الكتاب: صَحِيحُ التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني الناشر: مكتَبة المَعارف لِلنَشْرِ والتوزيْع، الرياض - المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2000 م عدد الأجزاء: 3   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- صحيح الترغيب والترهيب ناصر الدين الألباني الكتاب: صَحِيحُ التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني الناشر: مكتَبة المَعارف لِلنَشْرِ والتوزيْع، الرياض - المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2000 م عدد الأجزاء: 3   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] صَحِيحُ التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب تأليف محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله الجُزء الأوّل مكتَبة المَعارف لِلنَشْرِ والتوزيْع لِصَاحِبَهَا سَعد بن عَبْد الرحمن الراشِد الريَاض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 جميع الحقوق محفوظة للناشر، فلا يجوز نشر أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه أو تسجيله بأية وسيلة، أو تصويره أو ترجمته دون موافقة خطية مُسبقة من الناشر. الطبعة الأولى 1421 هـ - 2000 م (ح) مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، 1421 هـ فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر الألباني، محمد ناصر الدين صحيح الترغيب والترهيب للمنذري - الرياض 700 ص، 17.5 × 25 سم ردمك: 9 - 04 - 858 - 9660 (مجموعة) 7 - 05 - 858 - 9960 (ج 1) 1 - الحديث - شرح 2 - الحديث - جوامع الفنون أ- العنوان ديوي 273.3 0277/ 21 رقم الإيداع: 0277/ 21 ردمك: 9 - 04 - 858 - 9960 (مجموعة) 7 - 05 - 858 - 9960 (ج 1) مكتبة المعارف للنِّشْرِ والتوزيع هاتف: 4114535 - 4113350 فاكس 4112932 - ص. ب: 3281 الرياض الرمز البريدي 11471 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الجديدة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، (1) ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد، فقد كنا طبعنا من كتابي الفريد الحبيب "صحيح الترغيب والترهيب" المجلد الأول منه طبعات، آخرها الطبعة الثالثة سنة (1409) من منشورات مكتبة المعارف في الرياض، لصاحبها الشيخ الفاضل (سعد الراشد)، والآن فقد رغب مني -بارك الله فيه- الشروع في طبع بقية مجلداته، وطبع قسيمه "ضعيف الترغيب"؛ الذي لم يتيسر لي نشر شيء منه فيما سبق. لذلك فقد رأيت أنه من الضروري إعادة النظر، في "الصحيح" و"الضعيف"؛ لأنني مع حرصي الشديد في تحريرهما، وتحقيق القول في أحاديثهما، على المنهج العلمي الدقيق الذي كنت تحدثت عنه في مقدمة الطبعة الأولى للمجلد المذكور، كما ستراه في المقطع (34) الآتي، ومع ذلك فقد كنت مضطراً للاعتماد على المنذري في التصحيح والتضعيف، والتجريح والتعديل،   (1) قلت: يزيد بعض الخطباء هنا: "ونستهديه"، ولا أصل لها في هذه الخطبة الكريمة المعروفة بـ (خطبة الحاجة)، في شيء من طرقها التي كنت جمعتها عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رسالة، وفيها بيان أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أحياناً يقرأ بعدها ثلاث آيات معروفة من سور: (آل عمران)، (النساء)، و (الأحزاب)، وبعضهم يقدم منها ما شاء ويؤخر، وربما زاد فيها ما ليس منها، غير منتبهين أن ذلك خلاف هديه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنه لا يجوز التصرف في الأوراد ولو بتبديل لفظ، ولو لم يتغير المعنى. انظر التعليق على حديث البراء الآتي في (6 - النوافل/ 9). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 وغيرها حينما لا أتمكن من الرجوع إلى أصوله ومصادره التي رجع إليها، وكذلك اعتمدت على غيره أيضاً كما بينته في المقطع (35) الآتي. أما اليوم -وبعد مضيّ نحو أكثر من عشرين سنة على التحقيق المذكور- فقد حدثت أمور، وتطورت بعض الآراء والأفكار، أوجبت إعادة النظر في المزبور، انطلاقاً من قولي المعروف: (العلم لا يقبل الجمود). ومن أهم تلك الأمور، وأسباب تطور الأفكار صدور بعض المطبوعات والمصورات من الكتب الحديثية التي لم تكن معروفة من قبل، وفيها كثير من مصادر المنذري المشار إليها آنفاً، منها على سبيل المثال: 1 - صحيح ابن حبان: الإحسان. 2 - مسند أبي يعلى. 3 - كشف الأستار عن زوائد البزار. 4 - وأخيراً أصله المسمى "البحر الزخار"، طبع منه حتى اليوم ثمانية أجزاء. 5 - معجم الطبراني الكبير. 6 - معجم الطبراني الأوسط. 7 - الدعاء. له. 8 - شعب الإيمان للبيهقي. 9 - الزهد الكبير. له. 10 - كتب ابن أبي الدنيا، وهي كثيرة، وطبع لها "فهرس الأحاديث" بقلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 محمد خير رمضان يوسف. وغيرها كثير وكثير جداً من مختلف علوم الحديث من المسانيد والتراجم وغيرها. وأما المصورات، فمن أهمها: 1 - المطالب العالية المسندة، لابن حجر العسقلاني. 2 - تفسير ابن أبي حاتم. ثم طبع أخيراً. 3 - الطب النبوي، لأبي نعيم. 4 - الغرائب الملتقطة من "مسند الفردوس" لابن حجر. 5 - الكنى والأسماء، لأبي أحمد الحاكم. 6 - مسند السراج. 7 - معرفة الصحابة، لأبي نعيم، ثم طبع منه الأول والثاني. 8 - البر والصلة لابن المبارك. 9 - المعجم لابن قانع، ثم طبع في ثلاثة مجلدات. 10 - الوهم والإيهام لابن القطان الفاسي، ثم طبع أخيراً في ستة مجلدات. وغيرها كثير. فأقول: هذه المصادر كانت من الأسباب التي فتحت لي طريقاً جديداً للتحقيق علاوة على ما كنت قدمت، فقد وقفت فيها على طرق وشواهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 ومتابعات لكثير من الأحاديث التي كنت قد ضعفتها تبعاً للمنذري وغيره، أو استقلالاً بالنظر في أسانيد مصادرها التي ذكرها هو أو سواه، فقويتها بذلك، وأنقذتها من الضعف الذي كان ملازماً لأسانيد (1) مصادرها المذكورة في الكتاب، إلى فوائد أخرى لا يمكن حصرها، وقد نبهت على بعضها بالحواشي، انظر مثلاً التعليق على الحديث (10) (5 - الصلاة/ 8). وعلى الحديث (5) (5 - الصلاة/ 12)، وعلى الحديث (10) منه. وعلى العكس من ذلك فقد ساعدتني بعض الطرق المذكورة في المصادر الجديدة على اكتشاف علل كثير من الأحاديث التي قواها المؤلف أو غيره: كالشذوذ، والنكارة، والانقطاع، والتدليس، والجهالة، ونحوها، كما ساعدتني على تبين خطأ عزوه إلى بعضها، كأن يطلق العزو للنسائي الذي يعني (السنن الصغرى)، والصواب أنه في (السنن الكبرى) له، أو أن يعزو للطبراني مطلقاً ويعني (المعجم الكبير) له، وهو خطأ صوابه (المعجم الأوسط) له، (2) ونحو ذلك. ومن قبل لم يكن ممكناً الوقوف على هذه المصادر التي جدَّت وسميتُ آنفاً بعضها. وكذلك ساعدني ذلك على تصحيح بعض الأخطاء الهامة التي ترتب عليها أحياناً تضعيف الحديث الصحيح براوٍ ضعيف مثل (شهر بن حوشب)، وهو ليس في إسناده كما ستراه في الحديث (2) من (6 - النوافل/ 8)، إلى غير ذلك من أخطاء أخرى ما كانت تظهر لولا هذه المراجع. هذا ما يتعلق بالمصادر العلمية التي صدرت حديثاً.   (1) انظر مثلاً الحديث الأول الآتي في (4 - الطهارة/ 3)، فقد أعله المؤلف بجهالة أحد رواته، وقويته لشاهد من غير طريقه، وهو من فوائد كتاب ابن القطان الفاسي. ونص الحديث (7) في (1 - الإخلاص/ 1)، ومثله كثير. (2) انظر التعليق على الحديث (6) في (2 - السنة/ 2). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 وأما ما يتعلق بالآراء والأفكار، فالإنسان بحكم كونه خلق ضعيفاً، وساعياً مفكراً، فهو في ازدياد من الخير، سواء كان مادياً أو معنوياً على ما يشاء الله عز وجل، ولذلك تتجدد أفكاره، وتزداد معلوماته، وهذا أمر مشاهد في كل العلوم، ومنها علم الحديث القائم على معرفة الألوف من تراجم الرجال، وما قيل فيهم جرحاً وتعديلاً، والأطلاع على آلاف الطرق والأسانيد، فلا غرابة إذن أن يختلف قول الحافظ الواحد في الراوي الواحد والحديث الواحد. كما اختلفت أقوال الإمام الواحد في المسألة الواحدة كما هو معلوم من أقوال الأئمة، ولا داعي لضرب الأمثلة فهي معروفة، فبالأولى أن يكون لأحدنا من الباحثين أكثر من قول واحد في الراوي الواحد وحديثه، ولبيان هذا لا بأس من ضرب بعض الأمثلة: 1 - عبد الله بن لَهيعة المصري القاضي الصدوق، (1) نشأنا في هذا العلم، ونحن ندري أنه ضعيف الحديث لاختلاطه، إلا فيما كان من رواية أحد العبادلة عنه، ومع البحث والتحري انكشف لي أن الإمام أحمد ألحق بهم (قتيبة بن سعيد المصري)، كما بينت ذلك في "الصحيحة" (2517)، وقد يكون هناك آخرون. 2 - دراج بن سمعان أبو السمح المصري، جريت إلى ما قبل سنين على تضعيف حديثه مطلقاً سواء كان عن أبي الهيثم أو غيره، ثم ترجح عندي أنه حسن الحديث إلا عن أبي الهيثم في بحث أودعته في "الصحيحة" أيضاً برقم (3350) (2).   (1) انظر على سبيل المثال التعليق على الحديث (6) في (4 - الطهارة/ 7) والتعليق على الحديث (6) أيضاً (4 - الطهارة/ 10). والحديث (15) في (8 - الصدقات/ 3). (2) انظر الحديث (3) في (3 - العلم/ 8). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 فلهذا فقد تطلب مني التحقيق الجديد إعادة النظر في كل حديث في كتاب "الترغيب" في إسناده أحد هذين الراويين، لتلحق -على ضوء هذا التفصيل- بـ "الصحيح" أو "الضعيف" منه. ويشبه هذا -من حيث إعادة النظر- الرواة المعروفون بالاختلاط أو التدليس، والثقات المضعفون في بعض شيوخهم مما هو معروف عند المشتغلين بهذا العلم الشريف، فهذا النوع أيضاً قد تطلب مني جهداً خاصاً لتمييز صحيح حديثهم من ضعيفه، وقد وفقت في ذلك إلى حد كبير كما سيرى القراء التنبيه على ذلك في التعليقات مع الإيجاز. والفضل لله أولاً وآخراً. وثمة سبب آخر يستدعي إعادة النظر في الكتاب، ألا وهو ما فطر عليه الإنسان من الخطأ والنسيان، وهو وإن كان لا يؤاخذ عليه المرء كما هو ثابت في القرآن والسنة، فلا يجوز الإصرار عليه إذا تبين، ولذلك فإن من دأبي أنه كلما بدا لي خطأ أو وهم نبهت عليه على هامش نسختي من الكتاب، لأصححها إذا ما قدر له طبعه من جديد. وهذا ما جريت عليه في كل ما يعاد طبعه من كتبي، لا يصدني عن ذلك استغلال ذلك بعض الشانئين والطاعنين من ذوي الأهواء المعروفين بمعاداتهم للسنة والداعين إليها، من الذين يجعلون المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، ويتجاهلون ما كان عليه أئمتنا من الرجوع إلى الصواب حينما يتبين لهم. والآثار في ذلك عنهم معروفة مشهورة. (1) فتذكرُ الإنسان هذه الحقيقة البشرية، مما يدفع عنه العُجب والغرور، ويحمله دائماً على الاعتراف بالعجز والتقصير، ليتدارك من الخير والصواب ما فاته، ويقدم   (1) راجع إن شئت للرد على الطاعنين مقدمتي للمجلد الأول من "الصحيحة" (الطبعة الجديدة)، ومقدمة المجلد السادس منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 إلى القراء ما هو الأصلح والأنفع بإذن الله تعالى، ليكون كما قال عليه الصلاة والسلام: "خير الناس أنفعهم للناس"، (الصحيحة 127). ولهذا رأيت أن أجعل مراتب أحاديث "صحيح الترغيب" خمسة -مكان المرتبتين: صحيح وحسن سابقاً- وهي كما يلي: 1 - صحيح. وهو ما اكتملت فيه كل شروط الصحة على ما هو معروف في علم "مصطلح الحديث". 2 - حسن. أي: لذاته. وهو الذي اكتملت فيه شروط "الصحيح"، لكن خف ضبط أحد رواته عن حفظ راوي الحديث "الصحيح". 3 - حسن صحيح. وهو الحسن لذاته إلا أنه تقوى بمتابع أو شاهد له، وهذا الاستعمال معروف من بعض الحفاظ المتقدمين كالترمذي، وهو الذي أشاعه في "سننه"، ولكن لم يأت عنه ما يوضح مراده منه. 4 - صحيح لغيره. وهو الذي تقوى بكثرة طرقه التي لم يشتد ضعفها. 5 - حسن لغيره. وهو الذي قبله، ولكن لم تكثر طرقه، ويكفي فيه طريقان لم يشتد ضعفهما. وإن مما ينبغي ذكره هنا أن تقرير هاتين المرتبتين الأخيرتين إنما يتم بعد النظر في إسناد الحديث في المصادر المذكورة في الكتاب، ثم بالنظر في أسانيد المصادر التي لم يذكرها المؤلف، فأرفع درجته إلى إحدى هاتين المرتبتين، لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد فيهما ما هو صحيح لذاته، فضلاً عن الحسن، كلا، فقد يكون فيها أحدهما، لكني لم ألتزم بيان ذلك في التعليق لكي لا يتضخم حجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 الكتاب، وإنما بيان ذلك في المطولات من مؤلفاتي كـ "الصحيحة" و"الإرواء" وغيرها. وقد أشير إليها أحياناً، فأرجو الانتباه لهذا. وإنما اتخذت هذا الاصطلاح -والعلماء يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح- لسببين اثنين: أحدهما: أنه أدق في التعبير عن حقيقة قوة الحديث عند المؤلف، وعن الطريقة التي سلكها في إطلاقه مرتبة من هذه المراتب الخمس. وجدير بالذكر أن الجهد الذي يفرغه المؤلف لإصدار المراتب الثلاث الأخيرة ليس كالجهد الذي يفرغه لمعرفة المرتبة الأولى والثانية، كما لا يخفى على من مارس هذا الفن، ولا أكون مغالياً إذا قلت: إنني أفرغ أحياناً الساعات الطوال، بل وأيّاماً وليالي لإصدار الحكم الرابع والخامس على بعض الأحاديث، وقد تكون النتيجة أحياناً أن يبقى الحديث ضعيفاً؛ لشدة ضعف طرقه، ونكارة متنه، ولا يعرف هذه الحقيقة إلا من عاناها، كل ذلك حرصاً على حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وغيرة عليه أن يقال عليه ما لم يقل، أو أن ينفى عنه ما قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والسبب الآخر: أن هذا الاصطلاح أدعى لقطع دابر القيل والقال، والخوض في المناقشة والجدال، مع بعض إخواننا المحبين أو غيرهم، فقد جاءتني على مر السنين استشكالات واعتراضات من عديد من الأشخاص من مختلف البلاد، فيهم المخلص المستفيد، وفيهم المغرض العنيد: كيف حسنت الحديث الفلاني، وصححت الحديث الفلاني، وفي إسناده ابن لهيعة، أو شهر بن حوشب، وأمثالهما؟! فأذكرهم بـ (الحديث الحسن لغيره) المعروف في علم المصطلح، والمطبق عملياً من الإمام الترمذي في "سننه"، ومن الحفاظ المتأخرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 في تخريجهم للأحاديث كالذهبي، والعراقي، والعسقلاني وغيرهم، فمن أولئك من يتذكر، و {إنما يتذكر أولوا الألباب} ويقنع، ومنهم من يُفحم ويَخنس! وأكثر هؤلاء ممن يحسبون أنهم على شيء من هذا العلم، وليسوا على شيء، والواحد منهم كما قال الذهبي رحمه الله: "يريد أن يطير ولما يريش"! فقد بلوناهم، وابتُلينا بهم. والله المستعان. (1) وإنّ من فوائد استعمال الاصطلاحين الأخيرين أنه قد يكون في بعض أحاديثهما جملة أو لفظة قد يستشكلها البعض، ويكون له في ذلك وجهة نظر، فيكون له في الاصطلاح المذكور ما ينبهه ويساعده على الرجوع إلى المتن الصحيح لذاته إن وجد، أو إلى تتبع المتون الأخرى، فقد يتبين له بذلك ما يزيل الإشكال. ولقد كلفني هذا الاصطلاح العلمي النافع إن شاء الله تعالى جهداً جهيداً، وتعباً شديداً، وزمناً مديداً، لأنه اقتضاني مراجعة المرتبتين المشار إليهما آنفاً في الأحاديث كلها أو جلها، لتعديلها إلى المراتب الخمس الجديدة، حتى قد شعرت أنني لو شرعت بتأليفه من جديد كان أهون علي! لكن الخير كل الخير فيما يقدره الله لعبده المؤمن، فقد نبهني الله عز وجل في أثناء هذه الدراسة على أوهام كثيرة أخرى للمؤلف رحمه الله تعالى في التخريج والمتون وغيرهما سوى التي كنت نبهت عليها فيما سبق. كما تنبهت لبعض الأوهام التي صدرت مني أنا، فانظر مثلاً التعليق على الحديث (2) من (5 - الصلاة/ 31). وإن من ذلك الخير أنني بينت أن التزام هذا الاصطلاح أمر لا بد منه، لما   (1) وراجع لهذا السبب مقدمتي لـ "صحيح ابن ماجه" (ص 6 - 7/ طبعة المعارف). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 سبق بيانه، وتمنيت لو أنني تنبهت له من قبل، أو نُبهت إليه، ولذلك فقد عزمت على التزامي إياه فيما أنا قادم عليه من مشاريعي المتعلقة بـ "تقريب السنة بين يدي الأمة"، كما أنصح بذلك كل خادم للسنة، عارف بفن التخريج والتصحيح والتضعيف ولوازمه. من أجل ذلك فإني أشكر الله تعالى على ما وفقني ويسر لي مِن تحقيق هذا الكتاب مرة أخرى، وقد دخلت في الخامسة والثمانين من عمري بالتأريخ الهجري، فله تبارك وتعالى الثناء والمجد، وإليه أضرع وأسأل أن يبارك فيما بقي من عمري ووقتي، وأن يمتعني بسمعي وبصري وقوتي ما أحياني، ويمدني بمدد من عنده وفضله، حتى أستمر في خدمة سنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى آخر رمق من حياتي، وأن يلحقني بالصالحين إذا حان أجلي، إنه سميع مجيب. ثم إنني قد ذكرت آنفاً أني أحيل في تخريج أحاديث الكتاب التي هي بحاجة إلى تخريج -إلى المطولات من مؤلفاتي، وهذا إذا كان الحديث أو الأثر في شيء منها، وإلا كان لا بد من تخريجي إياه في التعليق عليه إذا أعله المؤلف، أو حكم عليه بما يخالف النقد العلمي الدقيق في نظري- بما يكشف عن مرتبته من تلك المراتب الخمس، مع الإيجاز في الكلام بقدر الإمكان. وانظر على سبيل المثال الأرقام التالية (137 و197 و390 و570 و710) إلى غير ذلك، وهي كثيرة جداً. ومن المناسب هنا التنبيه أنه قد يمر بالقارئ الرمز لبعض الأحاديث الصحيحة هنا والضعيفة هناك بكلمة إضافية في كل منهما مثل: (موقوف) و (مقطوع)، والمقصود بهما معاً التنبيه إلى أن الحديث ليس مرفوعاً إلى النبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما هو من كلام بعض السلف، فإن كان من الصحابة قلنا: "موقوف"، وإن كان ممن دونه قلنا: "مقطوع"، وهذا أمر معروف في علم المصطلح، فأحببت إحياءه والتنبيه عليه، انظر مثلاً الأحاديث (348، 349، 964). وما دمت لا أزال أتحدث عن المراتب المذكورة، فلا بد من لفت نظر القراء إلى الاصطلاح المطبعي الآتي: لقد بدا لي وأنا في صدد تصحيح التجارب أن من الأنفع والأسرع لتنبيههم على مرتبة الحديث أن تُطبع المراتب بجنب الأحاديث على الأسلوب التالي: 1 - في الحديث الصحيح أو الحسن لذاته تطبع المرتبة بحذاء السطر الأول يميناً أو يساراً من حاشية الصفحة. 2 - وتطبع مرتبة (صحيح لغيره)، و (حسن لغيره) تجاه متن الحديث كذلك، سواء كان أول المتن في السطر الثاني أو بعده، وإذا لم يكن بعد السطر الأول متن، لاكتفاء المؤلف بالذي قبله، طبعت المرتبة حذاء السطر كالحديث (108 و136). 3 - وأما مرتبة (حسن صحيح) فطبعت لفظة (حسن) حذاء السطر الأول، إشارة إلى حسن الإسناد، بينما وضعت لفظة (صحيح) حذاء السطر الثاني أو بعده، دلالةً على صحة متنه، إما لذاته أو لغيره على ما سبق بيانه. وبهذه المناسبة أقول: لقد ساعدني كثيراً على تطبيق هذا المنهج العلمي الدقيق ووضع كل مرتبة في مكانها المناسب لها، وكذلك على تصحيح تجارب الكتاب المرة بعد المرة ابنتي أم عبد الله بارك الله فيها وفي ذريتها، كما تجاوب معنا القائمون على طبع الكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وصبروا معنا على التحقيق والتصويب، فلهم، ولكل من كان له يد في ذلك وبخاصة منهم الموظفين في المكتبة الإسلامية، لصاحبها صهري الكريم نظام سكجها، فلهم مني جميعاً، الشكر الجزيل. هذا، وقد عرضت لي مشكلة بعد فرز "الصحيح" عن "الضعيف"، وهي أن المؤلف رحمه الله يعقب الحديث أحياناً ببعض الزيادات أو الألفاظ وهي مما لا تصح، معزوة لبعض المصادر، وعليه فهي مما ينبغي أن يذكر في "الضعيف"، لكن إن ذكرت دون سائر الحديث شقّ على القارئ فهم المراد بها، كما سيأتي بيانه قريباً ببعض الأمثلة، فكان لا بد -والحالة هذه- من أحد أمرين: 1 - إما إيرادها مع حديثها في "الصحيح"، وهذا غير مناسب؛ لأنه قد يوهم غير المنتبه أنها صحيحة كأصلها الذي سِيقت فيه، وبخاصة إذا كان المتن طويلاً، والزيادة قصيرة مثل رواية: "ثم رفع طرفه إلى السماء ثم يقول" في حديث الدعاء بعد الوضوء الآتي برقم (224). 2 - وإما إيرادها كذلك مع الحديث في "الضعيف"، وهو غير مناسب أيضاً، لأنه قد يوهم ضعف الحديث من أصله! فبدا لي أن الحل المناسب أن لا تذكر، لا في هذا، ولا في هذا، وإنما تذكر في الهامش تعليقاً على الحديث، مع بيان مرتبتها في الضعف. وأقرِّب ذلك إلى القراء الكرام بمثالين اثنين: أحدهما: الدعاء الوارد في الحديث الآتي برقم (36): "اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ... " جاء فيه زيادة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 "يقول كل يوم ثلاث مرات". فمن الواضح جداً أن ذكرها منفردة في "الضعيف" مما لا فائدة منه، بل هو مما يشغل بال القارئ ويتساءل: ما مناسبتها؟ والآخر: الحديث الآتي برقم (209) بلفظ: "السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب"، فجاء عقبه زيادة في رواية: "ومجلاة للبصر"، ولا يظهر ارتباط هذه الزيادة باللفظ المذكور إلا لبعض الخاصة من العلماء وطلاب العلم. ولذلك قررت ذكر هذا النوع من الزيادات أو الألفاظ في هامش هذا "الصحيح" -ما أمكنني ذلك- مع بيان المرتبة كما سبق، راجياً أن أكون قد وفقت في هذا وفي كل ما أكتب وأحرر، والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق. وختاماً أقول: إن مما يحسن التنبيه عليه، ولفت نظر القراء إليه: أن المقصد الأول من هذين الكتابين: "الصحيح"، و"الضعيف"، وأمثالهما مما يدخل في مشروعي المعروف: "تقريب السنة بين يدي الأمة". ولازمه تمييز صحيحها من سقيمها نصحاً لها. ولذلك فإني أقول: لست أتحمل مسؤولية ما قد يكون في بعض الأصول والمصادر التي أقربها وأميز أحاديثها من الأخطاء، لأن العناية بها، وتصويبها أمر آخر له أهله، وأنا قلما أتفرغ له وأتوجه إليه إلا بقدر؛ لضيق الوقت؛ ولأن همي الأول هو ما ذكرت من التقريب والتمييز، وإن كنت وأنا في صدد القيام بذلك، قد وفقني الله كثيراً لتصويب كثير من الأخطاء التي تقع في بعض النصوص والأسانيد والرجال والتخريجات، لا سيما عند إعادة النظر والطباعة، كما سيتبين ذلك للقراء الكرام جلياً في الجزء الأول من هذا "الصحيح"، وسائر أجزائه إن شاء الله تعالى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 بخلاف بعض الناشئين أو الكاتبين ممن يدعون التحقيق والتعليق على بعض كتب الحديث، وهم (ليسوا في العير ولا في النفير) كما يقال في بعض الأمثال. وبهذه المناسبة يحسن بي محذراً ومنبهاً وناصحاً بيان الآتي: لقد وقع تحت يدي طبعة جديدة لكتاب الحافظ المنذري "الترغيب والترهيب"، لثلاثة من المحققين والمعلقين -كما قالوا-، وأنا أصحح تجارب هذا "الصحيح"، فاقتنيته؛ لعلي أجد فيه ما يساعدني على ما أنا في صدده من إعادة النظر في "الصحيح" و"الضعيف"، وتصحيح بعض الأخطاء التي وقعت في الأصل؛ فاتني الانتباه لها؛ فيما سبق، فلم أستفد من تحقيقهم المزعوم شيئاً يذكر، بل وجدتهم جهلة لا علم عندهم يخوِّلُهم التعليق على هذا الكتاب الذي وقع فيه مختلف الأوهام التي ضجر من كثرتها الحافظ إبراهيم الناجي كما كنت حكيت ذلك عنه في مقدمة الطبعة الأولى كما سيأتي في المقطع (43) منها، وأقول عن هؤلاء بحق: إنهم جهلة، فلا علم لهم بالحديث متونه وأصوله، وكذلك الفقه، واللغة، هذه التي تؤهلهم -على الأقل لو كانوا على علم بها- لتحقيق الكلام على النصوص وبيان الراجح من المرجوح منها عند اختلاف النسخ أو المراجع، حتى هذا النوع من التحقيق لم يستطيعوا القيام به، بل إنهم لم يقدروا على تصحيح بعض الأخطاء الفاحشة التي لا تخفى على الطلبة، والتي وقعت في طبعتهم المزخرفة تبعاً للأصل، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، وحسبي أن أقدم مثالاً واحداً على ذلك، وهو الحديث الآتي في (9 - الصوم/ 11 رقم الحديث 5) بلفظ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم .. ". فطبعوه تبعاً لأصله الخطأ بلفظ: "لا تصوموا ليلة السبت ... ". وكل أحد يعلم أن الليل ليس محلاً للصيام، فكيف غفلوا عن هذا الخطأ الفاحش؟! كان يمكننا أن نلتمس لهم عذراً -كما هو المأثور عن بعض السلف- بأن نقول إنه خطأ مطبعي، كما هو القول في خطأ الأصل، ولكن هذا غير وارد هنا لأنه يستبعد عادة التطابق في الخطأ في اللفظ الواحد، ثم أين التحقيق المدعى، وليس من فرد واحد، بل من ثلاثة؟! ولا أدل على جهلهم باللغة من الكتاب الذي اختصروه من طبعتهم لـ "الترغيب"، ثم طبعوه تحت عنوان: "تهذيب الترغيب والترهيب من الأحاديث الصحاح طبعة محققة متميزة بصحاح الأحاديث ... "! وتحته أسماء المحققين الثلاثة المشار إليهم فيما تقدم. وذلك أن هذا العنوان يدل على خلاف مقصدهم، لأن "تهذيب الكتاب" إنما يعني تجريده من الأحاديث الضعيفة وليس "من الأحاديث الصحاح"، ففي كتب اللغة: "يقال: هذب الكتاب: لخصه وحذف ما فيه من إضافات مقحمة أو غير لازمة". المعجم الوسيط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 وعلى هذا المعنى ألفت الكتب المعروفة عند طلاب العلم فضلاً عن العلماء مثل: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي، و"تهذيب الكمال" للمزي، و"تهذيب التهذيب" للعسقلاني، وغيرها كثير. فلو أن أولئك الثلاثة المحققين -زعموا- كان أصلهم من الأعاجم -مثلي! - وكانوا طلاب علم حقاً، لكان هذا وحده كافياً لصرفهم عن الوقوع في مثل هذا الجهل الفاضح، ولكني قد تأكدت من تعليقاتهم أنهم ليسوا من طلاب العلم، ولا من الذين أتيح لهم الاستماع لهذا العلم، ولكني أشك أن يكون أصلهم عجماً، أو أنهم عرب استعجموا! نعم، هم ليسوا طلاب علم يقيناً، لأن الأعاجم من الطلاب يعلمون ما جهلوه هم، فمن منهم لا يعلم إجماع الأمة على أن تأخير الصلاة عن وقتها نسيانًا أو سهواً ليس معصية، وقد صح أن الله تعالى استجاب دعاء الصحابة حين قالوا: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}؟! أما هؤلاء الجهلة الثلاثة فقد قالوا وتحت ما سموه "فقه الباب" (1/ 446): "وقد أفادت الأحاديث بمجموعها أن تأخير الصلاة عن وقتها ناسياً أو ساهياً معصية كبيرة .. "! ولقد كذبوا -والله- فليس في الأحاديث ذكر للناسي مطلقاً، بل في الكثير منها خلافه وهو لفظ (متعمداً)، ولكنهم لجهلهم بإجماع الأمة من جهة، ولقلة بضاعتهم بالفروع الفقهية من جهة أخرى سوّوا بين (الناسي) و (الساهي) المذموم في قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}، ولم يعلموا لبالغ غفلتهم أن المراد: بالساهين: المتعمدون إضاعة الصلاة عن وقتها عمداً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 باللهو عنها كما فسره سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في الباب الذي أشاروا إليه، ويأتي برقم (576). ولقد كان يغنيهم عن هذا الجهل المغلف بالفقه الأرعن لو كان عندهم شيء من النباهة والفهم، ترجمةُ المنذري لأحاديث الباب بقوله: "الترهيب من ترك الصلاة تعمداً وإخراجها عن وقتها تهاوناً". ولكن صدق الله: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}. ومن ذلك أن اسم (جَمع) إذا جاء في حديث من مناسك الحج فهو (مزدلفة) يقيناً، أما هم فقالوا (2/ 154) في تفسيرها: "بـ (جمع): بعرفات"!! وسيأتي بيان ذلك في التعليق على حديث عبادة بن الصامت في المجلد الأول من "ضعيف الترغيب" (11 - الحج/ 9/ الحديث 3) إن شاء الله تعالى. ومن هذا القبيل قولهم في تفسير حديث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا تبايعتم بالعينة .. ". (1) قالوا (2/ 305): "بالعينة: بالمال الحاضر من النقد"! مع أنهم نقلوا بعده تفسيره الصحيح عن ابن الأثير، والذي خلاصته أن النقد مؤجل، والبضاعة حاضرة لم تتحرك، تباع من التاجر بثمن مؤجل، ثم يبيعها من اشترى لمن باع بثمن حاضر أقل، فيكون الفرق بين الثمنين مقابل الأجل، لذلك فهو من البيوع الربوية، كما أنه من بركات بيع التقسيط الذي يبيحه كثيرون! والشاهد، أن ما   (1) انظر الحديث في الجزء الثاني من "الصحيح" (12 - الجهاد/15/ الحديث 2). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 نقلوه عن ابن الأثير كان يغنيهم أن يقعوا في هذا الجهل، أو العجمة على الأقل، ولكن صدق من قال: وكل إناء بما فيه ينضح. ومثله وأسوأ منه تفسيرهم (اللَّمَمَ) في حديث المرأة التي كان بها طرف من جنون، وطلبت منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يدعو لها، وخيرها - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أن يدعو لها فتشفى، وبين أن تصبر، ولا حساب عليها. فقالت: أصبر ولا حساب عليَّ. (1) فقال المعلقون الثلاثة الجهلة (4/ 183): " (لَمَمٌ): مقاربة المعصية، ويعبر بها عن الصغيرة .. ". فتأمل أيها القارئ الكريم كيف فسروا هذه اللفظة من الحديث بمعناها المذكور في تفسيرها في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}، فخلطوا خلطاً قبيحاً جداً؛ فإن هذا المعنى لا يناسب الحديث مطلقاً كما هو ظاهر بأدنى تأمل، لأن معناه حينئذ أن المرأة جاءت تشكو ارتكابها المعصية، وأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيّرها بين البقاء عليها، وبين أن يدعو لها ولا حساب عليها .. ! وهذا من أبطل الباطل، {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}؟! وإذا كان هذا حالهم في الفقه واللغة، فهم في الحديث أجهل، بل هو الداء العضال، لأنه جهل مركب، إذا حسنا الظن بهم، وإلا فيكونون قد تكلموا بغير علم وهم يعلمون! فيشملهم وعيد قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث المتفق عليه: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس؛ ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم،   (1) سيأتي في (25 - الجنائز / 3/ الحديث 26) من الجزء الثالث من هذا "الصحيح". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 فضلوا وأضلوا". وإن مما لا شك فيه عند أهل العلم أن ممارسة تصحيح الأحاديث وتضعيفها ممن لا معرفة عنده، أسوأ وأشد من الإفتاء بغير علم، لأن الحديث النبوي هو المرجع الثاني بعد القرآن الكريم، فالكلام فيه بغير علم أخطر ضلالاً وإضلالاً كما لا يخفى، ولا سيما إذا كان لغرض مادي من جاه أو مال أو منصب، وحينئذ يكون له نصيب أو شَبَهٌ بمن قال الله تعالى فيهم: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}. ولا أكون مبالغاً إذا قلت: إنني لم أرَ -مع كثرة أهل الأغراض والأهواء في هذا الزمن- واحداً فضلاً عن ثلاثة يتفقون على الكلام على الأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً بغير علم أجرأ من هؤلاء، وبهذا التوسع، حيث بلغ عدد أحاديث طبعتهم (5580) في أربعة مجلدات ضخام في أكثر من ثلاثة آلاف صفحة! ليس فيها من العلم ما يستحق الذكر، إلا تكرار ذكر المصادر التي في "الترغيب" إلى الحاشية مقرونة بأرقام مجلداتها وصفحاتها أو أرقام أحاديثها، بحيث إن القارئ يتوهم أن ذلك من سعيهم وكدهم، وإنما هو مجرد نقل منهم لها من الفهارس التي كثرت في هذا الزمان، ومع ذلك لم يستفيدوا منها شيئاً لتصويب بعض الأخطاء الواقعة في "الترغيب"، وهي كثيرة كما سيرى القراء إن شاء الله ذلك منبهاً عليه في التعليقات. ولنعد إلى المقصود الأهم هنا، فأقول: إن الأحكام التي يطلقونها على الأحاديث تنقسم في الجملة إلى قسمين: القسم الأول: مما سرقوه من بعض المؤلفين قديماً وحديثاً، وفي بعضها نظر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وقد أكثروا جداً من الاستفادة من المجلد الأول من هذا "الصحيح" في بعض طبعاته السابقة، (1) حتى في مقدمتهم، دون أن يتأدبوا بأدب قول العلماء: من بركة العلم عزو كل قول إلى قائله، وبخاصة إذا كان صادراً عن بحث وتحقيق وجهد وعلم ليس في مقدورهم النهوض به، فإني أخشى عليهم وعلى أمثالهم أن يشملهم قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المتشبِّع بما لم يُعط كلابس ثوبي زور". متفق عليه (2). وإذا كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعن الواصلة، وهي التي تصل شعرها بشعر آخر، وسماه (الزّور) كما في "الصحيحين" وغيرهما، وذلك لما فيه من الإيهام والتدليس، فإن مما لا شك فيه أن النظر الصحيح والفقه الرجيح يقتضي تحريم ما هو أسوأ منه، ألا وهو تظاهر الجاهل بأنه عالم، وادعاؤه التحقيق، وهو في الحقيقة في ذلك لغيره مقلد رقيق! وأسوأ منه أن ينسب لنفسه ما هو لغيره كما فعل هؤلاء، هداهم الله. وقبل الانتقال إلى بيان القسم الآخر، لا بد من ذكر بعض الأمثلة لهذا القسم الأول، لكي لا يظن أحد أن فيما ذكرت شيئاً من المبالغة أو المغالاة، فأقول: أولاً: ذكرت تحت حديث أنس الآتي برقم (217) في الطبعة السابقة أن الحافظ المنذري رحمه الله وهم في اسم راويه (واصل بن عبد الرحمن الرقاشي). وقلت: "إنما هو واصل بن السائب الرقاشي، وهو ضعيف اتفاقاً، ثم إن حديث أنس نظيف منه، بل هو شاهد له". أي الحديث الذي قبله. فسرقه المذكورون، فقالوا في تعليقهم على الحديث (1/ 233):   (1) قلت: ولذلك خلا المجلد الأول من مجلداتهم الأربعة من أنواع كثيرة من الأخطاء التي وقعت في المجلدات التي بعده! (2) انظر سبب الحديث وشرحه في "الفتح" (9/ 317 - 319). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 "قلنا (!): إنما هو واصل بن السائب الرقاشي .. " إلخ بالحرف الواحد، لا زيادة ولا نقص!! ثانياً: استدركت على الأصل زيادة في الحديث الآتي برقم (764) فقلت هناك: "سقطت من الأصل، وكذا من مطبوعة عمارة، واستدركتها من الطبراني". فنقلوه هم (1/ 599) مع تصرف لفظي، وهو مما يفضحهم، فإنهم لا يعرفون الطبراني الكبير، ولا عزوا إليه حديثاً واحداً بالأرقام كما يفعلون بالكتب الستة، مع كثرة ما يعزو المؤلف إليه، ويعتمدون في ذلك على كلام الهيثمي، وفي "1 - كتاب الإخلاص" عدة أحاديث عزاها المؤلف إليه، وأرقامها في طبعتهم (30 و31 و33 و34 و36 و37 و39 - 41 و52 و54 و55 و57)، ولم يعزوا شيئاً منها بالأرقام، وكذلك في كل أحاديث الطبراني في الكتاب! وكذلك لم يتعقبوا مطبوعة عمارة، ولو مرة واحدة فيما أذكر. ثالثاً: سرقوا قول الأعظمي في تعليقه على "الكشف" استدراكه وهماً وقع للبزار في اسم أحد رواة الحديث الآتي في "18 - اللباس 12/ 2"، فقالوا (3/ 53): "قلنا (!): لكن ليس في الإسناد من يسمى زياداً". وهذا إنما هو قول الشيخ الأعظمي -رحمه الله- ادّعوه لأنفسهم زوراً! وقد شغلهم شهوة النقد عن علة الحديث التي نص عليها البزار، وهي الانقطاع كما سيأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى. وكما استفادوا من المجلد الأول من هذا "الصحيح"، وكتموا (على النصت) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 -كما يقولون في دمشق-!، فكذلك استفادوا من كتبي الأخرى مثل "السلسلة الصحيحة" و"الضعيفة"، و"الإرواء"، و"صحيح السنن الأربعة"، وغيرها، وقلما يصرحون بأسمائها، ولئن فعلوا، فهم لا يذكرون مؤلفها إما غفلة أو تغافلاً! لا في المقدمة ولا في الحاشية! كقولهم في بعض الأحاديث (2/ 281 و283 - طبعتهم): "وانظره في صحيح النسائي (ص1/ 187) ". وكقولهم عقب حديث (1/ 84 - طبعتهم): صحيحة. هكذا ودون أن يحصروا اللفظة بين الهلالين المزدوجين؛ أو إشارة على الأقل إلى أنه كتاب كما هو المصطلح في العصر الحاضر، ولا سموا مؤلفه! ثم رأيت لهم سرقة قد تكون أسوأ مما سبق، لأنهم نقلوا عبارتي بالحرف الواحد، وبتروا تصحيحي للإسناد؛ ليتظاهروا بأنهم علماء مستقلون غير مقلدين، وهم فيه {إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ}! فقالوا في التعليق على الحديث الآتي في (8 - الصدقات/ 14/ 10): "حسن، لقد أبعد المصنف النجعة، فالحديث رواه الدارمي (2/ 261)، وأحمد (5/ 300 و308) ". وهذا قولي بالحرف الواحد دون التحسين طبعاً، وبتروا من آخره قولي: "بإسناد صحيح"! كما قلت آنفاً مع ذكر السبب، وإذا عرف السبب بطل العجب!! ولنعد الآن إلى القسم الآخر، وهو قد لا يختلف كثيراً عن القسم الأول، إلا في أنهم انفردوا بالحكم في بعضه، وتنوعت أخطاؤهم فيه، فأردت أن أجمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 القول في ذلك باختصار شديد فأقول: 1 - التزموا تصحيح كل ما رواه الشيخان أو أحدهما تأدباً معهما فيما زعموا، فقالوا في "المقدمة" (1/ 17): "ولم نقصد إساءة الأدب مع الشيخين أو أحدهما رحمهما الله تعالى .. ". وفيه إشعار قوي بأنهم قادرون على نقدهما، ولكنهم لم يفعلوا تأدباً معهم! وكذبوا والله، فإنهم أجهل وأخس من أن يستطيعوا ذلك، ولكنه العتوّ والغلوّ كما في الحديث "عائل مستكبر"، والتشبع بما لم يعطوا، متسترين بالتظاهر بالأدب معهما! ورأيُنا في ذلك معروف، والنقد بالعلم والأسلوب الرفيع مما لا ينافي الأدب مطلقاً، خلافاً لما زعموا، وأين هم من قول مالك رحمه الله: (ما منا من أحد إلا ردَّ ورُدَّ عليه إلا صاحب هذا القبر - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)؟! وستأتي بعض الأمثلة على ذلك. 2 - تضعيفهم للأحاديث الصحيحة وبعض رواتها الثقات مع المخالفة للحفاظ والتعالي عليهم مثاله في (13 - قراءة القرآن/ 1/ الحديث 20). 3 - تصحيحهم للأحاديث الضعيفة والمنكرة، بصورة خاصة في ما بعد المجلد الأول، لأنهم اعتمدوا في أكثره على المجلد الأول من كتابي هذا "الصحيح"، فقلّت أخطاؤهم فيه -والحمد لله- ولو نسبياً. وانظر بعض الأمثلة في مقدمة "ضعيف الترغيب" / المقطع (3 - 5). 4 - إكثارهم من تحسين الأحاديث، وفيها جملة كبيرة صحيحة إما لذاتها أو لغيرها، وأخرى ضعيفة، وذلك لجهلهم بفن التصحيح والتضعيف، فيتحفظون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 بالتحسين تلطفاً منهم واحتياطاً إذا ظهر خطؤهم، من باب (أنصاف حلول)!! أو من باب (خالف تعرف)!! 5 - يذكرون التصحيح أو التحسين متظاهرين أنه منهم، والواقع أنه من غيرهم، ويكشف ذلك للباحث المتأمل، أنهم يُتبعون ذلك بنقل صريح من بعض الحفاظ كالهيثمي يعله بعلة قادحة تنافي ما ذكروا! والصواب معه في بعض الأحيان، وقد يضعفون الحديث وينقلون التصحيح!! 6 - يصدرون تخريجهم الحديث بقولهم: "صحيح" ويكون المؤلف قد عقّبه ببعض الروايات الأخرى أو الزيادات، وهي ضعيفة بخلاف أصله الذي قد يكون في البخاري، ولذلك صححوه، وجهلوا ضعف ذلك البعض فشملوه بالتصحيح، وهذا النوع قد تكرر عندهم، ولم يخل منه ما سموه بـ "تهذيب الترغيب"!! فلهم شبه بالمنذري في هذا؛ بل حالهم أسوأ بكثير كما سترى في المقدمة فقرة (د). وانظر بعض الأمثلة في المقطع (7) من مقدمة "الضعيف". 7 - تضعيفهم للثقات من الرواة، وتوثيقهم للضعفاء منهم، وتضعيفهم للحديث الذي نقلوا تصحيحه عن جمع من الحفاظ، كل ذلك خبط عشواء! 8 - جهلهم بالرواة المتشابهة أسماؤهم، فيعلون الحديث بالضعيف منهم، وإنما هو الثقة! كما أنهم لا يفرقون بين حالتين لبعض الرواة الثقات الذين يُصَحَّح حديثهم تارة، ويُضَعَّف تارة أخرى، كالمختلطين مثلاً. (1) ومن ذلك توهمهم أن كل (صنعاني) يماني! 9 - خلطهم الموقوف الصحيح مع المرفوع الضعيف، في التضعيف!   (1) انظر المقطع (1 و2) ص (7) فيما يتعلق بتغير الأفكار والآراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 انظر المقطع (10) من المقدمة المشار إليها آنفاً. 10 - تناقضهم في الحديث الواحد، فيقوونه في موضع، ويضعفونه في موضع، وكذلك يفعلون في الراوي الواحد، بسبب التقليد وغفلتهم، وضعف حفظهم! 11 - إعلالهم الحديث براوٍ، وهو متابع في بعض المصادر التي عزوا الحديث إليها! 12 - أكثر أحاديث مطبوعتهم من "الترغيب" مصدرة بقولهم: "حسن" أو "حسن بشواهده" على الغالب، وتارة "حسن بشاهده"، وإنما لجأوا إلى هذه المرتبة مع ما فيها من الاضطراب والحط من مرتبة الكثير من الصحيح، (1) إما لذاته، وإما لغيره، لجهلهم بمعرفتها بدقة وحسب القواعد العلمية المعروفة عند العلماء، وتحفظاً منهم كما بينت في الفقرة (4)، والمقصود هنا أنه في كثير من الأحيان يكون ذلك منهم (خبط عشواء في الليلة الظلماء)، إذ لا شواهد، بل ولا شاهد واحد، نعم قد يكون هناك شاهد، ولكنه شاهد قاصر، أي يشهد لبعض متن الحديث دون بعض، وهذا من دقائق هذا العلم، لذلك يغفل عنه كثير ممن له مشاركة في علم التخريج والتصحيح والتضعيف، (2) وقد يكون الشاهد شاهداً تاماً، لكنه لا يصلح للشهادة لشدة ضعفه، وهو مما غفل عنه الحافظ المنذري كما ستراه في مقدمة الطبعة الأولى فقرة (12)، فماذا يكون حال من يقلده تقليداً أعمى؟! انظر المقطع (4 - 6) من المقدمة السابقة.   (1) يظهر ذلك جلياً لكل ذي لب بمقابلة ذلك بهذا "الصحيح". (2) وسترى نماذج كثيرة لبعض هؤلاء في كتابيَّ: "صحيح موارد الظمآن"، و"ضعيف موارد الظمآن"، وهما تحت الطبع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 13 - ومن ذلك تفاهة تخريجهم لأحاديث الكتاب، إذ إن عامته تقليد له في غالب مصادره، وكل ما يخالفونه فيه أو بالأحرى يزيدون عليه إنما هي أرقامها! وأما سائرها فهم يغضون الطرف عنها لأنها تتطلب بحثاً وجهداً، هم ليسوا من أهله البتة، ولذلك فهم لا يستدركون شيئاً يذكر مما يكون قد فات المنذري عزوه إلى بعض المصادر التي هم يعزون إليها، ولئن فعلوا فسرقة منهم لجهد غيرهم! (1) 14 - وإن من مخازيهم التي تدل على جهلهم وبالغ غفلتهم أن الحديث يكون معزواً في الكتاب لبعض المصادر المعروفة عندهم، فبدل أن يعزوه إليها بالأرقام كما هي عادتهم -يعزونه لمصادر أخرى بالأرقام هي لحديث آخر! 15 - ونحوه من عادتهم في الحديث المعاد أنهم يحيلون عليه برقمه المتقدم: "سبق تخريجه برقم ( ... ) "، ولا يذكرون معه مرتبته! وهذا مما يدل على أنه لا يهمهم راحة القراء، وتقديم المعلومة إليهم ولو بلفظة واحدة: "صحيح سبق .. " ونحوه. ثم هم مع ذلك في كثير من الأحيان يخطئون خطأ فاحشاً بذكر الرقم، فإن القارئ إذا رجع إليه وجده حديثاً آخر! 16 - يستلزمون من قول المنذري وغيره في الحديث: "ورجاله رجال الصحيح" أو "رجاله ثقات"، أو " .. موثقون". الصحة تارة والحسن تارة، هكذا بلا ضابط لهم في ذلك (خبط عشواء)، رغم أنهم وقفوا على تنبيهي في مقدمة الطبعة الأولى أن ذلك ليس تصحيحاً كما سيأتي في البحث رقم (36)، فهو الجهل أو المكابرة، وقد يجتمعان! وانظر بعض الأمثلة في المقدمة الأخرى المقطع (7).   (1) انظر (ص 22 - 23) كمثال فاضح لبعض سرقاتهم! وبعض الأمثلة في المقطع (9) من مقدمة "الضعيف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 والأمثلة كثيرة أجتزئ هنا مثالاً واحداً، وهو قولهم في الحديث (5) الآتي في آخر (8 - الصدقات/ 7): "وقد صححه الهيثمي". وهو لم يزد على قوله: "ورجاله رجال الصحيح"!! وقد ذكرت بعض الأمثلة الأخرى في مقدمة "ضعيف الترغيب"، وهو تحت الطبع مع هذا، يسر الله نشرهما (1). 17 - أوهام أخرى كثيرة لا يمكن حصرها سأكتفي بالإشارة إلى أرقامها، أو بعضها على الأقل، والرقم الذي فوقه خط خاص بما كان عجيباً أو فاحشاً منها: ([15] و38 و [116] و153 و [169] و175 و [194] و232 و329 و339 و351 و367 و396 و409 و434 و481 و492 و514 و521 و554 و588 و598 و604 و656 و691 و735 و755 و766 و793 و845 و862 و911 و919 و939 و942 و1017 و1042 و1043 و1049 و1064 و1086 و1091). وانظر المقطع (10) من المقدمة الأخرى. وتحت أحاديث هذه الأرقام يجد القراء ما أشرت إليه من الأوهام، اكتفيت بالإشارة إليها دون توضيح نماذجها كما فعلت في التي قبل هذه، ولقد كنت أود أن أضرب للنماذج المذكورة كلها بعض الأمثلة، ولكنني شعرت أن المقدمة توسعت وطالت أكثر مما أردت، وفيما ذكر غنية وكفاية لكل مستبصر. وهناك نماذج أخرى مما ينكر على المعلقين الثلاثة، سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى في التعليق على أحاديث القسم الآخر من الكتاب، مع الإشارة إلى أنواعها في جوامع من الكلم في مقدمته كما فعلت هنا إن شاء الله تعالى.   (1) وقد طُبعا كاملين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 والله تعالى أرجو أن ينفع بها القراء بعامة وأولئك الثلاثة بخاصة، وأن يعودوا إلى رشدهم، وأن يعتمدوا بعد الله على أنفسهم، وأن يجِدّوا في طلب العلم، حتى يصيروا علماء ينتفع الناس بهم، ولا يستعجلوا ويتزبَّبوا. فقديماً قالوا: (من استعجل الشيء قبل أوانه ابتلي بحرمانه)، وأن يكون طلبهم العلم لوجه الله لا يريدون به جزاء ولا شكوراً، ولذلك فإني أختم هذه المقدمة بهذه الدعوة: اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً. وصلى الله وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين. عمان/ 19 صفر سنة 1418 هـ وكتب محمد ناصر الدين الألباني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الثالثة الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداهم إلى يوم الدين. أما بعد، فبين يدَي القراء الكرام الطبعة الثالثة من هذا الكتاب القيِّم "صحيح الترغيب والترهيب"، وهي تمتاز عن الطبعتين السابقتين بمزايا جمة، أهمها اثنتان: الأولى: أنني نقّحتها، وحذفت منها بعض الأحاديث التي تبيّنَ لي مع الزمن أنها بالكتاب الآخر أولى: "ضعيف الترغيب والترهيب"، يسّر الله لنا نشره، وهذه أرقامها في الطبعتين المشار إليهما: (43 و53 و150 و645 و851 و1041 و1069 و1071). والحديث الأول منها يعود الفضل في تنبيهي لضعفه إلى الشيخ الفاضل بكر بن عبد الله أبو زيد في "جزء كيفية النهوض في الصلاة" (ص 86)، أقول هذا قياماً بواجب الاعتراف بالفضل، وتجاوباً مع قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس"، وهذا لا ينافي أنني أخالفه في كثير مما كتب في هذا "الجزء"، وبخاصة في تضعيفه لحديث العجن في النهوض، وقد رددت عليه، وبينت خطأه في التضعيف في بحث واسع أودعته في "تمام المنة" (ص 191 - 201)، طبع عمان، وسيكون بين يدي القراء قريباً إن شاء الله تعالى. وأما الحديث الثاني منها (53)، فهو مضعّف في "ظلال الجنة" (39)، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وقبل ذلك بزمان مخرّج في "الضعيفة" (1492)، فلا أدري -والله- كيف وقع في "صحيح الترغيب"؟! وأما الثالث (150)، فهو خطأ قديم وقع اغتراراً بظاهر إسناده، وتبعاً لمن صححه، ثم تبينت ضعفه، وانكشفت لي علته؛ كما أشرت إلى ذلك في "المشكاة" (354)، و"ضعيف أبي داود" (8)، و"الإرواء" (55). وأما الرابع (645)، فالسبب أنني كنت خرّجته في "الصحيحة" (195) من رواية ابن حبان في "صحيحه" وغيره، ثم تبين لي أن في سنده انقطاعاً مثل الحديث (93 - الصحيحة)، فلم أستجز لنفسي إبقاءه في هذا "الصحيح" بعد ظهور هذه العلة، مع أنني وقفت له على طريق أخرى موصولة، لكنها واهية، وقد بيّنت ذلك في حاشية "الصحيحة"، إعداداً لنقله إلى "الضعيفة"، والآن جاءت المناسبة للتنبيه على ذلك. وأما الخامس (851)، فهو خطأ لا أدري كيف وقع، أمن الطابع، أم مني؟ لأنه في الأصل، أعني "التعليق الرغيب على الترغيب والترهيب" (2/ 20) مشار إليه بالضعف الشديد، وأشار المنذري لضعفه، وعلّقت عليه بأن فيه متروكاً، وبناء عليه كنت أوردته في "ضعيف الجامع" (1501). وأما السادس (1041)، فهو من اختلاف الاجتهاد، فقد تبيّن لي فيما بعد أنه ضعيف الإسناد، فخرّجته في "الضعيفة" (1099)، وبيّنت هناك علته! وتناقض ابن القطان في راويه، فهو تارة يحسّن حديثه، وتارة يضعفه، فلا غرابة إذن أن يقع مثلي في مثل هذا الاختلاف، وسبب ذلك أن الراوي الذي يُحسّن حديثه يكون عادة مرشّحاً لتضعيف حديثه لقرينة تبدو للباحث، وقد أشار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 الذهبي في "الموقظة" إلى شيء من هذا، ولا تحضرني الآن عبارته، فليراجع من شاء. وأما السابع والثامن (1069 و1071)، فهو خطأ مني شبيه الذي قبله، وقد وقع في "صحيح الجامع" أيضاً (360 و6459)، وغيرهما، فلينقل إلى الكتاب الآخر "ضعيف الترغيب"، و"ضعيف الجامع"، وقد بيّنت علّته في "الإرواء" (4/ 48 - 51)، وإنما يصح الحديث من فعله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو الموجود في الباب، والله تعالى هو الهادي. تلك هي المزيّة الهامّة الأولى لهذه الطبعة الجديدة. وأما المزيّة الأخرى؛ فهي أنني ألحقت بها الحديث الآتي برقم (63)، كنت أعرضت عنه لضعف في إسناده، ثم وجدت له طريقاً أخرى، وبعض الآثار في "السنة" لابن أبي عاصم، وتكلمت عليها في "ظلال الجنة" (297 - 299)، وانتهيت إلى أن الحديث حسن لغيره. والله أعلم. ولقد استلزم هذا التعديل الذي أدخلته على هذه الطبعة جهداً جهيداً لتغيير أرقام الأحاديث المتسلسلة، والأرقام التي ذُكِرت في كثير من الصفحات مقرونة بالإحالات؛ أحال بها المؤلف على بعض الأحاديث المتقدمة أو المتأخرة، كنا وضعنا تلك الأرقام لنيسّر على القراء الرجوع إليها، وكذلك كنا وضعنا في المقدمة والحواشي كثيراً من الأرقام لنفس الغرض، فاقتضى ذلك مني مراجعة الكتاب مرات ومرات، ومع ذلك فإني لا أستبعد أن يكون قد ندَّ عني تصحيح بعض الأرقام، فمن وجد شيئاً من ذلك، فليصحح، وجزاه الله خيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وإن مما شجعني على القيام بهذا التعديل المُضْني؛ نشاط أولئك الشباب الذين قاموا على طبع الأرقام الجديدة، ولصْقها بدقة فوق الأرقام القديمة، وطبع بعض السطور الجديدة من الأرقام أو الكلمات عند اللزوم، تهيئة للنسخة المصححة لتقدّم للتصوير بـ (الأوفست)، ثم يُقدَّم الكتاب للناس في صورة تسر الناظرين إن شاء الله تعالى، فجزاهم الله خيراً. هذا، وثمة أمور أخرى قمنا بها من التصحيح لا ضرورة للإشارة إليها؛ لأنها أمور معتادة. وختاماً، أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذه الطبعة نفعاً أعم من الطبعات السابقة، وأن يدخر لي أجرها إلى يوم القيامة {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}. والحمد لله رب العالمين. عمان 13/ 4/ 1408 هـ محمد ناصر الدين الألباني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الأولى إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}. أما بعد، فإن "أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسن الهدي هديُ محمد، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعةُ، وكلَّ بدعة ضلالةُ، وكلَّ ضلالة في النار". 1 - كلمة عن كتاب "الترغيب والترهيب" ونفاسته وبعد؛ فإنه ليس بخافٍ على أحد من أهل العلم أن كتاب "الترغيب والترهيب" للحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري هو أجمع وأنفع ما ألف في موضوعه، فقد أحاط فيه أو كاد، بما تفرق في بطون الكتب الستة وغيرها من أحاديث الترغيب والترهيب في مختلف أبواب الشريعة الغراء، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 كالعلم والصلاة، والبيوع والمعاملات، والأدب والأخلاق، والزهد، وصفة الجنة والنار، وغيرها مما لا يكاد يستغني عنه واعظ أو مرشد، ولا خطيب أو مدرس، مع اعتنائه بتخريج الأحاديث وعزوه إياها إلى مصادرها من كتب السنة المعتمدة، على ما بيَّنه هو نفسه في المقدمة، وقد أجاد ترتيبه وتصنيفه، وأحسن جمعه وتأليفه، فهو فرد في فنه، منقطع القرين في حسنه، كما قال الحافظ برهان الدين الحلبي الملقب بـ (الناجي) في مقدمة كتابه "عُجالة الإملاء"، فاستحق بذلك أن يصفه الحافظ الذهبي النَّقاد: بأنه كتاب نفيس؛ كما نقله عنه ابن العماد في "الشذرات" (5/ 278). 2 - اصطلاح المنذري في تمييز القوي من الضعيف وإن من نفاسته عندي أنه عُنِيَ فيه ببيان مرتبة الحديث من صحة أو ضعف، بأوجز عبارة، وأوضح إشارة؛ كما صرّح بذلك في مقدمته: "ثم أُشيرُ إلى صحة إسناده، وحسنه أو ضعفه، ونحو ذلك". وهذه فائدة هامة عزيزة، قلّما تراها في كتاب من كتب الحديث التي جرى فيها مؤلفوها على مجرد جمع الأحاديث وتخريجها، دون العناية ببيان مراتبها في الصحة والضعف، والكشف عن عللها، أو على الأقل الاقتصار على ما ثبت منها؛ كما هو الواجب في مثل هذه الحال، وهو طريقة أصحاب الصحاح وغيرها، كالشيخين وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من المتقدّمين، وكعبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الصغرى"، والنووي في "رياض الصالحين"، وغيرهما من المتأخرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 3 - حضّ الإمام مسلم على طرح الأحاديث الضعيفة وعلى هذا حضَّ الإمام مسلم على طرح الأحاديث الضعيفة، فقال في مقدمة "صحيحه" (ص 6): "وبعد -يرحمك الله- فلولا الذي رأينا من سوء صنيع كثير ممن نصّب نفسه محدِّثاً فيما يلزمهم من طرح الأحاديث الضعيفة، والروايات المنكرة، وتركهم الاقتصار على الأحاديث الصحيحة المشهورة، مما نقله الثقات المعروفون بالصدق والأمانة، بعد معرفتهم وإقرارهم بألسنتهم أن كثيراً مما يقذِفون به إلى الأغبياء من الناس هو مستنكر، ومنقول عن قوم غير مرْضيين ممن ذم الروايةَ عنهم أئمةُ أهل الحديث، مثل مالك، وشعبة، وسفيان، ويحيى بن سعيد القطّان وعبد الرحمن ابن مهدي، وغيرهم -لما سهل علينا الانتصاب لما سألت من التمييز والتحصيل، ولكن من أجل ما أعلمناك من نشر القوم الأخبار المنكرة بالأسانيد الضعاف المجهولة، وقذفهم بها إلى العوام الذين لا يعرفون عيوبها؛ خَفَّ على قلوبنا إجابتك إلى ما سألت. 4 - وجوب رواية الأحاديث الصحيحة فقط، والدليل عليه واعلمْ -وفقك الله تعالى- أنّ الواجب على كل أحد عرف التمييز بي صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها من المتهمين أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه، والسِّتارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم، والمعاندين من أهل البدع. والدليل على أن الذي قلنا من هذا هو اللازم دون ما خالفه قول الله جل ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُو ..}، وقال جل ثناؤه: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}، وقال: {وَأَشْهِدُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}. فدل ما ذكرنا من الآي أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول، وأن شهادة غير العدل مردودة، والخبر، وإن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه، فقد يجتمعان في أعظم معانيهما، إذ كان خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم، كما أنّ شهادته مردودة عند جميعهم، ودلت السنة على نفي رواية المنكر من الأخبار، كنحو دلالة القرآن على نفي خبر الفاسق، وهو الأثر المشهور عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من حَدَّث عني بحديث يرى أنه كذب؛ فهو أحد الكاذبَين". حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ... " انتهى. فساق إسناده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سمرة بن جندب، وإلى ميمون بن أبي شبيب عن المغيرة بن شعبة قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك. وساق أحاديث أخرى مرفوعة، وآثاراً موقوفة في التحذير عن التحديث بما لا يُعرَف صحته. 5 - تعليل لوجوب التمييز بين الصحيح والضعيف وأن من لا يفعل ذلك لا يكون عالماً وإنما كان التمييز المذكور بين الأحاديث واجباً، لأن العلم الذي هو حجة الله على عباده، إنما هو الكتاب والسنة، ليس شيء آخر، اللهم إلا ما استنبطه العلماء المعروفون منها، والسنة قد دخل فيها ما لم يكن منها لحكمة أرادها الله تعالى، فالاعتماد عليها مطلقاً، ونشرها دون تمييز أو تحقيق، يؤدّي حتماً إلى تشريع ما لم يأذن به الله، وحَريّ بمن فعل ذلك أن يقع في محظور الكذب على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ كما في حديث سمرة والمغيرة المتقدم، ويؤكّده ويوضّحه حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كفى بالمرء كذباً أنْ يحدّث بكل ما سمع". ولذلك قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: "ليس يسلم رجل حدّث بكل ما سمع"، ولا يكون إماماً أبداً وهو يحدّث بكل ما سمع". وقال عبد الرحمن بن مهدي: "لا يكون الرجل إماماً يُقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع". رواها مسلم في "المقدمة". وقال الإمامان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: "إن العالِم إذا لم يعرف الصحيح والسقيم، والناسخ والمنسوخ من الحديث لا يُسمّى عالماً". ذكره أبو عبد الله الحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص 60). ومما سبق يتبين تقصير جماهير المؤلفين، فضلاً عن الخطباء والوُعَّاظ والمدرِّسين في مجال رواية الأحاديث عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنّهم جميعاً يروون منها ما هب ودب، دون ما تقوى من الله أو تأدب مع رسول الله، الذي حذّرهم -رأفة بهم- عن مثل صنيعهم هذا، خشية أن يكون أحدهم من الكاذبين فيتبوّأ مقعده في النار. وفي ذلك برهان واضح على أن الذين يستحقون ذلك الاسم الرفيع (العالم) قليلون جداً على مر العصور، وكلما تأخر الزمان قلّ عددهم حتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 صار الأمر كما قيل: وقد كانوا إذا عُدُّوا قليلاً ... فصاروا اليوم أَقلّ من القليلِ 6 - عودة إلى المنذري واصطلاحه وإن مما لا ريب فيه أن الحافظ المنذري رحمه الله كان من أولئك العلماء الثقات، بل كان كما قال الذهبي: "عديم النظير في علم الحديث على اختلاف فنونه، عالماً بصحيحه وسقيمه ومعلوله وطرقه" (1). ولهذا، فقد التزم في كتابه "الترغيب والترهيب" التمييز بين القوي والضعيف من الحديث، إلا أنه قد سلك في بيان ذلك سبيلاً وعراً، فيه كثير من الإجمال والغموض، مما يجعل الاستفادة منه للتمييز الذي رمى إليه قليلة، بل ضائعة، وإليك البيان: 7 - نص كلام المنذري في اصطلاحه قال في مقدمة كتابه مبيناً اصطلاحه في التمييز المشار إليه: أ - "فإذا كان إسناد الحديث صحيحاً أو حسناً أو ما قاربهما (!) صدّرته بلفظة (عن)، وكذلك إنْ كان: 1 - مُرسلاً. 2 - أو منقطعاً. 3 - أو مُعضلاً. 4 - أو في إسناده راوٍ مُبهَم.   (1) "تذكرة الحفاظ" (4/ 271). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 5 - أو ضعيف وُثَّق. 6 - أو ثقة ضُعِّف، وبقية رواة الإسناد ثقات. 7 - أو فيهم كلام لا يضر. 8 - أو روي مرفوعاً، والصحيح وقْفه. 9 - أو متصلاً، والصحيح إرساله. 10 - أو كان إسناده ضعيفاً، لكنْ صححه أو حسنه بعض من خرجه -قال-: أصدّره بلفظة (عن)، ثم أشيرُ إلى إرساله أو انقطاعه أو عضْله، أو ذلك الراوي المختلف فيه، فأقول: "رواه فلان من رواية فلان، أو من طريق فلان"، أو: "في إسناده فلان"، أو نحو هذه العبارة، وقد لا أذكر الراوي المختلف فيه، فأقول إذا كان رواة إسناد الحديث ثقات؛ وفيهم من اختلف فيه: "إسناده حسن"، أو " ... مستقيم"، أو: " .. لا بأس به"، ونحو ذلك حسبما يقتضيه حال الإسناد والمتن وكثرة الشواهد. ب- وإذا كان في الإسناد من قيل فيه: 1 - (كذاب)، أو (وضّاع). 2 - أو (متّهم)، أو (مجمع على تركه)، أو (ضعفه)، أو (ذاهب الحديث)، أو (هالك)، أو (ساقط)، أو (ليس بشيء)، أو (ضعيف جداً). 3 - أو (ضعيف) فقط، أو (لم أر فيه توثيقاً)، بحيث لا يتطرّق إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 احتمال التحسين، صدّرته بلفظة (رُويَ)، ولا أذكر ذلك الراوي، ولا ما قيل فيه البتة، فيكون للإسناد الضعيف دلالتان: تصديره بلفظ (روي)، وإهمال الكلام عليه في آخره". 8 - مناقشة اصطلاح المنذري، وبيان ما فيه من الإجمال والغموض قلت: فهو بهذا البيان قد جعل أحاديث كتابه قسمين: الأول: ما صدره بلفظ (عن) المشعر بقوّته. والآخر: ما صدره بلفظ (رُوي) المشعر بضعفه. ثم إنه أدخل في القسم الأول ثلاثة أنواع من الحديث، وهي: الصحيح، والحسن، وما قاربهما. وأدخل في القسم الآخر ثلاثة أنواع أيضاً، وهي: الضعيف، والضعيف جداً، والموضوع. فهذا التقسيم محيّر غير مُفهم، بل هو يدع القارئ ضائعاً بين أنواعه الثلاثة في كل من القسمين، لا يدري أي نوع منها هو المراد، فلنتكلم على ذلك بشاء من التفصيل، فأقول: أما القسم الأول، فبيانه من وجوه: أ - أن القراء -كل القراء- لا يمكنهم أن يتعرفوا على مرتبة الحديث، وهل هو صحيح أم حسن أم مقارب لهما من مجرد تصديره بلفظة: (عن)، وهذا ظاهر لا يخفى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 9 - تصديره لنوع من الحديث ليس بحسن بـ (عن) وإدخاله تحته أنواعاً من الضعيف! ب - أن النوع الثالث من أنواع هذا القسم وهو "ما قارب الصحيح والحسن"، فإنه مع كونه اصطلاحاً خاصاً بالمؤلف رحمه الله غير معروف عند أهل العلم، فهو غير مفهوم، ذلك لأن الحديث عندهم: صحيح، وحسن، وضعيف (1)، وتحت كل قسم منها أنواع، كما هو مبسوط في علم "مصطلح الحديث"، ومن المعروف عندهم: (أن الحسن مقارب للصحيح، والضعيف مقارب للحسن)، فما هو (المقارب للصحيح والحسن) معاً؟ هذا كلام غير مفهوم، ولذلك فإني وَدِدت أن يكون صواب تلك الجملة من كلام المؤلف المتقدم: أو ما قاربهما: "أو ما قاربه" ليعود الضمير إلى أقرب مذكور، وهو (الحسن)، فيكون المعنى بهذا النوع الثالث: الحديث الضعيف الذي لم يشتد ضعفه، ويكون مرشّحاً ليرتقي إلى درجة الحسن، إذا وجد لراويه الضعيف متابع، أو لحديثه شاهد معتبر، تمنيت أنْ يكون صواب تلك اللفظة ما ذكرت، ولكنْ حال بيني وبين ما تمنيت أنني وجدتها كذلك في كل النسخ التي وقفت عليها، ومنها مخطوطة الظاهرية، ولولا ذلك لاستقام الكلام، ووضح المعنى المراد، وإنْ كان من غير المسلّم به تصدير هذا النوع بـ (عن) كما هو ظاهر، حتى عند المؤلف نفسه، فقد رأيته صدَّر حديثاً بـ (روي) مع أنه قال: إنه يحتمل التحسين. انظر في "الضعيف" الحديث (7)، وحديثاً ثانياً برقم (320)، وثالثاً برقم (377)، ثم تناقض حين صَدّر حديثاً آخر برقم (185) بقوله: (عن)، وقال: "في إسناده احتمال للتحسين"!   (1) وانظر "المجموع" للإمام النووي (1/ 59). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 ج - أنه أدخل تحت هذا القسم ما هو ضعيف عند علماء الحديث، كالمرسل وسائر الأنواع العشر التي عطفها عليه، فإنها كلها عند المحدّثين داخلة تحت جنس الحديث الضعيف، اللهم إلا النوع السادس والسابع منها، فإن مَنْ قيل فيه: "ثقة ضُعِّف"، أو "فيه كلام لا يضر" إذا صدر من متمكن في هذا العلم، وغير متساهل في الحكم، فلا شك حينئذ أن حديثه يكون حسناً إذا كان بقية رجال الإسناد ثقات، وسلم من علة قادحة. فليس الكلام في هذين النوعين، وإنما في سائرهما، فإنها كلها من جنس الحديث الضعيف كما ذكرناه. 10 - تقليده للمتساهلين في التصحيح مع نقده إياهم أحياناً وقد يقول قائل: إنما يورد المنذري هذه الأنواع في هذا القسم بشرط أن يكون صحّحه أو حسّنه بعض من خرّجه، كما يدل على ذلك قوله عقب النوع العاشر: "لكن صححه أو حسنه بعض مَن خرجه". فأقول: قد يكون هذا الشرط بالنسبة للأنواع كلها، فهل يليق بالحافظ المنذري -وهو من عرفت حفظاً وعلماً- أن يدع ما يقتضيه النقد العلمي الحديثي من الحكم على الحديث بالضعف لتصحيح أو تحسين غيره إياه، ولا سيما إذا كان هذا من المعروفين بالتساهل في ذلك، كالترمذي وابن حبان والحاكم وغيرهم؟ وهؤلاء الثلاثة في الواقع هم الذين يُعتمَد عليهم في تصدير أحاديثهم بـ (عن)، وإن كانت غير سالمة من الضعف، فانظر مثلاً الحديث (2 - الضعيف)، فإنه مع تصديره إياه بذلك، قال في تخريجه: "رواه الحاكم من طريق عُبيد الله بن زحر .. وقال: "صحيح الإسناد". كذا قال"! وعبيد الله هذا من المعروفين بالضعف، ولذلك أشار المنذري إلى نقده للحاكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 في تصحيحه للحديث، ومع ذلك صدّره بـ (عن)! وعلاوة على ذلك فقد رأيته صدّر به لأحاديث مرسلة، وأخرى موصولة، فيها من هو معروف بالضعف، لم يقترن بها الشرط المذكور كالأحاديث (4 و5 و18 و19 و21 و22 و23 و25)، وحديث عمر (52)، وحديث ابن عباس (58)، وحديث ثعلبة (61)، وغيرها كثير وكثير جداً. وجملة القول في هذا القسم؛ أنّ المنذري رحمه الله قد أغرب بإتيانه باصطلاح غير معروف عند العلماء، ولا هو عرّف القرّاء بمراده منه، وهو الإسناد المقارب لإسناد الحديث الصحيح أو الحسن، ولم يكتف بذلك، بل صدّره وتلك الأجناس من الأسانيد الضعيفة بلفظة (عن) المُشْعِرة بقوة أسانيد الأحاديث المصدّرة بها، ثم أكّد ذلك حين صرّح كما تقدم بأنّ للإسناد الضعيف عنده دلالتين: تصديره بلفظة (روي)، وإهمال الكلام عليه في آخره! وبذلك جاء بـ (خَلْط) عجيب غريب، ذهب بالفائدة التي كانت مرجوّة من كتابه، وهي تمييز الصحيح من الضعيف، سامحه الله، وعفا عنّا وعنه بمنّه وكرمه. 11 - أنواع الأحاديث الضعيفة، وعدم تمييز المنذري بينها وأما القسم الآخر، الشامل للأحاديث المصدرة بلفظة (روي)، فوجه الغموض فيه أنه يشمل كل حديث ضعيف مهما كانت نسبة الضعف فيه يسيرة أو شديدة، ذلك لأن الضعيف من هذه الحيثية على ثلاثة أنواع، وقد جاءت الإشارة إليها في كلمة المنذري التي نقلتها آنفاً: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 الأول: الموضوع، وهو شر أنواعه، والإشارة إليه بقوله: "وإذا كان في الإسناد من قيل فيه: (كذَّاب) أو: (وضَّاع) ". الثاني: الضعيف جداً، وهو المشار إليه بقوله: "أو متَّهم، أو مُجْمع على تركه، أو ضعفه، أو ذاهب الحديث، أو هالك، أو ساقط، أو ليس بشيء، أو ضعيف جداً". الثالث: الضعيف، وهو ما كان في سنده راوٍ حاله خير من حال من ذُكِر آنفاً، وأشار إليه المنذري بقوله: "أو ضعيف فقط، أو لم أر فيه توثيقاً". 12 - بيان المحظور من عدم التمييز المذكور قلت: فتصدير هذه الأنواع الثلاثة بصيغة (رُوي) -على ما بينها من تفاوت شديد- مما لا يتماشى مع واجب النُّصح في مثل هذا الأمر الهامّ، لا سيما ويترتّب عليه محظوران اثنان: الأول: أن الحديث قد يكون من النوع الأول: (الموضوع)، أو الثاني (الضعيف جداً)، فيقف بعض القرّاء على شاهد له، فيتوهم أن الحديث يتقوّى به، وليس كذلك، لأنه شديد الضعف، أو موضوع، ولا ينفع فيه الشاهد كما هو مقرّر في "المصطلح"، فلو أن المنذري بيّن ذلك لما توّرط القارئ ووقع في مثل هذا الخطأ الفاحش؛ المخالف لما عليه العلماء، المستلزم للوقوع في وعيد قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن قال عليَّ ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار"، والعياذ بالله تعالى (1).   (1) انظر مقدمة "سلسلة الأحاديث الضعيفة" -المجلد الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 13 - المحظور الأفحش: العمل بالحديث الضعيف، وقد يكون موضوعاً! والآخر وهو أفحش: أن من الشائع المعروف بين جمهور أهل العلم وطلابه أن الحديث الضعيف يُعمَل به في فضائل الأعمال، ويعتبرون ذلك قاعدة علمية لا جدال فيها عندهم، وهي غير مسلَّمة على إطلاقها عند المحققين من العلماء كما سيأتي نقله عنهم، فأولئك إذا بلغهم حديث ضعيف بادروا إلى العمل به، غير منتبهين لاحتمال كونه شديد الضعف أو موضوعاً، وحينئذ لا تجوز روايته إلا ببيان حاله، والتحذير منه، فضلاً عن العمل به، فيقع المحظور الأول وزيادة كما هو ظاهر، فلو أنه بيّن لهم ذلك، لم يعملوا به إن شاء الله تعالى (1). 14 - قاعدة (العمل بالحديث الضعيف) ليست على إطلاقها ثم إن القاعدة المزعومة ليست على إطلاقها، بل هي مقيّدة في موضعين منها: أحدهما حديثي، والآخر فقهي. (2) أ- القيد الحديثي أما الحديثي، فهو قولهم: "الحديث الضعيف" فإنه مقيّد -اتفاقاً- بالضعيف الذي لم يشتدّ ضعفه، بله الموضوع، كما بيّنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في رسالته: "تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب"، ولم أعثر عليها الآن في مكتبتي، فأنقل ذلك عنه بواسطة تلميذه الثقة الحافظ السخاوي؛ فإنه قال في آخر كتابه القيّم "القول البديع في فضل الصلاة على الحبيب الشفيع" (ص 195 - طبع الهند)، بعد أن نقل عن النووي أنه قال:   (1) انظر مثالاً هاماً لهذا في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" المجلد الأول حديثاً موضوعاً فيه برقم (321) قوّى به بعض أفاضل علماء السِّنْد حديثاً ضعيفاً، بسبب سكوت العلماء عن وضعه، واقتصار بعضهم على تضعيفه! (2) يأتي الكلام عليه (ص52). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 "قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم: "يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف، ما لم يكن موضوعاً. وأما الأحكام كالحلال والحرام، والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك فلا يعمل فيها، إلا بالحديث الصحيح أو الحسن؛ إلا أن يكون في احتياط في شيء من ذلك". وعن ابن العربي المالكي أنه خالف في ذلك، فقال: "إن الحديث الضعيف لا يُعمَل به مطلقاً". قال الحافظ السخاوي: 15 - شرائط العمل عند الحافظ ابن حجر "وقد سمعت شيخنا مراراً يقول: -وكتبه لي بخطه-: إنّ شرائط العمل بالضعيف ثلاثة: الأول: متفق عليه أنْ يكون الضعف غير شديد، فيخرج مَن انفرد مِنَ الكذّابين والمتّهمين بالكذب، ومن فحُش غلطه. الثاني: أنْ يكون مندرجاً تحت أصل عام، فيخرج ما يُختَرع بحيث لا يكون له أصل أصلاً. الثالث: أنْ لا يُعتَقد عند العمل به ثبوته، لئلا يُنسَب إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما لم يقله. قال: والأخيران عن ابن عبد السلام، وعن صاحبه ابن دقيق العيد. والأول نقل العلائيّ الاتفاق عليه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 16 - ما توجبه الشروط المذكورة على أهل العلم من التمييز قلت: وليس يخفى على الفَطِن اللبيب أن هذه الشروط توجب على أهل العلم والمعرفة بصحيح الحديث وسقيمه أن يميزوا للناس شيئين هامين: الأول: الأحاديث الضعيفة من الصحيحة، لكي لا يعتقد العاملون بها ثبوتها، فيقعوا في آفة الكذب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما تقدم في كلام الإمام مسلم وغيره. والآخر: الأحاديث الشديدة الضعف من غيرها؛ لكي لا يعملوا بها، فيقعوا في الآفة المذكورة. والحق -والحقَّ أقول-: إنّ القليل من علماء الحديث -فضلاً عن غيرهم- من له عناية تامة -بالتمييز الأول، كالحافظ المنذري- على تساهله المتقدم بيانه- والحافظ ابن حجر العسقلاني في كتبه، وتلميذه الحافظ السخاوي في كتابه: "المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة"، وغيرهم. وفي عصرنا هذا الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- في تحقيقه وتعليقه على "مسند الإمام أحمد" وغيره، ومثله اليوم أقل من القليل. وأقل من هؤلاء بكثير من له عناية تامة بتمييز الأحاديث الضعيفة جداً من غيرها، بل إني لا أعلم من له تخصص في هذا المجال، مع كونه من الأمور الهامة كما بينته آنفاً، وهو عندي أهم من عنايتهم بتمييز الحديث الحسن من الصحيح، مع أنه ليس تحته كبير فائدة، لأن كلاَّ منهما يُحْتَجُّ به في الأحكام كما سبق، اللهم إلا عند التعارض والترجيح، بخلاف ما نحن فيه، فإنه يُعمَل بالحديث الضعيف في الفضائل؛ دون الضعيف جداً، فبيانه واجب من باب أولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 17 - ما ذكره المنذري من تساهل العلماء في الترغيب والترهيب، والجواب عليه فإن قيل: لِمَ هذا التفصيل والتشديد في رواية الحديث الضعيف، والمنذري رحمه الله قد ذكر في مقدمة كتابه: "أن العلماء أساغوا التساهل في أنواع من الترغيب والترهيب، حتى إن كثيراً منهم ذكروا الموضوع؛ ولم يبيّنوا حاله". وجواباً عليه أقول: إن التساهل الذي أساغوه يحتمل وجهين: الأول: ذكر الأحاديث بأسانيدها. فهذا لا بأس به، كيف لا وهو صنيع جميع المحدّثين من الحفاظ السابقين الذين كان أول أعمالهم في سبيل حفظ السنة وأحاديثها، إنما هو جمعها من شيوخها بأسانيدهم فيها. ثم من كان منهم على علم بتراجم رواتها من جميع الطبقات، ومعرفة بطرق الجرح والتعديل، وعلل الحديث، فإنّه يتمكن من التحقيق فيها، وأن يميز صحيحها من سقيمها، وإلى هذا وذلك أشاروا بقولهم المعروف: "قمِّشْ ثم فتِّشْ"، فهو إذن من باب "ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب". وعلى هذا الوجه ينبغي أن يُحمَل قول المنذري المذكور عن العلماء؛ إحساناً للظن بهم أولاً، ولأنه هو الذي يدل عليه كلام الحفاظ ثانياً، بالإضافة إلى ما ذكرناه مما جرى عليه عملهم. فهذا هو الإمام أحمد يقول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 "إذا جاء الحلال والحرام شدّدنا في الأسانيد، وإذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد" (1). فهذا نص فيما قلنا، ومثله قول ابن الصلاح في "علوم الحديث" (ص 113): "ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد، ورواية ما سِوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوى صفات الله وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما، وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال، وسائر فنون الترغيب والترهيب، وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد". فتأمّل في قوله: "التساهل في الأسانيد"؛ يتجلّى لك صحة ما ذكرنا. والسبب في ذلك أن مَن ذكر إسناد الحديث فقد أعذر وبرئت ذمته، لأنّه قدم لك الوسيلة التي تمكّن من كان عنده علم بهذا الفن من معرفة حال الحديث صحة أو ضعفاً، بخلاف من حذف إسناده، ولم يذكر شيئاً عن حاله، فقد كتم العلم الذي عليه أن يبلّغه. 18 - الأدب في رواية الحديث الضعيف عند ابن الصلاح من أجل ذلك عقّب ابن الصلاح على ما تقدم بقوله: "إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كذا وكذا، وما أشبه هذا من الألفاظ الجازمة بأنّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ذلك، وإنما   (1) "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (18/ 65). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 تقول فيه: رُوي عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذا وكذا، أو بلغنا عنه كذا وكذا .. وهكذا الحكم فيما تشكّ في صحته وضعفه. وإنما تقول: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .. فيما ظهر لك صحته" (1). 19 - لا بد من التصريح بالضعف قلت: فثبت أنه لا بد من بيان ضعف الحديث في حال ذكره دون إسناده، ولو بطريق ما اصطلحوا عليه مثل: (رُوي) ونحوه. ولكني أرى أن هذا لا يكفي اليوم؛ لغلبة الجهل، فإنه لا يكاد يفهم أحد من كتب المؤلف، أو قول الخطيب على المنبر: "روي عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: كذا وكذا .. " أنه حديث ضعيف، فلا بد من التصريح بذلك كما جاء في أثر علي رضي الله عنه قال: "حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله". أخرجه البخاري، (2) ولنعم ما قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في "الباعث الحثيث" (ص 101): "والذي أراه أن بيان الضعف في الحديث الضعيف واجب في كل حال، لأن ترك البيان يوهم المطّلع عليه أنه حديث صحيح، خصوصاً إذا كان الناقل من علماء الحديث الذين يُرجعَ إلى قولهم في ذلك، وأنه لا فرق بين الأحكام وبين فضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة، بل لا حُجّة لأحد إلا بما صح عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حديث صحيح أو حسن". قلت: والوجه الآخر الذي يحتمله كلام المنذري المتقدِّم إنما هو ذكر الأحاديث الضعيفة بدون أسانيدها، ودون بيان حالها حتى الموضوع منها، فهذا   (1) قلت: تأمل هذا؛ يتبين لك خطأ المنذري في اصطلاحه المتقدم. (2) رقم (83 - مختصر البخاري- الطبعة الجديدة). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 في اعتقادي مما لا أتصوّر أن يقوله أحد من العلماء الأتقياء، لما فيه من المخالفة لما تَقدّم في كلام الإمام مسلم من نصوص الكتاب والسنة في التحذير من الرواية عن غير العدول، لا فرق في ذلك بين أحاديث الأحكام والترغيب والترهيب وغيرها، وكلام مسلم المتقدم صريح في ذلك. 20 - تأثيم الإمام مسلم لمن يروي عن الضعيف ولا يبيّن حاله لو في الترغيب والترهيب وأصرح منه قوله بعد بحث هامّ في وجوب الكشف عن معايب رواة الحديث، وذكر أقوال الأئمة في ذلك، قال (1/ 29): "وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار، وأفتوا بذلك لما فيه من عظيم الخطر، إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم، أو أمر أو نهي، أو ترغيب أو ترهيب، فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه، ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفته؛ كان آثماً بفعله ذلك، غاشّاً لعوامّ المسلمين، إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها، ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها، مع أن الأخبار الصحاح من رواية الثقات وأهل القناعة أكثر من أن يُضطَّر إلى نقل مَن ليس بثقة، ولا أحسب كثيراً ممن يُعَرِّج من الناس على ما وصفنا من هذه الأحاديث الضعاف والأسانيد المجهولة، ويعتدّ بروايتها بعد معرفته بما فيها من التَّوَهُّن والضعف -إلا أنّ الذي يحمله على روايتها والاعتداد بها إرادة التكثّر بذلك عند العوامّ، ولأن يقال: ما أكثر ما جمع فلان من الحديث وألَّف من العدد! ومن ذهب في العلم هذا المذهب، وسلك هذا الطريق فلا نصيب له فيه، وكان بأن يسمّى جاهلاً، أولى من أنْ يُنسَب إلى علم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 21 - عاقبة التساهل برواية الأحاديث الضعيفة وكتم بيانها والحقيقة؛ أن تساهل العلماء برواية الأحاديث الضعيفة ساكتين عنها قد كان من أكبر الأسباب القوية التي حملت الناس على الابتداع في الدين؛ فإن كثيراً من العبادات، التي عليها كثير منهم اليوم إنما أصلها اعتمادهم على الأحاديث الواهية، بل والموضوعة، كمثل التوسعة يوم عاشوراء، الحديث (617 و618) "ضعيف الترغيب"، وإحياء ليلة النصف من شعبان، وصوم نهارها، الحديث (624)، وغيرها. وهي كثيرة جداً، تجدها مبثوثة في كتابي "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيّئ في الأمة"، وساعدهم على ذلك تلك القاعدة المزعومة القائلة بجواز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل، غير عارفين أن العلماء المحققين قد قيدوها بقيدين اثنين: أحدهما حديثي، وقد سبق تفصيله، وخلاصة ذلك أن كل من يريد العمل بحديث ضعيف ينبغي أنْ يكون على علم بضعفه، لأنه لا يجوز العمل به إذا كان شديد الضعف. ولازمُ هذا الحدُّ من العمل بالأحاديث الضعيفة وانتشارها بين الناس، لو قام أهل العلم بواجب بيانها. ب- القيد الفقهي وأما القيد الآخر وهو الفقهي، فهذا أوان البحث فيه، فأقول: قد دندن الحافظ ابن حجر حوله في الشرط الثاني المتقدم (ص 48) بقوله: "وأن يكون الحديث الضعيف مندرجاً تحت أصل عام .. ". إلا أن هذا القيد غير كاف في الحقيقة، لأن غالب البدع تندرج تحت أصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 عامّ، ومع ذلك فهي غير مشروعة، وهي التي يسميها الإمام الشاطبي بالبدع الإضافية، وواضح أن الحديث الضعيف لا ينهض لإثبات شرعيتها، فلا بد من تقييد ذلك بما هو أدق منه، كأن يقال: أن يكون الحديث الضعيف قد ثبتت شرعية العمل بما فيه بغيره مما يصلح أن يكون دليلاً شرعياً، وفي هذه الحالة لا يكون التشريع بالحديث الضعيف، وغاية ما فيه زيادة ترغيب في ذلك العمل مما تطمع النفس فيه، فتندفع إلى العمل أكثر مما لو لم يكن قد رُوي فيه هذا الحديث الضعيف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1/ 251): "وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي، وروي في فضله حديث لا يعلم أنه كذب جاز أنْ يكون الثواب حقاً، ولم يقل أحد من الأئمة إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع". 22 - قول ابن تيمية المفصّل في ذلك، وأنه لا يجوز استحباب شيء لمجرد وجود حديث ضعيف في الفضائل وقد فصّل الشيخ -رحمه الله- هذه المسألة الهامة في مكان آخر من "مجموعة الفتاوى" (18/ 65 - 68) تفصيلاً لم أره لغيره من العلماء، فأرى لزاماً عليَّ أن أقدّمه إلى القراّء؛ لما فيه من الفوائد والعلم، قال بعد أن ذكر قول الإمام أحمد المتقدم (ص 51): "وكذلك ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال: ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يُحْتجُّ به، فإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 الاستحباب حكم شرعي، فلا يثبت إلا بدليل شرعي، ومن أخبر عن الله أنّه يحب عملاً من الأعمال من غير دليل شرعي فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، كما لو أثبت الإيجاب أو التحريم، ولهذا يختلف العلماء في الاستحباب، كما يختلفون في غيره، بل هو أصل الدين المشروع. 23 - مراد العلماء من العمل بالحديث الضعيف في الفضائل وإنما مرادهم بذلك أنْ يكون العمل مما قد ثبت أنّه مما يحبه الله، أو مما يكرهه الله بنص أو إجماع، كتلاوة القرآن، والتسبيح، والدعاء، والصدقة، والعتق، والإحسان إلى الناس، وكراهة الكذب والخيانة، ونحو ذلك، فإذا رُوي حديث في فضل بعض الأعمال المستحبة وثوابها، وكراهة بعض الأعمال وعقابها؛ فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه، إذا روي فيها حديث لا نعلم أنّه موضوع؛ جازت روايته والعمل به؛ بمعنى: أن النفس ترجو ذلك الثواب، أو تخاف ذلك العقاب، كرجل يعلم أن التجارة تربح، لكن بلغه أنها تربح ربحاً كثيراً، فهذا إنْ صَدق نَفَعه، وإنْ كذَب لم يضرّه. 24 - مثال للعمل بالحديث الضعيف بشرطه ومثال ذلك الترغيب والترهيب بالإسرائيليات والمنامات، وكلمات السلف والعلماء، ووقائع العلماء، ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعي؛ لا استحباب ولا غيره، ولكنْ يجوز أنْ يُذكَر في الترغيب والترهيب، والترجية والتخويف فما عُلِم حسنه أو قبحه بأدلّة الشرع، فإنَّ ذلك ينفع ولا يضر، وسواء كان في نفس الأمر حقاً أو باطلاً، فما عُلِم أنّه باطل موضوع لم يجز الالتفات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 إليه، فإنّ الكذب لا يفيد شيئاً، وإذا ثبت أنّه صحيح أُثبِتَتْ به الأحكام، وإذا احتمل الأمرين رُوي لإمكان صدقه، ولعدم المضرّة في كذبه، وأحمد إنما قال: "إذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد". ومعناه: أننا نروي في ذلك بالأسانيد، وإن لم يكن محدثوها من الثقات الذين يحتج بهم. وكذلك قول من قال: يُعمل بها في فضائل الأعمال، إنما العمل بها العمل بما فيها من الأعمال الصالحة، مثل التلاوة والذكر، والاجتناب لما كره فيها من الأعمال السيئة. ونظير هذا قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو: "بلّغوا عني ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار". مع قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث الصحيح: "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تُصدِّقوهم ولا تُكذِّبوهم"؛ فإنه رخّص في الحديث عنهم، ومع هذا نهى عن تصديقهم وتكذيبهم، فلو لم يكن في التحديث المطلق عنهم فائدة لما رخّص فيه وأمر به، ولو جاز تصديقهم بمجرد الإخبار لما نهى عن تصديقهم؛ فالنفوس تنتفع بما تظن صدقه في مواضع. 25 - لا يجوز التقدير والتحديد بأحاديث الفضائل فإذا تضمّنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديراً وتحديداً، مثل صلاة في وقت معيّن بقراءة معينة، أو على صفة معينة لم يجز ذلك؛ لأن استحباب هذا الوصف المعيّن لم يثبت بدليل شرعي، بخلاف ما لو رُوي فيه: "مَن دخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 السوق فقال: لا إله إلا الله .. كان له كذا وكذا" (1)، فإنّ ذِكْرَ الله في السوق مستحبٌّ، لما فيه من ذِكْرَ الله بين الغافلين، كما جاء في الحديث المعروف: "ذاكر الله في الغافلين، كالشجرة الخضراء بين الشجر اليابس" (2). فأما تقدير الثواب المرويّ فيه فلا يضر ثبوته ولا عدم ثبوته، وفي مثله جاء الحديث الذي رواه الترمذي: "من بلّغه عن الله شيء فيه فضل، فعمل به رجاء ذلك الفضل أعطاه الله ذلك وإن لم يكن ذلك كذلك" (3). فالحاصل؛ أن هذا الباب يُروى ويُعمَل به في الترغيب والترهيب لا في الاستحباب، ثم اعتقاد موجبه وهو مقادير الثواب والعقاب يتوقف على الدليل الشرعي". 26 - خلاصة كلام ابن تيمية في العمل بالحديث الضعيف في الفضائل أقول: ذلك كله من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وجزاه عن المسلمين خيراً، ونستطيع أن نستخلص منه أن الحديث الضعيف له حالتان: الأولى: أنْ يحمل في طِيّاته ثواباً لعمل ثبتت مشروعيته بدليل شرعي. فهنا يجوز العمل به، بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب، ومثاله عنده: (التهليل في السوق) بناء على أن حديثه لم يثبت عنده، وقد عرفت رأينا فيه.   (1) قلت: أستغربه الترمذي، لكن له طرق يرتقي بها إلى درجة التحسين كما كنت ذكرت في تعليقي على "الكلم الطيب" (رقم الحديث 229)، وحسن إسناده المنذري كما سيأتي في "الصحيح" (16 - البيوع/ 3 - باب/ الحديث الأول). (2) سيأتي في "الضعيف" (16 - البيوع/ 3 - باب). (3) قلت: عزوه للترمذي وهم أو سبق قلم، ومخرج في المصدر السابق، من ثلاث طرق كلها موضوعة. انظر الأرقام (451 - 453). وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات"، ووافقه السيوطي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 والأخرى: أنْ يتضمن عملاً لم يثبت بدليل شرعي، يظن بعض الناس أنّه مشروع، فهذا لا يجوز العمل به، وتأتي له بعض الأمثلة الأخرى. وقد وافقه على ذلك العلامة الأصولي المحقق الإمام أبو إسحاق الشاطبي الغرناطي في كتابه العظيم: "الاعتصام"، فقد تعرض لهذه المسألة؛ توضيحاً وقوة بما عُرِف عنه من بيان ناصع، وبرهان ساطع، وعلم نافع، في فصْل عقده لبيان طريق الزائفين عن الصراط المستقيم، وذكر أنّها من الكثرة بحيث لا يمكن حصرها، مستدلاً على ذلك بالكتاب والسنة، وأنّها لا تزال تزداد على الأيام، وأنه يمكن أن يجد بعده استدلالات أُخَر، ولا سيما عند كثرة الجهل وقلة العلم، وبعد الناظرين فيه عن درجة الاجتهاد، فلا يمكن إذن حصرها، قال (1/ 229): "لكنا نذكر من ذلك أوجهاً كلية يقاس عليها ما سواها". 27 - من طرق المبتدِعَة الاعتماد على الأحاديث الواهية (فمنها): اعتمادهم على الأحاديث الواهية، والمكذوب فيها على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والتي لا يقبلها أهل صناعة الحديث في البناء عليها: كحديث الاكتحال يوم عاشوراء، وإكرام الديك الأبيض، وأكل الباذنجان بنيّته (1)، وأنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تواجد واهتز عند السماع حتى سقط الرداء عن منكبيه (2)، وما أشبه ذلك. فإن أمثال هذه الأحاديث -على ما هو معلوم- لا ينبني عليها حكم، ولا تجْعَلُ أصلاً في التشريع أبداً. ومن جعلها كذلك فهو جاهل ومخطئ في نقل   (1) هذه الأحاديث كلها موضوعة، تجد الكلام عليها في "المقاصد الحسنة" وغيرها. (2) حديت موضوع كما صرح به جمع، وقد خرجته في "الأحاديث الضعيفة والموضوعة" برقم (558). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 العلم. فلم ينقل الأخذ بشيء منها عمّن نعتدّ به في طريقة العلم، ولا طريقة السلوك. وإنما أخذ بعض العلماء بالحديث الحسن لإلحاقه عند المحدِّثين بالصحيح، لأنّ سنده ليس فيه من يعاب بجرح متفق عليه، وكذلك أخذ من أخذ منهم بالمُرسَل؛ ليس إلا من حيث أُلحِق بالصحيح في أن المتروك ذكره كالمذكور والمعدل (1). فأمّا ما دون ذلك، فلا يُؤخَذ به بحال عند علماء الحديث. ولو كان من شأن أهل الإسلام الأخذ من الأحاديث بكل ما جاء عن كل من جاء لم يكن لانتصابهم للتعديل أو التجريح معنى، مع أنهم قد أجمعوا على ذلك، ولا كان لطلب الإسناد معنى، فلذلك جعلوا الإسناد من الدين، ولا يعنون: "حدّثَني فلان عن فلان" مجرَّداً، بل يريدون ذلك لما تضمَّنه من معرفة الرجال الذين يحدِّث عنهم، حتى لا يسند عن مجهول، ولا مجروح، ولا متّهم، إلا عمّن تحصل الثقة بروايته؛ لأن روح المسألة أن يغلب على الظن من غير ريبة أن ذلك الحديث قد قاله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لنعتمد عليه في الشريعة، ونسند إليه الأحكام. والأحاديث الضعيفة لا يغلب على الظن أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالها، فلا يمكن أن يسند إليها حكم، فما ظنّك بالأحاديث المعروفة الكذب؟! نعم، الحامل على اعتمادها في الغالب إنما هو ما تقدم من الهوى المتّبَع". قال:   (1) قلت: ومع ذلك فهو مردود عند المحدثين كما بيَّنه الخطيب في "الكفاية" (ص 391 - 397). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 28 - تقرير إشكال حول اشتراط الصحة في أحاديث الترغيب "فإن قيل: هذا كله ردّ على الأئمة الذين اعتمدوا على الأحاديث التي لم تبلغ درجة الصحة، فإنهم كما نصّوا على اشتراط صحة الإسناد، كذلك نصُّوا أيضاً على أنَّ أحاديث الترغيب والترهيب لا يُشْتَرط في نقلها للاعتماد صحةُ الإسناد، بل إن كان ذلك، فبها ونعمت، وإلا فلا حرج على من نقلها واستند إليها، فقد فعله الأئمة، كمالك في "الموطأ"، وابن المبارك في "رقائقه"، وابن حنبل في "رقائقه"، وسفيان في "جامع الخير" وغيرهم. فكل ما في هذا النوع من المنقولات راجع إلى "الترغيب والترهيب"، وإذا جاز اعتماد مثله جاز فيما كان نحوه مما يُرجَع إليه، كصلاة الرغائب والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وليلة أول جمعة من رجب ... وصيام رجب، والسابع والعشرين منه، وما أشبه ذلك، فإن جميعها راجع إلى الترغيب في العمل الصالح، فالصلاة على الجملة ثابت أصلها، وكذلك الصيام، وقيام الليل، كل ذلك راجع إلى خير نُقِلت فضيلته على الخصوص. وإذا ثبت هذا فكل ما نُقلت فضيلتُه في الأحاديث فهو من باب الترغيب فلا يلزم فيه شهادة أهل الحديث بصحة الإسناد؛ بخلاف الأحكام. فإذاً هذا الوجه من الاستدلال من طريق الراسخين، لا من طريق الذين في قلوبهم زيغ؛ حيث فرّقوا بين أحاديث الأحكام، فاشترطوا فيها الصحة، وبين أحاديث الترغيب والترهيب، فلم يشترطوا فيها ذلك! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 29 - رد الإشكال بتفصيل علمي دقيق فالجواب: أن ما ذكره علماء الحديث من التساهل في أحاديث الترغيب والترهيب لا ينتظم مع مسألتنا المفروضة. وبيانه: أن العمل المتكلَّم فيه: 1 - إما أن يكون منصوصاً على أصله جملة وتفصيلاً. 2 - أو لا يكون منصوصاً عليه لا جملة ولا تفصيلاً. 3 - أو يكون منصوصاً عليه جملة لا تفصيلاً. فالأول: لا إشكال في صحته كالصلوات المفروضات، والنوافل المرتّبة لأسباب وغيرها، وكالصيام المفروض، أو المندوب على الوجه المعروف، إذا فُعِلت على الوجه الذي نص عليه من غير زيادة ولا نقصان: كصيام يوم عرفة، والوتر، وصلاة الكسوف، فالنص جاء في هذه الأشياء صحيحاً على ما شرطوا، فثبتت أحكامها من الفرض والسنة والاستحباب. فإذا ورد في مثلها أحاديث ترغّب فيها، أو تحذّر من ترك الفرض منها، وليست بالغة مبلغ الصحة، ولا هي أيضاً من الضعف بحيث لا يقبلها أحد، أو كانت موضوعة لا يقبلها أحد، فلا بأس بذكرها والتحذير بها والترغيب، بعد ثبوت أصلها من طريق صحيح. والثاني: ظاهر أنه غير صحيح، وهو عين البدعة؛ لأنه لا يرجع إلا لمجرد الرأي المبنيّ على الهوى، وهو أبدع البدع وأفحشها كالرهبانية المنفيّة عن الإسلام، والخِصاء لمن خشي العنت، والتعبُّد بالقيام في الشمس، أو بالصمت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 من غير كلام أحد، فالترغيب في مثل هذا لا يصحّ؛ إذ لا يوجد في الشرع، ولا أصل له يرغّب في مثله، أو يحذّر من مخالفته. والثالث: ربما يُتَوَهَّم أنه كالأول من جهة أنه إذا ثبت أصل عبادة في الجملة فيسهل في التفصيل نقله من طريق غير مشترط الصحة، فمطلق التنفّل بالصلاة مشروع، فإذا جاء ترغيب في صلاة ليلة النصف من شعبان، فقد عضده أصل الترغيب في صلاة النافلة، وكذلك إذا ثبت أصل صيام، ثبت صيام السابع والعشرين من رجب، وما أشبه ذلك! وليس كما توهّموا؛ لأن الأصل إذا ثبت في الجملة لا يلزم إثباته في التفصيل. فإذا ثبت مطلق الصلاة لا يلزم منه إثبات الظهر والعصر أو الوتر أو غيرها حتى ينص عليها على الخصوص، وكذلك إذا ثبت مطلق الصيام لا يلزم منه إثبات صوم رمضان أو عاشوراء أو شعبان أو غير ذلك، حتى يثبت بالتفصيل بدليل صحيح. ثم ينظر بعد ذلك في أحاديث الترغيب والترهيب، بالنسبة إلى ذلك العمل الخاص الثابت بالدليل الصحيح. والدليل على ذلك: أن تفضيل يوم من الأيام، أو زمان من الأزمنة بعبادة ما يتضمّن حكماً شرعياً فيه على الخصوص كما ثبت لعاشوراء مثلاً، أو لعرفة، أو لشعبان -مزية على مطلق التنفل بالصيام- فإنه ثبتت له مزيّة على الصيام في مطلق الأيام، فتلك المزية اقتضت مرتبة في الأحكام أعلى من غيرها بحيث لا تُفهم من مطلق مشروعية الصلاة النافلة (1)، لأن مطلق المشروعية يقتضي أن الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمئة ضعف في الجملة، وصيام يوم عاشوراء   (1) كذا في الأصل، والسياق يقتضي أن يقال: صيام النفل. فتأمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 يقتضي أنه يكفِّر السنة التي قبلها، فهو أمر زائد على مطلق المشروعية، ومساقه يفيد له مزية في الرتبة، وذلك راجع إلى الحكم. فإذاً، هذا الترغيب الخاص يقتضي مرتبة في نوع من المندوب خاصة، فلا بد من رجوع إثبات الحكم إلى الأحاديث الصحيحة بناء على قولهم: "إن الأحكام لا تثبت إلا من طريق صحيح"، والبدع المستدَل عليها بغير الصحيح لا بدّ فيها من الزيادة على المشروعات، كالتقييد بزمان أو عدد أو كيفية ما، فيلزم أن تكون أحكام تلك الزيادات ثابتة بغير الصحيح، وهو أمر ناقض لما أسسه العلماء. ولا يقال: إنهم يريدون أحكام الوجوب والتحريم فقط. لأننا نقول: هذا تحكّم من غير دليل، بل الأحكام خمسة، فكما لا يثبت الوجوب إلا بالصحيح، [فكذلك لا يثبت غيره من الأحكام الخمسة كالمستحب إلا بالصحيح] (1). فإذا ثبت الحكم فاستُسْهِلَ أنْ يثبت في أحاديث الترغيب والترهيب، ولا عليك. 30 - خلاصة كلام الإمام الشاطبي فعلى كل تقدير: "كل ما رُغِّبَ فيه إنْ ثبت حكمه أو مرتبته في المشروعات من طريق صحيح، فالترغيب [فيه] بغير الصحيح مغتَفَر. وإن لم يثبت إلا من حديث الترغيب فاشترط الصحة أبداً، وإلا خرجت عن طريق القوم المعدودين في أهل الرسوخ. فلقد غلط في هذا المكان جماعة ممن يُنسَب إلى الفقه، ويتخصص عن العوام بدعوى رتبة الخواص. وأصل هذا الغلط عدم فهم كلام المحدِّثين في الموضعين، وبالله التوفيق".   (1) سقط من الأصل، والسياق يقتضيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 قلت: هذا كله من كلام الإمام الشاطبي، وهو يلتقي تمام الالتقاء مع كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى، ومن الطرائف أن هذا مشرقي وذاك مغربي، جمع بينهما -على بعد الدار- المنهج العلمي الصحيح. 31 - صعوبة تمييز الضعيف الذي يجوز العمل به حديثياً وفقهياً وبعدما عرفت أيها القارئ هذا الشرط الفقهي في جواز العمل بالحديث الضعيف، وذاك الشرط الحديثي المتقدم: أن لا يكون شديد الضعف يتبين لك أنه كان من الواجب على الحافظ المنذري أن يميز الحديث الضعيف، والضعيف جداً، والموضوع، ويعطي كل حديث من أحاديث كتابه الضعيفة مرتبته من هذه المراتب الثلاث، وأن لا يجمل القول فيها بتصديرها كلها بصيغة (رُوي)، خشية أن يبادر أحد من القراء إلى العمل ببعض الواهي والموضوع منها، فيقع في المحظور السابق بيانه ولو كان من الفقهاء. هذا من الناحية الحديثية. وأما من الناحية الفقهية، فليس يخفى أنه من غير الميسور تمييز الحديث الضعيف الذي يجوز العمل به، من الذي لا يجوز العمل به، إلا على المحدِّثين الفقهاء بالكتاب والسنة الصحيحة، وما أقلَّهم! ولذلك فإني أرى أن القول بالجواز بالشرطين السابقين نظري غير عملي بالنسبة إلى جماهير الناس، لأنه من أين لهم تمييز الحديث الضعيف من الضعيف جداً؟ ومن أين لهم تمييز ما يجوز العمل به منه فقهياً مما لا يجوز؟ فيرجع الأمر عملياً إلى قول ابن العربي المتقدم: أنه لا يُعمَل بالحديث الضعيف مطلقاً. وهو ظاهر قول ابن حبان: "لأن ما روى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 الضعيفُ وما لم يرو في الحكم سيَّان" (1). وهذا هو الذي أنصح به عامة الناس، وهو الذي كنت نصحت به في مقدمة كتابي: "صحيح الجامع الصغير وزيادته" و"ضعيف الجامع .. " (ص 51) فليراجعه من شاء. 32 - مثال من واقع بعض الفقهاء ولا بأس من أنْ أسوق للقراء مثالاً لصعوبة الأمر، على بعض من ينتمي للفقه فضلاً عن غيرهم، فهناك حديث أنس الصحيح: "لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له، لما يعلمون من كراهيته لذلك". رواه الترمذي وغيره. فاستدل به الشيخ علي القاري في "شرح الشمائل" (2/ 169) على أن القيام المتعارف اليوم ليس من السّنة. ونقل عن ابن حجر -يعني الهيتمي- ما ينافي ذلك، واستغربه، ثم قال: (وأما قول ابن حجر: "ويؤيد مذهبنا من ندب القيام لكل قادم به فضيلة، نحو نسب أو علم أو صلاح أو صداقة (!) حديث أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام لعكرمة بن أبي جهل لما قدم عليه، ولعدي بن حاتم كلما دخل عليه. وضعفهما لا يمنع الاستدلال بهما هنا؛ خلافاً لمن وهم فيه، لأن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقاً، بل إجماعاً كما قال النووي"، فمدفوع، لأن الضعيف يُعمَل به في فضائل الأعمال المعروفة في الكتاب والسّنة، لكنْ لا يُستدَل به على إثبات الخَصْلة المستحبَّة).   (1) انظر: "سلسلة الأحاديث الضعيفة" وتعليقي عليه (ج 2 - ص 3 - تحت الحديث 504). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 فتأمّل كيف خطَّأ الشيخُ القاري الهيتميَّ، وهو من كبار فقهاء الشافعية المتأخرين في تطبيق القاعدة المذكورة، فما عسى أن يكون حال عامّة الناس في ذلك؟ ومن شاء المزيد من الأمثلة فليراجع كتابي: "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السَّيِّئ في الأمة" يجد العجب العُجاب منها، فانظر مثلاً الأحاديث (372 و609 و872 و922 و928 و944). 33 - البدء بتمييز صحيح "الترغيب" من ضعيفه من أجل كل ما تقدم، توجهت الهمة منذ زمن بعيد إلى أن أوفر قسماً كبيراً من وقتي، وجهداً لا بأس به من طاقتي، لخدمة كتاب "الترغيب والترهيب" للحافظ المنذري، موجهاً جل ذلك إلى تمييز صحيحه من ضعيفه، تمييزاً دقيقاً واضحاً لا غموض فيه. ويعود تاريخ البدء في هذا المشروع الهام، إلى ما قبل خمس وعشرين سنة تقريباً، حين قررت في مرحلة من مراحل الدعوة إلى الكتاب والسنّة تدريس كتاب "الترغيب" على إخواننا السلفيين في سوريا، لتعريفهم بنوع خاص من أحاديث نبيهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، طالما قستْ قلوب جماهير المسلمين اليوم بسبب جهلهم بسنة نبيهم بصورة عامة، وبهذا النوع منها بصورة خاصة، راجياً أن ترقَّ قلوبهم بهذه المعرفة، ويزدادوا بها طاعة لله، ورغبة فيما عنده، وابتعاداً عن معاصيه، ورهبة مما أعدَّه للعصاة المخالفين. 34 - منهجي في التمييز والتدريس ولما كان قد استقرّ في نفسي منذ نعومة أظفاري -فضلاً من الله ونعمة- أنه لا يجوز إشاعة الأحاديث الضعيفة والمُنكرَة، ولو في "الترغيب والترهيب" بين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 أفراد الأمة، ولا التساهل بروايتها على الطلاب وغيرهم، كما يفعل ذلك عامّة الخطباء والمدرسين والمرشدين والوعَّاظ، متأثراً في ذلك بأقوال الأئمة الذين أسلفت لك فيما تَقدّم بعض أقوالهم في هذا المجال؛ فقد رأيت لزاماً عليَّ أن لا ألقي درساً منه إلا بعد تحضيره، والتحقّق من كل حديث من أحاديثه، في كل باب من أبوابه، وفصل من فصوله، معتمداً في ذلك على مصطلح الحديث، والجرح والتعديل، ومراجعاً لما قاله العلماء المحقّقون في كل حديث منها، مما يساعدني على اختيار الحكم الأقرب إلى الصواب فيها، فما تبيَّن لي منها أنه ثابت قدَّمته إليهم متشبّثاً به، راغباً فيه، وإلاّ أعرضت راغباً عنه غير مصطفيه. وهكذا مضيت قُدُماً بكل رغبة ونشاط في تحضير الدروس منه، وإلقائها على الإخوان والطلاب، ملتزماً ذلك المنهج العلمي الدقيق، طيلة تلك السنين، حتى انتهيت منه بتاريخ 26 رجب سنة 1396، مثابراً على إلقائها إلاّ في بعض الظروف الحالكة، والفتن المظلمة، أعاذنا الله منها؛ ما ظهر منها وما بطن، وقد أوشكتُ على الفراغ منه أيضاً على التمام. وبهذه الدراسة المنهجية الدقيقة تكشّف لي ما كان خافياً عليَّ قبلها وعلى غيري، ألا وهو غموض المنذري في اصطلاحه الذي وضعه في أول كتابه، وتساهلُه الذي أوضحته في مطلع مقدّمتي هذه، وكثرة الأحاديث الضعيفة والواهيه بل الموضوعة فيه، وبعضها مما حسَّنه بل صحَّحه بالتصريح فضلاً عن أوهاء له أخرى كثيرة، من الصعب حصرها، إلا أننا سنتعرَّض للإشارة إلى بعضها بخطوط عريضة، مع بعض الأمثلة إن شاء الله تعالى. وكنت في أثناء ذلك وتخريجي لأحاديث الكتاب، أجد أن بعضها يتطلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 دراسة واسعة، وكتابة مفصّلة حتى أتمكن من معرفة مرتبة الحديث في الصحة والضعف، وأجد بعضاً آخر منها لا يحتاج إلى ذلك لوضوح أمره، وتيسّر الوصول إلى مرتبته بأقرب طريق، فما كان من النوع الأول ولم يكن مخرَّجاً في شيء من تصانيفي المطبوعة منها والمخطوطة -وهي كثيرة والحمد لله- خرَّجته وحققت القول فيه في إحدى السلسلتين: "الصحيحة" و"الضعيفة"، ثم آخذ مرتبة الحديث منها فأضعها بجانب حديث "الترغيب" من نسختي المطبوعة في القاهرة، الطبعة المنيرية، وقد كان مما سهّل لي الرجوع إلى تصانيفي المشار إليها كتاباي: "صحيح الجامع الصغير" و"ضعيف الجامع الصغير"، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وأما إذا كان الحديث من النوع الآخر فكنت أخرِّجه تعليقاً على حاشية نسختي من "الترغيب"، كما كنت أكتب عليها ما لا بد منه من شرح لفظة من غريب الحديث، أو توضيح جملة منه، وغير ذلك من الفوائد العلمية التي تتحمّلها ساحة الحاشية، فكان من ذلك ما سميته بـ "التعليق الرغيب على الترغيب والترهيب". 35 - الاعتماد على المنذري في التصحيح والتضعيف وشرطنا فيه وبقيت بعض الأحاديت دون أنْ أرمز لها بشيء لعدم وقوفي على المصدر الذي نسب المنذري الحديث إليه، كبعض كتب ابن أبي الدنيا وأبي الشيخ ابن حيان والبيهقي وغيرهم، فلم أتمكّن من دراسته وإعطائه الحكم اللائق به. ولكنّي مع مرور الأيام استطعت أنْ أتدارك قسماً كبيراً منه، بالوقوف على بعضها؛ مثل "المعجم الأوسط" مصوّراً من مكتبة الجامعة الإسلامية، وبعض المجلدات من "المعجم الكبير" التي طُبِعت في العراق بتحقيق أخينا الشيخ حمدي عبد المجيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 السلفي، وباطّلاعنا قبل ذلك على قسم آخر منه في مصادر أخرى من كتب السنّة الكثيرة، من المسانيد والفوائد والأجزاء المخطوطة في ظاهرية دمشق، والمصوّرة في غيرها، حتى لم يبق منه إلا شيء قليل جداً. ففي هذا لا يسعني إلا أن أتبع المنذري فيما صحَّح أو ضعَّف، حينما لا أجد من خالفه ممن هو عندي أوثق منه في هذا العلم. أما ما صدَّره منه بـ (رُوِي) فكله ضعيف، تبعاً له، بخلاف ما صدَّره بـ (عن) فإنما أعتمده إذا كان الحديث من رواية من يلتزم الصحة كابن خزيمة مثلاً، أو قوَّاه أحد الحفَّاظ صراحة ومنهم المنذري، وذلك لما سبق بيانه أنه قد يُصدَّر به لما هو قريب من الحسن، ويعني أنه ليس بحسن، وهو الضعيف الذي لم يشتد ضعفه عندنا، ثم إن العهدة في ذلك كله عليه. 36 - تحقيق أنّ قولهم: "رجاله رجال الصحيح" ونحوه ليس تصحيحاً واعلم أنه ليس من التصحيح، بل ولا من التحسين في شيء، قول المنذري وغيره من المحدِّثين: " ... رجاله ثقات"، أو " ... رجاله رجال الصحيح"، ونحو ذلك؛ خلافاً لما قد يتبادر إلى بعض الأذهان، وقد يكون من الأعلام (1)، وذلك للأسباب الآتية: أولاً: أن ذلك لا يعني عند قائله أكثر من أنّ شرطاً من شروط صحة الحديث قد توفر في إسناده لدى القائل، وهو العدالة والضبط، وأما الشروط   (1) كالمناوي مثلاً، فإنه كثيراً ما يستلزم من ذلك الصحة، كقوله في حديث: "قال الهيثمي: رجاله ثقات". وحينئذ فرمز المؤلف لحسنه تقصير، وحقه الرمز للصحة!! انظر "فيض القدير" الأحاديث (67 و76 و531 و532) وغيرها، وهي كثيرة جداً وراجع لهذا "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (854)، ففيها حديث صححه المناوي بناء على القول المذكور، وأزيد الآن في هذه الطبعة، فأقول: وقد سار على هذا المنوال المعلقون الثلاثة في تعليقهم على الكتاب، فصححوا أحايث كثيرة وحسنوها بناء على هذا القول، ومنها الحديث الذي صححه المناوي، فإنهم حسنوه كذلك! (3/ 323). وانظر مقدمة هذه الطبعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 الأخرى من الاتصال، والسلامة من الانقطاع والتدليس، والإرسال والشذوذ، وغيرها من العلل التي تُشتَرط السلامة منها في صحة السند؛ فأمْر مسكوت عنه لديه، لم يقصد توفرها فيه، وإلا لصرَّح بصحة الإسناد كما فعل في أسانيد أخرى، وهذا ظاهر لا يخفى بإذن الله، وانظر على سبيل المثال الحديث (563 - ضعيف) كيف أعلَّه المنذري بالإرسال مع كون رجاله إلى مرسله رجال الصحيح! ونحو الحديث (609 - ضعيف)، أعلَّه بالانقطاع، مع كون رجاله كلهم رجال الصحيح، ولذلك قال الحافظ في "التلخيص" (ص 239) في حديث آخر: "ولا يلزم من كون رجاله ثقات أن يكون صحيحاً، لأنّ الأعمش مُدلِّس ولم يذكر سماعه". ثانياً: قد تبين لي بالتتبع والاستقراء أنه كثيراً ما يكون في السند الذي قيل فيه: "رجاله ثقات" من هو مجهول العين أو العدالة، ليس بثقة إلا عند بعض المتساهلين في التوثيق كابن حبان والحاكم وغيرهما، ومن قيل فيه: "رجاله رجال الصحيح"، أنه ممن لم يَحتجَّ به صاحب "الصحيح"، وإنما روى له مقروناً بغيره، أو متابعة، أو تعليقاً، وذلك يعني أنه لا يُحتجَّ به عند التفرّد. وإذا عرفت هذا، فمن الواضح أن هذا القول وذاك لا يعني دائماً أنّ الرجال ثقات، أو أنهم محتج بهم في "الصحيح"، وبالتالي فلا يستلزم في الحالة المذكورة تحقُّق الشرط الأول، بله الشروط الأخرى. فكم من حديث صحّحه الحاكم مثلاً تصحيحاً مطلقاً تارة، ومقيَّداً بشرط الشيخين أو أحدهما تارة أخرى، وهو في كثير من الأحيان مُتعقَّب من المنذري وغيره كما ستراه في "ضعيف الترغيب"، فانظر فيه على سبيل المثال الأحاديث (21 و177 و409 و416 و418 و480 و661 و671)، وفي "الصحيح" الأحاديث (203 و319 و410 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 و413 و724) (1). بل كم من حديث من هذا النوع تُعقِّب فيه المنذري نفسه، كحديث (630) في "الضعيف"، وفي "الصحيح" الحديث (461) وغيره. ثالثاً: قد يكون رجال الإسناد كلهم ممن احتَجّ بهم صاحب "الصحيح"، ولكن يكون فيهم أحياناً من طعن فيه غيره من الأئمة، لسوء حفظ أو غيره مما يسقط حديثه عن مرتبة الاحتجاج به، ويكون هو الراجح عند المحققين، مثل يحيى بن سُليم الطائفي عند الشيخين، وعبد الله بن صالح كاتب الليث، وهشام ابن عمار من رجال البخاري، ويحيى بن يمان العجلي عند مسلم، فإن هؤلاء مع صدقهم موصوفون بسوء الحفظ، وهو علة تمنع الاحتجاج بمثله كما هو معلوم، وبمثل ذلك انتقدنا المنذري في بعض الأسانيد كما تراه في التعليق على الحديث (249 - الصحيح). رابعاً: إن قولهم: "رجاله رجال الصحيح" لا بد من فهمه أحياناً على إرادة معنى التغليب لا العموم، أي أكثر رجاله رجال (الصحيح)، وليس كلهم، وهذا حينما يكون من نسب الحديث إليهم من المصنفين دون البخاري ومسلم صاحبي "الصحيحين" في الطبقة، بحيث لا يمكنه أن يشاركهما في الرواية عن أحد من شيوخها مباشرة، وإنما يروي عنه بواسطة راوٍ أو أكثر، كالحاكم والطبراني وأمثالهما. خذ مثلاً حديثاً أخرجه الحاكم (1/ 22) بالسند التالي: حدثنا أبو بكر ابن إسحاق الفقيه: أنا محمد بن غالب: أنا موسى بن إسماعيل .. إلخ السند، ثم قال: "صحيح على شرطهما". ووافقه الذهبي. قلت: فموسى هذا من شيوخ الشيخين، ومن فوقه على شرطِهما، بخلاف اللذين دونه، وهكذا كل حديث عند الحاكم مصحح على شرطهما، أو شرط   (1) يرجى الانتباه أن الأرقام المذكورة، وكذلك الأرقام الآتية في هذه المقدمة إنما تشير إلى الأحاديث في هذه الطبعة خاصة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 أحدهما، فإنما يعني شيخهما ومن فوقه، وأما من دونه فلا، وقد يكون راوياً واحداً أو أكثر. وعلى هذا البيان ينبغي أن يفهم طالب هذا العلم قول المنذري في حديث "الصحيح" الآتي برقم (907): "رواه الحاكم، ورواته محتج بهم في (الصحيح) ". وأما الحاكم فقال: "صحيح على شرط الشيخين"، وإنما لم ينقله المنذري لأنه خطأ فإنما هو على شرط مسلم فقط كما كنت بينته في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" برقم (85)، فقول المنذري المذكور إنما هو على التغليب، وإنما يعني بدءاً من شيخ الشيخين فيه، وهو هنا أبو بكر بن أبي شيبة فمن فوقه، وأما من دونه فلا. ثم إن هؤلاء قد يكونون ثقاتٍ، وقد يكونون غير ذلك، وكل ذلك قد بلوناه في بعض أحاديثه، فانظر مثلاً في "الضعيف" الحديث رقم (409)، فإنه، وإن كان صححه الحاكم مطلقاً فإن شيخ شيخه فيه كذبه الدارقطني، كما حكاه المنذري هناك، وأما النوع الذي قبله -أعني ما كان من رواية الثقات عن شيوخ الشيخين- فكثير جداً والحمد لله. وكذلك يقال في كل حديث سيمر بك في الكتابين: "الصحيح" و"الضعيف" يقول فيه المنذري: "رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح"، أو "ورواته ثقات": أنه يعني غالب رواته، أي كلهم ما عدا شيخ الطبراني قطعاً، وربما شيخ شيخه معه أحياناً، وهذا حين يكون قوله صواباً لا وهم فيه، خذ مثلاً الحديث الآتي في "الضعيف" برقم (147): "لزمتُ السواك حتى خشيتُ أنْ يدرد فِيَّ"، قال فيه: "رواه الطبراني في (الأوسط)، ورواته رواة الصحيح". فإنّ إسناده في "الأوسط" (رقم - 6870 - مصورتي) هكذا: حدثنا محمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 رزيق بن جامع: ثنا أبو الطاهر: حدثنا ابن وهب: ثنا يحيى بن عبد الله بن سالم عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطّلب عن عائشة به. وقال: لا يُروى عن عائشة إلا بهذا الإسناد، تفرّد به ابن وهب". قلت: فأبو الطاهر ومن فوقه كلهم من رواة الصحيح، بخلاف ابن رزيق -مصغراً بتقديم الراء على الزاي- فليس منهم، بل لا نعرف شيئاً من حاله، سوى قول الحافظ في "التبصير" فيه (2/ 600): "حدث بمصر عن أبي مُصعب وسعيد بن منصور". وهذا كما ترى لا يروي ولا يشفي في معرفة حاله، مع العلم بأن الأحاديث التي ساقها له الطبراني في "الأوسط" تدل على أن له شيوخاً آخرين كإبراهيم ابن المنذر الحِزامي وعمرو بن سواد السرحي وغيرهم. وقد بحثت عنه في وَفَيَات سنة (299 - 360) سنة وفاة الطبراني من كتاب "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة"، فلم أعثر عليه. وقد يكون شيخ الطبراني في بعض الأحاديث التي قال فيها ما ذكرنا ضعيفاً، كما في حديث يأتي في (23 - الأدب/ 39) وقد تكلمت عليه وبيّنت ضعفه في "الصحيحة" (503). من أجل ذلك فقد ينشط المنذري أحياناً فيستثني من مثل قوله المتقدّم شيخ الطبراني، كما فعل في الحديث الآتي هنا برقم (851) حيث قال فيه: "رواه الطبراني، ورجاله رجال (الصحيح)، إلا شيخه يحيى بن عثمان ابن صالح وهو ثقة، وفيه كلام". وقد لا ينشط لذلك أحياناً، بل هذا هو الغالب عليه، أو يسهو فلا يستثني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 في حديث يكون الاستثناء فيه أولى، لأنه يكون في سنده شيخ لشيخ الطبراني ليس من رواة "الصحيح" أيضاً، كما وقع له في الحديث الصحيح رقم (151) فتعقّبته بكلام الهيثمي الذي نقلته هناك، ومراده أنه ليس في إسناده من هو من شيوخ "الصحيح" فضلاً عمن دونه! وإذا عرفت أيها القارئ الكريم هذه الحقائق حول قولهم: "رجاله ثقات"، أو "رجاله رجال (الصحيح) "، يتبيّن لك بوضوح لا ريب فيه أن ذلك لا يعني عندهم أن الحديث صحيح، وإنما: أن شرطاً من شروط الصحة قد تحقّق فيه، وهذا إذا لم يقترن به شيء من الوهم أو التساهل الذي سبق بيانه، فمن أجل ذلك لم أعتبر القول المذكور نصاً في التصحيح، يمكن الاعتماد عليه حين لا يتيسّر لنا الوقوف على إسناد الحديث مباشرة. فينبغي التنبّه لهذا، فإنه من الأمور الهامة التي يضر الجهل بها ضرراً بالغاً، أهمّه نسبة التصحيح إلى قائله، وهو لا يقصده، وهذا مما سمعته من كثير من الطلاب وغيرهم في مختلف البلاد. 37 - لماذا يقولون: "رجاله ثقات"، ولا يصرّحون بتصحيح الإسناد؟ فإن قيل: لماذا يلجأ الحافظ المنذري وأمثاله من الحفّاظ إلى القول المذكور ما دام أنه لا يعني عندهم أن الحديث صحيح، ولا يُفصِحون بصحته كما نراهم يفعلون ذلك أحياناً؟ وجواباً عليه أقول: إنما يلجأون إليه لتيسّر ذلك عليهم، بخلاف الإفصاح عن الصحّة، فإنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 يتطلّب بحثاً موضوعياً خاصاً حول كل إسناد من أسانيد أحاديث الكتاب -وما أكثرها- حتى يغلب على ظن مؤلفه أنه ثابت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -ولو بمرتبة الحسن- ولا يحصل ذلك في النفس إلا إذا ثبت لديه سلامته من أي علة قادحة فيه. وليس يخفى على كل من مارس عملياً فن التخريج، مقروناً بالتصحيح والتضعيف، وقضى في ذلك شطراً طويلاً من عمره -وليس في مجرد العزو وتسويد الصفحات به- أن ذلك يتطلّب جهداً كبيراً، ووقتاً كثيراً، الأمر الذي قد لا يتوفر لمن أراد مثل هذا التحقيق، وقد يتوفر ذلك للبعض، ولكن يعوزه الهمة والنشاط، والدأب على البحث في الأمّات والأصول المطبوعة والمخطوطة والصبر عليه، وقد يجد بعضهم كل ذلك، ولكن ليس لديه تلك المصادر الكثيرة التي لا بد منها لكل من تحققت تلك المواصفات التي ذكرنا، مع المعرفة التامة بطرق التصحيح والتضعيف، القائمة على العلم بمصطلح الحديث والجرح والتعديل، وأقوال الأئمة فيهما، ومعرفة ما اتفقوا عليه، وما اختلفوا فيه، مع القدرة على تمييز الراجح من المرجوح فيه، حتى لا يكون إمّعة فتأخذ به الأهواء يميناً ويساراً. وهذا شيء عزيز قلّما يجتمع ذلك كله في شخص، لا سيّما في هذه العصور المتأخرة. وقد رأيت الحافظ المنذري رحمه الله، قد أشار إلى شيء مما ذكرته من المواصفات، بحيث يمكن اعتبار كلامه في ذلك جواباً صالحاً عن السؤال السابق، فقال في آخر كتابه: "الترغيب" قُبيل "باب ذكر الرواة المختلَف فيهم"؛ قال ما نصّه: "ونستغفر الله سبحانه مما زلّ به اللسان، أو داخله ذهول، أو غلب عليه نسيان، فإن كل مصنف مع التَّؤدة والتأتّي، وإمعان النظر وطول الفكر قلّ أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 ينفكّ عن شيء من ذلك، فكيف بـ (المملي) مع ضيق وقته، وترادف همومه، واشتغال باله، وغربة وطنه، وغيبة كتبه؟ ... وكذلك تقدّم في هذا الإملاء أحاديث كثيرة جداً صحاح، وعلى شرط الشيخين أو أحدهما، وحسان، لم ننبّه على كثير من ذلك، بل قلت غالباً: إسناد جيد، أو: رواته ثقات، أو: رواة "الصحيح"، أو نحو ذلك، وإنما منع من النص على ذلك تجويز وجود علة لم تحضرْني مع الإملاء". قلت: فهذا نص منه رحمه الله يطابق ما ذكرته في أول جوابي عن السؤال، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. 38 - قلة الأحاديث التي صرح الهيثمي بتقوية أسانيدها وأعود لتأكيد وتوضيح أن الجواب المذكور ليس خاصّاً بصنيع المنذري رحمه الله، بل هو عامّ شامل لكل من جرى على ذلك من المصنّفين. وإن من أقربهم إلى منهجه منهج الحافظ نور الدين الهيثمي، فإنه يكثر جداً من استعمال ذلك القول في كتابه "مَجْمع الزوائد ومنبع الفوائد" الجامع لزوائد كتبٍ ستة، على الكتب الستة، كما هو معلوم، ومع ضخامة كتابه، وغزارة مادته، فإننا قلّما نراه يصحِّح أو يحسِّن. وقد بدأت بترقيم أحاديثه استعداداً لترتيبها فيما بعد على الحروف -إن شاء الله-، بمساعدة صهرنا العزيز الشاب المهذب النشيط الأستاذ نبيل الكيالي جزاه الله خيراً، وقد انتهينا من ترقيم المجلد الأول منه من أصل عشرة مجلدات، فبلغ عدد أحاديثه نحو (1800) حديثاً، وأحصينا الأحاديث التي صرّح بتصحيحها أو تحسينها فبلغ عددها (90) حديثاً فقط! من أصل ألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 حديث تقريباً، أقدّر أنها ثابتة الأسانيد من بين الرقم المذكور (1800)، وقد تكلّم عليها بكلام لا يفيد الصحة ولا الحسْن، وإنما الثقة للرواة فقط؛ كما سبق بيانه، وما ذلك إلا لسبب أو أكثر من الأسباب التي سبق أن ذكرتها، وأشار الحافظ المنذري إلى بعضها في كلامه المنقول عنه آنفاً. 39 - سبب كثرة أوهام المنذري في "الترغيب" هذا، وإن في مطلع كلامه ما يمكن أن يعتبر عذراً له في وقوع تلك الأوهام منه، والتي تضجّر من كثرتها الحافظ الناجي؛ كما يأتي عنه، ذلك هو قوله رحمه الله تعالى: "ضيق وقته، وترادف همومه، واشتغال باله، وغيبة كتبه". وأهم ما فيه: "غيبة كتبه"، فإنه يعني: أنه اعتمد في تأليفه للكتاب على ذاكرته، وذلك صريح في مقدّمته، وفي كلمته السابقة، وغيرها، حيث أفاد أنه أملاه إملاء مِن حفظه، ومن المعلوم أن الذاكرة مهما كانت نيرّة؛ فقد تخبو، والجواد مهما كان أصيلاً؛ فقد يكبو، ولذلك فلا بدّ لمن أملى كتاباً من حفظه أن يراجع أصوله قبله وبعده، ليتثبّت من صحة حفظه، وصواب إملائه، فإذا لم يتيسّر له ذلك، لغيبة كتبه كان أمراً طبيعياً أن تكثر أخطاؤه، لا سيّما إذا انضم إلى ذلك "ترادف همومه، واشتغال باله"، وإلا فمطلق الخطأ أمر لا يكاد ينجو منه إنسان وبخاصة إذا كان مؤلفاً، وهذا ما صرّح به المنذري فيما سبق: "فإن كل مصنِّف مع التؤدة والتأني وإمعان النظر، وطول الفكر، قل أن ينفكّ عن شيء من ذلك، فكيف بالمملي مع ضيق وقته ... " إلخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 ولقد صدق -رحمه الله تعالى-، ولذلك قال مالك رحمه الله: "ما منّا من أحد إلا رَدَّ ورُدَّ عليه، إلا صاحب هذا القبر". يعني قبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإني أعرف هذا الذي ذكره المنذري في نفسي، مع أنه ليس من عادتي الارتجال في التصحيح والتضعيف، فإنه قد يبدو لي أنني أخطأت في بعض ذلك، فأبادر إلى التنبيه على ذلك في أول فرصة تسنح لي، كما يعرف ذلك من له عناية بمطالعة مؤلفاتي، حتى لقد وقع لي شيء من ذلك في هذا الكتاب الذي أنا في صدد التقديم له، والذي تم تأليفه في نحو ربع قرن من الزمان كما تقدّم، فقد تغير رأيي في كثير من أحاديثه، بعضها وهو تحت الطبع، كما سيرى القارئ التنبيه على ذلك في الاستدراك في آخر الكتاب. فسبحان من تنزَّه عن كل صفات النقص، وتفرَّد بكل صفات الكمال، ذو الجلال والإكرام. 40 - أنواع أوهام المنذري الهامة في خطوط عريضة مع الأمثلة أما بعد؛ فقد آن لنا أنْ نجمل الكلام على أنواع من أخطاء المنذري وأوهامه المتكرِّرة الهامّة، حاصراً إياها في خطوط عريضة كما يقولون اليوم، مع الإشارة إلى بعض الأمثلة المتيسِّرة عند الحاجة. أ - تصديره للأحاديث الضعيفة بـ (عن)! تساهله في تصديره الأحاديث الضعيفة بصيغة (عن) (1)، المُشْعِرة عنده أنّها ليست من قسم الأحاديث الضعيفة، التي يصدرها بـ (رُوي)، وإنما هي من قسم الصحيح أو الحسن أو القريب من الحسن! كما صرّح بذلك في مقدّمة كتابه   (1) تنبيه: سنستعيض عن هذه العبارة بقولنا (عنعن) اختصاراً، فليكن هذا منك على بال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 كما أسلفناه (ص 41)، وبناء على ذلك ساق مئات الأحاديث لجماعة من الرواة الضعفاء المعروفين بالضعف عند العلماء، مثل شَهْر بن حَوْشب، وكثِّير بن عبد الله، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعلي بن زيد الألهاني، وعبيد الله بن زحر، وابن لَهيعة، وغيرهم كثير وكثير، وبعضهم ممن يصرِّح هو فيه أنه واهٍ، أي: ضعيف جداً، مثل كثيِّر هذا، ومع ذلك عنعن لأحاديثهم، وكذلك فعل بالأحاديث المرسلة والمنقطعة والمعضلة، إعمالاً منه لاصطلاحه المشار إليه آنفاً. وكذلك صنع بما أعلّه بقوله: "في سنده لين"، أو قوله: "غريب"، وتارة يقول: "غريب جداً"، كل ذلك يعنعن له، والأمثلة تراها مبثوثة في الفهارس، بل رأيته قوَّى حديثاً فيه مَن ضعّفه هو جداً، وهو الحديث (161 - الضعيف)، وليس هذا فحسب، بل عنعن لحديث فيه كذاب ومتروك، وقال فيه: "رفْعه غريب جداً" (رقم 47)، ولآخر حَكم عليه بالوضع (رقم 596)، فكيف يلتقي هذا مع العنعنة المذكورة؟! ولعل أغرب من ذلك كلّه حديث ابن مسعود في صلاة الحاجة (رقم 418)، فإنه عنعنه مع اعترافه بأن فيه متَّهماً بالكذب، وتعلق في تبرير ذلك بمثل خيوط القمر، فقال عقبه: "والاعتماد في مثل هذا على التجربة، لا على الإسناد"! وفاته أن السّنة لا تثبت بالتجربة، لا سيّما وهو مخالف في بعض ما فيه للسنّة الصحيحة الناهية عن قراءة القرآن في السجود، مما يقطع به أنه موضوع، كما بيّناه في التعليق عليه هناك. وفي آخره قوله: "ولا تعلَّموها السفهاء فإنهم يدعون بها فيستجابون"! مما يؤكد لك وضعه، فإن الله لا يستجيب دعاءً من قلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 غافل لاهٍ، كما يأتي في "15 - الدعاء"، فكيف مِن قلب سفيه فاجر. وهذا يذكّرني بمثال آخر قريب منه وهو حديث أبي الدرداء، فيما يقوله إذا أصبح وإذا أمسى، وفيه (رقم 382): "كفاه الله ما أهمّه، صادقاً كان أو كاذباً"، فإنه مع ظهور نكارته بلُ بطلانه، لم يكتف بتصديره بـ (عن) مع كونه موقوفاً حتى ذهب يقوّيه بزعمه أن سبيله سبيل المرفوع!! ولست أدري -وايم الله- كيف دخل في لبّه أن الله يستجيب لمن كان كاذباً بآيات الله، غير مؤمن بها وبفضائلها، وهو لا يستجيب لمؤمن يدعوه من قلب غافل لاهٍ؟! ومما يؤكّد لك تساهله المذكور أنني رأيته صرّح في غير ما حديث واحد أن ابن لَهيعة وشهر بن حوشب حَسَنا الحديث في المتابعات، فأفاد أنهما في غير المتابعات ليسا كذلك، بل هما ضعيفا الحديث. (انظر "الصحيح" - 180 و187)، فكان الواجب تصدير حديثهما، وأحاديث أمثالهما بـ (رُوي)، لأنه الموضِّح لمرتبة أحاديثهم مرتبة لا غموض فيها ولا مواربة. ومثله في "الضعيف" رقم (19 و21). ب- تناقضه في تطبيق اصطلاحه! تناقضه في تطبيق اصطلاحه الذي شرحته في أول هذه المقدّمة، وذلك ظاهر في صوَر: الأولى: هناك أحاديث عقّب عليها بقوله: "في إسناده احتمال التحسين". ثم هو يصدِّر بعضها بـ (عن) كالحديث (185)، وتارة بـ (روي) كالأحاديث (7 و320 و377)! الثانية: يعنعن لأحاديث فيها بقيَّة بن الوليد، وهو مدلِّس معروف، لا فرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 عنده بين ما صرّح بالتحديث فيها وما عنعن، ومع ذلك رأيته قال في حديث له (رقم 640) وقد صدره بـ (عن): "وهو حديث غريب، وفيه نكارة". بل رأيته صدَّر حديثاً آخر له بـ (رُوي)، وحكى عن بعض مشايخه أنه استحسنه، ثم استبعد ذلك، فأصاب رقم (507). الثالثة: يقول في بعض الأحاديث التي يعنعنها: "إسناده مقارب، وليس في إسناده من تُرِكَ حديثه، ولا أُجْمعَ على ضعفه"، مثل الحديث (407 و587)، وإذا به يقول ذلك أو نحوه فيما صدَّره بـ (رُوي) كالحديث (594)، وآخر أوردته في "الصحيح" برقم (87)، لأن إسناده صحيح كما بينته في التعليق عليه هناك، وتارة لا يصدَّر هذا النوع بشيء، فلا يدري القارئ من أيّ النوعين هو عنده كالحديث (779) من الضعيف. الرابعة: تفريقه بين المتماثلات من الأحاديث المشتركة في العلة المقتضية للتضعيف، ذلك أنه ذكر في اصطلاحه الأول الخاص بما عنعنه منها: أن منه الحديث الذي في إسناده راوٍ مبهم. إشعاراً منه بأنه صحيح أو حسن أو قريب من الحسن، وقد رأيته صرّح بهذه المرتبة الثالثة منها في بعض الأحاديث "وسنده قريب من الحسن"، علماً بأن المبهم إنما هو الراوي الذي لم يُسَمَّ، كما يأتي عن المؤلف نفسه. وذكر في اصطلاحه الآخر الخاص بما يصدره بـ (رُوي) إشارة منه إلى تضعيفه؛ أن منه الحديث الذي في إسناده من لم يرَ فيه توثيقاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 فأقول: ومما لا يخفى على أحد له بصرٌ وفهَم في هذا العلم، أن سبب تضعيفه لهذا النوع من الإسناد؛ إنما هو لعدم معرفته حال راويه الذي لم يرَ توثيقاً فيه. وإذا كان الأمر كذلك، فإن مما لا شك فيه أن هذا السبب ينطبق على كثير من الأنواع التي أدخلها في اصطلاحه الأول، وبياناً لذلك أقول: أ- المبهم، فإنه يصدُق عليه معنى قوله المتقدم: "لم أر فيه توثيقاً" بداهة، لأنه لا سبيل إلى معرفة عينه، بلْه حاله، فهو في حكم المسمّى وهو مجهول العين، كما هو ظاهر لكل ذي عين، بل إن من لم يُوَثّق قد يكون خيراً من (المبهم)، لأن الأول قد يكون روى عنه أكثر من واحد فيكون مجهول الحال، بخلاف المبهم لما سبق. ألا ترى إلى قول المؤلف في حديث في "الصحيح" (418) فيه رجل مبهم: "رواه الطبراني، وسمّى الرجل المبهم جابراً، ولا يحضرني حاله". فإذا لم يعرفه مع أنه عرف اسمه، فبالأولى أن لا يعرفه حين لا يسمَّى، فكيف جاز له -عفا الله عنا وعنه- المغايرة بين المبهم، ومن لم يَرَ فيه توثيقاً والعلة واحدة وهي الجهالة، ولو أنه عكس لكان أقرب إلى الصواب، وبناء على هذا الاصطلاح حشر في كتابه عشرات، بل مئات الأحاديث التي في أسانيدها من لم يُسمَّ، مصدِّراً إياها بما يخْرجها عن كونها من الأحاديث الضعيفة، كالأحاديث التالية أرقامها في "الضعيف" (71 و77 و110 و486 و525 و659). ب- من قال في راويه: "لا أعرفه بجرح ولا عدالة"، وذلك لأن لازمه أنه لم ير فيه توثيقاً، فهو مجهول أيضاً عنده، فالتفريق بينهما خطأ واضح، ومن أمثلته الحديث الآتي في "الصحيح" (رقم 155)، والأحاديث الآتية في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 "الضعيف": (294 و333 و582 و601 و624)، وقد قال في راوي الحديث الأول منها: "ولا يحضرني فيه جرح ولا تعديل". وقال في راوي الحديث الأخير: "لم أقف فيه على جرح ولا تعديل، ولا أراه يُعرَف". ج - من قال فيه: "لم أقف على ترجمته"، أو: "لا يحضرني إسناده"، أو نحو ذلك كحديث (528 و585 و592 و673). وبالأَولى من قال فيه: "مجهول"، أو "لا أعرفه" كحديث (477 و486)، وفي "الصحيح" (1065 و1067). د - ما صرح بانقطاعه، وهو ما سقط منه راوٍ أو أكثر، فإنّه بمعنى الإسناد الذي فيه مبهم لم يسمَّ، فمثله مثل المجهول كما تقدم، ومن أمثلته في "الضعيف": الأحاديث (85 و87 و191 و281 و287 و371). هـ - ومثله الحديث المرسل، وهو الذي لم يذكر التابعيُّ فيه الصحابيَّ، وهو من أقسام الضعيف عند علماء الحديث، ومن أمثلته (102 و227 و281 و285 و307)، وغيرها كثير وكثير جداً. ج - روايات لا يصدّرها بما يشير إلى حالها وفيها الصحيح والضعيف والموضوع! يذكر روايات غير مصدّرة بـ (عن) أو (رُوي) مما يدل على حالها، خلافاً لاصطلاحه السابق، من ذلك في "الضعيف" الأحاديث (189 و415 و417 و645)، وهذا الأخير موضوع! وفي "الصحيح" (208 و214 و236 و272 و568 و658)، وقد يتكلّم على بعضها أحياناً ولا يُبيّن! كحديث (173 و208 - الضعيف). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 د - زيادات على الأحاديث الصحيحة يوهم ثبوتها، وهي ضعيفة! كثيراً ما يذكر زيادات على الأحاديث الصحيحة، أو روايات فيها، فيوهم بذلك أنها ثابتة كأصلها، وهي منكرة أو شاذّة، وقد يصحح بعضها، ويسكت عن أكثرها، انظر في "الضعيف" الأحاديث (141 و175 و209 و225 و230 و232 و267 و273 و274 و275 و297 و298 و317 و351 و357 و360 و387 و410 و569 و570 و627 و636 و642). هـ - تساهله في تقوية الأحاديث الضعيفة صراحة! تساهله في تقوية الأحاديث صراحة، وهي عند التحقيق ضعيفة، وهي كثيرة جداً، ولكني أشير إلى بعضها مما تيسَّر لي التعليق عليها والكشف عن عللها في المجلد الأول الذي هو على وشك التمام (1) من "الضعيف" (116 و118 و119 و426 وهذا موضوع عندي و441 و447 و473 و599). و- تضعيفه للأحاديث القوية توهماً! عكس ذلك، وهو تضعيفه للقوي من الحديث أو إعلاله إياه توهُّماً، وهو على نوعين: الأول: ما هو صحيح أو حسن لذاته، ومثاله (87 و359 و422 و445 و696 و768 و930 و1043 و1065).   (1) وقد تم كاملاً والحمد لله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 والآخر: ما هو صحيح أو حسن لغيره، فضعفه أو أعلّه نظراً إلى ذات إسناده، ولم يتنبّه إلى شواهده التي تقوّيه، كالحديث (72). وقد تكون الشواهد في الكتاب نفسه كالحديثين (91 و110)، وانظر الأحاديث (114 و188 و203 و263 و274 و358 و378 و390 و399 و401 و418 و455 و485 و529 و532 و540 و543 و554 و565 و567 و570 و573 و585 و626 و634 و676 و731 و734 و744 و811 و814 و886 و890 و897 و912 و913 و935 و962 و972 و974 و1002 و1023 و1043 و1067). ز - إعلاله الحديث توهماً. إعلاله الحديث بمن ليس فيه، أو ليس هو علته. مثاله في "الصحيح" (139 و216 و217)، وفي "الضعيف" (417 و462 و624). ح - إطلاقه العزو ومراده: خلات ما يفيده الإطلاق إطلاقه العزو لأحد الأئمة، ومراده خلافه أحياناً، كأن يعزو الحديث لأحمد، ويريد كتاب "الزهد" له، ويعزو للنسائي، ويعني "السنن الكبرى" له أو "عمل اليوم والليلة"، ويعزو للطبراني، ويعني "المعجم الأوسط" له، ومن أمثلته الحديث (111 - الضعيف) و (611 و736 - الصحيح). ومثلُ هذا الإطلاق يتعب الباحث أحياناً، لأنه ينطلق في البحث بناءً على ما تبادر له من الإطلاق، فيذهب وقته وتعبه عبثاً، لأنه يتبين له بعد جهد أنه أراد خلافه، وإنّي لأذكر أنني لما وصلت إلى "18 - كتاب اللباس/ 6 - باب" في النوبة الأخيرة من التخريج والتحقيق رأيته عزا فيه حديث ابن عباس للبخاري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وغيره، قال: "والطبراني وعنده: أن امرأة مرت على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متقلّدةً قوساً .. "، فذهب وهلي إلى أنه يعني "المعجم الكبير" للطبراني بناء على أنه المراد عند الإطلاق في اصطلاح العلماء، فرجعت أبحث فيه في مسند ابن عباس" منه في نحو مئتي صفحة من القياس الكبير من مخطوطة الظاهرية، فلم أعثر عليه، فأعدت الكرة، ولكن دون جدوى، ثم رجعت إلى بطاقات الفهرس الذي أنا في صدد وضعه لـ "المعجم الأوسط" للطبراني، فسرعان ما وجدته فيه، والحمد لله. ط - عزوه الحديث لغير صحابيه عزوه الحديث لصحابي، وهو لغيره، والأمثلة على ذلك كثيرة، فانظر في "الصحيح" (125 و138 و141 و175 و234 و376 و406 و434 و439 و445 و511 و594 و599 و635 و816 و942 و970)، وفي "الضعيف" (267). ي - التقصير في التخريج التقصير في التخريج، وذلك بأن يكون الحديث في "الصحيحين" أو أحدهما، فيعزوه إلى بعض أصحاب السنن أو غيرهم من الأئمة المشهورين، دونهما، أو يكون الحديث عند هؤلاء الأصحاب وغيرهم، فيعزوه إلى من هو دونهم شهرة وطبقة وتحرِّياً، وكل هذا غير سائغ عند أهل الحديث، لما يعطي العزو لـ "الصحيحين" من القوة للحديث، والثقة بضبط لفظه، وإتقان روايته، وسلامته من الشذوذ والعلة القادحة؛ لاشتراطهما الصحة في كتابيهما بأعلى مراتبها، ثم يليهما "السن الأربعة" وغيرها مع اعتناء العلماء بها شرحاً ونقداً وفقهاً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وسهولة الرجوع إليها عند الحاجة، وكل هذا مما لم يتيسّر للحافظ المنذري التزامه على الوجه الأكمل؛ بل إنه أخلّ به، ويمكن حصر ذلك في صور: الأولى: ما كان في "الصحيحين" أو أحدهما، فعزاه إلى غيرهما، ومن الأمثلة على ذلك الأحاديث: (281 و283 و300 و394 و440 و561 و692 و712 و881 و910 و953)، وغيرها، ولذلك لم يوردها النبهاني في كتابه "إتحاف المسلم فيما ورد في الترغيب والترهيب من أحاديث البخاري ومسلم"؛ اغتراراً منه بالمؤلف رحمه الله. الثانية: يكون الحديث من المتفق عليه بين الشيخين، فيعزوه لأحدهما، مثاله الأحاديث: (58 و96 و1061)، وقلّده في ذلك كله النبهاني في "إتحاف المسلم"، بل والحافظ ابن حجر في جُلِّها في "الانتقاء"! الثالثة: يكون الحديث في "السنن" أو غيرها، فيعزوه إلى من هو دونهم، كالأحاديث: (57 و60 و129 و201 و223 و388 و545 و563 و620 و635 و636 و712 و758 و839 و846 و857 و866 و911 و930 و982 و1005 و1013 و1061). وقد يكون أحياناً إسناد الذي عزاه إليه معلولاً، والذي لم يعزه إليه سالماً من العلة، ومن أمثلته الأحاديث: (388 و392 و399 و572). ك - الخطأ في التخريج الخطأ في التخريج، وذلك بأن يعزو الحديث للبخاري، أو مسلم، أو غيرهما، ويكون ذلك خطأ محضاً، ومن أمثلته في "الصحيح" (125 و175 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 و278 و364 و520 و561 و761 و809 و863 و993 و1024 و1054)، وقلَّده في غالبه النبهاني! وفي "الضعيف" (27 و184 و210 و212 و343 و351 و422). تلك هي الخطوط العريضة للأخطاء الهامّة التي وقعت للحافظ المنذري رحمه الله في كتابه: "الترغيب والترهيب"، مع ذكر بعض الأمثلة المتيسِّرة لها من المجلد الذي تم طبعه من "صحيحه"، ثم من "ضعيفه"، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وهناك أوهام أخرى كثيرة، من أنواع متفرقة عديدة، لا ضرورة إلى تصنيفها والتمثيل لها، فإنها ظاهرة في التعليقات التي وضعتها على الكتابين، لا سيّما وقد ذكرت الكثير منها في فهرست كل واحد منهما. 41 - الاستفادة من كتاب "العجالة" للشيخ الناجي ولا بدّ لي هنا من الإشارة بأنني استفدت كثيراً في التنبيه على هذه الأوهام المشار إليها آنفاً وغيرها من كتاب الحافظ العلامة الشيخ إبراهيم الناجي الحلبي الدمشقي -رحمه الله- (1)، الذي سماه في مقدمته إياه بـ "عجالة الإملاء المتيسِّرة من التذنيب، على ما وقع للحافظ المنذري من الوهم وغيره في كتابه: (الترغيب والترهيب) .. " وهو -لعَمر الله- كتاب هامّ جداً، دلّ على أن مؤلفه رحمه الله كان على قدر عظيم من العلم، وجانب كبير من دقة الفهم، جاء فيه   (1) هو إبراهيم بن محمد أبو إسحاق الحلبي الشافعي، توفي سنة 900 هـ، وكتابة المذكور يدل على أنه كان واسع الاطلاع على كتب الحديث وطرقه، وهو من تلاميذ الحافظ ابن حجر رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 بالعجب العجاب، طرّزه بفواثد كثيرة تَسُرُّ ذوي الألباب، قلّما توجد في كتاب، وقد قال هو نفسه فيه، وصاحب البيت أدرى بما فيه: "فهذه نُكَت قليلة، لكنها مهمة جليلة، لم أُسْبَقْ إليها، ولا رأيت من تنبّه لها ولا نبّه عليها، جعلتها كالتذنيب، على ما وقع للإمام العلامة الحافظ الكبير زكي الدين المنذري -رضي الله عنه- من الوهم والإيهام، في كتابه الشهير المتداول ... ". 42 - أدب الحافظ الناجي في نقده لـ "الترغيب" ومع أنه كان في نقده للكتاب وتحريره إياه دؤوباً، صبوراً، وفي أسلوبه أديباً لطيفاً، فقد وجدته في بعض المواطن قد ضاق به ذرعاً، وعِيلَ صبره من كثرة ما رأى فيه خطأ ووهماً، وعالج فيه تنبيهاً ونقداً، حتى تمنى أن لا يكون أتعب نفسه في نقده، وقد أشرت إلى شيء من ذلك في التعليق على الحديث (69 - "من نفّس عن مؤمن كربة ... ")، فقال بعد أن فَرَغ من بيان اضطراب المنذري في تخريجه ومآخذه عليه في نحو صفحتين كبيرتين (16 - 17): 43 - وصف الحافظ للكتاب، وشكواه من كثرة أوهامه "فانظر إلى ما قررته مفصّلاً، وإلى ما وقع له في هذه المواضع، تتحقّق أن غالب هذا الكتاب على هذا المنوال، وأنه لا يقدر الطالب أن ينقل منه شيئاً تقليداً له، واغتراراً به، وإنما هو بالمعنى. ولو صنعه الشخص من أصله كان أسهل عليه من تتبعه وتحريره؛ لمشقة تكرار التنبيه، وعسْر مراجعة الأصول المستمدّ منها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وليت أكثره متيسِّر، لا سيّما بعدما كتبت هذا، ولم يبقَ للإلحاق مجال كما ترى، مع ضيق الوقت، وعدم الفراغ، وكثرة الشواغل. فهذا حديث واحد فيه ما ترى، فضلاً عن الكتاب كله، وليتني لم أتعب فيه قديماً ولا حديثاً، ولكن قدر ذلك للقيام بما أخذ عليّ من البيان والنصح، ووجب، ومن وقف على ما في "الأحكام" للمحب الطبري من الأوهام، والعزو المتكرر إلى "الصحيحين" أو أحدهما أو غيره؛ رأى غاية العجب". قلت: ولا غرابة في ذلك، فإنه من طبيعة البشر، الذي فرض عليه -لحكمة بالغة- أن يخطئ ليتطهّر، ولذلك قيل: "كم ترك الأول للآخر". ولهذا جاءت النصوص الكثيرة عن أئمتنا تترى؛ أنهم بشر يصيبون مرات ومرات، ويخطئون مرة وكرة وأخرى، وأن على الأتباع أن يتّبعوا الصواب حيثما كان، وأن يدَعوا الخطأ مع من كان، إذا ما ظهر وبان؛ كما كنت ذكرت كلماتهم في ذلك في مقدمة "صفة صلاة النبي" عليه الصلاة والسلام. 44 - تأريخ الوقوف على مخطوطة "العجالة"، واقتطاف فوائده وقد كنت وقفت على نسخة مخطوطة من "العُجالة" في المكتبة المحمودية في المدينة المنورة، يوم كنت فيها أستاذاً لمادة الحديث في الجامعة الإسلامية، ما بين سنة 1381 إلى نهاية سنة 1383 هـ، فأعجبني جداً غزارة علمه، وسعة اطلاعه، وكثرة فوائده، فكنت أتردد على المكتبة، كلما سنحت لي الفرصة، أنهل من علمه، وألتقط من ملاحظاته وفوائده، وأقيّد ما لا بد منها على حاشية نسختي من "الترغيب والترهيب" التي كنت ألقي الدروس منها في سورية كما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 سبق، وبقي في النفس حسرة أن لم أتمكن من دراسة الكتاب كله، والاستزادة من غرره وفوائده. فلما كنت -منذ بضع سنين- في طريقي إلى العمرة أو الحج، وجدت في مكتبة الجامعة نسخة مصورة منه، عن المخطوطة المذكورة، ففرحت بها فرحاً بالغاً، لا سيما حين علمت أن في المكتبة شريطاً عنا (مكروفلم)، فتفضّل الشيخ عبد المحسن العباد نائب رئيس الجامعة يومئذ، فأمر بأن يقدِّموا إلي نسخة مصوَّرة منها، جزاه الله خيراً، فاستصحبتها معي إلى دمشق، لدراستها من جديد. فلمَّا تكاملت عندي أسباب نشر "الترغيب والترهيب" في ردائه الحديث القشيب، وقسميه: "الصحيح" و"الضعيف"، أخذت في دراسته دراسة جيدة، فالتقطت منه فوائد عديدة جديدة، وعلّقتها على النسخة التي جهّزتها من "الترغيب" لتقدَّم إلى المطبعة، غير متوسع في ذلك؛ خشية أن يصير حجم كل من القسمين كبيراً، فنعجز عن القيام بطبعهما، والإشراف على تصحيح تجاربهما، والإنفاق عليهما، لا سيّما في هذه الظروف الحرجة التي ارتفعت فيها أسعار الورق، وغلت أجور الطباعة؛ الأمر الذي حملني على التقليل من التعليقات المهمّة التي تكشف عن علل الأحاديث الضعيفة التي قوّاها المنذري -رحمه الله-، أو رمز لها بـ (عن)، والإعراض عن ذكر الشواهد والمتابعات للأحاديث التي ضعّفها، وعن ذكر كثير من النُّكَت والفوائد التي عنّت لي، أو وقفت عليها في كتاب الحافظ الناجي، فقنعت بالنزر اليسير منها، وفيها البركة والخير الكثير إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 45 - العناية بالكتاب عناية خاصة لم نُسبق إليها ومع هذا الذي أشرت إليه من الاستفادة من كتاب الحافظ الناجي رحمه الله تعالى، فإني أحمده عز وجل، أن وفقني للقيام بواجب لم أسبق إليه فيما علمت، ألا وهو العناية بكتاب "الترغيب والترهيب" عناية خاصة من زاوية أخرى لم يلتفت إليها الحافظ إلا قليلاً جداً، وهي تمييز صحيحه من سقيمه، وحسنه من ضعيفه، وتتبُّع أوهامه في ذلك على ما أسلفنا بيانه، وإخراجه إلى الناس في كتابين مستقلين: "صحيح الترغيب والترهيب"، و"ضعيف الترغيب والترهيب"، الأول منهما للتديُّن والعمل به، والآخر لمعرفته والابتعاد عن روايته ونسبته إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لكي لا يقع القارئ في محذور الكذب على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما سبق شرحه، فإن هذا التمييز هو الغاية من علم الحديث وتراجم رجاله. وإني لأعلم أن كثيراً من الناس يكتفون بالكتاب الأول منهما، ويقولون: ما لنا وللأحاديت الضعيفة، حسبنا أن نتعرف على الأحاديث الصحيحة! وهذا وإن كان يكفي عامة الناس، فإنه لا يليق بأهل العلم، والشباب المثقف الداعي إلى الله عز وجل، فهؤلاء لا بد لهم من العناية بموضوع الكتاب الآخر، وأن يستعينوا به وبأمثاله على معرفة الأحاديث الضعيفة، التي قد يقرؤونها في كتاب، أو يسمعونها في خطاب، وما أكثرها في كل باب. ولعلهم يعلمون جيداً أنه لا يلزم من معرفة الأحاديث الصحيحة، التعرف على الأحاديث الضعيفة، كما لا يلزم من معرفة الخير، التعرف على الشر، على حد قول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "كان الناس يسألون رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 مخافة أن يدركني ... " الحديث. أخرجه البخاري وغيره. ومنه قول الشاعر: عرفتُ الشرُّ لا للشرِّ لكنْ لتوقِّيهِ ومَن لا يعرِفِ الشرَّ ... مِن الخيرِ يَقَعْ فيهِ ولهذا فلا بد لهؤلاء الذين أشرنا إليهم من الاستعانة بالكتابي معاً، وغيرهما مما هو في معناهما على معرفة الصحيح والضعيف من الحديث، فإن كُلاً منهما متمَّم للآخر، ولا يُستغنى بأحدهما عن الآخر. 46 - تقويم كتاب "المنتقى من الترغيب والترهيب" للحافظ والمعلق عليه واعلمْ أن مما شجعني على نشرهما؛ أنني رأيت الكتاب المطبوع تحت عنوان: "الترغيب والترهيب" انتقاء الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ... حقق أصوله، وعلّق عليه العالم الشهير الجليل الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي والفاضلان: عبد الحميد النعماني ومحمد عثمان الماليكانوي. فإني أذكر أنني لما وقفت عليه، وكان ذلك قبل نحو عشر سنين، أقبلت عليه فرحاً مسروراً، آملاً أن أجد فيه ما يساعدني على تحقيق ما أنا في صدده من "الصحيح" و"الضعيف"، راجياً أن أرى أثر علم مؤلفه بادياً فيه، ومعنى (الانتقاء) ظاهراً عليه، كيف لا وهو الحافظ ابن حجر، الإمام الذي ملأ صيته السهل والوعر، وكل مكان، بتحقيقاته الرائعة على الأحاديث النبوية في كل فن وباب، مثل "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" الذي قيل فيه: "لا هجرة بعد الفتح"، و"التلخيص الحبير"، و"بلوغ المرام"، وغيرها كثير من كتبه النافعة، التي قلّ ما يوجد فيها حديث إلا وقد بيّن مرتبته، ونادراً ما يسكت عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الضعيف منها، حتى قيل بحق: إنه أمير المؤمنين في الحديث. ومما زادني رغبة في الإقبال عليه، أن محققه الفاضل الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، قد صرّح في كلمته التي قدّم له بها أن كتاب "الترغيب والترهيب" للحافظ المنذري وإن كان خالياً من الأحاديث الموضوعة (!)، لكنه يحمل عدداً كبيراً من الأحاديث الضعيفة. ثم إنه أشعر القراء بأن كتاب "المنتقى" لابن حجر ليس فيه شيء من ذلك، فقال: "فاختصر الحافظ كتاب المنذري في قدر ربع الأصل، وانتقى منه ما هو أقوى إسناداً، وأصح متناً"! من أجل ذلك بادرت يومئذ إلى تصفّح الكتاب، وتقليب صفحاته، لتحقيق ما رجوت فيه، وما أشعَرَ به كلام الشيخ الأعظمي، فإذا بي أُصاب بخيبة شديدة، إذ أُفاجأُ بأنه -كأصله- فيه أحاديث ضعيفة، وان كان بنسبة أقل؛ لصغر حجمه، وأنه ليس منتقى منها! ولما فرغتُ من تحقيق "الترغيب والترهيب"، وجَعْلهِ على قسمين: "الصحيح" و"الضعيف"، قابلت بعض أحاديثهما، بأحاديث "الانتقاء"، فتأكدت مما ذكرته آنفاً أنه ليس كما ذكر الأعظمي! بل وانكشف لي بهذه المقابلة أن صاحب "المنتقى" قد انطلى عليه كثير من الأوهام التي وقع فيها المنذري رحمهما الله تعالى. وبياناً لما ذكرتُ أشير إلى بعض الأحاديث الضعيفة التي وقعت في "الانتقاء" مقرونة بأرقامها فيه، وبجانب كل رقم منها رقمه في "الضعيف" عندي، ثم أُتبع ذلك بذكر بعض الأوهام المشار إليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 أما الأحاديث الضعيفة فإليك أرقامها في "الانتقاء" و"الضعيف" حسبما بيّنت آنفاً: فمن "كتاب السنة" (15 = 29 و20 = 36 و22 = 42). ومن "كتاب العلم": (34 = 80 و35 = 48 و36 = 49 و38 =54 و43 = 86). ومن "كتاب الطهارة" (60 = 149). ومن "كتاب الصلاة" (99 = 213 و105 = 223 و111 =230 و129 =263 و130 =260 (موضوع) و131 = 259 و134 = 272 (فيه خطأ في الاسم) و138 = 273 و274). ومن "كتاب النوافل": (158 =324 و159 = 328 و160 = 331 (ضعيف جداً) و175 = 363 (مرسل) و187 =418 موضوع). ومن "كتاب الجمعة": (197 = 426 (موضوع) و199 = 428 (أعلّه ابن حجر). ومن "كتاب الصدقات": (212 =457 و214 = 462 و220 = 480 و221 = 485 و238 = 499 و239 =501 و242 =502 (ضعيف جداً) و247 =506 و254 = 513 و256 = 523 و257 = 526 (ضعيف جداً) و271 =543 و272 =545 و279 = 553 (موضوع) و281 = 556 و289 =570). ومن "كتاب الصوم": (291 = 599 و293 = 583 و294 =605 و298= 574 و302 = 612 و305 = 616 و307 = 617 و308 =619 و الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 322 = 645 (موضوع) و328 = 647 (موضوع) و333 =649 و334 = 650 و337 = 657 و658 و340 =661) موضوع) 342 = 664). ومن كتاب "العيدين والأضحية": (348 = 683). ومن كتاب "الحج": (361 =754 و365 =710 و370 =759 و378 = 731 و381 =742 و383 =745 و398 = 766 و399 (1) = 768 و404 = 772 و406 = 773). ومن كتاب "الجهاد": (410 = 815 و411 = 816 و435 =805 و451 = 854 و473 = 841) (2). ... هذا، وقد كان في أصلنا الذي اعتمدناه من "الترغيب" (الطبعة المنيرية كما تقدم) كثير من الأخطاء العلمية والحديثية، وقد يكون بعضها أو كثير منها من أصل المؤلف نفسه -رحمه الله-، وكذلك وجدت فيه كثيراً من التحريف والسقط، فضلاً عن الأخطاء المطبعية، التي لا يخلو منها كتاب، حاشا كتاب رب الأرباب، فصححت واستدركت ما عثرت عليه منها، إذ لم يكن من خطتي تقصُّد الكشف عنها، وتصفية النسخة منها كلها، لأن هذا -مع أهميته- شيء آخر غير الذي قصدت إليه، وليس عندي من الوقت ما   (1) وقع في "الانتقاء": "عن عمرو روي عن أنس"، والصواب: "وروي عن أنس"؛ كما في "الترغيب". (2) إلى هنا انتهى سابقاً تتبع الأحاديث الضعيفة بأرقامها من كتاب "الانتقاء" للحافظ ابن حجر مقرونة بأرقامها في "ضعيف الترغيب" الذي لم يُتح لنا إخراجه آنذاك، فانتظره قريباً إن شاء الله مع تمام "صحيح الترغيب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 يمكِّنني من التزامه، والتفرغ له (1)، إذ إنّ الذي نذرت له نفسي لخدمة هذا الكتاب إنما هو تمييز صحيحه من ضعيفه -كما شرحت ذلك في أول هذه المقدمة- لأنه أهم شيء عندي بعد كتاب الله -تبارك وتعالى-، ولا يصح بوجه من الوجوه أن يُقرن معه إلا ما صح من الحديث عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنه هو الأصل الثاني الذي أجمعت عليه الأمة، وعلى هذا فإذا وُجِد شيء من الأخطاء في مشروعي هذا تبعاً لأصله، فعذري هذا الذي ذكرت، والعذر عند كرام الناس مقبول. ثم إنني لم أتقصَّد التنبيه في الحاشية على كل ما صححته من الأخطاء والأوهام، وما استدركته من الجمل والكلام، ولا سيّما إذا تكرر شيء من ذلك في الصفحة الواحدة؛ لكي لا أُثقل على الحاشية وأكثِّر سوادها، كما يفعل بعض المحققين -زعموا- وإنما نبّهت على شيء منه أحياناً لضرورة أو حاجة، كما ترى مثلاً في حاشية الصفحة (124 و125) من المجلد الأول من "الصحيح"، والحاشية (ص 21 و39) من الأول من "الضعيف" وغيرهما. محمد ناصر الدين الألباني   (1) انظر (ص 15) من مقدمة الطبعة الجديدة هنا و (ص 11) من مقدمة "ضعيف الترغيب والترهيب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 صَحِيحُ التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 [1 - كتاب الإخلاص] (1) 1 - (الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة) 1 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "انطلقَ ثلاثةُ نفرٍ ممن كان قبلكم، حتى آواهمُ المبيتُ إلا غارٍ، فدخلوه، فانحدَرَت صخرةٌ من الجبل، فَسَدَّتْ عليهم الغارَ، فقالوا: إنه لا يُنجيكم من هذه الصخرةِ إلا أن تدعُوا الله بصالحِ أعمالِكم. فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوانِ شيخانِ كبيرانِ، وكنت لا أغبُقُ قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى (2) بي طلبُ شجرٍ يوماً فلم أُرِحْ (3) عليهما حتى ناما، فحلبتُ لَهما غَبوقَهما، فوجدتُهما نائمين، فكرهتُ أن أغبُقَ (4) قبلَهما أهلاً ولا مالاً، فلبثتُ والقَدَحُ على يدي، أنتظر استيقاظهما، حتى بَرَقَ الفجرُ، (زاد بعض الرواةُ: والصبيةُ يتضاغَوْن عند قَدَميَّ)، فاستيقظا، فشربا غَبوقَهما، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك ففرِّجْ عنا ما نحنُ فيه من هذه الصخرةِ، فانْفَرَجَتْ شيئاً لا يستطيعون الخروجَ، -قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.   (1) هذا العنوان زيادة من "مختصر الترغيب" للحافظ ابن حجر العسقلاني. (2) أي: بعُد .. (3) بضم الهمزة وكسر الراء يقال: راحت الإبل وأرحتها أنا؛ إذا رددتها إلى المراح بضم الميم، ورواحها أن تأوي بعد غروب الشمس إلى مراحها الذي تبيت فيه. (4) أي: أن أسقى، كما يأتي عند المصنف في آخر الحديث. الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 قالَ الآخرُ: اللهم كانتْ لي ابنةُ عم كانت أحبُّ الناس إلي، فأَرَدْتُها عن نفسها، فامتنعتْ مِني، حتى أَلَمَّتْ بها سَنَةٌ من السنين، فجاءتني، فأَعطيتُها عشرين ومئة دينارٍ، على أن تُخلِّيَ بيني وبين نَفسِها، فَفَعلتْ، حتى إذا قَدَرْتُ عليها قالت: لا أُحِلُّ لك أنْ تَفُضَّ الخاتمَ إلا بحقِّه، فتخرّجْتُ من الوقوع عليها، فانصرفتُ عنها وهي أحبُّ الناسِ إليّ، وتركتُ الذهبَ الذي أعطيتُها، اللهم إنْ كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك فافرُجْ عنَّا ما نحن فيه، فانفرجتِ الصخرةُ، غير أنهم لا يستطيعون الخروجَ منها، -قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:- وقال الثالثُ: اللهم إني استأجرتُ أُجَراء، وأعطيتُهم أجرَهم، غيرَ رجلٍ واحدٍ، تَرك الذي له وذَهَبَ، فثمَّرتُ أجرَه، حتى كثُرَتْ منه الأموالُ، فجاءني بعد حين، فقال لي: يا عبدَ الله أدِّ إليَّ أجري. فقلتُ: كلُّ ما ترى من أجرِك؛ من الإبل والبقر والغنم والرقيق! فقال: يا عبدَ الله! لا تَسْتَهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئُ بك، فأخذه كلَّه، فاستاقه، فلم يتركْ منه شيئاً. اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهِكَ فافرُجْ عنا ما نحن فيه، فانفرجتِ الصخرةُ، فخرجوا يمشون. وفي رواية: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "بينما ثلاثةُ نفرٍ ممن كان قَبلكم يمشون، فأصابهم مطرٌ، فأوَوْا إلى غارٍ، فانطبقَ عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنه واللهِ يا هؤلاءِ لا يُنجيكم إلا الصدقُ، فليدْعُ كلُّ رجلٍ منكم بما يعلم أنه قد صَدَقَ فيه، فقال أحدُهم: اللهم إنْ كنتَ تعلمُ أنه كان لي أجيزٌ، عمِلَ لي على فَرَقِ من أرزٍّ، فذهب وَتَرَكه، وأني عَمَدْتُ إلى ذلك الفَرَق فَزَرَعْتُه، فصار من أمرهَ إلى أن اشتريتُ منه بقراً، وأنَّه أتاني يطلبُ أجرَه، فقلتُ له: اعمِدْ إلى تلك البقرِ؛ فإنها من ذلك الفَرَقِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 فساقها، فإنْ كنتَ تَعلمُ أنّي فعلتُ ذلك من خشيتِكَ ففرِّجْ عنا، فانساحَتْ عنهم الصخرةُ"، فذكر الحديث قريباً من الأول. رواه البخاري ومسلم والنسائي. 2 - (2) [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة باختصار، ويأتي لفظه في [ج 2/ 22 - البر/1] "بر الوالدين" إنْ شاء الله تعالى. قوله: "وكنت لا أغبقُ قبلهما أهلاً ولا مالاً". (الغَبوق): بفتح الغين المعجمة هو الذي يشرب بالعشي، ومعناه كنت لا أقدّم عليهما في شرب اللبن أهلاً ولا غيرهم. (يَتضاغون) (1): بالضاد والغين المعجمتين، أي: يصيحون من الجوع. (السَّنَة): العام القحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئاً سواء نزل غيث أم لم ينزل. (تفضّ الخاتم): هو بتشديد الضاد المعجمة، وهو كناية عن الوطء. (الفَرَق): بفتح الفاء والراء مكيال معروف. (فانساحت) (2): هو بالسين والحاء المهملتين، اْي: تَنَحَّتِ الصخرة وزالت عن فم الغار.   (1) من (الضغاء) بالمد، وهو الصياح. (2) قال الناجي في "عُجالة الإملاء: "هذه اللفظةُ رويتْ بالخاء العجمة، وتُروى أيضاً (انصاخت) بالصاد مع الخاء أيضاً"، لكنْ أنكر الخطابي (انساخت) بالعجمة، لأن معنى ساخ: دخل في الأرض وغاب فيها، وألفها منقلبة عن واو. وصوَّب (انساحت) بالحاء المهملة، وتبعه ابن الأثير والمصنف. أي: اندفعت واتسعت، ومنه ساحة الدار. الحديث: 2 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 3 - (3) [صحيح] وعن أبي فراس -رجلٌ من أسلم- قال: نادى رجل فقال: يا رسول الله! ما الإيمان؟ قال: "الإخلاص". وفي لفظ آخر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سلوني عما شئتم". فنادى رجل: يا رسول الله! ما الإسلام؟ قال: "إقامُ الصلاةِ، وإيتاء الزكاة". قال: فما الإيمان؟ قال: "الإخلاصُ". قال: فما اليقين؟ قال: "التصديقُ". رواه البيهقي، وهو مرسل. (1) 4 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخُدري عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنّه قال في حجة الوداع: "نَضَّرَ (2) اللهُ امرءاً سمع مقالتي فَوَعاها، فَرُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيه،   (1) كذا قال! ومعناه أن (أبا فراس الأسلمي) لا صحبة له. وهذا مما لا قائل به، بل هو مذكور في الصحابة دون خلاف أعلمه، وإنما اختلفوا هل هو (ربيعة بن كعب الأسلمي) أم غيره؟ رجح الثاني ابن عبد البر وابن حجر، وعليه فالحديث متصل ورجاله كلهم ثقات، فالإسناد صحيح، وإن من جهل المعلقين الثلاثة تصريحهم بتضعيف الحديث، وأعلوه بقولهم: "وفيه راوٍ مبهم"! وهذا من بواقعهم؛ فإنه لا يقال في الراوي: "مبهم" إلا إذا لم يسمّ أو يكنّ!! (2) قال في "النهاية": "نَصَّرَه ونضَّره وأنضَره. أي نعمه: ويروى بالتخفيف والتشديد، من النضارة، وهي في الأصل حسن الوجه والبريق، وإنما أراد حسن خلقه وقدره". الحديث: 3 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ثلاثٌ لا يُغَلُّ (1) عليهن قلبُ امرئٍ مؤمنٍ: إخلاصُ العمل لله، والمناصحةُ لأئمة المسلمين، ولزومُ جماعتِهم، فإنَّ دعاءهم يُحيطُ من ورائهم". رواه البزار بإسناد حسن. 5 - (5) [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث زيد بن ثابت، ويأتي في "سماع الحديث" إنْ شاء الله تعالى. قال الحافظ عبد العظيم: "وقد روي هذا الحديث أيضاً عن ابن مسعود، ومعاذ بن جبل، والنعمان بن بشير، وجبير بن مطعم، وأبي الدرداء، وأبي قرصافة جندرة بن خيشنة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، وبعض أسانيدهم صحيح (2) ". 6 - (6) [صحيح] وعن مُصعَب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه: أنّه ظن أنّ له فضلاً على من دونه (3) من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنما يَنصرُ اللهُ هذه الأمةَ بضعيفِها؛ بدعوتِهم وصلاتِهم وإخلاصِهم". رواه النسائي وغيره، وهو في البخاري وغيره دون ذكر الإخلاص. 7 - (7) [صحيح لغيره] وعن الضحاك بن قيس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله تباركَ وتعالى يقول: أنا خيرُ شريكٍ، فمن أشركَ معي شريكاً   (1) هو من (الإغلال): الخيانة في كل شيء: يُروى (يَغلُّ) بفتح الياء من (الغل) وهو الحقد والشحناء، أي: لا يدخله حقد يزيله عن الحق، ورُوي: (يغل) بالتخفيف، و (عليهن) في موضع الحال تقديره: لا يغل كائناً عليهن قلب مؤمن. (2) قلت: وهو كما قال، وقد ساق أكثر طرقه الحافظ ابن عبد البَرّ في "جامع بيان العلم" (1/ 238 - 242)، وسيأتي الحديث عن بعضهم في (3 - العلم/2 - الترغيب في سماع الحديث). (3) أي: في المغنم. الحديث: 5 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 فهو لشريكي، يا أيها الناسُ أَخْلِصوا أعمالَكم؛ فإن الله تبارك وتعالى لا يقبل من الأعمالِ إلا ما خَلُصَ له، ولا تقولوا: هذه لله وللرحمِ؛ فإنها للرحمِ، وليس لله منها شيءٌ، ولا تقولوا: هذه للهِ ولوجوهكمَ؛ فإنها لوجوهكم، وليس لله منها شيءٌ". رواه البزار بإسناد لا بأس به، والبيهقي (1). قال الحافظ: "لكن الضحاك بن قيس مختلف في صحبته". 8 - (8) [حسن] وعن أبي أمامة قال: جاء رجلٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أرأيتَ رجلاً غزا يلتمسُ الأجْرَ والذِّكْرَ؛ ما لَهُ؟ فقال رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا شيءَ له"، فأعادها ثلاث مِرارٍ، ويقولُ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا شيء له"، ثم قال: "إن الله عز وجل لا يَقبلُ من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتُغيَ به وجهُهُ". رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد (2)، وستأتي أحاديث من هذا النوع في "الجهاد" إن شاء الله تعالى.   (1) قلت: لكن قال الهيثمي في رواية البزار: "وفيه إبراهيم بن مجشر، وثقه ابن حبان وغيره، وفيه ضعف". قلت: لكن تابعه سعيد بن سليمان الواسطي، وهو ثقة، وقفت عليه في بعض المخطوطات، فبادرت إلى إخراجه في "سلسلة الصحيحة" برقم (2764)، ولذلك نقلته من "ضعيف الترغيب" إلى هنا، وهو من فوائد هذه الطبعة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. (2) وهو كما قال، لكن عزوه إلى أبي داود وهْم، فإنه لم يروه في "سننه" كما يدل عليه صنيع أبي البركات في "المنتقى"، والعراقي في "تخريج الإحياء"، والنابلسي في "ذخائر المواريث". الحديث: 8 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 9 - (9) [حسن لغيره] وعن أبي الدرداءِ عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الدنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها إلا ما ابتُغِيَ به وجهُ الله". رواه الطبراني بإسناد لا بأس به. (1) ( فصل ) 10 - (10) [صحيح] عن عُمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إِنما الأعمال بالنِّيَّة، -وفي رواية: بالنَيَّاتِ-، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسولِهِ، ومن كانتْ هجرته إلى دنيا يُصيبُها، أو امرأةٍ يَنكِحُها، فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنَّسائي (2). قال الحافظ: "وزعم بعض المتأخرين أن هذا الحديث بلغ مبلغَ التواتر، وليس كذلك؛ فإنه انفرد به يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التَّممي (3)، ثم رواه عن الأنصاري خلق كثير، نحو مئتي راوٍ، وقيل: سبعُ مئة راوٍ، وقيل: أكثر من ذلك. وقد روي من طرق كثيرة غير طريق الأنصاري، ولا يصح منها شيء. كذا قاله الحافظ علي بن المديني وغيره من   (1) كذا قال، وفيه من لا يعرف، لكن له شواهد يتقوى بها، وهو مخرج في "الصحيحة" (2797). ومن جهل المعلقين الثلاثة أنهم صدروه بقولهم: "حسن"، ثم أعلوه بما نقلوه عن الهيثمي أنه قال: "رواه الطبراني، وفيه خداش بن المهاجر، ولم أعرفه"!! (2) قلت: وكذا قال المؤلف في "إخلاص النية في الجهاد" (12 - الجهاد/ 10)، وهو يوهم أن ابن ماجه لم يروه، وليس كذلك، فقد أخرجه في "الزهد" رقم (4227). (3) قلت: وهو رواه عن علقمة بن أبي وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب، فالحديث ليس متواتراً، بل هو مشهور. الحديث: 9 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الأئمة. وقال الخطابي: لا أعلم في ذلك خلافاً بين أهل الحديث. والله أعلم (1) ". 11 - (11) [صحيح] وعن عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يَغْزُو جيشٌ الكعبة، فإذَا كانوا ببيداءَ من الأرضِ، يُخسَفُ بأولِهِم وآخرهم". قالتْ: قلتُ: يا رسولَ اللهِ! كيفَ يُخسَفُ بأوَّلِهِم وآخرِهِم وفيهم أسواقُهم (2)، ومَن ليسَ مِنهم؟ قال: "يُخسفُ بأولِهم وآخرِهم، ثم يُبْعَثُونَ على نِيّاتِهم". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 12 - (12) [صحيح] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رجعنا من غزوة تبوك مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "إن أقواماً خَلْفَنَا (3) بالمدينة، ما سَلَكْنا شِعْباً (4) ولا وادياً إلاَّ وهم معنا، حَبَسَهم العُذرُ".   (1) قلت: وهو من أحاديث الآحاد الصحيحة التي اتفق العلماء على صحتها، وتلقته الأمة بالقبول كما في "شرح الأربعين" للحافظ ابن رجب، فهو يفيد العلم واليقين، خلافًا لما يجهر به بعض الكتاب اليوم: بن أحاديث الآحاد مطلقاً لا تفيد العلم، فإن هذا القول على إطلاقه باطل، دون شك ولا ريب، وبيانه في رسالتي "وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة". ورسالتي الأخرى "الحديث حُجة بنفسه في العقائد والأحكام". وهما مطبوعتان. (2) جمع (سوق): وهي موضع البياعات، والتقدير: أهل أسواقهم الذين يبيعون ويشترون كما في المدن. وفي الأصل: "قدر نياتهم"، وهو خطأ. وانظر كتابي "مختصر البخاري - البيوع". (3) بإسكان اللام أي: وراءنا. قال الحافظ ابن حجر: "وضبطه بعضهم بتشديد اللام وسكون الفاء". (4) بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة بعدها موحَّدة: طريقاً من الجبل. و (الوادي): كل مُنْفَرَجٍ بين جبال أو آكام يكون منفذاً للسيل. الحديث: 11 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 رواه البخاري وأبو داود، ولفظه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لقد تركتُم بالمدينةِ أقواماً ما سِرتُم مَسيراً، ولا أنفقتُم مِن نَفَقَةٍ، ولا قَطَعتُم من واد إلاَّ وهم معكم". قالوا: يا رَسولَ الله! وكيف يَكونونَ معنا وهم بالمدينةِ؟ قال: "حَبَسَهُم المرضُ". 13 - (13) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنما يُبعث الناسُ على نِيَّاتِهم". رواه ابن ماجه بإسناد حسن. 14 - (14) [صحيح لغيره] ورواه أيضاً من حديث جابر؛ إلا أنه قال: "يُحْشَرُ الناسُ". 15 - (15) [صحيح] وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله لا ينظرُ إلى أجسامِكم، ولا إلى صورِكم، ولكنْ ينظرُ إلى قلوبِكم [وأشار بأصابِعه إلى صدره]، [وأعمالكم] (1) ". رواه مسلم. 16 - (16) [صحيح لغيره] وعن أبي كَبْشَةَ الأنماريّ رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ثلاثٌ أُقسِمُ عليهن، وأُحدِّثُكم حديثاً فاحْفظوه، -قال:- ما نقص مالُ عبدٍ من صدقةٍ، ولا ظُلم عبدٌ مَظلمةً صبرَ عليها إلا زادَه الله   (1) قلت: زيادتان من "صحيح مسلم" (8/ 11)، والأخرى في رواية له، ولم ينتبه لهما المعلقون الثلاثة. والثانية منهما ضرورية هامّة، وقد انقلبت على بعضهم فأفسد المعنى. انظر تعليقي على "رياض الصالحين" (ص 14 طبع المكتب الإسلامي). الحديث: 13 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 عزًّا، ولا فَتَحَ عبدٌ بابَ مسألةٍ إلا فَتَحَ اللهُ عليه بابَ فقرٍ، أو كلمةٌ نحوها. وَأُجدِّثكم حديثاً فاحْفظوه: إنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ، عَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ، يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْت بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ (1) فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْمَلُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْت فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ". رواه أحمد والترمذي -واللفظ له- وقال: "حديث حسن صحيح"، [صحيح] ورواه ابن ماجه ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَثَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَثَلِ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ، رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي مَالِهِ؛ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا وَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ، -قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:- فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ، يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، وَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ، -قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:- فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ".   (1) أي: يجري فيه من غير هدى، ويصرفه في الباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 17 - (17) [صحيح] وَعَنِ ابْنِ عباسٍ؛ أنَّ رسول اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فيما يروي عن ربه عز وجل: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسيئَاتِ، ثم بَيَّنَ ذَلِكَ في كتابه؛ فمن هَمَّ بِحسنةٍ فلم يَعْمَلْهَا؛ كتبها اللهُ عِنْدَهُ حسنةً كاملةً، فَإِنْ هَمَّ بِها فَعَمِلَهَا؛ كتبها اللهُ عنده عشرَ حسناتٍ، إلى سبع مِئةِ ضِعفٍ، إلى أضعافٍ كثيرَةٍ، ومن هَمَّ بسيئةٍ فلم يَعمَلْها، كتبها اللهُ عنده حسنةً كاملةً، وإن هو هَمَّ بها فَعمِلَهَا؛ كتبها اللهُ سيئةً واحدَةً" -زاد في رواية (1):- "أو محاها، ولا يَهلِكُ [على] الله إِلا هَالِكٌ". رواه البخاري ومسلم. 18 - (18) [صحيح] وعن أبي هريرة؟ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يقولُ اللهُ -عز وجل-: إِذا أراد عبدي أن يعمل سيئةً فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بِمثلها، وإن تَركَهَا من أجلي، فاكتبوها له حسنةً، وإن أراد أن يعمَلَ حَسنةً فلم يَعمَلْها، فاكتبوها له حسنةً، فإن عمِلَها فاكتبوها له بعشرِ أمثالِها، إلى سبع مِئة". رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم. وفي رواية لمسلم: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من همَّ بحسنةٍ فلم يعملها كُتِبَتْ له حسنةً، ومن هَمَّ بحسنةٍ فَعَمِلَها كُتِبَتْ له عشرُ حسناتَ، إلى سبع مِائة ضِعفٍ، ومن هَمَّ بسيئةٍ فلم يعَملْهَا لم تُكتَبْ عليه، وإن عَملَها كُتِبَتْ". وفي أخرى له قال:   (1) هذه الرواية من أفراد مسلم دون البخاري؛ خلافاً لما يوهمه صنيع المؤلف رحمه الله تعالى كما نبه عليه الناجي (9/ 1). الحديث: 17 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 عن محمد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال اللهُ عز وجل: إذَا تَحَدَّثَ عبْدي بأن يعملَ حسنةً، فأنا أَكْتُبُها له حسنةً ما لم يَعْمَلَها، فإذا عَمِلَها فإني أكتُبُها له بعشرِ أمثالها، وإذا تحدَّثَ عبدي بأن يعملَ سيئةً، فأنا أغفرُها له ما لم يعملْها، فإذا عملها، فأنا أكتبها له بِمثلها، وإنْ تَرَكها فاكتبوها له حسنةً، إنما تَرَكهَا من جَرّاي". قوله: (من جرّاي) بفتح الجيم وتشديد الراء، أي: من أجلي. 19 - (19) [صحيح] وعن مَعن بن يزيد رضي الله عنهما قال: كان أبي يزيدُ أخرجَ دنانير يَتَصَّدقُ بها، فوضَعها عندَ رجلٍ في المسجد، فجئتُ فأخذتُها فأتيتُه بها، فقال: واللهِ ما إيَّاك أردتُ، فخاصمتُه إِلى رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "لَكَ ما نويتَ يا يَزيدُ! ولك ما أخذت يا مَعْنُ! ". رواه البخاري. 20 - (20) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال رجل لأتَصَدَّقَنَّ بصدقةٍ، فخرج بِصدقَتِه فوضعها في يَدِ سارق (1). فأصبحوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ (2) اللَّيلة على سارقِ! فقال: اللهم لك الحمْدُ على سارق (3)! لأتصدقَنَّ بصدقةٍ، فخرج بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ! لأتَصَدَّقَنَّ بصدَقَة، فخرجَ بِصدقَتِه فوضعها في يَدِ غَنِىٍّ، فأصبحوا   (1) أي: فوضع صدقته في يد سارق وهو لا يعلم أنه سارق. (2) مبني للمجهول، وهذا إخبار في معنى التعجب أو الإنكار. (3) أي: تصدُّقي على سارق. الحديث: 19 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 يَتَحَدَّثُون: تُصُدِّقَ اللَّيلَةَ عَلَى غَنِيٍّ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وَزَانِيَةٍ وَغَنِىٍّ! فَأُتِىَ، فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِىُّ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ". رواه البخاري -واللفظ له-، ومسلم والنسائي، وقالا فيه: "فقيل له أمّا صدقتك فقد تُقُبِّلَتْ" ثم ذكر الحديث. 21 - (21) [حسن صحيح] وعن أبي الدرداء يبلغُ به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من أتى فراشهُ وهو يَنوي أنّ يقومَ يُصلي من الليل، فغلَبَتْه عينُه حتى أصبحَ؛ كُتِب له ما نوى، وكان نومُه صدقةً عليه من رَبِّه". رواه النسائي وابن ماجه بإسناد جيّد، ورواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي ذرّ أو أبي الدرداء على الشك. قال الحافظ عبد العظيم رحمه الله: "وسيأتي أحاديث من هذا النوع متفرقة في أبواب متعددة من هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى". الحديث: 21 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 2 - (الترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئاً منه). 22 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: فُلانٌ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ، هُوَ قارئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ". رواه مسلم والنسائي. ورواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلاهما بلفظ واحد عن (1) الوليد ابن الوليد أبي عثمان المديني؛ أن عُقبةَ بنَ مسلم حدَّثه، أن شُفَيّاً الأصبحيّ حدثه:   (1) في الأصل وغيره: "وعن"، وهو خطأ، نتج عنه إشكال، وهو عدم استقامة العطف في آخر هذه الرواية بقوله: "ورواه ابن خزيمة .. ". لأن المعطوف عليه غير مذكور قبله! والحقيقة أنه الترمذي وابن حبان اللذان ذكرا في آخر الرواية الأولى، فلمّا فُصلا عن هذه الرواية بإثبات الواو العاطفة ظهر الإشكال، ولا إشكال بعد حذف الواو كما بيّنا. الحديث: 22 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 أنه دخل المدينةَ فإذا هو برجلٍ قد اجْتمَعَ عليه الناسُ، فقال: من هذا؟ قالوا: أبو هريرةَ، قال: فَدَنَوْتُ منه، حتى قَعدتُ بين يديه؛ وهو يحدِّث الناسَ، فلمَّا سَكَتَ وخلا، قلت له: أسألك بحقِّ وبحقِّ، لمّا حَدَّثْتَني حديثاً سمعتَه من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعَقِلْتَه وعَلِمتَه، فقال أبو هريرة. أفعلُ، لأحدِّثنَّك حديثاً حَدَّثنيه رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِلْتهُ وعلمتُه، ثم نَشَغَ أبو هريرة نَشغةً فمكثنا قليلاً ثم أفاق، فقال: لأحدِّثنَّك حديثاً حدَّثنيه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا وهو في هذا البيت، ما معنا أحدٌ غيري وغيرُه، ثم نَشَغَ أبو هريرة نَشغةً أخرى، ثم أفاق ومسح عن وجهه، فقال: أفعلُ، لأُحَدِّثَنَّك حديثاً حدثنيه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا وهو في هذا البيت، ما معنا أحدٌ غيري وغيره، ثم نَشَغَ أبو هريرة نشغةً شديدةً، ثم مال خارّاً (1) على وجهه، فأسندتُه طويلاً، ثم أفاق، فقال: حدثني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله تبارك وتعالى إذا كان يومُ القيامةِ، يَنزلُ إلى العبادِ (2)، لِيَقضِيَ بينهم، وكلُّ أمّةٍ جاثيةٌ، فأولُ من يُدعى به رجلٌ جمع القرآنَ، ورجلٌ قُتلَ في سبيلِ اللهِ، ورجلٌ كثيرُ المال، فيقولُ اللهُ عز وجل للقارئِ: ألم أعلِّمْكَ ما أنزلتُ على رسولي؟ قال: بلى يا ربِّ، قال: فما عَمِلتَ فيما عَلِمتَ؟ قال: كنت أقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، فيقول الله عز وجل له: كَذَبْتَ، وتقول له الملائكةُ: كَذَبْتَ، ويقول الله تبارك وتعالى: بل أردت أن يقالَ: فلان قارئٌ، وقد قيل ذلك.   (1) خَرَّ يَخِرُّ بالضم والكسر: إذا سقط من علو. وخر الماء يخِر بالكسر. (2) قلت: هذا النزول نزول حقيقي كما يليق بجلاله وكماله، وهو صفة فعل لله عز وجل، فإياك أن تتأوله كما يفعل الخلف؛ فتضل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 ويؤتى بصاحب المال، فيقولُ اللهُ عز وجل: ألم أُوْسع (1) عليك حتّى لم أدَعْكَ تحتاجُ إلى أحدِ؟ قال: بلى يا ربِّ؛ قال: فماذا عملتَ فيما آتيتُكَ؟ قال: كُنتُ أَصِلُ الرَّحِمُ، وأتصدَّقُ. فيقولُ الله له: كذَبْتَ، وتقولُ الملائكةُ: كَذَبْتَ، ويقول الله تبارك وتعالى: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ جوادٌ، وقد قيل ذلك. ويؤتى بالذي قُتِلَ في سبيلِ الله، فيقولُ اللهُ له: في ماذا قُتِلتَ؟ فيقول: أيْ ربِّ! أَمَرْتَ بالجهاد في سبيلكَ، فقاتلتُ حتى قُتلتُ، فيقول الله له: كَذَبْتَ، وتقولُ الملائكةُ: كَذَبْتَ، ويقول الله: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ جريءٌ، فقد قيل ذلك". ثم ضرب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ركبتي، فقال: "يا أبا هريرة! أولئك الثلاثةُ أولُ خلقِ الله تُسعَر بهم النارُ يومَ القيامةِ". قال الوليدُ أبو عثمان المديني: وأخبرني عُقبةُ أن شُفَيّاً هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا، قال أبو عثمان: وحدّثني العلاء بن أبي حكيم أنه كان سيّافاً لمعاويةَ قال: فدخل عليه رجلٌ فأخبره بهذا عن أبي هريرة. فقال معاوية: قد فُعل بهؤلاء هذا، فكيف بمن بَقِيَ مِنَ الناسِ؟ ثم بكى معاوية بكاءً شديداً، حتى ظَنَنَّا أنه هالكٌ، وقلنا: قد جاءنا هذا الرجل بِشَرٍّ. ثم أفاق معاويةُ، ومسح عن وجهه، وقال: صدق اللهُ ورسولُه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" نحو هذا لم يختلف إلا في حرف أو في حرفين. قوله: (جريء) هو بفتح الجيم وكسر الراء وبالمد، أي: شجاع.   (1) هو بتسكين الواو ومخفّف، أي: أُغْنِكَ. الناجي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 (نَشَغ) بفتح النون والشين المعجمة وبعدها غين معجمة، أي: شهق حتى كاد يغشى عليه أسفاً أو خوفاً. 23 - (2) [صحيح] وعن أبي بنِ كعبٍ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بَشِّرْ هذه الأمّةَ بالسَّناءِ والدِّين والرِّفعةِ، والتمكين في الأرضِ، فَمَنْ عَمِل منهم عَملَ الآخرةِ للدنيا؛ لم يَكُنْ له في الآخرةِ من نَصيبٍ". رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". وفي رواية للبيهقي: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بَشِّرْ هذه الأمّةَ بالتيسيرِ، والسَّناءِ والرِّفعةِ (1) بالدين، والتمكينِ في البلاد، والنصر، فمن عملَ منهم بعملِ الآخرةِ للدنيا؛ فليس له في الآخرةِ من نَصيبٍ". 24 - (3) [صحيح] وعن أبي هند الدارِيَّ؛ أنه سمع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من قامَ مقامَ رياءٍ وسُمعةٍ؛ راءى اللهُ به يومَ القيامةِ وسَمَّعَ". رواه أحمد بإسناد جيد، والبيهقي. 25 - (4) [صحيح] عن عبد الله بن عَمروٍ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن سمَّع الناسَ بعملِه؛ سَمَّعَ الله به مَسامعَ خَلقِه، وصغَّرَه وحقَّرَه". رواه الطبراني في "الكبير" بأسانيد أحدها صحيح، والبيهقي (2).   (1) عطف الرفعة على السَّناء عطف تفسير لأنّ (السناء): الارتفاع، ومعناه ارتفاع المنزلة والقدر عند الله تعالى. (2) قلت: وأحمد أيضاً (6509 و6986 و7085 - طبعة شاكر). الحديث: 23 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 26 - (5) [صحيح] وعن جُندُبِ بنِ عبدِ اللهِ قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من سَمَّع؛ سَمَّعَ اللهُ به، ومن يُراءِ؛ يراءِ اللهُ بهِ". رواه البخاري ومسلم. (سمَّع) بتشديد الميم، ومعناه: من أظهر عمله للناس رياء؛ أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة، وفضحه على رؤوس الأشهاد. 27 - (6) [صحيح لغيره] وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من قامَ مقامَ رياءٍ راءى اللهُ به، ومن قام مقامَ سُمعةٍ سَمَّع اللهُ به". رواه الطبراني بإسناد حسن. 28 - (7) [صحيح لغيره] وعن معاذ بن جبل عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من عبدٍ يقومُ في الدنيا مقامَ سُمعَةٍ ورياءٍ إلا سمَّع اللهُ به على روس الخلائقِ يومَ القيامة". رواه الطبراني بإسناد حسن. 29 - (8) [صحيح موقوف] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مَنْ راءى بشيءٍ في الدنيا من عملِه؛ وكَلَه اللهُ إليه يومَ القيامةِ، وقال: انظُرْ هل يُغْني عنك شيئاً؟! رواه البيهقي موقوفاً (1).   (1) وضعفه الجهلة الثلاثة اعتباطاً. الحديث: 26 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 30 - (9) [حسن] وعن رُبَيْحِ بنِ عبدِ الرحمن بن أبي سعيدٍ الخدري عن أبيه عن جده قال: خرج علينا رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن نتذاكَر المسيحَ الدَّجال، فقال: "ألا أخبِرُكم بما هو أخوفُ عليكم عندي من المسيحِ الدجالِ؟ ". فقلنا: بلى يا رسولَ اللهِ! فقال: "الشركُ الخفيُّ؛ أن يقومَ الرجلُ فيصلِّي، فَيُزَيِّنُ صلاتَه لما يرى من نظرِ رجلٍ". رواه ابن ماجه والبيهقي. (رُبَيْح) بضم الراء وفتح الباء الموحدةِ بعدها ياء آخر الحروف وحاء مهملة. ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. 31 - (10) [حسن] وعن محمود بن لبيد قال: خرج (1) النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "يا أيها الناسُ! إياكم وشِرْكَ السرائرِ". قالوا: يا رسول الله! وما شِرْكُ السرائرِ؟ قال: "يَقومُ الرجل فيصلِّي، فَيُزَيِّنُ صلاتَه جاهداً لما يرى من نظرِ الناسِ إليه، فذلك شركُ السرائرِ". رواه ابن خزيمة في "صحيحه".   (1) زاد هنا المعلقون الثلاثة على طبعتهم لهذا الكتاب بين معكوفتين: (علينا)! ولا أصل لها عند ابن خزيمة، ومع ذلك فإن من جهلهم أنهم لم يقوُّوا الحديث، بل أعلوه بالإرسال! فكيف يصحّ هذا الإعلال مع تلك الزيادة؟! ذلك مبلغهم من العلم. وإن مما يؤكد ذلك أنهم حسنوا حديث محمود الآتي بعده؟! الحديث: 30 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 32 - (11) [صحيح] وعن محمود بن لبيد؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنّ أخوفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الأصغرُ". قالوا: وما الشركُ الأصغرُ يا رسولُ اللهِ؟ قال: "الرياءُ، يَقولُ اللهُ عز وجل إذا جزى الناسَ بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً". رواه أحمد بإسناد جيد، وابن أبي الدنيا والبيهقي في "الزهد" وغيره. قال الحافظ رحمه الله: "ومحمود بن لبيد رأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يصح له منه سماع فيما أرى، وقد خَرَّجَ أبو بكر بنُ خزيمة حديث محمود المتقدم في "صحيحه"، مع أنّه لا يُخرج فيه شيئاً من المراسيل، وذكر ابن أبي حاتم أنّ البخاري قال: "له صحبة"، قال: وقال أبي: "لا يُعرَف له صحبة"، ورجح ابن عبد البَر أنَّ له صحبة. وقد رواه الطبراني بإسناد جيد عن محمود بن لبيد عن رافع بن خُديج وقيل: إنَّ حديث محمود هو الصواب؛ دون ذكر رافع بن خُديج فيه. والله أعلم". 