، وربط السنة بالكتاب، قوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (2) . وقوله: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} (3) . وقوله: {ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً بعيدا} (4) .   (1) ينظر: مفتاح الجنة فى الإحتجاج بالسنة للسيوطى ص156 - 211، وجامع بيان العلم لابن عبد البر 2/187 - 199، وقواعد التحديث للقاسمى ص273 -281، والمدخل إلى السنة النبوية للدكتور عبد المهدى ص233 - 269. (2) الآية 7 الحشر. (3) الآية 80 النساء. (4) الآية 37 الأحزاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 ثم يقول معقباً: "إن مثل هذه النصوص وغيرها إن كانت تؤكد شراكة الرسول لله فى أمر الحكم والأمر والنهى، وهو ما يريد تأكيده الفقهاء، فهذا هو الكفر بعينه، إذ معنى هذا الكلام أن الرسول يشارك الله فى خاصية الألوهية. وهذا يعنى: أن الرسول قد منح صفة من صفات الله، وأخذ خاصية من خصائصه سبحانه، وهذا ما قالته اليهود فى عزير، والنصارى فى عيسى" (1) . ... ولم يقف إفكهم عند هذا الحد، إذ زعموا أن الإيمان بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى البداية لتأليهه. ... يقول أحمد صبحى منصور: "أولى حقائق الإسلام، أنه ليس فيه إيمان بشخص وإنما الإيمان بالوحى الذى نزل على شخص النبى، وليس بشخص النبى البشرى. يقول تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد} (2) لم يقل آمنوا بمحمد، وإنما آمنوا بما نزل على محمد، أى: الإيمان بالوحى أى: بالقرآن الذى يكون فيه محمد نفسه أول المؤمنين به، أما الإيمان بشخص محمد فذلك يعنى البداية لتأليهه" (3) .   (1) دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين ص53، 54، وينظر من نفس المصدر ص47، وينظر له أيضاً: أهل السنة شعب الله المختار ص81، وينظر: دين السلطان لنيازى عز الدين الفصل الرابع والعشرون بعنوان: لماذا يسعى الطغاة إلى تأليه الرسل؟ ص604. (2) الآية 2 محمد. (3) جريدة الدستور العدد الأول 31/ 12/ 1997، وينظر: مقالاته فى مجلة روز اليوسف العدد 3559 ص38، والعدد 3563 ص35، والعدد 3564 ص21، وينظر له أيضاً الأنبياء فى القرآن ص31، 40، ولماذا القرآن ص33، 34، 50، وحد الردة ص30، ومشروع التعليم والتسامح لأحمد صبحى وغيره ص152. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 .. ولأن أعداء النبوة ينكرون الإيمان بشخصه الكريم صلى الله عليه وسلم، زعموا أن تكرار شهادة أن محمداً رسول الله، بجانب شهادة أن لا إله إلا الله، يعد شركاً صارخاً على حد زعم رشاد خليفة فى قوله: "لقد أغوى الشيطان المسلمين بترديد بدعة "التشهد" حيث يمطرون محمداً وإبراهيم بالحمد والتمجيد. أليس هذا شركاً صارخاً" (1) . ويذهب محمد نجيب إلى أن فى تكرار الشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فيه تفريق بين رسل الله (2) ولو قلنا بهذا على ما حدثنى بذلك بعضهم: لوجب علينا أن نشهد أيضاً بأن إبراهيم رسول الله، وموسى رسول الله، وعيسى رسول الله … وهكذا وهو أمر يطول أهـ. و يجاب عن ما سبق بما يلي: إجمالاً أقول: زعمهم أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أوامره ونواهيه، وما يحله وما يحرمه فى سنته، تأليه له، بمنحه صفة من صفات الله عز وجل، وهى التشريع. هذا الزعم رد على رب العزة كلامه. ... فالله عز وجل: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} (3) . فإذا أمرنا ربنا فى كتابه بطاعة واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، وربط بين طاعته وطاعة نبيه تارة، وأفردها أخرى، وجعل طاعته صلى الله عليه وسلم من طاعته عز وجل، وإذا أقامه مقام نفسه المقدسة فى بيعة المسلمين وإذا أمرنا باتباعه فى كل ما آتانا به، ونهانا عنه، من حلال وحرام. فلا يصح من مخلوق أن يرد كلامه عز وجل! أو أن يقول: هذا إشراك لرسول الله مع ربه فى التشريع! . ...   (1) القرآن والحديث والإسلام ص38، 41، 43، وينظر له أيضاً قرآن أم حديث ص20، 32، وينظر: إعادة تقييم الحديث لقاسم أحمد ص153. (2) الصلاة ص78، 79 وينظر: الصلاة فى القرآن لأحمد صبحى ص51 - 56، والحقيقة من حقائق القرآن المسكوت عنها لنيازى عز الدين ص359، والإمام الشافعى لنصر أبو زيد ص55، 56. (3) الآية 23 الأنبياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وكذلك إذا أمرنا المولى عز وجل بالإيمان بشخص نبيه صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره ونصرته، والإيمان بما أنزل عليه من وحى الله تعالى كتاباً وسنة. فلا يصح أن نرد على الله كلامه ونقول هذا شرك! ... وهذا إجمال وإليك التفصيل: أولاً: أمر رب العزة عباده بطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم طاعة مطلقة مستقلة، بمقتضى عصمته له، وربط تلك الطاعة بطاعته عز وجل تارة، وأفردها تارة أخرى، ليدل على أن طاعته صلى الله عليه وسلم طاعة له سبحانه فقال: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} (1) . وقال عز وجل: {وإن تطيعوه تهتدوا} (2) . وقال - جل جلاله -: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} (3) . وطاعته صلى الله عليه وسلم فى الآيات السابقة طاعة مطلقة فى سنته المطهرة، حتى ولو كانت السنة زائدة على ما فى كتاب الله عز وجل، لأنه عليه الصلاة والسلام له حق التشريع بدلالة الآيات السابقة، وبقوله تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوباً عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم} (4) . فقوله: "يحل، ويحرم، ويضع" من خصائص المشرع الحقيقى الواجب طاعته؛ ولكن مرد هذا التشريع فى حقيقة الأمر إلى الله عز وجل. ... فرسول الله لا يشرع من عند نفسه، وإنما يشرع حسب ما يريه الله تعالى ويوحيه إليه على ما سبق تفصيله فى نهاية المبحث الثانى (5) . فهل نسلم بكلام الله تعالى؛ أم نرده ونقول هذا شرك؟. ...   (1) الآية 59 النساء. (2) جزء من الآية 54 النور، مع آية الأعراف 158 {واتبعوه لعلكم تهتدون} . (3) الآية 80 النساء. (4) الآية 157 الأعراف. (5) يراجع: ص 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وإذا كانت طاعته صلى الله عليه وسلم مستقلة عن طاعة الله عز وجل، كما فى الآيات السابقة وغيرها من الآيات التى تكرر فيها الفعل "أطيعوا" مع الرسول فمن الذى أعطاه هذه المنزلة والمكانة؛ أليس ربه عز وجل؟. فهل نرد هذه المكانة والمنزلة ونقول هذا شرك؟ ! . ... وإذا قال ربنا عز وجل مراراً {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} . فهل يصح من مخلوق بعد ذلك أن يزعم أن الربط بين طاعته عز وجل، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم تأليه له عليه الصلاة والسلام، فيرد على رب العزة كلامه؟!! . وإذا قال ربنا عز وجل: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} (1) وإذا قال سبحانه: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} (2) . ... فهل يصح من مخلوق بعد ذلك أن يزعم أن الربط بين مبايعته عز وجل، ومبايعة رسوله صلى الله عليه وسلم شرك؟. أو أن الربط بين محبته سبحانه ومحبة نبيه ومصطفاه شرك؟! . ... إن قائل الآيات السابقة فى وجوب محبته صلى الله عليه وسلم هو القائل: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله} (3) . فهل جعل محبة نبيه صلى الله عليه وسلم ومتابعته نداً؟. أم جعلها شرطاً لمحبة الله، وعلامة على صدق من يزعم محبته عز وجل؟. ... قال الحسن البصرى وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله} . فتأمل كيف أوقع طاعته ومتابعته صلى الله عليه وسلم بين قطرى محبة العباد، ومحبة الله للعباد، وجعل تلك المتابعة شرطاً لمحبة الله لهم، مما يستحيل حينئذ ثبوت محبتهم لله، وثبوت محبة الله لهم، بدون طاعتهم ومتابعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.   (1) الآية 10 الفتح. (2) الآية 31 آل عمران. (3) الآية 165 البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 فهذه الآية الكريمة: حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس على الطريقة النبوية، فإنه كاذب فى دعواه فى نفس الأمر، حتى يتبع شرع الله عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فى جميع أقواله وأفعاله وأحواله، ويعلم أن هذا الإتباع عين التوحيد الخالص لله عز وجل، كما دل على ذلك ما روى أنه لما نزلت هذه الآية قال بعض الكفار: "إن محمداً يريد أن نتخذه حناناً (1) كما اتخذت النصارى عيسى" فأنزل الله تعالى: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} (2) فقرن طاعته عز وجل بطاعته صلى الله عليه وسلم رغماً لهم (3) .   (1) الحنان: الرحمة، والعطف، والرزق، والبركة. والمراد: رباً ذا رحمة، وقيل محبباً، وقيل: متمسحاً به تبركاً. شرح الشفا للقارى 1/49، والنهاية 1/452. (2) الآية 32 آل عمران. والأثر:أخرجه ابن المنذر بنحوه عن مجاهد، وقتادة، كما قال الحافظ السيوطى فى مناهل الصفا فى تخريج أحاديث الشفا ص 33 رقم19. والأثر ذكره ابن إسحاق عن أبى رافع القرظى قال: (حين اجتمعت الأحبار من يهود ونصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم،= =ودعاهم إلى الإسلام قالوا: أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله أن أعبد غير الله، أو آمر بعبادة غيره، فما بذلك بعثنى الله ولا أمرنى" فأنزل الله عز وجل: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكمة ثم يقول للناس كونوا عباداً لى من دون الله} الآيتان 79، 80 آل عمران. وينظر: السيرة النبوية لابن هشام 2/196 نص رقم 635. (3) الشفا 1/22، وينظر: شرح الشفا للقارى 1/50، وشرح الزرقانى على المواهب 8/515، 516. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 والمعنى إلصاقاً لأنوفهم بالتراب جزاءاً لأنفتهم من متابعته صلى الله عليه وسلم، وجزاءاً لإفكهم بأن طاعته صلى الله عليه وسلم شرك {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً} (1) . وأقول لهم: الربط بين طاعة الله وطاعة رسوله هو عين التوحيد الخالص: {فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} (2) . ثانياً: إنكار أعداء النبوة الإيمان بشخص النبى صلى الله عليه وسلم واستدلالهم على ذلك بقوله تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم} (3) هذه الآية الكريمة حجة عليهم، وتفضحهم فى كل ما يأفكون. لأن مما أنزل على سيدنا محمد وهو الحق من ربنا قوله: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} (4) وقوله سبحانه: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة} (5) . وقوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} (6) . ... وهم بهذه الآيات يكفرون؛ إذ ينكرون على ما سبق أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم تبياناً للقرآن، وهو الحكمة، وهى السنة كما قال علماء الأمة، وينكرون أن يكون له صلى الله عليه وسلم طاعة فى هذه السنة. - الأدلة من القرآن الكريم علي وجوب الإيمان بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإذا كانوا هنا يزعمون بأنه لا يوجد فى الإسلام إيمان بشخص النبى محمد صلى الله عليه وسلم فالآية التى استدلوا بها على زعمهم ترد عليهم حيث أطلقت {وآمنوا بما نزل على محمد} وما أنزل على محمد آيات كريمات تصرح بالإيمان بشخصه الكريم، منها ما يلي:   (1) الآية 5 الكهف. (2) الآية 32 آل عمران: وينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/25. (3) الآية 2 محمد. (4) جزء من الآية 44 النحل. (5) جزء من الآية 113 النساء. (6) الآية 59 النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل على رسوله} (1) . وقوله سبحانه: {فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته} (2) . وقوله عز وجل: {ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا} (3) . ومعلوم أن الإيمان بالله عز وجل يعنى: الإيمان بذاته المقدسة، وبكتابه العزيز، وطاعته عز وجل فى كل ما أمرنا به فى كتابه العزيز. وكذلك الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم: يعنى: الإيمان بشخصه الكريم، وبكل ما جاء به من عند ربه عز وجل من كتاب وسنة، وطاعته فى ذلك. ويؤيد أن الإيمان فى الآيات السابقة مراداً به شخصه صلى الله عليه وسلم ما جاء فى القرآن الكريم من الأمر بتعظيمه وتوقيره صلى الله عليه وسلم نحو قوله تعالى: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه} (4) وقوله سبحانه: {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه} (5) .   (1) الآية 136 النساء. (2) جزء من الآية 158 الأعراف. (3) الآية 13 الفتح. (4) جزء من الآية 157 الأعراف. (5) الآية 9 الفتح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 فقوله: "وتعزروه" أى: تعظموه وتجلوه (1) والتعظيم والإجلال والتوقير والنصرة، تشمل فى المقدمة شخصه الكريم. بدليل ما جاء فى القرآن الكريم أيضاً من تعظيم رب العزة لنبيه بنداءه وخطابه باللقب المشعر بالتعظيم بالنبوة والرسالة دون غيره من الأنبياء (2) . وكذلك أمره عباده بالأدب مع رسوله بعدم التقديم بين يديه أو رفع صوتهم على صوته (3) وتحذيرهم من الانصراف من مجلسه قبل استئذانه، أو ندائه باسمه (محمد) كما ينادى بعضهم بعضاً (4) وتحريم إيذائه (5)   (1) قاله ابن عباس وغير واحد. ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 7/312. (2) نحو قوله تعالى: {يا أيها النبى اتق الله} الآية الأولى الأحزاب، وقوله: {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة} الآية 21 الأحزاب. (3) نحو قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدى الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم. يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون. إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم. إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون. ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم والله غفور رحيم} 1-5 الحجرات. (4) نحو قوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستئذنوه إن الذين يستئذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استئذنونك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم. لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً} الآيتان 62، 63 النور. (5) نحو قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديث إن ذالكم كان يؤذى النبى فيستحى منكم والله لا يستحى من الحق} الآية 53 الأحزاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 أليس فى كل هذه الآداب الربانية دليل على أن الإيمان بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيمه وتوقيره من حقائق الإسلام؟. أليس فى هذه الآداب الربانية ما يصفع المتنبئ الكذاب رشاد خليفة فى زعمه إن تعظيمه وتوقيره … صلى الله عليه وسلم شركاً صارخا ً؟ (1) . الأدلة من السنة المطهرة علي وجوب الإيمان بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره: إن الإيمان بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وإجلاله، والتأدب معه بالآداب الربانية السابقة، كان عليه سلفنا الصالح، وقد شهد بذلك عروة بن مسعود الثقفى (2) وهو يومئذ لم يسلم بعد، وكان مندوب قريش للتفاوض فى شأن دخول النبى صلى الله عليه وسلم مكة فى غزوة الحديبية، فرأى من تعظيم وتوقير للنبى صلى الله عليه وسلم فى قلوب الصحابة وجوارحهم ما أذهله، حتى عاد إلى قريش وقال لهم: "أى قوم، والله لقد وفدت على الملوك، وفدت على قيصر وكسرى والنجاشى، والله إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمداً، والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت فى كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيماً له … " (3) .   (1) يراجع: ص 68. (2) له ترجمة فى: اسد الغابة 4/30 رقم 3658، وتجريد أسماء الصحابة 1/380، وتاريخ الصحابة ص195 رقم 1039، والإصابة 2/477 رقم 5546. (3) جزء من حديث طويل أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الشروط، باب الشروط فى الجهاد 5/389 رقمى 2731، 2732، وينظر: السيرة النبوية لابن هشام 3/315 رقم 1511. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 فهكذا صور هذا الرجل تعظيم الصحابة الكرام رضى الله عنهم لنبيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذه الألفاظ الجزلة النابعة من بالغ تأثره بذلك المظهر العظيم من مظاهر التعظيم والتبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم وقد برهن على مدلول هذا الخبر أيضاً، ما قاله عمرو بن العاص رضي الله عنه (1) قال: "ما كان أحد أحب إلى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجل فى عينى منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينى منه إجلالاً له، ولو شئت أن أصفه ما أطقت؛ لأنى لم أكن أملأ عينى منه" (2) . وهكذا كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم، يعبرون عن تعظيمهم وإجلالهم وتوقيرهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بأعمالهم وأقوالهم. ثالثاً: وأخيراَ: زعمهم أن تكرار شهادة أن محمداً رسول الله، بجانب شهادة أن لا إله إلا الله، فيه تفريق بين رسل الله عز وجل، ولو قلنا بهذه الشهادة لوجب علينا أن نشهد أيضاً بأن إبراهيم رسول الله، وموسى رسول الله … الخ وهو أمر يطول. ... فهذا من جهلهم بكتاب الله عز وجل الذي يتسترون نفاقاً بعباءته. فالقرآن الكريم يصرح بأن الله عز وجلأخذ العهد والميثاق على الأنبياء السابقين بأن يؤمنوا بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤمنوا بنبوته وينصروه إن خرج وهم أحياء، فلما أقروا بذلك أشهدهم عليه، والله خير الشاهدين.   (1) صحابى جليل له ترجمة فى: مشاهير علماء الأمصار ص71 رقم 376، واسد الغابة 4/232 رقم 3971، والإستيعاب 3/1184 رقم 1931، والإصابة 3/2 رقم 5897. (2) جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب كون الإيمان يهدم ما قبله 1/414 رقم 121. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 قال تعالى: {وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به. ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} (1) . قال على بن أبى طالب، وابن عمه عبد الله بن عباس رضى الله عنهما: "ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق، لئن بعث محمداً وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه" (2) . وهذا يعنى أنه صلى الله عليه وسلم نبى الأنبياء، ولو قدر لواحد من هؤلاء الأنبياء جميعاً من لدن آدم إلى عيسى عليهم جميعاً الصلاة والسلام، الحياة، وبعث المصطفى صلى الله عليه وسلم، لما وسعه إلا إتباعه.   (1) الآية 81 آل عمران. (2) تفسير القرآن العظيم 2/56، وجامع البيان 6/555، والدر المنثور 2/252. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 يدل على ذلك حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن عمر بن الخطاب عز وجل عنه أتى رسول الله بنسخة من التوراة، فقال يا رسول الله، هذه نسخة من التوراة، فسكت فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير فقال: أبو بكر: ثكلتك الثواكل، ما ترى بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنظر عمر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعوذ بالله، من غضب الله، ومن غضب رسوله، رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذى نفس محمد بيده، لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتمونى لضللتم عن سواء السبيل، ولو كان حياً وأدرك نبوتى لاتبعنى" (1) .   (1) أخرجه الدارمى فى سننه المقدمة، باب ما يتقى من تفسير حديث النبى صلى الله عليه وسلم 1/126 رقم 435، وأحمد فى المسند 3/387، وابن أبى عاصم فى السنة 1/27 رقم 50، وفى سنده مجالد بن سعيد، الجمهور على تضعيفه لأنه اختلط فى آخر عمره؛ لكن روايته لهذا الحديث مقبولة؛ لأنه قد سمعه منه هشيم قبل الاختلاط، قال ابن عدى: رواية القدماء عنه كهشيم وشعبة وحماد بن زيد مقبولة، وقال ابن عدى: له عن الشعبى عن جابر أحاديث صالحة، يعنى: كما فى سند هذا الحديث. ينظر: مجمع الزوائد 1/173، 174، وتقريب التهذيب 2/159 رقم 6498، والكاشف 2/239 رقم 5286، والضعفاء للنسائى ص223 رقم 579، والمجروحين لابن حبان 3/10، والحديث صحح إسناده الحافظ ابن كثير من رواية أحمد، قال بعد إيرادها: تفرد به أحمد وإسناده على شرط مسلم أهـ ينظر: البداية والنهاية 2/123، وينظر: من نفس المصدر 1/185. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 ومن هنا كان سلام الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ليلة الإسراء والمعراج، بقولهم: مرحباً بالنبى الصالح، والأخ الصالح (1) وهو اعتراف منهم بنبوته صلى الله عليه وسلم، ولذا كان إمامهم فى الصلاة ببيت المقدس كما قال صلى الله عليه وسلم: "ثم دخلت بيت المقدس، فجمع لي الأنبياء عليهم السلام فقدمنى جبريل حتى أممتهم" (2) . وكل هذا يوضح أن إعلان وتكرار شهادة أن محمداً رسول الله، بجانب شهادة أن لا إله إلا الله، هو إيمان بكل الأنبياء، وأنه لو وجد واحد من الأنبياء السابقين لوجب عليه أن يشهد بتلك الشهادة (أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) وذلك تنفيذا للعهد والميثاق الذي أخذه الله على سائر أنبياءه ورسله، وهذا يعنى أن ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم فى الشهادة هو ذكر لكل الأنبياء، وشهادة فى نفس الوقت بأنهم رسل الله تعالى، بما يغنى عن تكرار ذكرهم أهـ. والله تعالى أعلى وأعلم صدق الله العظيم صدق الله العظيم صدق الله العظيم صدق الله العظيم صدق الله العظيم صدق الله العظيم صدق الله العظيم   (1) ينظر: صحيح البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة،1/547 رقم 349، وكتاب الأنبياء، باب ذكر إدريس - عليه السلام - 6/341 رقم 3342، وصحيح مسلم (بشرح النووي) كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلي السماوت1/486 رقم876. (2) أخرجه النسائى فى سننه الصغرى كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة 1/221 رقم 450 من حديث أنس رضى الله عنه، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب ذكر المسيح بن مريم عليه السلام والمسيح الدجال 1/509 رقم 278 من حديث أبى هريرة رضي الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 المبحث الخامس: في بيان السنة لعقوبة الزاني الواردة في القرآن الكريم ودفع الشبهات تمهيد: جاءت أحكام الشريعة الغراء لحفظ مصالح الناس الدينية والدنيوية، وتضم تلك المصالح حفظ الدين والنفس، والمال، والنسل، والعقل، وقد سماها الفقهاء والأصوليون بالضروريات أو الكليات الخمس ((1)) . وقد شرع الإسلام لكل واحد من هذه الضروريات الخمس أحكاماً تكفل إيجاده وإقامته، وأحكاماً تكفل حفظه وصيانته.فكل حكم يكفل إقامة هذه الأمور الخمسة أو حفظها هو حكم ضروري (2) (2) . الحدود في الإسلام لحماية المجتمع، وهي حق لله تعالى: والحدود في الإسلام أحكاماً ضرورية شرعت لحفظ هذه الضروريات، ومع أنها شرعت لحماية المجتمع، إلا أن العلماء من الأصوليين وغيرهم اعتبروها حق لله تعالى. ومعني هذا الاصطلاح أنها شرعت لحماية الجماعة ولكنهم يجعلون العقوبة حقاً لله تعالى إشارة إلي عدم جواز العفو عنها، أو تخفيفها، أو إيقاف تنفيذها لا من الأفراد أو من الجماعة (3) ..... (3) وهذا يجعل البشرية من شأنها أن تعيش في طهر ديني، وفي فضيلة سائدة، فإن الفضيلة كما هي حماية للمجتمع من جراثيم الانحلال التي تحل عراه، فإنها كذلك أمر مصون تجب المحافظة عليه، وتشريع العقاب لكل من هتك حماها. ورغم أن هذه الحدود الكبرى قليلة العدد، إلا أنها كثيرة الوقوع، وهذا ما غفل عنه البعض في عدم اعتبار القرآن كتاب محكم، لأنه لم يذكر إلا بضع جرائم، في حين أن قانون العقوبات الذي صاغه البشر احتوي على ما يزيد على مائتي جريمة.   (1) 1) الموافقات للشاطبي 2/324، وعلم أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف ص 200، والوجيز في أصول الفقه للدكتورعبد الكريم زيدان ص378. (2) 2) التشريع الجنائي الإسلامي لعبد القادر عوده 1 / 203. (3) 3) المصدر السابق 1 / 99. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 ونقول لهؤلاء إن القرآن وإن تعرض لقليل من الجرائم، فإن هذه الجرائم تقع بنسبة ثمانين في المائة فالعبرة إذا ليست بتعداد الجرائم، وإنما بكثرة وقوعها وخطورتها على المجتمع. وكل جماعة إنسانية تشترك لا محالة في أمور لا بد منها كي تعيش في حياة كريمة يسودها النظام والاستقرار، وهذه الأمور أربعة: (1) ... الأسرة ... ... ... ... (2) ... الملكية (3) ... النظام الاجتماعي ... ... ... (4) ... الحكم وهذه الأمور الأربعة تحرص الجماعات البشرية عليها، حرصاً يكاد أن يكون فطرياً، وتثور وتغضب من أجلها، وربما تضحي بنفسها عندما تقع اعتداء على واحد منها، وللحفاظ على هذه الأمور شرعت الحدود ـ فحد الزنا حماية للأسرة، وحد السرقة للنظام الاجتماعي، وحد البغي حماية للحكم. وترجع باقي الحدود للحفاظ على هذه الأمور ـ فحد القذف حفاظ على الفرد الذي هو من صميم الأسرة والمجتمع، وحد الشرب كذلك حفاظ على الفرد، وعلى النظام الإجتماعي، وحد الردة حفاظ النظام العام الذي هو الدين. مميزات الحدود في الإسلام: تمتاز الحدود الشرعية في الإسلام بما يلي: ـ 1- أنها لا قسوة فيها على ما يزعم أعداء الإسلام من المستشرقين ومن تابعهم من أدعياء العلم من أمتنا الإسلامية، بل هي رحمة للجاني وللجني عليه، لأن عقوبات الحدود الغرض منها تأديب الجاني وزجر غيره، ولا تهتم بالنظر لشخصية المجرم ـ فجريمته أخطر من أن يلتمس لصاحبها عذر أو ظروف محيطة به. فمتي ثبتت بشروطها المحدودة، وتوافرت أركانها، فقد أغنت عن النظر لما ورائها. وعلى أنه يجب التنبيه إلى أن الإسلام وضع في الحدود قاعدة مهمة وهي (درئها بالشبهات) ففي الحديث ((ادرؤوا الحدود بالشبهات، وادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم)) (1)   (1) أخرجه مسدد في مسنده من رواية ابن مسعود رضي الله عنه، كما في المطالب العالية 2 / 115 رقم 1806، وتخريج المختص 1/ 443 كلاهما لابن حجر، وقال هذا موقوف حسن الإسناد، وقال المناوي في فيض القدير 1 / 228 وبه يرد قول السخاوي طرقه كلها ضعيفة، نعم أطلق الذهبي على الحديث الضعف، ولعل مراده المرفوع أهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وفي رواية ((ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله؛ فإن الإمام إن يخطئ في العفو، خير من أن يخطئ في العقوبة)) (2) (1) . وهذا الحديث وإن لم يصح مرفوعاً، وفيه المقال المعروف، إلا أن الفقهاء اتفقوا على العمل به، إلا الظاهريين، إذ لا يسلمون بصحة ما روي عن الرسول والصحابة. والصحيح صحة وقف الحديث عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ((لأن أخطئ في الحدود بالشبهات، أحب إليَّ من أقيمها بالشبهات)) (3) (2) . ويؤيد صحة هذه القاعدة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لماعز لما جاء معترفَََاَ بالزنا، وسيأتي الحديث وتخريجه قريباً.   (1) 2) أخرجه الترمزي في سننه كتاب الحدود، باب ما جاء في درء الحدود 4 / 25 رقم 1424، والدارقطني في سننه كتاب الحدود والديات 3 / 84 رقم 8، والحاكم 4 / 426 رقم 8163 وقال صحيح الإسناد وخالفه الذهبي وقال: قال النسائي فيه يزيد بن زياد الدمشقي الشامي متروك، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8 / 238، والخطيب في تاريخ بغداد 5 / 331 كلهم من حديث عائشة رضي الله عنها وفي اسناده يزيد بن زياد الشامي ضعفه الترمزي، وقال البخاري فيه إنه منكر الحديث، وقال النسائي متروك، والصواب وقفه على عائشة رضي الله عنها كما قال الشوكاني في نيل الأوطار 7 / 105 (2) 3) أخرجه بن أبي شيبه في مصنفه 5 / 11 رقم 28493، وابن حزم في كتاب الإيصال بإسناد صحيح، كما قال الحافظ في تلخيص الحبير 4 / 162 رقم 1755، ووافقه الشوكاني في نيل الأوطار 7 / 105: وينظر: التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي 1 / 207 وقواعد الأحكام لابن عبد السلام 2 / 306. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 والشبهات عديدة موضوعها كتب الفقه (4) (1) ، ومن تتبعها أدرك كأن عقوباتالحدود شرعت للتخويف أكثر مما شرعت لأن توقع ‍! . ((فمثلاً: عقوبة الزنا {الرجم} نجدها صعبة التنفيذ، لأن المجيء بأربعة شهداء يرون وقوعها يكاد يستحيل، إلا إذا كان المجرمان في طريق عام، عاريين مفضوحين لا يباليان بأحد وعندما يتحول امرؤ إلي حيوان متجرد على هذا النحو الخسيس، فلا مكان للدفاع عنه أو احترام إنسانيته)) (1) (2) وكفي بقاعدة ((درء الحدود بالشبهات)) رداً على زعم أعداء الإسلام أن شريعة الإسلام متعطشة لتعذيب الناس. 2- إن الحدود في الإسلام وضعت على أساس محاربة الدوافع النفسية في داخل مرتكبها بحيث تقلع جذور الجريمة من ذهنه، لأنها وضعت على أساس متين من علم النفس (2) (3) لأن واضعها هو القائل: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} (3) . (4) وقوله سبحانه {: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} (4) . (5) وكأن الله تعالى يقول لنا: أنا خالق هذا الإنسان، وأنا أعلم بما يصلحه ويردعه، ففرضت هذه الحدود التي لا مجال للرأي ي فيها. فكم كان يتهور البشر ويضعون للسرقة عقوبة القتل، وكم انحل البشر فأباحوا الزنا بالرضا، وعدوا شرب الخمر مخالفة. وهكذا تضاربت أهوائهم، وسيطرت على عقولهم وشهواتهم قال تعالى: {ومن أضل مما اتبع هواه بغير هدي من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (5) ، (6)   (1) 4) ينظر: تلخيص الحبير 4 / 172، 173، وفقه السنة للسيد سابق 2 / 506، والتشريع الجنائي 1 / 208 وما بعدها. (2) 1) مائة سؤال عن الإسلام للشيخ محمد الغزالي 2 / 47. (3) 2) ينظر التشريع الجنائي الإسلامي 1 / 635، ونظرة القرآن إلى الجريمة للدكتور محمد القيعي صـ 243. (4) 3) الآية 16 ق. (5) 4) الآية 14 الملك. (6) 5) جزء من الآية 50 القصص، وينظر: نظرة القرآن ن إلي الجريمة صـ 244. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 والحدود كما وردت في القرآن الكريم، وردت في السنة النبوية، والسيرة العطرة تأكيداً وبياناًُ لها بالقول والعمل. مما لا يدع مجالاً للشك في أن الإسلام قرآن وسنة قانوناً قد عمل به، ونجحت أصوله الإدارية، والسياسية، والمدنية، والأخلاقية ................ إلخ. وليس هو مجرد نظريات محتاجة للإثبات بالتجربة والتطبيق. وإليك نماذج من تلك الحدود كما وردت في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وسوف أقتصر على تفصيل حدي الزنا والردة حيث أنهما من أكثر الحدود إنكاراً من أعداء السنة النبوية، والسيرة العطرة. ... ... أولاً: حد الزنا: أ - التعريف به : هو حد الجناية على الفرج، وهو حد حاربته الشرائع السماوية كافة وحرمت الوسائل المؤدية إليه تحريماً قاطعاً باتاً، وشددت العقوبة على مرتكبيه. قال تعالى: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} (1) (1) والنهي عن قربان الزنا أبلغ من مجرد فعله، وهو نهي يشمل كل مقدماته، ودواعيه ووسائله الموصلة إليه، وهي في عالم اليوم أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر! قال تعالى في عقوبة الزاني في الآخرة: {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقي أثاماَ يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناَ} (2) . وإذا كانت عقوبته في الآخرة مضاعفة، فهي في الدنيا مضاعفة أيضاً قال تعالى: {والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} (3) . حكمة الجلد للزاني: وعقوبة الجلد هنا في الآية الكريمة على ما فصلته السنة النبوية، هي لمن زنا وهو غير محصن، وهي عقوبة تتجلى فيها حكمة الخالق عز وجل.   (1) 1) الآية 32 الإسراء. (2) 2) الآيتان 68، 69 الفرقان. (3) 3) الآية 2 النور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 لأنه إذا كان الباعث على الزنا هو اللذة وإشباعها، كان الصارف لهذا الباعث في تشريع القرآن العادل إنما هو الألم الحسي بالجلد، والألم المعنوي بمشاهدته وهو يجلد، ليشعر المذنب أنه لا قيمة للذة يعقبها ذلك الألم الشديد الحسي والمعنوي. ومن المعلوم أن في الإنسان غريزتين: غريزة حافزة دافعة، وغريزة مانعة كافة والغلبة لأقواهما سلطاناً لذا فقد عني الشارع الحكيم بتقوية سلطان المانع بما شرعه من عقوبة حاسمة لو تصورها الإنسان على حقيقتها لانكمش الدافع للجريمة المعاقب عليها بتلك العقوبة. (1) ب -بيان السنة لحد الزنا: جاءت السنة النبوية مؤكدة ومبينة لما جاء في القرآن الكريم من حد الزنا فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن جلد الزاني في الآية الكريمة إنما هو لمن زنا وهو غير متزوج، ويضاعف على عذابه بالجلد، نفيه سنة، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم حد من زنا وهو متزوج، بأنه ضعف غير المتزوج بالرجم. وما يزعمه أعداء السنة النبوية من مخالفة البيان النبوي في حد الزاني للقرآن الكريم زعم لا أساس له من الصحة، فذلك البيان النبوي صح متواتراً في سنته المطهرة وسيرته العطرة. وهو بيان إلهي لقوله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} (2) . (2) وقوله عز وجل: {فإذا قرأناه فاتبع قرءانه ثم إن علينا بيانه} (3) . (3) وهذا البيان الإلهي واجب على النبي صلى الله عليه وسلم تبليغه، كما أنه واجب على الأمة إتباعه لقوله تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه} (4) (4) .   (1) 1) نظرة القرآن إلي الجريمة والعقاب للدكتور محمد القيعي صـ 244، وما بعدها بتصرف. (2) 2) الآية 105 النساء. (3) 3) الآيتان 18، 19 القيامة. (4) 4) الآية 64 النحل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وقوله سبحانه: {فلا وربك ليؤمنون حتى يحكٍّموكً فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما} (5) . (1) وعلى ما سبق فهذا البيان النبوي هو حكم الله عز وجلفي كتابه العزيز لقوله صلى الله عليه وسلم لوالد الزاني لامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد. وعلى ابنك الجلد مائة، وتغريب عام، واغد يا أنيس! (1) (2) إلي امرأة هذا. فإن اعترفت فارجمها)) قال: فغدا عليها، فاعترفت ن فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت (3) . قال الحافظ بن حجر (3) (4) : المراد بكتاب الله ما حكم به، وكتب على عباده وقيل المراد القرآن وهو المتبادر. قال أبو دقيق العيد (4) . (5)   (1) 5) الآية 65 النساء. (2) 1) هو: أنيس بن الضحاك الاسلمي، صحابي جليل له ترجمة في: اسد الغابة 1 / 302 رقم 268 والإستيعاب 1 / 114 رقم 95، والإصابة 1 / 76 رقم 192. (3) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا 6 /214 رقم 1697، والبخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الحدود، باب الاعتراف بالزنا 12 / 140 رقمي 6827، 6828 من حيث أبو هريرة رضي الله عنه. (4) هو: أحمد بن على بن محمد العسقلاني، أبو الفضل، أصله من عسقلان بفلسطين، ولكنه ولد بالقاهرة، حافظ أهل زمانه، وواحد وقته وأوانه، من مصنفاته النفيسه التي عم النفع بها (فتح الباري شرح صحيح البخاري) و (والإصابة في معرفة الصحابة) وغير ذلك، مات سنة 852 هـ له ترجمة في: الضوء اللامع للسخاوي 2 / 36 رقم 104، وطبقات الحفاظ للسيوطي صـ 552 رقم 1190، والبدر الطالع للشوكاني 1 / 87 رقم 51. (5) هو: محمد بن علي بن وهب المنفلوطي، تقي الدين، إمام حافظ، فقيه، له يد طولي في الأصول والمعقول، وليَّ قضاء الديار المصرية وتخرج به أئمة، من مصنفاته: الإقتراح في علوم الحديث، وشرح العمدة، وغير ذلك مات سنة 702 هـ. له ترجمة: في طبقات الحفاظ للسيوطي صـ 516 رقم 1134، وتذكرة الحفاظ للذهبي 4 / 1481 رقم 1168، والديباج المذهب لابن فرحون صـ 411 رقم 566، والدرر الكامنة 4 /91 رقم 256، والوافي بالوفيات 4 / 193. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 : الأول أولي، لأن الرجم والتغريب ليسا مذكورين في القرآن إلا بواسطة أمر الله باتباع رسوله. قيل: وفيما قال نظر؛ لاحتمال أن يكون المراد متضمناً قوله تعالى: {أو يجعل الله لهن سبيلاً} } ) .. .. فبين النبي صلى الله عليه وسلم: أن السبيل جلد البكر ونفيه، ورجم الثيب (5) . (1) قال ابن حجر: وهذا أيضاً بواسطة التبيين، ويحتمل أن يراد بكتاب الله الآية التي نسخت تلاوتها وهي: ((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم)) (1) (2) .   (1) 5) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب، جلد مائة والرجم)) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الحدود، باب حد الزنا 6 / 204 رقم 1690، وهذا الحديث منسوخ بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ماعز بن مالك، ولم يذكر جلداً)) أخرجه أحمد في مسنده 5 / 92. وينظر: تلخيص الحبير 4 / 150 رقم 1747. (2) 1) سيأتي تخريجه صـ 86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وهذه الآية المنسوخة تلاوة، الباقية حكماً هي التي قال فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم، قرأناها، ووعيناها، وعقلناها، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى أن طال بالناس زمان، أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن؛ من الرجال والنساء إذا قامت البينة، أو كان الحَبَلْ، أو الإعتراف)) (2) (1) . تواتر حد الرجم: وفي إعلان عمر بالرجم، وهو على المنبر، وسكوت الصحابة وغيرهم من الحاضرين عن مخالفته بالإنكار، دليل على ثبوت الرجم وتواتره (3) (2) . فرق قديمة أنكرت الرجم: وما خشيه عمر رضي الله عنه قد وقع، فانكر الرجم طائفة من الخوارج أو معظمهم، وبعض المعتزلة، ويحتمل أن يكون استند في ذلك إلي توفيق (4) (3) . ويؤيده رواية أحمد عن ابن عباس قال: خطب عمر بن الخطاب، فحمد الله، وأثني عليه فقال ((ألا وإنه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرجم، وبالدجال، وبالشفاعة، وبعذاب القبر، وبقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا)) (5) (4)   (1) 2) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الحدود، باب رجم الثيب في الزنا 6 / 260 رقم 1691، والبخاري (بشرح فتح الباري) كتابالحدود، باب الاعتراف بالزنا 12 / 140 رقم 6829. (2) 3) المنهاج شرح مسلم 6 / 207 رقم 1691، وينظر: تلخيص الحبير 4 / 140 رقم 1746 وسبل السلام 3 / 1276. (3) 4) فتح الباري 12 / 103 رقم 6830، وينظر: المنهاج شرح مسلم 6 / 207 رقم 1691. (4) 5) أخرجه أحمد في مسنده 1 / 23، وفيه علي بن زيد وهو سئ الحفظ، وبقية رجاله ثقات، كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7 / 207، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 7 / 315 رقم 13329، والطبري في تفسيره 18 / 49، 50، وينظر: فتح الباري 12/153رقم 6830. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 الرد علي دعوي مخالفة السنة للقرآن في حد الزنا: يقول الإمام الشاطبي (1) : رداَ على دعوى مخالفة الرجم والتغريب للقرآن الكريم، قال: ((هذا اتباع للمتشابه، لأن الكتاب في كلام العرب، وفي الشرع يتصرف على وجوه منها الحكم، والفرض في قوله تعالى: {كتاب الله عليكم} (2) وقال تعالى: {كتب عليكم الصيام} (3) وقال سبحانه: {وقالوا ربنا لما كتبت علينا القتال} (4) . فكان المعني: لأقضين بينكما بكتاب الله، أي بحكم الله الذي شرع لنا، ولا يلزم أن يوجد هذا الحكم في القرآن، كما أن الكتاب يطلق على القرآن، فتخصيصهم الكتاب بأحد المحامل من غير دليل إتباع لما تشابه من الأدلة)) (5) ثم قال الإمام الشاطبي: ((وقوله من زعم (6)   (1) هو: أبو اسحق إبراهيم بن موسى الغرناطي، الشهير بالشاطبي، أصولي، متكلم، مفسر، لغوي، من مصنفاته النفيسة: الموافقات في أصول الفقه، والإعتصام في الحوادث والبدع، مات سنة 790 هـ له ترجمة في: شجرة النور الذكية صـ 231 231رقم 828، والمجددون في الإسلام لعبد المتعال الصعيدي صـ 305، والفتح المبين لعبد الله المراغي 2 / 204. (2) جزء من الآية 24النساء. (3) جزء من الآية 183 البقرة. (4) جزء من الآية 77 النساء. (5) الإعتصام 1 / 199، 200. (6) حكاية منه عن أهل الإبتداع قديماً، وتابعهم حديثاً: توفيق صدقي في مقاله ((الإسلام هو القرآن وحده)) انظر: مجلة المنار المجلد9 / 523، 524، وأحمد حجازي السقا في كتابيه إعجاز القرآن صـ 79، ودفع الشبهات صـ 108، والسيد صالح أبو بكر في الأضواء القرآنية 2 / 313، 314، ومصطفي المهدوي في البيان بالقرآن 1 / 334، 356، ونيازي عز الدين في كتابيه دين السلطان صـ 642، 948 وما بعدها، وإنذار من السماء صـ 576، وأحمد صبحي منصور في لماذا القرآن صـ 112، ولا رجم للزانية لأحمد حجازي السقا صـ 17 ـ 162، ودفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين لصالح الورداني صـ 140، وإعادة تقييم الحديث لقاسم أحمد صـ 124، وتبصير الأمة بحقيقة السنة لإسماعيل منصور صـ 657، وتطبيق الشريعة الإسلامية بين الحقيقة وشعارات الفتنة صـ 141، 142، والحكم بالقرآن لجمال البنا صـ 135 ـ 140، والخطوط الطويلة لمحمد علي الهاشمي صـ 25، والسنة ودورها في الفقه الجديد صـ 22، 254، ومشروع التعليم والتسامح لأحمد صبحي منصور وآخرون صـ 289، وجريدة الجيل العدد 31 في 30 / 5 / 1999 مقال لمحمد عبد اللطيف مشتهري، وجريدة صوت الأمة العدد 110 الاثنين 6 / 1 / 2003 مقال لعلي يوسف علي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 أن قوله تعالى في الإماء: {فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} (1) .لا يعقل على ما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم، ورجمت الأئمة بعده. (2) لأنه يقتضي أن الرجم ينتصف، وهذا غير معقول، فكيف يكون نصفه على الإماء؟ هذا ذهاباً منهم إلي أن المحصنات هن ذوات الأزواج، وليس كذلك بل المحصنات هنا المراد بهن الحرائر، بدليل قوله تعالى: - {ومن لم يستطع منكم طولاًُ أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} . (3) وليس المراد هنا إلا الحرائر؛ لأن ذوات الأزواج لا تنكح. (4) وتأكيداً على أن حد الأمة نصف حد الحرة ((بالجلد دون الرجم)) سواء كانت محصنة بالتزويج أم! جاء التقييد في الآية الكريمة في حق الإماء {فإذا أحصن} قال تعالى: {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} . (5) أي على الإماء وإن كن محصنات بالتزويج، وجوب نصف حد المحصنات ((وهن الحرائر غير المتزوجات)) كما قال الإمام الشاطبي. فلئلا يتوهم أن الأمة المزوجة ترجم جاء التقييد في الآية الكريمة. وقد أجمع العلماء على أنها لا ترجم (6) وهذا الإجماع قائم على الآية السابقة، وما ورد في صحيح السنة النبوية الشريفة في تأكيدها وبيانها، من أحاديث مطلقه في حكم الأمة إذا زنت بالجلد.   (1) جزء من الآية 25 النساء (2) راجع حديث ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم، وقد سبق قريباً. (3) الآية 25 النساء. (4) الإعتصام 2 / 559، 560. (5) جزء من الآية 25 النساء. (6) ينظر: المنهاج شرح مسلم 6/229رقم 1703، وشرح الزرقاني علي الموطأ 4/158رقم1593. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها، فيجلدها الحد. ولا يثرب عليها. ثم إن زنت، فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها. ثم إن زنت الثالثة، فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر)) (1) . قلت: إن الرجم والنفي في البيان النبوي يوافق القرآن الكريم فيما ذكره من مضاعفة العذاب؛ قال تعالى: { ... ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا يضاعف له العذاب يوم القيامة} (2) فكان الرجم عقاب مضاعف، وأشد لمن زنا وهو متزوج، مقارنة بمن زني وهو غير متزوج، حيث أخف عقوبة بجلده، ومضاعفته بنفيه عام. وتبدو حكمة التغريب للزاني غير المحصن في أنه " تمهيد لنسيان جريمته، وإبعاد له عن المضايقات التي قد يتعرض لها، فهي عقوبة لصالحه أولاً، ولصالح الجماعة ثانياً. والمشاهد حتى في عصرنا الحالي الذي إنعدم فيه الحياء، أن كثيريين ممن تصيبهم معرة الزنا يهجرون موطن الجريمة مختارين لينأوا بأنفسهم عن الذلة والمهانة التي تصيبهم في هذا المكان. الرجم من كرهه نظرياَ فسوف يرضي به عملياَ اللهم إلا أن يكون.! (3) وكذلك الرجم: يستهدف إصلاح المجتمع، وقد استفظعه قوم يرضون به لو كان الزاني قد زنا بمن هي من أهله. فهو وإن كرهه نظرياً، فسوف يرضي به عملياً، اللهم إلا أن يكون ديوساً لا غِيرةَ له على أهله، وإباحياً لا دين له، ومثل هذا لا وزن له عند العقلاء!   (1) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الحدود، باب رجم اليهود 6/226رقم1703، والبخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الحدود، باب لايثرب علي الأمة إذا زنت، ولاتنفي 12/171 رقم 6839. (2) الآيتان 68، 69 الفرقان. (3) ينظر: التشريع الجنائي الإسلامي لعبد القادر عودة 1/640. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وفيما نشاهده أن الناس الأحرار يأبون أي شئ إلا القتل عقوبة للزاني في طرق ملتوية، وكثيراً ما تكون وسائلها المكر والخديعة والخيانة أو دس السم وغير ذلك، دون أن يفرقوا في حالة الزاني متزوج أم غير متزوج! فإذا أراح القرآن الكريم الناس، وأمر برجم الزاني المحصن فقد رحم الناس من حيث يشعرون أو لا يشعرون (2) . (1)) . الرجم هو القتل لا غير، وقوانين العالم كله تبيحه: وأخيراً: (2) فإن الرجم هو القتل لا غير، وإن قوانين العالم كله تبيح القتل عقوبة لبعض الجرائم، ولا فرق بين من يقتل شنقاً، أو ضرباً بالرصاص، أو رجماً بالحجارة، فكل هؤلاء يقتل، ولكن وسائل القتل هي التي فيها الإختلاف. ثم إن التفكير في الرجم بالحجارة لا يتفق مع طبيعة العقاب، فالموت إذا تجرد من الألم والعذاب كان من أتفه العقوبات، فالناس لا يخافون الموت في ذاته، وإنما يخافون العذاب الذي يصحب الموت. وقد بلغت آية الزنا الغاية في إبراز هذا المعني حيث جاء فيه {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} (1) (3) . جـ - الرجم من أقدم العقوبات التي عرفتها البشرية: لو رجعنا إلي القرآن الكريم لوجدنا أنه يثبت بأن الرجم من أقدم العقوبات التي عرفتها البشرية.   (1) 2) نظرة القرآن إلي الجريمة والعقاب ص245، 246، وينظر: التشريع الجنائي الإسلامي 1/641، وعقوبة الحد في ضوء القرآن الكريم وأثرها في إصلاح المجتمع للدكتور محمد زواوي، ومنهاج السنة في الحدود وأثره في صلاح المجتمع للدكتور عبد المنعم عطية. (3) 1) جزء من الآية 2 النور، وينظر: التشريع الجنائي الإسلامي 1 / 641. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وأول ما يمكن التوقف عنده قصة سيدنا نوح - عليه السلام - الذي يمكن أن يعد الأب الثاني للبشرية بعد آدم - عليه السلام - وفي قصته التي يذكر فيها القرآن الكريم جانبَا منها تأتي كلمة ((الرجم)) في قوله تعالى {قاالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين} (1) ومما ينبغي أن نلحظه في قوله تعالى (من المرجومين) أن حرف الجر ((من)) للتبعيض أي من بعض المرجومين ... . ... ... ... ... ... ... وفي ذلك دلالة دلالة واضحة على أن قومه كانوا يمارسون رجم من يخالفهم، وأن الرجم عادة اتخذها قومه في العقوبات. وفي قصة سيدنا لإبراهيم - عليه السلام -، وفي حواره مع أبيه قال له أبوه {قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك} (2) وفي قصة سيدنا موسى - عليه السلام - تستوقفنا الآية الكريمة {وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون} (3) أي تقتلوني رجماً (4) . وفي قصة سيدنا شعيب - عليه السلام -، وفي دعوته مع قومه وحواره معهم قالوا له {ولولا رهطك لرجمناك} (5) أي لقتلناك بالرجم وهو شر قتله (6) .. وهذا ما نجده مع رسل سيدنا عيسي - عليه السلام - الثلاثة الذين بعث بهم إلي القرية (إنطاكية) (7) لهداية أهلها، ولكنهم رفضوا الهداية، وهددوهم بالقتل، قال تعالى على لسانهم: {لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم} (8) .   (1) الآية 116 الشعراء (2) الآية 46 مريم. (3) الآية 20 الدخان. (4) تفسير النسفي 3 / 37. (5) الآية 91 هود. (6) تفسير النسفي 2 / 202. (7) بالفتح ثم السكون، والباء مخففه، من أعيان بلاد الشام وأمهاتها، موصوفة بالحسن، وطيب الهواء، وعذوبة الماء، وكثرة الفواكه، وسعة الخير، معجم البلدان 1 / 266. (8) الآية 18 يس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وفي قصة أهل الكهف التي قيل إن أحداثها جرت بعد الميلاد، وردت كلمة الرجم في قوله تعالى: {إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدَا} (1) . من كل ما تقدم يمكن استخلاص أن عقوبة الرجم بالحجارة عرفتها البشرية منذ أقدم العصور، وقد ترسخت عند كثير من الشعوب القديمة على اختلاف أزمانها، وأماكنها، وارتضتها ضمن تشريعاتها وقوانينها. الرجم عقوبة ثابتة في الشريعة اليهودية والنصرانية: كما أن هناك استخلاصاً مهماً في كل ما سبق وهو أن الرجم عقوبة ثابتة في حق الزناة في الشريعة اليهودية والمسيحية. يدل على ما روي في الصحيح عن البراء بن عازب رضي الله عنه (2) قال: ُمرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهوديِّ مُحَمَّمًا (3) مجلوداً. فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقال (هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟) قالوا نعم، فدعا رجلاً من علمائهم. فقال ((أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى! أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟)) قال: لا. ولولا أنك نشدتي بهذا لم أخبرك. نجده الرجم. ولكنه كثر في أشرافنا. فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه. وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد. قلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع. فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم! إني أولُ من أحيا أمرك إذا أماتوه)) .   (1) الآية 20 الكهف. (2) صحابي جليل له ترجمة في: اسد الغابة 1 / 362 رقم 389، ومشاهير علماء الأمصار صـ 55 رقم 272، والرياض المستطابةصـ 37، وتاريخ الصحابة صـ 42 رقم 103، والإستيعاب 1 / 155 رقم 173. (3) أي مسود الوجه، من الحُمَمَة ‍‍! الفَحْمَة، وجمعها حُمَم. أهـ ينظر: النهاية في غريب الحديث 1 / 427. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 فأمر به فرجم. فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرون يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تأتوه فاحذروا .... } (1) . يقولُ: ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم. فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه. وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا. فأنزل الله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} (2) {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} (3) {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} (4) في الكفار كلها. (5) من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن: وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: ((من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب، قال تعالى: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب} . (6) فكان الرجم مما أخفوا)) . (7) شبهة أعداء السنة حول آية الرجم المنسوخة تلاوة، والجواب عنها: ويبقي ما أورده البعض من خصوم السنة النبوية حول الآية المنسوخة التلاوة، الباقية الحكم ((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم)) (8)   (1) الآية 41 المائدة. ... ... ... (2) الآية 44 المائدة. (3) الآية 45 المائدة. (4) الآية 47 المائدة. (5) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الحدود، باب رجم اليهود، أهل الذمة في الزنى 6 / 244 رقم 1700، وينظر: حوار الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود للدكتور محسن عبد الناظر صـ 41-72. (6) الآية 15 المائدة. (7) أخرجه الحاكم في المستدرك 4/400 رقم 8069 وقال صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. (8) أخرجه الحاكم في المستدرك 4/400 رقم 8086، وقال صحيح الإسناد، وسكت عنه الذهبي ووافق تصحيح الحاكم بن حجر في فتح الباري 12/147 رقم 6829، وأخرجه النسائي في سننه الكبرى كتاب الرجم، باب نسخ الجلد عن الثيب 4/ 4/ 271 رقم 7150، وابن حبان في صحيحه (الإحسان بترتيب ابن حبان كتاب الحدود) ، باب إثبات الرجم لمن زنا وهو محصن 6/301 رقم 4411. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 أنكروا حكم الآية لاختلاف نظمها مع نظم القرآن الكريم وروعته (1) . وهذا الإنكار مردود عليهم بالقرآن الكريم في قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير} (2) . والمنسوخ تلاوة في الآية التي أنكروا حكمها لا يحتمل إلا ((إنساؤُه وهو حذف ذكرها عن القلوب بقوة إلهية)) (3) والمراد أن نص الآية المنسية يزول من الوجود، ولا يبقي في الذهن منها إلا آثار، وإنساء النص الذي يدل على الحكم لا يستلزم نسيان الحكم كما هو معلوم. (4) فإذا طبق الرسول صلى الله عليه وسلم الحكم بعد ذلك دل على أن الحكم باق غير منسوخ. وا لحكمة من رفع التلاوة مع بقاء الحكم ((ليظهر بذلك مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلي بذل النفوس بطريق الظن، من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به، فيسرعون بأيسر شئ، كما سارع الخليل بذبح ولده بمنام، والمنام أدني طريق الوحي، وأمثلة هذا الضرب كثيرة)) (5) زد على ما سبق أن الأمر في القرآن وأحكامه إلي الله عز وجل ينسخ ما يشاء مع بقاء النص الذي يستند إليه، ويبقي ما يشاء مع نسخ أو إنساء النص الذي كان دليلا عليه. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أنزل الله عز وجل في الذين قتلوا ببئر معونة (6)   (1) ينظر: الأصلان العظيمان لجمال البنا صـ 190 وما بعدها، ومجلة روزاليوسف العدد 3702 صـ 65 مقال لجمال البنا، والعدد 3699 صـ 30 - 33 مقال السيد القمني، (2) الآية 106 البقرة. (3) مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني صـ 547. (4) ينظر: الإتقان في علوم القرآن 3/69 نص رقم 4116، 4135، والبرهان في علوم القرآن 2/36. (6) موضع في بلاد هزيل بين مكة وعسفان، وهذه الغزة تعرف بسرية القراء، ينظر: معجم البلدان 1/302، وفتح الباري 7/438 رقم 4087. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 قرآناً قرأناه حتى نسخ بعد: (أن بلغ قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا، ورضينا عنه) . (1) وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه (2) قال: ((وإنا كنا نقرأ سورة. كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة. فأنسيتها غير أني قد حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغي وادياً ثالثاً. ولا يملأ جوف بن آدم إلا التراب. وكنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها. غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. فكتبت شهادة في أعناقكم. فتسألون عنها يوم القيامة)) (3) . فهذه الروايات المعتمدة وغيرها، تؤكد ما قلناه: وهو أن ما نسخت تلاوته أُنسِيَ فلم يبقي منه إلا ذكريات. فمن قارن بينه وبين القرآن، قارن بين ما هو غير موجود، وما هو موجود. ومن أنكره أنكر ما أثبتت الروايات وقوعه، وكابر في التاريخ الثابت الموجود!   (1) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب المساجد، باب استحباب القنوت 3/192 رقم 677، والبخاري (بشرح فتح الباري) كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع ن ورجع وذكوان، وبئر معونة 7/445 رقم 4095. (2) هو: عبد الله بن قيس بن سليم الأشعري، صحابي جليل له ترجمة في: اسد الغابة 3/364 رقم 3137، 6/299 رقم 6296 6296، وتذكرة الحفاظ 1/23 رقم 10، والإستيعاب 3/979 رقم 1639، ومشاهير علماء الأمصار صـ 47 رقم 216، والرياض المستطابة صـ 188-191. (3) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغي ثالثاً 4/151 رقم 1050، وللحديث شواهد عن ابن عباس، وأبيّ بن كعب، وغيرهما، ينظر صحيح مسلم (بشرح النووي) في الأماكن السابقة نفسها برقم 1049 1049 والبخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الرقاق، باب ما يتقي من فتنة المال 11/ 258 رقمي 6437، 6440. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 ومن اعتبر ما بقي منه قرأناً بنصه خالف القرآن بنسخه وإنسائه، وأتي بما ليس بقرآن موجود، مدعياً أنه قرآن! وعلى ما ذكرناه تحمل كل الروايات في هذا المجال.. فإذا قال الصحابي، قرأنا كذا، أو توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن، أو قال كنا نقرأ كذا فحفظت منه كذا، أو قال: فلا أدري من القرآن هو أم لا. كل ذلك محمول في قرآن نسي أو نسخ، ولم يبقي منه إلا بعض المعاني أو بعض الذكريات عبر عنها الصحابي بأسلوبه أو بالمعني، والرواية بالمعني ليست من القرآن الكريم! والدليل على ذلك: أن القرآن المجموع حفظاً وكتابةً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم في عهد أبي بكر، ثم في عهد عثمان بن عفان، لم يختلف فيه حرف عن حرف أو كلمة عن كلمة، ولا يوجد فيه شئ مما ذكر الصحابة أنه مما كان من القرآن. ومما يدل على ذلك أنه ما بقي من آثار القرآن المنسوخ لم يشتهر بين الصحابة، بل حكي كل واحد ما بقي من ذهنه مما كان ........... وما دام النص المنسوخ قد أُنسِيَ، أو ليس موجوداً، فمجال البحث والدراسة والتفسير والتأويل بالنسبة إليه غير ذي موضوع. لكن المهم هنا أن كل ما ذكرناه يؤكد أن الآية في قوله تعلي: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} (1) يراد بها الآية من القرآن التي تنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، وتنسخ تلاوتها، أو تُنسَي من القرآن، وهو ما تؤكده الروايات الواردة في ذلك، ومنها آية ((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما)) . (2) الحكمة من كراهة النبي صلى الله عليه وسلم كتابة آية الرجم المنسوخة تلاوة: وهذا الذي قلناه يفسر لنا لماذا كره النبي صلى الله عليه وسلم كتابة آية الرجم السابقة.   (1) الآية 106 البقرة، وينظر: الإتقان في علوم القرآن 3/71 نص رقم 4143. (2) سبق تخريجه صـ 86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 إذ كيف يسمح صلى الله عليه وسلم بكتابة شئ منسوخ تلاوة بجوار القرآن الكريم، وقد نهي صلى الله عليه وسلم عن كتابة أي شئ بجوار كلام الله عز وجل (1) في صحيفة واحدة لئلا يلتبس على من بعده، هل هو من القرآن أم لا! . (2) وليس أدل على ذلك في مسألتنا هذه من قول الصحابي الجليل بن عباس رضي الله عنه بعدما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لو أن لابن آدم ملء واد مالاً لأحب أن له إليه مثله؛ ولا يملأ عين بن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب)) قال: ابن عباس فلا أدري أهو من القرآن أم لا! (3) . فخشية هذا الإلتباس تحمل كراهته صلى الله عليه وسلم كتابة آية الرجم، ولو كانت آية الرجم بنص تلاوتها، كما أنزلت أولاً، ولم تُنْسَيَ، ولو كان صلى الله عليه وسلم مأموراً بكتابتها، لأمر بكتابتها شأنها شأن آيات الحدود الأخرى.   (1) فعن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لاتكتبوعنى، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه، وحدثوا عنى ولاحرج، ومن كذب على متعمداَ فليتبوأ مقعده من النار)) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الزهد ، باب التثبت فى الحديث، وحكم كتابة العلم 9/356 رقم 3004. (4) وكان هذا النهى النبوى فى أول الأمر مخافة َعلى كتاب الله عز وجل، وصيانة عن خلطه بالسنة الشريفة، التى كانوا يكتبونها بجوار القرآن فى صحيفة واحدة مما قد يلتبس على ممن كانوا حديثى عهد بالإسلام ولم يعتادوا على أسلوبه، وأكثرهم من الأعراب الذين لم يكونوا فقهوا فى الدين! وتأكيداَ لعلة النهى هذه. ينظر: السنة النبوية فى كتابات أعداء الإسلام للمؤلف 1/ 288 طبعة دار اليقين بالمنصورة (3) أخرجه البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الرقاق، باب ما يتقي من فتنة المال 11/258 رقم 6437. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 ومنها ما هو أفظع وأشد من حد الرجم كحد المحاربين الذين يسعون في الأرض فساداً والوارد في قوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} . (1) الجواب عن إشكال كراهة النبي صلى الله عليه وسلم كتابة آية الرجم ، وهم عمر رضي الله عنه بكتابتها: وكراهية النبي صلى الله عليه وسلم كتابة آية الرجم لا يشكل مع قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ((إياكم أن تَهْلِكُوا عن آية الرجم! لا يقول قائل لا نجد حديث في كتاب الله فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجم أبو بكر ورجمت، فوالذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها ((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)) فإنا قد قرأناهد (2) . فليس الظاهر من كلام عمر مراداً، وأن كتابة آية الرجم جائز، وأن المانع له من ذلك قول الناس! كلا! بل مراده المبالغة والحث على العمل بالرجم ~ إذ لا يسع مثل عمر مع مزيد فقهه تجويز كتابتها مع نسخ لفظها (3) .   (1) الآية 33 المائدة. (2) أخرجه الشافعي في مسنده، كتاب اختلاف الحديث صـ 294 رقم 792، والترمذي في سننه، كتاب الحدود، باب ما جاء في تحقيق الرجم 4 / 29 رقم 1431 وقال: حسن صحيح، ومالك في الموطأ كتاب الحدود، باب ما جاء في الرجم 2/ 628 رقم 10، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الحدود، باب ما يستدل به على أن جلد المائة ثابت على البكرين الحرين، ومنسوخ عن الثيبين، وأن الرجم ثابت على الثيبين الحرين 8 / 213. (3) ينظر: شرح الزرقاني على الموطأ 4 / 166 رقم 1601. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ويؤيد هذا المراد رواية الترمذي عن عمر قال رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجم أبو بكر، ورجمت، ولولا أني أكره أن أزيد في كتاب الله تعالى، لكتبته في المصحف، فإني خشيت أن تجئ أقوامٌ فلا يجدونه في كتاب الله تعالى، فيكفرون به)) . (1) ويؤكد ما سبق من علة كراهة كتابة آية الرجم، التباس آخر لو كتبت في المصحف، وهو أن العمل بها على غير الظاهر من عمومها. (2) كما جاء في رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما أنزلت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أكتبها؟! فكأنه كره ذلك، فقال عمر: ... ألا تري أن الشيخ إذا لم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زني وقد أحص)) (3) الجواب عمن أنكر آية الرجم تلاوة وحكماَ: أما زعم البعض أن الآية (تلاوة وحكماً) لم تكن في القرآن! ولو كانت لطبق الحد على كثيرين من الصحابة، اعتماداً على أن عمر بن الخطاب خطب الناس فقال ((لا تشكوا في الرجم، فإنه حق ولقد هممت أن أكتبه في المصحف، فسألت أُبَّيّ بن كعب فقال: أليس أتيتني وأنا أستقرئها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفعت في صدري، وقلت: تستقرئه آية الرجم وهم يتسافدون تسافد الحمر)) . (4)   (1) يراجع تخريج الحديث السابق. (2) ينظر: فتح الباري 12/148 رقم 6829، والإتقان للسيوطى 3/70 نص رقم 4318. (3) أخرجه النسائي في الكبرى كتاب الرجم، باب نسخ الجلد عن الثيب 4 / 270 رقم 7145، والحاكم في المستدرك 4/400 رقم 8071، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وروي نحو قول عمر من قول زيد بن ثابت لمروان بن الحكم، وأُبَّيّ بن كعب. ينظر: سنن النسائي الكبرى، الكتاب، والباب السابقين 4 / 271 رقمي 7148، 7149. (4) أخرجه بن الضريس في فضائل القرآن بإسناد رجاله ثقات كما قال الحافظ في فتح الباري 12/147 - 148 رقم 6829، وذكره السيوطي في الإتقان 3/70 نص رقم 4141 وسكت عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 يقول أحدهم: وهو ما يعني في حال تدوين الآية، وتطبيق الحد، وقوع الرجم على أعداد غفيرة من المسلمين زمن الدعوة. (1) مما يحمل تشكيكاً في ثبوت الحد، وتشكيكاً في الوقت نفسه بمجتمع الصحابة وتوهيناً للثقة فيهم. فهذا لا حجة فيه للطاعن في حد الرجم، لأن عدم التدوين في المصحف لا يعني عدم تطبيق الحد، لما تواتر في السنة العملية من تطبيق حد الرجم من رسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام رضي الله عنهم من بعد. كما أنه ليس في كلام عمر، ما يدل على زعم الزاعم أنه في حالة تطبيق الحد يقع على أعداد غفيرة من الصحابة زمن الدعوة! لأن كلمة عمر ((تستقرئه آية الرجم وهم يتسافدون تسافد الحمر)) لا تعني صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأطهار، وإنما تعني غيرهم ممن كان معهم زمن الدعوة من المنافقين، والمشركين، واليهود. ويحتمل أنها تعني من سيأتي فيما بعد من شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة وهم يتهارجون تهارج الحمر. (2) وهذا من حسن الظن بعمر رضي الله عنه وإلا فهل يظن بمثله أن يطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ !   (1) ينظر: مجلة روزاليوسف العدد 3699 صـ 32 مقال سيد القمني. (2) أي يتسافدون. النهاية في غريب الحديث 5 / 223، والحديث أخرجه مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه مرفوعاً: بعد أنذكر النبي صلى الله عليه وسلم موت يأجوج ومأجوج قال: ((إذ يبعث الله ريحاً طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم. فتقبض روح كل مؤمن، وكل مسلم ويبقي شرار الناس. يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة)) مسلم (بشرح النووي) كتاب الفتن، باب ذكر الدجال9/ 289 رقم 2137. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 إن كلمة سيدنا عمر تعني على فرض التسليم بظاهرها أن التهارج فيما بعد سيكون شائعاً وجزاؤه الرجم، ولكن إن كان هذا التهارج لا بينة عليه بأربعة شهود يرون جريمة الزنا على نحو صريح لا شبهة فيه، فلا حد حينئذاَ إلا بالإقرار أو الحَبَلْ. فالمقصود من كلمة عمر درء الحد مهما أمكن، فالحدود تسقط بالشبهات، كما سبق من قوله رضي الله عنه ((لأن أخطئ في الحدود بالشبهات، أَحَبُ إليَّ من أن أقيمها بالشبهات)) (1) . وكأن عمر يقول لأُبَّيّ بن كعب: كيف تستقرئه آية الرجم أو كيف نكتبها، وفي ظاهرها التباس في عمومها؛ وهو عموم ينافي درء الحد بالشبهة؟ ! وفي ذلك إشارة إلي: ((التخفيف على الأمة بعدم اشتهار تلاوتها وكتابتها في المصحف وإن كان حكمها باقياً، لأنه أثقل الأحكام وأغلظ الحدود، وفيه الإشارة إلي ندب الستر)) (2) . ثم إن تشكيك خصوم السنة النبوية، ودعاة التنوير الزائف، في حجية المصدر الذي أقيم على أساسه حد الرجم، بناء على هذه الآية المنسوخة تلاوة، الباقية حكماً. هذا التشكيك والإنكار لا يفيد في شئ! . لأن الرجم ثابت بالقرآن كما سبق (3) . وثابت بالسنة القولية، والعملية المتواترة عنه صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه رضي الله عنهم من بعده. فقد اشتهر وتواتر الرجم عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً في قصة ماعز والغامدية واليهوديين، وعلى ذلك جري الخلفاء بعده، فبلغ حد التواتر. (4)   (1) سبق تخريجه صـ 81. (2) الإتقان 3/70 نص رقم 4139، وينظر: فيض الباري على صحيح البخاري للكشميري 4/ 449. (3) يراجع: صـ 90. (4) تلخيص الحبير 4 / 147، وينظر: الأزهار المتناثرة صـ 59 رقم 82، وفي ثبوت الرجم عن الخلفاء الراشدين، وغيرهم وعدم إنكار ذلك عليهم من بقية الصحابة والتابعين، أبلغ رد على بعض خصوم السنة النبوية في زعمهم ((أن الرجم كان قبل نزول آية النور)) فيكون الجلد ناسخ للرجم على حد زعم أحمد حجازي السقا في كتابه ((لا رجم للزانية)) صـ 18. وأقول متسائلاً: هل خفيت دعوي النسخ هذه عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمع، وعن أئمة المسلمين من بعدهم، في مثل هذا الحد حتى تزعموا بعد هذا الإجماع، وبعد كل هذه القرون بلا دليل ولا بينة أن الرجم منسوخ؟ ! وينظر: مقال الدكتور مصطفي محمود في دعوي نسخ الرجم، جريدة الأهرام المصرية 5/8/200.ودين السلطان صـ 642 وما بعدها إلي ص 961، والدولة والمجتمع لمحمد شحرور صـ 276 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 فعن بريدة بن الحصيب الأسلمى رضي الله عنه (1) أن ماعز بن مالك الأسلمى أتي رسول الله فقال: يا رسول! إني قد ظلمت نفسي، وزينت، وإني أريدك أن تطهرني. فَردَّهُ.فلما كان من الغد أتاه فقال: يا رسول الله إني قد زنيت؛ فرده الثانية. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي قومه فقال: ((أتعلمون بعقله بأساً تنكرون منه شيئاً؟ فقالوا: ما نعلمه إلاَّ وفيَّ العقل. من صالحينَا فيما نُري. فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضاً فسأل عنه فأخبروه: أنه لا بأس به، ولا بعقله، فلما كان الرابعة حُفِرَ له حفرة ثم أمر به فرجم.)) . (2)   (1) صحابي جليل له ترجمة في: اسد الغابة 1/ 367 رقم 398، والرياض المستطابة صـ 39، ومشاهير علماء الأمصار صـ 78 رقم 414، وتاريخ الصحابة ص43 رقم 108. (2) ولأن الإسلام يحث على الستر، ودرء الحد بالشبهات، كان قول النبي صلى الله عليه وسلم لماعز لما جاء معترفاً بالزنا، قال له: ((لعلك قبَّلْت، أو غمزت، أو نظرت؟ قال لا يا رسول الله، قال: أنكتها؟ لا يكني، قال فعندئذ أمر برجمه)) أخرجه البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الحدود، باب هل يقول الإمام للمقر: لعلك لمست أو غمزت؟ 12 / 138 رقم 6824 من حديث ابن عباس رضي الله عنه.ولأن هزالاً أمر ماعزاً أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره بما صنع لعله يستغفر له، وبرجاء أن يكون له مخرجاً، كان قول النبي صلى الله عليه وسلم لهزال: ((لو سترته بثوبك كان خيراً لك)) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الحدود، باب الستر على أهل الحدود 4/134 رقم 4377، والحاكم في المستدرك 4/403 رقم 8080 وصححه، ووافقه الذهبي.من حديث نعيم بن هزال، ومن هنا قال بريدة: كنا أصحاب محمد نتحدث، لو أن ماعز أو هذه المرأة لم يجيئا في الرابعة، لم يطلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم)) أخرجه الحاكم في المستدرك 4/426 رقم 8163 وصححه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 قال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني. وإنه ردها فلما كان الغد قالت يا رسول الله لم تَرُدَنِي؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزاً. فو الله إني لحُبْلَي. قال: ((إمَّا لا، فاذهبي حتى تلدي)) فلما ولدت أتته بالصبي في خرقهِ قالت:هذا قد ولدته. قال: ((اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)) . فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز. فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام. فدفع الصبي إلي رجل من المسلمين. ثم أمر بها فحفر لها إلي صدرها، وأمر الناس فرجموها. فيقبل خالد بن الوليد بحجر. فرمي رأسها. فتنطح الدم على وجه خالد فسبها. فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبَّه إياها. فقال: ((مهلاً يا خالد! فوالذي نفسي بيده، لقد تابت توبة، لو تابها صاحب مَكْسٍ (1) لغفر له)) ثم أمر بها فصلي عليها ودفنت (2) . الجواب عمن زعم أن الرجم حكم ثابت بالسنة، ولكنه حكم مؤقت: بقي الرد على من زعم أن الرجم حكم ثابت بالسنة النبوية، ولكنه حكم مؤقت! إذ يقول بعضهم بعد أن أقر بثبوت الرجم في السنة النبوية القولية والعملية المتواترة قال: ((ونحن نقول إنه مع ثبوت وقوع حالات الرجم في عهد الرسول، فإن استقصاء هذه الحالات ينتهي إلى أن من الممكن إيقاف هذه العقوبة دون مخالفة للسنة، ومع هذا فإذا أصر دعاة الرجم على أقوالهم فهناك مخرج يقوم على عدم تأبيد بعض أحكام السنة)) (3) .   (1) المكس: الضريبة التي أخذها الماكس، وهو العشار. النهاية في غريب الحديث 4/297. (2) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا 6/212 رقم 1695 والحديث مروي عن جماعة من الصحابة من بعده صلى الله عليه وسلم كثيرة. ينظر: تلخيص الحبير 4/142 - 173. (3) مجلة روزاليوسف العدد3702 ص35، مقال لجمال البنا بعنوان (أجل من الممكن ايقاف الرجم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وهذا الزعم مبني على مذهبه ((بأن الرسول والخلفاء الراشدون والصحابة أرادوا عدم تأبيد ما جاءت به السنن من أحكام)) (1) . ويجاب عن ذلك: بأن تلك الدعوى لا دليل عليها، ويبطلها كلام رسول الله (وسيرة أصحابه الأطهار من بعده. فإذا كان رسول الله (أراد عدم تأبيد ما جاءت به السنة النبوية من أحكام، فعلام إذاً يقرنها مع كتاب الله عز وجل مبيناً أن الإعتصام بها عصمة من الضلال في قوله: ((إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدَا كتاب الله، وسنة نبيه)) (2) . وعلام يأمر بتبليغ سنته المطهرة في قوله (: ((ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من أن يبلغه يكون أوعى له من بعض مَن سمعه.)) . (3)   (1) السنة ودورها في الفقه الجديد لجمال البنا ص202، 252، والسلطة في الإسلام لعبد الجواد ياسين صـ 23، وإنذار من السماء لنيازي عز الدين صـ 142. (2) أخرجه الحاكم في المستدرك 1/171، 172، رقم 318 من حديث بن عباس رضي الله عنهم، وقال في اسناده عكرمة، واحتج به البخاري، وبن أبي أويس، واحتج به مسلم، وسائر رواته متفق عليهم، ثم قال: وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأخرجه في الموضع السابق، ووافقه الذهبي وقال: وله أصل في الصحيح أهـ. (3) أخرجه البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناظرة) 13/433 رقم 7447، ومسلم (بشرح النووي) كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض 6/182 رقم 1679 من حديث أبي بكر رضي الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 وعلام يوصي بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين والعض عليه بالنواجذ عند الإختلاف في قوله (: ((فإنه من يعش منكم: فسيري اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ.)) (1) وعلام التحذير الشديد من الكذب عليه (في قوله: ((إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.)) . (2) وعلام يحذر ممن يأتيه الأمر مما أمر به أو نهي عنه فيعترض ويقول: ((بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه.)) . ... ثم يبين رسول الله (أن ما يحرمه بوحي غير متلو مثل ما يحرمه الله عز وجل في قرآنه المتلو قائلاً: ((ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله.)) (3)   (1) أخرجه أبو داود في سننه كتاب السنة، باب لزوم السنة 4/200 رقم 4607، والترمذي في سننه كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع 5 / 43، 44 رقم 2676، وابن ماجه في سننه المقدمة، باب إتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين 1/15 - 17 رقمي 42، 43. (2) أخرجه مسلم (بشرح النووي) المقدمة، باب تغليظ الكذب على رسول الله (1 / 101 رقم 4، والبخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الجنائز، باب ما يكره من الناحية على الميت 3 / 191 رقم 1291. (3) أخرجه بن ماجه في سننه المقدمة، باب تعظيم حديث رسول الله والتغليظ على من عارضه 1/20 رقم 12، وأبو داود في سننه كتاب السنة 4 / 200 رقم 4604، والترمذي في سننه كتاب العلم، باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي (5/36 رقم 2664، وقال حسن غريب، وابن حبان في صحيحه (الإحسان بترتيب صحيح بن حبان) ، باب الإعتصام بالسنة وما يتعلق بها نفلاً وأمراً وزجراً 1 /107 رقم 12، والحاكم في المستدرك 1 / 191 رقم 371، وسكت عنه الحاكم والذهبي، وصححه الشيخ أحمد شاكر في هامش الرسالة للشافعي صـ 90، 91. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 .. وذلك التحريم دين دائم إلي يوم القيامة كما سيأتي من قول أئمة المسلمين. وعلام يصف الزائغ عن سنته المطهرة بأنه هالك كما قال (: ((قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك.)) . (1) فعلام يدل هذا إن لم تكن أحكام السنة حجةً وديناً عاماً دائماً كالقرآن الكريم! إن كل ما نقلناه هنا من هذه الأحاديث ونحوها كثير بمثابة التصريح من رسول الله (بأن سنته المطهرة حجة ودين عام دائم ملازم للقرآن الكريم. وهذا ما فهمه الصحابة من رسول الله (، فهم أول المخَاطَبين بكتاب الله عز وجل، وفيه الأمر بطاعته (والتحذير من مخالفة أمره. قال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} . (2) فهل هذا الأمر الإلهي بإتباع أمر نبيه (الوارد في سنته المطهرة أراد به رب العزة ألا يكون ديناً عاماً دائماً كالقرآن؟؟؟ . إن القول بهذا طعن في القرآن نفسه، وفي عالمية الدعوة الإسلامية؛ ثم إن رب العزة يقسم بذاته المقدسة على عدم إيمان من يُحَكِّم رسوله في كل شأن من شئون حياته، ومن المعلوم بالضرورة، أننا نُحَكِّمْ الرسول (بذاته وهو حي، فإذا انتقل الرسول (إلي الرفيق الأعلى حَكَّمْنَا سنته المطهرة.   (1) جزء من حديث طويل أخرجه بن ماجه في سننه المقدمة، باب إتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين 1/29 رقم 43، وبن أبي عاصم في السنة، باب ذكر قول النبي (تركتم على مثل البيضاء، وتحذيره إياهم أن يتغيروا عما يتركهم عليه 1/26 رقم 48. (2) جزء من الآية 63 النور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 على أنه ليس فقط أن نُحَكِّمْ الرسول (وسنته، بل لا بد وأن تمتلئ قلوبنا بالرضا والسعادة بهذا الحكم النبوي، وأن نخضع له خضوعاً كاملاً مع التسليم التام قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون به حتى يُحَكَّمُوكَ فيما شَجَرَ بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} (1) . وعلى ذلك يؤكد رسول الله (بقوله: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تَبَعًا لما جئتُ بهِ)) . (2) ولم يخالف في ذلك أحد من أصحاب رسول الله (، ولا يقول بخلاف هذا إلاَّ من جهل طريقتهم في العمل بأحكام الدين، وكيف كانوا يأخذونها. فالصحابة أجمع وعلى رأسهم الخلفاء الراشدين كانوا يعظمون حديث رسول الله (ويحكمونه في كل شأن من شئون حياتهم. فعن ميمون بن مهران (3) قال: كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يَقْضِي به قضي به، وإن لم يكن في الكتاب، وعلم من رسول الله (في ذلك الأمر سنة قضي بها، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين، وقال آتاني كذا وكذا!   (1) الآية 65 النساء. (2) أخرجه بن عاصم في السنة، باب ما يجب أن يكون هوي المرء تبعاً لما جاء به النبي (1 / 12 رقم 15، والبغوي في شرح السنة كتاب الإيمان، باب رد البدع والأهواء 1 / 145 رقم 104، وقال النووي في أربعينه " هذا حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح " ينظر: جامع العلوم والحكم 2 / 386 رقم 2154، وقواعد التحديث للقاسمي صـ 45. (3) هو: أبو أيوب الرقي ميمون بن مهران الجزري، روي عن عائشة، وأبي هريرة، وطائفة، وعنه أبو بشر، والأوزاعي وخلق كثير، متفق على توثيقه، مات سنة 117 هـ له ترجمة في تذكرة الحفاظ 1/98 رقم 91، وتقريب التهذيب 2/243 رقم7075، والكاشف 2/ 203 رقم 5764، والثقات للعجلي صـ 445 رقم 1669. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 فهل علمتم أن رسول الله (قضي في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر عن رسول الله (فيه قضاءًا، فيقول أبو بكر: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا، فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله (جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على شئ قضي به. (1) وعن جابر بن زيد (2) أن ابن عمر لقيه في الطواف، فقال له يا أبا الشعثاء إنك من فقهاء البصرة، فلا تُفْتِ إلا بقرآن ناطق أو سنة ماضية، فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت. (3) وعن شريح القاضي: (4)   (1) أخرجه الدرامي في سنته المقدمة، باب الفتيا وما فيه من الشدة 1/69، 70 رقم 161 وينظر: أعلام الموقعين 2 / 62 (2) هو: أبو الشعثاء الأزدي، جابر بن زيد، روي عن بن عباس،وعنه قتادة، وأيوب، وخلق كثيرون، متفق على توثيقه مات سنة 93هـ له ترجمة في: تقريب التهذيب 1 / 152 رقم 867، والكاشف 1/287 رقم 728، والثقاب للعجلي صـ 93 رقم 194. (3) أخرجه الدرامي في سننه المقدمة، باب الفتيا وما فيه من الشدة 1 / 70 رقم 164، وجامع بيان العلم 2 / 56. (4) هو: شريح بن الحارث بن قيس الكندي، أبو أمية الكوفي، روي عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وعنه الشعبي والنخعي وطائفة، مخضرم، ثقة، مات قبل الثمانين أو بعدها، له ترجمة في تذكرة الحفاظ 1 / 59 رقم 44، وتقريب التهذيب 1 / 416 رقم 782 والثقات لابن شاهين صـ 163 رقم 509، وطبقات الحفاظ للسيوطي صـ 27 رقم 42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 أن عمر بن الخطاب كتب إليه ((إن جاءك شئ في كتاب الله فاقض به، ولا يلتفتك عنه الرجال، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله فانظر في سنة رسول الله (، فاقض بها، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله، ولم يكن في سنة من رسول الله (فانظر ما اجتمع عليه الناس فخذ به، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله و، ولم يكن في سنة رسول الله (، ولم يتكلم فيه أحد قبلك، فاختر أي الأمرين شئت: إن شئت أن تجتهد برأيك ثم تقدم فتقدم، وإن شئت أن تتأخر فتتأخر، ولا أري إلاَّ التأخير خيرًا لك.)) . (1) ونحو ذلك روي بن مسعود وابن عباس وغيرهم (2) رضي الله عنهم أجمعين. وبذلك كانت مصادر الأحكام في الصدر الأول بأربعة: 1- القرآن الكريم: وهو المصدر الأول لهذا الدين، وعمدة الملة، وكانوا يفهمونه واضحاً جلياً، لأنه بلسانهم نزل، مع ما امتازوا به من معرفة أسباب نزوله. 2- السنة النبوية: وهي المصدر الثاني الملازم للمصدر الأول، وقد اتفقوا على اتباعها متي ظفروا بها. القياس: أو الرأي المستند إلي كتاب الله عز وجل، أو سنة رسول الله ( الإجماع: المستند إلي نص من كتاب أو سنة أو قياس. (3) ولم يزل أئمة الإسلام من المحدثين والفقهاء من التابعين فمن بعدهم إلي يومنا هذا وإلي أن تقوم الساعة على تحكيم سنة رسول الله (!! فكيف يصح بعد ذلك القول بأن رسول الله (وأصحابهم وعلى رأسهم الخلفاء الراشدين أرادوا عدم تأبيد ما جاءت به السنن من أحكام؟ !!   (1) أخرجه الدرامي في سننه المقدمة، باب الفتيا وما فيه من الشدة 1/71، 72 رقم 167، وينظر: جامع بيان العلم 1 / 56 (2) ينظر: سنن الدرامي، وجامع بيان العلم في الأماكن السابقة، وأعلام الموقعين 1 / 57 - 86. (3) ينظر: تاريخ التشريع الإسلامي للشيخ محمد الخضري صـ 75، 76، وأصول الفقه الإسلامي للدكتور طه جابر العلواني صـ6- 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 اللهم إن هذا إنكار لإجماع الأمة منذ عهد نبينا (إلي يومنا هذا! وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها بحجية السنة المطهرة. واتخاذها ديناً عاماً دائماً ملازماً لكتاب الله عز وجل. وهذا الإجماع قائم على الحقائق الثابتة في كتاب ربنا عز وجل، وسنة نبينا (وسنة الخلفاء الراشدين، والصحابة أجمع رضي الله عنهم وعلى هذا الإجماع أئمة المسلمين من التابعين فمن بعدهم إلي يومنا هذا. وما أصدق ما قاله عمر بن العزيز (1) في إحدى خطبه قال: ((يا أيها الناس إن الله لم يبعث بعد نبيكم نبيًا، ولم يُنّّزِلْ بعد هذا الكتاب الذي أنزله عليه كتابًا، فما أحل الله على لسان نبيه (، فهو حلال إلي يوم القيامة وما حرم على لسان نبيه (فهو حرام إلي يوم القيامة، ألا إني لست بقاض ولكني منفذ، ولست بمبتدع ولكني متَبِعْ، ولست بخير منكم، غير أني أثقلكم حملاً، ألا وأنه ليس لأحد من خلق الله أن يطاع في معصية الله، ألا هل أَسْمَعْت)) (2)   (1) هو: عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي، أمير المؤمنين، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، وليَ إمرة المدينة للوليد، وكان مع سليمان كالوزير، ووُلِّيَ الخلافة بعده، فعد من الخلفاء الراشدين، مدة خلافته سنتان ونصف، توفي سنة101 هـ له ترجمة في: تقريب التهذيب 1 / 722 رقم 4956، وتذكرة الحفاظ 1/ 188 رقم 104 ، ومشاهير علماء الأمصار صـ 209 رقم 1411. (2) أخرجه الدرامي في سننه المقدمة، باب ما يتقي من تفسير حديث النبي (وقول غيره عند قوله (1/126 رقم 433. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وقال أيضاً رحمه الله تعالى: ((سن رسول الله (ولاة الأمر من بعده سنناً، الأخذ بها اتباع لكتاب الله عز وجل، واستكمال لطاعة الله عز وجل، وقوة على دين الله عز وجل، ليس لأحد من الخلق تغيرها ولا تبديلها ولا النظر في شئ خالفها، من اهتدي بها فهو المهتد، ومن انتصر بها فهو منصور، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه تعالى مما تولاه، وأصلاه جنهم وساءت مصيراً)) . (1) وقال الحافظ بن عبد البر (2) : ((ليس لأحد من علماء الأمة يثبت حديثاً عن النبي (ثم يرده دون إدعاء نسخ عليه بأثر مثله، أو إجماع، أو بعمل يجب على أصله الانقياد إليه، أو طعن في سنده، ولو فعل ذلك أحد سقطت عدالته، فضلاً عن يتخذ إماماً ولزمه إثم الفسق)) (3) أهـ. المبحث السادس: في بيان السنة لعقوبة المرتد الواردة في القرآن الكريم ودفع الشبهات تمهيد: أ- التعريف بحد الردة: هو حد الجناية على دين الإسلام، والخروج على جماعة المسلمين، وهو حد له نظائر في الشرائع السماوية جميعهاً، والقوانين الوضعية تحمي نفسها.   (1) ينظر: الشريعة للآجري صـ 48، 65، وجامع بيان العلم 2 / 186 - 187. (2) هو: يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي، أبو عمر، كان حافظ علماء الأندلس، وكبير محدثيها في وقته، وكان أولاً ظاهرياً، ثم صار مالكياً، فقيهاً حافظاً، عالماَ بالقراءات، كثير الميل إلي أقوال الشافعي، من مصنفاته: التمهيد شرح الموطأ، والاستذكار مختصره، والإستيعاب في معرفة الأصحاب، وجامع بيان العلم وفضله، وغير ذلك. مات سنة 464هـ.له ترجمة في تذكرة الحفاظ 3 / 1128 رقم 337، وشجرة النور الزكية 1/119 رقم 337. (3) جامع بيان العلم وفضله 2/194، وينظر: مائة سؤال عن الإسلام للشيخ الغزالي 2/41. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وكمثال: فإن في المسيحية ما يسمي (حق الحرمان) وهو عقوبة مشهورة ومطبقة، بل كان الباباوات يطبقونها على الخارجين عن سلطان الكنيسة، ولو كان من الأباطرة. وفي القوانين الوضعية المعاصرة أي إنسان يعتدي على النظام العام للدولة في أي أمة من الأمم سواء كان نظامها شيوعياً أو رأسمالياً أو غير ذلك يتعرض للعقاب، وقد يصل الأمر في ذلك إلي حد تهمة الخيانة العظمي، التي تعاقب عليها معظم الدول بالإعدام! فهل الدين أهون من مثل ذلك؟ ! إن الإسلام في تقريره عقوبة الإعدام للمرتدين منطقي مع نفسه، ومتلاق مع غيره من الشرائع السماوية السابقة، وغيره من النظم القديمة والمعاصرة. ب- حد الردة لا يناقض حرية الإعتقاد والفكر الواردة في القرآن الكريم. إن حرية العقيدة في الإسلام مكفولة ومقدسة إلي الحد الذي لا يجوز العدوان عليها، وهذا بصريح النصوص القرآنية التي تعلن أنه {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} . (1) ومن هنا كان تأكيد القرآن على ذلك تأكيداً لا يقبل التأويل في قوله عز وجل {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} . (2) وجاء التأكيد الصريح في ترك مسألة الإعتقاد للحرية الكاملة في قوله عز وجل {قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم وليَّ دين} (3) . هكذا بالإعلان الصريح أنتم أحرار في اختياركم وأنا حر في اختياري. أفبعد هذا حرية؟ ! وقد أكد رسول الله (تلك الحرية عملياً عندما هاجر إلي المدينة المنورة، ووضع أول دستور للمدينة حينما اعترف لليهود أنهم مع المسلمين يشكلون أمة واحد ة. (4)   (1) الآية 256 البقرة. (2) الآية 29 الكهف. (3) سورة الكافرون كلها. (4) قال ابن إسحاق: وكتب رسول الله (كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، واشترط عليهم وشرط لهم ((بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي (بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس ..... )) ينظر: السيرة النبوية لابن هشام 2/126 نص رقم 538. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 ومن منطلق هذه الحرية الدينية التي يضمنها الإسلام، كان إعطاء الخليفة الثاني عمر بن الخطاب للمسيحيين من سكان القدس الأمان ((لأنفسهم وأموالهم وصلبانهم.. لا تهدم، ولا ينتقص منها ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم.)) . (1) ومع تقرير الإسلام الحرية المطلقة في اختيار العقيدة، إلا أن تلك الحرية تقف عندما تبدأ حرية الغير وحقوقه. فكل فرد حر في أن يعتقد ما يشاء، وأن يتبني لنفسه من الأفكار ما يريد، حتى ولو كان ما يعتقده أفكاراً إلحادية، فلا يستطيع أحد أن يمنعه من ذلك طالما أنه يحتفظ بهذه الأفكار لنفسه، ولا يؤذي بها أحد من الناس. أما إذا حاول نشر هذه الأفكار التي تتناقض مع معتقدات الدين الإسلام، وتتعارض مع قيم الناس التي يدينون لها بالولاء، فإنه بذلك يكون قد اعتدي على حقوق هذا الدين وحقوق معتنقيه. ومعروف أن الإسلام عقيدة وشريعة، دنيا وآخره، وبتعبير عصرنا دين ودولة. فقتل المرتد عن دين الإسلام حينئذ ليس لأنه ارتد فقط؛ ولكن لإثارته الفتنة والبلبلة، وتعكير النظام العام في الدولة الإسلامية! . أما إذا ارتد بينه وبين نفسه دون أن ينشر ذلك بين الناس، ويثير الشكوك في نفوسهم فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بسوء، فالله وحده هو المطلع على ما تخفي الصدور. (2) ولن تخسر الأمة بارتداده شئ بل هو الذي سيخسر دنياه وآخرته قال تعالى: {ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.} . (3)   (1) ينظر: نص عهد الأمان كاملاً في تاريخ الرسل والملوك لابن جرير الطبري 3/609، وينظر: الكامل في التاريخ لابن الأثير 2/500،501. (2) الإسلام في مواجهة حملات التشكيك للدكتور محمود حمدي زقزوق صـ 128، 130 بتصرف. (3) الآية 217 البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 إن الإسلام إذ يقرر حرية العقيدة على ما سبق، لا يجبر أحد على الدخول فيه فإذا ارتضاه الإنسان بكامل إرادته وحريته واقتناعه، فعليه أن يلتزمه لأن الأمر في الدين جد، لا عبث فيه، لأنه بدخوله الإسلام أصبح عضواً في جماعة المسلمين له ما لهم، وعليه ما عليهم، وكأنه بهذا قد دخل مع جماعة المسلمين في عقد اجتماعي يقرر الإنتماء والولاء بكل ما لهما من حقوق وواجبات للفرد والأمة التي ينتمي إليها .... وبهذا العقد الاجتماعي يصبح الفرد وكأنه جزء من جسد الأمة على النحو الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: بقوله: ((مَثَلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد. إذا اشتكي منه عضو، تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمي.)) . (1) فإذا عنَّ لأحدهم بعد ذلك أن يرتد ـ أعني أن يفارق الأمة التي كان عضواً فيها وجزءاً منها تمنحه ولائها وحمايتها، ويسعي إلي تمزيق وحدتها، إنه بهذا قد مارس ما يشبه (الخيانة الوطنية) في المستوي السياسي. و خيانة الوطن في السياسة جزائها الإعدام ، ولن تكون أقل منها خيانة الدين! . (2) ونتساءل بعد ذلك الإستعراض: هل من حرية الفكر والإعتقاد أن يسلم رجل ليتزوج امرأة مسلمة، فإذا نال مبتغاه منها وتحولت عاطفته عنها رجع إلي دينه الأول .... ؟ أو هل من حرية الفكر أن يتصل شخص بأعداء أمته، وينقل إليهم أسرارها، ويتآمر معهم على مستقبلها؟ إنه لا بد من التفريق بين العبث بالدين أو خيانة الوطن وبين حرية الفكر! فالمسافة شاسعة بين المعنيين!   (1) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم 8/ 384 رقم 2586، والبخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم 10/452 رقم 6011 من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه. (2) القرآن والرسول ومقولات ظالمة للدكتور عبد الصبور مرزوق ص60- 62 بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وقد ذكر رب العزة في كتابه العزيز كيف أراد اليهود استغلال هذه الحرية لضرب الإسلام، وصرف الناس عنه: قال تعالى: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أُنْزِلَ على الذين أمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون.} . (1) فهل ترضي جماعة تحترم دينها بهذا العبث! أو أن ينجح هذا التلاعب؟ ‍‍‍‍‍! . وعندما ننظر إلي السيرة النبوية العطرة، وتاريخنا الإسلامي الطويل نجد أن قتلا المرتدين إلي أخر رمق، تم دفاعاً عن الدين والدولة معاً، وما سمعنا برجل قتل مرتداً لأنه ترك الصلاة مثلاً. إن الإرتداد كما شرحنا خروج على دولة الإسلام بغية النيل منها ومنه، والإتيان عليها وعليه، ومقاتلة المرتدين ـ والحالة هذه ـ دين. (2) ج- حد الردة لايناقض القرآن الكريم: إذا كان حد الردة في دين الإسلام عقوبة للمرتد، ليس لارتداده فقط، وإنما لإثارته الفتنة في صفوف جماعة المسلمين، وتشكيكهم في كتاب ربهم، وسنة نبيهم، بغية النيل من الإسلام وأهله. فإننا نجد حينئذ حد المرتد صريحاً في القرآن الكريم، والسيرة النبوية العطرة، وإليك تفصيل ذلك من القرآن الكريم، والسنة المطهرة: أولاً: أدلة قتل المرتد من القرآن الكريم: ففي القرآن الكريم يقول رب العزة: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقَتَّلوا.} . (3) والمحاربة نوعان: 1 - محاربة باليد 2- ومحاربة باللسان.   (1) الآية 72 آل عمران. (2) مائة سؤال عن الإسلام للشيخ محمد الغزالي 1/ 286 - 289 بتصرف. (3) الآية 33 المائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 1- والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكي من المحاربة باليد، ولذلك كان النبي (يقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد، (1) خصوصاً محاربة الرسول (بعد موته، فإنها تمكن باللسان، وكذلك الإفساد قد يكون باليد، وقد يكون باللسان، وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد، كما أن ما يُصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تُصلحه اليد، فثبت أن محاربة الله ورسوله باللسان أشد، والسعي في الأرض لفساد الدين باللسان أوكد. فهذا المرتد عن دين الإسلام المحارب لله ورسوله،أولي باسم المحارب المفسد من قاطع الطريق. ويؤكد أن المحارب لله ورسوله باللسان قد يفسر بالمحارب قاطع الطريق، ما رواه أبو داود في سننه مفسراً لقوله (: ((التارك لدينه المفارق للجماعة)) (2) . ((لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: رجل زني بعد إحصان فإنه يرجم، ورجل خرج محارباً لله ورسوله، فإنه يقتل أو يصلب، أو ينفي من الأرض، أو يقتل نفساً فيُقْتَل بها.)) . (3) فهذا المستثني هو المذكور في قوله ((التارك لدينه المفارق للجماعة)) ولهذا وصفه بفراق الجماعة، وإنما يكون هذا بالمحاربة.   (1) ينظر: ما سيأتي من أدلة السيرة على قتل المرتدة صـ 116. (2) عن ابن مسعود مرفوعاً: (لا يحل دم مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث، الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب القسامة، باب ما يباح به دم المسلم 6/179 رقم 1676، والبخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الديات، باب قوله تعالى: ((أن النفس بالنفس)) 12 12 /209 رقم 6878. (3) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الحدود، باب الحكم فيمن ارتد 4 / 126 رقم 4353. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 ويؤيد ذلك أن الحديثين تضمنَّا أنه لا يحل دم من يشهد: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والمرتد لم يدخل في هذا العموم، فلا حاجة إلى استثنائه. وعلى هذا فيكون ترك دينه عبارة عن خروجه عن موجب الدين، ويفرق بين ترك الدين وتبديله. أو يكون المراد به من ارتد وحارب كالعُرَنيين (1) . ويؤيد أن المرتد عن دين الإسلام المشكك، والطاعن في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله (محارب لله ورسوله، وتشمله الآية الكريمة. ما روي عن أنس، وابن عمر، وابن عباس وغيرهم، أن آية المحاربة نزلت في قوم من عرينة سرقوا، وقتلوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله. فعن ابن عمر أن ناساً أغاروا على إبل النبي (فاستاقوها، وارتدوا عن الإسلام، وقتلوا راعي رسول الله (مؤمناً، فبعث في آثارهم، فأخذوا، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسَمَلَ أعينهم، وقال: ونزلت فيهم آية المحاربة. (2) والعلاقة بين العقوبة والجريمة في الردة والبغي: هي المعاملة بالقسطاس المستقيم فلما كان المرتد يعد خارجاً على النظام العام، والباغي يبتغي تقويض نظام الحكم. والنظام، واستقرار الحكم، أمران ضروريان لا غني للبشر عنهما، فهدمهما هدم للحياة، والخيانة وعدم النظام، لا تستقيم الحياة معهما.   (1) الصارم المسلول على شاتم الرسول (لابن تيميه صـ 319، 385 بتقديم وتأخير. (2) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الحدود، باب ما جاء في المحاربة 4 / 131 رقم 4369، وينظر: الروايات الأخرى أرقام 4364- 4372 ففيها أيضاً التصريح بنزول آية المحاربة فيمن ارتدوا وحاربوا، وأصل قصة العرنيين في الصحيحين. ينظر:البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الحدود، باب المحاربين من أهل الكفر والردة 12 / 111-114 أرقام 6802 -6805، ومسلم (بشرح النووي) كتاب القسامة، باب حكم المحاربين والمرتدين 6/167 رقم 1671. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 فكان جزاءاً وفاقًا أن شرع الإسلام للمرتد والباغي عقوبة القتل (1) . وهذا القتل الذي جعله رب العزة عقوبة وحداً للمرتد والباغي، وصفه عز وجل بأنه خزي لهم في الدنيا، ولهم في الآخر عذاب عظيم، وهذا ما ختمت به آية المحاربة قال تعالى: {ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} . (2) 2- ويدل أيضاً على قتل المرتد قوله تعالى: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً. ملعونين أينما ثقفوا أُخِذُوا وقُتِّلُوا تقتيلاً. سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً} . (3) قال الحسن البصري: أراد المنافقون أن يظهروا ما في قلوبهم من النفاق، فأوعدهم الله في هذه الآية فكتموه وأسرُّوه. (4) وهذا يعني أن المنافق حين يظهر كفره، ويطعن في دين الله عز وجل، يُأْخَذْ ويُقْتَلْ عقاباً له.   (1) نظرة القرآن إلي الجريمة والعقاب صـ 252. (2) الآية 33 المائدة. قال الحافظ في فتح الباري 12/114 رقم 6805،أشكل ختام آية المحاربة مع حديث عباده الدال على أن من أقيم عليه الحد في الدنيا كان له كفارة، فإن ظاهر الآية أن المحارب يجمع له الأمران، والصحيح: أن حديث عباده مخصوص بالمسلمين بدليل أن فيه ذكر الشرك مع ما انضم إليه من المعاصي، كما حصل الإجماع على أن الكافر إذا قُتِلَ على شركه فمات مشركاً أن ذلك القتل لا يكون كفارةً له، وقام إجماع أهل السنة على أن من أُقيم عليه الحد من أهل المعاصي كان ذلك كفارة لإثم معصيته، والذي يضبط ذلك قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) الآية 28 النساء. والله أعلم أهـ. (3) الآيات 60 - 62 الأحزاب. (4) الصارم المسلول صـ 348، 349، وينظر: الدر المنثور 5 /222، وروح المعاني للألوسي 22 / 90، 91. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 و السؤال هنا: هل هناك شك في أن المرتد عن دين الإسلام منافق؟ يسعى إلي تفريق جماعة المسلمين، وإفساد دينهم عليهم؟ ! . فالمرتد كما سبق وأن قلنا: إن كانت ردته بينه وبين نفسه، دون أن ينشر ذلك بين الناس، ويثير الشكوك في نفوسهم، فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بسوء، فالله وحده هو المطلع على ما تُخفِي الصدور. أما إذا أظهر المرتد عن دين الإسلام ردته، وأثار الشكوك في نفوس المسلمين بالنطق بكلمة الكفر، وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة. كان حاله في هذه الحالة حال المنافق الذي يُظهر ما في قلبه من الكفر والنفاق؛ وجهاده واجب عملاً بقوله تعالى: 3- {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جنهم وبئس المصير. يحلفون ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله من فضله فإن يتوبوا يكُ خيراً لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من وليِّ ولا نصير} (1) ووجه الدليل في الآيتين: أن الله أمر رسوله (بجهاد المنافقين، كما أمره بجهاد الكافرين وأن جهادهم يمكن إذا ظهر منهم؛ من القول أو الفعل ما يُوجب العقوبة، فإنه ما لم يظهر منهم شئ البتة لم يكن لنا سبيل عليهم. فإذا ظهر منهم كلمة الكفر كما قال الله عز وجل {وكفروا بعد إسلامهم} فجهادهم بالقتل وهو العذاب الأليم الذي توعدهم به عز وجل في الدنيا بقوله: {وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة} . 4- وهذه الآية نظير قوله تعالى {قل هل تربصُّون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا} . (2)   (1) الآيتان 73، 74 التوبة. (2) الآية 52 التوبة، وهذه الآية نظير قوله تعالى (سنعذبهم مرتين ثم يردُون إلي عذاب عظيم) الآية 101 التوبة. والمراد بالمرة الأولي: في الدنيا بقتلهم، والثانية: في البرزخ في قبورهم، ينظر: تفسير القرآن العظيم 4/143،144، وفتح الباري 3/286 رقم 1369. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 قال أهل التفسير (أو بأيدينا) بالقتل: إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلناكم، وهو كما قالوا؛ لأن العذاب على ما يبطنونه من النفاق بأيدينا لا يكون إلا القتل لكفرهم (1) . فهل بعد كل هذه الآيات الكريمات شك، في أن المرتد إذا أظهر كلمة الكفر، مثل المنافق، جزاؤه القتل بصريح القرآن الكريم؟ ! . أما إذا كان المرتد ردته بينه وبين نفسه، ولم يعلن بها، فحكمه في هذه الحالة، حكم المنافق المعلوم نفاقه بعلامات المنافقين، غير أنه لم يعلن كلمة الكفر، فيعامل بحسب الظاهر من إيمانه، ويحصن به من القتل. وهذا من حكم عدم قتل النبي بعض المنافقين مع علمه بنفاقهم ! أن أجري عليهم أحكام الدنيا على حسب الظاهر من إيمانهم والله يتولى السرائر وهذا ما أكده النبي (في مواقف عدة منها: ـ قوله (لأسامة بن زيد رضي الله عنه لما أخبر النبي (أنه قتل من قال ((لا إله إلاَّ الله)) خوفاً من السيف، فقال له النبي (( (أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا)) فما زال يكررها علىَّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ. وفي رواية قال له رسول الله (( (فكيف تصنع بلا إله إلاَّ الله، إذا جاءت يوم القيامة؟ قال يا رسول الله! استغفر لي. قال: وكيف تفعل بلا إله إلاَّ الله إذا جاءت يوم القيامة؟ قال فجعل لا يزيده على أن يقول، كيف تصنع بلا إله إلاَّ الله إذا جاءت يوم القيامة؟ . (2) وقوله (للذي ساره في قتل رجل من المنافقين: ((أليس يشهد أن لا إله إلا   (1) الصارم المسلول على شتائم الرسول صـ 345. (2) جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الإيمان، باب تحريم الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله 1/376-37 378 أرقام 158 - 160، والبخاري (بشرح فتح الباري) كتاب المغازي، باب بعث النبي (اسامة بن زيد إلي الحرقات من جهينة 7/590 رقم 4269. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 الله؟ قال الأنصاري بلي يا رسول الله؛ ولا شهادة له. قال رسول الله ( أليس يشهد أن محمداً رسول الله؟ قال بلي يا رسول الله! قال: أليس يصلي؟ قال بلي يارسول الله؛ ولا صلاة له. فقال رسول الله (( (أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم)) . (1) وقوله (لخالد بن الوليد رضي الله عنه (2) لما استأذن في قتل رجل أنكر قسمته (فقال رسول الله (: ((لا. لعله أن يكون يصلي)) قال خالد: كم من مصل يقول بلسانه ماليس في قلبه! فقال رسول الله (إني لم أُومر أن أُنَّقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم)) (3) والأحاديث في ذلك كثيرة. فإعراض رسول الله (عن قتل بعض المنافقين مع علمه بنفاقهم وقبول علانيتهم لوجهين: الوجه الأول: أن عامتهم لم يكن ما يتكلمون به من الكفر مما يثبت عليهم بالبينة، بل كانوا يظهرون الإسلام، ونفاقهم كان يعرف بعلامات منها، الكلمة يسمعها الرجل المؤمن فينقلها إلي النبي (فيحلفون بالله أنهم ما قالوا؛ كما قال الله عز وجل: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} . (4)   (1) أخرجه أحمد في مسنده 5/432، 433، ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/24، وأخرجه الشافعي في مسنده صـ 510 رقم 1481، ومالك في الموطأ كتاب قصر الصلاة، باب جامع الصلاة 1 / 256 رقم 84. (2) صحابي جليل له ترجمة في: الإصابة 1/ 413 رقم 2206، والإستيعاب 2/603 رقم 621، واسد الغابة 2/140 رقم 1399 1399 وتاريخ الصحابة صـ 85 رقم 349، ومشاهير علماء الأمصار صـ 39 رقم 157. (3) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم 4/171 رقم 1064، البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: (وإلي عادٍ أخاهم هوداً) 6/433 رقم 3344 من حديث أبي سعيد الخدريرضي الله عنه (4) الآية 74 التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وقوله تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون. اتخذوا إيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون} . (1) فدلت هذه الآيات أن المنافقين كانوا يُرضون المؤمنين بالأيمان الكاذبة، وينكروا أنهم كفروا، ويحلفون أنهم لم يتكلموا بكلمة الكفر. وذلك دليل علي أنهم يُقتلون إذا ثبت عليهم ذلك بالبينة. وكذلك المرتد إذا أظهر ردته، ونطق بكلمة الكفر، وثبتت عليه البينة؛ قُتِلْ. الوجه الثاني: أنه (كان يخاف أن يتولد من قتلهم من الفساد أكثر من استبقائهم، وقد بين ذلك رسول الله (حين استأذنه عمر (2) في قتل رجل من المنافقين أنكر قسمته (فقال: صلى الله عليه وسلم معاذ الله! أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي. (3) فإنه لو قتلهم بما يعلمه من كفرهم لأوشك أن يظن الظانَّ أنه إنما قتلهم لأغراض وأحقاد (4) وبالجملة كان ترك قتلهم مع كونهم كفاراً، لعدم ظهور الكفر منهم بحجة شرعية، فإذا ظهر استحقوا القتل بصريح القرآن الكريم، والسنة النبوية، والسيرة العطرة التي ورد فيها إهدار دماء بعضهم.   (1) الآيتان 1، 2 المنافقون. (2) وهذا لا ينافي ما ورد في الرواية السابقة من استئذان خالد بن الوليد، لاحتمال أن يكون كل منهما استأذن في ذلك. ينظر: فتح الباري 9/715 رم 3610، ونيل الأوطار 1 / 289. (3) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج 4 / 170 رقم 1064 من رواية جابرعبد الله رضي الله عنه. (4) ينظر: الصارم المسلول صـ 355 - 358 بتصرف، وفتح الباري 12/285،294رقمي 6923، 6962. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وفيما سبق ردُ على من استدل بمواقف النبي (من بعض المنافقين، وأهل الكتاب بعدم قتلهم على نفي حد الردة. (1) ثانياً: أدلة قتل المرتد من السيرة العطرة: في صحيح السنة النبوية، والسيرة العطرة نجد التطبيق القولي والعملي من النبي (للآيات الكريمات السابقة المجاهدة لكل من يرتد ويظهر كلمة الكفر، ويفسد على المسلمين دينهم، ويؤذيهم في ربهم عز وجل، ونبيهم (بإهدار دمه، يدل على ذلك ما يلي: ـ 1- ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهم قال: كان عبد الله بن أبي سرح (2) يكتب لرسول الله (فأزله الشيطان، فلحق بالكفار، فامر به رسول الله (أن يقتل يوم الفتح؛ فاستجار له عثمان بن عفان، فأجاره الرسول. (3)   (1) ينظر: حد الردة لأحمد صبحي منصور صـ 40 - 50، ومشروع التعليم والتسامح لأحمد صبحي وغيره صـ 203 - 213 213،289 ونحو فقه جديد 2 / 254، 3 / 21، وإعادة تقييم الحديث لقاسم أحمد صـ 126 والحكم بالقرآن وقضية تطبيق حد الردة صـ 134، والإسلام وحرية الفكر صـ 188 جميعهم لجمال البنا، وغيرهم. (2) حسن اسلامه يوم الفتح، ولم يظهر منه شئ ينكر عليه، وفتح علي يديه افريقيه، ومات بالرملة وهو في الصلاة، فاراَ من الفتنة. سنة 59هـ. له ترجمة في: اسد الغابة 3 /260رقم 2976، والإستيعاب 3 /918رقم 1553، ومشاهير علماء الأنصار ص68ررقم 358. (3) 2 أخرجه أبو داود في سننه كتاب الحدود، باب الحكم فيمن ارتد 4/128 رقم 4358، والحاكم في المستدرك 3/47 رقم 4358 وصححه على شرط البخاري، ووافقه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وفي رواية عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن أبي سرح عند عثمان بن عفان، فجاء به حتى أوقفه على النبي (، فقال: يارسول الله بايع عبد الله؛ فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثاً، كل ذلك يا أبي، فبايعه بعد ثلاث، ثم اقبل على أصحابه فقال: ((أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلي هذا، حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك؛ ألا أومأت إلينا بعينيك؟ قال: ((إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين)) (1) وكان عبد الله بن سعد، أحد الرجال الذين أهدر النبي (دمائهم يوم فتح مكة، وقال: ((اقتلوهم، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة)) . (2) 2- وعن معاذ بن جبل أن رسول الله (حين أرسله إلي اليمن قال له: ((أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه، فإن تاب فاقبل منه، وإن لم يتب فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام، فادعها، فإن تابت فاقبل منها وإن لم تتب فاضرب عنقها)) (3)   (1) أخرجه أبو داود في سننه (كتاب الحدود) باب الحكم فيمن ارتد 4 / 128 رقم 4359، وفي كتاب الجهاد، باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام 3/59 رقم 2683، وصحح إسناده ابن تيمية في الصارم المسلول صـ 109، وأخرجه النسائي في سننه كتاب تحريم الدم، باب الحكم في المرتد 7 / 105 رقم 4067، والبيهقى في سننه كتاب الجزية، باب الحربي إذا لجأ إلي الحرم، وكذلك من وجب عليه الحد 9 / 212، والحاكم في المستدرك 3/ 47 رقم 4360 وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. (2) أخرجه النسائي، ينظر: تخريج الحديث السابق، والسيرة النبوية لابن هشام 4 /29 أرقام 1676 - 1678، وتلخيص الحبير 4/303رقم 1899، وينظر: الأسباب التي اقتضت عصمة دماء بعض الذين أهدر رسول الله (في الصارم المسلول ص153. (3) أخرجه الطبراني وفيه راو لم يسم، قال مكحول عن بن لأبي طلحه البعمري، وبقية رجالة ثقات، كذا قال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/263، وحسن إسناده الحافظ في فتح الباري 12 / 284 رقم 6922. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 3- وقد طبق معاذ حد الردة لما قدم على أبي موسى الأشعري باليمن وخاطبه قائلاً ((انزل. وألقي له وسادة، وإذا رجل عنده موثق. قال ما هذا؟ قال: هذا كان يهودياً فأسلم. ثم راجع دينه، دين السوء، فتهود. قال: لا أجلس حتى يقتل. قضاء الله ورسوله. فقال: اجلس نعم قال: لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله. ثلاث مرات. فأمر به فقتل. ثم تذاكرا القيام من الليل. فقال أحدهما، معاذٌ: أما أنا فأنام وأقوم، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي)) (1) ... وغير ذلك من الروايات التي جاء فيها إهدار النبي (دم من كان يؤذيه بالسب فعن عليّ رضي الله عنه أن يهودية كانت تشتم النبي (وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل الرسول (دمها)) (2)   (1) جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الإمارة، باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها 6/447 رقم 1733، والبخاري (بشرح فتح الباري) كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم 12/280 رقم 6923. (2) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الحدود، باب الحكم فيمن سب الني (4/129 رقم 4362، قال بن تيميه في الصارم المسلول صـ 61 هذا الحديث جيد، وينظر: رواية ابن عباس في سنن أبي داود في الأماكن السابقة نفسها برقم 4361، وسنن الدارقطني، كتاب الأقضية، باب المرأة تقتل إذا ارتدت 4/216 أرقام 47 - 49، والنسائي في سننه كتاب نحريم الدم، باب الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم 7/ 107 رقم 4070. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وفي الصحيح عنه (قال: ((من بدل دينه فاقتلوه)) . (1) شبهة أعداء السنة حول حديث ((من بدل دينه فاقتلوه)) . طعن خصوم السنة النبوية في هذا الحديث سنداً ومتناً: أما السند فزعم بعضهم أن فيه عكرمة مولي بن عباس وأنه متهم بالكذب على ابن عباس وأنه كان من دعاة الخوارج والحرورية والإباضية! . (2) أما المتن فزعم بعضهم أن عموم الحديث يفيد شموله لكل من غير دينه، ومن ثم فإن اليهودي الذي ينتصر، أو المسيحي الذي يعتنق الإسلام، يدخل تحت حكم الحديث فيجب قتله!. (3) و الجواب: 1- إن طعونهم في السند محض كذب وافتراء لما يلي: ـ أولاً: ـ إجماع عامة أهل العلم بالحديث على الإحتجاج بحديث عكرمة، فقال الحافظ في التقريب ثقة، ثبت، عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه، ولا يثبت عنه بدعه. (4) ... ... وقال الحافظ العجلي: ثقة، وهو برئ مما يرميه الناس به من الحرورية. (5)   (1) أخرجه البخاري وغيره من رواية بن عباس ينظر: البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الجهاد، باب لا يعذب بعذاب الله 6/ 6 / 173 رقم3017، وفي كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم 12/ 279 رقم 6922 (2) ينظر: حد الردة لأحمد صبحي منصور صـ 79 - 88، والعودة إلي القرآن لجمال البنا صـ 94 - 95، وجريدة الجيل العدد 31 الموافق 30/5/1999 مقال لمحمد عبد اللطيف مشتهري. (3) ينظر: الإسلام وحرية الفكر لجمال البنا صـ 183، ودفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين صـ 141، 145، وإعادة تقييم الحديث صـ 126، وتبصير الأمة بحقيقة السنة صـ 457، وتطبيق الشريعة الإسلامية صـ 158 - 181 (4) تقريب التهذيب 1 / 685 رقم 4689 (5) تاريخ الثقات صـ 339 رقم 1160، وينظر: طبقات المفسرين للداودي 1/ 386 رقم 331، وطبقات الحفاظ للسيوطي صـ 43 رقم 85، وتذكرة الحفاظ 1/ 95 رقم 87، ومشاهير علماء الأمصار صـ 107 رقم 593، والجمع بين رجال الصحيحين لابن القيسراني 1 / 394 رقم 1511، رجال صحيح مسلم لابن منجوية 2/109 رقم 1273. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 ثانياً: ـ الحديث لم ينفرد به عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهم، بل له شواهد عن جماعة من الصحابة، تصل بالحديث إلي درجة الشهرة (1) وليس درجة الآحاد كما زعم بعضهم (2) 2- أما طعن بعضهم في صحة الحديث بحجة أن عمومه يشمل من انتقل من الكفر إلي الإسلام فإنه يدخل في عموم الخبر. فالجواب: أن هذا العموم ليس مراداً. لأن الكفر ملة واحدة، فلو تنصر اليهودي لم يخرج عن دين الكفر، وهكذا لو تهود الوثني، فوضح أن المراد من بدَّل دين الإسلام بدين غيره، لأن الدين في الحقيقة هو الإسلام قال تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام} (3) وما عداه فهو بزعم المدعي (4) . ويؤيد تخصيصه بالإسلام ما جاء في بعض طرقه عن بن عباس مرفوعاً ((من خالف دينه دين الإسلام فاضربوا عنقه)) . (5)   (1) فاللحديث شاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه الطبراني في الأوسط 8/275 رقم 8623 بإسناد حسن كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/261، وشاهد عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه عند الطبراني بإسناد رجاله ثقات كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 6 / 261، وعن زيد بن أسلم رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ (من غير دينه فاضربوا عنقه) أخرجه مالك في الموطأ كتاب الأقضية، باب القضاء فيمن ارتد عن الإسلام 2/565 رقم 17، ومن طريقة الشافعي في مسنده صـ 511 رقم 1484، والبيهقي في سننه كتاب المرتد، باب قتل من ارتد عن الإسلام 8 / 195. (2) ينظر: حد الردة لأحمد صبحي منصور صـ 88، والعودة إلي القرآن لجمال البنا صـ 92. (3) الآية 19 آل عمران. (4) 2 ينظر: فتح الباري 12/284 رقم 6922، وسبل السلام 3 / 1241. (5) أخرجه الطبراني وفيه الحكم بن أبان، وهو ضعيف، كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 6 / 263. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وفي المسند عن عائشة مرفوعاً ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا إحدى ثلاث ....... أو رجل ارتد بعد إسلامه)) الحديث (1) أهـ. ثالثاً: إجماع الصحابة على قتل المرتد: أجمع الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم أئمة الإسلام، على حد الردة، فنقل عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل المرتد عن دين الإسلام في قضايا متعددة، وينتشر مثلها ويستفيض، ولم ينكرها أحد منهم، فصارت إجماعاً على وجوب قتل المرتد. (2) فمن ذلك مايلي: - أن أبا بكر رضي الله عنه قتل أم قرفة الفزاريه في ردتها، قتلة مثلة، شد رجليها بفرسين، ثم صاح بهما فشقاها. وأم ورقة الأنصارية رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميها الشهيدة، فلما كان في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتلها غلامها وجارتها، فأتي بهما عمر بن الخطاب فقتلهما وصلبهما. (3)   (1) أخرجه أحمد في مسنده 6 / 205، 181. (2) ينظر: الصارم المسلول صـ 200 بتصرف، وسبل السلام 3/1239، والمنهاج (شرح مسلم) 6/448 رقم 1733. (3) أخرجه الدارقطني في سننه كتاب الحدود والديات 3/114 رقم 110، وإسناده حسن كما قال الحافظ في فتح الباري 12 /284 رقم 6922، وأخرجه البيهقي في سنته كتاب المرتد، باب قتل من ارتد عن الإسلام إذا ثبت عليه؛ رجلاً كان أو امرأة 8/204، وقال الحافظ في تلخيص الحبير 4/137 (تنبيه) : في السير أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل أم قرفة يوم قريظة، وهي غير ذلك، وفي الدلائل لأبي نعيم أن زيد بن حارثة قتل أم قرفة في سريته إلي بني فزاره. ينظر: دلائل النبوة 2/543 رقم 462، والسيرة النبوية لابن هشام 4 / 312 نص رقم 2022. (1) مغربة: يقال بكسر الراء وفتحها، مع الإضافة فيهما، ومعناه: هل من خبر جديد جاء من بلاد بعيدة. تلخيص الحبير 4/44138 4/ 138 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 ما روي أنه قدم على عمر بن الخطاب رجل من قِبَلْ أبي موسى الأشعري فسأله عن الناس فأخبره. ثم قال له عمر: هل كان فيكم من مُغَرِّبَةِ خبر؟ (1) فقال نعم رجلٌ كفر بعد إسلامه. قال فما فعلتم به؟ قال: قربناه، فضربنا عنقه. فقال: أفلا حبستموه ثلاثاً وأطعمتموه كل يوم رغيفاً واستتبتموه لعله يتوب ويُراجع أمر الله؟ ثم قال عمر: اللهم إني لم احضر، ولم آمر؛ ولم أرض إذا بلغني)) (2) والعجيب ممن يستدل بهذا الأثر ونحوه علي أنه يجوز قتل المرتد عقوبة تعزيريه، ويجوز استبدالها بالحبس مثلاً. (3) وهو بذلك يتجاهل علة مقولة عمر بالحبس، وهي كما جاءت في رواية الإمام مالك باستتابة المرتد قبل قتله، كما قال: ((أفلا حبستموه ثلاثاً. وأطعمتموه كل يوم رغيفاً، واستتبتموه لعله يتوب ....... إلخ)) وهو ما تضمنته عناوين الأبواب التي ذكر تحتها أئمة السنة هذا الحديث   (1) أخرجه مالك في الموطأ كتاب الأقضية، باب القضاء فيمن ارتد عن دين الإسلام 2/565 رقم 16، ومن طريقة الشافعي في مسنده صـ511 رقم 1485، وقال: من لم يتأني بالمرتد زعموا أن هذا الأثر ليس بمتصل. ينظر: تلخيص الحبير (2) 4/138 ومن طريق الشافعي أخرجه البيهقي في سننه كتاب المرتد، باب من قال يحبس ثلاث أيام 8/206-207، وفي معرفة السنن والآثار كتاب المرتد باب استتابة المرتد 6/309 رقم 5032، والمضيف لعبد الرزاق 10/165 (3) ينظر: الإسلام وحرية الفكر لجمال البنا صـ 188، 189. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 روي عن على بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه أُتي بزنادقة! فأحرقهم. فبلغ ذلك عبد الله بن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تعذبوا بعذاب الله)) (1) ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من بدل دينه فاقتلوه)) . (2) 14وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، كفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب: كيف تقاتل الناس؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله، فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله)) . فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال. والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه. فقال عمر بن الخطاب: فو الله ‍‍! ماهو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق)) . (3) قال الإمام الخطابي رحمه الله تعالى (4)   (1) النهي ليس علي التحريم، بل علي سبيل التواضع. ينظرالخلاف في ذلك (فتح الباري) 6/174 رقم 3017. (2) سبق تخريجه ص 118. (3) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ويؤمنوا بجميع ما جاء به النبي 1/232 رقم 20، والبخاري (بشرح فتح الباري) كتاب استتابة المرتدين والمعاندين، وقتالهم، باب قتل من أبي قبول الفرائض، وما نسبوا إلي الردة 12 / 288 رقمي 6924، 6925. (4) هو: حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي، نسبة إلي جده، كان ثقة مثبتا، من أوعية العلم، صنف (شرح البخاري) و (ومعالم السنن) و (غريب الحديث) وغير ذلك. مات سنة 388 هـ له ترجمة في: طبقات الحفاظ للسيوطي صـ 404 رقم، 915 وتذكرة الحفاظ 3 / 1018 رقم 950، والتقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد صـ 254 رقم 310. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 في شرح هذا الكلام، كلاماًُ حسناً لا بد من ذكره لما فيه من الفوائد في الرد على من ينكر حد الردة في حروب الردة. (1) قال رحمه الله: مما يجب تقديمه في هذا أن يعلم أن أهل الردة كانوا صنفين: صنف ارتدوا عن الدين: ونابذوا الملة وعادوا إلي الكفر، وهم الذين عناهم أبوهريرة بقوله: وكفر من كفر من العرب، وهذه الفرقة طائفتان: ... الطائفة الأولي: أصحاب مسيلمة من بني حنيفة، وغيرهم الذين صدقوا على دعواه في النبوة، وأصحاب الأسود العنسي، ومن كان من مستجيبيه من أهل اليمن وغيرهم، وهذه الفرقة بأسرها منكرة لنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مدعية النبوة لغيره! فقاتلهم أبو بكر رضي الله عنه حتى قتل الله مسيلمة باليمامة، العنسي بصنعاء، وانفضت جموعهم، وهلك اكثرهم. والطائفة الأخرى: ارتدوا عن الدين، وأنكروا الشرائع،وتركوا الصلاة والزكاة وغيرها من الشرائع؛ وعادوا إلي ما كانوا عليه في الجاهلية، فلم يكن يسجد لله في بسيط الأرض إلا في ثلاثة مساجد: مسجد مكة، مسجد المدينة، ومسجد عبد القيس في البحرين في قرية يقال لها جواثا. والصنف الأخر: هم الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة، فأقروا بالصلاة، وأنكروا فرض الزكاة،ووجوب أدائها إلي الإمام، وهؤلاء على الحقيقة أهل بغي، وهم الذين ناظر عمر أبا بكر في قتالهم. وإنما لم يدع هذا الصنف بأهل البغي في ذلك الزمان خصوصاً لدخولهم في غمار أهل الردة إذ كانت أعظم الأمرين، وأهمهما، ولمشاركتهم المرتدين في منع بعض ما منعوه من حقوق الدين.   (1) ينظر: حد الردة لأحمد صبحي منصور صـ 57 - 60، والمصادر الأخرى السابقة صـ 119. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وذلك أن الردة اسم لغوي، وهو كل من انصرف عن أمر كان مقبلاً عليه، فقد ارتد عنه، وقد وجد من هؤلاء القوم الإنصراف عن الطاعة، ومنع الحق، وانقطع عنهم اسم الثناء، والمدح بالدين، وعلق بهم الاسم القبيح؛ لمشاركتهم القوم الذين كان ارتدادهم حقاً. (1) اختلاف العلماء في استتابة المرتد: إذا كان هناك إجماع من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم، على وجوب قتل المرتد عن دين الإسلام؛ إلا أنهم اختلفوا في استتابته، هل هي واجبه أم مستحبة، وفي قدرها، وفي قبول توبته، وفي أن المرأة مثل الرجل في ذلك أم لا؟ ! .‍‍ وخلاصة القول: انه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، هو قول الجمهور، والمرأة كالرجل في ذلك، واستدل على ذلك بالإجماع السكوتى الوارد في كتاب عمر في أمر المرتد ((أفلا حبستموه ثلاثاً، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً، واستتبتموه لعله يتوب ويُراجع أمر الله)) (2) ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة. كأنهم فهموا من قوله صلى الله عليه وسلم ((من بدل دينه فاقتلوه)) (3) أي إن لم يرجع. وقد قال تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} . (4) واستدل على أن المرأة كالرجل في الإستتابة، فإن تابت وإلا قتلت؛ بما وقع في حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلي اليمن قال له ((أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه؛ فإن تاب فاقبل منه، وإن لم   (1) المنهاج شرح مسلم 1/236 - 238 بتصرف، وينظر: فتح الباري 12/288 رقمي 6924، 6925، وكتاب الردة للواقدي صـ 80 - 321، ومجمع الزوائد 6 / 220. (2) سبق تخريجه صـ 121. (3) سبق تخريجه صـ 118. (4) جزء من الآية 5 التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 يتب فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها، فإن تابت فاقبلها، وإن لم تتب فاضرب عنقها)) (1) . وهو نص في موضع النزاع فيجب المصير إليه. ويؤيده اشتراك الرجال والنساء في الحدود كلها كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر، والقذف ...... واختلف القائلون بالإستتابة، فهل يكتفي بالمرة، أو لا بد من ثلاث؟ وهل الثلاث في مجلس أم في يوم أو في ثلاثة أيام؟. وعن عليّ رضي الله عنه يستتاب شهراً، وعن النخعي رحمه الله يستتاب أبداً. (2) وهذا محمول على رجاء توبته كما قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى. (3) وأخيراَ: تعقيب وتعليق علي تطبيق الحدود: إن التشريع الإسلامي لا يعارض تطبيقه وتنفيذه سوي طوائف ثلاث: ـ الطائفة الأولي: الجاهلون بهذا التشريع السماوي العادل، ويدخل فيهم بعض المثقفين، الذين يحملون أرقي الشهادات وأعلاها، ولكن لم تتح لهم دراسة القرآن الكريم، والسنة النبوية، والفقه الإسلامي، بل نشئوا على دراسة مناهج من وضع وإخراج المستعمرين. شُحِنَتْ بالطعن في الإسلام ومبادئه، والإستهزاء بأحكامه وتشريعاته، والتعريض بشخصياته التاريخية، والإفتراءات الباطلة الشاذة. فنشأ هؤلاء بيننا بأسماء عربية إسلامية، ولكن بعقول غربية اعتنقت مبادئهم، وأنظمتهم، تهلل وتطبل لكل ما هو غربي، وإن كان عُهْراً وفساداً! وتحتقر كل ما هو شرقي، وإن كان شرفاً وصلاحاً.   (1) ينظر: فتح الباري 12 / 282، 284 رقم 6922، والمنهاج شرح مسلم 6 / 448 رقم 1733. (2) ينظر: الصارم المسلول صـ 321، ونيل الأوطار 7/ 193 - 195، وسبل السلام 3/1239 وما بعدها. (3) أخرجه الشافعي في مسنده صـ 401،402 رقم 1145، والبيهقي في سننه كتاب النكاح، باب الدليل على أنه صلى الله عليه وسلم لا يقتدي به فيما يخص به ...... 7 / 76 من حديث المطلب بن حنطب رضي الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 فالإستعمار وإن جلا عنا بجنوده، فهو قابعاً في عقول هؤلاء المثقفين الجهلاء بدينهم. ومن البلاء أن يصبح بعض هؤلاء، قادة التوجيه في الصحافة والمجلات، وبيدهم السلطات الواسعة، التي تجعل أصواتهم في القمة، وتحارب الأصوات المؤمنة العاقلة. والطائفة الثانية: تتمثل في هؤلاء المنحرفين في سلوكهم، المنغمسين في شهواتهم، الذين أصبحوا كالكلاب المسعورة، تنهش الأعراض، وتسبح في المحرمات، لا تفيق من ُسكٍر، ولا تعف عن مال حرام، ولا تشبع من لذة. وهؤلاء عندما يعارضون التشريعات الإسلامية، لا يدفعهم إلي هذا الموقف اقتناع بعدم صلاحيتها أو تخوف على مصلحة الأمة، بل هم مقتنعون أنها أعدل التشريعات، وأحكم النظم، ولكنهم يخشون عند تطبيقها على أنفسهم من مس السياط، ورجم الحجارة، والحرمان مما ألفوه من العربدة، والمال الحرام. ولا ينبغي لعاقل أن يسمع صوتاً لمثل هؤلاء المنحرفين، ولا يقيم لمعارضتهم وزناً، فهم خارجون على النظام والقانون. متمردون على مصالح المجتمع، وأمنه، وإذا جاز لنا أن نسمع لأصواتهم! فمن حق القتلة، وسفاكي الدماء، أن يرفعوا أصواتهم أيضاً، مطالبين بإسقاط القصاص وإباحة جرائمهم. والوضع الصحيح أن نعتبر هذه الطائفة مرضي، هم في مسيس الحاجة للعلاج والدواء، والإنقاذ من التردي في هاوية الشهوات والمحرمات. والطائفة الثانية: من هذه الطوائف المعرضة؛ هي تلك الفئة من الناس المتعصبين تعصباً أعمي، ضد كل إصلاح، وتشريع عادل، فهم قد أغلقوا عقولهم، وعطلوها عن التفكير والإدراك، وأغمضوا أعينهم عن النور والحق، وآثروا العيش في ظلمات التعصب، وهم يحسبون أنفسهم أنهم يصنعون صنعَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وأكثر هؤلاء المتعصبين هم من أهل الكتاب. الذين يتجاهلون سماحة الإسلام، وكرمه في معاملتهم، ودعوته القوية إلي مودتهم ومحبتهم، ومراعاة شعورهم وإحساسهم، ومحافظته الشديدة على مقدساتهم، وأموالهم، وأماكن عبادتهم، وتركه لهم وما يدينون؛ لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين. ويكفي برهاناً على ذلك؛ أن الله تعالى مدح النصارى في كتابه الكريم؛ ووصفهم بالعلم والعبادة، والزهد والتواضع، والانقياد للحق فقال: {ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون. وإذا سمعوا ما أنزل إلي الرسول تري أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين. وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين.} . (1) والآيات وإن كانت نازلة في طوائف خاصة؛ إلا أن علماء الأصول اتفقوا على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ فكل من اجتمعت فيه الصفات المذكورة تشمله الآيات. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أنا أولي الناس بعيسي بن مريم في الآولي والآخرة قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: الأنبياء إخوة من علات (إخوة الأب) وأمهاتهم شتي، ودينهم واحد، فليس بيننا نبي)) . (2)   (1) الآيات 82، 83، 84 سورة المائدة. (2) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الفضائل، باب فضائل عيسي بن مريم 8/130 رقم 2365، والبخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الأنبياء، باب واذكر في الكتاب مريم 6 / 550 رقم 3443. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 ولقد أوصي صلى الله عليه وسلم أمته بقبط مصر خيراً، واتخذ منهم أم ابنه إبراهيم - عليه السلام -، والتاريخ أكبر شاهد على تسامح المسلمين وحسن معاملتهم لأهل الكتاب، وإطلاق الحرية لهم في مزاولة طقوسهم الخاصة، وتطبيق أحكامهم في جميع أحوالهم الشخصية، من طلاق وزواج ونحوهما، وعدم تنفيذ الحدود الشرعية عليهم التي تتعلق بحدود الله تعالى، كشرب الخمر وغيره. والجميع يعرف كيف عامل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصارى بيت المقدس، وأعطاهم العهد والأمان على أموالهم وكنائسهم وصلبانهم. وكيف أنه لم يرضَ أن يصلي داخل الكنيسة حين حضرته الصلاة، وإنما صلىَّ على الدرج الخارجي لها. خشية أن يستولي المسلمون عليها فيما بعد ويقولون: هنا صلي عمر. والتاريخ يعرف أيضاً كيف استقبل النجاشي (وهو نصراني) المسلمين الأولين المهاجرين إلي بلاده، وكيف أكرم وفادتهم، ورفض أن يسلمهم لأعدائهم، وأعطاهم الحرية الكاملة في أداء عبادتهم. وهاهو المقوقس عظيم القبط بمصر يرد على كتاب النبي صلى الله عليه وسلم رداً كريماً حسناً، ويهدي إليه جارية، وغلاماَ، وبغلا، ويقول: إني نظرت في أمر هذا النبي، فهو لا يزهد بمزهود فيه، ولا ينهي عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب! . ومما تقدم يتضح لكل عاقل منصف أنه لا محل لهذه العصبية العمياء، ولا معني لها، ولا ضرر على أحد من تطبيق التشريع الإسلامي، بل الخير كل الخير، والنصر كل النصر في تنفيذه، فإن الله تعالى وعد بنصرة من ينصر دينه، والله لا يخلف الميعاد، ونَِصَرْ دينه لا يكون بالأماني والكلام والوعود، وإنما بتنفيذ أحكام كتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والخلاصة: أن قيام حكم إسلامي في دولة عصرية، ليس معناه خسارة ولاء غير المسلمين فيها وعدم رضاهم؛ كما يري البعض! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 لأن دولة الإسلام تقوم على العدالة مع الجميع، وهي لا تتعرض لأصحاب الديانات الأخرى، ولا تجبرهم على شئ يخالف دينهم، وهم أمام القانون الإلهي متساوون في الحقوق والواجبات مع المسلمين. (1) والله الهادي إلي سواء السبيل   (1) ينظر: معاملة غير المسلمين في دولة الإسلام للدكتور إبراهيم عيسي ص169-173 بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 الخاتمة فى نتائج هذا البحث ومقترحات وتوصيات الخاتمة ... الحمد لله تعالى على فضله العظيم أن وفقنى لإتمام هذا البحث، التى ظهر لى من نتائج دراستى فيها التأكيد على ما يلي: إن شبهات أعداء السنة المطهرة - ممن هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا - حول سنة سسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قائمة على إعلان الكفر صراحة بالشطر الثانى من الوحى الإلهى؛ وهم فيما يزعمون من شبهات، يتسترون بعباءة القرآن الكريم، وفاق تسترهم كل حد، إذ تجرأوا على كتاب ربهم عز وجل، ففسروه وأولوه، بما يأتى فى النهاية صراحة بردهم على الله تعالى كلامه، وتطاولهم عليه عز وجل من حيث يشعرون أو لا يشعرون. إن القرآن الكريم هو شريعة الإسلام قولاً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو شريعة الإسلام عملاً؛ فحياته صلى الله عليه وسلم كلها، وما صدر عنه فيها من أقوال وأفعال وتقريرات، حتى الحركات والسكنات، هى تفصيل وبيان وترجمة حية لما اشتمل عليه القرآن الكريم من عقائد، أو عبادات، أو معاملات، أو أخلاق، أو حدود، أو أحوال شخصية … الخ. وإذن فلم تكن آباطيلهم حول الحدود في الإسلام، لم يكن مقصوداً بها الدفاع عن رسول الله كما يزعمون، وإنما كانت غايتها تدمير الشريعة وصاحب الشريعة، ثم يأتى من وراء ذلك تدمير المجتمع الإسلامى كله! . إن رواة السنة العطرة وأئمتها، لم تكن وظيفتهم بصدد أحداث السنة إلا تثبيت ما هو ثابت منها بمقياس علمى، يتمثل فى قواعد مصطلح الحديث، المتعلقة بكل من السند والمتن، وفى قواعد علم الجرح والتعديل المتعلقة بالرواة وتراجمهم. فإذا انتهت بهم هذه القواعد العلمية الدقيقة إلى أخبار ووقائع، وقفوا عندها ودونوها، دون أن يقحموا تصوراتهم الفكرية أو انطباعاتهم النفسية، أو مألوفاتهم البيئية إلى شئ من تلك الوقائع بأى تلاعب أو تحوير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 ليس فى الربط بين القرآن الكريم، والسنة المطهرة، فى تحديد شخصية وسيرة المعصوم صلى الله عليه وسلم شرك وتأليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يزعم أعداء السنة! لأن الربط هنا ربط إلهى، وطاعة لله عز وجل وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم. وقد دل على هذا الربط عشرات الآيات القرآنية فى طاعة الله عز وجل، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم طاعة مستقلة؛ وأنها من طاعته عز وجل. إن منكرى السنة النبوية فى دعواهم التعارض بين سيرته صلى الله عليه وسلم فى القرآن الكريم وسيرته صلى الله عليه وسلم فى السنة المطهرة، مغرضون مفترون فى تكلف التعارض، ولو أرادوا الحق لسألوا، أو قرأوا، والأجوبة عن كل استشكالاتهم فى كتب الأئمة؛ وهم أدرى بالنص، وعلى غيرهم أن يحترم رأيهم. فهم رجال قيدهم رب العزة لحفظ دينه، وأمر عباده بالرجوع إليهم. قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (1) . هذه هي أهم نتائج البحث في موضوع ((عقوبتا الرجم والردة في ضوء القرآن والسنة ودفع الشبهات)) وإذا كان لي أن أقترح أو أوصى بشئ فى هذا المقام، فإنى أقترح وأوصي بما يلي: دراسة شبهات أعداء السنة قديماً وحديثاً، وبيان بطلانها من خلال تدريس تاريخ السنة وعلومها. إخضاع الكتابات المتعلقة بسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للتدقيق والتمحيص، وسد منافذ الإجتراء على السيرة النبوية بديار المسلمين، وتجريم ذلك فى جميع الوسائل. الحكم بالارتداد على منكر سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنفيذ أحكام الله فيهم بمعرفة القضاء؛ لأن منكر السنة النبوية منكر لوحى الله تعالى. العمل على أن يكون للمحدثين رابطة على مستوى العالم الإسلامى؛ تجمع شملهم، وتقنن أعمالهم، وتلم شعث جهودهم.   (1) الآية 43 النحل، والآية 7 الأنبياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 مواصلة العمل الجاد، وتضافر الجهود، وتشابك الأيدى، وإخلاص النية، كى نبين ما ينطوى عليه الغرض الخبيث؛ الذى يلتقى عليه أعداء الله للنيل من سنة سيدنا رسول الله وسيرته العطرة الواردة فيها، ومن أئمة السنة الأعلام، ومن ثم وقف هذه الحملة الشرسة المسعورة التى تستهدف الإسلام، وهدم كل ما يتصل به من قرآن، وسنة، وسيرة، وتاريخ، وأمة تتداعى عليها الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها. وبعد: ... فهذا آخر ما فتح الله علىَّ به، ووفقنى لكتابته فى هذا البحث الجليل، الذى اعترف فيه بالعجز والتقصير. ... ولعلى أكون قد أصبت فى بعض مسائله، وشفيت الغليل فى شئ من مباحثه؛ فإن يكن ذلك حقاً: فبفضل الله، وهدايته، وحسن توفيقه، وعنايته، وإن كانت الأخرى، فذلك من نقصى وتقصيرى، وأتوب إلى الله وأستغفره، وأسأله عز وجل الصفح والغفران، فيما زلت فيه قدمى، وانحرف فيه عن جادة الحق قلمي. اللهم تقبل هذا الجهد الضئيل، خالصاً لوجهك الكريم، وانفع به المستفيدين وارزقنى دعوة صالحة منهم، ينالنى بها عفوك ورضاك وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد، خاتم النبيين وإمام المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله، وصحبه والمتمسكين بسنته أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 أهم المصادر والمراجع أهمل في الترتيب الألف واللام، وأب، وابن، في أول اسم الكتاب، وكذلك كلمة (كتاب} . 1- القرآن الكريم. (أ) 2- الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول، "للقاضي البيضاوي" لعلى السبكى وولده عبد الوهاب، حققه جماعة من العلماء، دار الكتب العلمية بيروت، 1404هـ – 1984م. 3- الأحاديث المتواترة في الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة، لعبد الرحمن السيوطى، تحقيق أحمد حسن رجب، هديه مجلة الأزهر الشريف، 1409هـ. 4- الأحكام في أصول الأحكام، لابن حزم الظاهري، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ – 1985م. 5- الأحكام في أصول الأحكام، لعلى بن محمد الآمدى، مطبعة البابى الحلبي بمصر، 1387هـ – 1967م. 6- أحكام القرآن، لمحمد بن العربي، تحقيق على محمد البجاوى، مطبعة عيسى الحلبي بمصر، الطبعة الأولى 1376هـ. 7- أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة، للدكتور أحمد عبد العزيز الحداد، دار الغرب الإسلامي بيروت، الطبعة الثانية 1419هـ – 1999م. 8- إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، لمحمد بن على الشوكانى، تحقيق الدكتور شعبان إسماعيل، دار الكتبى بمصر، بدون تاريخ. 9- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر، تحقيق على محمد البجاوى، دار الجيل بيروت، الطبعة الأولى 1412هـ – 1992م. 10- أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير، تحقيق على معوض، وعادل أحمد، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1415هـ – 1994م. 11- الإسلام بدون حجاب، بحث مستل من شبكة الإنترنت. 12 - الإسلام في مواجهة حملات التشكيك للدكتور محمود حمدي زقزوق، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، الطبعة الثانية1419هـ- 1998 م. 13- الأشباه والنظائر في القرآن الكريم، لمقاتل بن سليمان البلخى، تحقيق الدكتور عبد الله شحاته، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1414هـ – 1994م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 14- الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلانى، دار السعادة بمصر 1328هـ. 15- أصول السرخسى، لمحمد بن أحمد السرخسى، تحقيق أبو الوفا الأفغانى، حيدر أباد الدكن بالهند، تصوير الكتب العلمية بيروت 1414هـ – 1993م. 16- أصول الشريعة، لمحمد سعيد العشماوى، طبعة القاهرة 1979م. 17- الأصلان العظيمان – الكتاب والسنة – رؤية جديدة، لجمال البنا، مطبعة حسان بمصر. 18- أضواء على السنة المحمدية، لمحمود أبو ريه، دار المعارف بمصر، الطبعة الثالثة، بدون تاريخ. 19- الأضواء القرآنية في اكتساح الأحاديث الإسرائيلية، وتطهير البخارى منها، للسيد صالح أبو بكر، مطبعة محرم الصناعية 1974م. 20- إعادة تقييم الحديث، لقاسم أحمد، مكتبة مدبولى الصغير بمصر، الطبعة الأولى 1997م. 21- إعادة قراءة القرآن، لجاك بيرك، ترجمة وائل غالى شكرى، تقديم أحمد صبحى منصور، دار النديم للصحافة بمصر، الطبعة الأولى 1996م. 22- الإعتصام، للشاطبى، تحقيق محمود طعمة، دار المعرفة بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ – 1997م. 23- أعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن قيم الجوزية، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة بمصر، الطبعة الأولى 1374هـ. 24- اكمال اكمال المعلم، شرح صحيح مسلم، لمحمد بن عمر الأبى، مطبعة السعادة بمصر 1327هـ. 25- اكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض، تحقيق الدكتور يحيى حبلوش، دار الوفاء بالمنصورة، الطبعة الأولى 1419هـ – 1998م. 26- الإمام الشافعى وتأسيس الأيدلوجية الوسطية، لنصر أبو زيد، مكتبة مدبولى الصغير بمصر، الطبعة الثانية 1996م. 27- الأنبياء في القرآن دراسة تحليلية، لأحمد صبحى منصور، مؤسسة الرسالة، 1405هـ – 1985م. 28- إنذار من السماء، لنيازى عز الدين، الأهالى للطباعة بيروت، الطبعة الأولى 1996م. 29- الإنصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال، لابن المنير، مطبعة مصطفى الحلبي بمصر 1385هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 30- أنوار التنزيل وأسرار التأويل، لعبد الله بن عمر البيضاوي، دار الفكر 1402هـ. 31- أهل السنة شعب الله المختار، لصالح الوردانى، كنوته للطباعة، الطبعة الأولى 1417هـ- 1997 م. (ب) 32- البحر المحيط في أصول الفقه، للزركشى، تحقيق الدكتور عمر سليمان الأشقر وغيره، دار الصفوة بالغردقة، الطبعة الثانية 1413هـ – 1992م. 33- البحر المحيط في تفسير القرآن الكريم، لأبى حيان الأندلسى، دار الفكر بيروت، الطبعة الثانية 1403هـ. 34- البداية والنهاية في التاريخ، لابن كثير، تحقيق الدكتور أحمد أبو ملحم وغيره، دار الريان للتراث، الطبعة الأولى 1408هـ – 1988م. 35- البرهان في أصول الفقه، للجوينى، تحقيق صلاح محمد عويضة، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ – 1997م. 36- البرهان في علوم القرآن، للزركشى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى البابى الحلبي بمصر، الطبعة الأولى 1376هـ. 37- بصائر ذوى التمييز في لطائف الكتاب العزيز، للفيروز آبادى، طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر. 38- بلوغ اليقين بتصحيح مفهوم ملك اليمن، لإسماعيل منصور جودة، خال من مكان الطبع، بتاريخ 1418هـ – 1997م. 39- البيان بالقرآن، لمصطفى كمال المهدوى، دار الآفاق الجديدة بليبيا، الطبعة الأولى 1990م. (ت) 40- تاج العروس في جواهر القاموس، للزبيدى، المطبعة الخيرية بمصر، الطبعة الأولى 1306هـ. 41- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، للذهبى، تحقيق الدكتور عمر التدمرى، دار الكتاب العربي بيروت 1990م. 42- تاريخ أسماء الثقات ممن نقل عنهم العلم، لابن شاهين، تحقيق الدكتور عبد المعطى أمين قلعجى، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ – 1986م. 43- تاريخ بغداد، للخطيب البغدادى، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى 1349هـ – 1930م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 44- تاريخ الثقات، للعجلى، بترتيب الحافظ الهيثمى، وتضمينات، الحافظ ابن حجر، تحقيق الدكتور عبد المعطى قلعجى، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ – 1984م. 45- تاريخ الصحابة الذين روى عنهم الأخبار، لابن حبان، تحقيق بوران الضناوى، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ – 1988م. 46- تاريخ الطبرى، لمحمد بن جرير الطبرى، تحقيق محمد أبى الفضل إبراهيم، دار المعارف بمصر 1979م. 47- تأملات في الحديث عند السنة والشيعة، لزكريا عباس داود، دار النخيل بيروت، الطبعة الأولى، 1416هـ – 1995م. 48- تأملات في الصحيحين، لمحمد صادق النجمى، دار العلوم، الطبعة الأولى 1988م. 49- تبصير الأمة بحقيقة السنة، لإسماعيل منصور جودة، خال من مكان الطبع 1416هـ – 1995م. 50- تجريد أسماء الصحابة، للذهبى، دار المعرفة بيروت، بدون تاريخ. 51- تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها، لسليمان الندوى، ترجمها الشيخ عبد الوهاب الدهلوى، المطبعة السلفية بمصر، الطبعة الثالثة 1399هـ. 52- تذكرة الحفاظ، للذهبى، تصحيح عبد الرحمن المعلمى اليمانى، حيدر آباد الدكن بالهند، الطبعة الأولى 1395هـ – 1975م. 53- التشريع الجنائي الإسلامي مقارناَ بالقانون الوضعي، لعبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة السادسة 1405 هـ-1985 م. 54- التعليق المغنى على الدارقطنى، للعظيم آبادى، تحقيق السيد عبد الله هاشم يمانى، دار المحاسن للطباعة بمصر 1386هـ. 55- تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، تحقيق عبد العزيز غنيم وغيره، مطبعة دار الشعب بمصر بدون تاريخ. 56- تفسير القيم، لابن قيم الجوزية، جمع محمد أويس الندوى، تحقيق محمد حامد الفقى، دار الكتب العلمية بيروت 1398هـ. 57- التفسير الكبير، (المسمى مفاتيح الغيب) للفخر الرازى، دار إحياء التراث العربي بيروت. 58- تفسير المنار، لمحمد رشيد رضا، دار المنار بمصر، الطبعة الثالثة 1967م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 59- التفسير والمفسرون، للدكتور محمد حسين الذهبى، دار الكتب الحديثة بمصر الطبعة الأولى 1361هـ. 60- تقريب التهذيب، لابن حجر العسقلانى، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1413هـ – 1993م. 61- تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعى الكبير، لابن حجر العسقلانى، تحقيق عادل عبد الموجود، وعلى معوض، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1419هـ – 1998م. 62- تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلانى، حيدر أباد الدكن بالهند 1907م. (ث) 63- الثقات، لابن حبان البستى، حيدر أباد الدكن بالهند، الطبعة الأولى 1404هـ – 1984م. (ج) 64- جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، المطبعة المنيرية 1978، تصوير دار الكتب العلمية. 