33 - (12) [حسن] وعن أبي سعيد بن أبي فَضالة -وكان من الصحابة- قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إذا جمعَ اللهُ الأوّلين والآخِرينَ ليومِ القيامةِ، ليومٍ لا ريبَ فيه، نادى منادٍ: من كان أشركَ في عملِه لله أحداً فليطلبْ ثوابَه من عندِه، فإنّ الله أغنى الشركاء عن الشرك". رواه الترمذي في التفسير من "جامعه" (1)، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي.   (1) قلت: وقال: "حديث حسن". الحديث: 32 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 34 - (13) [صحيح] وعن أبي هريرة؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشركِ، فَمَنْ عمِلَ لي عملاً أشركَ فيه غيري فأنا منه بريءٌ، وهو للذي أشركَ (1) ". رواه ابن ماجه -واللفظ له-، وابن خزيمة في "صحيحه"، والبيهقي، ورواة ابن ماجه ثقات. 35 - (14) [صحيح] وروى البيهقي عن يعلى بن شدادٍ عن أبيه قال: كنا نَعُدُّ الرياءَ في زَمَنِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشركَ الأصغرَ (2). (فصل) 36 - (15) [حسن لغيره] وعن أبي علي -رجلٍ من بني كاهلٍ- قال: خطبَنا أبو موسى الأشعريُّ فقال: يا أيها الناسُ! اتَّقوا هذا الشركَ، فإنه أخفى من دبيبِ النملِ. فقام إليه عبدُ الله بن حَزَن وقيسُ بن المُضارِب فقالا: والله لَتخْرُجَنَّ مما قلتَ، أو لنأتينَّ عُمَرَ مأذوناً لنا أو غيرَ مأذونٍ، فقال: بل أخرجُ مما قُلتُ، خطبنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يومٍ، فقال:   (1) هو تأكيد للرد، وإلا فهو عمل باطل. (2) قلت: ورواه الحاكم أيضاً (4/ 329) وقال: "صحيح". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، فلو عزاه المصنِّف إليه كان أولى. وهذا الحديث مما يدل على سوء طباعة الثلاثة للكتاب، فإنهم لم يعطوه رقماً خاصاً، تميزاً له عن حديث شهر الضعيف الذي هو قبل هذا في طبعتهم، وتحته نقلوا استدراكي هذا على المؤلف دون أن يعزوه إلى قائله. الحديث: 34 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 "يا أيها الناسُ! اتّقُوا هذا الشركَ؛ فإنه أخفى من دبيبِ النَّملِ". فقال له من شاءَ اللهُ أن يقولَ: وكيف نَتَّقيه وهو أخفى من دبيبِ النملِ يا رسول الله! قال: "قولوا: اللهمَّ إنّا نَعوذُ بك من أنْ نُشركَ بك شيئاً نَعلمُه، ونستغفرُكَ لما لا نعلمُه". رواه أحمد والطبراني. ورواته إلى أبي علي محتج بهم في "الصحيح"، وأبو علي وثقه ابن حبان، ولم أرَ أحداً جرحه. (1)   (1) عقب هذا في الأصل ما نصه: "ورواه أبو يعلى بنحوه من حديث حذيفة؛ إلا أنه قال فيه: "يقول كل يوم ثلاث مرات"، ولما كان إسنادها ضعيفاً جداً، فقد حذفته من الحديث وفاء بشرطنا في هذا الكتاب، ولم أر من الفائدة ذكرها لوحدها أو مع الحديث لما ذكرته في المقدمة، وقد خرجته لهذا لزيادة في "الضعيفة" برقم (3755)، ثم إن الجزم بأنه من مسند حذيفة؛ فيه نظر، لأنه في "أبي يعلى" (1/ 60 - 61) بسنده الواهي عن حذيفة عن أبي بكر -إما حضر ذلك حذيفة من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإما أخبره أبو بكر". وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (716) دون قول "إما حضر. . " إلخ، وليس فيه (الثلاث). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 [2 - كتاب السُّنَّةِ] (1) 1 - (الترغيب في اتباع الكتاب والسنة) 37 - (1) [صحيح] عن العِرباض بنِ ساريةَ رضي الله عنه قال: وعَظنا (2) رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - موعظةً وَجِلتْ (3) منها القلوبُ، وذَرَفَتْ (4) منها العيونُ، فقلنا: يا رسولَ الله! كأنها موعظةُ مودِّعٍ، فأوصنا. قال: "أوصيكم بتقوى اللهِ، والسمع والطاعةِ، وإنْ تَأمَّر عليكم عبدٌ، وإنَّه من يعِشْ منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي، وسنةِ الخلفاء الراشدين المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عليها بالنواجذِ، وإيَّاكم ومحدَثات الأمور، فإن كلَّ بدعة ضلالةٌ". رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". قوله: "عضوا عليها بالنواجذ" أي: اجتهدوا على السنة والزموها، واحرِصوا عليها كما يلزم العاضُّ على الشيء بنواجذه، خوفاً من ذهابه وتفلته. و (النواجذ) بالنون والجيم والذال المعجمة: هي الأنياب، وقيل: الأضراس.   (1) هذا العنوان زيادة من "مختصر الترغيب" للحافظ ابن حجر. (2) (الوعظ): التخويف بطريق النصيحة. (3) بكسر الجيم؛ أي: خافت من أجلها القلوب، وحذرت من الذنوب. (4) بفتح الذال المعجمة والراء المهملة؛ أي: بكت ودمعت. الحديث: 37 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 38 - (2) [صحيح] وعن أبي شُرَيح الخزاعيّ قال: خرج علينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " [أبشروا] (1)، أليسَ تَشهدون أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأنِّي رسولُ الله؟ ". قالوا: بلى. قال: "إنَّ هذا القرآن [سبب] (2) طَرَفُهُ بيدِ الله، وطرفهُ بأيديكم، فتمسَّكوا به؛ فإنَّكم لن تَضلُّوا ولن تَهلِكوا بعده أبداً". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد جيد (3). 39 - (3) [صحيح لغيره] وروي عن جبير بن مطعم قال: كنا عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بـ (الجُحْفَة) فقال: "أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأني رسول الله، وأن القرآن جاء من عند الله؟! ". قلنا: بلى. قال: "فأبْشِروا، فإنّ هذا القرآنَ طرفُه بيدِ الله، وطرفُه بأيديكم، فتمسّكوا به، فإنكم لنْ تهلِكوا، ولن تضلّوا بعده أبداً". رواه البزار، والطبراني في "الكبير" و"الصغير". 40 - (4) [صحيح] وعنه أيضاً [يعني ابن عباس]: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب الناس في حَجَة الوَداع فقال: "إنّ الشيطانَ قد يَئسَ أن يُعبدَ بأرضِكم، ولكنْ رَضِيَ أنْ يطاعَ فيما سوى   (1) و (2) هاتان الزيادتان مما استدركتُه في هذه الطبعة من "كبير الطبراني"، وقد طبع بعد الطبعات السابقة، ولذلك لم يستدركهما المعلقون الثلاثة، لأنهم مجرد مقلدة نقلة!! (3) قلت: وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" (1/ 286 رقم 122)، وابن نصر في "قيام الليل" (ص 74) بسند صحيح، وعندهما الزيادتان. الحديث: 38 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 ذلك مما تَحاقَرون من أعمالِكم، فاحذَروا، إني قد تركتُ فيكم ما إنْ اعتصمتُم به فلن تضلّوا أبداً، كتابَ الله، وسنةَ نبيه" الحديث. رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد، احتجَّ البخاري بعكرمة، واحتج مسلم بأبي أُوَيْس، وله أصل في (الصحيح) ". 41 - (5) [صحيح موقوف] وعن ابن مسعود رضي اللهُ عنه قال: الاقتصادُ فى السنّة أحسنُ من الاجتهاد في البدعة. رواه الحاكم موقوفاً وقال: "إسناه صحيح على شرطيهما". 42 - (6) [صحيح] وعن أبي أيوبَ الأنصاريِّ [عن عوف بن مالك] قال: خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو مرعوب فقال: "أطيعوني ما كنتُ بين أظهركم، وعليكم بكتابِ اللهِ، أحِلُّوا حلالَه، وحَرِّموا حرامَه". رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات (1).   (1) لم أره في "معجم الطبراني الكبير" في ترجمة "أبي أيوب الأنصاري" -واسمه خالد ابن زيد- وقد عزاه في "الجامع الكبير" إلى (طب، تمام) من روايتهما عن أبي أيوب الأنصاري عن عوف بن مالك، فلعله سقط (عوف) من قلم المؤلف، وقد خرجته عنه في "الصحيحة" (1472) من طريق تمام. ثم صدق ما رجوته، فرأيته في "المعجم الكبير" للطبراني (18/ 38)، فاستدركت السقط، وهو مما فات استدراكه على الثلاثة، وازداوا جهلاً، فقالوا: "صحيح قال الهيثمي. . رواه الطبراني ورجاله موثقون"! ولهم مثله كثير، جاهلين أو متجاهلين أن مجرد التوثيق لا يستلزم التصحيح كما كنا نبهنا عليه في مقدمة الطبعة الأولى! الحديث: 41 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 43 - (7) [صحيح] رواه [يعني حديث ابن مسعود الموقوف الذي في "الضعيف"] موفوعاً من حديث جابر، وإسناده (1) جيد. 44 - (8) [صحيح] وعن عابس بن ربيعة قال: رأيت عُمَرَ بنَ الخطاب رضي الله عنه يُقبِّلُ الحجرَ (يعني الأسودَ)، ويقول: إني لأعلمُ أنّك حَجرٌ لا تضرُّ ولا تَنفعُ، ولولا أنّي رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبِّلك ما قبَّلتك. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 45 - (9) [صحيح] وعن عروة بن عبد الله بن قُشَيرٍ قال: حدثني معاوية بن قرة عن أبيه قال: أتيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رَهْطٍ من مُزَينةَ، فبايعناه وإنه لَمُطْلَقُ الأزرارِ، فأدخلتُ يدي في جَيبِ قميصِه، فمَسَسْتُ الخاتمَ، قال عروة: فما رأيتُ معاويةَ ولا ابنَه قط في شتاءٍ ولا صيف إلا مُطْلَقَيِ الأزرارِ. رواه ابن ماجه (2) وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له، وقال ابن ماجه: "إلا مُطْلَقَةً أزرارُهما". 46 - (10) [صحيح] وعن مجاهد قال: كنا مع ابن عُمر رحمه الله في سفرٍ، فمرَّ بمكان، فحادَ عنه، فسئل: لمَ فعلتَ ذلك؟ قال: رأيتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل هذا؛ ففعلتُ. رواه أحمد والبزار بإسناد جيد.   (1) الأصل: (المرفوع)، والمثبت أوضح، وسيأتي لفظ حديث جابر في "13 - فضائل القرآن/ 1 - الترغيب في قراءة القرآن". (2) قلت: وكذا أبو داود وابن سعد في "الطبقات"، وعزاه الناجي للترمذي أيضاً في "الشمائل". وهو مخرج في كتابي "مختصر الشمائل" (46 - 47/ 48). الحديث: 43 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 قوله: (حاد) بالحاء والدال المهملتين؛ أي: تنحّى عنه، وأخذ يميناً أو شمالاً. 47 - (11) [حسن] وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنّه كان يأتي شجرةً بين مكة والمدينة فَيَقِيلُ تحتها، ويُخبِر أنّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعلُ ذلك". رواه البزار بإسناد لا بأس به. (1) 48 - (12) [صحيح] وعن [أنس] (2) بن سيرين قال: كنتُ مع ابنِ عمرَ -رحمه الله- بـ (عرفات)، فلما كان حين راحَ، رُحْتُ معه، حتى أتى الإِمامُ فصلّى معه الأولى والعصرَ، ثم وقفَ وأنا وأصحابٌ لي، حتى أفاضَ الإمامُ، فَأَفَضْنا معه، حتى انتهى إلى المضيقِ دون المأْزِمَين، فأَناخَ وأنخْنا، ونحن نَحسِب أنه يريد أن يصلّي، فقال غلامُه الذي يُمسك راحلته: إنَّه ليس يريد الصلاة، ولكنه ذكر أنّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما انتهى إلى هذا المكان قضى حاجتَه، فهو يحبّ أن يقضيَ حاجَتَه. رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح". قال الحافظ رحمه الله: "والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في اتباعهم له، واقتفائهم سنّته كثيرة جداً، والله الموفق، لا ربَّ غيره".   (1) قلت: يشير إلى أن في إسناده شيئاً، ولم أر فيه (1/ 81/ 129) من يمكن الغمز منه سوى محمد بن عباد الهنائي، وهو صدوق كما قال أبو حاتم ثم الحافظ. وسائر رجاله ثقات رجال الشيخين، فهو إسناد حسن. وأما الجهلة الثلاثة فقالوا (1/ 101): "صحيح، وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله موثقون"! وهذا التوثيق لا يستلزم الصحة كما بينت في المقدمة. (2) لم ترد هذه الزيادة في الأصل، ولا في المخطوطة، واستدركتها من "المسند" (2/ 131)، وحذفُها من المؤلف غير جيد، فإن المتبادر من "ابن سيرين" عند الإطلاق، إنما هو محمد بن سيرين لا أنس بن سيرين، وهما أخوان. الحديث: 47 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 2 - (الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء) 49 - (1) [صحيح] عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أحْدَثَ في أمرِنا هذا ما ليس منه؛ فهو ردٌّ". رواه البخاري ومسلم، وأبو داود، ولفظه: "مَن صنع أمراً على غير أمرِنا؛ فهو ردٌّ". وابن ماجه. وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرُنا؛ فهو ردٌّ". 50 - (2) [صحيح] وعن جابر رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا خطب احمرَّتْ عيناه، وعلا صوتُه، واشتدَّ غضبُه، كأنَّهُ منذرُ جيشٍ، يقول: صَبَّحكم ومَسَّاكم. -ويقول:- (1) "بُعِثْتُ أنا والساعةُ كهاتين". -وَيَقرنُ بين إصبَعَيْه السبابّةِ والوُسطى ويقول:- "أمّا بعد، فإنّ خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهَدْي هَدْيُ محمدٍ، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكل بدعة ضلالة (2) ". ثم يقول:   (1) يفعل عليه الصلاة والسلام ذلك حال الخطبة إزالة للغفلة من قلوب الناس، ليتمكّن فيها كلامه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كل التمكّن، أو ليتوجه فكره إلى الموعظة فتظهر عليها النار الهيبة الإلهية. وقوله: (صبَّحكم ومسَّاكم) هو بتشديد الباء في الأولى، أي: نزل بكم العدو صباحاً. والمراد سينزل، وصيغة الماضي للتحقق، وبتشديد السين المهملة في الثاني. وقوله: (محدثاتها) بفتح الدال، والمراد بها ما لا أصل له في الدين مما أحدث بعده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (2) زاد النسائي (1/ 234)، وابن خزيمة في "صحيحه" (3/ 143/ 1785) وغيرهما: "وكل ضلالة في النار"، وإسنادها صحيح، وكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "إبطال التحليل". الحديث: 49 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 "أنا أولى بكل مؤمن من نفسِه، من ترك مالاً فلأهلِه، ومن تَرَكَ دَيناً أو ضياعاً (1) فإليَّ، وعليَّ". رواه مسلم وابن ماجه وغيرهما. 51 - (3) [حسن صحيح] وعن معاويَة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ألا إنَّ مَن كان قبلكم من أهلِ الكتابِ افترَقُوا على ثِنْتَيْنِ وسبعين مِلَّة، وإنَّ هذه الأمَّة ستفترق على ثلاثٍ وسبعين، ثِنْتَانِ وسبعون في النار، وواحدةٌ في الجنّة، وهي الجماعةُ" (2). [حسن] رواه أحمد وأبو داود، وزاد في رواية (3): "وإنه سيخرجُ في أُمتي أقوامٌ تَتَجارى بهم الأهواءُ، كما يتجارى الكَلَب بصاحبه، ولا يَبقى منه عِرق ولا مفصلٌ إلا دَخله". قوله: (الكَلَب) بفتح الكاف واللام، قال الخطابي: "هو داء يعرض للإنسان من عضّة الكلْب الكَلِب، قال: وعلامة ذلك في الكلْب أن تحمرّ عيناه، ولا يزال يُدخل ذنبه بين رجليه، فإذا رأى إنساناً ساوَرَه (4) ".   (1) قوله: (أو ضياعاً) بفتح الضاد المعجمة: العيال، وأصله مصدر، أو بكسرها: جمع ضائع، كجياع جمع جائع. والله أعلم. (2) أي: الصحابة كما في بعض الروايات، وفي أخرى: "هي ما أنا عليه وأصحابي". رواه الترمذي وغيره. وهو مخرج في المجلد الأول من "الصحيحة"، وإنّ مما يجب أنْ يعلم أن التمسك بما كانوا عليه هو الضمان الوحيد للمسلم أن لا يضل يميناً وشمالاً، وهو مما يغفل عنه كثير من الأحزاب الإسلامية اليوم، فضلاً عن الفرق الضالة. (3) كذا الأصل، والصواب أن الزيادة الآتية هي عند "أبي داود" أيضاً برقم (4597)، كما عند أحمد (4/ 102) وإنما عنده الزيادة التالية: "والله يا معشر العرب! لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به". (4) أي: وثب عليه. الحديث: 51 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 52 - (4) [صحيح] وعن أبي بَرْزَة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنّما أخشى عليكم شهواتِ الغَيّ في بطونكم وفروجكم، ومُضِلاَّتِ الهوى". رواه أحمد والبزّار والطبراني في "معاجمه الثلاثة"، وبعض أسانيدهم رواته ثقات. 53 - (5) [حسن لغيره] وعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "وأمّا المهلكاتُ؛ فَشُحٌّ مطاعٌ، وهوىً مُتَّبعٌ، وإعجابُ المرءِ بنفسِهِ". رواه البزار والبيهقي وغيرهما، ويأتي بتمامه في "انتظار الصلاة" إن شاء الله تعالى (1). 54 - (6) [صحيح] وعن أنسِ بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنّ الله حَجَبَ التوبةَ عن كلِّ صاحبِ بدعة حتى يَدعَ بِدعَتَهُ". رواه الطبراني وإسناده حسن (2). (*) 55 - (7) [صحيح] وعن العِرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إيّاكم والمحدَثاتِ، فإن كل محدثةٍ ضلالة". رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". وتقدم بتمامه بنحوه [1 - باب].   (1) قلت: وهو حديث حسن لطرقه، كما سيأتي الإشارة إلى ذلك من المؤلف هناك إن شاء الله تعالى. (2) قلت: بل هو صحيح كما هو مبين في "الصحيحة" (1620)، ثم إنه ليس عند الطبراني في "المعجم الكبير" كما هو المصطلح عند الإطلاق، وكثيراً ما يفعل ذلك كما نبه عليه الحافظ الناجي في غير ما حديث، وفاته كثير منها هذا، فإنما أخرجه الطبراني في "الأوسط" (5/ 113/ 4214 - ط)، وقد سقط من الطابع أو الدكتور المحقق شيخُ شيخِ الطبراني! وهو مخرج في "الصحيحة" (4/ 154/ 1620). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: زاد المنذري هنا: [وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَابْن أبي عَاصِم فِي كتاب «السّنة» من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَلَفْظهمَا قَالَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم-: «أَبى الله أَن يقبل عمل صَاحب بِدعَة حَتَّى يدع بدعته»] وقد أورده الشيخ مشهور في طبعته، وصدّره بالحكم [صحيح لغيره] وقال: «استدركناه من أصول الشيخ - رحمه الله تعالى-» الحديث: 52 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 56 - (8) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لكل عملٍ شِرَّةٌ، ولكل شِرةٍ فَترةٌ، فمن كانت فترتُه إلى سنّتي فقد اهتدى، ومن كانت فترتُه إلى غير ذلك فقد هلَكَ". رواه ابن أبي عاصم وابن حبان في "صحيحه" (1). 57 - (9) [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" (2) أيضاً من حديث أبي هريرة؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لكل عمل شِرَّةٌ، ولكل شِرَّة فترةٌ، فإن كان صاحبُها سددَّ أو قاربَ فأرجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تَعُدُّوه". (الشِّرَّة) بكسر الشين المعجمة وتشديد الراء، وبعدها تاء تأنيث: هي النشاط والهمة، وشرة الشباب: أوله وحدّته. 58 - (10) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قَال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ رَغِبَ عن سنتي فليسَ مِني". رواه مسلم (3).   (1) قلت: وأحمد والطحاوي بإسنادين صحيحين عن عبد الله بن عمرو، ووقع في الأصل وغيره: (ابن عمر)، وهو خطأ، وهو مخرج عندي في "تخريج السنة" لابن أبي عاصم برقم (51)، وقد تمّ طبعه في جزئين. (2) قلت: هذا يوهم أنه لم يروه أحد من الستة، وليس كذلك، فقد رواه منهم الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وهو كما قال، وكذلك رواه الطحاوي. (3) هذا يوهم أن مسلماً تفرد به دون سائر الستة، وليس كذلك، فقد أخرجه البخاري أيضاً، وكذا النسائي في "النكاح". والحديث قطعة من حديث الرهط الثلاثة الذين سالموا أزواج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عبادته. رواه البخاري عن حميد. والآخران عن ثابت؛ كلاهما عن أنس، وحديث حميد أتم، وسيأتي بتمامه في (17 - النكاح/ 2 - الترغيب في النكاح). الحديث: 56 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 59 - (11) [صحيح] وعن العِرباض بن سارية رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لقد تركتُكم على مِثْلِ البيضاء (1)، ليلُها كنهارِها، لا يَزيغُ عنها إلا هالكٌ". رواه ابن أبي عاصم في "كتاب السّنة" بإسناد حسن (2). 60 - (12) [صحيح لغيره موقوف] وعن عَمرو بن زرارة قال: وقف عليَّ عبد الله -يعني ابن مسعود- وأنا أقُصُّ، فقال: يا عَمرو! لقد ابتدعتَ بدعةً ضلالةً، أو إنَّك لأهدى من محمدٍ وأصحابه! فلقد رأيتُهم تفرّقوا عنّي حتى رأيتُ مكاني ما فيه أحدٌ. رواه الطبراني في "الكبير" بإسنادين أحدهما صحيح (3). قال الحافظ عبد العظيم: "وتأتي أحاديث متفرّقة من هذا النوع في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى".   (1) أي: الملة والحجة الواضحة التي لا تقبل الشبه أصلاً، فصار حال إيراد الشبه عليها كحال كشف الشبه عنها ودفعها، إليه الإشارة بقوله: "ليلها كنهارها". (2) قلت: وكذلك رواه أحمد وابن ماجه والحاكم في بعض ألفاظ حديث العرباض المتقدم (1 - باب)، ولذلك تعجب الناجي (15/ 1) من المؤلف لعزوه إياه لابن أبي عاصم دون ابن ماجه! وهو عند ابن أبي عاصم برقم (48)، وله عنده شاهد. (3) قلت: وأخرجه الدارمي بنحوه أتم منه، وهو مخرج في "الرد على التعقيب الحثيث". الحديث: 59 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 3 - (الترغيب في البداءة بالخير ليُستن به، والترهيب من البداءة بالشر خوف أن يستن به) 61 - (1) [صحيح] عن جَريرٍ رضي الله عنه قال: كنا في صدر النهار عند رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجاءه قومٌ غراةٌ مُجتابي النِّمار والعَباء، مُتقلِّدي السيوفِ، عامَّتهم من مُضر، بل كلهم من مُضر، فَتَمَعَّر وجهُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمّا رأى ما بهم من الفاقة، فدخل، ثم خرج، فأمر بلالاً فأذَّن وأقام، فصلى (1)، ثم خطب فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}، إلى آخر الآية. . . (2) {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، والآية التي في (الحشر): {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (3) تَصَدَّقَ رجلٌ من دينارِه، من درهمِه، من ثوبِه، من صاعِ بُرِّه، من صاعِ تَمره، -حتى قال:- ولو بِشِقِّ تمرة. قال: فجاء رجل من الأنصار بِصُرَّةِ كادَتْ كَفُّه تَعجِزُ عَنها، بل قد عَجَزَتْ. -قال:- ثم تتابعَ الناسُ حتى رأيتُ كَومَيْنِ من طعامِ وثيابٍ، حتّى رأيت وجهَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَهلَّلُ كأنه مُذْهبةٌ، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من سنَّ في الإسلام سنةً حسنةً، فلَه أجرُها وأجرُ من عمل بها من بعده، من غير أن يَنقصَ من أجورِهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنةً سيئةً كان عليهِ وِززها وزرُ من عملَ بها من غير أن ينقصَ من أوزارهم شيء". رواه مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي باختصار القصة. قوله: (مجتابي) هو بالجيم الساكنة ثم تاء مثناة وبعد الألف باء موحدة.   (1) أي: الظهر كما في رواية لمسلم. (2) وتمامها: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}. (3) وتمام الآية: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. الحديث: 61 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 و (النمار) جمع نمرة وهي كساء من صوف مخطط، أي: لابسي النمار، قد خرقوها في رؤوسهم. و (الجوب): القطع. وقوله: (تَمَعَّرَ) هو بالعين المهملة المشددة؛ أي: تغيّر. وقوله: (كأنه مُذهبة) ضبطه بعض الحفاظ بدال مهملة وهاء مضمومة ونون، وضبطه بعضهم بذال معجمة وبفتح الهاء وبعدها باء موحدة، وهو الصحيح المشهور. ومعناه على كلا التقديرين: ظهور البِشْر في وجهه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى استنار وأشرق من السرور. و (المذهبة): صفيحة منقشة بالذهب، أو ورقة من القرطاس مطلية بالذهب، يصف حسنه وتلألؤه. 62 - (2) [حسن صحيح] وعن حذيفةَ رضي الله عنه قال: سأل رجلٌ على عهدِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأمسكَ القومُ، ثم إنّ رجلاً أعطاه؛ فأعطى القومُ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من سَنَّ خيراً فاستُنَّ به، كان له أجرُهُ، ومثلُ أجور من تَبِعَهُ، غير مُنْتَقَصٍ من أجورهم شيئاً، ومن سَنَّ شراً فاستُنَّ به، كان عليه وزرُه، ومثلُ أوزار من تبعه، غير مُنتقصٍ من أوزارهم شيئاً". رواه أحمد، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 63 - (3) [صحيح] ورواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة (1). 64 - (4) [صحيح] وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليس مِن نفسٍ تُقتَلُ ظلماً إلا كان على ابنِ آدمَ الأولِ كِفلٌ (2) من دمِها،   (1) هذا تقصير واضح، فقد أخرجه مسلم أيضاً (8/ 62)، وسيأتي لفظه معزوّاً إليه في (3 - العلم/ 7 - الترغيب في نشر العلم/ الحديث 7)، وهو مخرّج في الصحيحة" (865). (2) (الكفل) بالكسر: الحظ والنصيب. الحديث: 62 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 لأنّه أولُ من سَنَّ القتلَ". رواه البخاري ومسلم والترمذي. 65 - (5) [حسن صحيح] وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من سَنَّ سنةً حسنةً فله أجرُها ما عُمِلَ بها في حياتِه، وبعد مماته حتّى تُتركَ، ومن سَنَّ سنةً سيئةً فعليه إِثْمُها حتى تُتركَ، ومن مات مُرابِطاً جَرى عليه عملُ المرابطِ حتى يُبعثَ يومَ القيامةِ". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد لا بأس به. 66 - (6) [حسن لغيره] عن سهل بن سعد رضي الله عنهما؛ أنّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن هذا الخيرَ خزائنُ، ولتلك الخزائن مفاتيحُ، فطوبى لعبدٍ جَعَلَهُ الله عزَّ وجلَّ مفتاحاً للخيرِ، مغلاقاً للشرِّ، وويلٌ لِعبدٍ جَعَلَهُ الله مفتاحاً للشرِّ، مغلاقاً للخير". (1) رواه ابن ماجه -واللفظ له-، وابن أبي عاصم، وفي سنده لين، وهو في "الترمذي" بقصةٍ (2).   (1) (المفتاح) بكسر الميم: آلة لفتح الباب ونحوه، والجمع: (مفاتيح ومفاتح) أيضاً. و (المغَلاق) بكسر الميم: هو ما يُغلق به، وجمعه (مغاليق ومغالق). ولا يُعدَ أن يُقدَّر: ذوي مفاتيح للخير، أي أن الله تعالى أجرى على أيديهم فتح أبواب الخير، كالعلم والصلاح على الناس، حتى كأنه ملكهم مفاتيح الخير ووضعها في أيديهم. وقوله: (طوبى): اسم للجنة. وقيل: هي شجرة في الجنة، وأصلها (فعلى) من الطيب، كما في "النهاية". وأقول: تمريض القول بأنها شجرة في الجنة، مما لا وجه له، فقد جاء ذكرها في أحاديث سيأتي أحدها في آخر الكتاب (28 - صفة الجنة / 8/ الحديث 3). وآخر في "الصحيحة" (1985). و (ويل): هو الحزن والهلاك والمشقة من العذاب؛ كما قال ابن الأثير. وقيل: هو واد في جهنم. قلت: فيه حديث ضعيف سيأتي في (27 - صفة النار/3). (2) لكن روي بأسانيد أخرى، وبعضها موقوف صحيح، انظر "الظلال" (1/ 126 - 129)، وعزوه للترمذي وهم محض لا أدري سببه، فإنه لم يعزه إليه أحد ولا الحافظ المزي في "تحفة الأشراف"، والحافظ السيوطي في "الزيادة على الجامع الصغير"، هذا بعد البحث الجاد عنه في "سننه"، وهو مخرج في "الصحيحة" (1332). الحديث: 65 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 3 - كتاب العِلم 1 - (الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمه، وما جاء في فضل العلماء والمتعلمين). 67 - (1) [صحيح] عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من يُرِد الله به خيراً يفقِّهْهُ في الدين" (1). رواه البخاري ومسلم وابن ماجه. (2) [حسن لغيره] ورواه الطبراني في "الكبير"، ولفظه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يا أيها الناسُ! إنما العلم بالتعلّمِ، والفقهُ بالتفقه، ومن يُرِدِ الله به خيراً يفقهه في الدين، و {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ". وفي إسناده راوٍ لم يسم. (3)   (1) (الفقه) في الأصل: الفهم، يقال: فَقِه الرجل بالكسر يفقه فقهاً إذا فهمٍ وعلم. وفَقُه بالضم يفقه إذا صار فقهياً عالماً. وقد جعله العرفَ خاصاً بعلم الشريعة، وتخصيصاً بعلم الفروع منها. قاله أبو السعادات! أقول: تخصيصه بعلم الفروع لا دليل عليه، فقد روى الدارمي عن عمران المنقَرِيِّ قال: قلت للحسن يوماً في شيء: ما هكذا قال الفقهاء، قال: ويحك هل رأيت فقيهاً؟ إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير بأمر دينه، المداوم على عبادة ربه. (2) في الأصل هنا ما نصه: "ورواه أبو يعلى وزاد فيه: ومن لم يفقهه لم يبالِ به"، ولما كان إسناده ضعيفاً جداً، فلم أذكره مع "الصحيح" على ما هو مبين في "المقدمة"، وهو مخرج في "الضعيفة" (6708). (3) له طرق وشواهد تقويه، فانظر "الصحيحة" (342). الحديث: 67 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 68 - (2) [صحيح لغيره] وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فَضْلُ العلمِ خيرٌ من فضلِ العبادة، وخيرُ دينِكم الوَرَعُ". رواه الطبراني في "الأوسط" والبزار بإسناد حسن. ( فصل ) 69 - (3) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من نفّس (1) عن مؤمنٍ كُربةً من كُربِ (2) الدنيا نفَّس الله عنه كُرْبةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومن ستر مسلماً (3) سَتَره الله في الدنيا والآخرةِ، ومن يسّر على مُعسرٍ (4) يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عونِ العبدِ (5) ما كان العبدُ في عونِ أخيه، ومن سَلَك طريقاً يلتمسُ (6) فيه علماً سهّل الله له به   (1) بتشديد الفاء، أي: فرج وأزال بماله أو بجاهه أو إشارته أو إعانته أو وساطته أو دعائه وشفاعته. (2) هو بضم الكاف وفتح الراء المهملة جمع (كربة)، وهي في أصل اللغة: ما يأخذ النفس من الغم. والمعنى: فرج وأزال هماً واحداً من هموم الدنيا أي هم كان، صغيراً أو كبيراً؛ من عِرضه وغرضه، وعَده وعُدده، وهذا فيما يجوز شرعاً، وأما ما كان محَرماً أو مكروها، فلا يجوز تفريجه، ولا تنفيسه. (3) أي: بدنه باللباس، أو عيوبه عن الناس، وهذا إذا لم يكن معروفاً بالفساد، بأنْ يكون من ذوي الهيئات، لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم؛ إلا الحدود". وهو حديث صحيح خرجته في "الصحيحة" برقم (638)، ويلزم أن يقيد بما يتعلق بحقوق الله تعالى، كالزنا وشرب الخمر وشبههما دون حقوق الناس، كالقتل والسرقة ونحوهما، فإن الستر هنا حرام، والإخبار به واجب. (4) هو من ركبه الدَّين، وتعسر عليه قضاؤه بالإنظار أو بالإبراء، أو يراد بالعسر مطلق الفقر، فيسهل عليه أمره، بالهبة أو الصدقة أو القرض. (5) أي: إعانته، (ما كان العبد) أي: مدة دوام كونه في عون أخيه، أي: إعانته بماله أو جاهه أو قلبه أو بدنه. (6) أي: يطلب. وقوله: (في بيت من بيوت الله)؛ أي: مسجد أو مدرسة أو رباط، فلذلك لم يقل: من المساجد. الحديث: 68 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 طريقاً إلى الجنَّةِ، وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله، يتلُونَ كتابَ الله ويتدارسونهُ (1) بينهم إلا حفّتهم الملائكةُ، ونزلت عليهم السّكينةُ (2)، وغشيتْهم الرحمةُ، وذكرَهُم الله فيمَن عنده، ومن بطّأ (3) به عملُهُ، لم يُسرِعْ به نَسبُه". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح على شرطهما" (4). 70 - (4) [حسن لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من سلك طريقاً يلتمِسُ فيه علماً سهّلَ الله له طريقاً إلى الجنّةِ، وإن الملائكةَ لتضَعُ أجنحتها لِطالبِ العلم رِضاً بما يصنع، وإن العالِمَ ليَسْتَغْفِرُ له من في السمواتِ ومَن في الأرضِ، حتى الحيتانُ (5) في الماءِ، وفضلُ العالم على العابد كفضل القمرِ على سائر الكواكب، وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يُورِّثُوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورَّثُوا العلمَ، فمن أخذه أخذ بحظٍ وافرٍ (6) ".   (1) يشمل هذا ما يناط بالقرآن من تعليم وتعلم. وتدارس بعضهم على بعض، والاستكشاف والتفسير، والتحقيق في مبناه ومعناه. (2) أي: ما يسكن إليه القلب من الطمأنينة والوقار والثبات وصفاء القلب. وقوله: (غشيتهم الرحمة) أي: غطتهم، وقوله: (حفتهم الملائكة): أحدقت بهم وأحاطت. (3) هو بتشديد الطاء، أي: من أخره عمله السيئ وتفريطه في العمل الصالح لم ينفعه في الآخرة شرف النسب وفضيلة الآباء، ولا يسرع به إلى الجنة، بل يُقدّم العامل بالطاعة -ولو كان عبداً حبشياً- على غير العامل -ولو كان شريفاً قرشياً- قال الله تعالى: {إن أكرَمَكم عندَ الله أتقاكم}. (4) في هذا التخريج أوهام عجيبة نبَّهَ عليها الشيخ الناجي -رحمه الله تعالى-، (ق 16 - 18)، يطول الكلام بذكرها، لكن المهم هنا التذكير بأن سياق الحديث إنما هو لابن ماجه فقط دون مسلم وغيره ممن قرن معه، وسنده صحيح على شرط الشيخين. (5) جمع (حوت): وهو العظيم من السمك، وهو مذكر، قال تعالى: {فالتقمه الحوت}. (6) (الحظ): النصيب، والمعنى: أخذ نصيباً تاماً لا حظ أوفر منه. الحديث: 70 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي، وقال الترمذي: "لا يُعرَف إلا من حديث عاصم بن رجاء بن حَيْوة، وليس إسناده عندي بمتّصل، وإنما يُروى عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن داود بن جميل عن كثير بن قيس عن أبي الدرداء عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهذا أصح". قال المملي رحمه الله: "ومن هذه الطريق رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي في "الشُّعب" وغيرها. وقد رُوي عن الأوزاعي عن كثير بن قيس عن يزيد بن سمُرة عنه، وعن الأوزاعي عن عبد السلام بن سليم عن يزيد بن سمُرة عن كثير بن قيسٍ عنه. قال البخاري: "وهذا أصح". ورُوي غيرُ ذلك، وقد اخْتُلفَ في هذا الحديث اختلافاً كثيراً، ذكرت بعضه في "مختصر السنن" (1)، وبسطته في غيره. والله أعلم". 71 - (5) [حسن] وعن صفوان بن عسالٍ المُرادي رضي الله عنه قال: أتيت النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في المسجد مُتكئٌ على بُردٍ له أحمرَ، فقلتُ له: يا رسولَ الله! إني جئتُ أطلبُ العلمَ. فقال: "مرحباً بطالبِ العلمِ، إنَّ طالبَ العلمِ تَحُفُّه الملائكةُ [وتظله] (2) بأجنحتِها، ثم يركبُ بعضُهم بعضاً حتى يبلغوا السماءَ الدنيا من محبتهم لما يطلُبُ".   (1) رقم الحديث عنده (3494)، قلت: وقد ذكر الخلاف أيضاً الحافظ ابن عبد البَر في "جامع بيان العلم"، وأطال فيه، فراجعه (1/ 33 - 37). ومدار الحديث على داود بن جميل عن كثير بن قيس، وهما مجهولان، لكن أخرجه أبو داود من طريق أخرى عن أبي الدرداء بسند حسن. (2) زيادة سقطت من الأصل، استدركتها من "الطبراني" (8/ 63/ 1347). الحديث: 71 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 رواه أحمد والطبراني بإسناد جيد، واللفظ له، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد"، وروى ابن ماجه نحوه باختصار، ويأتي لفظه إن شاء الله تعالى. [2 - باب/ الحديث الثاني]. 72 - (6) [صحيح] ورُوي عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "طلب العلمِ فريضةٌ على كل مسلمٍ. . . . . " (1). رواه ابن ماجه وغيره. 73 - (7) [حسن لغيره] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سبعٌ يَجْري للعبد أجرُهن وهو في قبره بعد موته: من عَلَّم عِلْماً، أو كَرى (2) نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته". رواه البزار، وأبو نعيم في "الحلية"، وقال: "هذا حديث غريب من حديث قتادة، تفرد به أبو نعيم عن العرزمي. ورواه البيهقي ثم قال: "محمد بن عُبيد الله العرزمي ضعيف، غير أنه قد تقدمه ما يشهد لبعضه وهما -يعني هذا الحديث، والحديث الذي ذكره قبله (3) - لا يخالفان الحديث الصحيح، فقد قال فيه: "إلاّ من صدقة جارية"، وهو يجمع ما جاء به من الزيادة (4) " انتهى.   (1) انظر التعليق على هذا الحديث في الكتاب الآخر (3 - العلم/ 1 - باب). (2) أي: حفره وأخرج طينه. جاء في "المصباح": "وكَرَيْتُ النهر كرياً، من باب (رمى): حفرتُ فيه حفرة جديدة"، ولبعضه شاهد كما قال المصنف. (3) يشير إلى حديث أبي هريرة بمعناه، وهو الآتي في الباب برقم (11)، والحديث الصحيح بعده. (4) الأصل: (ما وردا به من الزيادة والنقصان)! والتصويب من "شعب الإيمان" (3/ 248). الحديث: 72 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 (قال الحافظ) عبد العظيم: "وقد رواه ابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه" بنحوه من حديث أبي هريرة، ويأتي إن شاء الله تعالى". [يعني قريباً في هذا الفصل]. 74 - (8) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الدنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها؛ إلا ذكرَ الله وما والاه، وعالماً ومتعلماً" (1). رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي، وقال الترمذي: "حديث حسن". 75 - (9) [صحيح] وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا حسَدَ إلا في اثنَتين؛ رجلٌ آتاهُ الله مالاً فسلّطه على هلكتِه في الحق، ورجلٌ آتاه الله الحِكمةَ، فهو يَقضي بها وُيعلِّمُها". رواه البخاري ومسلم. (الحسد) يطلق ويراد به تمنِّي زوال النعمة عن المحسود، وهذا حرام، ويطلق ويراد به الغِبْطة، وهو تمنِّي مثل ما له، وهذا لا بأس به، وهو المراد هنا. 76 - (10) [صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " [إنَّ] مَثَل (2) ما بعثني الله به من الهُدى (3) والعلمِ، كَمَثَلِ غيثٍ أصابَ   (1) المراد بالدنيا: كل ما يشغل عن الله تعالى ويبعد عنه، ولعنه: بعده عن نظره. والاستثناء في قوله: "إلا ذكر الله" منقطع، ويحتمل أن يراد بها العالَمُ السفلي كله، وكل ما له نصيب في القبول عنده تعالى قد استثني بقوله: "إلا ذكر الله" إلخ، فالاستثناء متصل. و (الموالاة): المحبة. أي: إلا ذكر الله، وما أحبه الله تعالى مما يجري في الدنيا. أو بمعنى المتابعة، فالمعنى ما يجري على موافقة أمره تعالى أو نهيه. ويحتمل أن يراد: وما يوافق ذكر الله، أي: يجانسه ويقاربه، فطاعته تعالى، واتباع أمره، واجتناب نهيه؛ كلها داخلة فيما يوافق ذكر الله. والله أعلم. (2) هو بفتح المثلثة، والمراد به الصفة العجيبة، لا القول السائر، والزيادة من "مسلم"، والسياق له. (3) هو الدلالة الموصلة إلى المطلوب. والمراد بالعلم: معرفة الأدلة الشرعية، لا الفروع المذهبية. و (الغيث): المطر. الحديث: 74 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 أرْضاً، فكانت منها طائفةٌ طيِّبَةٌ قَبِلتِ الماء، وأنبتت الكلأ (1) والعُشْبَ الكثيرَ، وكان منها أجادِبُ (2) أمسكت الماءَ فنفعَ الله بها الناس، فشربوا منها وسَقَوْا وزَرَعوا (3)، وأصاب طائفةً أخرى منها، إنما هي قِيعانٌ (4)، لا تُمسِك ماء، ولا تُنبتُ كلأً، فذلك مَثَلُ من فَقُهَ (5) في دين الله تعالى، ونَفَعَه ما بعثني الله به فَعَلِمَ وعلّم؛ ومَثَلُ مَن لم يَرْفَعْ بذلك رأساً، ولم يَقْبلْ هُدى الله الذي أُرسلتُ به". رواه البخاري ومسلم. 77 - (11) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ ممّا يلحقُ المؤمِنَ من عملِهِ وحسناتِهِ بعد موتِه علماً علّمه ونَشَرَه، وولداً صالحاً تركه، أو مُصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أَو بيتاً لابن السبيل   (1) بالهمز بلا مد: النَّبَتُ يابساً كان أو رطباً. و (العشب): النبت الرطب، فعطفه عليه من عطف الخاص على العام. (2) جمع (جَدَب) بفتح الدال المهملة على غير قياس: وهي الأرض الصلبة التي تمسك الماء فلا تشربه سريعاً. وقيل: هي الأرض التي لا نبات بها، مأخوذة من الجدب، وهو القحط. (3) هذا اللفظ للبخاري، ولفظ مسلم: "ورَعَوا"، وجمع بينهما أحمد بلفظ: "فشربها، فرَعَوْا، وسقوا، وزعوا وأسقوا". (4) بكسر القاف: جمع (قاع): وهو الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت. (5) بضم القاف؛ أي: صار فقيهاً. قال الإمام القرطبي وغيره من شراح الحديث: "ضرب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما جاء به من الدين مثلاً بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه، وكذا كان حال الناس قبل مبعثه، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت، فكذا علوم الدين تُحيي القلب الميت. ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث، فمنهم العامل المعلّم، فهو بمنزلة الأرض الطيبة، شربت فانتفعت في نفسها، وأنبتت فنفعت غيرها، ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه، غير أنه لم يعمل بنوافله، أو لم ينفعه فيما جمع له، لكنّه أداه لغيره، فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء، التي لا تقبل الماء، أو تفسده على غيرها. وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها. والله أعلم". الحديث: 77 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من مالِهِ في صحتِه وحياتِه، تَلحقُه من بعد موتِه". رواه ابن ماجه بإسناد حسن، والبيهقي، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" مثله؛ إلا أنه قال: "أو نهراً كراه"، وقال: "يعني حفره"، ولم يذكر المصحف. 78 - (12) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا مات ابنُ آدم انقطع عمله إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو عِلمٍ يُنتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له". رواه مسلم وغيره 79 - (13) [صحيح] وعن أبي قتادةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خيرُ ما يُخلِّفُ الرجلُ من بعده ثلاثٌ: ولدٌ صالح يدعو له، وصدقةٌ تجري يبلغُه أجْرُها، وعِلمٌ يُعملُ به من بعده". رواه ابن ماجه بإسناد صحيح. 80 - (14) [حسن لغيره] وعن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه رضي الله عنهم؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من علّم علماً؛ فله أجرُ مَن عَمِلَ به، لا ينقُصُ من أجرِ العاملِ شيءٌ". رواه ابن ماجه. (1) وسهل يأتي الكلام عليه (2).   (1) قلت: وسنده محتمل للتحسين، ويشهد له حديث: "من سن في الإسلام سنة حسنة. ." الحديث، وما في معناه مما تقدم (2 - السنة/ 3 - باب/ الأحاديث 1 - 5)، وحديث: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله"، وما في معناه مما يأتي في (7 - باب/ 1 و2 - حديث). (2) قلت: يعني في آخر الكتاب حيث قال: "باب ذكر الرواة المختلف فيهم المشار إليهم في هذا الكتاب"، وقد رأيت الاستغناء في نقله لأن كتب الجرح والتعديل تغني عن ذلك، وبخاصة أن كثيراً مما ذكره في بعض المترجَمين فيه نظر. الحديث: 78 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 81 - (15) [حسن لغيره] وعن أبي أمامة الباهلي قال: ذُكِرَ لرسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلانِ: أحدُهما عابدٌ، والآخر عالمٌ، فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: "فضلُ العالمِ على العابدِ، كفضلي على أدناكم". ثم قال رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنّ الله وملائكتَه وأهلَ السمواتِ والأرضِ -حتى النملةَ في جُحرها، وحتى الحوتَ- لَيصلُّون على مُعلمي الناسِ الخيرَ". رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح". 82 - (16) [صحيح لغيره] ورواه البزّار من حديث عائشة مختصراً قال: "مُعلِّم الخيرِ يَستغفر له كلُّ شيءٍ، حتّى الحيتانُ في البحرِ". 83 - (17) [حسن موقوف] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه مرّ بسوق المدينة فوقف عليها فقال: يا أهل السوق! ما أعجَزَكم! قالوا: وما ذاك يا أَبا هريرة؟ قال: ذاك ميراثُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقسَم، وأنتم هاهنا؛ ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه؟ قالوا: وأين هو؟ قال: في المسجد، فخرجوا سراعاً، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم، ما لكم؟ فقالوا: يا أبا هريرة! قد أتينا المسجد فدخلنا فيه، فلم نرَ فيه شيئاً يُقسم! فقال لهم أبو هريرة: وما رأيتم في المسجد أحداً؟ قالوا: بلى؛ رأينا قوماً يصلون، وقوماً يقرؤون القرآن، وقوماً يتذاكرون الحلالَ والحرامَ، فقال لهم أبو هريرة: ويحكم! فذاكَ ميراثُ محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن. (1)   (1) قلت: وكذا قال الهيثمي (1/ 124)، وهو الذي بدا لي بعد أن وقفت على إسناده في "الأوسط" (2/ 114 - 115 ط الحرمين) من طريق علي بن مسعدة قال: نا عبد الله الرومي، عن أبي هريرة. و (الرومي) هذا وثقه ابن حبان، وروى عنه ثلاثة من الثقات، غير علي بن مسعدة. وسائر رجاله ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر. الحديث: 81 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 2 - (الترغيب في الرحلة في طلب العلم). 84 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ". . . ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سَهَّلَ الله له به طريقاً إلى الجنة". رواه مسلم وغيره. وتقدّم بتمامه في الباب قبله [الحديث الثالث]. 85 - (2) [صحيح] وعن زِرِّ (1) بنِ حُبيشٍ قال: أتيتُ صَفوانَ بنَ عسّالٍ المُراديّ رضي الله عنه، قال: ما جاء بك؟ قلت: أنبُطُ العِلمَ. قال: فإني سمعت رسول الله يقول: "ما مِنْ خارجٍ خرجَ من بيتِهِ في طلبِ العلمِ؛ إلا وَضَعتْ له الملائكة أجْنحتها رضىً بما يصنعُ". رواه الترمذي وصححه، وابن ماجه واللفظ له، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". قوله: (أنبُط العلمَ)؛ أي: أطلبه وأستخرجه. 86 - (3) [حسن صحيح] وعن أبي أُمامةَ عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من غدا إلى المسجدِ لا يريد إلاّ أنْ يتعلم خيراً أو يُعلِّمه، كان له كأجرِ حاجٍّ، تامّاً حجَّتُهُ". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد لا بأس به (2).   (1) في الأصل وغيره: (ذر) بالذال! وقيده عَمَارة بكسر الذال! وكل ذلك خطأ. (2) قلت: وقال الحافظ العراقي (2/ 317): "وإسناده جيد"، وفيه هشام بن عمار. قلت: وأخرجه الحاكم (1/ 91) بلفظ: ". . . أجر معتمر تام العمرة". وزاد: "ومن راح إلى المسجد لا يريد إلا ليتعلم خيراً، أو يعلمه؛ فله أجر حاج تام الحجة". وصحّحه على شرط البخاري، ووافقه الذهبي. الحديث: 84 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 87 - (4) [صحيح] ورُوي عن أبي هريرةَ قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من جاء مسجدي هذا، لم يأتِهِ إلا لخيرٍ يتعلَّمُه، أو يُعلِّمُهُ فهو بمنزلةِ المجاهدين في سبيل الله، ومن جاء لغير ذلك، فهو بمنزلةِ الرجلِ ينظر إلى متاعِ غيرِهِ". رواه ابن ماجه والبيهقي، وليس في إسناده من تُرِكَ، ولا أُجمعَ على ضعفه (1). 88 - (5) [حسن لغيره] وعن أنس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من خرج في طلب العلم، فهو في سبيل الله حتى يرجع". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". (2)   (1) قلت: بل إسناد ابن ماجه صحيح على شرط مسلم؛ كما قال البوصيري في "الزوائد" (16/ 2)، وقد أخرجه الحاكم أيضاً، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وإنما هو على شرط مسلم فقط. فتصدير الحديث بقوله: "رُوي" المشير إلى تضعيف الحديث ليس بجيد. (2) قلت: الذي في الترمذي (2649): "حسن غريب"، وكذا في "تحفة المزي". لكن فيه (أبو جعفر الرازي)؛ وهو سيئ الحفظ، لكن يشهد له حديث أبي هريرة الذي قبله، إلا أن يقال: إن هذا خاص بالمسجد النبوي. وهو بعيد. والله أعلم. الحديث: 87 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 3 - (الترغيب في سماع الحديث وتبليغه ونسخه، والترهيب من الكذب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -). 89 - (1) [حسن صحيح] عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "نضَّر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلّغه كما سمعه، فَرُبَّ مُبلَّغٍ أوْعى من سامعٍ". رَواه أبو داود (1) والترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، إلا أنه قال: "رَحِمَ الله امرأً". وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". قوله: (نضّر) هو بتشديد الضاد المعجمة وتخفيفها، حكاه الخطابي. ومعناه: الدعاء له بالنضارة، وهي النعمة والبهجة والحُسن، فيكون تقديره: جمّله الله وزيَّنه. وقيل غير ذلك. 90 - (2) [صحيح] وعن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "نضّر الله امرأً سمع منا حديثاً فبلّغه غيرَه، فربَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقهُ منهُ، وربَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيه، ثلاث لا يَغِلُّ (2) عليهن قلبُ مسلمٍ: إخلاصُ العملِ لله، ومناصحةُ ولاةِ الأمرِ، ولزومُ الجماعة؛ فإن دعوتَهم تُحيط مَنْ وراءَهم. ومن كانت الدنيا نِيَّتَه؛ فرَّقَ الله عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين   (1) قلت: ذكْر أبي داود في هذا الحديث وهم، فإنه لم يخرجه من حديث ابن مسعود، وإنما من حديث زيد بن ثابت الآتي بعده. (2) يروى بفتح الياء وضمها، فمن فتح؛ جعله من (الغل): وهو الضغن والحقد، يقول: لا يدخله حقد يزيله عن الحق، من ضمَّ؛ جعله من الخيانة، و (الإغلال): الخيانة في كل شيء. كذا في "الكواكب الدراري" لابن عروة الحنبلي (1/ 23/ 2). الحديث: 89 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 عينَيه، ولم يأتِهِ من الدنيا إلا ما كُتِب له، ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه؛ جمع الله أمرَه، وجعل غناه في قلبِه، وأتَتْه الدنيا وهي راغمة". رواه ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي بتقديم وتأخير. ورَوى صدره إلى قوله: "ليس بفقيه" أبو داود والترمذي، وحسنه، والنسائي وابن ماجه بزيادة عليهما. 91 - (3) [صحيح لغيره] ورُوي عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمسجد (الخيف) من مِنى فقال: "نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فحفظها ووعاها، (1) ثم ذهبَ بها إلى من لم يَسمعها، فَرُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ (2)، وربَّ حاملِ فِقهٍ إلى من هو أفقهُ منه" الحديث. رواه الطبراني في "الأوسط". 92 - (4) [صحيح لغيره] وعن جُبَير بنِ مُطعِم قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بـ (الخيْف) خيف منى يقول: "نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فحفِظَها وَوَعاها، وبلَّغها من لم يسمعْها، فربَّ حاملِ فقهٍ لا فِقهَ له، ورب حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقه منه، ثلاثٌ لا يُغِلُّ (3) عليهن قلبُ مؤمن: إخلاصُ العمل لله، والنصيحةُ لأئمةِ المسلمين،   (1) زاد في الأصل: "وبلغها من لم يسمعها"، وقد حذفتها لأنها لم ترد في المخطوطة، ولا في "المجمع" (1/ 139)، ولأنه تكرار لا معنى له، وإن جاءت في طبعة مصطفى عمارة وغيرها. (2) الأصل: "لا فقه له". وكذا في مطبوعة عمارة، والتصويب من "المجمع" ومخطوطة الظاهرية. (3) انظر الحاشية (2) المتقدمة في الصفحة السابقة. الحديث: 91 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 ولزومُ جماعتهم؛ فإن دعوتَهم تَحوط مَنْ وراءَهم". رواه أحمد وابن ماجه، والطبراني في "الكبير" مختصراً ومطولاً، إلا أنه قال: "تُحيط" (1) بياء بعد الحاء، رووه كلهم عن محمد بن إسحاق عن عبد السلام (2) عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه. وله عند أحمد طريق عن صالح بن كيسان عن الزهري، وإسناد هذه حسن. 93 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفَعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له". رواه مسلم وغيره. وتقدم هو وما ينتظم في سِلكه، ويأتي له نظائر في "نشر العلم" وغيره إن شاء الله تعالى. قال الحافظ: "وناسخ العلمِ النافعِ له أجرُهُ، وأجرُ من قرأه أو نسخه أو عمل به من بعده، ما بقي خطُّه والعملُ به، لهذا الحديث وأمثاله، وناسخُ غير النافع مما يوجب الإثمَ، عليه وزرُهُ، ووزرُ من قرأه أو نسخه أو عمل به من بعده، ما بقي خطُّه والعملُ به، لما تقدم من   (1) قلت: لا وجه لهذا الاستثناء، فالحديث في "كبير الطبراني" (1/ 77/ 41) و (رقم 1541 طبعة أخينا حمدي السلفي) بهذا السياق الذي ذكره المؤلف، وفيه اللفظ الثاني "تحيط"، وهو لفظ ابن ماجه (3056) وغيره ممن لم يذكرهم المصنف. وأما اللفظ الأول: "تحوط"، فلم أرها، وفي مخطوطة الظاهرية "تحفظ"، والمعنى واحد، ولفظ أحمد: "فإن دعوتهم تكون من ورائه" وهو رواية للطبراني، وما دام أن السياق له، فكان يحسن بالمؤلف أن يشير إلى ذلك، لا سيما واستثناؤه المذكور يشعر القارئ بأن السياق ليس له. ولذلك فقد أحسن الهيثمي حين أشار إلى ذلك بقوله (1/ 139): "رواه الطبراني في "الكبير" وأحمد"، فقدم من يستحق التأخير في الذكر إشارة إلى ما ذكرنا. (2) ليس في إسناد أحمد ذكر لعبد السلام -وهو ابن أبي الجنوب- وهو رواية الطبراني هذه، لكنه أثبته في رواية أخرى عنده (1542). الحديث: 93 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 الأحاديث (1): "من سن سنة حسنة. . "، أو ". . سيئة". والله أعلم". 94 - (6) [صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من كذب عليَّ متعمداً؛ فليتبوأْ مقعدَه من النارِ". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. وهذا الحديث قد رُوي عن غير ما واحد من الصحابة في "الصحاح" و"السنن" و"المسانيد" وغيرها، حتى بلغ مبلغ التواتر. والله أعلم. 95 - (7) [صحيح] وعن سَمُرة بن جُندب عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من حدَّث عني بحديثٍ يُرى (2) أنّه كَذبٌ؛ فهو أحد الكاذِبين" (3). رواه مسلم وغيره. 96 - (8) [صحيح] وعن المغيرةِ قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ كَذِباً عليَّ ليس ككذِبٍ على أحدٍ، فمن كَذبَ عليَّ متعمداً؛ فليتبوأ مقعدَه من النارِ". رواه مسلم وغيره (4).   (1) كذا الأصل، ولعل الصواب (أحاديث). (2) قال الناجي (20): "هو بضم الياء، وذكر بعضهم جواز فتحها"، أي: يظن. (3) هو بلفظ الجمع، ورواه أبو نُعيم الأصبهاني في "مستخرجه على صحيح مسلم" من رواية سمرة بلفظ (الكاذبَين) بالتثنية. ثم رواه من رواية المغيرة: " (الكاذبَين) أو (الكاذِبين) على الشك فيهما". (4) قلت: هذا تقصير، فقد رواه البخاري أيضاً، وفيه عنده جملة فيها "النياحة" ذكره في "الجنائز". وهي عند مسلم أيضاً في موضع آخر، وقد ذكرها المصنف في أواخر هذا الكتاب، وعزاها إلى الشيخين. الحديث: 94 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 4 - (الترغيب في مجالسة العلماء). [قلت: ليس تحته حديث ثابت على شرط كتابنا] 5 - (الترغيب في إِكرام العلماء إجلالهم وتوقيرهم، والترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم). 97 - (1) [صحيح] عن جابر رضي الله عنه: أنّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يَجمعُ بين الرجلين من قتلى أُحدٍ -يعني في القبر-، ثم يقول: "أيهما أكثر أخْذاً للقرآن؟ "، فإذا أُشيرَ إلى أحدِهما، قدّمه في اللحدِ. رواه البخاري. 98 - (2) [حسن] وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنّ من إجلالِ الله إكرامَ ذِي الشيبةِ المسلم، وحاملِ القرآن، غيرِ الغالي فيه، ولا الجافي عنه، وإكرامَ ذي السلطان المُقْسِطِ". رواه أبو داود. 99 - (3) [صحيح] وعن ابن عباس؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: البركةُ مع أكابِرِكم". رواه الطبراني في "الأوسط"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم (1).   (1) كذا الأصل والمخطوطة. والذي في "المستدرك" (1/ 62): "صحيح على شرط البخاري". ووافقه الذهبي، وهذا هو الصواب، فإنه من رواية عكرمة عن ابن عباس، وعكرمة من رجال البخاري دون مسلم. الحديث: 97 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 100 - (4) [صحيح] وعن عبد الله بنِ عَمر [و] رضي الله عنهما يبلُغُ به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليس منا من لم يَرحمْ صغيرَنا، ويَعْرِف حقَّ كبيرِنا". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 101 - (5) [حسن] وعن عبادة بنِ الصامت؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليس من أُمتي من لم يُجِلَّ كبيرَنا، ويَرحَمْ صغيرَنا، ويعرِفْ لعالمِنا". رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني والحاكم؛ إلا أنه قال: "ليس منا". 102 - (6) [صحيح لغيره] وعن واثلةَ بن الأسقع قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس منا من لم يَرحمْ صغيرَنا، وُيجِلَّ كَبيرنا". رواه الطبراني من رواية ابن شهاب عن واثلة، ولم يسمع منه. 103 - (7) [حسن صحيح] وعن عَمرو بن شُعيْب عن أبيه عن جدّه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليس منا من لَم يرحمْ صغيرَنا، ويَعْرِف شرفَ كبيرِنا". رواه الترمذي وأبو داود؛ إلا أنه قال: "ويعرف حقَّ كبيرِنا" (1). 104 - (8) [حسن] وعن عبدِ الله بن بُسر رضي الله عنه قال: لقد سمعت حديثاً منذ زمان: "إذا كنتَ في قومٍ، عشرين رجلاً أو أقلَّ أو أكثرَ، فتصَفَّحْتَ وجوهَهم فلم تَرَ فيهم رجلاً يُهابُ في الله عز وجل؛ فاعلم أن الأمر قد رقَّ". رواه أحمد والطبراني في "الكبير"، وإسناده حسن.   (1) قلت: وبهذا اللفظ أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"، وأحمد في "المسند" (2/ 185 و207)، وفي رواية لهما بلفظ:، ويوقّر كبيرنا"، وإسناد الحديث حسن. وله شاهد من حديث أبي هريرة باللفظ الأول. أخرجه الحاكم (4/ 178)، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. الحديث: 100 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 6 - (الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى). 105 - (1) [صحيح لغيره] عن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من تعلَّم علماً ممّا يُبتغى به وجهُ الله تعالى، لا يتعلمه إلا ليُصيبَ به عَرضاً من الدنيا؛ لم يَجِدْ عَرْفَ الجنّة يوم القيامة". يعني ريحها. رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه" والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم". وتقدم حديث أبي هريرة في أول "باب الرياء" [1 - حديث]، وفيه: ". . . رجلٌ تعلَّمَ العلمَ وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأُتِيَ به فعرَّفه نِعمه، فعرفها. فقال: فما عمِلتَ فيها؟ قال: تعلمتُ العلمَ وعلَّمتُه، وقرأتُ فيك القرآن؛ قال: كذَبتَ، ولكنّك تعلمتَ ليقالَ: عالمٌ، وقرأتَ القرآنَ ليقالَ: هو قارئٌ، فقد قيلَ، ثم أُمِرَ به فَسُحب على وجهه حتى ألقِيَ في النار. . . " الحديث. رواه مسلم وغيره. 106 - (2) [صحيح لغيره] ورُوي عن كعبِ بن مالك قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من طلبَ العلمَ لِيُجاريَ به العلماء، أو ليُماري به السفهاءَ (1)، ويَصرفَ به وجوهَ الناسِ إليه، أدخلَه الله النارَ". رواه الترمذي -واللفظ له-، وابن أبي الدنيا في "كتاب الصمت" وغيره، والحاكم شاهداً والبيهقي، وقال الترمذي: "حديث غريب".   (1) أي: يجادل به ضعفاء العقول. الحديث: 105 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 107 - (3) [صحيح لغيره] وعن جابر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تعلموا العلمَ لِتُباهوا به العلماءَ، ولا تمارُوا به السفهاءَ، ولا تخيَّروا به المجالس (1)، فمن فعل ذلك فالنارُ النارُ". رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي؛ كلهم من رواية يحيى بن أيوب الغافقيِّ عن ابن جُريج عن أبي الزبير عنه. ويحيى هذا ثقة احتج به الشيخان وغيرهما، ولا يلتفت إلى مَن شذ فيه (2). 108 - (4) [صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه أيضاً بنحوه من حديث حُذيفة. 109 - (5) [صحيح لغيره] ورُوي عن ابن عُمر عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من طلب العلمَ، لِيُباهيَ به العلماءَ، ويُماريَ به السفهاءَ، أو لِيصرِفَ وجوه الناسِ إليه؛ فهو في النار". رواه ابن ماجه. 110 - (6) [صحيح لغيره] ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من تعلَّم العلمَ ليُباهيَ به العلماء، ويماريَ به السفهاءَ، ويصرفَ به وجوهَ الناس؛ أدخلَه الله جهنَّم". رواه ابن ماجه أيضاً.   (1) أي: لتقصدوا خير المجالس وأفضلها! (2) قلت: ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم أيضاً (1/ 86)، وابن عبد البر (1/ 187)، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه أيضاً الحافظ العراقي (1/ 52)، وهو كما قالوا إنْ سلم من الانقطاع؛ فإن ابن جريج وشيخه أبا الزُبير (مدلّسان) معروفان بذلك، وقد عنعناه، غير أنَّ الحديث صحيح على كل حال، فإن له شواهد في الباب يتقوّى بها، وتتقوّى به. الحديث: 107 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 111 - (7) [صحيح لغيره موقوف] وعن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أنه قال: كيف بكم إذا لبستْكم فتنةٌ، يَربو فيها الصغيرُ، ويَهرَمُ فيها الكبيرُ، وتُتَّخَذُ سنةً، فإن غُيَّرَتْ يوماً قيلَ: هذا منكرٌ! قيل: ومتى ذلك؟ قال، إذا قلَّت أُمناؤكم، وكَثُرتْ أُمراؤُكُم، وقَلَّتْ فقهاؤكُم، وكَثُرتْ قراؤكم، وتُفُقِّهَ لِغيرِ الدين، والتُمست الدنيا بعملِ الآخرةِ. رواه عبد الرزاق في "كتابه" (1) موقوفاً.   (1) أي: "المصنَّف" وهو فيه (11/ 352) بإسناد منقطع، فكان الأَوْلى عزوه إلى من وصله بإسناد صحيح، كالدارمي والحاكم وغيرهما. الحديث: 111 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 7 - (الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير). 112 - (1) [حسن] عن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن مما يَلحقُ المؤمنَ من عملِهِ وحسناتِهِ بعد موته علماً علَّمه ونَشَرَه، وولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من مالِهِ في صحته وحياتِه، يلحقُه من بعدِ موتِه". رواه ابن ماجه بإسناد حسن والبيهقي، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" بنحوه (1). 113 - (2) [صحيح] وعن [أبي] (2) قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خَيرُ ما يُخلِّف الرجلُ من بعده ثلاثٌ: ولدٌ صالح يَدعو له، وصدقةٌ تَجري يبلغُه أجرُها، وعلمٌ يُعملُ به من بعده". رواه ابن ماجه بإسناد صحيح. وتقدم [1 - باب/ 12] حديث أبي هريرة: "إذا مات ابنُ آدمَ انقطعَ عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له". رواه مسلم.   (1) قلت: وتقدم هذا الحديث والذي بعده (1 - باب/ 11 - 13 - حديث). (2) سقطت من الأصل ومن مطبوعة عمارة، واستدركتها من المخطوطة و"ابن ماجه"، وقد سبق على الصواب في (1 - الترغيب في العلم وطلبه). الحديث: 112 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 114 - (3) [صحيح لغيره] ورُوي عن أبي أمامةَ رضي الله عنه (1) قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أربعةٌ تجري عليهم أجورهم بعدَ الموت: رجلٌ مات مُرابطاً في سبيلِ الله، ورجلٌ علَّمَ علماً، فأجرُه يَجري عليه ما عُمِلَ به، ورجلٌ أجرى صدقةً، فأجرُها له ما جَرَتْ، ورجلٌ ترك ولداً صالحاً يَدعو له". رواه الإمام أحمد والبزار، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وهو صحيح مفرقاً من حديث غير ما واحد من الصحابة رضي الله عنهم. ( فصل ) 115 - (4) [صحيح] وعن أبي مسعود البدري: أن رجلاً أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَستحملُه، فقال: إنه قد أُبدعَ بي، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ائت فلاناً" فأتاه، فحمله، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من دلَّ على خيرٍ؛ فله مثلُ أجرِ فاعِله، أو قال عامِلِه". رواه مسلم وأبو داود والترمذي (2).   (1) في الأصل ومطبوعة عمارة "عنهما". وهو خطأ فاحش، فإن أبا أمامة -واسمه صدي بن عجلان- لم يذكروا لأبيه صحبة، وليس للترضّي ذكر في المخطوطة أصلاً. (2) قلت: والسياق له، وصححت منه بعض الأخطاء كانت في الأصل، وقال: "حديث حسن صحيح". الحديث: 114 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 قوله: (أبدعَ بي) هو بضم الهمزة وكسر الدال، يعني: ظلعت ركابي، يقال: أُبْدعَ به، إذا كلّت ركابه أو عَطبت، وبقي منقطعاً به. 116 - (5) [صحيح] وعن أبي (1) مسعودٍ رضي الله عنه قال: أتى رجلٌ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسأله، فقال: "ما عندي ما أُعطيكَه، ولكن ائْتِ فلاناً". فأتى الرجلَ، فأعطاه، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن دَلَّ على خيرٍ؛ فله مِثلُ أجرِ فاعلِهِ، أو عامله". رواه ابن حِبّان في "صحيحه". ورواه البزار مختصراً: "الدّالُّ على الخير كفاعِلِه". 117 - (6) [صحيح لغيره] رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" من حديث سهل بن سعد.   (1) الأصل: (ابن) وكذا في المصورة التي عندي، والتصويب من ابن حبان، وهو مخرج في "الصحيحة" (1660). ويظهر لي أنه خطأ من المؤلف، وإلا لقال: "وفي رواية عنه. ." كما هي عادته، ولعل السبب أنه في "مسند البزار" (5/ 150 - البحر الزخار) مختصراً -كما يأتي عند المؤلف- من طريق أبي وائل عن عبد الله به. وهو ابن مسعود، وهو عند ابن حبان من رواية أبي عمرو الشيباني عن أبي مسعود. وأبو عمرو هذا -واسمه سعد بن إياس الأنصاري- بروايته عن ابن مسعود أشهر من روايته عن (أبي مسعود)، فكان هذا من دواعي الخطأ. والله أعلم، ولم ينتبه المعلقون الثلاثة لهذا الخطأ فأثبتوه في طبعتهم المزخرفة!! الحديث: 116 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 118 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثلُ أجورِ من تَبعه، لا يَنقُصُ ذلك من أجورِهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثمِ مثلُ آثامِ من اتَّبَعَهُ، لا ينَقُصُ ذلك من آثامِهم شيئاً". رواه مسلم وغيره. وتقدم هو (1) وغيره في "باب البداءة بالخير". 119 - (8) [صحيح موقوف] وعن علي رضي الله عنه في قوله تعالى: {قوا أَنفُسَكُمْ وأهليكم ناراً}، قال: عَلَّمُوا أهليكم الخيرَ. رواه الحاكم موقوفاً، وقال: "صحيح على شرطهما".   (1) قلت: كلا، لم يتقدم لفظه، وإنما ذكره من حديث أبي هريرة معزوّاً لابن ماجه فقط، عقب حديث حُذيفة بمعناه، ونبّهت هناك إلى أنّه سيأتي هنا. انظر الأحاديث (1 - 5/ 2 - السنة/ 3 - باب). الحديث: 118 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 8 - (الترهيب من كتم العلم). 120 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من سُئل عن علمٍ فَكَتَمَه؛ أُلْجِم يومَ القيامةِ بلجامٍ من نارٍ". رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي. ورواه الحاكم بنحوه، وقال: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يُخرجاه". [صحيح لغيره] وفي رواية لابن ماجه قال: "ما من رجلٍ يحفظُ علماً فيَكْتُمُه؛ إلا أتى يومَ القيامةِ ملجوماً بلجامٍ من نارٍ". 121 - (2) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من كتمَ علماً؛ ألجمَهُ الله يومَ القيامة بلجامٍ من نارٍ". رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح لا غبار عليه". 122 - (3) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مثلُ الذي يَتَعلّم العلمَ ثم لا يحدِّثُ به، كمثلِ الذي يَكنِزُ الكنزَ ثم لا يُنفِقُ منه". رواه الطبراني في "الأوسط"، وفي إسناده ابن لهيعة (1).   (1) يعني: وهو ضعيف، ولكنه من رواية ابن وهب عنه عن دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم وعبد الرحمن بن حجيرة عن أبي هريرة. وهذا إسناد حسن، لأن ابن لهيعة صحيح الحديث برواية ابن وهب، ودراج حسن الحديث عن ابن حجيرة كما قررته في المقدمة (ص 7)، وله طرق وشواهد يزداد بها قوة، وهي مخرجة في "الصحيحة" (3479). الحديث: 120 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 9 - (الترهيب من أنْ يعلَم ولا يَعمل بعلمه، ويقول ما لا يفعله). 123 - (1) [صحيح] عن زيد بن أرقمَ رضي الله عنه؛ أنّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفعْ، ومن قلب لا يَخشعْ، ومن نَفْسٍ لا تَشْبعْ، ومن دعوةٍ لا يُستجابُ لها". رواه مسلم والترمذي والنسائي، وهو قطعة من حديث. 124 - (2) [صحيح] وعن أسامة بن زيدٍ رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يُجاء بالرجلِ (1) يومَ القيامة، فيُلْقى في النارِ، فَتَنْدلِقُ أقتابُه (2)، فيدُورُ بها كما يدورُ الحِمارُ برحاه (3)، فتَجْتَمعُ أهلُ النار عليه، فيقولون: يا فلانُ! ما شأنُك؟ ألستَ كنتَ تأمرُ بالمعروف، وتَنْهى عن المنكرِ؟ فيقول: كنتُ آمرُكم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن الشرِّ وآتيه". 125 - (3) [صحيح] قال: (4) وإني سمعتُهُ يقول -يعني النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ --: "مررتُ ليلةَ أُسريَ بي بأقوام تُقرَضُ شفاهُهم بمقاريُضَ من نارٍ، قلتُ: من هؤلاء يا جبريلُ؟ قال: خطباءُ أمتِّكَ الذين يقولون ما لا يَفعلون".   (1) أي: الذي يخالف علمه عمله. (الاندلاق) خروج الشيء من مكانه بسرعة. (2) جمع (قِتْب) بكسر القاف: الأمعاء أي: المصارين. (3) أي: الطاحون. فانظر يا أخي إلى حال من قال ولم يفعل كيف تنصبُّ مصارينه من جوفه، وتخرج من دبره، ويدور بها دوران الحمار بالطاحون، والناس تنظر إليه وتتعجب من هيئته، نسأل الله السلامة. (4) كذا في الأصل وغيره، يعني أنه من حديث أسامة بن زيد، وسيأتي كذلك في الباب الذي سيشير إليه المؤلف قريباً، يعني في (21 - الحدود /2)، وهذا وهم فاحش، سببه -فيما أرى- اعتماد المؤلف رحمه الله على حفظه، وإملاؤه أحاديث الكتاب من ذاكرته، دون أن يرجع في ذلك إلى أصوله، فإن هذا الحديث الذي جعله من حديث أسامة بن زيد هنا وهناك، ليس من حديثه مطلقاً، لا في "الصحيحين" ولا في غيرهما، وإنما هو حديث آخر، لا صلة له بالأول، يرويه أنس ابن مالك رضي الله عنه، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" (35 - موارد الظمآن) وغيرهم ممن = الحديث: 123 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 رواه البخاري، ومسلم، واللفظ له (1). رواه (2) ابن أبي الدنيا وابن حبان والبيهقي من حديث أنس، وزاد ابن أبي الدنيا والبيهقي في رواية لهما: "ويقرؤون كتابَ الله ولا يعملَون بِهِ". قال الحافظ: وسيأتي أحاديث نحوه في "باب من أمر بمعروف أو نهى عن منكر وخالف قوله فعله". [21 - كتاب الحدود]. 126 - (4) [صحيح] وعن أبي بَرزةَ الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تزولُ قدما عبدٍ [يومَ القيامة] (3) حتى يُسأَل عن عمرِهِ فيمَ أفناه؟ وعن علمِهِ فيمَ فَعَلَ فيه؟ وعن مالِهِ من أين اكتَسَبَه؟ وفِيمَ أنفقه؟ وعن جِسمِه فِيمَ أبلاه؟ ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". 127 - (5) [حسن لغيره] ورواه البيهقي وغيره من حديث معاذ بن جبل عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:   = ذكرهم المؤلف، وفاته الإمام أحمد في "المسند" (3/ 120، 231، 239). ومن أجل ذلك فصلته عن حديث أسامة، وأعطيته رقماً خاصاً، بخلاف ما فعله مصطفى عمارة وغيره كالمعلقين الثلاثة. والله ولي التوفيق. (1) كذا قال! ولعله يعني الحديث الأول؛ لما عرفت من أن الشيخين لم يخرجا الآخر، ولهذا قال الناجي: إنما صوابه: واللفظ للبخاري، فإنه رواه هكذا في "باب صفة النار". رواه مسلم نحوه في "كتاب الزهد"، ورواه البخاري بمعناه في كتاب الفتن. قلت: وسيأتي لفظ مسلم في الموضع الذي أشار إليه المصنف هنا، والمراد بهذا التخريج حديث أُسامة الذي قبل هذا؛ كما بينته آنفاً. (2) يعني: حديث الإسراء الذي هو من حديث أنس، وليس من حديث أسامة كما سبق آنفاً، وهو مخرج في "الصحيحة" (291). (3) سقطت من الأصل والمخطوطة، واستدركتها من "الترمذي". الحديث: 126 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 "ما تُزالُ (1) قدما عبدٍ يومَ القيامة حتى يُسألَ عن أربعٍ: عن عمرِهِ فيمَ أفناه؟ وعن شبابِهِ فيمَ أبلاه؟ وعن مالِهِ من أين اكتَسَبَه؟ وفِيمَ أنفقه؟ وعن علمِهِ ماذا عَمِل فيه؟ ". 128 - (6) [حسن لغيره] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يزول قدما ابن آدمَ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن خمسٍ: عن عمره فِيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتَسَبَه؟ وفيمَ أنفقه؟ وماذا عمِل فيما عَلِمَ؟ ". رواه الترمذي أيضاً، والبيهقي، وقال الترمذي: "حديث غريب، لا نعرفه من حديث ابن مسعود عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا من حديث حسين بن قيس". قال الحافظ: "حسين هذا هو حنش، وقد وثقه حُصين بن نُمَيْرٍ، وضعفه غيره، وهذا الحديث حسن في المتابعات إذا أضيف إلى ما قبله. والله أعلم". 129 - (7) [صحيح لغيره موقوف] وعن لقمان -يعني ابن عامر- قال: كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: إنّما أخشى من ربي يومَ القيامة أنْ يدعوَني على رؤوس الخلائِقِ فيقولَ لي: يا عُوَيْمرُ! فأقولَ: لبيكَ ربِّ. فيقول: ما عملتَ فيما علمتَ.   (1) بضم التاء، ويُحيلُ فتحُها المعنى. أفاده الحافظ الناجي. وبالفتح وقع في مطبوعة عمارة! وكذا مطبوعة الثلاثة!! وكانت هذه اللفظة في المخطوطة كما هنا (ما تزال)، فحوّ لها ناسخها أو غيره إلى (ما تزول)، فقلب الألف واواً، وكأنه لم يتنبه لصحتها بضم تائها! وسيعيد المؤلف الحديث في (26 - البعث /3 - في الحساب أو غيره) برواية أخرى بلفظ: "لن تزول. ."، فإن صحت اللفظة التي هنا؛ فالوجه فيها ما أفاده الناجي. الحديث: 128 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 رواه البيهقي (1). 130 - (8) [صحيح لغيره] ورُوي عن أبي بَرزةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَثلُ الذي يُعلِّمُ الناس الخيرَ وينسى نفسَه، مَثَلُ الفَتيلة؛ تُضيءُ على الناسِ، وتَحرقُ نَفْسَها". رواه البزار (2). 131 - (9) [حسن صحيح] وعن جُندُب بن عبد الله الأزدي رضي الله عنه -صاحبِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -- عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَثَلُ الذي يُعلِّمُ الناسَ الخيرَ وينسى نفسَهُ، كمثل السِّراجِ؛ يضيء للناسِ وَيَحرقُ نفسه" الحديث. رواه الطبراني في "الكبير"، وإسناه حسن إن شاء الله تعالى (3). 132 - (10) [صحيح] عن عمران بن حُصَين رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنّ أخوَف ما أخافُ عليكم بعدي، كلُّ منافقٍ عَليمِ اللسانِ". رواه الطبراني في "الكبير"، والبزار، ورواته محتجّ بهم في "الصحيح" (4). 133 - (11) [صحيح] ورواه أحمد من حديث عمر بن الخطاب. (5)   (1) قلت: أخرجه في "شعب الإيمان" (2/ 299/ 1852)، وفيه الفَرَج بن فضالة، وهو ضعيف، لكن رواه الدارمي (1/ 82)، وابن عبد البر (2/ 2 و3) من طرق عن أبي الدراء، وكذا ابن المبارك في "الزهد" كما في "الكواكب الدراري" (1/ 30/ 1). ثم رأيته في المطبوعة (13 - 14/ 39)، وسند هذا صحيح. (2) كذا الأصل والمخطوطة، ولم ينسبه الهيثمي ثم السيوطي إلا للطبراني في "الكبير"، وضعفه ينجبر بالذي بعده. (3) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" من طريقين أحدهما حسن، ويشهد له ما قبله، وهو مخرج في "الصحيحة" تحت الحديث (3379). (4) قلت: وفاته "صحيح ابن حبان" (51/ 91 - موارد). (5) قلت: وأخرجه البزار أيضاً (1/ 97/ 168 و169)، وقال: "إسناده صالح"، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (رقم - 255 - بتحقيقي). الحديث: 130 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 10 - (الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن). 134 - (1) [صحيح] عن أبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قامَ موسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطيباً في بني إسرائيل، فسُئِلَ: أيُّ الناسِ أعلمُ؟ فقال: أنا أعلمُ. فَعَتَبَ الله عليه إذ لم يَرُدَّ العلم إليه، فأوحى الله إليه: إنّ عبداً من عِبادي بـ (مَجمَعِ البحرين) هو أعلمُ منك. قال: يا ربِّ كيف به؟ فقيل له: احمل حوتاً في مِكتلٍ، فإذا فقدتَهُ فهو ثَمَّ. . ." (فذكر الحديث في اجتماعه بالخَضِر إلى أن قال:)، فانطلقا يمشيان على ساحلِ البَحر، ليس لهما سفينةٌ، فمرّت بهما سفينةٌ، فكلَّموهم أن يحملوهما، فعُرِفَ الخَضِرُ، فحملوهما بغير نَوْلٍ، (1) فجاء عُصفورٌ فوقعَ على حَرْفِ السفينةِ، فَنَقَر نَقْرةً أو نقرتين في البحرِ، فقال الخَضِرُ: يا موسى ما نَقَصَ (2) علمي وعلمُك من علم الله إلا كنقرةِ هذا العصفورِ في هذا البحر". فذكر الحديث بطوله (3). وفي رواية: "بينما موسى يمشي في ملأٍ من بني إسرائيلَ، إذ جاءه رجلٌ فقال له:   (1) أي: بغير أجر ولا جُعل. (2) وفي رواية للبخاري: "ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر". وهذه الرواية تبين المراد من رواية الكتاب، فإنّ ظاهرها غير مراد قطعاً، إذ أنّ علم الله لا يدخله نقص مطلقاً. (3) قلت: وهو في كتابي "مختصر صحيح الإمام البخاري" (65 - التفسير /18 - سورة /3 - باب)؛ وقد تم تأليفه منذ بضع سنين، كما تم طبع المجلد الأول والثاني منه، يسّر الله نشر باقيه قريباً. والرواية الأخرى فيه برقم (56). الحديث: 134 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 هل تعلمُ أحداً أعلمَ منك؟ قال موسى: لا. فأوحى الله إلى موسى: بل عبدُنا الخَضِر (1). فسأل موسى السبيلَ إليهِ" الحديث. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 135 - (2) [حسن لغيره] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يظهرُ الإسلامُ حتى تَختَلِفَ التُّجارُ في البحر، وحتى تَخوضَ الخيلُ في سبيل الله، ثم يَظهرُ قومٌ يقرؤون القرآن، يقولون: من أقرأُ منّا؟ من أعلمُ منا؟ من أفقه منا؟ "، ثم قال لأصحابه: "هل في أولئك مِنْ خَيرٍ؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أولئك منكم من هذه الأمّة، وأولئك هم وقودُ النارِ". رواه الطبراني في "الأوسط" والبزار بإسناد لا بأس به. 136 - (3) [حسن لغيره] ورواه أبو يعلى والبزار والطبراني أيضاً من حديث العباس بن عبد المطلب. 137 - (4) [حسن لغيره] وعن [أم الفضل أم] (2) عبدِ اللَه بنِ عباس رضي الله عنهما عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) قال الناجي (23): "كذا وقع عند مسلم معرَّفاً؛ ووقع عند البخاري منكَّراً، وكلاهما واضح؛ وقد قررت نبوّته، وذكرت القائلين بها من المتقدمين والمتأخرين وأتْباع المذاهب الأربعة ضمن جواب حافل في (إلياس) ". (2) سقطت من الأصل، واستدركتها من "معجم الطبراني الكبير" (25/ 27 - 28)، وفي "مجمع الزوائد" (1/ 186): "أم الفضل وعبد الله. ." وهو خطأ مطبعي، وقال: "ورجاله ثقات؛ إلا أن (هند بنت الحارث الخثعمية) التابعية؛ لم أر من وثقها ولا جرحها"! قلت: ذكرها ابن حبان في "الثقات" (5/ 517)، وخرجت حديثها هذا في "الصحيحة" (3230)، وقويته بحديث عمر بن الخطاب، والعباس بن عبد المطلب اللذين قبله. الحديث: 135 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 أنّه قام ليلةً بمكةَ من الليلِ فقال: "اللهم هل بلّغتُ؟ (ثلاثَ مرات) ". فقامَ عمرُ بنُ الخطابِ -وكان أوّاهاً (1) - فقال: اللهم نَعَمْ، وحرَّضْتَ، وجَهَدْتَ، ونَصَحتَ. فقال: "ليَظهرَنَّ الإيمانُ حتى يُرَدَّ الكفرُ إلى مواطِنِه، ولَتُخاضَنَّ البحارُ بالإسلام، وليأتيَنَّ على الناسِ زمانٌ يتعلمون فيه القرآن، يتعلّمونَه وَيقرؤونَه، ثم يقولون: قد قرأْنا وعلِمْنا، فمن ذا الذي هو خيرٌ منا؟ فهل في أولئك من خيرٍ؟ ". قالوا: يا رسول الله! مَن أولئك؟ قال: "أولئك منكم، وأولئك هم وَقودُ النار". رواه الطبراني في "الكبير"، وإسناده حسن -إن شاء الله تعالى-. (قال الحافظ): "وستأتي أحاديث تُنْتَظم في سلك هذا الباب؛ في الباب بعده إن شاء الله تعالى".   (1) (الأوّاه): المتأوِّه: المتضرع. وقيل: هو الكثير البكاء، وقيل: الكثير الدعاء، كما في "النهاية". والقول الأخير هو أحد الأقوال التي قيلت في تفسير قوله تعالى {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}، وهو الذي اختاره ابن جرير. انظر "تفسير ابن كثير" (2/ 394 - 395). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 11 - (الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة والقهر والغلبة، (1) والترغيب في تركه للمُحِقِّ والمبطل). 138 - (1) [حسن لغيره] عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن تَرَكَ المِراءَ وهو مُبطلٌ بُنِيَ له بيتٌ في رَبَضِ الجنة، ومَن تركه وهو مُحِقٌّ بُني له في وسَطها، ومن حسَّن خُلُقَه بُنِيَ له في أعلاها". رواه أبو داود والترمذي -واللفظ له-، وابن ماجه والبيهقي، وقال الترمذي: "حديث حسن". (2) (ربض الجنة) هو بفتح الراء والباء الموحدة وبالضاد المعجمة: وهو ما حولها. 139 - (2) [حسن لغيره] وعن معاذ بن جبلٍ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنا زعيمٌ ببيتِ في رَبَضِ الجنة، وببيتٍ في وَسَطِ الجنةِ، وببيتِ في أعلى الجنة، لِمَن تركَ المِراء وإن كان محقّاً، وتركَ الكذبَ وإن كان مازحَاً، وحَسَّنَ خُلُقَه".   (1) (المراء): الجدال، والتماري، والمماراة: المجادلة على مذهب الشك والريبة، ويقال للمناظرة: مماراة؛ لأن كل واحد منهما يستخرج ما عند صاحبه، ويمتريه كما يمتري الحالب اللبن من الضرع. والمرية: التردد في الأمر. و (المخاصمة): المنازعة، يقال خاصمه أي: نازعه. و (المحاجَّة): المغالبة. (2) هذا يوهم أن جميع المذكورين أخرجوه باللفظ المذكور عن أبي أمامة؛ والواقع أنه لم يخرجه عنه منهم سوى أبي داود بنحوه، وإسناده يحتمل التحسين، ولفظه: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقّاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه".، وأخرجه الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"، وإنما أخرجه بنحو اللفظ المذكور ابن ماجه والترمذي -وحسنه-، عن أنس بن مالك، والأقرب إلى اللفظ المذكور حديث معاذ الآتي بعده. وقد تكلمت على أسانيدها في "الصحيحة" (273). ومما سبق يتبين أن المؤلف -عفا الله عنا وعنه- ركّب متناً لا أصل له من أحاديث، ولم يتنبه لذلك الحافظ الناجي، فمر عليه، فضلاً عن المقلدين الثلاثة! الحديث: 138 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 رواه البزار والطبراني في "معاجيمه الثلاثة"، وفيه سُويد بن إبراهيم أبو حاتم (1). 140 - (3) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال: "كنّا جلوساً عند بابِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نتذاكر؛ يَنْزِعُ (2) هذا بآيةٍ، ويَنْزِعُ هذا بآيةٍ، فخرج علينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كأنَّما (3) يُفْقَأُ في وجهِهِ حَبُّ الرّمَّانِ، فقال: "يا هؤلاء! بهذا بعثتم، أم بهذا أُمرتم؟! لا ترجعوا بعدي كفاراً؛ يضرب بعضُكم رقابَ بعض". رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه سويد (4). 141 - (4) [حسن] وعن أبي أمامة (5) رضى الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما ضَلَّ قومٌ بعد هُدىً كانوا عليه إلا أُوتوا الجدَلَ"، ثم قرأ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا}.   (1) هذا من الأوهام، فإنه ليس لسويد هذا ذكر في هذا الحديث، وإنما هو في رواية أخرى نحو هذه من حديث ابن عباس تراه في "المجمع" (8/ 23)، وبه يتقوى الحديث، ونقله الثلاثة المعلقون عني، ولكنهم -لأمر ما- بتروا منه قولي: "وبه يتقوى الحديث". فهل هذا مما يقتضيه التحقيق عندهم والأمانة العلمية! (2) أي: يجذب ويأخذ. (3) الأصل: (كما)، والتصويب من المخطوطة و"المجمع". (4) يعني سُويد بن إبراهيم أبو حاتم، كما في حديث قبله في الأصل وفيه ضعف. قلت: لكنْ رواه الطبراني عن أنس مثله. ورجاله ثقات أثبات كما في "المجمع" (1/ 157)، وله شاهد من حديث ابن عمروٍ عند ابن ماجه وأحمد بسند حسن. فالحديث صحيح. ثم تبين لي بعد طبع "معَجم الطبراني الأوسط" أن ما في "المجمع" خطأ من مؤلفه رحمه الله، فإنه فيه (9/ 214/ 8465) من طريق (سويد) نفسه! ثم إن الجملة الأخيرة: "لا ترجعوا. ." إلخ صحيحة جداً من رواية جمع من الصحابة، لكني أراها وهماً هنا من أوهام (سويد)، فإنها غير منسجمة مع ما قبلها، فالصواب ما في حديث (ابن عمرو) في رواية لأحمد وغيره بلفظ: "ولا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض"، انظر "ظلال الجنة" (1/ 177/ 406). (5) في الأصل وغيره: أبي هريرة، وكذا في المخطوطة، وهو خطأ من المؤلف، نبّه عليه الشيخ إبراهيم الناجي رحمه الله. الحديث: 140 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا في "كتاب الصمت" وغيره، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح" (1). 142 - (5) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنّ أبغضَ الرجالِ إلى الله الألدُّ الخصِم". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. (الألدُّ) بتشديد الدال المهملة: هو الشديد الخصومة. (الخصِم) بكسر الصاد المهملة: هو الذي يحج من يخاصمه. 143 - (6) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "المِراء في القرآن كُفْرٌ". رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه". 144 - (7) [صحيح] ورواه الطبراني وغيره من حديث زيد بن ثابت (2).   (1) وصححه أيضاً الحاكم، ووافقه الذهبي، وإنما هو حسن فقط. (2) قلت: ولفظه في "كبير الطبراني" (5/ 169/ 4916): "لا تماروا في القرآن، فإن المراء فيه كفر". وقد صح بهذا التمام عن بعض الصحابة، وهو مخرج في "الروض النضير" تحت حديث أبي هريرة (1124)، وانظر "الصحيحة" (2419). الحديث: 142 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 4 - كتاب الطهارة. 1 - (الترهيب من التخلّي على طرقِ الناس أو ظلُّهم أو مواردهم، والترغيب في الانحراف عن استقبال القبلة واستدبارها). 145 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اتّقوا اللاعِنَيْنِ". قالوا: وما اللاعِنان يا رسول الله؟ قال: "الذي يَتَخلّى في طُرُقِ الناسِ، أو في ظِلِّهم". رواه مسلم وأبو داود وغيرهما. قوله: "اللاعِنَيْنِ": يريد الأمرين الجالبين اللعنَ، وذلك أنّ من فعلهما لُعِن وشُتِم، فلما كانا سبباً لذلك؛ أضيف الفعلُ إليهما، فكانا كأنهما اللاعنان. 146 - (2) [حسن لغيره] وعن مُعاذِ بنِ جبلٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اتقوا المَلاعِنَ الثلاثَ: البَرازَ (1) في الموارِدِ، وقارعةِ الطرق، والظلِّ". رواه أبو داود وابن ماجه؛ كلاهما عن أبي سعيد الحِمْيَريّ عن معاذ. وقال أبو داود: "وهو مرسل". يعني أن أبا سعيد لم يُدرِك مُعاذاً. (2)   (1) بفتح الموحدة اسم للفضاء الواسع فكنوا به عن الغائط، كما كنوا بالخلاء؛ لأنهم كانوا يتبرزون في الأمكنة الخالية من الناس. كما في "النهاية". و (الموارد): جمع مورد، وهي المجاري والطرق إلى الماء. (2) قلت: لكن يشهد له حديث ابن عباس نحوه في "المسند" (1/ 299)، وهو الآتي بعده، فكل منهما يقوي الآخر، وله شواهد أخرى مخرجة في "الإرواء" (1/ 100 - 102). الحديث: 145 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 (الملاعِن): مواضع اللعن. قال الخطابي: "والمراد هنا بـ (الظل) هو الظل الذي اتخذه الناس مقيلاً ومنزلاً ينزلونه، وليس كلُّ ظلَّ يحرم قضاء الحاجة تحته، فقد قضى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حاجته تحت حايش من النخل، وهو لا محالة له ظل" انتهى. (1) 147 - (3) [حسن لغيره] وروي عن ابن عباسٍ قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "اتّقوا المَلاعن الثلاثَ". قيل: ما المَلاعنُ الثلاث يا رسول الله؟ قال: "أنْ يَقْعُدَ أحدُكم في ظلٍّ يُستَظَلُّ به، أو في طريقٍ، أو في نَقْعِ ماءٍ". رواه أحمد. 148 - (4) [حسن] وعن حذيفةَ بن أُسَيْدٍ؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من آذى المسلمين في طُرقِهِم؛ وَجَبَتْ عليه لَعنَتُهم". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن. 149 - (5) [حسن لغيره] وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إيّاكم والتَّعريسَ على جَوَادِّ (2) الطّريق،. . . . فإنّها مأْوى الحياتِ والسِّباعِ، وقضاءَ الحاجةِ عليها؛ فإنها الملاعنُ". رواه ابن ماجه، ورواته ثقات. (3)   (1) يعني: كلام الخطابي، وهو في "العالم" (1/ 30). (2) بتشديد الدال: جمع جادة، وفي الأصل مكان النقط: "والصلاة عليها"، فحذفتها لتفرّد الراوي الضعيف بها. انظر "الصحيحة" (2433). (3) قال الجهلة الثلاثة: "حسن بشوهده" دون أن يتنبهوا لكون الزيادة المحذوفة لا شاهد لها ولفظها: "والصلاة عليها"، ولذلك حذفتها مشيراً إليها بالنقط. الحديث: 147 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 150 - (6) [حسن لغيره] وعن مكحول قال: نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يُبال بأبواب المساجد. رواه أبو داود في "مراسيله". 151 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن لم يَستقبِلِ القِبلةَ، ولم يَستَدْبِرْها في الغائِط (1)؛ كُتِبَ له حسنةً، ومُحِيَ عنه سيئةً". رواه الطبراني، ورواته رواة "الصحيح" (2). قال الحافظ: "وقد جاء النهي عن استقبال القبلة واستدبارها في الخلاء (3) في غير ما حديث صحيح مشهور، تغني شهرته عن ذكره، لكونه نهياً مجرداً. والله سبحانه وتعالى أعلم".   (1) أصل الغائط اسم للمطمئن الواسع من الأرض، ثم أطلق على الخارج المستقذر من الإنسان. (2) كذا قال، وأما الهيثمي فإنه استثنى (1/ 204) من ذلك شيخ الطبراني، وشيخ شيخه، وقال: "وهما ثقتان". وهذا هو الصواب؛ كما بينته في "الصحيحة" رقم (1098)، وشيخ الطبراني فيه تَبيَّن لي بعد طبع كتابه وهو "المعجم الأوسط" -خلافاً لإطلاق المؤلف- أنه (أحمد بن محمد ابن صدقة) أبو بكر البغدادي، خلافاً لما كنت استظهرته في "الصحيحة"، وهو مترجم في كتاب صاحبنا الشيخ الفاضل حماد الأنصاري (ص 74/ 141) نفع الله به وعافاه الله من مرضه. (3) قوله: "في الخلاء" لا ذِكْر له في الأحاديث التي أشار إليها، وإنما هو تقييد من المؤلف لها بفهمه اتباعاً منه لمذهبه، وهذا أمَر غير جيد. فتنبّه. الحديث: 150 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 2 - (الترهيب من البول في الماء والمغتسل والجُحْر). 152 - (1) [صحيح] عن جابرٍ عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنّه نهى أنْ يبالَ في الماء الراكدِ. رواه مسلم وابن ماجه والنسائي. 153 - (2) [صحيح] وعن بكر بن ماعز قال: سمعتُ عبدَ اللهِ بنَ يزيدَ يحدِّث عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يُنْقَعْ (1) بولٌ في طَسْتٍ في البيت، فإنّ الملائكةَ لا تَدخلُ بيتاً فيه بولٌ مُنْتَقَعٌ، ولا تَبُولَنَّ في مُغتسلِكَ". رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد" (2). 154 - (3) [صحيح] وعن حميد بنِ عبدِ الرحمنِ قال: لقيتُ رجلاً صَحِبَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما صَحبَه أبو هريرة قال: نَهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يَمْتَشِطَ أحدُنا كُلَّ يومٍ، أو يبول في مُغْتَسَلِه. رواه أبو داود والنسائي في أول حديث (3).   (1) أي: لا يُجْمَع. (2) لم يروه الحاكم، فقد بحثت عنه في مظانه فلم أجده، ولا ذكره الدكتور المرعشلي في "فهرس المستدرك"، ولا عزاه إليه الأخ أبو هاجر في "موسوعته" (7/ 477)، فلعلة خطأ من الناسخ، فإن محله في تخريج حديث (عبد الله بن مغفّل) المذكور في الأصل بعد هذا بحديث، فإنه قد رواه الحاكم، ولم يعزه إليه! وهو من حصة "ضعيف الترغيب". وإن من الغرائب أن هذا الخطأ انطلى على المعلقين الثلاثة، بل وزادوا -ضِغثاً على إيّالة- فقالوا (1/ 179) عطفاً على الطبراني: "والحاكم (1/ 167 و185) بنحوه! وإذا رجع القارئ إلى الصفحتين المشار إليهما لم يجد إلا حديث عبد الله بن مغفل!! ومن الجهل المركّب قولهم: "بنحوه" وهو مختلف عنه، لأنه ليس فيه شيء من معناه، فإنه بلفظ: "نهى أن يبول الرجل في مستحمه، وقال: إنّ عامة الوسواس منه"! فأين هذا من ذاك؟!. (3) قوله: "في أول حديث" لا معنى له كما بينه الناجي (24). الحديث: 152 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 3 - (الترهيب من الكلام على الخلاء). 155 - (1) [صحيح لغيره] عن أبي سعيد الخدري؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يتناجي (1) اثنان على غائطهما، ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه، فإن الله يمقتُ على ذلك". رواه أبو داود وابن ماجه -واللفظ له-، وابن خزيمة في "صحيحه"، ولفظه كلفظ أبي داود قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يخرج الرجلان يضربان الغائطَ كاشِفَيْن عن عوراتِهِما يتحدثان، فإنّ اللهَ يمقتُ على ذلك". رووه كلهم من رواية هلال بن عياض، أو عياض بن هلال عن أبي سعيد. وعياض هذا روى له أصحاب السنن، ولا أعرفه بجرح ولا عدالة، وهو في عداد المجهولين. (2) قوله: (يضربان الغائط): قال أبو عمر (3) صاحب ثعلب: "يقال: ضربت الأرض، إذا أتيت الخلاء، وضربت في الأرض، إذا سافرت". 156 - (2) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يخرج اثنان إلى الغائط فيجلسان يتحدثان كاشفين عن عوراتهما، فإن الله يمقت على ذلك". رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد ليّن.   (1) (التناجي): تكلُّم كل منهما مع صاحبه سرّاً، وهذا نفي بمعنى النهي. وقوله: (يمقت) أي: يبغض، وبابه: نصر. (2) قلت: وهو كما قال، لكن له شاهد من غير طريقه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه خرجته من أجله في "الصحيحة" (3120)، ولذلك أوردته في هذا "الصحيح"، وهو من مزايا هذه الطبعة على الطبعات السابقة، كما أشرت إلى ذلك في المقدمة. (3) وقع في طبعة مصطفى والمعلقين الثلاثة: "أبو عمرو"، وهو خطأ، واسمه محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم أبو عمر الزاهد المعروف بغلام ثعلب، لقب به لصحبته إياه مدة طويلة، وهو من شيوخ الحاكم، مات سنة (345)، له ترجمة في "تذكرة الحفاظ" و"لسان الميزان"، وغيرهما. الحديث: 155 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 4 - (الترهيب من إصابة البول الثوب وغيره، وعدم الاستبراء منه). 157 - (1) [صحيح] عن ابنِ عباس رضي الله عنهما: أنّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بقبرَين، فقال: "إنَّهما ليُعذَّبان، وما يُعَذَّبان في كبيرٍ، بلى إنّه كبير، أمّا أحدُهما فكان يَمشي بالنميمةِ، وأما الآخرُ فكان لا يَستَتِرُ من بولِه". رواه البخاري -وهذا أحد ألفاظه- ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وفي رواية للبخاري وابن خزيمة في "صحيحه": أنّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بحائطِ من حِيطانِ مكة أو المدينة، فسمع صوتَ إنسانَيْنِ يُعذَّبانِ في قبورِهما، فقَال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنهما لَيعذَّبان، وما يُعذبان في كبيرِ". ثم قال: "بلى؛ كان أحدُهما لا يَسْتَتِرُ من بولِه، وكان الآخرُ يَمشي بالنميمة" الحديث. وبوب البخاري عليه "باب من الكبائرِ أن لا يستترَ من بولِه" (1). قال الخطابي: "قوله: (وما يعذبان في كبير) معناه: أنهما لم يعذبا في أمر كان يكبر عليهما، أو يثق فعله لو أرادا أن يفعلا، وهو التنزه من البول، وترك النميمة، ولم يُرِد أنّ المعصية في هاتين الخصلتين ليست بكبيرة في حق الدين، وأنَّ الذنب فيهما هين سهل" (2). قال الحافظ عبد العظيم: "ولخوفِ توهمِ مثل هذا استدرك فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بلى إنه كبير". والله أعلم".   (1) انظر كتابي "مختصر صحيح البخاري" رقم (129). (2) "معالم السنن" (1/ 27). الحديث: 157 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 158 - (2) [صحيح لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عامَّةُ عذاب القبرِ في البولِ، فاستنزِهُوا من البولِ". رواه البزار، والطبراني في "الكبير"، والحاكم والدارقطني؛ كلهم من رواية أبي يحيى القَتَّاتِ عن مجاهد عنه. وقال الدارقطني: "إسناده لا بأس به". والقتّات مختلَف في توثيقه (1). 159 - (3) [صحيح لغيره] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَنزَّهوا من البولِ؛ فإنَّ عامةَ عذابِ القبرَ مِن البَولِ". رواه الدارقطني وقال: "المحفوظ مرسل" (2). 160 - (4) [حسن لغيره] وعن أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه قال: بينما النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمشي بيني وبين رجلٍ آخرَ، إذْ أتى على قَبرَيْن، فقال: "إنَّ صَاحِبَيْ هذَيْن القبرين يُعذَّبان، فائتِياني بِجريدةٍ". قال أبو بكرة: فاستَبَقتُ أنا وصاحبي، فأتيتُه بِجَريدةٍ، فشقَّها نصفين، فوضع في هذا القبر واحدةً، وفي ذا القبرِ واحدةً، قال: "لعله يُخفَّفُ عنهما ما دامتا رَطْبَتَيْن؛ إنّهما يعذَّبان بغير كبير؛ الغيبةِ والبولِ". رواه أحمد والطبراني في "الأوسط" واللفظ له، وابن ماجه مختصراً من رواية بحر بن مَرَّار عن جده أبي بكرة، ولم يدركه (3).   (1) قلت: لكن له إسناد آخر من حديث أبي هريرة عند الدارقطني، وصوّب إرساله، وله عنه طريق أخرى عند ابن ماجه وغيره. وهو الآتي بعد حديث. (2) قلت: لكنّه قد رواه جماعة موصولاً، وهو المحفوظ كما قال أبو حاتم. انظر "الإرواء" (1/ 310/ 280). (3) لكن وصله الطيالسي في "مسنده" (867)، وابن عدي في "الكامل" (ق 40/ 1) عن بحر بن مرار البكراوي عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه به. وهذا سند موصول لا بأس به. الحديث: 158 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 161 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أكثرُ عذَابِ القبرِ مِن البَولِ". رواه أحمد وابن ماجه -واللفظ له- والحاكم وقال: "صحيح على شرط الشيخين، ولا أعلم له علة". قال الحافظ: "وهو كما قال". 162 - (6) [صحيح] وعن عبد الرحمن بنِ حَسَنَةَ رضي الله عنه قال: خرج علينا رسولُ الله في يده الدَّرَقةُ (1)، فوضعها ثم جَلَسَ، فبالَ إليها، فقال بعضهم: انظروا إليه يبولُ كما تبولُ المرأةُ! فسمعه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "ويحكَ! ما علمتَ ما أصابَ صاحبَ بني إسرائيل؟ كانوا إذا أصابهم البولُ قَرَضوه بالمقاريض، فنهاهم، فَعُذِّبَ في قبره". رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه" (2). 163 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة قال: كنّا نمشي مع رسول الله، فمرَرْنا على قَبرَين، فقام، فقمنا معه، فجعل لونُه يَتَغَيَّرُ، حتى رُعِدَ كُمُّ قميصِه، فقلنا: ما لَك يا رسولَ اللهِ؟ فقال: "أما تَسمعونَ ما أسمَعُ؟ ". فقلنا: وما ذاك يا نبيَّ اللهِ؟ قال: "هذان رَجُلان يُعذَّبان في قبورهما عذاباً شديداً في ذنب هَيِّن! ". قلنا فيمَ ذلك؟ قال:   (1) بفتحات: الترس إذا كان من جلد، وليس فيه خشب ولا عصب. وقوله: (فوضعها) أي: جعلها حائلة بينه وبين الناس، وبال مستقبلاً إليها. وقوله: (ويحك): كلمة ترحم وتهديد. (2) فاته أبو داود والنسائي، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" برقم (16). الحديث: 161 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 "كان أحدُهما لا يستنزِهُ من البَول، وكان الآخرُ يؤذي النّاس بلسانِهِ، ويمشي بينهم بالنميمةِ". فدعا بجريدتَين من جرائدِ النخل، فجعل في كل قبرٍ واحدةً. قلنا: وهل ينفَعُهم ذلك؟ قال: "نعم، يُخَفَّفُ عنهما ما دامتا رَطْبَتَيْن". رواه ابن حبان في "صحيحه". قوله: (في ذنْب هَيِّن) يعني: هيّن عندهما، وفي ظنهما، أو هيّن عليهما اجتنابه، لا أنه هيّن في نفس الأمر؛ لأن النميمة محرَّمة اتّفاقاً (1).   (1) قلت: ويؤيد ذلك قوله في حديث ابن عباس المنصرم (في الباب السابق/ الحديث الأول): ". . . بلى إنه لكبير". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 5 - (الترهيب من دخول الرجال الحمام بغير أُزُرٍ، ومن دخول النساء بأُزرٍ وغيرها إلا نُفَساء أو مريضة، وما جاء في النهي عن ذلك). 164 - (1) [صحيح لغيره] عن جابرٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ كان يُؤمن بالله واليومِ الآخرِ؛ فلا يَدخلِ الحمامَ إلا بمئزَرٍ، ومن كان يؤمنُ بالله واليومِ الآخرِ؛ فلا يُدْخِلْ حَلِيلَتَه الحمّامَ". رواه النَّسائي، والترمذي، وحسنه، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 165 - (2) [حسن صحيح] وعنها [يعني عائشة رضي الله عنها] قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الحمامُ حرامٌ على نساءِ أمتي". رواه الحاكم وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد (1) ". 166 - (3) [صحيح] وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ كَانَ يؤْمن باللهِ واليومِ الآخرِ؛ فَلْيُكرِمْ جاره، ومَنْ كانَ يؤمن باللهِ واليومِ الآخرِ؛ فلا يدخُلِ الحمَّامَ! إلا بمئزرٍ، ومَن كان يؤمن باللهِ واليومِ الآخر؛ فليقل خيراً أو ليصمُتْ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر من نسائكم؛ فلا يدخل الحمّام". قال: فَنَمَيْتُ بذلك (2) إلى عُمرَ بنِ عبد العزيز رضي الله عنه في خلافته،   (1) ووافقه جمع من الحفاظ، منهم الذهبي، وانظر تحقيق صحته في المجلد السابع من "الصحيحة" رقم (3439) تحقيقاً لا تراه في مكان آخر. (2) أي: رفعتُه، وكان الأصل وغيره: "فنهيت"، والتصحيح من "ابن حبان - موارد". وبمعناه رواية الحاكم بلفظ: "فرفع الحديث"، وهو عنده من طريق كاتب الليث، لكنه قد توبع عند ابن حبان. الحديث: 164 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 فكيف إلى أبي بكر بن محمد بن عَمروِ بن حَزْمٍ (1) أنْ: سَلْ محمد بن ثابت عن حديثه فإنَّه رضاً، فسأله، ثم كتب إلى عُمر، فمنعَ النساءَ عن الحمام. رواه ابن حبان في "صحيحه" واللفظ له، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد". ورواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" من رواية عبد الله بن صالح كاتب الليث، وليس عنده ذكر عمر بن عبد العزيز. 167 - (4) [صحيح لغيره] وعن قاصِّ الأجنادِ بـ (القُسطنْطِينيَّة)؛ أنه حَدَّثَ: أن عُمرَ بنَ الخطاب رضي الله عنه قال: يا أيها الناس! إني سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ؛ فلا يَقْعدَنَّ على مائدةٍ يُدارُ عليها الخمر، ومَن كان يؤمنُ بالله واليومِ الآخِر؛ فلا يدخل الحمّام إلا بإزار، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخِرِ؛ فلا يُدخل حَليلَتَه الحمّام". رواه أحمدُ. وقاصّ الأجناد، لا أعرفه. 168 - (5) [حسن صحيح] وروى (2) آخره أيضاً عن أبي هريرة، وفيه أبو خيرة، لا أعرفه أيضاً. (الحليلة) بفتح الحاء المهملة: هي الزوجة. 169 - (6) [صحيح] وعن أمِّ الدرداءِ رضي الله عنها قالت: خرجتُ من الحمّام، فلِقيني النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "مِن أينَ يا أُمَّ الدرداءِ؟ ".   (1) في الأصل والمخطوطة والمطبوعة: (حزام)، والتصحيح من كتب الرجال و"الموارد". (2) يعني: الإمام أحمد (2/ 321)، وإسناده حسن، رجاله ثقات معروفون غير (أبي خيرة)، وهو مصري، وقد عرفه أعلم الناس بالمصرين أبو سعيد بن يونس فترجمه في "تاريخ مصر" ترجمة جيدة، برواية جمعٍ ثقات، وذكر أنّه كان فاضلاً. فانظر "تعجيل المنفعة" (ص 394 - 395 و481 - 482). الحديث: 167 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 فقلت: مِن الحمّام، فقال: "والذي نفسي بيده ما من امرأةٍ تَنزِعُ ثيابَها في غيرِ بيتِ أحدٍ من أمّهاتها، إلا وهي هاتكةٌ كلَّ سترٍ بينها وبين الرحمنِ عز وجل". رواه أحمد والطبراني في "الكبير" بأسانيد رجالها (1) رجال "الصحيح". 170 - (7) [صحيح] وعن أبي المليَح الهُذَلي (2) رضي الله عنه: أنّ نساءً من أهلِ (حِمصَ) أو من أهل (الشام) دَخلْنَ على عائشة رضيَ الله عنها فقالت: أنتنّ اللاتي يَدْخُلْنَ نساؤكُن الحمّامات؟! سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:   (1) كذا الأصل، والصواب: "رجال أحدها" كما في "المجمع" (1/ 277)، وهو يعني طريق أبي موسى يُحنَّس عن أم الدرداء عند أحمد (6/ 361 - 362)، وسنده صحيح، رجاله رجال مسلم، والطريق الأخرى عنده فيها زبَان -وهو ابن فائد- وهو ضعيف. ولم يقف الحافظ ابن حجر على هذه الطريق الصحيحة كما نقله الشيخ الناجي عنه، وتبعه هو في ذلك، ثم أطال الكلام في تضعيف زبان، وتوهيم المؤلف ثم الهيثمي لإشارتهما إلى تلك الطريق الصحيحة! وكأنّه لم يحاول الرجوع إلى "المسند"، ولو فعل لوجد الطريقين في المكان الواحد الذي أشرنا إليه، ولما وقع في هذا الخبط، لا سيما وقد بنى عليه عدم وجود الحمّام في عهده، مشيراً إلى بعض الأحاديث الواهية مما أورده المصنف هنا، وحذفناها من كتابنا هذا لضعفها، كحديث: "سيكون بعدي حمّامات. ."، فأعلّ الصحيح بالضعيف! وقد وقع في مثل هذا الوهم بعض المحققين كابن القيّم وغيره. وقد سقط الحديث من نسخة الظاهرية، لكنْ على هامشها مقابل حديث أبي المليح الآتي ما نصه: "نسخة: وعن أم الدرداء. . ."، واغترّ بالنسخة المعلقون الثلاثة فأسقطوا الحديث من طبعتهم! رغم وجوده في بعض الطبعات من الكتاب، ووروده في المكان المشار إليه من "المسند"، وقد اطلعوا على هذا التعليق في الطبعة السابقة، لأنّهم اعتمدوها في جُلّ أحكامهم على الأحاديث دون عزو إليها - (على النصت) كما يقولون في سوريا! - فما الذي حملهم على ذلك؟ أهو التظاهر بمظهر المحققين، أم عملاً بقول بعضهم: خالف تعرف؟! ثم وجدت للحافظ ابن حجر كلاماً ينافي ما نقله الناجي عنه، ذهب فيه إلى تقوية الحديث. وذلك هو الظن بمثله، فراجع كلامه في ذلك في كتابه: "القول المسدَّد في الذبِّ عن مسند الإمام أحمد" (ص 46 رقم الحديث 14). (2) هو تابعي مات سنة (98)، فالترضّي عنه يوهم الصحبة، فتنبه. وراجع التعليق على صحابي الحديث الأول (4 - الطهارة/ 7 - باب) من الكتاب الآخر. الحديث: 170 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 "ما من امرأةٍ تضعُ ثيابَها في غير بيتِ زوجها؛ إلا هَتَكَتِ السَّترَ بينها وبين ربِّها". رواه الترمذي -واللفظ له- وقال: "حديث حسن"، وأبو داودَ وابن ماجه، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". 171 - (8) [صحيح لغيره] ورَوَى أحمد وأبو يعلى والطبراني والحاكم أيضاً من طريق درَّاج أبي السَّمْح عن السائب: أنّ نساءً دَخلْنَ على أمِّ سلمةَ رضي الله عنها، فسألتْهُنَّ: من أنتُنَّ؟ قُلنَ: مِن أهل (حِمصَ). قالت: مِن أصحابِ الحمَّامات؟ قُلْنَ: وبها بأسٌ؟ قالت: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أيُّما امرأةٍ نَزَعَتْ ثيابَها في غيرِ بَيتِها؛ خَرَقَ اللهُ عنها سِترَه" (1). 172 - (9) [صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن كان يؤْمِنُ بالله واليوم الآخرِ؛ فلا يَدخلِ الحمامَ [إلا بمئزر] (2)، من كان يؤْمن بالله واليومِ الآخرِ؛ فَلا يُدخِل حَليلَتَه الحمّام، من كان يؤْمن بالله واليومِ الآخرِ؛ فلا يَشربِ الخمرَ، مَن كان يؤْمن باللهِ واليومِ الآخرِ؛ فلا يَجْلسْ على مائدةٍ يُشربُ عليها الخمرُ، من كان يؤْمن بالله واليومِ الآخرِ، فلا يَخلُوَنَّ بامرأةٍ ليسَ بينَه وبينَها مَحرَم". رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه يحيى بن أبي سليمان المدني.   (1) قلت: له شاهد يتقوّى به، خرجته في الأصل. (2) زيادة من المخطوطة و"الكبير" للطبراني و"المجمع". وسقط منه: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فـ. . . "، وقال: "لا تدخل الحمام إلا بمئزر. ."! الحديث: 171 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 6 - (الترهيب من تأخير الغُسل لغير عذر). 173 - (1) [حسن لغيره] عن عمَّار بن ياسر رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثةٌ لا تَقْرَبُهُمُ الملائكةُ: جيفةُ الكافرِ، والمتَضَمِّخُ بالخَلُوقِ، والجُنُبُ؛ إلاّ أنْ يتوضّأ". رواه أبو داود عن الحسن بن أبي الحسن عن عمَّارٍ، ولم يسمع منه (1). قال الحافظ -رحمه الله-: "المراد بالملائكة هنا هم الذين ينزلون بالرحمة والبركة، دون الحفظة، فإنّهم لا يفارقونه على حال من الأحوال. ثم قيل: هذا في حق كلَّ مَن أخّر الغسل لغير عذر؛ ولعذر إذا أمكنه الوضوء فلم يتوضّأ، وقيل: هو الذي يؤخّره تهاوناً وكسلاً، ويتخذ ذلك عادة. والله أعلم". 174 - (2) [صحيح] وعند البزار بإسناد صحيح عن ابن عباس [عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (2) قال: "ثلاثةٌ لا تقرَبهُم الملائكة: الجنبُ، والسكرانُ، والمتَضَمِّخُ بالخَلوق (3) ".   (1) قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، والحسن بن أبي الحسن هو البصري، مدلس، لكن له شاهدان من حديث عبد الرحمن بن سمرة، وبريدة بن الحصيب، وفي سندهما ضعف كما بينه الهيثمي في "المجمع" (5/ 156)، فيتقوى الحديث بهما. (2) سقطت من الأصل وغيره، واستدركتها من "زوائد البزار" و"مجمع الزوائد". (3) (الخَلوق): طيب مركّب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصفرة، وقد ورد تارة بإباحته، وتارة بالنهي عنه، والنهي أكثر وأثبت؛ وإنما نهى عنه لأنه من طيب النساء، وكن أكثر استعمالاً له منهم. قال الحافظ ابن الأثير: "والظاهر أن أحاديث النهي ناسخة" اهـ، و (التضمخ): التلطخ به. الحديث: 173 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 7 - (الترغيب في الوضوء وإسباغه). 175 - (1) [صحيح] عن ابن عُمَر [عن أبيه] (1) رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سؤال جبرائيل إياه عن الإسلام، فقال: "الإسلامُ أنْ تَشهدَ أن لا إله إلا اللهَ، وأنّ محمداً رسولُ اللهِ، وأنْ تقيِمَ الصلاةَ، وتُؤتِيَ الزكاةَ، وتَحجَّ وتَعتَمِرَ، وتَغتسلَ من الجنابةِ، وأن تُتِمَّ الوُضوءَ، وتصومَ رمضانَ". قال: فإذا فعلتُ ذلك فأنا مسلم؟ قال: "نعم". قال: صَدَقْتَ. رواه ابن خزيمة في "صحيحه" هكذا، وهو في "الصحيحين" وغيرهما بنحوه بغير هذا السياق. 176 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنّ أمّتي يُدعَوْنَ يومَ القيامةِ غُرّاً مُحَجَّلِين مِن آثارِ الوضوء"، فمَن استطاعَ منكم أن يُطيلَ غُرَّتَه فَلْيفعلْ. رواه البخاري ومسلم.   (1) سقطت من الأصل، وكذا المخطوطة وغيرها، وإثباتها ضروري؛ فإن الحديث عند ابن خزيمة (رقم 1) وغيره، ورواه ابن حبان (رقم 16) عن ابن خزيمة -من طريق سليمان التيمي عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر. وكذلك أخرجه الدارقطني في "سننه" (ص 281)، وقال: "إسناد صحيح ثابت، أخرجه مسلم بهذا الإسناد". قلت: لكن مسلماً (1/ 30) لم يسق لفظه، وإنما أحال به على حديث عبد الله بن بُريدة عن يحيى به، وليس فيه ذكر العمرة والغسل والوضوء. ثم إن المؤلف عزى الحديث بنحوه لـ "الصحيحين"، وهو فيهما من حديث أبي هريرة، لا من حديث عمر، وإنما رواه مسلم وحده عن ابن بريدة كما ذكرنا نحو هذا، وسيأتي بعضه في "الترغيب في الصلوات الخمس". ثم رأيت الشيخ الناجي قد أطال الكلام في تخريج الحديث، وبيان وهم المؤلف -رحمه الله- في جعله إياه من مسند ابن عمر (28 - 30)، وفي عزوه لـ "الصحيحين"، ولم يتنبّه المعلقون لبيانه للوهم الأول، ولذلك لم يستدركوا الزيادة!! الحديث: 175 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وقد قيل: إن قوله: "من استطاع. . ." إلى آخره إنما هو مُدْرَجٌ من كلام أبي هريرة موقوف عليه. ذكره غير واحد من الحفاظ (1). والله أعلم. ولمسلم من رواية أبي حازمٍ قال: "كنت خَلْفَ أبي هريرةَ وهو يتوضّأ للصلاةِ، فكانَ يَمُدُّ يَدَه حتى يَبلُغَ إبطَه، فقلتُ له: يا أبا هريرةَ! ما هذا الوضوءُ؟ فقال: يا بَني فَرُّوخَ (2) أنتم هاهنا؟ لو علمتُ أنّكم ههنا ما توضّأتُ هذا الوضوءَ، سمعت خليلي رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "تَبلغُ الحِليةُ مِنَ المؤمنِ حَيثُ يَبلغُ الوُضوءُ" (3). ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" بنحو هذا، إلا أنّه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنّ الحِليةَ تبلغُ مَواضعَ الطَّهور". (الحِلية): ما يحلّى به أهل الجنة من الأساور ونحوها.   (1) قلت: وهو الذي جزم به ابن تيمية، وابن القيم، والحافظ، وتلميذ، الشيخ الناجي (30). (2) بفتح الفاء وتشديد الراء وبالخاء المعجمة، قال صاحب العين: (فروخ) بلغنا أنه كان من ولد إبراهيم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، من ولدٍ كان بعد إسماعيل وإسحاق؛ كثر نسله، ونما عدده، فولد العجم الذين هم في وسط البلاد. قال القاضي عياض -رحمه الله-: أراد أبو هريرة هنا: الموالي وكان خطابه لأبي حازم. قال القاضي: وإنما أراد أبو هريرة بكلامه هذا أنه لا ينبغي لمن يقتدى به إذا ترخص في أمر لضرورة، أو تشدد فيه لوسوسة، أو لاعتقاده في ذلك مذهباً شذ به عن الناس أن يفعله بحضرة العامّة الجهلة؛ لئلا يترخّصوا برخصة لغير ضرورة، أو يعتقدوا أن ما تشدد فيه هو الفرض اللازم. والله أعلم. (3) قلت: ورواه البخاري في "باب نقض الصّور" من طريق أبي زرعة قال: دخلت مع أبي هريرة داراً بالمدينة. . ثم دعا بتَوْرٍ من ماء فغسل يديه حتى بلغ إبطه، فقلت: يا أبا هريرة! أشيء سمعته من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: منتهى الحلية. قال الشيخ الناجي: "وهذه الرواية تدل على أن آخره ليس بمرفوع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 177 - (3) [صحيح] وعنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى المقبرة (1) فقال: "السلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤْمنين، وإنا إنْ شاءَ اللهُ بكم عن قريبٍ لاحقون، وددْتُ أَنّا قد رأينا إخوانَنا". قالوا: أوَلَسْنَا إخوانَكَ يا رسولَ الله؟ قال: "أنتم أصحابي، وإخوانُنا الذين لَم يأتوا بعدُ". قالوا: كيف تَعرِفُ من لم يأتِ بعدُ مِن أمَّتكَ يا رسولَ الله؟ قال: "أرأَيتَ لو أنّ رجلاً له خيلٌ غُرٌّ مُحَجَّلة، بين ظَهرَيْ خَيلٍ دُهْمٍ (2) بُهمٍ، ألا يَعرِفُ خَيلَه؟ ". قالوا: بلى يا رسولَ الله! قال: "فإِنّهم يأتونَ غُرّاً مُحَجَّلِين مِن الوُضوءِ، وأنا فرَطُهم على الحوضِ". رواه مسلم وغيره. 178 - (4) [حسن صحيح] وعن زِرٍّ عن عبد الله رضي الله عنه؛ أنّهم قالوا: يا رسولَ الله! كيفَ تَعرفُ مَن لَمْ تَرَ مِن أمّتك؟ قال: "غُرٌّ مُحَجَّلون بُلْقٌ (3) من آثارِ الوُضوءِ".   (1) (المقبرة) فيها ثلاث لغات: ضم الباء وفتحها وكسرها، والكسر قليل. و (دار قوم) هذا نصب على الاختصاص أو النداء المضاف، والأول أظهر. وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وإنا إنْ شاء الله بكم عن قريب لاحقون"، أتى بالاستثناء مع أنّ الموت لا شك فيه؛ وليس للشك. وقوله: (وددت) فيه جواز التمنّي لا سيّما في الخير ولقاء الفضلاء وأهل الصلاح. وقوله: (أنتم أصحابي) ليس نفياً لإخوّتهم، ولكن ذكر مزيّتهم الزائدة بالصحبة، فهؤلاء إخوة صحابة، والذين لم يأتوا إخوة ليسوا بصحابة، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وقوله: (بين ظهرَي) فمعناه بينهما، وهو بفتح الظاء وإسكان الهاء. (2) جمع أدهم، وهو الأسود. و (البهم) قيل: السود أيضاً، وقيل: (البهم): الذي لا يخالط لونه لوناً سواه، سواء كان أسود أو أبيض أو أحمر، بل يكون لونه خالصاً. والله أعلم. (3) جمع أبلق، و (البَلق): سواد وبياض. الحديث: 177 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 رواه ابن ماجه وابن حبان في "صحيحه". 179 - (5) [حسن صحيح] ورواه أحمد والطبراني بإسناد جيد نحوه من حديث أبي أمامة. (1) 180 - (6) [صحيح لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنا أوّلُ من يُؤْذَنُ له بالسجودِ يومَ القِيامة، وأَنا أولُ من يرفع رأسَه؛ فَأنْظُرُ بين يَدَيَّ، فَأعرفُ أمتي مِن بَينِ الأمم، ومن خَلْفي مِثلُ ذلك، وعن يميني مِثلُ ذلك، وعن شِمالي مِثلُ ذلك". فقال رجل: كيف تَعرف أمتَك يا رسولَ الله من بين الأمم، فيما بين نوحٍ إلى أمّتك؟ قال: "همْ غُرٌّ مُحجّلون، مِن أثَرِ الوُضوء، ليس لأحد ذلك غيرِهم، وأعرفُهم أنهم يؤتون كُتُبهم بأيمانهم، وأعرفهم تسعى بين أيديهم ذُرِّيَّتُهُم" (2). رواه أحمد، وفي إسناده ابن لهيعة. وهو حديث حسن في المتابعات (3).   (1) قلت: أخرجه أحمد (5/ 261 - 262)، والطبراني (8/ 125/ 7509) من طريق أبي عتبة الكندي عن أبي أمامة. وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير الكندي فوثقه ابن حبان وحده (5/ 575)، لكنه قال: "روى عنه أهل الشام. مات سنة (128) ". وهذه فائدة خلت منها كتب التراجم، أحببت تقييدها هنا. (2) كذا قال ابن لَهيعة في هذه الرواية، وهي مِن تخاليطه. والصحيح عنه بلفظ: "وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم". رواه ابن المبارك ويحيى بن إسحاق كما يأتي مني. (3) قلت: هو كذلك إلا فيما رواه العبادلة عنه، فحديثهم عنه صحيح، وقد رواه عنه جماعة عند الإمام أحمد (5/ 199) منهم شيخه حسن، والسياق له، ومنهم يحيى بن إسحاق، ولم يسق إلا الطرف الأخير منه الذي علقته آنفاً، وعبد الله بن المبارك، ولم يسق لفظه، وقد ساقه نعيم بن حماد في "زوائد الزهد" (112/ 376)، وفيه ما علّقته، وقتيبة بن سعيد، وحديثه عنه صحيح أيضاً كما حققه الذهبي، وفيه أيضاً الجملة المعلقة. وقد تابع ابنَ لهيعة عليها الليثُ بن سعد عند الحاكم (2/ 478) وصححه، وبيّض له الذهبي. الحديث: 179 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 181 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا توضأ العبدُ المسلمُ أو المؤمنُ، فَغَسَلَ وجْهَه؛ خَرَجَ من وجهه كلُّ خطيئةٍ نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخَرِ قَطْرِ الماءِ، فإذا غَسَلَ يَدَيْه خَرجَ من يَديْه كلُّ خطيئةٍ كان بَطَشَتْها يداه مع الماء، أو مع آخرِ قَطْرِ الماء، فإذا غسل رجلَيْهِ خرجت كل خطيئة مَشَتْها رجلاه مع الماء، أو مع آخرِ قَطْرِ الماء، حتى يخرجَ نَقِياً من الذنوب". رواه مالك ومسلم والترمذي، وليس عند مالك والترمذي غسل الرجلين. 182 - (8) [صحيح] وعن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من توضأَ فأحسنَ الوضوءَ؛ خَرجتْ خطاياه من جَسدِه، حتى تخرجَ من تحتِ أظفاره". وفي رواية: أن عثمان توضأ، ثم قال: رأيت رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأَ مثل وُضوئي هذا، ثم قال: "من توضأ هكذا؛ غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاتُه ومَشيُه إلى المسجدِ نافلةً". رواه مسلم والنسائي مختصراً، ولفظه: قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما مِن امرئٍ يتوضأ فيُحسن وُضوءَه؛ إلا غُفِرَ له ما بينه وبين الصلاةِ الأخرى حتى يُصلِيَهَا". وإسناده على شرط الشيخين. ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" مختصراً بنحو رواية النسائي. ورواه ابن ماجه أيضاً باختصار، وزاد في آخره: وقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الحديث: 181 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 "ولا يَغْتَرّ أحدٌ" (1). وفي لفظ للنسائي قال: "مَن أتمّ الوضوء كما أمرَهُ الله تعالى، فالصلواتُ الخمسُ كفّاراتٌ لما بينهن" (2). 183 - (9) [صحيح] وعنه: أنه [أتِيَ بِطَهورٍ وهو جالسٌ على (المقاعدِ) (3) فـ] (4) توضأ، فأحسَنَ الوُضوءَ، [ثم قال: رَأيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأُ وهو في هذا المجلسِ، فأحْسَنَ الوُضوءَ]، (5) ثم قال: "من تَوضأَ مِثلَ وُضوئي هذا، ثم أتى المسجدَ، فَركعَ ركعتين، ثم جَلَس؛ غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه". قال: وقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تغتروا". رواه البخاري وغيره.   (1) وإسناده صحيح على شرط الشيخين، لكنه بلفظ: "ولا تغتروا"، ولفظه بتمامه: "من توضأ مثل وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين، غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال: "ولا تغتروا"، وبهذا اللفظ رواه البخاري، وقد ذكره المؤلف عقبه، ورواه أحمد أيضاً (1/ 166). (2) وأخرجه مسلم أيضاً بهذا اللفظ، وسيعيده المؤلف في آخر الباب (21 - حديث) كما هنا. (3) موضع قرب المسجد النبوي، كان يجلس فيه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عند باب الجنائز، انظر "صحيح مسلم" (3/ 63). (4) سقطتا من الأصل، واستدركتهما من "البخاري"، وهو في مختصري له برقم (104)، وسقوط الزيادة الثانية مفسد للحديث؛ لأنه يصير موقوفاً كما هو ظاهر، وهو مما لم يثبته محمد مصطفى عمارة وغيره! وقد استفادها المعلقون الثلاثة دون الأولى من الطبعة السابقة! (5) سقطتا من الأصل، واستدركتهما من "البخاري"، وهو في مختصري له برقم (104)، وسقوط الزيادة الثانية مفسد للحديث؛ لأنه يصير موقوفاً كما هو ظاهر، وهو مما لم يثبته محمد مصطفى عمارة وغيره! وقد استفادها المعلقون الثلاثة دون الأولى من الطبعة السابقة! الحديث: 183 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 184 - (10) [صحيح لغيره] وعنه أيضاً؛ أنه دعا بماءٍ فتوضأ ثم ضَحكَ، فقال لأصحابه: ألا تسألوني ما أضحكني؟ فقالوا: ما أضحكك يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأَ كما توضأتُ، ثم ضحك فقال: "ألا تسألوني: ما أضْحكَكَ؟! ". فقالوا: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال: "إن العبد إذا دعا بوَضوءٍ، فغسلَ وجْهَه؛ حَطَّ الله عنه كلَّ خطيئةٍ أصابَها بِوجهِهِ، فإذا غسل ذِراعَيْهِ كان كذلك، وإذا طَهَّر قَدَمَيْهِ كان كذلك". رواه أحمد بإسناد جيد، وأبو يعلى، ورواه البزار بإسناد صحيح، وزاد فيه: "فإذا مسح رأسه كان كذلك". 185 - (11) [صحيح لغيره] وعن عبد الله الصُّنابِحي رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا توضّأ العبدُ فَمَضْمَضَ، خَرَجتِ الخطايا مِن فِيه، فإذا اسْتَنْثَرَ خَرجتِ الخطايا من أنفه، فإذا غَسل وَجْهَهُ خَرجتِ الخطايا من وجههِ، حتى تخرج من تحت أشفارِ عَيْنيْه، فإذا غَسل يديه خَرجت الخطايا من يَديه، حتى تخرجَ من تحتِ أظفارِ يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه، حتى تخرجَ من أذنَيْهِ، فإذا غسل رِجلَيْه خَرجَتِ الخطايا من رجليه، حتى تخرجَ من تحتِ أظفارِ رجليه، ثم كان مَشيُه إلى المسجد وصلاتُه نافلةً". رواه مالك والنسائي وابن ماجه، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما، ولا علة له، والصُّنابحي صحابي مشهور" (1).   (1) كذا قال! وقد تعقّبه الذهبي بقوله: (1/ 130): "قلت. لا". يعني: ليس صحابياً مشهوراً؛ بل هو مختلف في صحبته. وقال في رده على ابن القطان: الورقة (3 ورقم 14 - المطبوعة) "كاد أن يكون صحابياً لقدومه بعد وفاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". وقد تعقبه الناجي أيضاً وأطال النفس في ذلك، وحكى الخلاف فيه: هل يسمى عبد الله الصنابحي؟ أم أبو عبد الله الصنابحي، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة؟ ورجّح الثاني. والله أعلم. وإنما أوردت حديثه هنا لشواهده المذكورة في الباب. الحديث: 184 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 186 - (12) [صحيح] وعن عَمرو بنِ عَبَسَة (1) السُّلَمِي رضي الله عنه قال: كنت وأنا في الجاهلية أظنُّ أن الناس على ضلالةٍ، وأنهم ليسوا على شيءٍ، وهم يعبدون الأوثانَ، فسمعتُ برجلٍ في مكةَ يُخبر أخباراً، فقعدتُ على راحلتي، فقدِمتُ عليه، فإذا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، -فذكر الحديثَ إلى أن قال:- فقلت: يا نبي الله! فالوُضوءُ، حدثني عنه؟ فقال: "ما منكم رجل يُقَرِّبُ وَضوءه، فيُمَضْمِضُ ويستنشق فَيَنْتَثِرُ (2)؛ إلا خرَّتْ خطايا وجهِهِ من أطراف لِحيتِهِ مع الماءِ، ثم يغسل يديه إلى المِرفَقَين؛ إلا خَرَّت خطايا يديه من أَنامِلِه مع الماء، ثم يَمسَحُ رأسَهُ؛ إلا خَرَّت خطايا رأسِه من أطراف شعرِه مع الماء، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين؛ إلا خَرَّت خطايا رجليه من أنامِلِه مع الماء، فإن هو قام فصلى، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه، ومَجَّدَه بالذي هو له أهلٌ، وفَرَّغَ قَلبَه لله تعالى؛ إلاَّ انصرفَ من خطيئته كَـ[ـهيْئَتِهِ] (3) يَومَ ولَدَتْه أُمُّه". رواه مسلم. 187 - (13) [صحيح لغيره] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أيّما رجلٍ قامَ إلى وَضوئه يريد الصلاةَ، ثم غسل كَفَّيْهِ؛ نَزَلَتْ كُلُّ خطيئةٍ من كَفَّيْه مع أولِ قطرةٍ، فإذا مَضْمَضَ واستنشق واستنثر؛ نزلت خطيئتُهُ   (1) الأصل: (عنبسة)، والتصويب من المخطوطة وغيرها، وسيأتي على الصواب قبيل الباب (15) من "5 - الصلاة". (2) الأصل كالمخطوطة: (فيستنثر)، والتصويب من "صحيح مسلم" و"المسند" و"السنن". (3) سقطت من الأصل وغيره، واستدركتها من "صحيح مسلم"، والظاهر أن السقط من إملاء المؤلف أو الناسخ، فإني رأيته كذلك في "مختصره" للحافظ ابن حجر! ثم ترجح عندي الأول، فإنه سيأتي كذلك في (5 - الصلاة /14 الترغيب في الصلاة) آخره، وهو كذلك في المخطوطة هنا. الحديث: 186 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 من لسانِه وشفتيه مع أول قطرةٍ، فإذا غسلَ وجهه؛ نزلت كُلُّ خطيئةٍ من سَمعِه وبَصرِه مع أولِ قطرةٍ، فإذا غَسَلَ يديه إلى المِرفَقَين، ورجلَيه إلى الكعبين؛ سَلِمَ مِن كلِّ ذنبٍ كهيئتِه يومَ ولدَتْه أمُّه. -قال:- فإذا قامَ إلى الصلاةِ رفعَ اللهُ درجتَه، إنْ قَعَدَ قَعَدَ سالماً". رواه أحمد وغيره من طريق عبد الحميد بن بَهرام عن شَهْر بن حَوْشب، وقد حسّنها الترمذي لغير هذا المتن، وهو إسناد حسن في المتابعات، لا بأس به. [صحيح لغيره] ورواه أيضاً بنحوه من طريق صحيح، (1) وزاد فيه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الوضوءُ يُكَفّرُ ما قبله، ثم تَصيرُ الصلاةُ نافلةً". [صحيح لغيره] وفي أخرى له: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا توضأ الرجُلُ المسلمُ؛ خَرجتْ ذنوبُه من سمعِه وبصرِه، ويديه ورجليه، فإن قَعَدَ قَعَدَ مغفوراً له". وإسناد هذه حسن. [صحيح لغيره] وفي أخرى له أيضاً: "إذا توضأ المسلمُ، فغسل يَدَيْه؛ كُفِّرَ عنه ما عَمِلتْ يَداه، فإذا غَسَلَ وجهَهُ كُفِّرَ عنه ما نَظَرَتْ إليه عيناه، وإذا مسحَ بِرأسِه؛ كُفِّرَ به ما سمعت أُذناه، فإذا غسل رجليه؛ كُفِّرَ عنه ما مَشت إليه قَدَمَاه، ثم يقومُ إلى الصلاةِ، فهي فضيلة". وإسناد هذه حسن أيضاً.   (1) لا وجه لهذا التصحيح مطلقاً، كيف وهو عنده (5/ 251 و261) من طريق شهر نفسه؟! وكذلك أقول في تحسينه للروايتين الآتيتين، فإنهما من الطريق ذاتها (5/ 252 و256 و264)! وذلك كله من اضطراب شهر في روايته لهذا الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وفي رواية للطبراني في "الكبير": قال أبو أمامة: لو لم أسمعه مِن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا سبعَ مراتٍ ما حَدَّثْتُ به، قال: "إذا توضأ الرجلُ كما أُمِرَ؛ ذهب الإثمُ من سمعِه وبصرِه، ويَديْه ورِجلَيْه". وإسناده حسن أيضاً (1). 188 - (14) [صحيح لغيره] وعن ثعلبة بن عباد عن أبيه رضي الله عنه قال: ما أدري كم حدَّثنيه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أزواجاً أو أفراداً قال: "ما من عبدٍ يتوضّأ فَيُحسِنُ الوضوءَ، فيغسلُ وَجْهَهُ حتى يَسيلَ الماءُ على ذَقَنِهِ، ثم يغسل ذِراعيه حتى يَسيلَ الماءُ على مِرْفَقَيْه، ثم غسل رجليه حتى يَسيلَ الماءُ من كَعْبَيْه، ثم يقومُ فيصلي؛ إلا غُفِرَ له ما سَلَفَ من ذَنبه". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد لَيِّنٍ. (الذقن) بفتح الذال المعجمة والقاف أيضاً: هو مجتمع اللَّحيَيْن من أسفلهما. 189 - (15) [صحيح] وعن أبي مالك الأشعريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الطَّهور شَطْرُ الإيمان، والحمدُ لله تملأُ الميزان، وسبحان الله والحمدُ لله تملآن -أو تملأُ- ما بين السماء والأرضِ، والصلاةُ نورٌ، والصدقةُ بُرهانٌ، والصبرُ ضِياءٌ، والقرآنُ حُجَّة لك أو عليك، كُلُّ الناس يَغدو، فبائعٌ نفسَه، فمعتقُها أو مُوبقُها". رواه مسلم والترمذي وابن ماجه، إلا أنه قال:   (1) هذا الحديث له في المسند ثلاث طرق وألفاظ، بعضها حسن لذاته، وهو مختصر (5/ 254)، وسائرها حسن في المتابعات كما قال المؤلف. وتصحيحه لبعضها ما أظنه إلا وهماً تبعه عليه الهيثمي في "المجمع" كما حققته في الأصل، اللهم إلا أن يريد أنه صحيح لغيره، فنعم، وكذلك ما قبله. وله في هذا الحديث أوهام أخرى نبهت عليها هناك. الحديث: 188 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 "إسباغُ الوضوء شطرُ الإيمان". ورواه النسائي دون قوله: "كل الناس يغدو. . ." إلى آخره. قال الحافظ عبد العظيم: "وقد أفردتُ لهذا الحديث وطرقه وحكمه وفوائده جزءاً مفرداً. 190 - (16) [صحيح] وعن عقبةَ بنِ عامرٍ عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِن مسلمٍ يتوضّأُ فَيُسبغُ الوُضوء، ثم يقومُ في صلاتِه، فَيَعلَمُ ما يقولُ، إلا انفَتَلَ وهو كيومَ وَلَدَتْه أمه. . ." الحديث. رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم، واللفظ له، وقال: "صحيح الإسناد" (1). 191 - (17) [صحيح] وعن علي بن أبي طالب؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إسباغُ الوضوء في المكاره، إعمالُ الأقدامِ إلى المساجِدِ، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاةِ؛ يغسل الخطايا غسلاً". رواه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط مسلم". 192 - (18) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ألا أدُلُّكم على ما يَمْحو الله به الخطايا، ويرفعُ به الدرجاتِ؟ ". قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "إسباغُ الوضوءِ على المكارهِ، وكثرةُ الخُطا إلى المساجدِ، وانتظارُ الصلاةِ   (1) ويأتي لفظ الآخرين قريباً في (5 - الصلاة /13 - الترغيب في ركعتين. .). الحديث: 190 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 بعد الصلاةِ، فذلكُمُ الرِّباط؛ فذلكم الرِّباط؛ فذلكم الرِّباط". رواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بمعناه (1). 193 - (19) [حسن صحيح] ورواه ابن ماجه أيضاً (2)، وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي سعيد الخدري؛ إلا أنهما قالا فيه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أدلّكم على ما يُكَفِّرُ اللهُ به الخطايا، ويزيد به في الحسناتِ، وُيكَفِّر به الذنوبَ؟ ". قالوا: بلى يا رسول الله! قال: "إسباغُ الوضوءِ على المكروهاتِ، وكثرةُ الخُطا إلى المساجدِ، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاةِ، فذلكُم الرباط". رواه ابن حبان في "صحيحه" عن شُرَحْبيل بن سعد عنه (3). 194 - (20) [صحيح لغيره] وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتاني الليلةَ رَبِّي [في أحسن صورة، فـ] (4) قال: يا محمد! أتدري فِيمَ يختصم الملأُ الأعلى؟ قلتُ: نعم؛ في الكفّارات والدّرجاتِ، ونَقْلِ الأقدام   (1) انظر لفظه في (5/ 9 - المشي إلى المساجد). (2) قلت: وإسناده حسن، وهو عند ابن حبان من طريق أخرى كما أشار إليه المؤلف في آخر الحديث، وقد رواه الدارمي أيضاً من الطريق الأول، وكذا أحمد. ورواه الحاكم (1/ 191) من طريق ثالث، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. (3) وسيأتي لفظه في (5 - الصلاة /22 - الترغيب في انتظار الصلاة). (4) سقطت من الأصل، فاستدركتها من "الترمذي"، وقد ذُكِرَتْ في المكان المشار إليه في الكتاب وفي غيره. وكان الأصل: أتاني الليلة آتٍ من ربي"، ولا أصل لها عند الترمذي، ولا عند غيره ممن أخرج الحديث، وهي مفسدة للمعنى كما هو ظاهر، والعجيب أنّ هذا الخطأ تكرر في الكتاب كلما ذكر، كالمكان المذكور، وغفل عن ذلك كله المغفلون الثلاثة؟ وهذا الإتيان كان في المنام كما في حديث معاذ الصحيح. الحديث: 193 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 للجماعاتِ، وإسباغِ الوضوء في السَّبَرات (1)، وانتظارِ الصلاةِ بعد الصلاةِ، ومن حافظ عليهِنَّ عاشَ بخيرٍ، وماتَ بخيرٍ، وكان من ذنوبه كيومَ ولدته أمه". رواه الترمذي في حديث يأتي بتمامه إن شاء الله تعالى في "صلاة الجماعة"، وقال: "حديث حسن" (2). (السَّبَرات): جمع سَبْرة، وهي شدة البرد. 195 - (21) [صحيح] وعن عثمانَ بنِ عفانَ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن أتمَّ الوُضوءَ كما أمرَهُ اللهُ؛ فالصلواتُ المكتوباتُ كفاراتٌ لما بينهنّ". رواه النسائي وابن ماجه بإسناد صحيح (3). 196 - (22) [حسن صحيح] وعن أبي أيوب قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن توضّأَ كما أُمِرَ، وصلى كما أُمِرَ؛ غُفِرَ له ما قدَّم من عمل". رواه النَّسائي (4) وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنّه قال: "غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه".   (1) بفتح الباء الموحدة خلافاً لضبط المؤلف كما سيأتي بيانه في (5 - الصلاة/ 16)، ولفظ الترمذي وغيره: "المكاره"، وأما لفظ "السبرات" فهو من حديث أبي عبيدة في رواية الطبراني، وهو مخرج في "الصحيحة" (3169). (2) قلت: وهو كما قال، أو أعلى، فإن هذا القدر منه له شاهدان من حديث أبي رافع وطارق ابن شهاب في "المجمع" (237). والحديث يأتي في (5 - الصلاة /16 - الترغيب فى صلاة الجماعة. . .)، وهو مخرج في "ظلال الجنة" (1/ 169 - 170). (3) قلت: ومسلم أيضاً كما تقدم (7 - باب). (4) قلت: ورواه الدارميّ أيضاً وأحمد. وإسنادهم حسن إن شاء الله تعالى. الحديث: 195 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 8 - (الترغيب في المحافظة على الوضوء وتجديده). 197 - (1) [صحيح لغيره] عن ثَوبانَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "استقيموا وَلَنْ تُحصُوا، واعلَموا أنّ خيرَ أعمالِكم الصلاةُ، ولَنْ يحافظَ على الوضوءِ إلا مُؤمنٌ". رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، والحاكم، وقال: "صحيح على شرطهما، ولا علة له سوى وهم أبي بلال الأشعري" (1). ورواه ابن حبان في "صحيحه" من غير طريق أبي بلال، وقال في أوله: "سَدِّدُوا وقاربوا، واعلموا أنّ خيرَ أعمالِكم الصلاة. . ." الحديث. 198 - (2) [صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه أيضاً من حديث ليث -هو ابن أبي سُليم- عن مجاهد عن عبد الله بن عَمروٍ. 199 - (3) [صحيح لغيره] ومن حديث أبي حفص الدمشقي -وهو مجهول- عن أبي أُمامة يرفعه. 200 - (4) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لولا أنْ أشُقَّ على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضُوء، ومع كلِّ وضُوءٍ بسواكٍ". رواه أحمد بإسناد حسن.   (1) قلت: بل له علة أخرى، وهي الانقطاع بين سالم بن أبي الجعد وثوبان؛ كما بيّنته في الأصل، ولكن الحديث صحيح، فإن له طرقاً أخرى موصولة، عند الدارميّ وأحمد والطبراني وابن حِبَان أيضاً، وله بعض الشواهد كما ذكره المؤلف بعدُ. الحديث: 197 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 201 - (5) [صحيح] وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما قال: أصبحَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً فدعا بلالاً، فقال: "يا بلال! بِمَ سبقتني إلى الجنّة؟ إنني دخلتُ البارحةَ الجنّةَ فسمعت خَشخَشَتكَ (1) أمامي؟ ". فقال بلالٌ: يا رسول الله! ما أذَّنتُ قَطُّ إلا صلّيتُ ركعتين، ولا أصابني حَدَثٌ قط إلا توضَّأت عنده. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بهذا". رواه ابن خزيمة في "صحيحه". (2)   (1) (الخشخشة): حركة لها صوت كصوت السلاح، أي: صوت مشيتك. (2) أوهم أنه لم يروه من هو أعلى طبقة من ابن خزيمة وأشهر، وليس كذلك، فقد أخرجه الترمذي في "المناقب"، وأحمد في "المسند" (5/ 360) بسند صحيح على شرط مسلم، وصححه الحاكم والذهبي على شرطهما! وفي رواية لأحمد بلفظ: "إلا توضّأت وصليت ركعتين"، وسنده صحيح أيضاً. ولم أره بهذا اللفظ في "صحيح ابن خزيمة" المطبوع، فلعله أخرجه في أصله الذي سماه فيه بـ "المسند"، وإنما هو فيه بلفظ "أذنبت"، من: (الذنْب)! وهكذا ذكره المؤلف أيضاً فيما يأتي (6 - النوافل /18 - الترغيب في صلاة التوبة)، وهو خطأ، والصواب بلفظ: "أذَّنت" كما هنا. الحديث: 201 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 9 - (الترهيب من ترك التسمية على الوضوء عامداً). 202 - (1) [حسن لغيره] قال الإمام أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله: ثبت لنا أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا وضوءَ لمن لمْ يُسَمِّ اللهَ". كذا قال. (1) 203 - (2) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا صلاةَ لِمَنْ لا وُضُوءَ له، ولا وُضُوءَ لِمَنْ لم يَذكُرِ اسمَ اللهِ عليهِ". رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والطبراني والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد". قال الحافظ عبد العظيم: "وليس كما قال، فإنهم رووه عن يعقوب بن سَلَمَة الليثي عن أبيه عن أبي هريرة. وقد قال البخاري وغيره: "لا يعرف لسلمة سماع من أبي هريرة، ولا ليعقوب سماع من أبيه" انتهى. وأبوه سلمة أيضاً لا يعرف، ما روى عنه غير ابنه يعقوب، فأين شروط الصحة؟! (2)   (1) يشير المؤلف رحمه الله بهذا إلى عدم تسليمه بقول ابن أبي شيبة المذكور، ولا وجه لذلك عندي، فإن الثبوت قد يكون بمجموع طرق الحديث، وهو كذلك هنا، كما أشار إلى ذلك المؤلف نفسه عقب الحديث، فتنبّه. (2) قلت: لقد أصاب المؤلف في هذا النقد، وقد تبعه الذهبي في "تلخيص المستدرك" وابن الصلاح والنووي والعسقلاني، إلا أن هذا الأخير قال بعد أن ساق الأحاديث المروية في الباب: "والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث فيها قوة تدل على أن له أصلاً". وهذا موافق لكلام المؤلف في آخر الحديث الآتي، وهو الحق، وحسنه ابن الصلاح وابن كثير. انظر "الإرواء" (1/ 122). الحديث: 202 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 204 - (3) [حسن] وعن رباح بن عبدِ الرحمنِ بن أبي سفيان بن حُوَيْطِب عن جَدته عن أبيها قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا وضوءَ لِمَنْ لَمْ يَذكرِ اسمَ الله عليه". رواه الترمذي -واللفظ له- وابن ماجه والبيهقي، وقال الترمذي: "قال محمد بن إسماعيل -يعني البخاري-: "أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن عن جدته عن أبيها". قال الترمذي: وأبوها: سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل". قال الحافظ: "وفي الباب أحاديث كثيرة لا يسلم شيء منها عن مقال، وقد ذهب الحسن وإسحاق ابن راهويه وأهل الظاهر إلى وجوب التسمية في الوضوء، حتى إنه إذا تعمد تركها أعاد الوضوء، وهو رواية عن الإمام أحمد، ولا شك أنّ الأحاديث التي وردت فيها، -وإنْ كان لا يسلم شيء منها عن مقال- فإنها تتعاضد بكثرة طرقها، وتكتسب قوة. والله أعلم". الحديث: 204 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 10 - (الترغيب في السواك وما جاء في فضله). 205 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لولا أنْ أَشُقَّ على أُمتي لأمرتُهم بالسِّواك مع كلِّ صلاةٍ". رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم؛ إلا أنّه قال: "عند كل صلاة". [حسن صحيح] والنِّسائي وابن ماجه وابن حِبّان في "صحيحه"، إلا أنه قال: "مع الوضوء عند كل صلاة". [صحيح] ورواه أحمد وابن خُزيمة في "صحيحه" وعندهما: "لأمرتُهم بالسِّواك مع كلِّ وضُوءٍ". 206 - (2) [حسن صحيح] وعن عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لولا أنْ أَشُقَّ على أمّتي لأمرتُهم بالسواكِ مع كل وضُوء". رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن. 207 - (3) [حسن] وعن زينبَ بنتِ جحْشٍ رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لولا أنْ أَشق على أمّتي لأمرتُهم بالسِّواكِ عند كلِّ صلاةٍ كما يتوضّؤون". رواه أحمد بإسناد جيّد. 208 - (4) [صحيح لغيره] ورواه البزّار والطبراني في "الكبير" من حديث العباس بن عبد المطلب، ولفظه: "لولا أنْ أشقَّ على أُمَّتي لَفَرضْتُ عليهم السواك عند كل صلاة، كما فرضتُ عليهم الوُضوء". الحديث: 205 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 209 - (5) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "السِّواك مَطْهَرَةٌ للفَم، مَرْضاةٌ للربِّ". رواه النّسائي، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" ورواه البخاري معلقاً مجزوماً، وتعليقاته المجزومة صحيحة. (1) 210 - (6) [صحيح] وعن ابن عمرَ عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "عليكم بالسواك؛ فإنه مَطْيَبَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضاةٌ للربّ تبارك وتعالى". رواه أحمد من رواية ابن لهيعة. (2) 211 - (7) [صحيح] وعن شُريح بن هانئ قال: قلتُ لعائشةَ رضي الله عنها: بأيِّ شيء كان يبدأ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا دَخل بيْته؟ قالت: بالسواك. رواه مسلم وغيره. 212 - (8) [صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلِّي بالليل ركعتين ركعتين، ثم ينصرفُ فيستاك. رواه ابن ماجه والنسائي (3). ورواته ثقات.   (1) ليس هذا على الإطلاق، كما بيّنه الحافظ ابن حجر في "مقدمة الفتح" (ص 14)، فراجعْه فإنّه هامّ، أقول هذا مع اعتقادي بأنَّ هذا صحيح الإسناد، كما كنت بيّنته في "المشكاة" (381)، و"الإرواء" (66). ثم إن في الأصل هنا ما نصه: "ورواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" من حديث ابن عباس، وزاد فيه "ومجلاةٌ للبصر". ولما كان إسنادها ضعيفاً جداً فقد حذفته على ما نصصت عليه في المقدمة، وهو مخرج في "الضعيفة" (5279). (2) قلت: لكنه عنده من رواية قتيبة بن سعيد عنه، وهي صحيحة، وله شاهد بإسناد جيّد خرّجته في "الصحيحة" برقم (2517). (3) لم أجده عند النسائي، ولم يعزه النابلسي في "ذخائر المواريث" إلا لابن ماجه، كذلك صنع الحافط في "الفتح"، وقال: "وإسناده صحيح، لكنه مختصر من حديث طويل، وأورده أبو داود، وبين فيه أنه تخلل بين الانصراف والسواك نوم، وأصل الحديث في مسلم مبيّناً أيضاً". وهو = الحديث: 209 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 213 - (9) [حسن لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لقد أُمِرتُ بالسواكِ حتى ظَنَنْتُ أنه يَنْزل عليَّ فيه قرآنٌ أو وَحيٌ". رواه أبو يعلى وأحمد (1) ولفظه: قال: "لقد أُمِرتُ بالسواكِ حتى خَشيتُ أن يُوحَى إليَّ فيه شيء". ورواته ثقات. 214 - (10) [حسن لغيره] ورواه [يعني حديث عائشة الذي في "الضعيف"] البزّار من حديث أنس، ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لقد أُمِرْتُ بالسواك حتى خشيتُ أَن أَدْرَدَ". (الدَّرَد): سقوط الأسنان. 215 - (11) [حسن صحيح] وعن علي رضي الله عنه أنه أمرَ بالسواك، وقال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن العبدَ إذا تَسَوَّك ثم قامَ يُصلي، قام الملَكُ خَلفه، فَيَستَمعُ لقراءتِه، فيدنو منه -أو كلمة نحوها- حتى يضعَ فاه على فِيه، فما يخرجُ من فيه شيءٌ من القرآنِ إلا صارَ في جوفِ الملَكِ، فَطَهَّروُا أفواهكم للقرآن". رواه البزار بإسناد جيد لا بأس به، وروى ابن ماجه بعضه موقوفاً، ولعله أشبه (2).   =كما قال، إلا أن قوله: "إسناده صحيح" ليس بصحيح، فإن فيه سفيان بن وكيع، وهو متكلَّم فيه، بل اتّهمه أبو زرعة بالكذب، لكن قد أخرجه الحاكم (1/ 145) من غير طريقه، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، فبه صح الإسناد، لكن المتن مختصر، وحديث أبي داود المبيَّن مخرج في "صحيح أبي داود" (رقم 52). ثم طبع كتاب "السُّنن الكبرى" للنسائي، فإذا الحديث فيه أيضاً (1/ 424) مختصراً كرواية الحاكم، وأخرى كرواية أبي داود. (1) هذا يُشعر أن اللفظ الأول لم يروه أحمد، وليس كذلك، فقد أخرجه (1/ 337) بهذا اللفظ، و (1/ 375) باللفظ الآخر، وسنده حسن لغيره، فإن له شاهداً من حديث واثلة، مذكوراً في الأصل. وهو في "الصحيحة" تحت رقم (1556) كشاهد. (2) قلت: كلا؛ فإنَّ في إسناد ابن ماجه انقطاعاً ومتروكاً. انظر "الصحيحة" (1213). الحديث: 213 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 11 - (الترغيب في تخليل الأصابع (1)، والترهيب من تركه وترك الإسباغ إذا أخلَّ بشيء من القدر الواجب) 216 - (1) [حسن لغيره] عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال. . . رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "حَبَّذا المُتَخَلِّلُون من أمَّتي. . .". رواه الطبراني في "الكبير"، ورواه أيضاً هو والإمام أحمد؛ كلاهما مختصراً عن أبي أيوب وعطاء قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فذكره). 217 - (2) [حسن لغيره] ورواه في "الأوسط" من حديث أنس. ومدار طرقه كلها على واصل بن عبد الرحمن الرقاشي، وقد وثقه شعبة وغيره (2). 218 - (3) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لتَنْهَكُنَّ (3) الأصابعَ بالطّهورِ، أو لتَنْهَكنّها (3) النارُ". [صحيح موقوف] رواه الطبراني في "الأوسط" مرفوعاً، ووقفه في "الكبير" على ابن مسعود بإسناد   (1) قال في النهاية: " (التخليل): هو استعمال الخِلاَل لإخرج ما بين الأسنان من الطعام، و (التخلّل) أيضاً و (التخليل): تفريق شعر اللحية وأصابعَ اليدين والرجلين في الوضوء، وأصله من إدخال الشيء في خلال الشيء، وهو وسطه". (2) قلت: واصل بن عبد الرحمن الرقاشي ليس له ذكر في هذا الحديث مطلقاً، وإنما هو واصل ابن السائب الرقاشي، وهو ضعيف اتفاقاً. ثم إن حديث أنس نظيف منه، بل هو شاهد له جيد، وهو قاصر على الطرف الأول المذكور أعلاه، دون تمامه المشار إليه بالنقط. . .، فهو من حصة الكتاب الآخر، لخلوه من شاهد معتبر، فراجعه هناك إن شئت، وهو مخرج في "الإرواء" (7/ 34 - 36). وقد سرق الاستدراك المذكور المعلقون الثلاثة وعَزَوْهُ لأنفسهم، وقالوا: "قلنا: إنما هو واصل بن السائب الرقاشي. ."! (3) الأصل: (لتَنْتَهِكُنَّ)، وأيضاً (لتَنْتَهكَنَّها)، وهو تصحيف كما حققه الشيخ الناجي في "عجالة الإملاء"، وعلى الصواب وقع في "مجمع البحرين" تحقيق عبد القدوس نذير، ونسخة (ب) من مخطوطة "الترغيب" كما في هامشِ الطبعة الجديدة منه تعليق الثلاثة، ولكنهم لجهلهم أثبتوا التصحيف! والتفصيل في "الصحيحة" (3489). وانظر التعليق الآتى (12 - الجهاد/ 14 - باب/ 26 - حديث). الحديث: 216 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 حسن. والله أعلم. [صحيح لغيره موقوف] وفي رواية له في "الكبير" موقوفة قال: خللوا الأصابعَ الخمسَ؛ لا يحشوها الله ناراً. قوله: (لتنهكنَّها) أي: لتبالغنّ في غسلها، أو لتبالغنّ النار في إحراقها. و (النَّهكَ): المبالغة في كل شيء. 219 - (4) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلاً لم يغسل عَقِبَيْهِ، فقال: "ويلٌ للأعقابِ مِن النارِ". وفي رواية: أنّ أبا هريرة رأى قوماً يتوضّؤون من المِطهرة، فقال: أسبغوا الوضوء، فإنّي سمعت أبا القاسم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ويلٌ للأعقابِ مِن النارِ"، أو "ويلٌ للعراقيب من النار". (1) رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه مختصراً. وروى الترمذي عنه: "ويلٌ للأعقابِ من النَّارِ". ثم قال: 220 - (5) [صحيح] وقد رُوي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "ويلٌ للأعقابِ وبطونِ الأقدامِ من النارِ". قال الحافظ: "وهذا الحديث الذي أشار إليه الترمذي رواه الطبراني في "الكبير"، وابن خزيمة في "صحيحه" من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزُّبَيْدي مرفوعاً، ورواه   (1) قلت: هذا الشك ليس في الرواية، وإنما هو من المؤلف رحمه الله، والحقيقة أنّ الرواية الأولى لمسلم دون الآخرين، وعنده الأخرى أيضاً، قال في آخرها: "ويل للعراقيب من النار". وكذا رواه البخاري، لكن بلفظ: "ويل للأعقاب من النار". والمصنف جمع بين لفظي البخاري ومسلم، وليس بجيّد، وكثيراً ما يصنع المؤلف مثل هذا كما نبه عليه الشيخ الناجي (42). الحديث: 219 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 أحمد موقوفاً عليه (1) ". 221 - (6) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى قوماً وأعقابُهم تَلُوحُ، فقال: "ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء". رواه مسلم وأبو داود -واللفظ له- والنسائي وابن ماجه، ورواه البخاري بنحوه. 222 - (7) [حسن] وعن أبي روح الكُلاعي قال: صلّى بنا نبيُّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاةً فقرأ فيها بسورةِ (الروم)، فلُبِّس عليه بعضُها، فقال: "إنما لَبِّسَ علينا الشيطانُ القراءةَ من أجلِ أقوامٍ يأتون الصلاةَ بغيرِ وضوءٍ، فإذا أتيتم الصلاةَ، فأحسنوا الوضوءَ". وفي رواية: فتردَّدَ في آيةٍ، فلما انصرفَ قال: "إنه لُبِّسَ علينا القرآنُ؛ أنّ أقواماً منكم يصلُّون معنا لا يُحسنون الوضوءَ، فَمَنْ شهدَ الصلاةَ معنا فليُحْسِن الوضوء". رواه أحمد هكذا، ورجال الروايتين محتجٌّ بهم في الصحيح. (2) ورواه النَّسائي عن أبي رَوْح عن رجل.   (1) قلت: ومرفوعاً أيضاً (4/ 191)، وإسناد ابن خزيمة (163) صحيح. (2) قلت: أبو رَوْح هذا -واسمه شبيب- ليس صحابياً، ولا من رجال "الصحيح"، وهو ثقة عند ابن حِبّان والحافظ، والصحابي إنما هو "الرجل" في رواية النَّسائي، رواه عنه أبو روح، وهو الصواب، كما قال الحافظ، وكنت -قديماً- توقفت عن تقوية الحديث لجهالة في أحد رواته، ثم ترجح عندي أنه ثقة لتوثيق ابن حبان وابن حجر إياه؛ ورواية جمع عنه، والتفصيل في الأصل. الحديث: 221 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 223 - (8) [صحيح] وعن رفاعة بن رافع؛ أنّه كان جالساً عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "إنّها لا تتمُّ صلاةٌ لأحدٍ حتى يُسبغَ الوضوءَ كما أمرَ اللهُ، يَغسِلُ وجهَهُ ويَدَيهِ إلى المِرفقين، ويمسح برأسِه ورجليه إلى الكعبين". رواه ابن ماجه بإسناد جيد. (1) 12 - (الترغيب في كلماتٍ يقولهن بعد الوضوء). 224 - (1) [صحيح] عن (2) عُمَرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما منكم من أحدٍ يتوضأ، فَيُبلِغُ أو فَيسبغُ الوضوء، ثم يقولُ: (أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسوله)؛ إلاَّ فُتحَتْ له أبوابُ الجنةِ الثمانيةِ، يدخل مِن أيُّها شاء". رواه مسلم. [حسن] وأبو داود وابن ماجه، وقالا:   (1) هذا يوهم أنه لم يروه من الستة سوى ابن ماجه، وليس كذلك، فقد أخرجه أبو داود والنسائي والدارمي، وإسنادهم صحيح على شرط البخاري، وصححه الحاكم (1/ 241) على شرط الشيخين! ووافقه الذهبي! وهؤلاء أخرجوه في حديث المسيء صلاته، وسيأتي في (5 - الصلاة / 34 - باب/ 15 - حديث). (2) في الأصل ومطبوعة عمارة "روي عن"! وهو خطأ من بعض النساخ في ظني، فإن صيغة "رُوِي" موضوعة في اصطلاح المحدثين للحديث الضعيف. وعلى ذلك جرى المؤلف كما نص عليه في المقدمة، وهذا صحيح الإسناد، وحسبك أنه رواه مسلم في "صحيحه". وأستبعد أن يشك المؤلف بسبب كلام الترمذي فيه؛ لأنه خطأ لا وجه له كما بينه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "الترمذي"، ثم تبعته على ذلك في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل". ثم رأيته في المخطوطة كما اعتمدته باجتهادي، دون قوله "رُوي". فالحمد لله على توفيقه. الحديث: 223 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 "فيحسن الوضوء". (1) [حسن] ورواه الترمذي كأبي داود، وزاد: "اللهم اجْعَلْني من التَّوابين، واجْعَلني من المتطهرين" الحديث، وتُكُلّم فيه. (2) 225 - (2) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من قرأ سورةَ (الكهف) كانت له نوراً إلى يومِ القيامةِ، مِن مقامِه إلى مكة، ومن قرأ عشرَ آياتٍ من آخرها (3) ثم خرج الدجال؛ لم يَضُرَّه، ومن توضأ فقال: (سبحانك اللهم وبحمدِك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)، كُتِبَ له في رَقٍّ، ثم جُعِلَ في طابع، فلم يُكسَر إلى يومِ القيامةِ". رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته رواة "الصَّحيح"، واللفظ له. ورواه النسائي، وقال في آخره: "خُتِم عليها بخاتَم فوضِعتْ تحتَ العرشِ، فلم تُكسَر إلى يومِ القيامةِ". وصوَّب وقفه على أبي سعيد. (4)   (1) هنا في الأصل ما نصه: "وزاد أبو داود: (ثم يرفع طرفه إلى السماء ثم يقول) فذكره"، وفي إسنادها رجل لم يسم، فهي زيادة منكرة لا تصح، وغفل عن هذه الحقيقة العلمية المعلق على "مسند أبي يعلى"، فإنه بعد أن ضعف إسناده لجهالة الرجل قال (1/ 163): "ومتن الحديث صحيح، فقد أخرجه مسلم. ."، وحديث مسلم هو الذي في "الصحيح"، وليس فيه الزيادة، وتبعه المعلقون الثلاثة، فصدروا الحديت بقولهم: "صحيح"، ثم خرجوه دون تفريق بين الصحيح والمنكر! (2) قلت: يعني بالاضطراب، لكن رِواية مسلم سالمة منه؛ كما حققته في "صحيح أبي داود" رقم (162)، وذكرت فيه للزيادة شاهداً من حديث ثوبان. (3) كذا وقع في هذه الرواية: "آخرها" وهي شاذة، والصواب: "أولها"، وبيانه في "الصحيحة" (2651) وانظر (13 - قراءة القرآن/ 8/ 1/ و2). (4) قلت: ولكنّه في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال بمجرد الرأي كما لا يخفى. ثم إن النسائي لم يروه في "الصغرى" كما يفيده إطلاق العزو إليه، وإنما في "الكبرى" له (6/ 236/ 10788). أي في "اليوم والليلة" منه. وانظره في (7 - الجمعة/ 7). الحديث: 225 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 13 - (الترغيب في ركعتين بعد الوضوء). 226 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لبلال: "يا بلالُ! حَدِّثْني بأرجى عملٍ عمِلته في الإسلام؛ فإنّي سمعتُ دَفَّ نعلَيك بين يَديَّ في الجنةِ". قال: ما عملتُ عملاً أرجى عندي من أنّي لم أتطهَّر طُهوراً في ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ إلا صلّيتُ بذلك الطُّهورِ ما كُتب لي أنْ أصلي. رواه البخاري ومسلم. (الدُّف) بالضم (1): صوت النعل حال المشي. 227 - (2) [صحيح] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من أحدٍ يتوضأ فَيُحسن الوُضوء، ويُصلِّي ركعتين، يُقْبل بقَلبه ووجهه عليهما، إلا وَجَبَتْ له الجنةُ". رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في "صحيحه" فى حديث. [يأتي بتمامه في (5 - الصلاة / 14 - الترغيب في الصلاة)]. 228 - (3) [حسن صحيح] وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن توضأَ فأحسنَ الوُضوءَ، ثم صلّى ركعتين، لا يسهو فيهما؛ غُفرَ له ما تقدم [من ذَنْبِهِ] (2) ". رواه أبو داود.   (1) قال الشيخ الناجي: "كذا ضَبَطَه فوهم، إذ لا نزاع بين أهل اللغة والغريب أنّه بفتح الدال، وإنما المضموم الدُّف الذي يضرب به. كذا قال الجوهري، ثم قال: وحكى أبو عُبيد عن بعضهم أن الفتح لغة فيه، يعني في الثاني". قلت: وهو بالذال المعجمة، ويُروى بالدال المهملة، وهو أصح. (2) سقطت من الأصل، واستدركتها من المخطوطة و"سنن أبي داود" وكذا "المستدرك" = الحديث: 226 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 229 - (4) [صحيح] وعن حُمرانَ مولى عثمانَ بنِ عفانَ رضي الله عنه أنه رأى عثمانَ بنَ عفانَ -رضي الله عنه- دعا بِوَضُوءٍ، فأفرَغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاثَ مرَّاتٍ، ثم أدخل يمينه في الوَضوء، ثم تَمضمَضَ واستنشَقَ واستَنْثَرَ، ثم غسلِ وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المِرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاثاً، ثم قال: رأيتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضّأ نحو وضُوئي هذا، ثم قال: "مَن توضّأَ نَحوَ وُضوئي هذا، ثم صلّى ركعتين لا يُحَدِّثُ فيهما نفسَه؛ غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 230 - (5) [حسن] وعن أبي الدرداء قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن توضأَ فأحسن الوضوء، ثم قام فصلّى ركعتين أو أربعاً -يشك سهل- يُحسِنُ فيهنَّ الذِّكرَ (1) والخشوع، ثم استغفر اللهَ؛ غَفَر له". رواه أحمد بإسناد حسن (2) [ويأتي بأتم مما هنا في (5 - الصلاة/ 14)].   = و"المسند"، وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، على ضعف يسير في (هشام بن سعد)، وهي ثابتة فيما يأتي من الكتاب أيضاً في الباب الذي أشرت إليه آنفاً أعلاه، وفي "مختصره" أيضاً هنا. (1) الأصل: "الركوع"، وكذا في المخطوطة وغيرها. والتصويب من "المسند" (6/ 450)، ويبدو أن الوهم من المؤلف، فقد أعاده كما هنا في الباب المشار إليه آنفاً، وكذلك وقع هناك في "المختصر" لابن حجر (ص 19). (2) قلت: هو عندي صحيح الإسناد؛ لأنّ رجاله كلهم ثقات، غير (صدقة بن أبي سهل الهُنائي) وثقه ابن مَعين وابن حبان، وروى عنه عشرة من الرواة جُلّهم أو كلهم ثقات، في بحث حررته في "الصحيحة" (3398). الحديث: 229 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 5 - كتاب الصلاة. 1 - (الترغيب في الأذان (1)، وما جاء في فضله). 231 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو يعلم الناسُ ما في النداءِ والصفِّ الأولِ، ثم لم يجدوا إلا أنْ يَسْتَهِموا عليه؛ لاسْتهموا، ولو يعلمون ما في التَّهجيرِ؛ لاسْتَبَقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمةِ والصبحِ؛ لأتوهما ولو حَبْواً". رواه البخاري ومسلم. قوله: (لاستهموا) أي: لاقترعوا. و (التهجير): هو التبكير إلى الصلاة. 232 - (2) [صحيح] وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة (2): أنّ أبا سعيد الخُدري رضي الله عنه قال له: إني أراك تُحبُّ الغَنَمَ والباديةَ، فإذا كنتَ في غنمِك أو بادِيتِك فأذَّنتَ للصلاة، فارفعْ صوتَك بالنِّداء، فإنّه   (1) قال أهل اللغة: " (الأذان) معناه: الإعلام، قال الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، وقال تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ}، ويقال: الأذان والتأذين والأذين". وفي الشرع: "الإعلام بالصلاة بألفاظ مخصوصة، في أوقات مخصوصة، مصدره النقل عن صاحب الشريعة، وقد اختلف العلماء في حكمه". قلت: والصواب أنه فرض كالإقامة: لأمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهما في غير ما حديث، كحديث المسيء صلاته، ولذلك فلا تجوز الزيادة فيه، كما لا تجوز الزيادة في أوله أو في آخره، فإنها بدعة، وقد سبق أنّ كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. (2) في الأصل وغيره كمطبوعة الثلاثة والمخطوطة وغيرها زيادة: "عن أبيه"، وهي وهم وردت عند غير البخاري؛ ولذلك حذفتها انظر "فتح الباري" (2/ 88). الحديث: 231 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 "لا يسمعُ مدى صوتِ المؤذنِ جِنٌّ ولا إنسٌ، ولا شيءٌ؛ إلا شَهِد له يومَ القيامةِ". قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه مالك والبخاري والنسائي وابن ماجه، وزاد: "ولا حَجَرٌ ولا شَجَرٌ إلا شهِدَ له". [صحيح] وابن خُزيمة في "صحيحه"، ولفظه: قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يسمعُ صوتَهُ شجرٌ ولا مَدَرٌ ولا حَجَرٌ ولا جِنٌ ولا إنسٌ إلا شهد له". 233 - (3) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُغفَرُ للمؤذن مُنتهى أذانه، وَيستغفرُ له كلُّ رَطبٍ ويابسٍ سَمِعه". رواه أحمد بإسناد صحيح، والطبراني في "الكبير". (1) 234 - (4) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "المؤذنُ يُغفَر له مدى صوتِهِ، ويُصَدِّقُه كلُّ رطْبٍ ويابسٍ". رواه أحمد واللفظ له، وأبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه" وعندهما: "ويشهد له كلُّ رَطْبٍ ويابسٍ". [صحيح] والنسائي، وزاد فيه: "وله مثلُ أجرِ من صلّى معه" (2).   (1) هنا في الأصل ما نصه: "والبزار إلا أنه قال: (ويجيبه كل رطب ويابس) ". قلت: هو بلفظ: "ويجيبه" شاذ مخالف لما قبله، لا سيما وراويه لم يجزم به، فإنه قال كما في "كشف الأستار" (1/ 180/ 355): "وأحسبه قال: ويجيبه. .". (2) هذه الزيادة عند النسائي من حديث البراء الآتي بعده، وليس من حديث أبي هريرة كما يوهم صنيع المؤلف، فتنبه. الحديث: 233 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 [حسن صحيح] وابن ماجه، وعنده: "يُغْفَر له مَدَّ صوتِه، ويستغفرُ له كلُّ رَطبٍ ويابس". [حسن صحيح] وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: "المؤذِّنُ يُغفَر لَه مدَّ صوتِهِ، ويشهدُ له كلُّ رَطبٍ ويابسٍ، وشاهدُ (1) الصلاةِ يُكتبُ له خمسٌ وعشرون حسنةً، ويُكَفَّرُ عنه ما بينهما" (2). قال الخطّابي رحمه الله: "مدى الشيء: غايته، والمعنى أنه يستكمل مغفرةَ الله تعالى إذا استوفى وُسْعه في رفع الصوت، فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت" (3). قال الحافظ رحمه الله: "ويشهد لهذا القول رواية من قال: "يغفر له مدَّ صوته"، بتشديد الدال، أي: بقدر مدِّه صوتَه". قال الخطّابي رحمه الله: "وفيه وجه آخر هو أنه كلام تمثيل وتشبيه، يريد أن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو يقدر أن يكون ما بين أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوب تملأ تلك المسافة [لَـ] غفرها الله" (4) انتهى. 235 - (5) [صحيح لغيره] وعن البراءِ بن عازب رضي الله عنه؛ أن نبيَّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن الله وملائكتَه يصلُّون على الصفٍ المُقَدَّمِ، والمؤذِّنُ يغفرُ له مدى صوتِهِ، ويُصَدِّقُه من سمعه مِن رَطبٍ ويابسٍ، وله [مثل] أجر من صلّى معه". رواه أحمد والنسائي بإسناد حسن جيّد.   (1) أي: شاهد الجماعة بأذانه يُكتَب له ما في تفضيل صلاة الجماعة على المنفرد. والله أعلم. (2) هذه الزيادة عند أحمد أيضاً ومن ذُكِر معه. (3) "معالم السنن" (1/ 281)، والزيادة منه. (4) "معالم السنن" (1/ 281)، والزيادة منه. الحديث: 235 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 236 - (6) [صحيح لغيره] ورواه الطبراني عن أبي أمامة، ولفظه: قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المؤذِّن يُغفرُ لهُ مدَّ صوته، وأجرُه مثلُ أجر من صلّى معه". 237 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الإمام ضامنٌ (1)، والمؤذن مؤتمَن، اللهم أرشِد الأئمةَ، واغْفِرْ للمؤذِّنين". رواه أبو داود والترمذي. [صحيح] وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحهما"؛ إلا أنَّهما قالا: "فأرشَدَ الله الأئمّةَ، وغَفَرَ للمؤذّنين". ولابن خزيمة رواية كرواية أبي داود. وفي أخرى له: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المؤذّنون أمناءُ، والأئمّة ضُمَناءُ، اللهم اغفر للمؤذنين، وسدِّد الأئمّةَ (2)، (ثلاث مرات) ". 238 - (8) [صحيح] ورواه أحمد من حديث أبي أمامة بإسناد حسن. 239 - (9) [صحيح لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الإمامُ ضامنٌ، والمؤذن مُؤتَمنٌ، فأرْشَدَ الله الأئمةَ، وعَفَا عن المؤذنين". رواه ابن حِبّان في "صحيحه". 240 - (10) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا نوديَ بالصلاةِ أدبَرَ الشيطانُ وله ضُراطٌ؛ حتى لا يسمعَ التأذينَ، فإذا قُضِي الأذانُ أقبلَ، فإذا ثُوِّبَ أدبَرَ، فإذا قُضِيَ التثويبُ أقبلَ، حتى يخطُرَ   (1) أي: متكفّل لصلاة المأمومين. (والمؤذن مؤتمن) أي: أمين على مواقيت الصلاة. (2) قلت: والمحفوظ الرواية الأولى؛ "أرشِدِ الأئمة". الحديث: 236 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 بين المرءِ ونفسِه، يقولُ: اذكُرْ كذا، اذكر كذا، لِما لم يكنْ يَذْكُر من قَبلُ، حتى يَظَلَّ الرجلُ ما يدري كم صلّى". رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. قال الخطّابي رحمه الله: "التثويب هنا الإقامة، والعامة لا تعرف التثويب إلا قول المؤذن في صلاة الفجر "الصلاة خير من النوم" (1). ومعنى (التثويب): الإعلام بالشيء، والإنذار بوقوعه، وإنما سميت الإقامة تثويباً لأنه إعلام بإقامة الصلاة، والأذان إعلام بوقت الصلاة". (2) 241 - (11) [صحيح] وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنّ الشيطانَ إذا سمع النداءَ بالصلاة ذهبَ حتى يكون مكان (الرَّوْحاءِ) ". قال الراوي: و (الروحاء) من المدينة على ستة وثلاثين ميلاً. رواه مسلم. 242 - (12) [صحيح] وعن معاويةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "المؤذّنون أطولُ الناسِ أعناقاً يومَ القيامةِ". رواه مسلم. 243 - (13) [حسن صحيح] ورواه ابن حِبّان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.   (1) قلت: والسنة الصحيحة في هذا التثويب تدل على أنه خاص بالأذان الأول في الفجر، وهو مما هجره أكثر المؤذنين اليوم مع الأسف الشديد، حتى في الحرمين الشريفين، ولقد ابتلي بسبب إحياء أمثالها طائفة من إخواننا السلفيين في بعض البلاد الإسلامية، وإلى الله المشتكى من أحوال هذا الزمان، وقلة أنصار السنّة فيه. (2) "معالم السنن" (1/ 281 - 282) مع اختصار. الحديث: 241 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 244 - (14) [حسن لغيره] وعن ابن أبي أوفى رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن خيارَ عبادِ اللهِ الذين يراعون الشمسَ والقمرَ والنجومَ لذكرِ الله". رواه الطبراني -واللفظ له-، والبزار والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". ثم رواه موقوفاً، وقال: "هذا لا يفسد الأول، لأن ابن عيينة حافظ، وكذلك ابن المبارك" انتهى. ورواه أبو حفص بن شاهين وقال: "تفرد به بن عيينة عن مسعر، وحدث به غيره، وهو حديث غريب صحيح". (1) 245 - (15) [صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: سمع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً وهو في مَسيرٍ له يقول: (الله أكبر الله أكبر)، فقال نبيُّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "على الفطرة". فقال: (أشهد أن لا إله إلا الله). قال: "خرجَ من النارِ". فاستَبَقَ القومُ إلى الرَّجُلِ، فإذا راعِي غنمٍ حَضَرتْه الصلاة فقام يؤذّن. رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، (2) وهو في مسلم بنحوه.   (1) قلت: فيه وفي تصحيح الحاكم نظر من وجوه بينتها في "الصحيحة" (3400)، وفيه بيان أن أكثر المؤذنين اليوم لا يستحقون الثناء المذكور في الحديث؛ لأنهم لا يقومون بمراعاة الشمس و. . التي بها تعرف المواقيت الشرعية، وإنما يؤذنون على المواقيت الرسمية المبنية على الحسابات الفلكية، وهي تختلف كل الاختلاف عن الشرعية إلى درجة أن الفجر يؤذن في بعض البلاد قبل الوقت بنحو نصف ساعة! ويؤخرون أذان المغرب نحو عشر دقائق خلافًا للسنة. وقد يترتب بسبب ذلك المعاداة لأهل السنة. انظر التعليق الآتي في (9 - الصوم/ 3). (2) قال الناجي (47): "كذا رواه النسائي في "اليوم والليلة"، وكذا رواه فيه أيضاً من حديث ابن مسعود". قلت. وإسناد ابن خزيمة صحيح كما بينته في تعليقي عليه برقم (399). الحديث: 244 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 246 - (16) [صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقام بلالٌ ينادي، فلما سكت، قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن قال مثلَ هذا يقيناً دخلَ الجنةَ". رواه النسائي وابن حبان في "صحيحه". 247 - (17) [صحيح] وعن عقبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يَعجَبُ ربُّك من راعي غنمٍ في رأس شَظيَّةٍ للجبلِ، يُؤذِّن بالصلاةِ، ويصلّي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذِّنُ ويقيمُ الصلاة، يخافُ مني؛ قد غفرتُ لعبدي، وأدخلتُه الجنةَ". رواه أبو داود والنسائي. (1) (الشَّظِيَّة): بفتح الشين وكسر الظاء المعجمتين، وبعدهما ياء مثناة تحت مشددة وتاء تأنيث، هي القطعة تنقطع من الجبل، ولم تنفصل منه. 248 - (18) [صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من أذن اثْنتيْ عشرةَ سنة، وجبتْ له الجنةُ، وكُتِبَ له بتأذينه في كل يوم ستون حسنةَ، وبكل إقامةٍ ثلاثون حسنةً". رواه ابن ماجه والدارقطني والحاكم، وقال: "صحيح على شرط البخاري". قال الحافظ: "وهو كما قال، فإنَّ عبد الله بن صالح كاتب الليث وإن كان فيه كلام فقد   (1) قلت: وإسناده صحيح، كما بيّنته في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (رقم 41). الحديث: 246 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 روى عنه البخاري في (الصحيح). (1). 249 - (19) [صحيح] وعن سلمانَ الفارسي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا كان الرجل بأرضِ قِيٍّ، فحانت الصلاةُ، فليتوضّأ، فإنْ لم يجد ماءً فليتيمّم، فإنْ أقام؛ صلّى معه مَلَكاه، وإنْ أذنَ وأقام؛ صلى خلفه من جنود الله ما لا يُرى طرفاه". رواه عبد الرزاق في "كتابه" (2) عن ابن التيمي عن أبيه عن أبي عثمان النهدي عنه. (القِيّ) بكسر القاف وتشديد الياء: هما الأرض القفر.   (1) قلت: لكنّه سيّئ الحفظ. لكنْ رواه الحاكم أيضاً من طريق أخرى بسند صحيح كما بينته في المصدر السابق (42). (2) قلت: يعني "المصنَّف"، وهو فيه (1/ 510 - 511)، ومن طريقه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/ 305/ 6120). ورواه ابن أبي شيبة أيضاً في "مصنفه" (1/ 219) بسنده الصحيح المذكور أعلاه عن سلمان قال: فذكره نحوه موقوفاً. وهو في حكم المرفوع كما هو ظاهر. الحديث: 249 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 2 - (الترغيب في إجابة المؤذن، وبماذا يجيبه، وما يقول بعد الأذان؟). 250 - (1) [صحيح] عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال: قال رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا سمعتُم المؤذنَ، فقولوا مثلَ ما يقولُ المؤذنُ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 251 - (2) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنّه سمع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إذا سمعتم المؤذنَ فقولوا مثلَ ما يقولُ، ثم صلُّوا عليَّ؛ فإنه من صلّى عليَّ صلاةً صلّى الله [عليه] (1) بها عشراً، ثم سلُوا الله لي الوسيلةَ؛ فإنّها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أنْ أكون أنا هو، فمَن سأل [الله] (1) لي الوسيلة حلّت له الشفاعةُ". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنَّسائي. 252 - (3) [صحيح] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا قال المؤذِّن: (الله أكبرُ الله أكبرْ)، فقال أحدكم: (الله أكبرُ الله أكبرْ)، ثم قال: (أشهدُ أنْ لا إله إلا الله)، قال: (أشهدُ أنْ لا إله إلا الله)، ثم قال: (أشهد أنّ محمداً رسولُ الله)، قال: (أشهدُ أنَّ محمداً رسولُ الله)، ثم قال: (حيَّ على الصلاةِ)، قال: (لا حول ولا قوةَ إلا بالله)، ثم قال: (حيَّ على الفلاح)، قال: (لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله)، ثم قال: (الله أكبرُ الله أكبر)، قال: (الله أكبرُ الله أكبر)، ثم قال: (لا إله إلا الله)، قال: (لا إله إلا الله) مِن قلبه؛ دخل الجنةَ".   (1) الزيادتان من مسلم وأبي داود. الحديث: 250 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 رواه مسلم وأبو داود والنسائي (1). 253 - (4) [صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن قال حين يسمعُ النداءَ: (اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاةِ القائمة، آتِ محمداً الوسيلةَ والفضيلةَ، وابْعثه مقاماً محموداً الذي وعدتَه)؛ حلَّت له شفاعتي يوم القيامة". رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. (2) 254 - (5) [صحيح] وعن سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من قال حين يَسمَعُ المؤذنَ: (وأنا أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، رضيتُ بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رسولاً)؛ غَفر الله له ذنوبَه". رواه مسلم والترمذي -واللفظ له-، والنسائي وابن ماجه وأبو داود، ولم يقل: "ذنوبه"، وقال مسلم: "غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه". (3) 255 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: كنَّا مع رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقام بلالٌ ينادي، فلمَّا سكت، قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) أي: في "اليوم والليلة" (155/ 40)، وهو مخرج في "الإرواء" (1/ 258). وفي الحديث إشارة إلى أن المؤذن يؤذن تكبيرتين تكبيرتين، وليس تكبيرة تكبيرة كما يفعله المؤذنون في بعض البلاد، فتنبهْ. وأما حديث "التكبير جزم" فلا أصل له، على أنه لا علاقة له بالأذان، وليس هذا مجال البيان. (2) زاد في الأصل: "ورواه البيهقي في "سننه الكبرى"، وزاد في آخره: (إنك لا تخلف الميعاد) ". قلت: وهي زيادة شاذة كما كنت بينته في "الإرواء" (1/ 260 - 261/ 243). (3) كذا الأصل، وهو وهم، فإن لفظ مسلم (2/ 5): "غُفِر له ذنبُه"، ثم رأيته هكذا على الصواب في "مخطوطة الظاهرية" لكن الناسخ صححها على الهامش فصيَّرها كما وقع في الأصل! وهو مطابق لرواية أبي عوانة في "مستخرجه" (1/ 340)، وزاد: "وما تأخّر". وسكت عنها ابن حجر في "المختصر"! وهي شاذّة. الحديث: 253 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 "مَن قال مِثلَ ما قال هذا يقيناً دخل الجنة". رواه النَّسائي وابن حِبّان (1) في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد". 256 - (7) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنّ رجلاً قال: يا رسولَ الله! إن المؤذّنين يَفْضُلونَنَا. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قلْ كما يقولون، فإذا انتهيتَ فَسَلْ؛ تُعطَه". رواه أبو داود والنسائي (2)، وابن حبان في "صحيحه". 257 - (8) [حسن] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سلوَا الله لي الوسيلة، فإنّه لم يسألْها لي عبدٌ في الدنيا؛ إلا كنتُ له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة". رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية الوليد بن عبد الملك الحرَاني عن موسى بن أعْين، والوليد مستقيم الحديث فيما رواه عن الثقات، وابن أعين ثقة مشهور. 258 - (9) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها: أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: "وأنا، وأنا". رواه أبو داود -واللفظ له-، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد".   (1) في الأصل ومطبوعة عمارة: "ابن ماجه"، وهو خطأ، والتصويب من المخطوطة. (2) قال الناجي (47): "أي في "اليوم والليلة"، وكذا في كثير من هذا الكتاب يشقّ تبيينه كلّما وقع، لكنّه مرموز إليه في نسختي، ثم ذكرته في "سؤال الجنة والاستعاذة من النار" آخر الكتاب مجموعاً هناك". وهو في مطبوعة "عمل اليوم والليلة" (157/ 44). الحديث: 256 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 3 - (الترغيب في الإقامة). 259 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطانُ وله ضُراطٌ؛ حتى لا يسمعَ التأذينَ، فإذا قُضِي الأذانُ أقبلَ، فإذا ثُوَّبَ أدبر. . .". الحديث تقدم. [5 - الصلاة/ 1 - باب/ 10 - حديث]. والمراد بـ (التثويب) هنا: الإقامة. 260 - (2) [صحيح لغيره] وعن جابرٍ رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا ثُوَّبَ بالصلاةِ فُتحتْ أبوابُ السماء، واستُجيبَ الدعاءُ". رواه أحمد من رواية ابن لَهيعة (1).   (1) قلت: لكن له شواهد تقوّيه أحدها عن أنس، وبعض أسانيده حسن، ورواه الضياء في "المختارة"، وهو مخرَّج في "الصحيحة" (1413). الحديث: 259 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 4 - (الترهيب من الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر). 261 - (1) [صحيح] ورواه [يعني حديث أبي هريرة الذي في "الضعيف"] مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه دون قوله: "أمرنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . ." إلى آخره. (1) 262 - (2) [حسن صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يسمعُ النداءَ في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلا لحاجة، ثم لا يرجع إليه إلا منافق". رواه الطبراني في "الأوسط"، رواته محتج بهم في "الصحيح". 263 - (3) [صحيح لغيره] وروي عن عثمانَ بنِ عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أدركه الأذانُ في المسجدِ ثم خرج لم يخرج لحاجةٍ، وهو لا يريد الرجعةَ؛ فهو منافق (2) ". رواه ابن ماجه. 264 - (4) [صحيح لغيره] وعن سعيد بن المسيّب رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يخرج من المسجدِ أحدٌ بعد النداءِ إلا منافقٌ، إلا أحدٌ (3) أخرجته حاجة، وهو يريد الرجوعَ". رواه أبو داود في "مراسيله".   (1) قلت: وسيأتي لفظ مسلم هنا في الصلاة (20 - الترهيب من ترك حضور الجماعة. .). (2) يعني: يفعل فعل المنافق، إذ المؤمن حقاً ليس من شأنه ذلك، فالنفاق هنا عملي، وليس قلبيّاً، فتنبه! فإنه هام. (3) الأصل ومطبوعة الثلاثة: "لعذر"، والتصويب من "مختصر المراسيل" لأبي داود. ورواه الدارمي والبيهقي بلفظ: "رجل". الحديث: 261 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 5 - (الترغيب في الدعاء بين الأذان والإقامة). 265 - (1) [صحيح لغيره] عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الدعاءُ بين الأذان والإقامة لا يُردُّ". رواه أبو داود والترمذي -واللفظ له- والنسائي، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، وزادا (1): "فادْعوا". (2) 266 - (2) [صحيح لغيره] وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ساعتان تُفتَح فيهما أبوابُ السماء، وقلّما تُرَدُّ على داعٍ دعوتُه؛ عند حضور النِّداةِ (3)، والصفِّ في سبيل الله". وفي لفظ قال: "ثِنْتانِ لا تُرَدّان -أو قلّما يُردّان-: الدعاءُ عند النداءِ، وعند البأْسِ؛ حين يُلحِمُ بعضهم بعضاً".   (1) الأصل: "وزاد" بلفظ الإفراد، والصواب ما أثبتُّه، وهو مما غفل عنه المحققون الثلاثة!! وهي عند أحمد أيضاً، والحديث مخرج في "الإرواء" (1/ 262 / 244). (2) هنا في الأصل: "وزاد الترمذي في رواية: (قالوا: فماذا نقول يا رسول الله؟ قال: "سلوا الله العافية في الدنيا والآخر"). قلت: وهي زيادة منكرة كما بينته في "الإرواء" (1/ 262)؛ وأما الجهلة الثلاثة فصدروا تخريجهم للحديث بقولهم: "صحيح،. . ."، ولم يفرقوا بين الزيادة والأصل! نعم جملة (العافية) صحيحة في ذاتها دون ربطها بالأذان والإقامة كما سيأتي في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى، في أول (25 - الجنائز). (3) هذا اللفظ "النداء" هو الدي تشهد له الأحاديث الأخرى منها الذي قبله، دون لفظ: "حين تقام الصلاة"، ولذلك أوردت هذا في الكتاب الآخر، ولم يفرق بينهما الثلاثة! وهذا الحين ليس وقتاً للدعاء، وإنما لتسوية الصفوف. فتنبه. الحديث: 265 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 رواه أبو داود وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحه (1) "؛ إلا أنه قال في هذه: "عند حضور الصلاة". ورواه الحاكم وصححه، ورواه مالك موقوفاً (2). قوله: (يُلحُم)، هو بالحاء المهملة أي: حين ينشَب بعضهم ببعض في الحرب. 267 - (3) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما: أنّ رجلاً قال: يا رسولَ الله! إنّ المؤذّنين يَفْضُلوننا؟ (3) فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قلْ كما يقولون، فإذا انتهيتَ فَسَلْ تُعْطَه". رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في "صحيحه"، وقالا: "تُعْطَ" بغير (هاء). [مضى في 2 - الترغيب في إجابة المؤذن. .].   (1) الأصل: "صحيحيهما"، والمثبت في نسخة مصوَّرة عندي، وهو المناسب لقوله: "إلا أنه. ."، على أن هذا الاستثناء خطأ؛ لأن هذه الرواية التي فيها (الالتحام) ليست عند ابن حبان، ورواية "عند حضور الصلاة" عند ابن حبان إنّما هي في روايته عن مالك مختصراً بلفظ: "ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء: عند حضور الصلاة، وعند الصف". (2) في "الموطأ" (1/ 91) بسند صحيح موقوف بلفظ: ". . حضرة النداء للصلاة". (3) بفتح الياء وضم الصاد المعجمة، أي: يحصل لهم فضل ومزية علينا في الثواب بسبب الأذان. الحديث: 267 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 6 - (الترغيب في بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة إليها). 268 - (1) [صحيح] عن عثمانَ بنِ عفان رضى الله عنه أنَه قال عند قول الناس فيه حين بنَى مسجدَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنكم أكثرتُم (1)، وإنّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن بنى مسجداً -[قال بُكير: حسِبتُ أنّه قال:] (2) يبتغي به وجهَ الله-؛ بنى الله له بيتاً في الجنة". وفي رواية: "بنى الله له مثلَه (3) في الجنةِ". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 269 - (2) [صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن بنى لله مسجداً قدَرَ مَفحَصِ (4) قطاةٍ؛ بنى الله له بيتاً في الجنة". رواه البزار -واللفظ له-، والطبراني في "الصغير"، وابن حبان في "صحيحه". 270 - (3) [صحيح لغيره] وعن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن بنى لله مسجداً يُذكَر فيه؛ بنى الله له بيتاً في الجنةِ".   (1) كان هنا في الأصل "علي"، فحذفتها لعدم ورودها في "الصحيحين". (2) سقطت من الأصل واستدركتها من "الصحيحين"، فإثباتها واجب أخل به الناجي فضلاً عن المعلقين! لأن قوله: "يبتغي به وجه الله" ليس من لفظ الحديث كما قال الحافظ. وهو عند مسلم في "الصلاة" وفي "الزهد" أيضاً. (3) أي: في الشرف والفضل والتوقير، لأنه جزاء المسجد، فيكون مثلاً له في صفات الشرف. (4) أي: محل فحصها لتبيض. و (الفحص): الكشف البحث. الحديث: 268 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 رواه ابن ماجه وابن حبان في "صحيحه". 271 - (4) [صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن حَفَر ماءً لم يَشْرَبْ منه كبِدٌ حرّى (1) من جِن، ولا إنسٍ، ولا طائرٍ؛ إلا آجرَه الله يومَ القيامةِ، ومَن بنى مسجداً كمَفْحص قَطاةٍ أو أصغرَ؛ بنى الله له بيْتاً في الجنةِ". رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، وروى ابن ماجه منه ذكر المسجد فقط بإسناد صحيح. 272 - (5) [صحيح] ورواه أحمد والبزار عن ابن عباسٍ عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا أنّهما قالا: "كَمَفْحَصِ قطاةٍ لبَيْضِها". (مفحص القطاة) بفتح الميم والحاء المهملة: هو مجثمها. 273 - (6) [حسن لغيره] وعن عبدِ الله بنِ عمرو (2) رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من بنى لله مسجداً؛ بنى الله له بيتاً في الجنة أوسَع منه". رواه أحمد بإسناد لين. 274 - (7) [حسن لغيره] ورُوي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن بنى مسجداً لا يريدُ به رِياءً ولا سمعةً؛ بنى الله له بيتاً في الجنّةِ". رواه الطبراني في "الأوسط".   (1) أي: عطشى. وهي فعلى من الحر، تأنيث (حران)، وهما للمبالغة، يريد: أنها لشدة حرها قد عطشت ويبست من العطش كما في "اللسان". (2) في الأصل وغيره: (ابن عمر)، والتصويب من "المسند" و"المخطوطة". الحديث: 271 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 275 - (8) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنّ مما يَلْحَقُ المؤمنَ من عمله وحسناتِه بعد موتِه، علماً علَّمه ونَشَرَه، أو ولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابنِ السبيلِ بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من مالِهِ، في صحتِه وحياتِه، تلحقُه من بعد موتِه". رواه ابن ماجه -واللفظ له-، وابن خزيمة في "صحيحه"، والبيهقي، وإسناد ابن ماجه حسن. والله أعلم. (1)   (1) قلت: وقد مضى بهذا اللفظ (رقم 77 و112). الحديث: 275 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 7 - (الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها، وما جاء في تجميرها). 276 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ امرأةً سوداء (1) كانت تَقُمُّ المسْجد، ففقدها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسأل عنها بعد أيام، فقيل له: إنّها ماتت. فقال: "فهلا آذنتُمُوني؟ " (2). فأتى قبرها، فصلّى عليها. [حسن] رواه البخاري ومسلم وابن ماجه بإسناد صحيح، واللفظ له. وابن خزيمة في "صحيحه"؛ إلا أنه قال: إنّ امرأةً كانت تَلْتَقِط الخِرَقَ والعِيدانَ مِن المسجد. 277 - (2) [صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه أيضاً وابن خزيمة عن أبي سعيد قال: كانت سَوداءُ تَقُمُّ المسجدَ، فتُوفِّيتْ ليلاً، فلما أصبحَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُخبِرَ بها. فقال: "ألا آذنتموني؟ ". فخرج بأصحابه فوقف على قبرها، فكبَّر عليها والناسُ خلفهُ، ودعا لها، ثم انصرف.   (1) واسمها أم محجن، كما رواه البيهقي من حديث بريدة بإسناد حسن كما قال الحافظ في "الفتح" (1/ 553). ورواه أبو الشيخ في حديث آخر، وهو في الكتاب الآخر رقم (194). وقوله: (تقم المسجد) أي: تكنُسه. (2) بمد الهمزة من (الإيذان)، أي: أعلمتوني بموتها حين ماتت. الحديث: 276 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 278 - (3) [صحيح لغيره] وعن سمرة بن جُندب رضي الله عنه قال: أمرنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ نتَّخِذ المساجد في دِيارنا، وأمَرنا أنْ نُنَظِّفها. رواه أحمد والترمذي، وقال: "حديث صحيح" (1). 279 - (4) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ببناءِ المساجد في الدُّورِ (2)، وأن تُنَظَّفَ وتُطَيِّبَ. رواه أحمد (3) وأبو داود وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، ورواه الترمذي مسنداً ومرسلاً، وقال في المرسل: "هذا أصحّ".   (1) لم أره عند الترمذي، ولا عزاه إليه المِزي في "التحفة" ولا النابلسي في "الذخائر"، وإنما رواه أبو داود بنحوه، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (481). (2) أي: القبائل. وقوله: "وأن تنظف وتطيب" مبنيان للمفعول، أمر بذلك لكونها محالاً لحضور الملائكة الكرام. (3) هنا في الأصل ومطبوعة عمارة زيادة: "والترمذي وقال: حديث صحيح إلى" هكذا! ولما كانت منافية للسياق، ولم ترد في المخطوطة؛ فقد حذفتها. الحديث: 278 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 8 - (الترهيب من البصاق في المسجد وإلى القبلة، ومن إنشاد (1) الضالّة فيه، وغير ذلك مما يذكر هنا). 280 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنه قال: يبنما رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب يوماً، إذ رأى نُخامةً (2) في قِبلةِ المسجدِ، فتغيظَ على الناسِ، ثم حكَّها، -قال: وأحسبُهُ قال:- فدعا بِزَعفَرانٍ فَلَطَخَهُ به وقال: "إنّ الله عز وجل قِبَلَ وجه أحدكم إذا صلّى، فلا يَبصق بين يديه". رواه البخاري ومسلم وأبو داود، واللفظ له. 281 - (2) [صحيح] وروى ابن ماجه عن القاسم بن مهران -وهو مجهول- (3) عن أبي رافع عن أبي هريرة:   (1) كذا الأصل والمخطوطة، للصواب "نشدان"، قال الناجي في "العجالة" (50): "ينكر عليه قوله: "إنشاد" رباعياً، وكذا ينكر ذلك علىَ أبي داود وابن ماجه، وقد زاد فروى ذلك مرفوعاً حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. مع الترمذي في التبويب بين إنشاد الضالة والشعر، وهذا كله من التصرف في العبارة والجري على التداول، وإنما هو (نشد)، ثلاثي، ويدل عليه حديث بُريدة الذي ساقه المصنف في أثناء الباب: أنّ رجلاً نشد في المسجد، ولم يقل "أنشد"، قال أهل اللغة: يقال: نشد الضالة ينشدها -بفتح أوله وضم ثالثه- نشدة ونشداناً -بكسر أولها-، أي: طلبها، فهو ناشد. وهذا هو المراد هنا قطعاً. وأنشدها أي: عرفها، فهو منشد، ومنه حديث: "لقطة مكة لا تحل إلا لمنشد"، وليس هذا مراداً هنا. وقال الشاعر: إصاخة الناشد للمنشد أي: استماع الطالب للواجد. ويقال أيضاً: أنشد الشعر ينشده إنشاداً". (2) (النخامة): هي ما يخرج مِن الصدر. وقيل: (النخاعة) بالعين من الصدر، وبالميم من الرأس. (3) كذا قال، وهو وهم فاحش مزدوج، فإنّ القاسم بن مهران معروف، قال ابن مَعين: "ثقة". وقال أبو حاتم: "صالح". واحتجّ به مسلم، وقد أخرج حديثه هذا في "صحيحه" (2/ 76)، وكذلك رواه أحمد والنسائي، وفيه عنده: "عن يساره تحت قدمه". وذكر سبب الوهم في "العجالة" (51). الحديث: 280 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى نُخامةً في قِبلةِ المسجد، فأقبَل على الناسِ، فقال: "ما بالُ أحدِكم يقومُ مستقبِل ربه فيتنخَّعُ أمامَه؟! أيحبُّ أحدُكم أنْ يُستقْبلَ فيُتَنخَّعَ في وجهه؟! إذا بصَقَ أحدكم فليبصق عن شمالِهِ، أو ليتفُل هكذا في ثوبه". ثم أراني إسماعيل -يعني ابن عُليَّةَ- يبصق في ثوبه ثم يَدلُكه. 282 - (3) [حسن صحيح] وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه: أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان تُعجبه العَراجين (1) أنْ يُمسِكَها بيدِه، فدخل المسجد ذاتَ يوم، وفي يده واحدٌ منها، فرأى نُخاماتٍ في قبلة المسجد، فحتَّهُن حتى أنقاهُنَّ، ثم أقبلَ على الناسِ مُغضَباً فقال: "أيحب أحدُكم أنْ يستقبِلَه رجلٌ فيبصقَ في وجهه؟! إنَّ أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنما يستقبل ربه، والملَكُ عن يمينه، فلا يبصقْ بين يديه، ولا عن يمينه" الحديث. رواه ابن خزيمة في "صحيحه" (2)، وفي رواية له بنحوه، إلا أنه قال فيه: "فإنَّ الله عز وجل بين أيديكم في صلاتِكم، فلا تُوَجِّهُوا شيئاً من الأذى بين أيديكم" الحديث. وبوب عليه ابن خزيمة: "باب الزجر عن توجيه جميع ما يقع عليه اسم أذى تلقاء   (1) (العراجين) جمع (عُرجون)، وهو العود الأصفر الذي فيه شماريخ العذق. (2) هذا يوهم أنه لم يروه أحد من أصحاب الستة، وليس كذلك، فقد أخرجه منهم أبو داود، ورواه أحمد أيضاً، والحاكم وصححه، وافقه الذهبي. وله عند أحمد (3/ 65) طريق أخرى نحوه، وفيه: "أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى العرجون قتادة بن النعمان فأضاء أمامه الطريق عشراً، وخلْفه عشراً، أنه أمره أنْ يضرب به سواداً في زاوية البيت فإنه شيطان". وسنده صحيح على شرط الشيخين. الحديث: 282 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 القبلة في الصلاةِ". 283 - (4) [صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أتانا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مسجدنا، وفي يده عُرجون، فرأى في قِبلةِ المسجد نُخامةً، فأقبل عليها، فحتَّها بالعُرجون، ثم قال: "أَيُّكم يحبُّ أنْ يُعرِضَ الله عنه؟! إنّ أحدكم إذا قامَ يصلّي، فإنَّ الله قِبَلَ وجهه، فلا يبصقنَّ قِبَلَ وجهه، ولا عن يمينه، وليبْصقنَّ عن يسارِه تحت رجلِهِ اليسرى، فإن عجِلَتْ به بادرةٌ (1) فليتفُلْ بثوبه هكذا، ووضعه على فيه، ثم دلكَه. . ." الحديث. رواه أبو داود وغيره. (2) 284 - (5) [صحيح] وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من تَفَلَ تُجاه القِبلة، جاء يومَ القيامةِ وتَفلُه بين عينَيه. . . (3) ".   (1) أي: شيء سبق من الإنسان من مخاط أو بزاق. (2) هذا قصور أفحش من الذي قبله، فقد أخرجه مسلم أيضاً في آخر "صحيحه" (8/ 232)، لذلك تعجب منه المؤلف الشيخ الناجي في "عجالته" (52). فائدة هامة: اعلم أن قوله في هذا الحديث: "فإن الله قبل وجهه". وفي الحديث الذي قبله "فإن الله عز وجل بين أيديكم في صلاتكم" لا ينافي كونه تعالى على عرشه، فوق مخلوقاته كلها كما تواترت فيه نصوص الكتاب والسنة، وآثار الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم، ورزقنا الاقتداء بهم، فإنّه تعالى مع ذلك واسع محيط بالعالم كله، وقد أخبر أنّه حيثما توجه العبد فإنه مستقبل وجه الله عز وجل، بل هذا شأن مخلوقه المحيط بما دونه، فإن كل خط يخرج من المركز إلى المحيط، فإنه يستقبل وجه المحيط ويواجهه، وإذا كان عالي المخلوقات يستقبله سافلها المحاط بها بوجهه من جميع الجهات والجوانب، فكيف بشأن من هو بكل شيء محيط، وهو محيط ولا يحاط به؟ وراجع بسط هذا في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية؛ كـ "الحموية" و"الواسطية"، و"شرحها" للشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ص 203 - 213) رحمه الله. (3) هذه النقط من عندي؛ لأن للحديث تتمَّة تأتي في آخر (11 - الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلاً. .) رقم (335/ 9). وكان ينبغي للمؤلف أن يشير إلى ذلك بقوله: "الحديث". كما عليه اصطلاحهم. الحديث: 283 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 رواه أبو داود، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". (تفل) بالتاء المثناة فوق، أي: بصق، بوزنه ومعناه. 285 - (6) [صحيح] وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُبعث صاحبُ النُّخامةِ في القبلةِ يومَ القيامة، وهي في وَجهه". رواه البزار، وابن خزيمة في "صحيحه" -وهذا لفظه-، وابن حبان في "صحيحه". 286 - (7) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "البُصاقُ في المسجد خطيئةٌ، وكفارتُها دَفْنُها". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 287 - (8) [حسن صحيح] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "التَّفْلُ في المسجدِ سيئةٌ، ودفنُهُ حسنةٌ". رواه أحمد بإسناد لا بأس به. 288 - (9) [صحيح لغيره] وعن أبي سهلة: السائبِ بن خّلادٍ -من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ --: أنّ رجلاً أمَّ قوماً، فبصقَ في القِبلة، ورسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنظرُ، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين فَرغ: "لا يصلّي لكم هذا"، فأراد بعد ذلك أنْ يصلِّيَ لهم، فمنعوه، وأخبروه بقول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَذُكِرَ ذلك لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "نعمْ -وحسِبْتُ أنّه قال:- إنّك آذيت الله ورسولَه". رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه". الحديث: 285 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 289 - (10) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمر (1) رضي الله عنهما قال: أمَرَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً يصلِّي بالناس الظهر، فتَفَل في القِبلةِ وهو يصلِّي للناس، فلما كانت صلاةُ العصر، أرسل إلى آخرَ، فأشفق الرجلُ الأوّلُ، فجاء إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! أأُنزِلَ فيَّ شيء؟ قال: "لا، ولكنَّك تَفَلْتَ بين يديك، وأنت قائم تؤُمُّ الناس، فآذيتَ الله والملائكةَ". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد جيد. 290 - (11) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن سَمعَ رجلاً يَنشد ضالةً في المسجدِ فلْيقُلْ: لا ردَّها الله عليك، فإنّ المساجد لم تُبْنَ لهذا". رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه وغيرهم. 291 - (12) [صحيح] وعنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا رأيتُمْ مَن يَبيعُ أو يبتاعُ في المسجِد فقولوا: لا أرْبَحَ الله تجارتَك، وإذا رأيتُم من يَنشُد ضالّةً فقولوا: لا ردّها الله عليك". رواه الترمذي وقال:   (1) كذا الأصل والمخطوطة، وفي "المجمع": ابن عمرو. ولعله الصواب، فإنّي لم أر الحديث في مسند ابن عمر من "الطبراني الكبير" المحفوظ في ظاهرية دمشق. وليس فيها المجلد الذى فيه "مسند ابن عمرو". ثم طبع هذا أو جزء منه، فوجدت الحديث فيه (13/ 43 - 44) على الصواب الذي رجوته، والحمد لله، وغفل عنه مدّعو التحقيق الثلاثة، مع اطلاعهم على هذا التعليق في الطبعة السابقة، وعزوهم الحديث لـ"مجمع الهيثمي، وهو فيه على الصواب!! ثم خرّجت الحديث في "الصحيحة" (3376). الحديث: 289 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 "حديث حسن صحيح"، والنسائي وابن خزيمة والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". ورواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه بالشطر الأول. 292 - (13) [صحيح] وعن بُريدةَ رضي الله عنه: أن رجلاً نَشَد في المسجد، فقال: مَن دعا إلى الجملِ الأحمرِ؟ فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا وجدتَ، إنما بُنيَتِ المساجدُ لما بُنِيتْ له". رواه مسلم والنسائي وابن ماجه. 293 - (14) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا توضّأ أحدكم في بيتِهِ، ثم أتى المسجدَ، كان في الصلاةِ حتى يرجع، فلا يَقُل هكذا -وشبك بين أصابعه-". رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح على شرطهما". وفيما قاله نظر. (1) 294 - (15) [صحيح لغيره] وعن كعب بن عجرةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إذا توضأ أحدُكم ثم خرجَ عامداً إلى الصلاةِ، فلا يشبِّكَنَّ بين يديه، فإنه في صلاةٍ". رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد، والترمذي -واللفظ له- من رواية سعيد المقبري عن رجل عن كعب بن عُجرة، وابن ماجه من رواية سعيد المقبري أيضاً عن كعب، وأسقط الرجل المبهَم.   (1) قلت: هذا غير ظاهر، فإنه عندهما من طرق عن إسماعيل بن أمية عن سعيد المقبري عنه، وإسماعيل ثقة ثبْت، ومثله المقبري، وكلاهما من رجال الشيخين. وإنْ كان يعني أنه اختلف على المقبري في إسناده، فليس ذلك يضيره، وبيانه في "الصحيحة" (1294) المجلد الثالث. الحديث: 292 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وفي رواية لأحمد قال: "دخل عليَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسجدِ، وقد شبّكتُ بين أصابعي (1)، فقال: "يا كعب! إذا كنتَ في المسجد فلا تُشبّكَنَّ بين أصابعِك، فأنتَ في صلاةٍ ما انتظرتَ الصلاة". ورواه ابن حبان في "صحيحه" بنحو هذه (2). 295 - (16) [حسن صحيح] ورَوى عنه [يعني ابن عمر] الطبراني في "الكبير": أنّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ". . ولا تتّخذوا المساجدَ طُرُقاً إلا لذِكرٍ أو صلاة". وإسناد الطبراني لا بأس به. 296 - (17) [حسن] وعن عبدِ الله -يعني ابنَ مسعودٍ- رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سيكون في آخرِ الزمانِ قومٌ يكون حديثهم في مساجدِهم، ليس لله فيهم حاجةٌ". رواه ابن حِبّان في "صحيحه".   (1) الأصل: "أصابع لي"، والتصويب من "المسند" (4/ 243 - 244) والمخطوطة. (2) قلت: وكذا ابن خزيمة في "صحيحه" (1/ 227/ 441). الحديث: 295 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 9 - (الترغيب في المشي إلى المساجد سيَما في الظُّلَم، وما جاء في فضلها). 297 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صلاةُ الرجلِ في الجماعة تُضعَّفُ (1) على صلاتِهِ في بيتِهِ وفي سوقِهِ خمساً وعشرين درجة، وذلك أنّه إذا توضأ فأحسنَ الوضوءَ، ثم خرج إلى المسجد لا يُخرِجه إلا الصلاةُ، لم يخطُ خُطوةً (2) إلا رُفِعَت له بها درجةٌ، وحُطَّ عنه بها خطيئةٌ، فإذا صلّى لم تزل الملائكة تُصلّي عليه، ما دام في مصلاّهُ: اللهم صلِّ عليه، اللهم ارْحَمْه (3)، ولا يزالُ في صلاةٍ ما انتظرَ الصلاةَ". (وفي رواية): "اللهمّ اغفر له، اللهم تُبْ عليه؛ ما لم يؤذِ فيه، ما لم يُحدِثْ فيه". (4) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه باختصار، ومالك في "الموطأ" (5)، ولفظه: "مَن توضّأ فأحسنَ الوضوءَ، ثم خرج عامداً إلى الصلاةِ، فإنّه في صلاةٍ ما كان يَعمِدُ إلى الصلاةِ، إنّه يُكتَبُ له بإحدى خُطوَتيْهِ حسنةٌ، وُيُمحَى عنه بالأخرى سيئةٌ، فإذا سمعَ أحدُكم الإقامةَ فلا يسْعَ، فإنَّ أعظمَكم أجراً   (1) أي: تزاد. والتضعيف أنْ يزاد على أصل الشيء فيجعل بمثلين أو أكثر، و (الضِّعف) بالكسر: المثل. وقوله: (وذلك) إشارة إلى التضعيف الذي يدل عليه قوله: "تضعف". (2) يجوز فيه ضم الخاء المعجمة وفتحها، وجزم اليعمُري بأنها هاهنا بالفتح. وقال القرطبي: "إنها في روايات مسلم بالضم". وقال الجوهري: "الخطوة بالضم ما بين القدمين، وبالفتح المرّة الواحدة". (3) أي: لم تزل الملائكة يصلّون عليه حال كونهم قائلين: يا ألله ارحمه. والله أعلم. (4) أي: ما لم ينقض وضوءه، وسيأتي مفسِّراً في رواية أخرى في (22 - انتظار الصلاة). (5) قال الناجي (54): "إنما رواه مالك هكذا من طريق أخرى عن نعيم المجمر عنه موقوفاً". قلت: ولكنه في حكم المرفوع كما لا يخفى، وهو في "الموطأ" (1/ 54). الحديث: 297 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 أبعدُكم داراً"، قالوا: لِمَ يا أبا هريرة؟ قال: "مِنْ أجلِ كثرةِ الخُطا". ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: أنّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مِن حينَ يخرجُ أحدُكم من منزله إلى مسجدي، فَرِجْلٌ تَكتُبُ له حسنةً، ورِجْل تَحُطُّ عنه سيئةً، حتى يرجعَ". ورواه النَّسائي (1) والحاكم بنحو ابن حبان، وليس عندهما: "حتى يرجع". وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم". (2) [صحيح] وتقدم في الباب قبله (رقم 14) حديث أبي هريرة: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا توضّأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجدَ؛ كان في صلاةٍ حتّى يرجعَ" الحديث. 298 - (2) [صحيح] وعن عُقبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنّه قال: "إذا تطهَّر الرجلُ، ثم أتى المسجد يَرعى الصلاة، كتبَ له كاتباهُ أو كاتبُه بكلِّ خُطوةٍ يخطوها إلى المسجد عشرَ حسناتٍ، والقاعدُ يَرعى الصلاةَ كالقانتِ، ويُكتبُ من المصلين، من حين يخرُجُ من بيتِهِ حتى يرجعَ إليه". رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وبعض طرقه صحيح، وابن خزيمة في "صحيحه"، ورواه ابن حبان في "صحيحه" مفرقاً في موضعين. (3) (القُنوت) يطلق بإزاء معانٍ، منها: السكوت، والدعاء، والطاعة، والتواضع، وإدامة الحج، وإدامة الغزو، والقيام في الصلاة، وهو المراد في هذا الحديث. والله أعلم.   (1) أي: في "الكبرى" له كما في "العُجالة" (53). قلت: هذا يوهم أنه لم يخرجه في "الصغرى"، وليس كذلك، فهو فيها (1/ 165 - الميمنية). وهو مخرج في "صحيح أبي داود" تحت الحديث (572). (2) قلت: ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. (3) وسيأتي لفظ الشطر الثاني منه في (22 - الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة). الحديث: 298 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 299 - (3) [حسن] وعن عبد الله بن عمرو (1) رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن راحٍ إلى مسجد الجماعة؛ فخُطوةٌ تمحو سيئةً، وخُطوةٌ تكتبُ له حسنةً، ذاهباً وراجعاً". رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني، وابن حبان في "صحيحه". 300 - (4) [صحيح] وعن عثمانَ رضي الله عنه أنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن توضّأ فأسبغَ الوضوءَ، ثم مشى إلى صلاةٍ مكتوبةٍ، فصلاّها مع الإمام؛ غُفرَ له ذنبُه". رواه ابن خزيمة. (2) 301 - (5) [حسن لغيره] وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: حَضَرَ رجلاً من الأنصار الموتُ فقال: إني محدثُكم حديثاً ما أحدثُكموه إلا احتساباً، سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إذا توضّأَ أحدُكم فأحسَن الوضوءَ، ثم خرج إلى الصلاة، لم يرفعْ قَدَمَه اليمنى؛ إلا كَتَبَ الله عز وجل له حسنةً، ولم يضع قدمَه اليسرى؛ إلا حطَّ الله عز وجل عنه سيئة، فليُقَرِّبْ أحدكم أو ليُبَعِّدْ، فإن أتى المسجد فصلّى في جماعة غُفرِ له، فإن أتى المسجد وقد صلّوا بعَضاً وبقي بعضٌ؛ صلَّى ما أدرك، وأتم ما بقي كان كذلك، فإنْ أتى المسجد وقد صلَّوا فأتم الصلاةَ كان كذلك". رواه أبو داود. (3)   (1) الأصل: (عُمر)، والتصويب من المخطوطة و"المسند" و"ابن حبان" و"المجمع". (2) قلت: ورواه مسلم في "صحيحه" في "فضل الوضوء والصلاة عقبه" بنحوه. وكذا النسائي (2/ 112 - الطبعة المصرية). وسيعيده المؤلف برواية ابن خزيمة أيضاً (16 باب). (3) قلت: يعني مرسلاً، فإن (سعيد بن المسيب) رحمه الله تابعي، وجملة الترضي توهم أنه صحابي، ولعلها من بعض النساخ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (572). الحديث: 299 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 302 - (6) [صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتاني الليلةَ (1) ربي، -فذكر الحديث، إلى أنْ قال:- قال لي: يا محمدُ! أتدري فيمَ يختصم الملأُ الأعلى؟ قلت: نعمْ، في الدرجاتِ والكفّاراتِ، ونقلِ الأقدامِ إلى الجماعةِ، وإسباغِ الوضوء في السَّبَرات (2)، وانتظار الصلاةِ بعد الصلاةِ، ومن حافظ عليهن؛ عاش بخيرٍ، ومات بخير، وكان من ذنوِبه كيومَ ولدته أمه. . ." الحديث. رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن غريب". ويأتي بتمامه إن شاء الله تعالى. [هنا /16، ومضى 4/ 7 - باب]. 303 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يتوضّأ أحدُكم فيُحسنُ وُضوءه فيُسبغه، ثم يأتي المسجدَ لا يريدُ إلا الصلاةَ فيه، إلا تَبَشْبَشَ الله إليه، كما يتبشبش أهلُ الغائب بطلعته". رواه ابن خزيمة في "صحيحه". 304 - (8) [صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: خَلَتِ البِقاعُ حولَ المسجدِ، فأراد بَنو سَلِمة (3) أنْ ينتقلوا قُرْبَ المسجد، فبلغ ذلك النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال لهم: "بلغني أنّكم تريدون أنْ تنتقلوا قُرْبَ المسجد".   (1) في الأصل هنا خطأ نبهت عليه في "الترغيب في الوضوء وإسباغه". (2) أي: شدة البرد كما تقدم من المؤلف (4 - الطهارة/ 7 - باب/ 21 - حديث). (3) هو بكسر اللام: بطن من الأنصار، وليس في العرب (سِلمة) بكسر اللام غيرهم، وكانت ديارهم على بعد من المسجد، وكانت المسافة تمنعهم في سواد الليل وعند وقوع الأمطار واشتداد البرد، وأرادوا أن يتحوّلوا إلى قرب المسجد لذلك. الحديث: 302 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 قالوا: نعم يا رسول الله! قد أردنا ذلك، فقال: "يا بني سَلِمَةَ! ديارَكم؛ تُكتَبْ آثارُكم، ديارَكم؛ تُكْتَبْ آثارُكم". فقالوا: ما يسرنا أنَّا كنَّا تحولنا. رواه مسلم وغيره. وفي رواية له بمعناه وفي آخره: "إنَّ لكم بكل خُطوةٍ درجةً". 305 - (9) [صحيح لغيره موقوف] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت الأنصارُ بعيدةً منازِلهم من المسجد، فأرادوا أنْ يقتَربوا، فنزلتْ: {ونكتبُ ما قدَّموا وآثارَهم}، فثَبَتوا. رواه ابن ماجه بإسناد جيد. 306 - (10) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الأبعدُ فالأبعدُ (1) من المسجد أعظمُ أجراً". رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، والحاكم وقال: "حديث صحيح، مدَنيّ الإسناد". 307 - (11) [صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنّ أعظَمَ الناسِ أجراً في الصلاةِ أبعدُهم إليها مَمْشىً فأبعدُهم، والذي ينتظرُ الصلاةَ حتّى يصلِّيَها مع الإمامِ؛ أعظمُ أجراً من الذي يُصلِّيها ثم ينام". رواه البخاري ومسلم وغيرهما.   (1) الفاء للترتيب، أي: الأبعد على مراتب البعد أعظم أجراً من الأقرب على مراتب القرب، فكل من كان أبعد، فهو أكثر أجراً ممن كان أقرب منه، ولو كان هذا الأقرب أبعد من غيره، فأجره أكثر من ذلك الغير، والمراد الحضّ على حضور صلاة الجماعة في المسجد مهما كان بعيداً. الحديث: 305 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 308 - (12) [صحيح] وعن أبيِّ بنِ كعبٍ رضي الله عنه قال: كان رجلٌ من الأنصارِ لا أعلم أحداً أبعدَ من المسجد منه، كانت لا تُخطِئُهُ صلاةٌ، فقيل له: لو اشتريتَ حماراً تركبه في الظَّلْماء، وفي الرَّمْضاءِ، فقال: ما يَسُرُّني أنَّ منزلي إلى جنْبِ المسجد، إني أريد أن يُكتَبَ لي ممشايَ إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعتُ إلى أهلي. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد جمع الله لك ذلك كلَّه". (وفي رواية): فَتَوَجعْتُ له، فقلت: يا فلان! لو أنك اشتريتَ حماراً يَقيكَ الرَّمْضاء وهوامَّ الأرض؟ قال: أمَا والله ما أحِبُّ أنَّ بيتي مطنَّبٌ (1) ببيت محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -! قال فَحَملْتُ به حمْلاً (2)، حتى أتيتُ نبيَّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته، فدعاه، فقال له مثل ذلك، وذكر أَنه يرجو أجر الأثر، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " [إنَّ] (3) لك ما احتَسَبْتَ". رواه مسلم وغيره. ورواه ابن ماجه بنحو الثانية. (الرَّمْضَاء) ممدوداً: هي الأرض الشديدة الحرارة من وقع الشمس. 309 - (13) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلُّ سُلامى من الناس عليه صدقةٌ كلَّ يوم تَطلعُ فيه الشمس، تَعدِل بين الاثنين صدقةٌ، وتُعين الرجلَ في دابّته فتحمله أو ترفع له عليها متاعَه   (1) أي: مشدود بالأطناب، و (الطنب): أحد أطناب الخيمة. قال ابن الأثير: "يعني: ما أحب أنْ يكون بيتي إلى جانب بيته، لأني أحتسب عند الله كثرة خطاي من بيتي إلى المسجد". (2) بكسر الحاء: معناه أنه عظم علي وثقل، واستفظعته لشناعة لفظه، وهمّني ذلك، وليس المراد به الحمل على الظهر. كذا في "العجالة" (54). (3) زيادة من "مسلم". الحديث: 308 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 صدقةٌ، والكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ، وبكل خُطوةٍ يمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتُميطُ الأذى عن الطريق صدقةٌ". رواه البخاري ومسلم. (السُّلامى) بضم السين وتخفيف اللام والميم مقصور: هو واحد السلاميات، وهي مفاصل الأصابع، قال أبو عبيد: هو في الأصل عظم يكون في فِرسِنِ البعير، فكأن المعنى: على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة. (تعدل بين الاثنين) أي: تصلح بينهما بالعدل. (تُميط الأذى عن الطريق) أي: تنحّيه وتبعده عنها. 310 - (14) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخَطايا، ويرفعُ به الدَّرجات؟ ". قالوا: بلى يا رسول الله! قال: "إسباغُ الوضوء على المكاره، وكَثرةُ الخُطا إلى المساجد، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاةِ، فذلِكم الرباطُ، فذلِكم الرباطُ، فذلِكم الرباطُ". رواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه، ولفظه: إنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كفّارةُ الخطايا إسباغُ الوضوءِ على المكاره، وإعمالُ الأقدام إلى المساجد، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاة". [مضى 4 - الطهارة/ 7 - الترغيب في الوضوء. .]. 311 - (15) [صحيح] ورواه ابن ماجه أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري؛ إلا أنّه قال: "ألا أدلّكم على ما يُكَفِّرُ الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ ". قالوا: بلى يا رسول الله، فذكره. الحديث: 310 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 312 - (16) [صحيح لغيره] ورواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث جابر، وعنده: "ألا أدُلكم على ما يمحو الله بهِ الخطايا، ويُكفِّر به الذنوب. . .". [سيأتي بتمامه هنا/ 22 - الترغيب في انتظار الصلاة. .]. 313 - (17) [صحيح] وعن علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إسباغُ الوُضوء في المكارهِ، وإعمالُ الأقدامِ إلى المساجِد، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاةِ؛ تَغسِلُ الخطايا غَسْلاً". رواه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح. [مضى 4/ 7 - الترغيب في الوضوء]. 314 - (18) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من غَدا إلى المسجد أو راح؛ أعَدَّ الله له في الجنّةِ نُزُلاً كلما غدا أو راح". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 315 - (19) [صحيح لغيره] وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "بَشِّرِ المشَّائين (1) في الظُّلَم إلى المساجد بالنّورِ التامِّ يومَ القيامةِ". رواه أبو داود والترمذي، وقال: "حديث غريب". قال الحافظ عبد العظيم رحمه الله: "ورجال إسناده ثقات". 316 - (20) [صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه بلفظه من حديث أنس. 317 - (21) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله ليُضيء للذين يَتَخَلَّلون إلى المساجد في الظُّلَم بنورٍ ساطعٍ يومَ القيامةِ".   (1) من صِيَغ المبالغة، فالمراد كثرة مشيهم ويعتادون ذلك، لا من اتّفق له المشي مرة أو مرَّتين. والحديث يعني العشاء والصبح؛ لأنّها تُقام بغلس. الحديث: 312 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن. 318 - (22) [صحيح لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن مشى في ظلمةِ الليلِ إلى المسجدِ، لَقي الله عز وجل بنورٍ يوم القيامة". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن، وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال: "مَن مشى في ظلمةِ الليل إلى المساجد؛ آتاه الله نُوراً يوم القيامةِ". 319 - (23) [صحيح لغيره] وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لِيُبشرِ المشَاؤون في الظُلَّم إلى المساجدِ بالنورِ التامِّ يومَ القيامةِ". رواه ابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه" -واللفظ له-، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط الشيخين". كذا قال. قال الحافظ: "وقد رُوِي هذا الحديث عن ابن عباس وابن عمر وأبي سعيد الخدري وزيد ابن حارثة وعائشة وغيرهم". 320 - (24) [حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن خرجَ من بيتِه متطهِّراً إلى صلاة مكتوبةٍ؛ فأجْرهُ كأجرِ الحاجِّ المُحْرِم، ومَن خرج إلى تَسَبيح الضحى لا يُنْصِبه إلا إياه؛ فأجرُه كأجر المُعْتَمِرِ، وصلاةٌ على أَثَرِ صلاةٍ، لا لَغْوَ بينهما كتابٌ في عِلِّيين". رواه أبو داود من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة. (تسبيح الضحى): يريد صلاة الضحى، وكل صلاة يتطوَّع بها فهي تسبيح وسُبحة. قوله: (لا ينصبه) أي: لا يتعبه ولا يزعجه إلا ذلك، (والنِّصَب) بفتح النون والصاد المهملة جميعاً: هو التعب. الحديث: 318 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 321 - (25) [صحيح] وعنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثةٌ كلّهم ضامنٌ على الله إنْ عاش رُزِق وكُفِيَ، وإنْ ماتَ أدخلهُ الله الجنّةَ، مَن دخل بيته فسَلَّم، فهو ضامنٌ على الله، ومن خرج إلى المسجدِ فهو ضامنٌ على الله، ومَن خرجَ في سبيل الله فهو ضامنٌ على الله". رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه". ويأتي أحاديث من هذا النوع في "12 - الجهاد" وغيره إنْ شاء الله تعالى. 322 - (26) [حسن] وعن سلمانَ رضي الله عنه؛ أنّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن توضّأ في بيته فأحسنَ الوضوءَ، ثم أتى المسجدَ؛ فهو زائرُ الله، وحَقٌّ على المَزور أنْ يُكرمَ الزائرَ". رواه الطبراني في "الكبير" بإسنادين أحدهما جيّد. 323 - (27) [صحيح] وروى البيهقي نحوه موقوفاً على أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإسناد صحيح. 324 - (28) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أحبُّ البلادِ إلى الله تعالى مساجدُها، وأبغضُ البلادِ إلى الله أسواقُها". رواه مسلم. 325 - (29) [حسن صحيح] وعن جُبير بنِ مُطعِم رضي الله عنه: أنَّ رجُلاً قال: يا رسولَ الله! أيُّ البُلدان أحبُّ إلى الله، وأي البُلدان أبغضُ إلى الله؟ قال: الحديث: 321 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 "لا أدري، حتى أسألَ جبريل عليه السلام"، فأتاه جبريل، فأخبرَه: "أنَّ أحسنَ البِقاع إلى الله المساجدُ، وأبغضَ البِقاع إلى الله الأسواقُ". رواه أحمد والبزار -واللفظ له- وأبو يعلى والحاكم وقال: "صحيح الإسناد" (1).   (1) أخرجوه كلّهم من طريق ابن عقيل، لكنْ ليس عندهم -إلاَّ البزّار- قصة المسجد، وزعم المعلقون الثلاثة أنه عند الحاكم وغيره من طريق آخر! وهو من تخاليطهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 10 - (الترغيب في لزوم المساجد والجلوس فيها). 326 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "سَبعةٌ يظلّهم الله في ظلِّه، يومَ لا ظِلَّ إلا ظلُّه (1): الإمامُ العادلُ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ الله عز وجل، ورجلٌ قلبه معلّقٌ بالمساجد، ورجلان تحابّا في الله؛ اجتمعا على ذلك، وتفرّقا عليه، ورجلٌ دَعَتْه امرَأة ذات مَنْصبٍ وجمالٍ؛ فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقةٍ فأخفاها، حتى لا تعلم شمالُه ما تُنفق يمينه، ورجلٌ ذكر الله خالياً، ففاضتْ عيناه". رواه البخاري ومسلم وغيرهما (2).   (1) أي: ظل عرشه، كما في رواية صحيحة، ستأتي في (8 - الصدقات/ 14) من حديث أبي هريرة نفسه وغيره، وسيعيد المؤلف الحديث هناك (10 - باب)، وسنعلق عليه ثمّة بما يناسب المقام إن شاء الله تعالى. (2) قلت: منهم أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي وابن خزيمة في "صحيحه" (358). (تنبيه): وكلُّ من خرج الحديث قال في متنه: "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" إلا مسلماً، فقال: "حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله"! على القلب، ولا أدري ممّن هو؟ فإنّ مسلماً أخرجه (3/ 93) عن شيخيه زهير بن حرب ومحمد بن المثنّى جميعاً عن يحيى القطّان: حدَّثنا يحيى بن سعيد -هو الأنصاري- عن عُبيد الله بسنده عن أبي هريرة. قلت: فأستبعد جداً أنْ يكون القلب المذكور من الشيخين، لا سيّما وقد رواه الترمذي (2/ 63) عن الثاني منهما على الصحة مقروناً مع مِسوَر بن عبد الله العنبري. فهو إذن إمّا من تلميذهما مسلم، وإمّا من شيخهما القطّان، ويُرجِّح الثاني، أن هذا خالفه الإمام أحمد، فقال (2/ 439): ثنا يحيى (يعني ابن سعيد الأنصاري) عن عبيد الله به على الصواب، وتوبع أحمد، فقال البخاري (1/ 171) وابن خزيمة (358): حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى به، وقال البخاري أيضاً (1/ 360): حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى به. ويحيى بن سعيد قد تابعه عبد الله بن المبارك عند البخاري (4/ 299) والنسائي (2/ 303). وعبيد الله هو ابن عمر العمري المصغِّر، وقد تابعه مالك في "الموطأ" (3/ 127)، وعند مسلم والترمذي والبيهقي في "الصفات" (370 - 371)، ومبارك بن فضالة عند الطيالسي (2462)، = الحديث: 326 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 327 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما تَوَطّنَ رجلٌ المساجدَ للصلاةِ والذكْرِ إلا تَبَشْبَشَ (1) الله تعالى إليه كما يَتَبَشْبَشُ أهلُ الغائب بغائبهم إذا قَدِمَ عليهم". رواه ابن أبي شيبة وابن ماجه (2)، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط الشيخين". وفي رواية لابن خزيمة قال: "ما مِنْ رَجلٍ كان تَوَطّن المساجدَ، فَشَغَلَهُ أمرٌ أو علةٌ ثم عادَ إلى ما كان؛ إلا يَتَبَشْبَشُ الله إليهِ كما يَتَبَشْبَشُ أهل الغائب بغائبهم إذا قدِمَ".   = كلّهم قالوا: عن خُبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة به على الصواب، وقد أشار إلى هذا ابن خزيمة فقال: "وقد خولف يحيى بن سعيد في هذه اللفظة، فقال غيره: "لا تعلم شماله ما تنفق يمينه". قال هذا بعد أنْ ساقه من طريق بندار؛ محمد بن بشار: نا يحيى: أخبرنا عبيد الله بن عمر به. ومن هذا الوجه رواه البخاري كما سبقت الإشارة إليه، لكنْ لفظه عنده موافق لرواية الجماعة غير مقلوب، بخلاف رواية ابن خزيمة، فهو على القلب، ولذلك صرّح بنسبة المخالفة إلى يحيى بن سعيد الأنصاري، وهذا مشكل، لمخالفته لرواية بندار عند البخاري من جهة، ولرواية الإمام أحمد عن الأنصاري من جهة أخرى. فالذي يترجّح عندي -والله أعلم- أنّ القلب من القطان، وليس من الأنصاري كما توهّم ابن خزيمة. لكنْ يشكل على هذا أنّ مسلماً لما ساق رواية مالك لم يذكر لفظها، وإنما أحال فيه على لفظ حديث القطان المقلوب بقوله: "مثل حديث عبيد الله". فأوهم أنْ لا قلب في رواية القطّان. فلعلّه فاته التنبيه على ذلك، أو أن الوهم من بعض رواة كتاب مسلم، ولعله أقرب. والله أعلم. (1) أصله: فَرَحُ الصديقِ بمجيء الصديق، واللطف في المسألة والإقبال. والمراد هنا تلقيه ببره وتقريبه وإكرامه. السندي. (2) رواه من طريق ابن أبي شيبة، قال في "الزوائد": "إسناده صحيح، رجاله ثقات". قلت: وهو على شرط الشيخين كما قال الحاكم. وقد مضى من رواية ابن خزيمة نحوه. الحديث: 327 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 328 - (3) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ستُّ مجالسَ؛ المؤمن ضامنٌ على الله تعالى ما كان في شيء منها: في مسجدِ جماعةٍ، وعند مريضٍ، أو في جنازةٍ، أو في بيتِهِ (1)، أو عندَ إمامٍ مُقْسِطٍ يُعَزِّرُهُ ويُوَقِّرُهُ، أو في مَشهدِ جهادٍ". رواه الطبراني في "الكبير"، والبزار، وليس إسناده بذاك، لكن رُوِي من حديث معاذ بإسناد صحيح، ويأتي في "الجهاد" [12/ 9/ 21 - حديث] وغيره إنْ شاء الله تعالى. 329 - (4) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنّ للمساجد أوتاداً (2)؛ الملائكة جلساؤهم، إنْ غابوا يفتقدونهم (3)، إنْ مرضوا عادوهم، وإنْ كانوا في حاجة أعانوهم". ثمّ قال: [حسن] "جليس المسجد على ثلاث خصالٍ: أَخٌ مستفاد، أو كلمة حكمة، أو رحمة منتظَرة". رواه أحمد من رواية ابن لهيعة. (4) ورواه الحاكم من حديث عبد الله بن سلام؛ دون قوله: "جليس المسجد" إلى آخره، فإنّه ليس في أصلي، وقال: "صحيح على شرطهما [موقوف] (5) ".   (1) أي: يجلس في بيته تفادياً للشر، كما في حديث معاذ الذي أشار إليه المؤلف، ولفظه: "أو قعد في بيته؛ فَسَلم، وسَلِمَ الناس منه". (2) يعني: هم روّادها. (3) الأصل: "يفتقدوهم"، والتصويب من "المسند" و"المجمع". (4) قلت: لكنه عنده (2/ 418) من رواية قتيبة عن ابن لهيعة، وهو صحيح الحديث عنه كما استفدناه من تاريخ الذهبي. وانظر المقدمة. (5) زيادة ضرورية من "المستدرك"، ولعلها سقطت من الناسخ، فظهر حديث المستدرك أنَّه مرفوع، وليس كذلك، فتنبه، وخلط هنا الجهلة الثلاثة فصدروا تخريجهم للحديث بقولهم: "صحيح موقوف، رواه أحمد (2/ 418) والحاكم. . "، فحملوا المرفوع على الموقوف بسوء تصرفهم، ولم يستدركوا الزيادة!! الحديث: 328 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 [قلت: ولفظ حديثه: "إن للمساجدِ أوتاداً، هم أوتادُها، لهم جلساءُ من الملائكةِ، فإنْ غابوا سألوا عنهم، وإنْ كانوا مَرْضى عادوهم، وإنْ كانوا في حاجةٍ أعانوهم"]. 330 - (5) [حسن لغيره] عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "المسجدُ بيتُ كلِّ تَقِيٍّ،. . . ". رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، والبزّار، وقال: "إسناده حسن"، وهو كما قال رحمه الله تعالى. وفي الباب أحاديث غير ما ذكرنا، تأتي في "انتظار الصلاة" [هنا - 22]، إنْ شاء الله تعالى. الحديث: 330 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 11 - (الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلاً أو ثوماً أو كُرّاثاً أو فُجْلاً ونحو ذلك مما له رائحة كريهة). 331 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن أكلَ من هذه الشجرةِ (يعني الثومَ) فلا يقرَبَنَّ مسجدَنا". رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: "فلا يَقْرَبَنَّ مساجدَنا". (1) وفي رواية لهما: "فلا يأتِيَنَّ المساجدَ". وفي رواية لأبي داود: "مَن أكل من هذه الشجرةِ فلا يقرَبَنَّ المساجد". 332 - (2) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن أكلَ من هذه الشجرةِ فلا يقربَنّا، ولا يصلِّيَنَّ معنا". رواه البخاري ومسلم. [صحيح] ورواه الطبراني، ولفظه: قال:   (1) انظر يا أخي -حماك الله من كل ذي رائحة كريهة- كيف نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عن قربان المساجد من أكل ثوماً أو بصلاً أو غيرهما مما له رائحة كريهة تتأذَّى منه الملائكة، وهل يخطر على بالك أنَّ شارب الدخان ليس داخلاً في النهي، [مع العلم] أنّ رائحة الدخان أشد أذى منهما؟ على أنّ أكل الثوم والبصل لا ضرر في أكلهما، بل فيهما فوائد كثيرة، وشرب الدخان ضرره كثير، ولا نفع فيه، نسأل الله العافية. منير الدمشقي -رحمه الله تعالى-. الحديث: 331 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 "إياكم وهاتَين البَقْلَتيْن المُنْتِنَتَيْن أنْ تأكلوهما، وتدخلوا مساجدَنا، فإنْ كنتُم لا بدَّ آكليهما فاقتلوهما بالنار قَتْلاً". 333 - (3) [صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن أكلَ بصلاً أو ثوماً فلْيَعتزلْنا، أو فليعتزِلْ مساجِدنا، وليَقْعُدْ في بيتِهِ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. وفي رواية لمسلم: "مَن أكل البصلَ والثومَ والكُرّاثَ فلا يقربَنَّ مسجِدنا، فإنَّ الملائكةَ تتأذّى مما يَتأذَى منه بنو آدمَ". وفي رواية (1): نهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أكلِ البصلِ والكُرّاثِ، فغلبتْنا الحاجةُ فأكلنا منها، فقال: "مَنْ أكلَ مِنْ هذه الشجرةِ الخَبيثةِ فلا يقربَنَّ مسجدَنا؛ فإنَّ الملائكة تتأذَّى مما يتأذى منه الناس". 334 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنَّه ذُكِرَ عند رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثومُ والبصل والكُرّاثُ، وقيل: يا رسولَ الله! وأشدُّ ذلك كلِّه الثومُ، أفتحرِّمه؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلوه، مَن أكله منكم فلا يقربْ هذا المسجدَ، حتى يذهبَ ريحُه منه". رواه ابن خزيمة في "صحيحه".   (1) يعني: لمسلم، إلا أنّه قال: "المنتنة" مكان: "الخبيثة". و"الإنس" بدل: "الناس". الحديث: 333 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 335 - (5) [صحيح] وعن عمرَ بن الخطابِ رضي الله عنه: أنّه خطب الناسَ يوم الجمعة فقال في خُطبتِه: ثُمّ إنّكم أيها الناس تأكلون شجرتين، لا أراهما إلاّ خَبيثَتَيْن [هذا] البصلَ والثومَ، لقد رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا وجَدَ رِيحَهما مِن الرجلِ في المسجدِ، أمَرَ به فأُخْرِج إلى البقيعِ، فَمن أكلهما فليُمِتْهما طَبْخاً. رواه مسلم والنَّسائي وابن ماجه. 336 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن أكلَ من هذه الشجرةِ: الثومِ، فلا يؤذِينَا بها في مسجِدنا هذا". رواه مسلم والنسائي وابن ماجه، واللفظ له. 337 - (7) [حسن صحيح] وعن أبي ثَعلبَة رضي الله عنه: أنّه غزا مع رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيبر، فوجدوا في جِنانها (1) بصلاً وثوماً وكُرّاثاً، فأكلوا منه وهم جياعٌ، فلما راحَ الناسُ إلى المسجدِ، إذا ريحُ المسجدِ بصلٌ وثومٌ، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقرّبنا"، فذكر الحديث بطوله. رواه الطبراني بإسناد حسن (2).   (1) أي: حدائقها. (2) وكذا في "المجمع" (2/ 18)، وهو كما قالا، وقد رواه أحمد من طريق آخر، وبيانه في "التعليق الرغيب". . الحديث: 335 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 338 - (8) [صحيح] وهو في مسلم من حديث أبي سعيد الخُدري بنحوه، وليس فيه ذكر البصل. (1) 339 - (9) [صحيح] وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من تَفَلَ تُجاه القِبلة؛ جاء يومَ القيامةِ وتَفْلُه (2) بين عَينَيهِ، ومن أكل من هذه البقلةِ الخبيثة؛ فلا يقربَنَّ مسجدنا، (ثلاثاً) ". رواه ابن خزيمة في "صحيحه" (3).   (1) قلت: وكذا ليس فيه ذكر الكراث. انظر "صحيح مسلم" (2/ 80)، وأحمد (3/ 12 و60 - 61 و65). (2) في نسخة: "وتفلته". قلت: هو عند ابن خزيمة في موضعين (1314 و1663): في أحدهما باللفظ الأول، وفي الآخر باللفظ الآخر. (3) هذا يوهم أنه لم يروه من هو أشهر وأعلى طبقة من ابن خزيمة، وليس كذلك، فقد رواه أبو داود أيضاً باللفظ الأول في "الأطعمة" (3824)، وإسناده صحيح، وعنده لفظ (ثلاثاً) دون ابن خزيمة. وإنّ من جهل المعلقين الثلاثة وكذبهم قولهم (1/ 301): "رواه ابن خزيمة (2/ 278) بطوله"! وليس عنده في الموضع الذي أشاروا إليه إلاّ الشطر الأول من الحديث، وإنما هو عنده بالشطر الثاني في الموضع الآخر الذي أشرت إليه آنفاً؛ أي: (ج3/ 83/ 1663)، ودون لفظ (ثلاثاً)!!! وقد مضى الشطر الأول معزوّاً لأبي داود أيضاً في الباب (8)، رقم (280/ 5). الحديث: 338 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 12 - (ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن ولزومِها، وترهيبهن من الخروج منها). 340 - (1) [حسن لغيره] وعن أمِّ حُميد امرأة أبي حُميدٍ الساعدي رضي الله عنهما: أنّها جاءت إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله! إنِّي أُحِبُّ الصلاةَ معك؟ قال: "قد علمتُ أنَّكِ تُحبّين الصلاةَ معي، وصلاتُكِ في بيتكِ خيرٌ من صلاتِكِ في حُجرتِكِ، وصلاتُكِ في حُجرتِكَ خيرٌ من صلاتِكِ في دارِكِ، وصلاتُكِ في دارِكِ خيرٌ من صلاتِكِ في مسجدِ قومِكِ، وصلاتُكَ في مسجدِ قومِكِ خيرٌ من صلاتِكِ في مسجدي". قال: فأمَرَتْ، فبُنِيَ لها مسجدٌ في أقصى شيء من بيتها وأظلمِه، وكانتْ تصلي فيه، حتى لَقِيَتِ الله عز وجل. رواه أحمد، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". وبوّب عليه ابن خزيمة بـ"باب اختيار صلاةِ المرأة في حُجرتها على صلاتها في دارها، وصلاتِها فىِ مسجد قومها، على صلاتِها في مسجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنْ كانت صلاةٌ في مسجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد، والدليل على أنّ قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه من المساجد" (1) "إنّما أراد به صلاة الرجال دون صلاة النساء". هذا كلامه. (2)   (1) قلت: رواه مسلم وغيره، وسيأتي في (11 - الحج/ 25) إن شاء الله تعالى. (2) قلت: وفيه نظر! ولذلك علّقت عليه في "صحيحه" (3/ 94) بقولي: "قلت: بل هو يشمل النساء أيضاً. ولا ينافي ذلك أنَّ صلاتهن في بيوتهن أفضل، ومثله الرجل إذا صلى النافلة في مسجده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنّ له الفضل المذكور، لكنْ صلاته إيّاها هناك في البيت أفضل. فتأمّل". الحديث: 340 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 341 - (2) [حسن لغيره] وعن أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خير مساجد النساءِ قَعْرُ بيتِهِن". رواه أحمد، والطبراني في "الكبير"، وفي إسناده ابن لهيعة (1). ورواه ابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم من طريق درّاج أبي السمح عن السائب مولى أم سلمة عنها. وقال ابن خزيمة: "لا أعرف السائب مولى أم سلمة بعدالة ولا جرح". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"! 342 - (3) [حسن] وعنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صلاةُ المرأةِ في بيتها خيرٌ من صلاتِها في حجرتها، وصلاتُها في حُجرتها خيرٌ من صلاتِها في دارها، وصلاتُها في دارِها خير من صلاتِها في مسجد قَومها". رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد جيّد. 343 - (4) [صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تمنعوا نساءَكم المساجد، وبيوتُهن خيرٌ لَهُنَّ". رواه أبو داود.   (1) كذا قال، وتبعه الهيثَمي والمقلّدون الثلاثة!! وفيه خطآن: إيهام تفرّد ابن لهيعة به، وليس كذلك، فقد تابعه عند أحمد (6/ 297) وابن خزيمة (1683) (عمرو بن الحارث) وهو ثقة! والخطأ الآخر: التفريق بين روايتهما ورواية ابن خزيمة، بقوله: "ورواه ابن خزيمة. . " مع أنّ روايتهما من طريق درّاج أيضاً!! وهو مخرّج في "الصحيحة" (1396)، ووقع فيه خطأ في اسم (السائب) فيصحح. الحديث: 341 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 344 - (5) [صحيح] وعنه (1) عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "المرأةُ عورةٌ، وإنّها إذا خرجتْ مِن بَيتِها استَشْرَفَها الشيطان (2)، وإنّها لا تكون أقربَ إلى الله منها في قَعر بيتها". رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله رجال الصحيح. 345 - (6) [صحيح] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "صلاة المرأة في بيتها أفضلُ من صلاتِها في حُجرتها، وصلاتها في مِخْدعِها، أفضل من صلاتها في بيتها". رواه أبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه"، وتردَّد في سماع قتادة هذا الخبر من مورِّق. (والمِخْدع) بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة: هو الخزانة تكون في البيت. 346 - (7) [صحيح] وعنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "المرأةُ عورةٌ، فإذا خرجتْ استشْرَفَها الشيطانُ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح غريب"، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" بلفظه، وزادا: "وأقربُ ما تكون من وجهِ ربِّها وهي في قَعْر بَيتها". 347 - (8) [حسن لغيره] وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: "ما صلَّتْ امرأةٌ من صلاةٍ أحبَّ إلى الله من أشدَّ مكانٍ في بيتها ظُلْمةً". رواه الطبراني في "الكبير".   (1) يعني: ابن عمر، ولم يورده الهيثمي في "زوائد المعجمَين" ولا في "المجْمع"، وإنَّما أورده في (2/ 35) من حديث ابن مسعود مرفوعاً نحو حديثه الآتي بعد حديث، وهو مخرج في "الإرواء" (273). ثم وقفت عليه في "الأوسط" بسند صحيح، فخرّجته في "الصحيحة" (2688). (2) أي: تطلّع إليها وطمع في إغوائها. وأصل (الاستشراف): وضع الكف فوق الحاجب ورفع الرأس للنظر. الحديث: 344 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 348 - (9) [حسن لغيره] ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" من رواية إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ أحبَّ صلاةِ المرأة إلى الله في أشد مكانٍ في بيتها ظلْمة". [صحيح موقوف] وفى رواية عنده قال (1): [إنّما] (2) النساءُ عورةٌ، وإنَّ المرأَةَ لَتَخرجُ مِن بيتها وما بها بأسٌ، فَيَسْتَشْرِفُها الشيطانُ، فيقول: إنكِ لا تَمُرِّين بأحد إلا أعجبْتِهِ، وإنّ المرأة لتلبسُ ثيابَها، فيقال: أين تُريدين؟ فتقولُ: أعود مريضاً، أو أشهدُ جنازةً، أو أصلّي في مسجدٍ! وما عَبَدَتْ امرأةٌ ربَّها مثلَ أنْ تعبدَه في بَيتها. وإسناد هذه حسن. قوله: (فيستشرفها الشيطان) أي: ينتصب ويرفع بصره إليها، ويَهمُّ بها؛ لأنّها قد تعاطت سبباً من أسباب تسلّطه عليها، وهو خروجها من بيتها. (3) 349 - (10) [صحيح لغيره موقوف] وعن أبي عمرو الشيباني: أنه رأى عبد الله يُخْرِجُ النساءَ من المسجد يومَ الجمعة، ويقول: اخرجنَ إلى بيوتِكنَّ خير لكُنَّ. رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد لا بأس به (4).   (1) يعني ابن مسعود كما في "معجم الطبراني" و"المجمع"، فهو موقوف. (2) سقطت من الأصل، واستدركتُها من "كبير الطبراني" (9/ 341/ 9480)، و"مجمع الزوائد" (2/ 35)، وغفل عنها المغفلون الثلاثة. (3) هذا في شيطان الجن، فما بالك فى شيطان الإنس، لا سيّما شياطين إنس هذا العصر الذي نحن فيه، فإنّه أضرّ على المرأة من ألف شيطان؛ لأن أغلب شبّان هذا الزمان لا مروءة عندهم، ولا دين ولا شرف ولا إنسانية، يتعرّضون للنساء بشكل مُفْجع، وهيئة تدل على خساسة ودناءة وانحطاط. فعلى ولاة الأمر -إنْ كانوا مسلمين- أنْ يؤدّبوا هؤلاء الفسقة الشررة، والوحوش الضارية. (4) قلت: فيه (أبو إسحاق) وهو السبيعي، مدلَّس مختلِط، لكن رواه الطبراني (9/ 340) من طريقين آخرين أحدهما عن شعبة عنه: أخبرني أبو عمرو الشيباني به نحوه. وهذا إسناد صحيح. ورواه ابن أبي شيبة (2/ 384) من طريق آخر عن الشيباني به. وسنده صحيح. الحديث: 348 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 13 - (الترغيب في الصلوات الخمس، والمحافظة عليها، والإيمان بوجوبها). 350 - (1) [صحيح] فيه حديث ابن عمر وغيره عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ، شهادةِ أنْ لا إله إلا الله، وأن محمداً رسولُ الله، وإقام الصلاةِ، وإيتاء الزكاةِ، وصومِ رمضان، وحجِّ البيتِ". رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن غير واحد من الصحابة. (1) 351 - (2) [صحيح] وعن عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوسٌ عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ طلع علينا رجلٌ شديدُ بياضِ الثيابِ، شديدُ سوادِ الشعَرِ، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفُه منا أحدٌ، حتّى جلسَ إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه (2)، فقال: يا محمدُ! أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنْ تشهدَ أنْ لا إلهَ إلا الله، وأنّ محمداً رسولُ الله، وتقيمَ الصلاةَ، وتُؤتيَ الزكاةَ، وتصومَ رمضان، وتحُجَّ البيتَ" الحديث. رواه البخاري (3) ومسلم، وهو مروي عن غير واحد من الصحابة في "الصحاح" وغيرها.   (1) كذا قال، وفيه نظر، فإنّه يوهم أنَّ الشيخين أخرجاه عن غير ابن عمر من الصحابة، والواقع أنّهما لم يخرجاه عن غيره، نعم له طرق كثيرة عنه في "الصحيحين" وغيرهما، وقد خرَّجته في "الإرواء" (3/ 248 - 251) من ستة طرق عنه، ومن حديث جرير وابن عباس. وسيأتي هذا في (9 - الصيام/ 3 - الضعيف). وانظر "العجالة" (56). (2) أي: فخذِي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما في "سنن النسائي" وغيره بسند صحيح. (3) عزوه للبخاري من حديث عمر وهم، وإنّما رواه البخاري من حديث أبي هريرة نحوه، ورواه مسلم عنه أيضاً. وانظر التعليق على الحديث المتقدم في (4 - الطهارة/ 7 - الترغيب في الوضوء. . الحديث الأول)، ومن جهل المعلقين وتخبطاتهم قولهم: "رواه الشيخان عن أبي هريرة"، والصواب = الحديث: 350 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 352 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أرأيتُم لو أنَّ نهراً ببابِ أحدِكم يغتسل فيه كلَّ يومٍ خمسَ مرات، هل من دَرَنِه شيء؟ ". قالوا: لا يبقى من دَرَنِهِ شيء. قال: "فكذلك (1) مثلُ الصلواتِ الخمس، يمحو الله بهنَّ الخَطايا". (2) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. 353 - (4) [صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه من حديث عثمان. (الدَّرَن) بفتح الدال المهملة والراء جميعاً: هو الوسخ. 354 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه، أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الصلواتُ الخمسُ، والجمعةُ إلى الجمعةِ، كفارةٌ لِما بينهنَّ، ما لم تُغشَ الكبائرُ (3) ". رواه مسلم والترمذي وغيرهما.   = إضافة: "نحوه" والجزم بنسبته إلى مسلم عن عمر. وأعرق منه في الجهل قولهم: "وأما عزو المصنف الرواية من حديث ابن عمر فوهم"! فتأمل، فإنما عزاه المؤلف إليهما من حديث عمر، وليس ابن عمر، وقد عرفت أن خطأه إنما هو عزوه إياه لـ (البخاري)، نعم رواه ابن عمر عنه كما رواه ابن خزيمة بزيادات فيه كما تقدم في الباب المشار إليه. (1) كذا وجد بإقحام الكاف، وصوابه "فذلك"، وهو لفظ الحديث، وفي القرآن: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ}. نبه عليه الناجي (57). (2) قال ابن العربي: وجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثوبه ويطهره الماء الكثير، فكذلك الصلوات تطهر العبد من أقذار الذنوب حتى لا تبقي له ذنباً إلا أسقطته وكفرته، والله أعلم. (3) أي: ما لم يؤتَ، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في "شرح مسلم": "معناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر، فإنها لا تغفر، وليس المراد أن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة، فإن كان لا يغفر شيء من الصغائر، فإن هذا وإن كان محتملاً فسياق الحديث يأباه. قال القاضي عياض رحمه الله: هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تؤتَ كبيرة هو = الحديث: 352 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 355 - (6) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه، أنّه سمع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الصلواتُ الخمس كفارةٌ لما بينهما". ثم قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أرأيتَ لو أنَّ رجلاً كان يَعْتَمِلُ، وكان بين منزله وبين مُعتَمَلِهِ (1) خمسةُ أنهارٍ، فإذا أتى مُعْتمَلَه عمِلَ فيه ما شاء الله، فأصابَه الوسخُ أو العَرَقُ، فكلَّما مرَّ بنَهرٍ اغتَسَل، ما كان ذلك يُبقي من درنِهِ؟ فكذلك الصلاةُ، كلما عمل خطيئةً فدعا واستغفَرَ، غُفِرَ له ما كان قَبلَها". رواه البزّار، والطبراني في "الأوسط" و"الكبير" بإسناد لا بأس به، وشواهده كثيرة. 356 - (7) [صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مثلُ الصلواتِ الخمسِ كمثلِ نهرٍ جارٍ غَمْر، على بابِ أحدِكم، يغتَسِل   = مذهب أهل السنة، وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة، أو رحمة الله تعالى وفضله. والله أعلم". قلت: هذا الحصر ينافي الاستفهام التقريري في الحديث الذي قبله: "هل يبقى من درَنَهِ شيء؟ " كما هو ظاهر؛ فإنه لا يمكن تفسيره على أن المراد به الدرَن الصغير، فلا يبقى منه شيء، وأما الدرَن الكبير فيبقى كله كما هو! فإن تفسير الحديث بهذا ضرب له في الصدر، كما لا يخفى. وفي الباب أحاديث أخرى لا يمكن تفسيرها بالحصر المذكور كقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من حج فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه". وسيأتي إن شاء الله تعالى. فالذي يبدو لي -والله أعلم- أن الله تعالى زاد في تفضله على عباده، فوعد المصلين منهم بأن يغفر لهم الذنوب جميعاً وفيها الكبائر، بعد أن كانت المغفرة خاصة بالصغائر، ولعل مما يؤيد هذا قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}، فإذا كانت الصغائر تكفر بمجرد اجتناب الكبائر، فالفضل الإلهي يقتضي أن تكون للصلاة وغيرها من العبادات فضيلة أخرى تتميز بها على فضيلة اجتناب الكبائر، ولا يبدو أن ذلك يكون إلا بأن تكسر الكبائر. والله أعلم. ولكن ينبغي على المصلين أن لا يغتروا، فإن الفضيلة المذكورة لا شك أنه لا يستحقها إلا من أقام الصلاة، وأتمها وأحسن أداءها كما أمِر، وهذا صريح في حديث أبي أيوب المتقدم (4 - الطهارة/ آخر الباب 7): "من توضأ كما أُمِرَ، وصَلى كما أمِرَ، غُفر له ما تقدم من عمل". وأنى لجماهير المصلين أن يحققوا الأمرين المذكورين، ليستحقوا مغفرة الله وفضله العظيم؟! فليس لنا إلا أن ندعو الله أن يعاملنا برحمته، وليس بما نستحقه بأعمالنا! (1) أي: محل عمله. الحديث: 355 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 منه كلُّ يوم خمسَ مراتٍ". رواه مسلم. (الغَمْر) بفتح العين المعجمة، وإسكان الميم بعدهما راء: هو الكثير. 357 - (8) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَحتَرِقون تَحتَرِقون (1)، فإذا صلَّيتم الصُّبحَ غَسَلَتْها، ثم تَحترِقون تحترقون، فإذا صلَّيتم الظهْرَ غَسَلَتْها، ثم تَحترقون تَحترقون، فإذا صلّيتم العصرَ غَسَلتْها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صلَيتم المغربَ غسلتْها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صلّيتم العشاءَ غَسَلَتْها، ثم تَنامون فلا يُكتَب عليكم حتى تستَيْقظوا". رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، وإسناده حسن. ورواه في "الكبير" موقوفاً عليه، وهو أشبه، ورواته محتجّ بهم في الصحيح. 358 - (9) [حسن لغيره] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنّ لله ملَكاً ينادي عندَ كلِّ صلاةٍ: يا بني آدمَ! قوموا إلى نيرانِكم التي أوقدتموها فأطفِئوها". رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير"، وقال: "تفرد به يحيى بن زهير القرشي". (قال الحافظ) رضي الله عنه: "ورجال إسناده كلهم محتجّ بهم في "الصحيح" [سواه] ". (2)   (1) أي: تقعون في الهلاك بسبب الذنوب الكثيرة. (2) زيادة من المخطوطة و"المختصر"، ولا بد منها، لأنّ القرشي المذكور ليس من رجال "الصحيح"، بل ولا من رجال بقية "الستة". ثم هو مجهول العين ليس له ذكر في شيء من كتب الرجال إلا "تاريخ بغداد"، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. نعم الحديث حسن بما قبله وما بعده. الحديث: 357 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 359 - (10) [حسن] ورُوي عن عبدِ الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنَّه قال: "يُبعثُ منادٍ عندَ حَضْرةِ كلِّ صلاةٍ، فيقول: يا بني آدمَ قوموا فأطفِئوا [عنكم] ما أوقدتُم على أنفسِكم. فيقومون، [فتَسقُطُ خطاياهم من أعينهم، ويصلّون، فيُغفرُ لهم ما بينهما، ثم تُوقِدون فيما بين ذلك، فإذا كان عند الصلاةِ الأولى نادى: يا بني آدم! قوموا فأطفِئوا ما أوقَدْتُم على أنفِسكم، فيقومون فيتَطهّرون] (1)، ويصلّون (الظهر)، فيغفر لهم ما بينهما، فإذا حضرتِ العصرُ، فمِثْلُ ذلك، فإذا حضرتِ المغربُ فمِثْل ذلك، فإذا حضرت العَتَمَةُ فمِثْل ذلك، فينامون [وقد غُفِرَ لهم] (1)، فَمُدلجٌ في خيرٍ، ومدلجٌ في شرٍّ". رواه الطبراني في "الكبير". 360 - (11) [صحيح لغيره موقوف] وعن طارق بن شهاب: أنَّه باتَ عند سلمانَ الفارسي رضي الله عنه، لينظرَ ما اجتهادُه؟ قال: فقامَ يصلي من آخرِ الليلِ، فكأنّه لم يَرَ الذي كان يظنُّ، فذَكَرَ ذلك له، فقال سلمان: حافظوا على هذه الصلوات الخمسِ، فإنّهن كفاراتٌ لهذه الجِراحاتِ، ما لمْ تُصَبِ المَقْتَلَةُ. (2)   (1) زيادة من "الكبير"، وكأنّ المصنِّف تعمّد حذفها اختصاراً، فإنَّها ليست في المخطوطة أيضاً، وتبعه الهيثمي، وأعلَّه بأنَّ فيه أبان بن أبي عيَّاش، وهو وهم منه، كما وهم المؤلف في الإشارة إلى تضعيف الحديث، فإنَّ إسناده حسن، كما بينتُ ذلك في "الصحيحة" (2520). (2) هو بمعنى حديث سلمان الآخر الآتي في "8 - الجمعة/ 1 - الترغيب في صلاة الجمعة" بلفظ: "ما اجتُنبت المقتلةُ". ويفسّرها الحديث المتقدم في الباب برقم (5) بلفظ: "ما لمْ تُغشَ الكبائر". و (المقتَلة). أو (المقتل) جمعها مَقاتل. قال في "اللسان": "ومقاتل الإنسان: المواضع التي إذا أصيبت منه قتلته". الحديث: 359 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 رواه الطبراني في "الكبير" موقوفاً هكذا بإسناد لا بأس به (1). ويأتي بتمامه إنْ شاء الله تعالى. [في 6/ 11 - الترغيب في قيام الليل]. 361 - (12) [صحيح] وعن عمرو بن مُرّة الجُهنيِّ رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! أرأيتَ إنْ شهدتُ أنْ لا إله إلا الله، وأنّك رسولُ الله، وصليتُ الصلواتِ الخَمس، وأديتُ الزكاةَ، وصُمتُ رمضانَ، وقُمتُه، فمِمَّن أنا؟ قال: "من الصديقين والشهداءِ". رواه البزار، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، واللفظ لابن حبان. 362 - (13) [حسن صحيح] وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " [إن] (2) المسلمَ يصلي وخطاياهُ مرفوعةٌ على رأسه، كلما سجد تحاتُّ عنه، فيفرغ من صلاتِه وقد تحاتَّتْ عنه خطاياه (3) ". رواه الطبراني في "الكبير" و"الصغير"، وفيه أشعث بن أشعث السعداني، لم أقف على ترجمته. (4)   (1) قلت: رواه الطبراني في "الكبير" (6/ 265 - 266) من طريق الدبري: أنا عبد الرزاق: أنا الثوري عن أبيه عن المغيرة بن شبل عن طارق. وهو في "مصنَّف عبد الرزاق" (برقم 148 و4736)، ورجاله ثقات، فهو صحيح لولا أنّ الدبري قد ضُعِّف، إلاَّ أنّه قد توبع فرواه ابن أبي شيبة (2/ 388): ثنا وكيع: ثنا الأعمش عن سليمان بن ميسرة والمغيرة بن شبل عن طارق مختصراً. وابن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (1/ 157/ 99) من طريق جرير عن الأعمش عن سليمان بن ميسرة وحده به مطوّلاً. وهذا سند صحيح. (2) زيادة من المعجمين. (3) أي: تساقطت عنه ذنوبه. (4) قلت: بل هو معروف، وثقه ابن حبان وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة" (3402). الحديث: 361 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 363 - (14) [حسن لغيره] وعن أبي عثمان قال: كنتُ مع سلمانَ رضي الله عنه تحت شجرةٍ، فأخذ غُصناً منها يابساً فهزَّه، حتّى تحاتَّ ورقُه، ثم قال: يا أبا عثمان! ألا تسألني لِمَ أفعلُ هذا؟ قلت: ولمَ تفعلُه! قال: هكذا فَعَلَ بي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنا معه تحتَ الشجرة، فأَخَذَ منها غصناً يابساً فهزَّه، حتى تحاتَّ ورقُه، فقال: "يا سلمانُ! ألا تسألني لِمَ أفعلُ هذا؟ ". قلت: ولمَ تفعلهُ؟ قال: "إنَّ المسلمَ إذا توضّأ فأحسنَ الوُضوءَ، ثم صلّى الصلواتِ الخمسَ، تحاتَّتْ خطاياه كما تحاتَّ هذا الورقُ، وقال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا (1) مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} ". رواه أحمد والنسائي والطبراني، ورواة أحمد محتجّ بهم في "الصحيح"، إلا علي بن زيد. (2) 364 - (15) [صحيح] وعن عثمان رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند انصرافنا من صلاتنا -أراه قال- العصر، فقال: "ما أدري أُحدِّثُكم أو أسكتُ؟ ". قال: فقلنا: يا رسول الله! إنْ كان خيراً فحدِّثْنا، وإنْ كان غير ذلك، فالله ورسوله أعلم، قال: "ما مِن مسلمٍ يَتطَهَّرُ، فيُتِمُّ الطهارةَ التي كتَبَ اللهُ عليه، فيصلّي هذه الصلواتِ الخمسَ؛ إلاَّ كانت كفاراتٍ لما بينها". (وفي رواية) أنّ عثمان قال: واللهِ لأحدثنَكم حديثاً لولا آية في كتابِ الله ما حدثتكموه، سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:   (1) أي: طائفة. (2) قلت: لكن له شاهد من حديث أبي ذرّ يأتي في أول الباب التالي. الحديث: 363 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 "لا يتوضّأ رجلٌ فيحسنُ وضُوءَه، ثم يصلّي الصلاةَ؛ إلا غُفِرَ له ما بينهما وبين الصلاة التي تَليها". رواه البخاري ومسلم (1). وفي رواية لمسلم: قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن توضّأَ للصلاةِ فأسبغَ الوُضوء، ثم مشى إلى الصلاةِ المكتوبةِ، فصلاّها مع الناس أو مع الجماعةِ أو في المسجدِ؛ غُفِر له ذنوبُهُ". وفي رواية له أيضاً قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما مِن امرئٍ مسلمٍ تَحضُرُهُ صلاةٌ مكتوبةٌ فَيُحسِنُ وضوءَها وخشوعَها وركوعَها؛ إلا كانت كفارةَ لما قبلها من الذنوبِ، ما لم تُؤتَ كبيرةٌ (2)، وذلك الدهرَ كلّه". 365 - (16) [حسن صحيح] وعن أبي أيوبَ رضي الله عنه؛ أنّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "إنّ كلَّ صلاةٍ تَحُطُّ ما بين يديها من خطيئةٍ". رواه أحمد بإسناد حسن. 366 - (17) [حسن لغيره] وعن الحارث مولى عثمان قال: جلس عثمانُ رضي الله عنه يوماً، وجلسنا معه، فجاء المؤذّنُ، فدعا بماء في إناءٍ، أظنه يكون فيه مُدٌّ، فتوضّأ، ثم قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأُ وُضوئي هذا، ثم قال:   (1) هذا يوهم أنّ هاتين الروايتين عند الشيخين، وليس كذلك بلا ريب، بل الرواية الأولى لمسلم وحده دون البخاري، والثانية لهما، فكان يتعيّن أنْ يعكس، فيصدَّر بها وتُعزى إليهما، ثم يقال: وفي رواية لمسلم قال: حدثنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفي رواية له أيضاً قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفي أُخرى له أيضاً قال: سمعت. . . إلى آخره. كذا في "العجالة" (57). (2) انظر التعليق على الحديث المتقدم أول الباب برقم (5). الحديث: 365 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 "مَن تَوضّأَ وُضوئي هذا، ثم قامَ يصلّي صلاةَ الظهرِ؛ غُفر له ما كان بينها وبين الصبحِ، ثم صلّى العصرَ؛ غُفر له ما كان بينها وبين الظهرِ، ثم صلّى المغربَ؛ غُفِر له ما كان بينها وبين العصرِ، ثم صلّى العشاءَ؛ غفِرَ له ما كان بينها وبين المغربَ، ثم لعله يبيتُ يَتَمَرَّغُ ليلَتَه، ثم إنْ قام فتوضّأَ فصلّى الصبح؛ غُفِرَ له ما بينها وبين صلاةِ العشاءِ، وهنَّ {الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} ". قالوا: هذه الحسنات، فما الباقيات الصالحات يا عثمان؟ قال: هي: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. رواه أحمد بإسناد حسن (1)، وأبو يعلى والبزّار. 367 - (18) [صحيح] وعن جُندبِ بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن صلّى الصبحَ فهو في ذِمَّةِ اللهِ، فلا يَطلبنَّكم اللهُ من ذِمَّتِه بشيءٍ، فإنَّه من يَطْلُبْهُ من ذِمته بشيء يُدركْه، ثم يُكِيَّه على وجهه في نارِ جَهنَّم". رواه مسلم -واللفظ له- وأبو داود (2) والترمذي وغيرهم. ويأتي في " [23 -] باب صلاة الصبح والعصر" إنْ شاء الله تعالى. 368 - (19) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يَتَعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليلِ، وملائكةٌ بالنهارِ، ويجتمعون في صلاةِ الصبحِ، وصلاةِ العصرِ، ثم يَعرُجُ الذين باتوا فيكم، فيسألُهم ربُّهم -وهو أعلمُ بهم-: كيف تركتُم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلُّون، وأتيناهم وهم يصلُّون". رواه مالك والبخاري ومسلم والنسائي.   (1) فيه نظر لجهالة الحارث كما بينته في الأصل. نعم هو حسن لغيره، فإنّه يشهد لأوله حديث ابن مسعود المتقدم بعد الحديث السابع والتاسع، ولآخره حديث أبي الدرداء وأبي هريرة الآتيان في (14/ 7 - الترغيب في التسبيح والتكبير. .). (2) كذا الأصل، وليس الحديث عند أبي داود، كما نبهتُ عليه في "الصحيحة" (2890)، ولم ينبِّه عليه الحافظ الناجي، وقلَّده الثلاثة! الحديث: 367 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 369 - (20) [حسن] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خمسٌ من جاء بهن مع إيمانٍ دَخَلَ الجنةَ: مَن حافظَ على الصلواتِ الخمسِ، على وُضوئهنّ، وركوعهنَّ، وسجودهنَّ، ومواقيتهنَّ، وصام رمضان، وحجّ البيتَ إنْ استطاع إليه سبيلاً، وآتى الزكاة طيّبةً بها نفسُه، وأدّى الأمانةَ". قيل: يا رسول الله! وما أداءُ الأمانةِ؟ قال: "الغُسل من الجنابة، إنَّ الله لم يَأمَنِ ابنَ آدم على شيءٍ من دينِه غَيرها". رواه الطبراني بإسناد جيد. 370 - (21) [صحيح لغيره] وعن عبادةَ بنِ الصامتِ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "خمسُ صلواتٍ كتبهُنَّ اللهُ على العبادِ، فمَن جاء بهنَّ، ولم يُضَيِّع مِنهنَّ شيئاً استخفافاً بحقّهنَّ؛ كان له عندَ اللهِ عهدٌ أنْ يُدخلَه الجنّةَ، ومَن لمْ يأتِ بهنَّ، فليس له عندَ اللهِ عهد؛ إنْ شاءَ عذَّبه، وإنْ شاء أدخله الجنّةَ". (1) رواه مالك وأبو داود والنسائي، وابن حبان في "صحيحه". وفي رواية لأبي داود: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "خمسُ صلواتٍ افترَضَهُنَّ اللهُ، من أحسن وضوءَهنَّ بوقتهنَّ، وأتمّ   (1) قلت: من فقه هذا الحديث ما قاله أبو عبد الله ابن بطة في "الشرح والإبانة عن أصول السنة والديانة" (73 - تحقيق رضا نعسان): "لا يخرج الرجل من الإسلام إلا الشرك بالله، أو رد فريضة من فرائض الله عز وجل جاحداً بها، فإن تركها تهاوناً أو كسلاً؛ كان في مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له"، ولا ينافيه بعض الأحاديث والآثار الآتية في (40 - الترهيب من ترك الصلاة عمداً) فإنها محمولة على المعاند المستكبر لما سأذكر هناك، فتنبه. الحديث: 369 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 رُكوعَهنَّ، وسجودَهنَّ، وخشوعَهنَّ؛ كان له على الله عهدٌ أنْ يَغفرَ له، ومَن لمْ يفعلْ؛ فليس له على اللهِ عهدٌ؛ إنْ شاءَ غَفر له، وإنْ شاءَ عذَّبه". 371 - (22) [صحيح] وعن سعدِ بنِ أبي وقاص رضي الله عنه قال: كان رجلان أخوان، فَهَلَكَ أحدُهما قبل صاحبه بأربعين ليلة، فَذُكِرَتْ فَضيلةُ الأولِ منهما عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألم يكن الآخر مسلماً؟ ". قالوا: بلى، وكان لا بأس به. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وما يدريكم ما بَلَغَتْ به صلاتُه؟ إنَّما مُثّل الصلاةِ كمثَل نهرٍ عَذْبٍ غَمْرٍ، ببابِ أحدِكُم، يَقْتَحِم فيه كلَّ يوم خمسَ مرات، فما تَرَون في ذلكَ يُبقي من درنه؟ فإنّكم لا تدرون ما بلغتْ به صلاتُه". رواه مالك -واللفظ له- وأحمد بإسناد حسن، والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه"؛ إلا أنه قال: عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت سعداً وناساً من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولون: كان رجلان أخَوان في عهدِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان أحدُهما أفضلَ من الآخر، فتُوفِّي الذي هو أفضلُهما، ثم عُمِّر الأخرُ بعده أربعين ليلةً، ثم توفّي، فذُكر ذلك لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ألم يكن يصلي؟ ". قالوا: بلى يا رسول الله! وكان لا بأس بهِ، قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وماذا يدريكم ما بلغت به صلاتُه؟ " الحديث (1).   (1) قلت: وهذا اللفظ هو عند أحمد (1534 - طبعة شاكر) أيضاً. الحديث: 371 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 372 - (23) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رجلان مِن (بَلِيٍّ) (1) [حيّ] (2) من (قُضاعة) أسلما مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاستُشهد أحدُهما، وأُخِّر الآخرُ سنةً، فقال طلحة بن عبيد الله: [فأُريتُ الجنّة] (3)، فرأيت المؤخَّرَ منهما أُدخِلَ الجنة قبلَ الشهيد، فتعجبتُ لذلك، فأصبحتُ، فذكرتُ ذلك للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو ذُكِرَ لرسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أليسَ قد صام بعدَه رمضانَ، وصلى سِتةَ آلافِ ركعةٍ، وكذا وكذا ركعةً، [صلاةَ] (4) سَنةٍ؟! ". رواه أحمد بإسناد حسن. 373 - (24) [صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي؛ كلهم عن طلحة بنحوه، أطول منه. وزاد ابن ماجه وابن حبان في آخره: "فَلَمَا بينهما أبعدُ مما بين السماءِ والأرضِ". 374 - (25) [صحيح لغيره] وعن عائشةَ رضي الله عنها؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثٌ أحلِفُ عليهنَّ: لا يجعلُ الله مَن له سهمٌ في الإسلامِ كمَن لا سَهمَ له، وأسهمُ الإسلامِ ثلاثةٌ: الصلاةُ، والصومُ، والزكاة، ولا يَتَوَلَّى اللهُ   (1) على وزن (رَضيّ)، والنسبة (بَلوَيّ) كما في "القاموس" وغيره، ووقع في طبعة عمارة (بُلَي) بضم الموحدة وفتح اللام، وفي مكان آخر منه (4/ 255): (بَلِي)، وكل ذلك خطأ، ووقع في الأصل: (حيّ) مكان: (بلي)، والتصويب من "المسند". وفي رواية له من حديث طلحة بن عبيد الله الآتي بعده: "من بلي، وهم حي من قضاعة". وجمع المصنف بينهما في (24 - كتاب التوبة/ 8 - الترغيب في ذكر الموت)، فقال: "من (بَليّ؛ حي. .) " في حديث أبي هريرة هذا. (2) سقطت من "المسند" ومن الأصل، ولكن هذا أثبتها فيما يأتي (24 - التوبة/ 8)، واستدركتها من "المجمع" (10/ 204) و"أطراف المسند" (8/ 153/ 10707). (3) سقطت من الأصل و"المجمع"، واستدركتها من "المسند" (2/ 333) و"الأطراف". (4) زيادة من "المسند"، وهي ثابتة في المكان المشار إليه آنفاً من الكتاب. الحديث: 372 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 عبداً في الدنيا؛ فَيُولِّيَه غيرَه يومَ القيامةِ، ولا يحب رجلٌ قوماً؛ إلاّ جعلَه الله معهم، والرابعةُ لو حلفتُ عليها رَجَوتُ أن لا آثمَ: لا يستُرُ الله عبداً في الدنيا؛ إلا سَتَرَه يومَ القيامةِ". رواه أحمد بإسناد جيّد. 375 - (26) [صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الكبير" من حديث ابن مسعود. 376 - (27) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بنِ قُرْطٍ (1) رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أولُ ما يحاسب به العبدُ يومَ القيامةِ الصلاةُ، فإنْ صَلَحَتْ؛ صَلَحَ سائرُ عَملِه، وإنْ فسدتْ؛ فَسَدَ سائرُ عملِه". رواه الطبراني في "الأوسط"، ولا بأس بإسناده إن شاء الله. 377 - (28) [صحيح لغيره] وروي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أوّل ما يحاسبُ به العبدُ يومَ القيامةِ الصلاةُ، يُنظَرُ في صلاتِه؛ فإنْ صَلَحَتْ فقد أفلحَ، وإنْ فسدتْ خابَ وخَسِرَ". رواه في "الأوسط" أيضاً. (2) 378 - (29) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عَمروٍ رضي الله عنهما: أنّ رجلاً أتى رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله عن أفضلِ الأعمال؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الصلاة".   (1) كذا الأصل والمخطوطة وغيرها، وهو وهم؛ فإنّه لا دخْل لعبد الله بن قرط في هذا الحديث، وإنَّما هو من حديث أنس كالذي بعده، كذلك هو في "الأوسط" (2/ 240/ 1859 و4/ 127/ 3782 - الحرمين) و"زوائد المعجمَين" (1/ 13/ 2) و"المجمع" و"الجامع الصغير" وغيرهما. والحديث مخرج في "الصحيحة" (1358). (2) وله شاهد من حديث أبي هريرة عند النَّسائي وغيره، وحسَّنه الترمذي. الحديث: 375 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 قال: ثم مَهْ؟ قال: "ثم الصلاة". قال: ثم مَهْ؟ قال: "ثم الصلاة (ثلاث مرات) ". قال: ثم مَهْ؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" فذكر الحديث. رواه أحمد (1) وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له. 379 - (30) [صحيح لغيره] وعن ثوبانَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "استقيموا ولن تُحصوا، واعلموا أنَّ خيرَ أعمالِكم الصلاةُ، ولن يحافظَ على الوُضوءِ إلا مؤمنٌ". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما، ولا علة له سوى وهم أبي بلال". ورواه ابن حبان في "صحيحه" من غير طريق أبي بلال بنحوه. وتقدم هو وغيره في "المحافظة على الوضوء" [4/ 8/ الحديث الأول]. 380 - (31) [صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الأوسط" (2) مِن حديث سلمة بن الأكوع، وقال فيه: "واعْلموا أنَّ أفضلَ أعمالِكم الصلاة".   (1) في "المسند" (2/ 132)، وسنده جيد في المتابعات والشواهد دون قوله: "ثلاث". ومعنى الحديث ثابت في "الصحيحين" وغيرهما عن ابن مسعود، وسيأتي في أول (15 - باب)، وهو أتمّ، ونحوه الحديثان اللذان بعده. (2) كذا الأصل، والظاهر أنه وهم من المؤلف، لأنه كذلك في نسخة مخطوطة مقابلة، والصواب "الكبير"، وهو فيه (7/ 28/ 6270)، ولذلك لمْ يعزُه الهيثمي (2/ 250) إلا إليه، ولم يذكره في "مَجْمع البحرين"، وإسناده واهٍ، ووهم الهيثمي في اسم أحد رواته فلم يجده! الحديث: 379 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 381 - (32) [حسن لغيره] وعن حَنظلةَ الكاتبِ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن حافظ على الصلواتِ الخمسِ؛ ركوعِهنَّ، وسجودِهنَّ، ومواقيتِهنَّ، وعلم أنهنَّ حقٌّ مِن عندِ اللهِ؛ دخل الجنّةَ، أو قال: وَجَبَتْ له الجنّةُ، أو قال: حَرُم على النار". رواه أحمد بإسناد جيّد، ورواته رواة "الصحيح". 382 - (33) [حسن لغيره] وعن عثمانَ رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن عَلِمَ أنّ الصلاةَ حقٌ مكتوبٌ واجبٌ دخلَ الجنةَ". رواه أبو يَعلى وعبد الله ابنُ الإمام أحمد في زياداته على "المسند" (1)، والحاكم وصححه، وليس عنده ولا عند عبد الله لفظة "مكتوب". قال الحافظ رضي الله تعالى عنه: "وستأتي أحاديث أُخَر تنتظم في سلك هذا الباب، في "الزكاة" و"الحج" وغيرهما إنْ شاء الله تعالى".   (1) (فائدة): اعلم أن زيادات عبد الله هذه ليست كتاباً خاصاً ألفه عبد الله، وإنما هي أحاديث ساقها في "مسند أبيه"، يرويها عن شيوخ له بأسانيدهم عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتتميز أحاديث "الزيادات" عن أحاديث "المسند" بالتأمل في شيخ عبد الله في أي حديث فيه، فإن كان عن أبيه فهو من أحاديث المسند، وفي هذا النوع يقال فيه: "رواه أحمد"، وإن كان عن غير أبيه، فهو من زياداته في "مسند أبيه"، وفيه يقال: "رواه عبد الله في زياداته على المسند" كهذا الحديث، فيجب التنبه لهذا، فكثيراً ما اختلط الأمر على بعض الحفاظ -ومنهم المؤلف أحياناً- فضلاً عن غيرهم، فيعزى الحديث لأحمد وهو لابنه! هذا وأما أبو بكر القطيعي فليس له زيادات في "المسند" المطبوع خلافاً لما اشتهر، وقد بينت ذلك في بحث علمي دقيق أجريته في الرد على بعض متعصبة المعاصرين، سميته "الذَّبُّ الأحمد عن مسند الإمام أحمد، والرد على من طعن في صحة نسبته إليه، وزعم أن القطيعي زاد فيه أحاديث كثيرة موضوعة حتى صار ضِعْفَيه"! وما جاء في "مسند الإمام أحمد" (5/ 130 - طبعة المؤسسة) من الأحاديث العشرة ليستَ من "المسند"، إنما هي من "فوائد أبي بكر القطيعي" كما هو مبين هناك. وأرجو أن يتاح لي طبعه ونشره قريباً إن شاء الله تعالى. الحديث: 381 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 14 - (الترغيب في الصلاة مطلقاً، وفضل الرّكوع والسجود والخشوع). 383 - (1) [صحيح] عن أبي مالكٍ الأشعريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الطُّهورُ شَطْرُ الإيمان، والحمدُ لله تملأُ الميزانَ، وسبحانَ الله والحمدُ لله تملآن -أو تملأ- ما بين السماءِ والأرضِ، والصلاةُ نُورٌ، والصدقةُ برهانٌ، والصبرُ ضِياءٌ، والقرآن حُجَّةٌ لك أو عليك". رواه مسلم وغيره، وتقدم [4 - الطهارة/ 7]. 384 - (2) [حسن لغيره] وعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه: أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرجَ في الشتاءِ والوَرَقُ يَتَهافَتُ، فأخذَ بغُصْنٍ من شجرةٍ، (قال): فجعل ذلك الورق يتهافَتُ، فقال: "يا أبا ذرّ! ". قلتُ: لبَّيْك يا رسول الله! قال: "إنَّ العبدَ المسلمَ ليصلّي الصلاةَ يريد بها وجهَ الله، فَتَهافَتُ عنه ذنوبُه كما يتهافتُ (1) هذا الورقُ عن هذه الشجرة". رواه أحمد بإسناد حسن. 385 - (3) [صحيح] وعن معدان بن أبي طلحةَ قال: لقيتُ ثوبانَ مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: أخبِرني بعملٍ أعملُه يُدْخِلني اللهُ به الجنةَ، -أو قال: قلت: بأحبِّ الأعمالِ إلى اللهِ-. فسكتَ. ثم سألتُه، فسكتَ. ثم سألته الثالثة، فقال: سألتُ عن ذلك رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:   (1) الأصل: "تهافت"، والتصويب من "المسند". الحديث: 383 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 "عليكَ بكثرةِ السجودِ لله، فإنك لا تسجدُ لله سجدةً؛ إلا رفعكَ اللهُ بها درجةٌ، وحَطَّ بها عنكَ خطيئةً". رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. 386 - (4) [صحيح لغيره] وعن عُبادةَ بنِ الصامتِ رضي الله عنه؛ أنّه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما مِن عبدٍ يسجدُ لله سجدةً؛ إلا كَتبَ اللهُ له بها حسنةً، ومحا عنه بها سيئةً، ورفَع له بها درجةً، فَاستكثِروا مِن السجودِ". رواه ابن ماجه بإسناد صحيح. 387 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أقربُ ما يكون العبدُ مِن ربهِ عز وجل وهو ساجدٌ، فأكثِروا الدُّعاءَ". رواه مسلم. 388 - (6) [صحيح لغيره] وعن رَبيعةَ بنِ كعبٍ رضي الله عنه قال: كنت أخدِمُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهاري، فإذا كان الليلُ أويتُ إلى باب رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَبِتُّ عنده، فلا أزال أسمعُه يقول: (سبحانَ الله، سبحانَ اللَّه، سبحانَ ربي) حتّى أمَلَّ، أو تغلِبَني عَيني فأنامُ، فقال يوماً: "يا ربيعةُ سَلْني فأُعْطِيَكَ". فقلت: أنظِرني حتّى أنظُرَ، وتذكرتُ أن الدنيا فانيةٌ منقطعةٌ، فقلت: يا رسولَ الله! أسأَلُك أنْ تدعوَ الله أنْ يُنجيَني مِن النارِ، ويُدخلني الجنّة. (1) فسكتَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال:   (1) قلت: وفي رواية للطبراني (4570): "مرافقتك في الجنة". ورجاله ثقات غير (يحيى ابن عبد الله البابلتي)، وهو ضعيف. وعزاه المعلق عليه لمسلم وغيره، وإنما رووه مختصراً. لكن هذه الزيادة عند مسلم كما يأتي. الحديث: 386 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 "مَن أمرَك بهذا؟ ". قلت: ما أمرني به أحد، ولكنّي عَلمتُ أنّ الدنيا منقطعةٌ فانيةٌ، وأنتَ مِن الله بالمكانِ الذي أنتَ منه، فأحببتُ أَنْ تَدعوَ اللهَ لي. قال: "إنّي فاعلٌ، فأعنّي على نفسِك بكثرةِ السّجودِ". رواه الطبراني في "الكبير" من رواية ابن إسحاق، واللفظ له. (1) ورواه مسلم وأبو داود مختصراً. [صحيح] ولفظ مسلم: قال: كنتُ أبيتُ مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فآتِيهِ بوَضوئِهِ وحاجته. فقال لي: "سَلْني". فقلت: أسأَلُك مرافَقَتَكَ في الجنة. قال: "أوْ (2) غيرَ ذلك؟ ". قلتُ: هو ذاك. قال: "فأعنِّي على نفسكَ بكثرةِ السجودِ". 389 - (7) [حسن صحيح] وعن أبي فاطمةَ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله! أخبرني بعمل أستَقيمُ عليه وأعملُهُ، قال: "عليكَ بالسجودِ، فإنَّك لا تسجدُ لله سجدَةً، إلا رَفَعَكَ اللهُ بها درجةً، وحَطَّ عنك بها خَطيئةً". رواه ابن ماجه بإسناد جيّد.   (1) قلت: يشير المؤلف إلى أن ابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه عند الطبراني (5/ 52/ 4576)، لكن قد رواه الإمام أحمد (4/ 59) عن ابن إسحاق، مصرِّحاً بالتحديث، فكان بالعزو إليه أولى، وبقية رجاله رجال الستة، فالحديث صحيح، وهو في مسلم (2/ 52) من طريق أخرى مختصراً كما ذكره المؤلف. (2) بإسكان الواو ونصب "غير"، أي: سل غير ذلك، يعني: غير مرافقته في الجنة. "العجالة" (59). الحديث: 389 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 [حسن لغيره] ورواه أحمد مختصراً، ولفظه: قال: قال لي نبيَّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أبا فاطمة إنْ أردتَ أنْ تلقاني فأكثرِ السجودَ" (1). 390 - (8) [حسن لغيره] ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الصلاةُ خيرُ موضوعٍ، فمَن استطاع أنْ يستكثِرَ فَلْيَسْتَكْثِرْ". رواه الطبراني في "الأوسط" (2). 391 - (9) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بقبرٍ فقال: "مَنْ صاحبُ هذا القبرِ؟ ". فقالوا: فلان. فقال: "ركعتان أحبُّ إلى هذا من بقيّةِ دنياكم". رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن. (3) 392 - (10) [صحيح لغيره] وعن مُطَرِّف قال: قَعدتُ إلى نَفَرٍ من قريشٍ، فجاءَ رَجلُ، فجعل يصلّي ويَركع ويَسجدُ ولا يَقعدُ، فقلتُ: واللهِ ما أرى هذا يَدري ينصرف على شفعٍ أو على وِترٍ! فقالوا: ألا تقومُ إليه فتقولُ له؟ قال: فَقُمْتُ؛ فقلت: يا عبدا للهِ! ما أراك تدري   (1) قلت: في رواية أحمد هذه ابن لهيعة، لكنْ تابعه الليث بن سعد عند الطبراني (22/ 323/ 812)، والدولابي في "الكُنى" (1/ 48)؛ كلاهما عن يزيد بن عمرو المعافري، وهو صدوق، عن أبي عبد الرحمن الحبلي عنه. فهو إسناد حسن. (2) قلت: له شواهد يتقوى بها. فأخرجه الطيالسي وأحمد والحاكم من طريقين عن أبي ذر، وأحمد وغيره من حديث أبي أمامة، فالحديث حسن إن شاء الله تعالى. (3) انظر تخريحه في "الصحيحة" (1388) لتتبين صحته. الحديث: 390 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 تنصرف على شفعٍ أو على وِترٍ! قال: ولكنَّ الله يدري! سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن سجدَ لله سجدةً؛ كَتَبَ اللهُ له بها حسنةً، وحَطَّ عنه بها خطيئةً، ورفع له بها درجةً". فقلتُ: مَن أنتَ؟ فقال: أبو ذرّ! فرجعت إلى أصحابي فقلتُ: جزاكم الله من جلساءَ شرّاً! أمرتموني أنْ أُعَلِّمَ رجلاً مِن أصحابِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -! [صحيح لغيره] وفي رواية: (1) فرأيتُه يطيلُ القيامَ، وُيكثِر الركوعَ والسجودَ، فذكرتُ ذلك له، فقال: ما ألَوْتُ أنْ أُحسِنَ، إنّي سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من ركَع ركعةً، أو سَجَدَ سجدةً؛ رُفع له بها درجةً، وحُطَّ عنه خَطيئةً". رواه أحمد والبزّار بنحوه، وهو بمجموع طرقه حسن أو صحيح. (2) (ما ألوت) أي: [ما] قصّرتُ. 393 - (11) [حسن] وعن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: أتيتُ أبا الدرداءِ في مرضه الذي قبضَ فيه، فقال: يا ابن أخي! ما أعْمَلَكَ إلى هذه البلدة، أو ما جاءَ بك؟ قال: قلتُ: لا، إلا صلةُ ما كان بينك وبين والدي عبد الله بن سلام،   (1) هذه الرواية ليست عن مطرِّف، وإنما رواها أحمد (5/ 147) من طريق أبي إسحاق عن المخارق قال: خرجنا حجاجاً. . . الحديث نحوه. والمخارق هذا ذكره ابن حبان في "ثقات التابعين". (5/ 444)، ولا يعرف إلا بهذه الرواية. ويقويها الرواية الأولى. (2) قلت: بل له إسناد ثالث عند أحمد أيضاً (5/ 164)، والدارمي (1/ 341) عن الأحنف ابن قيس نحو رواية مطرِّف، وهو صحيح على شرط مسلم، وهو مخرَّج في "الإرواء" (2/ 209). وكذا رواه ابن نصر في "الصلاة" (1/ 312/ 288). الحديث: 393 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 فقال: بئسَ ساعةُ الكذِبِ هذه، سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من توضّأَ فأحسنَ الوضوءَ، ثم قام فصلّى ركعتين (أو أربعاً، يشك سهل) يُحسن فيهن الذِّكْر (1) والخشوعَ، ثم يستغفرُ اللهَ؛ غُفِرَ له". رواه أحمد بإسناد حسن. [مضى مختصراً آخر 4/ 13]. 394 - (12) [حسن صحيح] وعن زيدِ بن خالد الجُهَنيِّ رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن توضّأَ فأحسنَ وُضوءَه، ثم صلّى ركعتين، لا يسهو فيهما؛ غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه". (2) [مضى هناك]. رواه أبو داود. وفي رواية عنده: (3) "ما من أحدٍ يتوضأُ فَيُحسنُ الوضوءَ، ويصلي ركعتين يُقبِلُ بقلبِه وبوجهه عليهما؛ إلاَّ وجَبَتْ له الجنةُ". 395 - (13) [صحيح] وعن عقبةَ بنِ عامرِ رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُدّامَ أنفسنا، نَتناوَب الرعايةَ؛ رعايةَ إبلِنا، فكانت عَلَيَّ رعايةُ الإبل، فَرَوَّحْتُها بالعَشِيِّ، فإذا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطبُ الناسَ، فسمعته (4) يقول:   (1) انظر التعليق المتقدَّم آخر (4/ 13). (2) تقدَّم (4/ 13 - باب /3 - حديث). (3) هذا يوهم شيئين: الأول: أنّ الرواية الأخرى عند أبي داود من حديث زيد بن خالد. والآخر: أنّه لم يروه غيره من أصحاب الستة، وليس كذلك، فهي عند أبي داود من حديث عُقْبة بن عامر، ثم هو عند مسلم أيضاً كما سبق في آخر (4/ 13)، ويأتي عَقِبه بلفظ أبي داود، وهو يخالف بعض الشيء لفظه هنا! (4) هنا في الأصل زيادة: "يوماً"، ولا أصل لها عند أبي داود، ولا في شيء من طرق الحديث، وهي نابية عن السياق كما هو ظاهر، ولذلك ضرب عليها في المخطوطة. الحديث: 394 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 "ما مِنكم مِن أحدِ يتوّضأُ فيُحسِنُ الوضوءَ، ثمّ يقوم فيركع ركعتين يُقبلُ عليهما بقلبِه ووجهه؛ إلا قد أوجَبَ". فقلتُ: بخٍ بخٍ! ما أجودَ هذه!. رواه مسلم وأبو داود -واللفظ له- والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، وهو بعض حديث. [مضى بعضه 4 - الطهارة/ 13]. ورواه الحاكم؛ إلا أنّه قال: "ما مِن مسلم يتوضأ فيُسبغُ الوضوءَ ثم يقوم في صلاته، فيعلمُ ما يقول؛ إلاَّ انفتل وهو كيومَ ولدته أُمه" الحديث. وقال: "صحيح الإسناد". (أوجب) أي: أتى بما يوجب له الجنَّة. 396 - (14) [حسن صحيح] وعن عاصم بنِ سفيان الثقفي: أنهّم غَزَوْا غزْوةَ (السلاسل) (1)، ففاتهم الغزو، فرابطوا، ثم رجعوا إلى معاويةَ، وعنده أبو أيوب وعقبةُ بن عامر، فقال عاصم: يا أبا أيوب! فاتنا الغزو العامَ، وقد أُخبِرْنا أنّه من صلى في المساجِد الأربعةِ؛ غُفِر له ذَنبُه، فقَال: يا ابن أخي! ألا أدُلّك على أيسرَ من ذلك؟ إني سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن توضّأَ كما أُمِر، وصلَّى كما أُمِر؛ غُفر له ما قَدَّم مِن عَمل". كذلك يا عقبَة؟ قال: نعم. رواه النَّسائي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه" (2).   (1) هي وراء وادي القرى، غزاها سرية عمرو بن العاص سنة ثمان، كما في "القاموس"، وقال ياقوت: "هي ماء بأرض جذام، وبذلك سميت غزاة ذات السلاسل". وقد عقد لها البيهقي في "الدلائل" باباً خاصاً (2/ 18/1)، وذكر (2/ 1/ 106/ 2) أنها من مشارف الشام. (2) تقدم لفظه (4 - الطهارة/ 7) من حديث أبي أيوب وحده. الحديث: 396 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 [صحيح] وتقدم في "الوضوء" [4/ 7] حديث عمرو بن عبْسة، وفي آخره: "فإنْ هو قامَ فصلّى فحَمدَ اللهَ، وأثنى عليه، ومجّده بالذي هو له أهل، وفَرَّغَ قلْبَه للهِ تعالى؛ إلا انصرفَ من خطِيئتِه كـ[ـهيئتِه] يومَ ولدته أمُّه". رواه مسلم. [صحيح] وتقدم في الباب قبله حديث عثمان [الحديث 15]، وفيه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما من امرئ مسلمٍ تحضُرهُ صلاةٌ مكتوبةٌ، فيُحسنُ وُضُوءَها، وخشوعها، وركوعها؛ إلاّ كانت كفَّارةً لما قبلها مِن الذنوب؛ ما لمْ تُؤتَ كبيرة، وذلك الدهرَ كلَّه". رواه مسلم. [صحيح لغيره] وتقدَّم أيضاً [13 - باب/ الحديث 21، ويأتي قريباً] حديث عبادة: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "خمسُ صلواتٍ افترضهنَّ اللهُ مَن أحسنَ وُضوءَهنَّ، وصلاهنَّ لوقتهنَّ، وأتمَّ ركوعَهنَّ، وسجودَهنَّ، وخشوعهنَّ؛ كان له على اللهِ عهدٌ أنْ يَغفرَ له". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 15 - (الترغيب في الصلاة في أوّلِ وقتها). 397 - (1) [صحيح] عن عبد اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: سألتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ العملُ أحبُّ إلى الله تعالى؟ قال: "الصلاةُ على وقتِها". قلتُ: ثم أي؟ قال: "بِرُّ الوالدين". قلت: ثم أيُّ؟ قال: "الجهادُ في سبيل الله". قال: حدَّثني بهنَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولو استَزَدْتُه لزادني. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنَّسائي. 398 - (2) [صحيح] وعن رجل من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: سُئِل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ العمل أفضل؟ -قال شعبة: [أو] (1) قال: أفضل العمل-[قال]: "الصلاة لِوقْتها، وبِرّ الوالدين، والجهاد". رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح".   (1) زيادة من "المسند" (5/ 368)، والمعنى أنّ شعبة شكّ هل قال السائل: "العمل أفضل"، أو قال: "أفضل العمل" وهذا من دقته وعنايته في ضبط ما يرويه رحمه الله، والزيادة التي بعدها سقطتْ من "المسند"، والسياق يقتضيها، وانظر الحديث الأول، والذي بعده. ولم يتنبه لهذا كله المعلقون الثلاثة لجهلهم بالتحقيق، ولذلك صار الحديث معضلاً، لأنه عندهم: "قال شعبة: قال: "أفضل العمل الصلاة لوقتها. . "!! الحديث: 397 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 399 - (3) [صحيح لغيره] وعن أمِّ فَرْوَة رضي الله عنها -وكانتْ ممن بايع النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -- قالت: سُئِل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة لأوّل وقتها". رواه أبو داود والترمذي وقال: "لا يروى إلاّ من حديث عبد الله بن عمر العُمَرِي، وليس بالقوي عند أهل الحديث، واضطربوا في هذا الحديث". (قال الحافظ) رضي الله عنه: "عبد الله هذا صدوق، حسن الحديث، فيه لين، قال أحمد: صالح الحديث، لا بأس به. وقال ابن مَعين: يُكْتَبُ حديثه. وقال ابن عَديّ: صدوق لا بأس به. وضعفه أبو حاتم وابن المديني" (1). وأمّ فروة هذه هي أخت أبي بكرٍ الصديق لأبيه، ومن قال فيها أم فروة الأنصارية فقد أَوْهَم. 400 - (4) [صحيح لغيره] وعن عُبادةَ بن الصامت رضي الله عنه قال: أشهدُ أنّي سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "خمسُ صلواتٍ افترَضَهُنَّ الله عز وجل، مَن أحسنَ وُضوءَهن، وصلاهُنَّ لوقتهن، وأتمَّ ركوعَهُنَّ وسجودهنَّ، وخشوعَهنَّ؛ كان له على الله عهد أنْ يغفرَ له، ومَن لم يفعل، فليس له على الله عهدٌ؛ إنْ شاء غفر له، وإنْ شاء عذَّبه". رواه مالك وأبو داود والنَّسائي وابن حبان في "صحيحه". [مضى 13 - باب].   (1) قلت: لكنّه قد توبع، والاضطراب المشار إليه إنّما هو في إسناده. وهو ممن فوق العمري، وللحديث شاهد يتقوّى به كما بيّنته في "صحيح أبي داود" (452). الحديث: 399 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 401 - (5) [حسن لغيره] ورُوي عن كعب بن عُجرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن سبعةُ نفرٍ، أربعةٌ مِن موالينا (1)، وثلاثة مِن عَرَبِنا (1)، مسندي ظُهوَرِنا إلى مسجدِه، فقال: "ما أجلسَكم؟ ". قلنا: جلسنا ننتظر الصلاةَ، قال: فأرَمَّ قليلاً، ثم أقبل علينا فقال: "هلْ تدْرون ما يقول ربُّكم؟ ". قلنا: لا. قال: "فإنَّ ربَّكم يقول: مَن صلّى الصلاةَ لوقتِها، وحافظ عليها ولمْ يُضَيِّعها استخفافاً بحقِّها؛ فله عَلَيَّ عهدٌ أنْ أُدخِلَه الجنّةَ. ومَن لمْ يصلِّها لِوقتها، ولمْ يحافظْ عليها، وضَيَّعها استخفافاً بحقِّها؛ فلا عهد له عليَّ، إنْ شئتُ عذّبتُه، وإنْ شئتُ غفرتُ له". رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" وأحمد بنحوه (2). (أرَمَّ) هو بفتح الراء وتشديد الميم، أي: سكت. وتقدم في "باب الصلوات الخمس" حديث أبي الدرداء وغيره. [13 - باب].   (1) جمع: (مولى) وهو المعتق هنا. ويقابله قوله: (عربنا) أي: أحرار لم يجرِ عليهم الرق. وضبطه مصطفى عمارة بضم الغين المعجمة والراء المهملة، جمع: (غريب)، وهوَ من أوهامه وغرائبه، وخلاف ما في "المسند" والمخطوطة وغيرهما. (2) أشار المؤلف لضعفه، لكنْ له طريق أخرى يتقوّى بها عند الدارمي (1/ 278 - 279). الحديث: 401 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 16 - (الترغيب في صلاة الجماعة، وما جاء فيمن خرج يريد الجماعة فوجد الناس قد صلَّوا). 402 - (1) [صحيح] عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صلاةُ الرجلِ في جماعةٍ تَضعُفُ على صلاتِه في بيتِه وفي سوقِه خمساً وعشرين ضِعفاً، وذلك أنّه إذا توضّأَ فأحسنَ الوُضوء، ثم خرج إلى المسجدِ لا يُخرجُه إلا الصلاة، لم يخْطُ خُطوةً؛ إلا رُفِعت له بها درجةً، وحُطَّ عنه بها خطيئةٌ، فإذا صلَّى، لمْ تزل الملائكة تصلّي عليه -ما دام في مصلاّه، ما لمْ يُحدِث- اللهمَّ صلِّ عليه، اللهمَّ ارحمْه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة". رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه. [وتقدَّم 5 - الصلاة/ 9/ الحديث الأول]. 403 - (2) [صحيح] وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما؛ أنّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "صلاة الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفذِّ بسبع وعشرين درجةً". رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنَّسائي. 404 - (3) [صحيح] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: مَن سَرَّه أنْ يلقى الله غداً مسلماً فليحافظْ على هؤلاءِ الصلواتِ، حيث ينادى بهنَّ، فإنَّ الله تعالى شرع لنبيّكم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَنَ الهُدى، وإنهنَّ مِن سُنن الهدى، ولو أنّكم صليتم في بيوتكم، كما يصلي هذا المتخلَّف في بيته، لتركتم سنّةَ نبيِّكم، ولو تركتم سُنَّةَ نبيّكم لضللتم، وما من رجل يتطهّر فيحسن الطُّهور، ثم يَعمِد إلى مسجدٍ من هذه المساجد؛ إلا كتب الله له بكل خُطوةٍ يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجةً، ويحطُّ عنه بها سيّئةً، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عَنها إلا منافقٌ معلومُ النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتَى به يُهادَى بين الرجلين حتّى يقامَ في الصفّ. الحديث: 402 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 (وفي رواية): لقد رأيتُنا وما يتخلَّف عن الصلاةِ إلا منافق قدْ عُلِم نفاقه، أو مريض، إنْ كان الرجلُ (1) لَيمشي بين رجلين حتّى يأتى الصلاةَ، وقال: إنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علَّمنا سنن الهدى، وإنَّ مِن سنن الهدى الصلاةُ في المسجد الذي يؤذِّن فيه. رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. قوله: (يُهادى بين الرجلين) يعني: يُرْفَد من جانبيه، ويُؤخَذ بعَضُدِه يُمشَى به إلى المسجد. 405 - (4) [صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فضلُ صلاةِ الرجلِ في الجماعةِ على صلاتِه وحدَه بضعٌ وعشرون درجة". [صحيح] (وفي رواية): "كلُّها مثل صلاتِه في بيتِه". رواه أحمد بإسناد حسن، وأبو يعلى والبزّار والطبراني وابن خزيمة في "صحيحه" بنحوه. 406 - (5) [حسن] وعن [عبد الله بن] (2) عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:   (1) كذا الأصل والمخطوطة، وفي مسلم -والرواية له كالأولى-: "المريض"، ولعل المثبَت رواية عنه، وهي أرجح في نظري، وهي رواية لأحمد (1/ 382) من طريق أخرى. (2) الأصل: "عن عمر بن الخطاب"، وهو وهم، فإنَّه ليس في "المسند" ولا غيره من حديث عمر، وإنَّما هو من حديث ابنه عبد الله، وكذلك رواه غير الطبراني أيضاً، وهر مخرَّج في "الصحيحة" (1652)، وعلى الصواب أورده ابن كثير في "جامع المسانيد" (28/ 46/ 37) والسيوطي في "الزيادة على الجامع الصغير" (رقم 1816 - صحيح الجامع)، و"الجامع الكبير". الحديث: 405 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 "إنَّ اللهَ تبارك وتعالى لَيَعْجَبُ مِنَ الصلاةِ في الجَمعِ (1) ". رواه أحمد بإسناد حسن، وكذلك الطبراني من حديث ابن عمر بإسناد حسن. 407 - (6) [صحيح] وعن عثمانَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن تَوضّأَ فأسبغَ الوُضوء، ثمّ مشى إلى صلاةٍ مكتوبةٍ، فصلاّها مع الإمام؛ غُفِرَ له ذنبُه". رواه ابن خزيمة في "صحيحه". [مضى 5 - الصلاة/ 9]. 408 - (7) [صحيح لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتاني الليلة رَبي (2)، (وفي رواية): رأيتُ رَبِّي في أحسنِ صورةٍ، فقال لي: يا محمَّدُ! قلتُ: لَبَّيك ربِّ وسعدَيْك، قال: هل تَدري فيمَ يخْتصم الملأُ الأعلى؟ قلت: لا أعلم. فوضع يده بين كتِفَيَّ حتى وجدتُ بَردَهَا بين ثَدْيَيَّ -أو قال: في نحري- فعلمتُ ما في السمواتِ وما في الأرضِ - (3) أو قال: ما بين المشرق والمغرب- قال: يا محمَّد! أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، في الدرجاتِ، والكفاراتِ، ونقلِ الأقدامِ إلى الجماعاتِ، إسباغِ الوضوءِ في السَّبَرات، وانتظارِ الصلاةِ بعدَ الصلاةِ، ومَن حافظ عليهن عاش بخيرٍ، وماتَ بخيرٍ، وكان من ذنوبِه كيومَ ولدتهُ أُمُّهُ. قال: يا محمد! قلتُ: لبيكَ وسعديكَ. فقال: إذا صلّيتَ قل: اللهمّ! إنِّي أسألكَ فِعلَ الخيراتِ، وتركَ المنكراتِ،   (1) كذا الأصل، وفي "المسند": (الجميع)، وكذا رواه عنه الخطيب، وهو رواية الطبراني كما في "المجمع"، والمعنى واحد، أي: الجماعة. وأفسده المعلّقون الثلاثة، فوقع في طبعتهم (الجُمَع) هكذا قيّدوه بضم الجيم وفتح الميم جمع (جُمعة)! (2) أي: في المنام. انظر التعليق المتقدم في (4/ 7 - الترغيب في الوضوء وإسباغه). (3) يعني: ما أعلمه الله تعالى مما فيها من الملائكة والأشجار وغيرهما، وهو عبارة عن سعة علمه الذي فتح الله به عليه. كذا في "المرقاة" (1/ 463). الحديث: 407 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وحُبَّ المساكين، وإذا أردتَ بعبادِك فتنةً فاقبضْني إليك غير مفتون. قال: والدرجاتُ: إفشاءُ السلامِ، وإطعامُ الطعامِ، والصلاةُ بالليلِ والنْاسُ نيامُ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". (1) (الملأ الأعلى): وهم الملائكة المقرَّبون. (السَّبرْات): بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة (2): جمع سَبْرة، وهي شِدَّة البرد. 409 - (8) [حسن لغيره] وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن صلّى لله أَربعين يوماً في جماعةٍ، يُدرِكُ التكبيُرةَ الأُولى؛ كُتِبَ له بَراءتان: بَراءةٌ من النّارِ، وبراءةٌ من النِّفاقِ". رواه الترمذي وقال: "لا أعلم أحداً رفعه إلا ما روى سَلْمُ (3) بنُ قتيبة عن طُعمة بن عَمرو". قال المُمْلي رضي الله عنه: "وسَلْم (3) وطُعمة وبقية رواته ثقات". وقد تكلّمنا على هذا الحديث في غير هذا الكتاب. (4)   (1) قلت: وهو صحيح، وقد تكلمتُ عليه في أول "الجنائز" من "إرواء الغليل" وفي "ظلال الجنة" (169 - 170)، وغيرهما، وقد كنت ذهبتُ في بعض التعليقات إلى تضعيف الحديث، فقد رجعتُ عنه، وأطال الكلام على الحديث هنا الشيخ الناجي (60 - 64) وبيّن ما يؤخذ على المؤلف من الجمع بين الروايات وعزوها جميعاً إلى الترمذي مع أنّه لم يخرجها كلها! وأنَّ الحافظ أبا أحمد العسَّال قد ساق في كتاب "المعرفة" الحديث من عدّة طرق وألفاظ، ومن رواية جماعة من الصحابة، وأكثرها مصرّح بأنَّ ذلك كان في المنام. (2) قال الناجي (62): "لا شك أنّ الإسكان خطأ، وأنَّ الصواب الفتح في الجمْع، والإسكان في الإفراد؛ لأنّ كل اسم صحيح العين على (فَعْلة) إذا جُمع بالألف والتاء وجب تحريك عينه بحركتها كهذه اللفظة ونظائرها، وهي كثيرة شهيرة، كنَخلات وثَمَرات وأكَلات وسكَتَات. . ". (3) الأصل: (مسلم)، وكذا في المخطوطة ومطبوعة عمارة، وهو خطأ، والتصحيح من الترمذي وكتب الرجال. ولم يتنبه المعلقون الثلاثة للخطأ في الموضع الثاني فتركوه كما هو! (4) قلت: وخرجته في "الصحيحة" (1979 و2652) بتوسع. الحديث: 409 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 410 - (9) [حسن لغيره] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن توضّأَ فأحسنَ وُضوءَه، ثمّ راح فوجدَ الناس قد صلُّوا، أعطاه اللهُ مثل أجرِ من صلاها وحضرها، لا يَنقصُ ذلك مِن أجورهم شيئاً". رواه أبو داود والنسائي والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". (1) وتقدَّم في " [9 -] باب المشي إلى المساجد" حديث سعيد بن المسيَّب عن رجل مِن الأنصار قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:. . . فذكر الحديث، وفيه: "فإنْ أتى المسجد فصلّى في جماعة غُفِر له، فإنْ أتى المسجد وقد صلّوا بعضاً وبقي بعض؛ صلَّى ما أدركَ، وأتمَّ ما بقيَ كان كذلك، فإنْ أتى المسجد وقد صلّوا فأتمّ الصلاة كان كذلك".   (1) قلت: ووافقه الذهبي، وفيه نظر، لكنَّ الحديث حسن بما بعده. الحديث: 410 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 17 - (الترغيب في كثرة الجماعة). 411 - (1) [حسن لغيره] عن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: صلّى بنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً الصبحَ، فقال: "أَشاهِدٌ فلان؟ ". قالوا: لا، قال: "أَشاهِدٌ فلان؟ ". قالوا: لا، قال: "إن هاتين الصلاتين أثقلُ الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتَيتُموهما ولو حَبْواً على الرُّكَبِ، وإنّ الصفَّ الأولَ على مِثلِ صفِّ الملائكةِ، ولو عَلمتُمْ ما في فضيلتِه لابْتَدَرتُموه، وإنَّ صلاةَ الرجلِ مع الرجلِ أزكى مِن صلاتِه وحده، وصلاتَه مع الرجلين أزكى من صلاتِه مع الرجل، وكلما كَثُرَ فهو أحبُّ إلى الله عز وجل". رواه أحمد وأبو داود والنَّسائي، وابن خزيمة وابن حِبّان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقد جزم يحيى بن مَعين والذُّهلي بصحة هذا الحديث. (1) 412 - (2) [حسن لغيره] وعن قباث بن أُشيَم الليثي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صلاةُ الرجلين يؤمُّ أحدُهما صاحبَه أزكى عند الله من صلاةِ أربعةٍ تترى، وصلاةُ أربعةٍ أزكى عند الله من صلاة ثمانية تتْرَى، وصلاة ثمانية يؤمّهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة مئةٍ تترى". (2) رواه البزار والطبراني بإسناد لا بأس به. (3)   (1) قلت: وفي سنده ضعف، فلعلّ الصحَّة المذكورة إنَّما هي بالنظر إلى أنّ له شاهداً مِن حديث قباث بن أشيَم الليثي، وهو الآتي عَقِبَه. ورجاله ثقات غير عبد الرحمن بن زياد الراوي عن (قباث)؛ ذكره ابن حبان في "ثقات التابعين"، وقال: "شيخ". (2) أي: متفرقين. (3) قلت: كيف وفيه من لا يُعرف؟! وقال الحافظ ابن حجر: "في إسناده نظر"، وبيانه في (الأصل)، وهو حسن بما قبله. الحديث: 411 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 18 - (الترغيب في الصلاة في الفلاة). قال الحافظ رحمه الله: "وقد ذهب بعض العلماء إلى تفضيلها على الصلاة في الجماعة". 413 - (1) [صحيح] وعن أبي سعيد الخُدريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الصلاة في الجماعةِ تَعدِلُ خمساً وعشرين صلاةً، فإذا صلاها في فلاةٍ، فأتَمَّ ركوعَها وسجودهَا؛ بلغت خمسين صلاةً". رواه أبو داود. (1) ورواه الحاكم بلفظه وقال: "صحيح على شرطهما" (2). وصَدْر الحديث عند البخاري (3) وغيره. ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صلاة الرجل في جماعةٍ تَزيد على صلاتِه وحدَه بخمسٍ وعشرين درجةً، فإنْ صلاَّها بأرضِ قِيٍّ فأتمَّ ركوعَها، وسجودَها؛ تُكتبَ صلاتُه بخمسين درجةً".   (1) قلت: في الأصل هنا ما نصه: "وقال: قال عبد الواحد بن زياد في هذا الحديث: "صلاة الرجل في الفلاة تُضاعَف على صلاته في الجماعة"، [وساق الحديث] ". فهذا معلق لم يسنده أبو داود -والزيادة منه- فهو مع مخالفته للفظ الذي قبله، ولفظ ابن حبان الذي بعده- شاذ أو منكر. وانظر "الصحيحة". (2) ووافقه الذهبي (1/ 208). وإنما هو صحيح فقط، وبيانه في "الصحيحة" (3475). (3) قال الناجي (64 - 65): "يُنكر على المصنف قوله: "وصَدْر الحديث عند البخاري وغيره"؛ فإنه رواه من طريق الليث عن ابَن الهاد عن عبد الله بن خَبّاب عن أبي سعيد ولفظه: "صلاة الجماعة تفضُل صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة". وكان ينبغي له أن يعدل البخاري بابن ماجه لموافقته لأبي داود في ذاك الطريق دون بقية أصحاب الكتب الستَّة". قلت: ولفظ البخاري أقرب إلى لفظ ابن حبان كما هو ظاهر، فلو أن المؤلف ذيّل عليه بقوله المذكور لم يُنكرْ عليه إنْ شاء الله. الحديث: 413 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 (القِيّ) بكسر القاف وتشديد الياء: هو الفلاة؛ كما هو مفسر في رواية أبي داود. 414 - (2) [صحيح] وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا كان الرجلُ بأرضِ قِيٍّ فحانتِ الصلاةُ، فليتوضّأْ، فإنْ لمْ يجدْ ماءً فليتيمِّمَ، فإنْ أقام صلّى معه ملكاه، وإنْ أذَّن وأقام صلّى خلفه مِن جنود الله ما لا يُرى طرفاه". رواه عبد الرزاق عن ابن التيْمي عن أبيه عن أبي عثمان النَهْدي عن سلمان. [ومضى 2 - باب]. [صحيح] وتقدم حديث عقبة بن عامر عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يَعجبُ ربُّك مِن راعي غنم، في رأْس شَظِيَّةٍ، يؤذِّن بالصلاةِ ويصلّي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذِّن ويقيم الصلاة، يخاف مني، قد غفرت لعبدي، وأدْخَلْتُه الجنة". رواه أبو داود والنسائي. وتقدم في " [5 - الصلاة/ 1] الأذان". الحديث: 414 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 19 - (الترغيب في صلاة العشاء والصبح خاصة في جماعة، والترهيب مِن التأخّر عنهما). 415 - (1) [صحيح] عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن صلّى العشاء في جماعةٍ، فكأنّما قام نصفَ الليل، ومَن صلّى الصبحَ في جماعةٍ (1) فكأنما صلّى الليل كله". رواه مالك ومسلم -واللفظ له- وأبو داود، ولفظه: "مَن صلّى العِشاءَ في جماعة؛ كان كقيامِ نِصفِ ليلةٍ، ومَن صلَّى العِشاءَ والفجرَ في جماعة؛ كان كقيامِ ليلةٍ". (2) رواه الترمذي كرواية أبي داود. وقال: "حديث حسن صحيح". وقال ابن خزيمة في "صحيحه": "باب فضل صلاة العشاء والفجر في جماعة، وبيان أنَّ صلاة الفجر في الجماعة أفضل مِن صلاة العشاء في الجماعة، وأنّ فضلها في الجماعة ضعفا فضلِ العِشاء في الجماعة"، (3) ثم ذكره بنحو لفظ مسلم، ولفظ أبي داود والترمذي يدافع ما ذهب إليه. والله أعلم. 416 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ أثقل صلاةٍ على المنافقين صلاة العِشاء وصلاةُ الفجر، ولوْ يعلمون   (1) أي: وكان صلى العشاء في جماعة؛ كما يبيّنه اللفظ الذي بعده. (2) في الأصل زيادة: "وصبح"، ولا أصل لها عند أبي داود، ولا عند غيره، ولا معنى لها. (3) صحيح ابن خزيمة (2/ 365). الحديث: 415 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 ما فيهما لأَتَوْهما ولو حَبْواً، ولقد هَمَمْتُ أنْ آمُرَ بالصلاةِ فتقامَ، ثم آمرَ رجلاً فيصلِّيَ بالناسِ، ثم أنطلِقَ معي برجالٍ معهم حُزَمٌ من حَطبٍ إلى قومٍ لا يشهدون الصلاةَ فأُحرِّقَ عليهم بيوتَهم بالنار". رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقدَ ناساً في بعض الصلوات، فقال: "لقد هَمَمْتُ أن آمُرَ رجلاً يصلّي بالناسِ، ثم أُخالفَ إلى رجال يَتَخلّفون عنها فآمُرَ بهم فَيُحرِّقوا عليهم بحُزَم الحطب بيوتَهم، ولو علمَ أحدُهم أنه يجدُ عَظماً سميناً لشهدها. يعني صلاة العشاء". 417 - (3) [صحيح موقوف] وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: كنّا إذا فَقَدْنا الرجلَ في الفجرِ والعِشاءِ أَسأْنا به الظنَّ. رواه البزَّار والطبراني وابن خزيمة في "صحيحه". (1) 418 - (4) [حسن لغيره] وعن رجل من النّخَع قال: سمعتُ أبا الدرداء رضي الله عنه حين حضرتْهُ الوفاة قال: أحدِّثُكم حديثاً سمعتُه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "اعبُدِ اللهَ كأنك تراه، فإن لم تَكُنْ تراه فإنه يراك، واعدُدْ نفسك في الموتى، وإياك ودعوةَ المظلوم، فإنها تُستجاب. ومَن استطاع منكم أنْ يشهَدَ الصلاتين: العِشاءَ والصبحَ ولو حَبْواً فليفعلْ". رواه الطبراني في "الكبير"، وسمى الرجل المبهم جابراً، ولا يحضرُني حاله. (2)   (1) قلت: وأخرجه الحاكم أيضاً، وقال: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. (2) لكن له شاهد يقويه، وانظر "الصحيحة" (1774). الحديث: 417 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 419 - (5) [حسن لغيره] وعن أبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال: صلّى بنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً الصبحَ فقال: "أَشاهِدٌ فلان؟ ". قالوا: لا. قال: "أَشاهِدٌ فلان؟ ". قالوا: لا. قال: "إنَّ هاتين الصلاتين أثقلُ الصلواتِ على المنافقين، ولو تَعلمون ما فيهما لأتيتمُوهما ولو حَبْواً على الرُّكَب. . . " الحديث. رواه أحمد، وابن خزيمة وابن حِبّان في "صحيحيهما"، والحاكم. وتقدم بتمامه في "كثرة الجماعة". [مضى قريباً 17 - باب]. 420 - (6) [صحيح لغيره] وعن سَمُرَةَ بن جُندبٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن صلّى الصُّبحَ (1) فهو في ذِمَّة اللهِ". رواه ابن ماجه بإسناد صحيح. 421 - (7) [صحيح لغيره] ورواه أيضاً من حديث أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه. وزاد فيه: "فلا تَخفِروا الله في عَهده، فمَن قَتَلَهُ طَلَبَة اللهُ حتى يَكُبَّه في النَّارِ على وَجهه". رواه مسلم من حديث جندب، وتقدَّم في " [13 - باب] الصلوات الخمس". (يُقال:) (أخفرْتُ الرجل) بالخاء المعجمة؛ إذا نقضت عهده.   (1) في الأصل والمخطوطة زيادة "في جماعة" فحذفتُها لأنها ليست عند ابن ماجه، ولا عند أحمد (5/ 10) أيضاً والطبراني (7/ 266 - 267)، وغفل عنها الغافلون الثلاثة -كعادتهم- فأثبتوها! وزاد الطبراني: "فلا تخفروا الله تبارك وتعالى في ذمّته". أخرجاه كابن ماجه من طريق الحسن عن سمرة، وكذلك ليست هي في حديث أبي بكر الصديق ولا في حديث جندب اللذين بعده. الحديث: 419 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 422 - (8) [صحيح موقوف] ورُوي عن مِيثَمٍ (1) -رجلٍ من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -- قال: بلغني: أنَّ الملَك يغدو برايتِه مع أولِ مَن يغدو إلى المسجدِ، فلا يزال بها معه حتى يَرجعَ فيدخلَ بها منزلَه، وأنَّ الشيطانَ يَغدو برايتِه إلى السوقِ مع أوّل من يغدو، فلا يزال بها معه حتى يرجعَ فَيُدخِلَها منزلَه. رواه ابن أبي عاصم وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" وغيرها. (2) 423 - (9) [صحيح موقوف] وعن أبي بكر بن سليمان بن أبي حَثْمة: أنَّ (3) عُمَرَ بنَ الخطابِ رضي الله عنه فَقَدَ سليمانَ بن أبي حَثْمة في صلاةِ الصبح، وأنّ عُمرَ غدا إلى السوق، ومَسكنُ سليمان بين المسجد والسوق، فَمَرَّ على الشِّفاءِ أمَّ سليمان، فقال لها: لم أرَ سليمان في الصبح! فقالت: إنّه باتَ يصلّي، فغلبتْه عيناه! قال عمر: لأَنْ أشهدَ صلاةَ الصبحِ في جماعةٍ أحبُّ إليَّ مِن أنْ أقومَ ليلةً. رواه مالك. 424 - (10) [صحيح لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن مشى في ظُلْمةِ الليلِ إلى المساجد. لَقِيَ اللهَ عز وجل بنورٍ يومَ القيامةِ". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن، ولابن حبان في "صحيحه" نحوه.   (1) بكسر الميم وفتح المثلثة كما في "الأنساب" وغيره، وفي طبعة عمارة: (مَيْتَم) بفتح الميم والمثناة من فوق، وهو خطأ. (2) قلت: ابن أبي عاصم في "الوحدان" (5/ 183/ 2715)، وعنه أبو نعيم في "المعرفة" (2/ 213/ 2)، وهو موقوف صحيح السند، كما قال الحافظ في "الإصابة"، فلا أدري لماذا أشار المؤلّف إلى تضعيفه. (3) في الأصل وغيره: "عن"، والتصويب من "الموطّأ" (152). الحديث: 422 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 425 - (11) [صحيح لغيره] وعن سهل بنِ سعدٍ الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بَشِّرِ المشَّائينَ في الظُّلَمِ إلى المساجدِ بالنور التامِّ يومَ القيامةِ". رواه ابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم -واللفظ له- وقال: "صحيح على شرط الشيخين". وتقدم مع غيره [9 - باب]. الحديث: 425 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 20 - (الترهيب مِن ترك حضور الجماعة لغير عذر). 426 - (1) [صحيح] وعنه [يعني ابن عباس رضي الله عنهما]؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن سَمعَ النداءَ فلم يُجِبْ؛ فلا صلاةَ له إلا مِن عُذرٍ". رواه القاسم بن أصبغ في كتابه، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح على شرطهما". 427 - (2) [حسن صحيح] وعن أبي الدرداءِ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما مِنْ ثلاثة في قريةٍ ولا بَدْوٍ، لا تُقام فيهم الصلاةُ؛ إلاّ قد استَحْوَذَ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة؛ فإنّما يأْكلُ الذئبُ مِن الغنمِ القاصيةَ". رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم. [صحيح] وتقدم [16 - باب] حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وفيه: "ولو أنكم صليتم في بيوتِكم، كما يُصلي هذا المتخلِّفُ في بيتِه لَتَركتم سُنَّةَ نبيكم، ولو تركتم سُنَّةَ نبيكم لضللتم" الحديث. رواه مسلم وأبو داود وغيرهما. 428 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لقد هَمَمْتُ أنْ آمرَ فِتيَتي فَيَجمعوا لي حُزَماً من حَطبٍ، ثُم آتي قَوماً يصلون في بيوتِهم، ليست بهم علة؛ فأُحَرِّقَها عليهم". فقيل ليزيد -هو ابن الأصم-: الجمعة عنى أو غيرها؟ قال: صُمَّت أذناي إن لم أكن سمعتُ أبا هريرة يأثره عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ما ذكر (1) جمعةً ولا غيرها.   (1) الأصل وغيره: "ولمْ يذكر"، وما أثبته من "أبي داود". الحديث: 426 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه والترمذي مختصراً. (1) 429 - (4) [حسن صحيح] وعن عَمرو بن أمِّ مَكتومٍ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ! أنا ضريرٌ شاسعُ الدارِ، ولي قائدٌ لا يلايِمُني، فهل تجدُ لي رخصةً أنْ أُصَليَ في بيتي؟ قال: "تسمعُ النداءَ؟ ". قال: نعم، قال: "ما أجدُ لكَ رخصةً". رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم. [حسن صحيح] وفي رواية لأحمد عنه أيضاً: أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى المسجدَ، فرأى في القوم رِقَّةً (2)، فقال: "إنّي لأهُمُّ أنْ أجعلَ للناسِ إماماً، ثم أَخرجَ، فلا أقْدِرُ على إنسانٍ يتخلّف عن الصلاة في بيته إلا أحرقْتُه عليه". فقال ابنُ أمِّ مكتومٍ: يا رسولَ اللهِ! إنّ بيني وبين المسجدِ نخلاً وشجراً، ولا أقدِرُ على قائدٍ كل ساعةٍ، أَيَسَعُني أنْ أُصلِّيَ في بيتي؟ قال: "أَتَسمعُ الإقامةَ؟ ". قال: نعمْ. قال: "فائتها". وإسناد هذه جيّد. (3)   (1) قلت: وكذلك رواه الآخرون مختصراً، غير أبي داود؛ فإن السياق له، فكنتُ أودُّ أنْ ينبَّه المؤلف عليه، كما هي غالب عادته، لا سيما وليس عند غيره: "ليست بهم علة". وفي صحتها نظر عندي بينته في "صحيح أبي داود" (558). (2) أي: قِلَّة. في "اللسان": "وفي ماله رَقَق، ورقَّة: أي: قلَّة". (3) قلت: نعمْ، لكن قوله: "الإقامة" منكر لأَسباب، منها: أنه لا يمكن لمن كان شاسع الدار أن يسمعها عادة، والمحفوظ "النداء" كما في الروايات الأخرى منها ما قبلها، والتي بعدها. وبيانه في "التعليق الرغيب". الحديث: 429 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 قوله: (شاسع الدار) هو بالشين المعجمة أولاً، والسين والعين المهملتين بعد الألف. أي: بعيد الدار. وقولُه: (لا يلايِمُني) أي: لا يوافقُني. وفي نسخ أبي داود: "لا يلاومني" بالواو، وليس بصواب. قاله الخطابيُّ وغيره. قال الحافظ أبو بكر بن المنذر: "رُوِّينا عن غير واحد من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنّهم قالوا: "منْ سمع النداء ثم لمْ يجب مِن غير عذر؛ فلا صلاة له"، منهم ابن مسعود وأبو موسى الأشعري، وقد رُوي ذلك عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (1)؛ وممن كان يرى أنّ حضور الجماعات فرض: عطاء وأحمد بن حنبل وأبو ثَوْر. وقال الشافعي رضي الله عنه: لا أرخّص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلاّ من عذر" انتهى. وقال الخطابي بعد ذِكْر حديث ابن أم مكتوم: "وفي هذا دليل على أن حضور الجماعة واجب، ولو كان ذلك ندباً لكان أولى مَن يسعه التخلفُ عنها أهلُ الضرورة والضعف؛ ومن كان في مثل حال ابن أم مكتوم، وكان عطاء بن أبي رباح يقول: ليس لأحد من خلق الله في الحضر وبالقرية رخصة إذا سمع النداء في أن يدع الصلاة. وقال الأوزاعي: لا طاعة للوالد في ترك الجمعة والجماعات" انتهى (2). 430 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ أعمى، فقال: يا رسولَ الله! ليس لي قائدٌ يقودُني   (1) قلت: يشير إلى حديث ابن عباس المتقدم أول الباب. (2) أي: كلام الخطابي، وهو في "المعالم" (2/ 291 - 292)، وله فيه تتمّة، تعمّد المؤلف عدم ذكرها لضعفها من حيث الدليل. الحديث: 430 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 إلى المسجدِ، فسأل رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يُرَخِّصَ له فيصلّي في بيته، فرخَّصَ له، فلما ولَّى، دعاه، فقال: "هلْ تَسمعُ النداءَ بالصلاةِ؟ ". فقال: نعمْ. قال: "فأجِبْ". رواه مسلم والنسائي وغيرهما. 431 - (6) [صحيح موقوف] وعن أبي الشعثاءِ المحاربيّ قال: كنّا قعوداً في المسجدِ، فأذَّن المؤذنُ، فقام رجل من المسجدِ يَمشي، فأتْبعه أبو هريرةَ بَصَرَه حتّى خرج من المسجدِ، فقال أبو هريرة: أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه مسلم وغيره. وتقدّم. [قلت: في "الضعيف" 5/ 4]. 432 - (7) [صحيح] وعنه [يعني ابن عباس رضى الله عنهما] أيضاً قال: مَنْ سَمعَ "حيَّ على الفلاح" فلم يُجِبْ؛ فقد ترك سُنَّةَ محمَّدٍ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن (1). 433 - (8) [صحيح لغيره] وعن أسامة بنِ زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَيَنْتَهِيَنَّ رجالٌ عن تركِ الجماعةِ، أو لأُحَرِّقَن بيوتَهم". رواه ابن ماجه من رواية الزِبْرِقان بن عَمروٍ الضَّمري عن أسامة، ولم يسمع منه.   (1) قلت: بل هو صحيح؛ لأن رجاله في "الأوسط" (8/ 476/ 7986) ثقات رجال مسلم؛ غير (موسى بن هارون) شيخ الطبراني، وهو ثقة حافظ. الحديث: 431 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 434 - (9) [حسن صحيح] وعن أبي بُردةَ (1) عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن سَمعَ النداءَ فارغاً صحيحاً فلم يُجب؛ فلا صَلاةَ له". رواه الحاكم من رواية أبي بكر بن عيّاش عن أبي حُصين عن أبي بُردة (2). وقال: "صحيح الإسناد". (قال الحافظ) رضي الله عنه: "الصحيح وقفه". (3)   (1) في الأصل في الموضعين: "ابن بريدة"، وكذا في طبعة عمارة والمخطوطة! والصواب ما أثبتناه، والتصحيح من "المستدرك" وغيره، وأبوه هو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، فالحديث من مسنده، وليس من مسند بريدة، وهو ابن الحصيب. وغفل عن هذا المغفلون الثلاثة، فأثبتوا الخطأ رغم أنني كنت نبهت عليه في الطبعة السابقة، وقد ساعدتهم على تصحيح بعض الأخطاء، وقد يصرحون بذلك أحياناً! (2) في الأصل في الموضعين: "ابن بريدة"، وكذا في طبعة عمارة والمخطوطة! والصواب ما أثبتناه، والتصحيح من "المستدرك" وغيره، وأبوه هو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، فالحديث من مسنده، وليس من مسند بريدة، وهو ابن الحصيب. وغفل عن هذا المغفلون الثلاثة، فأثبتوا الخطأ رغم أنني كنت نبهت عليه في الطبعة السابقة، وقد ساعدتهم على تصحيح بعض الأخطاء، وقد يصرحون بذلك أحياناً! (3) قلتُ: لا وجه لهذا التصحيح، فقد تابع (أبا بكر بن عياش) مسعرٌ وغيره كما تراه في "الإرواء" (2/ 338)؛ رووْه ثلاثتهم عن أبي حصين به مرفوعاً. ويشهد له حديث ابن عباس المتقدم أول الباب. ومن جهل الثلاثة قولهم في تخريج الحديث (1/ 354): "صحيح موقوفاً، رواه الحاكم (1/ 246) ". ولا يخفى فساده على المبتدئ في هذا العلم. الحديث: 434 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 21 - (الترغيب في صلاة النافلة في البيوت). 435 - (1) [صحيح] عن ابن عمرَ رضي الله عنهما؛ أنّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اجعلوا من صلاتِكم (1) في بيوتِكم، ولا تَتَّخِذوها قبوراً (2) ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 436 - (2) [صحيح] وعن جابرٍ -هو ابنُ عبد الله رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا قضى أحدُكم الصلاة في مسجدِه فليجعل لبيته نصيباً مِن صلاتِه، فإنّ الله جاعلٌ في بيتِه مِن صلاتِه خيراً". رواه مسلم وغيره. 437 - (3) [صحيح] ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" من حديث أبي سعيد (3). 438 - (4) [صحيح] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَثَلُ البيتِ الذي يُذكرُ اللهُ فيه، والبيتِ الذي لا يُذكر اللهُ فيه، مَثَلُ الحيِّ والميِّتِ". رواه البخاري ومسلم. (4)   (1) أي: بعض صلاتكم، وهي صلاة النافلة، أي: اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، صلّوا فيها، ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة. (2) هذا من التشبيه البليغ البديع بحذف أداة التشبيه للمبالغة، وهو تشبيه البيت الذي لا يصلّى فيه بالقبر الذي لا يتمكّن الميّت من العبادة فيه عادة. والله أعلم. قلت: والحديث أخرجه ابن خزيمة أيضاً (1205)، وقال: "وفيه دليل على الزجر عن الصلاة في المقابر". (3) أخرجه (2/ 212/ 1206) من طريق جابر عن أبي سعيد. وكذا رواه ابن ماجه وأحمد، وهو مخرَّج في "الصحيحة" (1392). (4) إنما رواه بهذا اللفظ مسلم دون البخاري، فكان يتعين الاقتصار على عزوه إليه فقط، إذ = الحديث: 435 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 439 - (5) [صحيح] وعن عبد الله بن سعد (1) رضي الله عنه قال: سألتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيّما أفضلُ؟ الصلاةُ في بيتي، أو الصلاةُ في المسجد؟ قال: "أَلا ترى إلى بيتي ما أقرَبه من المسجد! فَلأَنْ أصليَ في بَيتي أحبُّ إليَّ مِن أنْ أصليَ في المسجدِ، إلاَّ أنْ تَكونَ صلاةً مكتوبةً". رواه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة في "صحيحه". 440 - (6) [صحيح] وعن زيدِ بنِ ثابتٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "صلّوا أيّها الناسُ في بيوتِكم؛ فإنّ أفضَلَ صلاةِ المرءِ في بَيتِهِ؛ إلا الصلاةَ المكتوبةَ". رواه النسائي بإسناد جيِّد، وابن خزيمة في "صحيحه". (2) 441 - (7) [صحيح موقوف] وعن رجل مِن أصحابِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أراه رفَعَه (3) - قال: فضلُ صلاةِ الرجلِ في بيتِه، على صلاتِه حيثُ يراه الناسُ؛ كفضلِ الفريضةِ على التطوّعِ. رواه البيهقي، وإسناده جيد إن شاء الله تعالى.   = لفظ البخاري: "مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه" من غير ذكر البيت، وهو مذكور على الصواب مفضلاً في "كتاب الذكْر" من هذا الكتاب، كذا في العُجالة (67). (1) الأصل والمخطوطة ومطبوعة عمارة: "مسعود"، والتصويب من مخرِّجه، وهو الأنصاري الحرامي. ثم رأيتُ الناجي نبّه على هذا الوهم، وتعجّب من وقوعه من المؤلف، وذكر شيئاً من ترجمة ابن سعد (67). (2) لقد أبعد المصنف النجعة! فالحديث في البخاري بهذا اللفظ، وفي مسلم قريب منه، وفي لفظ لأبي داود: "صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة". وسنده صحيح. ثم رأيت الناجي قد نبّه على هذا الوهم أيضاً (68). (3) هذه الجملة ليست في "شعب الإيمان" للبيهقي، فلعلها من المؤلف. انظر "الصحيحة" (3149). الحديث: 439 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 22 - (الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة). 442 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يزالُ أحدُكم في صلاةٍ ما دامتِ الصلاةُ تَحبِسُهُ، لا يَمنعُه أنْ يَنقلبَ إلى أهلِه إلاّ الصلاة". رواه البخاري في أثناء حديث، ومسلم، وللبخاري: "إنَّ أحَدكم في صلاةٍ ما دامتِ الصلاةُ تَحبِسُهُ، والملائكةُ تقول: اللهمّ اغفرْ له، اللهم ارحمْه، ما لم يَقُمْ مِن مصلاّه، أو يُحدِثْ". (1) وفي رواية لمسلم وأبي داود قال: "لا يزالُ العبدُ في صلاةٍ ما كان في مصلاَّه ينتظرُ الصلاةَ، والملائكةُ تقول: اللهمُّ اغفرْ له، اللهم ارحَمْهُ، حتى يَنصرفَ أو يُحدِثَ". قيل: وما (يُحدِثَ)؟ قال: "يفسو أو يضرط". ورواه مالك موقوفاً (2) عن نَعيم بنِ عبدِ الله المُجْمِر؛ أنَّه سمع أبا هريرة يقول: "إذا صلّى أحدُكم ثم جَلَسَ في مصلاّه، لم تَزَلِ الملائكَةُ تُصلي عليه: اللهم اغفرْ له، اللهم ارحَمْهُ، فإنْ قامَ مِن مصلاَّه فجلسَ في المسجدِ ينتظر الصلاة؛ لم يزل في صلاةٍ حتى يُصَليَ". 443 - (2) [صحيح] وعن أنسِ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَ ليلةٌ صلاةَ العِشاءِ إلى شَطْرِ الليلِ، ثمّ أقبلَ   (1) تقدَّم بنحوه في الحديث (297). (2) هذا يؤيد الاستدراك الذي كنتُ نقلتُه عن الحافظ الناجي فيما تقدَّم (9 - باب)، فراجعه. الحديث: 442 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 بوجْهِهِ بعد ما صلَّى، فقال: "صلَّى الناس ورَقَدوا، ولمْ تَزالوا في صلاةٍ منذُ انتظرتُموها". رواه البخاري. 444 - (3) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ هذه الآية {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} نزلتْ في انتظار الصلاةِ التي تُدْعى العَتَمَة. رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح غريب". 445 - (4) [صحيح] وعن عبدِ الله بن عَمروٍ (1) رضي الله عنهما قال: صلينا مع رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المغربَ، فرجَع مَنْ رَجَعَ، وعَقَّب مَن عَقَّب (2)، فجاء رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسرعاً قد حَفَزَه النّفَسُ، قد حَسَرَ عن رُكبتَيه، قال: "أبشِروا، هذا ربُّكم قدْ فتح باباً من أبوابِ السماءِ، يباهي بكم الملائكةَ، يقول: انظُروا إلى عبادي، قد قَضَوْا فريضةً، وهم ينتظرون أخرى". رواه ابن ماجه عن أبي أيوب عنه. ورواته ثقات، وأبو أيوب هو المَراغي العَتَكي ثقة، ما أراه سمع عبد الله، والله أعلم. (3) (حفزه النَّفَس) هو بفتح الحاء المهملة والفاء وبعدهما زاي، أي: شاقَّه وتَعَّبه من شدة سعيه. و (حَسَر) هو بفتح الحاء والسين المهملتين، أي: كشف عن ركبتيه.   (1) الأصل والمخطوطة ومطبوعة عمارة: "عُمر"، والتصويب من ابن ماجه. (2) أي: تأخَّر من تأخَّر. (3) قلت: بل الحديث سنده صحيح كما قال البوصيري في "الزوائد" على ما نقله السِّندي، وإعلاله بالانقطاع لا وجه له عندي؛ لأن أبا أيوب هذا قد أدرك ابن عمروٍ، ولم يُعرَف بتدليس، فروايته ينبغي حملها على الاتصال، كما هو مذهب الجمهور، ولذلك أخرجته في "الصحيحة" (661). والله أعلم. الحديث: 444 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 446 - (5) [حسن] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "وصلاة في أَثَرِ صلاةٍ، لا لغوٌ بينهما، كتابٌ في عِليِّين". رواه أبو داود، وتقدّم بتمامه. [9 - باب]. 447 - (6) [صحيح لغيره] وعن جابر بن عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أدُلُّكم على ما يَمحو اللهُ به الخَطايا، ويُكَفِّر به الذنوب؟ ". قالوا: بلى يا رسول الله! قال: "إسباغُ الوُضوء على المكروهاتِ، وكثرةُ الخُطا إلى المساجدِ، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاةِ، فذلكمُ الرِّباط". رواه ابن حبان في "صحيحه". [مضى 9 - باب]. 448 - (7) [صحيح] ورواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة، وتقدم [هناك]. 449 - (8) [صحيح] وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إسباغُ الوُضوءِ في المكاره، وإعمالُ الأقدام إلى المساجدِ، وانتظارُ الصلاة بعد الصلاة؛ يغسل الخَطايا غسلاً". رواه أبو يعلى والبزّار بإسناد صحيح، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". [مضى 4 - الطهارة/ 7]. 450 - (9) [حسن] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مُنتظرُ الصلاةِ بعد الصلاةِ، كفارسٍ اشتَدَّ به فرسُه في سبيل الله على كَشْحِهِ (1)، وهو في الرِّباط الأكبر".   (1) (الكاشح): العدوّ الذي يضمر عداوته، ويطوي عليها كشْحه، أي: باطنه. الحديث: 446 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 رواه أحمد والطبراني في "الأوسط"، وإسناد أحمد صالح. 451 - (10) [صحيح لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتَاني الليلةَ ربي (1)، (وفي رواية): رأيتُ ربّي في أحسنِ صورةٍ، فقال لي: يا محمَّدُ! قلت: لبَّيْك ربِّ وسعدَيْكَ! قال: هل تَدري فيمَ يختصم الملأُ الأعلى؟ قلت: لا أَعلم، فوضع يده بين كَتِفيَّ حتى وجدتُ بَرْدَهَا بين ثَدْيَيَّ -أو قال: في نَحري- فعلمتُ ما في السمواتِ وما في الأرضِ (2) -أو قال: ما بين المشرقِ والمغربِ- قال: يا محمد! أتدري فيمَ يختصم الملأ الأعلى؟ قلتُ: نَعَم، في الدرجاتِ والكفارات، ونقلِ الَأقدامِ إلى الجماعاتِ، وإسباغِ الوضوءِ في السَّبَرات، وانتظار الصلاةِ بعد الصلاة، ومَن حافظَ عليهن عاشَ بِخير، ومات بخير، وكان مِن ذنوبه كيومَ ولدتْه أَمه" الحديث. رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، وتقدّمَ بتمامه [16 - باب]. 452 - (11) [حسن صحيح] وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أدلُّكم على ما يُكَفِّرُ اللهُ به الخطايا، ويزيدُ به في الحسناتِ؟ ". قالوا: بلى يا رسول الله! قال: "إسباغُ الوُضوءِ أو الطُّهورِ في المكاره، وكثرةُ الخُطا إلى [هذا] (3) المسجد، والصلاةُ بعد الصلاةِ، وما مِن أحدٍ يَخرج من بيتِه مُتطَهِّراً حتى يأتيَ المسجدَ فيصلي فيه مع المسلمين أو مع الإمام، ثم ينتظرُ الصلاةَ التي بعدها؛   (1) انظر التعليق المتقدم في "4/ 7 - الترغيب في الوضوء وإسباغه". (2) أي: مِن عجائب آيات ربه الكبرى. وانظر التعليق المتقدم تحت الحديث نفسه المتقدم في (16 - باب). (3) زيادة من "ابن حبان" (417 - موارد). الحديث: 451 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 إلا قالت الملائكةُ: اللهم اغفر له، اللهم ارحمْه" الحديث. رواه ابن ماجه وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحه" -واللفظ له-، والدارمي في "مسنده". [مضى 4 - الطهارة/ 7]. 453 - (12) [حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنه قال: "ثلاثٌ كفاراتٌ، وثلاثٌ درجاتٌ، وثلاثٌ منجياتٌ، وثلاثٌ مهلكاتٌ؛ فأمَّا الكفاراتُ: فإسباغُ الوضوء في السَّبَرات، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاةِ، ونقْلُ الأقدام إلى الجماعاتِ. وأَمّا الدرجاتُ: فإطعام الطعام، وإفشاءُ السلامِ، والصلاةُ بالليل والناس نيام. وأَمّا المنجياتُ: فالعدلُ في الغضب والرضا، والقَصْدُ في الفقر والغنى، وخشيةُ الله في السرّ والعلانية. وأمّا المهلكاتُ: فَشُحٌّ مطاع، وهوىً متَّبع، إعجابُ المرءِ بنفسه". رواه البزاّر -واللفظ له-، والبيهقي وغيرهما. وهو مروي عن جماعة من الصحابة، وأسانيدُه وإن كان لا يَسلم شيء منها من مقال، فهو بمجموعها حسن إن شاء الله تعالى. (السَّبَرات) جمع سَبْرة، وهي شدة البرد. (1) 454 - (13) [صحيح] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنّه قال: "القاعدُ على الصلاةِ كالقانِتِ، ويُكتبُ من المصلين، من حينِ يخرجُ من بيته حتى يَرجعَ إليه". رواه ابن حبان في "صحيحه".   (1) انظر التعليق تحت الحديث المتقدم (16 - باب). الحديث: 453 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 ورواه أحمد وغيره أطول منه؛ إلاّ أنّه قال: "والقاعدُ يرعَى الصلاةَ كالقانتِ". وتقدَّم بتمامه في المشي إلى المساجد [9 - باب]. قوله: (القاعد على الصلاة كالقانت) أي: أجره كأجر المصلّي قائماً، ما دام قاعداً ينتظر الصلاة، لأنّ المراد بالقُنوت هنا: القيام بالصلاة. 455 - (14) [حسن لغيره] وعن امرأة من المبايِعاتِ رضي الله عنها؛ أنها قالت: جاءنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعه أصحابُه مِن بني سَلِمَة، فَقَرَّبْنا إليه طعاماً، فأكل، ثمّ قَرَّبنا إليهِ وَضوءاً، فتوضَأ، ثم أقبلَ على أصحابِه فقال: "ألا أخبرُكم بمكفِّراتِ الخطايا؟ ". قالوا: بلى. قال: "إسباغُ الوضوء على المكارهِ، وكثرةُ الخُطا إلى المساجدِ، وانتظارُ الصلاة بعد الصلاةِ". رواه أحمد، وفيه رجل لم يُسمَّ، وبقية إسناده محتجّ بهم في "الصحيح". الحديث: 455 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 23 - (الترغيب في المحافظة على الصبح والعصر). 456 - (1) [صحيح] عن أبي موسى رضي الله عنه أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن صلى البَرْدَين (1) دخل الجنّةَ". رواه البخاري ومسلم. (البَرْدان): هما الصبح والعصر. 457 - (2) [صحيح] وعن أبي زُهيرٍ (2) عُمارَةَ بنِ رُوَيبة قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لنْ يَلجَ (3) النارَ أحدٌ صلَّى قَبلَ طلوعِ الشمسِ، وقبل غروبها. يعني الفجرَ والعصرَ". رواه مسلم. 458 - (3) [حسن] وعن أبي مالكٍ الأشجعي عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن صلّى الصبحَ فهو في ذِمَّةِ اللهِ، وحسابُه على الله".   (1) تثنية (بَرْد) بفتح الباء الموحدة وسكون الراء: هما الصبح والعصر كما قال المصنف رحمه الله تعالى، وسُميَّا بذلك لأنهما يفعلان في وقت البرد. وقال الخطابي: "لأنهما يصلّيان في بردي النهار، وهما طرفاه حين يطيب الهواء، وتذهب سَورة الحر. والله أعلم. (2) الأصل: "زهيرة"، وكذا في طبعة عمارة، وهو خطأ، والتصويب من المخطوطة وكتب الرجال. (3) أي: يدخل، من (الوُلوج): الدخول. قلت: أي: دخول عذاب، وإلا فمطلق الدخول لابد منه لعموم الناس، لقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا. .} أي: داخلها، على القول الراجح في تفسيرها. انظر مقدِّمتي لكتاب "الآيات البيِّنات في عدم سماع الأموات؛ عند الحنفية السادات" للشيخ نعمان الألوسي، وهو مطبوع. الحديث: 456 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، ورواته رواة الصحيح؛ إلا الهيثم بن يمان، وتُكُلِّمَ فيه (1)، وللحديث شواهد. (أبو مالك) هو سعد بن طارق. 459 - (4) [صحيح] وعن جُندَبِ بن عبدِ الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن صلى الصبحَ فهو في ذِمَّةِ الله، فلا يطلُبَنَّكُمُ اللهُ مِن ذِمَّتهِ بشيء؛ فإنّه من يَطْلُبْه من ذِمّته بشيء يُدركْهُ، ثمَّ يَكُبُّه على وجهه في نارِ جَهَنَّم". رواه مسلم وغيره. [مضى 13 - باب]. 460 - (5) [صحيح] وعن أبي بَصْرَةَ الغِفَاريِّ رضي الله عنه قال: صلّى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العصرَ بـ (المَخْمِصِ) وقال: "إنّ هذه الصلاةَ عُرضَتْ على مَن كان قَبلكم فضيَّعوها، فمَن حافظ عليها كان له أجرُه مَرّتين" الحديث. رواه مسلم والنسائي. (المخمص): بضم الميم وفتح الخاء المعجمة والميم جميعاً، وقيل: بفتح الميم وسكون الخاء وكسر الميم بعدها، وفي آخره صاد مهملة: اسم طريق. (2) 461 - (6) [صحيح لغيره] وعن أبي بكرٍ (3) رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) قلت: لم يتكلم فيه إلا الأزدي، وهو نفسه متكلَّم فيه وفي تجريحه، وقد خالفه إمام الجرح والتعديل أبو حاتم فقال فيه: "صالح"، فالحديث حسن الإسناد إن شاء الله تعالى. (2) أي: في جبل (عَير) إلى مكة. كما في "معجم البلدان"، وقيّده بالضبط الثاني، كـ (مَنْزل)، وبه صرّح في "القاموس"، وبالضبط الأوّل قُيِّدَ في "مسلم"، وقيل غير ذلك. (3) الأصل (أبي بَكرة) والتصويب من "المخطوطة"، و"سنن ابن ماجه"، و"العجالة" (69). لكنْ ذكره الهيثمي في "المجمع" (1/ 296 - 297) من حديث أبي بكرة بلفظين المذكور أحدهما. فإنْ صحّ هذا فيكون المؤلف قد خلط بين حديث أبي بكر، وحديث أبي بكرة. ومسند (أبي بكرة) = الحديث: 459 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 "مَن صلَّى الصبحَ في جماعةِ فهو في ذِمَّةِ الله، فمَن أخفر (1) ذمّةَ اللهِ كَبَّه الله في النارِ لوجهه". رواه ابن ماجه، والطبراني في "الكبير" واللفظ له، ورجال إسناده رجال "الصحيح". (2) 462 - (7) [صحيح لغيره] وعن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن صلى الصبحَ فهو في ذِمَّة الله تبارك وتعالى، فلا تُخفِروا اللهَ تبارك وتعالى في ذِمَّتِهِ، فإنَّه مَن أخفَر ذِمَّتَه طَلَبَهُ الله تبارك وتعالى، حتى يَكُبَّه على وجهه". رواه أحمد والبزّار. ورواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بنحوه: (وفي أوله قصة): وهو أنَّ الحجاج أمر سالم بن عبد الله بقتل رجل، فقال له سالم: أصليتَ الصبح؟ فقال الرجل: نعم. قال: فانطلقْ! فقال له الحجَّاج: ما منعك مِن قتله؟ فقال سالم: حدثني أبي أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن صلَّى الصبحَ كان في جِوار الله يومَه". فكرهتُ أنْ أقتلَ رجلاً قدْ أجارهَ الله. فقال الحجَّاج لابن عمر: أنتَ سمعت هذا من رسول الله؟ فقال ابن عمر: نعمْ.   = واسمه (نفيع بن الحارث الثقفي) مما لم يطبع من "المعجم الكبير" للطبراني، فلم نستطع متابعة التحقيق في الخلاف المذكور. ولفظ ابن ماجه تقدم (5/ 9). وقد أقرَّ الخلط المذكور المعلقون الثلاثة، مع أنهم نقلوا عن الهيثمي قوله في رواية الطبراني: "ورجاله رجال الصحيح".!! (1) يقال: (أخفرت الرجل): نقضتُ عهده وذمامه، والهمزة فيه للإزالة، أي: أزلت خفارته، أي: عهده وذمامه، والله أعلم. (2) كذا، ولعل هذا بالنظر إلى سند الطبراني، وإلا ففي سند ابن ماجه حابس بن سعد، ولمْ يخرج له من الستة إلا ابن ماجه. وقيل: إن له صحبة، ورجح الحافظ أن لا صحبة له. ولم أجد الحديث عندَ الطبراني في ترجمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لكن يشهد له حديث جندب الذي قبله. الحديث: 462 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 (قال الحافظ): "وفي الأولى ابن لَهيعة، وفي الثانية يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني". 463 - (8) [صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل، وملائكةٌ بالنَّهار، ويجتمعون في صلاةِ الفجر، وصلاةِ العصر، ثم يَعرُجُ الذين باتوا فيكم، فيسألُهم ربُّهم -وهو أعلمَ بهم-: كيف تركتُم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلّون، وأتيناهم وهم يصلّون". رواه البخاري ومسلم والنَّسائي [ومضى 13 - باب]، وابن خُزيمة في "صحيحه"، ولفظه في إحدى رواياته: قال: "تجتمع ملائكةُ الليل وملائكةُ النهار، في صلاة الفجرِ، وصلاةِ العصر، فيجتمعون في صلاةِ الفجر، فتصعَد ملائكةُ الليل، وتَثبُتُ ملائكةُ النهار، ويجتمعون في صلاةِ العصر، فتصعَد ملائكةُ النهار، وتثبُتُ ملائكةُ الليل، فيسألُهم ربُّهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون، فاغفرْ لهم يومَ الدين". (1)   (1) قلت: رواه أحمد أيضاً (2/ 396). الحديث: 463 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 24 - (الترغيب في جلوس المرء في مصلاّه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر). 464 - (1) [حسن لغيره] عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن صلّى الصبحَ في جَماعة، ثم قعدَ يذكُرُ اللهَ حتى تَطلُعَ الشمسُ، ثم صلّى ركعتين، كانتْ له كأجر حجةٍ وعُمرةٍ". قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تامةٍ تامة تامة". رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن غريب". 465 - (2) [حسن] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لأَنْ أقعدَ مع قوم يذكرون الله، مِن صلاةِ الغداةِ حتّى تطلعَ الشمسُ؛ أحبُّ إليّ من أن أُعتِقَ أَربعةً من وَلَد إسماعيل، ولأنْ أقعدَ مع قوم يذكُرون الله من صلاةِ العصر إلى أن تغرُبَ الشمسُ؛ أحبُّ إليّ من أنْ أعتقَ أربعةً". رواه أبو داود. (1) 466 - (3) [حسن لغيره] وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لأَن أقعدَ أذكُر الله تعالى، وأكبِّرُه، وأحمَدُه، وَأسبِّحه، وأُهلِّلُهُ، حتى تَطلَعَ الشمسُ؛ أحَبُّ إليَّ من أن أعتقَ رَقَبَتيْنِ [أو أكثر] (2) من ولد   (1) هنا في الأصل: "وأبو يعلى، قال في الموضعين: "أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، دية كل منهم اثنا عشر ألفاً". ورواه ابن أبي الدنيا بالشطر الأول؛ إلا أنه قال: "أحب إلي مما طلعت عليه الشمس"، وهو بهذا اللفظ منكر كما هو مبين في تخريج اللفظ الذي قبله في "الصحيحة" (2916). (2) زيادة من "المسند". الحديث: 464 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 إسماعيل، ومِنْ (1) بعدِ العصرِ حتى تَغرُبَ الشمسُ؛ أَحبُّ إليَّ من أنْ أُعتقَ أربع [رقابٍ] (2) من ولد إسماعيل". رواه أحمد بإسناد حسن. 467 - (4) [حسن صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "منَ صلّى صلاةَ الغداةِ في جماعةٍ، ثم جَلَسَ يذكرُ اللهَ حتى تطلُعَ الشمسُ، ثم قام فصلّى ركعتين؛ انقلب بأجرِ حَجةٍ وعُمرةٍ". رواه الطبراني، وإسناده جيّد. (3) 468 - (5) [صحيح لغيره] وعن ابن عُمرَ رضي الله عنهما قال:. . . وقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن صلَّى الصبح، ثم جلس في مجلسِه حتى تُمكِنَه الصلاةُ، كان بمنزلة عُمرةٍ وحَجَّةٍ مُتَقَبِّلَتَيْن". رواه الطبراني في "الأوسط"، رواته ثقات، إلا الفضل بن الموفَّق، ففيه كلام. 469 - (6) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن غابر؛ أن أبا أمامة وعُتبةَ بنَ عبدٍ حدثاه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن صلَّى صلاةَ الصبح في جماعةٍ، ثم ثبتَ حتى يسبِّحَ للهِ سُبحةَ الضحى؛ كان له كأجرِ حاجٍّ ومعتمرٍ، تاماً له حجَّه وعمرته". رواه الطبراني، وبعض رواته مختلف فيه، وللحديث شواهد كثيرة.   (1) الأصل: (ومن قعد)، والتصويب من "المسند". (2) زيادة من "المسند". (3) وكذا قال الهيثمي، وهو كما قالا، وبيانه في "الصحيحة" (3403). الحديث: 467 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 470 - (7) [حسن صحيح] ورواه [يعني حديث عمر الذي في "الضعيف"] البزَّار وأبو يعلى وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة بنحوه. (1) 471 - (8) [صحيح] وعن جابرِ بنِ سمُرةَ رضي الله عنه قال: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلى الفجر تَرَبَّعَ في مجلسِه حتى تطلُع الشمسُ حَسَناً. (2) رواه مسلم (3) وأبو داود والترمذي والنَّسائي، (4) وابن خزيمة في "صحيحه"، ولفظه: قال: عن سماك: أنه سأل جابرَ بنَ سَمُرَةَ: كيفَ كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصنع إذا صلى الصبحَ؟ قال: كان يقعدُ في مصلاّه إذا صلى الصبح حتى تطلُعَ الشمسُ.   (1) قلت: وسيأتي لفظه في (6 - النوافل/16 - صلاة الضحى/ الحديث 6). (2) هو بفتح السين وبالتنوين، أي: طلوعاً حسناً، أي: مرتفعة. (3) قال الناجي (69): "لفظ مسلم: جلس في مصلاَّه إلى آخره". وهو كما قال. وزاد في رواية (2/ 132): "فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدثون ويأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسَّم"، وإنما رواه بلفظ: "التربُّع" أبو داود (1850)، وهو في "صحيحه" برقم (1171). (4) في الأصل هنا لفظ الطبراني، وفيه نكارة، ولذا أودعناه في "الضعيف". الحديث: 470 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 25 - (الترغيب في أذكار يقولها بعد صلاة الصبح والعصر والمغرب). 472 - (1) [حسن لغيره] عن أبي ذر رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من قالَ في دُبُرِ صلاةِ الفجر -وهو ثانٍ رجليه- قبل أنْ يتكلم: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ، وله الحمدُ، يحيي ويميتُ، وهو على كل شيء قدير -عشر مرات-)؛ كَتَبَ اللهُ له عشرَ حسناتٍ، ومحا عنه عشرَ سيئاتٍ، ورفع له عشرَ درجاتٍ، وكان يومه ذلك كلَّه في حِرزٍ من كلِّ مكروه، وحُرِسَ من الشيطان، ولم يَنْبَغِ لذنب أنْ يدركه في ذلك اليوم، إلا الشرك بالله". رواه الترمذي، واللفظ له، وقال: "حديث حسن غريب صحيح". (1) والنسائي، وزاد فيه: "بيده الخير". وزاد فيه أيضاً: "وكان له بكلِّ واحدةٍ قالها عتقُ رقبةٍ مؤمنةٍ". [حسن لغيره] ورواه النسائي أيضاً من حديث معاذ (2)، وزاد فيه: "ومن قالهن حين ينصرفُ من صلاة العصر؛ أعطيَ مثل ذلك في ليلته". 473 - (2) [حسن لغيره] وعن عُمارةَ بنِ شبيب السَّبائي قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من قال: (لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير -عشر مرات-) على أثَرِ المغربِ؛ بعثَ اللهُ له مَسْلَحَةً يحفظونَه من الشيطانِ حتى يُصبحَ، وكَتب الله له بها عشرَ   (1) قلت: كذا قال! وفيه شهر بن حوشب، وقد اضطرب في إسناده كثيراً، فمرة جعله: عن أبي ذر كما هنا،. وأخرى عن (معاذ) كما يأتي بعد حديثين، وثالثة، عن عبد الحمن بن غنم كما في آخر الباب، لكنه حسن شواهده كما قال الحافظ. (2) وهو الآتي بعد حديثين. الحديث: 472 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 حسنات مُوجِباتٍ، ومحا عنه عشرَ سيئات مُوبِقاتٍ، وكانت له بِعَدْلِ عشر رَقَباتٍ مؤمناتٍ". رواه النَّسائي، والترمذي وقال: "حديث حسن، لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد، ولا نعرف لعُمارة سماعاً من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". 474 - (3) [حسن صحيح] وعن أبي أيوبَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من قال إذا أصبح (1): (لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير -عشر مرات-)، كتَبَ اللهُ له بِهِنَّ عشرَ حسناتِ، ومحا بِهِنَّ عشر سَيئاتٍ، ورفع له بِهِنَّ عَشرَ دَرَجات، وكُنَّ له عدلَ عِتاقَةِ أربَعِ رقابٍ، وكنَّ له حَرَساً حتى يُمسي، ومَن قالهن إذا صلَّى المغَرب دُبُرَ صَلاتِه؛ فمِثلُ ذلك حتى يُصبِحَ". رواه أحمد والنسائي، وابن حِبَّان في "صحيحه"، وهذا لفظه. [حسن صحيح] وفي رواية له: (2) "وكُنَّ له عِدْل عَشرِ رِقاب". (العدل) بالكسرِ وفتحه لغة: هو المثل، وقال بعضهم: (العِدل) بالكسر: ما عادل الشيء من جنسه، وبالفتح: ما عادله من غير جنسه. 475 - (4) [حسن لغيره] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن قال حين ينصرفُ من صلاةِ الغداةِ: (لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، بيده الخَير، وهو على كلِّ شيء قدير) عشر مرات؛ أعطي بهنَّ سبعاً: كتب الله له بهن عَشْرَ حسناتٍ، ومحا عنه بهنَّ عشرَ   (1) أي: إذا صلى الصبح، ففي حديث أبي هريرة: "بعدما يصلّي الغداة" عند الحسن بن عرفة والخطيب بسند صحيح، ويؤيده قوله الآتي في الحديث: ". . . ومن قالهن إذا صلَّى المغرب. . ". (2) قلت: وهي في رواية لأحمد، وإسناه صحيح، كما في "الصحيحة" (2563). الحديث: 474 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 سيئاتٍ، ورفع له بهن عشرَ درجاتٍ، وكُنَّ له عدْلَ عشر نسماتٍ، وكنَّ له حفظاً منَ الشيطان، وحِرزاً من المكروه، ولم يلحَقه في ذلك اليوم ذنبٌ إلا الشركُ بالله، ومَن قالهن حين ينصرفُ من صلاةِ المغربِ؛ أُعطِي مثلَ ذلك ليلته". رواه ابن أبي الدنيا والطبراني بإسناد حسن، واللفظ له. (1) 476 - (5) [حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن قال دُبُرَ صلاةِ الغَداةِ: (لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيءٍ قدير -مئةَ مرة-)، قَبل أنْ يَثنيَ رجليه؛ كان يومئذ من أفضل أهلِ الأرضِ عملاً، إلا مَن قال مثلَ ما قال، أو زاد على ما قال". رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد جيد. 477 - (6) [حسن لغيره] وعن عبد الرحمن بن غَنْمٍ عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنه قال: "من قال قَبل أنْ ينصرفَ ويَثنيَ رجلَيه من صلاةِ المغربِ والصبحِ: (لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملك، وله الحمدُ، يحيي ويميت، وهو على كل شيءٍ قدير -عشرَ مرات-)؛ كتب الله له بكل واحدةٍ عشرَ حسناتٍ، ومحا عنه عشرَ سيئات، ورَفَعَ له عشرَ درجاتٍ، وكانت حِرزاً من كل مكروه، وحِرزاً من الشيطان الرجيم، ولم يَحِلَّ لذنبٍ أنْ يُدركه إلا الشركُ، وكان من أفضل الناس عَمَلاً، إلا رجلاً يَفضلُهُ، يقول أَفضلَ مما قال". رواه أحمد، ورجاله رجال "الصحيح"؛ غير شهر بن حوشب (2)، وعبد الرحمن بن غَنْم مختلف في صحبته. وقد رُوي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم.   (1) أخرجه في "المعجم الكبير" (20/ 65/ 19)، وفي "الدعاء" أيضاً (2/ 1124/ 706). وفاته عزوه للنسائي في "السنن الكبرى" (6/ 37/ 9954)، وعن ابن السني في "اليوم والليلة" (49/ 137)، وفيه (شهر بن حوشب) كما تقدم بيانه في الحديث الأول. (2) قلت: وفيه ضعف من قِبَل حفظه، وقد اضطرب في إسناده ومتنه، كما تقدم، لكنه بهذا اللفظ حسن لغيره، يشهد له ما قبله. الحديث: 476 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 26 - (الترهيب من فوات العصر بغير عذر). 478 - (1) [صحيح] عن بُريدة رضي الله عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من ترك صلاةَ العصر؛ فقد حَبَطَ عملُه". (1) رواه البخاري والنسائي. 479 - (2) [صحيح] وعن أبي الدرداء رضي اللهُ عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من ترك صلاةَ العصر متعمِّداً فقد حبط عملُه". رواه أحمد بإسناد صحيح. 480 - (3) [صحيح] وعن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الذي تفوتُه صلاة العصر؛ فكأنما وُتِر أهلَه ومالَه". رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، وزاد في آخره: "قال مالك: تفسيره: ذهاب الوقت".   (1) أيَ: بطل عمله، وحمله الدُّميري على المستحِلَ، أو من تعوّد الترك، أو على حبوط الأجر. ذكره المناوي، والأخير هو الظاهر. وقال السندي: "قيل: أريد به تعظيم المعصية لا حقيقة اللفظ، ويكون من مجاز التشبيه. قلت: وهذا مبني على أنَّ العمل لا يحبط إلا بالكفر، لكن ظاهر قوله تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآية يفيد أنه قد يحبط ببعض المعاصي أيضاً. فيمكن أن يكون ترك العصر عمداً من جملة تلك المعاصي. والله أعلم". الحديث: 478 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 481 - (4) [صحيح] وعن نوفل بن معاويةَ رضي الله عنه؛ أنَّه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن فاتَتْه صلاةٌ (1) فكأنما وُتِرَ أهلَهُ ومالَهُ". [صحيح] وفي رواية: قال نوفل: "صلاةٌ مَن فاتته فكأنما وُتِرَ أهلَهُ ومالَهُ". قال ابن عمر: قال رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هي العصرُ". رواه النسائي. (2)   (1) في الأصل والمخطوطة وطبعة عمارة والمعلقين الثلاثة زيادة: "العصر" ولا أصل لها عند النسائي، وكذلك رواية ابن حبان كما سيأتي في الكتاب (40 - باب الترهيب من ترك الصلاة تعمداً. .). وهو من رواية عراك بن مالك: أنّ نوفل بن معاوية حدَّثه بالرواية الأولى، وتمامها: قال عراك: فأخبرني عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من فاتته صلاة العصر فكأنما. . " الحديث، فلو أنَّ المصنف ساقها بتمامها لما وقع منه الزيادة، ولا ستغنى بحديث ابن عمر. (2) ورواه الشيخان وغيرهما بلفظ: "مِنَ الصلاة صلاة من فاتته فكأنما وُتِر أهلَه وماله". زاد الطيالسي عن أبي بكر بن عبد الرحمن: فذكرت ذلك لسالم، فقال: حدثني أبي أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من ترك صلاة العصر". وإسناده صحيح. الحديث: 481 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 27 - (الترغيب في الإمامة مع الإتمام والإحسان، والترهيب منها عند عدمهما). 482 - (1) [حسن صحيح] عن أبي علي المصري قال: سافرنا مع عُقبةَ بنِ عامرٍ الجُهَني رضي الله عنه، فحضَرتْنا الصلاة، فأردْنا أنْ يَتَقَدَّمَنا، فقال: إنّي سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن أمَّ قوماً، فإنْ أتمَّ؛ فله التمامُ، ولهم التمام، وإنْ لم يُتِمَّ؛ فلهم التمام، وعليه الإثم". رواه أحمد -واللفظ له- وأبو داود وابن ماجه، والحاكم وصححه، وابن خزيمة وابن حِبّان في "صحيحيهما"، ولفظهما: "مَن أمَّ الناسَ فأصاب الوقت، وأتمَّ الصلاةَ؛ فله ولهم، ومَن انْتَقَصَ من ذلك شيئاً؛ فعليه، ولا عليهم". (قال الحافظ): "هو عندهم من رواية عبد الرحمن بن حرملة عن أبي علي المصري، وعبد الرحمن يأتي الكلام عليه". 483 - (2) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يُصلون لكم، فإنْ أصابوا فلكم (1)، وإنْ أخطأوا فلكم وعليهم".   (1) زاد أحمد: "ولهم"، وهي في بعض نسخ البخاري، وعند أبي يعلى أيضاً في "مسنده" (5843) من طريق آخر عن أبي هريرة، وعنه ابن حبان (375)، وسنده حسن، وسكت عنه الحافظ في "الفتح" (2/ 187)، وبه قوى رواية البخاري التي قبل هذه، فإنه أعلها بـ (عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار) منبهاً بقوله: "وفيه مقال، وقد ذكرنا له شاهداً عند ابن حبان". والزيادة منه. الحديث: 482 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 [حسن صحيح] رواه البخاري وغيره. وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: "سيأتي، أو سيكون أقوام يصلّون الصلاةَ؛ فإنْ أتموا فلكم [ولهم]، وإنِ انتَقصوا فعليهم، ولكم". وفي الباب أحاديث "الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن"، وغيرها، وتقدم في "الأذان" [هنا/ 1 - باب] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 28 - (الترهيب من إِمامة الرجل القوم وهم له كارهون). 484 - (1) [حسن لغيره] وعن طلحةَ بنِ عُبَيد (1) اللهِ: أنه صلى بقوم، فلمّا انصرف قالَ: إنِّي نسيت أنْ أستأْمِرَكم قبل أنْ أتقدَّمَ، أرَضيتم بصلاتي؟ قالوا: نعم، ومَن يكره ذلك يا حَواريَّ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: إنِّي سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أيما رجلٍ أمَّ قوماً وهم له كارهون؛ لم تجاوِزْ صلاتُه أذنَيه". رواه الطبراني في "الكبير" من رواية سليمان بن (2) أيوب، وهو الطلحي الكوفي، قيل فيه: "له مناكير". 485 - (2) [صحيح لغيره] وعن عطاء بن دينار الهُذَلِي رضي الله عنه (3)؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثةٌ لا يَقبلُ اللهُ منهم صلاةً، ولا تَصعَدُ إلى السماءِ، ولا تُجاوزُ رؤوسَهم: رجلٌ أمَّ قوماً وهم له كارهون، ورجل صلى على جنازةٍ ولم يؤمَر، وامرأة دعاها زوجُها من الليل فأبتْ عليه". رواه ابن خزيمة في "صحيحه" هكذا مرسلاً. 486 - (3) [حسن صحيح] ورَوى له سنداً آخر إلى أنس يرفعه. 487 - (4) [حسن] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثةٌ لا تجاوزُ صلاتُهم آذانَهمْ: العبدُ الآبِقُ حتى يرجعَ، وامرأةٌ باتت وزوجُها عليها ساخط، وإمامُ قومٍ وهم له كارهون". رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن غريب".   (1) في الأصل ومطبوعة عمارة: "عبْد" مكبراً، وهو خطأ، وهو طلحة بِن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة، استشهد يوم الجمل سنة (36)، وعند عمارة أيضاً زيادة: "رضي الله عنهما" وهذا خطأ آخر، فإن والد طلحة، لا ذكْر له في الصحابة. (2) الأصل: (أبي أيوب)، والتصحيح من "الطبراني" (1/ 74/ 210) وكتب الرجال، وقال الحافظ: "صدوق يخطئ". فإعلاله بأبيه وجده أولى؛ فإنهما مجهولان، لكن يشهد له ما بعده. (3) عطاء هذا تابعي صغير، فالتَّرضي عنه خلاف المصطلح عليه عند العلماء؛ كما سبق ذكره أكثر من مرة، فتنبه! الحديث: 484 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 29 - (الترغيب في الصف الأول، وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها، وفضل ميامنها. . .). 488 - (1) [صحيح] عن أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لو يعلمُ الناسُ ما في النداءِ والصفِّ الأولِ، ثم لم يجدوا إلا أنْ يَستَهِموا عليه، لاسْتَهموا". رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: "لو تعلمون ما في الصف المُقَدَّم لكانت قُرْعَةً". 489 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خيرُ صفوفِ الرجالِ أولُها، وشرُّها آخرُها، وخيرُ صفوفِ النساءِ آخرُها، وشرُّها أولُها". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. ورُوي عن جماعة من الصحابة منهم ابن عباس، وعمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وأبو سعيد، وأبو أمامة، وجابر بن عبد الله، وغيرهم. 490 - (3) [صحيح] وعن العِرباض بنِ ساريةَ رضي الله عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستغفر للصف المتقدِّمِ ثلاثاً، وللثاني مرة. رواه ابن ماجه والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح على شرطهما، ولم يخرجا للعرباض". وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: الحديث: 488 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 "كان يصلي على الصف المقدَّم ثلاثاً، وعلى الثاني واحدةً". ولفظ النسائي كابن حبان؛ إلا أنه قال: "كان يصلي على الصف الأول مرتين". (1) 491 - (4) [حسن لغيره] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن اللهَ وملائكتَه يصلون على الصف الأوَّلِ". قالوا: يا رسول الله! وعلى الثاني؟ قال: "إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول". قالوا: يا رسول الله! وعلى الثاني؟ قال: "وعلى الثاني". [صحيح] وقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سَوُّوا صفوفَكم، وحاذوا بين مناكبِكم، ولِينُوا في أيدي إخوانِكم، وسُدَّوا الخَلَلَ؛ فإن الشيطانَ يدخلُ فيما بينكم، بمنزلة الحَذَف". يعني أولاد الضأْنِ الصغارَ. رواه أحمد بإسناد لا بأس به، والطبراني وغيره. (الحذف) بالحاء المهملة والذال المعجمة مفتوحتين وبعدهما فاء. (2)   (1) كذا قال، والذي في نسختنا من "النسائي" مثل رواية ابن حبان: "ثلاثاً"، فلعل ما ذكره المؤلف رواية في "السنن الكبرى" للنسائي. ثم طبعت هذه، فإذا هي على الصواب (ثلاثاً). وأما المعلقون الثلاثة فأوهموا العكس لجهلهم وعِيّهم! (2) في "القاموس": "و (الحذفَ). . غنم سود صغار حجازية أو جُرَشيَّة؛ بلا أذناب ولا آذان". الحديث: 491 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 492 - (5) [حسن] وعن النعمان بن بَشير رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن اللهَ وملائكتَه يُصلّون على الصفِ الأوَّل، أو الصفوف الأولى (1) ". رواه أحمد بإسناد جيد. 493 - (6) [صحيح] وعن البراءِ بنِ عازبٍ رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأتي ناحيةَ الصف، ويُسَوِّي بين صدورِ القوم ومناكبِهم، ويقول: "لا تختلفوا فتختلفَ قلُوبُكم، إن الله وملائكتَه يصلون على الصف الأوَّلِ (2) ". رواه ابن خزيمة في "صحيحه". (3) 494 - (7) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سَوَّوا صفوفَكم؛ فإن تسويةَ الصفِّ من تمامِ الصلاةِ". رواه البخاري ومسلم وابن ماجه وغيرهم. وفي رواية البخاري: "فإن تسويةَ الصفوفِ من إقامةِ الصلاةِ". [صحيح] ورواه أبو داود، ولفظه:   (1) في الأصل والمخطوطة: "والصفوف الأوَل"، والتصحيح من "المسند" (4/ 269). وغفل عنه الثلاثة! (2) كذا الأصل والمخطوطة، والذي في "صحيح ابن خزيمة" (3/ 26/ 1557) وأبي داود "الصفوف الأُول". وفي رواية له (رقم 1552): "الصف الأول، أو الصفوف الأُوّل". وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (670)، وقد ذهل المصنف عنه. (3) قلت: ورواه أبو داود والنسائي وغيرهما كما سيأتي قريباً (30 - باب/ 2) و (32 - باب/ 6). الحديث: 492 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "رُصّوا (1) صفوفَكم، وقاربوا بينها، وحاذُوا بالأعناقِ؛ فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطانَ يدخلُ من خَلَلِ الصفِّ كأنها الحَذَف". رواه النسائي، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" نحو رواية أبي داود. (الخلل): بفتح الخاء المعجمة واللام أيضاً: هو ما يكون بين الاثنين من اتساعٍ عند عدم التراص. 495 - (8) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أقيموا الصفوفَ، وحاذُوا بين المناكبِ، وسُدُّوا الخَلَلَ، ولِينوا بأيدي إخوانكم، ولا تَذَرُوا فُرُجاتٍ للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله". رواه أحمد وأبو داود، وعند النسائي وابن خزيمة آخره. (2) (الفرجات): جمع فُرجة، وهي المكان الخالي بين الاثنين.   (1) من (الرص): يقال: رصّ البناء، يرصه رصاً: إذا ألصق بعضه ببعض، ومنه قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}. ومعناه تضاموا وتلاصقوا حتى يتصل ما بينكم ولا ينقطع. قلت: وذلك بأن يلصق الرجل منكبه بمنكب صاحبه، وكعبه بكعب صاحبه، كما ثبت ذلك عن الصحابة وراء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فراجع له "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (32)، وحديث أنس بن مالك الآتي قريباً، ومثله حديث النعمان بن بشير الآتي (32 - باب/ 5). وبهذه المناسبة أقول: فلا تغتر -أخي القارئ- بمن حاد عن هدي السلف في هذه المسألة، وزعم "أنها هيئة زائدة على الوارد، فيها إيغال في تطبيق السنة"، فإنه تأول هذه النصوص العملية وعطلها، كما تأول علماء الكلام النصوص العلمية ودلالاتها على الإثبات وعطلوها! وهذه غفلة أو زلة عالم فاضل، وددنا أنه لم يقع فيها. انظر "الصحيحة" (6/ 77). (2) وكذلك رواه الحاكم وصححه كما يأتي قريباً (30 - باب/ 3). الحديث: 495 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 496 - (9) [صحيح] وعن جابر بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ألا تَصُفُّونَ كما تَصُفُّ الملائكةُ عند ربِّها؟ ". فقلنا: يا رسول الله! وكيف تَصُفُّ الملائكةُ عند ربها؟ قال: "يُتِمُّون الصفوفَ الأُوَلَ، ويتراصّون في الصفِّ". رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. 497 - (10) [صحيح لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خيارُكم ألينُكم مناكبَ في الصلاة". رواه أبو داود. (1) 498 - (11) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: أُقيمتِ الصلاةُ، فأقبلَ علينا رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بوجهه فقال: "أقيموا صفوفَكم، وتراصّوا؛ فإني أراكم من وراءِ ظَهري". رواه البخاري ومسلم بنحوه. وفي رواية للبخاري: "فكان أحدُنا يُلزِقُ منكِبَهُ بمنكبِ صاحبِه، وقَدَمَه بقَدَمِه". (2)   (1) قلت: وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وفيه جهالة كما بينته في "التعليق" وفي "صحيح أبي داود" (677)، و"الصحيحة" (2533)، ولكنَّ الحديث حسن أو صحيح، يشهد له حديث ابن عمر الذي قبله بحديث، وحديث أبي أمامة الذي تقدم قبل هذا بستة أحاديث، وحديث ابن عمر أيضاً الآتي في الباب التالي الرابع فيه. (2) ويشهد لهذه الرواية حديث النعمان بن بشير المذكور بعد باب برقم (5). الحديث: 496 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 499 - (12) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أحسنوا إقامةَ الصفوفِ في الصلاة". رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح" (1). 