65- جامع البيان عن تأويل آى القرآن، لابن جرير الطبرى، مطبعة مصطفى البابى الحلبي بمصر، الطبعة الثالثة 1388هـ. 66- الجامع لأحكام القرآن، للقرطبى، تصحيح أحمد عبد العليم، الطبعة الثانية 1952م. 67- الجرح والتعديل، لابن أبى حاتم الرازى، حيدر آباد الدكن بالهند، الطبعة الأولى 1371هـ – 1951م، تصوير دار الكتب العلمية بيروت. 68- الجمع بين رجال الصحيحين، لابن طاهر المقدسى، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1323هـ – 1905م. (ح) 69- حاشية البدر السارى إلى فيض البارى، لمحمد بدر، دار المعرفة بيروت. 70- حجية السنة، للدكتور عبد الغنى عبد الخالق، دار الوفاء بالمنصورة، الطبعة الثانية 1413هـ– 1993م. 71- حد الردة دراسة أصولية تاريخية، لأحمد صبحى منصور، دار طيبة بمصر. 72- الحسبة دراسة أصولية تاريخية، لأحمد صبحى منصور، مركز المحروسة للنشر بمصر، الطبعة الأولى 1995م. 73- حصاد العقل، لمحمد سعيد العشماوى، مكتبة مدبولى الصغير 1992م. 74- حقائق ثابتة في الإسلام، لابن الخطيب، مطبعة الأفق بطهران 1394هـ – 1974م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 75- حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، للدكتور محمد خليفة التميمى، دار الفتح بالشارقة، الطبعة الأولى 1418هـ – 1997م. 76- حقيقة الحجاب وحجية الحديث، لمحمد سعيد العشماوى، مكتبة مدبولى الصغير بمصر، الطبعة الثانية 1415هـ – 1995م. 77- حقيقة السنة النبوية، لأحمد حجازى السقا، مكتبة الكليات الأزهرية بمصر، الطبعة الأولى 1410هـ – 1990م. 78- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبى نعيم الأصفهانى، مطبعة السعادة بمصر، الطبعة الأولى 1357هـ – 1938، تصوير دار الكتب العلمية. 79- حوار ومناقشة كتاب عائشة أم المؤمنين، لهشام آل قطيط، دار المحجة البيضاء، بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ – 1998م. (خ) 80- الخدعة رحلتى من السنة إلى الشيعة، لصالح الوردانى، دار الخليج، الطبعة الثانية 1416هـ – 1996م. 81- الخطوط الطويلة أو دفاع عن السنة المحمدية، لمحمد على الهاشمى، مراجعة وتعليق مرتضى الرضوى، دار الأمير بيروت، الطبعة الأولى 1997م. 82- خواطر دينية، لعبد الله محمد الصديق، مكتبة القاهرة بمصر، الطبعة الأولى 1388هـ – 1968م. (د) 83- دائرة المعارف الإسلامية، نقلها للعربية أحمد الشنتناوى وغيره، دار المعرفة بيروت 1957م. 84- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للسيوطى، طبعة القاهرة، تصوير دار المعرفة بيروت. 85- دراسات أصولية في السنة النبوية، للدكتور محمد الحفناوى، دار الوفاء بالمنصورة، الطبعة الأولى 1412هـ – 1991م. 86- دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين، لصالح الوردانى، الناشر تريدنكو بيروت 1997م. 87- دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى، لأحمد حجازى السقا، مكتبة الكليات الأزهرية بمصر، الطبعة الأولى 1410هـ – 1990م. 88- دليل المسلم الحزين إلى مقتضى السلوك في القرن العشرين، لحسين أحمد أمين، دار الشروق بمصر، الطبعة الأولى 1403هـ – 1983م. 89- الدولة والمجتمع، لمحمد شحرور، مطبعة الأهالى بيروت، الطبعة الرابعة 1997م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 90- دلائل النبوة، لأبى نعيم الأصبهانى، تحقيق الدكتور محمد رواس قلعجى وغيره، دار النفائس بيروت، الطبعة الثالثة 1412هـ – 1991م. 91- دلائل النبوة ومعرفة صاحب الشريعة، للبيهقى، تحقيق الدكتور عبد المعطى قلعجى، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ – 1997م. 92- دلائل القرآن المبين على أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل العالمين، لعبد الله الصديق الغمارى، المكتبة المكية بالسعودية، الطبعة الأولى 1418هـ – 1997م. 93- دين السلطان، لينازى عز الدين، دار الأهالى بيروت، الطبعة الأولى 1997م. (ر) 94- الربا والفائدة في الإسلام، للعشماوى، مكتبة مدبولى الصغير بمصر، الطبعة الأولى 1996م. 95- رجال صحيح البخارى، للكلاباذى، تحقيق عبد الله الليثى، دار المعرفة بيروت 1987م. 96- رشاد خليفة صنيعة الصليبية العالمية، وأخطر من سلمان رشدى، للدكتور خالد نعيم، مطبعة المختار الإسلامية، بدون تاريخ. 97- روح المعانى في تفسير القرآن العظيم والسبع المثانى، للألوسى، دار إحياء التراث العربي بيروت. 98- الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة، ليحيى العامرى اليمنى، تصحيح عمر أبو حجلة، مكتبة المعارف بيروت 1983م. (ز) 99- زاد المعاد في هدى خير العباد، لابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرنؤوط وغيره، مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الرابعة 1407هـ – 1986م. (س) 100- سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام، للأمير الصنعانى، تحقيق إبراهيم عصر، دار الحديث بمصر، بدون تاريخ. 101- سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، لمحمد بن يوسف الصالحى الشامى، مطابع الأهرام التجارية 1404هـ. 102- السلطة في الإسلام، لعبد الجواد ياسين، الدار البيضاء، بالمغرب، الطبعة الأولى 1998م. 103- سنن أبى داود، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 104- سنن ابن ماجة، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى، عيسى البابى الحلبي بمصر 1954م. 105- سنن الترمذى، تحقيق أحمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقى وغيرهما، عيسى البابى الحلبي بمصر 1385هـ نشر وتصوير دار الحديث. 106- سنن الدارقطنى، تحقيق السيد عبد الله هاشم يمانى، دار المحاسن بمصر، الطبعة الأولى 1386هـ – 1966م. 107- سنن الدارمى، تحقيق فواز أحمد زمرلى، وخالد العلمى، دار الريان بمصر، الطبعة الأولى 1407هـ – 1987م. 108- السنن الكبرى، للبيهقى، دار المعارف العثمانية، الطبعة الأولى 1344هـ – 1925م. 109- السنن الكبرى، للنسائى، تحقيق الدكتور عبد الغفار سليمان البندارى وغيره، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ – 1991م. 110- سنن النسائى، (المجتبى) تحقيق الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية بيروت، الطبعة الثانية 1406هـ – 1986م. 111- السنة، لابن أبى عاصم، تحقيق ناصر الدين الألبانى، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة 1413هـ – 1993م. 112- السنة بياناً للقرآن، للدكتور إبراهيم الخولى، الشركة العربية للطباعة 1993م. 113- السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث، للشيخ محمد الغزالى، دار الشروق بمصر 1989م. 114- السنة بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم، للدكتور عبد الموجود عبد اللطيف، دار الطباعة المحمدية بمصر، الطبعة الأولى 1410هـ – 1990م. 115- السنة النبوية – مكانتها – عوامل بقائها – تدوينها، للدكتور عبد المهدى عبد القادر، دار الاعتصام بمصر. 116- السنة ودورها في الفقه الجديد، لجمال البنا، دار الفكر بمصر، 1997. 117- سير أعلام النبلاء، للذهبى، تحقيق شعيب الأرنؤوط وغيره، مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الثامنة، 1412هـ – 1992م. 118- سيرة المصطفى، نظرة جديدة، لهاشم معروف، دار التعارف بيروت 1996م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 119- السيرة النبوية، لابن هشام، تحقيق الدكتور فتحى أنور، ومجدى فتحى، دار الصحابة بطنطا، الطبعة الأولى 1416هـ – 1995م. 120- سيرة الرسول صورة مقتبسة من القرآن الكريم، للأستاذ محمد عزة دروزة، مطابع الدوحة الحديثة، الطبعة الثالثة، 1400هـ. (ش) 121- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، للشيخ محمد محمد مخلوف، دار الفكر. 122- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد، مكتبة القدسى بمصر، الطبعة الأولى 1371هـ – 1951م. 123- شرح الزرقانى على الموطأ، لمحمد الزرقانى، دار الفكر بيروت، الطبعة الأولى 1996م. 124- شرح الزرقانى على المواهب اللدنية، للقسطلانى، لمحمد الزرقانى، دار الكتب العلمية 1996م. 125- شرح السنة، للبغوى، تحقيق زهير الشاويش وغيره، المكتب الإسلامي بيروت، الطبعة الثانية 1403هـ – 1983م. 126- شرح الشفا، لعلى القارى، مكتبة المشهد الحسينى، بمصر بدون تاريخ. 127- الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم، للقاضي عياض، دار الكتب العلمية بيروت. 128- شفاء الصدر بنفى عذاب القبر، لإسماعيل منصور جودة، خال من مكان الطبع 1415هـ – 1994م. 129- الشمائل المحمدية، للترمذى، تعليق محمد عفيفى الزعبى، دار المطبوعات الحديثة بالسعودية، الطبعة الثالثة 1409هـ – 1988م. 130- شيخ المضيرة (أبو هريرة) ، لمحمود أبو ريه، مؤسسة الأعلمى بيروت 1413هـ. (ص) 131- الصارم المسلول على شاتم الرسول، لابن تيمية، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، عالم الكتب بيروت، 1982م. 132- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، للجوهرى، تحقيق أحمد العطار، مصر، الطبعة الثانية 1402هـ – 1982م. 133- صحيح ابن حبان، بترتيب الأمير ابن بلبان، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الثانية 1414هـ – 1993م. 134- صحيح ابن خزيمة، تحقيق محمد مصطفى الأعظمى، المكتب الإسلامي بيروت، الطبعة الثانية 1412هـ – 1992م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 135- صحيح البخارى، مع (فتح البارى) تحقيق محب الدين الخطيب ومحمد فؤاد عبد الباقى، دار الريان بمصر، الطبعة الأولى 1407هـ – 1986م. 136- صحيح مسلم، مع (المنهاج شرح مسلم) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى، دار الحديث بمصر، الطبعة الأولى 1415هـ – 1994م. 137- الصلاة، لمحمد نجيب، دائرة المعارف العلمية بمصر، بدون تاريخ. 138- الصلاة في القرآن، لأحمد صبحى منصور، مخطوط. (ض) 139- الضعفاء والمتروكين، للنسائى، تحقيق كمال يوسف الحوت وغيره، مؤسسة الكتب الثقافية بيروت، الطبعة الثانية 1407هـ – 1987م. 140- الضعفاء والمتروكين، لابن الجوزى، تحقيق عبد الله القاضى، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ – 1984م. 141- الضعفاء الكبير، للعقيلي، تحقيق الدكتور عبد المعطى قلعجى، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1404هـ – 1984م. (ط) 142- طبقات الحفاظ، للسيوطى، دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1983م. 143- طبقات الشافعية، لابن هداية، تحقيق عادل نويهض، دار الآفاق بيروت، الطبعة الأولى 1391هـ – 1971م. 144- طبقات الشافعية الكبرى، للسبكى، تحقيق محمود الطناحى وغيره، مطبعة عيسى الحلبي بمصر، الطبعة الأولى 1383هـ – 1964م. 145- طبقات الفقهاء الشافعيين، لابن كثير، تحقيق الدكتور أحمد عمر هاشم، والدكتور زينهم عزب، المكتبة الثقافية بمصر 1413هـ – 1993م. 146- طبقات القراء، للحافظ الذهبى، تحقيق الدكتور بشار عواد وغيره، مؤسسة الرسالة بيروت 1982م. 147- الطبقات الكبرى، لابن سعد، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1410هـ – 1990م. 148- طبقات المفسرين، للداودى، دار الكتب العلمية بيروت، بدون تاريخ. 149- طبقات المفسرين، للسيوطى، دار الكتب العلمية بيروت، بدون تاريخ. (ع) 150- عذاب القبر والثعبان الأقرع، لأحمد صبحى منصور، دار طيبة للدراسات بمصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 151- العقيدة والشريعة في الإسلام، لجولدتسيهر، ترجمة على حسن عبد القادر وغيره، دار الكتب الحديثة بمصر. 152- علم الفقه، للدكتور عبد المنعم النمر، مطبعة الخلود بغداد 1990م. 153- عمدة القارى شرح صحيح البخارى، للعينى، مطبعة مصطفى الحلبي بمصر 1392هـ. 154- عون المعبود شرح سنن أبى داود، للعظيم آبادى، تحقيق عبد الرحمن عثمان، المكتبة السلفية بالمدينة المنورة 1389هـ. 155- عيون الأثر في فنون المغازى والشمائل والسير، لابن سيد الناس، دار المعرفة بيروت. (ف) 156- فتح القدير الجامع بين فنى الرواية والدراية من علم التفسير، للشوكانى، مطبعة عيسى البابى الحلبي 1963م. 157- فتح البارى بشرح صحيح البخارى، لابن حجر العسقلانى، تحقيق محب الدين الخطيب، ومحمد فؤاد عبد الباقى، دار الريان بمصر 1986م. 158- فتح المغيث شرح ألفية الحديث، للعراقى، شرح السخاوى، تحقيق صلاح محمد عويضة، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1414هـ – 1993م. 159- الفرق بين الفرق، لعبد القادر البغدادى، تحقيق إبراهيم رمضان، دار المعرفة بيروت، الطبعة الأولى 1415هـ – 1994م. 160- الفرقان، لابن الخطيب، الدار المصرية بمصر، الطبعة الأولى 1367هـ – 1948م. (ق) 161- قراءة في صحيح البخارى، لأحمد صبحى منصور، مخطوط. 162- القرآن والحديث والإسلام، لرشاد خليفة، مخطوط. 163- قرآن أم حديث، لرشاد خليفة، خال من مكان الطبع وتاريخه. 164- القرآن والرسول ومقولات ظالمة، للدكتورعبد الصبور مرزوق، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية،الطبعة الثانية 1419 هـ - 1998 م. (ك) 165- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، للحافظ الذهبى، تحقيق محمد عوامة وغيره، دار القبلة بجدة، الطبعة الأولى 1413هـ – 1992م. 166- الكامل في ضعفاء الرجال، للحافظ ابن عدى، تحقيق الدكتور سهيل زكار، دار الفكر بيروت 1988م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 167- الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، لمحمد شحرور، شركة المطبوعات بيروت، الطبعة الأولى 1412هـ – 1992م. 168- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للزمخشرى، المكتبة التجارية بمصر، الطبعة الأولى 1354هـ. 169- كشف الأستار عن زوائد البزار، للهيثمى، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمى، مؤسسة الرسالة 1979م. 170- كشف الخفاء ومزيل الألباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، لمحمد العجلونى، تحقيق محمد الخالدى، دار الكتب العلمية بيروت 1997م. (ل) 171- لسان العرب، لابن منظور، دار صادر بيروت، بدون تاريخ. 172- لماذا القرآن، لعبد الله الخليفة = أحمد صبحى منصور، خال من مكان الطبع وتاريخه. (م) 173- مائة سؤال عن الإسلام، للشيخ محمد الغزالي، دار ثابت، القاهرة، الطبعة الثانية 1407هـ- 1987 م. 174- مجلة أكتوبر، العدد 1242 بتاريخ 13/8/2. . 175- مجلة روز اليوسف، الأعداد 3559 – 3563 – 3564، مطابع الأهرام بمصر. 176- مجلة المسلم المعاصر، العدد الافتتاحى. 177- مجلة المنار، لمحمد رشيد رضا، مطبعة المنار. 178- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للهيثمى، دار الكتاب العربي بيروت 1402هـ – 1982م. 179- المدخل إلى السنة النبوية، بحوث في القضايا الإسلامية عن السنة، للدكتور عبد المهدى عبد القادر، دار الاعتصام بمصر 1419هـ – 1998م. 180- المدخل إلى السنن الكبرى، للبيهقى، تحقيق الدكتور محمد الأعظمى، دار الخلفاء. 181- مذاهب التفسير الإسلامي، لجولدتسيهر، ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار، مكتبة الخانجى بمصر 1955م. 182- مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، لعبد المؤمن البغدادى، تحقيق على البجاوى، دار المعرفة بيروت، 1373هـ. 183- مروج الذهب ومعادن الجوهر، للمسعودى، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، دار المعرفة بيروت 1368هـ – 1948م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 184- مساحة للحوار من أجل الوفاق ومعرفة الحقيقة، لأحمد حسين يعقوب، الغدير بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ – 1997م. 185- المستدرك على الصحيحين، للحاكم، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ – 1990م. 186- المستصفى من علم الأصول، للغزالى، المطبعة الأميرية بمصر 1322هـ. 187- المسلم العاصى، هل يخرج من النار ليدخل الجنة، لأحمد صبحى منصور، القاهرة 1407هـ – 1987م. 188- مسند أبى داود الطيالسى، لأبى داود، حيدر أباد الدكن بالهند 1321هـ – 1903م. 189- مسند أبى يعلى الموصلى، لأبى يعلى، تحقيق حسين أسد، ودار المأمون 1415هـ – 1990م. 190- مسند الإمام أحمد، لأحمد بن حنبل، المطبعة الميمنية بمصر 1313هـ – 1895م. 191- مسند الحميدى، للحميدى، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمى، عالم الكتب بيروت. 192- مسند الإمام الشافعى، للشافعى، تحقيق سعيد محمد اللحام وغيره، دار الفكر بيروت 1996م. 193- مسند الشهاب، للقضاعى، تحقيق حمدى عبد المجيد السلفى، مؤسسة الرسالة بيروت 1405هـ. 194- مشاهير علماء الأمصار، لابن حبان، تحقيق مجدى الشورى، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الثانية 1416هـ – 1995م. 195- مشروع التعليم والتسامح، لأحمد صبحى منصور وغيره، نشر دار ابن خلدون للدراسات بالمقطم مصر. 196- المصنف، لابن أبى شيبة، تصحيح عامر الأعظمى، حيدر أباد الدكن بالهند 1966م. 197- المصنف، لعبد الرزاق، تحقيق حبيب الأعظمى، المجلس العلمى بالهند 1970م. 198- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، لابن حجر، تحقيق حبيب الأعظمى، دار عباس أحمد الباز. 199- معالم المدرستين، لمرتضى العسكرى، الدار العالمية بيروت، الطبعة الخامسة 1993م. 200- المعجم الأوسط، للطبرانى، تحقيق طارق عوض وغيره، دار الحرمين بمصر 1415هـ – 1995م. 201- معجم البلدان، لياقوت الحموى، دار إحياء التراث العربي بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 202- المعجم الصغير، للطبرانى، تحقيق محمد سمارة، دار إحياء التراث العربي 1992م. 203- المعجم الكبير، للطبرانى، صدر منه 25 جزء، وناقص أجزاء 15، 16، 21، تحقيق حمدى عبد المجيد السلفى، الدار العربية للطباعة 1398هـ. 204- معجم مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهانى، تصحيح إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1418هـ – 1997م. 205- مفتاح السنة أو تاريخ فنون الحديث، لمحمد عبد العزيز الخولى، دار الكتب العلمية بيروت. 206- منع تدوين الحديث أسباب ونتائج، لعلى الشهرستانى، مؤسسة الأعلمى بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ – 1997م. 207- المنهاج شرح مسلم، للنووى، تحقيق عصام الصبابطى وغيره، دار الحديث بمصر، الطبعة الأولى 1415هـ – 1994م. 208- المواجهة مع رسول الله وآله، لأحمد حسين يعقوب، مركز الغدير بيروت، الطبعة الأولى 1417هـ – 1996م. 209- الموافقات في أصول الشريعة، للشاطبى، تحقيق عبد الله دراز وغيره، دار المعرفة بيروت، الطبعة الثانية 1416هـ – 1996م. 210- المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، لأحمد القسطلانى، دار الكتب العلمية بيروت، 1996م. 211- موطأ الإمام مالك، برواية يحيى الليثى، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى، دار الحديث بمصر 1993م. (ن) 212- النبأ العظيم: للدكتور محمد عبد الله دراز، تخريج وتعليق عبد الحميد الدخاخنى، دار المرابطين الأسكندرية، الطبعة الأولى 1417هـ – 1997م. 213- النبي محمد، لعبد الكريم الخطيب، دار المعرفة بيروت، الطبعة الثانية 1975م. 214- نحو تطوير التشريع الإسلامي، لعبد الله أحمد النعيم، دار سينا بمصر 1994م. 215- نحو فقه جديد، لجمال البنا، دار الفكر بمصر، بدون تاريخ. 216- نظرة القرآن إلي الجريمة والعقاب، للدكتور محمد عبد المنعم القيعي، دار المنار، القاهرة، الطبعة الأولي 1408هـ -1988م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 217- نظرية عدالة الصحابة، والمرجعية السياسية في الإسلام، لأحمد حسين يعقوب، مطبعة الخيام بالأردن، الطبعة الأولى بدون تاريخ. 218- نقد الخطاب الدينى، لنصر أبو زيد، دار سينا بمصر، الطبعة الثانية 1994م. 219- النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، خرج أحاديثه وعلق عليه صلاح عويضة، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ - 1997م. (و) 220- الوافى بالوفيات، للصفدى صلاح الدين، نشر المعهد الألمانى للأبحاث الشرقية بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ - 1985م. 221- وركبت السفينة، لمرون خليفات، مركز الغدير للدراسات بيروت 1418هـ - 1997م. 222- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لأحمد بن خلكان، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الثقافة بيروت. (لا) 223- لا ناسخ ولا منسوخ في القرآن، لأحمد صبحى منصور، مركز المحروسة للبحوث بمصر الطبعة الأولى 1997م. هذا وقد تركت ذكر بعض المصادر والمراجع، لقلة رجوعى إليها، وهى مبينة عند مواطن النقل منها، أو العزو إليها للاستفادة منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161