500 - (13) [حسن] وعن البراء بن عازب قال: كنا إذا صلينا خَلفَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحببنا أن نكون عن يمينه، يُقبل علينا بوجهه، فسمعتُه يقول (2): "رَبِّ قِني عذابَك، يوم تَبعثُ عبادَك". رواه مسلم.   (1) قلت: ورواه ابن حبان أيضاً (384)، وزاد: وخير صفوف القوم في الصلاة أولها. ر. " مثل حديث أبي هريرة الآتي في أول (31 - الترهيب. .). (2) كذا في مسلم (2/ 153)، وظاهره أنه دعا به بعد الصلاة، وليس بمراد، لمخالفته الطرق الصحيحة عن البراء وغيره أنه كان يقول ذلك عند النوم، ولأن المخالف لهم ليس بالمشهور كما بينته في "الصحيحة" (2754). وأيضاً فهو في "المسند" (4/ 290 و304) بإسناد مسلم: "قال: سمعته يقول: رب. . . "، وهذا ليس بمخالف، فتأمل. الحديث: 499 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 30 - (الترغيب في وصل الصفوف وسد الفُرج). 501 - (1) [حسن صحيح] عن عائشة رضي الله عنها عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن اللهَ وملائكته يُصلُّون على الذين يَصِلُون الصفوفَ". [صحيح لغيره] رواه أحمد وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط مسلم"، زاد ابن ماجه: "ومن سدَّ فُرجةً رفعه الله بها درجةً". 502 - (2) [صحيح] وعن البراء بنِ عازبٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأتي الصفَّ من ناحيةٍ إلى ناحيةٍ، فيمسحُ مناكِبنا أو صدورَنا، ويقول: "لا تختلفوا؛ فتختلفَ قلوبكم". قال: وكان يقول: "إن اللهَ وملائكتَه يُصَلُّون على الذين يَصِلون الصفوفَ الأُوَلَ". رواه ابن خزيمة في "صحيحه". [مضى قريباً بنحوه 29 - باب/ 6]. 503 - (3) [صحيح] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من وصل صَفّاً وَصله الله، ومن قطع صفاً قَطَعه الله". رواه النسائي، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط مسلم". ورواه أحمد وأبو داود في آخِر حديث تقدم قريباً [29 - باب/ 8]. الحديث: 501 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 504 - (4) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خيارُكم ألينُكم مناكبَ في الصلاةِ، وما مِنْ خُطوةٍ أعظمُ أجراً من خُطوةٍ مَشاها رجلٌ إلى فُرجةٍ في الصف فَسَدَّها". رواه البزار بإسناد حسن (1)، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلاهما بالشرط الأول، ورواه بتمامه الطبراني في "الأوسط". 505 - (5) [صحيح لغيره] وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من سَدَّ فُرجةً؛ رفعه الله بها درجة، وبنى له بيتاً في الجنة". رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية مسلم بن خالد الزنجي (2). وتقدم عند ابن ماجه في أول الباب دون قوله: "وبنى له بيتاً في الجنة". 506 - (6) [صحيح لغيره] ورواه الأصبهاني بالزيادة أيضاً من حديث أبي هريرة. وفي إسناده عصمة بن محمد، قال أبو حاتم: "ليس بقوي". وقال غيره: "متروك". 507 - (7) [صحيح لغيره] وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ الله وملائكته يُصلُّون على الذينَ يَصِلون الصفوفَ الأُوَلَ، وما من خُطوةٍ أحبَّ إلى الله من خُطوةٍ يَمشيها العبد يَصِلُ بها صفاً". رواه أبو داود في حديث، وابن خزيمة بدون ذكر الخطوة، وتقدم. [29 - باب/ 6].   (1) وكذا قال الهيثمي (2/ 90)، وفيه ليث بن أبي سُليم، وهو في إسناد "الأوسط" أيضاً. انظر "الصحيحة" (2533). (2) قلت: تابعه وكيع عند المحاملي، فانظر "الصحيحة" (1891). الحديث: 504 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 31 - (الترهيب من تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم، وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهن، ومن اعوجاج الصفوف). 508 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خَيرُ صفوف الرجال أوَّلُها، وشرُّها آخرُها، وخيرُ صفوفِ النساءِ آخرُها، وشَرُّها أوّلُها". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وتقدم. [29 - باب/ 2]. 509 - (2) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى في أصحابه تأخراً، فقال لهم: "تقدّموا، فائتمُّوا بي، وليأتَمَّ بِكم مَن بَعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله". (1) رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. 510 - (3) [صحيح لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يزال قومٌ يتأخرون عن الصفِّ الأوَّل حتى يؤخِّرهم الله. . . ". رواه أبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه"، وابن حبان؛ إلا أنهما قالا: "حتى يُخَلِّفَهم اللهُ. . . (2) ".   (1) كان هنا في الطبعات السابقة خطأ فاحش أستغفر الله منه، وهو من شؤم التقليد، وعدم الرجوع إلى الأصول، خلاصته أن فقرة التأخر من الحديث لا أصل لها عند مخرجيه الأربعة، ورطني في ذلك جزم الحافظ الناجي بأنها مقحمة! لا أصل لها عندهم، والآن وأنا أحقق الكتاب بهذه الطبعة، تبينت خطأه، وأنها ثابتة لديهم جميعاً، والحمد لله على توفيقه، وأما المعلقون الثلاثة، فاستمروا على الخطأ وتقليد الحافظ الناجي؛ رغم أنهم ذكروا مواطن الحديث بالأرقام عند الأربعة! (2) في الحديث مكان النقط: "في النار"، فحذفتها لضعف سندها، وصح في رواية لأحمد كما جاء في "صحيح أبي داود" (683) في حديث أبي سعيد الذي قبله: "يوم القيامة". الحديث: 508 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 511 - (4) [صحيح] وعن أبي مسعود (1) رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمسَحُ مناكِبَنا في الصلاة (2) ويقول: "استووا، ولا تختلفوا؛ فتختلفَ قلوبُكم، ليَلِيَنِي منكم أولُو الأحلامِ والنُّهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". رواه مسلم وغيره. 512 - (5) [صحيح] وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لَتُسوُّنَّ صفوفَكم، أو لَيخالفَنَّ اللهُ بين وجوهكم". رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وفي رواية لهم خلا البخاريِّ: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يُسَوِّي صفوفَنا، حتى كأَنَّما يُسَوّي بها القِداحَ، حتى رأى أنَّا قد عَقِلْنا عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كادَ يكبّر، فرأى رجلاً بادياً صدرُه مِن الصف، فقال: "عبادَ الله! لَتُسَوُّنَّ صفوفَكم أو ليخالِفَنَّ اللهُ بين وجوهكم". [صحيح] وفي رواية لأبي داود وابن حبان في "صحيحه". أقبلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الناس بوجهه فقال: "أقيموا صفوفَكم، أو ليخالِفَنَّ اللهُ بين قلوِبكم".   (1) في الأصل ومطبوعة عمارة والمخطوطة: "ابن مسعود"، وهو خطأ صححته من "مسلم" وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (678)، وله أصل من حديث ابن مسعود، عند مسلم أيضا وغيره، ولكن ليس فيه ذكر المسح والتسوية، وهو في المصدر السابق (679). (2) أي: في صفوف الصلاة. الحديث: 511 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 قال: فرأيتُ الرجلَ يُلزِق منكِبَه بمنكِبِ صاحبِه، ورُكبَتهُ برُكبة صاحبه، وكعبَه بكعبه (1) ". (القداح) بكسر القاف: جمع (قِدح)، وهو خشب السهم إذا بُري قبل أن يجعل فيه النصل والريش. 513 - (6) [صحيح] وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتخلَّل الصفَّ من ناحيةٍ إلى ناحيةٍ، يمسحُ صدورنا ومناكبنا ويقول: "لا تختلفوا؛ فتختلفَ قلوبكم". وكان يقول: "إنَّ الله وملائكتَه يُصلُّون على الصفوفِ الأُوَلِ". رواه أبو داود والنسائي وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأتينا فيمسحُ عواتِقنا وصدورَنا، ويقول: "لا تختلِفْ صفوفُكم؛ فَتَخْتَلِفَ قلوبُكم، إن اللهَ وملائكتَه يُصَلُّون على الصفِّ الأوَّلِ". [مضى 29 - باب/ رقم 6]. [صحيح] وفي رواية لابن خزيمة: "لا تختلفْ صدُورُكم؛ فتختلفَ قلوبُكم".   (1) قلت: هذا فعل السلف، وأما الخلف فأهملوه، إلا من شاء الله تعالى، ومن المتَّفق عليه قولهم: "وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف". وانظر التعليق المتقدم (29 - باب/ تحت الحديث 6). الحديث: 513 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 32 - (الترغيب في التأمين خلف الإمام وفي الدعاء، وما يقوله في الاعتدال والاستفتاح). 514 - (1) [صحيح] عن أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا قال الإمامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (1)، فقولوا: (آمين)، فإنَّه مَن وافقَ قولُه قولَ الملائكة؛ غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه". رواه مالك والبخاري -واللفظ له-، ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. وفي رواية للبخاري: (2) "إذا قال أحدُكم: (آمين)، وقالت الملائكةُ في السماءِ: (آمين)، فوافقتْ إحداهما الأخرى؛ غُفر له ما تقدَّم من ذنبه". وفي رواية لابن ماجه والنسائي:   (1) ظاهر هذه الرواية أن المؤتم يؤمَّن بعد فراغ الإمام من قراعة {وَلَا الضَّالِّينَ}، وهذا لازمه أن تأمينه يطابق تأمين الإمام، ولا يتأخر عنه، بخلاف الرواية التالية: "إذا أمَّن القارئ فأمَّنوا"، ورواه البخاري في "الدعوات" بلفظ: "إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا"، فهذا ظاهره أن تأمين المأموم يقع عقب تأمين الإمام. وبهذا قال بعضهم. وذهب الجمهور إلى الأول، وكل من الأمْرين محتمَل، لأنه يمكن تأويل الأول فيقال: إذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} أي: وأمن، لتصريح الرواية الأخرى، ويمكن تأويل هذه بأن المراد إذا أراد أن يؤمِّن. وبه تأوَّله الحافظ وغيره، وقد وجدتُ ما يرجِّح هذا التأويل من فعل راوي الحديث نفسه فضلاً عن غيره، ولذلك ملت إليه أخيراً في المجلد الثاني من "الأحاديث الضعيفة" (رقم 952)، ولكنْ على المصلين أنْ لا يسبقوا الإمام بـ (آمين) كما يقع من جماهيرهم، وطالما حذرناهم من ذلك، وعلى الأئمة تذكيرهم. (2) الأصل ومطبوعة عمارة والمعلقين الثلاثة: (البخاري)، والصواب ما أثبته، فإنَّ عنده هذه والتي قبلها في "الأذان" وغيره، انظر كتابي "مختصر البخاري" (405) بطرقه الثلاثة، ورواية ابن ماجه الآتية عند البخاري أيضاً. الحديث: 514 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 "إذا أمَّن القارئُ فأمِّنوا" الحديث. (1) (آمين) تمد وتقصر، وتشديد الميم لُغَيَّة، وقيل هو اسم من أسماء الله تعالى. وقيل: معناها: اللهم استجب، أو: كذلك فافعلْ، أو: كذلك فليكن. 515 - (2) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما حَسَدَتْكُمُ اليهودُ على شيءٍ ما حَسَدَتْكُمُ على السلام والتأْمين" (2). [صحيح لغيره] رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وابن خزيمة في "صحيحه"، وأحمد ولفظه: أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذُكِرتْ عنده اليهود فقال: "إنهم لم يحسدونا على شيءٍ كما حسَدونا على الجمعةِ التي هدانا اللهُ لها، وضَلُّوا عنها، وعلى القبلةِ التي هدانا الله لها، وضلّوا عنها، وعلى قولنا خَلفَ الإمام: (آمين) ". 516 - (3) [صحيح لغيره] وعن سَمُرَة بن جُندبٍ رضي الله عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: (آمين)؛ يُجِبْكُمُ (3) الله". رواه الطبراني في "الكبير".   (1) في الأصل بعده ما نصه: (وفي رواية للنسائي: "وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، فقولوا: (آمين)؛ فإنَّه مَن وافق كلامُه كلامَ الملائكة؛ غُفِرَ لمن في المسجد")، ولم أجده في "سنن النسائي الصغرى" ولا "الكبرى"، وهي في "سنن البيهقي" و"مسند أحمد"، وهي رواية شاذة ومنكرة، خالف راويها كل روايات الثقات عن أبي هريرة بلفظ: "غفر له"، وقد بينت ذلك في "الصحيحة" (3476) بما لا تراه في كتاب آخر. (2) لِما علموا من فضلهما وبركتهما، فاللائق بكم الإكثار منهما لتغيظوهم. (3) هو بالجيم، أي: يستجب دعاءكم، وهذا حثٌّ عظيم على التأمين فيتأكّد الاهتمام به. الحديث: 515 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 517 - (4) [صحيح] ورواه مسلم وأبو داود والنسائي -في حديث طويل- عن أبي موسى الأشعري قال فيه: "إذا صَلَّيتُم فأَقيموا صُفُوفَكم، وليؤمَّكُم أحدُكم، فإذا كَبَّرَ فكبِّروا، وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: (آمين)؛ يُجِبْكُم الله". 518 - (5) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: بينما نحن نصلِّي مع رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذ قال رجلٌ من القومِ: (اللهُ أكبرُ كبيراً، والحمدُ لله كثيراً، وسبحانَ الله بكرةً وأصيلاً)، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن القائلُ كلمةَ كذا وكذا؟ ". فقال رجلٌ من القوم: أنا يا رسولَ الله، فقال: "عجبتُ لها، فُتِحَتْ لها أبوابُ السماء". (1) قال ابنُ عُمَرَ: فما تركتهنّ منذ سمعتُ رسول اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول ذلك. رواه مسلم. 519 - (6) [صحيح] وعن رِفاعةَ بنِ رافع الزُّرَقيِّ قال: كنا نصلي وراءَ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلمّا رفع رأسَه من الركعة قال: "سمع الله لمن حمده". قال رجل من ورائه: (ربَّنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيِّباً مباركاً فيه)، فلما انصرف قال:   (1) وقع في بعض النسخ "أبواب الجنة" وهو خطأ، والصواب ما أثبتنا، وعليه أكثر النسخ، كما ذكر الناجي في "العجالة" (74)، ومنها مخطوطة الظاهرية. الحديث: 517 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 "مَن المتكلم؟ ". قال: أنا، قال: "رأيتُ بِضعةً وثلاثين مَلكاً يَبْتَدِرونها أيُّهم يَكتُبها أوَّلُ". رواه مالك والبخاري وأبو داود والنسائي. 520 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا قال الإمامُ: (سمع الله لمن حمده)، فقولوا: (اللهم ربَّنا لك الحمدُ). فإنَّه مَن وافق قولُه قولَ الملائكةِ؛ غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه". رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. وفي رواية للبخاري ومسلم: "فقولوا: ربَّنا ولك الحمدُ" بالواو. (1)   (1) إنَّما هذا اللفظ للترمذي والنسائي فقط. وأمَّا الشيخان فلم يذكرا الواو فيه كما نبَّه عليه الناجي (74). وقد ثبت اللفظان عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أحاديث كثيرة، كما ذكرته في "صفة صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". وخلط الثلاثة هنا مدّعين العلم، فقالوا ردّاً على الحافظ الناجي: "قلنا (!): هي رواية للبخاري (795) ". وليس فيها ما ذكروا، وإنما هي في "الفتح"! الحديث: 520 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 33 - (الترهيب من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود). 521 - (1) [صحيح] عن أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أمَا (1) يخشى أحدُكم إذا رفعَ رأسَه (2) قَبلَ الإمام أنْ يَجعلَ اللهُ رأسَه رأسَ حِمار، أو يجعلَ اللهُ صورتَه صورةَ حمارٍ؟! ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. (قال الخطّابي): "اختلف الناس فيمن فعل ذلك، فرُوي عن ابن عمر أنّه قال: "لا صلاة لمن فعل ذلك". وأمَّا عامّة أهل العلم فإنَّهم قالوا: قد أساء، وصلاته تجزئه، غير أنّ أكثرهم يأمرونهُ بأنْ يعود إلى السجود. و [قال بعضهم:] (3) يمكث في سجوده بعد أنْ يرفع الإمام رأسه بقدَر ما كان ترك" انتهى.   (1) بتخفيف الميم حرف استفتاح، مثل (ألاَ)، وأصلها النافية دخلت عليها همزة الاستفهام، وهو هاهنا استفهام توبيخ. واختلف العلماء في معنى الوعيد المذكور هنا، فقيل: يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوي، فإنّ الحمار موصوف بالبلادة، فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة، ومتابعة الإمام، ويرجِّح هذا المجاز أنَّ التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين، لكن الحديث ليس فيه ما يدلَّ على أنَّ ذلك يقع ولا بدّ، وإنما يدل على كون فاعله متعرضاً لذلك، وكون فعله ممكناً لأنْ يقع فيه ذلك الوعيد، ولا يلزم من التعرض للشيء وقوع ذلك الشيء. (2) هنا في الأصل والمخطوطة زيادة: "من ركوع أو سجود"، وهي مقحمة كما جزم الناجي، ولا أصل لها في شيء من طرق الحديث، وهو مخرج في "الإرواء" (2/ 490) وغيره، وغفل المعلقون الثلاثة -كعادتهم- فأثبتوها في طبعتهم المحققة! وهذا مثال من مئات الأمثلة على مصداقيتهم في التحقيق!! (3) زيادة من الخطابي في "المعالم" (1/ 320)، وهي زيادة هامَّة، لأنَّ المعنى يختلف من دونها كما هو ظاهر، ثم إنني لا أرى وجهاً للتقدير المذكور، لأنه مجرد رأي، ثم هو يستلزم الإخلال بمتابعة الإمام كما لا يخفى. الحديث: 521 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 34 - (الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجود، إقامة الصُّلْب بينهما، وما جاء في الخشوع). 522 - (1) [صحيح] عن أبي مسعودٍ البدريّ (1) قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تُجزئ صلاةُ الرجلِ حتى يُقِيمَ ظَهرَه في الركوعِ والسجودِ". رواه أحمد وأبو داود -واللفظ له-، والترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، ورواه الطبراني [والدارقطني] (2) والبيهقي، وقالا: "إسناده صحيح ثابت". وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". 523 - (2) [حسن لغيره] وعن عبد الرحمن بن شبْل قال: "نهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن نُقرةِ الغراب (3)، وافْتراشِ السَّبْعِ، وأنْ يُوَطِّنَ الرجلُ المكانَ في المسجد كما يُوَطِّنُ البعيرُ". رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". 524 - (3) [صحيح لغيره] وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أسوأُ الناسِ سرقةً الذي يَسرقُ من صلاتِه".   (1) لم يشهد غزوة بدر عند الجمهور. إنما سكنها فنُسب إليها. قاله الناجي (75). (2) زيادة لا بد منها فهو الذي ثبته وصححه في "سننه" (1/ 348/ 1)، لكن قال: "هذا إسناد ثابت صحيح". وليس عند البيهقي (2/ 88) لفظ (ثابت). وكذا في "معرفة السنن" له (1/ 583 - 584). وهو في "كبير الطبراني" (17/ 212 - 214/ 579 - 585). ورواه أبو عوانة أيضاً في "صحيحه" (2/ 115). (3) يريد تخفيف السجود، وأنَّه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله. الحديث: 522 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 قالوا: يا رسول اللهِ! كيف يَسرقُ من صلاته؟ قال: "لا يتمُّ رُكوعَها ولا سجودهَا. -أو قال: لا يقيمُ صُلبَه في الركوع والسجود-". رواه أحمد والطبراني، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد". 525 - (4) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مُغَفَّل رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أسرقُ الناس الذي يَسرقُ صلاتَه". قيل: يا رسولَ الله! كيف يَسرقُ صلاتَه؟ قال: "لا يُتمُّ ركوعَها وسجودَها، وأبخلُ الناسِ مَن بَخِلَ بالسلامِ". رواه الطبراني في "معاجمه الثلاثة" بإسناد جيّد. 526 - (5) [صحيح] وعن علي بن شَيبان رضي الله عنه قال: خرجنا حتى قَدِمنا على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبايعناه، وصلَّينا خلفه، فَلَمَحَ بِمُؤَخّرِ عينه رجلاً لا يقيم صلاته -يعني صُلبَه- في الركوع، فلما قضى النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاتَه قال: "يا معشرَ المسلمين! لا صلاةَ لمن لا يقيمُ صُلبَه في الركوعِ والسجود". رواه أحمد وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". 527 - (6) [حسن صحيح] وعن طَلْق بن عليّ الحَنَفيّ (1) رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا ينظر اللهُ إلى صلاة عبدٍ لا يُقيمُ فيها صُلبَه بين ركوعِها وسجودها".   (1) بفتح الحاء والنون: نسبة إلى (حنيفة)، قبيلة كبيرة من ربيعة بن نزار. الحديث: 525 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 رواه [أحمد (1) و] الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات. 528 - (7) [حسن] وعن أبي عبد الله الأشعريّ: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلاً لا يُتِمُّ ركوعَه، وَينْقُرُ في سجودِه، وهو يصلّي، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو مات هذا على حاله هذه؛ مات على غيرِ مِلَّةِ محمدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". ثم قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مثَل الذي لا يُتمُّ ركوعَه، ويَنْقرُ في سجودِهِ مثَلُ الجائع؛ يأْكُلُ التمرةَ والتمرتين؛ لا يُغنِيان عنه شيئاً". قال أبو صالح (2): "قلت لأبي عبد الله: مَن حدَّثك بهذا عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: أمراءُ الأجناد: عَمرُو بنُ العاصي، وخالدُ بنُ الوليد، وشُرَحْبيلُ بن حسَنة، سمعوه من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". رواه الطبراني في "الكبير"، وأبو يعلى بإسناد حسن، وابن خزيمة في "صحيحه" (3). 529 - (8) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن الرجلَ ليصلِّي سِتينَ سنةً وما تُقبلُ له صلاةٌ، لعلّه يُتمَّ الركوعَ، ولا يُتمُّ السجودَ، ويُتمُّ السجودَ ولا يُتمَّ الركوع".   (1) قلت: في "المسند" (4/ 22)، وسقط من الأصل وإثباته ضروري، فإنَّ اللفظ له! وقد أخرجه الضياء في "المختارة" (52/ 37/ 2 - 38/ 1) من طريق أحمد والطبراني، وهذا في "الكبير" (8/ 405 - 406)، وإسناده حسن. (2) قلت: هو الأشعري الراوي عن أبي عبد الله الأشعري، وهو تابعي شامي ثقة. وكان الأصل: (من حدث)، فصححته من المصادر المذكورة. (3) قلت: ورواه جمع آخر منهم "البخاري في التاريخ" (2/ 2/ 247 - 248) والضياء المقدسي في "المنتقى من الأحاديث الصحاح والحسان". انظر "صفة الصلاة" (131 - المعارف). الحديث: 528 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 رواه أبو القاسم الأصبهاني، وينظَر سنده. (1) 530 - (9) [صحيح موقوف] وعن بلالٍ رضي الله عنه: أنَّه أبصر رجلاً لا يُتمُّ الركوعَ ولا السجودَ، فقال: لو مات هذا لماتَ على غيرِ مِلَّةِ محمدٍ (2) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه الطبراني، ورواته ثقات. (3) 531 - (10) [صحيح لغيره] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا ينظر اللهُ إلى عبدٍ لا يُقيم صُلْبَهُ بين ركوعِه وسجودِه". رواه أحمد بإسناد جيّد. 532 - (11) [صحيح لغيره] ورُوي عن عليّ رضي الله عنه قال: نهاني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أقرأ وأنا راكع. . . (4) رواه أبو يعلى والأصبهاني.   (1) قلت: قد وقفت على سنده في كتابه "الترغيب"، فوجدته حسناً، ولذلك خرّجته في "الصحيحة" (2535)، من المجلد السادس، وقد صار بين أيدي القراء، والحمد لله. (2) كذا الأصل، والذي في "المعجم الكبير" (1/ 341/ 1085) بلفظ: "ملة عيسى عليه السلام". وكذا في "المعجم الأوسط" (3/ 127/ 2691 - الحرمين)، وفرق الهيثمي؛ فجعل اللفظ الأول لـ "الأوسط"، والآخر له "الكبير"! وفى ظني أنه من تصرف بعض النساخ لما رأوا في الحديث المتقدم (528) باللفظ الأول ظنوا أن هذا خطأ، فصححوه! وليس بلازم، ويؤيده أنه في "مصنف ابن أبي شيبة" (1/ 290) باللفظ الآخر، وطريق المصادر الثلاثة واحد، ورجاله ثقات رجال مسلم، فهو إسناد صحيح موقوف بهذا اللفظ الغريب! (3) قلت: وكذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 121). وقال الناجي في "العجالة" (75): "اقتصر على الطبراني، مع كونه بنحوه في البخاري عن حذيفة". قلت: لكن لفظه: "قال له، ما صلَّيت، ولو متَّ متَّ على غير الفطرة التي فطر الله محمداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفي رواية: متّ على غير سنَّة محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". انظر كتابي "مختصر صحيح البخاري" رقم (411) من المجلد الأول -طبعة المعارف. (4) للحديث تتمة تراها في الكتاب الآخر. ولما كانت هذه الجملة منه صحيحة لها شواهد في "الصحيحين" وغيرهما؛ أوردتها هنا. الحديث: 530 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 533 - (12) [حسن] عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أسوأُ الناسِ سرقةً، الذي يَسرِق صلاتَه". قال: وكيف يسرق صلاتَه؟ قال: "لا يُتِمَّ ركوعَها ولا سُجودَها". رواه الطبراني في "الأوسط"، وابن حِبَّان في "صحيحه"، والحاكم وصحّحه. 534 - (13) [صحيح لغيره] وعن النعمان بن مُرَّةَ (1)؟ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما تَرَوْنَ في الشارِب والزاني والسارقِ؟ " -وذلك قبل أنْ تنزل فيهم الحدود-. قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "هُنَّ فواحش، وفيهنَّ عقوبةٌ، وأسوأُ السرقةِ الذي يسرق صلاتَه". قالوا: وكيف يَسرقُ صلاتَه؟ قال: "لا يُتِمَّ ركوعَها ولا سجودَها". رواه مالك. 535 - (14) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رجلاً دخلَ المسجدَ ورسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالسٌ في ناحيةِ المسجدِ، فصلَّى، ثم جاء فسلَّم عليه، فقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) قلت: النعمان هذا تابعي كبير، قال في "التقريب": ". . . الأنصاري الزرقي المدني، ثقة من الثانية، ووهم من عدّه في الصحابة"؛ ولهذا كان على المؤلف -رحمه الله- أنْ يشير إلى ذلك بمثل قوله بعد تخريجه: "وهو مرسل"؛ كما هي عادته في مثله، لكي لا يوهم أنّه صحابي، كما فعل عمارة في طبعته، حيث زاد الترضِّي عنه ضغثاً على إبالة! لكن يشهد له ما قبله. وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (23/ 409)، "لم يختلف الرواة عن مالك في إرساله، وهو حديث صحيح يسند من وجوه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد". ثم ساق إسنادهما، وحديث أبي هريرة تقدم قبل هذا. الحديث: 533 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 "وعليك السلامُ، ارجعْ فَصَلِّ؛ فإنَّك لم تُصَلِّ". فصلَّى، ثم جاء فسلَّم، فقال: "وعليك السلامُ، فارجعْ فَصَلِّ؛ فإنك لم تصلِّ". فصلّى، ثم جاء فسلَّم، فقال: "وعليك السلام، فارجع فَصَلِّ؛ فإنّك لم تُصَلِّ". فقال في الثانية أو في التي تليها: علِّمْني يا رسول الله، فقال: "إذا قمتَ إلى الصلاةِ، فأسْبغِ الوضوء، ثم استَقْبِلِ القبلةَ فكَبِّر، ثم اقرأْ ما تيسَّر معك من القرآن، ثم اركعْ حتى تطمئِنَّ راكعاً، ثم ارفعْ حتى تَستَويَ قائماً، ثم اسجدْ حتى تَطمئِنَّ ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، (1) ثم افعل ذلك في صلاتك كلها -وفي رواية: ثم ارفَعْ حتى تستويَ قائماً. يعني منَ السجدةِ الثانيةِ-". [صحيح] رواه البخاري ومسلم (2)، وقال في حديثه: "فقال الرجل: والذي بعثك بالحقِّ ما أُحْسِنُ غيرَ هذا، فعلمني". ولم يذكر غير سجدة واحدة. [صحيح] ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وفي رواية لأبي داود:   (1) ذكْر الجلوس هنا بعد السجدة الثانية -وهو جلسة الاستراحة- شاذّ في هذا الحديث، والصواب الرواية الآتية، وإنما ثبتت الجلسة هذه من فعله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ كما هو مبيّن في كتابي "صفة الصلاة". (2) قلت: لكن ليس عند مسلم الرواية الثانية كما في "العجالة" (75). وانظر "صفة الصلاة" (ص 154 - المعارف). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 "فإذا فعلتَ ذلك؛ فقد تَمَّتْ صلاتُك، وإنِ انتقصتَ من هذا؛ فإنما انتقصتَه من صلاتِكَ". 536 - (15) [صحيح] وعن رفاعةَ بن رافعٍ رضي الله عنه قال: كنتُ جالساً عندَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذْ جاءهُ رجلٌ فدخل المسجدَ فصلّى. -فذكر الحديث إلى أنْ قال فيه:- فقال الرجل: لا أَدري ما عِبتَ عليَّ، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنّه لا تَتِمُّ صلاةُ أحدِكم حتى يُسبغَ الوضوءَ كما أمرَه الله تعالى، ويغسلَ وجهَهُ ويديه إلى المِرفقين، ويمسحَ برأسِه ورجلَيه إلى الكعبين، ثم يكبِّرُ اللهَ، ويَحمَدهُ، وُيمَجِّده، ويقرأُ من القرآن ما أذِنَ اللهُ له فيه وتَيسَّر، ثم يكبِّر ويركع، فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصلُه وتسترخي، ثم يقول: سمع الله لمن حمدَه، ويستوي قائماً حتى يأخذَ كلُّ عظمٍ مأْخذه، وُيقيمَ صُلبَه، ثم يكبِّر، فيسجدُ، وُيمكِّنُ جبهتَه من الأرضِ، حتى تطمئنَّ مفاصلُه وتسترخي، ثم يكبِّر فيرفع رأسَه، ويستوي قاعداً على مَقْعدته، ويقيم صُلبه، -فوصف الصلاة هكذا حتى فرغ- ثم قال: لا تتم صلاةُ أحدِكُم حتى يفعلَ ذلك". رواه النسائي -وهذا لفظه-، والترمذي، وقال: "حديث حسن". وقال في آخره: "فإذا فعلتَ ذلك؛ فقد تمّت صلاتُك، وإنِ انتقصتَ منها شيئاً؛ انتقصتَ من صلاتك". قال أبو عمر ابنُ عبد البَرَّ النَّمِريُّ: "هذا حديث ثابت". الحديث: 536 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 537 - (16) [حسن] وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ الرجلَ لينصرفُ وما كُتِبَ له إلا عُشرُ صلاتِه (1)، تُسعُها، ثُمنها، سُبعها، سُدسها، خُمسها، رُبعها، ثُلْثها، نِصفها". رواه أبو داود والنسائي، وابن حبان في "صحيحه" بنحوه. 538 - (17) [حسن لغيره] وعن أبي اليَسَر رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "منكم من يصلي الصلاةَ كاملةً، ومنكم مَن يصلّي النصفَ، والثلثَ، والربعَ، والخمسَ، حتى بلغ العُشرَ". رواه النسائي بإسناد حسن. واسم أبي اليسر -بالياء المثناة تحت والسين المهملة مفتوحتين-: كعب بن عَمرو السُّلَمي، شهد بدراً. 539 - (18) [حسن صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الصلاةُ ثلاثةُ أثلاثٍ، الطُّهورُ ثلثٌ، والركوع ثُلثٌ، والسجود ثلثٌ، فمَن أدّاها بحقِّها قُبلَتْ منه، وقُبل منه سائرُ عَمَلِه، ومَن رُدَّت عليه صلاتُه، رُدَّ عليه سائرُ عَمَلِه". رواه البزّار، وقال: "لا نعلمه مرفوعاً إلا من حديث المغيرة بن مسلم". (قال الحافظ): "وإسناده حسن".   (1) أي: عشر ثوابها لما أخل بالخشوع والخضوع وغير ذلك، والجملة حاليّة. وقوله: (تسعها، ثمنها، سبعها) بحذف حرف العطف، والمعنى: أنّ الرجل قد ينصرف من صلاته ولمْ يكتب له إلا عشر ثوابها أو تسعها، إلخ. الحديث: 537 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 540 - (19) [صحيح لغيره] وعن حُرَيْثِ بنِ قَبِيصةَ قال: قَدِمتُ المدينةَ وقلت: اللهم ارزقني جليساً صالحاً، قال: فجلست إلى أبي هريرة، فقلت: إني سألتُ اللهَ أن يرزقني جليساً صالحاً، فحدِّثْني بحديثٍ سمعتَه من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لعل الله أن ينفعني به، فقال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ أوَّل ما يحاسبُ به العبدُ يومَ القيامةِ من عملهِ صلاتُه، فإنْ صَلَحَتْ فقد أفلحَ وأنجحَ، وإن فسدتْ فقد خاب وخسر، وإنِ انتقصَ من فريضتِه قال الله تعالى: انظروا هل لعبدي من تطوعٍ يُكمَلُ به ما انتُقصَ من الفريضة؟ ثم يكون سائرُ عملِه على ذلك". رواه الترمذي وغيره، وقال: "حديث غريب". 541 - (20) [صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: صلّى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً، ثم انصرف فقال: "يا فلانُ! ألا تُحْسِنُ صلاتَك؟ ألا يَنظرُ المصلي إذا صلى كيفَ يصلِّي؟ فإنَّما يصلي لنفسه، إني لأُبصِرُ من ورائي كما أُبصِرُ مِن بين يَدَيَّ". (1) [حسن] رواه مسلم والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه" (2)، ولفظه: قال:   (1) قال النووي في شرح مسلم: "قال العلماء: معناه أنّ الله تعالى خلق له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إدراكاً في قفاه يُبصر به من ورائه، وقد انخرقت العادة له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقْل ولا شرْع، بل ورد الشرع بظاهره فوجب القول به. قال القاضي: قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وجمهور العلماء: إن هذه الرؤية رؤية بالعين حقيقية". قلت: وهي خاصة به - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حالة الصلاة، ولا دليل على العموم، فتنبه. (2) قلت: وكذا الحاكم (1/ 235 - 236)، وصحّحه على شرط مسلم! ووافقه الذهبي! الحديث: 540 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 صلّى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظهرَ، فلما سَلَّم، نادى رجلاً كان في آخرِ الصفوف، فقال: "يا فلان ألا تَتَّقي اللهَ! ألا تَنْظر كيف تُصلِّي؟ إنَّ أحدَكم إذا قام يصلِّي إنَّما يقوم يناجي رَبَّهُ، فلينظرْ كيف يناجيه، إنكم ترون أني لا أَراكم، إنّي واللهِ لأرى مِن خَلفِ ظهري، كما أرى مِن بين يديّ". 542 - (21) [حسن صحيح] وعن أبي الدرداءِ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أولُ شيءٍ يُرفَع من هذه الأمةِ الخشوعُ، حتى لا ترى فيها خاشعاً". رواه الطبراني بإسناد حسن. 543 - (22) [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" في آخر حديث موقوفاً على شداد ابن أوس (1). ورفعه الطبراني أيضاً، والموقوف أشبه. (2) 544 - (23) [صحيح] وعن مُطرَّفٍ عن أبيه رضي الله عنه قال: رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلِّي، وفي صدرِه أزيزٌ كأَزيزِ الرُّحى، من البكاءِ. رواه أبو داود والنسائي، ولفظه: رأيتُ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصلِّي ولجوفه أزيزٌ كأزيزِ المِرْجَلِ. يعني يبكي. ورواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" نحو رواية النسائي، إلا أنّ ابن خزيمة قال: "ولصدره".   (1) قلت: وصحَّحه الحاكم عنه وعن عبادة بن الصامت، وافقه الذهبي، وحسنه الترمذي عن عبادة. وهو مخرج في التعليق على "اقتضاء العلم العمل" رقم (89). (2) قلت: بل المرفوع أشبه لأنَّ له شواهد، لا سيّما وهو لا يقال بالرأي. الحديث: 542 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 (أزيز الرحى) بزايين: هو صوتها. و (المرجل) بكسر الميم وفتح الجيم: هو القِدْر، يعني أنَّ لجوفه حنيناً كصوت غليان القدر. 545 - (24) [صحيح] وعن عليَّ رضي الله عنه قال: ما كان فينا فارسٌ يومَ بدرِ غيرَ المِقدادِ، ولقد رأيتُنا وما فينا إلا نائمٌ، إلا رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحت (1) شجرةٍ، يُصلي ويبكي، حتى أصبح. رواه ابن خزيمة في "صحيحه". 546 - (25) [صحيح] وعن عقبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من مسلم يتوضَّأُ فَيُسبغُ الوضوء، ثم يقومُ في صلاتِه، فيعلم ما يقول؛ إلا انْفَتَلَ وهو كيومَ ولَدَتْهُ أمُّه". رواه الحاكم، وقال: "صحيح الإسناد". (2) وهو في مسلم وغيره بنحوه، وتقدم [4 - الطهارة/ 7 و13 - باب].   (1) كذا وقع في "صحيح ابن خزيمة" (2/ 53)، وهو رواية لأحمد (1/ 125). وفي أخرى له (1/ 138): (إلى)، وسندهما صحيح. وكذا رواه النسائي في "الكبرى" (1/ 270/ 823)، وترجم لها بقوله: "الصلاة إلى الشجرة". ولا منافاة، ومقتضى الجمع أنه صلى تحتها وإليها، ولم يتنبَّه للفرق المذكور الشيخ الناجي! (2) قلت: ووافقه الذهبي في "التلخيص" (9/ 399). الحديث: 545 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 35 - (الترهيب من رفع البصر إلى السماء في الصلاة) 574 - (1) [صحيح] عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما بالُ أقوام يرفعون أبصارَهم إلى السماءِ في صلاتهم؟! ". فاشتَدَّ قولُه في ذلك حتى قال: "لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك، أو لتُخطَفَنَّ أبصارُهم". رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه. 548 - (2) [صحيح] وعن ابن عمرَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا ترفعوا أبصارَكم إلى السماء، فَتَلْتَمعَ. يعني في الصلاة". رواه ابن ماجه والطبراني في "الكبير"، ورواتهما رواة "الصحيح"، وابن حبان في "صحيحه". 549 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لَيَنْتَهِيَنَّ أقوامٌ عن رفعِهم أبصارَهم إلى السماءِ عندَ الدعاءِ في الصلاةِ، أو لتُخْطَفَنَّ أبصارُهم". رواه مسلم والنسائي. 550 - (4) [صحيح] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال: "إذا كان أحدُكم في الصلاةِ، فلا يَرْفَعْ بَصَرَه إلى السماءِ؛ لا يُلتَمَعُ". رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية ابن لَهيعة. الحديث: 574 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 ورواه النَّسائي عن عبدِ اللهِ بن عبدِ اللهِ بنِ عتبةَ أن رجلاً من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حدَّثَه، ولم يُسمِّهِ (1). (يلتمَعُ بصره) بضم الياء المثناة تحتُ، أي: يذهَب به. 551 - (5) [صحيح] وعن جابر بن سَمُرَة رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لَيَنْتَهيَنَّ أقوامٌ يرفعون أبصارَهم إلى السماءِ في الصلاةِ، أو لا تَرجعُ إليهم". رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه. ولأبي داود (2): دَخل رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسجدَ، فرأى فيه ناساً يُصلُّون، رافعي أبصارِهم إلى السماءِ، فقال: "لَيَنْتَهينَّ رجالٌ يَشْخَصُون أبصارَهم في الصلاةِ، أو لا تَرجعُ إليهم أبصارُهم".   (1) قلت: ولا أستبعد أنه أبو سعيد الخدري، فإنه من الصحابة الذين روى عنهم ابن عتبة، ورواه عنه أحمد أيضاً (3/ 441). وسنده صحيح. ورواه الطبراني في "الكبير" أيضاً (6/ 43 /5436) كـ "الأوسط" (رقم 319 - الحرمين) عن ابن لهيعة بسنده عن ابن عتبة عن أبي سعيد. (2) وكذا في المخطوطة، والصواب أنْ يقال: "ولفظ أبي داود"، لأنه لم يروِ ما قبله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 36 - (الترهيب من الالتفات في الصلاة وغيره مما يذكَر) 552 - (1) [صحيح] عن الحارث الأشعري رضي الله عنه؛ أنّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله أمر يحيى بنَ زكريا بخمسِ كلماتٍ أنْ يعمل بها، ويأمرَ بني إسرائيل أنّ يعملوا بها، وإنه كادَ أن يُبطِئَ بها، قال عيسى: إنّ الله أمرك بخمسِ كلماتٍ لِتعملَ بها، وتأمرَ بني إسرائيلَ أن يعملوا بها، فإما أن تأمرَهم، وإما أن آمرَهم، فقال يحيى: أخشى إنْ سبقتني بها أن يُخسَف بي أو أُعَذَّب، فجمعَ الناسَ في بيتِ المقدس، فامتلأ، وقعدوا على الشَّرَفِ، (1) فقال: إنّ الله أمرَنِي بخمسِ كلماتِ أنْ أعملَ بهن، وآمركم أن تَعملوا بِهِن. 1 - أُولاهنَّ: أنْ تعبدوا اللهَ ولَا تُشركوا به شيئاً، وإنَّ مَثَلَ مَن أشرك باللهِ كَمَثَلِ رجلٍ اشترى عبداً من خالص مالِهِ بذهب أو ورِق، فقال: هذه داري، وهذا عملي، فاعمَلْ وأدِّ إليَّ، فكان يعمل، ويؤدي إلى غير سيِّدِه! فأيُّكُم يرضى أنْ يكون عبدُه كذلك؟ (2) 2 - وإنَّ اللهَ أمرَكم بالصلاةِ، فإذا صليتم فلا تلتفتوا؛ فإنَّ الله يَنْصِبُ وجهَهُ لوجه عبدِه في صلاته ما لم يلتَفِتْ. 3 - وأمرَكُم بالصيامِ، فإنَّ مَثَلَ ذلك كمَثلِ رجلٍ في عِصابةٍ معه صُرَّةٌ فيها مِسْك، فكلُّهُم يَعجَب أو يُعجِبُهُ ريحُها، وإنَّ ريحَ الصائمِ أطيبُ عندَ اللهِ مِن ريحِ المِسكِ. 4 - وأَمرَكم بالصدقة، فإن مَثَلَ ذلك كمثل رجلٍ أسَرَهُ العَدُوّ، فأوثقوا يَدَه   (1) أي: الأماكن المرتفعة. (2) زاد الحاكم وغيره: "فإن الله خلقكم ورزقكم، فلا تركوا به شيئاً". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 إلى عُنُقِه، وقَدَّموه ليضربوا عنقَه، فقال: أنا أفدي نفسي منكم بالقليل والكثير، فَفَدى نفسَه منهم. 5 - وأمرَكم أنْ تَذكروا اللهَ، فإنَّ مَثَلَ ذلك كمثَلِ رجلٍ خرجَ العَدُوُّ في أثَرِه سِراعاً، حتى إذا أتى على حصنٍ حصينٍ فأحرز نفسَه منهم، كذلك العبدُ، لا يُحرِزُ نفسَه من الشيطان إلا بذكْرِ الله". قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وأنا آمرُكم بخمسٍ، الله أمرني بهن: السمعُ، والطاعةُ، والجهادُ، والهجرةُ، والجماعةُ؛ فإنه مَن فارق الجماعةَ قِيدَ شِبْرٍ؛ فقد خَلَعَ رِبْقَةَ الإسلامِ من عُنُقِه، إلا أن يراجع، (1) ومَن ادَّعى دعوى الجاهليةِ، فإنه من جِثا جهنم". فقال رجل: يا رسولَ الله: وإنْ صلى وصام؟ فقال: "وإنْ صلّى وصام، فادْعوا بدعوى الله التي سمّاكم المسلمين المؤمنين، عبادَ الله! ". رواه الترمذي وهذا لفظه، وقال: "حديث حسن صحيح"، والنسائي ببعضه (2)، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم". (قال الحافظ): "وليس للحارث في الكتب الستَّة سوى هذا". (الربقة) بكسر الراء وفتحها وسكون الباء الموحَّدة، واحدة (الرِّبقَ)؛: وهي عُرى في حبل تشد به البَهْم، وتستعار لغيره. وقوله "من جُثا جهنم" بضم الجيم (3) بعدها ثاء مثلثة، أي: من جماعات جهنم.   (1) أي: يتوب إلى الله عز وجل. (2) أي: بقوله: "من دعا بدعوى الجاهلية. ." إلخ. كما قال الناجي. (3) قلت: وبكسرها أيضاً كما في "القاموس". لكن أبو عبيدة ضبطه بالجيم، وقال: إنما هو "حثا" بالحاء المهملة. حكاه ابن عبد البر في "التمهيد" وقال (21/ 280): "وهو كما قال أبو عبيدة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 553 - (2) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن التلفت (1) في الصلاةِ، فقال: "اختلاسٌ يختلِسُه الشيطان من صلاةِ العبدِ". (2) رواه البخاري والنسائي وأبو داود وابن خزيمة. 554 - (3) [حسن لغيره] وعن أبي الأحوص عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يزالُ اللهُ مُقبِلاً على العبد في صلاتِه ما لم يَلتفتْ، فإذا صَرَفَ وجهه انصرف عنه". رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه"، الحاكم، وصححه. (قال المملي) الحافظ عبد العظيم رضي الله عنه:   (1) كذا وجد، وكأنه رواه بالمعنى، وإلا فلفظ البخاري وأبي داود والنسائي "الالتفات"، ولا أدري ما عند ابن حبان، لكون كتابه ليس عندي. كذا قال الناجي في "العجالة" (76)، وأنت ترى أن في نسختنا من "الترغيب" عزوه لابن خزيمة بدل ابن حبان، فلا أدري أهذا من اختلاف النسخ أم سبق قلم من الناجي، والحديث عند ابن خزيمة (2/ 65/ 931) وابن حبان أيضاً (4/ 24/ 2284). ثم قال الناجي: "وقد ذكره بلفظ "التلفت" ابن الجوزي من "مسند الإمام أحمد" في كتابه "جامع المسانيد"، والله أعلم. قلت: هو في "مسند أحمد" (6/ 70) باللفظ المذكور، وهو شاذ، فقد أخرجه أحمد أيضاً (6/ 106) عن شيخ آخر له عن زائدة بإسناده عن عائشة بلفظ "الالتفات". وقد تابع زائدة على هذا اللفظ أبو الأحوص، ومن هذه الطريق أخرجه الأربعة الذين إليهم عزاه المؤلف، فهو المحفوظ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (844). (2) (الاختلاس): الاختطاف بسرعة على غفلة. قال العلامة الطيبي طيب الله ثراه: "سمِّي اختلاساً تصويراً لقبيح تلك الفعلة بالمختلس؛ لأنَّ المصلي يقبل عليه الرب سبحانه وتعالى، والشيطان مرتصد له ينتظر فوات ذلك عليه، فإذا التفت اغتنم الشيطان الفرصة، فسلبه تلك الحالة. والله أعلم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 "وأبو الأحوص هذا لا يعرَف اسمه، لم يروِ عنه غير الزهري، وقد صحَّح له الترمذي وابن حبان وغيرهما". (1) 555 - (4) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بثلاثٍ، ونهاني عن ثلاثٍ: نهاني عن نُقرةٍ كنُقرةِ الديكِ، وإقعاءٍ كإقعاءٍ الكلبِ، والتفاتٍ كالتفاتِ الثعلبِ". رواه أحمد وأبو يعلى، وإسناد أحمد حسن (2). ورواه ابن أبي شيبة وقال: "كإقعاء القرد". مكان "الكلب". (الإقعاء) بكسر الهمزة، قال أبو عبيد: "هو أن يُلزِق الرَّجُل أليتَيْه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه بالأرض، كما يقعي الكلب. قال: وفسّره الفقهاء بأن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين. قال: والقول هو الأول". (3)   (1) قلت: ويشهد له حديث الأشعري الذي قبله بحديث مع ملاحظة أن هذا من كلام يحيى عليه السلام، ولكنّه بوحي من الله، فهو من هذه الحيثية يشهد للحديث. والله أعلم. والحديث في "صحيح ابن خزيمة" برقم (1/ 244)، وأما عزو الثلاثة إليه برقم (2/ 62) فوهْم منْ أوهامهم الكثيرة، فإنه يشير إلى حديث آخر لحذيفة في البصق بين يديه، ورواه ابن ماجه أيضاً، وسنده حسن غير إسناد هذا!! ومخرَّج في "الصحيحة" (1596). (2) كذا قال: وتبعه الهيثمي، وفيه عند أحمد (2/ 311) يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف. وفي "مسند أبي يعلى" (5/ 30) العرزمي، متروك. لكن تابعهما ليث بن أبي سليم، وكان اختلط. أخرجه البيهقي (2/ 120) بتمامه، وابن أبي شيبة (2/ 285) جملة إقعاء القرد، فالحديث حسن. وهي رواية لأحمد (2/ 265) من طريق يزيد، ومن غرائب تصرفات المؤلف أنّ السياق المذكور لفّقه من روايتي "المسند"، فالشطر الأول في الموضع الأول منه، والشطر الآخر في الموضع الآخر منه!! (3) قلت و (الإقعاء) -بالمعنى الآخر- من السنة بين السجدتين فقط؛ كما ثبت عن جمع من الصحابة مرفوعاً؛ ولذلك أوردته في "صفة الصلاة"، فراجعْه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 37 - (الترهيب من مسح الحصى وغيره في موضع السجود والنفخ فيه لغير ضرورة) 556 - (1) [صحيح] عن مُعَيْقِيبٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تَمسحْ وأنت تُصلي، فإنْ كنت لابُدَّ فاعلاً فواحدةً (1)، تَسوِيةَ (2) الحصى". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه. 557 - (2) [صحيح] وعن جابر رضي الله عنه قال: سألتُ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مسح الحصى في الصلاة؟ فقال: "واحدةً، ولأنْ تُمسِكَ عنها خيرٌ لك من مئةِ ناقةٍ، كلُّها سُودُ الحَدَقِ". رواه ابن خزيمة في "صحيحه".   (1) بالنصب، أي: فافعل فعلة واحدة، أو مرة واحدة لا أكثر. قال الحافظ ابن حجر: "ويجوز الرفع، فيكون التقدير: فالجائز واحدة، أو مرة واحدة تجوز". قلت: وفيه إشارة إلى وجوب السكون في الصلاة، وعدم جواز الحركات فيها إلا لحاجة. (2) أي: لأجْل تسوية الحصى. وكان الأصل "تسوي"، والتصويب من "سنن أبي داود"، واللفظ له، وهو في "صحيح أبي داود" برقم (872). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 38 - (الترهيب من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة). 558 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نُهِيَ عن الخَصْر في الصلاةِ". رواه البخاري ومسلم والترمذي، ولفظهما: "أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أنْ يصليَ الرجلُ مُختصِراً". والنسائي نحوه، وأبو داود، وقال: "يعني: يضع يده على خاصرته". (1)   (1) قلت: وهذا هو الصحيح في معنى الاختصار هنا، كما قال النووي في "شرح مسلم"، وذكر في تعليل ذلك أقوالاً، ليس فيها ما تطمئن إليه النفس، منها: أنّه فعل اليهود، وفيه حديث تراه في الكتاب الآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 39 - (الترهيب من المرور بين يدي المصلي). 559 - (1) [صحيح] عن أبي الجُهَيم (1) عبدِ الله بن الحارثِ بن الصِّمَّة الأنصاري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو يَعلم المارَّ بين يَدَيِ المصلي ماذا عليه (2) لكان أن يقفَ أربعينَ، خيراً له من أن يَمُرَّ بين يديه (3) ". قال أبو النضر: لا أدري قال: "أربعين يوماً، أو شهراً، أو سنة". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 560 - (2) [صحيح] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إذا صلّى أحدُكم إلى شيءٍ يَستُرُه من الناس، فأَراد أحدٌ أنْ يَجتازَ بين يديه؛ فليدفعْ في نحرِه، فإنْ أبى؛ فَليقاتله، فإنَّما هو شيطان". وفي لفظ آخر: "إذا كان أحدُكم يصلِّي، فلا يَدَعْ أحداً يَمُرُّ بين يديه، ولَيَدْرأْهُ ما استطاع، فإنْ أبى؛ فليقاتِلْه، فإنما هو شيطانٌ". رواه البخاري ومسلم -واللفظ له-، وأبو داود نحوه.   (1) بضم الجيم مصغراً، ووقع في طبعة عمارة ونسخة الحافظ ونسخة الناجي من الكتاب: (أبو الجهم) مكبِّراً، ثم أطال الناجي في بيان خطأ نسخته، وأنَّ الصواب بالتصغير. (2) أي: لو يعلم ماذا عليه من الإثم والخطيئة لوقف، ولكان وقوفه خيراً له. . (3) أي: أمامه بالقرب منه، وحدّه ما بينه وبين موضع سجوده، وعبّر باليدين لكون أكثر الشغل يقع بهما. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 وقوله: (وليدرأْه) بدال مهملة، أي: فليدفعه، بوزنه ومعناه. 561 - (3) [صحيح] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا كان أحدُكم يصلّي، فلا يَدَعْ أحداً يمرُّ بين يديه، فإنْ أبى؛ فليقاتِله، فإنّ معه القرين". رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وابن خزيمة في "صحيحه". (1) 562 - (4) [صحيح موقوف] وعن عبد الله بن عمروٍ قال: لأنْ يكون الرجلُ رماداً يُذرَى به؛ خير له من أنْ يمرَّ بين يدي رجلٍ متعمداً وهو يصلّي. رواه ابن عبد البر في "التمهيد" موقوفاً. (2)   (1) قال الناجي (79): "هذا عجيب! فالحديث في صحيح مسلم سنداً ومتناً". قلت: وهو في "مسلم" (2/ 58). (2) أخرجه هو (21/ 149)، وكذا أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/ 354) من طريق أبي عمران الغافقي عنه، وإسناد الأول صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 40 - (الترهيب من ترك الصلاة تعمداً، وإخراجها عن وقتها تهاوناً). 563 - (1) [صحيح] عن جابرِ بنِ عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بين الرجلِ وبين الكفرِ تركُ الصلاةِ". رواه أحمد، ومسلم وقال: "بينَ الرجلِ وبين الشركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ". وأبو داود، والنسائي ولفظه: "ليس بينَ العبدِ وبين الكفرِ إلاَّ تركُ الصلاةِ". والترمذي، ولفظه: قال: "بين الكفر والإيمان تركُ الصلاةِ". وابن ماجه، ولفظه قال: "بين العبد وبين الكفر تركُ الصلاةِ". (1) 564 - (2) [صحيح] وعن بُريدة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "العهدُ الذي بيننا وبينهم الصلاةُ، فمَن تَركها فقد كَفَرَ". رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح، ولا نعرف له علة". (2)   (1) وبهذا اللفظ عينه رواه أبو داود (4678)؛ خلافاً لما يوهمه صنيع المؤلف. (2) قلت: ووافقه الذهبي (1/ 6)، وهو كما قالا. ولم أجده عند أبي داود، وقد رواه ابن ماجه (1/ 333)، ولم يعزه المِزِّي في "تحفة الأشراف" (1960) لأبي داود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 565 - (3) [صحيح موقوف] وعن عبدِ اللهِ بنِ شَقيق العُقَيْلِيِّ رضي الله عنه قال: كان أصحابُ محمدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يَرَونَ شيئاً من الأعمال تركُه كفرٌ؛ غيرَ الصلاة. رواه الترمذي. (1) 566 - (4) [صحيح] وعن ثوبانَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "بين العبدِ وبين الكفرِ والإيمان الصلاةُ، فإذا تَرَكَها فقد أشركَ". رواه هبة الله الطبري بإسناد صحيح (2). 567 - (5) [حسن لغيره] وعن أبي الدرداءِ رضي اللهُ عنه قال: أوصاني خليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ: "لا تُشرِكْ بالله شيئاً إنْ قُطِّعْتَ أو حُرِّقْتَ، ولا تَتْرُكْ صلاةً مكتوبةً متعمِّداً، فمَن تركها متعمداً فقد بَرِئَتْ منه الذِّمةُ، ولا تَشربِ الخمرَ، فإنّها مفتاحُ كلِّ شَرٍّ". رواه ابن ماجه والبيهقي عن شهر بن حَوشَب عن أم الدرداء عنه. (3) 568 - (6) [حسن لغيره] ورواه [يعني حديث أنس الذي في "الضعيف"] محمد بن نصر في "كتاب الصلاة"، ولفظه: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "بين العبدِ والكفرِ أو الشركِ تركُ الصلاةِ، فإذا ترك الصلاةَ فقد كفر".   (1) رواه الحاكم (1/ 1) عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة به، وصححه الحاكم، وقال الذهبي: "وإسناده صالح"، وأقول: فيه قيس بن أنيف، ولم أعرفه. وقد خالفه الترمذي فلم يذكر فيه أبا هريرة، وهو الصواب، لكنّي وجدت له شاهداً عن جابر بن عبد الله بنحوه. أخرجه ابن نصر في "الصلاة" (238/ 1) بسند حسن. وهذا ونحوه محمول على المعاند المستكبر الممتنع من أدائها ولو أنذر بالقتل. كما قال ابن تيمية وابن القيم، انظر رسالتي "حكم تارك الصلاة". (2) أخرجه في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (3 و4/ 822/ 1521) وقال: "إسناد صحيح على شرط مسلم". وهو قريب من لفظ الترمذي (2621) عن جابر: بين الكفر والإيمان ترك الصلاة". (3) قلت: لكن له شواهد عن معاذ وغيره. انظر الحديث الآتي بعده، وقد خرَّجتها في كتابي "إرواء الغليل" (2026). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 [صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه عن يزيد الرقاشي عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليسَ بين العبد والشرك إلاَّ تركُ الصلاة، فإذا تَرَكها فقد أشرك". 569 - (7) [حسن لغيره] وعن معاذِ بنِ جبلٍ رضي الله عنه قال: أتى رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ فقال: يا رسول الله! علِّمني عملاً إذا أنا عَمِلتُه دخلتُ الجنة. فقال: "لا تُشركْ بالله شيئاً وإنْ عُذِّبْتَ وحُرِّقْتَ، أطع والدَيْكَ وإنْ أخرجاك من مالكَ، ومن كلّ شيءٍ هو لَكَ، ولا تترك الصلاةَ متعمِّداً، فإنّ مَن تركَ الصلاةَ متعمداً، فقد برئت منه ذمةُ الله" الحديث. رواه الطبراني في "الأوسط"، ولا بأس بإسناده في المتابعات. 570 - (8) [حسن لغيره] وعنه قال: أوصاني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعشر كلماتٍ، قال: "لا تُشرِكْ بالله شيئاً وإنْ قُتِلتَ وحُرِّقْتَ، ولا تَعُقَّنَّ والدَيْكَ وإنْ أمراك أنْ تخرج من أهلِك ومالِك، ولا تَتْرُكنَّ صلاةً مكتوبةً متعمداً؛ فإنَّ مَن ترك صلاةً مكتوبةً متعمداً؛ فقد بَرِئتْ منه ذِمةُ الله، ولا تشربَنَّ خمراً؛ فإنّه رأسُ كل فاحشة، وإياكَ والمعصيةَ، فإنَّ بالمعصيةِ حَلَّ سخط اللهِ، وإياك والفِرارَ من الزحف، وإنْ هَلَكَ الناسُ، وإنْ أصابَ الناس موت فاثْبُتْ، وأنفِق على أهلك من طَوْلِك، ولا ترفع عنهم عصاك أدباً، وأخِفْهم في اللهِ". رواه أحمد، والطبراني في "الكبير"، وإسناد أحمد صحيح لو سلِم من الانقطاع؛ فإنَّ عبد الرحمن بن جُبَير بن نُفَير لم يسمع من معاذ. (1)   (1) قلت: لكن له شواهد يتقوَّى بها، بعضها في "الأدب المفرد" للبخاري و"المجمع" (4/ 216 - 217)، ومنها ما قبله وما بعده. وانظر "الإرواء" (7/ 89 - 91). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 571 - (9) [حسن لغيره] وعن أُمَيْمَةَ مولاةِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: كنت أَصُبُّ على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضوءه، فدخل رجلٌ، فقال: أوصني، فقال: "لا تُشرك باللهِ شيئاً وإن قُطِّعتَ وحُرِّقتَ بالنار، ولا تَعصِ والديك، وإن أمراك أنْ تَخلَّى من أهلك ودنياك فَتَخَلَّ، ولا تَشرَبن خَمراً، فإنها مفتاحُ كلِّ شرٍ، ولا تَتْرُكَنَّ صلاةً متعمداً، فمن فعل ذلك؛ فقد برئت منه ذِمة الله وذمة رسوله" الحديث. رواه الطبراني، وفي إسناده يزيد بن سنان الرُّهاوي. (1) 572 - (10) [صحيح] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَتُنْقَضَنَّ عُرى الإسلام عُروةً عروةً، فكلما انتقضت عُروةٌ تَشَبَّثَ الناسُ بالتي تليها، فأولُهنَّ نقضاً الحُكْمُ، وآخِرُهُنَّ الصلاةُ". رواه ابن حبان في "صحيحه". (2) 573 - (11) [صحيح لغيره] وعن أمّ أيمنَ رضي الله عنها؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تتركِ (3) الصلاةَ متعمداً؛ فإنه من ترك الصلاةَ متعمداً؛ فقد برئت منه ذمةُ الله رسولِه".   (1) بضم الراء وفتح الهاء نسبة إلى (الرُّها) مدينة من بلاد الجزيرة. وأما (الرَّهاوي) بفتح الراء فنسبة إلى (رَها) بطن من مذحج كما في "اللباب" لابن الأثير. (2) قلت: ورواه أحمد (5/ 251)، والحاكم، وصححه، وفي سنده تحريف خفي على الذهبي، فضعف الحديث من أجله! وإسناد أحمد صحيح. (3) الخطاب لبعض أهله، وهو ثوبان كما في بعض الروايات عند عبد بن حميد في "المنتخب" (3/ 274 - 276)، ونقله الناجي (80 - 81)، وذكر أن من ساق الحديث بلفظ: "لا تتركي" بزيادة ياء التأنيث، فقد وهم، والحديث وإن كان المؤلف قد أعله بالانقطاع، فهو ثابت، لأن له شواهد كثيرة في الأصل هنا وغيره كما تقدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 رواه أحمد، والبيهقي، ورجال أحمد رجال الصحيح، إلا أن مكحولاً لم يسمع من أم أيمن. 574 - (12) [حسن موقوف] وعن ابن مسعود قال: مَن ترك الصلاة فلا دينَ له. رواه محمد بن نصر أيضاً موقوفاً. (1) 575 - (13) [صحيح موقوف] وعن أبي الدرداءِ رضي الله عنه قال: لا إيمان لمن لا صلاةَ له، ولا صلاةَ لمن لا وُضوءَ له. رواه ابن عبد البَرِّ وغيرُه موقوفاً (2). وقال ابن أبي شيبة: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من ترك الصلاة؛ فقد كفر". وقال محمد بن نصر المروزي: "سمعت إسحاق يقول: صح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تارك الصلاة كافر، (3) وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر". (4)   (1) قلت: ورواه ابن أبي شيبة في "كتاب الإيمان" (184/ 2)، والطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 19/ 1) بسند حسن. (2) وكذا رواه هبة الله الطبري في "شرح الأصول" (2/ 828/ 1536)، وابن نصر (2/ 903/ 945)، وإسناده صحيح. (3) قلت: لم أره بلفظ (كافر) مرفوعاً من وجه ثابت، وإنما صح بلفظ: ". . . فقد كفر" كما تقدم، وفرق كبير بين اللفظين عند أهل العلم، لا مجال لبيانه هنا. (4) قلت: وزاد ابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 226) عن إسحاق: "إذا أبى من قضائها وقال: لا أصلي". ففي قوله هذا ما يشعر أنه لا يصلي عناداً واستكباراً عن الخضوع لله بها، فهو في هذه الحالة ونحوها كافر. وليس كذلك من يقول مثلاً في هذا الزمان الذي عطلت فيها إقامة الحدود الشرعية -حين ينكر عليه ترك الصلاة قال-: الله يتوب علي، والله يعلم أنه صادق فيما يقول، الحديث: 575 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 ورُوي عن حماد بن زيد عن أيوب قال: "ترك الصلاة كفر، لا يختلف فيه". 576 - (14) [حسن موقوف] وعن مصعب بن سعد قال: قلت لأبي: يا أبتاه! أرأيت قوله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} أيُّنا لا يسهو؟ أيُّنا لا يُحَدِّثُ نفسَه؟ قال: ليس ذلك، إنما هو إضاعة الوقت، يلهو حتى يَضيعَ الوقتُ. رواه أبو يعلى بإسناد حسن. 577 - (15) [صحيح] وعن نوفل بن معاوية رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن فاتته صلاةٌ؛ فكأنما وُتِر أهلَه ومالَه". رواه ابن حبان في "صحيحه". 578 - (16) [صحيح] وعن سمرة بن جندب قال: كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما يُكثِرُ أن يقولَ لأصحابه: "هل رأى أحدٌ منكم من رؤيا؟ "، فيُقصُّ عليه ما (1) شاءَ اللهُ أنْ يُقصَّ، وإنه قال لنا ذاتَ غداةٍ: "إنه أَتاني الليلةَ اثنان، وإنهما ابتَعَثاني، وإنهما قالا لي: انطلقْ، وإني انطلقتُ معهما، وإنا أتينا على رجلٍ مضطجع، وإذا آخرُ قائمٌ عليه بصخرةٍ، وإذا هو يَهوي بالصخرة لرأْسِه فَيَثْلَغُ رأْسَه، فَيَتَدَهْدَهُ الحجرُ، فيأْخذُه، فلا يرجع إليه حتى يَصحِّ رأْسُه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثلَ ما فعل المرةَ الأُولى. قال: قلت: سبحان الله! ما هذان؟ قالا لي: انطلق، انطلق. فأَتينا على رجلٍ مستلقٍ على قفَاه، وإذا آخرُ قائمٌ عليه بِكَلُّوب من   = فمثله لو أنذر بالقتل إن أبى -يصلي، فليس الكفر هو لمجرد الترك، بل ما اقترن به من العمل الدال على الكفر القلبي، فعليه تحمل أحاديث الباب وآثاره. والله أعلم. (1) كذا الأصل، والصواب: (مَن) كما نبه عليه الناجي (81). الحديث: 576 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 حَديد، وإذا هو يأتي أحدَ شِقَّيْ وَجهه فَيُشَرشِر شِدْقَه إلى قفاه، ومَنْخَرَه إلى قفاه، وعينَه إلى قفاه، (قال: وربما قال أبو رجاء: فَيَشُقُّ) (1)، قال: ثم يتحول إلى الجانبِ الآخرِ، فيفعل به مثلَ ما فعل بالجانب الأول. قال: فما يفرغُ من ذلك الجانبِ حتى يَصحَّ ذلك الجانبُ كما كان، ثم يعودُ عليه فيفعل [مثلَ ما فعل] (2) المرةَ الأولى. قال: قلت: سبحان الله ما هذان؟ قالا لي: انطلقْ انطلقْ. فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور (3) -قال: فأَحسَب أنه كان يقول: -فإذا فيه لَغَطٌ وأصواتٌ. قال: فاطَّلَعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عُراةٌ، فإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفلَ منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهبُ ضَوْضَوْا، قال: قلتُ: ما هؤلاءِ؟ قالا لي: انطلقْ انطلقْ. قال: فانطلقنا، فأتينا على نهرٍ -حسِبتُ أنه كان يقول:- أحمرَ مثلِ الدم، وإذا في النهر رجلٌ سابح، يَسْبَح، وإذا على شطِّ النهر رجل قد جمع عنده حجارةً كثيرةً، وإذا ذلك السابحُ يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارةَ، فَيَفْغرُ فاه، فيُلْقِمُه حجراً، فينطلقُ فيسبحُ، ثم يرجعُ إليه، كلما رجع إليه فَغَرَ فاه، فألقمه حجراً، قلت لهما: ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق. فانطلقنا، فأتينا على رجل كريه المَرآة، كأكره ما أنتَ راءٍ رجلاً مَرآةً، وإذا عنده نارٌ يَحُشُّها، ويسعى حولَها، قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق.   (1) أي: بدل قوله: (فيشرشر). (2) سقطت من الأصل، واستدركتها من (صحيح البخاري)، وصححت منه بعض الكلمات وقعت خطأ في الأصل. (3) وفي رواية للبخاري: "فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور، أعلاه ضيق، وأسفله واسع يتوقد تحته ناراً، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 فانطلقنا، فأتينا على روضةٍ مُعْتمةٍ (1) فيها من كل نَوْرِ الربيع، وإذا بين ظهرَي الروضة رجلٌ طويلٌ، لا أكادُ أرى رأسَه طُولاً في السماءِ، وإذا حولَ الرجل من أكثرِ ولدانٍ رأيتهم [قط]، (2) قال: قلت: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق انطلق. فانطلقنا، فأتينا على دوحةٍ (3) عظيمة، لم أرَ دوحةً (4) قط أعظمَ ولا أحسنَ منها، قال: قالا لي: ارقَ فيها، فارتقَيْنا إلى مدينةٍ مبنيةٍ بلَبِنِ ذهبٍ، ولبنِ فضةٍ، فأتينا بابَ المدينةِ، فاستفتحنا، ففُتِحَ لنا، فدخلناها، فتلقانا رجالٌ شطرٌ من خَلقِهم كأحسن ما أنتَ راءٍ، وشطرٌ منهم كأقبح ما أنت راءٍ، قال: قالا لهم: اذهبوا فَقَعوا في ذلك النهر، قال: وإذا نهر معترضٌ يجري كأنَّ ماءَه المحضُ في البياض، فذهبوا، فوقعوا فيه، ثم رجَعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أَحسنِ صورةٍ. قال: قالا لي: هذه جنةُ عدنٍ، وهذا منزلُك، قال: فَسَما بصري صُعُداً، فإذا قصرٌ مثلُ الرَّبابةِ (5) البيضاء، قال: قالا لي: هذا منزلُك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما، فذراني فأَدْخلَه، قالا: أما الآن فلا، وأَنت داخِلُه. قال: قلت لهما: فإني [قد] (6) رأيتُ منذ الليلة عجباً، فما هذا الذي رأيتُ؟ قال: قالا لي: إنا سنخبرُك: أما الرجلُ الأولُ الذي أتيتَ عليه يُثْلَغُ رأسُه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ   (1) وفي رواية لأحمد "معشِبَة". (2) زيادة من "صحيح البخاري". (3) هذه اللفظة من رواية أحمد والنسائي، وأبي عوانة والإسماعيلي كما في "الفتح". وأما رواية البخاري فبلفظ: "روضة" في الموضعين. (4) هذه اللفظة من رواية أحمد والنسائي، وأبي عوانة والإسماعيلي كما في "الفتح". وأما رواية البخاري فبلفظ: "روضة" في الموضعين. (5) هي السحابة التي ركب بعضها بعضاً كما فى "النهاية"، وسيذكر المؤلف نحوه. (6) زيادة من "صحيح البخاري". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 القرآنَ فَيرْفُضُه، وينامُ عن الصلاةِ المكتوبِة. وأما الرجلُ الذي أتيتَ عليه يُشَرْشَرُ شِدقُه إلى قفاه، ومنخرُه إلى قفاه، وعينُه إلى قفاه، فإنه الرجلُ يغدو من بيته فيكذب الكِذبةَ تبلغُ الآفاق. وأما الرجالُ والنساءُ العُراةُ الذين هم في مِثلِ بناءِ التنور، فإنهم الزُّناةُ والزَّواني. وأما الرجل الذي أتَيتَ عليه يَسبح في النهر، ويُلقَمُ الحجَر، فإنه آكلُ الربا. وأما الرجلُ الكريهُ المَرآةِ، الذي عند النار يَحُشُّها ويسعى حولَها، فإنه مالكٌ، خازنُ جهنم. وأما الرجل الطويل الذي في الروضةِ، فإنه إبراهيم. وأما الوِلْدان الذين حوله فكلُّ مولودٍ مات على الفطرة". قال: فقال بعض المسلمين: يا رسولَ الله! وأولادُ المشركين؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وأولادُ المشركين". "وأما القومُ الذين كانوا شطرٌ منهم حسنٌ، وشطرٌ منهم قبيحٌ، فإنهم قومٌ خَلَطوا عملاً صالحاً وآخرَ سيئاً تجاوز الله عنهم". رواه البخاري. وذكرته هنا بتمامه لأحيل عليه فيما يأتي إن شاء الله تعالى. قوله: (يَثْلَغُ رأسه) أي: يشدخ. قوله: (فيتدهده) أي: فيتدحرج. و (الكلوب) بفتح الكاف وضمها وتشديد اللام: هو حديدة معوجة الرأس. وقوله: (يُشَرْشِرُ شدقه) هو بشينين معجمتين، الأولى منهما مفتوحة، والثانية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 مكسورة، وراءين، الأولى منهما ساكنة، ومعناه: يقطعه ويشقه. و (اللغط) محركاً: هو الصخب والجلبة والصياح. وقوله: (ضَوْضَوا) بفتح الضادين المعجمتين وسكون الواوين: وهو الصياح مع الانضمام والفزع. وقوله: (ففغر فاه) بفتح الفاء والغين المعجمة معاً بعدهما راء، أي: فتحه. وقوله: (يَحُشُّها) هو بالحاء المهملة المضمومة والشين المعجمة، أي: يوقدها. وقوله: (معتمة) أي: طويلة النبات، يقال: اعتمَّ النبت إذا طال. و (النَّور) بفتح النون: هو الزهر. و (المحض) بفتح الميم وسكون الحاء المهملة: هو الخالص من كل شيء. وقوله: (فَسَما بصري صُعُداً) بضم الصاد والعين المهملتين، أي: ارتفع بصري إلى فوق. و (الربابة) هنا: هي السحابة البيضاء. قال أبو محمد بن حزم (1): "وقد جاء عن عُمَرَ، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاةَ فرضٍ واحدةً متعمداً حتى يخرج وقتها؛ فهو   (1) في "المحلى" (2/ 242)، لكن قوله: "ولا نعلم لهؤلاء الصحابة مخالفاً"، ليس هو عند ابن حزم هنا، وإنما هو عنده قبيل هذا الكلام الذي نقله المؤلف عنه، وإنما هو عنده في مؤخِّر الصلاة عن وقتها عمداً، فراجعه. ثم إنَّ قول ابن حزم: "مرتد" لم أره مروياً عن أحد من الصحابة، بخلاف قوله "كافر"، فإنه روي عن بعضهم موقوفاً مرفوعاً، كما تراه في الكتاب الآخر في الباب نفسه. ولتمام الفائدة انظر الحاشية (ص 370). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 كافر مرتد. ولا نعلم لهؤلاء من الصحابة مخالفاً". (قال الحافظ) عبد العظيم: "قد ذهبتْ جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة متعمداً لتركها، حتى يخرج جميع وقتها، منهم عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وجابر بن عبد الله، وأبو الدرداء رضي الله عنهم. ومن غير الصحابة: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والنخعي، والحكم بن عتيبة، وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وغيرهم رحمهم الله تعالى" (1).   (1) قلت: في ذكر المؤلف بعض هؤلاء الصحابة وغيرهم في جملة من قال بكفر تارك الصلاة نظر لا يتسع المجال لتفصيل القول في ذلك وبيانه، لكن أذكر منهم على سبيل المثال عمر بن الخطاب وعبد الله بن العباس؛ فإنه لم يصح ذلك عنهما، فانظر في الكتاب الآخر "ضعيف الترغيب" التعليق على هذين الأثرين و"سلسلة الأحاديث الضعيفة" (5650). ونحو ذلك ذكره فيهم أحمد بن حنبل، وهذا وإن كان يذكره بعض الحنابلة المتأخرين، فإنه لا يصح عند محققيهم، فقد ذهب كثير منهم إلى عدم تكفيره إلا بالجحد ونحوه، كمثل ابن بطة كما تقدم في التعليق على حديث عبادة بن الصامت في (13 - باب)، وكذا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه البار ابن قيم الجوزية، ومن سار على منوالهم، كالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعاً، كيف لا وقد صح عن إمام السنة أنه سئل عن ترك الصلاة متعمداً، فقال: ". . . والذي يتركها لا يصليها، والذي يصليها في غير وقتها؛ أدعوه ثلاثاً فإن صلى وإلا ضربت عنقه، هو عندي بمنزلة المرتد. . .". ونحوه كلام المجد ابن تيمية وحفيده ابن تيمية وكثير من محققي الحنابلة ومنهم الشيخ محمد ابن عبد الوهاب كما تراه محققاً مفصلاً في كتابي "حكم تارك الصلاة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 6 - كتاب النوافِل (1). 1 - (الترغيب في المحافظة على ثنتي عشرة ركعة من السُّنة في اليوم والليلة) 579 - (1) [صحيح] عن أم حبيبة رَمْلةَ بنتِ أبي سفيانَ رضي الله عنهما قالت: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما من عبدٍ مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم ثِنْتَي عَشْرَةَ ركعةً تطوعاً غيرَ فريضة (2)؛ إلا بَنىَ الله تعالى له بيتاً في الجنة، أو: إلا بُنِيَ له بيتٌ في الجنةِ". رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي، وزاد: "أربعاً قبلَ الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الغداة" (3). 580 - (2) [صحيح لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من ثابر على ثِنْتَيْ عَشْرةَ ركعةً في اليوم والليلةِ دخلَ الجنةَ، أربعاً قبل   (1) (النوافل) جمع نافلة: وهي صلاة التطوع؛ لأنها زوائد عن الفرض. (2) هو من باب التوكيد، ورفع احتمال إرادة الاستعارة، وهكذا ينبغي استعمال التوكيد إذا احتيج ليه. والله أعلم. (3) في الأصل هنا: (ورواه بالزيادة ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، إلا أنهم زادوا: "ركعتين قبل العصر"، ولم يذكروا: "ركعتين بعد العشاء"، وهو كذلك عند النسائي في رواية، ورواه ابن ماجه فقال: "وركعتين قبل الظهر، وركعتين -أظنه- قبل العصر"، ووافق الترمذي على الباقي). قلت: الزيادتان ضعيفتان، وقوله: "رواه ابن ماجه" يشعر أنه رواها عن أم حبيبة، وليس كذلك، فهي عنده من حديث أبي هريرة، فتنبه. الحديث: 579 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر". رواه النسائي -وهذا لفظه-، والترمذي وابن ماجه من رواية المغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة. وقال النسائي: "هذا خطأ، ولعله أراد عنبسة بن أبي سفيان فصحف" (1). ثم رواه النسائي عن ابن جريج عن عطاء عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة. وقال: "عطاء بن أبي رباح لم يسمعه من عنبسة" انتهى. (ثابر): بالثاء المثلثة وبعد الألف باء موحدة ثم راء، أي: لازم وواظب.   (1) كذا الأصل، وفيه خفاء يظهر من عبارة النسائي في "التلخيص الحبير": "هذا خطأ، ولعل عطاء قال: "عن عنبسة"، فصحف بعائشة". يعني: أن الحديث من رواية أم حبيبة، وليس عن عائشة، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 2 - (الترغيب في المحافظة على ركعتين قبل الصبح). 581 - (1) [صحيح] عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فِيها (1) ". رواه مسلم والترمذي. وفي رواية لمسلم: "لهما أحب إليَّ من الدنيا جميعاً". 582 - (2) [صحيح] وعنها قالت: لم يكن النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على شيء من النوافل أشدَّ تعاهداً منه على رَكْعَتَيِ الفجر. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن حزيمه في "صحيحه". وفي رواية لابن خزيمة: قالت: "ما رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى شيءٍ من الخير أسرعَ منه إلى الركعتين قبلَ الفجر، ولا إلى غنيمة". 583 - (3) [صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تَعدلُ ثلث القرآن، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} تَعدِلُ ربعَ القرآن"، وكان يقرؤهما في ركعتي الفجر. . . (2). رواه أبو يعلى بإسناد حسن، والطبراني في "الكبير"، واللفظ له.   (1) أي: من متاع الدنيا. (2) هنا في الأصل قوله: "فيهما رغب الدهر". فحذفته لخلوه من شاهد، فهو بهذا الاعتبار من الكتاب الآخر. وهو مخرج في "الضعيفة" (5051) مع الإشارة إلى الشواهد التي تقوي جملة (الربع) المذكورة هنا. الحديث: 581 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 3 - (الترغيب في الصلاة قبل الظهر وبعدها). 584 - (1) [حسن صحيح] عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن يُحافظُ على أربعِ ركعاتٍ قبلَ الظهر، وأربعٍ بعدها؛ حَرَّمَه الله على النار". رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي من رواية القاسم أبي عبد الرحمن صاحب أبي أمامة، عن عنبسة بن أبي سفيان عن أمّ حبيبة. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب، والقاسم [هو] ابن عبد الرحمن، [يكنى أبا عبد الرحمن] (1) شامي ثقة" انتهى. وفيِ رواية للنسائي: "فتَمَسَّ وجهَهُ النارُ أبداً". ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" عن سليمان بن موسى عن محمد بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة. قال الحافظ رضي الله عنه: "ورواه أبو داود والنسائي وابن خزيمة في "صحيحه" أيضاً وغيرهم من رواية مكحول عن عنبسة، ومكحول لم يسمع من عنبسة. قاله أبو زرعة وأبو مُسهِر والنسائي وغيرهم، ورواه الترمذي أيضاً وحسنه، وابن ماجه؛ كلاهما من رواية محمد ابن عبد الله الشُّعَيْثي عن أبيه عن عنبسة، ويأتي الكلام على محمد". 585 - (2) [حسن لغيره] ورُوي عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أربعٌ قبلَ الظهرِ. . .، تُفتح لهن أبوابُ السماء". رواه أبو داود -واللفظ له- وابن ماجه، وفي إسنادهما احتمال للتحسين. (2)   (1) هذه وما قبلها من (الترمذي) رقم (428). (2) قلت: لكن له طرق أخرى يتقوى بها دون قوله: "ليس فيهن تسليم"، وقد أشرت إليه بالنقط، وخرجته في "صحيح أبي داود" (1193) ويشهد له حديثُ عبد الله بن السائب الآتي بعد حديث. الحديث: 584 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 [حسن لغيره] ورواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، ولفظه: قال: لما نزل رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليّ رأيته يديم أربعاً قبل الظهر، وقال: "إنه إذا زالت الشمسُ فتِحَتْ أبوابُ السماءِ، فلا يُغلقُ منها بابٌ حتى يُصلى الظهرُ، فأنا أَحبُّ أن يُرفعَ لي في تلك الساعة خير". (1) 586 - (3) [حسن لغيره] وعن قابوس عن أبيه قال: أرسل أبي إلى عائشة: أيَّ صلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أحبُّ إليه أن يواظب عليها؟ قالت: كان يصلي أربعاً قبل الظهر، ويطيلُ فيهن القيامَ، وُيحسنُ فيهن الركوع والسجود. رواه ابن ماجه. وقابوس هو ابن أبي ظبيان؛ وثَّقَ، وصحح له الترمذي وابن خزيمة والحاكم وغيرهم، لكن المرسَلُ إلى عائشة مبهم. والله أعلم. 587 - (4) [صحيح] وعن عبد الله بن السائبِ رضي الله عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي أربعاً بعد أن تزول الشمسُ قبلَ الظهرِ، (2) وقال: "إنَّها ساعةٌ تُفتحُ فيها أبوابُ السماءِ، فأُحِبُّ أنْ يَصعد لي فيها عملٌ صالحٌ". رواه أحمد، والترمذي، وقال: "حديث حسن غريب".   (1) لم يتكلم عنه الهيثمي، لكن له عند الطبراني في "الكبير" (4/ 200 - 203) طرق دون جملة التسليم، ويشهد له ما بعده. (2) مفهومه أنه كان لا يصليها قبل الجمعة، وهو من المفاهيم التي يجب الأخذ بها، لثبوت أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا خرج إلى المسجد جلس على المنبر فوراً دون فصل، ثم إذا جلس أذن بلال، فإذا انتهى منه خطب عليه الصلاة والسلام، فليس هناك وقت لصلاة ركعتين، بله أربعاً في السنة المحمدية، فهل آن للمقلدة أن يعرفوا هذه الحقيقة؟! وأن الصلاة المطلقة مشروعة قبل الأذان والزوال؟! انظر تفصيلي هذا الإجمال في رسالتي "الأجوبة النافعة". الحديث: 586 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 4 - (الترغيب في الصلاة قبل العصر). 588 - (1) [حسن] عنِ ابن عُمرَ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "رَحِمَ اللهُ امرَأً صلّى قبلَ العصرِ أربعاً". رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". 5 - (الترغيب في الصلاة بين المغرب والعشاء). 589 - (1) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه في قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}: نزلت في انتظار الصلاةِ التي تُدعى العَتَمَة. رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح غريب". [صحيح] وأبو داود؛ إلا أنه قال: كانوا يتيقظون (1) ما بين المغرب والعشاء، يصلون. وكان الحسن (2) يقول: قيام الليل. 590 - (2) [صحيح] وعن حذيفة رضي الله عنه قال: أتيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصليت معه المغربَ، فصلى إلى العشاء. رواه النسائي (3) بإسناد جيد.   (1) في الأصل والمخطوطة ومطبوعة عمارة "يتنفلون". والتصويب من "أبي داود" و"قيام الليل" لابن نصر، والسياق يؤكده. وأما المعلقون الثلاثة فلزموا الخطأ، وهم يدَّعون التحقيق! وقد ذكروا رقم الحديث عند أبي داود (1321)!! فلم يستفيدوا إلا التسويد! (2) وهو الحسن البصري. (3) قلت: في "السنن الكبرى" (5/ 80/ 8298) في أثناء حديث، وكذلك أخرجه الترمذي وابن حبان وغيرهما. وهو مخرَّج في "الصحيحة" (2/ 425). وأخرجه أحمد (5/ 404) مختصراً بلفظ: "فلم يزل يصلي حتى صلى العشاء، ثم خرج". الحديث: 588 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 6 - (الترغيب في الصلاة بعد العشاء). وفي الباب أحاديث: 591 - (1) [صحيح] "أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا صلى العشاء ورجعَ إلى بيتِهِ صلى أربعَ رَكعاتٍ". (1) أضربت عن ذكرها لأنها ليست من شرط كتابنا. (2) 7 - (الترغيب في صلاة الوتر، وما جاء فيمن لم يوتر). 592 - (1) [صحيح لغيره] عن علي رضي الله عنه قال: الوترُ ليس بِحَتْمٍ كصلاتِكم (3) المكتوبة، ولكن سَنَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، [و] قال: "إن الله وترٌ يحب الوتر، فأوتروا يا أهلَ القرآنِ". رواه أبو داود والترمذي -واللفظ له- والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث حسن". 593 - (2) [صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من خاف أن لا يقومَ مِنْ آخر الليلِ فليوتِرْ أوَّله، ومن طَمع أن يقومَ آخرَه فليوتِر آخرَ الليل؛ فإن صلاةَ آخرِ الليل مشهودةٌ محضورةٌ، وذلك أفضلُ". رواه مسلم والترمذي وابن ماجه وغيرهم.   (1) قلت: ثبت ذلك من حديث ابن عباس وغيره، في "صحيح البخاري" وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1216 و1218 و1228). (2) يعني أنها ليس فيها ترغيب عليها من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما هي من فعله فقط. (3) الأصل: (كصلاة)، ودون زيادة الواو. الحديث: 591 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 594 - (3) [حسن صحيح] وعنه (1) رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أهل القرآن أوتروا؛ فإن الله وترٌ يحبُّ الوتر". رواه أبو داود. 595 - (4) [صحيح] ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" مختصراً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "إن الله وتر، يحبُّ الوترَ" (2). 596 - (5) [صحيح] وعن أبي تميم الجَيْشاني قال: سمعتُ عَمرَو بن العاص رضي الله عنه يقول: أخبرني رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ اللهَ عز وجل زادكم صلاةً، فصلُّوها فيما بين العشاء إلى الصبح: الوترَ الوترَ". ألا وإنَّه أبو بصرة الغِفاري. رواه أحمد والطبراني، وأحد إسنادي أحمد رواته رواة الصحيح. وهذا الحديث قد رُوي من حديث معاذ بن جبل، وعبد الله بن عمرو، وابن عباس، وعقبة بن عامر الجهني، وعمرو بن العاص، وغيرهم.   (1) كذا قال، ومقتضى قاعدة إعادة الضمير بل أقرب مذكور، أنه يعني جابراً، وليس هو من حديثه عند أبي داود، بل من حديث علي رضي الله عنه، وسنده حسن، ثم رواه عن ابن مسعود بمعناه. ولم ينج من الذهول عن هذا الناجي! (2) قلت: عزو هذا لابن خزيمة فقط تقصير فاحش؛ فالحديث عند الشيخين عن أبي هريرة مرفوعاً في حديث أوله: "إن لله تسعة وتسعين اسماً. . .". وقد نبه على هذا الناجي (82) رحمه الله تعالى. الحديث: 594 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 8 - (الترغيب في أن ينام الإنسان طاهراً ناوياً للقيام). 597 - (1) [حسن لغيره] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن باتَ طاهراً باتَ في شِعاره مَلَكٌ، فلا يستيقظُ إلا قال الملَكُ: اللهم اغفِرْ لعبدِك فلانٍ؛ فإنّه باتَ طاهراً". رواه ابن حبان في "صحيحه". (الشِّعار) بكسر الشين المعجمة: هو ما يلي بدن الإنسان من ثوب وغيره. 598 - (2) [صحيح] وعن معاذِ بن جبلٍ رضي الله عنه؛ عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِن مسلم يبيت طاهراً فَيَتَعَارُّ (1) مِن الليلِ، فيسألُ اللهَ خيراً من أمر الدنيا والآخرةِ؛ إلا أعطاه اللهُ إياه". رواه أبو داود وابن ماجه، من رواية عاصم بن بهدلة عن شَهر عن أبي ظَبْيَة عن معاذ. ورواه النسائي، وذكر أن ثابتاً البنانيِّ رواه أيضاً عن أبي ظَبية. (2)   (1) هو بمهملة وراء مشددة. قال في "المحكم": "تعارّ الظليم معارّة: صاح. (والتعار) أيضاً: السهر والتمطي والتقلب على الفراش ليلاً مع كلام. وقال الأكثر: (التعار): اليقظة مع الصوت". وظاهر الحديث أنّ معنى (يتعار): يستيقظ وبذلك فسّره المؤلف في حديث آخر يأتي (10 - باب). والله أعلم. (2) قلت: كان الأصل: "ورواه النسائي وابن ماجه، وذكر أن ثابتاً رواه أيضاً عن شهر عن أبي ظبية". وكذا في المخطوطة التي عندي، وفيه أخطاء أهمها جعل رواية (ثابت) -كرواية (عاصم) - مدارها على (شهر)، وذلك يعني تضعيف الحديث، وهو صحيح لأن ثابتاً قال في رواية النسائي في "عمل اليوم والليلة" (469/ 805): فقدم عنينا أبو ظبية فحدثنا بهذا الحديث عن معاذ"، فليس بينه وبين (أبي ظبية) (شهر بن حوشب)، فصح الحديث والحمد لله. فالظاهر أن الخطأ من بعض النساخ، لأن توثيق المؤلف لـ (أبي ظبية) لا فائدة منه لو كان ثابت رواه عن (شهر) أيضاً، كما هو بين لا يخفى، وقد خرجته في "الصحيحة" (3288) برواية جماعة آخرين عن ثابت هكذا على الصواب. وغفل عنه المعلقون الثلاتة كعادتهم، ومع ذلك صححوه! مكتفين بإضافة الأرقام إلى المصادر الثلاثة التي ذكرها المؤلف، فما أبعدهم عن التحقيق الذي زعموه؟! الحديث: 597 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 قال الحافظ: "و (أبو ظبية) بفتح الظاء المعجمة وسكون الباء الموحَّدة، شامي ثقة". 599 - (3) [حسن لغيره] وعن ابن عباس (1) رضي الله عنهما؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "طَهِّروا هذه الأجساد، طهَّركم اللهُ؛ فإنَّه ليس من عبدٍ يبيتُ طاهراً إلا باتَ معه في شِعاره مَلَك، لا ينقلبُ ساعةً من الليلِ إلا قال: اللهم اغفر لعبدِكَ؛ فإنَّه باتَ طاهراً". رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد جيِّد. 600 - (4) [حسن لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أنّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنِ امرئٍ تكون له صلاةٌ بليلٍ، فيغلبُه عليها نومٌ؛ إلا كتب الله له أجرَ صلاتِه، وكان نومُه عليه صدقةً". رواه مالك وأبو داود والنسائي، وفي إسناده رجل لم يُسَمّ، وسماه النسائي في رواية له: الأسود بن يزيد، وهو ثقة ثبت، وبقية إسناده ثقات. (2) ورواه ابن أبي الدنيا في "كتاب التهجد" بإسناد جيد، ورواته محتجّ بهم في "الصحيح" (3)   (1) قلت: كذا هو في "أوسط الطبراني" (6/ 41/ 5083). ووقع في "المعجم الكبير" (12/ 446/ 13620) وغيره: "عن ابن عمر". ومدار إسنادهما على بعض مَن تُكلَّمَ في حفظهم، لكنْ لعل الثاني أرجح لأنه عند "كبير الطبراني" (13621) من طريق آخر، وهو مخرج في "الصحيحة" (2539). (2) قلت: هذا التوثيق إنما يصح بالنسبة لرواية الرجل الذي لم يسم، وأما رواية (الأسود بن يزيد) فلا يصح، لأن دونه (أبو جعفر الرازي)، قال النسائي نفسه عقب الحديث: "ليس بالقوي في الحديث". قلت: وبخاصة إذا خالف! (3) قلت: لم أقف على هذا الإسناد في نسخة "التهجد". انظر "الإرواء" (2/ 205). الحديث: 599 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 601 - (5) [صحيح] وعن أبي الدرداءِ رضي الله عنه يَبلغُ به النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن أتى فراشَه، وهو ينوي أنْ يقومَ يُصلي من الليلِ، فغلبتْه عينُه حتى أصبحَ، كُتِبَ له ما نوى، وكان نومُه صدقةً عليه من ربِّهِ". رواه النسائي وابن ماجه بإسناد جيد، وابن خزيمة في "صحيحه". ورواه النَّسائي أيضاً، وابن خزيمة عن أبي الدرداء وأبي ذرّ موقوفاً. قال الدارقطني: "وهو المحفوظ (1) "، وقال ابن خزيمة: "هذا خبر لا أعلم أحداً أسنده غير حسين بن علي عن زائدة، وقد اختلف الرواة في إسناد هذا الخبر". 602 - (6) [صحيح] وعن أبي ذرّ أو أبي الدرداء -شك شعبة- قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِن عبد يُحَدِّثُ نفسَه بقيامِ ساعةٍ من الليلِ فينامُ عنها؛ إلا كان نومُه صدقةً تَصَدَّقَ اللهُ بها عليه، وكتَبَ له أجرَ ما نوى". رواه ابن حبان في "صحيحه" مرفوعاً، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" موقوفاً، لم يرفعه. (2)   (1) قلت: ولكنّه لا يقال بالرأي فهو في حكم المرفوع، وقد صحَّحه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وهو مخرج في "الإرواء" (2/ 204/ 454). (2) قلت: تقدم الجواب عنه آنفاً. الحديث: 601 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 9 - (الترغيب في كلمات يقولهنّ حين يأوي إلى فراشه، وما جاء فيمن نام ولم يذكر الله تعالى). 603 - (1) [صحيح] عن البراء بنِ عازبٍ رضي الله عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا أتيتَ مضْجَعَكَ، (1) فتوضأْ وضوءَكَ للصلاةِ، ثم اضطجعْ على شِقِّكَ الأَيمن، ثم قلْ: (اللهم إنّي أسلمتُ نفسي إليكْ، ووجَّهْتُ وجهي إليك، وفوَّضتُ أمري إليك، وألجأتُ ظَهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجاً منك إلا إليك، آمنتُ بكتابك الذي أنزلتَ، ونبيِّك الذي أرسلتَ). فإنْ مُتَّ مِن ليلتِك فأنتَ على الفطرة، واجعلهُنَّ آخرَ ما تتكلم به". قال: فردَّدْتُها على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما بلغتُ (آمنتُ بكتابِك الذي أنزلْتَ)، قلت: ورسولِك! قال: "لا، ونبيِّك الذي أرسلتَ". (2) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وفي رواية للبخاري والترمذي: "فإنّك إنْ مُتَّ من ليلتِك، مُتَّ على الفطرةِ، وإنْ أصبحتَ أصبتَ خيراً". (أوى): غير ممدود   (1) هو حيثما جاء بفتح الجيم لا خلاف فيه، ومَن كسرها فقد أخطأ، فتنبَّهْ له، واعرفْ أنّ أهل اللغة والشيخ النووي وغير واحد نصّوا على فتح جيمه. كذا في "العجالة" (83). (2) فيه تنبيه قويٌّ على أنّ الأوراد والأذكار توقيفية، وأنّه لا يجوز فيها التصرّف بزيادة أو نقص، ولو بتغيير لفظ لا يفسد المعنى، فإنّ لفظ "الرسول" أعم من لفظة "النبي". ومع ذلك رده النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مع أنَّ البراء رضي الله عنه قاله سهواً لم يتعمده! فأين منه أولئك المبتدعة الذين لا يتحرّجون من أيِّ زيادة في الذكر، أوِ نقص منه؟! فهل من معتبر؟ ونحوهم أولئك الخطباء الذين يبدلون من خطبة الحاجة زيادة ونقصاً، وتقديماً وتأخيراً، فليتنبه لهذا منهم من كان يرجو الله والدار الآخرة. الحديث: 603 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 604 - (2) [صحيح] [قلت: ولفظ الشيخين في حديث علي المذكور في "الضعيف": عن ابن أبي ليلى: حدثنا عليٌّ: أنّ فاطمة اشتكتْ ما تلقى من الرَّحى في يدها، وأتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبْيٌ، فانطلقتْ، فلم تجده وَلَقِيَت عائشةَ، فأخَبَرَتْها، فلما جاء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبرته عائشةُ بمجيء فاطمة إليها، فجاء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلينا، وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "على مكانكما"، فقعد بيننا حتى وَجَدْتُ بَرْدَ قدمَيْه على صدري، ثم قال: "ألا أعلِّمْكما خيراً مما سألتما إذا أخذتما مضجَعكما؟ أنْ تكبِّرا اللهَ أربعاً وثلاثين، وتسبِّحاه ثلاثاً وثلاثين، وتحمداه ثلاثاً وثلاثين، فهو خيرُ لكما من خادم"] (1). 605 - (3) [حسن لغيره] وعن فروة بن نوفل عن أبيه رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لنوفل: "اقرأْ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ثم نَمْ على خاتِمَتِها؛ فإنّها براءةٌ من الشرك". رواه أبو داود -واللفظ له- والترمذي والنسائي متصلاً ومرسلاً، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد". 606 - (4) [صحيح] وعن عبد الله بن عَمروٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خَصلتان أو خُلتان لا يحافظُ عليهما عبدٌ مسلمٌ، إلا دخل الجنةَ، هما   (1) قلت: هذا لفظ الشيخين، لم أر إلا إيراده في الباب إتماماً للفائدة، وتمييزاً للصحيح عن الضعيف، وأما المعلقون الثلاثة فخلطوا، ولم يفرقوا بينهما، فصححوا الرواية الضعيفة، وعزوها للشيخين بالأرقام! فما أجرأهم على الكتاب بغير علم! هداهم الله. الحديث: 604 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 يسيرٌ، ومَنْ يَعملْ بهما قليل، يُسَبِّحُ في دبرِ كل صلاةٍ عشراً، وَيَحمَدُ عشراً، ويكبِّر عشراً، فذلك خمسون ومئةٌ باللسان، وألفٌ وخمسمئة في الميزان، ويُكَبِّرُ أربَعاً وثلاثين إذا أخذ مَضجَعَه، وَيحمَدُ ثلاثاً وثلاثين، ويسبِّح ثلاثاً وثلاثين، فتلك مئةٌ باللسان، وألفٌ في الميزان". فلقد رأيتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعْقِدها (1). قالوا: يا رسول الله! كيف "هما يسير، ومَن يعمل بهما قليل"؟ قال: "يأتي أحدَكم -يعني- الشيطانُ في منامِه، فينَوِّمُهُ قبلَ أنْ يقولَه، ويأتيه في صلاته فيذكِّره حاجةً قبل أنْ يقولَها". رواه أبو داود -واللفظ له- والترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح"، والنسائي وابن حبان في "صحيحه"، وزاد بعد قوله: "وألف وخمسمئة في الميزان": قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وأيُّكم يعمل في اليوم والليلةِ ألفين وخمسمئة سيئةٍ؟! ". 607 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من قال حين يأوي إلى فراشه: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)؛ غُفرت له ذنوبُه أو خطاياه -شك مِسعر- وإنْ كانت مثل زبد البحر". رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له، وعند النسائي: "سبحان الله وبحمده".   (1) زاد أحمد في رواية: "بيده"، وفي رواية لأبي داود: "بيمينه"، وسندها صحيح، وحسنها النووي وكذا الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار". ومَن زعم أنّها حكاية من ابن قدامة -الراوي- لا يحتج بها، فهو دليل على أنّه لا معرفة له بهذا العلم البتة. الحديث: 607 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 وقال في آخره: "غُفِرَتْ له ذنوبُه ولو كانت أكثر مِن زَبَد البحر". 608 - (6) [صحيح لغيره] وعن أبي عبد الرحمن الحُبْلي قال: أخرج إلينا عبدُ الله بنُ عمروٍ قرطاساً وقال: كانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلّمُنا؛ يقول: "اللهمَّ فاطرَ السمواتِ والأرضِ، عالمَ الغيبِ والشهادةِ، أنت ربُّ كلِّ شيء، وإلهُ كلّ شيءٍ، أشهدُ أن لا إله إلا أنت، أعوذُ بكَ من الشيطانِ وشِرْكِهِ، وأعوذُ بك أن أقترفَ على نفسي سُوءاً (1) وأجُرَّه إلى مسلم". قال أبو عبد الرحمن: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلمه عبد الله بن عمرو، يقول ذلك حين يريد أن ينام. رواه أحمد بإسناد حسن. 609 - (7) [حسن] وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من قالَ إذا أوى إلى فراشه: (الحمدُ لله الذي كفاني، وآواني، والحمدُ لله الذي أطعمني وسقاني، والحمد لله الذي منَّ عليَّ فأفضلَ)؛ فقد حَمِدَ اللهَ بجميعِ محامِدِ الخلقِ كلِّهم". رواه البيهقي، ولا يحضرني إسناده الآن. (2)   (1) في "المسند": "إثماً" بدل: "سوءاً". وهذا في "المسند" (2/ 196) في رواية أخرى. وقد خرجته في "الصحيحة" (3443). (2) ليس فيه من لا يُعرف غير خلف بن المنذر، وقد وثقه ابن حبان، وصحح الحديث الحاكم والذهبي، وقد خرجته في "الصحيحة" (3444). الحديث: 608 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 610 - (8) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وَكَّلني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحفظِ زَكاةِ رمضانَ، فأتاني آتٍ، فجعل يَحثو من الطعامِ، فأخذتُهُ، فقلت: لأرفَعَنَّكَ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: إنّي محتاجٌ، وعليَّ دَينٌ وعيالٌ، ولي حاجةٌ شديدةٌ. فَخَلَّيتُ عنه، فأصبحتُ، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أبا هريرة! ما فعل أسيرُك البارحةَ؟ ". قال: قلت: يا رسولَ الله! شكا حاجةً شديدةً وعيالاً، فَرحِمتهُ فخلَّيتُ سبيلَه، قال: "أمَا إنّه قد كَذَبَكَ وسَيعودُ". فعرفتُ أنه سيعودُ، لقول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّه سيعودُ"، فَرَصَدْتُهُ، فجاء يحثو من الطعام -وذكر الحديث إلى أنْ قال:- فأخذته -يعني في الثالثة- فقلت: لأرفعنَّكَ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا آخرُ ثلاثِ مراتٍ تزعمُ أنك لا تعود، ثم تعود، قال: دعني أعلَّمْكَ كلماتٍ يَنفعكَ اللهُ بها! قلتُ: ما هن؟ قال: إذا أويتَ إلى فراشِك، فاقرأْ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} حتى تَختِمَ الآية، فإنَّك لن يزالَ عليك من الله حافظ، ولا يقرَبُكَ شيطانٌ حتى تُصبحَ. فخلّيتُ سبيله، فأصبحتُ، فقال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما فعل أَسيرُك البارحةَ؟ ". قلت: يا رسول الله! زعم أنه يعلِّمني كلماتٍ ينفعني الله بها، فخلَّيتُ سبيلَه، قال: "ما هي؟ ". قلت: قال لي: إذا أويتَ إلى فراشِك فاقرأ آيةَ الكرسي، من أوَّلِها حتى تختِم الآية {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، وقال لي: لن يزال عليك من الحديث: 610 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 الله حافظٌ، ولا يقربُكَ شيطانٌ حتى تُصبحَ -وكانوا أحرصَ شيء على الخير- فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أما إنّه قد صَدَقَكَ، وهو كذوب، تَعلَمُ مَنْ تخاطبُ منذ ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة؟ ". قلتُ: لا. قال: "ذاك الشيطانُ". رواه البخاري وابن خزيمة وغيرهما. (1) قال الحافظ رحمه الله: "وفي الباب أحاديث كثيرة من فعل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليست من شرط كتابنا، أضربْنا عن ذكرها". 611 - (9) [حسن صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن اضطجع مَضجَعاً لم يَذكُرِ الله فيه؛ كان عليه تِرَةٌ يومَ القيامة، ومَن قعدَ مقعداً لم يذكرِ الله فيه؛ كان عليه تِرَةٌ يوم القيامة". رواه أبو داود، وروى النسائي منه ذكْر الاضطجاع فقط. (2) (التَّرَة) بكسر التاء المثناة فوق مخففاً: هو النقص، وقيل: التبعة.   (1) قلت: وهو عند البخاري معلقَّ، (رقم 363 - "مختصر البخاري")، فكان ينبغي الإشارة إلى ذلك. وفي معناه حديث أُبيَّ الآتي في باب "14 - أذكار الصباح والمساء"، وبلفظ آخر في "13/ 7 - الترغيب في قراءة آية الكرسي". (2) قلت: أخرجه النسائي كما ذكر المؤلف في "عمل اليوم الليلة" (475/ 818) الذي هو من كتابه "السنن الكبرى". لكنه رواه في مكان آخر منه (311/ 404) بتمامه مع تقديم الفقرة الأخرى على الأولى، وزاد بينهما: "ومَنْ قام مقاماً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة"!! الحديث: 611 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 10 - (الترغيب في كلمات يقولهنّ إذا استيقظ من الليل). 612 - (1) [صحيح] عن عبادة بنِ الصامتِ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن تعارَّ من الليل فقال: (لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، لهُ الملكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله)، ثم قال: (اللهم اغفر لي)، أو دعا؛ استُجيب له، فإنْ توضأ ثم صلَّى؛ قُبلتْ صلاتُه". رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. (تعارَّ) بتشديد الراء، أي: استيقظ. (1) وفي الباب أحاديث كثيرة من فعله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليست صريحة في الترغيب، لم أذكرها.   (1) قلت: وفي النهاية: "أي هب من نومه واستيقظ"، وتقدم نحوه وأوسع منه في التعليق على الحديث (598). الحديث: 612 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 11 - (الترغيب في قيام الليل). 613 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يَعقِدُ الشيطانُ على قافيةِ رأسِ أحدِكم إذا هو نامَ ثلاثَ عُقَدٍ، يَضربُ على كل عُقدةٍ: عليكَ ليلٌ طويلٌ فارْقَد! فإنِ استيقظَ فذكَرَ اللهَ تعالىَ انحلَّتْ عُقدةٌ، فإنْ توضَّأ انحلت عُقدةٌ، فإن صلّى انحلت عُقَدُه كلُّها (1)، فأصبح نشيطاً طيِّبَ النفسِ، وإلا أصبحَ خبيثَ النفس كسلانَ". [صحيح] رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وقال: "فيصبحُ نشيطاً طَيِّبَ النفسِ قد أصابَ خيراً، وإن لم يفعلْ أصبحَ كَسِلاً، خبيثَ النفسِ، لم يُصِبْ خيراً" (2). (قافية) الرأس: مؤخره، ومنه سُمي آخر بيت الشِّعر قافية. 614 - (2) [صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من ذكرٍ ولا أنثى إلا على رأسِه جَريرٌ معقودٌ حين يَرقُد بالليل، فإنِ   (1) قلت: في تفسير "العقد أقوال، والأقرب أنَّه على حقيقته، بمعنى السحر للإنسان، ومنعه من القيام، كما يعقد الساحر مَن سحرَه، كما أخبر بذلك المولى تعالى ذكره في كتابه: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} فالذي خُذِلَ يعمل فيه، والذي وُفِّق يصرف عنه. ومما يدل على أنَّه على الحقيقة، ما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعاً: "على قافية رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد" الحديث. وما رواه ابن خزيمة وكما يأتي في هذا الباب عن جابر رضي الله عنه: "على رأسه جرير معقود"، وفسِّر الجرير بالحبل. (2) في الأصل هنا: (وروى ابن خزيمة في "صحيحه" نحوه؛ وزاد في آخره: "فحلوا عُقدَ الشيطان ولو بركعتين"). ولما كانت هذه الزيادة لا تصح عندي؛ لشذوذها وتفرد (علي بن قرة بن حبيب) بها -ولم أعرفه- أعرضت عن ذكرها إلا منبهاً لضعفها، وعن ذكرها في "الضعيف" أيضاً، لأنها لا فائدة تذكر دون ما قبلها. كما بينت المقدمة. الحديث: 613 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 استيقظَ فذكرَ اللهَ انحلت عُقدةٌ، وإذا قام فتوضَّأَ وصلَّى انحلتِ العُقَدُ، وأصبح خفيفاً طيِّبَ النفس، قد أصاب خيراً". رواه ابن خزيمة في "صحيحه" وقال: " (الجرير): الحبل". ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ويأتي لفظه [16 - البيوع/ 13]. 615 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أفضلُ الصيامِ بعدَ رمضانَ شهرُ الله المحرَّمُ، وأفضلُ الصلاة بعد الفريضة صلاةُ الليل". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه". 616 - (4) [صحيح] وعن عبد الله بن سلامٍ رضي الله عنه قال: أوَّلَ ما قَدِمَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينةَ انَجَفَلَ الناسُ إليه، فكنتُ فيمَن جاءه، فلما تأمَّلتُ وجهَهُ واستَبَنْتُه، عرفتُ أنَّ وجهه ليس بوجه كَذَّاب، قال: فكان أولَ ما سمعتُ من كلامِه أنْ قال: "أيها الناس! أفشوا السلامْ، وأطعموا الطعامْ، وصِلوا الأرحامْ، وصَلوا بالليل والناس نيامْ؛ تدخلوا الجنة بسلامْ". (1) رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح"، وابن ماجه، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط الشيخين". (انجفلَ) الناس، بالجيم؛ أي: أسرعوا ومضَوا كلهم. (استبنتُه) أي: تحققَّته وتبيَّنته.   (1) هذا وكل ما يشبهه مما سبق أو يأتي من الكلام المقفَّى المسجع قَلْ أو كثر، يقف القارئ على كل فصل منه، ولا يعرَب آخره مراعاة للسجع والوزن، ونظيره: "الله أكبرْ، خَرِبت خيبرْ"، وما في معناه، كما في العجالة (89 - 90)، وقد أطال القول فيه. الحديث: 615 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 617 - (5) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن عَمروٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "في الجنةِ غرفةٌ يُرى ظاهرُها من باطِنها، وباطِنُها من ظاهرها". فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسولَ الله؟ قال: "لِمَنْ أطابَ الكلامْ، وأطعم الطعامْ، وباتَ قائماً والناس نيامْ". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن، والحاكم، وقال: "صحيح على شرطهما". 618 - (6) [صحيح لغيره] وعن أبي مالكٍ الأشعري رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنّ في الجنة غرفاً يُرى ظاهرُها مِن باطِنِها، وباطنُها من ظاهرِها، أعدَّها الله لِمَنْ أطعم الطعامْ، وأفشى السلامْ، وصلى بالليل والناسُ نيامْ". رواه ابنُ حبان في "صحيحه". [صحيح لغيره] وتقدم حديث ابن عباس في "صلاة الجماعة" [5 - الصلاة/ 16 رقم (7)]، وفيه: "والدرجات: إفشاءُ السلامْ، وإطعام الطعامْ، والصلاة بالليل والناس نيامْ". رواه الترمذي وحسنه. 619 - (7) [صحيح] وعن المغيرةِ بن شُعبةَ رضي الله عنه قال: قام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى تَوَرَّمَت قدماه، فقيل له: قد غفر اللهُ لك ما تقدم من ذنبِك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً؟! ". رواه البخاري ومسلم والنسائي (1). وفي رواية لهما (2) وللترمذي: قال:   (1) قال الناجي (90) ما خلاصتهُ: "غفل المصنف عن ابن ماجه، ولا شك أنَّ اللفظ المذكور للبخاري في "التفسير" سوى لفظة "قد" وهي لابن ماجه، وقبلها: "يا رسول الله". (2) بل هما للبخاري في "التهجد"؛ دون مسلم والترمذي. الحديث: 617 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 إنْ (1) كان النبي لَيَقُومُ أو لَيُصَلِّي حتى تَرِمَ قدماه، أو ساقاه، فيقالُ له؟ فيقول: "أفلا أكون عبداً شكوراً؟! ". 620 - (8) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقوم حتى تَرِمَ قدماه، فقيل له: أيْ رسولَ الله! أتصنع هذا وقد جاءك مِنَ الله أنْ (قد غَفرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر)؟ قال: "أفلا أكون عبد أشكوراً؟! ". رواه ابن خزيمة في "صحيحه". (2) 621 - (9) [صحيح] وعن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقوم من الليل حتى تَتَفَطَّرَ (3) قدماه، فقلت له: لِم تصنعُ هذا وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أحبُّ أَنْ أكونَ عبداً شكوراً؟! ". رواه البخاري ومسلم.   (1) كلمة (إنْ) مخففة من الثقيلة، وهي بكسر الهمزة، وضمير الشأن محذوف والتقدير؛ إنه كان. واللام في (لَيقوم) مفتوحة للتأكيد، ولفظة (ترِم) منصوبة بـ (أنْ) المقدرة، وهي بفتح التاء المثناة من فوق، فعل مضارع للمؤنث، وماضيه (ورِم) مَن باب (ورِث يرِث)، بالكسر فيهما، ومعنى (ورم): انتفخ. (2) قال الناجي: "وهو عجيب! فقد رواه الترمذي في "الشمائل"، وابن ماجه". قلت: والنسائي أيضاً (1/ 244) مختصراً. (3) هكذا بتاءين في أوله، وفي رواية (تَفَطَّر) بوزن تفعَّل بالتشديد بتاء واحدة، أي: تشقّق. والله أعلم. الحديث: 620 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 622 - (10) [صحيح] وعن عبدِ الله بن عَمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أَحَبُّ الصلاةِ إلى اللهِ صلاةُ داودَ، وأحبُّ الصيامِ إلى الله صيامُ داودَ؛ كان ينامُ نصفَ الليل، ويقومُ ثُلُثَه، وينام سُدُسَه، ويصوم يوماً، ويُفطِر يوماً". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وذكر الترمذي منه الصوم فقط. 623 - (11) [صحيح] وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ في الليلِ لساعةً لا يوافقها رجلٌ مسلمٌ يسأَلُ اللهَ خيراً من أمرِ الدنيا والآخرةِ؛ إلا أعطاهُ إياه، وذلك كلَّ ليلةٍ". رواه مسلم. 624 - (12) [حسن لغيره] وعن أبي أمامةَ الباهلي رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "عليكم بقيام الليل، فإنَّه دأبُ الصالحين قبلكم، وقُربةٌ إلى ربَّكم، ومَكْفَرَةٌ للسيئات، ومَنْهاةٌ عن الإثمِ". رواه الترمذي في "كتاب الدعاء" من "جامعه"، وابن أبي الدنيا في "كتاب التهجد" وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم؛ كلهم من رواية عبد الله بن صالح كاتب الليث. (1) وقال الحاكم: "صحيح على شرط البخاري". 625 - (13) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رَحِمَ الله رجلاً قام من الليل فصلّى وأيقظ امرأتَه، فإنْ أبتْ نَضَحَ في   (1) قلت: لكنه يتقوّى بحديث سلمان الفارسي المذكور في الأصل عقبه، وقد قال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (1/ 321): "رواه الطبراني في "الكبير"، والبيهقي بسند حسن". وفي حديث سلمان زيادة أوردتُه من أجلها في الكتاب الآخر. الحديث: 622 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 وجهها الماءَ، ورَحِمَ اللهُ امرأةً قامتْ من الليل فصلَّتْ وأيقظَتْ زوجَها، فإنْ أبى نضَحَتْ في وجهه الماءَ". رواه أبو داود -وهذا لفظه-، والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط مسلم". وعند بعضهم "رشَّ" و"رشَّت"، بدل "نضح" و"نضحت"، وهو بمعناه. 626 - (14) [صحيح] وعن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا أيقظَ الرجلُ أهلَه من الليلِ فصلَّيا، أو صلّى ركعتين جميعاً كُتِبا في (الذاكرين والذاكرات) ". رواه أبو داود، وقال: "رواه ابن كثير موقوفاً على أبي سعيد، ولم يذكر أبا هريرة". (1) ورواه النسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم؛ وألفاظهم متقاربة: "مَن استيقظ من الليل وأيقظ أهلَه، فصلَّيا ركعتين -زاد النسائي: جميعاً-؛ كُتِبا من {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} ". قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين".   (1) قلت: إسناد المرفوع صحيح، وقد صححه جمع، ولا يضيره رواية ابن كثير موقوفاً، لأنّ الرفع زيادة ثقة واجب قبولها، لا سيما وله طريق آخر مرفوع عن أبي سعيد وحده رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير"، وهو مخرج في "الروض النضير" (962)، ثم إنَّ النسائي إنما رواه في "الكبرى" (1/ 413/ 1310)! بخلاف حديث أبي هريرة الذي قبله فهو قد رواه في "الصغرى" (1/ 239)! وهما مخرَّجان في "صحيح أبي داود" (1181 و1182). الحديث: 626 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 627 - (15) [حسن لغيره] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنهما قال: جاء جبريل إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "يا محمد! عِشْ ما شئتَ فإنك ميتٌ، واعمل ما شئتَ فإنك مجزيٌّ به، وأحبِبْ من شئتَ فإنك مفارقُه، واعلم أنّ شرفَ المؤمنِ قيامُ الليلِ، وعزَّه استغناؤه عن الناس". رواه الطبراني في "الأوسط"، وإسناده حسن (1). 628 - (16) [صحيح] عن عَمرو بن عبْسةَ (2) رضي الله عنه؛ أنه سمع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أقربُ ما يكون الربُّ من العبدِ في جوفِ الليل الآخِرِ، فإنِ استطعتَ أنْ تكونَ ممن يذكرُ اللهَ في تلك الساعة، فَكُنْ". رواه الترمذي -واللفظ له-، وابن خزيمة في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب". 629 - (17) [حسن] وعن أبي الدرداءِ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثةٌ يحبُّهم اللهُ، ويضحكُ إليهم، وَيستبشرُ بهم: الذي إذا انكشفتْ فِئةٌ قاتلَ وراءها بنفسه لله عز وجل، فإمّا أنْ يُقتَلَ، وإمّا أنْ ينصرَه اللهُ ويكفيَه، فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه؟! والذي له امرأة حَسَنَةٌ، وفراشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ، فَيَقُومُ من الليلِ، فيقولُ: يَذَرُ شهوتَه وَيذكرني، ولو شاء رَقَدَ.   (1) فيه نظر بينته على هامش الأصل، ثم وجدت له شواهد فخرجته في "الصحيحة" (831 و1903). (2) الأصل: (عنبسة)، وكذا في المخطوطة وغيرها، وهو خطأ وقع أيضاً في الحديث المتقدم "4 - الطهارة/ 7". الحديث: 627 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 والذي إذا كان في سفرٍ، وكان معه ركب، فسهروا، ثم هَجَعُوا، فقام من السَّحَرِ في ضرَّاءَ وسرَّاءَ". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن. (1) 630 - (18) [حسن لغيره] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "عجب ربُّنا من رجلين: رجلٍ ثارَ (2) عن وِطائه ولِحافِه، من بين أهله وحِبِّه إلى صلاتِه، فيقول الله جل وعلا: [أيا ملائكتي] (3) انظروا إلى عبدي ثارَ عن فِراشِه وَوِطائه، من بين حِبِّه وأهلِهِ إلى صلاتِه؛ رغبةً فيما عندي، وشفقةً مما عندي، ورجلٌ غزا في سبيلِ اللهِ وانهزمَ أصحابُه، وعلم ما عليه في الانهزامِ، وماله في الرجوعِ، فرجع حتى يُهريقَ دَمَه، فيقول الله [لملائكته] (4): انظروا إلى عبدي رجع رجاءَ فيما عندي، وشفقةً مما عندي، حتى يُهرَيقَ دَمَهُ". رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني وابن حبان في "صحيحه". [صحيح لغيره موقوف] ورواه الطبراني موقوفاً (5) بإسناد حسن، ولفظه: إنّ الله ليضحك إلى رجلينِ: رجلٍ قام في ليلةٍ باردةٍ من فِراشِه ولِحافِهِ ودِثاره (6) فتوضأَ، ثم قام إلى الصلاة، فيقول الله عز وجل لملائكته: ما حَمَلَ   (1) قلت: لقد رواه من أولى بالعزو إليه، وهو الحاكم، وصححه على شرطهما، وفيه نظر بينته في "الصحيحة" (3478). (2) أي: نهض ووثب. و (الوِطاء): خلاف الغطاء، وفي "المصباح": "وزان الكتاب: المهاد الوطيء". و (حِبِّه) أي: حبيبه. ووقع في "المسند" (حَيِّه)! (3) زيادة من "المسند". (4) زيادة من "المسند" وابن حبان. (5) قلت: وكذا قال الهيثمي، وهو في حكم المرفوع، كما لا يخفى. ورواه ابن أبي الدنيا أيضاً، فانظر "الصحيحة" (3478). (6) (الدثار): الغطاء، ومنه (دثروني) أي: غطوني. الحديث: 630 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 عبدي هذا على ما صَنع؟ فيقولون: رَبَّنا! رجاءَ ما عندك، وشفقة مما عندك. فيقول: فإنّي قد أعطيتُه ما رجا، وأمَّنتُه مما يخاف، وذكر بقيَّته. 631 - (19) [حسن لغيره] وعن عُقبة بنِ عامرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الرجل من أمّتي يقومُ من الليلِ يعالجُ نفسَه إلى الطَّهور، وعليه عُقَد، فإذا وضَّأَ يديه انحلتْ عُقدةٌ، وإذا وضّأ وَجْهَهُ انحلت عُقدةٌ، وإذا مسح رأسَه انحلت عُقدةٌ، وإذا وضّأ رجليه انحلت عقدةٌ. فيقولُ الله عز وجل للذين وراء الحجاب: انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسَه، ويسألني، ما سألني عبدي هذا فهو له". رواه أحمد وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له. 632 - (20) [صحيح] وعن عبد الله بن أبي قَيْس (1) قال: قالت عائشة رضي الله عنها: لا تَدَعْ قيامَ الليلِ، فإنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لا يدعه، وكان إذا مَرض، أو كسِل صلّى قاعداً. رواه أبو داود وابن خزيمة في "صحيحه". 633 - (21) [صحيح لغيره موقوف] وعن طارق بن شهاب: أنَّه باتَ عند سلمانَ رضي اللهُ عنه لينظر اجتهادَه، قال: فقام يصلّي من آخرِ الليلِ، فكأنَّه لم يَرَ الذي كان يظن، فذكرَ ذلك له، فقال سلمان:   (1) في الأصل: "أبي قبيس"، والتصويب من المخطوطة و"السنن" (1317) وكتب الرجال. وفي مطبوعة عمارة: "عبد بن أبي قيس"، وفي "المختصر": "عبد الله بن قيس"، وكلّه خطأ. الحديث: 631 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 حافظوا على هذه الصلواتِ الخمسِ، فإنَّهن كفاراتٌ لهذه الجِراحاتِ، ما لم تُصَبِ المقْتَلةُ، فإذا صلَّى الناسُ العشاءَ صدروا عن ثلاثِ منازلَ، منهم مَن عليه ولا له، ومنهم مَن له ولا عليه، ومنهم مَن لا لَه ولا عليه: فرجل اغتنم ظُلمةَ الليل وغَفْلَة الناسِ فركب فرسه في المعاصي، فذلك عليه ولا له، ومَن له ولا عليه فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فقامَ يصلّي، فذلك له ولا عليه، ومَن لا له ولا عليه: فرجل صلَّى ثم نام، [فذلك] (1) لا له ولا عليه، إياك والحقحَقةَ، وعليك بالقصد، وداوِمْ (2). رواه الطبراني في "الكبير" موقوفاً بإسناد لا بأس به، ورفعه جماعة. [تقدم مرفوعاً نحوه/ 5 - الصلاة/ 13]. (الحَقْحَقَة) بحاءين مهملتين مفتوحتين وقافين الأولى ساكنة، والثانية مفتوحة: هو أشد السير. وقيل: هو أن يجتهد في السير ويلح فيه حتى تعطب راحلته، أو تقف، وقيل غير ذلك. 634 - (22) [حسن لغيره] وعن سَمُرةَ بنِ جُندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول لنا: "ليس في الدنيا حسدٌ إلا في اثنَتَين: الرجلُ يَغْبطُ الرجلَ أنْ يُعطيَه اللهُ المالَ الكثيرَ فَيُنفِقَ منه، فَيُكثِرُ النفقَة، يقول الآخر: لو كان لي مالٌ لأنَفقتُ مثلَ ما ينفق هذا وأحسنَ، فهو يحسده، ورجل يقرأ القرآنَ فيقومُ الليلَ، وعنده رجل إلى جنبه لا يعلمُ القرآنَ، فهو يحسده على قيامه، أو على ما علَّمه الله عز وجل القرآنَ، فيقول: لو علَّمني اللهُ مثلَ هذا لقمت مثلَ ما يقوم". رواه الطبراني في "الكبير"، وفي سنده لين.   (1) زيادة من "المجمع" يقتضيها السياق. (2) كذا الأصل، وهو الموافق لأصله "الطبراني" (6/ 266)، ولأصل هذا، فإنه رواه عن عبد الرزاق، وهذا في "المصنف" (148 و4736)، وفي المخطوطة و"المجمع" ومطبوعة الثلاثة: (ودوامه). الحديث: 634 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 (الحسد): يطلق ويراد به تمنَّي زوال النعمة عن المحسود، وهذا حرام بالاتفاق. ويطلق ويراد به الغبطة، وهو تمني حالة كحالة المُغبَط، من غير تمني زوالها عنه، وهو المراد في الحديث وفي نظائره، فإن كانت الحالة التي عليها المُغبَط محمودة؛ فهو تمنٍّ محمود، وإنْ كانت مذمومة؛ فهو تمنٍّ مذموم، يأثم عليه المتمنِّي. 635 - (23) [صحيح] وعن عبد الله [بن عمر] (1) قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا حسد إلا في اثنَتين: رجلٌ آتاه الله القرآنَ، فهو يقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، ورجلٌ آتاه الله مالاً، فهو ينفقه آناء الليل وآناءَ النهار". رواه مسلم وغيره. 636 - (24) [حسن صحيح] وعن يزيدَ بنِ الأخنَس -وكانت له صحبة رضي الله عنه- أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تنافسَ [بينكم] إلا في اثنتين: رجلٌ أعطاه الله قرآناً فهو يقوم به آناءَ الليلِ والنهارِ، [ويتَّبع ما فيه] (2)، فيقول رجل: لو أنَّ الله أعطاني ما أعطى فلاناً فأقوم به كما يقوم، ورجلٌ أعطاه الله مالاً، فهو يُنفِق منه ويتصدَّق، فيقول رجلٌ مثلَ ذلك". رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات مشهورون. (3)   (1) سقطت من الأصل ومطبوعة الثلاثة، وهو خطأ، لأنه يعني أنه عبد الله بن مسعود، إذ هو المراد عند الإطلاق، وليس هو راوي الحديث بهذا اللفظ. وإنما هو عبد الله بن عمر. كذلك هو عند مسلم (2/ 201)، فكان ينبغي تقييده، ورواه البخاري أيضاً، وقد أخرجاه عن ابن مسعود أيضاً، لكنْ بلفظ مغاير لهذا كما سيأتي (8 - الصدقات/ 15). (2) هذه الزيادة والتي قبلها من "كبير الطبراني" (22/ 239/ 226)، و"الأوسط" أيضاً (3/ 142/ 2292)، وكذا "مسند أحمد"، و"مسند الشاميين" أيضاً (2/ 214 - 215)، و"مجمع الزوائد". (3) قلت: وكذا قال في "المجمع" (2/ 256)، وصنيعهما يشعر أن الحديث لم يروه أحمد في "مسنده"، وإلا لعزياه إليه! وهو ذهول، فقد أخرجه فيه (4/ 104) بسند جيد. الحديث: 635 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 637 - (25) [صحيح] ورواه أبو يعلى من حديث أبي سعيد نحوه بإسناد جيد. (1) 638 - (26) [حسن] وعن فَضالةَ بنِ عُبيدٍ وتميمٍ الداريّ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن قرأَ عشرَ آياتٍ في ليلةٍ كُتِبَ له قنطارٌ [من الأجر]، (2) والقنطارُ خيرٌ من الدنيا وما فيها، فإذا كان يومُ القيامة يقول ربك عز وجل: اقرأْ وارْقَ بكل آية درجةً، حتى ينتهي إلى آخر آية معه، يقول الله عز وجل للعبد: اقبضْ. فيقول العبدُ بيده: يا رب! أنتَ أعلم. يقول: بهذه (3) الخلد؛ وبهذه النعيم". رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بإسناد حسن، وفيه إسماعيل بن عيَّاش عن الشاميين، وروايته عنهم مقبولة عند الأكثرين (4). 639 - (27) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بنِ العاصِ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن قام بعشر آياتٍ لم يُكْتَبْ من الغافلين، ومَن قام بمئةِ آية كُتبَ من القانتين، ومَن قام بألف آيةٍ كُتِبَ من المُقَنْطَرين".   (1) قلت: أخرجه في "مسنده" (2/ 340/ 1085)، لكن يقال فيه ما قيل في الذي قبله، فقد أخرجه أحمد أيضاً (2/ 479) بسند صحيح عن أبي صالح عن أبي سعيد، وفي رواية عن أبي صالح عن أبي هريرة، وهذه عند البخاري أيضاً. (2) سقطت من الأصل، واستدركتها من "مجمع البحرين". (3) أي: اقبض يمينك على الخلد، وشمالك على النعيم؛ كما في رواية أخرى لابن عساكر، وفي أولها زيادة، وقد خرجتها في "الضعيفة" (5495). (4) وفيه أيضاً القاسم أبو عبد الرحمن، وهو حسن الحديث. انظر "المعجم الكبير" (2/ 38/ 1253) و"الأوسط" (9/ 205/ 8446). الحديث: 637 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 رواه أبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه"؛ كلاهما من رواية أبي سَويَّة (1) عن أبي حُجَيرةَ عن عبد الله بن عمرو. وقال ابن خزيمة: "إن صح الخبر فإني لا أعرف أبا سَويَّة (2) بعدالةٍ ولا جرح". (3) قوله: "من المقنطَرين" أي: ممن كتب له قنطار من الأجر. (قال الحافظ): "مِن سورة {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} إلى آخر القرآن ألف آية. والله أعلم". 640 - (28) [صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن حافظ على هؤلاءِ الصلواتِ المكتوباتِ لم يَكُنْ من الغافلين، ومَن قرأ في ليلةٍ مئةَ آيةٍ؛ لم يُكتبْ من الغافلين، أو كُتب من القانتين" (4). رواه ابن خزيمة في "صحيحه". [صحيح لغيره] وفي رواية له [يعني الحاكم] قال فيها: "على شرط مسلم" أيضاً: "مَن قرأ عَشر آياتٍ في ليلة؛ لم يُكتبْ من الغافلين".   (1) الأصل "سرية" في الموضعين، وكذا في مطبوعة عمارة، وهو خطأ، والتصويب من "السنن" وكتب الرجال والمخطوطة. (2) الأصل "سرية" في الموضعين، وكذا في مطبوعة عمارة، وهو خطأ، والتصويب من "السنن" وكتب الرجال والمخطوطة. (3) قلت: لكن قد روى عنه جماعة من الثقات، ولذلك قال الحافظ فيه: "صدوق". وهو مخرج في "الصحيحة" (642). (4) هكذا الرواية بالشك، والمعتمَد دون جملة "لم يُكتَب من الغافلين"؛ لأنّ هذه فيمَن قام بعشر، ومن قام بمئة كتب من القانتين كما في حديث ابن عمرو المتقدم، ويشهد للأول رواية الحاكم الآتية، انظر "الصحيحة". الحديث: 640 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 12 - (الترهيب من صلاة الإنسان وقراءته حال النعاس). 641 - (1) [صحيح] عن عائشةَ رضي الله عنها؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا نَعَسَ (1) أحدُكم في الصلاة فليرقُدْ حتى يذهبَ عنه النومُ، فإنَّ أحدَكم إذا صلَّى وهو ناعسٌ؛ لعله يذهبُ يستغفرُ، فَيَسُبَّ نفسَه". [صحيح] رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه. والنسائي، ولفظه: "إذا نَعَسَ أحدُكم وهو يصلِّي فلينصرف، فلعلَّه يدعو على نفسه، وهو لا يدري". 642 - (2) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا نَعَسَ أحدُكم في الصلاةِ فلينَمْ، حتى يعلمَ ما يقرأُ". [صحيح] رواه البخاري. والنسائي؛ إلا أنّه قال: "إذا نَعَسَ أحدُكم في صلاته فلينصرف ولْيَرْقدْ". 643 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا قام أحدُكم من الليلِ فاستُعْجِمَ القرآنُ (2) على لسانهِ، فلم يَدْرِ ما يقول؛ فليضطجِعْ". رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه رحمهم الله تعالى.   (1) بفتح العين لا بالضم ولا بالكسر. كذا في "العجالة"، وقال في "المحكم": (النعاس): النوم، وقيل: ثقْلتُه، والمراد به هنا أول النوم ومقدّمته. وقوله: (فليرقد) أي: فلينَمْ. وقوله: (فيسبَّ نفسه) أي: يدعو على نفسه كما في رواية النسائي الآتية. (2) أي: استُغلِق، ولم ينطق به لسانه. كأنّه صار به عُجْمة، لغلبة النعاس. الحديث: 641 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 13 - (الترهيب من نوم الإنسان إلى الصباح، وترك قيام شيء من الليل). 644 - (1) [صحيح] عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ذُكِرَ عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ نامَ ليلةً حتى أصبحَ: (1) قال: "ذاكَ رجل بالَ الشيطانُ في أذنَيه، -أو قال: في أذنه-". رواه البخاري ومسلم والنسائي، وابن ماجه وقال: "في أذنيه". على التثنية من غير شك. 645 - (2) [صحيح لغيره] ورواه أحمد بإسناد صحيح (2) عن أبي هريرة، وقال: "في أذنه". على الإفراد من غير شك، وزاد في آخره: قال الحسن: "إن بولَه واللهِ ثقيل! ". 646 - (3) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا عبدَ اللهِ! لا تكنْ مثلَ فلان، كان يقومُ الليلَ، فَتَرَكَ قِيامَ الليلِ". رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم. 647 - (4) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يَعقِدُ الشيطان على قافيةِ رأسِ أحدِكم إذا هو نام ثلاثَ عُقَد، يَضربُ على كل عُقدةٍ: عليكَ ليلٌ طويلٌ فارقُدْ، فإنِ استيقَظَ فذكر الله انحلتْ   (1) زاد البخاري في رواية: "ما قام إلى الصلاة". والظاهر أنها صلاة الصبح، وكأنَّ البخاري أشار إلى ذلك بأنْ ساق قبل هذا قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث الرؤيا المتقدم "5 - الصلاة/ 40": "أما الذي يُثلَغُ رأسه بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة". وأيَّده الحافظ في "الفتح" (3/ 22) برواية ابن حبان في "صحيحه" بلفظ: "نام عن الفريضة". (2) كذا قال، وفيه عنعنة الحسن البصري، لكن يشهد له الرواية الأخرى فيما قبله. الحديث: 644 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 عُقْدةٌ، فإنْ توضّأ انحلَّت عقدةٌ، فإنْ صلَّى انحلَّتْ عقدةُ، فأصبح نشيطاً طيِّبَ النفس، وإلاَّ أصبحَ خبيثَ النفس كسلان". رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجه وعنده: "فيصبِحُ نشيطاً طَيبَ النفسِ قد أصاب خيراً، إنْ لم يفعلْ أصبحَ كسْلانَ خَبيثَ النفسِ، لم يُصِبْ خيراً". وتقدم في الباب قبله [!، بل 11 - "الترغيب في قيام الليل" رقم (1)]. 648 - (5) [صحيح] وعنه [يعني جابراً] رضي الله عنه أيضاً؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِن مسلمٍ ذكرٍ ولا أنثى ينامُ إلا وعليه جَرير معقودٌ، فإنْ هو توضأَ وقام إلى الصلاةِ؛ أصبحَ نشيطاً قد أصاب خيراً، وقد انحلت عُقَدُه كلُّها، وإنِ استيِقظَ ولم يذكرِ الله؛ أصبحَ وعُقَدُه عليه، وأصبحَ ثقيلاً كسلانَ، ولم يُصِبْ خيراً". رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، واللفظ لابن حبان، وتقدم لفظ ابن خزيمة [هنا في الباب 11 رقم (2)]. الحديث: 648 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 14 - (الترغيب في آيات وأذكار يقولها إذا أصبح وإذا أمسى). 649 - (1) [حسن صحيح] عن معاذِ بنِ عبدِ اللهِ بن خُبَيْبٍ عن أبيه رضي الله عنه أنّه قال: خرجنا في ليلةٍ مطرٍ وظلمةٍ شديدةٍ نطلبُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليصليَ بنا، فأدركناه، فقال: "قل". فلم أقُلْ شيئَاً، ثم قال: "قل". فلم أقل شيئاً. ثم قال: "قل". قلتُ: يا رسولَ الله! ما أقول؟ قال: " (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (المعوذتين) حين تُمسي، وحين تصبح ثلاث مرات؛ تَكفيك من كل شيء". رواه أبو داود -واللفظ له- والترمذي، وقال: "حسن صحيح غريب". ورواه النسائي مسنداً ومرسلاً. 650 - (2) [صحيح] وعن شدادِ بنِ أوسٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "سيدُ الاستغفارِ [أنْ يقول العبدُ] (1): (اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدِك ووعدِك ما استطعتُ، أعوذ بك من شر ما صنعتُ، أبوءُ لك بنعمتِك علي، وأبوءُ [لك] بذنبي، فاغفرْ لي، إنَّه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، مَن قالها موقناً بها حين يمسي، فمات من ليلته؛ دخل الجنة، ومن قالها موقناً بها حين (2) يصبح، فمات من يومه؛ دخل الجنة". [صحيح لغيره] رواه البخاري والنسائي والترمذي، وعنده:   (1) زيادة من النسائي، وكذا البخاري، وسياقهما يختلف عما هنا في بعض الكلمات، بلْهَ الترمذي. (2) في الأصل ومطبوعة عمارة: "حتى"، وهو خطأ مخالف لجميع روايات الحديث عند من عزاه المؤلف إليهم، وغيرهم. والزيادة للبخاري والنسائي، وهو مخرج في "الصحيحة" (1747) تحت حديث الترمذي. الحديث: 649 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 لا يقولها أحدٌ حين يمسي، فيأْتي عليه قَدَرٌ قبل أن يُصبح؛ إلا وجَبَتْ له الجنة، ولا يقولها حين يصبح، فيأتي عليه قَدَرٌ قبل أنْ يمسيَ؛ إلا وجَبَتْ له الجنة. وليس لشداد في البخاري غير هذا الحديث. 651 - (3) [صحيح لغيره] ورواه أبو داود وابن حبان والحاكم من حديث بُريدة رضي الله عنه. (أبوء) بباء موحَّدة مضمومة وهمزة بعد الواو ممدوداً معناه: أُقِرُّ وأعترف. 652 - (4) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! ما لقيتُ من عقربٍ لَدَغَتْني البارحة! قال: "أمَا لو قلتَ حين أمسيتَ: (أعوذ بكلماتِ الله التامَّاتٍ من شر ما خلق)؛ لم تضرَّك". [صحيح] رواه مالك ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، والترمذي وحسنه، ولفظه: "مَن قال حين يُمسي ثلاث مرات: (أعوذ بكلماتِ الله التامَّاتِ من شر ما خلق)؛ لم تَضُرَّهُ حُمَةٌ تلك الليلة". قال سهيل: فكان أهلُنا تعلَّموها، فكانوا يقولونها كلَّ ليلة، فلُدِغتْ جاريةٌ منهم، فلم تجد لها وَجَعاً. ورواه ابن حبان في "صحيحه" بنحو الترمذي. (الحُمَة) بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم: هو السم، وقيل: لدغة كل ذي سم، وقيل غير ذلك. الحديث: 651 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 653 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من قال حين يُصبحُ وحين يُمسي: (سبحانَ الله وبحمده) مئة مرة، لم يأتِ أحدٌ يوم القيامة بأفضلَ مما جاء به، إلاَّ أحدٌ قال مثلَ ما قال، أو زاد عليه". [صحيح] رواه مسلم -واللفظ له- والترمذي والنسائي. وأبو داود، وعنده: "سبحانَ الله العظيم وبحمده". ورواه ابن أبي الدنيا، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، ولفظه: "من قال إذا أصبحَ مئةَ مرةٍ، وإذا أمسى مئة مرة: (سبحان الله وبحمده)؛ غُفرت ذنوبُه وإنْ كانت أكثرَ من زبَدِ البحرِ". 654 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن قال: (لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير) في يوم مئة مرة؛ كانت له عِدل عَشرِ رقاب، وكُتب (1) له مئةُ حسنة، ومحيت عنه مئةُ سيئة، وكانت له حِرْزاً (2) من الشيطان يومَه ذلكَ حتى يُمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضلَ مما جاء به، إلا رجلٌ عمل أكثرَ منه". رواه البخاري ومسلم. 655 - (7) [صحيح] وعن أبَانَ بنِ عثمانَ قال: سمعت عثمانَ بنَ عفانَ رضي الله عنه يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من عبدٍ يقول في صباحِ كلِّ يومٍ، ومساءِ كلِّ ليلةٍ: (بسم الله الذي   (1) أي: كُتب القول المذكور، وفي رواية بالتأنيث. (2) بكسر الحاء المهملة وسكون الراء وبالزاي: الموضع الحصين، والعَوذة. والله أعلم. الحديث: 653 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 لا يَضُرُّ مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم) ثلاث مرات؛ فيضرَّه شيء". وكان أبان قد أصابه طَرَفُ (1) فالَجٍ، فجعل الرجلُ ينظرُ إليه! (1) فقال أبانُ: ما تنظر؟ أمَا إنَّ الحديثَ كما حدَّثتُكَ، ولكني لم أقُلْهُ يومئذ؛ لِيُمضِيَ اللهُ قَدَرَه. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، والترمذي وقال: "حديث حسن غريب صحيح". وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 656 - (8) [صحيح] وعن أبي عَيَّاش رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن قال إذا أصبحَ: (لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير)؛ كان له عِدلُ رقبة من وَلدِ إسماعيل، وكُتِب له عشرُ حسناتٍ، وحُطَّ عنه عشرُ سَيئاتٍ، ورُفع له عشرُ درجاتٍ، وكان في حِرزٍ من الشيطان حتى يمسي، فإنْ قالها إذا أمسى كان له مثلُ ذلك حتى يُصبح". قال حمّاد: فرأى رجلٌ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يرى النائم. فقال: يا رسول الله! إنَّ أبا عياش يحدِّث عنك بكذا وكذا؟ قال: صدق أبو عيّاش. رواه أبو داود -وهذا لفظه- والنسائي وابن ماجه (2)، واتفقوا كلهم على المنام.   (1) أي: بعضه، وهو بفتح اللام؛ علة معروفة عافانا الله وإياك منها. وقوله: "فجعل الرجل ينظر إليه" أي: تعجُّباً وإنكاراً كأنه يقول: إنك كنت تقول هذه الكلمة في كل صباح ومساء، فكيف أصابك الفالج إن كان الحديث صحيحاً؟ فقال له أبَان رفعاً لتعجُّبه بطريق الاستفهام الإنكاري: "ما تنظر" إلى قوله: "ليمضي الله" من الإمضاء. واللام فيه للغاية. والله تعالى أعلم. (2) هنا في الأصل: "وابن السنِّي وزاد: يحيى ويميت، وهو حي لا يموت، وهو على. ."، ولما كان إسناده ضعيفاً والزيادة على رواية أبي داود وغيره منكرة، فإنّي تعمّدت حذفها من هذا "الصحيح" كأمثالها؛ ممَّا لا يناسب إفرادها في "الضعيف"، وبعضها ثابت في حديث أبي أيوب الآتي برقم (660). الحديث: 656 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 (أبو عيَّاش) بالياء المثناة تحت والشين المعجمة، ويقال: (ابن أبي عياش). ذكره الخطيب. ويقال: ابن عياش الزرقي الأنصاري، ذكره أبو أحمد الحاكم (1)، واسمه زيد بن الصامت، وقيل: زيد بن النعمان، وقيل غير ذلك. وليس له في الأصول الستة غير هذا الحديث فيما أعلم، وحديث آخر في قصر الصلاة. رواه أبو داود. (2) (العِدْل) بالكسر، وفتحه لغة: هو المثل، وقيل بالكسر: ما عادل الشيء من جنسه، وبالفتح: ما عادله من غير جنسه. 657 - (9) [حسن لغيره] وعن المُنَيْذِر -صاحب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان يكون بإفريقيَّة- قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ قالَ إذا أصبح: (رضيتُ بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً)، فأنا الزعيمُ، لآخذنَّ بيدِه حتى أُدخِلَة الجنةَ". رواه الطبراني بإسناد حسن (3). 658 - (10) [حسن] ورواه النَّسائي (4) [يعني حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الذي في "الضعيف"]، ولفظه:   (1) الأصل ومطبوعة عمارة: "والحاكم"، والتصويب من "الإصابة" وغيره. وأبو أحمد الحاكم هذا، هو غير أبي عبد الله الحاكم صاحب "المستدرك"، بل هذا شيخ له، وقد وقع في بعض نسخ "الترغيب": "ذكره أبو أحمد بن عدي"، ومنها مخطوطة الظاهرية. ونسخة الحافظ الناجي في "العجالة"، فتعقَّب المصنفَ بكلام طويل خلاصته: أنْ لا دخل لأبي أحمد بن عدي هنا، وأنّ الصواب ما أثبتناه. وغفل عن هذا المعلقون الثلاثة فأثبتوا الخطأ!! (2) في "سننه" رقم (1236)، وهو عندي في "صحيحه" (1121). (3) قلت: فيه (رشدين)، لكنه قد توبع، انظر "الصحيحة" (2686). (4) أي: في "اليوم والليلة" (476/ 821)، من رواية الأوزاعي عن عمرو بن شعيب به. قلت: وهذا سند حسن، وأشار الحافظ إلى تقويته في "الفتح" (11/ 202)، وقد رواه الترمذي من طريق الضحَّاك بن حمزة عن عمرو بن شعيب به نحوه، لكن الضحَّاك هذا ضعيف كما في "التقريب"، وقد كان لفظه في الأصل مذكوراً قبل لفظ النسائي، فحذفته من هنا على شرطنا من الإعراض عمَّا لم يثبت إسناده، لا سيَّما ومتنه مخالف لمتن رواية الأوزاعي بعض المخالفة، فانظره في الكتاب الآخر. الحديث: 657 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 "من قال: (سبحانَ الله) مئةَ مرَّةٍ قبلَ طلوعِ الشمسِ وقبلَ غُروبها؛ كان أفضلَ من مئةٍ بَدَنَة، ومن قالَ: (الحمدُ لله) مئة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها؛ كان أفضلَ مِن مئة فرِسٍ يُحمَلُ عليها في سبيل الله، ومن قال: (الله أكبر) مئة مرة، قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، كان أفضلَ من عتقِ مائةِ رقبةٍ، ومن قال: (لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) مئةَ مرة قبل طلوعِ الشمس وقبل غروبها، لم يَجيءْ يومَ القيامة أحدٌ بعملٍ أفضلَ من عملِه، إلاَّ مَن قال مثلَ قوله، أو زاد عليه". 659 - (11) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكنْ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدعُ هؤلاء الكلماتِ حين يُمسي وحين يصبحُ: "اللهمَّ إني أسألك العفوَ والعافية، في الدنيا والآخرة، اللهمَّ إني أَسأَلك العفوَ والعافيةَ، في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استُرْ عوراتي، وآمِنْ رَوعاتي، اللهم احفظنِي مِن بين يَدَيَّ، ومِن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومِن فوقي، وأعوذ بعظمتِكَ أنْ أُغْتالَ مِن تحتي". قال وكيع -وهو ابن الجرّاح-: "يعني الخسف". رواه أبو داود -واللفظ له-، والنسائي وابن ماجه، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 660 - (12) [حسن صحيح] وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه؛ أنَّه قال -وهو في أرض الروم-: إنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن قال غُدْوة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) عشْرَ مرات؛ كتبَ اللهُ له عشْرَ حسناتٍ، ومحا عنه عشر سيئات، وكُنَّ له قَدْرَ عشر رِقابٍ، وأجاره الله مِن الشيطان، ومَن قالها عشيَّةً فمِثْل ذلك". الحديث: 659 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 [حسن] رواه أحمد والنسائي -واللفظ له- وابن حبان في "صحيحه"، وتقدم لفظه فيما يقول بعد الصبح والعصر والمغرب. [5 - الصلاة/ 25 الحديث 1]، وزاد أحمد في روايته بعد قوله: "وله الحمد": "يحيي ويميت". وقال: "كتب الله له بكل واحدةٍ قالها عشرَ حسناتٍ، ومحا عنه بها عشرَ سيئات، ورفعه الله بها عشرَ درجات، وكُنَّ له كعشرِ رَقاب، وكُنَّ له مَسْلَحةً مِن أول النهار إلى آخره، ولم يعمل يومئذ عملاً يَقهَرُهنَّ، فإنْ قالها حين يمسي فمثل ذلك". ورواه الطبراني بنحو أحمد، وإسنادهما جيد. (المسلحة) بفتح الميم واللام، والسين والحاء المهملتين: القوم إذا كانوا ذوي سلاح. 661 - (13) [حسن] وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفاطمة: "ما يمنعكِ أنْ تسمعي ما أُوصيك به؟ أنْ تقولي إذا أصبحتِ وإذا أمسيتِ: يا حيُّ يا قيومُ برحمتِكَ أستغيثُ، أصلِحْ لي شأنيَ كلَّه، ولا تَكِلْني إلى نفسي طَرفةَ عين". رواه النسائي والبزّار بإسناد صحيح، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". 662 - (14) [صحيح] وعن أبيِّ بنِ كعبٍ رضي الله عنه: أنَّه كان له جُرنٌ من تمرٍ، فكان ينقص، فحرسه ذات ليلةٍ، فإذا هو بدابَّةٍ شِبه الغلام المحتلِم، فسلَّم عليه، فردَّ عليه السلامَ، فقال: ما أَنتَ؟ جنّي أم إنسيّ؟ قال: جنيّ. قال: فناوِلْني يدك، فناوله يدَه، فإذا يدُه يدُ كلبٍ، الحديث: 661 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وشعرُه شعرُ كلبٍ، قال: هذا خَلْقُ الجن؟ قال: قد علمتِ الجنُّ أنَّ ما فيهم رجلاً أشدُّ مني، قال: فما جاء بك؟ قال: بلغنا أنَّك تحب الصدقةَ، فجئنا نُصيب من طعامِك. قال: فما يُنجينا منكم؟ قال: هذه الآية التي في سورة {البقرة}: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، من قالها حين يُمسي؛ أُجيرَ منا حتى يُصبحَ؛ ومن قالها حين يُصبحُ أُجِيرَ منَّا حتى يُمسي. فلما أصبح أتى رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكر ذلك له فقال: "صدقَ الخبيثُ". رواه النسائي والطبراني بإسناد جيِّد، واللفظ له. (الجُرْن) بضم الجيم وسكون الراء: هو البيدر، وكذلك (الجَرِين). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 15 - (الترغيب في قضاء الإنسانِ وِردَه إذا فاته من الليل). 663 - (1) [صحيح] عن عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن نام عن حزبه أو عن شيءٍ منه، فقرأه فيما بين صلاةِ الفجرِ وصلاةِ الظهرِ؛ كُتِبَ له كأنَّما قرأه من الليل". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه". 16 - (الترغيب في صلاة الضحى). 664 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصيام ثلاثةِ أيامٍ مِن كلِّ شهر، (1) وركعتَي الضحى، وأنْ أوترَ قبلَ أَنْ أَرقُدَ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود، ورواه الترمذي والنسائي نحوه. [صحيح] وابن خزيمة ولفظه: قال: "أوصاني خليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بثلاثٍ لست بتارِكِهنّ: أنْ لا أنام إلاّ على وِتر، وأَنْ لا أَدَعَ ركعَتي الضحى، فإنّها صلاةُ الأوابين، (2) وصيامِ ثلاثةِ أيامٍ مِن كلِّ شهر".   (1) زاد أبو داود: "لا أدَعهنّ في سفر ولا حضر". لكن في سندها مجهول كما بيَّنته في "صحيح أبي داود" (1286). لكن يشهد له حديث أبي الدرداء كما يأتي هنا قريباً رقم (4). (2) جملة (الأوابين) لها شاهد من حديث زيد بن أرقم، رواه مسلم وغيره، وهو مخرّج في "الصحيحة" (1164). ولها طريق أخرى عن أبي هريرة، يأتي لفظه هنا قريباً (13). وتفسير (الأوابين) يأتي في التعليق على الحديث (676). الحديث: 663 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 665 - (2) [صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يُصبح على كل سُلامى من أحدِكم صدقةٌ، فكلُّ تسبيحةٍ صدقةٌ، وكلُّ تحميدةٍ صدقةٌ، وكلُّ تهليلةٍ صدقةٌ، وكل تكبيرةٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقةً، وُيجزئُ من ذلك ركعتانِ يَركعُهُما من الضحى". رواه مسلم. 666 - (3) [صحيح] وعن بُريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "في الإنسان ستون وثلاثُمئةِ مَفْصِلٍ، فعليه أنْ يتصدقَ عن كل مَفصِلٍ صدقة". قالوا: فمَن يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: "النُّخاعةُ في المسجد تدفِنُها، والشيءُ تُنَحِّيهِ عن الطريق، فإنْ لم تَقْدِر، فركعتا الضحى تُجزئُ عنك". رواه أحمد -واللفظ له- وأبو داود، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". 667 - (4) [صحيح] وعن أبي الدرداءِ رضي الله عنه قال: "أوصاني حبيبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بثلاثٍ لن (1) أدعَهنَّ ما عشتُ: بصيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهرٍ، وصلاةِ الضحى، وأنْ لَا أنامَ إلا على وِتر". رواه مسلم وأبو داود (2) والنسائي.   (1) في الأصل والمخطوطة: "لم"، والتصحيح من "مسلم" وغيره، وسيأتي في (9 - الصوم / 8) على الصواب. (2) قلت: وزاد: "في السفر والحضر". وفيه مجهول أيضاً، كما بينته في "صحيح أبو داود" (1287). الحديث: 665 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 668 - (5) [حسن صحيح] وعن عبدِ الله بنِ عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: بَعث رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَريَّةً فغنموا، وأسرعوا الرجعة، فتحدَّثَ النَّاسُ بِقربِ مغزاهم، وكثرةِ غنيمتهم، وسُرعةِ رَجعتهم. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أدلُّكم على أَقربَ منهم مغزىً، وأكثرَ غنيمةً، وأوشكَ رجعةً؟ مَن توضَّأَ ثم غدا إلى المسجدِ لسُبْحةِ الضحى، (1) فهو أقربُ منهم مغزىً، وأكثرُ غنيمة، وأوشكُ رجعةً". رواه أحمد من رواية ابن لهيعة، والطبراني بإسناد جيد. 669 - (6) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثاً، فأعظموا الغنيمةَ، وأسرعوا الكَرَّةَ: فقال رجل: يا رسول الله! ما رأينا بعثاً قطُّ أسرعَ كَرَّةً، ولا أعظمَ غنيمةً من هذا البعث. فقال: "ألا أخبركم بأسرعَ كرَّةً منهم، وأعظمَ غنيمةً؟ رجلٌ توضأ فأحسن الوضوءَ، ثم عَمَدَ إلى المسجِد، فصلَّى فيه الغداةَ، ثم عَقَّبَ بصلاةِ الضَّحْوةِ، فقد أسرع الكَرَّةَ، وأعظم الغنيمة". رواه أبو يعلى، ورجال إسناده رجال الصحيح، والبزَّار وابن حبان في "صحيحه"، وبيَّن البزّار في روايته أنّ الرجل أبو بكر رضي الله عنه.   (1) فيه اختصار يدل عليه الحديث الآتي عن أبي هريرة، فتنبّهْ. ثم إن ابن لهيعة قد تابعه ابن وهب عند الطبراني (13/ 42/ 100) ولذلك جود إسناده المؤلف، لكن شيخ الطبراني (إسماعيل) -وهو ابن الحسن الخفاف- لم أجد من ترجمه. الحديث: 668 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 670 - (7) [صحيح لغيره] وقد روى هذا الحديث الترمذيُّ في "الدعوات" من "جامعه" من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتقدم. (1) 671 - (8) [صحيح] وعن عُقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ اللهَ عز وجل يقول: يا ابنَ آدَم! اكفِني أوَّلَ النهار بأربع ركعاتٍ؛ أكْفِكَ بهن آخرَ يومِك". رواه أحمد وأبو يعلى، ورجال أحدهما رجال "الصحيح". 672 - (9) [حسن صحيح] وعن أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عن الله تبارك وتعالى أنَّه قال: "يا ابنَ آدمَ! لا تُعجِزْني مِن أربعِ ركَعاتٍ من أولِ النهار؛ أكفِكَ آخرَه". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". (قال الحافظ): "في إسناده إسماعيل بن عيَّاش، ولكنّه إسناد شاميّ". [صحيح لغيره] ورواه أحمد عن أبي الدرداء وحده، ورواته كلهم ثقات. 673 - (10) [صحيح] ورواه أبو داود من حديث نُعيم بن همَّار. (2) 674 - (11) [صحيح لغيره] وعن أبي مُرَّةَ الطائفي (3) رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:   (1) قلت: هو في "الضعيف"، وفي أوله زيادة لم ترد في الحديثين قبله، ومِن أجلها أوردتُه هناك. (2) بتشديد الميم ثم راء مهملة، كما في "السنن" وغيره، وقد قيل فيه أقوال أخرى هذا أرجحها، ووقع في الأصل (همَّان) وهو خطأ. (3) كذا وقع في هذه الرواية، وهي وهمْ، والمحفوظ رواية كثير بن مرة عن نُعيم بن همَّار المذكور آنفاً. وكذا رواه النسائي في "السنن الكبرى" (1/ 177/ 466 - 468). الحديث: 670 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 "قال الله عز وجلَّ: ابنَ آدم! صَلِّ لي أربعَ ركعاتٍ من أولِ النهار؛ أكفِكَ آخرَه". رواه أحمد، رواته محتجٌّ بهم في "الصحيح". 675 - (12) [حسن] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن خرج من بيته مُتطهِّراً إلى صلاةِ مكتوبة؛ فأجرُه كأجر الحاج المُحرِم، ومَن خرج إلى تسبيح الضحى، لا يُنصبه إلاَّ إياه؛ فأجرُه كأجر المعتمر، وصلاةٌ على أَثَرِ صلاة لا لَغْوَ بينهما؛ كتابٌ في علِّيين". رواه أبو داود وتقدم. [5/ 9]. 676 - (13) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يُحافظْ على صلاة الضحى إلا أوَّابٌ، -قال-: وهي صلاة الأوابين". (1) رواه الطبراني، وابن خزيمة في "صحيحه" وقال: "لم يتابَع إسماعيلُ بنُ عبدِ الله -يعني ابن زُرارة الرَّقيِّ- على اتصال هذا الخبر. (2) ورواه الدَّواوَرْديُّ عن محمد بن عَمرو عن أبي سلمة مرسَلاً، ورواه حماد بن سلمة عن محمد ابن عَمرو عن أبي سلمة قوله".   (1) (الأوَّابين): جمع أواب، وهو كثير الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى بالتوبة. قلت: وفي الحديث ردٌّ على الذين يسمُّون الست ركعات التي يصلونها بعد فرض المغرب بـ (صلاة الأوابين)؛ فإنَّ هذه التسمية لا أصل لها، وصلاتها بالذات غير ثابتة، كما تقدم في الكتاب الآخر (6/ 5/ 1 - 5). (2) قلت: بل قد توبع عند ابن شاهين في "الترغيب" وغيره كما بينته في "الصحيحة" (1994)، وأشرتُ إلى ذلك في تعليقي على "صحيح ابن خزيمة" (1224). الحديث: 675 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 17 - (الترغيب في صلاة التسبيح). 677 - (1) [صحيح لغيره] عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للعباس بن عبد المطلب: "يا عباسُ يا عمَّاه! ألا أعطيكَ، ألا أمنحكَ، ألا أحبوكَ، ألا أفعلُ لك (1) عشرَ خصال إذا أنتَ فعلتَ ذلك غفر الله ذَنْبَكَ؛ أوَّله وآخرَه، وقديمَه وحديثَه، وخطأه وعمدَه، وصغيرَه وكبيرَه، وسِرَّه وعلانيتَه، عشرَ خصال؟ أنْ تُصلِّي أربع ركَعات، تقرأ في كل ركعة {فاتحةَ الكتاب} وسورةً، فإذا فرغتَ من القراءة في أوَّلِ ركعة فقلْ وأنت قائم: (سبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) خمسَ عشرةَ مرة، 15 ثم تركعُ فتقولها، وأنت راكع عشراً، 25 ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشراً، 35 ثم تهوي ساجداً فتقول وأنت ساجد عشراً، 45 ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، 55 ثم تسجد فتقولها عشراً، 65 ثم ترفعُ رأسَك من السجود فتقولها عشراً، 75 فذلك خمسٌ وسبعون في كل ركعةٍ، تفعل ذلك في أَربع ركَعاتٍ، إنِ استطعت أن تُصلِّيَها في كلْ يوم مرةً فافعلْ، فإنْ لم تستطع، ففي كل جمعةٍ مرةً، فإنْ لم تفعل، ففي كل شهرٍ مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرةً، فإن لم تفعل ففي عمرك مرةً". رواه أبو داود وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه" وقال: "إنْ صح الخبر؛ فإنَّ في القلب من هذا الإسناد شيئاً"، فذكَره ثم قال:   (1) قوله: "يا عمَّاه! " إشارة إلى مزيد استحقاقه بالعطية الآتية. وقوله: "ألا أمنحك ألا أحبوك" بمعنى أعطيك، فهما تأكيد. وكذا قوله: "أفعل لك"، فإنه بمعنى أعطيك أو أعلّمك. وقوله: "عشر خصال" تنازعتْ فيه الأفعال قبله، والمراد بـ "عشر خصال" الأنواع العشرة للذنوب من الأول والآخر، والقديم والحديث، فهو على حذف المضاف، أي: ألا أعطيك مكفّر عشرة أنواع ذنوبك؟ الحديث: 677 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 "ورواه إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة مرسَلاً، لم يذكر ابن عباس". قال الحافظ: ورواه الطبراني وقال في آخره: "فلو كانت ذنُوبُكَ مثلَ زَبد البحر، أو رملِ عالجٍ (1) غفر الله لك". قال الحافظ: "وقد رُوي هذا الحديث من طرق كثيرة، وعن جماعةٍ من الصحابة، وأمثلُها حديث عكرمة هذا، وقد صحَّحه جماعة منهم الحافظ أبو بكر الأجُريّ، وشيخنا أبو محمد عبد الرحيم المصري، وشيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي رحمهم الله تعالى. وقال أبو بكر بن أبي داود: سمعت أبي يقول: "ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا". وقال مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى: "لا يُروى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا". يعني إسناد حديث عكرمة عن ابن عباس". 678 - (2) [صحيح لغيره] وروي عن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للعباس: "يا عمِّ! ألا أحبوكَ، ألا أنفعكَ، ألا أصلكَ؟ ". (2) قال: بلى يا رسول الله! قال: "فَصَلِّ أربع ركَعاتٍ، تقرأُ في كل ركعةٍ بـ {فاتحةِ الكتابِ} وسورةٍ، فإذا انقَضَتِ القراءَةُ فقلَ: (سبحانَ الله، والحمدُ لله، ولا إلهَ إلا الله، والله أكبر) خمسَ عشرةَ مرة، 15 قَبلَ أنْ تركعَ، ثم اركعْ فقَلها عشراً، 25 ثم ارفعْ رأسَك فقلها عشراً، 35 ثم اسجدْ فقلها عشراً، 45 ثم ارفع رأسَك فقلها عشراً، 55   (1) (العالج) ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض، وهو أيضاً اسم لموضع كثير الرمال. والله أعلم. (2) يريد والله أعلم: ألا أعلِّمك ما ينفعك فيكون كالصلة والعطية منِّي إليك. والثانية من الصلة وهي العطية أيضاً. وتقديم هذا الاستفهام قبل التعليم ليأخذه العباس بكل الاعتناء، وإلاَّ فتعليمه مطلوب لكل أحد، لا حاجة فيه إلى الاستفهام. الحديث: 678 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 ثم اسجدْ فقلها عشراً، 65 ثم ارفعْ رأسَك فقلها عشراً قبل أن تقوم، 75 فذلك خمسٌ وسبعونَ في كل ركعة، وهي ثلاثُمائةٍ في أربع ركعاتٍ، فلو كانت ذنوبك مثل رملٍ عالج (1) غَفَرها الله لك". قال: يا رسول اللهُ! ومَن لم يستطع يَقولُها في كلِّ يوم؟ قال: "قُلْها في جمعةٍ، فإنْ لم تَستطعْ فَقلْها في شهرٍ"، حتى قال: "فقُلْها في سنة". رواه ابن ماجه والترمذي والدارقطني، والبيهقي وقال: "كان عبد الله بنُ المباركِ يفعلها، وتداولها الصالحون بعضُهم من بعض، وفيه تقوية للحديث المرفوع" انتهى. وقال الترمذي: "حديث غريب من حديث أبي رافع". ثم قال: "وقد رأى ابنُ المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح، وذكروا الفضل فيه". 679 - (3) [صحيح لغيره] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: أنَّ أمَّ سُلَيم غَدَتْ على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: عَلِّمْني كلماتٍ أقولهنَّ في صلاتي. فقال: "كبِّري الله عشراً، وسبِّحي عشراً، واحمَديه عشراً، ثم صلِّي ما شئت. . " (2). رواه أحمد، والترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، والنسائي، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم".   (1) تقدم تفسيره آنفاً. (2) هنا في الأصل: "يقول: نعم، نعم"، فلم أذكرها لعدم وجود شاهد لها. ولذلك خرجت الحديث في "الصحيحة" (3338)، و"الضعيفة" (3688) أيضاً. الحديث: 679 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 18 - (الترغيب في صلاة التوبة). 680 - (1) [صحيح] عن أبي بكر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما مِن رجل يُذنبُ ذنباً، ثم يقومُ فَيَتَطَهَّرُ، ثم يصلّي، ثم يَستغفرُ اللهَ؛ إلا غَفَرَ الله له"، ثم قرأ هذه الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ}، إلى آخر الآية. رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". وأبو داود والنسائي وابن ماجه. وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي وقالا: "ثم يُصلِّي ركعتين". وذكره ابن خزيمة في "صحيحه" بغير إسناد، وذكر فيه الركعتين. الحديث: 680 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 19 - (الترغيب في صلاة الحاجة ودعائها). 681 - (1) [صحيح] عن عثمان بن حُنَيفٍ رضي الله عنه: أن أعمى أتى إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! ادْعُ الله أنْ يَكشفَ لي عن بصري. قال: أوْ أدَعُكَ. قال: يا رسولَ الله! إنه قد شَقَّ عليَّ ذهابُ بصري. قال: "فانطَلِقْ فَتَوَضَّأْ، ثم صلِّ ركعتين، ثم قل: (اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيِّي محمدٍ نبيُّ الرحمة، يا محمدُ! إنِّي أتوجه إلى ربي بك أنْ يكشف لي عن بصريَ، اللهم شَفِّعه فيَّ (1)، وشفِّعني في نفسي) ". فرجع وقد كشف الله عن بصره. رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح غريب". والنسائي -واللفظ له-، وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم". وليس عند الترمذي: "ثم صلِّ ركعتين"، إنّما قال: "فأمَرهُ أنْ يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يدعو بهذا الدعاء". فذكره بنحوه، ورواه في "الدعَوات".   (1) بالتشديد، أي: اقبل شفاعته، أي: دعاءه في حقِّي. وقوله: "وشفِّعني" أي: اقبل دعائي. "في نفسي" أي: في أنْ تعافيني، وفي رواية لأحمد وغيره: "وشفعني فيه" أي: في النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. يعني: اقبل دعائي في أنْ تقبل دعاءه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيَّ. هذا هو المعنى الذي يدل عليه السباق والسياق، وخلاصته أن الأعمى توسل بدعائه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس بذاته، أو جاهه، وتفصيل هذا راجعْه في كتابي: "التوسل أنواعه وأحكامه". الحديث: 681 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 20 - (الترغيب في صلاة الاستخارة. . . .). 682 - (1) [صحيح] وعن جابرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنهما قال: كان رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلِّمنا الاستخارةَ في الأمورِ كلَّها، كما يعلمنا السورةَ من القرآن، يقول: "إذا هَمَّ أحدُكم بالأمر فليركعْ ركعتين من غير الفريضةِ، ثم لِيَقُل: (اللهمَّ إنّي أستخيرك بعلمِك، وأستقدِرُك بقدرتِك، وأسألك من فضلِكَ العظيم؛ فإنَّك تَقدِر ولا أقدِرُ، وتعلمُ ولا أعلمُ، وأنت علامُ الغيوبِ، اللهم إنْ كنتَ تعلمُ أنّ هذا الأمرَ خيرٌ لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدُره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أنّ هذا الأمر شر لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاصرفْه عني، واصرفني عنه، واقدُر لي الخيرَ حيث كان، ثم رضِّني به). -قال-: ويسمِّي حاجته". رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنَّسائي وابن ماجه. الحديث: 682 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 7 - كتاب الجمعة. 1 - (الترغيب في صلاة الجمعة والسعي إليها، وما جاء في فضل يومها وساعتها). 683 - (1) [صحيح] عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن توضأَ فأحسنَ الوُضوء، ثم أتى الجمعةَ (1) فاستمعَ وأنصتَ؛ غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعةِ الأخرى، وزيادةُ ثلاثة أيام، ومَن مَسَّ الحصا فقد لَغا". رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه. (2) (لغا) قيل: معناه خاب من الأجر، وقيل أخطأ، وقيل: صارت جمعته ظهراً، وقيل غير ذلك. (3) 684 - (2) [صحيح] وعنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الصلواتُ الخمسُ، والجمعةُ إلى الجمعةِ، ورمضانُ إلى رمضانَ، مكفِّراتٌ لما بينهنَّ إذا اجتنِبَتِ الكبائرُ". رواه مسلم وغيره.   (1) في "المصباح": "سمي بذلك لاجتماع الناس به، وضم الميم لغة أهل الحجاز، وفتحها لغة بني تميم، وإسكانها لغة عقيل، وقرأ بها الأعمش". (2) قلت: وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (1762) وغيره من حديث أبي هريرة وأبي سعيد مرفوعاً نحوه، وزاد: "يقول أبو هريرة: وثلاثة أيام زيادة، إن الله جعل الحسنة بعشر أمثالها"، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (370)، وقد جاءت هذه الزيادة مرفوعة من حديث أبي مالك الأشعري، وهو الآتي بعد حديث، ومن حديث ابن عمرو، ويأتي في آخر (5 - الترهيب من الكلام والإمام يخطب). (3) قلت: ولعل الصواب القول الأخير، للحديث الآتي هنا (5 - باب/ 6): "ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً". ثم هو لا ينافي ما قبله من الأقوال كما هو ظاهر. الحديث: 683 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 685 - (3) [صحيح لغيره] وروى الطبراني في "الكبير" مِن حديث أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الجمعةُ كفَّارةٌ لما بينها وبين الجمعةِ التي تليها، وزيادةٍ لثلاثةِ أيام، وذلك بأنَّ الله عز وجل قال: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ". 686 - (4) [صحيح] وعن أبي سعيد؛ أنَّه سمعَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "خمسٌ مَنْ عمِلهنَّ في يومٍ كَتبهُ اللهُ من أهلِ الجنةِ؛ مَن عاد مريضاً، وشَهِدَ جنازةٌ، وصام يوماً، وراح إلى الجمعةِ، وأعتق رقبة". رواه ابن حِبَّان في "صحيحه". 687 - (5) [صحيح] وعن يزيدَ بن أبي مريم قال: لحقني عَبايةُ بن رِفاعة بن رافع وأنا أمشي إلى الجمعة، فقال أَبشِرْ؛ فإنَّ خُطاك هذه في سبيل الله، سمعت أبَا عَبْسٍ يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن اعبَرَّتْ قدماه في سبيلِ اللهِ؛ فهما حرامٌ على النار". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". ورواه البخاري، وعنده: قال عَباية: أدرَكَني أبو عَبْسٍ وأنا ذاهب إلى الجمعة، فقال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن اغبرَّت قدماه في سبيل الله حرَّمهُ اللهُ على النار". (وفي رواية): "ما اغبرَّت قدما عبدٍ في سبيلِ الله فتمسَّهُ النارُ". وليس عنده قول عباية ليزيد. الحديث: 685 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 688 - (6) [صحيح لغيره] وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن اغتسل يومَ الجمعة، ومَسَّ من طيبٍ إنْ كان عنده، ولَبِسَ من أحسنِ ثيابه، ثم خرج حتى يأتيَ المسجدَ، فيركع ما بدا له، ولم يُؤذِ أحداً، ثم أنصتَ حتى يصلِّي؛ كان كفارةً لما بينها وبين الجمعة الأخرى". رواه أحمد والطبراني، وابن خزيمة في "صحيحه"، ورواة أحمد ثقات. 689 - (7) [صحيح] وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يغتسل رجلٌ يومَ الجمعةِ، ويَتَطهَّرُ ما استطاع من طُهرٍ (1)، ويَدَّهِنُ من دُهْنِهِ، ويَمسُّ طيبِ بَيتِه، ثم يخرجُ فلا يفرِّقُ بين اثنين، ثم يصلِّي ما كُتِبَ له، ثم يُنصتُ إذا تكلَّم الإمام؛ إلاَّ غُفرَ له ما بينه وبين الجمعةِ الأخرى". رواه البخاري والنسائي. [حسن صحيح] وفي رواية للنسائي: (2) "ما مِن رجل يَتَطهَّر يومَ الجمعة كما أُمِر، ثم يخرجُ من بيتِه حتى يأْتيَ الجمعةَ، ويُنصتُ حتى يَقضيَ صلاتَه؛ إلا كان كفارةً لما قبله من الجمعة". ورواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن نحو رواية النَّسائي، وقال في آخره: "إلاَّ كان كفارةً لما بينه وبين الجمعة الأُخرى، ما اجتُنِبَتِ المَقْتَلةُ. . ." (3).   (1) الأصل: "الطهور"، والتصحيح من "البخاري" (472 - مختصره). (2) قلت: يعني في "السنن الكبرى" (1664 و1724). وهي عند الحاكم أيضاً (1/ 277). وقال: "صحيح الإسناد". (3) هنا في الأصل زيادة بلفظ: "وذلك الدهر كله" فحذفتها، لأن في إسناد الطبراني (6/ 290/ 6089) (مغيرة) وهو ابن مقسم الضبي مدلس وقد عنعنه، وهو رواية للنسائي (1665 و17225)، ولكنه لم يذكرها. الحديث: 688 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 690 - (8) [صحيح] وعن أوسِ بنِ أوسٍ الثقفي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن غَسَّل (1) يومَ الجمعة واغتَسل، وبَكَّر وابتكر، ومشى ولم يركبْ، ودنا مِن الإمام فاستمعَ، ولم يَلْغُ؛ كان له بكل خُطوة عَملُ سنةٍ، أجرُ صيامِها وقيامِها". رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن"، والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم وصححه. 691 - (9) [صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الأوسط" من حديث ابن عباس رحمه الله. قال الخطابي: (2) "قوله عليه السلام: "غسَّل واغتسل، وبكِّر وابتكر". اختلف الناس في معناه، فمنهم مَن ذهب إلى أنه من الكلام المتظاهر الذي يراد به التوكيد ولم تقع المخالفة بين المعنيين لاختلاف اللفظين، وقال: ألا تراه يقول في هذا الحديث: "ومشى ولم يركب"، ومعناهما واحد؟ وإلى هذا ذهب الأثرم صاحب أحمد. وقال بعضهم: قولهُ: "غسل". معناه غسل الرأس خاصة، وذلك لأنَّ العرب لهم لِمَمٌ وشعور، وفي غسلها مؤنة، فأفْرَدَ (3) غسل الرأس من أجل ذلك. وإلى هذا ذهب مكحول. وقوله: "اغتسل" معناه غسل سائر الجسد. وزعم بعضهم أن قوله: "غَسَّل" معناه: أصاب   (1) زاد أبو داود في رواية له: "رأسه". وإسنادها صحيح كما في "صحيحه" (373)، وهذا يؤيِّد ما سيذكره المؤلف عن ابن خزيمة في تفسير الحديث، واستدل له بحديث آخر عن ابن عباس كما سترى، ويشهد له حديث آخر له من حديث أبي هريرة مرفوعاً يأتي في (2 - التغيب في الغسل يوم الجمعة). (2) "معالم السنن" (1/ 213 - 214). (3) في الأصل ومطبوعة عمارة والمعلقين الثلاثة: "فأراد"، والتصويب من "المعالم". الحديث: 690 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 أهله قبل خروجه إلى الجمعة، ليكون أملك لنفسه، وأحفظ في طريقه لبصره. وقوله: "وبكَّر وابتكر" زعم بعضهم أن معنى "بكَّر": أدرك باكورة الخطبة وهي أولها، ومعنى "ابتكر": قدم في الوقت. وقال ابن الأنباري: معنا (بكَّر): تصدق قبل خروجه، وتأوَّل في ذلك ما روي في الحديث من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (باكروا بالصدقةِ؛ فإن البلاءَ لا يتخطاها) (1) ". (وقال الحافظ) أبو بكر ابن خزيمة (2): "مَن قال في الخبر: "غَسَّل واغْتَسَلَ" (يعني بالتشديد) معناه: جامع فأوجب الغسل على زوجته أو أمَته واغتسل، ومن قال: "غسَل واغتسل" (يعني بالتخفيف) أراد غسل رأسه، واغتسل: فضل سائر الجسد، لخبر طاوس عن ابن عباس". 692 - (10) [صحيح] ثم روى بإسناده الصحيح إلى طاوس قال: قلت لابن عباس: زعموا أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اغتسلوا يومَ الجمعة، واغسلوا روؤسَكم، وإنْ لم تكونوا جنباً، ومَسّوا من الطيب". قال ابن عباس: أمَّا الطيب فلا أدري، وأمَّا الغسل فنعمْ. (3)   (1) قلت: هذا الحديث إسناده ضعيف جداً كما هو مبين في "تخريج المشكاة" (1887)، وسيأتي في (8 - الصدقات/ 9) في "الضعيف". (2) "صحيح ابن خزيمة" (3/ 129). (3) قلت: وأخرجه البخاري أيضاً (رقم - 474 - مختصره). قلت: وغسل الرأس هو الذي ينبغي أنْ يفسَّر به الحديث؛ لحديث ابن عباس هذا، ولتصريح رواية أبي داود بذلك كما تقدم في التعليق تحت الحديث (8)، ولحديث أبي هريرة الآتي (2 - باب/ 2 - حديث). الحديث: 692 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 693 - (11) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن غَسَّلَ واغتَسَلَ، ودنا وابتكرَ، واقترب واستمع، كان له بكلِّ خُطوةٍ يخطوها قيامُ سنةٍ وصيامُها". رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. (1) 694 - (12) [حسن صحيح] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: عُرِضتْ الجمعةُ على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ جاءه بها جبرائيل عليه السلام في كَفِّه كالمرآة البيضاء، في وسَطها كالنُّكتة السوداء، فقال: ما هذه يا جبرائيل! قال: هذه الجمعة، يَعرضها عليك ربُّك؛ لتكون لك عيداً، ولقومك من بعدك، ولكم فيها خير، تكون أنت الأولَ، وتكون اليهود والنصارى من بعدك، وفيها ساعة لا يدعو أحدٌ ربَّه فيها بخير هو له قُسِمَ؛ إلاَّ أعطاه، أو يتعوَّذ من شر؛ إلا دُفِع عنه ما هو أعظم منه، ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد. . ." الحديث (2). رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد جيّد. 695 - (13) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خيرُ يومٍ طَلعتْ عليه الشمسُ يومُ الجمعة، فيه خُلق آدمُ، وفيه دخل الجنةَ، وفيه أُخرج منها". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. [صحيح] وابن خزيمة في "صحيحه"، ولفظه: قال: "ما طلعتِ الشمسُ ولا غَربتْ على يومٍ خيرٍ من يوم الجمعة، هدانا الله   (1) قلت: فيه (عثمان الشامي)، وهو (عثمان بن أبي سودة المقدسي)، لم يرو له في "الصحيح"؛ إلا البخاري في "الأدب المفرد" خارج "الصحيح"، وهو ثقة. (2) قلت: وسيأتي بتمامه في آخر الكتاب بإذن الله تعالى. الحديث: 693 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 له، وضَلَّ الناس عنه، فالناسُ لنا فيه تَبَعٌ، فهو لنا، ولليهود يومُ السبت، وللنصارى يومُ الأحد، إنَّ فيه لساعةً لا يوافقها مؤمن يصلِّي يسأل الله شيئاً؛ إلا أعطاه" فذكر الحديث. 696 - (14) [صحيح] وعن أوسِ بنِ أوسٍ الثقفي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ من أفضلِ أيامِكم يومَ الجمعة، فيه خُلق آدَمُ، وفيه قُبضَ، وفيه النفخةُ، وفيه الصعقةُ، فأكثِروا علي من الصلاة فيه، فإنّ صلاتَكم معروضةٌ عليَّ". قالوا: وكيف تُعرَض صلاتُنا عليك وقد أَرَمْتَ؟ أي: بَليت. فقال: "إنّ الله جل وعلا حَرَّمَ على الأرضِ أنْ تأكلَ أجسامَنا". رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له، وهو أتمُّ. وله علّة دقيقة، أشار إليها البخاري وغيره، وليس هذا موضعها (1)، وقد جمعت طرقه في جزء. (أَرَمْتَ) بفتح الراء وسكون ميم، أي: صِرت رميماً. ورُوي (أُرِمْتَ) بضم الهمزة وسكون الراء. (2)   (1) قلت: وقد تكلم عليها الناجي بتفصيل، (103 - 105) وأنهى الكلام عليها بقوله: "وليست هذه بعلة قادحة، فإنّ للحديث شواهد من حديث جماعات". قلت: وقد أصاب رحمه الله فيما قال، وبيّنت العلّة المشار إليها في "صحيح أبي داود" (962)، وأوضحت أنها لا تؤثر في صحة الحديث، ويكفي في ردها تتابع المحدّثين على تصحيحه، كابن خزيمة (1733 و1734)، وابن حبان (550)، والحاكم (1/ 278)، والذهبي، وقبله النووي. (2) كذا الأصل، ولعل الصواب: "وسكون الميم"، فقد ذكر ابن الأثير في "النهاية" أقوالاً في ضبط هذه الكلمة وأصلها، وقال في جملة ذلك: "وقيل: يجوز أن يكون (أرِمتَ) بوزن (أمرتَ) من قولهم: (أرَمَتْ الإبل تأرم)، إذا تناولت العلف وقلعته من الأرض". وكذا في "اللسان". ثم رجعت إلى المخطوطة (ق 82/ 2) فإذا بها "وكسر الراء"، فهو الصواب. الحديث: 696 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 697 - (15) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تطلُعُ الشمسُ ولا تغرُبُ على أفضلَ من يومِ الجمعةِ، وما من دابَّةٍ إلاَّ وهي تَفزَعُ يومَ الجمعةِ، إلاَّ هذين الثقلين: الجن والإنس". رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، ورواه أبو داود وغيره أطول من هذا، وقال في آخره: "وما من دابَّة إلا وهي مُصيخةٌ يومَ الجمعة من حين تصبح، حتى تطلع الشمس، شفقاً من الساعة، إلا الإنسَ والجنَّ". (مصيخة) معناه: مستمعة مصغية، تتوقّع قيام الساعة. 698 - (16) [حسن] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تُحشَر الأيامُ على هيئتها، ويحشر يوم الجمعة زهراءَ منيرةً، أهلُها يَحُفُّون بها كالعروس تُهدَى إلى خِدرها، تضيء لهم؛ يمشون في ضوئها، ألوانُهم كالثلجِ بياضاً، وريحهم كالمسك، يخوضون في جبالِ الكافور، ينظر إليهم الثقلان، لا يُطرقِون تعجباً، حتى يدخلون (1) الجنة، لا يخالطهم أحد إلا المؤذِّنون المحتسِبون". رواه الطبراني، وابن خزيمة في "صحيحه"، وقال: "إنْ صح هذا الخبر، فإنَّ في النفس من هذا الإسناد شيئاً". (قال الحافظ): "إسناده حسن، وفي متنه غرابة". 699 - (17) [صحيح] وعن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أضلَّ الله تبارك وتعالى عن الجمعة من كان قبلنا، كان لليهود يومُ   (1) كذا الأصل بإثبات النون، وعليه "المجمع"، والسياق للطبراني، ولفظ ابن خزيمة نحوه، وفيه "يدخلوا"، وهو الأصح. وباللفظ الأول رواه الطبراني في "مسند الشاميين" أيضاً (2/ 390)، وكذا الحاكم (1/ 277)، وقال: "حديث شاذ صحيح"! ووافقه الذهبي! الحديث: 697 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 السبت، والأحدُ للنصارى، فهم لنا تَبَع إلى يوم القيامة، نحن الآخِرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضيُّ لهم قبل الخلائق". رواه ابن ماجه والبزار، ورجالهما رجال "الصحيح"؛ إلا أنَّ البزار قال: "نحنُ الآخِرون في الدنيا، الأوَّلون يوم القيامة، المغفورُ لهم قبل الخلائق". وهو في مسلم بنحو اللفظ الأول من حديث حذيفة وحده (1). 700 - (18) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر يوم الجمعة فقال: "فيها (2) ساعةٌ لا يوافِقُها عبدٌ مسلمٌ وهو قائمٌ يصلي؛ يسألُ اللهَ شيئاً؛ إلا أعطاه [إياه]. وأشار بيده يقلِّلُها". رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه. (وأما تعيين الساعة) فقد ورد فيه أحاديث كثيرة صحيحة، واختلف العلماء فيها اختلافاً كثيراً، بسطتُه في غير هذا الكتاب، وأذكر هنا نبذة من الأحاديثِ الدالَّةِ لبعض الأقوال. 701 - (19) [حسن لغيره] ورُوي عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "التمِسوا الساعةَ التي تُرجَى في يوم الجمعة بَعدَ صلاةِ العصرِ، إلى غَيبوبةِ الشمسِ". رواه الترمذي وقال: "حديث غريب".   (1) قلت: ليس كذلك، بل أخرجه مسلم عنهما معاً. ثم ساقه قريباً منه من حديث حذيفة وحده. كذا في "العجالة" (105)، وهو كما قال، وهو في "مسلم" (3/ 7)، ولفظه في الجملة الأخيرة منه كلفظ ابن ماجه: "المقضيُّ لهم قبل الخلائق". وفي رواية: "المقضيُّ بينهم". (2) قال الناجي: "هذا سبْق قلم، وإنما هو (فيه)، إذِ الضمير عائد إلى اليوم، وهو مذكّر، وذا واضح غير خاف". قلت: واللفظ للبخاري (935) والزيادة منه سقطت من قلم المؤلف رحمه الله. الحديث: 700 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 ورواه الطبراني من رواية ابن لهيعة. وزاد في آخره: "يعني قدْر هذا". يعني قبضة. وإسناده أصلح من إسناد الترمذي. 702 - (20) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن سلام قال: قلت ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالس: إنا لنجِد في كتاب الله تعالى: في يوم الجمعة ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مؤمنٌ يصلِّي يسألُ اللهَ فيها شيئاً، إلا قضى الله له حاجته. قال عبد الله: فأشار إليَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أو بعضُ ساعةٍ". فقلت: صدقتَ، أو بعض ساعة. قلت: أيُّ ساعةٍ هي؟ قال: "آخرُ ساعات النهار". قلت: إنها ليست ساعةَ صلاةٍ. قال: "بلى؛ إن العبد إذا صلَّى، ثم جلس لم يُجلِسْهُ إلا الصلاة، فهو في صلاة". رواه ابن ماجه، وإسناده على شرط "الصحيح". 703 - (21) [صحيح] وعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يومِ الجمعة اثنتا عشرة ساعة، لا يوجد فيها عبد مسلم يسأل الله عزّ وجلّ شيئاً إلاَّ آتاه إياه، فالتمسوها آخرَ ساعة بعد صلاةِ العصرِ". رواه أبو داود والنسائي -واللفظ له-، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". وهو كما قال. قال الترمذي: "ورأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم أن الساعة التي ترجى الحديث: 702 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 [فيها] (1) [إجابة الدعوة] بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، وبه يقول أحمد وإسحاق. وقال أحمد: أكثر الحديث في الساعة التي ترجى فيها إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر. قال: (وتُرجَى بعد الزوال) ". ثم روى حديث عمرو بن عوف المتقدم. [في "الضعيف"]. قال الحافظ أبو بكر بن المنذر: "اختلفوا في وقت الساعة التي يُستجابُ فيها الدعاء من يوم الجمعة، فرُوِّينا عن أبي هريرةَ قال: هي من بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمسِ، ومن بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس. (2) وقال الحسن البصري وأبو العالية: هي عند زوال الشمس. وفيه قول ثالث، هو أنّه "إذا أذّن المؤذّن لصلاة الجمعة"، رُوي ذلك عن عائشة. ورُوِّينا عن الحسن البصري أنَّه قال: "هي إذا قعد الإمام على المنبر حتى يفرغ". وقال أبو بردة: هي الساعة التي اختار الله فيها الصلاة. وقال أبو السوّار العدوي: كانوا يرون الدعاء مستجاباً ما بين أنْ تزول الشمس إلى أنْ يدخل في الصلاة. وفيه قول سابع، وهو أنَّها ما بين أنْ تزيغ الشمس بشبر إلى ذراع. ورُويِّنا هذا القول عن أبي ذر. وفيه قول ثامن، وهو أنَّها ما بين العصر إلى أنْ تغرب الشمس. كذا قال أبو هريرة، وبه قال طاوس وعبد الله بن سلام. والله أعلم". (3)   (1) سقطت من الأصل، واستدركتها من "سنن الترمذي" والمخطوطة، وفيها بعدها زيادة: "إجابة الدعوة". وسقط ذلك كله من مطبوعة الثلاثة! (2) قلت: وهذا قد رُوي عن أبي هريرة مرفوعاً، ولا يصح أيضاً، وقد خرَّجته فى "الضعيفة" (5299). (3) قلت: وهناك أقوال أخرى كثيرة، استقصاها الحافظ في "الفتح" (2/ 345 - 351) فبلغت ثلاثاً وأربعين قولاً، ومال هو إلى هذا الذي حكاه المؤلف وغيره عن الإمام أحمد وإسحاق، وتبعهما جمع، وهو الصواب عندي؛ لأن أكثر أحاديث الباب عليه، وما خالفها فليس فيها شيء صحيح، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 2 - (الترغيب في الغُسل يوم الجمعة). وقد تقدم ذكر الغُسل في الباب قبله في حديث سلمان الفارسي، وأوس بن أوس، وعبد الله بن عمروٍ. 704 - (1) [حسن] وعن عبد الله بن أبي قتادة قال: دخل عليَّ أبي وأنا أغتسل يومَ الجمعةَ، فقال: غُسلُك هذا من جنابة أو للجمعة؟ قلت: مِن جنابة. قال: أعِدْ غُسلاً آخر، إنِّي سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن اغتسل يومَ الجمعة؛ كان في طهارةٍ إلى الجمعةِ الأخرى". رواه الطبراني في "الأوسط"، وإسناده قريب من الحُسْن، وابن خزيمة في "صحيحه" وقال: "هذا حديث غريب لمْ يروه غير هارون -يعني ابن مسلم صاحب الحِنّاءِ (1) -". ورواه الحاكم بلفظ الطبراني وقال: "صحيح على شرطهما"، ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: "مَن اغتسل يوم الجمعة؛ لم يزلْ طاهراً إلى الجمعة الأخرى".   = وأقواها حديث أبي موسى عند مسلم وغيره، وهو في الكتاب الآخر، فرجَّحوه على أحاديث الباب بأنّه في أحد "الصحيحين". قال الحافظ: "وأجاب الأوّلون بأنّ الترجيح بما في "الصحيحين" أو أحدهما إنما هو حيث لا يكون مما انتقده الحفَّاظ كحديث أبي موسى هذا. فإنَّه أُعِلَّ بالانقطاع والاضطراب. . "، ثم شرح ذلك، ومن أجل الاضطراب أوردته في "ضعيف أبي داود" (193)، وقد صح اتفاق الصحابة أنها آخر ساعة من يوم الجمعة، فلا يجوز مخالفتهم. راجع "الفتح". (1) هو بمهملة مكسورة ونون ثقيلة، قال الحافظ ابن حجر في "التقريب": "صدوق من التاسعة". الحديث: 704 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 705 - (2) [صحيح] (*) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا كان يومُ الجمعة، فاغتسل الرجلُ، وغَسَلَ رأسَه، ثم تَطيَّبَ من أطيب طيبه، ولَبِس من صالح ثيابهِ، ثم خرج إلى الصلاة، ولم يُفَرِّقْ بين اثنين، ثم استمعَ للإمام؛ غُفِرَ له من الجمعة إلى الجمعة، وزيادةُ ثلاثة أيام". رواه ابن خزيمة في "صحيحه". قال الحافظ: "وفي هذا الحديث دليل على ما ذهب إليه مكحول ومَن تابعه في تفسير قوله: "غَسَلَ واغتسل"، والله أعلم". 706 - (3) [صحيح] وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "غُسل يوم الجمعة واجبٌ (1) على كل محتلم، وسِواكٌ. ويَمَسُّ من الطيب ما قَدِرَ عليه". رواه مسلم وغيره. 707 - (4) [حسن لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنّ هذا يومُ عيدٍ، جعله الله للمسلمين، فمَن جاءَ الجمعةَ فليغتسلْ، وإنْ كان طيبٌ فليمَسَّ منه، وعليكم بالسواكِ". رواه ابن ماجه بإسناد حسن. وستأتي أحاديث تدلّ لهذا الباب فيما يأتي من الأبواب إن شاء الله تعالى.   (1) ليس عند مسلم (3/ 4) "واجب"، وإنّما هو عند النسائي (1/ 204). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: سقط هذا الحكم من المطبوع، وأثبته الشيخ مشهور في طبعته للترغيب، وقال: «أثبتناه من أصول الشيخ - رحمه الله تعالى-» الحديث: 705 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 3 - (الترغيب في التبكير إلى الجمعة، وما جاء فيمن يتأخر عن التبكير من غير عذر). 708 - (1) [صحيح] عن أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من اغتسل يومَ الجمعة غُسلَ الجنابة، ثم راحَ في الساعةِ الأولى فكأنّما قرَّب بَدَنَةً، ومن راح في الساعةِ الثانيةِ فكأنما قرب بَقَرَةً، ومن راح في الساعةِ الثالثةِ فكأنما قرَّب كبشاً أقْرَنَ، ومن راح في الساعة الرابعةِ فكأنما قَرَّبَ دَجاجةً، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بَيْضَةً، فإذا خرج الإمامُ حضرتِ الملائكة يستمعون الذِكرَ". رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. [صحيح] وفي رواية للبخاري ومسلم وابن ماجه: "إذا كان يومُ الجمعة، وَقَفَتْ الملائكةُ على بابِ المسجد، يكتبون الأوَّلَ فالأوَّلَ، ومَثَل المُهَجِّر كَمَثَلِ الذي يُهدي بَدَنَةً، ثم كالذي يُهدي بقرةً، ثم كبشاً، ثم دجاجةً، ثم بيضةً، فإذا خرج الإمامُ طَوَوْا صُحفَهم، يستمعون الذِكرَ". ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" بنحو هذه. [صحيح] وفي رواية له: أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "المستعجِل إلى الجمعةِ كالمُهْدي بَدَنَةً، والذي يليه كالمُهدي بقرةً، والذي يليه كالمُهدي شاةً، والذي يليه كالمُهدي طيراً". [صحيح] وفي أخرى له قال: "على كل بابٍ من أبواب المساجد يومَ الجمعةِ مَلَكان يكتبان الأوَّلَ فالأوَّلَ، كرجلٍ قَدَّمَ بَدَنةً، وكرجلٍ قدَّم بقرةً، وكرجل قدَّم شاةً، وكرجل قدَّم الحديث: 708 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 طيراً، وكرجل قدم بيضةً، فإذا قعد الإمام طُويَتِ الصحفُ". (المُهجّر): هو المبكر الآتي في أول ساعة. 709 - (2) [حسن لغيره] وعن سَمْرة بن جُندب رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضرب مثلَ الجمعةِ ثم التبكيرِ [كناحرِ البَدَنَةِ]، (1) كناحرِ البقرة، كناحر الشاة، حتى ذكرَ الدجاجةَ. رواه ابن ماجه بإسناد حسن. 710 - (3) [حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تقعدُ الملائكةُ يومَ الجمعةِ على أبوابِ المساجدِ معهم الصحفُ يكتبونَ الناسَ، فإذا خرج الإمامُ طُويَتِ الصُّحفُ". قلت: يا أبا أمامة! أليس لمن جاء بعد خروجِ الإمام جمعةٌ؟ قال: بلى، ولكنْ ليس ممن يُكتبُ في الصحف. رواه أحمد، والطبراني في "الكبير"، وفي إسناده مبارك بن فضالة. (2) [حسن صحيح] وفي رواية لأحمد: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "تقعد الملائكةُ على أبوابِ المساجدِ، فيكتبون الأولَ والثانيَ والثالثَ، حتى إذا خرجَ الإمامُ رُفعتِ الصحفُ". ورواة هذا ثقات.   (1) زيادة من "ابن ماجه"، وكان في الأصل وطبعة عمارة: "كأجرة البقرة، كأجرة الشاة"، فصحَّحته منه، ونحوه في "الطبراني الكبير" (7/ 256 و281). (2) قلت. هذا الإعلال لا وجه له، فإنما يُخشى منه عنعنته، وقد قال عند أحمد (5/ 263): حدَّثني أبو غالب عن أبي أمامة، بالرواية الآتية، فصرح بالتحديث. ثم إنه قد تابعه حسين -وهو ابن واقد-: حدَّثني أبو غالب بالرواية الأولى. رواه أحمد (5/ 260). وهي عند الطبراني (8/ 339/ 8085)؛ لكنْ من طريق المبارك معنعناً. الحديث: 709 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 711 - (4) [حسن] وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنَّه قال: "إذا كان يومُ الجمعةِ قَعَدَتِ الملائكةُ على أبوابِ المساجدِ، فيكتبون من جاء من الناس على منازلِهم، فرجل قدَّم جزوراً، ورجل قدَّم بقرةً، ورجل قدَّم شاةً، ورجل قدَّم دجاجةً، ورجل قدَّم بيضةً، قال: فإذا أذَّن المؤذنُ وجلس الإمامُ على المنبر طُويَت الصحف، ودخلوا المسجدَ يستمعون الذكْر". رواه أحمد بإسناد حسن. 712 - (5) [صحيح] ورواه النسائي بنحوه من حديث أبي هريرة. (1) قال الحافظ رحمه الله: وتقدم [693] حديث عبد الله بن عمرو عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من غَسَّلَ واغتسل، ودنا وابتكر، واقترب واستمع. كان له بكل خطوة يخطوها قيامُ سنةٍ وصيامُها". وكذلك تقدم [690] حديث أوس بن أوس نحوه. 713 - (6) [حسن لغيره] وروي عن سَمُرَة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "احضُروا الجمعةَ، وادنُوا من الإمام؛ فإنَّ الرجلَ ليكونُ من أهل الجنةِ، فيتأخر. .، فيؤخَّر عن الجنَّة، وإنَّه لمن أهلها". رواه الطبراني والأصبهاني وغيرهما (2).   (1) قلت: ومسلم أيضاً عنه، وابن ماجه وابن خزيمة كما بينته في الأصل. (2) قلت: ومنهم أحمد (5/ 10)، فكان العزو إليه أولى. وقد أخرجه أبو داود أيضاً بنحوه، وسنده حسن كما تراه في "صحيح أبي داود" (1015)، و"الصحيحة" (365)، وكان في الأصل محل النقط (. . .) قوله: "عن الجمعة"، فلم أذكرها لضعف سندها، وفقدان الشاهد لها، ونكارتها، ولو صحت لكانت من الأدلة على أن تارك الصلاة ليس بكافر! وفيما صح ما يغني عنه كما تقدم. وغفل الثلاثة عن هذا التحقيق كعادتهم تقليداً، فحسنوا الحديث مع إقرارهم لقول الهيثمي في راويه الحكم بن عبد الملك: "ضعيف"! فما أجهلهم وأشد تناقضهم؟! الحديث: 711 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 4 - (الترهيب من تخطّي الرقاب يوم الجمعة). 714 - (1) [صحيح] عن عبد الله بن بُسرٍ رضي الله عنهما قال: جاء رجل يتَخَطّى رقاب الناس يومَ الجمعةِ، والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخطبُ، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اجلسْ فقد آذَيتَ، وآنَيتَ". رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". وليس عند أبي داود والنسائي: "وآنيتَ"، وعند ابن خزيمة: "فقد آذيتَ، وأُوذِيتَ". (1) 715 - (2) [صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله. (آنيتَ) بمد الهمزة وبعدها نون ثم ياء مثناة تحت، أي: أخَّرتَ المجيء. (وآذيتَ) بتخطّيك رقاب الناس.   (1) كذا قال، وأنا أخشى أنْ يكون تحرّف عليه، أو على ناسخ نسخته من "صحيح ابن خزيمة"، فإنَّ الثابت في المطبوعة منه (3/ 156/ 1811) موافق لرواية أحمد (4/ 190)، ومدارهما على عبد الرحمن بن مهدي. وتابعه ابن وهب عند ابن الجارود في "المنتقى" (110/ 294)، وابن حبان (572). الحديث: 714 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 5 - (الترهيب من الكلام والإمام يخطب، والترغيب في الإنصات). 716 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا قلتَ لصاحِبك يومَ الجمعةِ: أنصتْ، والإمامُ يخطب؛ فقد لَغَوْتَ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة. قوله: "لغوتَ" قيل: معناه خِبْتَ من الأجر. وقيل: تكلَّمت. وقيل: أخطأت. وقيل: بطلت جمعتك. وقيل: صارت جمعتك ظهراً. وقيل غير ذلك. (1) 717 - (2) [صحيح] وعنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا تكلمتَ يوم الجمعة فقد لَغَوْتَ، وألغَيتَ. يعني والإمام يخطب". رواه ابن خزيمة في "صحيحه". 718 - (3) [صحيح] ورواه [يعني حديث أُبيّ بن كعبٍ الذي في "الضعيف"] ابن خزيمة في "صحيحه" عن أبي ذر؛ أنه قال: دخلت المسجدَ يوم الجمعة، والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب، فجسلتُ قريباً من أُبيِّ   (1) قلت: وهذا القول الأخير -وقريب منه الذي قبله- هو الذي نعتمده، لأن خير ما فسَّر به حديثه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إنما هو كلامه، وقد ثبت عنه أنه قال في حديث يأتي قريباً: "ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً"، وهو الذي جزم به الإمام ابن خزيمة في "صحيحه" (/ 3/ 155 باب - 71). ولا ينافيه قول أبي الآتي بعده: "ما لك من صلاتك إلا ما لغوت"، وتأييدُه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياه بقوله: "صدق أُبي"؛ فإن المعنى نفيُ فضيلة صلاة الجمعة، وليس نفي الجمعة من أصلها، على حد قولهم: "لا فتى إلا علي"، وذلك لا يستلزم نفي الفضيلة من أصلها، وإنما نفي بعضها، وما بقي من الفضل يساوي فضيلة صلاة الظهر، لقوله: "كانت له ظهراً". وهو - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ذلك فيمن لغا أو تخطّى كما في الحديث الآتي (6)، فمَن لغا فقط، كانت له ظهراً من باب أولى، كما هو ظاهر لا يخفى والحمد لله، وراجع له (الباب - 72) من "ابن خزيمة". الحديث: 716 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 ابن كعب، فقرأَ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سورة {براءة}، فقلت لأُبيٍّ: متى نزلت هذه السورة؟ قال: فتَجَهَّمَنِي، ولم يُكَلِّمْني. ثم مكثتُ ساعةً، ثم سأَلتُه؟ فتجهَّمني، ولم يكلّمنْي. ثم مكثتُ ساعة، ثم سألتُه؟ فتجهمني، ولم يكلمني. فلما صلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلت لأُبَيٍّ: سألتُك فتجهمتني، ولم تُكلِّمني؟ قال أُبيّ: ما لك من صلاتك إلا ما لَغَوْتَ! فذهبتُ إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يا نبيَّ الله! كنتُ بجنب أُبَيّ وأنت تقرأ {براءة}، فسألتُه: متى نزلتْ هذه السورة؟ فتجهَّمني، ولم يكلِّمني، ثم قال: ما لك من صلاتك إلا ما لغوتَ! قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صدق أُبَيٌّ". قوله: "فتجهَّمني" معناه: قطَّب وجهه وعبس، ونظر إليَّ نظرَ المغضَب المنكِر. 719 - (4) [حسن صحيح] وعن جابر أيضاً قال: دخلَ عبدُ الله بنُ مسعودٍ المسجدَ، والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب، فجلس إلى جنب أُبي بنِ كعبٍ، فسأله عن شيء، أو كلَّمه بشيء، فلم يَرُدَّ عليه أُبَيٌّ، وظنَّ ابنُ مسعودٍ أنَّها مَوْجِدَةٌ (1)، فلما انفتل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من صلاتِه قال ابن مسعود: يا أُبيُّ! ما منعَكَ أنْ تَردَّ علي؟ قال: إنَّك لم تحضر معنا الجمعة. قال: لِمَ؟ قال: تكلمتَ والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب! فقام ابن مسعود، فدخل على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر ذلك له، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صدقَ أُبيٌّ، صدق أُبيٌّ، أَطعْ أُبيّاً". رواه أبو يعلى بإسناد جيد، وابن حبان في "صحيحه".   (1) مصدر (وجد عليه) يجد وَجداً ومَوجِدةً: غضب. الحديث: 719 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 720 - (5) [صحيح] وعن عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنهَ قال: كفى لغواً أنْ تقولَ لصاحِبكَ: أَنصتْ؛ إذا خرج الإمام في الجمعة. رواه الطبراني في "الكبير" موقوفاً بإسناد صحيح. 721 - (6) [حسن صحيح] وعن عبدِ اللهِ بنِ عمرو بنِ العاصِ رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن اغتسلَ يومَ الجمعة، ومسَّ من طِيب امرأتِه إنْ كان لها، ولبِسَ من صالحِ ثِيابه، ثم لم يَتَخَطَّ رقابَ الناس، ولم يَلغُ عند الموعِظةِ؛ كان كفارةً لما بينهما، ومن لغا (1) وتخطى رقاب الناسِ كانت له ظهراً". رواه أبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه" من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو. 722 - (7) [صحيح] ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" من حديث أبي هريرة بنحوه (2). وتقدم [أول الباب الثالث]. 723 - (8) [حسن صحيح] وعنه [يعني ابن عمروٍ] قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يحضرُ الجمعة ثلاثةُ نفرٍ، فرجلٌ حضرها يَلغو، فذلك حظُّه منها، ورجلٌ حضرها بدعاءٍ، فهو رجل دعا اللهَ؛ إنْ شاء أعطاه، وإنْ شاء منعه، رجل حضرها بإنصاتٍ وسكوتٍ، ولمْ يتخطَّ رَقَبَةَ مسلِم، ولم يؤذِ أحداً؛ فهي كفارةٌ إلى الجمعة التي تليها، وزيادة ثلاثة أيام. وذلك أنّ الله يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ". رواه أبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه".   (1) كذا في "أبي داود" (345) وعنه البيهقي (3/ 231). وفي ابن خزيمة (3/ 156/ 1810): "أو"، وقد تأتي الواو بمعنى (أو). والله أعلم. (2) قلت: دون قوله: "ومن لغا. . ." إلخ. الحديث: 720 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 6 - (الترهيب من ترك الجمعة لغير عذر). 724 - (1) [صحيح] عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه؛ أنّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لِقومٍ يَتخَلّفُون عن الجمعة: "لقد هَمَمْتُ أنْ آمرَ رجلاً يصلِّي بالناسِ، ثم أحَرِّقَ على رجالٍ يتخلَّفون عن الجمعة بُيوتَهم". رواه مسلم والحاكم بإسناد على شرطهما (1). 725 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم؛ أنّهما سمعا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول على أعواد منبره: "لينتهينَّ أقوامٌ عن وَدْعِهِم الجُمُعاتِ، أو ليختمَنَّ الله على قلوِبهم، ثم ليكونُنَّ من الغافلين". رواه مسلم وابن ماجه وغيرهما. قوله. "وَدْعِهم الجمعات" هو بفتح الواو وسكون الدال؛ أي: تركهم الجمعات. 726 - (3) [صحيح] ورواه ابن خزيمة بلفظ: "تركِهم" من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري. 727 - (4) [حسن صحيح] وعن أبي الجَعْدِ الضَّمْري (2) -وكانت له صحبةٌ رضي الله عنه- عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:   (1) فيه نظر بيَّنتُه في الأصل. (2) هذا هو الصواب في ضبط هذه النسبة، وما في مطبوعة عمارة أنَّه (الضُّمَري) فهو خطأ مخالف لكتب "الأنساب" وغيرها. الحديث: 724 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 "مَن ترك ثلاثَ جُمَعِ تهاوناً بها (1)؛ طبعَ الله على قلبِه". رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسَّنه، وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبَّان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط مسلم". [حسن صحيح] وفي رواية لابن خزيمة وابن حبان: "مَن تركَ الجمعة ثلاثاً من غير عذر فهو منافق" (2). أبو الجعد اسمه أدرع، وقيل: جُنادة. وذكَر الكرابيسيّ أنَّ اسمه عُمرُ بن أبي بكر. وقال الترمذي: "سألت محمداً (يعني البخاري) عن اسم أبي الجعد؟ فلم يعرفه". 728 - (5) [صحيح لغيره] وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن ترك الجمعة ثلاث مرات من غير ضرورة؛ طَبَعَ الله على قلبه". رواه أحمد بإسناد حسن، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد" (3). 729 - (6) [صحيح لغيره] وعن أسامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن ترك ثلاثَ جمعاتٍ من غير عذرٍ؛ كُتِبَ من المنافقين". رواه الطبراني في "الكبير" من رواية جابر الجُعفي، وله شواهد.   (1) أي: لقلة الاهتمام بأمرها، لا استخفافاً بها؛ لأن الاستخفاف بفرائض الله تعالى كفر وردة؛ لأنه كفر قلبي، ونصبه على أنه مفعول لأجله، أو حال، أي. متهاوناً. ومعنى "طبع الله على قلبه" أي: ختم عليه وغشاه ومنعه الألطاف. و (الطبْع) بالسكون: الختم، وبالحركة: الدنس والوسخ يغشيان السيف، ثم استعمل في الآثام والقبائح. والله أعلم. (2) في الأصل: "وفي رواية ذكَرها رَزين وليست فى الأصول. فقد بَرئ من الله". فلم أذكرها لمخالفتها مع ما ذكر المؤلف للأصول! (3) ورواه ابن ماجه، لكنْ جعله من حديث جابر، وهو الأرجح عندي كما بيّنتُه في الأصل، ويأتي بعد ثلاثة أحاديث. الحديث: 728 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 730 - (7) [صحيح لغيره] وعن كعبِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لَيَنْتهيَنَّ أقوامٌ يَسمعون النداءَ يوم الجمعة ثم لا يأْتونَها، أو لَيَطْبَعَنَّ اللهُ على قلوبهم، ثم لَيكُونُنَّ من الغافلين". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن. 731 - (8) [حسن لغيره] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا هل عسى أحدُكم أنْ يتَّخذ الصُّبَّة من الغنم على رأس ميل أو ميلين، فَيَتَعَذَّرَ عليه الكلأُ، فيرتفعَ، ثم تجيءُ الجمعةُ فلا يجيء ولا يشهدها، وتجيء الجمعةُ فلا يشهدها، [وتجيءُ الجمعة فلا يشهدُها] (1)، حتى يُطبَعَ على قلبِه". رواه ابن ماجه بإسناد حسن، وابن خزيمة في "صحيحه". (الصُّبَّة) بضم الصاد المهملة، وتشديد الباء الموحَّدة: هي السَّربة (2)، إما من الخيلِ أو الإبلِ أو الغنم، ما بين العشرين إلى الثلاثين، تضاف إلى ما كانت منه. وقيل: هي ما بين العشَرة إلى الأربعين. 732 - (9) [حسن لغيره] وعن جابر بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما قال: قام رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطيباً يومَ الجمعة فقال: "عسى رجلٌ تَحضُرُه الجمعةُ، وهو على قَدْرِ ميلٍ من (المدينة)، فلا يحضرُ الجمعةَ". ثم قال في الثانية: "عسى رجلٌ تَحضُره الجمعةُ وهو على قَدْرِ ميلين من (المدينة) فلا   (1) زيادة من ابن ماجه وابن خزيمة، ويشهد لها الحديث الآتي بعده. (2) بكسر السين المهملة، بعدها راء وباء موحدة، ووقع في الأصل وتبعه عمارة: "السرية" بالمثناة التحتية، وهو خطأ. الحديث: 730 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 يحضُرُها". وقال في الثالثة: "عسى يكون على قَدْرِ ثلاثةِ أميالٍ من (المدينة) فلا يحضر الجمعة، ويطبعُ اللهُ على قبله". رواه أبو يعلى بإسناد ليِّن. (1) [حسن صحيح] وروى ابن ماجه عنه بإسناد جيد مرفوعاً: "مَن ترك الجمعةَ ثلاثاً من غير ضرورةٍ؛ طَبَعَ اللهُ على قلبه". 733 - (10) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: "مَن ترك الجمعةَ ثلاثَ جُمَعٍ متوالياتٍ؛ فقد نبَذ الإسلام وراء ظهره". رواه أبو يعلى موقوفاً بإسناد صحيح. 734 - (11) [حسن لغيره] وعن حارثة بنِ النعمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يَتَّخِذُ أحدُكم السائمةَ، فيشهد الصلاةَ في جماعة، فتتعذَّر عليه سائمتُه، فيقول: لو طلبت لسائمتي مكاناً هو أكلأُ من هذا، فيتحوَّل، ولا يشهد إلاَّ الجمعة، فتتعذَّر عليه سائمتُه، فيقول: لو طلبت لسائمتي مكاناً هو أكلأُ من هذا، فيتحوَّل، فلا يشهد الجمعةَ ولا الجماعَة، فيطبعُ اللهُ على قلبه". رواه أحمد من رواية عمر بن عبد الله مولى غُفْرَة، وهو ثقة عنده (2).   (1) قلت: وأما قول الهيثمي: "رواه أبو يعلى، ورجاله موثوقون"؛ فهو من تساهله، كيف لا وفيه الفضل الرّقاشي، وهو ضعيف اتفاقاً، بل قال فيه أبو داود: "كان هالكاً"، وقال النسائي: "ليس بثقة". لكن حديثه هذا حسن بالذي قبله، وبحديث جابر الذي بعده. (تنبيه): تحرَّف اسم (جابر) في هذا السطر الأخير من الطبعة السابقة إلى (حارثة)، فنقله عني المعلقون الثلاثة هكذا محرَّفاً. وهذا مما يدل أن كل تحقيقهم إنما هو مجرد النقل، من دون فهم. (2) قلت: لكنْ ضعفه الأكثر، ولذلك جزم بضعفه الهيثمي ثم العسقلاني، ولكن حديثه قوي بما قبله. الحديث: 733 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 وتقدم حديث أبي هريرة عند ابن ماجه وابن خزيمة بمعناه. [الحديث الثامن]. قوله: "أكلأُ من هذا" أي: أكثر كلأً. و (الكلأ)، بفتح الكاف واللام في آخره همزة غير ممدودة: هو العشب الرطب واليابس. 735 - (12) [حسن] وعن محمد بنِ عبدِ الرحمنِ بن زُرارة قال: سمعت عَمّي (1) -ولم أر رجلاً منَّا به شبيهاً- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن سمع النداءَ يومَ الجمعة فلم يأتِها، ثم سمِعَه فلم يأتها، ثم سمعَه فلم يأتها، طبعَ اللهُ على قلبه، وجعل قلبَه قلبَ منافق". رواه البيهقي.   (1) الأصل: "عمر"، وكذا في مطبوعة عمارة والمخطوطة، والصواب ما أثبتّه؛ كما حقَّقتُه في الأصل، واسم عمه (يحيى بن سعد بن زرارة). وعلى الصواب رواه أبو يعلى في "مسنده" (13/ 109)، وكان بالعزو إليه أولى من البيهقي، وهذا أخرجه في "الشُّعَب" (3/ 102 - 103). وعزاه الثلاثة المعلِّقون هنا (1/ 576) للأصبهاني في "الترغيب" برقم (912)، وهذا خطأ سبق التنبيه على أمثاله!! الحديث: 735 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 7 - (الترغيب في قراءة سورة {الكهف}. . ليلة الجمعة ويوم الجمعة). 736 - (1) [صحيح] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن قرأ سورةَ {الكهف} في يومِ الجمعةِ؛ أضاء له من النور ما بين الجمعتين". رواه النسائي (1)، والبيهقي مرفوعاً، والحاكم مرفوعاً وموقوفاً أيضاً، وقال: "صحيح الإسناد". ورواه الدارمي في "مسنده" (2) موقوفاً على أبي سعيد، ولفظه: قال: "من قرأ سورةَ {الكهف} ليلةَ الجمعة؛ أضاء له من النور ما بينه وبين البيتِ العتيقِ". وفي أسانيدهم كلها -إلا الحاكم- أبو هاشم يحيى بن دينار الرُّمَاني، والأكثرون على توثيقه، وبقية الإسناد ثقات. وفي إسناد الحاكم -الذي صححه- نعيم بن حمَّاد، ويأتي الكلام عليه، وعلى أبي هاشم.   (1) قال الناجي (106): "في اليوم والليلة" على القاعدة المقررة المتكررة، لا في "السنن". وكلام المصنف يقتضي أنه لم يروه النسائي إلا مرفوعاً، وقد رواه مرفوعاً وموقوفاً كالحاكم"! قلت: نعم، ولكن ليس عنده إطلاقاً قوله: "في يوم الجمعة". وهو مخرج في "الإرواء" (3/ 93 - 94)، وقد تقدم دونه في (4 - الطهارة/ 12). (2) قلت: كذا اشتُهر اسمه عند كثير من المتقدمين، وفيه نظر، فإنه ليس على ترتيب المسانيد، وإنما على الكتب والأبواب، وفيه كثير من الآثار الموقوفة، والأقرب أن يسمى بـ "السُّنن"، وعلى هذا جرى كثير من الحفاظ وغيرهم. الحديث: 736 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 8 - كتاب الصدقات. 1 - (الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها). 737 - (1) [صحيح] عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بُنِيَ الإسلامُ على خَمسٍ: شهادةِ أنْ لا إله إلا الله، وأنّ محمداً عبدُهُ ورسولُه، وإقامِ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، وحجِ البيتِ، وصومِ رمضان". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. [مضى 5 - الصلاة/13]. 738 - (2) [حسن] وعن أبي الدرداءِ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خمسٌ مَن جاء بهنَّ مع إيمانٍ دخلَ الجنةَ: مَن حافظَ على الصلواتِ الخمسِ، على وضوئِهنَّ وركوعِهنَّ وسجودهنَّ ومواقيتِهنَّ، وصامَ رمضانَ، وحجَّ البيتَ إنِ استطاعَ إليه سبيلاً، وأعطى الزكاةَ طيِّبةً بها نفسُهُ" الحديث. رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد جيّد، وتقدم [5 - الصلاة/ 13]. 739 - (3) [صحيح لغيره] وعن مُعاذ بنِ جبلٍ رضي الله عنه قال: كنتُ مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفرٍ، فأصبحتُ يوماً قريباً منه، ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله! أخبرْني بعملٍ يُدخلني الجنةَ، ويباعدني من النار، قال: "لقد سألتَ عن عظيمٍ، وإنه ليسيرٌ على من يَسَّرَهُ اللهُ عليه، تَعبدُ اللهَ ولا تشركُ به شيئاً، وتقيمُ الصلاةَ، وتُؤتي الزكاةَ، وتصومُ رمضانَ، وتَحجُّ البيتَ" الحديث. رواه أحمد والترمذي وصححه، والنسائي وابن ماجه. الحديث: 737 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 ويأتي بتمامه في "الصمت" إنْ شاء الله تعالى. 740 - (4) [صحيح لغيره] وعن عائشةَ رضي الله عنها؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثٌ أحلِفُ عليهن: لا يجعلُ الله من له سهمٌ في الإسلامِ كمَن لا سَهْم لَه، وأسهمُ الإسلام ثلاثةٌ: الصلاةُ، والصومُ، والزكاةُ، ولا يَتَوَلَّى اللهُ عبداً في الدنيا فَيُولِّيه غيرَه يومَ القيامة" الحديث. رواه أحمد بإسناد جيد. [مضى 5 - الصلاة/ 13]. 741 - (5) [حسن لغيره] وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الإسلامُ ثمانية أسهمٍ: الإسلامُ سهمٌ، والصلاةُ سهمٌ، والزكاةُ سهمٌ، والصومُ سهمٌ، وحجُّ البيتِ سهمٌ، والأمر بالمعروف سهمٌ، والنهيُ عن المنكرِ سهمٌ، والجهاد في سبيل الله سهمٌ، وقد خاب من لا سهمَ له". رواه البزار مرفوعاً، وفيه يزيد بن عطاء اليشكريّ. 742 - (6) [حسن لغيره] وراه أبو يعلى من حديث علي مرفوعاً أيضاً. [صحيح موقوف] وروي موقوفاً على حذيفة، وهو أصح. قاله الدارقطني وغيره. (1) 743 - (7) [حسن لغيره] وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسولَ الله! أرأيتَ إنْ أدَّى الرجلُ زكاةَ مالِه؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن أدَّى زكاةَ مالِه؛ فقد ذهب عنه شَرُّه".   (1) قلت: وصله ابن أبي شيبة (5/ 352 و11/ 7)، والطيالسي (410)، والبزار (337) بسند صحيح عنه. وله شاهد قوي مرفوع من حديث أبي هريرة وزاد: "فمن ترك من ذلك شيئاً فقد ترك سهماً من الإسلام، ومن تركهن كلهن، فقد ولى الإسلام ظهره". وهو مخرج في "الصحيحة" (333): وهو نص في أن تارك الصلاة لا يكفر، فهو مثل كثير غيره قاصمة ظهر المكفِّرين، فلعلهم يرجعون، ولا يتأولون ولا ينكرون! الحديث: 740 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 رواه الطبراني في "الأوسط" -واللفظ له- وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم مختصراً: "إذا أدَّيْتَ زكاةَ مالِكَ؛ فقد أذهبتَ عنك شَرَّه". وقال: "صحيح على شرط مسلم". 744 - (8) [حسن لغيره] وعن الحسن قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ". . . . . . . داوُوا مرضاكم بالصدقة. . . . . . ". رواه أبو داود في "المراسيل"، ورواه الطبرانى والبيهقى وغيرهما عن جماعة من الصحابة مرفوعاً متصلاً، والمرسل أشبه. (1) 745 - (9) [صحيح موقوف] ورواه غيره [يعني حديث ابن عمر المرفوع الذي في "الضعيف"] موقوفاً على ابن عمر، وهو الصحيح. [قلت: ولفظه: "كلُّ مالٍ أديتَ زكاتَه وإن كانَ تحتَ سبعِ أرضين؛ فليسَ بكنزٍ، وكلُّ مالٍ لا تؤدى زكاتُه؛ فهو كنزٌ وإن كان ظاهراً على وجه الأرض". رواه البيهقي]. 746 - (10) [صحيح لغيره] وعن سَمُرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أقيموا الصلاة، وآتُوا الزكاةَ، وحجُّوا، واعتمِروا، واستقيموا؛ يُستَقَمْ بكم". رواه الطبراني في "الثلاثة"، وإسناده جيد إنْ شاء الله تعالى، عمران القطان صدوق.   (1) قلت: لأنه مع إرساله حسن الإسناد، وما أشارَ إليه من الروايات عن الجماعة لا تخلو من ضعف بعضه شديد، وقد خرجت طائفة منها في "الضعيفة" (575 و3492 و6162)، وهي على اختلاف ألفاظها، قد اتّفقت على جملة المداواة هذه، ولذلك حسَّنتُها. والله أعلم. وانظر إن شئت "المقاصد" للحافظ السخاوي (190 - 191). وغفل عن هذا التفصيل المعلقون الثلاثة -وهو الله اللائق بجهلهم- فحسنوا الحديث بكامله! الحديث: 744 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 747 - (11) [صحيح] وعن أبي أيوب رضي الله عنه: أنّ رجلاً قال للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أخبرْني بعمل يُدخلُني الجنة. قال: "تعبدُ اللهَ لا تشركُ به شيئاً، وتقيمُ الصلاةَ، وتؤتي الزكاةَ، وتَصِلُ الرَّحِمَ". رواه البخاري ومسلم. 748 - (12) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ أعرابياً أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! دُلَّني على عمل إذا عمِلْتُه دخلتُ الجنة. قال: "تعبدُ اللهَ لا تشرك به شيئاً، وتقيمُ الصلاةَ المكتوبةَ، وتؤتي الزكاةَ المفروضةَ، وتصومُ رمَضانَ". قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا ولا أنقُص منه. فلما ولَّى، قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن سَرَّهُ أنْ يَنظرَ إلى رجلٍ من أهل الجنةِ، فلينْظر إلى هذا". رواه البخاري ومسلم. 749 - (13) [صحيح] وعن عمرو بن مُرَّةَ الجهني رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ من قُضاعَةَ إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إني شَهِدتُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأنك رسولُ اللَهِ، وصليتُ الصلواتِ الخمسَ، وصمتُ رمضانَ وقمتُه، وآتيت الزكاة. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن ماتَ على هذا كان من الصدّيقين والشهداء". رواه البزّار بإسناد حسن، وابن خزيمة في "صحيحه"، وابن حبان، وتقدم لفظه في "الصلاة" [5 - الصلاة/ 13]. الحديث: 747 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 750 - (14) [صحيح لغيره] وعن عبد اللهِ بنِ معاويةَ الغاضريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثٌ من فعلهنَّ فقد طَعِمَ طَعْمَ الإيمان: مَن عَبدَ الله وحدَه، وعلم أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأعطى زكاةَ مالِه طيِّبةً بها نفسُه، رافدةً عليه كلَّ عامٍ، ولم يُعطِ الهَرِمَةَ، ولا الدَّرِنَةَ، ولا المريضةَ، ولا الشَّرَط اللئيمة، ولكنْ من وَسَطِ أموالكم، فإنّ الله لم يسألْكمْ خَيرَه، ولم يأْمرْكُمْ بشرِّه". رواه أبو داود. قوله: "رافدة عليه" من (الرِّفْد)، وهو الإعانة، ومعناه: أنَّه يُعطي الزكاة ونفسه تعينه على أدائِها بطيبها، وعدم حديثها له بالمنع. "والشَّرَط" بفتح الشين المعجمة والراء: هي الرذيلة من المال، كالمُسِنَّة والعجفاء ونحوهما. "والدَّرِنَة": الجرباء. 751 - (15) [صحيح] وعن جريرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه قال: "بايعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على إقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والنُّصحِ لكلِّ مسلم". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 752 - (16) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا أديتَ الزكاةَ فقد قضيتَ ما عليك، ومن جمعَ مالاً حراماً ثم تصدق به؛ لم يكن له فيه أجر، وكان إصره عليه". الحديث: 750 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد" (1). 753 - (17) [حسن] وعن زِرِّ بن حُبيشٍ: أنّ ابن مَسعودٍ رضي الله عنه كان عنده غلامٌ يقرأ في المصحف، وعنده أصحابه، فجاء رجلٌ يقال له: حَضرَمَةٌ، فقال: يا أبا عبدِ الرحمن! أيُّ درجاتِ الإسلام أفضلُ؟ قال: الصلاة. قال: ثم أيُّ؟ قال: الزكاة. رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد لا بأس به. (قال المملي): "وتقدم في "كتاب الصلاة" أحاديث تدل لهذا الباب، وتأتي أحاديث أُخر في كتاب "الصوم" و"الحج" إن شاء الله تعالى".   (1) قلت: ووافقه الذهبي، وإنما هو حسن فقط؛ وإن كان فيه (دراج أبو السمح) فإنه من روايته عن ابن حجيرة الأكبر الخولاني، وهو حسن الحديث عنه؛ كما حققته في "الصحيحة" (3350). وهذا الحديث من زوائد هذه الطبعة وفوائدها. وأما الجهلة فجمعوا بين النقيضين فإنهم قالوا (1/ 587): "حسن". ثم أعلوه بتضعيف أحمد والنسائي وأبي حاتم لدراج!! ولم يفصلوا. الحديث: 753 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 2 - (الترهيب من منع الزكاة، وما جاء في زكاة الحلي). 754 - (1) [صحيح] عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِن صاحبِ ذهبٍ ولا فضةٍ لا يؤدّي منها حقِّها إلا إذا كان يومُ القيامة صُفّحَتْ له صفائحُ من نارٍ، فأُحميَ عليها في نار جَهَنَّمَ، فيُكوَى بها جَنْبُه وجَبينُه وظَهرُه، كلَّما بَرَدَتْ أُعيدَتْ له {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}، حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيلَه، إمّا إلى الجنةِ، وإمّا إلى النارِ". (1) قيل: يا رسولَ الله! فالإبل؟ قال: "ولا صاحبُ إبلٍ لا يؤدِّي منها حقَّها -ومن حقها حَلَبُها (2) يومَ وِردِها- إلا إذا كان يوم القيامة بُطِح لها بقاعٍ قَرقَرٍ أوفَرَ ما كانت، لا يفقدُ منها فَصيلاً واحداً، تَطؤه بأخفافِها، وتَعَضُّه بأفواهها، كلما مَرَّ عليه أُولاها رُدَّ عليه أُخراها، {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}، حتى يُقضى بين العباد، فَيَرى سبيلَه إما إلى الجنة، وإما إلى النار". قيل: يا رسولَ الله! فالبقرُ والغنمُ؟ قال: "ولا صاحبُ بقرٍ ولا غَنَمٍ لا يؤدِّي منها حقّها إلا إذا كان يومُ القيامة بُطِح لها بقاعٍ قرقرٍ أوفرَ ما كانتَ، لا يفقِد منها شيئاً، ليس فيها عقصاءُ (3) ولا   (1) قلت: هذا نص صريح من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تارك الزكاة الذي يعذب تلك المدة الطويلة أنه ليس بكافر مخلد في النار لقوله: "فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار". ففيه رد قوي على بعض الدكاترة وغيرهم الذين يكفرون التارك لمجرد الترك، ويتشبثون بالمتشابه من الروايات! ويتأولون النصوص كعلماء الكلام. (2) بفتح اللام، في "النهاية": "يقال: حلبت الناقة أحلبُها حلباً -بفتح اللام-، والمراد: يحلبها على الماء ليصيب الناس من لبنها". (3) أي: ملتوية القرنين. (جلْحاء) أي: لا قرن لها. (عضباء) أي: مكسورة القرن كما يأتي من المؤلف في الحديث الذي بعده. الحديث: 754 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 جَلحاءُ، ولا عَضباءُ، تَنْطَحُهُ بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما مرَّ عليه أُولاها، رُدَّ عليه أُخراها، {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}، حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيلَه، إما إلى الجنةِ، وإما إلى النار". قيل: يا رسول الله! فالخيلُ؟ قال: "الخيل ثلاثةٌ، هي لرجلٍ وِزرٌ، وهي لرجلٍ سِترٌ، وهي لرجل أجْرٌ، فأما التي هي له وزْر: فرجلٌ رَبَطَها رياءً وفخراً ونِواءً لأهلِ الإسلام، فهي له وزر. وأما التي هي له سِتْر: فرجلٌ ربَطَها في سبيلِ اللهِ، ثم لم يَنْسَ حقَّ اللهِ في ظهورِها ولا رقابها، فهي له سِتر. وأما التي هي له أجر: فرجلٌ ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام، في مَرْج أو رَوضةٍ، فما أكلتْ من ذلك المرج أو الروضةِ من شيء إلا كُتِب له عَدَدَ ما أكلتْ حسنات، وكتب له عَدَدَ أرْواثِها وأبوالها حسناتٌ، ولا تقطع طِولَها فاسْتَنَّتْ شَرَفاً أو شَرَفَين إلا كُتِبَ له عَدَدَ آثارِها وأرواثِها حسنات، ولا مَرَّ بها صاحبُها على نهرٍ فَشَربتْ منه، ولا يريد أن يسقيَها؛ إلا كتبَ الله تعالى له عَدَدَ ما شربتْ حَسَناتٍ". قيل: يا رسولَ الله! فالحمُرُ؟ قال: "ما أُنْزلَ عليّ في الحُمُرِ إلا هذه الآيةُ الفاذَّةُ الجامعةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} ". رواه البخاري (1) ومسلم -واللفظ له-، والنسائي مختصراً.   (1) قال الناجي (107): "قلت: لم يخرجه البخاري من هذا الوجه، إنما روى ذكر الخيل وحده، وروى في "إثم مانع الزكاة" من حديثه: تأتي الإبل على صاحبها. وذكر في الغنم مثل ذلك، وليس فيه جعل الذهب والفضة صفائح، إنما ذلك لمسلم. وأخرجه في "كتاب الخيل" من وجه آخر، ولفظه: يكون كنز أحدكم. . إلى آخره، وفيه أيضاً: إذا ما ربُّ النعم لم يُعطِ حقها، الحديث". قلت: ولعله لذلك قال المؤلف: واللفظ لمسلم. فتأمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 وفي رواية للنسائي: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِن رجلٍ لا يؤدِّي زكاةَ مالِه إلا جاء يومَ القيامةِ شجاعاً من نارٍ، فيُكوَى بها جبهته وجَنبُه وظهرُه {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}، حتى يُقضى بين الناسِ". 755 - (2) [صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما من صاحبِ إبلٍ لا يفعل فيها حَقَّها إلا جاءت يومَ القيامة أكثرَ ما كانت، وقَعَدَ (1) لها بقاعٍ قَرقرٍ، تَسْتَنُّ عليه بقوائها وأخفافِها. ولا صاحبِ بقر لا يُفعل فيها حقَّها إلا جاءت يوم القيامة أكثرَ مما كانت، وقَعَدَ لها بقاعٍ قرقر، تَنطحُه بقرونِها وتطؤه [بقوائِمها. ولا صاحبِ غنم لا يفعل فيها حقَّها إلا جاءت يومَ القيامة أكثر ما كانت، وقَعَدَ لها بقاعٍ قَرقرٍ، تنطحه بقرونها، وتطؤه] (2) بأظلافها، ليس فيها جَمّاءُ، ولا منكسرٌ قرنُها. ولا صاحبِ كنز لا يفعل فيه حَقَّه إلا جاء كنزُه يومَ القيامة شجاعاً أقرعَ، يتبعُه فاتحاً فاه، فإذا أتاه فَرَّ منه، فيناديه: خذ كنزك الذي خَبّأتَه، فأنا عنه غَنيٌّ، فإذا رأى أَنْ لا بد له منه سلك يده في فيه، فَيَقضمها قَضْم الفحل". رواه مسلم. (القاع): المكان المستوي من الأرض. و (القَرْقَر) بقافين مفتوحتين وراءين مهملتين: هو الأملس. و (الظِّلف) للبقر والغنم، بمنزلة الحافر للفرس.   (1) بفتح القاف والعين كما في "شرح مسلم" للنووي، والفاعل صاحب الإبل كما هو ظاهر. (2) سقطت هذه الزيادة من الأصل، وكذا المخطوطة ومطبوعة عمارة وكذا المعلقين الثلاثة، واستدركتُها من "صحيح مسلم" (3/ 73). الحديث: 755 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 و (العقصاء): هي الملتوية القرن. و (الجلحاء): هي التي ليس لها قرن. و (العضباء) بالضاد المعجمة: هي المكسورة القرن. و (الطِّوَل) بكسر الطاء وفتح الواو: هو حبل تَشُد به قائمة الدابة وتُرسلها ترعى، أو تمسك طرفه وترسلها. و (استنَّتْ) بتشديد النون، أي: جزت بقوَّة. (شَرَفاً) بفتح الشين المعجمة والراء، أي: شوْطاً، وقيل: نحو ميل. و (النِّواء) بكسر النون وبالمد: هو المعاداة. و (الشُّجاع) بضم الشين المعجمة وكسرها: هو الحية، وقيل: الذكَر خاصة، وقيل: نوع من الحيات. و (الأقرع) منه: الذي ذهب شعر رأسه من طول عمره (1). 756 - (3) [صحيح] وعن عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من أحدٍ لا يؤدي زكاةَ ماله إلا مُثِّل له يومَ القيامة شجاعاً أقرعَ حتى يُطَوَّقَ به عُنُقُه". ثم قرأ علينا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مصداقَه من كتاب الله: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية. رواه ابن ماجه، واللفظ له، والنسائي بإسناد صحيح، وابن خزيمة في "صحيحه". 757 - (4) [حسن لغيره] وعن مسروق قال: قال عبد الله: "آكلُ الربا، ومُوكِلُه، وشاهداه إذا علماه، والواشمة والموتَشِمَةُ، ولاوي   (1) قال الناجي (108): "هذا التفسير منكر، وإنما المشهور أنه الذي ذهب لكثرة سمِّه، وقد جزم به المصنف نقلاً عن أبي داود صاحب "السنن" مقتصراً عليه في "الترهيب من أنْ يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل مال فيبخل عليه" من هذا الكتاب، فتناقض كلامه". ثم نقل عن أبي عبيد وغيره ما يؤيَّد به التفسير المشهور. وغفل عن هذا المحققون الثلاثة!! الحديث: 756 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 الصدقةِ، والمرتدُّ أعرابياً بعد الهجرة؛ ملعونون على لسان محمدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم القيامة". رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، واللفظ له. ورواه أحمد وأبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه" عن الحارث الأعور عن ابن مسعود رضي الله عنه (1). (لاوي الصدقة): هو المماطل بها، الممتنع من أدائها. 758 - (5) [حسن لغيره] وروى الأصبهاني (2) عن علي رضي الله عنه قال: "لعنَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آكلَ الربا، وموكلَه، وشاهدَه، وكاتبه، والواشمةَ، والمستوشمةَ، ومانعَ الصدقة، والمحلِّلَ والمحلَّلَ له". 759 - (6) [صحيح] وعن ثَوبان رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن ترك بعده كنزاً مُثِّل له يومَ القيامة شجاعاً أقرعَ، له زَبيبتان، يتبعه فيقول: مَن أنت؟ (3) فيقول: أنا كنزُكَ الذي خَلَّفْت (4)، فلا يزال يَتْبَعُه حتى يُلقِمَه يدَه فيقضَمُها، ثم يَتْبَعُه سائرَ جسده". رواه البزار وقال: "إسناده حسن"، والطبراني، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما".   (1) قلت: يعني أنّ الثلاثة المذكورين أخرجوه من طريق الحارث -وهو ضعيف- بخلاف ابن خزيمة فمن طريق مسروق، وكلامه الآتي في (19 - البيوع 16 - الترهيب من الربا) أوضح في بيان مراده. (2) كذا، وهو تقصير فاحش، فقد أخرجه من هو أعلى طبقة منه، كأحمد والنسائي وغيرهما، وهو مخرج عندي في "أحاديث البيوع". (3) لفظ البزار: "ويلك ما أنت؟ ". (4) لفظ البزار: "كنزتَ". كذا في "العجالة" (108). وهو كما قال، لكنْ ليس تحته كبير طائل، إلا لو عزاه للبزار فقط، ولفظ الطبراني (1/ 70/ 2): "تركتَه". الحديث: 758 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 760 - (7) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الذي لا يُؤدِّي زكاةَ مالِه يُخيَّلُ إليه مالُه يومَ القيامة شجاعاً أقرعَ، له زببيبتان، -قال:- فَيَلْزَمُهُ أو يُطَوِّقُهُ يقول: أنا كنزُك، أنا كنزُك! ". رواه النسائي بإسناد صحيح. (الزبيبتان): هما الزبدتان في الشدقين. وقيل هما النكتتان السوداوان فوق عينيه. و (الشجاع) تقدم [في الباب/ الحديث الثاني]. 761 - (8) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاتَه؛ مُثِّلَ له يومَ القيامةِ شجاعاً أقرَع، له زبيبتان يُطَوِّقُه يومَ القيامة، ثم يأخذ بلِهزِمَتَيْه (يعني شِدقَيه)، ثم يقول: أنا مالُكَ، أنا كنزك! ". ثم تلا هذه الآيةَ {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} " الآية. رواه البخاري والنسائي ومسلم (1). 762 - (9) [حسن صحيح] وعن أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مانعُ الزكاة يومَ القيامة في النار". رواه الطبراني في "الصغير" عن سعد بن سنان، ويقال فيه: سنان بن سعد عن أنس. 763 - (10) [صحيح لغيره] وعن بُريدة رضيَ الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما منعَ قومٌ الزكاةَ؛ إلا ابْتَلاهم الله بالسنين". رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته ثقات، والحاكم والبيهقي في حديث؛ إلا أنهما قالا: "ولا مَنَعَ قومٌ الزكاةَ؛ إلا حَبَسَ اللهُ عنهم القَطْرَ".   (1) كذا في بعض النسخ، وفي نسخة الظاهرية تقديم مسلم على النسائي، وكل ذلك خطأ، والصواب حذف (مسلم) إذ إنه لم يرو هذا الحديث -كما نبه عليه الناجي- وقد شرحتُ ذلك في "تخريج مشكلة الفقر" (60). الحديث: 760 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم". 764 - (11) [حسن] ورواه ابن ماجه والبزار والبيهقي من حديث ابن عمر. [صحيح] ولفظ البيهقي: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يا معشرَ المهاجرين! خصالٌ خمسٌ إنِ ابتُلِيتُم بهنَّ، ونَزَلْنَ بكم -[و] أعوذ بالله أنْ تُدركوهنَّ-: لم تظهر الفاحشةُ في قوم قطُّ حتى يُعلنوا بها؛ إلا فشا فيهَم [الطاعون و] الأوجاعُ التي لم تكن في أسلافِهم، ولم يَنْقُصُوا المِكيالَ والميزان؛ إلا أخذوا بالسنين وشِدَّةِ المؤنةِ وجَوْرِ السلطان، ولم يَمنعوا زكاةَ أموالِهم؛ إلا مُنعوا القَطْر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولا نَقَضوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه؛ إلا سُلِّطَ عليهم عدوٌّ من غيرِهم، (1) فيأْخذ بعضَ ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جُعِل بأْسهم بينهم". (2) 765 - (12) [صحيح لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خمسٌ بخمسٍ". قيل: يا رسولَ الله! ما خمسٌ بخمسٍ؟ قال: "ما نقض قومٌ العهدَ؛ إلا سُلِّط عليهَم عدوُّهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله؛ إلا فشا فيهم [الفقرُ، ولا ظهرت فيهم الفاحشةُ؛ إلا فشا فيهم] (3) الموت، ولا منعوا الزكاة؛ إلا حُبِسَ عنهم القَطْرُ، ولا طَفَّفُوا المكيالَ؛ إلا   (1) قلت: هذه الجملة لها شاهد موقوف على ابن عباس. أخرجه الخرائطي في "مساوي الأخلاق" (187/ 404). (2) قلت: أليس هذا من أعلام نبوَّته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدَّالة على صدقه، وأنَّه وحي من ربه؟! بلى وربي. (3) سقطت هذه الزيادة من الأصل، وكذا من مطبوعة عمارة، واستدركتُها من الطبراني". قلت: من تمادى المعلقين الثلاثة وتشبعهم بما لم يعطوا، أنهم سرقوا هذا التعليق ونسبوه لأنفسهم بالحرف الواحد، وقالوا: "واستدركناه -كذا- من الطبراني"!! وما أكثر ما فعلوا مثله! الحديث: 764 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 حُبِسَ عنهم النباتُ، وأخذوا بالسنين". رواه الطبراني في "الكبير". وسنده قريب من الحسن، وله شاهد. (السنين): جمع (سَنَة)، وهي العام المقحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئاً، سواء وقع قَطْر أو لم يقع. 766 - (13) [صحيح] وعن عبد الله بنِ مسعود قال: "لا يُكوَى رجل بكنز (1) فيمس درهمٌ درهماً، ولا دينارٌ ديناراً، يُوَسِّعُ جلدُه حتى يوضع كل دينار ودرهم على حِدتَه". رواه الطبراني في "الكبير" (2) موقوفاً بإسناد صحيح. 767 - (14) [صحيح] وعن الأحنفِ بنِ قيسٍ قال: جلستُ إلى ملأٍ من قريشٍ، فجاء رجلٌ خَشِنُ الشعَرِ والثيابِ والهيئة، حتى قام عليهم فَسَلَّمَ، ثم قال: "بَشِّر الكانِزين برضفٍ يُحمَى عليه في نارِ جهنمَ، ثم يوضع على حَلَمَةِ ثَدْيِ أحدِهم حتى يخرج من نُغْضِ كتِفِه، ويوضع على نُغْض كتفه حتى يخرج من حَلَمَةِ ثَديِه يَتَزَلْزَلُ" (3).   (1) قلت: كذا الأصل، وكذا في المخطوطة، وفي "الطبراني" (9/ 164/ 8754): "يكنز". ووقع في "المجمع": "لا يكون رجل يكنز"، ولا يخلو ذلك من شيء، وفي نسخة الظاهرية خرْم، ولعل الأقرب. ما في الكتاب. والله أعلم. (2) قلت: وهو كما قال، وقد خرجته تحت حديث أبي هريرة المرفوع بنحوه في "الضعيفة" (6736). وأما المعلقون الثلاثة فقفوا ما لا علم لهم به وقالوا: "حسن" فقط!!. (3) الأصل ومطبوعة عمارة: "فيتزلزل". قال الحافظ الناجي: "ليس في "الصحيحين" فاءه". وصدق رحمه الله. ومعنى "يتزلزل": يضطرب ويتحرك، وضمير الفاعل فيه كما في "حتى يخرج" للرضف. الحديث: 766 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 ثم ولَّى فجلس إلى سارية، وتَبعْتُه، وجلستُ إليه، وأنا لا أدري من هو؟ فقلت: لا أرى القومَ إلا قد كرهوا الذي قلتَ. قال: إنهم لا يعقلون شيئاً، قال لي خليلي -قلت: مَن خليلك؟ قال: النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " [يا أبا ذر! أ] تُبْصِرُ أُحُداً؟ ". قال: فنظرت إلى الشمسِ ما بقي من النهار؟، وأنا أرى رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرسلني في حاجة له -قلت: نعم. قال: "ما أُحِبُّ أنّ لي مثلَ أُحدٍ ذهباً أُنفقه كلَّه، إلا ثلاثةَ دنانير". وإن هؤلاءِ لا يعقلون، إنما يجمعون الدنيا، لا والله -لا أسألهم دُنيا، ولا أستفتيهم عن دِين، حتى ألقى اللهَ عز وجل. رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم أنه قال: "بَشِّر الكانزين (1) بِكيٍّ في ظهورهم يخرج من جنوبهم، وبِكيٍّ من قِبَلِ أقفائِهم يخرج من جِباهِهم". قال: ثم تَنَحَّى فقعد. قال: قلتُ: من هذا؟ قالوا: هذا أبو ذر. قال: فقمتُ إليه فقلت: ما شيءٌ سمعتُك تقول قُبَيْلُ؟ قال: ما قلتُ إلا شيئاً قد سمعتُه من نبيهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال: قلت: ما تقول في هذا العطاء؟ قال: خُذه؛ فإن فيه اليومَ مَعُونَةً، فإذا كان ثمناً لدِينك فَدَعْهُ. (الرَّضْف) بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة: هو الحجارة المحماة. (النَّغْض) بضم النون وسكون الغين المعجمة بعدهما ضاد معجمة، وهو غضون الكتف.   (1) الأصل: "الكنازين"، والتصويب من "مسلم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 ( فصل [في زكاة الحلي] ). 768 - (15) [حسن] رُوي (1) عن عمروِ بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جَده: أنَّ امرأة أتَتِ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعها ابنةٌ لها، وفي يد ابنتها مَسْكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: "أتعطين زكاةَ هذا؟ ". قالت: لا. قال: "أيسرُّكِ أن يُسَوِّرَكِ اللهُ بهما يوم القيامة سوارْين مِن نارٍ؟! ". قال: فخلَعَتْهما فألقَتْهما إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقالت: هما لله ولرسوله. رواه أحمد وأبو داود -واللفظ له- والترمذي والدارقطني. ولفظ الترمذي والدارقطني نحوه: أنّ امرأتين أتتا رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي أيديهما سواران من ذهب، فقال لهما: "أتؤدِّيان زكاتَه؟ ". قالتا: لا. فقال لهما رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتحبَّانِ أنْ يسوِّركما اللهُ بسوارين من نار؟ ". قالتا: لا. قال: "فأدِّيا زكاتَه". ورواه النسائي مرسلاً ومتصلاً، ورجَّح المرسل. (2)   (1) لعل قوله: "روي" مقحم من بعض النساخ، أو هو من المؤلف نفسه، فإنَّه ثابت في المخطوطة أيضاً، ولا وجه له عندي؛ لأنّه رواه جمع عن عمرو به؛ فهو حسن الإسناد كما بينتُه في الأصل. ولم يتنبه لهذا المعلقون الثلاثة، فأثبتوا قوله: "روي". (2) قلت: بل إنّه رجَّح المتصل، كما بينته في الأصل. ثم في "آداب الزِّفاف" "ص 256 - المكتبة الاسلامية" الحديث: 768 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 (المسَكَة) محركةً: واحدة (المَسَك)، وهو أسورة من ذِبْل (1) أو قرن، أو عاج، فإذا كانت من غير ذلك أضيفت إليه. قال الخطابي في قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيسرُّكِ أنْ يسوِّرك الله بهما سوارين من نار؟! ": "إنما هو تأويل قوله عز وجل: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ} " انتهى. (2) 769 - (16) [صحيح] وعن عائشةَ -زوج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرأى في يدي فَتَخاتٍ من ورِق، فقال: "ما هذا يا عائشة؟ ". فقلت: صَنَعْتُهُنَّ أتزينُ لَكَ يا رسول الله! قال: "أتؤدينَ زكاتَهنَّ؟ ". قلت: لا، أو ما شاء اللهُ. قال: "هي حسبكِ من النار". رواه أبو داود والدارقطني، وفي إسنادهما يحيى بن أيوب الغافقي، قد احتجّ به الشيخان وغيرهما، ولا اعتبار بما ذكره الدارقطني من أنّ محمد بن عطاء مجهول؛ فإنّ محمد ابن عمرو بن عطاء نُسب إلى جده، وهو ثقة ثَبْتٌ، روى له أصحاب "السنن"، واحتج به الشيخان في "صحيحيهما". (الفَتَخات) بالخاء المعجمة: جمع (فَتْخَة): وهي حَلْقة لا فَص لها، تجعلها المرأة في أصابع رجليها، وربما وضعتها في يدها. وقال بعضهم: هي خواتم كبار كان النساء يتختَّمنَ بها. قال الخطابي:   (1) وزان (فلس): شيء كالعاج. وقيل: هو ظهر السلحفاة البحرية. كذا في "المصباح". (2) يعني كلام الخطابي في "المعالم" (2/ 175). الحديث: 769 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 "والغالب أنّ الفتخات لا تبلغ بانفرادها نِصاباً، وإنما معناه: أن تضم إلى بقية ما عندها من الحلي، فتؤدي زكاتها فيه" (1). 770 - (17) [صحيح لغيره] وعن أسماء بنتِ يزيد رضي الله عنها قالت: دخلت أنا وخالتي على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعلينا أسورةٌ من ذَهب، فقال لنا: "أتعطيان زكاتَه؟ ". قالت: فقلنا: لا. فقال: "أما تخافان أنْ يُسَوِّرَكما اللهُ أسوِرَةً من نار؟! أدِّيا زكاتَه". رواه أحمد بإسناد حسن. 771 - (18) [صحيح] وعن ثوبانَ قال: جاءت هندُ بنتُ هُبَيْرَةَ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي يدِها فَتْخٌ من ذهبٍ، -أي خواتيم ضِخام-، فجعل رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضربُ يدَها، فَدَخَلَتْ على فاطمةَ رضي الله عنها تشكو إليها الذي صنع بها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فانتزَعَتْ فاطمةُ سلسلةً في عنقها من ذهب، قالت: هذه أهداها أبو حَسَنٍ، فدخل رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والسلسلةُ في يدها، فقال: "يا فاطمةُ! أيغُرُّكِ (2) أن يقولَ الناسُ: ابنةُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي يدِكِ سِلْسِلةٌ من نار؟! ". ثم خرج ولم يقعد. فأرسلَتْ فاطمةً بالسلسلةِ إلى السوقِ فباعتها، واشترَتْ بثمنها غلاماً -وقال مرة: عبداً، وذكر كلمة معناها- فأعتقته، فَحُدِّثَ بذلك النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال:   (1) "معالم السنن" (2/ 176). (2) من (الغرور)، أي: يسرك هذا القول، فتصيري بذلك مغرورة، فتقعي في هذا الأمر القبيبح بسببه؟! قاله أبو الحسن السندي. الحديث: 770 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 "الحمد لله الذي أنجى فاطمةَ من النار". رواه النسائي بإسناد صحيح. (1) 772 - (19) [صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن أحبَّ أنْ يُحَلِّقَ حَبيبَه (2) حلْقةً من نارٍ، فليحلِّقْه حَلقةً من ذَهب، ومَن أحبَّ أنْ يُطَوِّقَ حبيبَه طوقاً من نار، فليُطَوِّقهُ طوقاً من ذهب، ومَن أحبَّ أنْ يُسَوِّرَ حبيبَه بسوارٍ من نار، فليسوِّرْه بسوار من ذهب، ولكن عليكم بالفِضة، فالعبوا بها". رواه أبو داود بإسناد صحيح. (قال المُمْلي) رحمه الله: "وهذه الأحاديث التي ورد فيها الوعيد على تحلِّي النساء بالذهب يحتمل وجوهاً من التأويل: أحدها: أنَّ ذلك منسوخ؛ فإنَّه قد ثبت إباحة تحلِّي النساء بالذهب. (3)   (1) قلت: وهو كما قال: وقد سبقه وتبعه على ذلك غير ما واحد من الأئمة، ومع ذلك يأبى بعض أهل الأهواء إلا الطعن في الحديث، ويتكلَّف في اختلاق العلل له ما شاء له هواه تأييداً منه للعامة. نسأل الله العصمة والسلامة. انظر الردّ المفصل في مقدمة "آداب الزِّفاف" (ص 17 - 30). (2) فعيل: بمعنى مفعول، أي: محبوب، يقال في الأنثى والذكر، والمراد هنا الأول، أي: من نسائه وبناته كما كنت شرحته في "آداب الزفاف"، وقد بلغني منذ أيام أنّ بعض الفضلاء زعم أن هذا اللفظ "حبيبه" محرَّف، وصوابه: "جبينه" بالجيم! وهذا مما لا يكاد يُصدّق. فإنه لا يصدر ممن يفقه شيئاً من العربية وآدابها، مع كونه بدعاً من القول! فلعلَّ ذلك لا يصح عنه. (3) قلت: هذا الجواب غير سديد إلا على افتراض ثبوت أن تحريم الذهب على النساء عام، وليس كذلك، فإنَّ أحاديث الباب فيها ما صح وما لم يصح، وما صح منها خاص بالذهب المحلَّق كما ترى، وهو الطوق، والسوار، والخاتم، وحينئذ فالعامُّ لا ينسخ الخاص، بل العكس هو الصواب، وهو أنَّ الخاص يخصص العامّ، والنص المخصص يسميه السلف ناسخاً كما هو معروف عند العلماء. وما لم يصح من أحاديث التحريم لا حجة فيها، فهي على الإباحة العامة. وينتج منه أن الذهب كله حلال على النساء إلا المحلق منه، وبهذا تجتمع الأحاديث، وما سوى ذلك من طرق الجمع والتأويل التي ذكرها المصنف وغيره؛ فهو ضعيف كما سترى. وتجد تفصيل هذا في كتابي "آداب الزفاف". الحديث: 772 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 الثاني: أنَّ هذا في حقِّ مَن لا يؤدي زكاتَه دون مَن أداها، ويدل على هذا حديث عمرو بن شعيب وعائشة وأسماء. (1) وقد اختلف العلماءُ في ذلك، فرُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّه أوجب في الحلي الزكاة. وهو مذهب عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمرو، وسعيد بن المسيِّب، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعبد الله بن شداد، ميمون بن مهران، وابن سيرين، ومجاهد، وجابر بن زيد، والزهري، وسفيان الثوري، وأبي حنيفة وأصحابه، واختاره ابن المنذر. وممن أسقط الزكاة فيه عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأسماء ابنة أبي بكر، وعائشة، والشعبي، والقاسم بن محمد، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيدة. قال ابن المنذر: "وقد كان الشافعي قال بهذا إذْ هو بالعراق، ثم وقف عنه بمصر، وقال: هذا مما أَستخيرُ الله تعالى فيه". وقال الخطابي: "الظاهر من الآيات يشهد لقول من أوجبها، والأثر يؤيِّدها، ومَن أسقطها ذهب إلى النظر، ومعه طرف من الأثر، والاحتياط أداؤها. والله أعلم" (2).   (1) قلت: لكن قصة بنت هُبيرة وفاطمة في حديث ثوبان (رقم 18 في الباب)، وكذا ما في حديث أبي هريرة هذا؛ مما لا يمكن حمله على ذلك، لأن الزكاة لم تذكر فيهما أصلاً، ولأنَّ الفضة كالذهب في إخراج الزكاة، وقد فرَّق حديث أبي هريرة بينهما، فحرم التزيُّن بالذهب المحلق، وأباح ذلك بالفضة حين قال: "ولكن عليكم بالفضة، فالعبوا بها". فهذا صريح في أن الوعيد المذكور فيه ليس من أجل مغ الزكاة، فبطل التأويل المذكور. (2) "معالم السنن" (3/ 176)، والحق وجوب الزكاة على الحلي، كما فصَّلتُه في "الآداب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 الثالث: أنَّه في حق من تزينت به وأظهرته (1). ويدل لهذا ما رواه النسائي وأبو داود عن رِبْعِي بنِ حِراش عن امرأتِه عن أختٍ لحذيفة؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يا معشرَ النساء! ما لكُنَّ في الفضة ما تَحَلَّينَ به؟ أمَا إنَّه ليس منكنَّ امرأةٌ تتَحَلَّى ذهباً وتُظهره إلا عُذبتْ به". وأخت حذيفة اسمها فاطمة. وفي بعض طرف عند النسائي عن رِبعي عن امرأةٍ عن أختٍ لحذيفة، وكان له أخواتٌ أدركْن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال النسائي: "باب الكراهة للنساء في إظهار الحلي والذهب"، ثم صدَّره بحديث عُقبة بن عامرٍ: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمنع أهله الحلية والحرير، ويقول: "إنْ كنتم تُحبّون حِلْيَةَ الجنَّةِ وحريرَها فلا تَلبَسوهما في الدنيا". وهذا الحديث رواه الحاكم أيضاً، وقال: "صحيح على شرطهما". (2) ثم روى النسائي في الباب حديث ثوبان المذكور وحديث أسماء. الرابع من الاحتمالات: أنّه إنما منع منه في حديث الأسْوِرة والفتَخات لما رأى من غلظه، فإنّه مظنهّ الفخر والخيلاء، وبقية الأحايث محمولة على هذا. وفي هذا الاحتمال شيء، ويدلُّ عليه ما رواه النسائي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) قلت: هذا باطل أيضاً. فإنَّ حديث ربعي فرَّق أيضاً -كحديث أبي هريرة المتقدم- بين الذهب والفضة، هما في الإظهار سواء، على أنَّ الحديث ضعيف لجهالة امرأة ربعي. (2) قلت: ورواه غير الحاكم، (سيأتي في "18 - اللباس/ 4) إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 "نهى عن لُبسِ الذهب إلا مقطعاً" (1). وروى أبو داود والنسائي أيضاً عن أبي قِلابة عن معاوية بن أبي سفيان: "أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ركوب النمار، (2) وعن لبس الذهب إلا مقطَّعاً". وأبو قِلابة لم يسمع من معاوية، لكنْ روى النسائي أيضاً عن قتادة عن أبي شيخ؛ أنه سمع معاوية، فذكر نحوه، وهذا متصل، وأبو شيخ ثقة مشهور.   (1) قلت: ووجه استدلال المصنف بهذا الحديث -على ما أشار إليه من ضعف الاحتمال المذكور- هو أنّ الحديث قد أباح الذهب المقطَّع (وهو ما ليس محلّقاً؛ محيطاً بالعضو) إباحة مطلقة مع أنه مظنة الفخر والخيلاء، فلو كانت العلة المذكورة هي المظنة، لم يكن ثَمة فرق بين المقطَّع وغير المقطَّع من الذهب، بل أقول: ولا فرق في ذلك كله بين الذهب والفضة من جهة، ولا بينهما وبين الحرير وكل زينة أخرى سواهما من جهة أخرى كما هو ظاهر لا يخفى. والحقُّ أنَّ حديث ابن عمر هذا دليل قويّ في التفريق بين الذهب المحلَّق والذهب المقطَّع للنساء، فإنه يدل بمنطوقه على إباحته لهنَّ، وبمفهومه على تحريم غير المقطع من الذهب عليهنَّ، وهو اصرحت به أحاديث الباب، وحمله على الرجال وأنه أباح لهم الذهب المقطع؛ بعد ما يكون عن الصواب. وتجد تفصيل القول في هذه المسائل في كتابي "آداب الزفاف" فراجعه. (2) قال ابن الأثير: "وفي رواية (النمور) أي: جلود النمور، وهي السباع المعروفة، واحدها (نَمِر) ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 3 - (الترغيب في العمل على الصدقة بالتقوى، والترهيب من التعدي فيها والخيانة، واستحباب ترك العمل لمن لا يثق بنفسه، وما جاء في المكّاسين والعشّارين والعُرَفاء). 773 - (1) [حسن صحيح] عن رافع بنِ خَديجٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "العاملُ على الصدقةِ بالحقِ لوجهِ الله عز وجل، كالغازي في سبيل الله حتّى يرجعَ إلى أهلهِ". رواه أحمد -واللفظ له-، وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث حسن". 774 - (2) [حسن لغيره] ورواه الطبراني في "الكبير" عن عبد الرحمن بن عوف، ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "العامل إذا استُعمِلَ فأخَذَ الحقَّ، وأعطى الحقَّ؛ لم يَزَلْ كالمجاهدِ في سبيل الله حتى يرجعَ إلى بيتِه". 775 - (3) [صحيح] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنّه قال: "إن الخازنَ المسلمَ الأمينَ الذي يُنَقِّذُ (1) ما أُمِرَ به، فيعطيه كاملاً موفِّراً طيِّبةً به نفسه، فيدفَعُه إلى الذي أُمِر [له] به أحدُ المتصدِّقَيْن". رواه البخاري ومسلم وأبو داود.   (1) الأصل ومطبوعة عمارة والثلاثة: "ينقل"! قال الحافظ الناجي: "كذا وُجد في النسخ (ينقل) بالقاف واللام من (النقل)، وهو تصحيف بلا شك، وإنما هو (ينفِّذ) ". قلت: وكذا على الصواب وقع في مخطوطتنا الظاهرية. الحديث: 773 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 776 - (4) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خير الكسبِ كسبُ العامل (1) إذا نصَح". رواه أحمد، ورواته ثقات. 777 - (5) [صحيح لغيره] وعن سعدِ بنِ عُبادةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "قمْ على صدقةِ بني فلانِ، وانظر أنْ تأتيَ يوم القيامةِ بِبَكْرٍ تحملُه على عاتِقِكَ أو كاهِلكَ، له رُغاءٌ يومَ القيامةِ". قال: يا رسول الله! اصْرفها عنِّي، فصرَفَها عنه. رواه أحمد والبزّار والطبراني، ورواة أحمد ثقاتٌ؛ إلا أنَّ سعيد بن المسيَّب لم يدرك سعداً. 778 - (6) [صحيح] ورواه البزار أيضاً عن ابن عمر قال: بعث رسول اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سعد بن عبادة، فذكر نحوه. ورواته محتجّ بهم في "الصحيح". (البَكْر) بفتح الباء الموحَّدة وسكون الكاف: هو الفتيّ من الإبل، والأنثى بَكْرة. 779 - (7) [صحيح] وعن عبدِ الله بن بُريدة عن أبيه رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن استعملناه على عملٍ، فرزَقْناه رِزقاً، فما أخذ بعد ذلك فهو غُلول". رواه أبو داود.   (1) قال الناجي (110): "تخيل أنَّ المراد بـ (العامل): العامل على الصدقة، والذي يظهر أنه العامل بيده تكسّباً، وحينئذ محله كتاب البيع، وهناك ذكره الهيثمي في "معجمه" (كذا والصواب "مجْمعه") أول "البيوع"، وبوَّب عليه "باب نصح الأجير"، فينبغي تحويله إلى محله، وذكره مع ما يشبهه من الأحاديث في هذا الكتاب". الحديث: 776 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 780 - (8) [صحيح] وعن عُبادة بن الصامتِ رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثه على الصدقةِ فقال: "يا أبا الوليد! اتِّقِ الله، لا تأتي يومَ القيامة ببعير تحملُه له رُغاءٌ، أو بقرةٌ لها خُوارٌ، أو شاةٌ لها ثُغاءٌ". قال: يا رسولَ الله! إنَّ ذلك لكذلك؟ قال: "إيْ والذي نفسي بيده". قال: فوالذي بَعَثَكَ بالحقِّ لا أعملُ لك على شيءٍ أبداً. رواه الطبراني في "الكبير" وإسناده صحيح. (الرُّغاء) بضم الراء وبالغين المعجمة والمد: صوت البعير. و (الخُوار) بضم الخاء المعجمة: صوت البقرة. و (الثُّغاء) بضم الثاء المثلثة وبالغين المعجمة ممدوداً: هو صوت الغنم. 781 - (9) [صحيح] وعن عَدِيّ بن عُمَيْرَةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن استعملناه منكم على عملٍ، فكَتَمَنا مِخْيَطاً (1) فما فَوقَه؛ كان غُلُولاً يأتي يومَ القيامةِ". فقام إليه رجلٌ أسودُ من الأنصار كأنِّي أنظر إليه، فقال: يا رسولَ الله! اقبَلْ عني عملك. قال: "وما لكَ؟ ". قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال: "وأنا أقولُه الآنَ، مَن استعملناه منكم على عملٍ فَلْيَجِئ بقليلِهِ وكثيرهِ، فما أوتي منه أخَذَ، وما نُهِيَ عنه انْتهى". رواه مسلم وأبو داود وغيرهما.   (1) بكسر الميم؛ أي: الإبرة. الحديث: 780 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 782 - (10) [صحيح] وعن أبي حُميدِ الساعدي رضي الله عنه قال: استعملَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً من الأزدِ يقال له: (ابن اللُّتْبِيَّةِ) على الصدقة، فلما قَدِمَ قال: هذا [ما] لُكُمْ، وهذا أُهدِي لي! قال: فقام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحمد الله وأثنى عديه ثم قال: "أمّا بعدُ: فإني استعملُ الرجل منكم على العمل مما ولاَّني الله، فيأتي فيقول هذا [ما] لُكُمْ، وهذه هدية أهديت لي! أفلا جلسَ في بيتِ أبيه وأمِّهِ حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً؟! والله لا يأْخذ أحدٌ منكم شيئاً بغير حقِّه إلا لقي اللهَ يحملُه يوم القيامة، فلا أَعرِفَنَّ أحداً منكم لقي اللهَ يحمل بعيراً له رُغاء، ولا بقرةً لها خُوار، أو شاةً تَيْعَرْ". ثم رفع يديه حتى رؤي بياضُ إبطَيْه يقول: "اللهم هل بلغتُ؟ "، [بَصَرُ عيني، وسمع أذني]. رواه البخاري ومسلم (1) وأبو داود. (اللَّتْبِيَّة) بضم اللام وسكون التاء المثناة فوق وكسر الباء الموحَّدة بعدها ياء مثناة تحت مشدَّدة ثم هاء تأنيث: نسبة إلى حي يقال لهم: (بنو لُتْب) بضم اللام وسكون التاء، واسم ابن اللتبية: عبد الله. وقوله: (تَيْعَر) هو بمثناة فوق مفتوحة ثم مثناة تحت ساكنة ثم عين مهملة مفتوحة وقد تكسَر (2)، أي: تصيح، و (اليَعار): صوت الشاة.   (1) في "الإمارة" (6/ 11 - 12)، والسياق له في رواية مع اختصار في أوله واختلاف يسير في بعض ألفاظه مما قبل خطبته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والزيادة منه. (2) قال الناجي (110): "كان ينبغي له أن يعكس، إذ الكسر هو المتقدم، ولم يذكر بعضهم غيره". الحديث: 782 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 783 - (11) [صحيح] وعن أبي مسعود الأنصاريّ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساعياً ثم قال: "انطلِقْ أبا مسعود، لا أُلْفِيَنَّكَ تجيءُ يومَ القيامةِ على ظهرِك بعيرٌ من إبل الصدقة له رغاء قد غَلَلْتَهُ". قال: فقلتُ: إذاً لا أنطلِقُ. قال: "إذاً لا أُكرِهُك". رواه أبو داود. 784 - (12) [حسن صحيح] وعن عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إني مُمْسِكٌ بحُجَزِكم عن النار: هَلُمَّ عن النار، وتغلبونني؛ تَقَاحَمونَ فيه تَقَاحُمَ الفَراشِ أَو الجَنادِبِ، فأُوشِكُ أَن أُرسِلَ بِحُجَزِكم، وأنا فرَطُكم على الحوض، فَتردِون عليَّ معاً وأشتاتاً، فَأَعرفُكم بسيماكم وأسمائِكم، كما يعرِفُ الرجلُ الغريبةَ من الإبل في إبلِه، ويُذهَبُ بكم ذاتَ الشِّمال، وأُناشِدُ فيكم ربَّ العالمين، فأقول: أي ربِّ أمتي!! فيقول: يا محمدُ! إنك لا تدري ما أحدثوا بعدَك، إنهم كانوا يمشون بعدك القهقرى على أعقابهم، فلا أعرِفنَّ أحدَكم يومَ القيامة يحمل شاةً لها ثُغاءٌ، فينادي: يا محمدُ يا محمدُ! فأقول لا أملِكُ لك شيئاً، قد بَلَّغْتُك، فلا أعرِفنَّ أحَدَكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيراً له زغاءٌ، فينادي: يا محمدُ يا محمدُ! فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بَلَّغْتُكَ، فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرساً له حمحمةٌ ينادي: يا محمد يا محمد! فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد بَلَّغْتُكَ، فلا أعرفنَّ أحدكم يوم القيامة يحملُ سقاء من أَدمٍ ينادي: يا محمد يا محمد! فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد بلغتك". رواه أبو يعلى والبزار إلا أنَّه قال: "قشعاً" مكان "سقاء". الحديث: 783 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 وإسنادهما جيد إن شاء الله (1). (الفَرَط) بالتحريك: هو الذي يتقدم القوم إلى المنزل ليهيء مصالحهم. و (الحُجَز) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم بعدهما زاي: جمع (حجْزة) بسكون الجيم: وهو معقِد الإزار، وموضع التكة من السراويل. و (الحَمْحَمة) بحاءين مهملتين مفتوحتين: هو صوت الفرس. وتقدم تفسير (الثغاء) و (الرغاء). [قريباً تحت الحديث الثامن في الباب]. و (القشَع) مثلثة القاف وبفتح الشين المعجمة: هو هنا القِربة اليابسة (!). وقيل: بيت من أدم، وقيل: هو النطع، وهو محتمل الثلاثة؛ غير أنه بالقربة أمسّ. (2) 785 - (13) [حسن صحيح] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المعتدي في الصدقة كمانعها". رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"؛ كلهم من رواية سعد ابن سنان عن أنس، وقال الترمذي: "حديث غريب، وقد تكلم أحمد بن حنبل في سعد بن سنان"، ثم قال:   (1) قلت وأشار ابن عبد البر في "التمهيد" (2/ 300 - 301) إلى تقويته، ورواه ابن أبي شيبة (11/ 451 - 452)، وعنه ابن أبي عاصم في "السنة" (2/ 346/ 744). (2) قال الحافظ الناجي: "فيه أمور: منها ادعاء تثليث القاف وفتح السين، وخلط لفظة مفردة بأخرى جمع، وغير ذلك مما ستعرفه، فأما القشع المراد ونظيره فهو بإسكان الشين وفتح القاف، قال النووي: وكسرها. ذكره في "شرح مسلم". وعلى الفتح اقتصر صاحب "المشارق" وغيره. قال الراوي في "مسلم": القشع: النطع. قال في "النهاية": قيل: أراد به القربة الخلق. قلت: ولم أر أحداً ضم قافه، وأظنه من تصرف المصنف. وقال ابن الأثير في قوله: "يحمل قشعا من أدم" أي: جلداً يابساً، وقيل: نطعاً. وقيل: أراد القربة البالية وهذه اللفظة حرَّفها المصنف بـ (اليابسة)! قال ابن الأثير: وهو إشارة إلى الخيانة في الغنيمة أو غيرها من الأعمال، وأما القشع بكسر القاف وفتح الشين جمع قشع على غير قياس، وقيل: جمع قشعة، وهي ما يقشع عن وجه الأرض من المدر والحجر. . ". الحديث: 785 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 " (وقوله): "المعتدي في الصدقة كمانعها" يقول: على المعتدي من الإثم كما على المانع إذا منع". قال الحافظ: "وسعد بن سنان وُثِّقَ، كما سيأتي". ( فصل ) 786 - (14) [صحيح] ورواه [يعني حديث عثمان بن أبي العاص الذي في "الضعيف" (1)] في "الأوسط"، ولفظه: عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تفتح أَبوابُ السماءِ نصفَ الليلِ، فينادي منادٍ: هل من داعٍ فيُستَجابُ له؟ هل من سائل فيُعطى؟ هل من مكروب فَيفرَّجُ عنه؟ فلا يبقى مَسلمٌ يدعو بدعوة إلا استجاب الله له، إلا زانية تسعى بِفرجها، أو عشَّاراً". 787 - (15) [صحيح] وعن أبي الخير قال: عَرَضَ مسلمةُ بنُ مَخْلَد -وكان أميراً على مصر- على رُويْفع بن ثابتٍ رضي الله عنه أن يُوَلِّيهُ العشورَ، فقال: إنِّي سمعتُ رسول الله يقول: "إن صاحبَ المكسِ في النار". رواه أحمد من رواية ابن لهيعة (2)، والطبراني بنحوه، وزاد: (يعني العاشر). 788 - (16) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ويلٌ [للأمناء] (*)، ويلٌ للعرفاء، ويلٌ للأمراء، لَيَتَمنَّيَنَّ أقوام يوم القيامة أن   (1) قلت: وخلط الثلاثة بين الضعيف المشار إليه، والصحيح الذي هنا بلفظة واحدة: "صحيح"! مع أن المؤلف بين علة الضعيف بأن فيه "علي بن زيد". وهو ابن جدعان الضعيف. (2) قلت: هو عند أحمد من رواية قتيبة عنه، وهي صحيحة كما تبين لنا أخيراً والحمد لله، فانظر "الصحيحة" (3405). وغفل عن هذا الثلاثة! (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في المطبوع (للأمراء)، ونبه على تصويبها الشيخ مشهور في طبعته، وقال: أثبتناها من الطبعة المنيرية، ومن أصول الشيخ الحديث: 786 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 ذوائبهم معلقة بالثريا، يتذبذبون بين السماء والأرض، ولم يكونوا عملوا على شيء". رواه أحمد من طرق، رواة بعضها ثقات (1). 789 - (17) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ويل للأُمراء، ويل للعرفاء، ويل للأُمناء، لَيَتَمنَّيَنَّ أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم معلقة بالثريا يُدَلْدَلون (2) بين السماء والأرض، وأنهم لم يلوا عملاً". رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، واللفظ له، وقال: "صحيح الإسناد" (3). 790 - (18) [حسن لغيره] وعن أبي سعيد وأبي هريرةَ رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليأتيَنَّ عليكم أُمراءُ يُقَرِّبون شِرارَ الناس، ويؤخَّرُونَ الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك مِنكم، فلا يكونَنَّ عريفاً ولا شرَطِيَّاً ولا جابياً ولا خازناً". رواه ابن حبان في "صحيحه". (4)   (1) فيه نظر بينته في الأصل، خلاصته أن الطرق المشار إليها تدور على راوٍ واحد، ثم هو ممن لم تثبت عدالته، وهو الآتي بعده!؛ لكني وجدت له طريقاً آخر، وشاهداً، ولذلك صححته، وهو من مزايا هذه الطبعة، وقد خرجته في "الصحيحة" (2620). (2) أي: يضطربون ويتذبذبون؛ كما في الحديث الذي قبله. وفي "القاموس": "و (الدلدال): الاضطراب، وقوم لدال ودُلدُل-بالضم-: تدلدلوا بين أمرين فلم يستقيموا". وكان الأصل (يُدلون): من الإدلاء، وعليه جرى عمارة والجهلة الثلاثة! وليس له معنى وثيق هنا، فصححته من "المستدرك". وليس عند ابن حبان جملة: "يدلدلون بين السماء والأرض". (3) قلت: وليس كذلك كما سبقت الإشارة إليه آنفاً، ثم إن هذا الحديث هو رواية في الحديث الذي قبله، وطريقهما واحد، فالتفريق بينهما يوهم خلاف ذلك، ويفتح الطريق لمن لا علم عنده أن يقوي أحدهما بالآخر، وإنما جاءت القوة من غيره كما ذكرت آنفاً. (4) أعله الثلاثة بجهالة راوية (عبد الرحمن بن مسعود اليشكري)، وتجاهلوا طريقاً أخرى كنت خرجتها في "الصحيحة" (360)، ثم وجدت له شاهداً من حديث ابن عباس، فألحقته به. الحديث: 789 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 4 - (الترهيب من المسألة وتحريمها مع الغنى، وما جاء في ذم الطمع، والترغيب في التعفف والقناعة والأكل من كسب يده). 791 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تزال المسألةُ بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مُزعةُ لَحمٍ". رواه البخاري ومسلم والنسائي. (المُزْعَة) بضم الميم وسكون الزاي وبالعين المهملة؛ هي القطعة. 792 - (2) [صحيح] وعن سَمُرَةَ بن جُندَبٍ رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنما المسائلُ كدوحٌ يَكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك، إلا أن يسأَل ذا سلطانٍ، أو في أمرٍ لا يجد منه بُداً". رواه أبو داود والنسائي والترمذي وعنده: "المسألة كَدٌّ يَكُدُّ بها الرجل وجهه" الحديث. وقال: "حديث حسن صحيح". ورواه ابن حبان في "صحيحه" بلفظ: "كدٌّ" في رواية، و"كدُوح" في أخرى. (الكُدوح) بضم الكاف: آثار الخموش. (1) 793 - (3) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "المسألةُ كُدوح (2) في وجه صاحبها يوم القيامة، فمن شاء استبقى على وجهه" الحديث. رواه أحمد، ورواته كلهم ثقات مشهورون.   (1) كل أثر من خدش أو عض فهو كدح. والكدح في غير هذا الموضع: السعي والحرص والعمل. (2) الأصل: "كلوح"، والتصويب من "المسند"، و"المجمع" (3/ 96). وغفل عنه الثلاثة! الحديث: 791 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 794 - (4) [حسن لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من سأَل الناسَ في غير فاقةٍ نزلتْ به، أو عيالٍ لا يطيقهم؛ جاء يومَ القيامة بوجهٍ ليس عليه لحم". 795 - (5) [حسن لغيره] وقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من فتحَ على نفسِه بابَ مسألةٍ من غيرِ فاقةٍ نَزَلَتْ به، أو عيالٍ لا يطيقُهم؛ فتح الله عليه بابَ فاقةٍ من حيثُ لا يحتسب". رواه البيهقي، وهو حديث جيد في الشواهد. (1) 796 - (6) [حسن لغيره] وعن عائذِ بن عَمروٍ رضي الله عنه: أن رجلاً أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسألُه، فأعطاه، فلما وضع رِجْله على أسْكُفَّةِ الباب (2) قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو يعلمون ما في المسألة ما مشى أحدٌ إلى أحدٍ يسألُه". رواه النسائي. 797 - (7) [حسن لغيره] ورواه الطبراني في "الكبير" من طريق قابوس عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو يعلم صاحبُ المسألةِ ما لَه فيها؛ لم يسألْ". 798 - (8) [صحيح لغيره] وعن عمران بن حصين قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مسألة الغَنِيّ شَيْنٌ (3) في وجهه يومَ القيامة".   (1) قلت: منها حديث عبد الرحمن بن عوف الآتي في هذا الباب برقم (23). ومن جهالات المعلقين الثلاثة أنهم فرقوا بين مرتبة هذا الحديث والذي قبله؛ مع قولهم أنهما حديث واحد، فقالوا في الأول: "حسن"، وفي هذا: "حسن لغيره"! (2) (الأسكفّة) بضم الهمزة وسكون السين المهملة وضم الكاف وتشديد الفاء: عتبة الباب. (3) (الشين): العيب. الحديث: 794 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 رواه أحمد بإسناد جيد، والطبراني في "الكبير". 799 - (9) [صحيح] وعن ثوبان رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من سأل مسأَلةً وهو عنها غني؛ كانتْ شَيناً في وجهه يومَ القيامة". رواه أحمد والبزار والطبراني، ورواة أحمد محتج بهم في "الصحيح". 800 - (10) [صحيح لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من سأَل وهو غنيٌّ عن المسألة؛ يُحشرُ يومَ القيامةِ وهي خُموش في وجهه". رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد لا بأس به. 801 - (11) [صحيح لغيره] وعن مسعود بن عمرو عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه أُتيَ برجلٍ يصلي عليه، فقال: "كم ترك؟ ". قالوا: دينارين أو ثلاثة. قال: "ترك كيتين أو ثلاث كيات". (1) رواه البيهقي من رواية يحيى بن عبد الحميد الحِمّاني. 802 - (12) [صحيح لغيره] وعن حُبْشِي بن جُنادةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من سأل من غير فقرٍ؛ فكأنما يأْكُل الجمرَ". رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال "الصحيح"، وابن خزيمة في "صحيحه"؛ والبيهقي، ولفظه: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:   (1) في الأصل هنا ما نصه: "فلقيت عبد الله بن القاسم مولى أبي بكر، فذكرت ذلك له فقال: ذاك رجل كان يسأل الناس تكثراً". والحديث مخرج في "الصحيحة" (3483). الحديث: 799 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 "الذي يسأل من غير حاجة، كَمَثَل الذي يلتقط الجمْر". [صحيح لغيره] ورواه الترمذي من رواية مجالد عن عامر، عن حُبشي أطول من هذا، ولفظه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع وهو واقف بعرفة أتاه أعرابي، فأخذ بطرف ردائه، فسأله إياه، فأعطاه، وذهب،. . . فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن المسألةَ لا تحلُّ لغنيٍّ، ولا لذي مِرَّةٍ سَويٍّ، إلا لذي فقرٍ مُدقع، أو غُرمٍ مُفْظع، ومن سأل الناسَ ليَثْرى به مالُه، كان خموشاً في وجهه يوم القيامة، ورَضْفاً يأْكله من جهنم، فمن شاء فليُقْلِلْ، ومن شاء فليكثِر". قال الترمذي: "حديث غريب". [صحيح لغيره] زاد فيه رزِين: "وإنِّي لأُعطي الرجل العطية فينطلق بها تحت إبطه، وما هي إلا النار". فقال له عُمر: ولِمَ تعطي يا رسول الله ما هو نار؟! فقال: "أبى الله لي البخل، وأبوا إلا مسألتي". [صحيح لغيره] قالوا: وما الغِنى الذي لا ينبغي معه المسألة؟ قال: "قدر ما يُغدِّيه، أو يُعشّيه" (1). وهذه الزيادة لها شواهد كثيرة، لكني لم أقف عليها في شيء من نسخ الترمذي (2). (المِرَّة) بكسر الميم وتشديد الراء: هي الشدة والقوة.   (1) (التغدية): إطعام طعام الغدوة. و (التعشية): إطعام طعام العشاء. (2) قلت: زيادة رزين إنما هي في حديث آخر يرويه أبو سعيد الخدري، وعمر نفسه، لكن ليس فيه قوله: "قالوا: وما الغنى. . " كما سيأتي قريباً في الباب برقم (24 و25) وإنما هذا في حديث سهل ابن الحنظلية الآتي قريباً. فكأن رزيناً لفق هذه الزيادة التي زادها في رواية الترمذي من ثلاثة أحاديث! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 و (السويّ) بفتح السين المهملة وتشديد الياء: هو التام الخلق، السالم من موانع الاكتساب. (يثرى) بالثاء المثلثة أي: يزيد ماله به. و (الرضف) يأتي، وكذا بقية الغريب. 803 - (13) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من سأَل الناس تَكَثُّراً، فإنما يسأل جمراً، فليستَقِلَّ أو ليستكثِرْ". رواه مسلم وابن ماجه. 804 - (14) [صحيح لغيره] وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من سأَل مسْألةً (1) عن ظهرِ غنىً؛ استكثر بها من رَضْف جهنم". قالوا: وما ظهر غِنى؟ قال: "عشاءُ ليلة" (2). رواه عبد الله بن أحمد في "زوائده على المسند"، والطبراني في "الأوسط"، وإسناده جيد (3). 805 - (15) [صحيح] وعن سهل ابن الحنظليةِ (4) رضي الله عنه قال: قَدِم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسألاه،   (1) الأصل: "سأل الناس"، والتصويب من "الزوائد" والمخطوطة. (2) كذا وقع في هذه الرواية، والمحفوظ: "ما يغديه أو يعشيه" كما تقدم تحت حديث (حُبشي ابن جنادة)، ويأتي في حديث (سهل ابن الحنظلية)، و (أو) بمعنى (و) كما يأتي. (3) قلت: وفيه نظر بينته في "الأصل"، وفي "تخريج الأحاديث المختارة" (495)، فقد أخرجه فيه من طريق عبد الله، وبينت فيه أنه يشهد له ما بعده. وأما الجهلة، فقالوا: "حسن" أي لذاته، ثم نقلها عن الهيثمي إعلاله إياه بمن كذبه أحمد وغيره، وأقروه. (4) هو سهل بن الربيع الأنصاري الأوسي، و (الحنظلية): أمه. الحديث: 803 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 فأمر معاويةَ، فكتب لهما ما سألا، فأما الأقرعُ فأخذ كتابه فلفه في عمامته وانطلق، وأما عُيينة فأخذ كتابه وأتى به رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[مكانه] (1) فقال: يا محمد! أتراني حاملاً إلى قومي كتاباً لا أَدري ما فيه كصحيفة المتَلَمِّس؟ فأخبر معاويةُ بقوله رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَن سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار، -قال النُّفَيلي، وهو أحد رواته-[في موضع آخر: "من جمرِ جهنم"]. فقالوا: [يا رسول الله! وما يغنيه؟ وقال النُّفيَلي في موضع آخر:] وما الغِنى الذي لا ينبغي معه المسألة؟ قال: "قدر ما يُغدّيه ويُعشّيه". رواه أبو داود -واللفظ له- وابن حبان في "صحيحه"، وقال فيه: "من سأل شيئاً وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من جمر جهنم". قالوا: يا رسول الله! ما يغنيه؟ قال: "ما يغديه أو يعشيه". كذا عنده: "أو يعشيه" بألف. ورواه ابن خزيمة باختصار؛ إلا أنه قال: قيل: يا رسول الله! وما الغِنى الذي لا ينبغي معه المسألة؟ قال: "أن يكون له شبع يوم وليلة، أو ليلة ويوم" (2).   (1) زيادة من "أبي داود"، وهو مخرَّج في "صحيحه" برقم (1441)، والزيادات الآتية منه أيضاً. (2) قلت: هذه الرواية عند أبي داود أيضاً عقب قوله: "يغديه ويعشيه" بلفظ: "وقال النفيلي في موضع آخر: أن يكون له شبع. . ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 قوله: "كصحيفة المتلمّس": هذا مثل تضربه العرب لمن حمل شيئاً لا يدري هل هو يعود عليه بنفع أو ضر، وأصله أن المتلمِّس -واسمه عبد المسيح- قدم هو وطَرفَة بن العبد على الملك عمرو بن المنذر، فأقاما عنده، فنقم عليهما أمراً، فكتب إلى بعض عماله يأمره بقتلهما، وقال لهما: إني قد كتبت لكما بصلة، فاجتازا بـ (الحِيرَة)، فأعطى المتلمس صحيفته صبياً فقرأها، فإذا فيها الأمر بقتله، فألقاها، وقال لطرفة: افعل مثل فعلي، فأبى عليه، ومضى إلى عامل الملك، فقرأها؛ وقتله. قال الخطابي (1): "اختلف الناس في تأويله، يعني حديث سهل، فقال بعضهم: من وجد غَداء يومِه وعشاءَه؛ لم تحل له المسألة على ظاهر الحديث. وقال بعضهم: إنما هو فيمن وجد غداء وعشاء على دائم الأوقات، فإذا كان عنده ما يكفيه لقوته المدة الطويلة، حرمت عليه المسألة. وقال آخرون: هذا منسوخ بالأحاديث التي تقدم ذكرها". يعني الأحاديث التي فيها تقدير الغنى بملك خمسين درهماً أو قيمتها، أو بملكِ أَوقية أو قيمتها. قال الحافظ رضي الله عنه: "ادعاء النسخ مشترك بينهما، ولا أعلم مرجحاً لأحدهما على الآخر، وقد كان الشافعي رحمه الله يقول: قد يكون الرجل بالدرهم غنياً مع كسبه، ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله. وقد ذهب سفيان الثوري وابن المبارك والحسن بن صالح وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إلى أن من له خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب لا يُدفع إليه شيء من الزكاة. وكان الحسن البصري وأبو عبيد يقولان: من له أربعون درهماً فهو غني. وقال أصحاب   (1) "معالم السنن" (2/ 229 - 230). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 الرأي: يجوز دفعها إلى من يملك دون النصاب، وإن كان صحيحاً مكتسباً مع قولهم: من كان له قوت يومه لا يحل له السؤال، استدلالاً بهذا الحديث وغيره. (1) والله أعلم". 806 - (16) [صحيح لغيره] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن سأل الناس لِيَثْرى مالُه، فإنَّما هي رَضْفٌ من النار مُلهبة، فمن شاء فليُقِلَّ، ومن شاء فليكثرْ". رواه ابن حبان في "صحيحه". (الرَّضْف) بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة بعدها فاء: هو الحجارة المحماة. 807 - (17) [صحيح موقوف] وعن أسلم قال: قال لي عبد الله بن الأرقم: ادْلُلْني على بعير من العطايا (2) أستحمل عليه أميرَ المؤمنين. قلت: نعم، جمل من إبل الصدقة. فقال عبد الله بن الأرقم: أتحب لو أنَّ رجلاً بادناً في يوم حار، غسل ما تحت إزاره ورُفْغيه، ثم أعطاكه فشربته؟ قال: فغضبت، وقلت: يغفرُ اللهُ لك، لِم تقولُ مثلَ هذا لي؟ قال: فإنما الصدقة أوساخ الناس يغسلونها عنهم. رواه مالك. (البادن): السمين. و (الرُّفغ) بضم الراء وفتحها وبالغين المعجمة: هو الإبط، وقيل: وسخ الثوب. و (الأرفاغ): المغابن التي يجتمع فيها العرق والوسخ من البدن.   (1) قلت: وهذا أعدل الأقوال، وبه تجتمع الأحاديث، وإليه ذهب الصنعاني في "سبل السلام" (2/ 305 - 306)، ومال إليه الشوكاني في "نيل الأوطار" (4/ 134 - 137). (2) في "الموطأ" -آخره-: "المطايا". الحديث: 806 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 808 - (18) [صحيح لغيره] وعن علي رضي الله عنه قال: قلت للعباس: سَلِ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستعملُك على الصدقة (1). فسأله، قال: "ما كنت لأستعملك على غُسالة ذنوب الناس". رواه ابن خزيمة في "صحيحه" (2). 809 - (19) [صحيح] وعن أبي عبد الرحمن (3) عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: "ألا تبايعون رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ ". وكنا -حديثي عهد ببيعة- فقلنا: قد بايعناك يا رسولَ الله! ثم قال: "ألا تبايعون رسولَ الله؟ ". فبسطنا أيديَنا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! فعلامَ نبايعك؟ قال: "أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس، وتطيعوا -وأسَرَّ كلمةً خفية- ولا تسألوا الناس [شيئاً] ". فلقد رأت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدِهم، فما يسأل أحداً يناوله إياه. رواه مسلم والترمذي والنسائي باختصار.   (1) قلت: قول علي هذا منكر لتفرد عبد الله بن أبي رزين به، وهو مجهول لَم يوثقه غير ابن حبان، والثابت عن علي رضي الله عنه خلافه، وأن السَّائل إنما هما غلامان من بني عبد المطلب كما في مسلم، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2642)، وانظر تعليقي على "صحيح ابن خزيمة" (4/ 79)، وحديث ابن عباس الشاهد لذلك في "كبير الطبراني" (11/ 69 و227) من طريقين عنه. وأما الجهلة الثلاثة فقالوا: "حسن"! وغفلوا عن النكارة، وهو اللائق بهم! وبجمودهم على التقليد. (2) قلت: والحاكم أيضاً (3/ 332)، وصححه! ووافقه الذهبي! (3) قد قيل في كنيته غير هذا، ولم تقع هذه في "مسلم" (3/ 97)، والزيادة الآتية منه، كما أنني صححت منه بعض الأحرف. وقد رواه أبو داود أيضاً (1149 - صحيحه)، وابن ماجه. ولم أره عند الترمذي، ولا عزاه إليه الحافظ المزي في "التحفة"! الحديث: 808 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 810 - (20) [صحيح] وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: بايعني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمساً، وأوثقني سبعاً، وأشهدَ اللهَ عليَّ تسعاً (1): أن لا أخافَ في الله لومة لائم. -قال أبو المثنى:- قال أبو ذر: فدعاني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "هل لك إلى البيعة ولك الجنة؟ ". قلت: نعم، وبسطت يدي، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهو يشترط-: "على أنُ لا تَسأل الناس شَيئاً". قلت: نعم. قال: "ولا سوطك إنْ سقط منك حتى تنزل فتأخذه". [حسن لغيره] وفي رواية؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ستة أيام؛ ثم اعقل يا أبا ذر! ما يقال لك بعد". فلمَّا كان اليوم السابع قال: "أوصيكَ بتقوى اللهِ في سرِّ أمرِك وعلانيتِه، وإذا أسأتَ فأحْسِنْ، ولا تسأَلنَّ أحداً شيئاً وإنْ سقطَ سوطُك، ولا تقبضنَّ أمانةً". رواه أحمد رواته ثقات. 811 - (21) [صحيح] وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسبع: بحب المساكين، وأنْ أَدنوَ منهم، وأنْ أَنظرَ إلى من هو أَسفلُ مني، ولا أنظرَ إلى من هو فوقي، وأنْ أصِلَ رَحِمي وإنْ   (1) الأصل: (سبعاً)، والتصحيح من "المسند" (5/ 172). الحديث: 810 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 جفاني، وأنْ أُكثرَ من قولِ: (لا حولَ ولا قوة إلا بالله)، وأنْ أتكلمَ بمُرِّ الحق، وأنْ لا تأْخذَني بالله لومةُ لائم، وأنْ لا أسألَ الناسَ شيئاً". رواه أحمد والطبراني من رواية الشعبي عن أبي ذر. ولم يسمع منه (1). 812 - (22) [صحيح] وعن حكيم بن حِزام رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: "يا حَكيم! هذا المالُ خَضِرٌ حُلْو (2)، فمن أخذه بسخاوة نفسٍ بورك له فيه، ومن أخذه بإشرافِ نفسٍ لم يباركْ فيه، وكان كالذي يأْكلُ ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى". قال حكيمٌ: فقلت: يا رسولَ الله! والذي بعثك بالحق لا أرزأُ أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا. فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيماً ليعطيَه العطاءَ، فيأبى أنْ يقبلَ منه شيئاً، ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه، فأبى أن يقبله، فقال: يا معشر المسلمين! أُشهِدُكم على حكيمٍ أنّي أعرضُ عليه حقَّه الذي قسم الله   (1) قلت: لم يروه أحمد من هذا الوجه، وإنما رواه من وجهين آخرين عن أبي ذر، أحدهما صحيح. انظر "الصحيحة" (2166). (2) كذا الأصل، وهو كذلك في رواية البخاري في "الوصايا"، وفي أخرى له في "الزكاة" وغيره: "خضرة حلوة"، وهي رواية مسلم (3/ 94)، وليس عنده: "قال حكيم: فقلت. . " إلخ. وهذا القدر يختلف سياقه قليلاً عن سياقه في البخاري. قال الحافظ: "قوله: (خضرة حلوة): شبهه بالرغبة فيه والميل إليه وحرص النفوس عليه بالفاكهة الخضراء المستلذة؛ فإن الأخضر مرغوب فيه على انفراده بالنسبة لليابس، والحلو مرغوب فيه على انفراده بالنسبة للحامض، فالإعجاب بهما إذا اجتمعا أشد". الحديث: 812 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 له في هذا الفيء، فيأبى أنْ يأخذه. فلم يرزأ حكيمٌ أحداً من الناس بعد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى توفي رضي الله عنه. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي باختصار. (يرزأ) براء ثم زاي ثم همزة، معناه: لم يأخذ من أحد شيئاً. و (إشراف النفس) بكسر الهمزة وبالشين المعجمة وآخره فاء: هو تطلعها وطمعها وشرها. و (سخاوة النفس): ضد ذلك. 813 - (23) [صحيح] وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من تَكفَّلَ لي أنْ لا يسأل الناس شيئاً؛ أتكفلُ له بالجنة". فقلت: أنا. فكان لا يسأَل أحداً شيئاً. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وأبو داود بإسناد صحيح. وعند ابن ماجه قال: "لا تسأل الناس شيئاً". قال: فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب، فلا يقول لأحد: ناولنيه؛ حتى ينزل فيأْخذَه. (1) 814 - (24) [صحيح لغيره] وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاث والذي نفسي بيده إنْ كنت لحالفاً عليهن: لا ينقصُ مالٌ من صدقة؛ فتصدقوا، ولا يعفو عبد عن مَظلمة؛ إلا زاده الله بها عزاً يومَ القيامة، ولا يفتح عبدٌ باب مسألة؛ إلا فتح الله عليه باب فقر".   (1) قلت: وهو رواية لأحمد (5/ 277 و279 و281). الحديث: 813 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 رواه أحمد، وفي إسناده رجل لم يسم، وأبو يعلى والبزار. وتقدم في "الإخلاص" [الباب الأول] من حديث أبي كبشة الأنماري مطولاً. رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". 815 - (25) [صحيح] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال عمر رضي الله عنه: يا رسولَ الله! لقد سمعت فلاناً وفلاناً يحسنان الثناءَ؛ يذكران أنك أعطيتهما دينارين. قال: فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "والله لكنَّ فلاناً ما هو كذلك، لقد أعطيته ما بين عشرة إلى مائة، فما يقول ذلك! أما والله إنَّ أحدكم ليُخرج مسألتَه من عندي يتأبطها (يعني تكون تحت إبطه) ناراً". قال: قال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله! لِمَ تعطيها إياهم؟ قال: "فما أصنعُ؟ يأْبون إلا ذلك، ويأبى اللهُ ليَ البخلَ". رواه أحمد وأبو يعلى، ورجال أحمد رجال الصحيح. 816 - (26) [صحيح] وفي رواية جيدة لأبي يعلى (1): "وإن أحَدكم ليخرجُ بصدقَتِه من عندي متأبَّطَها، وإنما هي له نار". قلت: يا رسولَ الله! كيف تعطيه وقد علمتَ أنها له نار؟ قال: "فما أصنعُ؟ يأبون إلا مسألتي، ويأبى الله عز وجل لي البخل". 817 - (27) [صحيح] وعن أبي بشرٍ قَبِيصة بنِ المخارقِ رضي الله عنه قال: تحمَّلتُ حَمالة، فأتيتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسأله فيها، فقال: "أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها". ثم قال:   (1) هذه الرواية ليست عن أبي سعيد، وإنما عن عمر كما يأتي قريباً (7 - باب/ الحديث الأول)، ولذلك رقمتها. الحديث: 815 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 "يا قَبيصةُ! إن المسألةَ لا تحل إلا لأحدِ ثلاثة: رجل تحمَّل حَمالة، فحلَّت له المسألةُ حتى يُصيبَها ثم يمسك. ورجل أصابتْه جائحةٌ اجتاحَتْ مالَه، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يصيبَ قِوَاماً من عيش، أو قال: سِداداً من عيش. ورجلٌ أصابَتْه فاقةٌ حتى يقولَ ثلاثةٌ من ذوي الحِجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قِواماً من عيش، أو قال: سِداداً من عيش. فما سواهن من المسألةِ يا قبيصةُ سُحتٌ، يأكلُها صاحبُها سُحتاً". رواه مسلم وأبو داود والنسائي. و (الحَمالة) بفتح الحاء المهملة: هو الدية يتحملها قوم عن قوم. وقيل: هو ما يتحمله المصلح بين فئتين في ماله، ليرتفع بينهم القتال ونحوه. و (الجائحة): الآفة تصيب الإنسان في ماله. و (القِوام) بفتح القاف -وكسرها أفصح-: هو ما يقوم به حال الإنسان من مال وغيره. و (السِّداد) بكسر السين المهملة: هو ما يسد حاجة المعوز ويكفيه. و (الفاقة): الفقر والاحتياج. و (الحِجى) بكسر الحاء المهملة مقصوراً: هو العقل. 818 - (28) [صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "استغنوا عن الناسِ ولو بشَوصِ السِّواك". رواه البزار والطبراني بإسناد جيد، والبيهقي. الحديث: 818 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 819 - (29) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يؤمن عبدٌ حتى يأمنَ جارُه بوائقَه، ومن كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر؛ فليكرمْ ضيفَه، ومن كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليقلْ خيراً أو ليسكت، إن الله يحب الغنيَّ الحليمَ المتعففَ، ويبغضُ البذيء الفاجرَ السائل المُلِحّ". رواه البزار (1). 820 - (30) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال وهو على المنبر -وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة-: "اليدُ العليا خيرٌ من اليدِ السفلى، والعليا هي المنفِقة، والسفلى هي السائلةُ". رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. وقال أبو داود: اختُلِفَ على أيوب عن نافع في هذا الحديث؛ قال عبد الوارث: "اليد العليا المتعففة". وقال أكثرهم: عن حماد بن زيد عن أيوب: "المنفقة". وقال واحد عن حماد: "المتعففة". (2) قال الخطابي: "رواية من قال: "المتعففة" أشبه وأصح في المعنى، وذلك أنَّ ابن عمر ذكر أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر هذا الكلام وهو يذكر الصدقة والتعفف عنها، فعطْفُ الكلام على   (1) قلت: إسناده "ضعيف، لكنه قد جاء مفرقاً في أحاديث مخرجة بعضها في "الإرواء" (8/ 162 و163)، والأخرى في "الصحيحة" (549 و876 و1320) إلا كلمة (الفاجر) فلم أرها إلا بلفظ (الفاحش). (2) قلت: هذه رواية شاذة، وجزم ابن حجر أنها تصحيف، والصواب ما قبلها، والأحاديث متضامنة على ذلك كما بينه الحافظ (3/ 236)، ولا ينافيه التوجيه الذي نقله المؤلف عن الخطابي، بل هو يماشيه كما لا يخفى على المتأمل. الحديث: 819 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 سببه الذي خرج عليه وعلى ما يطابقه في معناه أولى. وقد يتوهم كثير من الناس أن معنى العليا أن يد المعطي مستعلية فوق يد الآخذ، يجعلونه من علو الشيء إلى فوق، وليس ذلك عندي بالوجه، وإنما هو من علاء المجد والكرم، يريد [به] التعفف عن المسألة والترفع عنها". انتهى كلامه (1)، وهو حسن. (2) 821 - (31) [صحيح] وعن مالك بن نَضْلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الأيدي ثلاثة: فيد الله العليا، ويدُ المعطي التي تليها، ويدُ السائل السفلى، فأعط الفضلَ، ولا تعجز عن نفسك". رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له. 822 - (32) [صحيح] وعن حكيم بن حِزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأْ بمن تعولُ، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يَستعفَّ يُعِفَّه اللهُ، ومن يستغنِ يُغنه اللهُ". رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم. 823 - (33) [صحيح] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأعطاهم، ثم سألوه، فأعطاهم، ثم سألوه، فأعطاهم، حتى إذا نفِد ما عنده قال: "ما يكون عندي من خير فلن أَدَّخِرَه عنكم، ومَن استعفَّ (3) يُعِفَّه الله،   (1) "معالم السنن" (2/ 243). (2) قلت: نعم؛ هو حسن بناء على ما رجحه الخطابي من حيث المعنى، لكنَّ ذلك لا يستقيم مع الرواية الراجحة عندنا والمطابقة للأحاديث الأخرى التي منها الحديث الآتي بعده، وله شواهد ذكرها الحافظ في "الفتح" (3/ 231)، وقال عقبها: "فهذه الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا هي المنفقة المعطية، وأنَّ السفلى هي السائلة. وهذا هو المعتمد، وهو قول الجمهور". (3) هكذا وجد، وإنما هو "يستعفف"، ورواية الترمذي ورواية للبخاري: "يستعف". و"يعفه" بفتح الفاء، جزم به الكرماني، كذا في "العجالة" (113). الحديث: 821 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 ومن يَستغن يُغنه الله، ومن يتصبَّر يُصبِّره الله، وما أعطى الله أحداً عطاءً هو خير له وأوسع من الصبر". رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 824 - (34) [حسن لغيره] وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاء جبريل إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "يا محمد! عشْ ما شئتَ فإنكَ ميِّت، واعمل ما شئتَ فإنك مَجزيٌّ به، وأحبب من شئت فإنَّك مفارقُه، واعلم أنَّ شَرفَ المؤمن قيامُ الليل، وعزَّه استغناؤه عن الناس". رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن. 825 - (35) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليس الغِنى عن كثرة العَرَض، ولكنَّ الغنى غنِى النفس". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي (1). (العَرَض) بفتح العين المهملة والراء: هو كل ما يقتنى من المال وغيره. 826 - (36) [صحيح] وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفعْ، ومن قلبٍ لا يخشعْ، ومن نفس لا تشبعْ، ومن دعوة لا يُستَجَابُ لها". رواه مسلم وغيره. [مضى 3 - العلم/ 9] 827 - (37) [صحيح] وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أبا ذر! أترى كثرةَ المال هو الغنى؟ ".   (1) قال الناجي: "وبقي عليه ابن ماجه". الحديث: 824 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 قلت: نعم يا رسولَ الله! قال: "أَفَتَرى قلةَ المالِ هو الفقر؟ ". قلت: نعم يا رسول الله! قال: "إنما الغنى غنى القلب، والفقرُ فقرُ القلب". رواه ابن حبان في "صحيحه" في حديث يأتي إنْ شاء الله تعالى (1). 828 - (38) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليس المسكينُ الذي تَرُدُّه اللقمةُ واللقمتان، والتمرةُ والتمرتان، ولكنِ المسكينُ الذي لا يجدُ غِنىً يُغنيه، ولا يُفطَنُ له فَيُتَصَدَّقُ عليه، ولا يقومُ فيسألُ الناس". رواه البخاري ومسلم. 829 - (39) [صحيح] وعن عبد الله بن عَمرو رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قد أفلح من أسلم ورُزِقَ كفافاً، وقنَّعه الله بما آتاه". رواه مسلم والترمذي وغيرهما. 830 - (40) [صحيح] وعن فَضَالة بن عُبيدٍ رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "طوبى لمن هُدِيَ للإسلام، وكان عيشُه كفافاً وقَنَعَ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". (الكفاف) من الرزق: ما كَفَّ عن السؤال مع القناعةِ لا يزيد على قدر الحاجة.   (1) يعني: في (24 - التوبة /5 - الترغيب في الفقر). الحديث: 828 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 831 - (41) [صحيح] وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يا ابنَ آدم! إنك أن تَبذُلَ (1) الفضلَ خيرٌ لك، وأن تُمسكه شر لك، ولا تلامُ على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى". رواه مسلم والترمذي وغيرهما. 832 - (42) [حسن لغيره] وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ، فقال: يا رسول الله! أوصني وأوجِزْ. فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عليك بالإياس مما في أيدي الناس. . . (2)، وإياك وما يُعتَذرُ منه". رواه الحاكم، والبيهقي في كتاب "الزهد"، واللفظ له، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". كذا قال. 833 - (43) [حسن لغيره] وعن عُبَيْدِ اللهِ بن محصَن الخَطمي رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من أصبح [منكم] آمناً في سِربِه، معافى في جسده، عنده قوت يومِه؛ فكأَنما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها". رواه الترمذي وقال: "حديث حست غريب".   (1) ضبطه النووي في "شرح مسلم" بفتح الهمزة، قال: "ومعناه؛ إنْ بذلت الفاضل عن حاجتك وحاجة عيالك فهو خير لك لبقاء ثوابه، وإنْ أمسكته فهو شر لك، لأنه إن أمسك عن الواجب استحق العقاب عليه، وإنْ أمسك عن المندوب، فقد نقص ثوابه، وفوت مصلحة نفسه في آخرته، وهذا كله شر. ومعنى "لا تلام على كفاف": أنّ قدر الحاجة لا لوم على صاحبه، وهذا إذا لم يتوجه في الكفاف حق شرعي، كمن كان له نصاب زكوي ووجبت الزكاة بشروطها، وهو محتاج إلى ذلك النصاب لكفافه، وجب عليه إخراج الزكاة، ويحصل كفايته من جهة مباحة. ومعنى "ابدأ بمن تعول": أنَّ العيال والقرابة أحق من الأجانب". (2) قلت: المحذوف هنا بلفظ: "وإياك والطمع فإنَّه فقر حاضر"، وإنما حذفتها من هنا لأنِّي لم أجد لها شاهداً معتبراً، وهي في "الضعيف" في رواية أخرى. الحديث: 831 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 (في سِرْبه) بكسر السين المهملة أي: في نفسه (1). 834 - (44) [صحيح لغيره] وعن أنس رضي الله عنه: أنّ رجلاً من الأنصار أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله، فقال: "إنَّ المسألةَ لا تصلحُ إلا لثلاثٍ: لذي فقر مُدقعٍ، أو لذي غرم مُفظع، أو لذي دم مُوجع. . ". رواه أبو داود والبيهقي بطوله (2)، واللفظ لأبي داود. و (الفقر المدقع) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر القاف: هو الشديد الملصق صاحبه بـ (الدقعاء): وهي الأرض التي لا نبات بها. و (الغُرْم) بضم الغين المعجمة وسكون الراء: هو ما يلزم أداؤه تكلفاً لا في مقابلة عوض. و (المفظع) بضم الميم وسكون الفاء وكسر الظاء المعجمة: هو الشديد الشنيع. و (ذو الدم الموجع): هو الذي يتحمل دية عن قريبه أو حميمه أو نسيبه القاتل يدفعها إلى أولياء المقتول، ولو لم يفعل قتل قريبه أو حميمه الذي يتوجع لقتله. 835 - (45) [صحيح] وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لأنْ يأخذَ أحدُكم أحبُلَه (3) فيأَتي بحزمةٍ من حطب على ظهره فيبيعَها فيكفَّ بها وجهَه؛ خيرٌ له من أنْ يسأَلَ الناس، أعطَوْه أم منعوه". رواه البخاري وابن ماجه وغيرهما.   (1) وأَّما (السَّرَب) بالفتح فيقال: على المسلك والطريق. (2) انظر لفظه في "الضعيف"، وما أوردته هنا منه فلشواهده، وتقدم أحدها هنا تحت رقم (11)، فتنبه. وأما الثلاثة فحسنوه بطوله! (3) كذا الأصل، وهو بفتح أوله وضم الموحدة جمع (حبل)، مثل (فَلس) و (أفلس). وهو رواية للبخاري في غير هذا السياق أخرجه في أول "16/ البيوع". وبه رواه ابن ماجه (7136)، وفي روايتين أخريين للبخاري: "حبله" على الإفراد. الحديث: 834 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 836 - (46) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لأنْ يحتطبَ أحدُكم حزمةً على ظهرِه، خيرٌ له من أن يسألَ أحداً، فيعطيَه أو يمنعَه". رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي. 837 - (47) [صحيح] وعن المقدام بن معدِ يكَرِب رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما أكل أحدٌ طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبيَّ الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده". رواه البخاري. الحديث: 836 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 5 - (ترغيب من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزلها بالله تعالى). 838 - (1) [صحيح] عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن نزلت به فاقة فأنزلَها بالناسِ لم تُسَدَّ فاقتُه، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله، فيُوشك اللهُ له برزق عاجلٍ أو آجلٍ". رواه أبو داود، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح غريب" (1)، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"؛ إلا أنه قال فيه: "أوشك (2) الله له بالغنى، إما بموت عاجلٍ، أو غنى آجل". (يوشك) أي: يسرع، وزناً ومعنى.   (1) الأصل: "ثابت"، وذلك تصحيف، وإنما هي "غريب" لا "ثابت". كما في "العجالة" (114). قلت: والظاهر أنه من المؤلف نفسه رحمه الله، فقد أعاده هكذا مصحفاً في أول (15 - الدعاء) وكذلك وقع في المخطوطة، إلا أنَّه في الموضع الثاني منها كتب الناسخ على الهامش: غريب. صح. ثم إنَّ لفظ الحديث للترمذي، ولفظ أبي داود مثل لفظ الحاكم حرفاً بحرف! وهو مخرج في صحيح أبي داود" (1452). (2) الأصل: "أرسل"، والتصويب من "المستدرك" و"أبي داود". الحديث: 838 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 6 - (الترهيب مِنْ أَخْذِ ما دُفع من غير طيب نفس المعطي). 839 - (1) [صحيح لغيره] عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ هذا المال خُضْرةٌ حُلوِة، مَن أعطَيْناه منها شيئاً بطيب نفسٍ منا، وحُسنِ طُعمةٍ منه، من غير شَرَهِ نفسٍ؛ بورِك له فيه، ومن أعطيْناه منها شيئاً بغيرِ طيبِ نفسٍ منا، وحُسنِ طعمةٍ منه، وشرَهِ نفسٍ؛ كان غيرَ مباركٍ له فيه". رواه ابن حبان في "صحيحه". وروى أحمد (1) والبزَّار منه الشطر الأخير بنحوه بإسناد حسن. (الشَّرَه) بشين معجمة محركاً: هو الحرص. 840 - (2) [صحيح] وعن معاويةَ بن أبي سفيان قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تُلحِفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحدٌ منكم شيئاً فتُخرِجُ له مسألتُه مني شيئاً وأنا له كاره؛ فيبارك له فيما أعطيتُه". رواه مسلم والنسائي، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". وفي رواية لمسلم قال: وسمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنما أنا خازنٌ، فمن أعطيتُه عن طيبِ نفسٍ؛ فيبارك له فيه، ومن أعطيته عن، مسألةٍ وشَرَهِ نفسٍ؛ كان كالذي يأْكل ولا يشبع". (لا تلحفوا) أي: لا تُلحُّوا في المسألة. 841 - (3) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تُلْحِفوا في المسألة، فإنه من يستخرج مِنَّا بها شيئاً؛ لم يباركْ له فيه". رواه أبو يعلى، ورواته محتج بهم في "الصحيح".   (1) قلت: أحمد رواه بتمامه نحوه (6/ 68). الحديث: 839 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 842 - (4) [صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الرجل يأتيني فيسألُني فأُعطيه، فينطلق وما يحمل في حِضنه (1) إلا النار". رواه ابن حبان في "صحيحه". 843 - (5) [صحيح] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقسِم ذهباً، إذ أتاه رجل فقال: يا رسولَ الله! أعطني. فأعطاه. ثم قال: زدني. فزاده -ثلاث مرات-، ثم ولّى مُدبراً، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يأْتيني الرجل فيسألني، فأُعطيه، ثم يسألني، فأعطيهِ -ثلاث مرات-، ثم يُوَلِّي مُدْبراً وقد جعل في ثوبه ناراً إذا انقلب إلى أهله". رواه ابن حبان في "صحيحه". 844 - (6) [صحيح] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ أنَّه دخل على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! رأيت فلاناً يشكر، يذكر أنَّك أعطيته دينارين. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لكنَّ فلاناً قد أعطيتُه ما بين العشرة إلى المئة فما شكر، وما يقوله! إنَّ أحدَكم ليخرجُ من عندي بحاجته متأبطَها، وما هي (2) إلا النارُ". قال: قلت: يا رسول الله! لمَ تعطيهم؟ قال: "يأبَون إلا أنْ يسألوني، ويَأبى اللهُ ليَ البخلَ". رواه ابن حبان في "صحيحه". ورواه أحمد وأبو يعلى من حديث أبي سعيد وتقدم [4 - باب/ 24 - رقم (24)]. (متأبطها) أي: جاعلها تحت إبطه.   (1) بكسر المهملة وإسكان الضاد المعجمة: ما دون الإبط إلى الكشح. (2) الأصل: "نسي"، والتصويب من "الموارد" (849). الحديث: 842 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 7 - (ترغيب مَن جاءه شيء من غير مسألة ولا إشراف نفس في قبوله، سيما إن كان محتاجاً، والنهي عن رده إن كان غنياً عنه). 845 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما [قال: سمعتُ عمرَ يقول] (1): كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعطيني العطاءَ فأقولُ: أعطه أفقرَ إليه مني. قال: فقال: "خذه، إذا جاءك من هذا المال شيءٌ، وأنت غير مشرف ولا سائل، فخذْه فتموَّلْه، فإنْ شئتَ كُلْهُ، وإنْ شئتَ تصدّقْ به، وما لا فلا تُتْبِعْه نفسَك". قال سالم بن عبد الله: فلأجل ذلك كان عبد الله لا يسألُ أحداً شيئاً، ولا يَردُّ شَيئاً أُعطِيه. رواه البخاري ومسلم والنسائي. 846 - (2) [صحيح] وعن عطاء بن يسار: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرسل إلى عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه بعطاء، فرده عمر، فقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لِمَ رددته؟ "، فقال: يا رسول الله! أليس أخبرتَنا أنَّ خيراً لأحدنا أنْ لا يأخذَ من أحدٍ شيئاً؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنما ذلك عن المسألة، فأمَّا ما كان عن غيرِ مسألةٍ، فإنَّما هو رزقٌ يرزقَكَهُ اللهُ".   (1) سقطت من الأصل، واستدركتها من المصورة التي عندي، وكذا من "الصحيحين" والنسائي، وليس عندهم جملة المشيئة، وإنما هو: "فتموله، أو تصدق به"، ولم يتنبه المعلقون الثلاثة لهذا السقط، فصارت القصة عندهم لابن عمر! رغم أني كنت نبهت على خطأ ذلك في الطبعة السابقة بعبارة أخرى، ورغم أنهم عزوا الحديث للمصادر الثلاثة بالأرقام! وزادوا مصدراً رابعاً فقالوا: "وأبو داود (1671) "، وهو خطأ أيضاً!! الحديث: 845 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 فقال عمر رضي الله عنه: أمَا والذي نفسي بيده لا أسأَلُ أحداً شيئاً، ولا يأْتيني شيءٌ؛ من غير مسألةٍ إلا أخذتُه. رواه مالك هكذا مرسلاً، ورواه البيهقي عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول: فذكر بنحوه (1). 847 - (3) [حسن صحيح] وعن عمر (2) بن الخطاب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! قد قلت لي: إنَّ خيراً لك أنْ لا تسألَ أحداً من الناس شيئاً. قال: "إنما ذلك أنْ تسأل، وما آتاك اللهُ من غيرِ مسألةٍ، فإنما هو رزقٌ رزقَكَه اللهُ". رواه الطبراني وأبو يعلى بإسناد لا بأس به. 848 - (4) [صحيح] وعن خالد بن عدي الجهني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن بلغه عن أخيه معروفٌ من غيرِ مسألةٍ ولا إشراف نفسٍ، فليَقبَلْهُ ولا يردَّه، فإنما هو رزقٌ ساقَه اللهُ عز وجل إليه". رواه أحمد بإسناد صحيح، وأبو يعلى والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:   (1) قلت: ومن هذا الوجه وصله أبو يعلى في "مسنده"، وعنه الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (رقم 83 - بتحقيقي)، وهو الآتي بعده. (2) الأصل: (واصل)، وهو خطأ، والتصويب من "مسند أبي يعلى" و"الأحاديث المختارة" للضياء المقدسي، رواه من طريق أبي يعلى، دون الطبراني، ولم يعزه إلى هذا الهيثمي (3/ 100)، وليس هو في "مسند عمر" من "معجم الطبراني الكبير"، ولا في "الأوسط" و"الصغير"، ففي عزو المؤلف إليه نظر، ولعله مقحم بعض النساخ، فإنه غير موجود في نسخة مخطوطة عندي، ثم إنَّ لفظ أبي يعلى أتم، كالذي قبله، ويختلف عن هذا في بعض الكلمات. والله أعلم. الحديث: 847 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 "صحيح الإسناد". 849 - (5) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من آتاه الله شيئاً من هذا المال من غير أنْ يسأله فلْيُقبَلْهُ؛ فإنما هو رزق ساقه الله إليه". رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح". (1) 850 - (6) [صحيح] وعن عائذ بن عمروٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن عرض له من هذا الرزق شيءٌ من غير مسألة ولا إشرافٍ، فليتوسع به في رزقه، فإنْ كان غنياً فليوجهه إلى مَن هو أحوجُ إليه منه". رواه أحمد والطبراني والبيهقي، وإسناد أحمد جيد قوي. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله: "سألت أبي: ما (الإشراف)؟ قال: تقول في نفسك: سيبعث إليَّ فلان، سَيَصِلُني فلان! ".   (1) وكذا قال الهيثمي في "المجمع". وأما قول المعلقين الثلاثة (1/ 651): "وقد صححه الهيثمي (3/ 100 - 101) ". فهذا مما يدل على جهلهم بهذا العلم، لأنه لا يعني أكثر من توفر شرط من شروط الصحة عند قائله، ألا وهو ثقة رجاله! وقد نبهت على ذلك مراراً؛ في المقدمة وغيرها. وليت شعري لم نسبوا الصحة التي زعموا إلى الهيثمي دون المؤلف؟! وقد سبقه إليها! الحديث: 849 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 8 - (ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله. . .، وترهيب المسؤول بوجه الله أن يمنع). 851 - (1) [حسن] عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ملعونٌ من سَأَل بوجهِ الله، وملعونٌ من سُئِل بوجه الله ثم منعَ سائلَهُ؛ ما لم يسأل هُجراً". رواه الطبراني، ورجاله رجال "الصحيح"؛ إلا شيخه يحيى بن عثمان بن صالح، وهو ثقة، وفيه كلام (1). (هُجْراً) بضم الهاء وسكون الجيم، أي: ما لم يسأل أمراً قبيحاً لا يليق. ويحتمل أنَّه أراد ما لم يسأل سؤالاً قبيحاً بكلام قبيح. 852 - (2) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن استعاذَ بالله فأعيذوه، ومَن سأل باللهِ فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنعَ إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه، فادعوا له حتى تَرَوْا أنكم قد كافأتموه". رواه أبو داود والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط الشيخين". 853 - (3) [حسن لغيره] وروي عن أبي عُبيدةَ مولى رفاعة عن رافع؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ملعونٌ من سألَ بوجهِ اللهِ، وملعونٌ من سُئلَ بوجهِ اللهِ فمنعَ سائلَهُ". رواه الطبراني.   (1) قلت: لكنه قد توبع، كما بينته في "الصحيحة" (2290). الحديث: 851 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 854 - (4) [صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ألا أخبركم بشِّرِ الناسِ؟ رجلٌ يُسألُ بوجه الله ولا يُعطي". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، والنسائي وابن حبان في "صحيحه" في آخر حديث يأتي في الجهاد إن شاء الله تعالى. [12 - الجهاد/ 9 رقم 4]. 855 - (5) [صحيح لغيره] ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أخبركم بشر البرية؟ ". قالوا: بلى يا رسول الله! قال: "الذي يُسأل باللهِ ولا يُعطي". رواه أحمد. الحديث: 854 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 9 - (الترغيب في الصدقة والحث عليها، وما جاء في جهد المقِلّ، ومَن تصدق بما لا يحب). 856 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من تصدَّق بِعدْلِ (1) تمرةٍ من كسبٍ طيبٍ، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإنَّ الله يقبلُها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلوَّه، حتى تكون مثل الجبل". رواه البخاري ومسلم، والنسائي والترمذي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه". [صحيح] وفي رواية لابن خزيمة: "إنَّ العبدَ إذا تصدَّق من طَيِّبٍ تقبلها الله منه، وأخذها بيمينه فربّاها، كما يربِّي أحدكم مُهره أو فصيلَه، وإنَّ الرجلَ ليتصدقُ باللقمةِ، فتربو فى يد الله -أو قال: في كفِّ الله- حتى تكون مثل الجبل، فتصدقوا". [صحيح لغيره] وفي رواية صحيحة للترمذي: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ اللهَ يقبلُ الصدقةَ، ويأخذُها بيمينه، فيربِّيها لأحدكم كما يُربِّي أحدُكُم مُهرَه، حتى إنَّ اللقمةَ لتصيُر مثلَ أُحدٍ (2). . ".   (1) بكسر العين المهملة: هو ما عادل الشيء من غير جنسه، وبالفتح: ما عادله من جنسه. (2) هو بضم الهمزة والحاء المهملة: جبل معروف بالمدينة. وفى الأصل هنا زيادة: "وتصديق ذلك في كتاب الله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة/ 104]، و {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة/ 276]، فحذفت الزيادة لتفرد عباد ابن منصور بها، ومخالفته لما قبلها من الصحيحة، ولرواية مالك أيضاً المرسلة الآتية، خلافاً لما يوهمه كلام المؤلف فتنبه. ووقعت الآية الأولى في الأصل هكذا {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات}، وتجاهل الثلاثة ما نقلوه عن الناجي من قوله مستنكراً على الترمذي: "وكيف يصحح وفيه عباد بن منصور وهو ضعيف؟! " تجاهلوا هذا وقالوا: "حسن"! هذا مع المخالفة المذكورة! الحديث: 856 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 ورواه مالك بنحو رواية الترمذي هذه عن سعيد بن يسار مرسلاً، لم يذكر أبا هريرة. 857 - (2) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن اللهَ ليربِّي لأحدكم التمرةَ واللقمةَ، كما يُربِّي أحدُكم فَلُوَّه أو فصيله، حتى تكون مثلَ أُحدٍ". رواه الطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له (1). (الفلوَّ) بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو: هو المهر أول ما يولد. و (الفصيل): ولد الناقة إلى أنْ يفصل عن أمه. 858 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما نقصتْ صدقةٌ من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل". رواه مسلم والترمذي، ورواه مالك مرسلاً. 859 - (4) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّهم ذبحوا شاة، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما بقي منها؟ ". قالت: ما بقي منها إلا كتفها. قال: "بقي كلُّها غيرُ كتفها". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". ومعناه: أنهم تصدقوا بها إلا كتفها. 860 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقول العبدُ: مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاثٌ: ما أكل فأَفنى، أو   (1) لقد أبعد المصنف النجعة، فلم يعزه لأحمد، وتبعه في ذلك الهيثمي (3/ 111 و112) وهو في "مسنده" (6/ 251) باللفظ المذكور، ورواه البزار (1/ 441/ 931) من طريق أخرى عنها نحوه. الحديث: 857 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 لَبس فأبلى، أو أعطى فاقْتنى (1)، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس". رواه مسلم. 861 - (6) [صحيح] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيُّكم مالُ وارثِه أحبُّ إليه من مالِه؟ ". قالوا: يا رسول الله! ما منا أحدٌ إلا مالُه أحبُّ إليه. قال: "فإنَّ مالَه ما قدَّم، ومالَ وارثه ما أخَّر". رواه البخاري والنسائي. 862 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بينا رجل في فلاةٍ من الأرض، فسمع صوتاً في سحابة: اسقِ حديقةَ فلان. فتنحى ذلك السحابِ، فأفرغ ماءه فِي حَرَّةٍ، فإذا شَرْجةٌ من تلك الشِراج قد استوعبتْ ذلك الماءَ كلَّه، فتتبع الماءَ، فإذا رجلٌ (2) قائم في حديقة يُحَوِّل الماء بمسحاتِه، فقال [له]: يا عبدَ الله! ما اسمك؟ قال: فلان، لِلاسم الذي سمع في السحابة. فقال له: يا عبدَ الله! لم سألتني عن اسمي؟ قال: [إني] سمعتُ [صوتاً] في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسقِ حديقةَ فلان؛ لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أمّا إذ قلتَ هذا، فإنِّي أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدَّقُ بثلثِه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأرُدُّ فيها ثلثه". رواه مسلم.   (1) كذا في "صحيح مسلم" (8/ 221) بالتاء، والمعنى: ادخره لآخرته. أي: ادخر ثوابه. ولفظه في "المسند" (2/ 318 و412): "فأقنى" بحذف التاء، أي: أرضى، ورواه ابن حبان أيضاً، ووقع في "الموارد" (2487): "فأبقى"، ولعله خطأ من الطابع أو الناسخ. ثم رأيته كذالك في "الإحسان" (3233) و (3317) بالسند نفسه "أو تصدقت فأمضيت"! (2) الأصل: "الرجل"، والتصحيح من "مسلم" (8/ 222)، و"المسند" (2/ 296)، والزيادات منهما. وهي مما فات المحققين الثلاثة! الحديث: 861 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 (الحديقة): البستان إذا كان عليه حائط. (الحَرَّة) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء: الأرض التي بها حجارة سود. و (الشَّرْجة) بفتح الشين المعجمة وإسكان الراء بعدها جيم وتاء تأنيث: مسيل الماء إلى الأرض السهلة. و (المِسحاة) بالسين والحاء المهملتين: هي المجرفة من الحديد. 863 - (8) [صحيح] وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما منكم (1) مِن أحد إلا سيكلمُه الله، ليس بينه وبينه تَرجُمان (2)، فينظر أيمنَ منه، فلا يرى إلا ما قدَّم، فينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدَّم، فينظر بين يديه، فلا يرى إلا النارَ تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشِقِّ تمرة". وفي رواية: "مَن استطاع منكم أنْ يَستَتِر من النار ولو بشق تمرة؛ فليفعل". رواه البخاري ومسلم. (3) 864 - (9) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لِيَتَّقِ أحدُكم وجْهَه النارَ ولو بشق تمرة". رواه أحمد بإسناد صحيح.   (1) ظاهر الخطاب للصحابة، ويلحق بهم المؤمنون كلهم كما هي القاعدة. (2) بضم التاء المثناة فوق وفتحها، وفتح الجيم وضمها، أي: مفسِّر، يقال: ترجم كلامه إذا فسَّره بكلام آخر. ونظر اليمين والشمال هنا كالمثل؛ لأن الإنسان من شأنه إذا دهمه أمر أن يلتفت يميناً وشمالاً يطلب الفوت. وقيل: يحتمل أن يطلب طريقاً يهرب منه لينجو من النار، فلا يرى إلا ما يقضي به الله من دخول النار. والله أعلم. (3) هذا ليس بجيد، فإنَّ الرواية الثانية تفرد بها مسلم، فرواها من غير طريق الرواية الأولى، فالصواب أنْ يعزى بعد الأولى، ثم يقال: وفي رواية لمسلم، وتذكر، لكن كثيراً ما يفعل هكذا فيوهم عود الضمير إليهما كما نبهت عليه في مواضع. كذا في "العجالة" (115/ 2). الحديث: 863 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 865 - (10) [حسن لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا عائشةُ! استَتِري من النار ولو بشق تمرة، فإنَّها تَسُدُّ من الجائع مسدَّها من الشبعان". رواه أحمد بإسناد حسن. 866 - (11) [صحيح] وعن جابر رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول لكعب ابن عُجْرَةَ: "يا كعبُ بنَ عُجْرَة! الصلاةُ قُرْبانٌ، والصيام جُنةٌ، والصدقةُ تُطفئُ الخطيئة كما يُطفئُ الماءُ النارَ، يا كعبُ بنَ عُجْرَة! الناسُ غاديان: فبائعٌ نفسَه فمُوِبقٌ (1) رَقبته، ومبتاع نفسه فمُعْتِقٌ رقبته". رواه أبو يعلى (2) بإسناد صحيح. 867 - (12) [صحيح لغيره] وعن كعب بن عُجْرَة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا كعبُ بنَ عُجْرَة! إنه لا يدخل الجنة لحمٌ ودَمٌ نبتا على سُحتٍ؛ النار أولى به، يا كعبُ بنَ عُجْرَة! الناس غاديان: فغادٍ في فِكاك نفسِهِ فمعتقُها، وغادٍ موِبقُها، يا كعبُ بنَ عُجْرَة! الصلاةُ قُربان،. . . (3)، والصوم جُنّةٌ، والصدقةُ تطفئُ الخطيئة. . .". رواه ابن حبان في "صحيحه".   (1) الأصل: "فموثق"، و"في عتق رقبته" وهو خطأ، والتصحيح من "أبي يعلى" وغيره. (2) هذا يشعر بأنَّه لم يروه من هو أعلى طبقة منه، وليس كذلك، فقد أخرجه أحمد أيضاً (3/ 321 و399)، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. (3) هنا جملة في "صحيح ابن حبان" (261 - موارد) بلفظ: "والصدقة برهان"، ولم ترد في الأصل، ولم أستدركها لأنها منكرة، ولهذا حذفت من آخره جملة: "كما يذهب الجليد على الصفا" مشيراً إلى ذلك بالنقط (. . . .). الحديث: 865 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 868 - (13) [صحيح لغيره] وعن معاذ بن جبل قال: كنت مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر. . -فذكر الحديث إلى أن قال فيه:- ثم قال -يعني النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ألا أدلكَ على أبوابِ الخير؟ ". قلت: بلى يا رسول الله! قال: "الصوم جُنة، والصدقة تطفئُ الخطيئةَ كما تطفئُ الماءُ النارَ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". ويأتي بتمامه في "الصمت" [23 - الأدب/ 2]. وهو عند ابن حبان من حديث جابر في حديث يأتي في "كتاب القضاء" إن شاء الله تعالى [20/ 6]. 869 - (14) [صحيح لغيره] وعن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه؛ أنَّه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ثلاث أُقسم عليهن، وأحدِّثكم حديثاً فاحفظوه، -قال-: ما نقص مالُ عبدٍ من صدقة، ولا ظُلمَ عبدٌ مظْلمةً صبرِ عليها؛ إلا زاده الله عِزاً، ولا فتح عبدٌ باب مسألةٍ؛ إلا فتحَ الله عليه باب فقرٍ -أو كلمة نحوها-. وأحدثكم حديثاً فاحفظوه، -قال-: إنما الدنيا لأربعةِ نَفرٍ: عبدٌ رزقه الله مالاً وعلماً، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحِمَه، ويَعلمُ لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل. وعبدٌ رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً فهو صادقُ النية؛ يقول: لو أنَّ لي مالاً لعمِلتُ بعملِ فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالاً، ولم يرزقه علماً؛ يَخبِطُ في ماله بغير علمٍ، ولا يتقي فيه ربه، ولا يصِلُ فيه رحِمه، ولا يعلم لله فيه حقاً. فهذا بأخبث المنازل. الحديث: 868 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 وعبدٌ لم يرزقْه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أنَّ لي مالاً لعملتُ بعملِ فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء". رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". [مضى 1 - الإخلاص/ 1]. 870 - (15) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ضرب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مثلَ البخيلِ والمتصدِّقِ: كمثَلِ رجلين عليهما جُنتان مِن حديد، قد اضطرت أيديهما إلى ثُدِيِّهما (1) وتراقيهما، فجعل المتصدِّق كلما تصدّقَ بصدقةٍ انبسطت عنه، حتى تغشى أناملَه (2)، وتعفو أثرَه، وجعل البخيلُ كلما هَمَّ بصدقةٍ قَلَصَت وأخذت كل حَلْقَةٍ بمكانها". قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول بأصبعيه هكذا في جيبه؛ يوسِعها ولا تَتَوسَّع. رواه البخاري ومسلم، والنسائي ولفظه: "مثل المتصدقِ والبخيلِ كمثلِ رجلين عليهما جُبتان أو جُنتان من حديد، من لَدُنْ يَديهما إلى تراقيهما، فإذا أراد المنفِقُ أن يُنفِق اتسعت عليه الدِّرعُ، -أو مرَّت- حتى تُجِنَّ (3) بنانَه، وتعفو أثرَه، فإذا أراد البخيل أن يُنفِقَ   (1) بضم الثاء المثلثة وكسر الدال، كذا في رواية أبي الحسن: جمع (ثَدي)، نحو فلوس وأفلس، فعلى هذا (ثدوي) اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فأبدلت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء فصار (ثدي) بضم الدال ثم أبدلت الضمة كسرة لأجل الياء. وفي رواية: "ثدييهما" بالتثنية. (2) أي: تغطي أصابعه. وقوله: "تعفو أثره"، أي: تمحو، و (الأثر) مفتوحة الهمزة والثاء المثلثة أي: تمحو أثر مشيه بسبوغها وكمالها. والله أعلم. (3) بضم التاء المثناة من فوق وكسر الجيم وتشديد النون معناه: حتى تستر أصابعه. قال الخطابي رحمه الله تعالى: "هذا مثل ضربه الله تعالى للجواد والبخيل، وشبههما برجلين أراد كل = الحديث: 870 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 قَلَصَت ولَزِمَت كلٌّ حلقةٍ موضعَها، حتى إذا أخذت بَتْرقُوَتِه أو برقبته -يقول أبو هريرة: أشهد أنَّه رأى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوسع ولا تتسع". (الجُنَّة) بضم الجيم وتشديد النون: كل ما وقى الإنسان، ويضاف إلى ما يكون منه. (التراقي) جمع تَرقوة بفتح التاء، وضمُّها لحن: وهو العظم الذي يكون بين ثغرة نحر الإنسان وعاتقه. و (قَلَصت): بفتح القاف واللام، أي: انجمعت وتشمرت، وهو ضد استرخَتْ وانبسطت. و (الجيب): هو الخرق الذي يخرج الإنسان منه رأسه في الثوب ونحوه. 871 - (16) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال رجل: لأتصدقنَّ بصدقةٍ، فخرج بصدقته فوضعها في يدِ سارقٍ، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّقَ الليلةَ على سارقٍ! فقال: اللهم لك الحمدُ على سارقٍ! لأتصدقنَّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّقَ الليلةَ على زانية! قال: اللهم لك الحمد، على زانية! لأتصدقنَّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّقَ الليلةَ على غني! قال: اللهم لك الحمد على سارق، وزانيةٍ، وغني! فأُتيَ فقيل له:   = واحد منهما أنْ يلبس درعاً يستجن بها، والدرع أول ما يلبس إنما يقع على موضع الصدر والثديين، إلى أنْ يسلك لابسها يديه في كمّيه، ويرسل ذيلها على أسفل بدنه، ويستمر سفلاً، فجعل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل المنفق مثل مَن لبس درعاً سابغة، فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه وحصنته، وجعل البخيل كرجل يداه مغلولتان ما بين دون صدره، فإذا أراد لبس الدرع حالت يداه بينها وبين أنْ تمر سفلاً على البدن، واجتمعت في عنقه، فلزمت ترقوته، فكانت ثقلاً ووبالاً عليه من غير وقاية له، وتحصين لبدنه. والله أعلم". قلت: وسيعيد المؤلف الحديث بعد ستة أبواب مشروحاً بنحو هذا. الحديث: 871 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 أمَّا صدقتُك على سارقٍ؛ فلعله أن يستعِفَّ عن سرقته، وأما الزانية؛ فلعلها أن تستعِفَّ عن زناها، وأما الغني؛ فلعله أَنْ يعتبرَ فينفقَ مما أعطاه الله". رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم والنسائي، وقالا فيه: "فأُتي، فقيل له: أما صدقتك فقد تُقُبَّلت"، ثم ذكر الحديث. [مضى 1 - الإخلاص/ 1]. 872 - (17) [صحيح] وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "كل امرئٍ في ظلٍّ صدقتِه حتى يُقضى بين الناس". قال يزيد: فكان أبو مَرْثد لا يخطئه يومٌ إلا تصدق فيه بشيء، ولو كعكة أو بصلة. رواه أحمد، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". [حسن] وفي رواية لابن خزيمة أيضاً: عن يزيد بن أبي حبيب عن مَرْثد بن أبي عبد الله اليَزَني (1): أنَّه كان أولَ أهل مصر يروح إلى المسجد، وما رأيته داخلاً المسجد قَطُّ إلا في كُمِّه صدقة، إمَّا فلوس، وإمَّا خبز، وإمَّا قمح. قال: حتى ربما رأيت البصلَ يحمله، قال: فأقول: يا أبا الخير! إنَّ هذا يُنتِنُ ثيابَك. قال: فيقول: يا ابنَ أبي حبيب! أمَا إني لم أجدْ في البيتِ شيئاً أتصدق به غيرَه، إنَّه حدثني رجلٌ من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ظِلُّ المؤمن يومَ القيامة صدقتُهُ".   (1) بفتح الياء التحتية والزاي بعدها نون. الحديث: 872 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 873 - (18) [حسن] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الصدقةَ لتطفئ عن أهلها حرَّ القبورِ، وإنما يستظِلُّ المؤمنُ يومَ القيامةِ في ظل صدقته". رواه الطبراني في "الكبير"، والبيهقي، وفيهِ ابن لهيعة (1). 874 - (19) [صحيح]. . . وقد رُوّينا عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "إنَّ الله إذا استُودع شيئاً حفظه". (2) 875 - (20) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: كان أبو طلحةَ أكثرَ الأنصار بالمدينة مالاً من نخلٍ، وكان أحبَّ أمواله إليه (بِيرَحاء)، وكانت مستقبلةَ المسجدِ، وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدخلها، ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قام أبو طلحة إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! إن الله تبارك وتعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ (بيرَحاء)، وإنَّها صدقةٌ أرجو برَّها وذُخرها عند الله، فضعها يا رسولَ الله حيث أراك الله. قال: فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بخٍ ذاك مال رابح، بخٍ ذاك مال رابح". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي مختصراً. (بيرحاء) بكسر الباء وفتحها ممدوداً: اسم لحديقة نخل كانت لأبي طلحة رضي الله عنه، وقال بعض مشايخنا: "صوابه (بَيرحى) بفتح الباء الموحدة والراء مقصوراً، وإنما صحّفه الناس".   (1) ابن لهيعة معروف بالضعف لسوء حفظه، ولكنه قد تابعه عمرو بن الحارث وغيره، ولذلك خرجته في "الصحيحة" برقم (3484). (2) ذكره المؤلف عن البيهقي معلقاً عقب حديث مرسل تراه في الكتاب الآخر في الباب هنا، وقد وصله ابن حبان وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة" (2547). الحديث: 873 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 وقوله: "رابح"؛ روي بالباء الموحدة وبالياء المثناة تحت. 876 - (21) [صحيح] و [رواه يعني حديث أبي ذر الذي في "الضعيف" هنا] ابن حبان في "صحيحه" أطول منه بنحوه، والحاكم ويأتي لفظه إنْ شاء الله تعالى. (1) [حسن صحيح] ورواه (2) البيهقي، ولفظه في إحدى رواياته قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ماذا يُنجي العبدَ من النار؟ قال: "الإيمان بالله". قلت: يا نبيَّ الله! مع الإيمان عمل؟ قال: "أنْ ترضخَ مما خوَّلك (3) الله، و (4) ترضخ مما رزقك الله". قلت: يا نبيَّ الله! فإن كان فقيراً لا يجد ما يرضخ؟ قال: "يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر". قلت: إنْ كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف، ولا (5) ينهى عن المنكر؟ قال: "فليُعِنِ الأخرق" (6). قلت: يا رسول الله! أرأيت، إنّ كان لا يحسن أن يصنع؟ قال: فلْيُعِنْ مظلوماً". قلت: يا نبيَّ الله! أرأيت إنْ كان ضعيفاً لا يستطيع أنْ يُعين مظلوماً؟ قال: ما تُريد أنْ تَتْركَ لصاحبك من خير؟ ليُمْسكْ أذاه عن الناسِ".   (1) في (21 - الحدود/ 1 - الترغيب في الأمر بالمعروف). (2) الأصل: "وروى"، ولعل الأصوب ما أثبتُّه. (3) أي: أعطاك، و (الرضخ): العطية أي: تعطي مما ملكك الله. (4) قال الناجي (116/ 2): "كذا وجد بإسقاط الألف بين اللفظتين، (يعني: "خولك" و"ترضخ")، ولا بد منه، فإنَّ الراوي شك هل قال: هذا أو هذا. وهو ظاهر". (5) لعل (لا) مقحمة هنا. (6) أي: جاهل لم يكن بيده صنعة يكتسب بها. الحديث: 876 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 قلت: يا رسول الله! أرأيت إنْ فعل هذا يُدخِله الجنة؟ قال: "ما مِن مؤمنٍ يطلبُ خصلةً من هذه الخصال؛ إلاَّ أخذتْ بيده حتى تدخله الجنة". 877 - (22) [صحيح] وعن الحارث الأشعريّ رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله أوحى إلى يحيى بنِ زكريا بخمس كلماتٍ أنْ يعملَ بهن، ويأمرَ بني إسرائيل أنْ يعملوا بهن". -فذكر الحديث إلى أن قال فيه-: "وآمُركم بالصدقة، ومَثَلُ ذلك كمثل رجل أسَرَه العدوُّ، فأوثقوا يدَه إلى عنقه، وقَرِّبوه ليضربوا عنقه، فجعل يقول: هل لكم أنْ أفديَ نفسي منكم؟ وجعلَ يعطي القليلَ والكثيرَ، حتى فدى نفسه" الحديث. رواه الترمذي وصححه، وابن خزيمة -واللفظ له-، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". وتقدم بتمامه في "الالتفات في الصلاة" [5 - الصلاة/ 36]. 878 - (23) [صحيح] وعن عُمر رضي الله عنه قال: ذُكِر لي: أن الأعمال تَباهى، فتقول الصدقةُ: أنا أفضلكم. رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما" (1). 879 - (24) [حسن] وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبيده عصا، وقد علّق رجل قِنوَ حَشَفٍ (2)، فجعل يَطعنُ في ذلك القنو، فقال:   (1) كذا قال! ووافقه الذهبي (1/ 416)، وفيه تساهل ظاهر، فإنه من رواية سعيد بن المسيب عن عمر، ومع الخلاف المعروف في سماعه من عمر، فإنَّ الشيخين لم يخرِّجا له عنه شيئاً فيما أعلم، لكنهم ذكروا أن مراسيل سعيد صحيحة. (2) (القنو): العذق بما فيه من الرطب، وجمعه أقناء. و (الحشف): أردأ التمر، وهو الذي يجف من غير نضج ولا إدراك. كما في "المصباح". الحديث: 877 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 "لو شاء ربُّ هذه الصدقة تصدق بأطيبَ من هذا، إنَّ ربَّ هذه الصدقة يأكل حَشَفاً يوم القيامة". رواه النسائي -واللفظ له- وأبو داود وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" في حديث. 880 - (25) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من جمعَ مالاً حراماً ثم تصدق به؛ لم يكن له فيه أجرٌ، وكان إصرهُ (1) عليه". رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم؛ كلهم من رواية دراج عن ابن حُجيرة عنه. [مضى هنا/ 1/ 15]. 881 - (26) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خير الصدقة ما أبقت غِنىً، واليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول". تقول امرأتك: أنفق علي أو طلقني. ويقول مملوكك: أنفق علي أو بعني. ويقول ولدك: إلى من تَكِلُنا؟ رواه ابن خزيمة. (2) ولعل قوله: "تقول امرأتك" إلى آخره من كلام أبي هريرة مدرج (3).   (1): (الإصر): الذنب والعقوبة. (2) قلت: وكذا البخاري (5355)، لكنه زاد: "فقالوا: يا أبا هريرة! سمعتَ هذا مِن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: لا، هذا من كيس أبي هريرة". يشير إلى قوله: "تقول امرأتك. .". (3) قال الناجي (116/ 2): "هو كذلك عند البخاري مصرح بإدراج آخره". ولكنه ذكر روايات أخرى صريحة في الرفع، فلتراجع أسانيدها فإنَّها لا تخلو من ضعف وشذوذ، ولذلك جزم الحافظ في "الفتح" (9/ 501) بأنَّ الصواب أنَّها مدرجة. الحديث: 880 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 882 - (27) [صحيح] وعنه؛ أنَّه قال: يا رسولَ الله! أي الصدقة أفضل؟ قال: "جُهدُ الُمقِلِّ، وابدأ بمن تعول". رواه أبو داود وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 883 - (28) [حسن] وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سبَق درهمٌ مئةَ ألفِ درهمٍ". فقال رجل: وكيف ذاك يا رسولَ الله؟ قال: "رجلٌ له مال كثيرٌ، أخذ من عُرضِه مئةَ ألفِ درهمٍ تصدَّقَ بها، ورجل ليس له إلا درهمان، فأخذ أحدهما فتصدق به". رواه النسائي، وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحه" -واللفظ له-، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". قوله: "من عُرضه" بضم العين المهملة وبالضاد المعجمة، أي: من جانبه. 884 - (29) [صحيح] وعن أم بُجيّد رضي الله عنها؛ أنَّها قالت: يا رسول الله! إن المسكينَ لَيَقومُ على بابي فما أجد له شيئاً أعطيه إياه. فقال لها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لم تجدي إلا ظِلْفاً محرقاً، فادفعيه إليه في يده". رواه الترمذي وابن خزيمة، وزاد في رواية: "لا تردِّي سائلَكِ ولو بِظلْفٍ". وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: الحديث: 882 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 "حديث حسن صحيح". (الظِّلف) بكسر الظاء المعجمة: للبقر والغنم بمنزلة الحافر للفرس. 885 - (30) [صحيح موقوف] ورواه [يعني حديث أبي ذر الذي في "الضعيف"] البيهقي عن ابن مسعود موقوفاً (1) عليه، ولفظه: إن راهباً عبدَ اللهَ في صومعَته ستين سنة، فجاءت امرأةٌ فنزِلت إلى جنبه، فنزل إليها، فواقعها ستّ ليالٍ، ثم سُقط في يده، فهرب، فأتى مسجداً، فأوى فيه ثلاثاً؛ لا يَطعم فيه شيئاً، فاُتيَ برغيفٍ، فكسره، فأعطى رجلاً عن يمينه نصفَه، وأعطى آخرَ عن يساره نصفَه، فبَعثَ الله إليه مَلَكَ الموت، فقبض روحَه، فوضعت الستون في كِفّة، ووضعت الستُّ في كفة، فرجحت -يعني الستُّ- ثم وضع الرغيفُ، فرجحَ -يعني رجح [الرغيف] الستّ-. 886 - (31) [صحيح لغيره] وعن المغيرة بنِ عبد الله الجُعفي قال: جلسنا إلى رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقال له: خَصَفة [أو] (2) ابن خصفة، فجعل ينظر إلى رجل سمين، فقلت: ما تنظر إليه؟ فقال: ذكرت حديثاً سمعته من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سمعته يقول: "هل تدرون ما الشديد؟ ". قلنا: الرجلُ يَصرعُ الرجلَ. قال:   (1) قلت: وقد روي مرفوعاً عن أبي ذر، ولا يصح، وهو في هذا الباب من "الضعيف". (2) زيادة من "شعب البيهقي" (3/ 210) و"العجالة" و"أسد الغابة" و"الإصابة". ووقع في "المسند" (5/ 368)؛ (ابن حصبة أو أبي حصبة)، وضبطه في "التعجيل" بمهملتين وموحدة، وهو في هذه الرواية تابعي، لأنَّه قال فيها: عن رجل شهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولذلك قال فيه الحسيني: مجهول وأقرَّه الحافظ. يرويه عنه عروة بن عبد الله الجعفي، وهو من ثقات أتباع التابعين. الحديث: 885 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 "إنَّ الشديدَ كلَّ الشديد: الرجل الذي يملك نفسَه عند الغضبِ. تدرون ما الرَّقوب؟ ". قلنا: الرجلِ الذي لا يولد له. قال: "إنَّ الرقوبَ: الرجلُ الذي له الولد، ولم يقدم منهم شيئاً"، ثم قال. . . رواه البيهقي، ويُنظر سنده. (1) (قال الحافظ): "ويأتي إن شاء الله تعالى في "كتاب اللباس": "باب في الصدقة على الفقير بما يلبسه" [18/ 8].   (1) قلت: قد فعلت، فوجدت فيه عللاً، فانظر التعليق عليه في "الضعيف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 10 - (التزغيب في صدقة السر). 887 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "سبعةٌ يظلهم الله في ظِلَّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه (1)، الإمامُ العادل (2)، وشابٌّ نشأ في عبادةِ الله عز وجل، ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد (3)، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا على ذلك، وتفرقا عليه (4)، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله (5)، ورجل تَصدَّق بصدقةٍ فأخفاها، حتى لا تعلمَ شماله ما تُنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه". رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة هكذا. [مضى 5 - الصلاة/ 10]. وروياه أيضاً ومالك والترمذي عن أبي هريرة أو أبي سعيد على الشك (6).   (1) إضافة الظل إلى الله تعالى إضافة ملك، وكل ظل فهو لله وملكه وخلقه وسلطانه، والمراد هنا ظل العرش كما جاء في حديث آخر مبيناً، والمراد باليوم يوم القيامة، إذا قام الناس لرب العالمين، ودنت منهم الشمس، واشتد عليهم حرها، وأخذهم العرق، ولا ظل هناك لشيء، إلا للعرش. (2) هو كل من له نظر في شيء من مصالح المسلمين من الولاة والحكام، وبدأ به لكثرة مصالحه وعموم نفعه. قلت: ولا بد من تقييد ذلك بمن يحكم بالكتاب والسنة، لأنَّه بغير ذلك لا يمكن أنْ يكون عادلاً، فتنبه. (3) أي: شديد الحب لها، والملازمة للجماعة فيها. (4) معناها: اجتمعا على حب الله، وافترقا على حب الله، أي: كان سبب اجتماعهما حب الله واستمرا على ذلك حتى تفرقا من مجلسهما، وهما صادقان في حب كل واحد منهما صاحبه لله تعالى حال اجتماعهما وافتراقهما. (5) يحتمل أن يكون قال ذلك باللسان، ويحتمل بالقلب ليزجر نفسه، وخص ذات المنصب والجمال لكثرة الرغبة فيها، وعسر حصولها. قلت: والظاهر أنّه قال ذلك بقلبه ولسانه. (6) كذا قال، وقد تعقبه الناجي (117/ 2 - 118/ 1) بما خلاصته: "ينبغي أنْ يقال في تخريجه: رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة وحده، ورواه مالك في "الموطأ" عن أبي هريرة أو أبي سعيد على الشك. ومن طريقه رواه أيضاً مسلم والترمذي". الحديث: 887 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 888 - (2) [حسن لغيره] وعن معاوية بن حَيْدة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ صدقةَ السر تُطفئ غضبَ الربِّ تبارك وتعالى". رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه صدقة بن عبد الله السمين، ولا بأس به في الشواهد. 889 - (3) [حسن لغيره] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تُطفئ غضبَ الربِّ، وصِلَةُ الرَّحِم تزيد في العمر". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن. 890 - (4) [حسن لغيره] ورُوي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صنائع المعروف تقي مصارعَ السوء، والصدقةُ خَفِيّاً تُطْفئ غضبَ الربِّ، وصِلَةُ الرحم تزيد في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة. . . " (1) رواه الطبراني في "الأوسط".   (1) انظر الكتاب الآخر، الحديث الثاني في الباب. الحديث: 888 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 11 - (الترغيب في الصدقة على الزوج والأقارب وتقديمهم على غيرهم). 891 - (1) [صحيح] عن زينب الثقفيَّةِ امرأةِ عبدِ الله بن مسعود رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه سلم -: "تَصدَّقْنَ يا معشر النساء! ولو من حُلِيِّكُنَّ". قالت: فرجعتُ إلى عبد الله بن مسعود فقلت: إنَّك رجل خفيف ذات اليد، وإنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أمرنا بالصدقة، فائته فَسَلْهُ، فإنْ كان ذلك يُجزي عني، وإلا صرفتها إلى غيركم. فقال عبد الله: بل ائتِه أنتِ، فانطلَقْتُ، فإذا امرأةٌ من الأنصار بباب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حاجتها حاجتي، وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أُلقيت عليه المهابة، فخرج علينا بلال، فقلنا له: ائتِ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره أنَّ امرأتين في الباب، يسأْلانكَ: أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن. قالت: فدخل بلال على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله؟ فقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من هما؟ "، فقال: امرأة من الأنصار وزينب. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أي الزيانب؟ ". قال: امرأةُ عبد الله بن مسعود. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لهما أجر القرابة، وأجر الصدقة". رواه البخاري ومسلم، واللفظ له. 892 - (2) [حسن صحيح] وعن سلمانَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الصدقةُ على المسكينَ صدقةٌ، وعلى ذي الرحِم اثنتان: صدقةٌ وصلةٌ". رواه النسائي، والترمذي وحسنه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". الحديث: 891 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 ولفظ ابن خزيمة: قال: "الصدقةُ على المسكين صدقةٌ، وعلى القريب صدقتان: صدقةٌ وصلة". 893 - (3) [صحيح لغيره] وعن حكيم بن حِزام رضي الله عنه: أنَّ رجلاً سأل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصدقات أيها أفضل؟ قال: "على ذي الرحِم الكاشِح". رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد حسن. (الكاشح) بالشين المعجمة: هو الذي يضمر عداوته في كشحه، وهو خصره، يعني: أنَّ أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه. 894 - (4) [صحيح] وعن أم كلثوم بنتِ عُقْبَةَ رضي الله عنها؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أفضلُ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرَّحِم الكاشح". رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله رجال الصحيح، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". الحديث: 893 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 12 - (الترهيب من أنْ يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل ماله فيبخل عليه، أو يصرف صدقته إلى الأجانب وأقرباؤه محتاجون). 895 - (1) [حسن] وعن بَهْزِ بنِ حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله! من أبَرُّ؟ قال: "أمَّكَ، ثم أمَّكَ، ثم أمَّكَ، ثم أباك، ثم الأقربَ فالأقربَ". وقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يسأل رجلٌ مولاه من فضلٍ هو عنده فيمنعَهُ إياه، إلا دُعي له يومَ القيامة فضلُه الذي منعه شجاعاً أقرعَ". رواه أبو داود -واللفظ له- النسائي والترمذي وقال: "حديث حسن". قال أبو داود: " (الأقرع): الذي ذهب شعر رأسه من السُّم". (1) 896 - (2) [حسن صحيح] وعن جرير بن عبد الله البَجَلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِن ذي رَحِمٍ يأتي ذا رَحِمِهِ، فيسأله فضلاً أعطاه الله إياه، فيبخل عليه؛ إلا أخرج اللهُ له من جهنم حَيةً يقال لها: (شجاعٌ) يَتَلَمَّظُ، فَيُطَوَّقُ به". رواه الطبراني في "الأوسط"، و"الكبير" بإسناد جيد. (التلمظ): تطَعَّم ما يبقى في الفم من آثار الطعام.   (1) قلت: هذا هو الصواب في تفسير (الأقرع)، خلافاً لما قاله المصنف فيما سبق (2 - باب/ 2 - حديث). وذكرنا استنكار الناجي إياه، فراجعه. الحديث: 895 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 897 - (3) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيُّما رجلٍ أتاه ابن عمه يسأله من فضله، فمنعه؛ منعه الله فضلَه يوم القيامة" الحديث. (1) رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، وهو غريب.   (1) قلت: وتمامه: "ومن منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ؛ منعه الله فضله يوم القيامة". وهذا القدر أخرجه أحمد أيضاً، وهو مخرَّج في "الروض النضير" (581). الحديث: 897 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 13 - (الترغيب في القرض وما جاء في فضله). 898 - (1) [صحيح] عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من مَنح مَنيحةَ لَبَنٍ أو ورِقٍ، أو هَدَّى (1) زُقاقاً؛ كان له مثلُ عِتقِ رَقَبَة". رواه أحمد والترمذي -واللفظ له- وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح، ومعنى قوله: "منح منيحة ورِق" إنما يعني به قرض الدرهم، وقوله: "أو هدى زقاقاً"، إنما يعني به هداية الطريق، وهو إرشاد السبيل" انتهى. (2) 899 - (2) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كلُّ قرض صدقة". رواه الطبراني بإسناد حسن والبيهقي. 900 - (3) [حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "دخل رجل الجنة، فرأى مكتوباً على بابها: الصدقةُ بعشرِ أمثالها، والقرضُ بثمانية عشر". رواه الطبراني والبيهقي؛ كلاهما من رواية عتبة بن حميد. (3)   (1) بتشديد الدال، ومنه قول الله تعالى: {أَمَّنْ لَا يَهِدِّي} على قراءة التشديد. (2) قلت: تفسير الترمذي هذا قد روي نحوه مرفوعاً. أخرجه أحمد (1/ 463) بسند فيه ضعف. (3) قلت: هو وسط، قال أبو حاتم: "صالح الحديث". وقال الحافظ. "صدوق له أوهام". الحديث: 898 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 901 - (4) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من مسلم يُقرضُ مسلماً قرضاً مرتين؛ إلا كان كصدقتها مرة". (1) رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي مرفوعاً وموقوفاً. 902 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من يسَّر على مُعسِرٍ يَسَّرَ الله عليه في الدنيا والآخرة". رواه ابن حبان في "صحيحه"، ورواه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه في حديث يأتي إنْ شاء الله تعالى [في الباب التالي].   (1) الأصل في الموضع الأول: "مرة"، وفي الموضع الآخر: "مرتين"، والصواب ما أثبتناه، وهو المطابق لنسخة أخرى للكتاب. الحديث: 901 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 14 - (الترغيب في التيسير على المعسر، وإنظاره والوضع عنه). 903 - (1) [صحيح] عن أبي قتادة رضي الله عنه: أنَّه طلب غريماً له، فتوارى عنه، ثم وجده، فقال: إنِّي معسر. قال: آللهِ (1)؟ قال: الله (2)، قال: فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من سره أنْ يُنجِيَهُ اللهُ مِن كُرَب يومِ القيامة؛ فَليُنَفِّسْ عن مُعسرٍ، أو يَضَعْ عنه". رواه مسلم وغيره. ورواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد صحيح، وقال فيه: "من سرَّه أن يُنجيَهُ اللهُ من كُرَبِ يومِ القيامةِ، وأن يُظِلَّه تحتَ عَرشِه؛ فليُنْظِرْ مُعسراً". 904 - (2) [صحيح] وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَلَقَّتِ الملائكةُ رُوحَ رجلٍ ممن كان قبلكم، فقالوا: عَمِلْتَ من الخير شيئاً؟ قال: لا، قالوا: تذكَّرْ، قال: كنت أُداين الناسَ فآمر فتياني أنْ يُنظِروا المعسرَ، ويتجوَّزوا عن الموسرِ، قال الله: تجاوزوا عنه". رواه البخاري ومسلم، واللفظ له. وفي رواية لمسلم وابن ماجه عن حذيفة أيضاً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنَّ رجلاً ماتَ فدخلَ الجنةَ، فقيل له: ما كنتَ تعملُ؟ قال: فإمَّا ذَكَر   (1) الأول بهمزة ممدودة على الاستفهام، أي: بالله، والثاني بلا مد، والهاء منهما مكسورة. (2) الأول بهمزة ممدودة على الاستفهام، أي: بالله، والثاني بلا مد، والهاء منهما مكسورة. الحديث: 903 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 وإمَّا ذُكِّر، فقال: كنتُ أبايعُ الناسَ، فكنت أُنظِر المعسرَ، وأتجوَّز في السَّكَّةِ، أو في النقدِ، فَغُفِرَ له". وفي رواية للبخاري ومسلم عنه أيضاً قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ رجلاً ممن كان قبلكم أتاه الملَكُ لِيَقْبضَ رُوحه، فقال: هل عملتَ من خير؟ قال: ما أعلم، قيل له: انظر، قال: ما أعلم شيئاً، غير أنِّي كنت أبايع الناس في الدنيا، فأُنظر الموسرَ، وأتجاوز عن المعسر، فأدخلَه اللهُ الجنةَ". فقال أبو مسعود: وأنا سمعته يقول ذلك. [صحيح] وعنه قال: "أُتِيَ اللهُ بعبدٍ من عبادِه آتاه الله مالاً، فقال له: ماذا عملتَ في الدنيا - قال: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} - قال: يا رب! آتيتني مالاً، فكنتُ أبايعُ الناسَ، وكان من خُلُقي الجَوازُ، فكنت أيَسِّرُ على الموسِرِ، وأُنظِر المُعسرَ. فقال الله تعالى: أنا أحق بذلك منك، تجاوزوا عن عبدي". فقال عقبة بن عامر وأبو مسعود الأنصاري (1): هكذا سمعناه من في رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه مسلم هكذا موقوفاً على حذيفة، ومرفوعاً عن عقبة وأبي مسعود. 905 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كان رجلٌ يُدايِنُ الناسَ، وكان يقول لفتاه: إذا أتَيْتَ معسراً فتجاوزْ   (1) كذا وقع في "مسلم": (عقبة بن عامر) و (أبو مسعود. .)، وهو وهم من بعض رواته لم يتنبه له المؤلف هنا ولا في "16 - البيوع/ 7"، لكن نبَّه على ذلك الحفاظ كالدارقطني وغيره، والصواب: عقبة بن عمرو أبو مسعود الأنصاري، ليس لعقبة بن عامر فيه ذكر. راجع له "شرح مسلم" للنووي، و"تحفة الأشراف" (3/ 25 - 26) للمزي، ولولا ذلك لأعطيته رقماً خاصاً من أجل ابن عامر. فتنبه. وغفل عن هذا المعلقون الثلاثة كدأبهم! الحديث: 905 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 عنه، لعل الله عز وجل يتجاوزُ عنا، فلقيَ اللهَ، فتجاوزَ عنه". رواه البخاري ومسلم والنسائي، ولفظه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ رجلاً لم يعمل خيراً قط، وكان يُداينُ الناسَ، فيقولُ لرسولِه: خذ ما تيسر، واترك ما عَسُر، وتجاوزْ، لعل الله يتجاوز عنا، فلما هلك قال الله له: هل عملتَ خيراً قط؟ قال: لا، إلا أنَّه كان لي غلام، وكنت أداين الناسَ، فإذا بعثتُه يتقاضى قلت له: خذ ما تيسر، واترك ما عَسُر، وتجاوزْ، لعل الله يتجاوز عنا. قال الله تعالى: قد تجاوزتُ عنك". 906 - (4) [صحيح] وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "حوسِبَ رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء، إلا أنَّه كان يخالطُ الناسَ، وكان موسراً، وكان يأمر غِلمانه أنْ يتجاوزوا عن المعسر، قال الله تعالى: نحن أحق بذلك، تجاوزوا عنه". رواه مسلم والترمذي. 907 - (5) [صحيح] وعن بُرَيدةَ رضي الله عنه قال سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من أَنْظَرَ معسراً؛ فله كلَّ يومٍ مثلَه صدقةٌ". ثم سمعته يقول: "من أنظر معسراً؛ فله كل يوم مثليه صدقة". فقلت: يا رسول الله! سمعتك تقول: "من أنظر معسراً فله كل يوم مثله صدق"، ثم سمعتك تقول: "من أنظر معسراً؛ فله كل يوم مثليه صدقة". قال له: الحديث: 906 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 "كل يوم مثله صدقة قبل أنْ يحل الدَّين، فإذا حل فَأنْظَرَهُ، فله كل يوم مثليه صدقة". رواه الحاكم، ورواته محتج بهم في "الصحيح"، ورواه أحمد أيضاً وابن ماجه والحاكم مختصراً: "من أنظر معسراً؛ فله كل يوم صدقة قبل أنْ يحل الدين، فإذا حَلَّ الدَّين فَأَنْظَرَهُ بعد ذلك؛ فله كل يوم مثليه صدقة". وقال الحاكم: "صحيح على شرطهما". 908 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من نفَّس عن مسلم كُربة من كُرَبِ الدنيا؛ نَفسَّ الله عنه كُربة من كُرَبِ يوم القيامة، ومن يسَّر على معسِرٍ في الدنيا؛ يَسَّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم في الدنيا؛ ستر اللهُ عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". رواه مسلم وأبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي وابن ماجه مختصراً، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". [مضى 3 - العلم/ 1]. 909 - (7) [صحيح] وعنه أيضاً قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أنظر مُعسِراً أو وضع له؛ أظلَّه اللهُ يوم القيامة تحت ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". ومعنى (وضع له) أي: ترك له شيئاً مما له عليه. الحديث: 908 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 910 - (8) [صحيح] وعن أبي اليَسَرِ رضي الله عنه قال: أبصرَت عيناي هاتان -ووضع إصبعيه على عينيه-، وسمعتْ أذناي هاتان -ووضع إصبعيه في أذنيه- ووعاه قلبي هذا -وأشار إلى نياط (1) قلبه- رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من أنظر معسراً، أو وضع له؛ أظله الله في ظله". رواه ابن ماجه والحاكم -واللفظ له- وقال: "صحيح على شرط مسلم". (2) 911 - (9) [صحيح] وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من نفَّس عن غريمه، أو محا عنه؛ كان في ظل العرش يوم القيامة". رواه البغوي في "شرح السنة"، وقال: "هذا حديث حسن". (3) وتقدم في أول الباب بنحوه.   (1) بكسر النون: عِرْق متصل بالقلب من الوتين، إذا قطع مات صاحبه. (2) قلت: قد أخرجه مسلم في آخر "صحيحه" (8/ 231 - 232). ثم هو عند ابن ماجه مختصر، فلا وجه لاستدراك الحاكم له على مسلم، ولا لإقرار المؤلف إياه وإنْ تبعه الذهبي! (3) قلت: لقد أبعد المصنف النجعة، فالحديث رواه الدارمي (2/ 261)، وأحمد (5/ 300 و308) بإسناد صحيح. وهو في "شرح السنة" (8/ 199/ 2143) من طريق الدارمي. فكان عزوه إليه أولى. ولم يتنبه لهذا المعلق على "شرح السنة"، وتجاهله المعلقون الثلاثة! وزادوا -ضغثاً على إبالة- فقلدوا -جهلاً منهم- التحسين دون التصحيح المصرح به في الطبعة السابقة!! ومنها نقلوا عزوه للدارمي وأحمد!! دون أن ينسبوه لصاحبه! وراجع المقدمة إن شئت! لترى العجب العجاب من السرقات! الحديث: 910 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 912 - (10) [صحيح لغيره] وروي عن أسعدَ بنِ زُرارة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من سره أنْ يُظِلَّه الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فلُيُيَسِّر على معسر، أو ليَضَعْ عنه". رواه الطبراني في "الكبير"، وله شواهد. 913 - (11) [صحيح لغيره] وروي عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من أنظرَ معسراً، أوْ تصدق عليه؛ أظله اللهُ في ظلِّه يومَ القيامةِ". رواه الطبراني في "الأوسط". الحديث: 912 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 15 - (الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرماً، والترهيب من الإمساك والادخار شحاً). 914 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من يوم يُصبحُ العبادُ فيه إلاّ ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقاً خلَفاً، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً". (1) رواه البخاري ومسلم. [صحيح] وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: "إن مَلَكاً ببابٍ من أبوابِ الجنةِ يقول: من يُقْرِضِ اليومَ يُجْزَ غداً، ومَلَكٌ بباب آخر يقول: اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تَلَفاً". (2) 915 - (2) [صحيح] وعنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال الله تعالى: يا عبدي أنَفِقْ أُنفِقْ عليك. و-قال:- يد الله (3) ملأى   (1) قال النووي في شرح مسلم: "قال العلماء: هذا في الإنفاق في الطاعات ومكارم الأخلاق، وعلى العيال والضيفان والصدقات ونحو ذلك، بحيث لا يذم، ولا يسمى سرفاً، والإمساك المذموم هو الإمساك عن هذا". (2) هنا في الأصل ما نصه: "ورواه الطبراني مثل ابن حبان؛ إلا أنه قال: (بباب من أبواب السماء) "، فحذفته لأنه عند الطبراني في "الأوسط" (8/ 380/ 8935) عن شيخه (مقدام)، وهو ابن داود الرعيني، قال النسائي: "ليس بثقة". ولفظ ابن حبان مخرج في "الصحيحة" (920). (3) كذا وقع في رواية للبخاري، والسياق له في "التفسير"، ولفظ مسلم في روايتيه (3/ 77): "يمين الله"، وهو رواية للبخاري في "التوحيد"، وكذلك رواه الترمذي برقم (3048)، وابن ماجه (1/ 87)، وأحمد (2/ 242 و317 و500)، ويؤيدها الزيادة التي ألحقتها بالحديث، كما يأتي، وهي لمسلم والآخرين، ورواية للبخاري، وقال الحافظ عقبها: "ويتعقب بها على من فسر اليد هنا بالنعمة. وأبعد منه من فسرها بالخزائن، وقال: أطلق اليد على الخزائن لتصرفها فيها". ثم إنَّه ليس عند الشيخين: "يا عبدي"، والظاهر أنَّ المؤلف رواه بالمعنى، فإنَّه عند مسلم بلفظ: "يا ابن آدم"، وهو رواية للبخاري (9/ 411)، وأحمد (2/ 242)، وفي أخرى له (2/ 314)، ومسلم أيضاً: "إنَّ الله قال لي". الحديث: 914 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 لا يَغيضُها نفقة، سَحّاءُ (1) الليلَ والنهارَ، أرأيتم ما أنفقَ منذ خَلَقَ السماواتِ والأرض؛ فإنَّه لم يَغِضْ ما بيده، وكان عرشه على الماء، وبيده [الأخرى] الميزان، يَخفِض ويَرفَع". رواه البخاري ومسلم. (لا يغيضها) بفتح أوله؛ أي: لا ينقصها. 916 - (3) [صحيح] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا ابن آدم إنَّك أن تَبذُلَ الفضلَ خيرٌ لك، وأن تُمسكه شرٌّ لك، ولا تلامُ على كفافٍ، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى". رواه مسلم والترمذي. [مضى هنا 4 - باب/ 39 - رقم (40)]. (الكفاف) بفتح الكاف: ما كفَّ عن الحاجة إلى الناس مع القناعة، لا تزيد على قدر الحاجة. و (الفضل): ما زاد على قدر الحاجة. 917 - (4) [صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما طلعت شمسٌ قط إلا وبجَنْبَتَيهَا مَلكَان يناديان: اللهم مَن أنفق فَأَعْقِبه خلفاً، ومن أمسك فأَعْقِبه تلفاً". رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم بنحوه، وقال:   (1) قال النووي: "ضبطوا (سحاء) بوجهين: أحدهما (سحاً) بالتنوين على المصدر، وهذا هو الأشهر. والثاني: حكاه القاضي: (سحاء) بالمد على الوصف، ووزنه فعلاء، و (السح): الصبُّ الدائم. قلت: وهذا مما يؤمن به على حقيقته اللائقة به تعالى، ولا يبحث في كيفيته كسائر صفاته عز وجل. الحديث: 916 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 "صحيح الإسناد". [حسن] والبيهقي من طريق الحاكم، ولفظه -في إحدى رواياته-: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِن يومٍ طلعت شمسُه إلا وكان بجَنْبَتَيْها مَلَكان يناديان نداءً يسمعه ما خلق الله كلُّهم غيرُ الثقلين: "يا أيها الناس هَلُمُّوا إلى ربكم؛ فإنَّ ما قَلَّ وكفى، خيرٌ مما كثُرَ وألهى". ولا آبت الشمسُ إلا وكان بجنْبَتَيها مَلَكان يناديان نداءً يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين: "اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، وأعطِ ممسكاً تلَفاً"، وأنزل الله في ذلك قرآناً في قول المَلَكين: "يا أيها الناس هلموا إلى ربكم" في سورة {يونس}: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وأنزل في قولهما: "اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، وأعطِ ممسكاً تلفاً: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} -إلى قوله: {لِلْعُسْرَى} ". 918 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مثلُ البخيلِ والمنفقِ كمثلِ رجلين عليهما جُنَّتان مِن حديد، مِن ثُدِيِّهما إلى تراقيهما، فأما المُنفقُ فلا يُنفقُ؛ إلا سَبَقَتْ أو وَفَرَتْ على جلده حتى تُخفِيَ بنانَه، وتعفُوَ أثَرَه، وأما البخيلُ فلا يريدُ أنْ يُنفقَ شيئاً؛ إلا لزمت كلُّ حلقة مكانها، فهو يوسعها فلا تتسع". رواه البخاري ومسلم. [مضى 9 - باب/ رقم (15)]. (الجُنة) بضم الجيم: ما أجن المرء وستره، والمراد به ها هنا الدرع. ومعنى الحديث: أن المنفق كلما أنفق طالت عليه وسبغت، حتى تستر بنان رجليه ويديه، والبخيل كلما أراد أنْ ينفق لزمت كل حلقة مكانها، فهو يوسعها ولا تتسع، شبه الحديث: 918 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِعَمَ الله تعالى ورزقه بالجُنة -وفي رواية (بالجبة) - فالمنفق كلما أنفق اتسعت عليه النعم، وسبغت ووفرت، حتى تستره ستراً كاملاً شاملاً، والبخيل كلما أراد أن ينفق منعه الشح والحرص، وخوف النقص، فهو يمنعه، يطلب أنْ يزيد ما عنده وأنْ تتسع عليه النعم فلا تتسع، ولا تستر منه ما يروم ستره. والله سبحانه وتعالى أعلم. 919 - (6) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الأخلاّءُ ثلاثةٌ: فأمَّا خليلٌ فيقول: أنا معك [حتى تأتيَ باب الملكِ، ثم أرجعُ وأتركُك، فذلك أهلُك وعشيرتُك، يشيّعونَك] (1) حتى تأتيَ قَبرَك، [ثم يرجعون فيتركونك] (2)، وأمًا خليلٌ فيقول: لكَ ما أُعطيتَ، وما أمسكتَ فليس لك، فذلك مالُك، وأمَّا خليلٌ فيقول: أنا معك حيث دخلْتَ، وحيث خرجْتَ، فذلك عمله، فيقول: والله لقد كنتَ من أهون الثلاثة عليَّ". رواه الحاكم، وقال: "صحيح على شرطهما، ولا علة له". 920 - (7) [صحيح] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيكم مالُ وارثِه أحبُّ إليه من مالِه؟ ". قالوا: يا رسول الله! ما منّا أحدٌ إلا مالُه أحبُّ إليه من مال وارثه. قال: "فإنَّ مالَه ما قدم، ومال وارثه ما أخر". رواه البخاري والنسائي. 921 - (8) [صحيح لغيره] وعنه قال: دخل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بلالٍ وعنده صُبْرةٌ من تمر، فقال:   (1) سقطتا من الأصل، واستدركتها من "المستدرك" (1/ 74). ثم إنَّ هذه الفقرة هي الثانية في سياقه، والثانية هنا، هي الأولى عنده. وكذلك الأمر في "المجمع" من رواية البزار و"الأوسط". ولم يستدرك هذا السقط المحققون الثلاثة كعادتهم! (2) سقطتا من الأصل، واستدركتها من "المستدرك" (1/ 74). ثم إنَّ هذه الفقرة هي الثانية في سياقه، والثانية هنا، هي الأولى عنده. وكذلك الأمر في "المجمع" من رواية البزار و"الأوسط". ولم يستدرك هذا السقط المحققون الثلاثة كعادتهم! الحديث: 919 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 "ما هذا يا بلالُ؟ ". قال: أُعِدَّ ذلك لأضيافك. قال: "أمَا تخشى أنْ يكون لك دخان في نار جهنم؟! أنفق بلالُ! ولا تخش من ذي العرش إقلالا". رواه البزار بإسناد حسن، والطبراني في "الكبير" وقال: "أمَا تخشى أنْ يفور له بخار في نار جهنم؟! ". 922 - (9) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عاد بلالاً فأخرج له صُبَراً من تمر، فقال: "ما هذا يا بلال؟ ". قال: ادَّخرتُه لك يا رسول الله! قال: "أمَا تخشى أنْ يُجعل لك بخارٌ في نار جهنم؟! أنفق يا بلال! ولا تخش من ذي العرش إقلالا". رواه أبو يعلى، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بإسناد حسن. 923 - (10) [صحيح] وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قال لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تُوكي فيوكى عليكِ". وفي رواية: "أنفقي أو انفَحي أو انضَحي، ولا تُحصي فيحصي الله عليكِ، ولا تُوعي فيُوعي اللهُ عليك". رواه البخاري ومسلم وأبو داود. (انْفحي) بالحاء المهملة، و (انضحي) و (أنفقي) الثلاثة بمعنى واحد. وقوله: (لا توكي)؛ قال الخطابي: الحديث: 922 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 "لا تدخري، و (الإيكاء): شد رأس الوعاء بـ (الوكاء)، وهو الرباط الذي يربط به، يقول: لا تمنعي ما في يدك، فتقطع مادة بركة الرزق عنك" انتهى. (1) 924 - (11) [صحيح] وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا حسدَ إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله مالاً؛ فسلَّطَه على هَلَكَتِه في الحق، ورجلٌ آتاه الله حكمةً؛ فهو يقضي بها وُيعلِّمها". [مضى 3 - العلم/ 1]. وفي رواية: "لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله القرآن؛ فهو يقُومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهار، ورجلٌ آتاه الله مالا؛ فهو يُنفقه آناءَ الليل وآناءَ النهار". رواه البخاري ومسلم. والمراد بـ (الحسد) هنا: الغبطة، وهو تمني مثل ما للمغْتبَط، وهذا لا بأس به، وله نيته، فإنْ تمنى زوالها عنه فذلك حرام، وهو الحسد المذموم. 925 - (12) [حسن صحيح] وعن طلحة بن يحيى عن جَدته سُعْدى (2) قالت: دخلتُ يوماً على طلحة (3) -تعني ابن عبيد الله-، فرأيت منه ثِقلاً، فقلت له: ما لك؟! لعلك رَابَكَ منا شيء فَنُعْتِبَكَ؟ (4) قال: لا، ولَنِعمَ حَليلةُ المرءِ المسلمِ أنتِ، ولكنْ اجتمع عندي مالٌ، ولا أدري كيف أصنع به؟ قالت: وما يَغُمُّكَ منه؟ ادع قومَكَ، فاقسمه بينهم. فقال: يا غلام! عليَّ بقومي. فسألتُ الخازنَ: كم قَسمَ؟ قال: أربعمئة ألف. رواه الطبراني بإسناد حسن.   (1) يعني كلام الخطابي، وهو في "المعالم" (2/ 263). (2) وهي امرأة طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، كما في الخبر نفسه عند الطبراني، اختصره المؤلف رحمه الله. (3) كذا الأصل، وفي "الطبراني": "دخل عليّ يوماً طلحة". وكذا في "الحلية". (4) أي: نعطيك (العتبى)، وهو الرجوع عن الإساءة إلى ما يرضي القلب. الحديث: 924 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 926 - (13) [حسن موقوف]: وعن مالك الدار: أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربعَمئة دينار، فجعلها في صُرةٍ، فقال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدةَ بن الجراحِ، ثم تَلَهَّ في البيتِ ساعةً؛ تنظر ما يصنع؟ فذهب بها الغلام إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتِك. فقال: وصَلَهُ الله ورحمَهُ، ثم قال: تعالي يا جارية! اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى أنفذها، ورجعَ الغلامُ إلى عمَر، فأخبره، فوجده قد أعدَّ مثلها لمعاذ بن جبل، فقال: اذهب بها إلى معاذ بن جبل، وتَلَهَّ في البيت [ساعةً] حتى تنظر ما يصنع؟ فذهب بها إليه، فقال: يقولُ لك أميرُ المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال رحمه الله ووصله، تعالي يا جارية! اذهبي إلى بيت فلان بكذا، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، فاطّلعت امرأةُ معاذ وقالت: نحن والله مساكينُ؛ فأعطنا، فلم يبقَ في الخرقةِ إلا ديناران، فدحى بهما إليها، ورجع الغلامُ إلى عمرَ فأخبره، فسُرَّ بذلك، فقال: إنهم إخوة، بعضهم من بعض. رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته إلى مالك الدار ثقات مشهورون، ومالك الدار لا أعرفه. (1)   (1) وكذا قال الهيثمي! وهو من غرائبهما، وبخاصة الهيثمي الذي له عناية خاصة بكتاب "الثقات" لابن حبان، حيث رتبه على الحروف، وهو كثير الاعتماد عليه، وقد أورده في طبقة التابعين من "الثقات" (5/ 384)، فقال: "مالك بن عياض الدار. يروي عن عمر بن الخطاب، روى عنه أبو صالح السمان". وكذا في "تاريخ البخاري" (4/ 304/1 - 305)، و"الجرح"، وقرن مع عمر (أبا بكر الصديق)، وكذا في = الحديث: 926 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 (تَلَهَّ): هو بفتح التاء المثناة فوق، واللام أيضاً، وتشديد الهاء؛ أي: تشاغل. و (دحى بهما) بالحاء المهملة؛ أي: رمى بهما. 927 - (14) وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كانت عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعةُ دنانير وضعها عند عائشة، فلما كان عند مرضه قال: "يا عائشة! ابعثي بالذهب إلى علي". ثم أغميَ عليه، وشَغَلَ عائشةَ ما به، حتى قال ذلك مراراً، كلُّ ذلك يُغمى على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيشغَلُ عائشةَ ما به، فبعث إلى علي، فتصدق بها، وأمسى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الاثنين في جديد (1) الموت، فأرسلت عائشة بمصباح لها إلى امرأة من نسائها، فقالت: أهدي (2) لنا في مصباحنا من عُكَّتِك السمنَ، فإنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمسى في جديد الموت. رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات محتج بهم في "الصحيح". 928 - (15) [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث عائشة بمعناه. (3)   = "طبقات ابن سعد" (5/ 12) وقال: "روى عنه أبو صالح السمان، وكان معروفاً". وقد روى عنه ثقة آخر، وهو (عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع)، وهو الراوي لهذه القصة عنه. أخرجها ابن المبارك في "الزهد" (178/ 511)، وعنه عبد الله بن أحمد في زوائد "الزهد" (ص 274)، وكذا الطبراني في "المعجم الكبير" (20/ 33/ 46)، وعنه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 237)، وقيل إنه روى عنه آخران، وفيه نظر ذكرته في "تيسير الانتفاع". (1) بالجيم؛ أي: أوله، ولم يعرفه المعلق على الأصل، فحرفه إلى "حديد" بالحاء المهملة، وهو الخطأ، انظر الرد عليه في "الصحيحة" (2653). (2) كذا وقع هنا و"كبير الطبراني" و"المجمع" أيضاً، وفي "طبقات ابن سعد" (اقطري)، ولعله الصواب. (3) قلت: لكن ليست فيه قصة الموت والمصباح، وهو مخرج في المصدر السابق. الحديث: 927 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 929 - (16) [صحيح] وعن عبد الله بن الصامت قال: كنتُ مع أبي ذر رضي الله عنه، فخرج عطاؤه، ومعه جاريةٌ له، قال: فجعلتْ تقضي حوائجَه، ففضل معها سبعةٌ، فأمرها أنْ تشتري به فلوساً. قال: قلت: لو أَخّرتَه للحاجهْ تَنُويُك، أو للضيف ينزل بك؟ قال: إنَّ خليلي عَهِد إلي: "أيما ذهبٍ أو فضةٍ أُوكِئَ عليه، فهو جمرٌ على صاحبه حتى يُفرِغَه في سبيل الله عز وجل". رواه أحمد، ورجاله رجال "الصحيح". ورواه أحمد أيضاً، والطبراني باختصار القصة، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من أوكى على ذهبٍ أو فضةٍ، ولم يُنفِقْه في سبيلِ الله؛ كان جَمراً يومَ القيامةِ يُكْوى به". هذا لفظ الطبراني. ورجاله أيضاً رجال "الصحيح". 930 - (17) [صحيح] وعن أنس قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يدَّخِر شيئاً لغدٍ. رواه ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي؛ كلاهما من رواية جعفر بن سليمان الضُّبَعي عن ثابت عنه. (1)   (1) لقد أبعد المصنف النجعة، فالحديث عند الترمذي -كما نبه الناجي-، وهو في "سننه" (3/ 272)، وفي "الشمائل" أيضاً (2/ 213) من هذا الوجه، وسنده صحيح، والضبعي ثقة لا عيب فيه، إلا أنَّه كان يتشيع. الحديث: 929 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 931 - (18) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما أُحب أنَّ لي أُحداً ذهباً، أبقى صبحَ ثالثةٍ وعندي منه شيءٌ، إلا شيءٌ أُعِدُّه لِدَيْن". رواه البزار من رواية عطية عن أبي سعيد، وهو إسناد حسن، وله شواهد كثيرة. 932 - (19) [حسن صحيح] وعن [عباس بن] عبيد (1) الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي أبو ذر: يا ابنَ أخي! كنتُ مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخذاً بيده، فقال لي: "يا أبا ذرٍ ما أُحبُّ أنَّ لي أُحُداً ذهباً وفضةً، أُنفِقُه في سبيل الله، أموتُ يومَ أموتُ أدعُ منه قِيراطاً". قلت: يا رسول اللهِ قنطاراً؟ قال: "يا أبا ذر! أذهبُ إلى الأقلِّ، وتذهبُ إلى الأكثرِ! أريدُ الآخرة، وتُريدُ الدنيا؟! قيراطاً؟! ". فأعادها عليَّ ثلاث مرات. رواه البزار بإسناد حسن. 933 - (20) [حسن صحيح] وعنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التفتَ إلى أُحدٍ فقال: "والذي نفسي بيده ما يسرني أنَّ أُحداً تحوَّلَ لآلِ محمدٍ ذهباً أُنفِقُه في سبيل اللهِ، أموتُ يومَ أموت أدَعُ منه دينارين، إلا دينارين أُعِدُّهما للدَّين إنْ كان". رواه أحمد وأبو يعلى، وإسناد أحمد جيد قوي.   (1) الأصل "عبد"، والمخطوطة، وهو خطأ لم يتنبه له المعلقون الثلاثة! والتصحيح من "كشف الأستار" و"مجمع الزوائد" و"مختصر الزوائد" و"البحر الزخار" (9/ 342/ 3899). والزيادة من كتب الرجال. وقد خرجته في "الصحيحة" (3491). الحديث: 931 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 934 - (21) [صحيح] وعن قيس بن أبي حازم قال: دخلتُ على سعد بن مسعود نعوده، فقال: "ما أدري ما يقولون؟ ولكنْ ليت ما في تابوتي هذا جمر! ". فلما مات نظروا، فإذا فيه ألف أو ألفان. رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن. 935 - (22) [صحيح لغيره] وعن أبي أمامة رضي الله عنه: أن رجلاً تُوُفيّ على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلم يُوجد له كفن، فأُتِي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: انظروا إلى داخِلَةِ إزاره، فأُصيب دينارٌ أو ديناران، فقال: "كَيَّتان". وفي رواية: توفي رجلٌ من أهل الصُّفَّة، فوُجِدَ في مئزره دينارٌ، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كية". ثم توفي آخر، فوجد في مئزره ديناران، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كيتان". رواه أحمد والطبراني من طرق، ورواة بعضها ثقات أثبات؛ غير شهر بن حوشب. 936 - (23) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: توفي رجل من أهل الصُّفَّة، فوجدوا في شَملته دينارين، فذكروا ذلك للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "كيَّتان". رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه". الحديث: 934 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 (قال الحافظ): "وإنما كان كذلك لأنَّه ادخر مع تلبسه بالفقر ظاهراً، ومشاركته الفقراء فيما يأتيهم من الصدقة. والله أعلم". 937 - (24) [صحيح] وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كنت جالساً عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأُتيَ بجنازة، ثم أُتيَ بأُخرى، فقال: "هل ترك من دَين؟ ". قالوا: لا. قال: "فهل ترك شيئاً؟ ". قالوا: نعم، ثلاثة دنانير، فقال بإصبعه: "ثلاث كيات" الحديث. رواه أحمد بإسناد جيد واللفظ له (1)، والبخاري بنحوه، وابن حبان في "صحيحه".   (1) قلت: وهو من ثلاثياته، كما هو من ثلاثيات البخاري، لكنْ ليس عنده (4/ 368 - 369) قوله: "ثلاث كيات". وهو مخرَّج في "أحكام الجنائز" (صفحة 110 - 111/ المعارف). الحديث: 937 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 16 - (ترغيب المرأة في الصدقة من مال زوجها إذا أذِن، وترهيبها منها ما لم يأذَن). 938 - (1) [صحيح] عن عائشة رضي الله عنها؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا أنفقت المرأةُ من طعام بيتها (1) غيرَ مُفسِدةٍ؛ كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجرُهُ بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك؛ لًا يَنقصُ بعضُهم من أجر بعضٍ شيئاً". رواه البخاري ومسلم -واللفظ له-، وأبو داود وابن ماجه والترمذي والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، وعند بعضهم: "إذا تصدقت" بدل: "أنفقت". 939 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يحل للمرأةِ أن تصومَ وزوجُها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه (2)، [وما أنفَقَتْ من نفقةٍ عن غير أمرِه، فإنه يؤدّى إليه شطرُه] (3) ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود. وفي رواية لأبي داود:   (1) قيد به لأنّه يُسمح به عادة، بخلاف الدارهم للدنانير، فإنَّ إنفاقها منها لا يجوز إلا بالإذن. وقوله: "غير مفسدة" نصب على الحال، فإنْ أنفقت وتجاوزت المعتاد فلا يجوز لها ذلك. وقوله: "وللخازن مثل ذلك"، (الخازن): هو الذي يكون بيده حفظ الطعام والمأكول من خادم وغيره. والله أعلم. (2) أي: لا تأذن في بيت زوجها لرجل، ولا لامرأة يكرهها زوجها، لأنَّ ذلك يوجب سوء الظن، ويبعث على الغيرة التي هي سبب القطيعة. (3) زيادة من "صحيح البخاري - النكاح"، ولعلها سقطت من بعض النساخ، لأن الشاهد إنما هو فيها، وهو مما فات المعلقين الثلاثة، رغم أنهم عزوه للبخاري برقمه (5195)! والمراد بقوله: "شطره" أي: نصف الأجر، كما يدل على ذلك سائر روايات الحديث، ومنها راوية أبي داود الآتية، وراجع "فتح الباري" (2609). الحديث: 938 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 أن أبا هريرة سُئِلَ عن المرأةِ: هل تَتَصَدَّق من بيتِ زوجها؟ قال: لا؛ إلا من قُوتها، والأجرُ بينهما، ولا يحل لها أنْ تتصدقَ من مالِ زوجها إلا بإذنِه. (1) 940 - (3) [حسن صحيح] وعن عبدِ الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يجوزُ لامرأةٍ عطيةٌ إلا بإذنِ زوجِها". رواه أبو داود والنسائي من طريق عمرو بن شعيب. 941 - (4) [صحيح] وعن أسماء رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسولَ الله! ما لي مالٌ إلا ما أدخلَه عليَّ الزبيرُ، أفأتصدقُ؟ قال: "تصدقي ولا تُوعي؛ فَيوعَى عليك". وفي رواية أنَّها جاءت النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فقالت: يا نبي الله! ليس لي شيءٌ إلا ما أَدخلَ عليَّ الزبيرُ، فهل عليَّ جُناحٌ أنْ أرضخ مما يُدخِلُ عليَّ؟ قال: "ارضَخي ما استطعت، ولا تُوعي؛ فيوعي الله عليك". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.   (1) هنا في الأصل: "زاد رزين العبدري في "جامعه" فإنْ أذن لها فالأجر بينهما، فإنْ فعلت بغير إذنه؛ فالأجر له، والإثم عليها" ولما لم أجد له ما يقويه فقد حذفته، وقد رواه الطيالسي في "مسنده" (263/ 1951) في حديث لابن عمر فيه (ليث)، وهو ابن أبي سليم -ضعيف. الحديث: 940 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 942 - (5) [صحيح] وعن عائشة (1) عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا تصدَّقتِ المرأةُ من بيتِ زوجِها كان لها أجرٌ، ولزوجها مثلُ ذلكَ، [وللخازن مثل ذلك، و] لا ينقصُ كلُّ واحد منهما من أجرِ صاحبهِ شيئاً؛ له بما كسب، ولها بما أنفقت". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". 943 - (6) [حسن] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول في خطبت عام حجة الوداع: "لا تُنفقُ امرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذنِ زوجِها". قيل: يا رسول الله! ولا الطعام؟ قال: "ذلك أفضل أموالِنا". رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن".   (1) قلت: الأصل: (عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده)، وهو خطأ ظاهر، إذ ليس هو عند الترمذي من حديث عمرو بن شعيب. . وإنما من حديث عائشة (671)، وقد نبه على ذلك الناجي في "عجالته" (119/ 2)، وهو حديثها المتقدم أول الباب، وهذا أحد لفظيه عنده، والزيادة منه، والآخر نحو المتقدم. وأما قول المعلقين الثلاثة أنه حديث أبي أمامة الآتي بعده، فمن أوهامهم، فإنه حديث آخر كما هو ظاهر. الحديث: 942 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 17 - (الترغيب في إطعام الطعام، وسقي الماء، والترهيب من منعه). 944 - (1) [صحيح] عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ رجلاً سأَل رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أيُّ الإسلامِ خيرٌ؟ قال: "تُطعمُ الطعامَ، وتَقرأُ السلامَ على من عرفتَ، ومَن لم تعرِف". (1) رواه البخاري ومسلم والنسائي. 945 - (2) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اعبدوا الرحمن، وأطعموا الطعامْ، وأفشوا السلامْ، تدخلوا الجنة بسلامْ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". 946 - (3) [صحيح] وعنه أيضاً عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن في الجنة غُرفاً يُرى ظاهرُها من باطِنها، وباطنُها من ظاهرِها".   (1) في الحديث فوائد عظيمة ينبغي للمؤمن أنْ يعيها ويتصف بها، لأنَّها من مكارم الأخلاق، ومن حميد العادات، نسأل الله تعالى أنْ يوفقنا للعمل بها. منها الحث على إطعام الطعام الذي هو أمارة الجود والسخاء، مكارم الأخلاق، وفيه نفع للمحتاجين، وسد الجوع الذي استعاذ منه الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ومنها إفشاء السلام الذي يدل على خفض الجناح للمسلمين والتواضع، والحث على تألف قلوبهم، واجتماع كلمتهم، وتوادهم ومحبتهم. ومنها الإشارة إلى تعميم السلام، وهو أنْ لا يخص به أحداً دون أحد، كما يفعله الجبابرة وأصحاب الكبر والأنفة، لأنَّ المؤمنين كلهم إخوة، وهم متساوون في رعاية الأخوة. ثم هذا العموم خاص بالمسلمين، فلا يسلم ابتداءً على كافر؛ لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه". رواه مسلم والبخاري في "الأدب المفرد" وغيرهما، وهو مخرَّج في "الصحيحة" (704). الحديث: 944 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 فقال أبو مالك الأشعري: لمن هذا يا رسول الله؟ قال: "لمن أطابَ الكلامْ، وأطعم الطعامْ، وبات قائماً والناسُ نيامْ". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". 947 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ في الجنةِ غُرفاً يُرى ظاهرُها من باطنها، وباطنُها من ظاهرِها، أعدَّها الله تعالى لمن أطعمَ الطعامْ، وأفشى السلامْ، وصلَّى بالليلِ والناسُ نيامْ". رواه ابن حبان في "صحيحه". [مضى والذي قبله 6 - النوافل/ 11]. 948 - (5) [حسن صحيح] وعن حمزة بن صهيب عن أبيه رضي الله عنه قال: قال عمر لصهيب: فيك سَرف في الطعام! فقال: إنِّي سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "خيارُكم من أطعمَ الطعامَ". رواه أبو الشيخ ابن حيان في "كتاب الثواب"، وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل، ومن لا يحضرني الآن حاله. (1) 949 - (6) [صحيح] وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: أولُ ما قدمَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينةَ انجفلَ الناسُ إليه، فكنتُ فيمن جاءه، فلما تأملتُ وجهه واستَثْبَتُه، علمتُ أنَّ وَجهه ليس بوجهِ كذابٍ، قال: وكان   (1) لقد أبعد النُّجعة، فقد رواه أحمد والحاكم من طريق ليس فيها من لا يعرف، وصححه الحاكم والذهبي والضياء في "المختارة"، كما هو مبين في "الصحيحة" (رقم 44)، وقد فات هذا الاستدراك المعلقين الثلاثة، وأفرد المؤلف على أن فيه من لا يعرف حاله، ومع ذلك قالوا: "حسن"! ولقد وهم المعلق على "تهذيب المزي" وهماً فاحشاً فقال (7/ 330): "حديث صحيح متفق عليه"! وأظنه اختلط عليه بحديث ابن عمرو المتقدم في أول الباب. والمعصوم من عصمه الله عز وجل. الحديث: 947 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 أولُ ما سمعتُ من كلام أنْ قال: "أيها الناس! أفشوا السلامْ، وأطعموا الطعامْ، وصَلُّوا بالليل والناس نيامْ؛ تدخلوا الجنةَ بسلامْ". رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح"، وابن ماجه، والحاكم وقال: "صحيح على شرط الشيخين". [مضى 6 - النوافل/ 11]. (انجفل الناس) بالجيم، أي: أسرعوا ومضوا كلهم. (اسْتَثْبتُّه) أي: تحققته وتبينته. وتقدمت أحاديث من هذا الباب في "الوضوء" و"الصلاة" وغيرهما، ويأتي أحاديث أُخر في "السلام" و"طلاقة الوجه" إنْ شاء الله تعالى. 950 - (7) [صحيح] وعن عائشة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله ليُرَبِّي لأحدِكم التمرةَ واللقمةَ كما يُرَبِّي أحدُكم فُلُوَّه أو فصيلَه، حتى يكون مثل أُحد". رواه ابن حبان في "صحيحه". وتقدم [9 - باب/ 2 رقم (2)]. 951 - (8) [صحيح] وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: جاء أعرابيٌّ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسولَ اللهِ! علمني عملاً يدخلني الجنة، قال: "إنْ كنتَ أقصَرْتَ الخطبة؛ لقد أعرضتَ المسألةَ، أعتقِ النسمةَ، وفُكَّ الرقبةَ، فإنْ لم تطق ذلك فأطعم الجائع، واسق الظمآن" الحديث. رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي، ويأتي بتمامه في "العتق" إنْ شاء الله تعالى [16/ 25]. الحديث: 950 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 952 - (9) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابنَ آدم! مرضتُ فلم تَعُدني. قال: يا ربِّ! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أمَا علمتَ أن عبدي فلاناً مرضَ فلم تعده، أمَا علمت أنَّك لو عُدْتَه لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم! استطعمتُكَ فلم تُطعمني. قال: يا ربّ! كيف أطعِمُكَ وأنتَ ربُّ العالمين؟ قال: أما علمت أنَّه استطعمك عبدي فلانٌ فلم تطعمْه، أما علمت أنَّك لو أطعمتَه لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم! استسقيتُك فلم تَسقني؟ قال: يا رب! كيف أسقيك وأنت ربُّ العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلانٌ فلم تَسقه، أمَا إنَّك لو سقيتَه لوجدتَ ذلك عندي". (1) رواه مسلم. 953 - (10) [صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أصبح منكم اليوم صائماً؟ ". فقال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. فقال: "من أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ ". فقال أبو بكر: أنا. فقال: "من تبع منكم اليوم جنازة؟ ".   (1) قال النووي في "شرح مسلم": "قال العلماء: إنما أضاف المرض إليه سبحانه وتعالى -والمراد العبد- تشريفاً للعبد وتقريباً له. قالوا: ومعنى (وجدتني عنده) أي: وجد ثوابي وكرامتي، ويدل عليه قوله تعالى في تمام الحديث: (لو أطعمته لوجدت ذلك عندي)، (لو سقيته لوجدت ذلك عندي)؛ أي: ثوابه. والله أعلم". الحديث: 952 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 فقال أبو بكر: أنا. فقال: "من عاد اليوم مريضاً؟ ". فقال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجل [في يومٍ] إلا دخل الجنة". رواه ابن خزيمة في "صحيحه". (1) 954 - (11) [حسن لغيره] ورُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سئل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي الأعمال أفضل؟ قال: "إدخالك السرور على مؤمن؛ أشبعتَ جَوْعَتَهْ، أو كسوتَ عَوْرَتَه، أو قضيتَ له حاجة". رواه الطبراني في "الأوسط". 955 - (12) [حسن لغيره] ورواه أبو الشيخ في "الثواب" من حديث ابن عمر بنحوه، وفي رواية له: "أحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل سرورٌ تُدخلُه على مسلم، أو تكشف عنه كُربةً، أو تطردُ عنه جوعاً، أو تقضي عنه ديناً". 956 - (13) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رجلاً جاء إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إنِّي أنزع في حوضي، حتى إذا ملأتُه لإبلي، ورد عليَّ البعيرُ لغيري فسقيته، فهل في ذلك من أجر؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) لقد أبعد النُّجعة، فالحديث رواه مسلم في "صحيحه" في موضعين منه (3/ 92 و7/ 110)، وقد عزاه أيضاً إلى ابن خزيمة فقط في (25 - الجنائز/ 7 - عيادة المريض)، كما نبه عليه الناجي (119/ 2)، ورواه البخاري في "الأدب المفرد"، وهو مخرج في "الصحيحة" (88). الحديث: 954 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 "في كل ذاتِ كبدٍ حَرَّى أجرٌ". رواه أحمد، ورواته ثقات مشهورون. 957 - (14) [صحيح] وعن محمود بن الربيع: أنَّ سراقة بن جُعْشمُ قال: يا رسول الله! الضالةُ تَرِدُ عليَّ حوضي، فهل لي فيها من أجرٍ إنْ سقيتُها؟ قال: "اسقها؛ فإنَّ في كلِّ ذات كبدٍ حَرَّى أجراً". رواه ابن حبان في "صحيحه"، ورواه ابن ماجه والبيهقي؛ كلاهما عن عبد الرحمن ابن مالك بن جعشم عن أبيه عن عمه سراقة بن جُعْشم رضي الله عنه. 958 - (15) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "بينما رجلٌ يمشي بطريق اشتدَّ عليه الحرُّ، فوجدَ بئراً، فنزلَ فيها، فشربَ ثم خرجَ، فإذا كلبٌ يلهثُ؛ يأكل الثَّرى من العطش، فقال الرجلُ: لقد بلغَ هذا الكلبَ من العطشِ مثلُ الذي كان بلغَ مني، فنزل البئرَ، فملأ خُفَّه، ثم أمسَكه بفيه حتى رَقِيَ، فسقى الكلبَ؛ فشكر اللهُ له؛ فَغفرَ له". قالوا: يا رسول الله! إنَّ لنا في البهائم أجراً؟ فقال: "فى كل كبدٍ رَطبة أجرٌ". (1) رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود.   (1) معناه والله أعلم: أنّ في كل حيوان حي -في الإحسان إليه مِن سقي ونحواً- أجراً، وسمي الحيُّ كبدٍ رطبة؛ لأن الميت يجف جسمه وكبده. وقوله: "يلهث يأكل الثرى". (الثرى): التراب الندي. و (لهث) بفتح الهاء وكسرها في الماضي (يلهث) بفتحها لا غير في المضارع (لهْثاً) بإسكان الهاء، والاسم (اللهَث) بفتحها، و (اللهثان): هو الذي يخرج لسانه من شدة العطش والحر. وقوله: "حتى رقي" بكسر القاف على اللغة الفصيحة المشهورة. وقوله: "فشكر الله له فغفر له" معناه: قبل عمله، وأثابه وغفر له. والله أعلم. الحديث: 957 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 [حسن صحيح] وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنه قال: "فشكر الله له، فأدخله الجنة". (1) 959 - (16) [حسن لغيره] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سبعٌ تجري للعبد بعد موتِهَ، وهو في قبرهِ: من علّم علماً، أو كرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرسَ نخلاً، أو بنى مسجداً، أو وَرّثَ مصحفاً، أو تركَ ولداً يستغفرُ له بعد موتِهِ". رواه البزار، وأبو نعيم في "الحلية"، وقال: "هذا حديث غريب من حديث قتادة، تفرد به أبو نُعيم عن العرزمي". (قال الحافظ): تقدم [3 - العلم/ 1] أن ابن ماجه رواه مَن حديث أبي هريرة بإسناد حسن، لكن لم يذكر ابن ماجه (غرس النخل)، ولا (حفر البئر). وذكر موضعهما: "الصدقة، وبيت ابن السبيل". رواه ابن خزيمة في "صحيحه"؛ لم يذكر فيه "المصحف"، وقال: "أو نهراً أكراه". يعني: حفره. 960 - (17) [حسن لغيره] ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليس صدقةٌ أعظمَ أجراً من ماءٍ". رواه البيهقي. 961 - (18) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه: أنَّ سعداً أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! إنَّ أمي تُوفِّيَتْ ولم تُوصِ، أفينفَعُها أنْ أتصدقَ عنها؟ قال: "نعم، وعليك بالماء". رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته محتج بهم في الصحيح.   (1) وسيأتي لفظه بتمامه في (20 - القضاء/ 10 - باب/ رقم 27). الحديث: 959 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 962 - (19) [حسن لغيره] وعن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسولَ الله! إنَّ أمي ماتت، فأي الصدقة أفضل؟ قال: "الماء". فحفر بئراً وقال: هذه لأم سعد (1). رواه أبو داود -واللفظ له-، وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"؛ إلا أنَّه قال: "إنْ صح الخبر"، وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قلت: يا رسول الله! أي الصدقة أفضل؟ قال: "سقيُ الماءِ". والحاكم بنحو ابن حبان، وقال: "صحيح على شرطهما". (قال المملي الحافظ) رحمه الله: "بل هو منقطع الإسناد عند الكل؛ فإنهم كلهم رووه عن سعيد بن المسيب عن سعد، ولم يدركه؛ فإنَّ سعداً توفي بالشام سنة خمس عشرة. وقيل: سنة أربع عشرة، ومولد سعيد بن المسيب سنة خمس عشرة". ورواه أبو داود أيضاً، والنسائي وغيرهما عن الحسن البصري عن سعد، ولم يدركه، فإنَّ مولد الحسن سنة إحدى وعشرين. ورواه أبو داود أيضاً وغيره عن أبي إسحاق السِّبِيعي عن رجل عن سعد. والله أعلم. 963 - (20) [صحيح] وعن جابر رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن حفر ماءً لم يشرب منه كَبِدٌ حرّى مِن جن ولا إنس ولا طائر؛ إلا آجره الله يوم القيامة".   (1) إنما كان الماء أفضل؛ لأنَّ نفعه أعم في الأمور الدينية والدنيوية، خصوصاً في بلاد الحجاز، ولذلك مَنّ الله على عباده بقوله: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}. والله أعلم. الحديث: 962 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 رواه البخاري في "تاريخه"، وابن خزيمة في "صحيحه. [مضى 5 - الصلاة/ 6 رقم (4)]. 964 - (21) [صحيح مقطوع] وقال البيهقي في هذا المعنى (1) حكاية شيخنا الحاكم أبي عبد الله رحمه الله: "فإنَّه قَرِحَ وجهه، وعالجه بأنواع المعالجة، فلم يذهب، وبقي فيه قريباً من سنة، فسأل الأستاذ الإمام أبا عثمان الصابوني أنْ يدعو له في مجلسه يوم الجمعة، فدعا له، وأكثَر الناسُ التأمينَ، فلما كان من الجمعة الأخرى ألقت امرأة في المجلس رقعة بأنَّها عادت إلى بيتها، واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبد الله تلك الليلة، فرأت في منامها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كأنه يقول لها: قولي لأبي عبد الله يوسع الماء على المسلمين. فجئت بالرقعة إلى الحاكم، فأمر بسقاية بنيت على باب داره، وحين فرغوا من بنائها، أمر بصب الماء فيها، وطرح الجَمْد في الماء، وأخذ الناس في الشرب، فما مر عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء، وزالت تلك القروح، وعاد وجهه إلى أحسن ما كان، وعاش بعد ذلك سنين". ( فصل ) 965 - (22) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يومَ القيامةِ، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجلٌ على فَضلِ ماءٍ بفلاةٍ يمنعُه ابنَ السبيلِ". (زاد في رواية):   (1) يشير إلى القصة التي رواها البيهقي، وهي في الكتاب الآخر. الحديث: 964 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 "يقول الله له: اليوم أمنعك فضلي، كما منعت فَضْلَ ما لم تعمل يداك" الحديث. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ويأتي بتمامه إنْ شاء الله تعالى [16 - البيوع/ 12]. 966 - (23) [صحيح] وعن رجل من المهاجرين من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: غزوت مع رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثاً أسمعه يقول: "المسلمون شركاءُ في ثلاثٍ؛ في الكلأ؛ والماء، والنار". رواه أبو داود. الحديث: 966 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 18 - (الترغيب في شكر المعروف ومكافأة فاعله والدعاء له، وما جاء فيمن لم يشكر ما أولي إليه). 967 - (1) [صحيح] وعن عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن استعاذ بالله فأعيذوه، ومَن سألكم بالله فأعطوه، ومَن استجار بالله فأجيروه، ومَن أتى إليكم معروفاً فكافئوه، فإنْ لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أنْ قد كافأتموه". رواه أبو داود والنسائي -واللفظ له-، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". [مضى هنا 8 - باب/ رقم (8)]. 968 - (2) [حسن لغيره] وعن جابر رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن أُعطي عطاءً فوجد فليَجْزِ به، فإنْ لم يجد فلْيُثْنِ، فإنَّ من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر (1)، ومن تَحَلَّى بما لم يُعطَ؛ كان كلابس ثَوْبَيْ زور". رواه الترمذي عن أبي الزبير عنه وقال: "حديث حسن غريب". ورواه أبو داود عن رجل عن جابر، وقال: "هو شرحبيل بن سعد". [حسن لغيره] ورواه ابن حبان في "صحيحه" عن شرحبيل عنه، ولفظه: "من أوليَ معروفاً فلم يجد له جزاءً إلا الثناء؛ فقد شكره، ومن كتمه؛ فقد كفره، ومن تحلى بباطل؛ فهو كلابس ثوبَي زور". قال الحافظ: "وشرحبيل بن سعد تأتي ترجمته". [صحيح] وفي رواية جيدة لأبي داود: "مَن أُبْلِيَ فَذَكَرَهُ؛ فقد شكره، ومن كتمه؛ فقد كفره".   (1) أي: كفر تلك النعمة كما قال الترمذي، وحديث النعمان الآتي في الباب برقم (10) صريح في ذلك. الحديث: 967 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 قوله: (من أبلي) أي: من أُنعِم عليه، و (الإبلاء): الإنعام. 969 - (3) [صحيح] وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من صُنع إليه معروفٌ، فقال لفاعله: (جزاك الله خيراً)؛ فقد أبلغ في الثناء". (وفي رواية). "من أُوليَ معروفاً، أو أُسدِي إليه معروفٌ، فقال للذي أسداه: (جزاك الله خيراً)؛ فقد أبلغَ في الثناء". رواه الترمذي (1) وقال: "حديث حسن غريب". قال الحافظ: "وقد أسقط من بعض نسخ الترمذي". (2) 970 - (4) [صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الصغير" مختصراً: "إذا قال الرجل [لأخيه]: جزاك الله خيراً؛ فقد أبلغ في الثناء. (3)   (1) قال الناجي (120/ 2): "هذا يوهم أنَّ الترمذي رواه باللفظين المذكورين، وإنما رواه بالأول فقط، ختم به "كتاب البر والصلة" من "جامعه"، وأخرجه النسائي في "عمل اليوم الليلة". وأما اللفظ الثاني المذكور فلا أدري لمن هو". قلت: وباللفظ الأول أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (221 - 222/ 180)، والطبراني في "الصغير" (رقم 8 - الروض)، والبيهقي في "الشعب" (3/ 521/ 9137)، والأصبهاني في "الترغيب" (1/ 480/ 1146). وأما اللفظ الثاني فالظاهر أنَّه ملفق من أكثر من حديث من المؤلف أو غيره، سهواً أو عمداً، كما يفعل (رزين البدري). والله أعلم. (2) قلت: "وهو ثابت في نسختنا، وفي الأطراف". قاله الناجي. (3) قلت: ليس هو من حديث أسامة كما يوهمه صنيع المصنف، وإنما هو عند الطبراني بهذا اللفظ من حديث أبى هريرة، وقد استفاد هذا المعلقون الثلاثة وتشبعوا به! ومع ذلك لم يستدركوا الزيادة!! وإشارة إلى أنه ليس من حديث أسامة أعطيته رقماً خاصاً، وقد خرجته وتكلمت على إسناده في "الروض النضير" (1052 - 1053)، والزيادة منه. وكذلك هو في "مصنف عبد الرزاق" (2/ 216/ 3118)، و"ابن أبي شيبة" (9/ 70/ 6569)، و"مسند الحميدي" (460/ 1160) وغيرهم. الحديث: 969 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 971 - (5) [صحيح] وعن الأشعث بن قيس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يشكرُ اللهَ من لم يشكرِ الناسَ". رواه أحمد، ورواته ثقات. 972 - (6) [حسن لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من أُتي إليه معروفٌ فليكافئْ به، ومن لم يستطع فليذكره، فإنَّ من ذكره؛ فقد شكره، ومن تَشَبَّع بما لم يُعْطَ؛ فهو كلابس ثوبَيْ زور". رواه أحمد، ورواته ثقات؛ إلا صالح بن أبي الأخضر. 973 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يشكرُ اللهَ من لا يشكرُ الناسَ". رواه أبو داود، والترمذي وقال: "صحيح". (قال الحافظ): "روي هذا الحديث برفع (الله) وبرفع (الناس)، وروي أيضاً بنصبهما، وبرفع (الله) ونصب (الناس)، وعكسه، أربع روايات". 974 - (8) [حسن لغيره] وروي عن طلحة -يعني ابن عبيد الله- رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أُوليَ معروفاً فليذكره، فمن ذَكَرَهُ فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره". رواه الطبراني. 975 - (9) [حسن لغيره] ورواه ابن أبي الدنيا من حديث عائشة. (1)   (1) قلت: أخرجه في "قضاء الحوائج" (90/ 78)، ورجاله ثقات غير صالح بن أبي الأخضر، وهو صالح يستشهد به. وقد رواه عنه أحمد كما تقدم قبل حديثين، فكان الأولى عزوه إلى ابن أبي الدنيا أيضاً، فهو مكرر بلا فائدة هناك. الحديث: 971 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 976 - (10) [حسن صحيح] وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من لم يشكر القليل؛ لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس؛ لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شُكرٌ، وتَرْكُها كُفْرٌ، والجماعة رحمة، والفُرقة عذاب". رواه عبد الله بن أحمد في "زوائده" بإسناد لا بأس به (1)، ورواه ابن أبي الدنيا في "كتاب اصطناع المعروف" باختصار. 977 - (11) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال المهاجرون: يا رسولَ الله! ذهب الأنصار بالأجر كلِّه! ما رأينا قوماً أحسن بَذلاً لكثير، ولا أحسن مواساة في قليل منهم، ولقد كفونا المؤنة، قال: "أليس تُثنون عليهم، وتدعون لهم؟ ". قالوا: بلى. قال: "فذاك بذلك". رواه أبو داود والنسائي، واللفظ له.   (1) هذا يشعر بأنَّ الإمام أحمد نفسه لم يروه! وليس كذلك، فقد أخرجه في موضعين من "مسنده" (4/ 278 و375)، وفي الموضعين رواه ابنه أيضاً، وإن من جهل الثلاثة وتخليطاتهم أنهم عزوه (1/ 733) لعبد الله بن أحمد وفيه أبو عبد الرحمن عن الشعبي، ولم يعرفه الهيثمي، وهو القاسم بن الوليد وهو ثقة، وسائره ثقات، وفي بعضهم كلام يسير، فهو حسن. وانظر "ظلال الجنة" (1/ 44 - 45). وإن من عجائب الهيثمي أنه عزا الحديث لعبد الله بن أحمد دون أبيه، وبزيادة نكرة، وقد تكلمت عليها في "الضعيفة" برقم (4854). الحديث: 976 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 9 - كتاب الصوم. 1 - (الترغيب في الصوم مطلقاً، وما جاء في فضله. .). 978 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال الله عز وجل: كل عملِ ابن آدمَ له (1)، إلا الصوم؛ فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيامُ جُنَّة (2)، فإذا كان يوم صومِ أحدِكم، فلا يَرفُثْ، ولا يَصْخَبْ، فإنْ سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إنِّي صائم، إنِّي صائم (3)، والذي نفسُ محمد بيده لَخُلُوف فمِ الصائمِ أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما؛ إذا أفطر فرح بفطره، إذا لقي ربَّه فَرِحَ بصومه". (4)   (1) أي: له أجر محدود (إلا الصوم)، فأجره بدون حساب. ويشهد لهذا المعنى رواية مسلم الآتية بلفظ: "كل عمل ابن آدم يضاعف؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصوم. .". (2) بضم الجيم: كل ما سترَ، ومنه (المِجن)، وهو الترس، ومنه سُمي الجن لاستتارهم عن العيون. وإنما كان الصوم جنة، لأنه إمساك عنَ الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات كما في الحديث الصحيح: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات". قال ابن الأثير في "النهاية": "معنى كونه جنة: أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات". (3) يحتمل أنْ يكون كلاماً لسانياً ليسمعه الشاتم والمقاتل فينزجر غالباً. ويحتمل أنْ يكون كلاماً نفسانياً، أي: يحدث به نفسه ليمنعها من مشاتمته. قلت: والراجح الأول: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والصحيح أنَّه يقوله بلسانه كما دل عليه الحديث، فإنَّ القول المطلق لا يكون إلا باللسان، وأما ما في النفس فمقيد، كقوله: "عما حدثت به أنفسها"، ثم قال: ما لم تتكلم أو تعمل به"، فالكلام المطلق إنما هو الكلام المسموع، فإذا قال بلسانه: إنِّي صائم، بيّن عذره في إمساكه عن الرد، وكان أزجر لمن بدأه بالعدوان". (4) أي: بجزائه وثوابه. ففي رواية لأحمد (2/ 232): "وإذا لقي الله فجزاه؛ فرح"، وسنده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في "صحيحه" (3/ 158) في رواية كما يأتي في الكتاب، وابن خزيمة (1900). الحديث: 978 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم. وفي رواية للبخاري: "يترُكُ طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجلي، الصيامُ لي، وأنا أجزي به، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها". وفي رواية لمسلم: "كل عملِ ابنِ آدمَ يضاعف؛ الحسنةُ بعشر أمثالها، إلى سبعمئة ضِعف، قال الله تعالى: إلا الصوم؛ فإنَّه لي، وأنا أجزي به، يَدعُ شهوته وطعامه من أجلي، وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولَخلُوف فم الصائم، أطيبُ عند الله من ريحِ المسكِ". وفي أخرى له أيضاً ولابن خزيمة: "وإذا لقيَ اللهَ عزَّ وجلَّ فجزاءُ؛ فرح" الحديث. ورواه مالك وأبو داود والترمذي والنسائي بمعناه، مع اختلاف بينهم في الألفاظ. [صحيح لغيره] وفي رواية للترمذي: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ ربكم يقول: كلُّ حسنةٍ بعشرِ أمثالها إلى سبعمئة ضعف، والصوم لي وأنا أجزي به، والصوم جُنَّةٌ مَن النار، ولخُلوفُ فم الصائم أطيبُ عندَ الله من ريح المسك، وإنْ جَهِل على أحدكم جاهل وهو صائم، فليقل: إنِّي صائم، إنِّي صائم". وفي رواية لابن خزيمة (1): قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني: "قال الله: كل عملِ ابن آدم له إلا الصيام، فهو لي، وأنا أجزي به،   (1) قلت: وأحمد أيضاً. وكذا للبخاري في رواية. وهي هنا الرواية الأولى، لكنْ ليس فيها قوله: "يوم القيامة". وهو عند النسائي في "الكبرى" (ق 16/ 2). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 الصيام جُنَّة، والذي نفس محمد بيده لَخلُوفُ فم الصائم أطيبُ عندَ الله يوم القيامة من ريحِ المسكِ، للصائم فرحتان: إذا أفطر فرح بفطرِه، وإذا لقيَ ربه فرِح بصومِهِ". [صحيح] وفي أخرى له: "قال: كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له؛ الحسنةُ بعشرِ أمثالِها، إلى سبعمائة ضعف، قال الله: إلا الصيامُ، فهو لي، وأنا أجزي به، يدعُ الطعامَ من أجلي، ويدَعُ الشرابَ من أجلي، ويدعُ لذَّته من أجلي، ويدعُ زوجتَه من أجلي، ولخُلوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله من ريحِ المسكِ، وللصائم فرحتان: فرحةٌ حين يفطرُ، وفرحةٌ حين يلقى ربه". (الرفث) بفتح الراء والفاء: يطلق ويراد به الجماع، ويطلق ويراد به الفحش، ويطلق ويراد به خطاب الرجل والمرأة فيما يتعلق بالجماع. وقال كثير من العلماء: إنَّ المراد به في هذا الحديث الفحش ورديء الكلام. و (الجُنة) بضم الجيم: هو ما يُجِنُّك، أي: يسترك ويقيك مما تخاف. ومعنى الحديث: أنَّ الصوم يستر صاحبه ويحفظه من الوقوع في المعاصي. و (الخلوف) بفتح الخاء المعجمة (1) وضم اللام: هو تغير رائحة الفم من الصوم. وسئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى: "كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له؛ إلا الصومَ، فإنَّه لي"؟ فقال: "إذا كان يومُ القيامةِ يحاسِبُ اللهُ عز وجل عبدَه، ويؤدي ما عليه من المظالم من   (1) قلت: ضم الخاء في هذه اللفظة هو المعروف في كتب اللغة والغريب، وهو الذي ذكره الخطابي وغيره. بل هو الصواب، قال الخطابي: "والخلوف بالفتح: الذي يَعِد ويخلف". انتهى ملخصاً من "العجالة" (120/ 2 - 121/ 1). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 سائرِ عملِه، حتى لا يبقى إلا الصومُ، فيتحملُ اللهُ ما بقيَ عليه من المظالِم، ويدخِلُه بالصومِ الجنةَ"! هذا كلامه، وهو غريب. وفي معنى هذه اللفظة أوجه كثيرة ليس هذا موضع استيفائها. وتقدم حديث الحارث الأشعري، وفيه: "وآمُركم بالصيامِ، ومَثَلُ ذلك كمثلِ رجلٍ في عصابة معه صرة مسك، كلهم يحب أنْ يجد ريحها، وإنَّ الصيامَ أطيبُ عندَ اللهِ من ريح المسك" الحديث. رواه الترمذي وصححه؛ إلا أنَّه قال: "وإنَّ ريحَ الصائمِ أطيبُ عندَ الله من ريحِ المسكِ". وابن خزيمة في "صحيحه" -واللفظ له- وابن حبان والحاكم. وتقدم بتمامه في "الالتفات بالصلاة" [5 - الصلاة/ 36]. 979 - (2) [صحيح] وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ في الجنةِ باباً يقال له: (الريَّان)، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخلُ منه أحدٌ غيرُهم، فإذا دخلوا أُغلِق، فلم يدخل منه أحد". رواه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي، وزاد: "وَمنْ دخلَه لم يظمأْ أبداً". [حسن صحيح] وابن خزيمة في "صحيحه"؛ إلا أنَّه قال: "فإذا دخلَ آخرُهم (1) أُغلقَ، مَنْ دخلَ شَرِبَ، ومن شرَب لم يظمأْ أبداً".   (1) الأصل: "أحدهم"، والتصحيح من "ابن خزيمة" (1902) وغيره. الحديث: 979 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 980 - (3) [حسن لغيره] وروي [عن أبي هريرة] عن نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الصيام جُنةٌ، وحصنٌ حصينٌ من النار". رواه أحمد بإسناد حسن، والبيهقي. 981 - (4) [حسن لغيره] وعن جابر رضي الله عنه عن نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الصيام جُنَّة يَستَجِنُّ بها العبد من النار". رواه أحمد بإسناد حسن، والبيهقي. 982 - (5) [صحيح] وعن عثمانَ بنِ أبي العاصي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الصيامُ جُنةٌ من النارِ، كجُنّةِ أحدِكم مِنَ القتالِ، وصيامُ حسنٌ ثلاثة أيامٍ من كلِّ شهر". رواه ابن خزيمة في "صحيحه". (1) 983 - (6) [صحيح لغيره] وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "ألا أدلُّك على أبوابِ الخير؟ ". قلت: بلى يا رسولَ الله! قال: "الصومُ جنةٌ، والصدقة تطفئُ الخطيئةَ كما يطفئُ الماءُ النارَ". رواه الترمذي في حديث، وصححه، ويأتي بتمامه في "الصمت" إنْ شاء الله. وتقدم حديث كعب بن عجرة وغيره بمعناه [9 - الصدقات/ 9 - باب/12 و13 حديث].   (1) قلت: وكذا رواه أحمد (4/ 22) بسند صحيح، وأخرجه النسائي (1/ 311 و328) مفرقاً في موضعين. ورواه ابن ماجه دون صيام ثلاثة أيام. الحديث: 980 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 984 - (7) [حسن صحيح] وعن عبدِ الله بن عمروٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الصيامُ والقرآنُ يشفعان للعبدِ يومَ القيامةِ، يقول الصيامُ: أي ربِّ منعتُه الطعامَ والشهوةَ، فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعتُه النومَ بالليل، فشفعني فيه، قال: فَيُشَفَّعان". (1) رواه أحمد والطبراني في "الكبير"، ورجاله محتج بهم في "الصحيح". ورواه ابن أبي الدنيا في "كتاب الجوع" وغيره بإسناد حسن، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 985 - (8) [صحيح] وعن حذيفة رضي الله عنه قال: أسندتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى صدري، فقال: "من قال: (لا إله إلا الله)؛ خُتم له بها؛ دخل الجنة، ومن صام يوماً ابتغاء وجه الله؛ خُتم له به؛ دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله؛ خُتم له بها؛ دخل الجنة". رواه أحمد بإسناد لا بأس به، [صحيح لغيره] والأصبهاني، ولفظه: "يا حذيفة! من خُتم له بصيامِ يومٍ، يريد به وجه الله عز وجل؛ أدخله الله الجنة".   (1) أي: يشفعهما الله فيه ويدخله الجنة، قال المناوي: "وهذا القول يحتمل أنَّه حقيقة بأنْ يجسد ثوابهما ويخلق الله فيه النطق {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، ويحتمل أنَّه على ضرب من المجاز والتمثيل". قلت: والأول هو الصواب الذي ينبغي الجزم به هنا وفي أمثاله من الأحاديث التي فيها تجسيد الأعمال ونحوها، كمثل تجسيد الكنز شجاعاً أقرع، ونحوه كثير. وتأويل مثل هذه النصوص ليس من طريقة السلف رضي الله عنهم، بل هو طريقة المعتزلة ومن سلك سبيلهم من الخلف، وذلك مما يُنافي أول شروط الإيمان {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} فحذار أنْ تحذوهم حذوهم، فتضل وتشقى، والعياذ بالله تعالى. الحديث: 984 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 986 - (9) [صحيح] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! مُرني بعمل. قال: "عليكَ بالصومِ؛ فإنه لا عِدْلَ له". قلت: يا رسول الله! مرني بعمل. قال: "عليك بالصوم؛ فإنَّه لا عِدْلَ له". (1) رواه النسائي وابن خزيمة في "صحيحه" هكذا بالتكرار وبدونه، وللحاكم، وصححه. [صحيح] وفي رواية للنسائي قال: أتيت رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت: يا رسول الله! مرني بأمرٍ ينفعُني الله به. قال: "عليك بالصيام. فإنَّه لا مِثْلَ له". [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" في حديث قال: قلت: يا رسول الله! دلني على عملٍ أدخلُ به الجنةَ. قال: "عليك بالصوم؛ فإنَّه لا مِثْلَ له". قال: وكان أبو أُمامة لا يُرى في بيته الدخان نهاراً إلا إذا نزل بهم ضيف. 987 - (10) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِنْ عبدٍ يصومُ يوماً في سبيل الله تعالى؛ إلا باعد الله بذلك اليوم وجهَه عن النار سبعين خريفاً". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.   (1) هنا في الأصل زيادة: "قلت: يا رسول الله. . ". إلخ للمرة الثالثة، وأفاد المعلق عليه أنَّها لم تثبت في نسخة أخرى، ولما كانت هذه هي الموافقة لما في النسائي، فقد حذفتها، ولم يقع التكرار مطلقاً في مطبوعة "ابن خزيمة". والله أعلم. الحديث: 986 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 988 - (11) [صحيح لغيره] وعن عمرِو بن عبسةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من صامَ يوماً في سبيلِ الله؛ بعدت منه النارُ مسيرةَ مئةِ عامٍ". رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بإسناد لا بأس به. 989 - (12) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من صامَ يوماً في سبيل الله؛ زحزحَ اللهُ وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفاً". رواه النسائي بإسناد حسن، والترمذي من رواية ابن لهيعة، وقال: "حديث غريب". ورواه ابن ماجه من رواية عبد الله بن عبد العزيز الليثي، وبقية الإسناد ثقات. 990 - (13) [حسن لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من صامَ يوماً في سبيلِ الله؛ جعلَ الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض". رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" بإسناد حسن. 991 - (14) [حسن صحيح] وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من صام يوماً في سبيل الله؛ جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض". رواه الترمذي من رواية الوليد بن جميل، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبا أمامة، وقال: "حديث غريب". (1) وقد ذهبت طوائف من العلماء إلى أن هذه الأحاديث جاءت في فضل الصوم في الجهاد، وبوب على هذا الترمذي وغيره. وذهبت طائفة إلى أنَّ كل الصوم في سبيل الله؛ إذا كان خالصاً لوجه الله تعالى. ويأتي باب في الصوم في "الجهاد" إنْ شاء الله تعالى [12/ 5].   (1) ومن هذا الوجه رواه الطبراني أيضاً في "المعجم الكبير" (8/ 280 - 281/ 4921). ورواه بلفظ آخر، ذكره المؤلف عقب هذا، وهو من حصة الكتاب الآخر. ومن جهل الثلاثة أنهم شملوهما بالتضعيف. وأعلوا الأول بـ (مطرح بن يزيد) وليس فيه! انظر "الصحيحة" (563) و"الضعيفة" تحت رقم (6910). الحديث: 988 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 2 - (الترغيب في صيام رمضان احتساباً، وقيام ليله سيما ليلة القدر، وما جاء في فضله). 992 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من قامَ ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً؛ غُفِر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه". رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه مختصراً. وفي رواية للنسائي؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه". (1) قال الخطابي: "قوله: إيماناً واحتساباً؛ أي: نية وعزيمة، وهو أنْ يصومه على التصديق والرغبة في ثوابه؛ طيبة به نفسه، غير كاره له، ولا مستثقلٍ لصيامه، ولا مستطِيل لأيامه، لكنْ يغتنم طول أيامه لعظم الثواب". وقال البغوي: "قوله: (احتساباً) أي: طلباً لوجه الله تعالى وثوابه، يقال: فلان محتسب الأخبار، ويتحسبها أي: يتطلبها". 993 - (2) [صحيح] وعنه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرَغِّب في قيام رمضان، من غير أنْ يأمرهم بعزيمة، ثم يقول:   (1) هنا في الأصل ما نصه: "قال [يعني النسائي]: وفي حديث قتيبة: "وما تأخر". قال الحافظ: انفرد بهذه الزيادة قتيبة بن سعيد عن سفيان، هو ثقة ثبت، وإسناده على شرط "الصحيح"، ورواه أحمد بالزيادة بعد ذكر الصوم بإسناد حسن، إلا أن حماداً شك في وصله أو إرساله". قلت: ولما كانت هذه الزيادة شاذة خالف بها قتيبة الثقات، كما خالفهم شيخ حماد (محمد ابن عمر) فقد حذفتها من هذا "الصحيح"، والبيان في "التعليق الرغيب" و"الضعيفة" (5083) بتفصيل لا تراه في غيره. الحديث: 992 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 "من قامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه". (1) رواه البخاري (2) ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي. 994 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الصلواتُ الخمس، والجمعةُ إلى الجمعةِ، ورمضانُ إلى رمضانَ؛ مكفِّراتٌ ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر". رواه مسلم. [مضى 7 - الجمعة/ 1]. قال الحافظ: "وتقدم أحاديث كثيرة في "كتاب الصلاة" و"كتاب الزكاة" تدل على فضل صوم رمضان، فلم نُعدْها لكثرتها، فمن أراد شيئاً من ذلك فليراجع مظانه". 995 - (4) [صحيح لغيره] وعن كعب بن عُجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "احضُروا المنبر". فحضرنا، فلما ارتقى درجة قال: "آمين". فلما ارتقى الدرجة الثانية قال: "آمين". فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال: "آمين". فلما نزل قلنا: يا رسول الله! لقد سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه. قال:   (1) هذا الترغيب وأمثاله بيان لفضل هذه العبادات؛ بأنَّه لو كان على الإنسان ذنوب فإنها تغفر له بسبب هذه العبادات. فلا يَرد أنَّ الأسباب المؤدية إلى عموم المغفرة كثيرة، فعند اجتماعها أَي شيء يبقى للمتأخر منها حتى يغفر له؟ إذ المقصود بيان فضيلة هذه العبادات، بأنَّ لها عند الله هذا القدر من الفضل، فإنْ لم يكن على الإنسان ذنب، يظهر هذا الفضل في رفع الدرجات، كما في حق الأنبياء المعصومين من الذنوب. والله أعلم. (2) قال الناجي: "هذا ليس بجيد، إذ ليس ذلك عند البخاري، إنما عنده: "من قام رمضان. . " إلخ. ومن طريق آخر أيضاً". وهو في مختصري للبخاري برقم (949 - الطبعة الجديدة). الحديث: 994 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 "إنَّ جبريل عرض لي فقال: بَعُدَ من أدرك رمضان، فلم يُغفر له. قلت: (آمين)، فلما رَقِيتُ الثانية قال: بَعُدَ من ذُكرتَ عنده، فلم يصلِّ عليك. فقلت: (آمين)، فلما رقيت الثالثة قال: بَعُدَ من أدرك أبويه الكبرُ عنده أو أحدَهُما، فلم يدخلاه الجنة. قلت: (آمين) ". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 996 - (5) [صحيح لغيره] وعن [مالك بن] الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده قال: صعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المنبرَ فلما رقي عتبة قال: (آمين)، ثم رقي أخرى فقال: (آمين)، ثم رقي عتبة ثالثة فقال: (آمين). ثم قال: "أتاني جبريل فقال: يا محمد! من أدركَ رمضانَ فلم يغفر له؛ فأبعده الله. فقلت: (آمين). قال: ومن أدرك والديه أو أحدَهما فدخل النار؛ فابعده الله. فقلت: (آمين). قال: ومن: ذُكرتَ عنده فلم يصل عليك؛ فأبعده الله. فقلت: (آمين) ". رواه ابن حبان في "صحيحه". 997 - (6) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صعد المنبر فقال: " (آمين، آمين، آمين) ". قيل: يا رسول الله! إنَّك صعدت المنبر فقلت: (آمين، آمين، آمين). فقال: "إنَّ جبرائيل عليه السلام أتاني فقال: من أدركَ شهرَ رمضانَ فلم يُغفرْ له فدخل النار؛ فأبعده الله، قل: (آمين)، فقلت: (آمين) " الحديث. ورواه ابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له. الحديث: 996 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 998 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا جاءَ رمضانُ، فُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ، وغُلِّقَت أبوابُ النارِ، وصُفِّدت الشياطين". رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: "فُتحتْ أبواب الرحمةِ، وغُلِّقت أبوابُ جهنَّم، وسُلسِلَت الشياطين". [حسن] ورواه الترمذي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، والبيهقي؛ كلهم من رواية أبي بكر بن عيَّاش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، ولفظهم: قال: "إذا كان أولُ ليلة من شهرِ رمضانَ صُفِّدتْ الشياطين ومَرَدَة الجن، -وقال ابن خزيمة: "الشياطين: مردة الجن" بغير واو- وغُلِّقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفُتِّحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغيَ الخير أقبلْ، ويا باغي الشرِّ أقصرْ، ولله عتقاءُ من النار، وذلك كل ليلة". قال الترمذي: "حديث غريب"، ورواه النسائي والحاكم بنحو هذا اللفظ، وقال الحاكم: "صحيح على شرطهما". (صُفِّدت) بضم الصاد وتشديد الفاء؛ أي: شُدت بالأغلال. 999 - (8) [صحيح لغيره] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتاكم شهرُ رمضانَ، شهرٌ مبارك، فرض الله عليكم صيامَه، تفتح فيه أبوابُ السماءِ، وتغلقُ فيه أبوابُ الجحيمِ، وتُغَلُّ فيه مرَدة الشياطين، لله فيه ليلةٌ خيرٌ من أَلفِ شهرٍ، من حُرم خيرها، فقد حرم". رواه النسائي والبيهقي؛ كلاهما عن أبي قلابة عن أبي هريرة، ولم يسمع منه فيما أعلم. (قال الحليمي): الحديث: 998 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 "وتصفيد الشياطين في شهر رمضان يحتمل أنْ يكون المراد به أيامه خاصة، وأراد الشياطين التي هي مسترقة السمع، ألا تراه قال: "مَرَدَة الشياطين"، لأنَّ شهر رمضان كان وقتاً لنزول القرآن إلى سماء الدنيا، وكانت الحراسة قد وقعت بالشهب كما قال: {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ}، فزيد التصفيد في شهر رمضان مبالغة في الحفظ. والله أعلم. ويحتمل أنْ يكون المراد أيامه وبعده، والمعنى: أنَّ الشياطين لا يخلصون فيه من إفساد الناس إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، لاشتغال المسلمين بالصيام الذي فيه قمع الشهوات، وبقراءة القرآن وسائر العبادات". 1000 - (9) [حسن صحيح] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل رمضان، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ هذا الشهر قد حضَركم، وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ، من حُرمها فقد حرَّم الخير كله، ولا يُحرم خيرَها إلا محروم". رواه ابن ماجه، وإسناده حسن إن شاء الله تعالى. 1001 - (10) [حسن صحيح] وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "للهِ عندَ كلِّ فطرٍ عتقاءُ". رواه أحمد بإسناد لا بأس به، والطبراني والبيهقي، وقال: "هذا حديث غريب، من رواية الأكابر عن الأصاغر، وهو رواية الأعمش عن الحسين ابن واقد". 1002 - (11) [صحيح لغيره] وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة -يعني في رمضان-، وإنَّ لكلِّ مسلمٍ في كلّ يومٍ وليلةٍ دعوةً مستجابةً". رواه البزار. الحديث: 1000 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 1003 - (12) [صحيح] وعن عمرو بن مُرة الجهني رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله! أرأيت إنْ شهدتُ أنْ لا إله إلا الله، وأنَّك رسولُ الله، وصليتُ الصلواتِ الخمسَ، وأدَّيتُ الزكاةَ، وصمتَ رمضان، وقمته، فممن أنا؟ قال: "من الصديقين والشهداء". رواه البزار، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، واللفظ لابن حبان. 1004 - (13) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من قامَ ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه" الحديث. أخرجاه في "الصحيحين"، وتقدم [هنا 2/ الحديث الأول]. وفي رواية لمسلم قال: "من يَقُم ليلةَ القدر فيوافقْها -وأراه قال-: إيماناً واحتساباً؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه". الحديث: 1003 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 3 - (الترهيب من إفطار شيء من رمضان من غير عذر). 1005 - (1) [صحيح] وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "بينا أنا نائم أتاني رجلان، فأخذ بضَبْعَيَّ، فأتيا بي جبلاً وعراً، فقالا: اصعد، فقلت: إنِّي لا أُطيقه، فقال: إنا سنسهله لك، فصعدت، حتى إذا كنت في سواء الجبلِ إذا بأصواتٍ شديدة. قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عُواء أهل النار. ثم انطلق بي، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً. قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: الذين يفطرون قبل تَحِلة صومهم" الحديث. رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". (1) وقوله: "قبل تَحلة صومهم" معناه: يفطرون قبل وقت الإفطار. (2) (قال الحافظ): "وتقدمت أحاديث تدل لهذا الباب في "ترك الصلاة" [5/ 40] وغيره".   (1) قلت: تعجب الحافظ الناجي من المؤلف حيث لم يعزه للنسائي، فقد أخرجه في "الكبرى" له، وليس في "الصغرى" كما يوهمه صنيع النابلسي في "الذخائر" (3/ 135)، فإنَّه عزاه للنسائي، ونص في المقدمة أنه لا يخرج له إلا من "سننه الصغرى"! والحديث أخرجه الحاكم أيضاً (1/ 430 و2/ 209)، وصححه، ووافقه الذهبي. (2) أي: قبل غروب الشمس، وليس قبل الأذان كما يظن بعض الجهلة، ولذلك فهم ينقمون من الذين يستعجلون بالإفطار عند غروب الشمس مخالفة للشيعة، واتباعاً للسنة الصحيحة كما يأتي في الباب (16)، ويلزمونهم بالتأخر حتى الأذان الذي قد يتأخر في بعض البلاد نحو عشر دقائق، لأنهم يؤذنون على التقويم الفلكي، وليس على الرؤية البصرية، وهذا يختلف من إقليم إلى آخر، ومن بلدة إلى أخرى، بل ومن منطقة إلى أخرى في البلد الواحد كما هو مشاهد وقد سمعنا الأذان في بعض البلاد والشمس لما تغرب! فاعتبروا يا أولى الأبصار. الحديث: 1005 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 4 - (الترغيب في صوم ست من شوال). 1006 - (1) [صحيح] عن أبي أيوب رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال؛ كان كصيام الدهر". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. (1) 1007 - (2) [صحيح] وعن ثوبانَ مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من صامَ ستةَ أيامٍ بعدَ الفطرِة كان تمامَ السنة، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ". [صحيح] رواه ابن ماجه، والنسائي، ولفظه: "جعلَ اللهُ الحسنةَ بعشرِ أمثالها، فشهرٌ بعشرة أشهر، وصيامُ ستة أيام بعد الفطر تمام السنة". [صحيح] وابن خزيمة في "صحيحه" ولفظه -وهو رواية للنسائي-: قال: "صيامُ شهرِ رمضانَ بعشرةِ أشهرٍ، وصيامُ ستةِ أيامٍ بشهرين، فذلك صيامُ السنةِ". [صحيح] وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: "من صامَ رمضانَ وستاً من شوال، فقد صامَ السنةَ". 1008 - (3) [صحيح لغيره] ورواه أحمد والبزار والطبراني من حديث جابر بن عبد الله. 1009 - (4) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من صامَ رمضانَ، وأتبعه بستٍّ من شوال، فكأنَّما صامَ الدهرَ". رواه البزار، وأحد طرقه عنده صحيح.   (1) هنا في الأصل: "والطبراني وزاد: "قال: قلت: بكل يوم عشرة؟ قال: نعم". ورواته رواة الصحيح". قلت: لكنها زيادة شاذة لمخالفتها لجميع روايات الثقات في مسلم والسنن وغيرها، وهما مخرجة في "الإرواء" (4/ 106). وقد استوعبها الطبراني في "المعجم الكبير" (4/ 3903 - 3916)، وأما المعلقون الثلاثة فصححوها له مع أصله! الحديث: 1006 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 5 - (الترغيب في صيام يوم عرفة لمن لم يكن بها. . .). 1010 - (1) [صحيح] وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سئلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صومِ يومِ عرفةَ؟ فقال: "يُكفِّر السنةَ الماضيةَ والباقيةَ". [صحيح] رواه مسلم -واللفظ له- وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي، ولفظه: أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "صيامُ يومِ عرفةَ؛ إنِّي أحتسب على الله أنْ يُكفِّر السنةَ التي بعدَه، والسنةَ التي قبلَه". 1011 - (2) [صحيح لغيره] وروى ابن ماجه أيضاً عن قتادة بن النعمان قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من صام يوم عرفة؛ غُفر له سنةَ أمامَه، وسنةٌ بعدَه". 1012 - (3) [صحيح] وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من صامَ يومَ عرفةَ؛ غُفر له ذنبُ سنتين متتابعتين". رواه أبو يعلى ورجاله رجال "الصحيح". (1) 1013 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من صامَ يومَ عرفةَ؛ غفر له سنةٌ أمامَه وسنةٌ خلفَه، ومن صامَ عاشوراءَ؛ غُفر له سنةٌ".   (1) كذا قال! وفيه (أبو حفص الطائفي)، واسمه (عبد السلام بن حفص)، ولم يرو له من الستة غير أبي داود! وهو ثقة. وأبو يعلى رواه (13/ 542) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، وهذا في "المصنف" (3/ 97)، ومن طريقه أيضاً مقروناً مع أخيه عثمان بن أبي شيبة -الطبراني في "الكبير" (6/ 220/ 5923). الحديث: 1010 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن. (1) 1014 - (5) [حسن لغيره] وعن سعيد بن جبير قال: سأل رجل عبد الله بن عمر عن صوم يوم عرفة؟ فقال: "كنا ونحن مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نعد له بصوم سنتين". رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن. (2)   (1) لا وجه لتحسين إسناده، وإنما الحديث حسن أو صحيح لغيره بما قبله، وما يأتي بعد باب. ثم إنَّ اللفظ للبزار، وليس عند الطبراني صوم عاشوراء، فراجع إنْ شئت "المعجم الأوسط" (3/ 45/ 2086)، و"كشف الأستار عن زوائد البزار" (1/ 93 و4/ 6053)، و"الإرواء" (4/ 110). (2) في الأصل: "وهو عند النسائي بلفظ (سَنَة) "، فحذفته من هنا لأنَّه منكر لا شاهد له. وقال النسائي في "الكبرى" (2/ 155/ 2828): "حديث منكر". وتمنيت لو أن المؤلف نقل هذا الإنكار وما أهمله!! وقلده الثلاثة مع أنهم عزوه للنسائي برقمه المذكور! ولم يفرقوا بينه وبين لفظ الطبراني المعروف. الحديث: 1014 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 6 - (الترغيب في صيام شهر الله المحرم). 1015 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أفضلُ الصيامِ بعدَ رمضانَ شهرُ الله المحرمُ، وأفضلُ الصلاةِ بعدَ الفريضةِ صلاةُ الليل". رواه مسلم -واللفظ له- وأبو داود والترمذي والنسائي. [مضى 6 - النوافل/ 11 - باب]. ورواه ابن ماجه باختصار ذكر الصلاة. 1016 - (2) [صحيح لغيره] وعن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ أفضلَ الصلاةِ بعد المفروضةِ الصلاةُ في جوفِ الليلِ، وأفضلَ الصيامِ بعد رمضانَ شهرُ الله الذي تدعونه المحرمَ". رواه النسائي والطبراني بإسناد صحيح. (1)   (1) كذا قال، وقلده الثلاثة! وأعله البيهقي في "السنن" (4/ 291) بمخالفة (عبيد الله بن عمرو الرقي) للجماعة الذين جعلوه من حديث أبي هريرة. يعني الذي قبله. وقال المزي في "التحفة" (2/ 445): "وهو الصحيح". ثم إنه ليس عند النسائي في "الكبرى" (2/ 171/ 2904) إلا جملة الصيام، ورواه الروياني (2/ 146/ 970) بتمامه كالطبراني (183 - 184). ثم رأيت في كتابهم الذي اختصروه من "الترغيب" وأسموه بـ "التهذيب"، وخصوه بالصحيح والحسن من الحديث -زعموا- وفيه آفات؛ منها أنهم أودعوا فيه حديث جندب هذا المعلول، وأعرضوا فيه عن حديث أبي هريرة المحفوظ! وهو في "صحيح مسلم"! ومن جهلهم أنهم نقلوا كلام الهيثمي في تخريجه والكلام عليه، وليس صريحاً في التصحيح، وأعرضوا أيضاً عن كلام المنذري الصريح في التصحيح! وهو المناسب لجهلهم وسوء اختيارهم!! الحديث: 1015 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 7 - (الترغيب في صوم يوم عاشوراء. . .). 1017 - (1) [صحيح] عن أبي قتادة رضي الله عنه: أن رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن صيام يوم عاشوراءَ (1)؟ فقال: "يُكَفّرُ السنةَ الماضية". رواه مسلم وغيره، وابن ماجه ولفظه قال: "صيام يوم عاشوراء؛ إنِّي أحتسِب على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنةَ التي قبله (2) ". 1018 - (2) [صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صامَ يومَ عاشوراءَ، وأمرَ بصيامِه". رواه البخاري ومسلم. 1019 - (3) [صحيح] وعنه؛ أنَّه سئل عن صيام عاشوراء؟ فقال: "ما علمتُ أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صام يوماً يطلب فضله على الأيام، ولا شهراً؛ إلا هذا الشهر. يعني رمضان". رواه مسلم. 1020 - (4) [حسن لغيره] وعنه: "أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يتوخى فضلَ يوم على يوم بعد رمضان؛ إلا عاشوراء". رواه الطبراني في "الأوسط"، وإسناده حسن بما قبله.   (1) المشهور في اللغة أنَّ (عاشوراء) و (تاسوعاء) ممدودان، وحُكي قصرهما، واتفق العلماء على أنَّ صوم يوم عاشوراء الآن سنة وليس بواجب. وأما التوسعة والكحل فمن المحدثات. . (2) الأصل: "بعده"، والتصويب من "ابن ماجه" (1738) وغيره، وهو رواية لمسلم، انظر "الإرواء" (4/ 108 و109). وغفل عنه المعلقون الثلاثة -كعادتهم- مع ذكرهم الرقم! الحديث: 1017 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 1021 - (5) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من صامَ يومَ عرفةَ؛ غُفر له سنةٌ أمامَه، وسنةٌ خلفه، ومن صام عاشوراء غُفر له سنةٌ". رواه الطبراني بإسناد حسن، وتقدم. (1) [هنا 5 - باب/ رقم (4)].   (1) قلت: وبينت هناك أنَّ عزوه للطبراني خطأ، وأنَّ الصواب: "رواه البزار"، فراجعه إنْ شئت. الحديث: 1021 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 8 - (الترغيب في صوم شعبان، وما جاء في صيام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له، وفضل ليلة نصفه). 1022 - (1) [حسن] عن أسامةَ بنِ زيدٍ رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله! لَمْ أرَكَ تصوم من شهرٍ من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: "ذاكَ شهرٌ تغفلُ الناسُ فيه عنه، بين رجبَ ورمضانَ، وهو شهرٌ تُرفع فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، وأُحِب أنْ يرفع عملي وأنا صائم". رواه النسائي. 1023 - (2) [حسن لغيره] وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصومُ ولا يفطرُ حتى نقولَ: ما في نفسِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يفطر العامَ، ثم يفطرُ فلا يصومُ حتى نقولَ: ما في نفسه أنْ يصومَ العامَ، وكان أحبَّ الصومِ إليه في شعبان". رواه أحمد والطبراني. 1024 - (3) [صحيح] وعنها [يعني عائشة رضي الله عنها] قالت: "كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصومُ حتى نقولَ لا يفطرُ، ويفطر حتى نقولَ: لا يصوم، وما رأيتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استكملَ صيامَ شهرٍ قطّ إلا شهرَ رمضانَ، وما رأيتُه في شهرٍ أكثرَ صياماً منه في شعبان". رواه البخاري ومسلم وأبو داود. [صحيح] "ورواه النسائي والترمذي وغيرهما: قالت: ما رأيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شهر أكثر صياماً منه في شعبان، كان يصومه إلا قليلاً، بل كان يصومُه كلَّه". الحديث: 1022 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 [صحيح] وفي رواية لأبي داود: قالت: "كان أحبَّ الشهورِ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يصومَه شعبانُ، ثم يَصِلهُ برمضان". [حسن] وفي رواية للنسائي: قالت: "لم يكن رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لشهرٍ أكثرَ صياماً منه لشعبان، كان يصومه، أو عامَّتَه". [صحيح] وفي رواية للبخاري ومسلم: قالت: "لم يكنِ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصومُ شهراً أكثرَ من شعبانَ؛ فإنَّه كان يصومُ شعبانَ كلَّه". (1) وكان يقول: "خذوا من العملِ ما تطيقون، فإنَّ الله لا يمَلُّ حتى تملوا". وكان أحبُّ الصلاةِ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما دووِمَ عليه وأنْ قَلَّتْ، وكان إذا صلى صلاةً داوم عليها". 1025 - (4) [صحيح] وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "ما رأيتُ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان".   (1) ليس في رواية الشيخين: "فإنه كان يصوم شعبان كله". وإنما هو عند ابن خزيمة وغيره. انظر "الضعيفة" (5086). ومعنى قوله: (كله) أي: أكثره، كما جاء عنها في رواية النسائي هنا مفسراً: "كان يصومه أو عامته". وقوله: "خذوا من العمل ما تطيقون" أي: تطيقون الدوام عليه بلا ضرر. وقوله: "فإنَّ الله لا يمل"؛ قال الإمام النووي: "الملل والسآمة بالمعنى المتعارف في حقنا محال في حق الله تعالى، فيجب تأويله، فقال المحققون: معناه لا يعاملكم معاملة الملل، فيقطع عنكم ثوابه وفضله رحمته حتى تقطعوا عملكم، وقيل: لا يمل إذا مللتم، وحتى بمعنى: حين". وقوله: "ما دووم عليه" هو بواوين لأنَّه ماض مجهول من (المداومة) من باب المفاعلة، ويُروى: "ما ديم عليه"، وهو مجهول (دام)، والأول مجهول (داوم). والله أعلم. الحديث: 1025 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". [صحيح] وأبو داود، ولفظه: قلت: لم يكنِ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم في السنةِ شهراً تاماً إلا شعبانَ، كان يَصِلُه برمضانَ". ورواه النسائي باللفظين جميعاً. 1026 - (5) [حسن صحيح] وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يطَّلع اللهُ إلى جميعِ خلقِه ليلةَ النصفِ من شعبانَ، فيغفرُ لجميعِ خلقه إلا لمشركٍ، أو مُشاحن". رواه الطبراني وابن حبان في "صحيحه". الحديث: 1026 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 9 - (الترغيب في صوم ثلاثة أيام من كل شهر سيما الأيام (1) البيض). 1027 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بثلاثٍ [لا أدعهن حتى أموت]: صيامِ ثلاثة [أيام] (2) من كل شهر، وركعتي الضحى، وأنْ أوتر قبلَ أن أنامَ". رواه البخاري ومسلم والنسائي. 1028 - (2) [صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "أوصاني حبيبي بثلاثٍ، لن أدعهن ما عشت: بصيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهر، وصلاةِ الضحى، وبأن لا أنامَ حتى أوترَ". رواه مسلم. 1029 - (3) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صومُ ثلاثةِ أيامٍ من كلّ شهرٍ، صومُ الدهرِ كلِّه". رواه البخاري ومسلم. 1030 - (4) [صحيح] وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثٌ من كلِّ شهرٍ، ورمضانُ إلى رمضانَ، فهذا صيامُ الدهرِ كلِّه". رواه مسلم وأبو داود والنسائي.   (1) قال الناجي (126/ 1): "كذا وجد بتعريف الأيام، وكذلك يقع في كثير من كتب الفقه، قال النووي: وهو خطأ عند أهل العربية معدود في لحن العوام؛ لأنَّ الأيام كلها بيض، وإنما صوابه أيام البيض، بإضافة البيض إلى أيام. أي: أيام الليالي البيض". (2) زيادة من الشيخين، والأولى في رواية للبخاري (1178). الحديث: 1027 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 1031 - (5) [صحيح] وعن قرة بن إياس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صيامُ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهر، صيامُ الدهرِ كلِّه وإفطارُه". رواه أحمد بإسناد صحيح، والبزار والطبراني، وابن حبان في "صحيحه". 1032 - (6) [حسن صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صومُ شهرِ الصبرِ، وثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهرٍ؛ يذهبن وَحَرَ الصدرٍ". رواه البزار، ورجاله رجال "الصحيح". 1033 - (7) [صحيح] ورواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي؛ الثلاثة من حديث الأعرابي، ولم يسموه. 1034 - (8) [صحيح لغيره] ورواه البزار أيضاً من حديث علي. (شهر الصبر): هو رمضان. (وَحَر الصدر): هو بفتح الواو والحاء المهملة بعدهما راء: هو غشه وحقده ووساوسه. 1035 - (9) [صحيح] وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من صامَ من كلِّ شهرٍ ثلاثَةَ أيامٍ، فذلك صيامُ الدهرِ، فأنزلَ اللهُ تصديقَ ذلكَ في كتابه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}، اليومُ بعشرةِ أيامٍ". رواه أحمد والترمذي -واللفظ له-، وقال: "حديث حسن"، والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه". [صحيح لغيره] وفي رواية للنسائي. "من صامَ ثلاثةَ أيامٍ من كلِّ شهرٍ، فقد تم [له] (1) صوم الشهرِ، أو فله صوم الشهرِ".   (1) زيادة من "كبرى النسائي" (2/ 2718/134). الحديث: 1031 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 1036 - (10) [صحيح] وعن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: قيل للنبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: رجل يصوم الدهر؟ فقال: "وددت أنَّه لم يطعمِ الدهر". قالوا: فثلثيه؟ (1) قال: "أكثر" (2). قالوا: فنصفه؟ قال: "أكثر". (3) ثم قال: "ألا أخبركم بما يُذهِبُ وَحَرَ الصدر؟ صومُ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهرٍ". رواه النسائي. 1037 - (11) [صحيح] وعن عبدِ الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "بلغني أنَّك تصومُ النهارَ، وتقومُ الليلَ، فلا تفعل؛ فإنَّ لجسدك عليك حظاً، ولعينك عليك حظاً، وإنَّ لزوجك عليك حظاً، صم وأفطر، صُم من كل شهرٍ ثلاثةَ أيامٍ، فذلك صومُ الدهر". قلت: يا رسولَ الله! إنَّ لي (4) قوة. قال: "فصم صومَ داودَ عليه السلام، صم يوماً، وأفطر يوماً". فكان يقول: يا ليتني أخذتُ بالرخصةِ.   (1) الأصل: "فثلثه" بالإفراد، والتصويب من "النسائي". (2) أي: هو أكثر من حد المشروع. (3) أقول: لعل المقصود بعدم شرعية صيام نصفه إنما هو إذا كان يَسرد الصوم فيه لا يفطر، بخلاف ما لو صام فيه يوماً وأفطر يوماً، فإنَّه أفضل الصيام كما في الحديث الآتي بعده، ولا سيما ولمسلمٍ في رواية له: "صوم داود نصف الدهر". فتأمله جيداً يتبين لك أنَّه لا تعارض بين الحديثين؛ خلافاً لما ذهب إليه السندي رحمه الله تعالى. (4) كذا الأصل. قال الناجي (126/ 1): "هو بالباء، لكنْ طولت فصارت لاماً". الحديث: 1036 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 [صحيح] رواه البخاري ومسلم. والنسائي، ولفظه: قال: ذكرتُ للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصوم، فقال: "صُمْ من كلِّ عشرةِ أيامٍ يوماً، ولك أجرُ تلك التسعة". قلت: إنَّي أقوى من ذلك. قال: "فصُمْ من كلِّ تسعةِ أيام يوماً، ولك أجرُ تلك الثمانية". فقلت: إنَّي أقوى من ذلك. قال: "فصُمْ من كلِّ ثمانيةِ أيامٍ يوماً، ولك أجر تلك السبعة". قلت: إنِّي أقوى من ذلك. قال: فلم يزل حتى قال: "صم يوماً، وأفطر يوماً". [صحيح] وفي رواية له أيضاً ولمسلم: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "صم يوماً، وَلَكَ أجر ما بقي". قال: إنِّي أُطيق أكثر من ذلك. قال: "صم يومين، ولك أجر ما بقي". قال: إنِّي أُطيق أكثر من ذلك. قال: "صُمْ الثلاثةَ أيامٍ، ولك أجرُ ما بقي". قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: "صُمْ أربعةَ أيام، ولك أجر ما بقي". قال: إنِّي أطيق أكثر من ذلك. قال: "فَصُمْ أفضلَ الصيامِ عندَ الله؛ صومَ داودَ؛ كان يصومُ يوماً، ويفطرُ يوماً". [صحيح] وفي أخرى للبخاري ومسلم قال: أُخبِر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه يقول: لأقومنَّ الليل، ولأصومَنَّ النهار ما عشتُ. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 "أنت الذي تقول ذلك؟ ". فقلتُ له: قد قلته يا رسول الله! فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فإنَّك لا تستطيعُ ذلك، فصُمْ وأفطرْ، ونَم وقُم، صُمْ من الشهرِ ثلاثةَ أيام، فإنَّ الحسنَة بعشرِ أمثالها، وذلك مثلُ صيامِ الدهرِ". قال: فإنِّي أُطيق أفضل من ذلك. قال: "صم يوماً، وأفطر يومين". قال: قلت: إنِّي أُطيق أفضل من ذلك يا رسول الله! قال: "فصم يوماً وأفطر يوماً، وذلك صيامُ داودَ، وهو أعدلُ الصيامِ". قال: فإنِّي أُطيقُ أفضلَ من ذلك. قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا أفضلَ من ذلك". زاد مسلم: قال عبد الله بن عَمرو: لأنْ أكونَ قبلتُ الثلاثَة [الأيام] التي قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أحبُّ إلي من أهلي ومالي. [صحيح لغيره] وفي أخرى لمسلم (1) قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بلغني أنك تقومُ الليلَ، وتصومُ النهارَ". قلت: يا رسول الله! ما أردتُ بذلك إلا الخير، قال: "لا صامَ مَنْ صامَ الدهرَ، -وفي رواية: الأبد-، ولكنْ أدلك على صوم الدهر، ثلاثة أيام من كل شهر".   (1) لم أرَ هذه الرواية عند مسلم، وقد عزاها إليه ابن الأثير أيضاً في "الجامع" (6/ 332). كذا في الطبعة السابقة، وسرقه الثلاثة فقالوا (2/ 58): "لم نجد هذه الرواية: "إلخ! وأزيد الآن فأقول: وإنما هي عنده (3/ 163) بنحوه، وليس عنده فيه: "لا صام من صام الدهر". والصواب عزوه للنسائي فالرواية له (1/ 326)، وفيه عنعنة حبيب بن أبي ثابت، وفي رواية (3/ 162 - 163) مسلم عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير، وفيها اضطراب. وللحديث روايات أخرى للشيخين وغيرهما تأتي في (12 - الترغيب في صوم يوم، وإفطار يوم. .). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 قلت: يا رسول الله! إني أطيق أفضل من ذلك. الحديث. 1038 - (12) [حسن صحيح] وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا صمتَ من الشهرِ ثلاثاً فصم ثلاثَ عشرة وأربعَ عشرة وخمسَ عشرة". رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: "حديث حسن". [صحيح] وزاد ابن ماجه: "فأنزل الله تصديقَ ذلك في كتابه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}، فاليوم بعشرة أيام". [مضى هنا قريباً]. 1039 - (13) [صحيح لغيره] وعن عبد الملك بن قدامة بن ملحان عن أبيه رضي الله عنه قال: "كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرُنا بصيامِ أيامِ البيض، ثلاث عشرة، وأربعَ عشرة، وخمسَ عشرة". قال: وقال: "هو كهيئةِ الدهرِ". [صحيح لغيره] رواه أبو داود (1) والنسائي ولفظه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأمرنا بهذه الأيامِ الثلاثِ البيض، ويقول: "هنَّ صيام الشهر". (قال المملي) رضي الله عنه: هكذا وقع في النسائي: "عبد الملك بن قدامة"، وصوابه: "قتادة"، كما جاء في أبي داود وابن ماجه، وجاء في النسائي وابن ماجه أيضاً: "عبد الملك بن المنهال عن أبيه". 1040 - (14) [حسن لغيره] وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "صيامُ ثلاثةِ أيامٍ من كلّ شهر صيامُ الدهر، أيام البيض صبيحة ثلاثَ عشرة، وأربعَ عشرة، وخمس عشرة". رواه النسائي بإسناد جيد، والبيهقي.   (1) قلت: وكذا ابن حبان (946). الحديث: 1038 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 10 - (الترغيب في صوم الاثنين والخميس). 1041 - (1) [صحيح لغيره] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تُعرض الأعمالُ يومَ الاثنين والخميس، فأحب أنْ يُعرض عملي وأنا صائم". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". 1042 - (2) [صحيح لغيره] عن أبي هريرة أيضاً؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كان يصوم الاثنين والخميس. فقيل: يا رسول الله! إنَّك تصوم الاثنين والخميس؟ فقال: "إنَّ يومَ الاثنين والخميس يَغفرُ الله فيهما لكل مسلم؛ إلا مُهتَجِرَيْن (1)، يقول: دَعهما حتى يَصطلحا". (2) رواه ابن ماجه ورواته ثقات. ورواه مالك ومسلم وأبو داود والترمذي باختصار ذكر الصوم. [صحيح] ولفظ مسلم: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تُعرَضُ الأعمالُ في كلِّ [يوم] اثنين وخميس، فَيغفرُ الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئٍ لا يشرك بالله شيئاً، إلا امرأً كانت بينه وبين أخيه شَحناء، فيقول: ارْكُوا (3) هذين حتى يصطلحا".   (1) أي: متقاطعين لأمر لا يقتضي ذلك، وإلا فالتقاطع للدين والتأديب للأهل جائز. (2) الظاهر أنَّ الخطاب للملَك الذي يعرض الأعمال، فمعنى (دعهما) أي: لا تعرض عملهما، أو لعله إذا غفر لأحد يضرب الملك على سيئاته أو يمحوها من الصحيفة، فمعنى دعهما: لا تسمح سيئاتهما. (3) الأصل: "اتركوا"، وكأنَّه رواية بالمعنى، نبه على ذلك الناجي، والتصحيح من مسلم، وخفي ذلك على المعلقين الثلاثة! وفيما سيأتي في (23 - الأدب/ 11). الحديث: 1041 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 [صحيح] وفي رواية له: "تُفتح أبوابُ الجنة يوم الاثنين و [يوم] الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً؛ إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء" الحديث. 1043 - (3) [حسن صحيح] وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قلت: يا رسولَ الله! إنَّك تصومُ حتى لا تكادَ تفطرُ، وتفطرُ حتى لا تكاد تصومُ، إلا يومين إنْ دخلا في صيامك، وإلا صمتَهما. قال: "أي يومين؟ ". قلت: يوم الاثنين والخميس. قال: "ذانِك (1) يومان تعرض فيهما الأعمالُ على ربِّ العالمين، فأُحِبُّ أنْ يُعرض عملي وأنا صائم". رواه أبو داود والنسائي، وفي إسناده رجلان مجهولان: مولى قدامة ومولى أسامة. (2) ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" عن شرحبيل بن سعد عن أسامة قال: كانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم الاثنين والخميس، ويقول: "إنَّ هذين اليومين تُعرض فيهما الأعمال". 1044 - (4) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتحرى صومَ الاثنين والخميس". رواه النسائي وابن ماجه والترمذي وقال: "حديث حسن غريب".   (1) الأصل: (ذلك)، قال الناجي: "كذا وجد في أكثر النسخ، ولعله من النساخ، وصوابه (ذانك) لكنْ تصحف بـ (ذلك)، إذ اللفظتان متقاربتان خطّاً. وفي القرآن {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ} ". قلت: وعلى الصواب جاء في النسائي (1/ 322) والسياق له، ورواه أحمد في حديث، انظر "الإرواء" (4/ 103). وغفل عنه الثلاثة. (2) قلت: هما في إسناد أبي داود (2436) فقط دون إسناد النسائي (1/ 322)، وهو حسن، والسياق له. الحديث: 1043 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 11 - (الترغيب في صوم الأربعاء والخميس والجمعة والسبت والأحد، وما جاء في النهي عن تخصيص الجمعة بالصوم، أو السبت). 1045 - (1) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تَخُصّوا ليلةَ الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام؛ إلا أنْ يكون في صوم يصومه أحدكم". رواه مسلم والنسائي. 1046 - (2) [صحيح] وعنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يصومُ أحدكم يومَ الجمعة، إلا أنْ يصومَ يوماً قبله أو يوماً بعده". رواه البخاري -واللفظ له (1) - ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه". 1047 - (3) [صحيح] وعن أم المؤمنين جُوَيرية بنت الحارث رضي الله عنها: أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عليها يومَ الجمعة وهي صائمة؟ فقال: "أصمتِ أمس؟ ". قالت: لا. قال: "أتريدين أنْ تصومي غداً؟ ". قالت: لا. قال: "فأفطري". رواه البخاري وأبو داود.   (1) قلت: ليس كذلك، بل لفظه: "لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده". قال الحافظ في "شرحه" (4/ 203): "تقديره: إلا أنْ يصوم يوماً قبله، لأنَّ (يوماً) لا يصح استثناؤه من يوم الجمعة". وألفاظ الآخرين بنحوه، فكأنَّ المصنف رواه بالمعنى. الحديث: 1045 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 1048 - (4) [صحيح] وعن محمد بن عباد قال: سألت جابراً وهو يطوف بالبيت: أَنَهى النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيامِ [يوم] الجمعة؟ قال: نعم، وربِّ هذا البيت! رواه البخاري ومسلم. 1049 - (5) [صحيح] وعن عبد الله بن بُسْر عن أخته الصَّماء رضي الله عنها؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تصوموا يومَ (1) السبت إلا فيما افتُرض عليكم، فإنْ لم يجدْ أحدُكم إلا لِحاءَ عِنَبَةٍ، أو عودِ شجرةٍ فليمضَغْه". (2) رواه الترمذي وحسنه، والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه"، وأبو داود وقال: "هذا حديث منسوخ" (3).   (1) الأصل: (ليلة)، وهو خطأ مطبعي فاحش، ومع ذلك غفل عنه المحققون الثلاثة -زعموا-! (2) قال في النهاية: "أراد قشر العنبة استعارة من قشر العود. والله أعلم". (3) قلت: لا دليل على النسخ، ونحوه حَمْلُ الحديث على إفراد السبت بالصوم كما يأتي من المصنف، فإنَّه وإنْ قال به كثير من العلماء كما كنت ذكرت في الطبعة السابقة، وجريت مجراهم، فقد ظهر لي أنَّ الأقرب أنَّه لا يشرع صيامه مطلقاً إلا في الفرض، مشياً مع ظاهر الحديث؛ لأنَّه نهى أولاً نهياً عاماً، ثم استثنى الفرض فقط، ثم أكد الأمر بإفطاره في غير الفرض بقوله: "فإنْ لم يجد أحدكم إلا. ."، وحديث أبي هريرة لا ينهض لتخصيصه؛ لأنَّه مبيح، وهذا حاظر، والحاظر مقدم على المبيح كما هو معلوم من علم الأصول، مع منافاته للحصر المذكور فيه كما تقدم، والله أعلم. ومن شاء التفصيل فلينظره في كتابي "تمام المنة" (ص 405 - 408)، و"الصحيحة (3101)، ومن الملاحظ أنَّ هناك شبه اتفاق على صحة الحديث، أما الذين صرحوا بصحته -وهم جمع كثير ترى أسماءهم هناك-، فمنهم المتأول له ومنهم القائل بنسخه، وذلك يعني صحته عندهم كما هو ظاهر، وأما إعلال بعضهم إياه بالاضطراب فهو مرجوح، على أنه خاص في طريق واحدة، والطرق الأخرى سالمة منه. فمن أعله من المعاصرين، فلضيق عطنه، وعجزه عن الخوض في هذا المعترك، ومن هذا القبيل موقف المعلقين الثلاثة، فإنهم مع تصديرهم إياه بقولهم: "صحيح الإسناد، رواه الترمذي. . ."، ختموا تخريجهم بقولهم: "لكنَّ الحديث معلول. ."!! الحديث: 1048 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 ورواه النسائي أيضاً وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه" عن عبد الله بن بسر، دون ذكر أخته. [صحيح لغيره] ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" أيضاً عن عبد الله بن شقيق (1) عن عمته الصماء أخت بسر؛ أنَّها كانت تقول: "نهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيامِ يوم السبت، ويقول: "إنْ لم يجدْ أحدكم إلا عوداً أخضر؛ فليفطر عليه". (اللحاء) بكسر اللام وبالحاء المهملة ممدوداً: هو القشر. (قال الحافظ): "وهذا النهي إنما هو عن إفراده بالصوم، لما تقدم من حديث أبي هريرة: "لا يصوم أحدكم يومَ الجمعة؛ إلا أن يصوم يوماً قبله، أو يوماً بعده". فجاز إذاً صومه" (2).   (1) كذا وقع في أصل "صحيح ابن خزيمة" فصححه الدكتور الأعظمي فجعله (عبد الله بن بسر) معتمداً على "سنن البيهقي" وعلى تعقيب ابن خزيمة على الحديث (3/ 317). وعلى الصواب وقع أيضاً في "كبرى النسائي" (2/ 143)، وسقط من "الصحيح" لفظ (ابن) مضافاً إلى (عبد الله ابن بسر) وسماه المزي (يحيى)، ولم أجد له ترجمة. (2) هذا رأي كثير من العلماء كما ذكرت آنفاً، مع بيان الراجح عندي. ومع ذلك فإن الرأي المذكور يعني أنه لا يجوز إفراد صوم يوم عاشوراء أو عرفة إذا وافق يوم السبت، وهذا مما يغفل عنه الجماهير. فينبغي التنبه له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 12 - (الترغيب في صوم يوم وإفطار يوم، وهو صوم داود عليه السلام). 1050 - (1) [صحيح] عن عبد الله بن عَمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّك لتصومُ النهارَ، وتقومُ الليلَ". قلت: نعم. قال: "إنَّك إذا فعلتَ ذلك هَجَمَتْ له العين، ونَفِهَتْ له النفس، لا صامَ من صامَ الأبَد، صومُ ثلاثة أيام من الشهر، صومُ الشهر كله". قلت: فإنِّي أطيق أكثر من ذلك. قال: "فصُمْ صومَ داود، كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً، ولا يَفِرُّ إذا لاقى". (1) وفي رواية: "ألم أُخبَرْ أنَّك تصوم ولا تفطر، وتصلي الليل؟ فلا تفعل، فإنَّ لعينك حَظاً، ولنفسك حظاً، ولأهلك حَظاً، فصُمْ وأفطرْ، وصلِّ ونَمْ، وصُمْ من كل عشرةِ أيام يوماً، ولك أجرُ تسعةٍ". قال: إني أجد (2) أقوى من ذلك يا نبي الله! قال: "فصُمْ صيامَ داودَ". قال: وكيف كان يصوم يا نبي الله؟ قال: "كان يصومُ يوماً ويفطر يوماً، ولا يفرُّ إذا لاقى".   (1) أي: لا يهرب إذا لاقى العدو. وقيل في ذكر هذا عقب ذكر صومه إشارة إلى أنَّ الصوم على هذا الوجه لا ينهك البدن، ولا يضعفه عن لقاء العدو، بل يستعين بفطر يوم على صيام يوم، فلا يضعف عن الجهاد وغيره من الحقوق، ويجد مشقة الصوم في يوم الصيام؛ لأنَّه لم يعتده بحيث يصير الصيام له عادة، فإنَّ الأمور إذا صارت عادة سهلت مشاقها. كذا في حاشية الأصل. (2) كذا وجد، وإنما هي: "أجدني"، لكنْ سقط بقيتها. كذا في "العجالة" (126/ 2). الحديث: 1050 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 وفي أخرى: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا صومَ فوق صومِ داودَ عليه السلام، شطر الدهر، صُم يوماً، وأفطر يوماً". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. [صحيح] وفي رواية لمسلم: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "صم يوماً، ولك أجرُ ما بقي". قال: إنِّي أطيقُ أفضل من ذلك. قال: ["صم يومين، ولك أجر ما بقي". قال: إنِّي أطيق أكثر من ذلك. قال:] "صم ثلاثةَ أيام، ولك أجر ما بقي". قال: إنِّي أطيق أفضلَ من ذلك. قال: ["صم أربعة أيام، ولك أجر ما بقي". قال: إنِّي أطيق أكثر من ذلك]. قال: "صمِ أفضل الصيام عند الله، صومَ داود عليه السلام، كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً". [مضى هنا 9/ رقم (11)]. [صحيح] وفي رواية لمسلم وأبي داود: قال: "فصُمْ يوماً وأفطرْ يوماً، وهو أعدلُ الصيامِ، وهو صيامُ داودَ عليه السلام". قلت: إنِّي أطيق أفضل من ذلك. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا أفضلَ من ذلك". (1) [صحيح] وفي رواية للنسائي:   (1) قلت: وهذه الرواية عند البخاري أيضاً دون قوله: "وهو أعدل الصيام"، وهو في "مختصري للبخاري" (66 - فضائل القرآن/ 34 - باب). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 "صُمْ أحبُّ الصيامِ إلى اللهِ عز وجل صومَ داود، كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً". [صحيح لغيره] وفي رواية لمسلم قال: "كنت أصوم الدهرَ، وأقرأ القرآنَ كلَّ ليلة، قال: فإمَّا ذكرتُ للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإمَّا أرسل إليّ، فأتيته فقال: "ألم أخبرْ أنك تصومُ الدهرَ، وتقرأُ القرآنَ كلُّ ليلة؟ ". فقلت: بلى يا نبي الله! ولم أُرِد بذلك إلا الخير. قال: "فإنَّ بحسبك أنْ تصومَ من كلِّ شهرٍ ثلاثة أيامٍ". فقلت: يا نبيَّ الله! إنِّي أطيقُ أفضل من ذلك. قال: "فإنَّ لزوجِكَ عليك حقاً، ولزَورِك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً. (قال:) فصُمْ صومَ داودَ نبيَّ الله!، فإنَّه كان أعبدَ الناس". قال: قلت: يا نبي الله! وما صوم داود؟ قال: "كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً، (قال:) واقرأ القرآن في كل شهر". قال: قلت: يا رسول الله! إنّي أطيق أفضل من ذلك. قال: "فاقرأه في كل عشرين". قال: قلت: يا نبي الله! إنِّي أطيق أفضل من ذلك. قال: "فاقرأه في كل عشر". قال: قلت: يا نبي الله! إنِّي أطيق أفضل من ذلك. قال: "فاقرأه في كلِّ سَبع، ولا تَزِد على ذلك؛ فإنَّ لزوجك عليك حقاً، ولزَوْرِك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً". (1)   (1) هذه الرواية من طريق عكرمة بن عمار التي أشرت إليها في التعليق على الحديث رقم (11) الباب (1037): وفي آخرها: قال: فشدَّدت فشدد علي. قال: وقال لي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر". قال فصرت إلى الذي قال لي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فلما كَبرت وددت أني كنت قبلت رخصة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 1051 - (2) [صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أحبُّ الصيامِ إلى اللهِ صيامُ داود، وأحبُّ الصلاةِ إلى اللهِ صلاةُ داود؛ كان ينام نصفَ الليلِ، ويقوم ثلثَه، وينام سُدْسَه، وكان يُفطر يوماً، ويصوم يوماً". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. (هجمت العين) بفتح الهاء والجيم، أي: غارت وظهر عليها الضعف. (ونَفِهت النفس) بفتح النون وكسر الفاء، أي: كَلَّت وملت وأعيت. (والزَّور) بفتح الزاي: هو الزائر، الواحد والجمع فيه سواء. الحديث: 1051 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 13 - (ترهيب المرأة أنْ تصوم تطوعاً وزوجها حاضر إلا أنْ تستأذنه). 1052 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يحلُّ لامرأةٍ أنْ تصومَ وزوجها شاهدٌ إلا بإذنه؛ ولا تأذنَ في بيته إلا بإذنه". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. [حسن] ورواه أحمد بإسناد حسن (1)، وزاد: "إلا رمضان". [صحيح] وفي بعض روايات أبي داود: "غير رمضان". [صحيح] وفي رواية للترمذي وابن ماجه: "لا تصم المرأة وزوجها شاهدٌ يوماً من غيرِ شهر رمضانَ إلا بإذنه". ورواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" بنحو الترمذي.   (1) قلت: هو كما قال، أخرجه (2/ 444 و476) من طريق موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة، لكنَّه أخرجه (2/ 245) بإسناد آخر صحيح عنه. وبه أخرجه الترمذي وابن ماجه. وهو مخرج في "الإرواء" (7/ 63) و"الصحيحة" (395). الحديث: 1052 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 14 - (ترهيب المسافر من الصوم إذا كان يشق عليه، وترغيبه في الإفطار). 1053 - (1) [صحيح] عن جابر رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرجَ عامَ الفتحِ إلى مكةَ في رمضانَ، فصام، حتى بلغ (كُراع الغَميم) وصامَ الناسُ، ثم دعا بقدح من ماء، فرفعه حتى نظر الناسُ إليه، ثم شرب. فقيل له بعد ذلك: إنَّ بعضَ الناسِ قد صامَ؟ فقال: "أولئك العصاةُ، أولئك العصاةُ". وفي رواية: "فقيل له: إنَّ الناسَ قد شقَّ عليهم الصيامُ، إنما ينظرون فيما فعلتَ. فدعا بقدحٍ من ماءٍ بعدَ العصر" الحديث. رواه مسلم. (1) (كُراع) بضم الكاف. (الغَميم) بفتح الغين المعجمة: وهو موضع على ثلاثة أميال من (عُسفان). (2) 1054 - (2) [صحيح] وعنه قال: كانَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفرٍ، فرأى رجلاً قد اجتمع الناسُ عليه، وقد ظُلِّل عليه، فقال: ما له؟ قالوا: رجلٌ صائم. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليسَ البرَّ أنْ تصوموا في السفر".   (1) (ج3/ 141 - 142)، وكان في الأصل زيادة وتكرار فحذفته، لمخالفته لـ"مسلم"، ولعدم ورود ذلك في "مختصر الترغيب" للحافظ (ص 85). وقد نقل كلامي هذا المعلقون الثلاثة (2/ 72)، ولجهلهم حملوه على الرواية الثانية المذكورة أعلاه، فقالا: "وحذف الألباني الرواية الثانية الواردة، وقال. .". وإنما حذفت قوله المكرر في الأصل وهو: "وفي رواية: فقيل له: إن بعض الناس قد صام فقال: أولئك العصاة، أولئك العصاة"! وبعده الرواية الثانية المذكورة أعلاه. (2) قلت: وهذا موضع على مرحلتين من مكة. الحديث: 1053 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 (زاد في رواية): "وعليكم برخصةِ اللهِ التي رخَّصَ لكم". (1) وفي رواية: "ليس من البرِّ الصومُ في السفر". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. [صحيح] وفي رواية للنسائي: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرَّ على رجلٍ في ظلِّ شجرةٍ يرشُّ عليه الماء، فقال: "ما بال صاحبكم؟ ". قالوا: يا رسول الله! صائم. قال: "إنَّه ليس من البرِّ أن تصوموا في السفر، وعليكم برخصةِ الله التي رخَّص لكم، فاقبلوها". 1055 - (3) [حسن صحيح] وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: أقبلنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غزوة، فَسِرنا في يوم شديدِ الحر، فنزلنا في بعض الطريق، فانطلق رجل منا فدخل تحت شجرة، فإذا أصحابه يلوذون به، وهو مضطجع كهيئة الوجِع، فلما رآهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما بال صاحبكم؟ ". قالوا: صائم. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس من البرِّ أنْ تصوموا في السفرِ، عليكم بالرخصة التي رخَّص الله لكم، فاقبلوها". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن.   (1) هذه الزيادة ليست إلا عند النسائي، وهي مخرجة في "إرواء الغليل" (4/ 54 - 57). الحديث: 1055 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 1056 - (4) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سار رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزل بأصحابه، وإذا ناسٌ قد جعلوا عريشاً على صاحبهم، وهو صائم، فمرَّ به رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ما شأن صاحبِكُم! أوَجعٌ؟ ". قالوا: لا يا رسول الله، ولكنَّه صائم، وذلك في يوم حرور. (1) فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا بِرَّ أنْ يُصامَ في سفرٍ". رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله رجال الصحيح. (2) 1057 - (5) [صحيح] وعن كعب بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ليس مِنَ البرِّ الصيامُ في السفرِ". رواه النسائي وابن ماجه بإسناد صحيح. 1058 - (6) [صحيح] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس من البرِّ الصومُ في السفرِ". رواه ابن ماجه وابن حبان في "صحيحه". 1059 - (7) [حسن صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن اللهَ تباركَ وتعالى يُحبُّ أن تؤتى رُخصُه، كما يكره أن تُؤتى معصيتُه".   (1) وزان (رسول): الريح الحارة، قال الفراء: تكون ليلاً ونهاراً. "المصباح". (2) قلت: وتبعه الهيثمي (3/ 161)، وهو من أوهامهما، فإنَّه في "الكبير" (13/ 45/ 109) من طريق حيي عن أبي عبد الرحمن عنه، حيي -هو ابن عبد الله المعافري- ليس من رجال "الصحيح"، وهو صدوق يهم. فهو حسن. الحديث: 1056 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 رواه أحمد بإسناد صحيح، والبزار، والطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". (1) [حسن صحيح] وفي رواية لابن خزيمة قال: "إنَّ الله يحبُّ أنْ تؤتى رخصُه؛ كما يحب أنْ تتركَ معصيتُه". 1060 - (8) [صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله يحب أن تؤتى رخصُه؛ كما يحب أنْ تؤتى عزائمه". رواه البزار بإسناد حسن والطبراني، وابن حبان في "صحيحه". 1061 - (9) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: كنا مع النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السفر فمنا الصائمُ، ومنا المفطرُ، قال: فنزلنا منزلاً في يوم حارّ، أكثرنا ظلاً صاحبُ الكساء، ومنا من يَتَّقي الشمسَ بيده، قال: فسقط الصُّوّامُ، وقام المفطرون فضربوا الأبنية، وسَقَوْا الرِّكاب (2)، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ذهب المفطرونَ اليومَ بالأجرِ". رواه مسلم. (3) 1062 - (10) [صحيح] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسِتَّ عَشْرَةَ مضت من رمضان، فمنا من صام،   (1) قلت: إسناده عندهم جميعاً يدور من طرق على عمارة بن غزية عن حرب بن قيس عن نافع عن ابن عمر. وهذا إسناد حسن؛ حرب هذا لم يوثقه غير ابن حبان، وسقط من إسناد أحمد في رواية، فصارت ظاهرة الصحة ولكنها شاذة لمخالفتها الطرق المشار إليها، ولرواية أحمد الأخرى. انظر تفصيله في "الإرواء" (3/ 9 - 13). (2) هما المطي، الواحدة: (راحلة) من غير لفظها. (3) وكذا البخاري والنسائي وغيرهما بنحوه. كذا في "العجالة" (126/ 2). وهو في "السنن الكبرى" للنسائي، كما في "الضعيفة" تحت الحديث (84). وهو في كتابي "مختصر البخاري" (56 - الجهاد/ 81 - باب). الحديث: 1060 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 ومنا من أفطر، فلم يُعب الصائمُ على المفطرِ، ولا المفطرُ على الصائم. وفي رواية: يرون أنَّ من وجدَ قوةً فَصَامَ، فإنَّ ذلك حسن، ويرون أنَّ من وجد ضعفاً فأفطر، فإنَّ ذلك حسن. رواه مسلم وغيره. (قال الحافظ): "اختلف العلماء أيهما أفضل في السفر؛ الصوم أو الفطر؟ فذهب أنس بن مالك رضي الله عنه إلى أنَّ الصوم أفضل، وحُكي ذلك أيضاً عن عثمان بن أبي العاصي، إليه ذهب إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير والثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي. وقال مالك والفضيل بن عياض والشافعي: الصوم أحب إلينا لمن قوي عليه. وقال عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وسعيد بن المسيب والشعبي والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: الفطر أفضل. وروي عن عمر بن عبد العزيز وقتادة ومجاهد: أفضلهما أيسرهما على المرء. واختار هذا القول الحافظ أبو بكر بن المنذر، وهو قول حسن. والله أعلم". (1)   (1) قلت: ولقد صدق رحمه الله، "أفضلهما أيسرهما"، والناس تختلف طاقاتهم وظروفهم. فليأخذ كل منهم بما هو أيسر له، ولذلك صح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال لمن سأله عن الصوم في السفر: "صم إن شئت، وأفطر إن شئت". رواه مسلم (3/ 145)، وفي طريق آخر صحيح بلفظ: "أي ذلك عليك أيسر فافعل"، وهو مخرج في "الصحيحة" (2884). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 15 - (الترغيب في السحور سيما بالتمر). 1063 - (1) [صحيح] عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تسحَّروا فإنَّ في السحور (1) بركة". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. 1064 - (2) [صحيح] وعن عمرو بن العاصي رضي الله عنه؛ [أَن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] قال: (2) "فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلةُ السحر". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة. 1065 - (3) [حسن لغيره] وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "البركة في ثلاثة: في الجماعة، والثريد، والسحور". رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات، وفيهم (أبو عبد الله البصري)، لا يُدرى من هو؟   (1) روي بفتح السين المهملة وضمها، فالمفتوح اسم المأكول، والمضموم اسم للفعل، وكلاهما صحيح هنا، والأمر للندب والاستحباب بإجماع العلماء، وكون السحور فيه بركة ظاهر؛ لأنَّه يقوّي على الصيام، وينشط له، وتحصل بسببه الرغبة في الازدياد في الصيام لخفة المشقة فيه على المتسحر، وقيل في معناه غير ذلك. والله أعلم. (2) كذا وجد في هذا الكتاب، وقد سقط منه ذكر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ولا بد منه إذ الحديث مرفوع في نفس الرواية عند من رواه، ولا أدري ما سبب إسقاط رفعه؛ وكذا وقع قريب من هذا في غير هذا الموضع، وهو خطأ بلا شك، كذا في "العجالة" (126/ 2). قلت: وكذلك وقع في "مختصر الترغيب" لابن حجر (ص 87)، ولم ينتبه لذلك محققه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي؛ ولذلك استدركت السقط، فجعلته بين المعكوفتين، خلافاً لما فعله المعلقون الثلاثة الذين لم يستدركوها مع ذكرهم أرقام المصادر الخمسة! فيا لهم من محققين!! الحديث: 1063 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 1066 - (4) [حسن صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ اللهَ وملائكتة يصلون على المتسحرين". رواه الطبراني في "الأوسط"، وابن حبان في "صحيحه". 1067 - (5) [صحيح لغيره] وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: دعاني رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى السحور في رمضانَ فقال: "هَلُمَّ إلى الغَداءِ المباركِ". رواه أبو داود والنسائي، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". قال المملي رضي الله عنه: رووه كلهم عن الحارث بن زياد عن أبي رهم عن العرباض، والحارث لم يرو عنه غير يونس بن سيف، وقال أبو عمر النَّمِري: "مجهول، يروي عن أبي رهم، حديثه منكر". (1) 1068 - (6) [صحيح لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هو (2) الغداءُ المبارك. يعني السحور". رواه ابن حبان في "صحيحه". 1069 - (7) [صحيح] وعن عبد الله بن الحارث عن رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: دخلتُ على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يتسحر، فقال: "إنَّها بركة أعطاكم الله إياها، فلا تدَعوه". رواه النسائي بإسناد حسن.   (1) قلت: إنْ كان يعني هذا كما هو الظاهر فلا وجه لإنكاره لكثرة شواهده، وبعضها صحيح كحديث المقدام بن معدي كرب بلفظ: "عليكم بغداء السحور، فإنَّه هو الغداء المبارك". رواه النسائي وغيره وهو مما فات المصنف، وقد خرَّجته في "الصحيحة" (3408). (2) الأصل: (هلم)، والمثبت من "الموارد" (881) و"الإحسان". وفيه عقب هذا حديث آخر، لكنه ضعيف فهو في الكتاب الآخر، ومثله غيره. الحديث: 1066 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 1070 - (8) [حسن لغيره] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "السحورُ كلُّه بركة، فلا تَدَعوه، ولو أنْ يجرعَ أحدكم خرعةً من ماء، فإنَّ الله عز وجل وملائكتَه يصلون على المتسحرين". رواه أحمد، وإسناده قوي. (1) 1071 - (9) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تسحروا ولو بجرعةٍ من ماءٍ". رواه ابن حبان في "صحيحه". 1072 - (10) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "نِعمَ سحورٌ المؤمنِ التمرُ". رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه".   (1) قال الناجي (126/ 2): "ليس كذلك، بل هو ضعيف لمكان عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فإنَّ أحمد رواه عن إسحاق بن عيسى، وهو ابن الطباع عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عنه". قلت: لكنْ له في "مسند أحمد" (3/ 12) طريق أخرى ليس فيها عبد الرحمن هذا، فالحديث قوي بمجموع الطريقين وبشواهده التي منها الآتي بعده، والذي تقدم في الباب برقم (3 - 7). الحديث: 1070 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 16 - (الترغيب في تعجيل الفطر وتأخير السحور). 1073 - (1) [صحيح] عن سهل بن سعد رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يزالُ الناسُ بخيرٍ؛ ما عجَّلوا الفطر". رواه البخاري ومسلم والترمذي. 1074 - (2) [صحيح] وعنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تزالُ أمتي على سنتي؛ ما لم تنتظر بفطرها النجوم". رواه ابن حبان في "صحيحه". 1075 - (3) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يزال الدينُ ظاهراً ما عجَّل الناس الفطرَ؛ لأنَّ اليهود والنصارى يؤخرون". رواه أبو داود وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، وعند ابن ماجه: "لا يزال الناس بخير. . .". 1076 - (4) [صحيح] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ما رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قط صلَّى صلاةَ المغربِ حتى يُفطَر؛ ولو على شربةٍ من ماءٍ". رواه أبو يعلى، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحهما". الحديث: 1073 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 17 - (الترغيب في الفطر على التمر، فإنْ لم يجد فعلى الماء). 1077 - (1) [حسن] وعن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفطرُ قبل أنْ يصليَ على رُطَبَات، فإنْ لم تكن رُطَبات فتَمَراتٌ، فإنْ لم تكن تَمَرات حسا حَسَواتٍ من ماء". رواه أبو داود والترمذي، وقال: "حديث حسن". 18 - (الترغيب في إطعام الصائم). 1078 - (1) [صحيح] عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من فطّر صائماً؛ كان له مثل أجره، غير أنَّه لا ينقص من أجر الصائم شيء". رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". [صحيح] ولفظ ابن خزيمة والنسائي (1): "من جهز غازياً، أو جهز حاجاً، أو خلَفه في أهله، أو فَطَّر صائماً؛ كان له مثل أجورهم، من غير أنْ ينقص من أجورهم شيء". 19 - (ترغيب الصائم في أكل المفطرين عنده). [لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا].   (1) في "السنن الكبرى" (2/ 256/ 3330). الحديث: 1077 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 20 - (ترهيب الصائم من الغيبة والفحش والكذب ونحو ذلك). 1079 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من لم يَدع قولَ الزورِ والعملَ به؛ فليس للهِ حاجة في أنْ يَدعَ طعامَه وشرابَه". [صحيح] رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وعنده: "من لم يدع قول الزور والجهلَ والعمل به". وهو رواية للنسائي. (1) 1080 - (2) [حسن لغيره] ورواه الطبراني (2) في "الصغير" و"الأوسط" من حديث أنس بن مالك، ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من لم يَدعِ الخنا والكذب؛ فلا حاجَة لله أنْ يدعَ طعامه وشرابه". 1081 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال اللهُ عز وجل: كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصيامَ، فإنَّه لي، وأنا أجزي   (1) قلت: في "السنن الكبرى" (2/ 238 - 239) وكذا البخاري؛ إلا أنَّهما قالا: "والعمل به والجهل". انظر "مختصر البخاري" (921)، وقد سقط منه زيادة "والجهل"، فاستدركتها في نسختي منه لتستدرك في الطبعة الثانية إنْ شاء الله تعالى -وقد تم طبعها والحمد لله- برقم (886) ولكنْ فاتنا وضعها بين معكوفتين إشارة إلى أنها زيادة في رواية مسنده. (2) رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط" كما قال؛ لكنْ بسند قال الهيثمي: "فيه من لم أعرفه"! فقصر، وقال الحافظ: "رجاله ثقات"! وفيه نظر بينته في "الروض النضير" (118)، وهذا الحديث مما سقط من مطبوعة "المعجم الأوسط" في جملة أحاديث هي في وجهين من "المصورة" (1/ 208 / 2 - 209/ 2)، وعددها (13) هذا أحدها! وقد استُدركت في الطبعة الجديدة منه (4/ 65 - 69 - طبعة الحرمين) ورقمه فيها (3622). الحديث: 1079 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 به، والصيامُ جُنَّةٌ، فإذا كانَ يومُ صومِ أحدِكم فلا يَرفُثْ، ولا يصخب، فإنْ سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إنِّي صائمٌ، إنِّي صائم" الحديث. رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وتقدم بطرقه وذكر غريبه في [أول] "الصيام". 1082 - (4) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس الصيامُ من الأكلِ والشربِ، إنما الصيامُ من اللغو والرفث، فإنْ سابَّك أحدٌ أو جهل عليك، فقل: إنِّي صائم، إنِّي صائم". رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". [حسن] وفي رواية لابن خزيمة (1) عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تَسابَّ وأنت صائم، فإنْ سابَّك أحدٌ فقل: إنِّي صائم، وإنْ كنت قائماً فاجلس". 1083 - (5) [حسن صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع، ورُبَّ قائِمٍ ليس له من قيامه إلا السّهَرُ". [حسن صحيح] رواه ابن ماجه -واللفظ له- والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط البخاري"، ولفظهما: "رُبَّ صائمٍ حظُّه من صيامِه الجوعُ والعطشُ، وربَّ قائمٍ حظُّه من قيامِه السهرُ".   (1) قلت: وعنه ابن حبان (897 - موارد). الحديث: 1082 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 [حسن صحيح] ورواه البيهقي ولفظه: "رُبَّ قائمٍ حظُّه من القيامِ السهرُ، ورُبَّ صائمٍ حظُّه من الصيامِ الجوعُ والعطشُ". 1084 - (6) [صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رُبَّ صائمٍ حظُّه من صيامِه الجوعُ والعطشُ، ورُبَّ قائمٍ حظُّه من قيامِه السهرُ". رواه الطبراني في "الكبير"، وإسناده لا بأس به. 21 - (الترغيب في الاعتكاف). [لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا]. الحديث: 1084 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 22 - (الترغيب في صدقة الفطر، وبيان تأكيدها (1)). 1085 - (1) [حسن] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فرضَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدقةَ الفطرِ طُهرةً للصائمِ من اللغوِ والرفثِ، طُعمةً للمساكين، فمنَ أداها قبل الصلاة؛ فهي زكاةٌ مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة؛ فهي صدقةٌ من الصدقةِ". رواه أبو داود وابن ماجه، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط البخاري". قال الخطابي رحمه الله: "قوله: (فرض رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاة الفطر) فيه بيان أنَّ صدقة الفطر فرض واجب، كافتراض الزكاة الواجبة في الأموال، وفيه بيان أنَّ ما فرض رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهو كما فرض الله؛ لأنَّ طاعته صادرة عن طاعة الله. وقد قال بفرضية زكاة الفطر ووجوبها عامة أهل العلم. وقد عللت بأنَّها طهرة للصائم من الرفث واللغو، فهي واجبة على كل صائم في ذي جِدَةٍ، أو فقير يَجدُها فضلاً عن قوته: إذ كان وجوبها لعلة التطهير، وكل الصائمين محتاجون إليها، فإذا اشتركوا في العلة اشتركوا في الوجوب" انتهى (2). وقال الحافظ أبو بكر بن المنذر: "أجمع عوام أهل العلم على أنَّ صدقة الفطر فرض، وممن حفظنا ذلك عنه من أهل العلم محمد بن سيرين، وأبو العالية، والضحاك، وعطاء، ومالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي (3)، وقال إسحاق: هو كالإجماع من أهل العلم" انتهى.   (1) أضيفت الصدقة إلى الفطر لوجوبها بالفطر من رمضان. وقال ابن قتيبة: "المراد بزكاة الفطر زكاة النفوس، مأخوذ من الفطرة التي هي أصل الخلقة، وحكمها الوجوب إجماعاً، ولا عبرة بمن خالف وشذ. والله أعلم". (2) "معالم السنن" (3/ 214). (3) قلت: يعني الحنفية، ولكنهم لا يقولون هنا بالفرضية، وإنما بالوجوب، ولهم في التفريق بينهما فلسفة خاصة؛ خالفوا في ذلك الجماعة، ولا يتسع المجال هنا لبيانها. الحديث: 1085 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 1086 - (2) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن ثعلبة، أو ثعلبة بن عبد الله بن صُعير (1) عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صاع من بُرِّ أو قمحٍ، على كلِّ اثنين صغيرٍ أو كبيرٍ، حرٍّ أو عبدٍ، ذكرٍ أو أنثى. . .". رواه أحمد وأبو داود (2). (صُعير): هو بالعين المهملة مصغراً.   (1) الأصل: (أبي صعير)، والصواب: "بن صعير" بإسقاط أداة الكنية، كما نبه عليه الناجي، وغفل عنه الثلاثة المعلقون كما هي عادتهم. (2) وهو مخرج في "الصحيحة" (1177)، و"صحيح أبي داود" (1434). الحديث: 1086 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 10 - كتاب العيدين (1) والأضحية. 1 - (الترغيب في إحياء ليلتي العيدين). 2 - (الترغيب في التكبير في العيد وذكر فضله). [لم يذكر تحتهما أحاديث على شرط كتابنا]. 3 - (الترغيب في الأضحية، وما جاء فيمن لم يضحِّ مع القدرة، ومَن باع جلد أضحيته). 1087 - (1) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من وجد سَعةً لأن يضحي فلم يُضَحِّ؛ فلا يحضُرْ مصلانا". رواه الحاكم مرفوعاً هكذا وصححه، وموقوفاً، ولعله أشبه. 1088 - (2) [حسن] وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من باع جلد أضحيته فلا أضحيةَ له". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (قال الحافظ): "في إسناده عبد الله بن عيّاش القِتْبَاني المصري، مختلف فيه، وقد جاء في غير ما حديث عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النهي عن بيع جلد الأضحية. (2)   (1) كتاب (العيدين): تثنية (عيد)، عيد الأضحى وعيد الفطر، مشتق من (العَوْد) لتكرره كل عام أو لعود السرور بعوده. أو لكثرة عوائد الله على عباده فيه. وجمعه (أعياد) بالياء، وإن كان أصله الواو للزومها في الواحد، أو للفرق بينه وبين أعواد الخشب. (2) قال الناجي: "لا أستحضر الآن في هذا المعنى غير الحديث المذكور من طريق عبد الله، وقد رواه ابن جرير من طريقه موقوفاً على أبي هريرة. لكنْ في مسند الإمام أحمد من حديث = الحديث: 1087 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 4 - (الترهيب من المثلة بالحيوان، ومن قتله غير الأكل، وما جاء في الأمر بتحسين القِتْلة الذِّبحة). 1089 - (1) [صحيح] عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ اللهَ كتبَ الإحسانَ على كل شيءٍ، فإذا قتلتُم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة (1)، وَلْيُحِدِّ (2) أحدُكم شَفرته، ولْيُرِحْ ذبيحته". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 1090 - (2) [صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على رجل واضعٍ رجلَه على صفحة شاة، وهو يُحِدُّ شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، قال: "أفلا قبل هذا؟ أوَ تريد أنْ تميتها موتات؟! ". رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، رجاله رجال "الصحيح"، ورواه الحاكم   = قتادة بن النعمان أنَّه عليه الصلاة والسلام قام -أي خطيباً-، فقال: "لا تبيعوا لحوم الهدي والأضاحي، وكلوا وتصدقوا واستمتعوا بجلودها، ولا تبيعوها". [قلت: في إسناده (4/ 15) عنعنة ابن جريج. قال:] وقال سعيد بن منصور: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سئل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن جلود الضحايا؟ فقال: تصدقوا بها ولا تبيعوها"، وهذا مرسل ضعيف". كذا في "العجالة" مختصراً (127/ 1 - 2). (1) (القتْلة والذِّبحة) بكسر القاف والذال المعجمة فيهما: اسم للهيئة والحالة. (2) هو بضَم الياء يقال: أحدٌ السكين وحددها واستحدها بمعنى. (وليرح ذبيحته) بإحداد السكين وتعجيل إمرارها وغير ذلك. وقوله: (فأحسنوا القِتْلة) عام في كل قتيل من الذبائح والقتل والقصاص وفي الحد نحو ذلك. وهذا الحديث من الأحَاديث الجامعة لقاعدة هامة من قواعد الإسلام، ألا وهو الرفق بالحيوان. الحديث: 1089 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 إلا أنَّه قال: "أتريد أنَّ تُميتَها موتاتٍ؟! هلا أحددت شفرتك قبل أنْ تُضْجِعَها"، وقال: "صحيح على شرط البخاري". 1091 - (3) [صحيح] وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أمر النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحَدِّ الشِّفار، وأنْ توارى عن البهائم، وقال: "إذا ذبح أحدكم فليُجهزْ". رواه ابن ماجه. (1) (الشفار) جمع شفرة: وهي السكين. وقوله: (فليُجهز) هو بضم الياء وسكون الجيم وكسر الهاء وآخره زاي أي: فليسرع ذبحها ويتمه. 1092 - (4) [حسن لغيره] وعن ابن عمرو (2) أيضاً؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من إنسان يقتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها، إلا سأله الله عز وجل عنها". قيل: يا رسولَ الله! وما حقها؟ قال: "يذبحها فيأكلها، ولا يقطع رأسها ويرمي بها". رواه النسائي والحاكم، وصححه.   (1) قلت: فيه ابن لهيعة، لكنْ رواه عنه قتيبة بن سعيد عند أحمد، فهو صحيح، فانظر "الصحيحة" (3130). وأعله المعلقون بابن لهيعة! (2) الأصل: (ابن عمر)، والصواب ما أثبتناه وكذا في "النسائي" (2/ 201)، والحاكم (4/ 232)، وقد نبه على هذا الشيخ الناجي (127/ 2)، وفات ذلك على مختصِره الحافظ ابن حجر، ومن قام على تحقيقه! الحديث: 1091 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 1093 - (5) [صحيح] وعن مالك بن نضلة رضي الله عنه قال: أتيت النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "هل تُنتَجُ إبلُ قومِك صِحاحاً [آذانها]، فتعمد إلى الموسى فتقطع آذانها وتشُق جلودها، وتقول: هذه صُرم، فتحرمها عليك وعلى أهلك؟ ". قلتُ: نعم. قال: "فكلُّ ما آتاك الله حِلٌّ، ساعِدُ الله أشدُّ من ساعدِك، وموسى الله أحَدٌّ من موساك". رواه ابن حبان في "صحيحه". وسيأتي بابٌ في "الشفقة والرحمة إنْ شاء الله" [20 - القضاء/ 10]. (الصُّرْم) بضم الصاد المهملة وسكون الراء جمع (الصريم): وهو الذي صرم أذنه، أي: قطع (1). * * * [وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أنْ لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وصلى الله على محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم]. انتهى المجلد الأول من "صحيح الترغيب والترهيب" والحمد لله عز وجل، ويليه إن شاء الله المجلد الثاني، وأوله "11 - كتاب الحج".   (1) قلت: كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية يوقفونها لأصنامهم ويحرمونها على أنفسهم، يسيبونها ليس لها راع، وهي (البحيرة) المذكورة في قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}. الحديث: 1093 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 صَحِيحُ التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب تأليف محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله الجُزء الثاني مكتَبة المَعارف لِلنَشْرِ والتوزيْع لِصَاحِبَهَا سَعد بن عَبْد الرحمن الراشِد الريَاض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1 جميع الحقوق محفوظة للناشر، فلا يجوز نشر أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه أو تسجيله بأية وسيلة، أو تصويره أو ترجمته دون موافقة خطية مُسبقة من الناشر. الطبعة الأولى 1421 هـ - 2000 م (ح) مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، 1421 هـ فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر الألباني، محمد ناصر الدين صحيح الترغيب والترهيب للمنذري - الرياض 788 ص، 17.5 × 25 سم ردمك: 9 - 04 - 858 - 9660 (مجموعة) 5 - 06 - 858 - 9960 (ج 2) 1 - الحديث - شرح ديوي 237.3 2 - الحديث - جوامع الفنون 0277/ 21 أ- العنوان رقم الإيداع: 0277/ 21 ردمك: 9 - 04 - 858 - 9960 (مجموعة) 5 - 06 - 858 - 9960 (ج 2) مكتبة المعارف للنشر والتوزيع هَاتف: 4114535 - 4113350 فاكس 4112932 - ص. ب: 3281 الريَاض الرمز البريدي 11471 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 11 - كتابُ الحَجّ 1 - (الترغيب في الحج والعمرة، وما جاء فيمن خرج يقصدهما فمات). 1094 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ العملِ أفضلُ؟ قال: "إِيمَانٌ بِاللهِ ورسولِهِ". قِيلَ: ثم ماذا؟ قال: "الجهادُ في سبيلِ اللهِ". قِيلَ: ثم ماذا؟ قال: "حَجٌ مبرور". رواه البخاري ومسلم. (المبرور) قيل: هو الذي لا يقع فيه معصية. [حسن] وقد جاء من حديث جابر مرفوعاً: "إن برَّ الحج إطعامٌ الطعام، وطيبُ الكلامِ". . . (1) وسيأتي [هنا برقم (11)]. 1095 - (2) [صحيح] وعنه قال: سمعت رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من حجَّ فلم يَرفُثْ، ولم يَفْسُقْ؛ رجَع من ذنوبه كيوم ولدتْهُ أمُّه". رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة والترمذي، إلا أنه قال: "غفر له ما تقدم من ذنبه". (2)   (1) في الأصل هنا قوله: "وعند بعضهم: "إطعام الطعام، وإفشاء السلام. . ."؛ لكنه ضعيف. (2) قلت: هو بهذا اللفظ شاذ، لكن المعنى واحد. الحديث: 1094 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 (الرَّفَثُ) بفتح الراء والفاء جميعاً، وروي عن ابن عباس أنه قال: " (الرفث) ما رُوجعَ به النساءُ". وقال الأزهري: "الرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة". (قال الحافظ): " (الرفث) يطلق ويراد به الجماع، ويطلق ويراد به الفحش، ويطلق ويراد به خطابُ الرجلِ المرأةَ في ما يتعلق بالجماع، وقد نُقل في معنى الحديث كلُّ واحد من هذه الثلاثة عن جماعة من العلماء (1)، والله أعلم". 1096 - (3) [صحيح] وعنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "العمرةُ إلى العمرةِ كفارةٌ لما بينهما، والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة". رواه مالك والبخارى ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. 1097 - (4) [صحيح] وعن ابن شماسة قال: حَضَرْنا عَمرَو بنَ العاصي وهو في سياقة الموت؛ فبكى طويلاً، وقال: فلما جعل الله الإسلامَ في قلبي أتيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يا رسول الله! ابسُط يمينك لأبايعَكَ. (2) فبسطَ يده، فقبضتُ يَدي. فقال: "ما لكَ يا عمرو؟! ". قال: أردتُ أَن أَشترطَ. قال: "تشترطُ ماذا؟ ".   (1) قلت: والذي استظهره الحافظ أن المراد به ما هو أعم من الجماع، وإليه نحا القرطبي، وهو المراد بقوله فيما تقدم في "9 - الصيام/ 1 - باب/ الحديث الأول": ". . . فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث". (2) كذا الأصل المطابق لرواية ابن خزيمة في "صحيحه" (4/ 131/ 2515)، وحرفه المحققون الثلاثة في طبعتهم الجديدة للكتاب إلى (فلأبايعك) أخذاً من "مسلم"! وغفلوا عن تصريح المؤلف بأن الرواية المثبتة هي رواية ابن خزيمة، ولا يجوز في التحقيق التلفيق بين الروايتين، وهذا مما يدل على الحداثة في هذا العلم، ولهم من مثله الشيء الكثير، وقد نبهت على المهم منه. الحديث: 1096 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 قال: أن يُغفر لي. قال: "أما علمتَ يا عَمرُو! أن الإسلام يَهدِمُ ما كان قبله، وأن الهجرةَ تَهدِمُ ما كان قبلها، وأن الحجَّ يهدمُ ما كان قبله؟! ". رواه ابن خزيمة في "صحيحه" هكذا مختصرًا. ورواه مسلم وغيره أطول منه. 1098 - (5) [صحيح] وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إني جَبانٌ، وإني ضعيف. فقال: "هلُمَّ إلى جهادٍ لا شَوْكَةَ فيه؛ الحج". رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، ورواته ثقات. وأخرجه عبد الرزاق أيضًا. 1099 - (6) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله! نرى الجهادَ أفضلَ الأعمال، أَفلا نجاهد؟ فقال: "لَكُنَّ أفضلَ الجهادِ؛ حجٌ مبرور". رواه البخاري وغيره، وابن خزيمة في "صحيحه"، ولفظه: قالت: قلت: يارسول الله! هل على النساء من جهاد؟ قال: "عليهن جهادٌ لا قتال فيه؛ الحجُّ والعُمْرةُ". 1100 - (7) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "جهادُ الكبير والضعيف والمرأة الحج والعمرة". رواه النسائي بإسناد حسن (1). 1101 - (8) [صحيح] وعن ابن عمر [عن أبيه] (2) رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سؤال جبرائيل إياه عن الإسلام فقال:   (1) قلت: فيه علتان. لكن يتقوى بحديث أم سلمة الآتي برقم (9). (2) انظر الحديث الأول في (ج 1/ 4 - الطهارة/ 7 - باب) مع التعليق عليه. الحديث: 1098 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 "الإسلامُ: أَن تشهدَ أَن لا إله إِلا الله، وأَن محمداً رسول الله، وأَن تقيمَ الصلاةَ، وتؤتيَ الزكاةَ، وتحجَّ وتَعتَمر، وتغتسلَ من الجنابةِ، وأن تُتِمَّ الوضوءَ، وتصومَ رمضانَ". قال: فإذا فعلتُ ذلك فأنا مسلم؟ قال: "نعم". قال: صدقتَ. رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، وهو في "الصحيحين" وغيرهما بغير هذا السياق. [مضى 4 - الطهارة / 7/ الحديث الأول]. وتقدم في "كتاب الصلاة" و"الزكاة" أحاديث كثيرة تدل على فضل الحج، والترغيب فيه، وتأكيد وجوبه، لم نُعِدها لكثرتها، فليراجعها من أراد شيئاً من ذلك. 1102 - (9) [حسن لغيره] وعن أم سلمةَ رضيَ الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الحجُّ جهادُ كلِّ ضعيفٍ". رواه ابن ماجه عن أبي جعفر عنها. 1103 - (10) [صحيح] وعن ماعزٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه سُئل: أَيُّ الأعمالِ أَفضلُ؟ قال: "إيمانٌ بالله وحده، ثم الجهادُ، ثم حَجةٌ بَرَّةٌ؛ تفضلُ سائرَ الأعمالِ كما بين مطلع الشمس إلى مغربها". رواه أحمد والطبراني، ورواة أحمد إلى ماعز رواة "الصحيح". وماعز هذا صحابي مشهور غير منسوب. (1)   (1) قلت: وليس هو ماعز بن مالك الذي رُجم في زمانه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما نبَّه عليه الناجي. الحديث: 1102 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 1104 - (11) [صحيح لغيره] وعن جابر رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة". قيل: وما بِرُّه؟ قال: "إطعامُ الطعامِ، وطيبُ الكلامِ". رواه أحمد، والطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن، وابن خزيمة في "صحيحه"، والبيهقي، والحاكم مختصراً، وقال: "صحيح الإسناد" (1). 1105 - (12) [حسن صحيح] وعن عبد الله -يعني ابن مسعود- رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تابعوا بين الحجِّ والعمرةِ، فإِنَّهما يَنفيان الفقرَ والذنوبَ كما يَنفي الكيرُ (2) خَبَثَ الحديدِ والذهبِ والفضةِ، وليس للحَجَّةِ المبرورةِ ثوابٌ إلا الجنةَ". رواه الترمذي، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". 1106 - (13) [حسن] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما ترفعُ إِبلُ الحاجِّ رِجْلًا، ولا تضعُ يَدًا؛ إِلا كَتَبَ الله له بها حسنةً، أو محا عنه سيئةً، أو رفعه بها درجةً".   (1) في الأصل هنا: (وفي رواية لأحمد والبيهقي: "إطعام الطعام، وإفشاء السلام)، ولم أوردها لأنها ضعيفة. (2) بكسر الكاف: كير الحداد، وهو المبني من الطين. وقيل: الزق الذي ينفخ به النار، والمبني: الكور. و (خبث الحديد): هو ما تلقيه النار من وسخ الفضة والنحاس وغيرهما إذا أذيبا. و (الحج المبرور): هو الذي لا يخالطه شيء من المآثم، وقيل: هو المقبول المقابل بالبر وهو الثواب، ولا يكون كذلك إلا إذا صفا من البدع والأمور التي اعتادها الناس، وكان من كسب حلال أراد به صاحبه أداء الفريضة، وامتثال أوامر الرب تبارك وتعالى. نسأل الله العافية. الحديث: 1104 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 رواه البيهقي (1)، وابن حبان في "صحيحه" في حديث يأتي إن شاء الله [آخر 9/ الوقوف بعرفة. .]. 1107 - (14) [حسن لغيره] وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الحجاجُ والعُمَّارُ وفدُ اللهِ؛ دعاهم فأجابوه، وسأَلوه فأعطاهم". رواه البزار، ورواته ثقات. (2) 1108 - (15) [حسن] وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الغازي في سبيلِ اللهِ، والحاجُّ، والمعتمرُ؛ وفدُ اللهِ، دعاهم فأَجابوه، وسأَلوه فأَعطاهم". رواه ابن ماجه -واللفظ له-، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلاهما من رواية عمران بن عيينة عن عطاء بن السائب. 1109 - (16) [صحيح] [ورواه عن أبي هريرة رضي الله عنه. . مرفوعاً] ابنُ خزيمة وابنُ حبان في "صحيحيهما"، ولفظهما: قال: "وفدُ اللهِ ثلاثةٌ: الحاجُّ، والمعتمرُ، والغازي". وقدّم ابنُ خزيمة: "الغازي" (3).   (1) قلت: أخرجه في "الشعب" (3/ 479) بإسناد فيه (أبو سليمان عن عطاء. .)، ولم أعرف (أبا سليمان) هذا، وعطاء هو ابن أبي رباح، وإسناد ابن حبان الآتي حديثه هناك غير هذا، فمن جهل المعلقين الثلاثة وجنفهم على الحديث تضعيفهم لهذا الحديث هنا، وهناك أيضاً، وأعلوه بما ليس في إسناد ابن حبان وغيره؟! كما سأبينه إن شاء الله تعالى. (2) كذا قال، وفيه محمد بن أبي حميد، وهو ضعيف، لكن الحديث قوي بما بعده. (3) قلت: وكذا رواه النسائي (2/ 3)، وقد عزاه إليه المؤلف باللفظ الأول المحذوف والمشار إليه بالنقط، لأنه من حصة القسم الآخر: "الضعيف"، وانطلى الأمر على المحققين الثلاثة فصححوه!! الحديث: 1107 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 1110 - (17) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "استَمْتِعُوا بهذا البيت، فقد هُدم مرتين، وُيرْفعُ في الثالثةِ". رواه البزار والطبراني في "الكبير"، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد". قال ابن خزيمة: "قوله: (وُيرْفَعُ في الثالثة) يريد بعد الثالثة". 1111 - (18) [حسن لغيره] ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَعجَّلوا إلى الحج -يعني: الفريضة-. . . ". رواه أبو القاسم الأصبهاني (1). 1112 - (19) [حسن لغيره] ورُوي (2) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنت جالساً مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مسجد مِنى، فأَتاه رجلٌ من الأنصارِ ورجل من ثَقيف، فسلما، ثم قالا: يا رسول الله! جئنا نسألك. فقال: "إنْ شئتُما أخبرتُكما بما جئتما تسأَلاني عنه فَعَلْتُ، وإِن شئتما أن أمسِكَ وتسأَلاني فَعلتُ". فقالا: أخبِرْنا يا رسول الله! فقال الثقفي للأنصاري: سل. فقال: أخبِرني يا رسول الله! فقال:   (1) لقد أبعد المصنف النجعة، فقد أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما، وهو مخرج في "الإرواء" برقم (972). (2) كذا الأصل، وفي بعض النسخ "وعن" بحذف "روي"، ولعله الصواب؛ فإنه سيأتي هكذا في آخر (9 - الترغيب في الوقوف بعرفة. .)، ويؤيده أن المؤلف قد صرح بصحته تحت الحديث الآتي (11 - باب في حلق الرأس في منى)، مع ذلك ضعفه المعلقون الثلاثة بجهل بالغ. هداهم الله. الحديث: 1110 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 "جئتنَي تسألُني عن مخرجِك من بيتكَ تَؤُمُّ البيتَ الحرامَ وما لكَ فيه، وعن ركعتيك بعد الطوافِ وما لك فيهما، وعن طوافِك بين الصفا والمروة وما لك فيه، وعن وقوفِك عَشِيَّةَ عرفةَ وما لك فيه، وعن رميك الجمار وما لك فيه، وعن نحرك وما لك فيه، مع الإفاضة". فقال: والذي بعثك بالحق! لَعَنْ هذا جئتُ أَسألك. قال: "فإنك إذا خرجتَ من بيتك تَؤُمُّ البيتَ الحرامَ؛ لا تضعُ ناقتُك خُفّاً، ولا ترفعه؛ إلا كتبَ [الله] لك به حسنةً، ومحا عنك خطيئةً. وأما ركعتاك بعد الطواف؛ كعتق رقبة من بني إسماعيل. وأما طوافُكَ بالصفا والمروة؛ كعتق سبعين رقبة. وأما وقوفُك عشيةَ عرفة؛ فإن اللهَ يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة يقول: عبادي جاؤني شُعثًا من كل فَجٍّ عميقٍ يَرجون رحمتي، فلو كانت ذنوبُكم كعدد الرمل، أَو كقَطْرِ المطرِ، أو كزبدِ البحرِ؛ لغفرتها، أفيضوا عبادي! مغفورًا لكم، ولمن شفعتم له. وأما رميُكَ الجِمارَ؛ فلكَ بكلِّ حصاةٍ رَمَيْتَها تكفيرُ كبيرةٍ من الموبقات. وأما نحرُك؛ فمدخورٌ لك عند ربك. وأما حِلاقُكَ رأَسَكَ؛ فلك بكل شعرةٍ حلقتَها حسنةٌ، وتمحى عنك بها خطيئةٌ. وأما طوافك بالبيت بعد ذلك؛ فإنك تطوفُ ولا ذنبَ لك يأتي مَلَكٌ حتى يضعَ يديه بين كتفيك فيقول: اعملْ فيما تَستقبلُ؛ فقد غُفِرَ لك ما مضى". رواه الطبراني في "الكبير"، والبزار، واللفظ له، وقال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 "وقد روي هذا الحديث من وجوه، ولا نعلم له أحسن من هذا الطريق". (قال المملي) رضي الله عنه: "وهي طريق لا بأس بها، رواتها كلهم موثقون". ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ويأتي لفظه في "الوقوف" إن شاء الله تعالى [آخر 9 - الترغيب في الوقوف. .]. (1) 1113 - (20) [حسن لغيره] ورواه الطبراني في "الأوسط" من حديث عبادة بن الصامت، وقال فيه: "فإنَّ لك من الأجرِ إذا أَمَمْتَ البيتَ العتيقَ أن لا ترفع قدماً أو تضعَها أَنتَ ودابتُك؛ إلا كُتِبَتْ لك حسنةٌ، ورُفِعَتْ لك درجةٌ. وأَما وقوفُك بعرفة؛ فإنَّ اللهَ عز وجل يقول لملائكته: يا ملائكتي! ما جاء بعبادي؟ قالوا: جاؤا يلتمسون رضوانك والجنةَ. فيقول الله عزَّ وجلَّ: فإني أُشهِدُ نفسي وخَلقي أني قد غفرت لهم، ولو كانت ذُنوبُهم عدد أيام الدهر، وعدد رملِ عالِجٍ. وأما رميُك الجمارَ؛ قال الله عز وجل: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. وأما حلقُك رأسَك؛ فإِنه ليس من شعرِك شعرةٌ تقع في الأرضِ؛ إِلا كانت لكَ نوراً يومَ القيامةِ.   (1) قلت: من جهل المعلقين الثلاثة وتخليطهم أنهم صدروا تخريجهم للحديث بالتضعيف! ثم عزوه لابن حبان والبزار بالأرقام! ثم نقلوا عن الهيثمي عزوه للطبراني، وقوله في رجال البزار: "موثقون"، فتعقبوه بقولهم (2/ 118): "قلنا: بل فيهم عبد الوهاب بن مجاهد ضعيف"! فأقول: (العبد) هذا ليس في رواية ابن حبان والبزار، ثم هو متروك عند ابن حبان نفسه، فتأمل كم في هذا التخريج مع الأرقام من تضليل للقراء، وكم في هذا الحكم من اعتداء على السنة الغراء؟! وانظر التعليق علي الحديث في الموضع الذي أشار إليه المؤلف رحمه الله، وكذا تعليقي المتقدم. الحديث: 1113 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 وأما طوافك بالبيت إِذا ودَّعتَ؛ فإِنك تخرجُ من ذنوِبكَ كيومَ ولدتك أُمُّك". 1114 - (21) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من خرجَ حاجاً فمات؛ كُتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمراً فمات؛ كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازياً فمات؛ كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة". رواه أبو يعلى من رواية محمد بن إسحاق، وبقية رواته ثقات. 1115 - (22) [صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينا رجل واقفٌ مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعرفةَ، إذ وقع عن راحلته فَأَقعَصَتْهُ، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اغسلوه بماءٍ وسِدرٍ، وكفِّنوه بثوبيه، ولا تُخَمِّروا رأسَه، ولا تُحَنِّطوه، فإِنه يُبعث يوم القيامة مُلَبِّياً". رواه البخاري ومسلم وابن خزيمة. وفي روايةٍ لهم: أن رجلًا كان مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوقَصَتْه ناقته وهو محرمٌ فماتَ، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اغسلوه بماءٍ وسدرٍ، وكفِّنوه في ثوبَيْهِ، ولا تَمَسُّوه بطيب، ولا تخمروا رأسَه، فإنه يُبعثُ يومَ القيامة مُلَبِّياً". وفي روايةٍ لمسلم: "فأمرَهم رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يغسلوه بماءٍ وسِدرٍ، وأنْ يكشفوا وجهَهُ -حسبته قال:- ورأسه؛ فإنه يبعث وهو يُهلُّ". (وَقَصَتْه) ناقته معناه: رمته ناقته فكسرت عنقه. وكذلك (فأقعصته). الحديث: 1114 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 2 - (الترغيب في النفقة في الحج والعمرة، وما جاء فيمن أنفق فيهما من مال حرام). 1116 - (1) [صحيح] عن عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لها في عمرتها: "إِنَّ لك من الأجر على قَدْر نَصَبِكِ ونَفَقَتِكِ". رواه الحاكم (1) وقال: "صحيح على شرطهما". وفي روايةٍ له وصححها (2): "إِنما أَجرُكِ في عُمرتِك على قدْرِ نفقتك". (النَّصَب): هو التعب وزناً ومعنى.   (1) قال الناجي (131): "هذا عجيب من المؤلف، فإن البخاري ومسلماً والنسائي وغيرهم أخرجوا هذه الرواية بنحو هذا اللفظ، لكن عندهم: "أو نفقتك"، والألف أسقطت هنا ولا بد منها، والحاكم يَستدرك على الشيخين أو أحدهما مثل هذا، فيُستدرك عليه، فسبحان المنفرد بالكمال المطلق". وانظر "فتح الباري" (3/ 610 - 611). (2) قلت: ووافقه الذهبي على تصحيح الروايتين. الحديث: 1116 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 3 - (الترغيب في العمرة في رمضان). 1117 - (1) [حسن] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أراد رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحجَّ، فقالت امرأةٌ لزوجِها: أَحْجِجْني مع رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال: ما عندي ما أُحِجُّكِ عليه. فقالت: أَحْجِجْني على جملك فلان. قال: ذاك حَبيسٌ في سبيل الله عز وجل. فأَتى رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إِنَّ امرأتي تقرأُ عليك السلامَ ورحمةَ الله، وإنها سأَلتْني الحجَّ معك، فقلت: ما عندي ما أُحِجُّكِ عليه. قالت: أَحججْني على جملك فلان. قلت: ذاك حبيسٌ في سبيلِ الله عز وجل. فقال: "أما إنَّكَ لو أحجَجْتَها عَليه كان في سبيل الله". قال: وإِنها أمرتني أن أَسألك: ما يعدل حجةً معك؟ قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أقرِئها السلامَ ورحمةَ الله وبركاتِه، وأخبرها أَنها تعدل حجةً معي عُمرةٌ في رمضان". رواه أبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه"؛ كلاهما بالقصة، واللفظ لأبي داود، وآخره عندهما سواء. [صحيح] ورواه البخاري والنسائي وابن ماجه مختصراً: "عمرةٌ في رمضانَ تعدل حجةً". ومسلم (1) ولفظه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لامرأة من الأنصار يقال لها: أمُّ سِنان: "ما منعك أَن تَحُجِّي (2) معنا؟ ".   (1) هذا يشعر بأن البخاري لم يروهِ بهذا التمام، وليس كذلك كما بينه الناجي (131/ 2). قلت: وهو في كتابي "مختصر البخاري" (برقم 863). (2) الأصل: (تجيئي)، والتصويب من "مسلم" (4/ 61). الحديث: 1117 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 قالت: لم يكن لنا إلا ناضحان، فحجَّ أبو ولدها وابنُها على ناضحٍ، وترك لنا ناضحًا ننضحُ عليه. قال: "فإذا جاء رمضان فاعتمري؛ فإن عمرةً في رمضان تعدلُ حجةً". وفي روايةٍ له: "تعدل (1) حجَّةً، أَو حجةً معي". 1118 - (2) [صحيح لغيره] وعنه قال: جاءت أَم سُلَيْم إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: حَجَّ أبو طلحةَ وابنُهُ (2) وتركاني. فقال: "يا أمَّ سُليم! عمرةٌ في رمضانَ؛ تعدلُ حجةً معي". رواه ابن حبان في "صحيحه" (3). 1119 - (3) [حسن لغيره] وعن أمّ معقِل رضي الله عنها قالت: لما حَجَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجةَ الوداع، وكان لنا جملٌ، فجعلَه أَبو معقل في سبيل الله. قالت: وأَصابنا مَرَضٌ، وهلكَ أبو معقل، قالت: فلما قَفَلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حجة الوداع -حسبناه- قال: "يا أَم معقل! مَا منعك أَن تخرجي معنا؟ ". قالت: يا رسولَ الله! لقد تهيأْنا، فهلك أَبو معقل، وكان لنا جملٌ هو الذي نحجُّ عليه، فأَوصى به أَبو معقل في سبيل الله. قال: "فهلا خرجت عليه، فإن الحجَّ في سبيل الله، فأما إذ فاتتكِ هذه الحجة فاعتمري في رمضان، فإنها كَحَجَّةٍ".   (1) لفظ مسلم: "تقضي"، وكذلك هو في "مختصر البخاري". (2) الظاهر أنه أنس، لأن أبا طلحة لم يكن له ابنٌ كبير يحج فيكون فيه مجاز. كذا قال ابن حجر فى مقدمة شرحه للبخاري، ويمكن أن ابنَ أبي طلحة الصغير خرج أبوه معه، وأن الرواية على ظاهرها. والله أعلم. كذا قال الناجي (132/ 1). والأقرب ما استظهره الحافظ ابن حجر. (3) رقم (1020) من طريق يعقوب بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس. ويعقوب فيه ضعف، لكن ذكر الناجي (131/ 2) أن ابن أبي شيبة أخرجه من وجه آخر عن عطاء عنه. الحديث: 1118 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 رواه أبو داود والترمذي مختصراً عنها؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "عمرة في رمضان تَعْدِل حجة". وقال: "حديث حسن غريب". وابن خزيمة في "صحيحه" باختصار؛ إلا أنه قال: [صحيح لغيره] "إن الحجَّ والعمرةَ في سبيلِ اللهِ، وإن عمرةً في رمضانَ تَعدلُ حجةً، أَو تَجزي حَجَّةً". وفي روايةٍ لأبي داود والنسائي عنها أنها قالت: يا رسولَ الله! إِني امرأة قد كبِرتُ وسَقِمْتُ، فهل من عمل يجزئ عني من حجتي؟ قال: "عمرةٌ في رمضانَ تعدل حجةً". (قَفَلَ) محركة؛ أي: رجع من سفره. 1120 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي معقل رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "عمرةٌ في رمضانَ تعدل حجةً". رواه ابن ماجه. 1121 - (5) [صحيح] ورواه البزار والطبراني في "الكبير" في حديثٍ طويلٍ بإسنادٍ جيدٍ عن أبي طليق أنه قال للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فما يعدلُ الحجَّ معك؟ قال: "عمرةٌ في رمضانَ". (1) (قال المملي) رضي الله عنه: "أبو طليق هو أبو معقل، وكذلك زوجته أم معقل تكنى أم طليق أيضاً. ذكره ابن عبد البر النّمَري".   (1) قلت: إسناده صحيح، وقد صدره المعلقون الثلاثة وسائر أحاديث الباب -إلا رواية الشيخين- بقولهم: "حسن"! وذلك مما يدل على جهلهم بهذا العلم، فإن فيها الصحيح لذاته، والصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره، ولعجزهم عن التمييز صاروا إلى التحسين! وأكثر أحاديث الكتاب عندهم هكذا محسنة (أنصاف حلول)! والله المستعان. وبيان هذه الأحاديث وتخريجها في "الإرواء" (3/ 372 - 377 و6/ 32 - 33)، و"الصحيحة" (3069) وغيرهما. الحديث: 1120 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 4 - (الترغيب في التواضع في الحج والتبذل ولبس الدون من الثياب؛ اقتداء بالأنبياء عليهم السلام). 1122 - (1) [صحيح لغيره] روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: حجَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على رَحْلٍ رَثٍّ، وقطيفةٍ خَلِقةٍ تساوي أربعةَ دراهم، أو لا تساوى، ثم قال: "اللهمَّ حجةً لا رياءَ فيها ولا سُمْعةً". [صحيح لغيره] رواه الترمذي في "الشمائل"، وابن ماجه، والأصبهاني؛ إلا أنه قال: "لا تساوي أربعةَ دراهمَ". 1123 - (2) [صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الأوسط" من حديث ابن عباس. (القطيفة): كساء له خمل. 1124 - (3) [صحيح] وعن ثمامة قال: حجَّ أنسٌ على رحلٍ، ولم يكن شحيحًا، وحدَّث: أَن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجَّ على رَحلٍ، وكانت زاملَتَه. رواه البخاري. 1125 - (4) [حسن] وعن قدامة بن عبد الله -وهو ابن عَمّار- قال: رِأيتُ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرمي الجمرةَ يومَ النحرِ على ناقةٍ صهباءَ (1) لا ضربَ، ولا طردَ، ولا: إِليك إِليك. رواه ابن خزيمة في "صحيحه" وغيره.   (1) من (الصهبة)، وهي كالشقرة، و (الأصيهب) تصغيره، قاله الخطابي، والمعروف أن (الصهبة) مختصة بالشعر، وهي حمرة يعلوها سواد، كذا في "النهاية". الحديث: 1122 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 1126 - (5) [صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين مكة والمدينة، فمررنا بواد، فقال: "أيُّ وادٍ هذا؟ ". قالوا: وادي الأزرق. قال: "كأَني أنظر إلى موسى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فذكر من طول شعرِه شيئاً لا يحفظه داود- (1) واضعاً إصبعيه في أذنيه له جُؤارٌ إلى الله بالتلبية، ماراً بهذا الوادي". قال: ثم سرنا حتى أتينا على ثَنيَّةٍ، فقال: "أَيُّ ثَنيَّةٍ هذه؟ ". قالوا: ثنية (هَرْشى) أو (لَفْتٌ). قال: "كأَني أَنظر إلى يونسَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ناقةٍ حمراءَ عليه جُبَّةُ صوفٍ وخِطامُ ناقتِه خُلْبَةٌ، ماراً بهذا الوادي مُلَبِّياً". رواه ابن ماجه بإسناد صحيح (2)، وابن خزيمة، واللفظ لهما. ورواه الحاكم بإسناد على شرط مسلم، ولفظه: أنَّ رسول اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتى على وادي الأزرق، فقال: "ما هذا؟ ". قالوا: وادي الأزرق. فقال: "كأَني أَنظر إِلى موسى مُهبِطاً له جؤارٌ إلى الله بالتكبير. ثم أَتى على   (1) داود هذا هو ابن أبي هند، رواه عن أبي العالية عن ابن عباس، وفي رواية مجاهد عن ابن عباس: "وأما موسى فرجل آدم جعد، على جمل أحمر مخطوم بخلبة". (2) قلت: هو كما قال، لكنه أبعد النجعة في عزوه إليه فقط، فقد أخرجه مسلم أيضاً، لكن في كتاب "الإيمان" (1/ 106). وعنده أيضاً الرواية التي عزاها للحاكم؛ فوهم هذا في استدراكه على مسلم، لا سيما ورواية مسلم أتم، والزيادات له، وبعضها عند الحاكم أيضاً. الحديث: 1126 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 ثنية [(هَرْشى)، فقال: "أيُّ ثنيَّةٍ هذه؟ ". فقالوا: ثنية (هرشى)]. فقال: "كأَني أَنظُرُ إلى يونس [بن مَتّى عليه السلام] (1) على ناقةٍ حمراءَ جَعْدَةٍ (2)، خِطامُها ليف، وهو يلبي (3) وعليه جبَّة صوف". (هرشى) بفتح الهاء وسكون الراء بعدهما شين معجمة مقصور: ثنية قريب (الجُحْفةِ). و (لِفَت) بكسر اللام وفتحها أيضًا: هو ثنية جبل (قديد) بين مكة والمدينة. و (الخُلبة) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام: هي الليف كما جاء مفسراً في الحديث. 1127 - (6) [حسن لغيره] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صلَّى في مسجدِ الخيف سبعون نبياً منهم موسى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كأني أنظُرُ إليه وعليه عباءتان قَطَوانيَّتان وهو محرمٌ، على بعيرٍ من إِبل شنوءة، مخطوم بخطام ليف، له ضفيرتان". رواه الطبراني في "الأوسط" (4)، وإسناده حسن. (قَطَوان) بفتح القاف والطاء المهملة جميعاً: موضع بالكوفة إليه تُنسب العُبيُّ والأكسية.   (1) انظر التعليق السابق. (2) قال ابن الأثير: "أي: مجتمعة الخلق شديدة". (3) وفي رواية أخرى للحاكم: "يقول: لبيك اللهم لبيك". (4) كذا قال، وعزاه الهيثمي لـ "الكبير"، والصواب العزو إليهما معاً دفعاً للإيهام وهو في "الكبير" (11/ 452 - 453)، و"الأوسط" (6/ 193/ 5403)، وفيه عطاء بن السائب، لكن له شاهد، وهما مخرجان في "تحذير الساجد" (ص 106 - 107)، ومن جهل المعلقين أنهم قالوا: "حسن"، ثم أعلوه" باختلاط عطاء!! الحديث: 1127 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 1128 - (7) [حسن لغيره] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لقد مر بـ (الرَّوحاءِ) (1) سبعون نبياً، فيهم نبيُّ اللهِ موسى، حفاةً، عليهم العباءُ، يَؤُمّونَ بَيتَ اللهِ العتيق". رواه أبو يعلى والطبراني، ولا بأس بإسناده في المتابعات. 1129 - (8) [حسن لغيره] ورواه أبو يعلى أيضاً من حديث أنس بن مالك. 1130 - (9) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كأَني أَنظرُ إلى موسى بن عمران في هذا الوادي؛ مُحرِماً بين قَطَوانيَّتَين". رواه أبو يعلى، والطبراني في "الأوسط" بإسنادٍ حسن. 1131 - (10) [حسن لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلًا قال لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنِ الحاجُّ؟. . . قال: فأَيُّ الحجِّ أفضلُ؟ قال: "العَجُّ والثَّجُّ". قال: وما السبيلُ؟ قال: "الزادُ والراحلةُ". رواه ابن ماجه بإسنادٍ حسن. [حسن] وتقدم [1 - باب/ 19 - حديث] في حديث ابن عمر:   (1) على وزن (الصفراء): موضع بين مكة والمدينة. والزيادة من "مسند أبي يعلى" وغيره. الحديث: 1128 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 "وأَما وقوفُك عشيةَ عرفةَ؛ فإِن اللهَ يهبطُ إلى سماءِ الدنيا فيباهي بكم الملائكةَ، يقول: عبادي جاؤني شعثا من كل فَجٍّ عميقٍ، يرجون جَنَّتي، فلو كانت ذنوبُكم كعددِ الرملِ، أو كقَطْرِ المَطَرِ، أَو كزبَدِ البحرِ؛ لغفرتُها. أَفيضوا عبادي مغفوراً لكم، ولمن شفعتم له" الحديث. وفي رواية ابن حبان قال: "فإذا وقفَ بعرفةَ، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يَنزل إلى السماءِ الدنيا فيقولُ: انظُروا الى عبادي شُعْثاً غُبراً، اشهدوا أَني غفرتُ لهم ذنوبَهم، وإنْ كانتْ عدَدَ قَطْرِ السماءِ، ورملِ عالجٍ" الحديث. (الشَّعِثُ) بكسر العين: هو البعيدُ العهدِ بتسريحِ شعرِه وغسله. و (التَّفِلُ) بفتح التاء المثناة فوق وكسر الفاء: هو الذي ترك الطيبَ والتنظيفَ حتى تغيّرت رائحته. و (العجُّ) بفتح العين المهملة وتشديد الجيم: هو رفع الصوت بالتلبية، وقيل: بالتكبير. و (الثجُّ) بالمثلثة: هو نحر البُدْن. 1132 - (11) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن الله يباهي بأَهلِ عرفاتٍ ملائكةَ السماءِ، فيقول: انظروا إلى عبادي هؤلاء، جاؤني شُعْثاً غُبراً". رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". وسيأتي أحاديث من هذا النوع في " [9 -] الوقوف" إن شاء الله تعالى. الحديث: 1132 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 5 - (الترغيب في الإحرام والتلبية ورفع الصوت بهما). 1133 - (1) [حسن صحيح] عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تابعوا بين الحجِّ والعمرةِ؛ فإنهما يَنفيانِ الفقرَ والذنوبَ، كما يَنفي الكيرُ (1) خَبَثَ الحديدِ والذهبِ والفضةِ، وليس للحجةِ المبرورةِ ثوابٌ إلا الجنة. وما من مؤمن يَظَلُّ يومَه محرمًا إلا غابتِ الشمسُ بذنوبه" (2). [حسن لغيره] رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح"، وليس في بعض نسخ الترمذي: "وما من مؤمن" إلى آخره (3)، وكذا هو في النسائي و"صحيح ابن خزيمة" بدون الزيادة. [حسن لغيره] وزاد رزين فيه: "وما من مؤمن يُلَبِّي للهِ بالحجِّ؛ إلا شهدَ لَهُ ما على يمينِهِ وشمالِهِ إلى منقطعِ الأرضِ". ولم أر هذه الزيادة في شيءٍ من نسخ الترمذي ولا النسائي. 1134 - (2) [صحيح] وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من مُلبٍّ يُلَبِّي إلا لَبّى ما عن يمينه وشماله من حجرٍ أو شجرٍ أو مدرٍ، حتى تنقطع الأرض من ههنا وههنا؛ عن يمينه وشماله". (4)   (1) تقدم تفسيره قريباً تحت الحديث 11/ الباب الأول - الحاشية (1). (2) قلت: من تفاهة تحقيق المعلقين هنا أنهم لم يخرجوا هذه الزيادة، ولا تكلموا على زيادة (رزين) بشيء، وإنما أحالوا على حديث ابن مسعود المتقدم (1 - باب/ 12 - حديث)، وليس فيه الزيادة!! وزيادة (رزين) يشهد لها الحديث الذي بعده، وحديث ابن عمرو المذكور في الكتاب الآخر (2 - في النفقة في الحج). (3) قلت: لكن يشهد لها حديث أبي هريرة الآتي قريباً رقم (5)، ويشهد لزيادة رزين حديث سهل الآتي عقبه. (4) فإن قيل: ما فائدة المسلم في تلبية الأحجار والشجر وغيرهما مع تلبيته؟ قلت: اتباعها إياه في هذا الذكر دليل على فضيلته وشرفه ومكانته عند الله تعالى، إذ ليس اتباعُها إياه في هذا الذكر إلا لذلك. على أنه يجوز أن يكتب له أجر هذه الأشياء لأنها صدرت = الحديث: 1133 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي؛ كلهم من رواية إسماعيل بن عَيّاش عن عُمارة بن غزيَّة عن أبي حازم عن سهل. ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" عن عَبيدة -يعني ابن حميد-: حدثني عُمارة بن غزيَّة عن أبي حازم عن سهل. ورواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". 1135 - (3) [صحيح] وعن خَلّاد بن السائبِ عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَتاني جبرائيلُ فأَمرني (1) أن آمرَ أصحابي أَن يرفعوا أصواتهم بالإهلالِ أَو (2) التلبيةِ".   = عنها تبعاً، فصار المؤمن بالذكر كأنه دالٌّ على الخير. والله أعلم. (1) هو أمر إيجاب، إذ تبليغ الشرائع واجب. وكذا قوله: "أن آمر أصحابي" أمر وجوب عند الظاهرية، خلافاً للجمهور، وقوله: "أن يرفعوا أصواتهم" إظهاراً لشعار الإحرام، وتعليماً للجاهل ما يشرع له في ذلك المقام. (2) الأصل ومطبوعة عمارة والمخطوطة "والتلبية"، والصواب ما أثبته، وهو رواية الترمذي (طبع الهند) عن سفيان بن عيينة. ورواه النسائي عنه "بالتلبية" فقط، وعكس ذلك ابن ماجه فقال: "بالإهلال" فقط، وهو رواية لأحمد. وتابعه مالك، وعنه أبو داود بنحو رواية الترمذي، بلفظ: "بالتلبية أو بالإهلال، يريد أحدهما". وهكذا رواه أحمد أيضاً عن مالك. رواه هو وسفيان عن عبد الله بن أبي بكر بإسناده عن السائب. وتابعهما ابن جريج قال: كتب إليَّ عبد الله بن أبي بكر به بلفظ: "بالتلبية والإهلال"، جمع بينهما. رواه عنه هكذا محمد بن بكر. وخالفه روح فقال: "بالتلبية أو الإهلال"، وقال روح: "ولا أدري أيّنا وَهِلَ؟ أنا أو عبد الله أو خلاد في (الإهلال أو التلبية) ". رواه أحمد عنهما. فهذا يدل على أن الشك قديم، وليس من روح لرواية مالك وسفيان المتقدمين، فهو من عبد الله ابن أبي بكر أو خلاد، كما قال روح، فاتفاق هؤلاء على رواية هذا الحرف على الشك يدل على أن رواية الجمع بين الإهلال والتلبية شاذة، كما وقع في نسخة الترمذي بتحقيق الأستاذ الدعاس، وكذلك وقع في "المستدرك"، وهو خطأ من الناسخ أو أحد رواته، فإنه عنده من طريق الحميدي عن سفيان، وهو في "مسند الحميدي" برقم (853) على الشك: "بالإهلال أو بالتلبية". قال الشيخ المبارك فوري في "التحفة" (2/ 85): "المراد بـ (الإهلال): التلبية، على طريقة التجريد، لأن معناه رفع الصوت بالتلبية. وكلمة (أو) للشك. قاله أبو الطيب". الحديث: 1135 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وابن خزيمة في "صحيحه"، وزاد ابن ماجه: "فإنها [من] شعار الحج" (1). 1136 - (4) [صحيح لغيره] وعن زيد بن خالد الجُهني رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "جاءني جبرائيلُ فقالَ: مُرْ أصحابَكَ فليرفعوا أصواتَهم بالتلبية، فإنها من شِعارِ الحجِّ". رواه ابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1137 - (5) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما أهلَّ مُهِلٌّ قط إلا بُشِّرَ، ولا كَبَّر مُكَبِّرٌ قط إلا بُشِّرَ". قيل: يا رسول الله! بالجنة؟ قال: "نعم". رواه الطبراني في "الأوسط" بإسنادين، رجال أحدهما رجال "الصحيح". (أهَلَّ) الملبي: إذا رفع صوته بالتلبية. 1138 - (6) [حسن لغيره] وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئلَ: أيُّ الأعمالِ أفضلُ؟ قال: "العَجُّ والثَّجُّ". رواه ابن ماجه والترمذي، وابن خزيمة في "صحيحه"؛ كلهم من رواية محمد بن   (1) قلت: هذه الزيادة ليست عند ابن ماجه ولا عند غيره من حديث السائب، وإنما هي في حديث زيد بن خالد الآتي بعده، فتنبه ولا تكن مثل المعلقين الثلاثة الذين عزوه لابن ماجه بالرقم!! وهو مخرج في "الصحيحة" (830). الحديث: 1136 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 المنكدر عن عبد الرحمن بن يربوع، وقال الترمذي: "لم يسمع محمد من عبد الرحمن". ورواه الحاكم وصححه، والبزار؛ إلا أنه قال: ما بال الحجِّ؟ قال: "العجُّ والثجُّ". قال وكيع: "يعني بـ (العجّ) العجيج بالتلبية، و (الثجّ): نحر البدن". وتقدم [يعني 4 - باب/ 10 حديث]. 6 - (الترغيب في الإحرام من المسجد الأقصى). [ليس تحته حديث على شرط كتابنا]. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 7 - (الترغيب في الطواف واستلام الحجر الأسود والركن اليماني، وما جاء في فضلهما وفضل المقام ودخول البيت). 1139 - (1) [صحيح لغيره] عن عبد الله بن عبيد بن عمير؛ أنه سمع أباه يقول لابن عمر: ما لي لا أراك تستلم إلا هذين الركنين: الحجر الأسود والركن اليماني؟ فقال ابن عمر: إن أفعل فقد سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: 1 - "إن استلامَهما يَحُطُّ الخطايا". [صحيح لغيره] قال: وسمعته يقول: 2 - "ومن طاف أسبوعاً يُحصيه (1)، وصلى ركعتين؛ كانَ كعدلِ رقبة". قال: وسمعته يقول: 3 - "ما رفع رجل (2) قدماً ولا وضعها؛ إلا كتب له عشر حسنات، وحطّ عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات". رواه أحمد وهذا لفظه، والترمذي، ولفظه: إني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: 1 - "إن مسحَهما كفارةٌ للخطايا". [صحيح لغيره] وسمعته يقول: 2 - "لا يضعُ قدماً ولا يرفعُ أخرى؛ إلا حَطَّ الله عنه بها خطيئةً، وكتبَ له بها حسنةً".   (1) أي: يحصر عدده فيجعله سبعاً لا زيادة ولا نقص. وفيه إشارة إلى أن فضائل العبادات المقيدة بعدد مسمى، لا بد فيها من التمسك بالعدد، لا يزيد ولا ينقص، فتنبه. (2) يعني الطائف حول الكعبة كما يدل عليه رواية ابن خزيمة الآتية، وقد جاء مطلقاً في حديث آخر لكن دون تضعيف الكتابة والوضع والرفع كما تقدم آنفاً. الحديث: 1139 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 ورواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وابن خزيمة في "صحيحه"، ولفظه: قال: إن أفعل فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: 1 - "مسحُهما يحطُّ الخطايا". وسمعته يقول: 2 - "من طافَ بالبيتِ؛ لم يرفعْ قدماً، ولم يضعْ قدماً؛ إلا كتبَ الله له حسنةً، وحَطّ عنه خطيئةً، وكتبَ (1) له درجة". [صحيح لغيره] وسمعته يقول: 3 - "من أحصى أسبوعاً كانَ كعتقِ رقبةٍ". [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" مختصراً؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مسحُ الحجرِ والركنِ اليماني يحطُّ الخطايا حطّاً". (قال الحافظ): "رووه كلهم عن عطاء بن السائب عن عبد الله (2) ". 1140 - (2) [صحيح لغيره] وعن محمد بن المنكدر عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من طاف بالبيت أسبوعاً لا يلغو فيه؛ كان كعدل رقبة يعتقها". رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات. 1141 - (3) [صحيح] وعن ابن عباس أيضاً؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الطوافُ حولَ البيتِ صلاةٌ، إلا أنكم تتكلمونَ فيه، فمن تكلمَ فلا يتكلمُ إلا بخيرٍ".   (1) كذا الأصل، ولعل الصواب (ورفع) كما وقع في "صحيح ابن حبان" (رقم 1000 - موارد)، ويأتي لفظه قريباً هنا برقم (5). (2) يعني أن عطاء مختلط. لكن رواه عنه الثوري وغيره ممن سمع منه قبل الاختلاط، وهو مخرج في "الصحيحة" (2725). الحديث: 1140 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 رواه الترمذي -واللفظ له-، وابن حبان في "صحيحه". قال الترمذي: "وقد روي عن ابن عباس موقوفاً، ولا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عطاء بن السائب" (1). 1142 - (4) [صحيح] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من طافَ بالبيت (2)، وصلى ركعتين؛ كان كعِتقِ رقبةٍ". رواه ابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، وتقدم [في الحديث الأول في الباب]. 1143 - (5) [صحيح لغيره] وعنه أيضاً قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من طافَ بالبيت أسبوعاً؛ لا يضعُ قدماً، ولا يرفعُ أخرى؛ إلا حطَّ الله عنه بها خطيئةً، وكتبَ له بها حسنةً، ورفعَ له بها درجةً". رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، وابن حبان، واللفظ له. 1144 - (6) [صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحَجَر: "والله لَيَبعَثَنَّهُ الله يومَ القيامة له عينان يبصر بهما، ولسانٌ ينطق به، يشهد على من استلمهُ بحق (3) ".   (1) يشير إلى إعلاله باختلاط عطاء كما سبق في الحديث المتقدم، وهو مردود من وجهين: الأول: أنه رواه عنه سفيان الثوري، ولذلك قوّى الحديث ابنُ دقيق العيد والعسقلاني. والآخر: أنه تابعه ثقتان على رفعه؛ خلافاً لقول الترمذي، وتفصيل هذا في "إرواء الغليل" (1/ 154 - 158). وجهل هذا كله المعلقون الثلاثة، فضعفوا الحديث! هداهم الله وعرفهم بأنفسهم! (2) قال الناجي (132/ 2): "ورواه النسائي بلفظ: من طاف سبعاً فهو كعدل رقبة". قلت: ورواه أحمد بزيادة: "يحصيه"، وقد تقدم في حديث الباب الأول. (3) الباء للملابسة، أي: متلبساً بها بحق وهو دين الإسلام، واستلامه بحق هو طاعة الله، واتباع سنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لا تعظيم الحجر نفسه. والشهادة عليه هي الشهادة على أدائه حق الله المتعلق به، وليست (على) للضرر. الحديث: 1142 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". 1145 - (7) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يأْتي الركنُ (1) يومَ القيامةِ أعظمَ مِن أبي قُبَيْسٍ (2)، له لسانٌ وشفتان". رواه أحمد بإسناد حسن. 1146 - (8) [صحيح لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نزلَ الحَجَرُ الأَسودُ من الجنةِ، وهو أَشدُّ بياضاً من اللبنِ، فسوّدَتْه خطايا بني آدم". رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح". وابن خزيمة في "صحيحه"؛ إلا أنه قال: "أشدُّ بياضاً من الثلجِ" (3). ورواه البيهقي مختصراً قال: "الحجرُ الأَسودُ من الجنةِ، وكانَ أشدّ بياضاً من الثلجِ، حتى سوَّدَتْه خطايا أهلِ الشركِ". 1147 - (9) [صحيح لغيره] وعنه [يعني عبد الله بن عمرو] قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو مسندٌ ظهرَه إلى الكعبةِ يقول: "الركنُ والمقامُ ياقوتتان من يواقيتِ الجنةِ، ولولا أن الله طمَسَ نورَهما   (1) الأصل: "الركن اليماني"، والتصويب من "المسند" (2/ 211) و"المعجم الأوسط" (1/ 337)، وغيرهما، وهو قل من جل مما فات المحققين الثلاثة تصويبه! (2) جبل بمكة سمي برجل من مَذحج حداد؛ لأنه أول من بني فيه. (3) قلت: وهو المحفوظ كما حققته في "الصحيحة" (2618)، وأما المعلقون الثلاثة فحسنوا اللفظين، ولم يرجحوا واحداً منهما على آخر! ولا بد منه. الحديث: 1145 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 لأضاءتا ما بين المشرقِ والمغربِ". رواه الترمذي، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلاهما من رواية رجاء بن صبيح (1) والحاكم، ومن طريقه البيهقي. [حسن صحيح] وفي روايةٍ للبيهقي قال: "إن الركنَ والمقامَ من ياقوتِ الجنةِ، ولولا ما مسَّه من خطايا بني آدمَ لأضاء ما بين المشرقِ والمغربِ، وما مسَّهما من ذوي عاهةٍ ولا سقيمٍ إلا شُفِي". [صحيح] وفي أخرى له عنه أيضاً رفعه قال: "لولا ما مسَّه من أنجاسِ الجاهلية ما مسَّه ذو عاهةٍ إلا شُفيَ، وما على الأرضِ شيءٌ من الجنةِ غيرهُ" (2).   (1) قلت: لكن تابعه غير واحد عند الحاكم وغيره، وقد خرجت طرقه في "الحج الكبير". (2) هذا والذي قبله مخرج في "الصحيحة" (3355)، وقد ضعفهما المعلقون الثلاثة. هداهم الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 8 - (الترغيب في العمل الصالح في عشر ذي الحجة، وفضله). 1148 - (1) [صحيح] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله عز وجل من هذه الأيامِ. يعني أيامَ العشرِ". قالوا: يا رسولَ الله! ولا الجهادُ في سبيلِ الله؟ قال: "ولا الجهادُ في سبيلِ الله؛ إلا (1) رجلٌ خرجَ بنفسهِ ومالهِ، ثم لم يرجعْ من ذلكَ بشيءٍ". رواه البخاري والترمذي وأبو داود وابن ماجه. [حسن] وفي روايةٍ للبيهقي (2) قال: "ما من عملٍ أزكى عندَ الله ولا أَعظم أجراً من خيرٍ يعملُه في عَشرِ الأضحى". قيل: ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهادُ في سبيلِ الله، إلا رجلٌ خرج بنفسهِ ومالِه فلم يرجعْ من ذلك بشيءٍ". قال: فكان سعيد بن جبير إذا دخلَ أيامُ العَشرِ اجتهدَ اجتهاداً شديداً، حتى ما يكادُ يُقدَرُ عليه. 1149 - (2) [صحيح] وعن عبد الله -يعني ابن مسعود- رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) أي: إلا جهاد رجل. (2) قلت: قد رواه من هو أعلى طبقة منه وأشهر، ألا وهو الإمام الدارمي (2/ 25 - 26)، وسنده حسن. الحديث: 1148 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 "ما من أيامٍ العملُ الصالحُ (1) فيها أفضلُ مِن أيام العَشرِ". قيل: ولا الجَهادُ في سبيلِ الله؟ قال: "ولا الجهادُ في سبيلِ الله، [إلا من عثر جواده، وأهريق دمه] ". رواه الطبراني (2) بإسناد صحيح. 1150 - (3) [صحيح لغيره] وعن جابرٍ رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أفضلُ أيامِ الدنيا العشرُ -يعني: عشرَ ذي الحجةِ-". قيل: ولا مثلُهن في سبيلِ الله؟ قال: "ولا مثلُهن في سبيلِ الله، إلا رجلٌ عَفَّرَ وجهه بالتراب" الحديث. [صحيح لغيره] رواه البزار بإسناد حسن، وأبو يعلى بإسناد صحيح، ولفظه: قال: "ما من أيامٍ أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحِجَّة". قال: فقال رجل: يا رسول الله! هن أفضل أم عدتهن جهاداً في سبيل الله؟ قال: "هُنَّ أفضلُ مِن عِدَّتِهنَّ جهاداً في سبيل الله، إلا عفيرٌ يُعَفِّرُ وجهه في التراب" الحديث. ورواه ابن حبان في "صحيحه". ويأتي بتمامه إن شاء الله [في "الضعيف" أول الباب التالي].   (1) لفظ (الصالح) ليس عند الطبراني (10/ 246/ 10455)، ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" (8/ 259) وكذا هو ليس في "المجمع". وصححه أبو نعيم. (2) في "الكبير" (10/ 246/ 10455). وعنه أبو نعيم في "الحلية" (8/ 259)، وصححه، ومنه الزيادة التي بين المعكوفتين، وهي في "الأوسط" أيضاً (2/ 450/ 1777) لكن بلفظ: "إلا من خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء"، والسند واحد! الحديث: 1150 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 9 - (الترغيب في الوقوف بعرفة والمزدلفة، وفضل يوم عرفة). 1151 - (1) [صحيح لغيره] وروى ابن المبارك عن سفيان الثوري عن الزبير بن عدي عن أنس ابن مالك قال: وقفَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بـ (عرفات) وقد كادت الشمسُ أن تؤوبَ، فقال: "يا بلال! أَنصِتْ لي الناسَ". فقام بلال، فقال: أَنْصِتوا لرسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأنصتَ الناسُ، فقال: "معاشرَ الناسِ! أَتاني جبرائيل آنفاً، فأقرأني من رَبي السلامَ، وقال: إنَّ الله عز وجل غفرَ لأهلِ عرفاتٍ، وأَهل المَشْعَر، وضَمِنَ عنهم التبعاتِ". فقام عمر بنُ الخطاب فقال: يا رسول الله! هذا لنا خاصة؟ قال: "هذا لكم، ولمن أتى من بعدِكم إلى يوم القيامة". فقال عمر بن الخطاب: كثرَ خيرٌ الله وطابَ. (1) 1152 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله يباهي بأهلِ عرفاتٍ أهلَ السماءِ، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاؤني شُعثاً غبراً". رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما".   (1) إنما أوردته هنا لجزم المؤلف رحمه الله بنسبته إلى ابن المبارك، وهو إمام من أئمة الحديث، ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين، ولذلك قال الحافظ ابن حجر: "فإن ثبت سنده إلى ابن المبارك فهو على شرط الصحيح". نقله السيوطي في "اللآلئ" (2/ 69). قلت: وظني أنه لو لم يثبت سنده إلى ابن المبارك، ما جزم المؤلف بنسبته إليه كما هو ظاهر. ومع ذلك فله شواهد خرجتها في "الصحيحة" (1624)، والله تعالى أعلم. وأما المعلقون الثلاثة فقالوا كعادتهم في الارتجال والادعاء: "حسن"! الحديث: 1151 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 1153 - (3) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "إن الله عز وجل يباهي ملائكتَه عَشِيَّة عرفةَ بأَهلِ عرفةَ، فيقول: انظُروا إلى عبادي شُعثاً غُبراً". رواه أحمد والطبراني في "الكبير" و"الصغير"، وإسناد أحمد لا بأس به. 1154 - (4) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من يومٍ أكثرُ من أن يُعتِقَ الله فيه عبيداً (1) من النار مِن يوم عرفة، وإنه ليدنو (2)، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ ". رواه مسلم والنسائي وابن ماجه. [صحيح لغيره] وزاد رزين في "جامعه" فيه: "اشهدوا ملائكتي أني قد غفرت لهم" (3). 1155 - (5) [حسن] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! كلماتٌ أَسأَلُ عنهن. فقال:   (1) كذا وقع في الكتاب. والصواب "عبداً" بالإفراد كما عند مخرجيه جميعاً، وكذلك ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية (5/ 373 - مجموع الفتاوى)، والناجي في "العجالة". (2) الأصل والمخطوطة: "ليدنو يتجلى"، والصواب ما أثبتناه، وزيادة "يتجلى" زيادة منكرة لا أصل لها في شيء من روايات الحديث كما حققته في "الصحيحة" (2551). ومن الظاهر أن مقصود من أدرجها في الحديث تفسيره بها، وهذا خلاف ما عليه السلف أن الدنو صفة حقيقية لله تعالى كالنزول، فهو ينزل كما يشاء، ويدنو من خلقه كما يشاء، لا يشبه نزوله ودنوه نزول المخلوقات ودنوهم، كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "شرح حديث النزول" وغيره. وخفي هذا التصويب والذي قبله على المحققين الثلاثة للكتاب -زعموا- فطبعوا الحديث بالزيادتين المنكرتين! فهذا مثال من عشرات بل مئات الأمثلة من تحقيقهم! (3) قلت: لكن يشهد لها حديث ابن عمر الآتي قريباً بعد حديث. الحديث: 1153 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 "اجلس". وجاءَ رجلٌ من ثقيف، فقال: يا رسولَ الله! كلماتٌ أسألُ عنهن. فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سبقَكَ الأنصاري". فقال الأنصاري: إنه رجلٌ غريبٌ، وإن للغريبِ حقاً، فابدأْ به. فأَقبل على الثقفي فقال: "إن شئتَ أنبأْتُكَ عما كنتَ تسألني عنه، وإن شئتَ تسأَلُني وأُخبرُك؟ " فقالَ: يا رسولَ الله! بل أجبْني عما كنتُ أَسأَلُك. قال: "جئتَ تسألُني عن الركوعِ والسجودِ والصلاةِ والصومِ". [صحيح] فقال: والذي بعثَك بالحقِّ ما أخطأتَ مما كان في نفسي شيئاً. قال: "فإذا ركعت فَضعْ راحتَيْكَ على رُكبَتَيْكَ، ثم فرِّجْ أصابَعك. ثم اسكن حتى يأخذَ كلُّ عضوٍ مأْخذَه، وإذا سجدْتَ فمكِّنْ جبهتَك، ولا تنقر نقراً، وصلِّ أولَ النهارِ وآخرَه". فقال: يا نبي الله! فإنْ أَنا صلَّيت بينهما؟ قال: "فأَنت إذاً مصلٍّ. وصُمْ من كلِّ شهرٍ ثلاثَ عشرةَ، وأربعَ عشرةَ، وحْمسَ عشرةَ". فقام الثقفي. ثم أقبل على الأنصاري، فقال: "إن شئتَ أخبرتُك عما جئتَ تسألني، وإن شئت تسأَلُني وأُخبرُك؟ ". فقال: لا يا نبي الله! أَخبرني بما جئتُ أسألكَ. قال: "جِئتَ تسأَلني عن الحاجِّ ما لَه حين يخرج من بيته؟ وما لَه حين يقومُ بعرفاتٍ؟ وما له حين يرمي الجمار؟ وما له حين يحلقُ رأْسَه؟ وما له حين يقضي آخر طوافٍ بالبيت؟ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 فقال: يا نبيَّ الله! والذي بعثك بالحق ما أَخطأتَ مما كان في نفسي شيئاً. قال: "فإنّ له حين يخرجُ من بيتِه أَنَّ راحلَتَه لا تخطو خطوةً؛ إلا كتبَ الله له بها حسنةً، أَو حطَّ عنه بها خطيئةً، فإذا وقفَ بـ (عرفةَ) فإنّ الله عز وجل يَنزلُ إلى سماءِ الدنيا فيقول: انظروا إلى عبادي شُعثاً غُبراً، اشهدوا أني قد غفرت لهم ذنوبهم، وإن كانت عدد قَطرِ السماء ورملِ عالج، وإذا رمى الجمارَ لا يدري أحدٌ ما لَه حتى يُوفاه يوم القيامة، [وإذا حلق رأسه، فله بكل شعرة سقطت من رأسه نور يوم القيامة] (1)، وإذا قضى آخر طوافٍ (2) بالبيت؛ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". رواه البزار والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له (3).   (1) زيادة من "الإحسان"، والبزار. (2) الأصل: "الطواف"، والتصحيح من "الموارد"، ومما قبله بأسطر. (3) قلت: أخرجه البزار (1082) وابن حبان (963 - موارد) من طريق طلحة بن مصرف، والطبراني (12/ 425) من طريق ابن مجاهد، كلاهما عن مجاهد عن ابن عمر، وللفرق بين الطريقين قال الهيثمي: "رجال البزار موثقون"، فتعقبه الجهلة الثلاثة بقولهم: "قلنا (!): بل فيهم عبد الوهاب بن مجاهد ضعيف". فهل عميت أبصارهم عن الطريق الأولى النظيفة من هذا الضعف -وهم قد عزوها إلى مخرجيها بالأرقام كعادتهم- أم تعاموا! وقد حسنها البيهقي في "الدلائل" (6/ 294)، وصرح المؤلف بصحتها في أول الباب الآتي. وانظر التعليق المتقدم في أول هذا الكتاب: (الحج). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 10 - (الترغيب في رمي الجمار (1). . .). قال الحافظ: "تقدم في الباب قبله في حديث ابن عمر الصحيح": "وإذا رمى الجمار لا يدري أَحد ما له حتى يُوفاه يوم القيامة". لفظ ابن حبان، ولفظ البزار: "وأما رميُك الجمارَ؛ فلكَ بكلِّ حصاةٍ رَمَيْتَها تكفيرُ كبيرةٍ من الموبقات". 1156 - (1) [صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لما أَتى إبراهيمُ خليلُ الله المناسكَ عَرَضَ له الشيطانُ عندَ جمرةِ العقبةِ، فرماه بسبع حصياتٍ حتى ساخَ في الأرض (2)، ثم عرضَ له عندَ الجمرةِ الثانيةِ، فرمَاه بسبع حصياتٍ حتى ساخَ في الأرضِ، ثم عرض له عند الجمرةِ الثالثةِ، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض". قال ابن عباس: الشيطانَ ترجمون، وملةَ أَبيكم إبراهيم تتبعون. رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم، واللفظ له، وقال: "صحيح على شرطهما" (3). 1157 - (2) [حسن صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا رميتَ الجِمارَ؛ كان لك نوراً يومَ القيامةِ". رواه البزار من رواية صالح مولى التوأمة (4).   (1) هي الأحجار الصغار. (2) أي: غاص فيها. (3) ووافقه الذهبي في "تلخيصه". وقال الناجي: "ورواه أحمد بمعناه دون قول ابن عباس الذي في آخره". وأما المعلقون الثلاثة فخالفوا -كعادتهم- وقالوا: "حسن"، ولا وجه له فهو صحيح كما قالا، لا سيما وهو عند ابن خزيمة من طريق أخرى رجالها ثقات، وطريق ثالثة وهي رواية أحمد التي أشار إليها الناجي! (4) قلت: لا وجه لإعلاله به، لأنه من رواية موسى بن عقبة عنه، وموسى سمع منه قبل اختلاطه كما قال الحافظ العسقلاني، ولذلك حسن إسناده، وقد بينت وجه ذلك في "الصحيحة" (2515)، وله شاهد في حديث عبادة بن الصامت، وقد ذكره المؤلف في آخر الباب التالي. الحديث: 1156 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 11 - (الترغيب في حلق الرأس بمنى). 1158 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اللهم اغفر للمحَلِّقين". قالوا: يا رسولَ الله! وللمقصِّرين. قال: "اللهم اغفر للمحلِّقين". قالوا: يا رسول الله! وللمقصِّرين. قال: "اللهم اغفر للمحلِّقين". قالوا: يا رسول الله! وللمقصِّرين. قال: "وللمقصِّرين". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 1159 - (2) [صحيح] وعن أم الحصين؛ أنها سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع: "دعا للمحلِّقين ثلاثًا، وللمقصِّرين مرةً واحدةً". رواه مسلم. 1160 - (3) [حسن] وعن مالك بن ربيعة رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يقول: "اللهم اغفر للمحلِّقين، اللهم اغفر للمحلِّقين". قال: يقول رجل من القوم: وللمقصِّرين. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الثالثة أو في الرابعة: "وللمقصِّرين". ثم قال: وأنا يومئذ محلوقُ الرأسِ، فما يسرُّني بحلقِ رأسي حمر النَّعَم. الحديث: 1158 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 رواه أحمد، والطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن. [حسن] (قال الحافظ): وتقدم في حديث ابن عمر الصحيح [1 - باب/ رقم 19] أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للأنصاري: "وأما حلاقُك رأَسَك؛ فلك بكل شعرةٍ حلقتها حسنة، وتمحى عنك بها خطيئة". [صحيح لغيره] وتقدم أيضاً في حديث عبادة بن الصامت [1 - باب/ رقم 20]: "وأما حلقُك رأسَك؛ فإنه ليس من شعرِك شعرةٌ تقع في الأرض؛ إلا كانت لك نوراً يوم القيامة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 12 - (الترغيب في شرب ماء زمزم، وما جاء في فضله). 1161 - (1) [حسن] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خير ماءٍ على وجه الأرض ماءُ زَمزم، فيه طعامُ الطُّعم (1)، وشفاء السُّقم، وشرُّ ماءٍ على وجه الأرض ماءٌ بوادي (بَرَهوت)، بقبة بـ (حضرموت)، كرِجلِ الجراد، تُصبح تَنْدفق، وتمسي لا بَلالَ فيها". رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات، وابن حبان في "صحيحه" (2). (بَرَهُوت) بفتح الباء الموحدة والراء وضم الهاء آخره مثناة (3). و (حَضرموت) بفتح الحاء المهملة: اسم بلد. قال أهل اللغة: وهما اسمان جعلا اسماً واحداً، إن شئتَ بنيت (حضرَ) على الفتح وأعربت (موتَ) إعراب ما لا ينصرف، وإن شئت أضفتَ الأول إلى الثاني، فأعربت (حضراً) وخفضت (موتٍ). 1162 - (2) [صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "زمزمُ طعامُ طُعم، وشفاءُ سُقمٍ". رواه البزار بإسناد صحيح. (4)   (1) أي: يشبع الإنسان إذا شرب ماءها كما يشبع من الطعام، قاله ابن الأثير. ويأتي في الكتاب نحوه. (2) قلت: لم أره في "الموارد"، ولا في "الإحسان"، ولا عزاه إليه السيوطي في "جامعيه"، نعم عزاه إليه الهيثمي في "المجمع"، وأظنه تبع المؤلف، وكنت استظهرت في "الصحيحة" (1056) أنه مما فاته أن يورده في "الموارد"، فلما طبع "الإحسان"، ولم نجده فيه غلب على الظن أن العزو لـ "صحيح ابن حبان" وهم. والله أعلم. وتقلد هذا العزو جمع كالمناوي والمعلقين الثلاثة! (3) بئر عميقة بـ (حضرموت) لا يستطاع النزول إلى قعرها. قاله ابن الأثير. (4) قلت: وهو كما قال، وذكر الحافظ في "مختصر البزار" (1/ 470/ 801) أنه على شرط مسلم. وأما المعلقون الثلاثة فحسنوه فقط! الحديث: 1161 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 قوله: "طعام طعم" بضم الطاء وسكون العين، أي: طعام يُشبع من أكله. 1163 - (3) [صحيح لغيره] وعن أبي الطفيل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعته يقول: كنا نسميها شُباعة (1) -يعني زمزم-، وكنا نجدها نِعْمَ العونُ على العيالِ. رواه الطبراني في "الكبير"، وهو موقوف صحيح الإسناد. 1164 - (4) [حسن لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ماء زمزم لما شرب له. . . ". رواه الدارقطني، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد إن سَلِمَ من الجارود". يعني محمد بن حبيب. (قال الحافظ): "سلم منه؛ فإنه صدوق. قاله الخطيب البغدادي وغيره، لكن الراوي عنه محمد بن هشام لا أعرفه". 1165 - (5) [حسن لغيره] عن جابر؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ماء زمزم لما شرب له. . . ". (2) رواه أحمد وابن ماجه، وإسناده حسن.   (1) على وزن (قُدامة) كما في القاموس، قال الشارح: "هكذا ضبطه الصاغاني، سميت بذلك لأن ماءها يروي العطشان، ويشبع الغرثان". ونحوه في "النهاية". أما الناجي فقال: "بفتح الشين، وتشديد الباء الموحدة"! (2) في الحديث قصة لبعضهم، ووقعت في الأصل معزوة لأحمد، وهو وهم نبه عليه الحافظ الناجي، ولم يتنبه له المعلقون الثلاثة كما سنبينه في "الضعيف" إن شاء الله تعالى. الحديث: 1163 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 13 - (ترهيبُ من قدر على الحج فلم يحج، وما جاء في لزوم المرأة بيتها بعد قضاء فرض الحج). وتقدم [حسن لغيره] (*) [8 - الصدقات/ 1] حديث حذيفة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهمٌ، والصلاة سهمٌ، والزكاةُ سهمٌ، [والصوم سهمٌ] (1)، وحج البيت سهمٌ، والأمرُ بالمعروفِ سهمٌ، والنهي عن المنكر سهمٌ، والجهاد في سبيل الله سهمٌ، وقد خاب من لا سهم له". 1166 - (1) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يقول الله عز وجل: إن عبداً صححتُ له جسمه، ووسَّعْتُ عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسة أَعوام لا يَفِدُ إليَّ؛ لمحروم". رواه ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي، وقال: "قال علي بن المنذر (2): أخبرني بعض أصحابنا قال: كان حسن بن حَيّ (3) يعجبه هذا الحديث، وبه يأخذ، ويحب للرجل الموسر الصحيح أن لا يترك الحج خمسَ سنين". 1167 - (2) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لنسائه عام حجة الوداع: "هذه، ثم ظهورَ الحُصْر".   (1) سقطت من الأصل هنا، وهي ثابتة فيما تقدم. (2) رجل فاضل من طبقة أحمد بن حنبل، وهو الطريفي الأودي، قال ابن أبي حاتم (3/ 1/ 206): "سمعت منه مع أبي، وهو ثقة صدوق، سئل أبي عنه؟ فقال: حج خمسين أو خمساً وخمسين حجة، ومحله الصدق". (3) هو الحسن بن صالح بن صالح بن حي، وهو ابن حيان بن شفيّ الهمداني، من رجال مسلم. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا الحكم ليس في المطبوع، وأضافه الشيخ مشهور إلى طبعته وقال: «وأخذناه من الموطن المحال إليه» الحديث: 1166 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 قال: وكن كلُّهن يحججن إلا زينبَ بنت جَحشٍ وسَودةَ بنت زمعة، وكانتا تقولان: والله لا تُحَرِّكُنا دابةٌ بعد إذ سمعنا ذلك من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال إسحاق في حديثه: "قالتا: والله لا تحركنا دابةٌ بعد قولِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هذه ثم ظهورَ الحصْر". رواه أحمد وأبو يعلى، وإسناده حسن، رواه عن صالح مولى التَّوْأمة؛ ابنُ أبي ذئب، وقد سمع منه قبل اختلاطه. 1168 - (3) [صحيح] وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال لنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع: " [إنما] (1) هي هذه الحجة، ثم الجلوسُ على ظهور الحُصرِ في البيوت". رواه الطبراني في "الكبير"، وأبو يعلى، ورواته ثقات. 1169 - (4) [صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الأوسط" عن ابن عمر: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما حج بنسائه قال: "إنما هي هذه، ثم عليكم بظهورِ الحصْرِ". 1170 - (5) [صحيح لغيره] وعن ابنٍ لأبي واقد الليثي عن أبيه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول لأزواجه في حجة الوداع: "هذه ثم ظهورَ الحصر". رواه أبو داود، ولم يسمّ ابن أبي واقد (2).   (1) زيادة من "أبي يعلى" (12/ 312/ 6885)، والسياق له، والطبراني (23/ 313/ 706) من طريقين عن عبد الله بن جعفر الخرمي بسنده الصحيح عنها. انظر "الصحيحة" (2401). (2) قلت: سماه الإمام أحمد وغيره: "واقداً"، فانظر "الصحيحة" (2401) و"صحيح أبي داود" (1515). الحديث: 1168 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 14 - (الترغيب في الصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينة، وبيت المقدس وقباء). 1171 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "صلاةٌ في مسجدي هذا، أفضل من أَلف صلاةٍ فيما سواه؛ إلا المسجد الحرامَ" (1). رواه مسلم والنسائي وابن ماجه. 1172 - (2) [صحيح] وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صلاةٌ في مسجدي هذا، أفضلُ من أَلفِ صلاةٍ فيما سواه من المساجد؛ إلا المسجدَ الحرام، وصلاةٌ في المسجد الحرامِ، أَفضلُ من مئةِ صلاةٍ في هذا". رواه أحمد، وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحه"، وزاد: "يعني: في مسجد المدينة". [صحيح] والبزار، ولفظه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "صلاةٌ في مسجدي هذا؛ أَفضلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سواه من المساجد؛ إلا المسجدَ الحرام؛ فإنه يزيدُ عليه مئةَ صلاةٍ". وإسناده صحيح أيضاً. 1173 - (3) [صحيح] وعن جابر رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "صلاةٌ في مسجدي، أفضلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سواه؛ إلا المسجدَ الحرامِ، وصلاةٌ في المسجدِ الحرامِ، أفضل من مئةِ ألف صلاةٍ فيما سواه".   (1) قلت: يعني: والصلاة فيه بمئة ألف صلاة كما في حديث ابن الزبير وجابر بعده. فهو نص قاطع على صحة ما ذهب إليه الجماهير أن مكة أفضل من المدينة. الحديث: 1171 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 رواه أحمد وابن ماجه بإسنادين صحيحين (1). 1174 - (4) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "صلاةٌ في مسجدي هذا، خيرٌ من ألفِ صلاةٍ فيما سواه؛ إلا المسجدَ الحرامَ". رواه البخاري -واللفظ له-، ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. 1175 - (5) [صحيح لغيره] وروى البزار عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنا خاتمُ الأنبياءِ، ومسجدي خاتمُ مساجدِ الأنبياءِ. أحقُّ المساجدِ أنَ يزارَ وتشدَّ إليه الرواحلُ: المسجدُ الحرام، ومسجدي. وصلاةٌ في مسجدي أفضلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سواهُ من المساجدِ؛ إلا المسجدَ الحرامَ". 1176 - (6) [صحيح] وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: دخلتُ على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بيتِ بعضِ نسائه فقلت: يا رسول الله! أيُّ المسجدين الذي أُسِّسَ على التقوى؟ فأَخذ كفاً من حصى فضرب به الأرض. ثم قال: "هو مسجدُكم هذا" لمسجدِ المدينةِ. رواه مسلم والترمذي، والنسائي، ولفظه: قال: تمارى رجلان في المسجدِ الذي أُسِّسَ على التقوى من أَولِ يومٍ، فقال رجل: هو مسجدُ قباء، وقال رجلٌ: هو مسجدُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) كذا قال. وإنما هو إسناد واحد صحيح. انظر "الإرواء" (4/ 341 - 342). الحديث: 1174 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 "هو مسجدي هذا". 1177 - (7) [صحيح لغيره] وعن سهل بن سعد (1) رضي الله عنه قال: اختلف رجلان في المسجد الذي أُسس على التقوى، فقال أحدُهما: هو مسجدُ المدينةِ. وقال الآخر: هو مسجدُ قباءَ. فأَتوا رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "هو مسجدي هذا". رواه ابن حبان في "صحيحه". 1178 - (8) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لما فرغَ سليمانُ بن داودَ عليهما السلام من بناءِ بيتِ المقدسِ، سأل الله عزَّ وجلَّ ثلاثاً: أَن يعطيهُ (2) حكماً يصادف حكمه (3)، ومُلكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدهِ، وأَنه لا يأتي هذا المسجدَ أحدٌ لا يريد إلا الصلاةَ فيه؛ إلا خرجَ من ذنوبهِ كيومِ ولدتْهُ أمُّه". فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَما ثِنتَينِ فقد أُعطيَهما، وأرجو أن يكون قد أُعطي الثالثة". رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، واللفظ له، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم أطول من هذا، وقال:   (1) كذا وقع في "صحيح ابن حبان" وغيره، وهو من رواية ربيعة بن عثمان عن عمران بن أبي أنس عنه، وهو شاذ، والمحفوظ من طرق عن عمران هذا عن أبي سعيد كما في الحديث الذي قبله. وقد شرحت هذا فيما علقته على "الإحسان" (3/ 66). (2) ليس عند ابن ماجه -واللفظ له كما سيذكر المؤلف- قوله: "أن يعطيه"، ولا هو في شيء من المصادر الآتية، ولا في غيرها كالحاكم مثلاً (1/ 30 و2/ 434)، ومع ذلك زعم المعلقون الثلاثة أنها في مصادر التخريج، وليست فيها! (3) أي: يوافق حكم الله، والمراد التوفيق للصواب في الاجتهاد، وفصل الخصومات بين الناس، وقوله: "وملكاً لا ينبغي" أي: لا يكون. ولعل مراده -والله أعلم- لا يكون لعظمه معجزة له، فيكون سبباً للإيمان والهداية، ولكونه ملكاً أراد أن تكون معجزته ما يناسب حاله. الحديث: 1177 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 "صحيح على شرطهما، ولا علة له". 1179 - (9) [صحيح] وعن أبي ذر رضي الله عنه: أَنه سأَلَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاةِ في بيتِ المقدسِ أفضلُ، أو في مسجدِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال: "صلاةٌ في مسجدي هذا، أفضلُ من أربعِ صلواتٍ فيه، ولنعمَ المصلى، هو أَرضُ المحشرِ والمنشر (1)، وليأتين على الناسِ زمانٌ ولَقِيدُ سوطِ -أو قال: قوسِ- الرجلِ حيث يَرى منه بيتَ المقدسِ؛ خيرٌ له أو أَحبُّ إليه من الدنيا جميعاً". رواه البيهقي (2) بإسناد لا بأس به، وفي متنه غرابة. 1180 - (10) [صحيح لغيره] وعن أسيْد بن ظَهير الأنصاري رضي الله عنه -وكان من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -- يحدث عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنه قال: "صلاةٌ في مسجد قُباء (3) كعمرة". رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب".   (1) أي: يوم القيامة، والمراد أنه يكون الحشر إليه في قرب القيامة كما تدل عليه الأحاديث. (2) لقد أبعد النجعة، فالحديث في "مستدرك الحاكم" (4/ 509)، وهو شيخ البيهقي، وصححه، ووافقه الذهبي. وأما المعلقون الثلاثة فعاكسوهما، ضعفوا الحديث بغير بينة كما هي عادتهم، والظاهر أنهم قلدوا بعض المعلقين على "مشكل الآثار" طبع المؤسسة. انظر "الصحيحة" (2902). (3) بضم القاف، يقصر ويمد ويصرف ولا يصرف، وهو موضع بقرب مدينة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من جهة الجنوب نحو ميلين، وقد اتصل البنيان الآن بينه وبين المدينة. وقوله: "كعمرة"، أي: في الأجر والثواب، ويأتي في الباب أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يذهب إليه كل سبت راكباً وماشياً، وذلك مما يدل على فضله، ولكن ليس من المساجد الثلاثة التي تقصد بشد الرحال إليها. الحديث: 1179 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 (قال الحافظ): "ولا نعرف لأسيد حديثاً صحيحاً غير هذا. والله أعلم". (1) 1181 - (11) [صحيح] وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من تَطهَّر في بيته، ثم أَتى مسجدَ قباء، فصلى فيه صلاةً؛ كان له كأَجر عمرة". رواه أحمد والنسائي، وابن ماجه واللفظ له، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد"، والبيهقي. 1182 - (12) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يزورُ قباءَ، أَو يأَتي قباء راكباً وماشياً -زاد في رواية-: "فيصلي فيه ركعتين". رواه البخاري ومسلم. [صحيح] وفي روايةٍ للبخاري والنسائي: "أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأَتي مسجدَ قباءَ كلَّ سبتٍ راكباً وماشياً، وكان عبد الله يفعله". 1183 - (13) [صحيح موقوف] وعن عامر بن سعد وعائشة بنت سعد سمعا أباهما رضي الله عنه يقول: لأَنْ أصليَ في مسجدِ قباءَ؛ أَحبَّ إليَّ من أنْ أصليَ في مسجدِ بيتِ المقدسِ. رواه الحاكم وقال: "إسناده صحيح على شرطهما".   (1) قلت: هذا من كلام الترمذي في حديث أسيد المذكور، لكن نسبه المصنف إلى نفسه، وهو عجيب. قاله الناجي (135/ 2). الحديث: 1181 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 1184 - (14) [حسن صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه شهد جنازةً بـ (الأوساط) في دارِ سعد بن عُبادة، فأقبلَ ماشياً إلى بني عمرو بن عوف بفناء الحارث بن الخزرج. فقيل له: أَين تؤم يا أبا عبد الرحمن؟ قال: أَؤمُّ هذا المسجد في بني عمرو بن عوف، فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من صلي فيه كان كعدلِ عمرةٍ". رواه ابن حبان في "صحيحه". 1185 - (15) [حسن] وعن جابر -يعني ابن عبد الله- رضي الله عنهما: "أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا في مسجد الفتحِ ثلاثاً: يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، فاستجيبَ له يومَ الَأربعاء بين الصلاتين، فعُرفَ البِشْرُ في وجهه". قال جابر: فلم ينزلْ بي أمرٌ مهمٌّ غليظٌ إلا توخَّيتُ تلك الساعةَ، فأدعو فيها، فأَعرفُ الإجابةَ. رواه أحمد والبزار وغيرهما، وإسناد أحمد جيد. الحديث: 1184 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 15 - (الترغيب في سكنى المدينة إلى الممات، وما جاء في فضلها، وفضل أحُد ووادي العقيق (1)). 1186 - (1) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يصبر على لأواءِ المدينةِ وشدَّتها أَحدٌ من أُمَّتي؛ إلا كنتُ له شفيعاً يومَ القيامةِ أو شهيداً". رواه مسلم والترمذي وغيرهما. 1187 - (2) [صحيح] وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يصبر أحد على لأوائها؛ إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة إذا كان مسلماً". رواه مسلم. (اللأْواء) مهموزاً ممدوداً: هي شدة الضيق. 1188 - (3) [صحيح] وعن سعد رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إني أُحرِّم ما بين لابَتَيِّ المدينةِ أن يُقطعَ عِضاهُهَا، أو يُقتلَ صيدُها". وقال: "المدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعُها أحدٌ رغبة عنها؛ إلا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبتُ أحدٌ على لأوائِها وجَهدِها؛ إلا كنتُ له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة".   (1) قال ياقوت في "المعجم": "هو الذي ببطن وادي ذي الحليفة، وهو الأقرب منها، وهو الذي جاء فيه أنه مَهَلّ أهل العراق من ذات عرق". الحديث: 1186 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 زاد في روايةٍ: "ولا يريد أَحدٌ أهلَ المدينةِ بسوءٍ؛ إلا أذابهُ الله في النارِ ذوبَ الرصاصِ، أو ذوبَ الملحِ في الماءِ". رواه مسلم. (لابتا المدينة) بفتح الباء مخففة: هو حرتاها وطرفاها. (والعِضاه) بكسر العين المهملة وبالضاد المعجمة وبعد الألف هاء: جمع (عضاهة)، وهي شجرة الخمط، وقيل: بل كل شجرة ذات شوك، وقيل ما عظم منها. 1189 - (4) [صحيح لغيره] وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليأتينَّ على (1) المدينةِ زمانٌ ينطلقُ الناسُ منها إلى الأريافِ، يلتمسون الرخاءَ، فيجدونَ رخاءً، ثم يأْتونَ فيتحملون بأَهليهم إلى الرخاءِ، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون". رواه أحمد والبزار -واللفظ له (2) -، ورجاله رجال "الصحيح". (الأرياف) جمع (ريف) بكسر الراء، وهو ما قارب المياه في أرض العرب. وقيل: هو الأرض التي فيها الزرع والخصب. وقيل غير ذلك. 1190 - (5) [صحيح] وعن سفيان بن أبي زهير قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "تفتحُ اليمنُ فيأْتي قوم يَبُسُّون، فيتحملون بأَهليهم ومن أَطاعهم، والمدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون، وتفتحُ الشامُ، فيأْتي قوم يَبُسُّون، فيتحملون بأَهليهم ومن أطاعهم، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون، وتفتحُ العراقُ، فيأتي قوم يَبسُّون فيتحملون بأَهليهم ومن أطاعَهم، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون". رواه البخاري ومسلم.   (1) الأصل: (أهل المدينة)، والتصويب من "المسند" و"جامع المسانيد" (25/ 197/ 1212). (2) قلت: بل اللفظ لأحمد (3/ 342)، والبزار إنما رواه مختصراً (2/ 52/ 1186)، وإسناده صحيح، ويشهد للفظ أحمد حديث (أفلح) الآتي برقم (7) والذي قبله. الحديث: 1189 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 (البسُّ): السَّوق الشديد، وقيل: (البسّ): سرعة الذهاب. 1191 - (6) [حسن لغيره] وعن أبي أُسَيد الساعدي رضي الله عنه قال: كنا مع رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قبرِ حمزةَ بنِ عبدِ المطلب، فجعلوا يَجرون النَّمِرة على وجهه؛ فتنكشفُ قدماه، ويجرونها على قدميه؛ فينكشفُ وجهُه، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اجعلوها على وجهه، واجعلوا على قدميه من هذا الشجر". قال: فرفعَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأْسَه فإذا أصحابُهُ يبكون، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنه يأتي على الناس زمانٌ يخرجون إلى الأرياف، فيصيبون منها مطعماً وملبساً ومركباً، أو قال: مراكب، فيكتبون إلى أهليهم: هَلُمَّ إلينا، فإنكم بأرض حجاز جَدوبة، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن. (النَّمِرة) بفتح النون وكسر الميم، وهي بردة من صوف تلبسها الأعراب. 1192 - (7) [حسن صحيح] وعن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري: أنه مرَّ بزيدِ بن ثابت وأَبي أيوب رضي الله عنهما وهما قاعدان عند مسجدِ الجنائز، فقال أحدُهما لصاحبه: تذكُرُ حديثاً حدثناه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا المسجدِ الذي نحن فيه؟ قال: نعم -عن المدينة- سمعته يزعم: (1) "إنه سيأَتي على الناسِ زمانٌ تفتحُ فيه فتحاتُ الأرضِ، فيخرج إليها رجالٌ يصيبونَ رخاءً وعيشاً وطعاماً، فيمرون على إخوانٍ لهم حُجَّاجًا أو عُمَّاراً   (1) أي: يقول. الحديث: 1191 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 فيقولون: ما يقيمُكم في لأواءِ العيشِ وشدةِ الجوعِ؟! فذاهبٌ وقاعدٌ، -حتى قالها مراراً-، والمدينةُ خيرٌ لهم، لا يثبتُ بها أحد، فيصبرُ على لأْوائها وشدتِها حتى يموتَ؛ إلا كنتُ له يوم القيامة شهيداً أو شفيعاً". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد جيد، ورواته ثقات. 1193 - (8) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من استطاع منكم أن يموتَ بالمدينةِ فليمتْ بها، فإني أشفعُ لمن يموتُ بها" (1). رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي، ولفظ ابن ماجه: "من استطاعَ منكم أَن يموتَ بالمدينةِ فليفعلْ؛ فإني أشهدُ لمن ماتَ بها". وفي رواية للبيهقي: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من استطاعَ منكم أن يموتَ بالمدينةِ فليمتْ؛ فإنه من ماتَ بالمدينةِ شفعتُ له يومَ القيامةِ". 1194 - (9) [صحيح] وعن الصُّمَيْتَة -امرأة محمد بني ليث-؛ أنها سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من استطاع منكم أن لا يموت إلا بالمدينة فليمت بها، فإنه من يمت بها يُشفع له أو يُشهد له" (2). رواه ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي.   (1) أي: بأن لا يخرج منها إلى أن يموت. (2) الأصل: "تشفع له أو تشهد له"، أي تشفع له المدينة أو تشهد له، وهو منكر، ولذلك قال الناجي (ق 136/ 1): "وأخشى أن يكون ذلك من تصرف المؤلف. . . ". فأقول: كلا إنما هو من تصرف بعض الرواة؛ فإنه كذلك في "الإحسان" (9/ 58/ 3742)، ومر عليه المعلق! والمثبَت من "موارد الظمآن" (1032)، وكذا في رواية للبيهقي في "الشعب" (3/ 497/ 4183)، والطبراني في "المعجم الكبير" (24/ 331/ 824). فهو للبناء على المجهول، = الحديث: 1193 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 1195 - (10) [صحيح لغيره] وفي رواية للبيهقي أنها سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ". . . من استطاعَ أن يموتَ بالمدينة فليمتْ، فمن ماتَ بالمدينة كنتُ له شفيعاً وشهيداً" (1). 1196 - (11) [صحيح لغيره] وعن سُبَيعة الأسلمية رضي الله عنها، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من استطاعَ منكم أن يموتَ بالمدينةِ فليمتْ؛ فإنه لا يموتُ بها أحدٌ؛ إلا كنتُ له شفيعاً أو شهيداً يومَ القيامةِ". رواه الطبراني في "الكبير"، ورواتهُ محتج بهم في "الصحيح"، إلا عبد الله بن عكرمة، روى عنه جماعة، ولم يُخرجه (2) أحد، وقال البيهقي: "هو خطأ، وإنما هو عن صميتة"؛ كما تقدم. 1197 - (12) [حسن صحيح] وعن امرأةٍ يتيمةٍ كانت عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ثقيف؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:   = والفاعل هو الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وبذلك يلتقي الحديث مع أحاديث الباب الأخرى، ولا سيما وقد رواه النسائي في "الكبرى" (2/ 488/ 4285) بلفظ: "فإني أشفع له، أو أشهد له". وانظر التعليق على "صحيح الموارد" (9 - الحج/ 36)، و"الصحيحة" (2928). (1) رواه بهذا اللفظ النسائي أيضاً في "الكبرى" كما سبق. (2) كذا الأصل، وتبعهُ عمارة، وكذلك وقع في "العجالة"، فإن كان كذلك، فالمراد أنه لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة. ويغلب على ظني أنه تصحيف، وأن الصواب: "ولم يجرّحْه أحد"، لأنه الذي يقتضيه سياق الكلام، ويؤيده قول الهيثمي: ". . وروى عنه جماعة، ولم يتكلم فيه أحد بسوء". ثم إن في الطريق إليه من هو متكلَّم فيه من قبل حفظه؛ ولذلك فالصواب أنه عن الصميتة كما نقله المؤلف عن البيهقي، وقد شرح الخلاف في إسناد الحديث الحافظ الناجي (135/ 2 - 136/ 1)، ومنه يتبين أن المرأة اليتيمة في الحديث الآتي إنما هي الصميتة نفسها! فالحديث واحد جعله المؤلف ثلاثة أحاديث؛ لعدم انتباهه للخلاف المشار إليه! وأما المعلقون الباغون الجهلة، فصححوا حديث (الصميتة)، وحسنوا رواية البيهقي الثابتة عنها! وضعفوا حديث (سبيعة)!! وقد عرفوا من كلام (الناجي) أن الحديث واحد! الحديث: 1195 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 "من استطاعَ منكم أَن يموتَ بالمدينةِ فليمتْ، فإنه من ماتَ بها؛ كنتُ له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن. (قال المملي) الحافظ رحمه الله: "وقد صح من غير ما طريق عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الوباء والدجال لا يدخلانها". اختصرت ذلك لشهرته". (1) 1198 - (13) [صحيح] وعن أبي قتادة رضي الله عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأَ ثم صلى بأرضِ سعدٍ بأرضِ الحرةِ، عند بيوت السقيا ثم قال: "إن إبراهيمَ خليلَكَ وعبدَك ونبيَّك دعاكَ لأهل مكةَ، وأنا محمدٌ عبدُك ورسولُك، أدعوك لأهل المدينةِ مثل ما دعاك إبراهيمُ لمكةَ؛ ندعوك أن تباركَ لهم في صاعِهم ومدِّهم وثمارِهم، اللهم حَبِّبْ إلينا المدينةَ، كما حببتَ إلينا مكةَ، واجعل ما بها من وباءٍ بـ (خُمٍّ)، اللهم إني حرمْتُ ما بين لابتَيْها كما حرمتَ على لسانِ إبراهيمَ الحرمَ". رواه أحمد، ورجال إسناده رجال "الصحيح". (خمّ) بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم: اسم غيضة بين الحرمين قريباً من الجحفة، لا يولد بها أحد فيعيش إلى أن يحتلم إلا أن يرتحل عنها لشدة ما بها من الوباء والحمى بدعوة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأظن غدير (خم) مضافاً إليها.   (1) قلت: وما أشار إليه من الحديث متفق عليه، وهو مخرج عندي في كتابي الفريد: "قصة المسيح الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وقتله إياه"، جمعت فيه أطرافها من عشرات الأحاديث المنبثة في كتب السنة، مطبوعها ومخطوطها مما تيسر لي، ومن ذلك الحديثُ المشار إليه، وهو في "صحيح الجامع" رقم (3917) (ص 38/ ج 4 - الطبعة الأولى الشرعية). الحديث: 1198 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 1199 - (14) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان الناسُ إذا رأَوا أولَ الثمرِ جاؤا به إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإذا أَخذَه رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اللهمَّ باركْ لنا في ثَمرِنا، وباركْ لنا في مدينتِنا، وبارك لنا في صاعِنا ومدِّنا، اللهم إنَّ إبراهيمَ عبدُك وخليلُك ونبيُّك، وإني عبدُك ونبيُّك، وإنه دعاكَ لمكةَ، وإني أَدعوكَ للمدينةِ بمثل ما دعاكَ به لمكةَ، ومثلُه معه". قال: ثم يدعو أصغرَ وليدٍ يراه فيعطيه ذلك الثمرَ. رواه مسلم وغيره. قوله: (في صاعنا ومدنا)، يريد في طعامِنا المكيل بالصاع والمد، ومعناه: أنه دعا لهم بالبركة في أقواتهم جميعاً. 1200 - (15) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اللهم حبِّب إلينا المدينةَ كحبِّنا مكةَ وأشدَّ، وصحّحها لنا، وبارك لنا في صاعِها ومدّها، وانقُلْ حُمّاها فاجعلها بـ (الجحفة) (1) ". رواه مسلم (2) وغيره.   (1) موضع بينه وبين مكة نحو ثلاث مراحل، ونحوه ما يأتي في الكتاب قريباً. قال الخطابي وغيره: "كان ساكنو الجحفة يهوداً في ذلك الوقت، ففيه ليل للدعاء على الكفار بالأمراض والأسقام والهلاك. وفيه الدعاء للمسلمين بالصحة وطيب بلادهم والبركة فيها، وكشف الضر والشدائد عنهم، وهذا مذهب العلماء كافة. قال القاضي عياض: وهذا خلاف قول بعض المتصوفة أن الدعاء قدح في التوكل والرضا، وأنه ينبغي تركه! وخلاف قول المعتزلة أنه لا فائدة في الدعاء مع سبق القدر. ومذهب العلماء كافة أن الدعاء عبادة مستقلة، ولا يستجاب منه إلا ما سبق به القدر. والله أعلم". (2) قال الناجي (136/ 1): "وكذا البخاري أيضاً". وهو في "مختصر البخاري" برقم (880). الحديث: 1199 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 قيل: إنما دعى بنقل الحمى إلى الجحفة؛ لأنها كانت إذ ذاك دار اليهود. 1201 - (16) [صحيح] وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حتى إذا كنا عند السقيا التي كانت لسعد قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اللهم إنّ إبراهيمَ عبدَك وخليلَكَ دعاك لأهل مكة بالبركة، وأنا محمدٌ عبدُك ورسولُك، وإني أدعوك لأهلِ المدينةِ أن تباركَ لهم في صاعِهم ومدِّهم، مثل ما باركتَ لأهلِ مكةَ، واجعلْ مع البركةِ بركتين". رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد جيد قوي (1). 1202 - (17) [صحيح] وعن أبي سعيد رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اللهم باركْ لنا في مدينتِنا، اللهم اجعلْ مع البركةِ بركتين، والذي نفسي بيدهِ ما من المدينةِ (2) شِعبٌ (3) ولا نَقْبٌ إلا عليه ملكان يحرسانها". رواه مسلم في حديث. 1203 - (18) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اللهم اجعلْ بالمدينةِ ضِعفَيْ ما جعلتَ بمكةَ من البركةِ". رواه البخاري ومسلم.   (1) لقد أبعد المصنف النجعة -وإن تبعه الهيثمي-، فالحديث أخرجه أحمد أيضاً والترمذي وصححه، وابن خزيمة (1/ 105 - 106/ 209) وعنه ابن حبان (6/ 23/ 3738 - الإحسان)، وسنده صحيح. (2) قلت: في الأصل زيادة: "شيء"، ولا أصل لها فحذفتها، وقال الناجي: "ليس في مسلم لفظة (شيء)، بل هي مقحمة فيه". قلت: والحديث في آخر "الحج" من "مسلم" (4/ 117). (3) بكسر الشين، قال أهل اللغة: هو الفرجة النافذة بين الجبلين. وقال ابن السكيت: هو الطريق في الجبل، والنقب بفتح النون على المشهور، وحكى ضمها، وهو مثل الشعب، وقيل: هو الطريق في الجبل. قال الأخفش: أنقاب المدينة: طرقها وفجاجها. والله أعلم. الحديث: 1201 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 1204 - (19) [صحيح لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دعا نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "اللهمَّ باركْ لنا في صاعِنا ومدّنا، وباركْ لنا في شامِنا ويمنِنا". فقالَ رجلٌ من القومِ: يا نبيَّ الله! وعراقِنا؟ (1) قال: "إنَّ بها قرنَ الشيطانِ، وتهيُّجَ الفتن، وإنَّ الجفاءَ بالمشرقِ". رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات. (قرن الشيطان) قيل: معناه: أتباع الشيطان وأشياعه. وقيل: شدته وقوته ومحل ملكه وتصريفه. وقيل غير ذلك. 1205 - (20) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رأيتُ في المنامِ امرأَةً سوداءَ ثائرةَ الرأسِ، خرجتْ حتى قامتْ بـ (مَهْيعة) وهي (الجحفة)، فأوَّلتُ أن وباءَ المدينةِ نُقِلَ إلى (الجحفة) ". رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواة إسناده ثقات (2). (مَهْيعة) بفتح الميم وإسكان الهاء بعدها ياء مثناة تحت، وعين مهملة مفتوحتين، هي اسم لقرية قديمة كانت بميقات الحج الشامي، على اتنين وثلاثين ميلاً من مكة، فلما أخرج العماليق بني عبيل إخوة عاد من يثرب نزلوها، فجاءهم سيل (الجُحاف) -بضم الجيم-، فجحفهم، وذهب بهم، فسميت حينئذ (الجُحفة) بضم الجيم وإسكان الحاء المهملة.   (1) قلت: وكذا في حديث ابن عمر بإسناد صحيح مخرج في كتابي "تخريج فضائل الشام" (ص9 - الحديث الثامن). وفي رواية البخاري: "وفي نجدنا" أي: عراقنا كما يدل عليه لفظ الكتاب، وبه فسره العلماء، فراجع "فتح الباري" (13/ 38)، وتخريجي المذكور آنفاً. (2) قلت: وهذا ذهول عجيب تبعه عليه الهيثمي، فالحديث رواه البخاري وأحمد وغيرهما. الحديث: 1204 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 1206 - (21) [صحيح] وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خير ما رُكِبَتْ إليه الرواحلُ مسجدُ إبراهيمَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومسجدي". رواه أحمد بإسناد حسن، (1) والطبراني، وابن خزيمة في "صحيحه"، إلا أنه قال: "مسجدي هذا، والبيت المعمور". وابن حبان في "صحيحه" ولفظه: "إنَّ خيرَ ما رُكِبَتْ إليه الرواحلُ مسجدي هذا، والبيتُ العتيق". (قال الحافظ): 1207 - (22) [صحيح] وقد صح من غير ما طريق (2)؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تشدُّ الرواحلُ إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجدِ الحرام، والمسجدِ الأقصى". [تقدم 14 - باب/ من حديث عائشة]. 1208 - (23) [صحيح] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي طلحة: "التمسْ لي غلاماً من غلمانِكم يخدمُني". فخرج أبو طلحةَ يُردفُني وراءه، فكنت أخدمُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلما نزلَ،   (1) قلت: اقتصر المؤلف على تحسينه لأنه عند أحمد (3/ 336) من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير عنه. وهذا تقصير فاحش من المؤلف، قلده فيه الهيثمي، ثم المعلقون الثلاثة! فقد تابع ابنَ لهيعة (الليثُ بن سعد) عند ابن حبان (1023 - موارد)، والطبراني في "الأوسط" (744 و4427)، وهو رواية لأحمد (3/ 350)، فهو إسناد صحيح على شرط مسلم. ولا غرابة في تقصير المؤلف، فإنه يعتمد -في الغالب- على الحفظ، وإنما الغرابة بحق من المعلقين الثلاثة الذين يتظاهرون بالتحقيق، فيعزون الحديث لابن حبان بالرقم، ثم يقلدون الوهم! وانظر "الصحيحة" (1648). (2) انظر تخريج أشهرها في "إرواء الغليل" (رقم 773) (ج 3/ 221 - 232)، و"أحكام الجنائز" (285 - 289/ المعارف). الحديث: 1206 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 قال: ثم أقبلَ (1). حتى إذا بدا له أحُدٌ قال: "هذا جبلٌ يحبُّنا ونحبُّه" (2). فلما أشرف على المدينةِ قال: "اللهم إني أُحَرِّمُ ما بين جبليها مثلَ ما حرمَ إبراهيمُ مكةَ، -قال-: اللهم باركْ لهم في مدِّهم وصاعِهم". رواه البخاري ومسلم -واللفظ له-. قال الخطابي في قوله: "هذا جبل يحبُّنا ونحبُّه": "أراد به أهل المدينة وسكانها كما قال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي: أهل القرية. قال البغوي: والأولى إجراؤه على ظاهره، ولا ينكر وصف الجمادات بحب الأنبياء والأولياء وأهل الطاعة كما حنَّت الأسطوانة على مفارقته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى سمع القوم حنينها إلى أن سكِّنها، وكما أخبر: أن حَجَراً كان يسلم عليه قبل الوحي. فلا ينكر عليه أن يكون جبل أحد وجميع أجزاء المدينة تحبّه وتحنّ إلى لقائه حالة مفارقته إياها". (قال الحافظ): "وهذا الذي قاله البغوي حسن جيد. والله أعلم". 1209 - (24) [صحيح لغيره] وقد روى الترمذي من حديث الوليد بن أبي ثور عن السُّدّي عن عَبّاد (3) بن أبي يزيد عن علي بن أبي طالب قال: كنت مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبلٌ   (1) أي: من خيبر. (2) قيل: على حذف مضاف؛ أي: يحبنا أهله، ونحب أهله. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وأهله هم أهل المدينة. وقيل: على حقيقته، وهو الصحيح عند أهل التحقيق، إذ لا يستبعد وضع المحبة في الجبال وفي الجذع اليابس، حتى إنه حنَّ إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والله أعلم. (3) الأصل ومطبوعة عمارة: (عبادة)، والتصحيح من "الترمذي" وكتب الرجال. وللحديث طريق أخرى خرجته من أجلها في "الصحيحة" (2670). الحديث: 1209 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 ولا شجرٌ إلا هو يقول: السلامُ عليكَ يا رسولَ الله. وقال الترمذي: "حديث حسن غريب". 1210 - (25) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أتاني آتٍ وأنا بـ (العقيق) فقال: إنك بوادٍ مباركٍ". رواه البزار بإسناد جيد قوي. (1) 1211 - (26) [صحيح] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أتاني الليلةَ آتٍ من ربي وأنا بـ (العقيق) أن: صَلِّ في هذا الوادي المبارك". رواه ابن خزيمة في "صحيحه" (2).   (1) قلت: وهو كما قال، وقال الهيثمي (4/ 14):". . ورجاله رجال الصحيح"، وأخطأ عليه وعلى البزار وعلى الحديث أيضاً المعلقون الثلاثة، فقالوا: " (1820) حسن بشاهده المتقدم، رواه البزار في "كشف الأستار" (1021)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 14): رواه البزار، وفيه راو لم يسم"! وأقول: إنما قال الهيثمي هذا في حديث "بطحان على بركة من برك الجنة"، وهو عنده عقب هذا، وفي "الكشف" قبل هذا (1200)! وهو مخرج في "الضعيفة" (5730)، وسند هذا صحيح فضعفوه! ثم أخطأوا مرة رابعة في قولهم: "بشاهده المتقدم"؛ فإنه لم يتقدم، وإنما أرادوا حديث عمر الآتي بعده! وهكذا فليكن التحقيق!! (2) قلت: وفاته أنه أخرجه البخاري أيضاً وغيره بزيادة: "وقل: عمرة في حجة"، وفي رواية: "عمرة وحجة". (مختصر البخاري - 731). وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1579)، وانظر لفظه إن شئت في رسالتي "مناسك الحج والعمرة" (ص 14 فقرة 12). الحديث: 1210 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 16 - (الترهيب من إخافة أهل المدينة أو إرادتهم بسوء). 1212 - (1) [صحيح] عن سعد رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يكيدُ أهلَ المدينة (1) أحدٌ؛ إلا انماعَ كما يَنْماعُ الملحُ في الماءِ". رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم (2): ". . . ولا يريدُ أحدٌ أهلَ المدينةِ بسوءٍ؛ إلا أَذابَه الله في النارِ ذَوبَ الرصاصِ، أو ذوبَ الملحِ في الماءِ". وقد روي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة في "الصحاح" وغيرها. 1213 - (2) [صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن أميراً من أمراءِ الفتنةِ (3) قدمَ المدينةَ، وكان قد ذهبَ بَصرُ جابر، فقيل لجابر: لو تنحيتَ عنه، فخرج يمشي بين ابنيه، فانكَبَّ، فقال: تَعِسَ من أَخافَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال ابناه أو أحدهُما: يا أَبتاه! وكيف "أخافَ رسولَ الله" وقد مات؟ فقال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:   (1) أي: من يريد بهم سوءاً. وقوله: "انماع كما ينماع الملح في الماء"، وجه هذا التشبيه أنه شبه أهل المدينة مع وفور علمهم وصفاء قرائحهم بالماء، وشبه من يريد الكيد بهم بالملح، لأن نكاية كيدهم لما كانت راجعة إليهم شبهوا بالملح الذي يريد إفساد الماء فيذوب هو بنفسه. والمعنى: ما أحد يكيد أهل المدينة، ويريد بهم الأذى والسوء إلا أذابة الله في النار ذوب الرصاص، ولا يستحق هذا ذاك العذاب إلا لارتكابه إثماً عظيماً. والله أعلم. (2) قلت: فيه إشعار بأن الرواية الأولى عند مسلم أيضاً، وليس كذلك، وإنما هو لفظ البخاري (رقم 872 - مختصره). وإنما هي عند مسلم (4/ 122) بمعناها. ورواها أيضاً من حديث أبي هريرة، وعنه أخرجه النسائي أيضاً في "الكبرى" (ق 89/ 2)، وأحمد (2/ 279 و309 و330 و357)، وعنده الرواية الأخرى عن سعد (1/ 184)، وكذا النسائي (91/ 1). (3) كأنه يعني فتنة الحرَّة، التي استبيحت فيها المدينة ثلاثة أيام، وكان ذلك بأمر مسلم بن عقبة، ولعله الأمير المشار إليه في الحديث، قبّحه الله وأخزاه. الحديث: 1212 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 "من أخاف أهل المدينة، فقد أَخاف ما بين جنبيَّ". رواه أحمد، ورجاله رجال "الصحيح". [حسن صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" مختصراً: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أخاف أهل المدينة (1)؛ أخافه الله". 1214 - (3) [صحيح] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنه قال: "اللهم من ظلمَ أهلَ المدينة وأَخافَهم؛ فأَخِفْه، وعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعين، ولا يُقبَلُ منه صَرفٌ ولا عَدلٌ". رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" بإسناد جيد. 1215 - (4) [صحيح] وروى النسائي والطبراني عن السائب بن خلاد رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اللهم من ظلمَ أهلَ المدينةِ (2) وأخافَهم؛ فَأخِفْه، وعليه لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجمعين، ولا يقبلُ الله منه صرفًا ولا عَدلًا". (الصرف): هو الفريضة. و (العدل): التطوع، قاله سفيان الثوري. وقيل. هو النافلة، و (العدل): الفريضة. وقيل: (الصرف): التوبة، و (العدل): الفدية. قاله مكحول. وقيل: (الصرف): الاكتساب، و (العدل): الفدية. وقيل: (الصرف): الوزن، و (العدل): الكيل. وقيل غير ذلك.   (1) زاد في حديث آخر: "ظالماً لهم"، وهو مخرج في "الصحيحة" (2671)، وهو حديث السائب الآتي بعد حديث. (2) زاد أبو نعيم في "الحلية": "ظالماً لهم". الحديث: 1214 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 12 - كتاب الجهاد (1). 1 - (الترغيب في الرباط في سبيل الله عز وجل). 1216 - (1) [صحيح] عن سهل بن سعد رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "رباطُ يومٍ في سبيلِ الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضعُ سَوْطِ أَحِدكم من الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها، والرَّوحة يروحها العبدُ في سبيلِ الله أو الغَدوة خيرٌ من الدنيا وما عليها" (2). رواه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم (3). (الغَدوة) بفتح الغين المعجمة: هي المرة الواحدة من الذهاب. و (الروحة) بفتح الراء: المرة الواحدة من المجيء.   (1) أصل الجهاد في اللغة: الجهد، وهو المشقة. وفي الشرع: بذل الجهد في قتال الكفار. قلت: هو أعم من قتالهم بالأسلحة الحربية، لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم". "المشكاة" (3821)، و"صحيح أبي داود" (1261). (2) (الرِّباط) بكسر الراء وبالباء الموحدة الخفيفة: ملازمة المكان الذي بين الكفار والمسلمين لحراسة المسلمين منهم. قلت: وليس من ذلك ملازمة الصوفية للربط، وانقطاعهم فيها للتعبد، وتركهم الاكتساب، اكتفاء منهم -زعموا- بكفالة مسبب الأسباب سبحانه وتعالى، كيف وهو القائل: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}، ولذلك قال عمر رضي الله عنه: (لا يقعدنّ أحدكم في المسجد يقول: الله يرزقني، فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة). وقوله: "خير من الدنيا وما عليها" أي: على الدنيا، وفائدة العدول عن قوله: "وما فيها" هو أن معنى الاستعلاء أعم من الظرفية وأقوى، فقصده زيادة للمبالغة، وبيان الحديث أن الدنيا فانية، والآخرة باقية. والدائم الباقي خير من المنقطع الكثير. والله أعلم. (3) قلت: عزوه لمسلم لا يخلو من تسامح، فإنه لم يرو منه (6/ 36) إلا جملة الغدوة، وانظر "تحفة الأشراف" (4/ 113/ 4716)، وهي مروية عن جمع من الصحابة منهم سلمان الآتي بعده. وهي مخرجة في "الإرواء" (5/ 3 - 4). الحديث: 1216 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 1217 - (2) [صحيح] وعن سلمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "رباطُ يومٍ وليلةٍ خيرٌ من صيام شهر وقيامهِ، وإن مات فيه جَرى عليه عملُه الذي كان يعملُ، وأُجْرِيَ عليه رِزقُه، وأُمِنَ من الفُتَّان (1) ". رواه مسلم واللفظ له، والترمذي والنسائي (2). 1218 - (3) [صحيح] وعن فَضالة بن عُبيد رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كلُّ ميتٍ يختمُ على عملِه إلا المرابط في سبيلِ الله؛ فإنه يُنمى له عملُه إلى يومِ القيامةِ، ويؤمَنُ من فتنةِ القبرِ". رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". والحاكم، وقال: "صحيح على شرط مسلم". [صحيح] وابن حبان في "صحيحه"، وزاد في آخره قال: وسمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "المجاهدُ مَنْ جاهدَ نفسَه لله عز وجل". وهذه الزيادة في بعض نسخ الترمذي (3).   (1) بضم الفاء جمع (فاتن). وهما منكر ونكير اللذان يفتنان المقبور، من إطلاق الجمع على اثنين، ويؤيده رواية الطحاوي في "مشكل الحديث" (3/ 102)، "وأمن فتان القبر"، وله شواهد عند الهيثمي (5/ 287)، ومنها الحديث الآتي بعده، وكان في الأصل بعض الأخطاء فصححتها من "مسلم" (6/ 51)، وقد خرجته في "الإرواء" (5/ 22 - 23) من طرق. (2) بعد هذا في الأصل: "والطبراني وزاد. وبعث يوم القيامة شهيداً". قلت: هذه الزيادة ضعيفة، وقد خرجت حديثها في "الضعيفة" (5395). (3) قلت: وهي نسخة "تحفة الأحوذي" أيضاً (3/ 2). والزيادة عند أحمد أيضاً (6/ 20 و22). الحديث: 1217 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 1219 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "رباطُ شهرٍ خيرٌ من صيامِ دهرٍ، ومن ماتَ مرابطاً في سبيل الله أمِنَ مِنَ الفَزَعِ الأكبرِ، وغُديَ عليه برزقِه، ورِيحَ من الجنة، وُيجرى عليه أجرُ المرابطِ، حتى يبعثَهُ الله عز وجل". رواه الطبراني، ورواته ثقات. 1220 - (5) [حسن صحيح] وعن العِرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلُّ عمل ينقطع عن صاحبِه إذا ماتَ؛ إلا المرابط في سبيلِ الله، فإنه يُنَمَّى له عملُه، ويُجرى عليه رزقُه إلى يومِ القيامةِ". رواه الطبراني في "الكبير" بإسنادين رواة أحدهما ثقات (1). 1221 - (6) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من ماتَ مرابطاً في سبيلِ الله أُجرِيَ عليه أجرُ عملِه الصالحِ الذي كانَ يعملُ، وأُجريَ عليه رزقُه، وأمِنَ مِنَ الفُتَّان، وبعثَهُ الله يومَ القيامةِ آمناً من الفَزَعِ الأكبرِ". رواه ابن ماجه بإسناد صحيح. 1222 - (7) [حسن صحيح] وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من سَنَّ سنةً حسنةً؛ فلهُ أجرُها ما عمل بها في حياتِه، وبعد مماته حتى تُتركَ، ومن سنَّ سنةً سيئةً؛ فعليه إثمها حتى تُتركَ، ومن ماتَ مرابطاً في   (1) لم أره في "المعجم الكبير" إلا بإسناد واحد (18/ 256/ 641)، وفيه (معاوية بن يحيى) وهو الصدفي، قال الحافظ: "ضعيف، وما حدَّث بالشام أحسن مما حدَّث بـ (الري) ". قلت: وهذا من رواية الشاميين عنه، فهو حسن إن شاء الله، وصحيح بما قبله. الحديث: 1219 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 سبيلِ الله؛ جَرَى عليه عملُ المرابط في سبيلِ الله حتى يبعث يوم القيامة". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد لا بأس به. [مضى 2 - السنة/2]. 1223 - (8) [صحيح] وعن مجاهد (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه كانَ في الرباطِ ففزعوا إلى الساحلِ، ثم قيلَ: لا بأسَ، فانصرفَ الناسُ وأبو هريرة واقفٌ، فمرّ به إنسانٌ، فقالَ: ما يوقفُك يا أَبا هريرة! فقال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "موقفُ ساعةٍ في سبيلِ الله؛ خيرٌ من قيام ليلةِ القدرِ عند الحجرِ الأسودِ". رواه ابن حبان في "صحيحه" والبيهقي وغيرهما. 1224 - (9) [حسن لغيره] وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "رباطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ؛ خيرٌ من ألفِ يوم فيما سواه من المنازل". رواه النسائي والترمذي، وقال: "حديث حسن غريب". ورواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وزاد: "فلينظر كل امرئ لنفسه". وهذه الزيادة مدرجة من كلام عثمان؛ غير مرفوعة، كذا جاءت مبينة في رواية الترمذي، وقال الحاكم:   (1) قلت: إنما بدأ المصنف بمجاهد دون أبي هريرة، ليشير بذلك إلى ما قيل أن مجاهداً لم يسمع من أبي هريرة. لكن هذا لم يثبت، ولذلك حكاه الحافظ في "التهذيب" بصيغة التمريض: (قيل). ويؤيده أنه ثبت سماع مجاهد من أبي هريرة في "سنن البيهقي" (7/ 270)، رواه عنه بسند صحيح. ولذلك خرجت الحديث في "الصحيحة" (1068). الحديث: 1223 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 "صحيح على شرط البخاري". رواه ابن ماجه؛ إلا أنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من رابطَ ليلةً في سبيل الله؛ كانت كألفِ ليلةٍ صيامِها قيامِها". 1225 - (10) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تَعس (1) عبدُ الدينارِ، وعبدُ الدرهمِ، وعبدُ الخميصةِ (2)، -زاد في روايةٍ: وعبد القطيفة- إن أُعطِيَ رضيَ، وإن لم يُعطَ سَخطَ، تعس وانتكَسَ، وإذا شِيكَ فلا انتُقِش (3). طوبى لعبدٍ آخِذٍ بعِنان فرسِه في سبيلِ الله، أشعتَ رأسُه، مُغبرةٍ قدماه، إنْ كان في الحِراسةِ كان في الحراسة، وإنْ كان في الساقةِ كانَ في الساقةِ، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شَفَعَ لم يُشفَّعْ". رواه البخاري (4). (القطيفة): كساء له خمل يجعل دِثاراً. و (الخميصة) بفتح الخاء المعجمة: ثوب معلم من خزٍّ أو صوف. و (انتكس) أي: انقلب على رأسهِ خَيبةً وخساراً.   (1) هو بكسر العين وفتحها، يقال: (تعس يتعس) إذا عسر وانكب لوجهه، وهو دعاء عليه بالهلاك. (2) هي: الكساء المربع. (3) بالقاف والمعجمة. والمعنى: إذا أصابته الشوكة فلا وجد من يخرجها منه بالمنقاش، تقول: نقشت الشوك إذا استخرجته. "فتح الباري". (4) في "الجهاد" (6/ 62 - 63 - فتح) بالرواية الأولى بتمامها، وفي "الرقاق" (11/ 211 - 212) بالرواية الأخرى مختصراً دون قوله: "تعس وانتكس. . " إلخ، وهي عند ابن ماجه أيضاً (2/ 534 - 535). الحديث: 1225 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 و (شِيك) بكسر الشين المعجمة وسكون الياء المثناة تحت؛ أي: دخلت في جسمه شوكة، هي واحدة (الشوك). وقيل: الشوكة هنا: السلاح، وقيل: النكاية في العدو. و (الانتقاش) بالقاف والشين المعجمة: نزعها بالمنقاش. وهذا مثَلَ معناه: إذا أصيب فلا انجبر. و (طوبى): اسم الجنة. وقيل: اسم شجرةٍ فيها، وقيل: فعلى من (الطيب)، وهو الأظهر. 1226 - (11) [صحيح] وعنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مِنْ خيرِ مَعاش (1) الناس لهم رجلٌ مُمْسِكٌ بعنان فرسه في سبيلِ الله، يطير على مَتنه، كلما سمع هَيعة أو فَزْعَة طار عليه (2) يبتغي القتلَ أو الموت مظانَّه، ورجل في غُنَيْمَةٍ في [رأسِ] شَعَفَةٍ من هذه الشِّعاف، أو بطنِ وادٍ من هذه الأودية، يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلا في خير". رواه مسلم والنسائي. (متن الفرس): ظهره. و (الهَيْعة) بفتح الهاء وسكون الياء: كل ما أفزع من جانب العدو من صوت أو خبر. و (الشّعَفة) بالشين المعجمة والعين المهملة مفتوحتين: هي رأس الجبل.   (1) يعني: حياتهم. في "القاموس": " (العيش): الحياة، عاش يعيش عيشاً ومعاشاً. . . والطعام وما يعاش به. وما تكون به الحياة". (2) الأصل: "على متنه"، والتصحيح من "مسلم" (6/ 39)، وهكذا ذكره المؤلف فيما سيأتي (23 - الأدب/ 9 - العزلة). الحديث: 1226 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 1227 - (12) [صحيح لغيره] وعن أم مالك البهزية رضي الله عنها قالت: ذكر رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتنةً فقرَّبَها. قالت: قلتُ: يا رسول الله! مَنْ خيرُ الناسِ فيها؟ قال: "رجلٌ في ماشيةٍ يؤدي حقَّها، ويعبدُ ربَّه، ورجلٌ آخذٌ برأسِ فرسهِ، يخيفُ العدوَّ ويُخيفونه". رواه الترمذي عن رجل عن طاوس عن أم مالك وقال: "حديث غريب (1) من هذا الوجه. ورواه ليث بن أبي سليم عن طاوس عن أم مالك" انتهى. 1228 - (13) [صحيح لغيره] ورواه البيهقي مختصراً من حديث أم مبشر تبلغ به النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خيرُ الناسِ منزلةً رجلٌ على متنِ فرسٍ يخيفُ العدوَّ ويخيفونَه".   (1) قلت: في طبعة (الدعاس) (6/ 341 رقم 2178): "حسن غريب". وإن من تناقض المعلقين الثلاثة وجهلهم، تضعيفهم للحديث هنا، وتحسينهم إياه في مكان آخر، فقالوا هنا: " (1846) ضعيف، رواه الترمذي (2177) ". وقالوا في المكان الآخر (2/ 238): " (1926) حسن، رواه الترمذي (2771) وقال: حسن غريب، وتقدم برقم (1846) "! والحديث في المكان الذي أشرت إليه من الترمذي. وأما رقمهم فخطأ! ظلمات بعضها فوق بعض! الحديث: 1227 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 2 - (الترغيب في الحراسة في سبيل الله تعالى). 1229 - (1) [صحيح لغيره] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "عينان لا تمسُّهما النارُ، عينٌ بكتْ من خشيةِ الله، وعينٌ باتتْ تحرسُ في سبيلِ الله". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". 1230 - (2) [حسن صحيح] وعنه [يعني أنس بن مالك] قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عينانِ لا تمسُّهما النارُ أبداً: عين باتتْ تكلأُ في سبيلِ الله، وعينٌ بكتْ من خشيةِ الله". رواه أبو يعلى، ورواته ثقات، والطبراني في "الأوسط"؛ إلا أنه قال: "عينان لا تريان النارَ". (تكلأ) مهموزاً؛ أي: تحفظ وتحرس. 1231 - (3) [حسن لغيره] وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثةٌ لا ترى أعينُهم النارَ: عينٌ حرستْ في سبيلِ الله، وعينٌ بَكَتْ من خشيةِ الله، وعين كفَّتْ عن محارمِ الله". رواه الطبراني، ورواته ثقات، إلا أن أبا الحبيب العنقزي (1) لا يحضرني حاله.   (1) كذا في "المجمع". ووقع في الأصل (العبقري) وكذا في المخطوطة ومطبوعة عمارة. ولعل الصواب ما أثبتنا، فسيأتي في (17 - النكاح/1): (العنقري) بالنون بدل الباء الموحدة، والظاهر من كلام الناجي على هذه النسبة هنا أنه وقعت في نسخته من "الترغيب" في الموضعين كما أثبتنا، فإنه قال: "قال هناك: أبا حبيب، وهنا عرّفه فقال: (الحبيب)، وتعريفه منكر، (العنقزي) يعني بفتح المهملة والقاف بينهما نون ساكنة وبالزاي المعجمة، زاد هناك: ويقال له: (الغَنَوي). يعني بتحريك المعجمة والنون معاً وكسر الواو، ورأيت بخطي على حاشية نسختي -ولا أعرف من أين نقلته؟ -أن اسمه: المبارك بن عبد الله، ولم أره في الكنى، ولا في الأسماء". = الحديث: 1229 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 1232 - (4) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ألا أُنبئكم بليلة أفضلَ من ليلةِ القدرِ؟ حارسٌ حرس في أرضِ خوفٍ، لعله أن لا يرجع إلى أهله". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري". 1233 - (5) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة أيضاً؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "حُرِّمَ على عينين أن تنالَهما النارُ: عينٌ بكتْ مِنْ خشيةِ الله، وعينٌ باتَتْ تحرسُ الإسلامَ وأهلَه من الكفرِ". رواه الحاكم، وفي إسناده انقطاع. 1234 - (6) [حسن لغيره] وعن أبي ريحانة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة، فأتينا ذات يوم على شَرَفٍ، فبتنا عليه، فأصابنا برد شديد؛ حتى رأيت من يحفر في الأرض حفرة يدخل فيها، ويلقي عليه الجَحَفَة -يعني الترس-، فلما رأى ذلك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الناس قال: "من يحرسنا الليلَةَ، وأدعو له بدعاءٍ يكونُ فيه فضلٌ؟ ". فقال رجلٌ من الأنصار: أنا يا رسول الله! قال: "ادنه"، فدنا، فقال:   = قلت: ووقع في "فوائد الخلعي" و"تاريخ ابن عساكر" في نسختين منه، أحدُهما نسخة البرزالي: (الغَنَوي) بالغين المعجمة أيضاً، وفي مخطوطة الأصل (الفتوي)! ووقع في "تهذيب المزي" في الرواة عن بهز (أبو حبيب القنوي) نسبة إلى (القناة) وهي الرمح، وهذا اختلاف شديد لم نهتد إلى الصواب منه، وقد ذكروا فيمن ينسب النسبة الأخيرة: (أبو علي قرة بن حبيب بن زيد ابن مطر، وقيل: ابن شهرزاد القشيري القنوي) من شيوخ البخاري، فمن المحتمل أن يكون صاحب هذا الحديث هو جد أبي علي هذا يزيد بن مطر، فإنه أبو حبيب كما ترى، ولكني لم أجد له ذكراً. والله أعلم. الحديث: 1232 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 "من أنت؟ "، فتسمى له الأنصاري، ففتح رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدعاء، فأكثر منه. قال أبو ريحانة: فلما سمعت ما دعا به رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت: أنا رجل آخر. قال: "ادنه"، فدنوت. فقال: "من أنت؟ ". فقلت: أبو ريحانة، فدعا لي بدعاء هو دون ما دعا للأنصاري، ثم قال: "حُرِّمت النارُ على عين دَمَعَتْ أو بكت من خشية الله، وحُرِّمت النار على عين سهرت في سبيل الله -أو قال: حُرِّمت النار على عين أخرى ثالثة لم يسمعها محمد بن سُمير-". رواه أحمد واللفظ له، ورواته ثقات، والنسائي ببعضه، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1235 - (7) [صحيح] وعن سهل ابن الحنظلية (1) رضي الله عنه: أنهم ساروا مع رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومَ (حنينٍ)، فأَطنبوا السيرَ، حتى كانَ عشيةً، فحضرتُ الصلاةَ مع رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجاء فارسٌ فقالَ: يا رسولَ الله! إني انطلقتُ بين أيديكم، حتى طلعتُ على جبلِ كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن   (1) هو سهل بن الربيع، و (الحنظلية) أمه. و (حنين) تنصرف وتمنع من الصرف، وهو وادٍ ناحية الطائف. وكانت غزوة (حنين) في السنة الثامنة بعد فتح مكة. الحديث: 1235 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 على بَكَرةِ أبيهم (1) بِظُعُنِهمْ (2) ونَعَمِهم وشائِهم، اجتمعوا إلى (حنين)، فتبسمَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: "تلكَ غنيمةُ المسلمينَ غداً إن شاءَ الله تعالى". ثم قال: "من يحرسُنا الليلةَ؟ ". قال أنس بن أبي مرثد الغنوي: أنا يا رسولَ الله! قال: "اركب"، فركبَ فرساً له، وجاءَ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "استقبلْ هذا الشِّعْبَ (3) حتى تكونَ في أعلاه، ولا نُغَرَّنَّ من قِبَلِك الليلة". فلما أصبحنا خرجَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى مصلاهُ، فركعَ ركعتين، ثم قالَ: "هل أحسَستُم فارسَكم؟ ". قالوا: يا رسول الله! ما أحسسناه. فثُوِّبَ بالصلاة (4)، فجعلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي، وهو يَلتفتُ إلى الشِّعب، حتى إذا قضى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاتَه وسلمَ، قال: "أبشروا فقد جاء فارسُكم".   (1) كلمة للعرب يريدون بها الكثرة والوفور في العدد. قاله الخطابي. (2) قال الخطابي وابن الأثير: "الظُّعن: النساء، وحدتها ظعينة، وأصل الظعينة: الراحلة التي يرحل ويظعن عليها، أي يُسار، وقيل للمرأة: ظعينة، لأنها تظعن مع الزوج حيثما ظعن". وكان في الأصل بعض الأخطاء، فصححتها منه ومن "أبي داود". (3) بكسر أوله وسكون المعجمة: ما انفرج بين الجبلين. (ولا نغرَّن) بصيغة المتكلم مع الغير على البناء للمفعول، في آخره نون ثقيلة: من الغرور، أي: لا يجيئنا العدو (من قبلك) على غفلة. كذا في "عون المعبود". (4) أي: أقيمت صلاة الصبح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 فجعلنا ننظر إلى خلالِ الشجرِ في الشِّعْبِ، فإذا هو قد جاءَ حتى وقف على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: إني انطلقت حتى كنتُ في أعلى هذا الشِّعب، حيثُ أمرني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما أصبحتُ اطلعتُ الشِّعبين كلاهما، فنظرتُ فلم أرَ أحداً، فقال له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هل نزلتَ الليلةَ؟ ". قال: لا، إلا مصلياً أو قاضيَ حاجةٍ. فقال له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد أوجبتَ، فلا عليك أن لا تعمل بعدَها". رواه النسائي، وأبو داود، واللفظ له. (أوجبت) أي: أتيتَ بفعل أوجب لك الجنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 3 - (الترغيب في النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة وخلفهم (1) في أهلهم). 1236 - (1) [صحيح] عن خريم بن فاتك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أنفق نفقةً في سبيلِ الله كُتِبَتْ له بسبعمائِة ضِعفٍ". رواه النسائي والترمذي، وقال: "حديث حسن"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد". 1237 - (2) [صحيح] وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من جَهَّزَ غازيًا في سبيلِ الله فقد غزا، ومن خَلَفَ غازيًا في أهلِه بخيرٍ فقد غزا". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: "من جَهَّزَ غازياً في سبيلِ الله أو خَلَفَه في أهله؛ كتب الله له مثلَ أجرِه حتى أنه لا ينقصُ أجرِ الغازي شيءٌ". ورواه ابن ماجه بنحو ابن حبان لم يذكر:   (1) كذا قال، والصواب: "وخلافتهم". قال الناجي: "وكأن المصنف تخيل أن هذا مصدر هذه اللفظة، وليس كذلك، إنما يقال: خلف فلان فلاناً في أهله ونحوهم خلافة، إذا صار خليفة له، ومنه قوله تعالى: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي}، هذا قول أهل اللغة، ومنهم صاحب "الغريبين"، و"الصحاح" و"القاموس" وغيرهم من أئمة هذا الفن. ثم رأيت النووي في "شرحه لمسلم" قد عبر بما قلته: فقال: "باب إعانة الغازي في سبيل الله بركوب وغيره وخلافته في أهله بخير"، فحمدت الله على التوفيق". قلت: ولم يتنبه لهذا الخطأ اللغوي المحققون الثلاثة!! الحديث: 1236 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 "خلفه في أهله". 1238 - (3) [صحيح] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثَ إلى بني لَحيان: "ليَخْرُج من كلِّ رجلين رجلٌ". ثم قال للقاعد: "أيكم خَلَفَ الخارجَ في أهلهِ فلهُ مثلُ أَجرِه". رواه مسلم وأبو داود وغيرهما. 1239 - (4) [حسن] وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من جَهَّزَ غازياً في سبيلِ الله؛ فله مثلُ أجرِهِ، ومن خلفَ غازياً في أهله بخير، وأَنفق على أهلِه؛ فله مثلُ أَجرِه". رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله رجال "الصحيح". (1) 1240 - (5) [حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أفضلُ الصدقاتِ ظِلُّ فُسطاطٍ في سبيلِ الله، ومِنْحَةُ خادمٍ في سبيلِ الله، أو طروقةُ فحلٍ في سبيلِ الله". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". (طروقة الفحل) بفتح الطاء وبالإضافة: هي الناقة التي صلحت لطرق الفحل، وأقل سِنها ثلاث سنين وبعض الرابعة، وهذه هي (الحُقة)، ومعناه أن يُعطى الغازي خادماً أو ناقة هذه صفتها، فإن ذلك أفضلُ الصدقات.   (1) وكذا قال الهيثمي. واغتربه المعلقون الثلاثة فصححوا الحديث متوهمين أن مثل هذا القول يعني الصحة، وليس كذلك؛ وإنما هو حسن فقط، كما هو مبين في غير ما موضع، آخرها في تخريج هذا الحديث في "الصحيحة" (3356). الحديث: 1238 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 4 - (الترغيب في احتباس الخيل للجهاد لا رياءً ولا سمعةً، وما جاء في فضلها، والترغيب فيما يذكر منها، والنهي عن قص نواصيها لأن فيها الخير والبركة). 1241 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من احتبسَ (1) فرساً في سبيل الله إيماناً بالله (2) وتصديقاً بوعِده؛ فإنّ شِبَعَه ورِيَّه وروثَه وبولَه في ميزانِه يومَ القيامةِ. يعني حسنات". (3) رواه البخاري والنسائي وغيرهما. 1242 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيلَ: يا رسولَ الله! فالخيلُ؟ قال: "الخيلُ ثلاثة: هي لرجلٍ وزرٌ، وهي لرجلٍ سترٌ، وهي لرجلٍ أجرٌ. فأما التي هي له وزرٌ؛ فرجلٌ رَبَطها رياءً وفخراً ونِواءً لأهلِ الإسلام، فهي له وِزرٌ. وأما التي هي له سِترٌ، فرجلٌ ربطَها في سبيلِ الله؛ ثم لم ينسَ حقَّ الله في ظهورِها ولا رقابِها، فهي له سترٌ. وأما التي هي له أجرٌ؛ فرجلٌ ربَطها في سبيلِ الله لأهِل الإسلام في مَرجِ أو روضةٍ، فما أكلتْ من ذلكَ المرجِ أو الروضةِ من شيءٍ؛ إلا كتبَ له عددَ ما   (1) يقال: حبسته واحتبسته واحتبس أيضاً بنفسه يتعدى ولا يتعدى. والمعنى يحبسه مسرجاً عسى أن يحدث في ثغر من الثغور من ثلمة. (2) أي: ربطهُ خالصاً لله تعالى امتثالاً لأمره، وتصديقاَّ بوعده من الثواب المترتب على الاحتباس. (3) (شِبَعه) بكسر الشين: أما يثغ به. (ورِيَّه) بكسر الراء وتشديد الياء. الحديث: 1241 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 أَكلت حسناتٌ، وكتبَ له عددَ أرواثِها وأبوالِها حسناتٌ، ولا تقطع طِوَلَها فاستَنَّتْ شَرفاً أو شَرَفَين؛ إلا كتَبَ [الله] له عددَ آثارها وأرواثها حسناتٍ، ولا مرَّ بها صاحبُها على نهرٍ فشربتْ منه، ولا يريدُ أن يسقيَها؛ إلا كتَبَ الله تعالى له عدَدَ ما شَربتْ حَسنات". رواه البخاري ومسلم، واللفظ له. وهو قطعة من حديثٍ تقدم بتمامه في "منع الزكاة". [الحديث الأول] (1). [صحيح] ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" (2)؛ إلا أنه قال: "فأما الذي هي له أجرٌ؛ فالذي يتخذُها في سبيل الله، وُيعِدّها له، لا تغَيبُ في بطونِها شيئاً؛ إلا كُتبَ له بها أجرٌ، ولو عرضَ مرجاً أو مَرْجَين فرعاها صاحبها فيه، كتب له بما غَيَّبت في بطونها أَجرٌ، ولو استنت شَرَفاً أَو شَرَفَين؛ كتب له بكل خُطوة خطاها أَجرٌ، ولو عرض نهراً فسقاها به؛ كان له بكل قطرةٍ غيبت في بطونها منه أجرٌ، -حتى ذكر الأجر في أرواثها وأبوالها-. وأما التي هي له سترٌ؛ فالذي يتخذها تعففاً وتجملاً وتستراً، ولا يحبسُ حقَّ ظهورِها وبطونِها في يسرِها وعسرِها. وأما التي هي له وزرٌ؛ فالذي يتخذها أشَراً وبطَراً وبَذَخاً عليهم". الحديث. [صحيح] ورواه البيهقي مختصراً بنحو لفظ ابن خزيمة ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ إلى يومِ القيامةِ، والخيلُ ثلاثة. خيلُ أجرٍ، وخيلُ وزرٍ، وخيلُ سترٍ.   (1) قلت: وتقدم في الحاشية هناك بيان ما في عزو المؤلف الحديث للبخاري من الإيهام، فراجعه. (2) قلت: لقد أبعد المصنف النُّجْعة، فالحديث في "صحيح مسلم" (3/ 72)، وزاد بعد قوله: "وبَذَخاً": "ورياء الناس". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 فأما خيلُ سِترٍ؛ فمن اتخذها تعففاً وتكرماً وتجملاً، ولم ينسَ حقَّ ظهورِها وبطونِها في عُسرِه ويسره. وأما خيلُ الآجْرِ؛ فمن ارتَبَطَها في سبيلِ الله؛ فإنها لا تُغَيِّب في بطونِها شيئاً إلا كانَ له أجرٌ، -حتى ذكرَ أرواثَها وأبوالَها-، ولا تَعْدُو في وادٍ شوطاً أو شوطين؛ إلا كان في ميزانه. وأما خيلُ الوزرِ؛ فمن ارتبطَها تبذُّخاً على الناس؛ فإنَّها لا تغَيِّب في بطونِها شيئاً إلا كان وزراً عليه، -حتى ذكرَ أرواثَها وأبوالَها-، ولا تعدو في وادٍ شوطاً أو شوطين إلا كان عليه وزر". (النَّواء) بكسر النون وبالمد: هو المعاداة. و (الطِّوَل) بكسر الطاء وفتح الواو، وهو حبل تشد به الدابة، وترسلها ترعى. و (استنّت) بتشديد النون أي: جرت بقوة. و (الشَّرَف) بفتح الشين المعجمة والراء جميعاً: هو الشوط، معناه: جرت بقوة شوطاً أو شوطين. كما جاء مفسراً في لفظ البيهقي. و (البَذخ) بفتح الباء الموحدة وسكون الذال المعجمة (1) آخره خاء معجمة: هو الكبر والبذخ والتكبر، ومعناه أنه اتخذ الخيل تكبّراً وتعاظماً واستعلاءً على ضعفاء المسلمين وفقرائهم. 1243 - (3) [صحيح] وعن رجل من الأنصار رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الخيلُ ثلاثةٌ: فرسٌ يرتبطُه الرجلُ في سبيلِ الله عز وجل، فثمنه أجرٌ، وركوبُه أجرٌ، وعاريتُه أجرٌ، [وعَلَفُه أجرٌ] (2).   (1) قال الناجي (138/ 1): "هذا خطأ بلا ريب، وإنما هو بفتحها مثل الأشر والبطر وزناً، يقال: بذخ -بكسر الذال- وتبذخ، أي: تكبر وعلا، البذخ بالتحريك المصدر، وكذا التبذخ". (2) سقطت من الأصل، واستدركتها من "المسند" (5/ 381). الحديث: 1243 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 وفرسٌ يغالِقُ عليه الرجلُ ويراهِنُ، فثمنُه وزرٌ، [وعَلَفُه وزرٌ] (1)، وركوبُه وزرٌ. وفرسٌ للبِطنةِ، فعسى أنْ يكونَ سداداً من الفقرِ إنْ شاءَ الله". رواه أحمد، ورجاله رجال "الصحيح". 1244 - (4) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الخيرُ معقودٌ بنواصي الخيلِ إلى يومِ القيامةِ، ومَثَلُ المنُفِقِ عليها كالمتكفِّفِ بالصدقةِ". رواه أبو يعلى، والطبراني في "الأوسط"، ورجاله رجال "الصحيح". (2) وهو في "الصحيح" باختصار النفقة. [صحيح] وروى ابن حبان في "صحيحه" شطره الأخير قال: "مَثَلُ المنفقِ على الخيلِ؛ كالمتكفِّفِ بالصدقةِ". فقلت (3) لمعمر: ما المتكفِفُ بالصدقةِ؟ قال: الذي يُعطي بكفِّه. 1245 - (5) [صحيح] وعن أبي كبشة صاحب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ إلى يومِ القيامةِ، وأهلُها معانون عليها، والمنفقُ عليها كالباسطِ يدَه بالصدقِة". رواه الطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد".   (1) سقطت من الأصل، واستدركتها من "المسند" (5/ 381). (2) ورواه أبو عوانة في "صحيحه" (5/ 15)، وسنده صحيح، وكذلك أخرج الآتي بعده. (3) القائل: "فقلت" هو عبد الرزاق. ومعمر هو ابن راشد، ثقة مشهور. الحديث: 1244 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 1246 - (6) [صحيح لغيره] وعن سهل ابن الحنظلية -وهو سهل بن الربيع بن عمرو- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المنفقُ على الخيلِ كالباسطِ يدَه بالصدقِة، لا يَقبِضُها". رواه أبو داود. 1247 - (7) [صحيح] وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ إلى يومِ القيامةِ". رواه مالك والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه. 1248 - (8) [صحيح] وعن عروة بن أبي الجعد رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ: الأجرُ والمغنُم إلى يومِ القيامِة". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. 1249 - (9) [صحيح لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ والنيلُ إلى يومِ القيامةِ، وأهلُها معانون عليها، فامسحوا بنواصيها، وادعوا لها بالبرَكة، وقلِّدوها (1)، ولا تقلدوها الأوتارَ". رواه أحمد بإسنادٍ جيد.   (1) أي: قلدوها طلب أعداء الدين والدفاع عن المسلمين، ولا تقلدوها طلب أوتار الجاهلية التي كانت بينكم. و (الأوتار) جمع (وتر)، وهو الدم وطلب الثأر، يريد: اجعلوا ذلك لازماً لها في أعناقها لزوم القلائد للأعناق، كما في "النهاية". قال: "وقيل: أراد بـ (الأوتار) جمع وتر: القوس. أي لا تجعلوا في أعناقها الأوتار فتختنق وقيل: إنما نهاهم عنها لأنهم كانوا يعتقدون أن تقليد الخيل بالأوتار يدفع عنها العين والأذى، فتكون كالعوذة لها، فنهاهم". قلت: وهذا هو الذي رجحه أبو عبيدة وتبعه الطحاوي في "مشكل الآثار" (1/ 132)، ولعله الصواب. الحديث: 1246 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 1250 - (10) [صحيح] وعن جرير رضي الله عنه قال: رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يلوي ناصيةَ فرَسٍ بإصبَعِه وهو يقولُ: "الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ إلى يومِ القيامةِ: الأجرُ والغنيمة". رواه مسلم والنسائي. 1251 - (11) [صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِنْ فرسٍ عربي إلا يُؤذَنُ له عند كل سَحَرٍ بكلماتٍ يدعو بهن: اللهم خَوَّلْتني مَن خَولتَني مِن بني آدم، وجعلتَني له، فاجعلني أحبَّ أهلِه ومالِه، أَو مِن أحبِّ أَهلِه ومالِه إليه". رواه النسائي. 1252 - (12) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "البركةُ في نواصي الخيلِ". رواه البخاري ومسلم. 1253 - (13) [صحيح] وعن عقبة بن عامر وأبي قتادة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خيرُ الخيلِ الأدهمُ، الأقرحُ، الأرثمُ، المحجَّل، طلقُ اليدِ اليمنى. قال يزيد -يعني ابن أبي حبيب-: فإنْ لم يكن أدهَمَ، فكُمَيْت على هذه الشية". رواه ابن حبان في "صحيحه". ورواه الترمذي وابن ماجه والحاكم عن أبي قتادة وحده. [صحيح] ولفظ الترمذي: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خيرُ الخيلِ الأدهمُ، الأقرحُ، الأرثمُ، ثم الأقرحُ المحجَّل، طلقُ اليمنى، فإن لم يكن أدهمَ، فكُميتٌ على هذه الشِّية". الحديث: 1250 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 قال الترمذي: "حديث حسن صحيح". وقال الحاكم: "صحيح على شرطهما". (الأقرح): هو الفرس يكون في وسط جبهته قرحة، وهي بياض يسير. و (الأرثم) بفتح الهمزة وثاء مثلثة مفتوحة: هو الفرس يكون به رُثم، محركاً ومضموم الراء ساكن الثاء، وهو بياض في شفته العليا، والأنثى: رثماء. و (طَلْق اليمنى) بفتح الطاء وسكون اللام وبضمها أيضاً: إذا لم يكن بها تحجيل. و (الكُمَيت) بضم الكاف وفتح الميم: هو الفرس الذي ليس بالأشقر ولا الأدهم، بل يخالط حمرته سواد. و (الشَّيَة) بكسر الشين المعجمة وفتح الياء مخففة: هو كل لون في الفرس يكون معظم لونها على خلافه. 1254 - (14) [حسن لغيره] وعن عقبة أيضاً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا أردت أن تغزوَ فاشترِ فرسأ أغرَّ محجَّلاً، مطلق اليمنى؛ فإنك تغنم وتسلم". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 1255 - (15) [حسن صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُمْنُ الخيل في شُقرِها". رواه أبو داود، والترمذي وقال: "حديث حسن غريب". (اليُمن) بضم الياء: هو البركة والقوة (1).   (1) كذا قال، ولا معنى للقوة هنا، قال الناجي (137/ 2): "فأما البركة فصحيحة مسلّمة، وأما القوة فمردودة، وإنما القوة في اللغة: اليمين لا اليمن. قال الشاعر: إذا ما رايةٌ رُفعت لمجدٍ ... تلقاها عرابة باليمين. أي: بالقوة. والحاصل أن لفظة (القوة) هنا دخيلة لا محل لها ولا تعلق، فيتعين إسقاطها لما قد علمت". الحديث: 1254 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 5 - (ترغيب الغازي والمرابط في الإكثار من العمل الصالح من الصوم. . (1)) 1256 - (1) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من عبدٍ يصومُ يوماً في سبيلِ الله؛ إلا باعدَ الله بذلكَ اليومِ وجهَهُ عن النارِ سبعينَ خريفاً". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. [مضى 9 - الصوم/ 1]. 1257 - (2) [حسن لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من صامَ يوماً في سبيلِ اللهِ؛ جعلَ اللهُ بينه وبينَ النارِ خندقاً كما بين السماءِ والأرضِ". رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" بإسناد حسن. [مضى هناك]. 1258 - (3) [حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من صامَ يوماً في سبيلِ الله؛ جعلَ الله بينَه وبينَ النارِ خندقاً كما بين السماء والأرضِ". رواه الترمذي عن الوليد بن جميل عن القاسم عنه، وقال: "حديث غريب". [مضى هناك]. 1259 - (4) [صحيح لغيره] وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من صامَ يوماً في سبيلِ الله؛ بعدتْ منه النارُ مسيرةَ مئةِ عامٍ". رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بإسناد لا بأس به. [مضى أيضاً]. 1260 - (5) [حسن صحيح] ورواه النسائي من حديث عقبة.   (1) في الأصل هنا: (والصلاة والذكر ونحو ذلك)، حذفناه بسبب منافاة أحاديثه لشرطنا في هذا الكتاب، وانطر الأحاديث المناسبة للمحذوف في "الضعيف". الحديث: 1256 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 6 - (الترغيب في الغدوة في سبيل الله والروحة، وما جاء في فضل المشي والغبار في سبيل الله والخوف فيه). 1261 - (1) [صحيح] عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لَغَدوةٌ في سبيلِ الله أو روحةٌ، خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولَقَابُ (1) قوسِ أحدِكم من الجنةِ، أو موضع قِيد -يعني سوطه- خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأةً من أهلِ الجنةِ اطَّلعت إلى أهلِ الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحاً، ولنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. (الغَدوة) بفتح الغين المعجمة: هي المرة الواحدة من الذهاب. و (الروحة) بفتح الراء: هي المرة الواحدة من المجيء. و (النصيف): الخمار. 1262 - (2) [صحيح] وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "غدوة في سبيلِ الله، أو روحةٌ؛ خيرٌ مما طلعتْ عليه الشمسُ أو غربت" (2). رواه مسلم والنسائي. 1263 - (3) [صحيح] وعن سهل بن سعد رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:   (1) يعني: طولها. (2) هو معنى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الآتي بعده: "خير من الدنيا وما فيها". وهذا منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما هو على ما استقر في النفوس من تعظيم ملك الدنيا، وأما التحقيق فلا تدخل الجنة مع الدنيا تحت أفعل التفضيل، إلا كما يقال: العسل أحلى من الخل. الحديث: 1261 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 "رباطُ يومٍ في سبيلِ الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضعُ سَوْطِ أحدِكم من الجنةِ خيرٌ مَن الدنيا وما عليها، والروحةُ يروحُها العبدُ في سبيلِ الله أو الغدوةُ، خيرٌ من الدنيا وما عليها". رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه. وتقدم [أول 12 - الجهاد]. 1264 - (4) [حسن لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الغازي في سبيلِ الله، والحاجُّ إلى بيتِ الله، والمعتمرُ وفدُ الله، دعاهم فأَجابوه". رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له؛ كلاهما عن عمران بن عيينة عن عطاء بن السائب عن مجاهد عنه، والبيهقي من هذه الطريق فوقفه، ولم يرفعه. [مضى 11 - الحج/ 1]. 1265 - (5) [صحيح] ورواه بنحوه من حديث أبي هريرة النسائي وابن ماجه وابن خزيمة في "صحيحه" (1). [مضى لفظه هناك]. 1266 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَضَمَّنَ اللهُ لمن خرج في سبيلهِ لا يُخرجهُ إلا جهادٌ في سبيلي، وإيمانٌ بي، وتصديقٌ برسلي؛ فهو ضامنٌ أن أُدخِلَهُ الجنةَ، أو أُرجعَه إلى منزلِه الذي خرجَ منه، نائلاً ما نالَ من أجرٍ أو غنيمةٍ، والذي نفسُ محمدٍ بيده ما كَلْمٌ يُكْلَمُ في سبيلِ الله إلا جاءَ يوم القيامةِ كهيئتهِ حين كُلِمَ، لونُه لونُ دمٍ، وريحُه ريحُ مسكٍ، والذي نفْسُ محمدٍ بيدهِ، لولا أن أشُقَّ على المسلمينَ ما قعدتُ   (1) في الأصل هنا قوله: (وقال ابن ماجه في آخره: "إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم")، وهي زيادة ضعيفة. الحديث: 1264 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 خِلاف سَريَّةٍ تغزو في سبيلِ الله أبداً، ولكن لا أَجدُ سَعَةً فأَحملهم، ولا يجدونَ سَعَةً وَيشُقُّ عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لَوَددت أن أغزوَ في سبيل الله فأُقتلَ، ثم أغزوَ فأقتلَ، ثم أُغزوَ فأُقتلَ". رواه مسلم، واللفظ له. ورواه مالك والبخاري والنسائي، ولفظهم: "تكفَّلَ الله لمن جاهدَ في سبيلِهِ، لا يُخرجُه من بيتِه إلا الجهادُ في سبيلهِ، وتصديقٌ بكلماتهِ؛ أن يدخلَه الجنةَ، أو يردَّه إلى مسكنهِ بما نالَ من أجرٍ أو غنيمةٍ" الحديث. (الكَلْم) بفتح الكاف وسكون اللام: هو الجرح. 1267 - (7) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من خرِجَ حاجاً فماتَ؛ كتبَ الله له أجرَ الحاجِّ إلى يومِ القيامةِ، ومن خرجِ معتمراً فماتَ، كتبَ الله له أجرَ المعتمرِ إلى يومِ القيامةِ، ومن خرجَ غازياً فماتَ، كَتبَ الله له أجرَ الغازي إلى يومِ القيامةِ". رواه أبو يعلى من رواية محمد بن إسحاق، وبقية إسناده ثقات (1). [مضى 11 - الحج/ 1 - في الحج والعمرة]. 1268 - (8) [صحيح لغيره] وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: عهد إلينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في: "خمسٌ من فعلَ واحدةً منهن كان ضامناً على الله عز وجل: من عادَ مريضاً، أو خرَجَ مع جنازةٍ، أو خرجَ غازياً في سبيلِ الله، أو دخلَ على إمامٍ   (1) قلت: بل فيه -علاوة على عنعنة ابن إسحاق- من لم يوثقه غير ابن حبان، لكني وجدت له متابعاً قوياً، خرجته من أجله في "الصحيحة" (2553). الحديث: 1267 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 يريدُ بذلك تعزيرَه وتوقيرَه، أو قعدَ في بيتِه فَسَلِمَ، وسِلمَ الناسُ منه". رواه أحمد -واللفظ له- والبزار والطبراني، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". 1269 - (9) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يلجُ النارَ رجلٌ بكى من خشيةِ الله، حتى يعود اللبنُ في الضرعِ، ولا يجتمعُ غبارٌ في سبيلِ الله ودخانُ جهنمَ". [صحيح] رواه الترمذي، واللفظ له، وقال: "حديث حسن غريب صحيح"، والنسائي والحاكم والبيهقي؛ إلا أنهم قالوا: " لا يجتمعُ غبارٌ في سبيلِ الله ودخانُ جهنمَ في مَنخِرَيْ مسلمٍ أبداً". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد" (1). 1270 - (10) [صحيح] وعن عبد الرحمن بن جبْر رضي الله عنه قال: قال رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما اغبرتْ قدما عبدٍ في سبيل الله فتمسَّه النارُ". رواه البخاري، واللفظ له. ورواه النسائي والترمذي في حديثٍ، ولفظه: "من اغبرتْ قدماه في سبيل الله فهما حرامٌ على النارِ". 1271 - (11) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يجتمعانِ في النارِ اجتماعاً يضرُّ أحدُهما الآخرَ؛ مسلمٌ قتلَ كافراً ثم سدّدَ المسلمُ وقاربَ، ولا يجتمعان في جوفِ عبدٍ؛ غبارٌ في سبيلِ الله ودخانُ جهنمَ، ولا يجتمعانِ في قلبِ عبدٍ؛ الإيمانُ والشحُّ".   (1) قلت: ورواه ابن حبان أيضاً (رقم 1598 - موارد). الحديث: 1269 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 رواه النسائي والحاكم -واللفظ له، وهو أتم-، وقال: "صحيح على شرط مسلم". وقال النسائي: "الإيمان والحسد" (1). وصدرُ الحديث في مسلم. 1272 - (12) [صحيح لغيره] وروى الطبراني في "الأوسط" عن عمرو بن قيس الكندي قال: كنا (2) مع أبي الدرداء منصرفين من (الصائفةِ)، فقال: يا أيها الناس! اجتمِعوا، سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "من اغبرتْ قدماه في سبيلِ الله؛ حرَّمَ الله سائرَ جسدِهِ على النارِ". قوله: "من الصائفة" أي: من غزوة الصائفة، وهي غزوةُ الرومِ، سميت بذلك لأنهم كانوا يغزونهم في الصيف خوفاً من البرد والثلج في الشتاء. 1273 - (13) [صحيح لغيره] وعن أبي المُصبِّحِ المُقْرائي قال: بينما نحن نسيرُ بأَرضِ الرومِ في طائفةٍ عليها مالكُ بنُ عبدِ الله الخثعمي، إذ مرَّ مالكٌ بجابرِ بن عبدِ الله رضيَ الله عنهما وهو يقودُ بغلاً له، فقالَ له مالكٌ: أي أبا عبدِ الله! اركبْ فقد حملَكَ الله. فقالَ جابرٌ: أُصلِحُ دابتي، وأستغني عن قومي، وسمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:   (1) قلت: وهو رواية لابن حبان (1597)، وانظر (1599 و1600). (2) الأصل: "إنا"، والتصويب من "الأوسط" (5663 - مصورتي)، و"المجمع" (5/ 286). الحديث: 1272 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 "من اغبرتْ قدماه في سبيلِ الله؛ حرّمَهُ الله على النارِ". فسارَ حتى إذا كانَ حيثُ لم يسمعه الصوتَ نادى بأعلى صوته: يا أبا عبدِ الله! اركبْ فقد حَمَلك الله. فعرف جابر الذي يريد، فقال: أُصلِحَ دابتي، وأستغني عن قومي، وسمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من اغبرت قدماه في سبيل الله؛ حرمه الله على النار". فتواثب الناسُ عن دوابهم، فما رأيتُ يوماً أكثرَ ماشياً منه. رواه ابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له. ورواه أبو يعلى بإسنادٍ جيدٍ، إلا أنه قال: عن سليمان بن موسى قال: "بينا نحن نسير" (1)، فذكره بنحوه، وقال فيه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما اغبرتْ قدما عبدٍ في سبيلِ الله؛ إلا حرمَ الله عليهما النارَ". (قال): (2) فنزل مالك، ونزل الناسُ يمشون، فما رؤي يوماً أكثرَ ماشياً منه. (المُصبح) بضم الميم وفتح الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة. و (المُقرائي) بضم الميم، وقيل بفتحها، والضم أشهر وبسكون القاف بعدها راء وألف ممدوة، نسبة إلى قرية بـ (دمشق). 1274 - (14) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:   (1) قلت: الحديث عند أبي يعلى (1/ 269) من طريق سليمان المذكور قال: "هو مالك بن عبد الله الخثعمي. . " الحديث نحوه، ليس فيه الجملة المذكورة، وكذلك ذكره الهيثمي (5/ 286)، وإنما هي في "مسند أحمد" (5/ 225 - 236)، لكنه جعل الحديث من مسند مالك، وهو المنادَى من رجل. وسنده صحيح، وروى أبو يعلى (2/ 558) المرفوع منه عن جابر أيضاً، ولعله الصواب. (2) زيادة من "أبي يعلى" و"المجمع". الحديث: 1274 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 "ما خالطَ قلبَ امرئٍ رَهْجٌ في سبيلِ الله؛ إلا حرمَ الله عليه النارَ". رواه أحمد، ورواته ثقات. (الرَّهْج) بفتح الراء وسكون الهاء، وقيل بفتحها: هو ما بداخل باطن الإنسان من الخوف والجزع ونحوه (1). 1275 - (15) [صحيح لغيره] وعن أم مالك البهزية رضي الله عنها قالت: ذكرَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتنةً فقرَّبَها، قالت: قلت: يا رسول الله! من خيرُ الناس فيها؟ قال: "رجلٌ في ماشيةٍ، يؤدي حقَّها، ويعبدُ ربَّه، ورجلٌ آخذٌ برأسِ فرسِه يخيفُ العدوَّ ويخيفونَه". رواه الترمذي عن رجل عن طاوس عن أم مالك، وقال: "حديث غريب". وتقدم [الباب الأول/ 12 - حديث]. (2)   (1) كذا قال المؤلف رحمه الله، وهو من أخطائه التي نبَّه عليها الحافظ الناجي. والصواب أنه الغبار؛ كما في "النهاية" و"اللسان" وغيرهما. (2) قلت: وبينت هناك تناقض المعلقين الثلاثة في هذا الحديث، فحسنوه هنا، وضعفوه هناك! والسبب الجهل والتقليد الأعمى، فقد انتبهوا هنا لتحسين الترمذي إياه في طبعة الدعاس فقلدوا تحسينه، ولم ينتبهوا له هناك، فقلدوا المؤلف في إعلاله بالرجل الذي لم يسم، وتضعيف الترمذي إياه بقوله: "غريب"!! الحديث: 1275 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 7 - (الترغيب في سؤال الشهادة في سبيل الله تعالى). 1276 - (1) [صحيح] عن سهل بن حنيف رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من سألَ الله تعالى الشهادةَ بِصدْقٍ؛ بلَّغَه اللهُ منازلَ الشهداءِ، وإن ماتَ على فراشِهِ". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 1277 - (2) [صحيح] وعن أن رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من طلبَ الشهادةَ صادقاً أعطيها، ولو لم تصبْهُ". رواه مسلم وغيره، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". 1278 - (3) [صحيح لغيره] وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ قاتلَ في سبيلِ الله فُواقَ ناقةٍ؛ فقدْ وجبتْ له الجنةُ، ومن سألَ الله القتلَ من نفسِهِ صادقاً ثم ماتَ أو قُتِلَ؛ فإنَّ له أجرَ شهيدٍ، ومَنْ جُرِحَ جرحاً في سبيلِ الله أو نُكبَ نَكبةً؛ فإنها تجيءُ يومَ القيامةِ كأغزرَ ما كانتْ، لونُها لونُ الزعفران، وريُحها ريحُ المسكِ" فذكر الحديث. رواه أبو داود، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، والنسائي وابن ماجه، [حسن صحيح] وابن حبان في "صحيحه" بنحوه؛ إلا أنه قال فيه: "ومَنْ سألَ الله الشهادةَ مُخلِصاً؛ أعطاهُ الله أجرَ شهيدٍ، وإنْ ماتَ على فراشِه". وَرواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". [يأتي أيضاً 9 - باب]. (فُوَاق الناقة) بضم الفاء وتخفيف الواو: هو ما بين رفع يدك عن الضرع حال الحلب ووضعها. وقيل: هو ما بين الحلبتين. الحديث: 1276 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 8 - (الترغيب في الرمي في سبيل الله وتعلمه، والترهيب من تركه بعد تعلمه رغبةً عنه). 1279 - (1) [صحيح] عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على المنبر يقول: " {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}: ألا إنَّ القوةَ الرَّمْيُ، ألا إنَّ القوةَ الرَّمْيُ، ألا إنَّ القوةَ الرَّمْيُ". رواه مسلم وغيره. 1280 - (2) [صحيح] وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: مَرَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قوم ينتَضِلون، فقال: "ارموا بني إسماعيلَ! فإن أباكم كان رامياً، ارموا وأنا مع بني فلان"، فأمسك أحد الفريقين بأَيديهم، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما لكم لا ترمون؟ ". قالوا: كيف نرمي وأنت معهم. قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ارموا، وأنا معكم كلكم". [صحيح لغيره] رواه البخاري وغيره، والدارقطني؛ إلا أنه قال فيه: "ارموا، وأنا مع بني الأدرعِ". فأمسك القومُ وقالوا: من كنتَ معه فأنى يُغلبُ! قال: "ارموا، وأنا معَكم كلّكم". فرموا عامة يومهم، فلم يَفضُلْ أحدُهم الآخر، أو قال: فلم يسبقْ أحدُهم الآخر. أو كما قال. (1)   (1) قلت: وأخرجه الحاكم، وصححه. ووافقه الذهبي، وفيه راوٍ لم يوثقه غير ابن حبان. لكن له شاهد من حديث أبي هريرة نحوه. أخرجه ابن حبان (1646 - موارد). الحديث: 1279 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 1281 - (3) [صحيح] وعن سعد بن أبي وقاص رفعه قال: "عليكم بالرمي؛ فإنه خيرُ -أو من خيرِ- لهوِكُم". رواه البزار والطبراني في "الأوسط" وقال: "فإنه من خير لعبكم". وإسنادهما جيدٌ قوي. 1282 - (4) [صحيح] وعن عطاء بن أبي رباح قال: رأيتُ جابرَ بنَ عبد الله وجابر بنَ عمير الأنصاري يرميان، فملَّ أحدُهما فجلسَ، فقالَ له الآخرُ: كسلتَ؟ سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "كلُّ شيءٍ ليسَ من ذكرِ الله عز وجل فهو لهوٌ أو سهوٌ، إلا أربعُ خصالٍ: مشيُ الرجل بين الغَرَضين، وتأَديبُه فرسَه، وملاعبتُه أهلَه، وتعليمُ السباحَةِ". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد جيد. (1) (الغرض) بفتح الغين المعجمة والراء بعدهما ضاد معجمة: هو ما يقصده الرماة بالإصابة. 1283 - (5) [صحيح] وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ستفتحُ عليكم أرضون، ويكفيكُم الله، فلا يعجزُ أحدُكم أنْ يلهوَ بأسهُمِهِ". رواه مسلم وغيره.   (1) قلت: فاته النسائي في "السنن الكبرى" والبزار، و"الطبراني في "الأوسط" (9/ 69/ 8143)، وهو مخرج في "الصحيحة" (315). الحديث: 1281 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 1284 - (6) [صحيح] وعن أبي نجيح عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ بلغَ بسهمٍ (1)؛ فهو لهُ درجةٌ في الجنةِ". فبلغتُ يومئذ ستة عشر سهماً. رواه النسائي. 1285 - (7) [صحيح] وعنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من رمى بسهمٍ في سبيلِ الله؛ فهو له عدلُ مُحرَّرٍ". رواه أبو داود في حديثٍ (2) والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، والحاكم، وقال: "صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه". 1286 - (8) [صحيح لغيره] وعنه أيضاً قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من شابَ شيبةً في الإسلام؛ كانتْ له نوراً يوم القيامةِ، ومن رمى بسهمٍ في سبيلِ الله، فبلغ به العدوَّ أَو لِم يبلغْ؛ كان له كعتقِ رقبةٍ، ومن أعتق رقبةً مَؤمنةً؛ كانت فداءه من النار عضواً بعضو". [حسن صحيح] رواه النسائي بإسناد صحيح، وأفرد الترمذي منه ذكر الشيب، وأبو داود ذكر العتق، وابن ماجه ذكر الرمي، ولفظه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من رمى العدوَّ بسهمٍ فبلغ سهمُه أصابَ أو أخطأ؛ فعِدل رَقَبةٍ". وروى الحاكم ذكر الرمي في حديث، والعتق في آخر.   (1) أي: أصاب به العدو كما يفسره الحديث الآتي بعد حديث. (2) قلت: سيأتي لفظه في (16 - البيوع/ 25 آخره)، ومنه يتبين أن عزوه لأبي داود وهم، لأنه ليس فيه جملة الرمي هذه. الحديث: 1284 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 1287 - (9) [صحيح] وعن كعب بن مرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ بلغَ العدوَّ بسهمٍ؛ رفعَ الله له درجةً". فقال له عبد الرحمن بن النَّخّام: وما الدرجةُ يا رسولَ الله! قال: "أما إنها ليست بَعتبة أمِّك! ما بين الدرجتين مئةُ عام". رواه النسائي وابن حبان في "صحيحه". (النحّام) بفتح النون وتشديد الحاء المهملة: هو الكثير النحم، وهو التنحنح. 1288 - (10) [صحيح] وعنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من رمى بسهمٍ في سبيلِ الله؛ كان كمن أعتقَ رقبة". رواه ابن حبان في "صحيحه". 1289 - (11) [صحيح] وعن معدان بن أبي طلحة [عن أبي نجيح السلمي] (1) رضي الله عنه قال: حاصَرْنا مع رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الطائف) فسمعتُه يقول: "من بلغَ بسهمٍ في سبيلِ الله؛ فهو له درجةٌ في الجنةِ". قال: فبلغت يومئذ ستة عشر سهماً. رواه ابن حبان في "صحيحه".   (1) سقطت من الأصل. وكذا من مطبوعة عمارة، فصار بذلك معدان صحابياً، وهو تابعي معروف، والتصحيح من "الموارد" و"مسند أحمد" (4/ 113) وكتب الرجال، ومن الظاهر أن السقط من المؤلف رحمه الله، لأنه تقدم بهذا اللفظ قبل أربعة أحاديث، فلولا توهمه أنه من رواية معدان لما أعاده. والله أعلم. الحديث: 1287 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 1290 - (12) [صحيح لغيره] وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من شابَ شيبةً في الإسلام؛ كانتْ له نوراً يومَ القيامة، ومن رمى بسهمٍ في سبيلِ الله -أخطأَ أو أصابَ- كان له بمثلِ رقبةٍ. . (1) ". رواه الطبراني بإسنادين، رواة أحدهما ثقات. (2) 1291 - (13) [حسن] وعن عتبة (3) بن عبدٍ السلمي رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأصحابه: "قوموا فقاتلوا". قال: فرمى رجلٌ بسهمٍ، فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أوجبَ هذا". رواه أحمد بإسنادٍ حسن. (أوجب) أي: أوجب لنفسه الجنة بما فعل. 1292 - (14) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ رمى بسهمٍ في سبيلِ الله؛ كانَ له نوراً يومَ القيامةِ". رواه البزار بإسناد حسن.   (1) قلت: تمامه في الأصل: "من ولد إسماعيل"، ولما كانت منكرة -لما يأتي بيانه مني بعد هذا إن شاء الله تعالى- فلذلك حذفته. (2) قلت: كذا قال، وتبعه الهيثمي، واغتر بهما المعلقون الثلاثة، وزادوا عليهما بجهلهم فحسنوه! لأنهم لا علم عندهم بأصول الحديث، ولا يرجعون إلى الأصول!! ولو فعلوا لوجدوا في الطريق الأولى (شهر بن حوشب) وغيره، وفيها الزيادة المنكرة، وفي الأخرى (موسى بن عمير) وهو متروك، وليس فيها الزيادة، وتفصيل هذا الإجمال في "الضعيفة" (6615). (3) الأصل: (عقبة)، والتصويب من "المسند" (4/ 183 و184) و"المجمع "، وفات هذا التصحيح المعلقين الثلاثة، وتشبعوا بما لم يعطوا، وتظاهروا بالتحقيق فعزوه لـ "المسند" و"المجمع" بالأرقام دون أن يصوبوا!! الحديث: 1290 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 1293 - (15) [صحيح] وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من عَلِمَ الرمي ثم تركَه؛ فليس منا،. . (1) ". رواه مسلم. 1294 - (16) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من تعلّمَ الرميَ ثم نسيَه؛ فهي نعمةٌ جحدها". رواه البزار والطبراني في "الصغير" و"الأوسط" بإسنادٍ حسن.   (1) هنا في الأصل زيادة: "أو فقد عصى"، وبعدها رواية ابن ماجه بلفظ: "فقد عصاني" دون شك، فحذفت ذلك كله إلى "الضعيف". الحديث: 1293 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 9 - (الترغيب في الجهاد في سبيل الله تعالى، وما جاء في فضل الكَلْم فيه، والدعاء عند الصف والقتال). 1295 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ العملِ أفضلُ؟ قال: "إيمانٌ بالله ورسولِه". قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهادُ في سبيلِ الله". قيل: ثم ماذا؟ قال: "حجٌّ مبررٌ". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. [مضى في أول 11 - الحج]. 1296 - (2) [صحيح] وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! أيُّ الأعمالِ أفضلُ؟ قال: "الإيمانُ باللهِ، والجهادُ في سبيلِ الله" الحديث. رواه البخاري ومسلم. 1297 - (3) [صحيح] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أتى رجلٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَ: أيُّ الناسِ أفضلُ؟ قالَ: "مؤمنٌ يجاهدُ بنفْسِه وبمالهٍ في سبيلِ الله تعالى". قال. ثم مَنْ؟ قال: "ثم مؤمنٌ في شِعبٍ من الشِّعاب يعبدُ الله، ويدعُ الناس من شرِّه". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. الحديث: 1295 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 [صحيح لغيره] والحاكم بإسناد على شرطهما، ولفظه: قال: عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه سُئِلَ: أيُّ المؤمنين أكملُ (1) إيماناً؟ قال: "الذي يجاهدُ بنفسِه ومالِه، ورجلٌ يعبدُ الله في شِعب مِنَ الشعابِ وقد كفي الناسَ شرَّه". 1298 - (4) [صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرجَ عليهم وهم جلوسٌ في مجلسٍ لهم فقال: "ألا أخبرُكم بخيرِ الناسِ منزلاً؟ ". قالوا: بلى يا رسول الله! قال: "رجلٌ آخذٌ برأس فرسه في سبيل الله حتى يَموتَ أو يقتلَ. ألا أخبرُكم بالذي يليه؟ ". قلنا: بلى يا رسولَ الله! قال: "امرؤٌ معتزل في شِعبٍ يُقيم الصلاةَ، ويؤتي الزكاة، ويعتزلُ شرورَ الناسِ. ألا أخبركم بشرِّ الناسِ؟ ". قلنا: بلى يا رسول الله! قال: "الذي يُسأل بالله ولا يُعطي". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ لهما، وهو أتم. ورواه مالك عن عطاء بن يسار مرسلاً. 1299 - (5) [صحيح] وعن سبرة بن الفاكه رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:   (1) هذه رواية الحاكم، ورواه أحمد (3/ 56) بلفظ: "أفضل"، وهو أصح. الحديث: 1298 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 "إن الشيطانَ قعدَ لابنِ آدمَ بطريقِ الإسلامِ، فقال: تُسلِمُ وتَذَرُ دينَك ودينَ آبائكَ؟! فعصاه (1). فقعدَ له بطريقِ الهجرةِ، فقال له: تهاجرُ وتَذَرُ دارَك وأرضَك وسماءَك؟! فعصاهُ، فهاجر. فقعدَ له بطريق الجهاد، فقال: تجاهدُ وهو جهد النفسِ والمال، فتقاتلُ فتقتلُ فتُنكح المرأةُ ويُقْسَمُ المالُ؟ فعصاه، فجاهد". فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فمن فعلَ ذلك فماتَ؛ كان حقاً على الله أن يُدخلَه الجنةَ، وإِنْ غرقَ؛ كان حقاً على الله أن يدخلَه الجنةَ، وإِن وقَصتْه دابةٌ؛ كان حقاً على الله أَن يدخلَه الجنة". رواه النسائي وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي. (2) 1300 - (6) [صحيح] وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أنا زعيمٌ -والزعيم الحميل- لمن آمن بي وأسلَمَ وهاجرَ ببيتٍ في رَبَض الجنةِ، وببيت في وسطِ الجنةِ، وأَنا زعيمٌ لمن آمن بي وأَسلمَ وجاهَد في سبيلِ الله ببيت في ربضِ الجنة، وببيت في وسطِ الجنةِ، وببيتٍ في أَعلى غُرف الجنة. فمن فعل ذلك لمَ يَدع للخيرِ مَطْلَباً، ولا من الشرِّ مهرباً، يموتُ حيثُ شاءَ أَن يموتَ". رواه النسائي وابن حبان في "صحيحه".   (1) هنا في الأصل زيادة: "فأسلم فغفر له" وهي مقحمة لا أصل لها في الحديث كما بيَّنه الناجي (139/ 1). قلت: لكنها ثابتة في "صحيح ابن حبان"، فهي شاذة، وهذا مما لم يتنبه له المعلقون الثلاثة! (2) قلت: ومن تقصير المعلقين الثلاثة وتدليسهم أيضاً قولهم: " (1954) حسن، رواه النسائي. . وابن حبان. . وانظره في صحيح النسائي (ص 657) "! أما تقصيرهم، فجمودهم على التحسين المخالف للتحقيق العلمي وقد صححه جمع، أما التدليس فبإحالتهم إلى "صحيح النسائي"، وقد صرحت هناك بأنه صحيح!! الحديث: 1300 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 1301 - (7) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مَرَّ رجلٌ من أَصحابِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشعبٍ فيه عُيَيْنَةٌ من ماءٍ عذبةٍ فأَعجبتْه، فقال: لو اعتزلتُ الناسَ فأقمتُ في هذا الشِّعب. ولن أَفعلَ حتى استأَذن رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكر ذلك لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "لا تفعلْ! فإن مقامَ أحدكم في سبيل الله تعالى؛ أفضلُ من صلاته في بيتهِ سبعين عاماً، (1) ألا تحبون أن يغفرَ الله لكُم، ويدخلَكم الجنةَ؟ اغزوا في سبيل الله، من قاتَل في سبيلِ الله فُواق ناقةٍ، وجبتْ له الجنةُ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 1302 - (8) [صحيح لغيره] ورواه أحمد من حديث أبي أمامة أطول منه، إِلا أنه قال: "ولمقامُ أحدِكم في الصف؛ خيرٌ من صلاتِه ستينَ سنةً". (فواق الناقة): هو ما بين رفع يدك عن ضرعها وقت الحلب ووضعها. وقيل: هو ما بين الحلبتين. 1303 - (9) [صحيح لغيره] وعن عمران بن حصين رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مقامُ الرجلِ في الصفِّ في سبيلِ اللهِ أَفضلُ عندَ اللهِ من عبادةِ الرجلِ ستين سنةٌ". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري".   (1) كذا في رواية الترمذي: (سبعين) عن شيخه عبيد بن أسباط بن محمد القرشي عن أبيه عن هشام بن سعد بسنده، ويبدو أنه وهم من الأب أو الابن الشيخ، فقد رواه عنه البزار أيضاً، لكنه قال: "ستين عاماً أو كذا عاماً"، فهذا يوضح أنه كان يشك ولا يحفظ، وقد تابعه جماعة من الثقات منهم (عبد الله بن وهب) على لفظ (ستين) فهو المحفوظ، ولا سيما ويشهد له ما بعده من حديث أبي أمامة وحديث عمران. الحديث: 1301 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 1304 - (10) [صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً قال: قيل: يا رسولَ اللهِ! ما يعدلُ الجهادَ في سبيل الله؟ قال: "لا تستطيعونَهُ". فأَعادوا عليه مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يقول: "لا تستطيعونَهُ". ثم قال: "مثلُ المجاهدِ في سبيلِ اللهِ كمثلِ الصائمِ القائم القانتِ بآيات اللهِ، لا يَفْتُرُ من صلاةٍ ولا صيامٍ حتى يرجعَ المجاهدُ في سبيل الله". رواه البخاري ومسلم، واللفظ له. وفي رواية للبخاري: أَن رجلاً قال: يا رسولَ الله! دُلَّني على عملٍ يعدِلُ الجهادَ. قال: "لا أجدُهُ". ثم قال: "هل تستطيعُ إِذا خرجَ المجاهدُ أن تدخلَ مسجدَكَ فتقومَ ولا تَفترُ، وتصومَ ولا تُفطِرُ؟ ". فقال: ومن يستطيعُ ذلك؟ فقال أبو هريرة: فإن فرسَ المجاهِد ليستنُّ؛ يمرح فيِ طوَله، فيُكتبُ له حسناتٌ. ورواه النسائي نحو هذا. (استن الفرس): عدا. و (الطِّوَل) بكسر الطاء وفتح الواو: هو الحبل الذي يشد به الدابة ويمسك طرفه لترعى. 1305 - (11) [صحيح] وعنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن في الجنةِ مئَةَ درجةٍ، أَعدَّها اللهُ للمجاهدين في سبيلِ الله، ما بين الحديث: 1304 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 الدرجتين كما بين السماءِ والأرضِ". رواه البخاري. 1306 - (12) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من رضيَ بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رسولاً؛ وجبتْ له الجنةُ". فعجب لها أبو سعيد، فقال: أعِدها عليَّ يا رسولَ الله! فأعادها عليه. ثم قال: "وأخرى يرفعُ اللهُ بها للعبدِ مئةَ درجةٍ في الجنةِ، ما بين كل درجتين كما بين السماءِ والأرض". قال: وما هي يا رسولَ الله؟ قال: "الجهادُ في سبيلِ الله". رواه مسلم وأبو داود والنسائي. 1307 - (13) [حسن لغيره] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بينما أنا عندَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ جاءه رجلٌ فقال: يا رسولَ الله! أيُّ الأعمالِ أَفضلُ؟ قال: "إيمانٌ باللهِ، وجهادٌ في سبيله، وحجٌّ مبرورٌ". فلما ولّى الرجلُ قال: "وأهونُ عليكَ من ذلكَ إطعامُ الطعامِ، ولينُ الكلامِ، وحسنُ الخُلُقِ". فلما ولّى قال: "وأهونُ عليكَ من ذلك، لا تَتَّهم اللهَ على شيء قضاهُ عليكَ". رواه أحمد (1) والطبراني بإسنادين أحدهما حسن، واللفظ له.   (1) قلت: في "المسند" (5/ 318 - 319)، وضعفه المعلقون الثلاثة تحكماً واستبداداً! رغم وروده بإسنادين وتحسين، المؤلف والهيثمي أيضاً أحدهما!! الحديث: 1306 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 1308 - (14) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ثلاثةٌ حقٌّ على الله عونُهم: المجاهدُ في سبيلِ الله، والمكاتَبُ الذي يريدُ الأداءَ، والناكحُ الذي يريدُ العفافَ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط مسلم" (1). 1309 - (15) [صحيح] وعن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال: سمعت أبي وهو بحضرة العدُوّ يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن أَبوابَ الجنةِ تحتَ ظلالِ السيوفِ" (2). فقامَ رجلٌ رَثُّ الهيئةِ، فقالَ: يا أبا موسى! أنتَ سمعتَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ هذا؟ قال: نعم. فرجعَ إلى أصحابِه فقالَ: أقرِأُ علكيم السلامَ، ثم كسرَ جَفْنَ سيفِه فألقاه، ثم مشى بسيفِهِ إلى العدوِّ فضرب به حتى قُتِلَ. رواه مسلم والترمذي وغيرهما. (جَفْن السيف) بفتح الجيم وإسكان الفاء: هو قرابه. 1310 - (16) [صحيح] وعن البراء رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ مقنَّعٌ بالحديدِ، فقال: يا رسولَ الله! أقاتِلُ أو أُسلم؟ قال: "أَسلمْ ثم قاتلْ". فأَسلَم ثم قاتل، فقُتلَ. فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عملَ قليلاً، وأُجِرَ كثيراً". رواه البخاري واللفظ له، ومسلم.   (1) قلت: وفاته النسائي، أخرجه في "سننه" في موضعين منه (2/ 56 و70). (2) معناه: أن الجهاد وحضور معركة القتال طريق إلى الجنة وسبب لدخولها. والله أعلم. الحديث: 1308 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 (مُقَنَّع) بضم الميم وفتح النون المشددة: أي متغظّ بالحديدِ. وقيل: على رأسه خوذة (1)، وقيل غير ذلك. 1311 - (17) [صحيح] وروى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ من بني النَّبيتِ (قبيل من الأنصار) فقالَ: أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأنك عبدُه ورسولُه، ثم تقدَّم فقاتلَ حتى قُتِلَ. فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عَمِلَ هذا يَسيراً، وأُجِرَ كثيراً". 1312 - (18) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: انطلقَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابُه حتى سبقوا المشركين إلى (بدر)، وجاءَ المشركون، فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَتَقدَمنَّ أحدٌ منكم إلى شيءٍ حتى أكونَ أنا دونَه". فدنا المشركون، فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قوموا إلى جنةٍ عرضُها السمواتُ والأرضُ". قال عُمير بن الحَمام: يا رسولَ الله! أَجنةٌ عرضُها السمواتُ والأرضُ؟ قال: "نعم". قال: بخٍ بخٍ: فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما يحملُك على قولِك: بخٍ بخٍ؟ ". قال: لا والله يا رسولَ الله؛ إلا رجاءَ أنْ أكونَ من أهلها. قال: "فإنك من أَهلِها". فأخرجَ تَمَراتٍ من قَرَنِهِ، فجعلَ يأَكلُ منهن. ثم قال: إنْ أنا حُييتُ حتى   (1) هذه اللفظة مولدة، واسمها في اللغة (البيضة)، ولم أر من عبر بها قبل المصنف إلا ابن الأثير. . . أفاده الناجي. قلت: وهي معروفة في لغة الشاميين. (تنبيه): تفسير (المقنع) كان في الأصل عقب الحديث الآتي فنقلته إلى هنا. الحديث: 1311 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 آكلَ تمراتي هذه إنها لحياةٌ طويلةٌ! فرمى بما كان معه من التمرِ، ثم قاتلَهُم حتى قُتِلَ. رضي الله عنه. رواه مسلم. (القَرَن) بفتح القاف والراء: هو جُعبة النشاب. 1313 - (19) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يجتمع كافرٌ وقاتلُه في النارِ أَبداً". رواه مسلم وأبو داود. ورواه النسائي والحاكم أطول منه. [مضى 6 - باب/ 11 - حديث] 1314 - (20) [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث معاذ بن جبل. (1) 1315 - (21) [صحيح] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني: "يقولُ الله عزَّ وجل: المجاهدُ في سبيلي هو عليَّ ضامنٌ؛ إنْ قبضتُه أَورثتُه الجنةَ، وإن رَجَعْته رَجَعتُه بأَجرٍ أو غنيمةٍ". رواه الترمذي وقال: "حديث غريب صحيح". وهو في "الصحيحين" وغيرهما بنحوه من حديث أبي هريرة، وتقدم [6 - باب]. 1316 - (22) [صحيح] وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من جاهدَ في سبيلِ الله كان ضامناً على الله، ومن عادَ مريضاً كان ضامناً على الله، ومن غدا إلى المسجد أو راح كان ضامناً على الله، ومن دخلَ   (1) قلت: لقد بحثت كثيراً، فلم أجد لمعاذ بهذا المعنى حديثاً، وأخشى أن تكون هذه العبارة محلها عقب غير هذا الحديث، وقعت هنا سهواً من الناسخ، أو غيره. والله أعلم. الحديث: 1313 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 على إمام يُعَزِّرُه كان ضامناً على الله، ومن جلسَ في بيتهِ لم يغتبْ إنساناً كان ضامناً على الله". رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، واللفظ لهما. ورواه أبو يعلى بنحوه، وعنده: "أو خرجَ مع جنازةٍ" بدل: "ومن غدا إلى المسجدِ". ورواه أحمد والطبراني، وتقدم لفظهما [6 - باب/ 8 - حديث]. 1317 - (23) [صحيح] وهو عند أبي داود من حديث أبي أمامة، إلا أن عنده الثالثة: "ورجلٌ دخلَ بيتَه بسلامٍ، فهوَ ضامنٌ على الله". 1318 - (24) [صحيح] وعن عبد الله بن حُبشي الخثعمي رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئلَ: أيَّ الأعمالِ أفضل؟ قال: "إيمانٌ لا شكَّ فيه، وجهادٌ لا غلولَ فيه، وحجة مبرورةٌ". قيل: فأيُّ الصدقةِ أفضل؟ قال: "جهدُ المقِلِّ". قيل: فأيُّ الهجرةِ أفضلُ؟ قال: "من هجرَ ما حرَّم اللهُ". قيلَ: فأَيُّ الجهادِ أفضلُ؟ قال: "من جاهدَ المشركين بنفسِهِ ومالِهِ". قيل: فأَيّ القتلِ أشرفُ؟ قال: "من أَهرِيقَ دمُه، وعُقِرَ جوادُه". رواه أبو داود، والنسائي، واللفظُ له، وهو أتم. الحديث: 1317 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 1319 - (25) [صحيح لغيره] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "جاهدوا في سبيلِ الله، فإنَّ الجهادَ في سبيلِ الله بابٌ من أَبوابِ الجنة، ينجي الله تباركَ وتعالى به من الهمُّ والغمِّ". رواه أحمد، واللفظ له، ورواته ثقات. والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، والحاكم، وصحح إسناده. 1320 - (26) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مثل المجاهدِ في سبيلِ الله؛ كمثلِ القانتِ الصائمِ لا يفترُ صلاةً ولا صياماً حتى يَرجِعَه الله إلى أهلِهَ بما يرجعُه إليهم من غنيمةٍ أو أجرٍ، أو يتوفاه فيدخلُه الجنةَ". رواه ابن حبان في "صحيحه" عن شيخه عمر (1) بن سعيد بن سنان، قال: "وكان قد صام النهار، وقام الليل ثمانين سنة غازياً ومرابطاً". (قال المملي) رحمه الله: "وهو في "الصحيحين" وغيرهما بنحوه أطول منه، وتقدم [في الباب برقم 10]. وفي رواية للنسائي في هذا الحديث: "مثل المجاهدِ في سبيلِ الله -والله أعلمُ بمنْ جاهدَ في سبيلِهِ- كمثلِ الصائمِ القائمِ الخاشعِ الراكعِ الساجدِ".   (1) الأصل: (عمرو)، والتصويب من "الإحسان" و"الموارد" (1584). ثم إن المؤلف قد وهم في نسبة هذا المتن للشيخ المذكور، وتبعه على ذلك الهيثمي في "الموارد" (1584)، وإنما هو عند ابن حبان عن شيخ آخر له بإسناد حسن عن أبي هريرة، وإسناد الأول صحيح، ولفظه مختصر عن هذا، وسبب الوهم انتقال النظر من أحدهما إلى الآخر عند النقل، وهما في "الإحسان" بتقديم المختصر على هذا. وإن من تفاهة وجهالة المعلقين الثلاثة أنهم أحالوا في تخريجه على حديث الشيخين المتقدم في الباب الحديث العاشر، ومع أنه يختلف متنه عن هذا فلم يعزوه لابن حبان! الحديث: 1319 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 1321 - (27) [صحيح لغيره] وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أن امرأةً أتَتْه فقالت: يا رسول الله! انطلق زوجي غازياً، وكنتُ أقتدي بصلاته إذا صلى، وبفعله كله، فأخبرني بعملٍ يُبْلِغُني عملَه حتى يرجع. قال لها: "أتستطيعين أن تقومي ولا تقعدي، وتصومي ولا تفطري، وتَذْكُري الله تعالى ولا تَفْتُري حتى يرجعَ؟ ". قالت: ما أطيق هذا يا رسول الله! فقال: "والذي نفسي بيده لو طُوَّقتِيه (1)؛ ما بلغتِ العُشْرَ (1) منَ عمله". رواه أحمد من رواية رشدين بن سعد، وهو ثقة عنده، ولا بأس بحديثه في المتابعات والرقائق. (العشور): جمع (عشر)، وهو الواحد من عشرة أجزاء. 1322 - (28) [حسن صحيح] وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مثل المجاهدِ في سبيلِ الله؛ كمثلِ الصائم نهارَه، القائم ليلَه، حتى يرجعَ متى يرجعُ". رواه أحمد والبزار والطبراني، ورجال أحمد محتج بهم في "الصحيح". 1323 - (29) [صحيح] وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من قاتلَ في سبيلِ الله من رجل مسلم فَواقَ ناقةٍ؛ وجبَتْ له الجنةُ، ومن جُرحَ جرحاً في سبيلِ الله؛ أو نُكِبَ نُكبةً؛ فإنها تجيءُ يومَ القيامةِ كأغزَرَ ما كانت، لونُها لونُ الزعفرانِ، وريحُها ريحُ المسكِ".   (1) الأصل: (أطقته)، (العشور)، والتصويب من "المسند" (3/ 439)، والطبراني (20/ 196)، وهو مخرج في "الصحيحة" (3450). الحديث: 1321 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصدره في "صحيح ابن حبان". [مضى 7 - باب/ 3 - حديث]. 1324 - (30) [حسن صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من جُرحَ جرحاً في سبيلِ الله جاءَ يومَ القيامةِ ريحهُ كريحِ المسكِ، ولونُه لونُ الزعفرانِ، عليه طابعُ الشهداءِ، ومن سألَ اللهَ الشهادةَ مخلصاً؛ أعطاهُ الله أجرَ شهيدٍ، وإن ماتَ على فراشِهِ". رواه ابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". [مضى هناك] 1325 - (31) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِن مَكلومٍ يُكْلَمُ في سبيلِ الله؛ إلا جاءَ يومَ القيامةِ وكلْمُه يَدْمى؛ اللونُ لونُ دمٍ، والريحُ ريحُ مسكٍ". وفي رواية: "كلُّ كَلْم يُكلَم في سبيلِ الله يكونُ يومَ القيامةِ كهيئتها يومَ طُعنَتْ؛ تفجَّرُ دماً، اللونُ لونُ دمٍ، والعَرْف عَرفُ مِسكٍ". رواه البخاري ومسلم. ورواه مالك والترمذي والنسائي بنحوه. [تقدم في 6 - باب/ 6 - حديث]. (الكَلْم) بفتح الكاف وإسكان اللام: هو الجرح. (العَرْف) بفتح العين المهملة وإسكان الراء: هو الرائحة. 1326 - (32) [حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليسَ شيءٌ أحبَّ إلى الله من قطرتين وأَثرين، قَطرةِ دموعٍ من خشيةِ الحديث: 1324 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 اللهِ، وقطرةِ دم تُهراقُ في سبيلِ الله، وأما الأثران، فأَثرٌ في سبيلِ الله، وأثرٌ في فريضةٍ من فرائضِ الله". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". 1327 - (33) [صحيح] وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ساعتان تفتحُ فيهما أَبوابُ السماءِ، وقلما تُردُّ على داعٍ دعوتُه: عندَ حضورِ النداءِ، والصفِّ في سبيلِ الله". [حسن] وفي لفظ: "ثنتان لا تُردّان -أو قلما يردان-: الدعاءُ عندَ النداءِ، وعند البأسِ حين يلحمُ بعضٌ بعضاً". رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه". (يلحم) بالمهملة معناه: ينشب بعضهم ببعض في الحرب [مضى 5 - الصلاة/ 5]. الحديث: 1327 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 10 - (الترغيب في إخلاص النية في الجهاد، وما جاء فيمن يريد الأجر والغنيمة والذكر، وفضل الغزاة إذا لم يغنموا). 1328 - (1) [صحيح] عن أبي موسى رضي الله عنه: أن أَعرابياً أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَ: يا رسولَ الله! الرجلُ يقاتلُ للمغنمِ، والرجلُ يقاتلُ ليُذْكرَ، والرجلُ يقاتلُ ليُرى مكانُه، فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من قاتلَ لتكونَ كلمة الله (1) هي العليا، فهو في سبيل الله". رواه البخاري ومسلم (2) وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 1329 - (2) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً قالَ: يا رسولَ الله! رجلٌ يريدُ الجهادَ، وهو يريدُ عَرضاً من الدنيا؟ فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا أجرَ له". فأعظمَ ذلك الناسُ، فقالوا للرجل: عُدْ لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلعلك لم تُفهمْه. فقال الرجل: يا رسولَ الله! رجلٌ يريدُ الجهادَ في سبيلِ الله، وهو يبتغي عَرَضاً من الدنيا؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا أجر له". فأعظمَ ذلكَ الناسُ وقالوا: عُدْ لرسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال له الثالثةَ: رجلٌ يريدُ الجهادَ في سبيلِ الله، وهو يبتغي عَرَضاً من الدنيا؟ فقالَ: "لا أجرَ له".   (1) أي: دينه، والمراد أن من قاتل لإعزاز دينه فقتاله في سبيل الله، لا ما ذكره السائل. (2) قلت: والسياق لمسلم (6/ 46). الحديث: 1328 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم باختصار، وصححه. (العَرَض) بفتح العين المهملة والراء جميعاً: هو ما يُقتنى من مالٍ وغيره. 1330 - (3) [صحيح] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنما الأعمالُ بالنيةِ -وفي رواية: بالنيات-، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانتْ هجرتُه إلى الله ورسولِه؛ فهجرتُه إلى الله ورسولِهِ، ومن كانت هجرتُه إلى دنيا يصيبها، أو امرأةٍ ينكحها؛ فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. [مضى ج1 برقم 10]. 1331 - (4) [حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَ: أرأيتَ رجلاً غزا يلتمسُ الأجرَ والذكرَ، ما له؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا شيءَ له". فأعادها ثلاثَ مراتٍ، ويقولُ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا شيءَ له". ثم قال: "إن الله لا يقبلُ من العملِ إلا ما كانَ خالصاً، وابتُغِيَ به وَجْهُهُ" (1). رواه أبو داود والنسائي. [مضى ج1 برقم - 8] (2). قوله: "يلتمس الأجر والذكر" يعني: يريد أجر الجهاد، ويريد مع ذلك أن يذكره الناس بأنه غازٍ أو شجيع، ونحو ذلك.   (1) أي: من الأجر، وقوله: "وابتُغي به" على بناء المفعول، أي: طلب. (2) وانظر هناك ما علقته على هذا التخريج. الحديث: 1330 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 1332 - (5) [صحيح] وعن أبَّي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بشَّرْ هذه الأمَّةَ بالتيسيرِ والسَّناءِ والرفعةِ بالدينِ، والتمكينِ في البلادِ والنصرِ، فمن عملَ منهم بعملِ الآخرةِ للدنيا؛ فليس له في الآخرةِ من نصيبٍ". رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي، واللفظ له. وتقدم في الرياء هو وغيره [ج1 برقم 23]. [حسن لغيره] وتقدم أيضاً [ج1 برقم 28] حديث معاذ بن جبل عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من عبدٍ يقوم في الدنيا مَقامَ سمعةٍ ورياء؛ إلا سمَّع الله به على رؤوس الخلائق يوم القيامة". رواه الطبراني بإسناد حسن. 1333 - (6) [حسن] وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الغزوُ غزوان: فأَما من ابتغى وجهَ الله، وأَطاعَ الإمامَ، وأَنفقَ الكريمةَ، وياسَر الشريكَ، واجتنبَ الفسادَ؛ فإن نومَه وتَنَبُّهَهُ أجرٌ كلُّه، وأما من غزا فَخْراً ورياءً؛ وسُمعةً، وعصى الإمامَ، وأَفسدَ في الأرضِ؛ فإنه لن يرجعَ بالكفافِ". رواه أبو داود وغيره. قوله: "ياسر الشريك" معناه: عامله باليسر والسماحة. 1334 - (7) [حسن لغيره] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من غزا في سبيلِ اللهِ ولم يَنْو إلا عقالاً؛ فله ما نوى". رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه". 1335 - (8) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن أولَ الناسِ يُقضى عليه يومَ القيامةِ رجل استُشهِدَ، فأُتيَ به، فعرَّفه الحديث: 1332 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 نِعَمَهُ، فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى اسْتُشهدتُ. قال: كذبتَ، ولكن قاتلتَ لأن يقال: هو جريءٌ، فقد قيلَ، ثم أُمرَ به فسحِبَ على وجهه حتى أُلقيَ في النارِ. . ." الحديث. رواه مسلم، واللفظ له، والترمذي، وابن خزيمة في "صحيحه". [صحيح] وعند الترمذي قال: حدثني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن الله تباركَ وتعالى إذا كانَ يومُ القيامةِ يَنزل إلى العباد ليقضيَ بينَهم، وكلُّ أمةٍ جاثية، فأولُ من يدعو به رجل جمعَ القرآنَ، ورجلٌ قُتِلَ في سبيلِ اللهِ، ورجُل كثيرُ المالِ. . . " فذكر الحديث، إلى أن قال: "ويؤتى بالذي قُتِلَ في سبيلِ الله، فيقولُ اللهُ له: فيما ذا قُتلتَ؟ فيقولُ: أيْ ربِّ! أُمِرتُ بالجهادِ في سبيَلِكَ، فقاتلتُ حتى قُتلتُ، فيقول الله له: كذبتَ، وتقولُ له الملائكةُ: كذبتَ، ويقولُ الله له: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ جريءٌ، فقد قيلَ ذلكَ". [صحيح] ثم ضربَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ركبتي فقال: "يا أبا هريرةَ! أولئكَ الثلاثةُ أولُ خلقِ اللهِ تُسعرُ بهم النارُ يومَ القيامةِ". وتقدم بتمامه في الرياء. [ج1 برقم 22]. (جريء) هو بفتح الجيم وكسر الراء وبالمد: أي شجاع. 1336 - (9) [صحيح] وعن شداد بن الهاد رضي الله عنه (1): أنّ رجلاً من الأعرابِ جاءَ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فآمن به واتَّبعَه، ثم قال: أهاجرُ معك. فأوصى به النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعضَ أصحابِه، فلما كانت غزاةٌ، غنم   (1) قلت: هذا الترضي في محله لأن شداداً هذا صحابي معروف، ومن قال: إنه تابعي، فقد وهم، وكأنه اختلط عليه بابنه عبد الله، فإنه التابعي. انظر "أحكام الجنائز" (ص 81 - طبعة المعارف). الحديث: 1336 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[شيئاً] فقسمَ، وقسمَ له، فأعطى أصحابَه ما قسمَ له، وكان يرعى ظَهرَهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قَسمٌ قسمَه لك النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فأخذَه فجاء به إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فقال: ما هذا؟ قال: "قسمتُه لك"، قال: ما على هذا اتَّبعتُك، ولكن اتبعتُك على أن أُرمى إلى ههنا -وأشارَ إلى حلقِهِ- بسهم فأموتَ، فأَدخلَ الجنةَ. فقال: "إنْ تَصدُق الله يَصدُقُك". فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتالِ العدو، فأُتي به إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحملُ، قد أصابَه سهم حيث أشار. فقالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أهو هو؟ ". قال: نعم. قال: "صَدَقَ الله فَصَدَقَهُ". ثم كفنه النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جبَّتِهِ التي عليه، ثم قدَّمه فصلى عليه، وكان مما ظهر من صلاتِهِ: "اللهمَّ! هذا عبدُك خرجَ مهاجراً في سبيلِكَ، فقُتِلَ شهيداً، أَنا شهيدٌ على ذلك". رواه النسائي. 1337 - (10) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من غازيةٍ أو سَرِيَّةٍ تغزو في سبيلِ الله فَيَسْلَمون ويصيبون (1)؛ إلا [كانوا قد] تعجَّلوا ثُلُثَيْ أَجرِهم، وما من غازيةٍ أو سرِية تُخفِق وتصابُ؛ إلا تمَّ أجرُهم".   (1) كذا الأصل وغيره، والذي في مسلم (6/ 48): ". . تغزوا فتغنم وتسلم"، والزيادة منه، والمصنف كأنه رواه بالمعنى، وكان في الأصل زيادة: "وتخوف"، فحذفتها؛ لأنها ليست في مسلم. الحديث: 1337 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 وفي رواية: "ما من غازيةٍ أو سرِيةٍ تغزو في سبيلِ الله، فيصيبونَ الغنيمةَ؛ إلا تعجّلوا ثلثي أجرِهم من الآخرةِ، ويبقى لهم الثلثُ، وإن لم يصيبوا غنيمةً؛ تم لهم أجرُهم". رواه مسلم. وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه الثانية. يقال: (أخفق الغازي) إذا غزا ولم يغنم، أو لم يظفر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 11 - (الترهيب من الفرار من الزحف). 1338 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اجتنبوا السبعَ الموِبقاتِ". قالوا: يا رسولَ الله! وما هن؟ قال: "الشركُ باللهِ، والسحرُ، وقتلُ النفسِ التي حرمَ اللهُ إلا بالحقِّ، وأكلُ الربا، وأَكلُ مالِ اليتيمِ، والتولِّي يومَ الزحفِ، وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمناتِ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. [حسن لغيره] والبزار ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الكبائرُ سبعٌ: أوَّلُهن الإشراكُ باللهِ، وقتلُ النفسِ بغيرِ حقِّها، وأكلُ الربا، وأكلُ مالِ اليتيمِ، وفرارٌ يومَ الزحفِ، وقذفُ المحصناتِ، والانتقالُ إلى الأعرابِ بعد هجرتِه". 1339 - (2) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من لقيَ اللهَ عزّ وجل لا يشركُ به شيئاً، وأَدى زكاةَ مالِهِ طيبةً بها نفسُه محتسباً، وسمعَ وأطاعَ؛ فلَه الجنةَ، -أو دخَلَ الجنةَ-. وخمسٌ ليسَ لهنَّ كفارةٌ: الشركُ باللهِ، وقتلُ النفسِ بغيرِ حقٍّ، وبَهتُ مؤمنٍ، والفرارُ من الزحفِ، ويمينٌ صابرةٌ يقتطعُ بها مالاً بغير حق" (1).   (1) يعني -والله أعلم- أن هذه الخمس من الكبائر التي ليس لها كفارة من عمل صالح تمحوها، مثل الإطعام والصيام في كفارة اليمين مثلاً، بخلاف اليمين الغموس فإنه لا كفارة لها على الأرجح من قولَي العلماء، وذلك لا ينافي أن التوبة النصوح تكفر ذلك كله، قال ابن الأثير: "الكفارة: عبارة عن الفعلة والخصلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة. أي تسترها وتمحوها". الحديث: 1338 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 رواه أحمد، وفيه بقية بن الوليد (1). 1340 - (3) [حسن] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: صعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المنبرَ فقال: "لا أقسمُ، لا أقسمُ"، ثم نزل فقال: "أبشرو، أبشروا! من صلى الصلوات الخمسَ، واجتنبَ الكبائر؛ دخل من أي أبواب الجنة شاء". -قال المطلب: سمعت رجلاً يسأل عبد الله بن عمرو: أسمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يذكّرُهن؟ قال: نعم-: "عقُوق الوالدين، والشركُ باللهِ، وقتلُ النفس، وقذفُ المحصنات، وأكلُ مال اليتيم، والفرارُ من الزحفِ، وأكل الربا". رواه الطبراني، وفي إسناده مسلم بن الوليد بن رباح (2)، لا يحضرني فيه جرح ولا عدالة (3). 1341 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده: أن رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتَبَ إلى أهلِ اليمنِ بكتابٍ فيه الفرائضُ، والسننُ، والدياتُ، فذكر فيه: "وإن أكبَرَ الكبائرِ عندَ الله يومَ القيامة: الإشراكُ باللهِ، وقتلُ النفسِ المؤمنةِ بغيرِ الحقِّ، والفرارُ في سبيلِ الله يومَ الزحفِ، وعقوقُ الوالدين، ورميُ المحصنةِ، وتعلّمُ السحرِ، وأكلُ الربا، وأكلُ مالِ اليتيم" الحديث. رواه ابن حبان في "صحيحه".   (1) قلت: لكن صرح بالتحديث عند ابن أبي عاصم في "الجهاد" (98/ 1)، وهو مخرج في "الإرواء" (1202)، وخفي هذا التحديث على المعلقين الثلاثة -ولا غرابة- فضعفوا الحديث لعنعنة بقية في رواية أحمد. وسرق بعض المعلقين هذا المصدر العزيز ولم يفهم أن الرقم الأول من المخطوط (98) هو رقم الورقة، والرقم الآخر (1) رقم الوجه، فقلبهما وجعله هكذا (1/ 98)! أذكر هذا وأمثاله للعبرة. والله المستعان. (2) الأصل: (العباس)، والتصويب من "الطبراني"، وغفل عنه الثلاثة كالعادة! (3) قلت: فاته -كالهيثمي (1/ 104) - أنه وثقه ابن حبان (7/ 446)، ولذا خرجته في "الصحيحة" (3451). الحديث: 1340 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 12 - (الترغيب في الغزاة في البحر، وأنها أفضل من عشر غزوات في البر). 1342 - (1) [صحيح] عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يدخل على أُمِّ حَرامٍ بنتِ مِلحان، فتُطْعِمُهُ، وكانت أُمُّ حَرامٍ تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأطعمته، ثم جلست تفلي رأَسه (1)، فنام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم استيقظ وهو يضحك. قالت: فقلت: يا رسول الله! ما يُضحِكُك؟ قال: "ناس من أمتي عُرضوا عليَّ غزاةً في سبيل الله، يركبون ثَبَجَ هذا البحر، ملوكاً على الأسِرَّةِ، أو مِثلَ الملوك على الأسِرَّة". قالت: فقلت: يا رسول الله! ادعُ الله أن يجعلني منهم. فدعا لها، ثم وضع رأسَه فنامَ. ثم استيقظَ وهو يضحكُ. قالت: فقلت: ما يضحكُكَ يا رسول الله؟! قال: "ناس من أمتي غرضوا عليَّ غزاةً في سبيل اللهِ -كما قال في الأولى-". قالت: فقلت: يا رسول الله! ادعُ الله أن يجعلني منهم. قال: "أنت من الأولين". فركبت أمُّ حَرامٍ بنتُ مِلحان البحرَ في زمن معاوية، فَصُرِعَتْ عن دابتها حين خرجت من البحَر فهلكت. رضي الله عنها. رواه البخاري، ومسلم، واللفظ له. (2)   (1) لأنها كانت ذات محرم منه عليه الصلاة والسلام؛ كما قال ابن عبد البر. (2) وكذا هو عند البخاري. قاله الناجي. الحديث: 1342 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 (قال المملي) رضي الله عنه: "كان معاوية قد أغزى عبادة بن الصامت (قبرس) (1)، فركب البحر غازياً، وركبت معه زوجته أمُّ حَرامٍ". (ثبج البحر) هو بفتح الثاء المثلثة والباء الموحدة بعدهما جيم: معناه وسط البحر ومعظمه. 1343 - (2) [حسن] وعن أم حرام رضي الله عنها؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "المائدُ في البحرِ الذي يصيبُه القيءُ له أَجرُ شهيدٍ، والغريقُ له أَجرُ شهيدٍ". رواه أبو داود.   (1) بضم أوله وسكون ثانيه ثم ضم الراء وسين مهملة. قال ياقوت: "كلمة رومية وافقت من العربية (القبرس): النحاس الجيد". وهي جزيرة معروفة في شرقي البحر المتوسط بين تركيا وسورية. ويلفظونها اليوم: (قبرص) بالصاد. الحديث: 1343 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 13 - (الترهيب من الغلول والتشديد فيه، وما جاء فيمن ستر على غالّ). 1344 - (1) [صحيح] عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: "كان على ثَقَلِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ يقالُ له: (كَرْكِرَة) فماتَ، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هو في النارِ". فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءةً قد غَلَّها. رواه البخاري، وقال: "قال ابن سلام: (كَركَرة) يعني بفتحهما". (الثقل) محركاً: هو الغنيمة (1). (وكركرة) ضبط بفتح الكافين، وبكسرهما، وهو أشهر. و (الغلول) هو ما يأخذه أحد الغزاة من الغنيمة مختصاً به، ولا يحضره إلى أمير الجيش ليقسمه بين الغزاة، سواء قل أو كثر، وسواء كان الآخذ أميرَ الجيش أو أحدهم. واختلف العلماء في الطعام والعلوفة ونحوهما اختلافاً كثيراً، ليس هذا موضع ذكره. 1345 - (2) [صحيح] وعن عبد الله بن شقيق: أنه أخبرَه من سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بـ (وادي القرى) (2)، وجاء رجلٌ فقال: استشهدَ مولاك، أو قال: غلامك فلان. قال:   (1) هذا التفسير خطأ واضح، بل عده الناجي (140/ 1) من طامات الكتاب! قال: "إنما هو كما قاله صواباً في "الحج" من حاشية "مختصره لمسلم": "الثقل: متاع السفر، والثقل: ضد الخفة". وغفل عن هذا الخطأ المعلقون الثلاثة! فأقروهٍ! (2) واد بين (تيماء) و (خيبر)، ويأتي قريباً سبب تسميته بذلك. الحديث: 1344 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 "بل يُجرُّ إلى النارِ في عباءة غَلَّها". رواه أحمد بإسناد صحيح. (1) 1346 - (3) [صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني عمر قال: لما كانَ يومُ خيبرَ أقبلَ نَفَرٌ من أصحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: فلانٌ شهيدٌ، وفلانٌ شهيدٌ، وفلانٌ شهيدٌ، حتى مروا على رجلٍ فقالوا: فلانٌ شهيد. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلا، إِني رأيتُه في النارِ في بُردةٍ غَلَّها، أو في عباءةٍ غَلَّها". ثم قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا ابن الخطابِ! اذهب فنادِ في الناس: إنه لا يدخلُ الجنةَ إلا المؤمنون". رواه مسلم والترمذي وغيرهما. 1347 - (4) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قامَ فينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذاتَ يومٍ، فذكرَ الغُلُولَ فعظَّمَهُ، وعَظَّمَ أمرَهُ حتى قال: "لا أُلفِيَنَّ أَحدَكم يجيءُ يومَ القيامةِ على رقبتِه بعيرٌ له رُغاءٌ، فيقولُ: يا رسولَ الله! أغِثني، فأقول: لا أَملكُ لك شيئاً، قد أبلغتُكَ. لا أُلفِيَنَّ أحدَكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرسٌ له حَمحَمةٌ، فيقول: يا رسولَ الله! أغثني: فأقولُ: لا أملِك لك شيئاً، قد أبلغتُك.   (1) قلت: وهو كما قال، فإن جهالة الصحابي لا تضر، كما هو في (المصطلح) مقرر، وهو في "المسند" (5/ 32 - 33 و75) من طريق عبد الرزاق، وهذا رواه في "المصنف" (5/ 242 - 243)، وسائر رجاله ثقات رجال مسلم. الحديث: 1346 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 لا أُلفِيَنَّ أَحَدَكم يجيءُ يومَ القيامةِ على رقبتِه شاةٌ لها ثُغاءٌ، يقول: يا رسولَ الله! أَغثني. فأَقولُ: لا أَملِكُ لكَ شيئاً، قد أبلغتُك. لا أُلفِيَنَّ أحَدَكُم يجيء يومَ القيامةِ على رقبتِهِ نَفْسٌ لها صِياحٌ، فيقولُ: يا رسولَ الله! أَغثني. فأقولُ: لا أَملِكُ لك شيئاً، قد أَبلغتُك. لا أُلفِيَنَّ أحَدَكُم يجيءُ يومَ القيامةِ على رقبتِه رقاعٌ تخفقُ، فيقولُ: يا رسولَ الله! أغثني .. فأقولُ: لا أملِكُ لكَ شيئاً، قد أَبلغتُك. لا أُلفِيَنَّ أحدَكم يجيءُ يومَ القيامةِ على رقبتِه صامتٌ، فيقولُ: يا رسولَ الله! أَغثني. فأَقولُ: لا أملِكُ لك شيئاً، قد أَبلغتُك". رواه البخاري ومسلم، واللفظ له. (لا أُلفِيَنَّ) بالفاء؛ أي: لا أجدَنَّ. و (الرُّغاء) بضم الراء وبالغين المعجمة والمد: هو صوت الإبل وذوات الخف. و (الحمحمة) بحاءين مهملتين مفتوحتين: هو صوت الفرس. و (الثغاء) بضم المثلثة وبالغين المعجمة والمد: هو صوت الغنم. و (الرِّقاع) بكسر الراء: جمع رقعة، وهي ما تكتب فيه الحقوق. و (تخفق) أي: تتحرك وتضطرب. 1348 - (5) [حسن] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: كانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أصابَ غنيمةً أمرَ بلالاً فنادى في الناس، فيجيئون بغنائمهم، فيُخْمِسُهُ ويقسمُه. فجاءَ رجلٌ يوماً بعد النداءِ بزمامٍ من شعرٍ، فقالَ: يا رسول الله! هذا كان فيما أصبناهُ من الغنيمةِ، فقال: "أَسمعتَ بلالاً ينادي ثلاثاً؟ ". قالَ: نعم. قال: الحديث: 1348 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 "فما منعك أن تجيءَ به؟ " فاعتذر إليه، فقال: "كنْ أنتَ تجيءُ به يومَ القيامةِ، فلن أقبلَه عنك". رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه". 1349 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى خيبَر، ففتحَ الله علينا، فلم نغنم ذهباً ولا وَرِقاً، غنمنا المتاعَ والطعامَ والثيابَ، ثم انطلقنا إلى الوادي (يعني وادي القرى) (1) ومعَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبدٌ (2) له وَهَبَهُ له رجلٌ من بني جُذامٍ، يدعى رِفاعةَ بنَ زيد (3) من بني الضُّبَيْبِ، فلما نزلنا الواديَ قامِ عبدُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحُلُّ رَحله، فَرُميَ بسهمٍ، فكان فيه حَتفُه، فقلنا: هنيئاً له الشهادة يا رسول الله! قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلا والذي نفسُ محمدٍ بيدِه، إن الشملة لَتَلْتَهبُ عليه ناراً، أخذَها من الغنائم؛ لم تصبْها المقاسمُ" (4). قال: ففزِعَ الناسُ، فجاءَ رجل بِشِراكٍ (5) أو شِراكَين؛ فقال: أصبت يومَ   (1) ما بين الهلالين ثابت في المخطوطة، ولم يُذكر في رواية مسلم والسياق له، فهو من المؤلف على سبيل التفسير والبيان، وهو مطابق لرواية البخاري وغيره. وهو وادٍ بين (تيماء) و (خيبر) فيه قرى كثيرة، وبها سمي وادي القرى، يمر بها حاج الشام، وهي كانت قديماً منازل ثمود وعاد، وبها أهلكهم الله. كما في "معجم البلدان". (2) في البخاري وغيره أن اسمه (مِدْعَم). (3) الأصل وطبعة عمارة: "يزيد"، وهو خطأ تتابع عليه النساخ مخالف لما في "مسلم" (1/ 75)، والسياق له، ولذلك قال الحافظ الناجي (14/ 2): "كذا في النسخ، والصواب بلا خلاف زيد بن وهب الجذامي، وليس في الصحابة المسمين برفاعة من أبوه يزيد". كذا في "العجالة" (140/ 2). وغفل عن هذا الخطأ المعلقون الثلاثة! (4) أي: أخذها قبل قسمة الغنائم، فكان غلولاً. (5) بكسر الشين المعجمة وتخفيف الراء: هو سير النعل الذي يكون على وجهه. والله أعلم. الحديث: 1349 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 خيبرَ. فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "شراكٌ من نارٍ، أو شراكان من نارٍ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. (الشملة): كساء أصفر من القطيفة يتَّشح بها. 1350 - (7) [حسن لغيره] وعن أبي رافع رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلى العصرَ ذهبَ إلى بني عبد الأشهل فيتحدثُ عندَهُم حتى ينحدرَ للمغربِ، قال أبو رافع: فبينما النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسرع إلى المغرب مررنا بالبقيع، فقال: "أفٍّ لك، أفٍّ لك، أفٍّ لك". قال: فكبُر ذلك في ذَرْعي، فاستأخرتُ، وظننتُ أنه يُريدني، فقال "ما لك؟ امشِ". قلت: أَحَدَثَ حدثٌ؟ فقال: "ما ذاك؟ ". قلت: أفّفْتَ بي. قال: "لا، ولكن هذا فلان بعثتهُ ساعياً على بني فلان، فَغَلَّ نَمِرةً، فَدُرِعَ مثلَها من نار". رواه النسائي، وابن خزيمة في "صحيحه". (البقيع) بالباء الموحدة: مواضع بالمدينة؛ منها: (بقيع الخيل)، و (بقيع الخَبْجَبَة) (1) بفتح الخاء المعجمة والجيم، و (بقيع الفرقد)، وهو المراد هنا، كذا جاء مفسراً في رواية البزار.   (1) الأصل: (الخنجمة) بالخاء المعجمة ثم نون وجيم وميم، وفي طبعة عمارة: (الخنجهة)! والتصويب من "العجالة" و"معجم البلدان"؛ إلا أنه قال: "والرواة على أنه بجيمين". فالله أعلم. الحديث: 1350 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 وقوله: "كبر في ذَرْعي" هو بالذال المعجمة المفتوحة بعدها راء ساكنة؛ أي: عظم عندي موقعه. و (النَّمِرة) بفتح النون وكسر الميم: بردة من صوف تلبسها الأعراب. وقوله: (فدرع) بالدال المهملة المضمومة، أي: جُعل له درع مثلها من نار. 1351 - (8) [صحيح] وعن ثوبان رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من جاءَ يومَ القيامةِ بريئاً من ثلاثٍ دخلَ الجنةَ: الكِبْرِ، والغلولِ، والدَّيْنِ". رواه الترمذي والنسائي (1)، وابن حبان في "صحيحه" واللفظ له، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما".   (1) لعله في "الكبرى" للنسائي، فإني لم أره في "الصغرى" له، ولا عزاه إليه النابلسي في "الذخائر"؛ وكذا لم يعزه إليه المصنف في "البيوع"، بل عزاه هناك إلى ابن ماجه بدل النسائي. ثم طبع كتاب "السنن الكبرى" للنسائي، فرأيته في "السير" منه (5/ 232/ 8763). الحديث: 1351 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 14 - (الترغيب في الشهادة، وما جاء في فضل الشهداء). 1352 - (1) [صحيح] عن أنس رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما أحدٌ يدخلُ الجنةَ يحب أن يرجعَ إلى الدنيا وإنَّ لَهُ ما على الأرض من شيءٍ إلا الشهيدَ؛ فإنه يتمنى أن يرجعَ إلى الدنيا فيقتلَ عشرَ مراتٍ؛ لما يَرى من الكرامةِ -وفي رواية: لما يرى من فضلِ الشهادةِ-". رواه البخاري ومسلم والترمذي. 1353 - (2) [صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يؤتى بالرجلِ من أهلِ الجنةِ فيقولُ اللهُ له: يا ابنَ آدمَ! كيف وجدتَ منزلَك؟ فيقولُ: أَيْ ربِّ! خيرَ منزلٍ. فيقولُ: سل وتمنَّهْ. فيقولُ: وما أسأَلُك وأتمنى؟ أَسألُك أنْ تردني إلى الدنيا فَأُقتلَ في سبيلِكَ عشرَ مراتٍ؛ لما يرى من فضلِ الشهادةِ". رواه النسائي، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 1354 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "والذي نفس محمد بيده! لَوَدِدْتُ أن أغزوَ في سبيلِ الله فأقتلَ، ثم أَغزوَ فأُقتلَ، ثم أَغزوَ فأُقتَلَ". رواه البخاري ومسلم في حديث تقدم [6 - باب/ 6 - حديث]. 1355 - (4) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: الحديث: 1352 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 "يُغفر للشهيد كلُّ ذنبٍ إلا الدَّين". رواه مسلم. 1356 - (5) [صحيح] وعن أبي قتادة رضي الله عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قامَ فيهم، فذكر أن الجهادَ في سبيلِ الله والإيمانَ باللهِ أفضلُ الأعمالِ. فقام رجل فقال: يا رسول الله! أرأيت إن قُتِلتُ في سبيلِ اللهِ تُكَفِّرُ عني خطاياي؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نعم، إن قتلتَ في سبيل الله وأنت صابرٌ محتسبٌ، مقبلٌ غيرُ مُدبِر". ثم قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كيف قلت؟ ". قال: أرأيت إن قتلت في سبيلِ الله. أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نعم، إن قُتِلتَ وأنت صابرٌ محتسبٌ، مقبلٌ غيرُ مدبرٍ، إلا الدَّيْن؛ فإن جبرائيل قال لي ذلك". رواه مسلم وغيره. 1357 - (6) [صحيح] وعن ابن أبي عميرة؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من نفسٍ مسلمةٍ يَقبِضها ربُّها تحب أن ترجعَ إليكم، وإن لها الدنيا وما فيها؛ غير الشهيد". قال ابن أبي عميرة: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لأن أُقتلَ في سبيل الله؛ أحبُّ إليَّ من أن يكون لي أهل الوبر والمدَرَ". رواه أحمد بإسناد حسن، والنسائي، واللفظ له. (1)   (1) قلت: وسمى أحمدُ (4/ 216) ابنَ أبي عميرة (عبد الرحمن)، وصرح بقية عنده بالتحديث، وكذلك ابن أبي عاصم في "الجهاد" (ق90/ 1). الحديث: 1356 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 (أهل الوبر): هم الذين لا يأوون إلى جدار من الأعراب وغيرهم. و (أهل المدر): أهل القرى والأمصار، و (المدَر) محركاً: هو الطين الصلب المستحجر. 1358 - (7) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال (بدر)، فقال: يا رسول الله! غِبْثُ عن أولِ قِتال قاتلتَ المشركين، لَئِن الله أشهدني قتالَ المشركين لَيَريَنَّ اللهُ ما أصنع. فلما كان يومُ (أحد)، وانكشف المسلمون، فقال لهم: "اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني أصحابه- وأبرأُ إليك مما صنع هؤلاء -يعني المشركين-"، ثم تقدم، فاستقبله سعد بن معاذ رضي الله عنه، فقال: يا سعد بن معاذ! الجنةَ وربِّ النضر، إني أجد ريحها دون (أحد). قال سعد: فما استطعت يا رسول الله! ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بِضعاً وثمانين ضربةً بالسيف، أو طعنةً برمح، أو رميةً بسهم، ووجدناه قد قتل، وقد مَثَّلَ به المشركون، فما عرفه أحد إلا أختُه ببنانه. فقال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهِهِ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} إلى آخر الآية. رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم والنسائي. (البضع) بفتح الباء، وكسرها أفصح، وهو ما بين الثلاث إلى التسع. وقيل: ما بين الواحد إلى أربعة. وقيام: من أربعة إلى تسعة. وقيل: هو سبعة. 1359 - (8) [صحيح] وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رأيتُ الليلةَ رجلين أتياني فصعدا بي الشجرةَ، فأدخلاني داراً هي الحديث: 1358 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 أحسن وأفضل، لم أر قط أحسنَ منها، قالا لي: أمّا هذه فدار الشهداء". رواه البخاري في حديث طويل تقدم (1). 1360 - (9) [صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جيء بأَبي إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد مُثّل به، فَوُضع بين يديه، فذهبت أكشف عن وجهه، فنهاني قومي، فسمع صوتَ صارخةٍ. فقيل: ابنةً عمرو، أو أخت عمرو. فقال: "لمَ تبكي؟ -أو فلا تبكي-، ما زالت الملائكة تُظِلُّه بأَجنحتها". رواه البخاري ومسلم. 1361 - (10) [حسن صحيح] وعنه قال: لما قتل عبد الله بن عمرو بن حَرامٍ يوم أحد قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا جابر! ألا أخبرك ما قال الله لأبيك؟ ". قلت: بلى. قال: "ما كلَّم الله أحداً إلا (2) من وراء حجاب، وكلَّم أباك كِفاحاً، (3) فقال: يا عبد الله! تَمَنَّ عليَّ أُعطك. قال: يا رب! تُحْيِيني فأُقتل فيك ثانية. قال: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال: يا رب! فأبلغ مَنْ ورائي. فأَنزل الله هذه   (1) قلت: قال الناجي (141/ 1): "أي في ترك الصلاة". وقد وهم هو والمؤلف رحمهما الله، وقلدهم المعلقون الثلاثة! فإن الحديث الذي ساقه المؤلف بطوله هناك (قبيل 6 - النوافل) ليس فيه ما ذكره هنا، وإنما هذا عند البخاري في رواية أخرى له أخرجها في "الجهاد" (2791) هكذا مختصراً، وفي "الجنائز" (1386) في الحديث الطويل، وليس فيه: "لم أرقط أحسن منها". (2) أي: من الشهداء مطلقاً أو شهداء أحد. (3) بكسر الكاف؛ أي: مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول. والله أعلم. الحديث: 1360 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 الآية: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} الآية كلها". رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه بإسناد حسن أيضاً، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1362 - (11) [صحيح لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رأيت جعفرَ بن أبي طالب مَلَكاً يطير في الجنةِ ذا جناحين، يطير منها حيث شاء، مضرجة قوادمه (1) بالدماء". رواه الطبراني بإسنادين أحدهما حسن. (2) (قال الحافظ:) "كان جعفر رضي الله عنه قد ذهبت يداه في سبيل الله يوم (مؤتة) فأبدله الله بهما جناحين، فمن أجل ذا سمي (جعفر الطيار) ". 1363 - (12) [صحيح] وعن ابن عمر؛ أنه كان في غزوة (مؤتة) قال: فالتمسنا جعفر بن أبي طالب، فوجدناه في القتلى، فوجدنا بما أقبل من جسده بضعاً وتسعين، بين ضربةٍ، ورميةٍ، وطعنةٍ. وفي رواية: فعددنا به خمسين طعنةً وضربةً، ليس منها شيء في دبره. رواه البخاري. 1364 - (13) [صحيح] وعن أنس قال: بعث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زيداً وجعفراً وعبد الله بن رواحة، ودفع الراية إلى   (1) قال الناجي (141/ 1): "قوادم الطائر: مقاديم ريشه، وهي عشر في كل جناح، الواحدة: قادمة". ووقع فيه: "مقصوصة" مكان "مضرجة"، وهذا هو المطابق لمخطوطة "الطبراني". (2) وكذا قال الهيثمي، وهو من تساهلهما، وقلدهما الثلاثة، وإنما صححت الحديث لشواهده المخرجة في "الصحيحة" (1226) من حديث أبي هريرة وعلي وأبي عامر وغيرهم. الحديث: 1362 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 زيد، فأُصيبوا جميعاً. قال أنس: فنعاهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل أن يجيء الخبرُ، فقال: "أخذَ الرايةَ زيدٌ فأُصيبَ، ثم أخذها جعفرٌ فأُصيبَ، ثم أخذها عبدُ الله ابن رواحة فأُصيبَ، ثم أخذ الرايةَ سيفٌ من سيوف الله: خالد بن الوليد". قال: فجعل يحدثُ الناسَ وعيناه تذرفان. وفي رواية قال: "وما يسرُّهم أنهم عندنا". رواه البخاري وغيره. 1365 - (14) [صحيح] وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله! أي الجهاد أفضل؟ قال: "أن يُعقَر جوادُك، وَيهراقَ دَمُك". (1) رواه ابن حبان في "صحيحه". 1366 - (15) [صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه من حديث عمرو بن عبسة قال: أتيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: فذكره. 1367 - (16) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما يجدُ الشهيدُ من مسِّ القتل، إلا كما يجد أحدكم من مسِّ القرصة" (2).   (1) معناه: جاهد في سبيل الله حتى أفنى نفسه وماله. و (الجواد): الفرس الجيد، سمي بذلك لأنه يجود بجريه، والأنثى جواد أيضاً. وتقدم نحو هذا الحديث في حديث (عبد الله بن حبشي/ 9 - باب/ 24 حديث). (2) أي: يهون الله تبارك وتعالى عليه ذلك حتى لا يجد له ألماً إلا كألم القرصة. والله أعلم. الحديث: 1365 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". 1368 - (17) [صحيح] وعن كعب بن مالك رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن أرواح الشهداء في أَجوافِ طيرٍ خضرٍ تَعلُق من ثمر الجنة، أو شجر الجنة". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". (تعلق) بفتح المثناة فوق وعين مهملة وضم اللام؛ أي: ترعى من أعالي شجر الجنة. 1369 - (18) [صحيح لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته". رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه". 1370 - (19) [حسن] وعن عتبة بن عبدٍ السلمي رضي الله عنه -وكان من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "القتلى ثلاثة: رجل مؤمنٌ جاهدَ بنفسِه ومالهِ في سبيل الله؛ حتى إذا لقِيَ العدوَّ قاتلهم حتى يقتل. فذلك الشهيدُ الممتحَنُ (1) في جنة الله تحت عرشه، لا يفضلُه النبيون إلا بفضل درجة النبوة. ورجل فرِقَ على نفسه من الذنوب والخطايا، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدوَّ قاتل حتى يقتل، فتلك مُمَصْمِصَة محتْ   (1) أي: المصفى المهذب، كما يأتي عن الناجي، وكذا في "النهاية" وقال: "محنت الفضة: إذا صفيتها وخلصتها من النار". الحديث: 1368 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 ذنوبه وخطاياه، إنّ السيفَ محّاءٌ للخطايا، وأُدخِلَ من أي أبواب الجنة شاء؛ فإن لها ثمانية أبواب، ولجهنمَ سبعةُ أبوابٍ، وبعضها أفضل من بعض. ورجل منافقٌ جاهد بنفسه وماله، حتى إذا لقي العدوَّ قاتل في سبيل الله عز وجل (1) حتى يقتل، فذلك في النار؛ إن السيفَ لا يمحو النفاق". رواه أحمد بإسناد جيد، والطبراني وابن حبان في "صحيحه" -واللفظ له-، والبيهقي. (2) (الممتحَن) بفتح الحاء المهملة: هو المشروح صدره (3)، ومنه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}؛ أي: شرحها ووسعها. وفي رواية لأحمد: "فذلك [الشهيد] (4) المفتخر في خيمة الله تحت عرشه". ولعله تصحيف. و (فِرَق) بكسر الراء؛ أي: خاف وجزع. و (المُمَصْمِصَة) بضم الميم الأولى، وفتح الثانية، وكسر الثالثة، وبصادين مهملتين: هي الممحَّصة المكفرة.   (1) أي: فيما يبدو للناس، والحقيقة أنه إنما يقاتل نفافاً كما يدل عليه قوله: "إن السيف لا يمحو النفاق"، أي النفاق القلبي الذي هو إظهار الإسلام، وإبطان الكفر، ولذلك كان مثله {فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}. أعاذنا الله منه. (2) قلت: في "السنن الكبرى" له (9/ 164). (3) قال الناجي (141/ 1): "هذا غريب، إنما فسره شمر اللغوي بـ (المصفى المهذب)، وبذلك فسر الآية أيضاً أبو عبيدة كما نقله عنهما صاحب "الغريبين". وعبارة غيره في الآية: اختبرها وأخلصها. وأما "شرحها ووسعها" فقالها القرطبي في جملة الأقوال. وقال: إن الامتحان افتعال من (محنت الأديم محناً) حتى أوسعته. ولم يعز ذلك إلى أحد، بل لم أره لغيره. فالله أعلم". (4) زيادة من "المسند" (4/ 185)، وليس عنده الرواية الأولى، فلعل الصواب: "وفي رواية أحمد". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 1371 - (20) [صحيح] وعن نعيم بن هَمّار رضي الله عنه: أن رجلاً سأل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيُّ الشهداء أفضلُ؟ قال: "الذين إن يُلْقَوْا في الصف لا يَلفِتون وجوههم حتى يُقتلوا، أولئك ينطلقون في الغرف العلا من الجنة، ويضحك إليهم ربهم، وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حسابَ عليه". رواه أحمد وأبو يعلى، ورواتهما ثقات. 1372 - (21) [حسن صحيح] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَفضلُ الجهادِ عندَ الله يومَ القيامةِ الذين يلتقون (1) في الصف الأول فلا يَلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك يَتَلَبَّطُون في الغرف من الجنة، يضحك إليهم ربك، وإذا ضحك ربك إلى قوم فلا حساب عليهم". رواه الطبراني بإسناد حسن. (يتلبّطون) معناه هنا: يضطجعون. والله أعلم. 1373 - (22) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أول ثلة (2) يدخلون الجنة: الفقراءُ المهاجرون الذين تُتَّقى بهم المكاره، إذا أُمروا سمعوا وأَطاعوا، وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تُقضَ له حتى يموت وهي في صدره، وإن الله عز وجل ليدعو يومَ القيامة الجنةَ،   (1) الأصل: (يلقون)، والتصويب من "المعجم الأوسط" (5/ 80/ 4143) وغيره. (2) الأصل: (ثلاثة)، والتصويب من "المسند" و"المستدرك". انظر "الصحيحة" (2559) وغفل عن هذا كله الغافلون الثلاثة كعادتهم. وكان في الأصل (يدخل)، وهو خطأ من الناسخ صححته من "ترغيب الأصبهاني" (رقم 810). و (الثُّلة): الجماعة الكثيرة من الناس، قال تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ}. الحديث: 1371 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 فتأتي بزخرفها وزينتها، فيقول: أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي، وقتلوا وأوذوا وجاهدوا في سبيلي؟ ادخلوا الجنة، فيدخلونها بغير حساب، وتأتي الملائكة فيسجدون، فيقولون: ربنا نحن نسبح بحمدك الليلَ والنهارَ، ونقدس لك، مَن هؤلاء الذي آثرتهم علينا؟ فيقول الرب عز وجل: هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي، وأوذوا في سبيلي، فتدخل عليهم الملائكة من كل باب: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} ". رواه الأصبهاني بإسناد حسن، لكن متنه غريب (1). 1374 - (23) [صحيح] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل حديث قبله (2)، ومتنه: قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن للشهيدِ عندَ الله سبعَ (3) خصالٍ: أن يُغفر له في أول دُفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويُحلَّى حُلَّة الإيمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاجُ الوقار؛ الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويُشَفَّع في سبعين إنساناً من أَقاربه". رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد حسن.   (1) قلت: لا وجه لهذا الاستغراب كما بينته في "الصحيحة" (2559). ومع أن هذا الاستغراب لا يستلزم ضعف الحديث كما لا يخفى على العلماء، فقد ضعفه المعلقون الثلاثة خبط عشواء كما هي عادتهم في التضعيف والتصحيح، فلا هم نظروا في السند، ولو نظروا ما استطاعوا الحكم عليه! ولا هم اعتمدوا تحسين المؤلف إياه!! وقد ورد الحديث بنحوه عند أحمد وغيره كما سيأتي (29 - التوبة/ 5 - في الفقر)، وهناك حسنوا الحديث! (2) هذه رواية الطبراني كما في "المجمع"، ولفظ أحمد "ست"، وكذا في الحديث التالي. (3) هذا لفظ أحمد، ويعني به حديث المقدام المذكور هنا بعده، ولذلك فإني كنت أستحب للمنذري أن يؤخر حديث عبادة عنه، انظر "الصحيحة" (3213). الحديث: 1374 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 1375 - (24) [صحيح] وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "للشهيد عند الله ستُّ خصال (1): يُغفر له في أول دُفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار؛ الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين من الحور العين، ويُشَفَّع في سبعين من أقاربه". رواه ابن ماجه، والترمذي وقال: "حديث صحيح غريب". (الدُّفعة) بضم الدال المهملة وسكون الفاء: هي الدفعة من الدم وغيره. 1376 - (25) [حسن] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليسَ شيءٌ أَحبَّ إلى الله من قطرتين وأثرين؛ قطرةُ دموع من خشية الله، وقطرة دم تُهراق في سبيل الله. وأما الأثران؛ فأَثر في سبيل الله، وأثر في فريضةٍ من فرائض الله". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب" [مضى 9 - باب/ 31 - حديث]. 1377 - (26) [صحيح] وعن مجاهد عن يزيد بن شجرة -وكان يزيد بن شجرة ممن يصدق قوله فعله-[قال:] خطبنا فقال:   (1) قلت: كذا الأصل، والذي في الحديث "سبع". إلا أن يجعل الإجارة والأمن من الفزع واحدة، وقوله: "في أول دفعة" بضم الدال كما قال المؤلف رحمه الله تعالى، قال الدميري: ضبطناه من "جامع الترمذي" بضم الدال، وكذلك قال أهل اللغة: (الدُّفعة) بالضم: ما دفع من إناء أو سقاء فانصب بمرة وكذلك الدفعة من المطر وغيره، مثل الدفقة بالقاف. يقال: جاء القوم دُفعة واحدة -بالضم- إذا دخلوا بمرة واحدة. وأما (الدَّفعة) بفتح الدال، فهي المرة الواحدة من الدفع: الإزالة بقوة، فلا يصلح ههنا. وقوله: (يحلى) المضبوط بتشديد اللام، وإضافة الحلة إلى الإيمان بمعنى أنها علامة لإيمان صاحبها، أو بمعنى أنها مسببة عنه. والله أعلم". الحديث: 1375 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 "يا أيها الناس! اذكروا نعمةَ الله عليكم، ما أحسن نعمة الله عليكم، ترى من بين أخضر وأحمر وأصفر، وفي الرحال (1) ما فيها". وكان يقول: "إذا صفَّ الناسُ للصلاةِ، وصَفُّوا للقتال، فُتحتْ أبوابُ السماءِ وأبوابُ الجنةِ، وغُلّقتْ أبوابُ النارِ، وزُيِّن الحورُ العين واطَّلعن، فإذا أقبل الرجل قلن: اللهم انصره، وإذا أَدبر احتجَبْنَ منه وقلن: اللهم اغفر له، فأَنْهَكوا وجوهَ القوم فِدىً لكم أبي وأمي، ولا تُخزوا الحور العين؛ فإن أولَ قطرة تَنضح من دمِه يُكفَّر عنه كل شيء عمله، وتنزل إليه زوجتان من الحور العين يمسحان الترابَ عن وجهه، ويقولان: قد أنى (2) لك، ويقول: قد أنى (3) لكما. ثم يكسى مئةَ حُلةٍ، ليس من نسيج بني آدم، ولكن من نَبت الجنةِ، لو وضِعْنَ بين أصبعين لوسعن". وكان يقول: "نُبّئتُ (4) أن السيوفَ مفاتيحُ الجنةِ". رواه الطبراني من طريقين إحداهما جيدة صحيحة، والبيهقي في "كتاب البعث"؛ إلا أنه قال: "فإن أولَ قطرةٍ تقطُرُ من دمِ أحدِكُم يحطُّ اللهُ منه بها خطاياه كما يحط   (1) وقع في الأصل ومطبوعة عمارة والمخطوطة و"المجمع": (الرجال) بالجيم وكل ذلك خطأ، وإنما هو (الرحال) بالمهملة، وهي الدور والمساكن والمنازل. وقد جاء ذلك صريحاً في رواية عبد بن حميد وغيره بلفظ: "وفي البيوت"، وكذلك هو في رواية البيهقي الآتية التي ذكر المصنف طرفاً منها. (2) الأصل والمخطوطة في الموضعين (أنا) بالألف الممدودة، والصواب بالألف المقصورة: أي آن. يقال: أنى يأني. وقد جاء بلفظ: "آن لك" و"وآن لكما" في رواية عند ابن الأثير في "أسد الغابة"، وهي رواية البزار. (3) الأصل والمخطوطة في الموضعين (أنا) بالألف الممدودة، والصواب بالألف المقصورة: أي آن. يقال: أنى يأني. وقد جاء بلفظ: "آن لك" و"وآن لكما" في رواية عند ابن الأثير في "أسد الغابة"، وهي رواية البزار. (4) قلت: كأنه يعني عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد جاء مرفوعاً من طرق أحدها صحيح، ولم أكن وقفت عليها من قبل، فأوردت الحديث في "ضعيف الجامع"، فيرجى ممن كان عنده "صحيح الجامع" أن ينقله إليه. وقد خرجتها في "الصحيحة" (2672). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 الغصنُ من ورقِ الشجر، وتبتدرُه اثنتان من الحور العين، ويمسحان الترابَ عن وجهه، ويقولان: قد أنى لك. ويقول: قد أنى لكما. فيكسى مائةَ حلةٍ، لو وضعت بين إصبعي هاتين لوسعتاهما، ليست من نسج بني آدم، ولكنها من نباتِ الجنةِ، مكتوبون عند اللهِ بأسمائكم وسماتكم" الحديث. ورواه البزار والطبراني أيضاً عن يزيد بن شجرة مرفوعاً مختصراً، وعن جدارٍ أيضاً مرفوعاً (1)، والصحيح الموقوف، مع أنه قد يقال: إن مثل هذا لا يُقال من قبل الرأي، فسبيل الموقوف فيه سبيل المرفوع، والله أعلم. و (يزيد بن شجرة) بالشين المعجمة والجيم مفتوحتين، قيل: له صحبة، ولا يثبت. والله أعلم. (انهكوا وجوه القوم) هو بكسر الهاء (2) بعد النون؛ أي: أجهدوهم، وأبلغوا جهدهم. و (النَّهَك): المبالغة في كل شيء. 1378 - (27) [حسن] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) قلت: قوله: "وعن جدار" بكسر الجيم، صحابي، ووقع في الأصل (جدان)، وكذلك في الطبعة الجديدة ذات التحقيق الثلاثي!! وكان بإمكانهم أن يستروا جهلهم بالرجوع إلى "عجالة الناجي" -كما يفعلون أحياناً- فقد ضبطه (ق 142/ 2) وأعاده مراراً على الصواب. وقد أوردت المرفوع في "الضعيفة" (3740) لتصريح بعض الضعفاء بصحبة (يزيد بن شجرة)، ورفعه الحديث!! قلت: وفي قوله: "نبئت أن السيوف. . . " ما يشير إلى وقف الحديث، وعدم سماعه إياه. وهذه الجملة قد صحت مرفوعة من حديث أبي موسى الأشعري وهو مخرج في "الصحيحة" (2672). (2) كذا قال، والصواب بفتحها، قال الناجي: "لم يتعرض لهمزته هل هي موصولة أو مقطوعة؟ وهي بلا خلاف همزة وصل تكسر في الابتداء، والهاء فيها مفتوحة في الأمر والنهي والإخبار، من (النهك) الذي فسره هنا، وفي "الطهارة"، وهو ثلاثي، لا من (الإنهاك) الرباعي الذي تكون همزته همزة قطع، وهاؤه مكسورة في الأمر والنهي". ثم استدل له بأقوال أهل اللغة وأطال في ذلك وأفاد، جزاه الله خيراً. وقد كان نبه على مثل هذا الخطأ وقع للمؤلف هناك (4 - الطهارة/ 11)، وقد صححته. الحديث: 1378 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 "الشهداء على بارقِ نهرٍ بباب الجنة في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً". رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 1379 - (28) [حسن] وعن ابن عباس أيضاً رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لما أُصيب إِخوانُكم، جعل اللهُ أرواحَهم في جَوف طيرٍ خُضرٍ، تَرِدُ أَنهارَ الجنةِ، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديلَ من ذهب، معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا: من يبَلِّغ إخواننا عنا أنا أحياءٌ في الجنة نرزق؛ لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا يَنْكُلُوا عن الحرب؟ فقال الله تعالى: أنا أُبلغهم عنكم. قال: فأنزل الله عز وجل: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} إلى آخر الآية". رواه أبو داود، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (ينكلوا) مثلثة الكاف؛ أي: يجبنوا ويتأخروا عن الجهاد. 1380 - (29) [صحيح] وعن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أن رجلاً قال: يا رسول الله! ما بال المؤمنين يُفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: "كفى ببارقةِ السيوفِ على رأسه فتنةً". رواه النسائي. 1381 - (30) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه: أن رجلاً أَسود أتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! إني رجل أسودُ منتِنُ الريح، قبيح الوجه، لا مال لي، فإن أنا قاتلت، هؤلاء حتى أقتلَ، فأين أنا؟ قال: الحديث: 1379 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 "في الجنة". فقاتل حتى قُتل. فأتاه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "قد بيَّض الله وجهك، وطيَّب ريحك، وأكثر مالك". وقال لهذا أو لغيره: "فقد رأيت زوجته من الحور العين نازعته جبة له من صوف، تدخل بينه وبين جبته". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 1382 - (31) [حسن] وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر بخباء أعرابي وهو في أصحابه يريدون الغزو، فرفع الأعرابي ناحية من الخباء فقال: مَنِ القوم؟ فقيل: رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأَصحابه يريدون الغزو. فقال: هل من عرض الدنيا يصيبون؟ قيل له: نعم، يصيبون الغنائم، ثم تقسم بين المسلمين. فعمد إلى بَكر له فاعتقله، وسار معهم، فجعل يدنو ببكره إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجعل أصحابه يذودون بكره عنه. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دعوا ليَ النجديَّ، فوالذي نفسي بيده إنه لمن ملوك الجنة". قال: فلقوا العدوَّ، فاستشهدَ، فأخبر بذلك النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأتاه فقعد عند رأسه مستبشراً -أو قال: مسروراً- يضحك، ثم أعرض عنه. فقلنا: يا رسول الله! رأيناك مستبشراً، تضحك، ثم أعرضت عنه؟ فقال: "أما ما رأيتم من استبشاري -أو قال من سروري-، فَلِما رأَيتُ من كرامة روحِهِ على الله عز وجل. وأما إعراضي عنه؛ فإن زوجته من الحورِ العينِ الآن عند رأسه". رواه البيهقي بإسناد حسن. الحديث: 1382 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 1383 - (32) [حسن] وعن أنس: أن أمَّ الرُّبَيع بنتَ البراء (1)، -وهي أم حارثةَ بن سُراقة (2) - أتت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله! ألا تحدِّثني عن حارثة -وكان قتل يوم بدر [أصابه سهمٌ غَرْبٌ،- فإن كانَ في الجنةِ صبرتُ، وإن كان غير ذلك، اجتهدتُ عليه بالبكاء (3)، فقال: "يا أمَّ حارثة، إنها جنانٌ (4) في الجنةِ، وإن ابنَك أصابَ الفردوسَ الأعلى". رواه البخاري. 1384 - (33) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عجبَ ربُّنا تبارك وتعالى من رجل غزا في سبيل الله فانهزم -يعني- أصحابه، فعلم ما عليه، فرجع حتى أُهرِيق دمه، فيقول الله عز وجل لملائكته: انظروا إلى عبدي رجعَ رغبةً فيما عندي، وشفقةً مما عندي، حتى أُهريق دمُه". رواه أبو داود عن عطاء بن السائب عن مرة عنه. ورواه أحمد وأبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه". وتقدم لفظهم في قيام الليل [6 - النوافل/ 11 آخره]. [حسن لغيره] وتقدم فيه أيضاً حديث أبي الدرداء عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) كذا وقع في "البخاري"، وهو وهم نبه عليه غير واحد، وإنما هي (الربيع بنت النضر عمة أنس بن مالك بن النضر). انظر "فتح الباري" (6/ 20). (2) الأصل ومطبوعة عمارة: (بنت سراقة)، وهو خطأ صححته من "البخاري" والزيادة منه. وقد فات هذا والذي قبله المعلقين الثلاثة فلم يصححوا ولم ينتبهوا، وهم ثلاثةٌ محققون!! (3) وكان ذلك قبل تحريم النوح، فلا دلالة فيه على جوازه، فإن التحريم كان عقب غزوة أحد، وهذه القصة كانت عقب غزوة بدر. قاله في "الفتح". (4) زاد أحمد في رواية (3/ 283): "كثيرة". الحديث: 1383 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 "ثلاثةٌ يحبُّهم اللهُ ويضحَكُ إليهم، ويستبشر بهم: الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءَها بنفسه لله عز وجل، فإما أن يقتل، وإما أن ينصره الله ويكفيه، فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه؟ " الحديث. رواه الطبراني بإسناد حسن. 1385 - (34) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء أناس إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[فقالوا]: أنِ ابعثْ معنا رجالاً يعلِّمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار يقال لهم: القراء، فيهم خالي (حَرام)، يقرؤن القرآن ويتدارسونه بالليل يتعلمونه، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصُّفَّة وللفقراء، فبعثهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهم، فعرضوا لهم، فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا: اللهم بَلِّغْ عنا نبينا أنا قد لَقيناك فَرضينا عنك، ورضيتَ عنا. قال: وأتى رجلٌ (حراماً) خالَ أنس من خلفه، فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام: فُزتُ وربِّ الكعبة. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[لأصحابه]: "إن إخوانكم قد قُتِلوا، وإنهم قالوا: اللهم بَلِّغْ عنا نبينا أنا قد لَقيناك، فرضينا عنك، ورضيت عنا". رواه البخاري ومسلم، واللفظ له. (1) وفي رواية للبخاري: قال أنس: "أُنزِل في الذين قُتِلوا ببئر معونة قرآنٌ قرأناه ثم نسخ بَعْدُ: (بَلِّغُوا قومَنا   (1) أخرجه في "كتاب الإمارة" (6/ 45) و (رقم 1902/ 2 - عبد الباقي) والزيادتان منه، وكان في الأصل بعض الأخطاء المطبعية فصححتها منه أيضاً. وأما المعلقون الثلاثة فعزوه إلى "مسلم" برقم (677) أي في "الصلاة/ القنوت" (2/ 135 - 136) وليس فيه من الحديث إلا ما عزاه المؤلف فيما يأتي للبخاري! فقنعوا بالعزو إلى أقرب موضع من "مسلم"! موهمين القراء أنهم صادقون في البحث والعزو!! الحديث: 1385 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا، ورضينا عنه) " (1). 1386 - (35) [صحيح] وعن مسروق قال: سألنا عبد الله عن هذه الآية: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك [رسول الله] (2) فقال: "أرواحُهم في جوف طيرٍ خُضرٍ، لها قناديلُ معلقةٌ بالعرش، تَسرحُ من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطَّلع عليهم (3) ربهم اطِّلاعةً، فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يُتركوا من أن يُسألوا، قالوا: يا رب! نريد أن تَرُدَّ أرواحنا في أجسادنا حتى نُقتَلَ في سبيلك مرةً أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُرِكوا". رواه مسلم -واللفظ له- والترمذي وغيرهما. 1387 - (36) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه سأل جبرائيل عن هذه الآية: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}، مَن الذين لم يشأ الله أن يُصعقهم؟ قال: "هم شهداء الله". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".   (1) زاد البخاري في رواية: "فدعا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم ثلاثين صباحاً على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية؛ الذين عصوا الله ورسوله". قلت: وهي عند مسلم أيضاً كما ذكرت آنفاً. (2) قلت: كذا الأصل، وما بين المعكوفين ليس عند "مسلم" (6/ 38 - 39)، ولا في "الترمذي" (3014) وصححه، ولذلك قال الحافظ المزي في "التحفة" (7/ 145): "إنه موقوف"، قلت: ولكنه في حكم المرفوع، ولذلك خرجته في "الصحيحة" (2633). وغفل عن هذا التحقيق المعلقون الثلاثة كعادتهم! (3) في مسلم: "إليهم". الحديث: 1386 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 15 - (الترهيب من أن يموت الإنسان ولم يغز، ولم ينو الغزو، وذكر أنواع من الموت تلحق أربابها بالشهداء، والترهيب من الفرار من الطاعون). 1388 - (1) [صحيح] عن أبي عمران قال: كنا بمدينة الروم فأَخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلُهم وأكثر، وعلى أهلِ مصرَ عقبةُ بنُ عامرٍ، وعلى الجماعة فضالةُ ابن عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل بينهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله! يُلقي بيديه (1) إلى التهلكة. فقام أبو أيوب فقال: أيها الناس! إنكم لَتَأَوَّلُون هذه الآية هذا التأوبل، وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما أعز الله الإسلام، وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعضٍ سراً دون رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله تعالى قد أعز الإسلام، وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا، وأصلحنا ما ضاع منها. فأنزل الله تعالى على نبيه ما يرد علينا ما قلناه: {وَأَنْفِقُوا (2) فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، وكانت التهلكةُ: الإقامةَ على الأموالِ وإصلاحَها، وتَرْكَنا الغزوَ. فما زال أبو أيوب شاخصاً في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم. رواه الترمذي وقال: "حديث غريب صحيح". 1389 - (2) [صحيح لغيره] وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا تبايعتم بالعِيْنة، (3) وأَخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم   (1) الأصل: "بيده" على الإفراد، والتصويب من الترمذي وغيره. انظر "الأحاديث الصحيحة" (رقم 13). وهو مما غفل عنه المعلقون الثلاثة! فما أكثر غفلاتهم! (2) الأصل: "وللفقراء"، وهو خطأ فاحش. وكذلك وقع في طبعة عمارة! (3) هي أن يبيع رجلاً سلعة بثمن إلى أجل، ثم يشتريها منه بأقل من ذلك الثمن نقداً، وهو محرم لما فيه من الاحتيال على الربا. ومن جهل المعلقين بالعلم والفقه قولهم في تفسيرها: " (بالعينة) " بالمال الحاضر من النقد، والمراد والانشغال بالبيع والشراء"!! فافهم عليهم إن كنت تفهم!! ومن تمام جهلهم أنهم ضعفوا الحديث، ولم يعبؤوا بطرقه المقوية له. الحديث: 1388 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 الجهاد؛ سَلَّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم". رواه أبو داود وغيره من طريق إسحاق بن أَسيِد نزيل مصر (1). 1390 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من مات ولم يَغْزُ، ولم يحدِّث به نفسه؛ مات على شعبةٍ من النفاقِ". رواه مسلم وأبو داود والنسائي. 1391 - (4) [حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من لم يَغْزُ، أو يجهّزْ غازياً، أو يخلِفْ غازِياً في أهله بخير؛ أصابَهُ الله تعالى بقارعةٍ قبلَ يومِ القيامةِ". رواه أبو داود وابن ماجه عن القاسم عن أبي أمامة. 1392 - (5) [حسن] وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما تركَ قومٌ الجهادَ؛ إلا عمَّهم اللهُ بالعذابِ". رواه الطبراني (2) بإسناد حسن. ( فصل ) 1393 - (6) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما تعدون الشهداء فيكم؟ ". قالوا: يا رسول الله! من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال: "إن شهداء أمتي إذاً لقليل".   (1) قلت: لكن جاء من طرق أخرى يتقوى بها كما أشار إلى ذلك البيهقي، ولذلك خرجتها في "الصحيحة" (برقم 11). (2) قلت: أطلق العزو إليه، وذلك يعني أنه في "المعجم الكبير"، وإنما هو في "الأوسط" (3851). الحديث: 1390 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: "من قُتِلَ في سبيلِ الله فهو شهيدٌ، ومن ماتَ في سبيلِ الله فهو شهيدٌ، ومن ماتَ في الطاعونِ فهو شهيدٌ، ومن مات من البطن (1) فهو شهيدٌ. -قال ابن مقسم: أشهد على أبيك- يعني أبا صالح -أنه قال:- والغريق شهيد". رواه مسلم. [صحيح] ورواه مالك والبخاري والترمذي، ولفظهم -وهو رواية لمسلم أيضاً في حديث-: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الشهداءُ خمسةٌ: المطعونٌ، والمبطونٌ، والغريقٌ، وصاحبُ الهدمِ، والشهيدُ في سبيل الله". 1394 - (7) [صحيح] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: دخلنا على عبد الله بن رواحة نعوده، فأُغمِيَ عليه، فقلنا: رحمك الله إن كنا لنحب أن تموت على غير هذا، وإن كنا لنرجو لك الشهادة، فدخل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن نذكر هذا، فقال: "وفيما تعدون الشهادة؟ ". فأَرَمَّ القومُ، وتحرك عبد الله فقال: أَلا تجيبون رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ ثم أجابه هو فقال: نَعُدُّ الشهادة في القتل. فقال: "إن شهداءَ أمتي إذاً لقليل، إن في القتلِ شهادةً، وفي الطاعون شهادةً، وفي البطنِ شهادةً، وفي الغرقِ شهادةً، وفي النفساءِ يقتُلُها ولدها جُمْعاً (2) شهادة". رواه أحمد والطبراني -واللفظ له-، ورواتهما ثقات.   (1) أي: من مرض بطنه، كالاستسقاء وغيره. (2) يعني: حاملاً كما في رواية ابن أبي شيبة في "المصنف" (5/ 332). الحديث: 1394 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 (أرَمَّ القوم) بفتح الراء وتشديد الميم: سكتوا، وقيل: سكتوا من خوف ونحوه. وقوله: "يقتلها ولدها جمعاً" مثلثة الجيم ساكنة الميم. أي ماتت وولدها في بطنها، يقال: ماتت المرأة بجمع، مثلثة الجيم إذا ماتت وولدها في بطنها. وقيل: إذا ماتت عذراء أيضاً. 1395 - (8) [صحيح لغيره] وعن ربيع الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عاد ابن أخي جابر الأنصاري، فجعل أهله يبكون عليه، فقال لهم جابر: لا تؤذوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأصواتكم. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دعهن يبكين ما دام حياً، فإذا وجب فَلْيَسْكُتْنَ". فقال بعضهم: ما كنا نرى أن يكون موتك على فراشك حتى تقتل في سبيل الله مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أو ما القتل إلا في سبيل الله؟! إن شهداء أمتي إذاً لقليل! إن الطعنَ لشهادةٌ، والبطنَ شهادةٌ، والطاعونَ شهادةٌ، والنفساءَ بجمع شهادةٌ، والحَرَقَ شهادةٌ، والغَرَقَ شهادةٌ، وذاتَ الجنْبِ (1) شهادةٌ". رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في "الصحيح". قوله: (بجمع) تقدم قبله. (فإذا وجب) أي: إذا مات. 1396 - (9) [حسن صحيح] وعن راشد بن حبيش رضي الله عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل على عبادة بن الصامت يعوده في مرضه، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) قال في "النهاية": "وهي الدبيلة، والدملة الكبيرة التي تظهر في باطن الجنب وتنفجر إلى داخل، وقلما يسلم صاحبها". الحديث: 1395 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 "أتعلمون من الشهيد من أمتي؟ ". فأرَمَّ القوم، فقال عبادة: ساندوني. فأسندوه، فقال: يا رسول الله! الصابرُ المحتسبُ. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن شهداءَ أمتي إذاً لقليلٌ، القتلُ في سبيل الله عز وجل شهادةٌ، والطاعونُ شهادة، والغَرَق شهادة، والبَطْنُ شهادة، والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنة، [قال: وزاد أبو العوام (1) سادِنُ بيت المقدس:] والحرق، والسِّلُّ". رواه أحمد بإسناد حسن، وراشد بن حبيش صحابي معروف. (أرم القوم) تقدم. و (السادن) بالسين والدال المهملتين: هو الخادم. و (السلّ) بكسر السين وضمها (2) وتشديد اللام: هو داء يحدث في الرئة يؤول إلى ذات الجنب. وقيل: زكام أو سعال طويل مع حمى عادية. وقيل غير ذلك. 1397 - (10) [صحيح لغيره] وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خمسٌ من قُبِضَ في شيءٍ منهن فهو شهيد: المقتولُ في سبيل الله شهيدٌ، والغَريقُ. . . شهيدٌ، والمبطونُ. . . شهيدٌ، والمطعونُ. . . شهيدٌ، والنُّفساءُ. . . (3) شهيدٌ". رواه النسائي.   (1) كذا وقعت في "المسند" (3/ 489) ليس فيه بيان عمن أسنده (أبو العوام)، ومن رواه عنه، وهو تابعي لا يدرى اسمه، وثقه ابن حبان (5/ 564)، لكن لهذه الزيادة شواهد، فانظرها في "أحكام الجنائز" (55 - 56 - المعارف). (2) لا وجه للضم هنا كما أفاده الناجي (143/ 2). (3) في المواضع الأربعة للنقاط قوله: "في سبيل الله"، ولما لم نجد لها شاهداً حذفناها. الحديث: 1397 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 1398 - (11) [صحيح لغيره] وعن جابر بن عتيك رضي الله عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاء يعود عبد الله بن ثابت، فوجده قد غُلب عليه، فصاح به، فلم يجبه، فاسترجع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: "غُلبنا عليك يا أبا الربيع! ". فصاحت النسوة، وبكَيْن، وجعل ابن عتيك يُسَكّتهُنَّ. فقال له النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دعهن، فإذا وجب فلا تبكَينَّ باكية". قالوا: وما الوجوب يا رسول الله! قال: "إذا مات". قالت ابنته: والله إني لأرجو أن يكون شهيداً؛ فإنك كنت قد قضيت جهازك (1). فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله قد أوقع أجره على قدر نيَّته، وما تعدون الشهادة؟ ". قالوا: القتل في سبيل الله. فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الشهادةُ سبعٌ سوى القتلِ في سبيل الله: المبطونُ شهيدٌ، والغَريقُ شهيدٌ، وصاحبُ ذات الجَنْب شهيد، والمطعونُ شهيدٌ، وصاحبُ الحريقِ شهيدٌ، والذي يموت تحت الهدم شهيدٌ، والمرأةُ تموت بجمعٍ شهيدٌ". (2) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه". 1399 - (12) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الطاعون شهادةٌ لكل مسلمٍ". رواه البخاري ومسلم.   (1) بفتح الجيم وكسرها: ما يحتاج إليه في السفر، والمراد: تَمَّمْتَ جهاز آخرتك، وهو العمل الصالح بالموت، قاله أبو الحسن السندي. (2) هذا السياق أقرب ما يكون إلى رواية أبي داود (3111) مع اختلاف يسير، وفيه وفي "الموطأ" (1/ 333): "شهيدة". الحديث: 1398 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 1400 - (13) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الطاعون؟ فقال: "كان عذاباً يبعثه الله على من كان قبلكم، فجعله الله رحمةً للمؤمنين، ما من عبد يكون في بلد يكون فيه، ويمكث (1) لا يخرج صابراً مُحتسِباً، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كَتَبَ الله له؛ إلا كان له مثلُ أَجرِ شهيد". رواه البخاري. 1401 - (14) وعن أبي عَسيبٍ مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتاني جبرائيلُ عليه السلام بالحمى والطاعون، فأمسكتُ الحمى بالمدينة (2)، وأَرسلتُ الطاعون إلى الشام، فالطاعون شهادةٌ لأُمَّتي، ورجزٌ على الكافر". رواه أحمد والطبراني في "الكبير"، ورواة أحمد ثقات مشهورون. (الرجز): العذاب. 1402 - (15) [صحيح] وعن أبي منيب الأحدب قال: خطب معاذ بالشام فذكر الطاعون فقال: "إنها رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، وقبض الصالحين قبلكم"، اللهم اجعل على آل معاذ نصيبهم من هذه الرحمة. ثم نزل عن مقامه ذلك، فدخل على عبد الرحمن بن معاذ، فقال   (1) الأصل: "فيكون فيه فيمكث"، والتصحيح من "البخاري - القدر" بتنبيه الناجي عليه، جزاه الله خيراً. (2) قلت: لعل هذا كان في أول هجرته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدنية، فإنه قد صح أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا بنقل الحمى إلى الجحفة كما جاء في أحاديث تقدم بعضها في (11 - الحج /15). وراجع "فيض القدير". الحديث: 1400 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 عبد الرحمن: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}. فقال معاذ: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} ". رواه أحمد بإسناد جيد. 1403 - (16) [صحيح] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فناء أمتي بالطعن والطاعون". فقيل: يا رسول الله! هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال: "وَخْزُ أعدائكم من الجن، وفي كلٍّ شهادة". رواه أحمد بأسانيد أحدها صحيح، وأبو يعلى والبزار والطبراني. (الوخز) بفتح الواو وسكون الخاء المعجمة بعدها زاي: هو الطعن. (1) 1404 - (17) [حسن صحيح] وعن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه رضي الله عنه قال: ذُكر الطاعون عند أبي موسى فقال: سألنا عنه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال: "وخز أعدائكم الجن، وهو لكم شهادة". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 1405 - (18) [حسن صحيح] وعن أبي بردة بن قيس أخي أبي موسى قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اللهم اجعل فناء أمتي قتلاً في سبيلك؛ بالطعن والطاعون". رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني في "الكبير".   (1) هو كما قال، لكن ليس بنافذ. كذا قيده أهل اللغة: الجوهري وغيره. أفاده الناجي. الحديث: 1403 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 ورواه الحاكم (1) وقال: "صحيح الإسناد". 1406 - (19) [حسن] وعن العِرباض بن سارية رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يختصم الشهداءُ والمتوفَّون على فرشهم إلى ربنا في الذين يُتَوَفَّون في الطاعون، فيقول الشهداء: قتلوا كما قتلنا. ويقول المتوَفّوْن على فرشهم: إخواننا ماتوا على فرشهم كما متنا. فيقول ربنا: انظروا إلى جراحهم، فإن أشبهت جراح المقتولين فإنهم منهم ومعهم، فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم". رواه النسائي. 1407 - (20) [حسن صحيح] وعن عتبة بن عبدٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يأتي الشهداء والمتوفَّوْن بالطاعون، فيقول أصحاب الطاعون: نحن شهداء. فيقال: انظروا فإن كانت جراحتهم كجراح الشهداء تسيل دماً كريح المسك، فهم شهداء، فيجدونهم كذلك". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد لا بأس به، فيه إسماعيل بن عياش، روايته عن الشاميين مقبولة، وهذا منها. (2) ويشهد له حديث العرباض قبله. 1408 - (21) [حسن لغيره] وعن عائشة رضي ألته عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون". قلت: يا رسول الله! هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون؟ قال:   (1) زاد في الأصل: "من حديث أبي موسى"، وهي زيادة مفسدة للتخريج، لأنها ليست عند الحاكم (2/ 93) إلا كرواية أحمد والطبراني، وكذلك رواه ابن حبان في ترجمة (كريب بن الحارث) الراوي عن أبي بردة في كتابه "الثقات" (7/ 357). وهذا مما غفل عنه المعلقون الثلاثة، فلم يصححوا ولم يبينوا، رغم أنهم عزوه إلى الحاكم بالرقم المشار إليه!! فأين التحقيق المزعوم؟! (2) وكذا قال الهيثمي (2/ 314)، وفاتهما عزوه لأحمد (4/ 314)، وحسنه مع الذي قبله الحافظ في "الفتح" (10/ 194). الحديث: 1406 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 "غدّة كغدّة البعير، المقيم بها كالشهيد، والفارّ منها كالفارّ من الزحف". رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني. [حسن لغيره] وفي رواية لأبي يعلى: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "وخزةٌ تصيب أمتي من أعدائهم من الجن كغُدَّة الإبل، من أقام عليها كان مرابطاً، ومن أصيب به كان شهيداً، ومن كفر منه كان كالفار من الزحف". [حسن لغيره] ورواه البزار، وعنده: قلت: يا رسول الله! هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال: "يشبه الدمل، يخرج في الآباط والمَراقِّ (1)، وفيه تزكية أعمالهم، وهو لكل مسلم شهادة". (قال المملي) رضي الله عنه: "أسانيد الكل حسان (2) ". 1409 - (22) [صحيح لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول في الطاعون: "الفارّ منه كالفارّ من الزحف، ومن صبر فيه كان له أجر شهيد". رواه أحمد والبزار والطبراني، وإسناد أحمد حسن. 1410 - (23) [صحيح] وعن أبي إسحاق السبيعي قال: قال سليمان بن صرَدٍ لخالد بن عُرفطة أو خالد لسليمان (3): أما سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:   (1) (المراق) بتشديد القاف: ما رقَّ من أسفل البطن ولان، ولا واحد له، وميمه زائدة. كذا في "النهاية". (2) قلت: ليس كذلك كما بينه الناجي (143/ 2)، لكن الحديث حسن بمجموع الطرق، ولذلك خرجته في "الصحيحة" (1928). (3) الأصل: "ابن سليمان"، وكذا في نسخة عمارة وغيرها. وهو خطأ فاحش، وهو من تحريف النساخ كما بينه الناجي رحمه الله (143/ 2 - 144/ 1). وهو مما غفل عنه المعلقون الثلاثة! الحديث: 1409 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 "من قَتَلَه بَطْنه لم يُعذَّبْ في قبرِه"؟ فقال أحدهما لصاحبه: نعم. رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". وابن حبان في "صحيحه" وقال: "خالد بن عرفطة" من غير شك (1). (عرفطة) بضم العين المهملة والفاء جميعاً بعدهما طاء مهملة. 1411 - (24) [صحيح] وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد". رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". 1412 - (25) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من قُتِلَ دون ماله فهو شهيد". رواه البخاري والترمذي. [صحيح] وفي رواية للترمذي وغيره قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:   (1) قلت: أخرجه من طريق عبد الله بن يسار عن سليمان بن صرد وخالد بن عرفطة؛ أنهما بلغهما أن رجلاً مات ببطن، فقال أحدهما: ألم يبلغك أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (فذكره). قال الآخر: صدقت، وفي رواية: "بلى" كما في "الموارد" (728)، ورواه أحمد (4/ 262) من الطريقين. انظر "أحكام الجنائز" (53/ 2 - المعارف). الحديث: 1411 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 "من أُريدَ مالُه بغير حق فقاتل، فقتل؛ فهو شهيد". [صحيح] وفي رواية للنسائي: "من قتل دون ماله مظلوماً، فهو شهيد". 1413 - (26) [صحيح لغيره] وعن سويد بن مُقّرن رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من قتل دون مظلمته فهو شهيد". رواه النسائي. 1414 - (27) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! أرأيتَ إنْ جاء رجلٌ أخذ مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك". قال: أرأيتَ إنْ قاتلني؟ قال: "قاتله". قال: أرأيتَ إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد". قال: أرأيت إن قَتَلتُه؟ قال: "هو في النار". [صحيح] رواه مسلم والنسائي، ولفظه: قال: جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! أرأيت إن عُدِيَ على مالي؟ قال: "فانشد بالله". الحديث: 1413 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 قال: فإن أبوا عليَّ؟ قال: "فانشد بالله". قال: فإن أبوا عليَّ؟ قال: "فانشد بالله". قال: فإن أبوا عليَّ؟ قال: "فقاتل، فإن قُتِلتَ ففي الجنة، وإن قَتَلْتَ ففي النار". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 13 - كِتابُ قِراءَةِ القرآنِ. 1 - (الترغيب في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها، وفضل تعلمه وتعليمه، والترغيب في سجود التلاوة). 1415 - (1) [صحيح] عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خيرُكم من تعلَّم القرآن وعَلَّمَه". رواه البخاري ومسلم (1) وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم. 1416 - (2) [صحيح] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنةُ بعشر أمثالها، لا أَقول {ألم} حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح غريب". 1417 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوتِ الله يتلون كتابَ الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نَزَلَتْ عليهم السكينَةُ، وغشيتْهم الرحمةُ، وحفَّتْهم الملائكة، وذكرهم اللهُ فيمن عنده". رواه مسلم وأبو داود وغيرهما [مضى 3 - العلم/ 1 - باب/ 3 - حديث].   (1) ذِكْرُ مسلم هنا سبقُ قلم من المؤلف رحمه الله تعالى. فإنه لم يخرجه أصلاً كما نبه عليه الحافظ الناجي. وعكسه ما فعله السيوطي في "الجامع"، فإنه عزاه لأصحاب السنن الأربعة المذكورين دون الشيخين من حديث عثمان، وإنما عزاه للبخاري من حديث علي! وإنما هو عند الدارمي دون البخاري، كما بينته في "الصحيحة" (1172 و1173). الحديث: 1415 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 1418 - (4) [صحيح] وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن في الصُّفة فقال: "أيكم يحب أن يغدوَ كل يوم إلى (بُطحان) أو إلى (العقيق) فيأتي منه بناقتين كوماوين، في غير إثم، ولا قطع رحم؟ ". فقلنا: يا رسول الله! كلنا يحبُّ ذلك. قال: "أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فَيَعْلَم (1) أو فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل؛ خيرٌ له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع، ومن أعدادهن من الإبل؟! ". رواه مسلم وأبو داود، وعنده: "كوماوين زَهْراوين، بغير إثم بالله عز وجل، ولا قطع رحم". قالوا: كلنا يا رسول الله. قال: "فلأن يَغدو أحدكم كلَّ يوم إلى المسجد فَيَعْلَم آيتين من كتاب الله، خيرٌ له من ناقتين، وإن ثلاثٌ فثلاثٌ مثل أعدادهن". (بُطحان) بضم الباء وسكون الطاء: موضع بالمدينة. و (الكوماء) بفتح الكاف وسكون الواو وبالمد: هي الناقة العظيمة السَّنام. 1419 - (5) [صحيح] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مثلُ المؤمنِ الذي يقرأُ القرآن مثل الأُتْرُجَّة، ريحُها طيبٌ، وطعمُها طيبٌ. ومثلُ المؤمنِ الذي لا يقرأُ القرآنَ كمثل التمرة، لا ريحَ لها، وطعمُها حلوٌ.   (1) كذا في "مسلم" (2/ 197)، وفي "أبي داود" (1456) وأحمد أيضاً (4/ 154)، وابن الضريس في "فضائل القرآن" (ص 48)، والطبراني "الكبير" (17/ 290/ 799): "فيتعلم". الحديث: 1418 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 ومثلُ المنافقِ الذي يقرأُ القرآنَ مثلُ الريحانةِ، ريحُها طيبٌ، وطعمُها مرّ. ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآنَ كمثلِ الحنظلةِ، ليس لها ريحٌ، وطعمُها مرٌّ". وفي رواية: "مثل الفاجر" بدل "المنافق". رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه. 1420 - (6) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مثلُ المؤمنِ الذي يقرأ القرآن مثل الأُتْرُجَّة، ريحها طيبٌ، وطعمها طيب. ومثلُ المؤمنِ الذي لا يقرأُ القرآنَ كمثلِ التمرةِ، لا ريحَ لها، وطعمُها طيبٌ. ومثل الفاجرِ الذي يقرأ القرآنَ كمثلِ الريحانةِ، ريحُها طيبٌ، وطعمها مرٌّ. ومثل الفاجرِ الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، طعمُها مرّ ولا ريحَ لها. ومثل الجليس الصالح كمثلِ صاحب المسكِ، إن لم يصبْك منه شيء؛ أصابَكَ من ريحِهِ. ومثل الجليس السوءِ كمثلِ صاحبِ الكيرِ، إن لم يصبْك من سوادِه؛ أصابَك من دخانِه". رواه أبو داود. 1421 - (7) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الماهرُ بالقرآنِ مع السفرةِ الكرامِ البررةِ، والذي يقرأُ القرآنَ ويُتَعْتِعُ فيه، الحديث: 1420 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 وهو عليه شاقٌّ له أجران". وفي رواية: "والذي يقرؤه وهو يشتد عليه له أجران". رواه البخاري ومسلم -واللفظ له- وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 1422 - (8) [حسن لغيره] وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! أوصني. قال: "عليك بتقوى الله؛ فإنه رأس الأمرِ كلِّه". قلت: يا رسول الله! زدني. قال: "عليك بتلاوة القرآن، فإنه نور لك في الأرض، وذخرٌ لك في السماء". رواه ابن حبان في "صحيحه" في حديث طويل. 1423 - (9) [صحيح] وعن جابر رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "القرآنُ شافعٌ مشفَّع، وماحِلٌ مصدَّق، من جعله أمامَه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار". رواه ابن حبان في "صحيحه". (ماحِل) بكسر الحاء المهملة؛ أي: ساع. وقيل: خصم مجادل. 1424 - (10) [صحيح] وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "اقروا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" الحديث. رواه مسلم. ويأتي بتمامه إن شاء الله [6 - الترغيب في قراءة سورة البقرة]. 1425 - (11) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: الحديث: 1422 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 "يجيء صاحبُ القرآن يومَ القيامةِ، فيقولُ القرآنُ: يا ربِّ حَلِّه، فَيُلْبَسُ تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيُلْبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ، وارقَ، ويزاد بكل آية حسنة". رواه الترمذي وحسنه، وابن خزيمة والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1426 - (12) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقال لصاحب القرآن: اقرأْ وارقَ، ورتّلْ كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلك عند آخر آية (1) تقرؤها". رواها الترمذي وأبو داود وابن ماجه (2) وابن حبان في "صحيحه" وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". قال الخطابي: "جاء في الأثر: أن عدد آي القرآن على قدر دَرَج الجنة، فيقال للقارئ: ارقَ في الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن، فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة في الآخرة، ومن قرأ جزءاً منه كان رُقيهُ في الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة" (3).   (1) زاد ابن حبان: "كنت". والمراد بـ "صاحب القرآن" حافظه والتالي له العامل به، كما حققه الشيخ علي القاري في "المرقاة" (2/ 589)، فراجعه إن شئت، فإنه ليس المراد مجرد القراءة كما يظهر من كلام الخطابي الآتي في الكتاب. (2) عزوه لابن ماجه من حديث ابن عمرو خطأ، فإنه عنده (3780) من حديث أبي سعيد الخدري. وهذا أيضاً مما غفل عنه المعلقون الثلاثة، فلم ينبهوا على الخطأ! وأسوأ منه عزو الأستاذ الدعاس الحديث للبخاري في تعليقه على "الترمذي" (8/ 117) معتمداً في ذلك على "تيسير الوصول"! (3) "معالم السنن" (2/ 136)، وليس فيه: "في الآخرة". وانظر التعليق المتقدم. الحديث: 1426 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 1427 - (13) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا حسد إلا على اثنتين: رجل آتاه الله هذا الكتاب، فقام به آناء الليل وآناء النهار، ورجل أعطاه الله مالاً، فتصدق به آناء الليل وآناء النهار". رواه البخاري ومسلم [مضى 6 - النوافل/ 11 - قيام الليل]. 1428 - (14) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ علمه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أُوتيت مثل ما أُوتي فلان؛ فعملت مثل ما يعمل. ورجل آتاه الله مالاً، فهو يُهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أُوتيتُ مثلَ ما أُوتي فلان؛ فعملت مثل ما يعمل". رواه البخاري. (قال المملي:) "والمراد بالحسد هنا الغبطة، وهو تمني مثل ما للمحسود، لا تمني زوال تلك النعمة عنه، فإن ذلك الحسد المذموم". 1429 - (15) [صحيح] وعنه [يعني عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما]؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: ربِّ إني منعته الطعامَ والشرابَ بالنهار؛ فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب منعتُه النوم بالليل؛ فشفعني فيه، فَيُشَفَّعان". رواه أحمد، وابن أبي الدنيا في "كتاب الجوع"، والطبراني في "الكبير"، والحاكم واللفظ له، وقال: "صحيح على شرط مسلم". [مضى 9 - الصوم/1]. الحديث: 1427 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 1430 - (16) [صحيح] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن أُسَيْد بن حُضير بينما هو ليلة يقرأ في مِربَدِه (1)، إذْ جالت فرسُه فقرأ، ثم جالت أخرى فقرأ، ثم جالت أيضاً، قال أُسيد: فخشيتُ أن تطأ يحيى (2)، فقمت إليها، فإذا مثل الظُّلَّةِ فوق رأسي فيها أمثال السُّرُج عَرَجَت في الجو حتى ما أراها. قال: فغدوتُ على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت: يا رسول الله! بينما أنا البارحة في جوف الليل اقرأُ في مِربَدي، إذ جالت فرسي، -فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اقرأ ابن حضير! ". قال: -فقرأت، ثم جالت أيضاً،- فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اقرأ ابن حضير! ". قال: -فقرأت ثم جالت أيضاً،- فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اقرأ ابن حضير! ". قال: -فانصرفتُ (3) وكان يحيى قريباً منها، خشيتُ أن تطأه، فرأيت مثل الظلة فيها أمثال السُّرُج عَرَجَتْ في الجو حتى ما أراها. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تلك الملائكة [كانت]، تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس، ما تَسْتَتِرُ منهم". رواه البخاري ومسلم، واللفظ له.   (1) بكسر الميم وفتح الموحدة: الموضع الذي ييبس فيه التمر، كالبيدر للحنطة ونحوها. (2) وهو ابنه، كما يأتي. (3) أي: إلى ابنه يحيى كما في رواية البخاري، وهي عنده معلقة. الحديث: 1430 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 1431 - (17) [صحيح] ورواه الحاكم بنحوه باختصار، وقال فيه: فالتفَتُّ فإذا أُمثال المصابيح مُدلاةٌ بين السماء والأرض. فقال: يا رسول الله! ما استطعت أن أَمضي. فقال: "تلك الملائكة نزلت لقراءة القرآن، أما إنك لو مضيت لرأَيت العجائب". وقال: "صحيح على شرط مسلم" (1). (الظُّلَّة) بضم الظاء المعجمة وتشديد اللام: هي الغاشية. وقيل: السحابة. 1432 - (18) [صحيح] وعن أنْس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لله أهلين من الناس". قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته". رواه النسائي وابن ماجه والحاكم؛ كلهم عن ابن مهدي: حدثنا عبد الرحمن بن بديل عن أبيه عن أنس. وقال الحاكم: "يروى من ثلاثة أوجه عن أنس، هذا أجودها". (قال المملي) الحافظ عبد العظيم: "وهو إسناد صحيح".   (1) قلت: ولكنه عند الحاكم من حديث أسيد نفسه؛ خلافاً لما يوهمه صنيع المؤلف رحمه الله، وكذلك رواه ابن حبان، وسيأتي لفظه في الكتاب (6 - الترغيب في قراءة سورة البقرة. .)، ولذلك أعطيته رقماً خاصاً. وغفل عن ذلك المعلقون كعادتهم، فقلدوا المؤلف في عزوه للحاكم، فقرنوا به الجزء والصفحة، كما عزوه هناك تقليداً له أيضاً لكن زادوا رقمه! ولو كانوا من أهل العلم والبحث -كما يتظاهرن- لبينوا خطأ عزوه للحاكم هنا، وعزوه إليه هناك!! الحديث: 1431 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 1433 - (19) [صحيح لغيره] وعن عمران بن حصين رضي الله عنه؛ أنه مر على قارئ يقرأ، ثم سأل، فاسترجع ثم قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من قرأ القرآن فليسأل الله به؛ فإنه سيجيء أقوام يقرؤن القرآن، يسألون به الناس". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". 1434 - (20) [حسن لغيره] وعن بُريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من قرأَ القرآنَ وتعلَّمه وعملَ به؛ أُلبسَ والداه يومَ القيامةِ تاجاً من نورٍ، ضوؤه مثلُ ضوءِ الشمسِ، ويكسى والداه حُلّتان لا تقوم لهما الدنيا، فيقولان: بمَ كُسينا هذا؟ فيقال: بأخذِ ولدكما القرآنَ". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". (1) 1435 - (21) [صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من قرأ القرآن لم يُرَدَّ إلى أرذل العمر، وذلك قوله: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا}، قال: [إلا] (2) الذين قرأوا القرآن. رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1436 - (22) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من قرأ عشر آيات في ليلةٍ؛ لم يُكتب من الغافلين".   (1) له شاهد يقويه مخرج في "الصحيحة" (2829). (2) سقطت من الأصل واستدركتها من الحاكم (2/ 528 - 529) و"الشعب" (2/ 556)، وصححه الذهبي أيضاً، وضعفه الجهلة وقالوا: "وفيه عكرمة مولى ابن عباس تكلم فيه"!! وقد احتج به الشيخان وسائر الستة، والكلام الذي أشاروا إليه لا يصح فيه كما قال الحافظ في "التقريب": "ثقة ثبت، عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا يثبت عنه بدعة". الحديث: 1433 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". [مضى 6 - النوافل/ 11 - آخره]. 1437 - (23) [صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من حافظ على هؤلاء الصلواتِ المكتوباتِ؛ لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ في ليلة مئة آية؛ كتب من القانتين". رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم، واللفظ له، وقال: "صحيح على شرطهما". (قال الحافظ): "وقد تقدم في صلاة الليل أحاديث نحو هذا" [6 - قيام الليل/ 11]. 1438 - (24) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا قرأَ ابنُ آدم السجدة فسجد؛ اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله، -وفي رواية: يا ويلي- أُمِرَ ابنُ آدم بالسجودِ فسجد، فله الجنة، وأمِرْتُ بالسجود فأبيتُ، فلي النار". رواه مسلم وابن ماجه. 1439 - (25) [صحيح لغيره] ورواه البزار من حديث أنس. 1440 - (26) [صحيح لغيره موقوف] ورواه الطبراني عن أبي إسحاق عن ابن مسعود موقوفاً قال: إذا رأى الشيطان ابنَ آدم ساجداً صاح وقال: يا ويله -ويل الشيطان- أمر اللهُ ابنَ آدم أن يسجد وله الجنة؛ فأطاع، وأمرني أن أسجد؛ فعصيتُ؛ فلي النار. 1441 - (27) [حسن لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! إني رأيتُ في هذه الليلة فيما يرى النائمُ كأني أصلي خلفَ شجرةٍ، فرأيت كأني قرأت سجدة، الحديث: 1437 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 فرأيتُ الشجرةَ كأنها تسجد بسجودي، فسمعتها وهي ساجدة وهي تقول: "اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وضع عني بها وزراً، واقبلها مني كما تقبَّلت من عبدك داود". قال ابن عباس: فرأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ السجدة، فسمعتُه وهو ساجدٌ يقول مثلَ ما قال الرجلُ عن كلام الشجرة. رواه الترمذي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له. (قال الحافظ): "رووه كلهم عن محمد بن يزيد بن خنيس عن الحسن بن محمد بن عبد الله بن أبي يزيد عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس. وقال الترمذي "حديث [حسن] غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه" (1) انتهى. والحسن؛ قال بعضهم: "لم يرو عنه غير محمد بن يزيد". وقال العقيلي: "لا يتابع على حديثه". 1442 - (28) [حسن لغيره] ورواه أبو يعلى والطبراني من حديث أبي سعيد الخدري قال: رأيتُ فيما يرى النائم كأني تحت شجرة، وكأن الشجرة تقرأ {ص}، فلما أتت على (السجدة) سَجَدَتْ، فقالت في سجودها: "اللهم اغفر لي بها، اللهم حُطَّ عني بها وزراً، وأحدث لي بها شكراً، وتقبَّلها مني كما تقبَّلت من عبدك داود سجدته".   (1) وقد صرح المعلقون الثلاثة بتضعيفه مع نقلهم تحسين الترمذي وتصحيح ابن حبان والحاكم والذهبي؛ دون أن يبينوا وجه التضعيف المزعوم، وقد خرجت الحديث وبينت حسنه في "الصحيحة" (2710). الحديث: 1442 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 فغدوت على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأخبرته، فقال: "سجدت يا أبا سعيد؟ ". قلت: لا. قال: "فأنت أحق بالسجود من الشجرة". ثم قرأ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سورة {ص}، ثم أتى السجدة فسجد، وقال في سجوده ما قالت الشجرة في سجودها. وفي إسناده يمان بن نصر لا أعرفه. (1) 1443 - (29) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُتِبَتْ عنده سورةُ {النجمِ}، فلما بلغَ السجدةَ سجدَ! وسجَدْنا معه، وسجدتِ الدواةُ والقلمُ". رواه البزار بإسناد جيد. (2)   (1) بل هو معروف روى عنه جمع، وثقه ابن حبان، والعلة ممن فوقه، فانظر "الصحيحة" (2710). (2) وهو كما قال، وبيانه في "الصحيحة" (3035). الحديث: 1443 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 2 - (الترهيب من نسيان القرآن بعد تعلمه، وما جاء فيمن ليس في جوفه منه شيء). 1444 - (1) [حسن لغيره موقوف] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن أصفَر (1) البيوتِ بيتٌ ليسَ فيه شيءٌ من كتابِ الله. رواه الحاكم موقوفاً، وقال: "رفعه بعضهم". 3 - (الترغيب في دعاء يدعى به لحفظ القرآن). [لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا].   (1) الأصل: "أصغر"، والتصويب من "المستدرك" (1/ 566) و"الشعب" (2/ 343) و"نهاية ابن الأثير"، أي: أفرغها وأجوعها. وهذا التصويب مما فات المحققين الثلاثة -زعموا-! ولم يصدروا تعليقهم ببيان مرتبته خلافاً لعادتهم. وإنما أعادوا قول المؤلف: "موقوف"! الحديث: 1444 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 4 - (الترغيب في تعاهد القرآن وتحسين الصوت به). 1445 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المُعَقَّلَة؛ إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت". رواه البخاري ومسلم. وزاد مسلم في رواية: "وإذا قامَ صاحبُ القرآنِ فقرأه بالليل والنهار ذكره، وإذا لم يقم به نسيه". 1446 - (2) [صحيح] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بئسما لأحدهم يقول: نَسيتُ آية كيت وكيت، بل هو نُسِّيَ (1)، استذكروا القرآن، فلهو أشد تَفَصِّياً (2) من صدور الرجال من النَّعَم بعقلها". رواه البخاري هكذا، ومسلم موقوفاً. (3)   (1) فيه إشارة إلى ذم من لا يتعاهد القرآن ولا يستذكره، إذ لا يقع النسيان إلا بترك التعاهد وكثرة الغفلة، فلو تعاهده بتلاوته والقيام به في الصلاة لدام حفظه وتذكره، فإذا قال الإنسان: نسيت الآية الفلانية، فكأنه شهد على نفسه بالتفريط، فيكون متعلق الذم ترك الاستذكار والتعاهد، لأنه الذي يورث النسيان. أفاده في "الفتح". (2) (التفصي): التخلص، يقال: تفصى فلان من البلية إذا تخلص منها؛ ومنه تفصي النوى من التمرة إذا تخلص منها. أي أن القرآن أشد تفلتاً من الصدور من النعم إذا أرسلت من غير عقال. ذكره ابن كثير في "فضائل القرآن" (ص 70). (3) هذا يوهم أن مسلماً لم يروه مرفوعاً، والواقع أنه رواه مرفوعاً وموقوفاً (2/ 191). الحديث: 1445 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 1447 - (3) [صحيح] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تعاهدوا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها". رواه مسلم (1). 1448 - (4) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما أذِنَ الله لشيءٍ كما (2) أذِنَ لنبيٍّ حسنِ الصوتِ يتغنى بالقرآن يجهر به". رواه البخاري ومسلم -واللفظ له- وأبو داود والنسائي. (قال الحافظ): " (أذِن) بكسر الذال: أي ما استمع لشيء من كلام الناس كما استمع الله إلى من تغنى بالقرآن، أي يحسن به صوته. وذهب سفيان بن عيينة وغيره إلى أنه من الاستغناء، وهو مردود". 1449 - (5) [صحيح] وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "زيِّنوا القرآن بأصواتكم". رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه. قال الخطابي: "معناه: زينوا أصواتكم بالقرآن. هكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث، وزعموا أنه   (1) قلت: والبخاري أيضاً، لكن بلفظ "تفصياً" بدل "تفلتاً"، والمعنى واحد. (2) لفظ مسلم في هذا السياق: "ما"، ولكن في رواية أخرى عنده قبل هذه بلفظ: "كما يأذن". فقول الناجي (145/ 1) أن الكاف زادها المصنف من عنده؛ سهو منه. الحديث: 1447 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 من باب المقلوب كما قالوا: عرضت الناقة على الحوض. أي عرضت الحوض على الناقة. وكقولهم: إذا طلعت الشَّعرى واستوى العود على الحرباء. أي استوى الحرباء على العود". ثم روى بإسناده عن شعبة قال: نهاني أيوب أن أحدث: "زينوا القرآن بأصواتكم". قال: "ورواه معمر عن منصور عن طلحة؛ فقدم الأصوات على القرآن. وهو الصحيح، أخبرناه محمد بن هاشم: حدثنا الدَّبَري عن عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن منصور عن طلحة عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "زينوا أصواتكم بالقرآن". (1) والمعنى: أشغلوا أصواتكم بالقرآن والهجوا به، واتخذوه شعاراً وزينة" انتهى (2).   (1) قلت: منكر بهذا اللفظ. (2) أي: كلام الخطابي، وهو في كتابه "معالم السنن" (2/ 137 - 138). وأقول: لقد تكلف الخطابي -عفا الله عنه- فيما ذهب إليه أن معنى الحديث على القلب، وزعمه أن الحديث نفسه مقلوب والصحيح فيه: "زينوا أصواتكم. . ."، محتجاً على ذلك برواية الدبري، وهو متكلم فيه، وقد خالفه الإمام أحمد وغيره، فرووه بلفظ أبي داود المحفوظ، فخالف في ذلك كل من خرج الحديث، بله من صححه كابن حبان والحاكم والذهبي وابن كثير، وقد رددت عليه مفصلاً، وبينت خطأه في ذلك من حيث الصناعة الحديثية، وأكدت أن معنى الحديث على ظاهره كما تدل عليه أحاديث الباب، ودعمت ذلك بنقول كثيرة عن العلماء والحديث، كقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض طرقه: "فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً"، رواه الدارمي والحاكم وتمام وغيرهم، وإسناده جيد، وهو مخرج في "الصحيحة" (771)، وكل ذلك مبين في "الأحاديث الضعيفة" تحت الحديث رقم (5326). وقد أخطأ خطأ فاحشاً المعلق على رسالة الشيخ عبد الغني النابلسي "إيضاح الدلالات في سماع الآلات" محققه أحمد راتب حموش فقال: "رواه البخاري والدارمي وابن حنبل وأبو داود والترمذي والنسائي"، وهذا خلط عجيب لم يروه أحد من هؤلاء بهذه الزيادة سوى الدارمي، ولقد أخطأ المذكور أخطاء فاحشة في تعليقاته الكثيرة على هذا الكتيب، أهمها أنه ما كان ينبغي لمثله أن يساعد على نشر مثل هذا الكتاب للشيخ عبد الغني الصوفي الذي يبيح فيه آلات الطرب بكل أشكالها وأنواعها بدعوى أن ذلك يختلف باختلاف النية، فمن كانت نيته حسنة في الاستماع إليها فهو مباح، ولقد ذكرني هذا بقصة كانت جرت بيني وبين أحد طلبة العلم حينما جاءني في دكاني ليصلح ساعته عندي، وجدته قد تأبط ألواحاً مستديرة كانت تستعمل قديماً = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 1450 - (6) [صحيح لغيره] ورُوي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن من أحسن الناس صوتاً بالقرآن؛ الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله". رواه ابن ماجه أيضاً. 1451 - (7) [صحيح] وعن ابن أبي مُلَيْكةَ قال: قال عبيد الله بن أبي يزيد: مرَّ بنا أبو لبابة، فاتَّبَعْناه حتى دخل بيته، فدخلنا عليه، فإذا رجل رثُّ الهيئة يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ليس منا من لم يَتَغَنَّ بالقرآن". قال: فقلت لابن أبي مليكة: يا أبا محمد! أَرأَيت إن لم يكن حسن الصوت؟ قال: يُحَسِّنهُ ما استطاع. رواه أبو داود. والمرفوع منه في "الصحيحين" (1) من حديث أبي هريرة.   = لسماع الأغاني بجهاز يعرف بالفونوغراف، فقلت له متعمداً: أنت تغني؟ فقال: لا، أنا لا أغني، أنا أسمع، قلت: ماذا تسمع؟ قال: أسمع أم كلثوم، أجلس بجانب هذا الجهاز وبيدي المسبحة، وأسمع فأتذكر غناء الحور العين في الجنة! فقلت له: ويحكم -أو ما في معناه- إن أخشى ما أخشاه أن يأتي على أحدكم يوم يستحل شرب الخمر بدعوى أنه يتذكر خمر الجنة!! إلى هنا وصل الصوفية وبإشاعة الشيخ عبد الغني النابلسي الضلال بين المسلمين، فهل من معتبر. والمعلق المذكور جاءتني أخبار عنه بأنه سلفي، فإذا صحت، فلا شك أنه علق هذه التعليقات وسكت عن ضلالات الشيخ النابلسي قبل أن يهديه الله إلى السلفية، ذلك ما نظنه، والله تعالى هو العليم بما في الصدور. قلت: أما المعلقون الثلاثة فما علقوا على كلام الخطابي المذكور آنفاً ولا بحرف! وسكتوا عن هذا الحديث المنكر، ذلك مبلغهم من العلم. (1) كذا قال، وهو وهم نبَّه عليه الناجي، فإن مسلماً لم يروه أصلاً. على أن هذا اللفظ غير محفوظ عن أبي هريرة، وإنما المحفوظ عنه اللفظ المتقدم في أول الباب برقم (4)، وإن خفي ذلك على بعض المشتغلين بالتعليق والتصحيح لبعض كتب السنة، كما كنت حققته في الرد عليه في كتابي "صفة الصلاة" (ص 127 - 130 - الطبعة الخامسة). كما غفل عن ذلك المعلقون الثلاثة، وزادوا في الطين بلة أنهم عزوه لمسلم برقم (792)! وهذا حديث آخر، وهو المشار إليه آنفاً! الحديث: 1450 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 5 - (الترغيب في قراءة سورة {الفاتحة}، وما جاء في رفضها). 1452 - (1) [صحيح] عن أبي سعيد بن المُعلَّى رضي الله عنه قال: كنت أصلي بالمسجد، فدعاني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلم أجبه، ثم أتيته، فقلتُ: يا رسول الله! إني كنت أصلي. فقال: "ألم يقل الله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ}؟ "، ثم قال: "لأعَلِّمَنَّكَ سورة هي أعظم سورةٍ في القرآن قبل أن تخرج من المسجد". فأَخذ بيدي، فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله! إنك قلت: "لأعلمنَّك أعظم سورة في القرآن". قال: " {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته". رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه. (قال الحافظ:) "أبو سعيد هذا لا يعرف اسمه، وقيل اسمه: رافع بن أوس. وقيل: الحارث بن نفيع بن المعلى، ورجحه أبو عمر النمري، وقيل غير ذلك. والله أعلم". 1453 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج على أُبيِّ بن كعب فقال: "يا أبَيّ! ". وهو يصلي، فالتفت أُبَيّ فلم يجبه، وصلى أُبَيّ فخفّف، ثم انصرف إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: السلام عليك يا رسول الله! فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وعليك السلام، ما منعك يا أُبيُّ أن تجيبني إذ دعوتُك؟ ". فقال: يا رسول الله! إني كنتُ في الصلاة. قال: "فلم تجد فيما أوحى الله إليَّ أن {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا الحديث: 1452 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 يُحْيِيكُمْ}؟ ". قال: بلى، ولا أعود إن شاء الله. قال: "أتحب أن أعلمك سورةً لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلُها". قال: نعم يا رسول الله! فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كيف تقرأ في الصلاة؟ ". قال: فقرأ (أم القرآن) فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "والذي نفسي بيده، ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، وإنها سبعٌ من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". ورواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم باختصار عن أبي هريرة عن أبيَّ. وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم". (1) 1454 - (3) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي في مسير فنزل، ونزل رجل إلى جانبه، قال: فالتفت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:   (1) قلت: هذا يوهم أن المختصَر عن أبي هريرة عن أُبَيٌ لم يخرجه الترمذي، وليس كذلك، فإنه أخرج الأول (2878) من طريق عبد العزيز بن محمد -وهو الدراوردي- عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة. . ثم أخرج الآخر (3124) من طريق عبد الحميد بن جعفر عن العلاء به، إلا أنه قال: "عن أبي هريرة عن أبَيّ بن كعب". ثم ساق إسناده من الوجه الأول وقال: "حديث عبد العزيز بن محمد أطول وأتم، وهذا أصح من حديث عبد الحميد بن جعفر، وهكذا روى غير واحد عن العلاء بن عبد الرحمن"، قلت: منهم عبد الرحمن بن إبراهيم عند أحمد (2/ 412 - 413)، وتابعه عنده (2/ 440) المقبري عن أبي هريرة به مختصراً. الحديث: 1454 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 "ألا أخبرك بأَفضل القرآن؟ ". قال: بلى. فتلا {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 1455 - (4) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "قالَ الله تعالى: قَسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سألَ، -وفي رواية: فنصفُها لي ونصفُها لعبدي-. فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قال الله: حمدني عبدي. فإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قال: أثنى عليّ عبدي. فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قال: مَجَّدَني عبدي. إذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، قال: هذا لعبدي. ولعبدي ما سأَل". رواه مسلم. قوله: "قسمت الصلاة" يعني: القراءة، بدليل تفسيره بها، وقد تُسمى القراءة صلاة لكونها جزءاً من أجزائها. والله أعلم. 1456 - (5) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: بينما جبرائيل عليه السلام قاعد عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه (1) فقال:   (1) قلت: في رواية النسائي (1/ 145): "فرفع جبريل بصره إلى السماء". وكذا رواه ابن نصر في "قيام الليل" (ص 65)، وإسناده صحيح، وعليه فلفظ الحديث هو لجبريل عليه السلام، وليس للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما هو ظاهر رواية مسلم، ويؤكده قوله: "أبشر بنورين أوتيتهما". الحديث: 1455 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 "هذا باب من السماء فُتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه مَلَك فقال: هذا مَلَك نزل إلى الأرض، لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أَبشِرْ بنورين أوتيتَهما، لم يُؤتَهما نبيٌّ قبلك؛ فاتحةِ الكتابِ، وخواتيمِ سورة {البقرة}، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيتَه". رواه مسلم والنسائي والحاكم، وقال: "صحيح على شرطهما". (النقيض) بالمعجمة: هو الصوت. 1457 - (6) [حسن] وعن واثلة بن الأسقع؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أُعطيتُ مكانَ التوراةِ السبعَ (1)، وأَعطيتُ مكان الزبور المئين (2)، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني (3)، وفضِّلتُ بـ (المفصَّل) (4) ". رواه أحمد، وفي إسناده عمران القطان.   (1) يعني السور السبع الطوال، وهي من {البقرة} إلى {براءة}. (2) وهي من السور ما كان فيها مئة آية فأكثر. (3) أي: السبع المثاني. وهي الفاتحة كما تقدم، وسميت بذلك لأنها تثنى في كل صلاة. (4) والمراد به السور التي كثرت فصولها، وهي من {الحجرات} إلى آخر القرآن على الصحيح، كما في "فتح الباري" (9/ 74). الحديث: 1457 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 6 - (الترغيب في قراءة سورة {البقرة} وخواتيمها و {آل عمران}، وما جاء فيمن قرأ آخر {آل عمران} فلم يتفكر فيها). 1458 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تجعلوا بيوتَكم مقابرَ، إن الشيطانَ يَفِرُّ من البيت الذي تُقرأ فيه سورة {البقرة} ". رواه مسلم والنسائي والترمذي. 1459 - (2) [صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما جبرائيل قاعد عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه (1) فقال: "هذا باب من السماء فتح [اليوم]، لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض، لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتَهما لم يؤتهما نبيٌّ قبلك؛ فاتحةُ الكتاب، وخواتيمُ سورة {البقرة}، لن تقرأَ بحرف منهما إلا أعطيته". رواه مسلم والنسائي والحاكم وتقدم. [قبل حديثين]. 1460 - (3) [صحيح] وعن أبي أمامة الباهلى رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: {البقرة} وسورة {آل عمران}؛ فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان، أو كأنهما فِرقانِ من طيرٍ صوافّ، تُحاجّان عن   (1) أي: جبريل كما تقدم قريباً. الحديث: 1458 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 أصحابهما. اقرؤوا سورة {البقرة}؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البَطَلة". قال معاوية بن سلاّم: بلغني أن البطلة: السحرة. رواه مسلم. (الغيايتان): مثنى (غياية) بغين معجمة ويائين مثناتين تحت: وهي كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه، كالسحابة والغاشية ونحوهما. (وفرقان) أي: قطعتان. 1461 - (4) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لكلِّ شيءٍ سنامٌ، إن سنامَ القرآنِ سورةُ {البقرة}. . . (1) ". رواه الترمذي عن حكيم بن جبير عن أبي صالح عن أبي هريرة وقال: "حديث غريب". 1462 - (5) [حسن لغيره] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لكل شيء سِناماً، وإن سنامَ القرآنِ سورةُ {البقرة}. . .". رواه ابن حبان في "صحيحه". 1463 - (6) [صحيح] وعن عبد الله (2) قال: "اقرؤوا سورة {البقرة} في بيوتكم، فإن الشيطان لا يدخل بيتاً يقرأ فيه سورة {البقرة} ". رواه الحاكم موقوفاً هكذا، وقال: "صحيح على شرطهما". [حسن] ورواه عن زائدة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي الأحوص عن عبد الله فرفعه. (قال الحافظ:) "وهذا إسناد حسن بما تقدم. والله أعلم".   (1) في الأصل هنا: "وفيها آية هي سيدة آي القرآن"، وهي من حصة الكتاب الآخر. (2) هو ابن مسعود رضي الله عنه. الحديث: 1461 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 1464 - (7) [صحيح] وعن أسَيد بن حُضير رضي الله عنه؛ أنه قال: يا رسول الله! بينما أنا أقرأ الليلة سورة {البقرة} إذ سمعت وجْبة من خلفي، فظننتُ أن فرسي انطلق، -فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اقرأ أبا عتيك"- فالتفتُّ فإذا مثل المصباح مُدَلّىً بين السماء والأرض، -ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "اقرأ أبا عتيك"- فقال: يا رسول الله! فما استطعت أن أَمضي. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تلك الملائكة تنزلت لقراءة سورة {البقرة}، أما إنك لو مضيت لرأيت العجائب". رواه ابن حبان في "صحيحه". (1) ورواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد بنحوه، وتقدم [12 - الجهاد/ 1]. 1465 - (8) [صحيح] وعن النوّاس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يؤتى بالقرآن يومَ القيامة وأهلِه الذين كانوا يعملون به في الدنيا، تَقدُمُه سورة {البقرة} و {آل عمران}، -وضرب لهما رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة أمثال ما نسِيتهن بعد- قال: كأنهما غمامتان أو ظُلَّتان سوداوان، بينهما شَرْق، أو كأنهما فِرقانٍ من طيرٍ صوافّ، تُحاجّان عن صاحبهما". رواه مسلم، والترمذي وقال: "حديث حسن غريب، ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم: أنه يجيء ثواب قراءته. كذا فسر بعض أهل العلم هذا الحديث وما يشبهه من الأحاديث؛ أنه يجيء ثواب قراءة   (1) قلت: وكذا رواه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص 26 - 27) وغيره كالحاكم (1/ 554)، وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وعزاه إليه المؤلف فيما تقدم من حديث أبي سعيد، وهو من أوهامه، قلده فيه المعلقون الثلاثة كما تقدم بيانه هناك. الحديث: 1464 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 القرآن، وفي حديث نواس -يعني هذا- ما يدل على ما فسروا إذ قال: "وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا" ففي هذا دلالة على أنه يجيء ثواب العمل" انتهى. قوله: "بينهما شرق": هو بفتح المعجمة وقد تكسر وبسكون الراء (1) بعدهما قاف؛ أي: بينهما فرق يضيء. 1466 - (9) [حسن صحيح] وعن ابن بريدة عن أبيه مرفوعاً: "تعلموا {البقرة} و {آل عمران}، فإنهما الزهراوان، يظلان صاحبَهما يوم القيامة كأَنهما غمامتان، أو غيايتان، أو فِرقان من طيرٍ صوافَّ". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 1467 - (10) [صحيح] وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن اللهَ كتبَ كتاباً قبل أن يخلق السماواتِ والأرض بأَلفي عام، أنزل منه آيتين، ختم بهما سورة {البقرة}، لا يقرآن في دارٍ ثلاث ليال فيقربها شيطان". رواه الترمذي -واللفظ له- وقال: "حديث حسن غريب"، والنسائي وابن حبان في "صحيحه" والحاكم؛ إلا أن عنده: "ولا يقرآن في بيت فيقربه شيطان ثلاث ليال". وقال: "صحيح على شرط مسلم". 1468 - (11) [حسن] وعن عُبيد بن عُميرٍ؛ أنه قال لعائشة رضي الله عنها: أخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: فسكتَتْ؛ ثم قالت:   (1) قال الناجي: "أي: وبفتحها أيضاً، لكن الإسكان أشهر، ومعناه: ضياء ونور، ولعل قول المصنف في تفسيره: "أي بينها فرق" أنه نور". الحديث: 1466 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 لما كانت ليلة من الليالي قال: "يا عائشة! ذَريني أتعبد الليلة لربي". قلت: والله إني أحب قربك، وأحب ما يسرك. قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بَلَّ حِجره. قالت: وكان جالساً فلم يزل يبكي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بلَّ لحيته. قالت: ثم بكى حتى بلَّ الأرض. فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله! تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال. "أفلا أكون عبداً شكوراً؟ لقد أنُزلتْ عليّ الليلَة آيةٌ؛ ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية كلها". رواه ابن حبان في "صحيحه" وغيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 7 - (الترغيب في قراءة {آية الكرسي}، وما جاء في فضلها). 1469 - (1) [صحيح لغيره] عن أبي أيوب الأنصاريِّ رضي الله عنه: أنه كانت له سَهْوة فيها تمر، وكانت تجيء الغول (1) فتأخذ منه، قال: فشكا ذلك إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "اذهب فإذا رأيتها فقل: بسم الله، أجيبي رسول الله". قال: فأَخذها فَحَلَفَتْ أن لا تعود، فأرسلها. فجاء إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ما فعل أسيرك؟ ". قال: حلفَت أن لا تعود. قال: "كذبت، وهي معاودة للكذب". قال: فأخذها مرة أخرى، فحلفتْ أن لا تعود. فأَرسلها، فجاء إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ما فعل أسيرك؟ ". قال: حلفت أن لا تعود. فقال: "كذبت، وهي معاودة للكذب". فأَخذها فقال: ما أنا بتاركك حتى أذهب بك إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقالت: إني ذاكرة لك شيئاً: آية الكرسي، اقرأها في بيتك؛ فلا يقربك شيطان ولا غيره. فجاء إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ما فعل أسيرك؟ ". قال: فأَخبره بما قالت. قال: "صدقت وهي كذوب". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".   (1) (الغول): جنس من الجن والشياطين، كانوا يعتقدون في الجاهلية أنها تتلون في البراري لتضل الناس وتهلكهم، فأبطل ذلك النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: "لا غول" كما يأتي عن ابن الأثير قريباً. الحديث: 1469 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 وتقدم حديث أبي هريرة في "ما يقوله إذا أوى إلى فراشه". [6 - النوافل/ 9، آخره]، وستأتي أحاديث في فضلها في "ما يقوله دبر الصلوات" إن شاء الله. [14 - الذكر/11]. (السهوة) بفتح السين المهملة: هي الطاق في الحائط يوضع فيها الشيء. وقيل: هي الصُّفة. وقيل: المخدع بين البيتين. وقيل: هو شيء شبيه بالرف. وقيل: بيت صغير كالخزانة الصغيرة. (قال المملي): "كل واحد من هؤلاء يسمى السهوة، ولفظ الحديث يحتمل الكل، ولكن ورد في بعض طرق هذا الحديث ما يرجح الأول". و (الغول) بضم الغين المعجمة: هو شيطان يأكل الناس. (1) وقيل: هو من يتلون من الجن. 1470 - (2) [صحيح] وعن [ابن] أُبيّ بن كعب؛ أن أباه أخبره: أنه كان لهم جَرِينٌ فيه تمرٌ، وكان مما يتعاهده فيجدهُ ينقصُ، فحرسَه ذات ليلة، فإذا هو بدابةٍ كهيئة الغلامِ المحتلمِ؛ قال: فسلمَ فرد عليه السلامَ، فقلت: ما أنت، جنُّ أم إنسٌ؟ قال: جن. فقلت: ناولني يَدَك، فإذا يد كلبٍ وشعر كلبٍ، فقلت: هذا خلق الجن؟ فقال: لقد عَلِمَتِ الجنُّ أن ما فيهم من هوَ أشدُّ مني. قلت: ما يحملك على ما صنعتَ؟ فقال: بلغني أنك تحبُّ الصدقةَ، فأحببتُ أن أُصيبَ من طعامك. فقلت: ما الذي يُحرِزُنا منكم؟   (1) كذا الأصل، وقد ذكره في "اللسان" عن ابن شميل. وأما ما ذكره من التلون. فهو من خرافات الجاهلية التي أبطلها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: "لا غول ولا صفر"، قال ابن الأثير: "الغول أحد الغيلان، وهي جنس من الجن والشياطين، كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تتراءى للناس فتتغول تغولاً. أي: تتلون تلوناً في صور شتى، وتَغولهم أي: تضلهم عن الطريق وتهلكهم، فنفاه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبطله". الحديث: 1470 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 قال: هذه الآية: آية الكرسيِّ. قال: فتركْتُه، وغدا أبيٌّ إلى رسول اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأخبره، فقال: "صَدَقَ الخبيثُ". رواه ابن حبان في "صحيحه"، وغيره. [مضى 6 - النوافل/ 14]. (الجرين) بفتح الجيم وكسر الراء: هو البيدر. 1471 - (3) [صحيح] وعن أُبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أبا المنذر! أتدري أيّ آية من كتاب الله معك أعظم؟ ". قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "يا أبا المنذر! أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ ". قلت: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}. قال: فضرب في صدري؛ وقال: " [والله] ليَهْنَكَ العلمُ أبا المنذر! ". رواه مسلم وأبو داود، [صحيح] ورواه أحمد وابن أبي شيبة (1) في كتابه بإسناد مسلمٍ، وزادا (2): "والذي نفسي بيده؛ إن لهذه الآية لساناً وشفتين، تقدس الملك عند ساق العرش".   (1) قلت: عطفه على أحمد يفيد أن إسنادهما واحد، وليس كذلك، فإن مسلماً رواه (2/ 199) عن ابن أبي شيبة: حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن الجُرَيري بسنده عن أُبيّ. وإسناد أحمد (5/ 141) هكذا: ثنا عبد الرزاق: أنا سفيان عن سعيد الجريري به. (2) الأصل ومطبوعة عمارة والمعلقين والمخطوطة: "وزاد" على الإفراد، وهو خطأ منافٍ للسياق والواقع، فإن الزيادة عند أحمد أيضاً (5/ 142)، ومع أن المعلقين الثلاثة عزوه إليه بالأرقام فلم يستفيدوا منه إلا التشبع بما لم يعطوا من التحقيق! وهو مخرج في "الصحيحة" (3410). الحديث: 1471 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 8 - (الترغيب في قراءة سورة {الكهف}، أو عشر من أولها، أو عشر من آخرها (1)). 1472 - (1) [صحيح] عن أبي الدرداء رضي الله عنه؛ أن نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من حفظَ عشرَ آيات من أولِ سورةِ {الكهف}؛ عُصِمَ من الدجال". رواه مسلم -واللفظ له- وأبو داود والنسائي، وعندهما: "عُصِمَ من فتنة الدجال". وهو كذا في بعض نسخ "مسلم" (2). 1473 - (2) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من قرأ {الكهف} كما أنزلت كانت له نوراً يوم القيامة من مقامه إلى مكة، ومن قرأ عشر آياتٍ من آخرِها (3) ثم خرج الدجال؛ لم يسلط عليه، ومن   (1) انظر التعليق رقم (2) و (3) هنا. (2) قال الناجي في هذه النسخة: "لم أرها". قلت: قد أشير إليها في حاشية "مسلم" (2/ 199 - طبع استانبول)، وهي طبعة جيدة محققة. وكذلك أكد وجودها أحد المعلقين على مخطوطة (الناجي)، وهي ثابتة في حديث الدجال الطويل بلفظ: ". . فإنها جواركم من فتنته". انظر "الصحيحة" (582). قلت: وفي الأصل هنا: (وفي رواية لمسلم وأبي داود: "من آخر سورة {الكهف} "، وفي رواية للنسائي: "من قرأ العشر الأواخر من سورة {الكهف} "). وكلتا الروايتين من رواية شعبة الشاذة، ورواية النسائي ذكرها في "عمل اليوم والليلة" (527/ 948)، وقد اضطرب فيها شعبة كما بينته في "الصحيحة" (582)، والمحفوظ بلفظ (أول). انظر التعليق التالي. (فائدة): ثم قال الناجي: "أخلَّ المصنف بالترغيب في قراءة سورة {الفتح}، وفيه حديث عمر في سبب نزولها، وفي آخره: "لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس". رواه البخاري والترمذي والنسائي وغيرهم مطولاً". (3) كذا وقع في هذه الرواية: "من آخرها"، وهي شاذة، والصواب: "من أولها" كما في الحديث الذي قبله، والتحقيق في "الصحيحة" برقم (2651). الحديث: 1472 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 توضأ ثم قال: "سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أَستغفرُك وأتوبُ إليك"؛ كتب في رَقٍّ، ثم طُبعَ بطابعٍ فلم يكسر إلى يوم القيامة". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". وذكر أن ابن مهدي وقفه على الثوري عن أبي هاشم الرماني. (1) (قال الحافظ): "وتقدم باب في فضل قراءتها يوم الجمعة وليلة الجمعة في (كتاب الجمعة) [7/ 7 - باب] ". 9 - (الترغيب في قراءة سورة {يس}، وما جاء في فضلها) [لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا]   (1) قلت: ضعفه المعلقون الثلاثة هنا (2/ 353/ 2173)، وحسنوه هناك (1/ 577/ 1086)! والمرفوع صحيح لغيره، والموقوف صحيح لذاته، وهو شاهد قوي للمرفوع لأنه في حكمه، ولا يقال بالرأي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 10 - (الترغيب في قراءة سورة {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}). 1474 - (1) [حسن لغيره] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن سورةً في القرآن ثلاثون آية شَفَعَتْ لرجلٍ حتى غُفر له، وهي: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ". رواه أبو داود والترمذي وحسنه (1)، واللفظ له، والنسائي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1475 - (2) [حسن] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "يؤتى الرجلُ في قبرِه، فتؤتى رجلاه، فتقول: ليس لكم على ما قِبَلي سبيل؛ كان يقرأ [عليّ] (2) سورة {الملك}. ثم يؤتى من قِبَل صدرِه، أو قال بطنه فيقول: ليس لكم على ما قِبَلي سبيل، كان أَوعى فيّ سورة {الملك}. ثم يُؤتى من قِبَلِ رأسه، فيقول: ليس لكم على ما قِبَلي سبيل، كان يقرأ بي سورة {الملك}، فهي المانعة، تمنع عذاب القبر، وهي في التوراة سورة {الملك}، من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب".   (1) قلت: إنما حسن متنه لا سنده، فإنه قال: "حديث حسن"، يشير إلى أن سنده ضعيف غير واهٍ، وأنه تقوى بغيره، ولذلك حسنته هنا، وبينته في "صحيح أبي داود" (1265)، وأما المعلقون الثلاثة فقلدوا التصحيح بغير علم (خبط لزق)! (2) سقطت من الأصل واستدركتها من فضائل القرآن، لابن الضريس (105/ 232) و"عبد الرزاق" (3/ 379) وغيرهما. ومنهما صححت بعض الأخطاء الأخرى. الحديث: 1474 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". [حسن] وهو في النسائي مختصر: "من قرأَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} كلَّ ليلةٍ؛ منَعَهً الله عزَّ وجل بها من عذابِ القبرِ". وكنا في عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نسميها: (المانعة)، وإنها في كتابِ اللهِ عز وجل سورةٌ من قرأ بها في كلِّ ليلةٍ، فقد أكثر وأطاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 11 - (الترغيب في قراءة {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وما يذكر معها). 1476 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من سَرَّه أن ينظرَ إلى يومِ القيامةِ كأنه رأيُ العين؛ فليقرأ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} و {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} و {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ". رواه الترمذي وغيره. (قال المملي) رضي الله عنه: "لم يصف الترمذي هذا الحديث بحسن ولا بغرابة (1)، وإسناده متصل، ورواته ثقات مشهورون". ورواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".   (1) قلت: لكن وقع في طبعة الدعاس وغيرها أنه قال: "حديث حسن غريب"، وهو صحيح كما قال الحاكم، ووافقه الذهبي، وقد خرجته في "الصحيحة" (1081)، وجود إسناده الحافظ. الحديث: 1476 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 12 - (الترغيب في قراءة {إِذَا زُلْزِلَتِ} وما يذكر معها). 1477 - (1) [حسن لغيره] عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ". . . (1) {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} تعدل رُبع القرآن". رواه الترمذي والحاكم؛ كلاهما عن يمان بن المغيرة العنَزَي: حدثنا عطاء عن ابن عباس، وقال الترمذي: "حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". 13 - (الترغيب في قراءة {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}). [لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا].   (1) المحذوف هنا لفظه: "إذا زلزلت تعدل نصف القرآن"، وهو المقصود بالباب، لكنه من حصة الكتاب الآخر. الحديث: 1477 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 14 - (الترغيب في قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}). 1478 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أقبلتُ مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسمع رجلاً يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وجبت". فسألته: ماذا يا رسول الله؟ فقال: "الجنة". فقال أبو هريرة: فأَردت أن أذهب إلى الرجل فأُبشره، ثم فَرِقْتُ أن يفوتني الغداءُ مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم ذهبت إلى الرجل، فوجدته قد ذهب. رواه مالك -واللفظ له- والترمذي، وليس عنده قول أبي هريرة: "فأردت. . ." إلى آخره. وقال: "حديث حسن صحيح غريب". والنسائي، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (فرِقتُ) بكسر الراء؛ أي: خِفْتُ. 1479 - (2) [صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "احشُدوا، فإني سأقرأ عليكم ثُلث القرآن". فَحَشَدَ من حشد. ثم خرج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، ثم دخل. الحديث: 1478 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 فقال بعضنا لبعض: إني أُرى هذا خبر، (1) جاءه من السماء، فذلك الذي أدخله. ثم خرج نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "إني قلت لكم: سأَقرأ عليكم ثُلثَ القرآن، ألا إنها تعدِل ثلث القرآن". رواه مسلم والترمذي. 1480 - (3) [صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أَيعجِزُ أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ ". قالوا: وكيف يَقرأ ثلثَ القرآن؟ قال: " {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن". وفي رواية قال: "إن الله عز وجل جزّأ القرآن ثَلاثة أَجزاءٍ، فجعل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} جزءاً من أجزاءِ القرآن". رواه مسلم. 1481 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيعجرْ أحدُكم أن يقرأَ في ليلةٍ ثلثَ القرآن؟ من قرأ: (اللَّهُ الواحد الصَّمَدُ)، فقد قرأ ثلث القرآن". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". 1482 - (5) [صحيح] وعن أبي سعيد الخدَّري رضي الله عنه: أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يُرَدِّدُها، فلما أصبح جاء   (1) الأصل ومطبوعة عمارة والمعلقين الثلاثة: "إنا نرى هذا خبراً"، فصححته من "مسلم"، وفي نسخة منه: "خبراً" على النصب. وأما ما في حاشية عمارة: "في رواية مسلم: فإني أرى هذا خير خبره؛. فمما لا أصل له! بل هو من التحريفات الكثيرة التي وقعت فيه. الحديث: 1480 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكر ذلك له، وكانَ الرجلُ يتقالُّها. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "والذي نفسي بيده، إنها لَتعدل ثلث القرآن". رواه مالك والبخاري وأبو داود والنسائي. (قال الحافظ): "والرجل القارئ هو قتادة بن النعمان أخو أبي سعيد الخدري من أمه". 1483 - (6) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث رجلاً على سَرِيَّة، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فلما رجعوا، ذكروا ذلك للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال: "سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ ". فسألوه؟ فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَخبروه أن الله يحبه". رواه البخاري ومسلم والنسائي. 1484 - (7) [صحيح] ورواه البخاري أيضاً والترمذي عن أنس أطول منه، (1) وقال في آخره: فلما أتاهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبروه الخبر فقال:   (1) قال الناجي: "لكن بسياق آخر أوله: "كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء. . ."، فكان يتعين التنبيه على مغايرته لما قبله. قلت: وهو عند البخاري معلق، وعند الترمذي موصول، فكان ينبغي عليهما التنبيه على ذلك. انظر "صفة الصلاة" (ص 103 - 104 - طبعة المعارف)، و"مختصر البخاري" (رقم 130 - معلق) -وقد طبع الأول والثاني منه، وسائره تحت الطبع-. ورواه ابن حبان أيضاً مختصراً (774 و1775). الحديث: 1483 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 "يا فلان! ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك؟ وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ ". فقال: إني أحبها. فقال: "حبُّك إياها أدخلَك الجنةَ". (قال الحافظ): "وفي باب "ما يقوله دبر الصلوات" وغيره أحاديث من هذا الباب. وتقدم أيضاً أحاديث تتضمن فضلها في أبواب متفرقة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 15 - (الترغيب في قراءة {المعوذتين}). 1485 - (1) [صحيح] عن عقبة بن عامرٍ رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألم تَرَ آيات أنزلت الليلة. لم يُرَ مثلهن؟ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ". [حسن] رواه مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود، ولفظه: قال: كنت أقود برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السفر، فقال: "يا عقبة! ألا أعلمُك خيرَ سورتين قُرِئتا؟ "، فعلَّمني {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فذكر الحديث. [صحيح لغيره] وفي رواية لأبي داود قال: بينما أنا أسير مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين (الجحفة) و (الأبواء)، إذ غَشِيَتْنا ريحٌ وظلمة شديدة، فجعل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتعوذ بـ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ويقول: "يا عقبة! تعوذ بهما، فما تَعَوّذَ مُتعوَّذٌ بمثلهما". قال: وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة. [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قلت: يا رسول الله! أقرِئني آياً من سورة {هود}، وآياً من سورة {يوسف}. فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا عقبة بن عامر! إنك لن تقرأ سورةً أحبَّ إلى الله، ولا أبلغ عنده من الحديث: 1485 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 أن تقرأ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، فإن استطعت أن لا تفوتَكَ في الصلاةِ فافْعل". ورواه الحاكم بنحو هذه، وقال: "صحيح الإسناد". وليس عندهما ذكر {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}. 1486 - (2) [حسن صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اقرأ يا جابر! ". فقلت: وما أقرأ بأبي أنت وأُمي؟ قال: " {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ". فقرأتهما. فقال: "اقرأ بهما، ولن تقرأ بمثلهما". رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه". وسيأتي ذكرهما في غير هذا الباب إن شاء الله تعالى. الحديث: 1486 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 14 - كِتابُ الذّكر (1). 1 - (الترغيب في الإكثار من ذكر الله تعالى سراً وجهراً والمداومة عليه، وما جاء فيمن لم يكثر ذكر الله تعالى). 1487 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في مَلأٍ ذكرته في مَلأٍ خيرٍ منهمٍ، وإن تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقربَ إليَّ ذراعاً تقربتُ إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة". (2) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. 1488 - (2) [صحيح] ورواه أحمد بنحوه بإسناد صحيح (3)، وزاد في آخره:   (1) في الأصل هنا : "كتاب الذكر والدعاء"، وقد تم جعلهما كتابين منفصلين. (2) قلت: اشتهر عند المتأخرين من علماء الكلام -خلافاً للسلف- تأويل هذه الصفات المذكورة في هذا الحديث، من (النفس) و (التقرب) و. . . وما ذلك إلا لضيق عطنهم، وكثرة تأثرهم بشبهات المعتزلة وأمثالهم من أهل الأهواء والبدع، فلا يكاد أحدهم يطرق سمعه هذه الصفات إلا كان السابق إلى قلوبهم أنها كصفات المخلوقات، فيقعون في التشبيه، ثم يفرون منه إلى التأويل ابتغاء التنزيه بزعمهم، ولو أنهم تلقوها حين سماعها مستحضرين قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} لما ركنوا إلى التأويل، ولآمنوا بحقائقها على ما يليق به تعالى، شأنهم في ذلك شأنهم في إيمانهم بصفتي السمع والبصر وغيرهما من صفاته عز وجل، مع تنزيهه عن مشابهته للحوادث، لو فعلوا ذلك هنا لاستراحوا وأراحوا، ولنجوا من تناقضهم في إيمانهم بربهم وصفاته. فاللهم هداك. وراجع إن شئت التوسع في هذا كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله تعالى. (3) قلت: هو في "المسند" (3/ 138) من حديث أنسٍ بن مالك، وليس من حديث أبي هريرة كما أوهمه المصنف رحمه الله، ولذلك أعطيته رقماً خاصاً. وغفل عن هذا التمييز والتحقيق المعلقون الثلاثة رغم كونهم عزوه لأحمد (3/ 138)! كما هي عادتهم في التشبع! والاكتفاء بالاستعانة بالفهارس، مع عدم الرجوع إلى أصولها! الحديث: 1487 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 "قال قتادة: والله أسرع بالمغفرة". 1489 - (3) [صحيح لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم! إذا ذكرتني خالياً ذكرتك خالياً، إذا ذكرتني في ملأٍ ذكرتُك في ملأٍ خيرٍ من الذين تذكرني فيهم". رواه البزار بإسناد صحيح. 1490 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدي إذا هو ذكرني، وتحركت بي شفتاه". رواه ابن ماجه -واللفظ له- وابن حبان في "صحيحه". 1491 - (5) [صحيح] وعن عبد الله بن بُسرٍ رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ؛ فأخبرني بشيء أتشبث به. قال: "لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله". رواه الترمذي -واللفظ له- وقال: "حديث حسن غريب"، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (أتشبث به) أي: أتعلق. 1492 - (6) [حسن صحيح] وعن مالك بن يُخامِر؛ أن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال لهم: إن آخر كلامٍ فارقتُ عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن قلتُ: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال: "أن تموت ولسانُك رَطبٌ من ذكر الله". الحديث: 1489 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 رواه ابن أبي الدنيا والطبراني -واللفظ له- والبزار؛ إلا أنه قال: أخبِرني بأَفضل الأعمال وأقربها إلى الله؟ رواه ابن حبان في "صحيحه". 1493 - (7) [صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أنبِّئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والورق، وخيرٍ لكم من أن تَلْقَوْا عدوَّكم؛ فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ ". قالوا: بلى. قال: "ذكر الله". قال معاذ بن جبل: ما شيءٌ أنجى من عذاب الله من ذكر الله. رواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا والترمذي وابن ماجه والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". 1494 - (8) [صحيح لغيره] ورواه أحمد أيضاً من حديث معاذ بإسناد جيد؛ إلا أن فيه انقطاعاً. 1495 - (9) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنه كان يقول: ". . . (1)، وما من شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله". قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولو أن يضربَ بسيفه حتى ينقطع". رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي من رواية سعيد بن سنان، واللفظ له.   (1) في الأصل هنا: "إن لكل شيء صَقَالة، وإن صقالة القلوب ذكر الله"، وهي من حصة الكتاب الآخر، والبيان هناك. الحديث: 1493 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 1496 - (10) [صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من عجِز منكم عن الليل أن يكابدَه، وبخل بالمال أن ينفقَه، وجَبُنَ عن العدو أن يجاهده؛ فليكثر ذكر الله". رواه الطبراني والبزار، واللفظ له. وفي سنده أبو يحيى القتَّات، وبقيته محتج بهم في "الصحيح". ورواه البيهقي من طريقه أيضاً. 1497 - (11) [حسن لغيره] وعن جابرٍ رضي الله عنه رفعه إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما عمل آدميٌّ عملاً أنجى له من العذاب من ذكر الله تعالى". قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع". رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، ورجالهما رجال "الصحيح". 1498 - (12) [صحيح] وعن الحارث الأشعريِّ رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن الله أوحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن، ويأمرَ بني إسرائيل أن يعملوا بهن. فكأنه أبطأَ بهن، فأَتاه عيسى فقال: إن الله أمرك بخمس كلمات أن تعمل بهن، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فإما أن تُخبرهم، وإما أن أُخبرهم. فقال: يا أخي! لا تفعل، فإني أخاف إن سَبَقْتَني بهن أن يخسف بي أو أعَذَّب. قال: فجمع بني إسرائيل ببيت المقدس حتى امتلأ المسجد، وقعدوا على الشرفات (1)، ثم خطبهم فقال: إن الله أوحى إليّ بخمس كلمات أن أعمل بهن، وآمُرَ بني إسرائيل أن   (1) كذا الأصل، وكذلك وقع في مطبوعة عمارة والمعلقين الثلاثة و"صحيح ابن خزيمة" (930 و1895)، وفيما تقدم (5 - الصلاة/ أول 36 - باب) بلفظ (الشَّرف) وهو الصواب، ولذلك تعقبه الناجي بقوله: "كذا قال هنا، وإنما هي (الشُّرف) بضم أوله وفتح ثانية؛ جمع شرفة بإسكان الراء؛ كما ذكره في (الالتفات في الصلاة) ". الحديث: 1496 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 يعملوا بهن: 1 - أَوَّلُهن [أن] لا تشركوا بالله شيئاً، فإن مَثَلَ من أشرك بالله كمثلِ رجلٍ اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورق، ثمِ أسكنه داراً فقال: اعمل وارفع إليَّ. فجعل يعمل ويرفع إلى غير سيده! فأيكم يرضى أن يكون عبدُه كذلك؛ فإن الله خلقكم ورزقكم، فلا تشركوا به شيئاً. 2 - وإذا قمتم إلى الصلاة فلا تلتفتوا، فإن الله يُقبل بوجهه إلى وجه عبده ما لم يلتفت. 3 - وآمُرُكم بالصيام، ومثل ذلك كمثل رجل في عِصابة معه صُرَّةٌ من مِسك، كلهم يحب أن يجد ريحها، وإن الصيام أطيب عند الله من ريحِ المسك. 4 - وآمُرُكم بالصدقة، ومثل ذلك كمثل رجل أسره العدو، فأوثقوا يَدَه إلى عنقه، وقربوه ليضربوا عنقه، فجعل يقول: هل لكم أن أفديَ نفسي منكم، وجعل يعطي القليل والكثير حتى فدى نفسه. 5 - وآمُرُكم بذكر الله كثيراً، ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سِراعاً في أثره، حتى أتى حصناً حصيناً، فأحرز نفسه فيه، وكذلك العبد لا ينجو من الشيطان إلا بذكر الله" الحديث. رواه الترمذي والنسائي ببعضه، وابن خزيمة في "صحيحه" -واللفظ له (1) -، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". [مضى بتمامه 5 - الصلاة /37]. 1499 - (13) [صحيح لغيره] وعن ثوبان رضي الله عنه قال: لما نزلت {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض أسفاره، فقال بعض أصحابه: أنزلت   (1) في "الصيام" (1895). الحديث: 1499 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 في الذهب والفضة، لو علمنا أي المال خيرٌ فنتخذه؟ فقال: "أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه". رواه الترمذي -واللفظ له- وابن ماجه. وقال الترمذي: "حديث حسن". 1500 - (14) [صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مثل الذي يذكر ربَّه والذي لا يذكر ربّه؛ مثل الحي والميت". رواه البخاري ومسلم؛ إلا أنه قال: "مثل البيت الذي يذكر الله فيه" (1). 1501 - (15) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسير في طريق مكة، فمر على جبل يقال له: (جُمْدان)، فقال: "سيروا، هذا جُمْدان، سبق المُفَرِّدون". قالوا: وما المُفَرِّدون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيراً [والذاكرات] (2) ". رواه مسلم، واللفظ له، والترمذي ولفظه. . (3) (المفردون) بفتح الفاء وكسر الراء (4). (قال الحافظ): "وسيأتي بابٌ في "من جلس مجلساً لم يذكر الله فيه" إن شاء الله تعالى [3 - باب] ".   (1) قلت: تقدم بتمامه في (5 - الصلاة /21)، واللفظ الذي قبله عند البخاري في "الدعوات" (6407)، وكان الأصل: "يذكر الله" في الموضعين فصححته منه. وأفاد الحافظ أن البخاري رواه بالمعنى الذي وقع له. ثم بين ذلك، فراجع "الفتح" (11/ 210) إن شئت. (2) سقطت من الأصل، ومطبوعة عمارة، والمعلقين الثلاثة! واستدركتها من "مسلم" (8/ 63). (3) قلت: هو من حصة الكتاب الآخر، لأن في إسناده متروكاً، فانظره فيه إن شئت يتبين لك الفرق الكبير بين اللفظين، وأما المعلقون الثلاثة فلم يفرقوا؛ بل صححوا كما هي عادتهم من الخلط في مثل هذا! (4) وبتشديد الراء كما في "مسلم" و"القاموس". الحديث: 1500 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 2 - (الترغيب في حضور مجالس الذكر والاجتماع على ذكر الله تعالى). 1502 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لله ملائكةً يطوفون في الطرقِ، يلتمسون أهلَ الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا: هَلُمّوا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا. قال: فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون: يسبحونك، ويُكبرونك، ويَحمدونك، ويُمجِّدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله يا رب! ما رأوك. قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشدَّ لك عبادَة، وأشدَّ لك تمجيداً، وأكثر لك تسبيحاً. قال: فيقول: فما يسألوني؟ قال: يقولون: يسألونك الجنة. قال: فيقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب! ما رأوها. قال: فيقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأَوها كانوا أشدَّ عليها حرصاً، وأشدَّ لها طلباً، وأعظم فيها رغبةً. قال: فممَّ يتعوَّذون؟ قال: يقولون: من النار. قال: فيقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله ما رأوها. قال: فيقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فِراراً، وأشد لها مخافة. قال: فيقول: أُشهدُكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة. قال: "هم القوم لا يَشقى بهم جليسُهم". رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم، ولفظه: قال: الحديث: 1502 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 "إن لله تبارك وتعالى ملائكةً سيارةً فضْلاً (1) يبتغون مجالسَ الذكر، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكرٌ قعدوا معهم، وحَفَّ بعضهم بعضاً بأجنحتهم، حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء. قال: فيسأَلهم الله عز وجل وهو أعلم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادك في الأرض يسبحونك، ويكبرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك. قال: فما يسألوني؟ قالوا: يسأَلونك جنتك. قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا أيْ ربِّ! قال: وكيف لو رأوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك؟ قال: ومِمَّ يستجيرونَني؟ قالوا، من نارك يا رب! قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا يا ربّ! قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويستغفرونك. قال: فيقولون: قد غفرت لهم، وأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا. قال: يقولون: ربِّ فيهم فلان عبد خَطَّاء إنما مَرَّ فجلس معهم. قال: فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم". 1503 - (2) [صحيح] وعن معاوية رضي الله عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج على حَلْقَةٍ من أصحابه، فقال: "ما أَجلسكم؟ ". قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومنَّ به علينا. قال:   (1) بسكون الضاد على الأكثر والأصوب كما في "النهاية"، أي: إنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق، فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم، وإنما مقصودهم حلق الذكر. ذكره النووي، وكان الأصل "فضلاء"، وتبعه عمارة مع أنه فسره بنحو ما ذكرنا! وكذلك وقع في "المستدرك" و"تلخيصه" (1/ 495)، وكل ذلك تحريف من النساخ. الحديث: 1503 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 "آللهِ (1) ما أجلسكم إلا ذلك". قالوا: اللهِ (2) ما أجلسنا إلا ذلك. قال: "أما إني لم أَستحلفكم تَهْمَةً لكم، ولكنه أتاني جبرائيل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة". رواه مسلم والترمذي والنسائي. 1504 - (3) [صحيح لغيره] وعنه [يعني أنس بن مالكٍ رضي الله عنه] أيضاً عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه؛ إلا ناداهم منادٍ من السماء: أن قوموا مغفوراً لكم، قد بُدِّلَتْ سيئاتُكم حسناتٍ". رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح"؛ إلا ميمون المرائي -بفتح الميم والراء بعدها ألف- نسبة إلى امرئ القيس (3)، وأبو يعلى والبزار والطبراني. 1505 - (4) [صحيح لغيره] ورواه البيهقي من حديث عبد الله بن مغفل. (4) 1506 - (5) [صحيح لغيره] ورواه الطبراني عن سهل بن الحنظلية قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله عز وجل فيه فيقومون؛ حتى يقال لهم: قوموا قد غفر الله لكم، وبُدِّلَتْ سيئاتُكم حسناتٍ".   (1) بهمزة ممدودة على الاستفهام، والثاني بلا مد، والهاء فيهما مكسورة على المشهور وعند الجمهور. قاله الناجي. ووقع في الأصل ممدوداً في الموضعين! وتبعه عمارة والمعلقون الثلاثة!! (2) بهمزة ممدودة على الاستفهام، والثاني بلا مد، والهاء فيهما مكسورة على المشهور وعند الجمهور. قاله الناجي. ووقع في الأصل ممدوداً في الموضعين! وتبعه عمارة والمعلقون الثلاثة!! (3) قال الناجي: "وهم بطن من مضر. وكان ينبغي أن يقول: (إلا ميموناً)؛ إذ هو مصروف". (4) قلت: له عند البيهقي في "الشعب" لفظان هذا أحدهما، والآخر يأتي في آخر الباب التالي، هو مخرج في "الصحيحة" (2557). الحديث: 1504 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 1507 - (6) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسولَ الله! ما غنيمةُ مجالسِ الذكرِ؟ قال: "غنيمةُ مجالسِ الذكرِ الجنةُ". رواه أحمد بإسناد حسن. 1508 - (7) [حسن لغيره] وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "عن يمينِ الرحمنِ -وكلتا يديه يمين- رجالٌ ليسوا بأنبياءَ ولا شهداءَ، يغشى بياضُ وجوههم نظرَ الناظرين، يغبِطُهم النبيون والشهداءُ بمقعدِهم وقربهم من الله عز وجل". قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال: "هم جُمَّاع من نوازع القبائل، يجتمعون على ذكر الله،. . .". رواه الطبراني، وإسناده مقارب لا بأس به (1). (جُمّاع) بضم الجيم وتشديد الميم؛ أي: أخلاط من قبائل شتى، ومواضع مختلفة. و (نوازع): جمع (نازع): وهو الغريب، ومعناه: أنهم لم يجتمعوا لقرابة بينهم ولا نسبٍ ولا معرفة، وإنما اجتمعوا لذكر الله لا غير.   (1) وفي "المجمع" (10/ 77): "ورجاله موثقون". قلت: فأشار إلى أن في بعضهم كلاماً، وإلا لقال: "ورجاله ثقات" كما لا يخفى على أهل المعرفة بهذا العلم، ولهذا لم تطمئن النفس لإيراده في "الصحيح"، وهذا إن سَلم من علة قادحة كالتدليس والانقطاع ونحوه، وإلا لصرح بأنه حسن على الأقل، لكن له بعض الشواهد دون آخره المشار إليه بالنقط، ولذلك أوردته هنا، وسيأتي بعضها في (23 - الأدب/ 31 - الحب في الله) مثل حديث ابن عباس، وأبي الدرداء، وغيرهما. وشاهد آخر من حديث أبي مالك الأشعري يأتي في الباب المشار إليه في هذا "الصحيح". ونص المحذوف: "فينتقون أطايب الكلام، كما ينتقي آكل التمر أطايبه". الحديث: 1507 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 1509 - (8) [صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليبعثن الله أقواماً يومَ القيامة في وجوههم النورُ، على منابر اللؤلؤ، يغبطهم الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء". قال. فجثا أعرابيٌّ على ركبتيه؛ فقال: يا رسول الله! حَلِّهم لنا نعرفهم. قال: "هم المتحابون في الله، من قبائل شتى، وبلاد شتى، يجتمعون على ذكر الله يذكرونه". رواه الطبراني بإسناد حسن. (1) 1510 - (9) [صحيح] وعن أبي هريرة وأبي سعيدٍ رضي الله عنهما؛ أنهما شهدا على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنه قال: "لا يقعد قومٌ يذكرون الله؛ إلا حفَّتْهم الملائكةُ، وغَشِيَتْهم الرحمةُ، ونزلتْ عليهم السكينةُ، وذكَرهم اللهُ فيمن عنده". رواه مسلم والترمذي وابن ماجه.   (1) وكذا قال الهيثمي (10/ 77)، وذكره من حديث عمرو بن عبسة، وقال: "رواه الطبراني، ورجاله موثقون"، ولم يتيسر لي الوقوف على إسناد الحديثين لننظر فيهما، فإن مسند الصحابيين المذكورين من "المعجم الكبير" للطبراني لم يطبع بعد، فأخشى أن يكون في التحسين المذكور شيء من التساهل المعهود، فإن الحديث قد جاء عن جمع من الصحابة كما سيأتي في الكتاب (31 - الترغيب في الحب في الله تعالى. .)، وليس فيها الاجتماع على الذكر، فأخشى أن يكون ذكره فيه منكراً، أو على الأقل شاذاً. وأما حديث عمرو بن عبسة، فقد أوردته في الكتاب الآخر لأن فيه زيادة أخرى، ولأن المؤلف قد أشار إلى أن في إسناده ضعفاً؛ بقوله: "وإسناده مقارب لا بأس به"! ونحوه قول الهيثمي المتقدم. الحديث: 1509 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 1511 - (10) [حسن لغيره] وعن أنس بن مالكٍ؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا". قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: "حِلَق الذكر". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب" (1). (الرتْع): هو الأكل والشرب في خصب وسعة (2).   (1) قلت: في إسناده ضعف؛ ولذلك كنت أوردته في "ضعيف الجامع الصغير" برقم (799)، ثم بدا لي أنه حسن، لأن له متابعاً وشاهداً. فخرجته في "الصحيحة" (2562). وبناء عليه أوردته هنا. فمن كان عنده "صحيح الجامع الصغير" فلينقله إليه. والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه. (2) هذا المعنى مكانه في الأصل متقدم عن هنا، وقد أخرته لضرورة الشرح. الحديث: 1511 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 3 - (الترهيب من أن يجلس الإنسان مجلساً لا يذكر الله فيه، ولا يصلي على نبيه محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -). 1512 - (1) [صحيح لغيره] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم؛ إلا كان عليهم تِرَةً، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم". رواه أبو داود والترمذي -واللفظ له- وقال: "حديث حسن". ورواه بهذا اللفظ ابن أبي الدنيا والبيهقي. [حسن صحيح] ولفظ أبي داود: قال: "من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه؛ كان عليه من الله تِرَةً، ومن اضطجع مضجعاً لا يذكر الله فيه؛ كانت عليه من الله ترة. وما مشى أحد مَمْشىً لم يذكر الله فيه؛ إلا كان عليه من الله ترة" (1). ورواه أحمد وابن أبي الدنيا والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلهم بنحو أبي داود. (التِّرة) بكسر التاء المثناة فوق وتخفيف الراء: هي النقص، وقيل: التبعة. 1513 - (2) [صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما قعد قوم مقعداً لا يذكرون الله عز وجل ويصلون على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛   (1) قلت: الجملة الأخيرة منه ليست عند أبي داود، ولم يتنبه لذلك -كعادتهم- المعلقون الثلاثة! وإنما رواه بهذا التمام نحوه ابن حبان وأحمد كما هو مبين في "الصحيحة" (78 و79). ثم هو عند النسائي في "اليوم والليلة" (رقم 404 - 407). الحديث: 1512 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة، وإن دخلوا الجنة للثواب". رواه أحمد بإسناد صحيح، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري". 1514 - (3) [صحيح] وعنه قال: قال رسول الله: "ما من قومٍ يقومون من مجلسٍ لا يذكرون اللهَ فيه؛ إلا قاموا عن مثلِ جيفةِ حمارٍ، وكان عليهم حسرةً يوم القيامة". رواه أبو داود، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 1515 - (4) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من قوم اجتمعوا في مجلسٍ فتفرقوا ولم يذكروا الله؛ إلا كان ذلك المجلس حسرةً عليهم يوم القيامة". رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، والبيهقي، ورواة الطبراني محتج بهم في "الصحيح". الحديث: 1514 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 4 - (الترغيب في كلمات يكفِّرن لغط المجلس). 1516 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من جلس مجلساً كَثُرَ فيه لَغَطُه؛ فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)؛ إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك". رواه أبو داود والترمذي -واللفظ له (1) - والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب". 1517 - (2) [صحيح] وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول بأَخَرةٍ إذا أراد أن يقوم من المجلس: "سبحانَك اللهم وبحمدك، أشهدُ أن لا إله إلا أنت، أستغفرُك وأتوبُ إليك". فقال رجل: يا رسول الله! إنك لتقول قولاً ما كنت تقوله فيما مضى؟ فقال: "كفارة لما يكون في المجلس". رواه أبو داود. (بأَخَرة) بفتح الهمزة والخاء المعجمة جميعاً غير ممدود؛ أي بآخر أمره.   (1) قلت: الذي في "سنن الترمذي" (3429): "من جلس في مجلس. . الخ"، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأبو داود لم يسق لفظه (4858)، فخفي على المعلقين الثلاثة فلم يعزوه إليه خلاف عادتهم! وفي إسناده مجهول لم يوثق ولا من ابن حبان! الحديث: 1516 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 1518 - (3) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا جلس مجلساً أو صلى تكلم بكلماتٍ، فسألته عائشة عن الكلمات؟ فقال: "إن تكلم بخيرٍ كان طابعاً عليهن إلى يوم القيامة، وإن تكلم بشرٍّ كان كفارة له: (سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك) ". رواه ابن أبي الدنيا والنسائي (1) -واللفظ لهما-، والحاكم والبيهقي. 1519 - (4) [صحيح] وعن جبير بن مطعمٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من قال: (سبحان الله وبحمده، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك). فقالها في مجلس ذكرٍ كان كالطابع يطبع عليه، ومن قالها في مجلس لغو كان كفارة له". رواه النسائي (2) والطبراني ورجالهما رجال "الصحيح"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم".   (1) يعني في "عمل اليوم والليلة" كما نبه عليه الحافظ الناجي في آخر كتابه (228/ 1)، وقد أخرج عنه الأول منها ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم - 448 - طبع مصر). ثم خرجتهما في "الصحيحة" (81 و3164)، وبينت فيه أنه لا وجه لمن جزم بتحسين حديث عائشة دون تصحيحه، وليس في حديثها عند الحاكم جملة الصلاة والسؤال، أما المعلقون الثلاثة فقالوا: "ولم نجده في المستدرك"! كما قصروا في اقتصارهم على تحسين حديث (جبير بن مطعم). (2) يعني في "عمل اليوم والليلة" كما نبه عليه الحافظ الناجي في آخر كتابه (228/ 1)، وقد أخرج عنه الأول منها ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم-448 - طبع مصر). ثم خرجتهما في "الصحيحة" (81 و3164)، وبينت فيه أنه لا وجه لمن جزم بتحسين حديث عائشة دون تصحيحه، وليس في حديثها عند الحاكم جملة الصلاة والسؤال، أما المعلقون الثلاثة فقالوا: "ولم نجده في المستدرك"! كما قصروا في اقتصارهم على تحسين حديث (جبير بن مطعم). الحديث: 1518 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 5 - (الترغيب في قول لا إله إلا الله وما جاء في فضلها). 1520 - (1) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! من أسعدُ الناسِ بشفاعَتِكَ يوم القيامة؟ قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لقد ظننتُ يا أبا هريرة! أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه". رواه البخاري. 1521 - (2) [صحيح] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من شهد (أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله؛ وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنةَ حقٌّ، والنارَ حقٌّ)؛ أدخله الله الجنة على ما كان من عمل -زاد جنادة:- من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء". رواه البخاري -واللفظ له-، ومسلم. وفي رواية لمسلم والترمذي: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؛ حرم الله عليه النار". 1522 - (3) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعاذ رديفه على الرحل- قال: "يا معاذ بن جبل! ". الحديث: 1520 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 قال: لبيك يا رسول الله وسعديك (ثلاثاً). قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه؛ إلا حرمه الله على النار". قال: يا رسول الله! أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: "إذاً يتكلوا". وأخبر بها معاذ عند موته تَأَثُّماً. رواه البخاري ومسلم. (1) (تأثماً): أي تحرجاً من الإثم؛ وخوفاً منه أن يلحقه إن كتمه. (قال المملي) عبد العظيم: "وقد ذهب طوائف من أساطين أهل العلم إلى أن مثل هذه الإطلاقات التي وردت فيمن قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، أو حرم الله عليه النار، ونحو ذلك إنما كان في ابتداء الإسلام، حين كانت الدعوة إلى مجرد الإقرار بالتوحيد، فلما فرضت الفرائض، وحُدت الحدود؛ نسخ ذلك. والدلائل على هذا كثيرة متظاهرة، وقد تقدم غير ما حديث يدل على ذلك في "كتاب الصلاة" و"الزكاة" و"الصيام" و"الحج". ويأتي أحاديث أخر متفرقة إن شاء الله (2). وإلى هذا القول ذهب الضحاك والزهري وسفيان الثوري وغيرهم.   (1) وفي رواية لأحمد (5/ 236) بسند صحيح عن جابر قال: أنا ممن شهد معاذاً حين حضرته الوفاة يقول: أخبركم بشيء سمعته من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يمنعني أن أحدثكموه إلا أن تتكلوا، سمعته يقول: "من شهد. . " الحديث، وهو في "الصحيحة" تحت رقم (1314). (2) قلت: الأحاديث التي أشار إليها المؤلف رحمه الله ليس فيها ما يدل على النسخ المدعى، وإنما فيها وجوب أشياء لم تذكر في أحاديث الباب، وهذا لا يستلزم النسخ كما لا يخفى، كيف ومن رواتها أبو هريرة، وصحبته متأخرة عن أكثر الفرائض؟! فإنه أسلم قبل وفاته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بثلاث سنوات! وقصته مع عمر في منعه إياه أن يبلغ الناس فضل الشهادة، إنما كانت في المدينة حينما دخل حائطاً للأنصار يبتغي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهي معروفة في "صحيح مسلم" (1/ 44) وغيره. وفي "المسند" نحوها بين أبي موسى الأشعري وعمر أيضاً، وكان قدومه في السنة التي قدم فيها أبو هريرة كما في = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 وقال طائفة أخرى: لا احتياج إلى ادعاء النسخ في ذلك، فإن كل ما هو من أركان الدين وفرائض الإسلام هو من لوازم الإقرار بالشهادتين وتتمّاته، فإذا أقر ثم امتنع عن شيء من الفرائض جحداً أو تهاوناً على تفصيل الخلاف فيه، حكمنا عليه بالكفر، وعدم دخول الجنة. وهذا القول أيضاً قريب. وقالت طائفة أخرى: التلفظ بكلمة التوحيد سبب يقتضي دخول الجنة، والنجاة من النار، بشرط أن يأتي بالفرائض، ويجتنب الكبائر، فإن لم يأت بالفرائض ولم يجتنب الكبائر؛ لم يمنعه التلفظ بكلمة التوحيد من دخول النار. وهذا قريب مما قبله، أو هو هو. وقد بسطنا الكلام على هذا والخلاف فيه في غير ما موضع من كتبنا. والله سبحانه وتعالى أعلم". 1523 - (4) [صحيح] وعن رفاعة الجهني رضي الله عنه قال: أقبلنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى إذا كنا بـ (الكديد) أو بـ (قديد)، فحمد الله وقال خيراً، وقال: "أشهد عند الله: لا يموت عبدٌ يشهدُ أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله صدقاً من قلبه ثم يسدد؛ إلا سلك في الجنة". رواه أحمد بإسناد لا بأس به، وهو قطعة من حديث. 1524 - (5) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما قال عبد: (لا إله إلا الله) قط مخلصاً؛ إلا فُتحت له أبواب السماء حتى يُفضي إلى العرش؛ ما اجتُنِبَتِ الكبائر". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".   = "الفتح"، وقد خرجتها في "الصحيحة" (1314)، وفيه قصة أخرى بين جابر وعمر، من حديث جابر نفسه، وهو أنصاري، مما يؤكد أن القصة وقعت في المدينة، وأن الحديث غير منسوخ، فراجع تمام هذا في المصدر المذكور آنفاً. الحديث: 1523 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 1525 - (6) [صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من قال: لا إله إلا الله؛ نفعته يوماً من دهره، يُصيبه قبل ذلك ما أصابه". رواه البزار والطبراني، ورواته رواة "الصحيح" (1). 1526 - (7) [حسن] وعن جابرٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أفضلُ الذكرِ لا إله إلا الله، وأفضلُ الدعاءِ الحمدُ لله". رواه ابن ماجه والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم؛ كلهم من طريق طلحة بن خراش عنه. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". 1527 - (8) [صحيح موقوف] وعن عبد الله (2) رضي الله عنه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} قال: من جاء بلا إله إلا الله، {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ}؛ قال: من جاء بالشرك. رواه الحاكم موقوفاً وقال: "صحيح على شرطهما". 1528 - (9) [صحيح] وعن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إني لأعلمُ كلمةً لا يقولها عبدٌ حقاً من قلبه فيموت على ذلك؛ إلا حُرم على النار: لا إله إلا الله". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما، وروياه بنحوه" (3).   (1) وكذا في "المجمع" (1/ 17) للهيثمي، إلا أنه قيده الطبراني بـ "الأوسط" و"الصغير". قلت: وفي إسنادهما متروك، فكان ينبغي تقييد التصحيح المذكور بإسناد البزار، فإنه سالم منه، كما بينته في "الصحيحة" (1932). (2) هو ابن مسعود رضي الله عنه. (3) قلت: أي من حديث عتبان بن مالك، وهذا معنى كلام الحاكم، وتمامه "من حديث عتبان بن مالك. . وليس فيه ذكر عمر". فكان ينبغي على المصنف ذكر هذا لكي لا يفهم كلامه على خلاف مرامه. ولم يتعرض المعلقون الثلاثة لبيانه! الحديث: 1525 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 1529 - (10) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أكثروا من شهادة أن لا إله إلا الله، قبل أن يحال بينكم وبينها". رواه أبو يعلى بإسناد جيد قوي. 1530 - (11) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أخبركم بوصية نوح ابنه؟ ". قالوا: بلى. قال: "أوصى نوحٌ ابنَه، فقال لابنه: يا بني! إني أوصيك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين، أوصيك بقول: (لا إله إلا الله)؛ فإنها لو وضعت في كفَّة، ووضعت السماوات والأرض في كفَّة، لرجحت بهن، ولو كانت حلقةً لَقَصَمَتْهُنَّ حتى تَخلص إلى الله" فذكر الحديث. رواه البزار، ورواته محتج بهم في "الصحيح" إلا (1) ابن إسحاق.   (1) كذا الأصل، وهو الصواب، ونحوه قول الهيثمي: ". . وفيه محمد بن إسحاق، وهو مدلس، وهو ثقة، وبقية رجاله رجال الصحيح". ووقع في طبعة المعلقين الثلاثة: "إلى ابن إسحاق"! وهو خطأ ظاهر، إذ لا فائدة من هذا التحديد، فقد يكون من فوق ابن إسحاق مثله أو دونه، بخلاف "إلا" فإنه يعم جميع الرجال غير ابن إسحاق، كما قال الهيثمي، وهو والمؤلف يشيران إلى أن ابن إسحاق لم يحتج به الشيخان، نعم استشهد به مسلم كما ذكر المؤلف في آخر الكتاب، وقال: إنه حسن الحديث، وهو كذلك بشرط أن يصرح بالتحديث، وهنا قد عنعن، لكنه صحيح بما بعده، ولقد أساء المعلقون هنا إلى الحديث إساءة بالغة، فضعفوا الحديث بكلام الهيثمي المذكور آنفاً، ولم يفرقوا بين رواية البزار المعنعنة، ورواية النسائي عن الأنصاري، ورواية الحاكم عن عبد الله من عمرو، وهما صحيحتان، وأعطوا هذه الروايات الثلاث رقماً واحداً! ومن غرائبهم أنهم حسنوا رواية النسائي في الموضع الذي سبقت الإشارة إليه، ونقلوا عن الحافظ ابن كثير أنه قال: "هذا إسناد صحيح"، ومع ذلك خالفوه، وهكذا فهم يخبطون خبط عشواء في الليلة الظلماء. والله المستعان. الحديث: 1529 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 1531 - (12) [صحيح] وهو في النسائي عن صالح بن سعيد رفعه إلى سليمان بن يسار إلى رجل من الأنصار لم يسمِّه. (1) 1532 - (13) [صحيح] ورواه الحاكم عن عبد الله (2) وقال: "صحيح الإسناد"، ولفظه قال: "وآمركما بـ (لا إله إلا الله)؛ فإن السموات والأرضَ وما فيهما لو وضعت في كِفَّةٍ، ووضعت (لا إله إلا الله) في الكِفَّة الأخرى؛ كانت أرجح منهما، ولو أن السمواتِ والأرضَ وما فيهما كانت حلقة؛ فوضعت (لا إله إلا الله) عليهما لقَصَمَتْهُما، وآمركما بـ (سُبحان الله وبحمده)؛ فإنها صلاةُ كلِّ شيءٍ، وبها يُرزق كلُّ شيء". 1533 - (14) [صحيح] وعن عبد الله بن عَمرو بن العاصي رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يومَ القيامةِ، فينُشُرُ عليه تسعةً وتسعين سِجِلاً، كلُّ سِجِلٍّ مثلُ مَدَّ البصرِ، ثم يقول: أتنكر مِنْ هذا شيئاً؟ أظلمك كَتَبَتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب! فيقول: أفَلَك عذر؟ فيقول: لا يا رب! فيقول الله تعالى: بلى إن لك عندنا حسنةً، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، فيقول: احْضُرْ وَزْنَك. فيقول: يا رب! ما هذه البطاقة   (1) قلت: ويأتي لفظه في (7 - باب/ رقم 7). (2) هو ابن عمرو بن العاص، ولقد كان على المصنف أن يبينه حتى لا يشتبه بالذي قبله، فهما حديثان، ولذلك فصلت بينهما برقمين مختلفين، وكما أوهم هنا أن الحاكم رواه عن ابن عمر، فقد أوهم فيما يأتي بعد باب أن البزار رواه عن ابن عمرو! وسيأتي لفظ النسائي هناك. الحديث: 1531 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 مع هذه السجِلاّتِ؟ فقال: فإنك لا تُظلمُ، فتوضع السِّجلاتُ في كِفّةٍ، والبطاقةُ في كِفَّةٍ، فطاشَتِ السجلاتُ، وثَقُلَتِ البطاقةُ، فلا يثقُلُ مع اسمِ اللهِ شيءٌ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 6 - (الترغيب في قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له). 1534 - (1) [صحيح] عن أبي أيوب رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) عشر مرات؛ كان كمن أعتق أربعة أنفس (1) من ولد إسماعيل". رواه البخاري ومسلم، والترمذي والنسائي. 1535 - (2) [صحيح] وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من مَنح منيحةَ وَرِقٍ، أَو منيحةَ لَبَنٍ، أو هدى زُقاقاً؛ فهو كعِتاق نسمةٍ. ومن قال (لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)؛ فهو كعتق نسمةٍ". رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح"، وهو في الترمذي باختصار التهليل، وقال: "حديث حسن صحيح". وفرقه ابن حبان في "صحيحه" في موضعين، فذكر المنيحة في موضع، والتهليل في آخر.   (1) قلت: وأما رواية "عشر رقاب. . " المذكورة عقب هذه في الأصل، فهي شاذة لا تصح، كما حققته في "الضعيفة" (5126)، ولذلك أوردتها في "ضعيف الترغيب"، وجهل ذلك المعلقون على الكتاب فصححوها مع رواية الشيخين!! الحديث: 1534 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 1536 - (3) [حسن لغيره] وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خيرُ الدعاءِ الدعاءُ يومِ عرفةَ، وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيُّونَ من قبلي: لا إله إلا الله، وحدَه لا شريكَ لهُ، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن (1) غريب". (قال المملي): "وفي "أذكار المساء والصباح" و"ما يقوله بعد الصبح والعصر والمغرب" [5 - الصلاة/ 14] و"ما يقوله إذا دخل السوق" [16 - البيوع/ 3] وغير ذلك؛ أحاديث كثيرة من هذا الباب".   (1) وكذا في طبعة الدعاس، ولم يذكر في طبعة (بولاق): "حسن"، ولذلك هو اللائق بإسناده، لكن الحديث حسن لشواهده كما بينته في "الصحيحة" (1503). الحديث: 1536 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 7 - (الترغيب في التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد على اختلاف أنواعه). 1537 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كَلمتانِ خَفيفَتانِ على اللسانِ، ثَقيلتانِ في الميزانِ، حَبيبتانِ إلى الرَّحمنِ: سبحانَ اللهِ وبحمدِه، سبحانَ اللهِ العظيمِ" رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. 1538 - (2) [صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَلا أخبركَ بأَحبِّ الكلامِ إلى الله؟ ". قلتُ: يا رسول الله! أخبرني بأحبِّ الكلامِ إلى اللهِ؟ فقال: "إن أحبَّ الكلامِ إلى الله؛ سبحانَ اللهِ وبحمدِه". رواه مسلم والنسائي والترمذي؛ إلا أنه قال: "سبحان ربي وبحمده". وقال: "حديث حسن صحيح" وفي رواية لمسلم: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل: أيُّ الكلامِ أفضلُ؟ قال: "ما اصطفى اللهُ لملائكتِه أو لعبادِه؛ سبحانَ الله وبحمدِه". 1539 - (3) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من قال: (سبحانَ اللهِ وبحمدِه)؛ غُرِستْ لَه نَخْلةٌ في الجنة". رواه البزار بإسناد جيد. الحديث: 1537 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 1540 - (4) [صحيح لغيره] وعن جابرٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ قال: (سبحانَ اللهِ العظيم وبحمدهِ)؛ غُرست له نخلةٌ في الجنة". رواه الترمذي وحسنه -واللفظ له- والنسائي؛ إلا أنه قال: "غُرست له شجرة". وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في موضعين بإسنادين قال في أحدهما: "على شرط مسلم"، وقال في الآخر: "على شرط البخاري". 1541 - (5) [صحيح لغيره] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من هالهُ الليلُ أن يكابِدَهُ، أو بخِل بالمالِ أن يُنفقَه، أو جَبُنَ عن العدوِّ أن يقاتلَه، فَلْيُكْثِرْ مِنْ (سبحانَ الله وبحمدِه)؛ فإنها أحبُّ إلى الله من جَبَلِ ذَهَبٍ ينفقهُ في سبيل اللهِ عزَّ وجلَّ". رواه الفريابي والطبراني واللفظ له وهو حديث غريب، ولا بأس بإسناده إن شاء الله. 1542 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ومن قال: (سبحان الله وبحمده)؛ في يوم مئة مرة؛ غُفِرتَ له ذنوبهُ وإن كانت مثل زَبَدِ البحر". رواه مسلم والترمذي والنسائي في آخر حديث يأتي إن شاء الله تعالى [10 - باب/ الحديث 5]. وفي رواية للنسائي: "من قال: (سبحان الله وبحمده)؛ حَطَّ اللهُ عنهُ ذنوبه، وإن كانت أكثر من زَبدِ البحر". لم يقل في هذه: "في يوم"، ولم يقل: "مئة مرة"؛ وإسنادهما متصل، ورواتهما ثقات. الحديث: 1540 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 1543 - (7) [صحيح] وعن سليمانَ بن يَسارٍ عن رَجُلٍ منَ الأنصار؛ أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال نوحٌ لابنِه: إنِّي مُوصيكَ بِوَصِيَّةٍ وقاصِرُها لِكَيْ لا تنساها؛ أوصيكَ باثْنَتين، وأَنهاك عنِ اثْنَتينِ: أمَّا اللَّتانِ أوصيكَ بِهما؛ فيَستبشرُ اللهُ بهما وصالحُ خَلقهِ، وهما يُكْثِرانِ الوُلُوجَ عَلى اللهِ: أوصيك بـ (لا إله إلا الله)، فإنَّ السمواتِ والأرضَ لوْ كانتا حَلقةً قَصَمَتْهُما، ولو كانتا في كِفَّةٍ وَزَنَتْهُما. وأُوصيك بِـ (سبحانَ اللهِ وبحمدِه)؛ فإنَّهما صلاةُ الخَلقِ، وبهما يُرْزقُ الخلقُ، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}. وأمَّا اللَّتانِ أَنهاكَ عنهما؛ فيحتجِبُ الله منهما وصالحُ خَلْقِهِ: أَنْهاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالكِبْرِ". رواه النسائي -واللفظ له- والبزار (1) والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". (الوُلوج): الدخول. 1544 - (8) [صحيح] وعن مصعب بن سعدٍ قال: حدثني أبي قال: كنا عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:   (1) تعقبه الناجي بقوله (148/ 2): "رواه أحمد وغيره". قلت: لكنه عند أحمد من حديث ابن عمرو، وهو مخرج في "الصحيحة" (134)، وأما البزار فهو عنده من حديث ابن عمر -يعني ابن الخطاب-، وقد صرح بذلك الناجي فيما بعد (149/ 2) خلاف ما أفاده هنا، وأوهم به المؤلف في عطفه الحاكم على البزار، وقوله أنهما أخرجاه من حديث ابن عمرو. وبخلاف إيهامه فيما تقدم (5 - باب/ 11) أن الحاكم رواه من حديث ابن عمر! وانظر الرد المتقدم على المعلقين الثلاثة الذين ضعفوا الحديث هناك وحسنوه هنا، مخالفين الحفاظ الذين صححوه. الحديث: 1543 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 "أيعجِزُ أحدُكم أن يكسِبَ كلَّ يومٍ ألفَ حَسَنةٍ؟ ". فسألة سائلٌ مِنْ جُلسائهِ: كيفَ يكسبُ أحدُنا ألفَ حَسنةٍ؟ قال: "يسبِّح مئة تسبيحةٍ؛ فتُكتَبُ له ألفُ حسنةٍ، أو تُحَطُّ عنه ألفُ خطيئةٍ". رواه مسلم والترمذي -وصححه- والنسائي. قال الحميدي رحمه الله: "كذا هو في "كتاب مسلم" في جميع الروايات: (أو تحط) ". قال البُرقاني: "ورواه شعبة وأبو عوانة ويحيى القطان عن موسى الذي رواه مسلم من جهته فقالوا: "وتحط" بغير ألف" انتهى. (قال الحافظ): "هكذا رواية مسلم، وأما الترمذي والنسائي فإنهما قالا: "وتحط" بغير ألف. والله أعلم". (1) 1545 - (9) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لأَنْ أقولَ: (سبحانَ اللهِ، والحمد للهِ، ولا إله إلا الله، والله أكبرُ)؛ أَحَبُّ إليَّ مما طَلَعتْ عليهِ الشمسُ". رواه مسلم والترمذي. 1546 - (10) [صحيح] وعن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ أَربعٌ: (سبحانَ اللهِ، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبرُ)، لا يَضُرُّكَ بأَيِّهِنَّ بَدأْتَ".   (1) قال الشيخ ملا علي القاري في "المرقاة" (3/ 49): "قد تأتي الواو بمعنى (أو) فلا منافاة بين الروايتين، وكأن المعنى أن من قالها يكتب له ألف حسنة إن لم يكن عليه خطيئة، وإن كانت عليه فيحط بعض، ويكتب بعض، ويمكن أن تكون (أو) بمعنى الواو، أو بمعنى (بل)، فحينئذ يجمع له بينهما، وفضل الله أوسع من ذلك". الحديث: 1545 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 رواه مسلم وابن ماجه والنسائي، وزاد: "وهُنُّ مِنَ القرآن". 1547 - (11) [صحيح] ورواه النسائي أيضاً وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة. 1548 - (12) [صحيح] وَعَنْ رجُلٍ منْ (1) أصحابِ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[عن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] قال: "أَفْضَلُ الكَلامِ: سُبْحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ، والله أكْبَرُ". رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح". 1549 - (13) [حسن لغيره] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنهُ: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بهِ وهو يَغْرِسُ غَرْساً، فقال: "يا أبا هريرة! ما الذي تَغْرِسُ؟ ". قُلتُ: غِراساً. قال: "ألا أدُلُّكَ على غِراس خيرٍ من هذا؟ (سبحانَ الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبرُ)، تُغْرَس لَكَ بِكُلِّ واحدَةٍ شَجَرَةٌ في الجنَّةِ". رواه ابن ماجه بإسناد حسن -واللفظ له-، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1550 - (14) [حسن لغيره] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَقيتُ إبراهيمَ ليلة أُسريَ بي، فقالَ: يا محمدُ! أقْرِئْ أُمَّتَكَ مني   (1) كذا الأصل، وتبعه "المجمع" (10/ 88) وغيره، والذي في "المسند" (4/ 36): "عن بعض"، وما بين المعكوفتين استدركتها منه. وأما المعلقون الثلاثة فتركوا الأصل كما هو لم يصححوا منه شيئاً رغم أنهم عزوه لأحمد بالجزء والصفحة كما هي عادتهم من الاستغناء عن التحقيق بالاكتفاء على العزو بالأرقام!! الحديث: 1547 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 السلامَ، وأخبرهم أنَّ الجنَّة طيَّبةُ التَّربةِ، عَذْبَةُ الماءِ، وأنَّها قِيعَانٌ، وأَنَّ غِراسَها: (سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكْبَرُ) ". رواه الترمذي والطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، وزاد: "ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا باللهِ". روياه عن عبد الواحد بن زياد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم عن أبيه عن ابن مسعود، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه". (قال الحافظ): "أبو القاسم هو عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود؛ وعبد الرحمن هذا لم يسمع من أبيه. (1) وعبد الرحمن بن إسحاق، هو أبو شيبة الكوفي؛ واهٍ". 1551 - (15) [حسن لغيره] ورواه الطبراني أيضاً بإسنادٍ واهٍ من حديث سلمان الفارسي، ولفظه: قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ في الجَنَّةِ قيعاناً؛ فأكثروا مِن غَرسِها". قالوا: يا رسول الله! وما غَرْسُها؟ قالَ: "سبحان اللهِ، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، واللهُ أَكْبرُ". 1552 - (16) [حسن لغيره] وَعَن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ قال: (سبحانَ الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)؛ غُرِسَ لَهُ بِكُلِّ واحدةٍ مِنهُنَّ شجرةٌ في الجنَّةِ". رواه الطبراني، وإسناده حسن، لا بأس به في المتابعات.   (1) قلت: هذا قول لابن معين، ووافقه غيره، جزم مرة أنه سمع منه. ووافقه آخرون، وجمع الحافظ بين القولين في "التقريب"، فقال: "وقد سمع من أبيه لكن شيئاً يسيراً". الحديث: 1551 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 1553 - (17) [حسن] وعن أم هانئٍ رضي الله عنها قالت: مَرَّ بي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذاتَ يَومٍ، فَقُلتُ: يا رسولَ الله! قد كَبِرْتُ (1) وضَعُفْتُ -أو كما قالت- فمُرْني بِعَملٍ أعْملُهُ وأنا جالِسَةٌ. قالَ: "سَبِّحي الله مئةَ تَسبيحةٍ؛ فَإِنَّها تعدِلُ لَكِ مئة رقبةٍ تَعتِقينها مِنْ وَلَدِ إِسماعيل، واحمِدي الله مئةَ تَحميدةٍ؛ فإنَّها تَعْدِلُ لَكِ مئةَ فَرَسٍ مُسْرَجَةٍ مُلْجَمةٍ تحملينَ عَلَيْها في سبيل اللهِ، وكَبِّري الله مئةَ تكبِيرةٍ؛ فَإنَّها تَعِدلُ لَكِ مئةَ بَدَنَةٍ مُقلَّدةٍ مُتَقَبَّلةٍ، وهَلِّلي الله مئةَ تَهليلةٍ -قال ابنُ خَلَفٍ: أحسِبه قال:- تَمْلأُ ما بينَ السَّماءِ والأرضِ، وَلا يُرفع يَومئَذٍ لأحدٍ عَمَلٌ (2)؛ إلا أن يأْتي بِمِثلِ ما أتيت". رواه أحمد بإسناد حسن، واللفظ له، والنسائي، ولم يقل: "ولا يرفع. . . " إلى آخره، والبيهقي بتمامه. ورواه ابنُ أبي الدنيا، فَجعَل ثوابَ الرِّقاب في التَّحميدِ، ومئةَ فَرَسٍ في التسبيحِ، وقال فيه: "وَهَلِّلي الله مئةَ تَهليلَةٍ؛ لا تَذَرُ ذَنباً، ولا يَسبِقُها عَمَلٌ". ورواه ابن ماجه بمعناه باختصار. ورواه الطبراني في "الكبير" بنحو أحمد، ولم يقل: "أحسبه".   (1) هذا هو الثابت في المخطوطة وفي "المسند". ووقع في مطبوعة عمارة: "كبرت سِنِّي"! وإنما هي عند "أوسط الطبراني" كما يأتي. (2) الأصل: (بمكة)! والتصحيح من المخطوطة وغيرها. وكان فيه زيادة: "أفضل مما يرفع لك"، فحذفتها لأنها ليست في "المسند" ولا في "المجمع"، وإنما هي عند الطبراني في "الأوسط" (7/ 168/ 6309)، فالظاهر أن المؤلف هو الذي لَفَّقَ بين الروايتين بدليل أنه وقع ذلك في "المختصر" أيضاً، في سند الطبراني متروك، أو من لا يعرف، ثم هي مباينة للسياق، وغفل عن هذا المعلقون على عادتهم! وعند البيهقي مكانها: "مثل عملك"، وهو مخرج في "الصحيحة" (1316). الحديث: 1553 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 1554 - (18) [صحيح] وعن أبي هُريرةَ وأَبي سعيدٍ رضي اللهُ عنهما عن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله اصطفى مِنَ الكَلامِ أربعاً: (سبحانَ الله والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، واللهُ أَكبرُ). فمن قال: (سبحانَ الله)؛ كُتبتْ له عِشرونَ حسنةً، وحُطَّتْ عنهِ عشرون سيئةً، ومن قال: (الله أكبرَ)؛ فمثلٍ ذلكَ، ومَنْ قال: (لا إله إلا الله)؛ فمثل ذلكَ، ومن قال: (الحمدُ لله ربِّ العالمينَ) مِنْ قبل نفسهِ؛ كتبتْ له ثَلاثون حسنةً، وَحُطَّتْ عنه ثَلاثون سيِّئةً". رواه أحمد وابن أبي الدنيا والنسائي -واللفظ له-، والحاكم بنحوه وقال: "صحيح على شرط مسلم". (1) 1555 - (19) [صحيح] وعن أبي مالكٍ الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الطُّهورُ شطرُ الإيمان، و (الحمدُ للهِ) تملأُ الميزانَ، و (سبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ) تَملآن -أو تملاُ- ما بين السماءِ والأرضِ، والصلاةُ نورٌ، والصدقةُ برهانٌ، والصبرُ ضِياءٌ، والقرآنُ حجة لك أو عليك، كلُّ الناسِ يَغدو؛ فبائعٌ نفسهُ، فمعتِقُها أو موبِقُها". رواه مسلم والترمذي والنسائي. [مضى 4 - الطهارة/ 7].   (1) قلت: ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، ومن جهل المعلقين هنا أنهم تشبعوا بعزوه للبخاري تعليقاً بلفظ: "أفضل الكلام أربع، كذا قالوا ولم يزيدوا، وهو عنده أخصر من حديث سمرة المتقدم في الباب، فكان عليهم تقييد العزو بقولهم: باختصار شديد. ثم زعموا أن البيهقي زاد فيه: "ولا إله إلا الله"، وهي عندهم جميعاً، بينما هناك خلاف كبير بينهم وبين البيهقي، من ذلك أنه زاد في آخره كما ذكر المؤلف: "من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق، وهي ضعيفة، وقد أخرتها إلى الكتاب الآخر، فهذا مما كان يجب عليهم بيانه، لو كانوا يعلمون، بل إنهم أوهموا صحتها بتخريجهم وسكوتهم عنها. الحديث: 1554 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 1556 - (20) [صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه: إنَّ ناساً مِنْ أصحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا رسول الله! ذَهبَ أهلُ الدُّثور بالأجورِ، يُصلُّونَ كما نُصلي، وَيصُومون كما نصومُ، ويتصدَّقونَ بِفُضولِ أموالِهِم. قال: "أو ليسَ قد جَعَلَ اللهُ لكم ما تصدَّقون بِهِ؛ إنَّ بِكُلِّ تسبيحةٍ صدقةً، وكلِّ تكبيرةٍ صدقةً، وكلِّ تحميدةٍ صدقةً، وأمرٍ بالمعروف صدقةً، ونهيٍ عن منكرٍ صدقةً، وفي بُضعِ أحدِكم صدَقةً". قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكونُ لهُ فيها أجرٌ؟ قال: "أرأيتُم لو وَضَعها في حَرامٍ، أكان عَليه وِزرٌ؟ فكذلك إذا وضَعَها في الحلالِ كانَ لَه أجرٌ". رواه مسلم وابن ماجه. (الدُّثور) بضم الدال: جمع دَثْر بفتحها: وهو المال الكثير. و (البُضْعُ) بضم الموحدة: هو الجماع؛ وقيل: هو الفرج نفسه. 1557 - (21) [صحيح] وعن أبي سلمى راعي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "بَخٍ بَخٍ لخمْسٍ ما أثْقلَهنَّ في الميزانِ: " (لا إله إلا الله، وسبحانَ الله، والحمدُ لله، والله أكبرُ)، والَولَدُ الصَّالح يُتوفَّى للمَرءِ المسلمِ؛ فَيَحْتسِبُهُ". رواه النسائي واللفظ له، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وصححه. 1558 - (22) [صحيح لغيره] ورواه البزار بلفظه من حديث ثوبان. وحسَّن إسناده. الحديث: 1556 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 1559 - (23) [صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الأوسط" من حديث سفينة؛ ورجاله رجال "الصحيح". (1) 1560 - (24) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خُلِق كُلُّ إنسانٍ من بني آدَمَ على ستِّينَ وثلاثِمئةِ مفصلِ، فمن كبَّر الله، وحَمدَ الله، وهلَّلَ الله، وسبَّح الله، واستغفر الله، وَعَزَلَ حَجراً عَنْ طَريقِ المسلمينَ، (2) أو شوْكةً أو عظماً عن طريق المسلمينَ، وأمَرَ بمعروف أوْ نَهى عن منكرٍ؛ عَدَدَ تلك الستِّينَ والثلاثِمئةِ [السُّلامى]، فإنَّه يُمسِي يَوْمئذٍ وقد زَحزحَ نفسهَ عنِ النَّارِ". قال أبو توبةَ: ورُبَّما قال: "يمشي"، يعني بالشين المعجمة. رواه مسلم والنسائي. 1561 - (25) [حسن] وعَنِ ابن أبي أوْفى قال: قال أعرابِيٌّ: يا رسول الله! إنِّي قد عالَجْتُ القرآن فَلَمْ أَسْتطِعْهُ، فعلِّمْني شَيئاً يُجزئُ مِنَ القرآنِ؟ قال: "قُلْ: (سبحانَ الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، واللهُ أكبرُ) ". فقالها، وأمْسَكَهَا بأصْبَعِهِ، فقالَ: يا رسولَ الله! هذا لِربِّي، فما لي؟ قال: "تقولُ: اللهُم اغْفِر لي، وارْحَمْني، وعافِني، وارْزقْني، -وأحْسبُهُ قال:- واهْدِني".   (1) قلت: هو عنده في "الأوسط" (6/ 71/ 5148) من رواية عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام عن سفينة. وعكرمة مضعف في يحيى، والبزار رواه (4/ 9/ 3072) من طريق أخرى عن أبي سلام عن ثوبان. والمحفوظ عن أبي سلام عن أبي سلمى راعي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما في رواية النسائي وغيره المتقدمة. انظر "الصحيحة" (1204). (2) في مسلم (3/ 82): "الناس" في الموضعين، وهو أبلغ، والزيادة منه. وكذا في "شعب الإيمان" (7/ 11161/511). الحديث: 1559 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 ومضى الأعرابِيُّ، فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ذهبَ الأَعرابِيُّ وقد مَلأَ يَدَيْه خَيْراً". رواه ابن أبي الدنيا عن الحجاج بن أرطأة عن إبراهيم السكسكي عنه. ورواه البيهقي مختصراً، وزاد فيه: ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا باللهِ". وإسناده جيد (1). 1562 - (26) [صحيح] وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاءَ أعرابيٌّ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: عَلِّمْني كَلاَماً أقولُهُ؟ قال: "قُلْ: (لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ لهُ، اللهُ أكبرُ كبيراً، والحمدُ لله كثيراً، وسبحانَ الله ربِّ العالمينَ، ولا حولَ ولا قوّة إلا باللهِ العزِيزِ الحكيمِ). قال: هؤُلاءِ لِرَبِّي، فما لي؟ قال: "قُلْ: (اللهَّم اغْفِرْ لي، وارحَمْني، واهْدِني، وارْزُقْني) ". 1563 - (27) [صحيح] وزاد من حديث أبي مالك الأشجعي [عن أبيه] (2): "وعافني" (3).   (1) قال الناجي (ق 150/ 2): "هذا مما يتعجب منه، فقد رواه بمعناه بالزيادة فيه، وبدونها أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم. . .". قلت: وهو مخرج في "إرواء الغليل" (2/ 12 - 13/ 303). (2) سقطت من قلم المؤلف فيما يبدو من "العجالة"، فذكر أنه أوهم بذلك أموراً ثلاثة ذكرها. (3) قلت: هذه الزيادة في حديث سعد أيضاً في رواية لمسلم (8/ 71)، وكذا أحمد (1561)، وفي أخرى له (1611)، ومسلم أيضاً: "قال موسى (أحد رواته): أما (عافني)؛ فأنا أتوهم وما أدري". الحديث: 1562 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 وفي رواية قال: "فإنَّ هؤلاءِ تجمعُ لكَ دُنْياكَ وآخِرتَكَ". رواه مسلم. 1564 - (28) [حسن لغيره] وروي عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: جاء رجل بَدَوِيٌّ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! علِّمْني خَيْراً؟ قال: "قُلْ: (سبحانَ الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، واللهُ أكبر) ". قال: وَعَقدَ بيده أرْبعاً؛ ثم رتَّبَ (1) فَقال: (سبحانَ الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبرُ)، ثَم رجَعَ، فلَّما رآه رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَسَّمَ، وقال: "تَفَكَّرَ البائِسُ". فقال: يا رسولَ الله! (سبحانَ الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ)، هذا كلُّهُ لله، فَما لي؟ فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا قُلتَ: (سبحانَ الله)؛ قال اللهُ: صدَقْتَ. وإذا قُلتَ: (الحمدُ لله)؛ قال الله: صدَقْتَ. وإذا قُلْتَ: (لا إله إلا اللهُ)؛ قال اللهُ: صدَقتَ. وإذا قُلتَ: (اللهُ أكبرُ)؛ قال اللهُ: صدَقتَ. فتقولُ: (اللهمَّ اغفرْ لي)، فيقولُ اللهُ: قد فَعَلتُ. فتقولُ: (اللهمَّ ارحمنْي)؛ فيقولُ الله: قد فَعَلتُ. وتقولُ: (اللهمَّ ارْزُقْني)؛ فيقولُ الله: قد فَعَلتُ". قال: فَعَقَدَ الأعرابيُّ سَبْعاً في يديْهِ (2).   (1) كذا الأصل، ولعل الصواب: "ذهب"، أو "وثب". (2) في "الشعب" (1/ 355): "يده" على الإفراد. وكذلك هو في "الأحاديث المختارة" للضياء المقدسي (2/ 24/ 1)، وكذلك هو في بعض طرق حديث ابن أبي أوفى المتقدم قبل حديث، انظر "الإرواء". فلا يجوز الاستدلال به على شرعية عقد التسبيح باليدين كما يفعل البعض، والسنة الصحيحة خلافها. الحديث: 1564 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 رواه ابنُ أبي الدنيا والبيهقيُّ. (1) 1565 - (29) وهو في "المسند" وسنن النسائي من حديث أبي هريرة بمعناه. (2) 1566 - (30) [صحيح لغيره] وعن سَلمى أمِّ بني أبي رَافع مولَى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنَّها قالتْ: يا رسول اللهِ! أخْبِرْني بكلماتٍ، ولا تكثِرْ عَليَّ؟ فقال: "قولي: (اللهُ أكبرُ) عَشرَ مرَّاتٍ، يقولُ اللهُ: هذا لي. وقولي: (سبحانَ الله) عَشْرَ مرَّاتٍ، يقولُ اللهُ: هذا لي. وقولي: (اللهُمَّ اغْفِرْ لي)، يقولُ: قدْ فعَلْتُ. فتقولين عشْرَ مراتٍ، ويقول: قدَ فعلْتُ". رواه الطبراني ورواته محتج بهم في "الصحيح". (3) 1567 - (31) [حسن] وعَنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خُذوا جُنَّتكُم". قالوا: يا رسول الله! [أمِنْ] عدوّ [قد] (4) حَضَرَ؟ قال: "لا، ولكن جُنَّتكمِ منَ النارِ؛ قولوا: (سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله   (1) قلت: رواه بنحوه، وإسناده صحيح كما بينته في "الصحيحة" (3336)؛ خلافاً لما يشعر به المؤلف بتصديره إياه بـ (روي)، ولعل المعلقون الجهلة اغتروا بذلك، فضعفوه بـ (جعفر بن سليمان الضبعي)، ناقلين لكلامٍ للذهبي في ترجمته لم يفهموه، وذلك من آفاتهم، فالرجل ثقة، ومن رجال مسلم محتجاً به. وقد بسطت القول في الرد عليهم، وبيان جهلهم بهذا العلم في المصدر المذكور. والله المستعان. (2) يشير إلى الحديث الآتي في (25 - الجنائز/ 8 - باب) من المجلد الأخير بلفظ آخر، ويأتي الكلام عليه هناك. ولم يعرفه المعلقون الثلاثة، ولا أعطوه رقماً خاصاً! (3) قلت: وكذا قال الهيثمي، لكن شيخ الطبراني محمد بن صالح بن الوليد النرسي لا يعرف، كما بينت في "الضعيفة" (6620) بيد أنه ثبت بلفظ: "يا أم رافع! إذا قمت إلى الصلاة فسبحي الله عشراً. . " الحديث أتم منه، وهو في "الصحيحة" (3338). (4) زيادتان من "السنن الكبرى" للنسائي (3/ 212/ 10684). الحديث: 1565 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 إلا الله، واللهُ أكبرُ)؛ فإنَّهُنَّ يأْتينَ يومَ القيامة مُجنباتٍ ومُعقِّباتٍ، وهُنَّ الباقياتُ الصالحاتُ". رواه النسائي -واللفظ له-، والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم". وكذا رواه الطبراني في الأوسط، وزاد: "ولا حول ولا قوة إلا بالله". (1) (جُنَّتكم) بضم الجيم وتشديد النون؛ أي: ما يستركم ويقيكم. و (مجنَّبات) بفتح النون؛ أي: مقدمات أمامكم. وفي رواية الحاكم "منجيات" بتقديم النون على الجيم. ورواه في "الصغير" من حديث أبي هريرة، فجمع بين اللفظين فقال: "ومنجيات ومجنبات". وإسناده جيد قوي. و (معقَّبات) بكسر القاف المشددة؛ أي: تعقبكم وتأتي من ورائكم. 1568 - (32) [صحيح] وعَنِ النعمان بنِ بشيرٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ ممَّا تذكرونَ مِنْ جلالِ الله؛ التسبيحُ والتهليلُ والتحميدُ، ينعطِفنَ حوْلَ العرْشِ، لهُنَّ دوِيٌّ كدويِّ النَّحْلِ، تُذَكَّر بصاحِبِها. أما يُحِبُّ أحدُكُمْ أنْ يكونَ لَهُ -أو لا يزال لَهُ- مَنْ يُذكَّر به". رواه ابن أبي الدنيا وابن ماجه -واللفظ له-، والحاكم وقال:   (1) هذا السطر كان في الأصل بعد قوله: "بتقديم النون على الجيم"، فنقلته إلى هنا، لأنه اللائق به كما هو ظاهر. الحديث: 1568 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 "صحيح على شرط مسلم". (1) 1569 - (33) [حسن] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما على الأرض أحدٌ يقول: (لا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا باللهِ)؛ إلا كُفِّرتْ عنه خطاياه، ولو كانَتْ مِثلَ زَبدِ البحرِ". رواه النسائي والترمذي -واللفظ له-، وقال: "حديث حسن، وروى شعبة هذا الحديث عن أبي بلج بهذا الإسناد نحوه، ولم يرفعه" انتهى. ورواه ابن أبي الدنيا والحاكم، وزادا: "سبحان الله والحمد لله". وقال الحاكم: "حاتم ثقة، وزيادته مقبولة". يعني حاتم بن أبي صغيرة. 1570 - (34) [حسن] وعن أنسٍ رضي الله عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ غُصناً فنفضهُ فلم ينتفض، ثم نفضهُ فلم ينتفض، ثم نفضَهُ فانتفضَ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ (سبحانَ الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا اللهُ، والله أكبرُ)؛ ينفضنَ الخطايا كما تنفضُ الشجرةُ ورقها".   (1) قلت: وقع في سنده خطأ لم يتنبه له الذهبي فرد تصحيحه، ونقله المعلقون الثلاثة وأقروه! ولكنهم قالوا في الحديث: "حسن بشواهده"! ولا شاهد له! لكن إسناد ابن ماجه صحيح، وبيان هذا كله في "الصحيحة" (3358). الحديث: 1569 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 رواه أحمد، ورجاله رجال "الصحيح"، والترمذي، ولفظه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر بشجرة يابسةِ الورقِ فضربَها بعصاً، فتناثر ورقُها، فقال: "إنَّ (الحمدَ لله، وسبحانَ الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)؛ لَتُساقِطُ مِن ذنوبِ العبدِ كما تَسَاقطَ ورقُ هذهِ الشجرةِ". وقال: "حديث غريب، ولا نعرف للأعمش سماعاً من أنس، إلا أنه قد رآه ونظر إليه" انتهى. (قال الحافظ): "لم يروه أحمد من طريق الأعمش". 1571 - (35) [صحيح] وعن عبد الله -يعني ابن مسعودٍ- رضي الله عنه قال: "إنَّ الله قسَمَ بينكم أخلاقَكُمْ، كما قسَم بينكم أرْزاقَكم، وإنَّ الله يُؤْتي المالَ من يُحبُّ ومَنْ لا يحِبُّ، ولا يُؤتي الإيمانَ إلا مَنْ أحبَّ، فإذا أحبَّ الله عبداً أعطاهُ الإيمانَ، فمن ضنَّ بالمالِ أن ينفِقه، وهاب العدُوَّ أن يجاهِدَه، والليلَ أن يُكابِدَهُ؛ فليُكثِر مِنْ قولِ: (لا إله إلا الله، والله أكبرُ، والحمدُ لله، وسبحانَ اللهِ) ". رواه الطبراني، ورواته ثقات، وليس في أصلي رفعه (1). (ضنَّ) بالضاد المعجمة؛ أي: بخل. 1572 - (36) [حسن] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "التأَنِّي مِنَ اللهِ، والعجَلَة مِنَ الشيطانِ، وما أَحدٌ أكثرُ معاذِير مِنَ الله، ومَا [من] (2) شيءٍ أَحبُّ إلى الله مِنَ الحمدِ".   (1) قلت: وكذلك رواه ابن المبارك في "الزهد" (1134)، والبخاري في "الأدب المفرد" (275) موقوفاً لكنه في حكم المرفوع. ولجملة الضن بالمال شاهد عن أبي أمامة تقدم في أول الباب. (2) زيادة من "مسند أبي يعلى". الحديث: 1571 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 رواه أبو يعلى، ورجاله رجال "الصحيح". 1573 - (37) [حسن لغيره] وروي عن أبي أمامةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما أنعم اللهُ عزَّ وجلَّ على عبدٍ نعمةً، فحمِدَ الله عزَّ وجلَّ عليها؛ إلا كانَ ذلِكَ أفْضَلَ مِنْ تِلْكَ النِّعمةِ. . . ". رواه الطبراني، وفيه نكارة (1).   (1) قلت: لكن قد جاء عند ابن ماجه بإسناد حسن من حديث أنس مرفوعاً دون قوله: "وإن عظمت" المشار إليها بنقاط. . ولذلك أوردته هنا دونها، وأوردته بها في الكتاب الآخر، وقد خرجته في "الضعيفة" تحت الحديث (2011) من أجل هذه الزيادة المنكرة مع بيان موضع تخريج الحديث بطرقه وألفاظه. ولم يتنبه لهذا الفرق بين رواية الطبراني ورواية ابن ماجه الحافظ الناجي فقال (152/ 1): "رواه ابن ماجه بمعناه"! الحديث: 1573 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 8 - (الترغيب في جوامع من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير). 1574 - (1) [صحيح] عن جُويريةَ رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرجَ مِنْ عندِها، ثم رَجعَ بعدَ أن أضْحَى وهيَ جالِسَةٌ، فقالَ: "ما زِلتِ على الحالِ الَّتي فارَقْتُكِ عليها؟ ". قالَتْ: نعمْ. قال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لقد قُلْتُ بَعْدَكِ أربعَ كلماتٍ ثلاثَ مرَّاتٍ، لو وُزِنَتْ بما قُلْتِ منذُ اليوم لَوَزَنَتْهُنَّ: (سبحانَ اللهِ وبحمدهِ، عَدَد خَلْقِهِ، وَرضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدادَ كَلِماتِهِ) ". رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. وفي رواية لمسلم: "سُبحانَ الله مِدَدَ خَلْقِهِ، سبحانَ اللهِ رِضا نفسِهِ، سُبحانَ الله زِنةَ عَرْشِه، سبحانَ اللهِ مِدادَ (1) كَلماتهِ". زاد النسائي (2) في آخره: "والحمدُ لله كَذلِكَ". وفي رواية له: "سبحانَ اللهِ وبحمده، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبر، عَددَ خَلْقِهِ، ورِضا نَفْسِه، وزنَةَ عَرْشِهِ، ومِداد (3) كلماتِه". ولفظ الترمذي:   (1) الأصل: "عداد"، والتصحيح من "مسلم" (8/ 84)، و"النسائي" (212/ 161). (2) يعني في "اليوم والليلة" (212 - 213). (3) الأصل: "عداد"، والتصحيح من "مسلم" (8/ 84)، و"النسائي" (212/ 161). الحديث: 1574 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرَّ عليها وهي في مَسْجِدِها (1)، ثم مرَّ بها وهي في المسجِدِ (2)، قَرِيبٌ نِصفَ النَّهارِ، فقال لها: "ما زِلتِ على حالِكِ؟ ". فقالتْ: نعم. فقال: " [ألا] أُعَلِّمُكِ كلِماتٍ تقولينَها: سُبْحانَ الله عَددَ خَلقِهِ، سبحانَ الله عَددَ خَلْقِهِ، سبحانَ اللهِ عددَ خَلْقِهِ (ثلاثَ مرات) (3). سبحان اللهِ رِضا نَفْسِهِ، سبحانَ الله رِضا نَفْسِهِ، سبحانَ اللهِ رِضا نَفْسِه (ثلاث مرات) (4). وذَكَر زِنةَ عَرْشِهِ، ومدَادَ كلماتِهِ؛ ثلاثاً ثلاثاً". وقال: "حديث حسن صحيح". وفي رواية للنسائي تكرار كل واحدةٍ ثلاثاً أيضاً. 1575 - (2) [صحيح] (نوع آخر) عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: رآني النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا أُحرِّكُ شَفَتيِّ، فقال لي: "بأيِّ شيءٍ تحرِّكُ شَفَتَيكَ يا أبا أُمامَةَ؟ ". فقلتُ: أذْكُرُ الله يا رسولَ اللهِ! فقال: "ألا أُخبِرُكَ بأكثَرَ وأفضَلَ مِنْ ذِكرِكَ بالليلِ والنهارِ؟ ".   (1) الأصل "المسجد"، والتصحيح من "الترمذي" والزيادة الآتية منه. (2) ليس في "الترمذي" (وهي في المسجد)، ولا هي في "المسند" (6/ 430) أيضاً، وإنما هي عنده بهذا اللفظ في الموضع الأول. وكل هذه التصحيحات مما فات المعلقين الثلاثة! وهم يدعون التحقيق!! (3) ما بين الهلالين تأكيد من المؤلف ليس في (الترمذي)، وكذلك قوله: وذكر. . . إلخ؛ هو من عنده تلخيصاً لرواية الترمذي، والمراد أنه قال كلاً من الجملتين: "سبحان الله زنة عرشه" و"سبحان الله مداد كلماته" ثلاثاً ثلاثاً. (4) ما بين الهلالين تأكيد من المؤلف ليس في (الترمذي)، وكذلك قوله: وذكر ... إلخ؛ هو من عنده تلخيصاً لرواية الترمذي، والمراد أنه قال كلاً من الجملتين: "سبحان الله زنة عرشه" و"سبحان الله مداد كلماته" ثلاثاً ثلاثاً. الحديث: 1575 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 قُلتُ: بَلى يا رسولَ الله! قال: "تقولُ: (سبحانَ اللهِ عَدَدَ ما خَلَقَ، سبحانَ اللهِ مِلءَ ما خَلَقَ، سبحانَ الله عَددَ ما في الأرضِ، سبحانَ الله مِلءَ ما في الأرضِ والسماءِ، سبحانَ اللهِ عدد ما أَحْصى كتابُهُ، سبحانَ الله مِلءَ ما أَحْصَى كتابُه، سبحانَ اللهِ عَددَ كُل شَيءٍ، سبحان الله مِلءَ كل شَيءٍ، الحمدُ لله عَدَدَ ما خَلَقَ، والحمدُ لله مِلءَ ما خَلَقَ، والحمدُ لله عَدَدَ ما في الأرض والسماءِ، والحمدُ لله مِلءَ ما في الأرضِ والسماءِ، والحمدُ لله عَددَ ما أَحْصى كِتابُه، والحمدُ لله مِلءَ ما أحصى كتابهُ، والحمد لله عَدَدَ كلِّ شيءٍ، والحمدُ لله مِلء كلِّ شَيءٍ) ". رواه أحمد وابن أبي الدنيا -واللفظ له-، والنسائي، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" باختصار، والحاكم وقال: "صحيح على شرط الشيخين". [صحيح لغيره] ورواه الطبراني بإسنادين أحدهما حسن، (1) ولفظه قال: "أفلا أُخبركَ بشَئٍ إذا قُلته ثُمَّ دأَبْتَ اللَّيْلَ والنهارَ لَم تَبْلغْهُ؟ ". قلتُ: بَلى. قال: "تقولُ: (الحمدُ لله عَدَدَ ما أحصى كِتابُهُ، والحمد لله عدَدَ ما في كتابِهِ، والحمدُ لله عَدَدَ ما أَحْصَى خلقهُ، والحمدُ لله مِلءَ ما في خلقهِ، والحمدُ لله مِلءَ سماواته وأرضه، والحمدُ لله عَدَد كلِّ شَيء، والحمدُ لله على كلِّ شيء)، وتُسَبِّح مِثلَ ذلك، وتكبِّرُ مِثْلَ ذلِكَ".   (1) قلت: إسناد رواية الطبراني هذه فيها خلل بينته في "الصحيحة" (2578)، لكن رواها النسائي وغيره بسند حسن، وإسناد الرواية الأولى صحيح، وبذلك صارت هذه صحيحة، وجهل ذلك المعلقون الثلاثة، فقالوا: "حسن، رواه أحمد. . "، مع أن إسناد أحمد صحيح!! الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 1576 - (3) [حسن] وعن مصعب بن سعد عن أبيه: أَنَّ أعرابيّاً قال للنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلّمْني دُعاءً لَعَلَّ الله أنْ ينفعني بِهِ؟ قال: "قُلْ: اللهُمَّ لَكَ الحمدُ كلُّه، وإليكَ يرجعُ الأَمرُ كُلُّهُ". رواه البيهقي من رواية أبي بلج، واسمه يحيى بن سليم، أو ابن أبي سليم. (1) 1577 - (4) [حسن لغيره] (نوع آخر) عن سلمان رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قالَ رجلٌ: (الحمد لله كثيراً)، فأعظمها الملَكُ أن يكتبها، فراجع فيها ربه عز وجل فقال: اكتبها كما قال عبدي [كثيراً] (2) ". رواه الطبراني بإسناد فيه نظر. 1578 - (5) [حسن لغيره] وروى أبو الشيخ ابن حيان من طريق عطية عن أبي سعيد مرفوعاً أيضاً: "إذا قال العبدُ: (الحمدُ لله كثيراً)؛ قال اللهُ تعالى: اكتبوا لعبدي رحمتي كثيراً".   (1) قلت: هو مختلف فيه كما بينه المؤلف في آخر كتابه، وذلك يعني أنه حسن الحديث، إلا ما ظهر خطؤه. . والحديث في "شعب الإيمان" (4/ 97/ 4398)، ووقع في بعض رجاله خطأ مطبعي، وضعفه الثلاثة!! (2) سقطت من الأصل، واستدركتها من "المعجم الأوسط" و"المجمع"، وهو مخرج في "الصحيحة" (3452) لبعض شواهده، أحدها الآتي بعده. الحديث: 1576 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 9 - (الترغيب في قول: لا حول ولا قوة إلا بالله). (قال المملي) رضي الله عنه: "قد تقدم قريباً في أحاديثَ كثيرةٍ ذكرُ "لا حولَ ولا قوَّةَ إلا باللهِ"، منها حديث أمَّ هانِئٍ وحديثُ عبد الله بنِ عَمرو، وغيرها، فأغنى قربُها مِنْ إعادتها". 1579 - (1) [صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "قُلْ لا حولَ ولا قوَّةَ إلا باللهِ؛ فإنَّها كنزٌ من كُنوزِ الجنَّةِ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 1580 - (2) [صحيح لغيره] وعَن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَكثِرْ مِنْ قولِ لا حَوْلَ ولا قوَّةَ إلا بالله؛ فإنَّها [كنز] مِنْ كنوزِ الجنَّة". رواه الترمذي وقال: (1) "هذا حديث إسناده ليس بمتصل، مكحول لم يسمع من أبي هريرة". [صحيح] ورواه الحاكم وقال: "صحيح ولا علة له"، ولفظه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:   (1) تمام الرواية عند الترمذي: "قال مكحول: فمن قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا منجا من الله إلا إليه)؛ كشف الله عنه سبعين باباً من الضر، أدناهن الفقر". قلت: هو عن مكحول صحيح الإسناد، ولكنه معضل، وقد ذكر المؤلف لهذا الحديث عدة روايات، احتفظت منها هنا بما صح، وما ليس كذلك فهو من حصة الكتاب الآخر، وأما المعلقون الجهلة، فخلطوا الصالح بالطالح، وصدروا الحديث بكل رواياته ودرجاته بقولهم: "حسن، رواه. . . "، (خبط لزق)! والله المستعان. الحديث: 1579 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 ألا أعلِّمُكَ -أو ألا أدُلُّكَ على- كَلِمةٍ مِنْ تحتِ العَرْشِ مِنْ كَنزْ الجنَّةِ؟ تَقولُ: (لا حَولَ ولا قوَّةَ إلا باللهِ)، فيقولُ الله: أسلَم عَبْدي وَاستَسْلَمَ. 1581 - (3) [صحيح لغيره] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ألا أدُلُّكَ على بابٍ من أبوابِ الجنَّةِ؟ ". قال: وما هو؟ قال: "لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ". رواه أحمد والطبراني؛ إلا أنه قال: "ألا أدُلُّكَ على كنزٍ من كُنوزِ الجنَّةِ؟. .". وإسناده صحيح إن شاء الله، فإن عطاء بن السائب ثقة، وقد حدث عنه حماد بن سلمة قبل اختلاطه (1). 1582 - (4) [صحيح] وعن قَيْسِ بنِ سعدِ بن عُبادة: أنَّ أباه دفعه (2) إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخدمُه، قال: فأتى عليَّ نبيُّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد صلَّيتُ ركعتين، (3) فضربني برجلهِ وقال: "ألا أدلُّكَ على بابٍ من أبوابِ الجنَّةِ؟ ". قلتُ: بلى. قال: "لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ".   (1) قلت: هذا لا يكفي في تصحيح إسناده، لأنه قد ثبت أنه سمع منه بعد اختلاطه أيضاً، وإنما هو صحيح بشواهده المذكورة في الباب، وقد خرجته مع بعض منها في "الصحيحة" (1528). (2) الأصل: "رفعه"، والتصحيح من المخطوطة و"المستدرك" (4/ 290) وغيرهما. (3) زاد البيهقي (1/ 445): "واضطجعت". وسنده صحيح. الحديث: 1581 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما" (1). 1583 - (5) [صحيح لغيره] وعن أبي أيوبَ الأنصاري رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلةَ أُسرِيَ به مَرَّ على إبراهيم عليه السلامُ، فقال: مَنْ مَعَكَ يا جبرائيل؟ قال: هذا محمدٌ. فقال له إبراهيمُ عليه السلام: يا محمدُ! مُرْ أمَّتكَ فَليُكْثِرُوا مِن غِراسِ الجنَّة، فإنَّ تُربتَها طيبّةٌ. وأرضَها واسعةٌ. قال: ما غِراسُ الجنَّةِ؟ قال: لا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله. رواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا، وابن حبان في "صحيحه". 1584 - (6) [حسن لغيره] ورواه ابن أبي الدنيا في "الذكر"، والطبراني من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَكْثِروا مِنْ غِراس الجنَّة؛ فإنِّه عذبٌ ماؤها، طيِّبٌ تُرابُها، فأكْثِروا مِنْ غِراسها". قالوا: يا رسولَ الله! وما غِراسُها. قال: "ما شاءَ الله، لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ".   (1) قلت: اقتصاره في العزو عليه يوهم أنه لم يخرجه أحد ممن هو أعلى منه وأشهر، وليس كذلك، فقد أخرجه الترمذي وصححه وأحمد والبزار وغيرهم كما هو مخرج في "الصحيحة" (1528). مع بيان صحة إسناده. وأما المعلقون الثلاثة فاقتصروا على تحسينه، وأما السبب فلا يدريه أحد حتى ولا هم أنفسهم! لأنهم يقولون ما لا يعلمون. الحديث: 1583 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 1585 - (7) [صحيح] وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: كنتُ أمشي خَلْفَ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال لي: "يا أبا ذَرٍّ! ألا أدُلُّكَ على كَنزٍ من كنوز الجنةِ؟ ". قلتُ: بلى. قال: "لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ". رواه ابن ماجه وابن أبي الدنيا، وابن حبان في "صحيحه". الحديث: 1585 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 10 - (الترغيب في أذكار تقال بالليل وبالنهار غير مختصة بالصباح والمساء). 1586 - (1) [صحيح] عن أبي مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ قَرأ بالآيتينِ مِنْ آخرِ سورةِ {البقرة} في لَيْلَةٍ كفَتاهُ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة. (كفتاه) أي: أجزأتاه عن قيام تلك الليلة. وقيل: كفتاه ما يكون من الآفات تلك الليلة. وقيل: كفتاه من كل شيطان فلا يقربه ليلته. وقيل: معناه حسبه بهما فضلاً وأجراً، وقال ابن خزيمة في "صحيحه": "باب ذكر أقل ما يجزئ من القراءة في قيام الليل". ثم ذكره. وهذا ظاهر. والله أعلم. 1587 - (2) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آياتٍ في لَيْلَةٍ؛ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغافلينَ". رواه ابن خزيمة في "صحيحه" (1)، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". [مضى 13 - القرآن/ 1 - 21 - حديث]. 1588 - (3) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَيعْجزُ أحدُكُم أن يَقرأ ثُلثَ القرآنِ في ليلةٍ؟ ".   (1) قلت: عزوه لابن خزيمة وهم، فإنه لم يروه بهذا اللفظ عن أبي هريرة، وإنما بلفظ: "مئة آية"، كما تقدم في آخر (6 - النوافل/ 11 - الترغيب في قيام الليل). وإنما رواه من حديث ابن عمرو كما سبق هناك، وهو به صحيح. الحديث: 1586 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 فَشقَّ ذلك عليهم، وقالوا: أيُّنا يُطيقُ ذلك يا رسولَ اللهِ؟ فقال: " (الله الواحدُ الصَّمَدُ) ثُلثُ القرآنِ". رواه البخاري ومسلم والنسائي. 1589 - (4) [حسن] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: مَنْ قَرأ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} كلَّ لَيلْةٍ، منَعه الله عزَّ وجَل بِها مِنْ عذِاب القَبرِ. وكنا في عهدِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُسمِّيها المانِعةَ، وإنَّها في كتابِ الله عزَّ وجلَّ سورةٌ مَنْ قَرأ بها في ليلةٍ فَقَدْ أَكْثَرَ وأَطابَ. رواه النسائي واللفظ له، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". [مضى 13 - القرآن/ 10]. 1590 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ قال: (لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ لهُ، لهُ الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ)؛ في يوم مِئَةَ مرَّةٍ؛ كانت له عِدلَ عَشرِ رقابٍ، وكُتِبَتْ له مِئةُ حسنةٍ، ومُحيَتْ عنه مِئَةُ سيِّئَةٍ، وكانتْ له حِرْزاً من الشيطانِ يومهُ ذلك حتى يُمسيَ، ولَمْ يأتِ أحدٌ بأفضَلَ مما جاءَ به؛ إلا أحدٌ عملَ أكثَرَ مِنْ ذلكَ". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. وزاد مسلم والترمذي والنسائي: "ومن قال: (سبحانَ اللهِ وبحمدِه)، في يومٍ مِئَةَ مرَّةٍ؛ حُطَّت خطاياه ولو كانتْ مِثلَ زَبَدِ البحرِ". الحديث: 1589 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 1591 - (6) [حسن] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ قال: (لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ، لهُ الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ)؛ مِئَتَيْ مَرّةٍ في يومٍ؛ لَمْ يَسْبِقه أحدٌ كانَ قبْلَهُ، وَلَم يُدرِكهُ أحدٌ بعدهُ، إلا مَنْ عَمِلَ بأَفضلَ مِنْ عَمَلِهِ". رواه أحمد بإسناد جيد والطبراني. (1)   (1) قلت: ورواه الحاكم أيضاً (1/ 500)، لكن وقع عنده (مئة) مكان (مئتي)، وهو خطأ مخالف لمصادر التخريح، أو أنها مختصرة، ففي بعضها بلفظ: ". . مئة مرة إذا أصبح، ومئة مرة إذا أمسى. . "، وفيها رد على بعض المعاصرين ممن ألف في سنية (المسبحة)! وزعم مشروعية الذكر بعدد المئات محتجاً بهذا الحديث، فكأنه جهل أو تجاهل هذه الرواية المبينة أن المئتين ليستا في وقت واحد! وإنما مئة صباحاً، ومئة مساء، وهو مخرج في "الصحيحة" (2562). الحديث: 1591 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 11 - (الترغيب في آيات وأذكار بعد الصلوات المكتوبات). 1592 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ فقراءَ المهاجرينَ أَتَوْا رَسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: ذَهَبَ أهلُ الدُّثُور (1) بالدَّرَجاتِ العُلا، والنَّعيمِ المقُيمِ. قال: "وما ذاكَ؟ ". قال: يُصَلُّونَ كما نُصَلي، ويصُومونَ كما نصومُ، ويتصدَّقونَ ولا نَتَصَدَّقُ، ويعتقون ولا نَعتِقُ. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَفلا أُعلِّمُكم شَيئاً تُدرِكون بِه مَنْ سَبَقكُمْ، وتَسْبِقونَ به مَنْ بَعْدَكُمْ، ولا يكونُ أحدٌ أفضلَ منكم؛ إلا مَنْ صَنَع مثلَ ما صنعتُم؟ ". قالوا: بَلى يا رسولَ الله! قال: "تُسبِّحون، وتكبِّرون، وتحمدون، دُبرَ كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين مرّة". قال أبو صالح (2): فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ذلك فضل الله يُؤتيه من يشاء". قال سُمَيٌّ: فحدَّثت بعض أهلي بهذا الحديث، فقال: وهمتَ، إنما قال لك: تسبِّح ثلاثاً وثلاثين، وتحمد ثلاثاً وثلاثين، تكبِّرُ أربعاً وثلاثين. قال: فرجعت إلى أبي صالح فقلت له ذلك. فأخذ بيدي فقال: (الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله)، (الله أكبر، وسبحان الله،   (1) بضم الدال المهملة؛ جمع (دَثْر): وهو المال الكثير. (2) هو راوي الحديث عن أبي هريرة، واسمه ذكوان. الحديث: 1592 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 والحمد لله)، حتَّى يبلغ من جميعهن ثلاثاً وثلاثين. رواه البخاري ومسلم، واللفظ له. [صحيح] وفي رواية لمسلم أيضاً قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من سبَّح [الله] (1) في دُبُر كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، ثم قال تمام المئة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير)؛ غُفِرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر". ورواه مالك، وابن خزيمة في "صحيحه" بلفظ هذه، إلا أن مالكاً قال: "غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر". (2) ورواه أبو داود، ولفظه: قال أبو هريرة: قال أبو ذرٍّ: يا رسولَ الله! ذهب أصحاب الدَّثور بالأجور، يُصَلُّون كما نُصلِّي، ويَصومون كما نصومُ، ولهم فُضول (3) أموال يتصدقون بها، وليس لنا مالٌ نتصدَّقُ به. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أبا ذرٍّ! ألا أعلمك كلمات تُدرك بها من سبقك، ولا يلحقك من خلفك، إلا من أخذ بمثل عملك؟ ".   (1) أسقطت من الأصل ومن المخطوطة ومن مطبوعة (الثلاثة)! مع أنهم ذكروها في التعليق! والتصويب من "صحيح مسلم". (2) ومن طريق مالك رواه النسائي في "عمل اليوم" (202/ 142). وزاد في رواية له (143): "يحيي ويميت"، وهي شاذة أو منكرة، ولعلها من شيخ النسائي (محمد بن وهب) وهو الحراني، قال النسائي: "لا بأس به". وقد أخطأ أيضاً في اسم أحد رواته كما بينه النسائي. ومن أخطاء المعلقين الثلاثة أنهم عزوا الحديث للنسائي بالرقمين المذكورين من حديث ابن عباس! وإنما هو عنده -كغيره- من حديث أبي هريرة. (3) في الأصل والمخطوطة: "فضل"، والتصويب من "أبي داود" و"المسند" أيضاً، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1348). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 قال: بلى يا رسول الله! قال: "تُكبِّر الله دُبُر كلِّ صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمدُه ثلاثاً وثلاثين، وتُسبِّحه ثلاثاً وثلاثين، وتختِمُها بـ (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمدُ، وهو على كل شيءٍ قديرٌ)؛ غُفِرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر (1) ". (*) 1593 - (2) [صحيح] وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مُعقِّفباتٌ لا يخيبُ قائلهنَّ أو فاعلهن دُبُر كل صلاةٍ مكتوبة؛ ثلاثٌ وثلاثون تسبيحةً، وثلاثٌ وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة". رواه مسلم والترمذي والنسائي. 1594 - (3) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خصْلتان لا يُحصيهما عبدٌ إلا دخل الجنَّة، وهما يسيرٌ، ومن يعملُ بهما قليلٌ، يسبِّح الله أحدكم دبُر كلِّ صلاةٍ عشْراً، ويحمدُه عشراً، ويكبِّرُه عشراً، فتلك مئةٌ وخمْسون باللِّسانِ، وألفٌ وخمسُمئة في الميزانِ، وإذا أوى إلى فراضه يُسبّح ثلاثاً وثلاثين، ويحمدُ ثلاثاً وثلاثين، ويكبِّرُ أربعاً وثلاثين. فتِلْك مئة باللسان، وألفٌ في الميزان -قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:- وأيُّكُمْ يعمل في يومه وليله ألفيْن وخمسمئة سيِّئةً؟ ". قال عبد الله: رأيت رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعقِدُهُنَّ بيده. قال: قيل: يا رسولَ الله! كيف لا يُحصيهما؟ قال:   (1) كذا الأصل تبعاً لأبي داود، ولم ترد هذه الزيادة: "غفرت ذنوبه. . " عند أحمد في هذه الرواية؛ وهو الصواب كما حققته في "صحيح أبي داود" (1348)، وهي غير منسجمة مع السياق كما هو ظاهر، وإنما هي في رواية مالك المتقدمة، وقبلها رواية مسلم، فكأنه دخل على الراوي حديث في حديث. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: سقط هنا من متن الكتاب [(الدثور): بضم الدال المهملة؛ جمع (دَثْر): وهو المال الكثير]، واستدركها الشيخ مشهور وقال (أثبتُّها من المنيرية) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وقد ذكرها الشيخ ناصر - رحمه الله - بحروفها في الهامش الحديث: 1593 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 "يأتي أحدكم الشيطانُ وهو في صلاته ليقولُ له، اذْكر كذا، اذْكر كذا، ويأتيه عند منامه فيُنَوِّمُهُ". رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له. [مضى 6 - النافل/ 9]. (قال المملي): "رووه كلهم عن حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله". 1595 - (4) [صحيح] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ قرأَ آية الكُرسي دُبُرَ كلِّ صلاةٍ؛ لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت". رواه النسائي والطبراني بأسانيد أحدها صحيح. وقال شيخنا أبو الحسن (1): "هو على شرط البخاري"، وابن حبان في "كتاب الصلاة" (2) وصححه. (3)   (1) هو علي بن المفضل بن علي أبو الحسن بن القاضي الأنجب أبي المكارم المقدسي المالكي، كان من أئمة المذهب [المالكي]، ومن حفاظ الحديث، وَرِعاً ديّناً، رضيّ الأخلاق. ومات سنة (611). كما في "تذكرة الحفاظ" (4/ 187 - 188). (2) قلت: "كتاب الصلاة" لابن حبان، هو كتاب له مفرد عن كتابه "الصحيح" الذي سماه بـ"التقاسيم والأنواع"، وقد نص هو على ذلك، فقد جاء في "معجم البلدان" لياقوت ما نصه -وقد ساق أسماء العشرات من كتبه- (1/ 418/ 2): "وكتاب "صفة الصلاة" أدرك عليه في "كتاب التقاسيم"، فقال: في أربع ركعات يصليها الإنسان ستمئة سنة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أخرجناها بفصولها في "كتاب صفة الصلاة"، فأغنى ذلك عن نظمها في هذا النوع من هذا الكتاب". وقد خفيت هذه الحقيقة على الحافظ الناجي، فقال عقب قول المؤلف (في كتاب الصلاة): "أي من صحيحه"! وكذلك خفيت على الحافظ السيوطي، فإنه عزاه في "الجامع الصغير" و"الكبير" لـ (حب)، أي في "صحيحه" كما هو اصطلاحه الذي نص عليه في المقدمة، ولم يخرجه فيه، ولذلك لم يورده الهيثمي في "موارد الظمآن"، فتنبه. (3) في الأصل هنا قوله: (وزاد الطبراني في بعض طرقه: "و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} "، وإسناده بهذه الزيادة جيد أيضاً). قلت: هذا من تساهل المؤلف، وقلده الثلاثة، وفي إسناده من كذب الدارقطني، مع مخالفته للحديث الصحيح، وهو بهذه الزيادة منكر، وبيانه في "الضعيفة" (6012). الحديث: 1595 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 1596 - (5) [صحيح] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ بيده يوماً ثم قال: "يا معاذ! والله إنِّي لأحبك". فقال له معاذٌ: بأبي أنت وأمي يا رسولَ الله! وأنا والله أُحِبُّك. قال: "أوصيك يا معاذُ ألا تَدَعنّ دُبُر كلِّ صلاةٍ أن تقول: اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك". وأوصى بذلك معاذٌ الصنابحيَّ، وأوصى به الصنابحيُّ أبا عبدِ الرحمنِ، وأوصى به [أبو] (*) عبدُ الرحمنِ عُقْبَةَ بنِ مُسْلِم. رواه أبو داود والنسائي -واللفظ له-، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط الشيخين".   (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين سقط من المطبوع، واستدركه الشيخ مشهور في طبعته الحديث: 1596 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 12 - (الترغيب فيما يقوله ويفعله من رأى في منامه ما يكره). 1597 - (1) [صحيح] عَن جابرٍ رضي الله عنه عنْ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنَّه قال: "إذا رأى أحدكم الرُّؤيا يكرهها؛ فليبصق عن يساره ثلاثاً، وليستعذ بالله من الشيطانِ ثلاثاً، وليتحوَّل عن مكانه الذي كان عليْهِ". رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. 1598 - (2) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنه سمع النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إذا رأى أحدُكم الرؤيا يحبُّها، فإنَّما هي من الله؛ فلْيحمد الله عليها، وليُحدِّث بما رأى، وإذا رأى غيرَ ذلك مما يَكْرهُ، فإنَّما هي من الشيطان؛ فلْيسْتعذ باللهِ من شرِّها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضرُّه". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح" (1). 1599 - (3) [صحيح] وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الرؤيا الصالحةُ من الله، والحُلُم من الشيطان، فمن رأى شيئاً يكرهه فلينفُثْ عن شِماله ثلاثاً، ولْيتعوَّذ بالله من الشَّيطان؛ فإنَّها لا تضرُّه". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. وفي رواية للبخاري ومسلم (2):   (1) قلت: ورواه البخاري أيضاً، والنسائي في "اليوم والليلة" (505 - 506)، وانظر التعليق على "صحيح الجامع" (1/ 210). (2) هنا في الأصل زيادة "عن أبي سلمة"، فحذفتها لأنه لا فائدة منها كما بينه الناجي، بل هي تُوهِم أن الرواية الأولى عندهما ليست من طريقه، والواقع خلافه. الحديث: 1597 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 "وإذا رأى ما يكره فليتعوَّذْ بالله من شرِّها وشرِّ الشيطان، ولْيتفلْ عن يساره ثلاثاً، ولا يحدث بها أحداً؛ فإنَّها لن تضُرَّه". 1600 - (4) [صحيح] وروياه أيضاً عن أبي هريرة وفيه: "فمن رأى شيئاً يكرهه؛ فلا يقصُّه على أحدٍ، وليقم فليصلِّ". (الحلْم) بضم الحاء وسكون اللام، وبضمها: هو الرؤيا، وبالضم والسكون فقط: هو رؤية الجماع في النوم، وهو المراد هنا. وقوله: (فليتفُل) بضم الفاء وكسرها؛ أي: فليبزق. وقيل: التفل أقل من البزق، والنفث أقل من التفل. الحديث: 1600 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 13 - (الترغيب في كلمات يقولهن من يأرق أو يفزع بالليل). 1601 - (1) [حسن لغيره] عَن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدَّه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا فزع أحدكم في النوم فليقل: (أعوذ بكلمات الله التامّات من غضبه وعِقابه، وشرِّ عباده، ومنْ همزاتِ الشياطين وأنْ يَحْضُرون)؛ فإنَّها لن تَضُرَّه". رواه أبو داود، والترمذي -واللفظ له-، وقال: "حديث حسن غريب". والنسائي، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وليس عنده تخصيصها بالنوم. وفي رواية للنسائي قال: كان خالدُ بن الوليد رجلاً يفزع في منامه، فذكر ذلك لِرَسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا اضْطجعتَ فقُلْ: بسم الله أعوذ بكلمات الله التامة"، فذكر مثله. وقال مالك في "الموطأ": "بلغني أن خالد بن الوليد قال لِرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إني أُرَوَّعُ في منامي. فقال له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قلْ: فذكر مثله". ورواه أحمد عن محمد بن يحيى بن حبان عن الوليد بن الوليد؛ أنه قال: يا رسول الله! إنِّي أجدُ وِحْشةً. قال: "إذا أَحْذْت مضْجعك فقُلْ:"، فذكر مثله. ومحمدٌ لم يسْمع من الوليد. (1)   (1) قلت: هذا منكر، والمعروف أن القصة لأخيه خالد بن الوليد. انظر "الصحيحة" (2738). الحديث: 1601 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 1602 - (2) [حسن] وعن أبي التيَّاح قال: قلتُ لِعبد الرحمن بن خَنْبَشٍ التميميّ، وكان كبيراً: أدركتَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: نعم. قلتُ: كيفَ صنع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليْلَة كادته الشياطينُ (1)؟ قال: إنَّ الشياطينَ تَحَدَّرتْ تِلْك الليلة على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأودية والشِّعابِ، وفيهم شيطانٌ بيده شُعلةٌ من نارٍ يريد أن يحْرقَ بها وجْهَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (2)، فهبط إليه جِبْريل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا محمد! قُلْ. قالَ: ما أقولُ؟ قال: قُلْ: (أعوذُ بكلماتِ الله التَّامة (3) من شرِّ ما خلق وذرأَ وبرأَ، ومِنْ شرِّ ما ينزِل من السماء، ومنْ شرِّ ما يعرُجُ فيها؛ وَمِنْ شرِّ فِتْنَتيِ اللّيل والنهار، ومن شرِّ كلِّ طارقٍ، إلا طارقاً. يطرق بخير؛ يا رَحْمنُ!)، قال: فَطُفِئتْ نارُهم، وهزمهم الله تباركَ وتعالى. رواه أحمد وأبو يعلى، ولكل منهما إسناد جيد محتج به (4).   (1) وقع في الأصل ومطبوعة عمارة والمخطوطة: "الجن"، والتصويب من "المسند" (3/ 419)، وأبي يعلى (4/ 1621)، و"الأسماء" للبيهقي (ص 25). (2) زاد أحمد في رواية: "فرعب، قال جعفر -يعني ابن سليمان:- أحسبه قال: جعل يتأخر". ولفظ أبي يعلى: "فلما رآهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فزع". (3) زاد أحمد في رواية: "التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر). وهي رواية أبي يعلى ومن الحداثة في هذا العلم قول المعلق عليه: "وهو موقوف على (عبد الرحمن بن خنبش) ". وهذا معناه أن كل أحاديث (كان) الشمائل، وأحاديث (نهى) -هي كلها موقوفة!! (4) هذا يوهم أن للحديث عندهما إسنادين لكل منهما إسناد! وليس كذلك، فإنهما أخرجاه من طريق جعفر بن سليمان الضبعي: ثنا أبو التياح به. الحديث: 1602 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 1603 - (3) [حسن لغيره] وقد رواه مالك في "الموطأ" عن يحيى بن سعيد مرسلاً. 1604 - (4) [حسن لغيره] ورواه النسائي (1) من حديث ابن مسعود بنحوه. (خَنْبَش) هو بفتح الخاء المعجمة بعدها نون ساكنة وباء موحدة مفتوحة وشين معجمة.   (1) قال الناجي (155/ 1): "أي رواه النسائي موصولاً من طريق يحيى بن سعيد أيضاً، لكن بغير إسناد الحديث الأول وسياقه". قلت: فكان الأولى أن يقول المؤلف: "ووصله النسائي. . .". قلت: يعني في "عمل اليوم والليلة" (530/ 956)، وكذا وصله البيهقي في "الأسماء" (ص 306)، وفي سندهما جهالة. الحديث: 1603 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 14 - (الترغيب فيما يقول إذا خرج من بيته إلى المسجد وغيره وإذا دخلهما). قال الحافظ: "كان الأليق بهذا الباب أن يكون عقيب (المشي إلى المساجد)، لكن حصل ذهول عن إملائه هناك، وفي كلٍ خير". 1605 - (1) [صحيح] عَنْ أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا خرج الرجلُ من بيته فقال: (بسم الله، توكَّلت على الله، لا حول ولا قوة إلا باللهِ)؛ يقال له: حسبك، هُديت وكُفيت ووقيت، وتنحّى عنه الشيطانُ". رواه الترمذي وحسنه، والنسائي، وابن حبان في "صحيحه". ورواه أبو داود، ولفظه: قال: "إذا خرجَ الرجلُ من بيته فقال: (بسم الله، توكَّلت على الله، لا حول ولا قُوَّة إلا بالله)؛ يقال له حينئذٍ: هُديتَ، وكُفيتَ، ووُقيتَ، فيتنحّى له الشيطانُ. فيقولُ له شيطانٌ آخرُ: كيفَ لكَ برجلٍ هُدِيَ وكُفِيَ ووُقِيَ؟ ". 1606 - (2) [صحيح] وعن حيوة بن شُرَيْح قال: لَقيت عُقبة بن مُسلم، فقلتُ له: بَلَغني أنَّكَ حَدَّثْت عن عبد الله بن عمْرو بن العاصِ: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقولُ إذا دخل المسجد: "أعوذ بالله العظيم، وبوَجْهِهِ الكريمِ، وسُلطانِهِ القديم، من الشيطان الرجيم". الحديث: 1605 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 قال: أَقَطِّ (1)؟ قلت: نعم. قال: "فإذا قال ذلك؛ قال الشيطان: حُفِظَ منِّي سائرَ اليومِ (2) ". رواه أبو داود. 1607 - (3) [صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه؛ أنَّه سمع النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "إذا دَخَل الرجل بيتَه فذكر الله عندَ دُخوله، وعند طعامه؛ قال الشيطان: لا مَبيتَ لكم ولا عشاء، وإذا دخل فَلَمْ يذكر الله عندَ دُخوله؛ قال الشيطانُ: أَدْركتم المبيتَ، وإذا لمْ يذْكرِ الله عندَ طعامه؛ قال الشيطانُ: أدركتم المبيت والعشاء". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 1608 - (4) [حسن لغيره] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا بُنيَّ إذا دخلت على أهلك فسلِّم، فتكون بركة عليك وعلى أهل بيتِكَ". رواه الترمذي عن علي بن زيد عن ابن المسيب عنه وقال: "حديث حسن صحيح غريب". 1609 - (5) [صحيح] وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثة كلُّهُمْ ضامِنٌ على الله عزَّ وجلَّ: رجُل خرج غازياً في سبيل الله   (1) الألف في هذه اللفظة ألف الاستفهام، و (قط) بفتح القاف وكسر الطاء المخففة في الوصل بمعنى حسب. والمعنى أن الراوي -وهو حَيْوةَ- قال له شيخه عقبة: هذا الذي بلغك عني أني حدثت عن عبد الله بن عمرو فقط؟ فقال له حيوة: نعم. كذا في "العجالة" (ق 155/ 2). (2) الأصل: "سائر ذلك اليوم"، بزيادة "ذلك"، والتصحيح من "أبي داود". ويظهر أنه خطأ قديم، فقد قال الناجي: "إنّ هذه اللفظة مقحمة فيتعين حذفها". ولم يحذفها المعلقون الثلاثة! مع أنهم نقلوا قول الناجي هذا!! وذكروا رقمه في "أبي داود"!!! الحديث: 1607 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 عزَّ وجلَّ، فهو ضامنٌ على الله حتَّى يتوفَّاه فيُدخله الجنَّة بما نال مِنْ أجْرٍ أو غنيمةٍ، ورجلٌ راحَ إلى المسْجد، فهو ضامنٌ على الله حتى يتوَفَّاه فيُدْخله الجنَّة أو يَرُدَّهُ بما نال من أَجْرٍ أو غنيمةٍ، ورجلٌ دخل بيْته بسلامٍ، فهوَ ضامِنٌ على الله عزَّ وجلَّ". رواه أبو داود. وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال: "ثلاثةٌ كُلُّهُمْ ضامن على الله، إنْ عاش رُزِقَ وكفِيَ، وإن ماتَ أدخله (1) الله الجنة: مَنْ دَخَل بيته فسلَّم فهو ضامنٌ على الله" فذكر الحديث. [مضى 5 - الصلاة/ 9].   (1) الأصل: "دخل"، والتصويب من "الموارد" ومما تقدم، فإنه هناك بلفظ ابن حبان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 15 - (الترغيب فيما يقوله من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها). 1610 - (1) [صحيح] عن عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن أحدكم يأتيه الشيطانُ فيقولُ: من خلقك؟ فيقولُ: اللهُ. فيقول: مَنْ خلق الله؟ فإذا وجَدَ ذلك أحدكم فلْيَقل: آمنتُ بالله ورسولِهِ؛ فإنَّ ذلك يُذْهِبُ عَنْه". رواه أحمد بإسناد جيد، وأبو يعلى والبزار. 1611 - (2) ورواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" من حديث عبد الله بن عمرو. 1612 - (3) [صحيح لغيره] ورواه أحمد أيضاً من حديث خزيمة بن ثابت رضي الله عنه. [صحيح] وتقدم في "الذكر" [1 - باب/ 12 - حديث] وغيره حديث الحارث الأشعري وفيه: "وآمُرُكم بذكرِ الله كثيراً، ومَثَلُ ذلك كمثل رجلٍ طلبه العَدوُّ سِراعاً في أثره، حتى أتى حِصْناً حصيناً فأحْرَزَ نفسَه فيه، وكذلك العبدُ لا يَنْجو من الشيطانِ إلا بذكرِ الله". رواه الترمذي وصححه، وابن خزيمة وابن حبان وغيرهما. 1613 - (4) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يأتي الشيطانُ أحدكم فيقولُ: مَنْ خلق كذا؟ مَنْ خلق كذا؟ حتى يقولَ: منْ خلق ربَّك؟ فإذا بلغه، فلْيَسْتَعذ بالله، ولْيَنْتَهِ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. وفي رواية لمسلم: "فليقل: آمنت بالله ورسولِه". الحديث: 1610 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 [حسن] وفي رواية لأبي داود والنسائي: "فقولوا: {اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، ثم ليتفلْ عن يساره ثلاثاً، وَيستعذْ باللهِ من الشيطانِ". وفي رواية للنسائي: (1) "فليستعذ باللهِ منه، ومن فِتنَتِه". 1614 - (5) [حسن] وعن أبي زميل سماك بن الوليد قال: سألت ابنَ عبَّاسٍ فقلتُ: ما شيءٌ أجِدُهُ في صدري؟ قال: ما هو؟ قلتُ: والله لا أتكلم به. قال: فقال لي: أشيءٌ من شكٍّ؟ قال: وضحكَ، قال: ما نجا مِنْ ذلك أَحدٌ. قال: حتَّى أنزل الله عزَّ وجل: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}. فقال لي: إذا وجدت في نَفْسك شيئاً فقلْ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ". رواه أبو داود. 1615 - (6) [صحيح] وعن عثمانَ بن العاص رضي الله عنه؛ أنه أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! إنَّ الشيطانَ قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، يُلبِّسُها عليَّ. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ذاك شيطان يقال له: (خِنْزَب)، فإذا أحْسسْتَه فتعوَّذْ باللهِ منه، واتْفُلْ عن يسارِك ثلاثاً". قال: ففعلتُ ذلك، فأذْهَبَه الله عني. رواه مسلم. (خِنْزَبْ) بكسر الخاء المعجمة وسكون النون وفتح الزاي بعدها باء موحدة.   (1) لم أجدها عنده، وما قبلها في كتابه "عمل اليوم والليلة" (419/ 661 - 663). الحديث: 1614 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 16 - (الترغيب في الاستغفار). 1616 - (1) [حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "قال الله: يا ابن آدم! إنَّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك (1) ولا أُبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عَنان السماء ثمَّ اسْتغفرتني غفرت لك ولا أُبالي، يا ابن آدم! إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً؛ لأتيتك بقرابها مغفرةً". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". (العَنان) بفتح العين المهملة: هو السحاب. و (قراب) الأرض بضم القاف: ما يقارب ملأها. 1617 - (2) [حسن لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال إبليسُ: وعَزِّتك لا أبرح أُغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم. فقال: وعِزَّتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما اسْتغفروني". رواه أحمد والحاكم من طريق دراج، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". 1618 - (3) [صحيح] وعن عبد الله بن بسرٍ رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "طوبى لمن وُجد في صحيفته استغفارٌ كثير". رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، والبيهقي.   (1) الأصل وفي كثير من المطبوعات، ومنها طبعة "الثلاثة المعلقين: "منك"، والتصحيح من "الترمذي" (1534). الحديث: 1616 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 1619 - (4) [حسن] وعن الزبير رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من أحب أن تسرَّه صحيفته؛ فليكثر فيها من الاسْتغفار". رواه البيهقي بإسناد لا بأس به. 1620 - (5) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ العبدَ إذا أخطأ خطيئةً نَكَتَتْ في قلبه نُكْتَةٌ، فإن هو نَزَعَ واستغفرَ صقُلَتْ، فإن عاد زيد فيها حتى تعلوَ قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 1621 - (6) [صحيح] عن عليّ رضي الله عنه قال: كنتُ رجلاً إذا سمِعْتُ مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثاً نَفَعَني اللهُ منه بما شاء أن ينفعني، وإذا حدَّثني أحدٌ مِنْ أصحابِهِ استَحْلَفته، فإذا حلف لي صدَّقْته، قال: وحدَّثني أبو بكر -وصَدَق- أنه قال: سمِعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما مِنْ عبدٍ يُذْنبُ ذنباً فَيُحسنُ الطهورَ، ثم يقومُ فيصلِّي ركْعتين، ثم يَسْتَغْفِرُ اللهَ؛ إلا غفر له، ثمَّ قرأ هذه الآيةُ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} إلى آخر الآية". رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، وليس عند بعضهم ذكر الركعتين. وقال الترمذي: "حديث حسن غريب"، وذكر أن بعضهم وَقَّفَه. الحديث: 1619 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 1622 - (7) [صحيح لغيره] وعن بلال بنِ يَسار بن زَيدٍ قال: حدَّثني أبي عن جدِّي؛ أنه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ قال: (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيُّومُ وأتوبُ إليه)؛ غُفِرَ لَهُ وإنْ كان فَرَّ مِنَ الزَّحفِ". رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه". (قال الحافظ): "وإسناده جيد متصل، فقد ذكر البخاري في "تاريخه الكبير" (1) أن بلالاً سمع من أبيه يسار، وأن يساراً سمع من أبيه زيد مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد اختلف في (يسار) والد بلال هل هو بالباء الموحدة أو بالياء المثناة تحت، وذكر البخاري في "تاريخه" أنه بالموحدة (2). والله أعلم". 1623 - (8) [صحيح] ورواه الحاكم من حديث ابن مسعود وقال: "صحيح على شرطهما"؛ إلا أنه قال: "يقولها ثلاثاً".   (1) (1/ 2/ 108 و4/ 2/ 420). (2) لم أره في "التاريخ"، والمراد به "الكبير" عند الإطلاق، لا سيما وقد سبق في كلامه مقيداً به، ولا رأيت أحداً ذكر هذا الخلاف، والله أعلم. ثم إن ما نقله عن البخاري لا يستفاد منه إلا الاتصال الذي ادعاه المؤلف، وأما الجودة فلا لأنها تستلزم سلامة الإسناد من الجهالة وهي منفية هنا، فقد قال الذهبي في يسار هذا: "لا يعرف"، وبلال مثله. لكن الحديث صحيح بالشاهد الذي بعده وبغيره مما أشرت إليه في الأصل. وخرجته في "الصحيحة" (2727). وأما المعلقون الثلاثة، فخلطوا في التخريج بين حديث زيد وحديث ابن مسعود، ولم يتكلموا على إسناديهما -كعادتهم- بتقوية أو تضعيف، واقتصروا على قولهم في صدر التخريج: "حسن" رواه. . "! فضيعوا على القراء صحة إسناد حديث ابن مسعود!! الحديث: 1622 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 1624 - (9) [صحيح لغيره موقوف] وعن البراء رضي الله عنه: قال له رجل: يا أبا عمارة! {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، أهو الرجل يلقى العدو فيقاتلُ حتى يقتلَ؟ قال: لا، ولكن هو الرجل يذنبُ الذنبَ فيقولُ لا يغفره الله [لي]. (1) رواه الحاكم موقوفاً وقال: "صحيح على شرطهما". (2)   (1) سقطت من الأصل والمخطوطة، واستدركتها من "المستدرك" (2/ 276)، و"الشعب" (5/ 407)، وغفل عنها المعلقون الثلاثة، كما هي العادة! (2) أعله الثلاثة الجهلة بـ (عبيد الله بن موسى) فقالوا: "تركه أحمد"، وجهلوا أن مثل هذا الجرح المبهم سببه لا يؤثر في رجل كهذا احتج به الشيخان، وتتابع الحفاظ النقاد قديماً وحديثاً على توثيقه وتصحيح حديثه، ولذلك قال الذهبي الحافظ النقّاد، والذي يعرف فضل الإمام أحمد وقدره في العلم أكثر من هؤلاء الجهلة: "شيخ للبخاري، ثقة، شيعي محترق، لم يروِ عنه أحمد لذلك"، وزاد في "الميزان": "وكان ذا زهد وعبادة وإتقان". ومع ذلك فقد تابعه جمع من الثقات رووه عن شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء. . أخرجه البيهقي في "الشعب" (5/ 408/ 7094). وهذا إسناد متصل صحيح غاية، وقد فاتهم هذا المصدر لأن المنذري لم يعزه إليه، ولو فعل لبادروا إلى العزو بالجزء والصفحة والرقم، مستعينين على ذلك بالفهارس، فإنهم لا يحسنون إلا النقل، وبها!! الحديث: 1624 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 15 - كتاب الدعاء (1). 1 - (الترغيب في كثرة الدعاء، وما جاء في فضله). 1625 - (1) [صحيح] عن أبي ذرّ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يروي عن ربِّه عز وجل؛ أنه قال: "يا عبادي! إنِّي حَرَّمْتُ الظلمَ على نَفْسي (2) وَجَعلتُه بينَكُم مُحَرَّماً، فلا تظالموا. يا عبادي! كلُّكم ضالٌّ إلا من هَدَيته، فاسْتهدُوني أَهدكم، يا عبادي! كُلُّكم جائعٌ إلا من أطعمْتُه، فاسْتَطْعموني أطعِمْكُم. يا عبادي! كُلُّكُم عارٍ إلا من كسوته، فاسْتكْسُوني أَكْسُكُم. يا عبادي! إنَّكم تُخطِئون بالليل والنهارِ، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاسْتَغفِروني أغفر لكم. يا عبادي! إنكم لن تبلُغوا ضَرِّي فتَضُرُّوني، ولن تبلُغوا نَفْعي فَتَنْفَعوني. يا عبادي! لو أنَّ أوَّلكم وآخِرَكم، إنسكم وجِنَّكم، كانوا على أتقى قَلْبِ رجل واحدٍ منكم ما زادَ ذلك في مُلكي شيئاً، يا عبادي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُم وآخِركُم، وإنسَكم وجِنَّكم، كانوا على أفْجرِ قلبِ رجل واحدٍ منكم؛ ما نقصَ ذلك من ملكي شيئاً. يا عبادي! لو أنَّ أوَّلكم وآخِركم، وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في صعيدٍ واحد فسألوني، فأعْطيْتُ كلَّ إنسان منهم مسألته؛ ما نَقَصَ ذلِكَ ممّا عِندي إلا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذا أُدخِلَ (3) البحرَ.   (1) هذا العنوان من "مختصر الترغيب" لابن حجر، وهو في الأصل مقرون مع العنوان المتقدم. (2) زاد مسلم من طريق أخرى عن أبي ذر: "وعلى عبادي". (3) الأصل: "دخل"، والتصويب من "مسلم" والمخطوطة. الحديث: 1625 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 يا عبادي! إنَّما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثم أُوَفِّيكم إيّاها، فَمَنْ وجد خيراً فليحمد الله عزَّ وجل، ومن وجَدَ غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفْسَه". قال سعيد: كان أبو أدريس الخَوْلاني إذا حدَّث بهذا الحديث جثا على ركبتيه. رواه مسلم، واللفظ له، ورواه. . (1) (المِخْيَط) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الياء المثناة تحت: هو ما يخاط به الثوب، كالإبرة ونحوها. 1626 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله يقولُ: أنا عندَ ظَنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني". رواه البخاري ومسلم -واللفظ له-، والترمذي والنسائي وابن ماجه. 1627 - (3) [صحيح] وعن النعمانِ بن بشيرٍ رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الدعاءُ هو العبادةُ". ثم قرأ: " {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (2) ". رواه أبو داود والترمذي -واللفظ له-، وقال:   (1) قلت: ثم ساق المؤلف الحديث من رواية الترمذي وابن ماجه عن شهر بن حوشب بلفظ آخر مخالف للفظ مسلم زيادة ونقصاً، فحذفته مودعاً إياه في الكتاب الآخر لضعف شهر ونكارة لفظه، وكان المؤلف قد ذكره في آخر الكتاب السابق بلفظ البيهقي عنه دون رواية مسلم، فمن تخاليط المعلقين أنهم هنا لم يعزوه لمسلم وأحالوا في تخريجه إلى المكان المتقدم، وهناك قالوا: "صحيح، رواه مسلم. . "! فأوهموا صحة رواية شهر، بهذا التصدير، وبسكوتهم عن ضعف شهر!! (2) أي: أذلاء مهانين. الحديث: 1626 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 "حديث حسن صحيح"، والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1628 - (4) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ سَرَّه أن يَسْتَجيبَ الله له عندَ الشدائدِ [والكُرَبِ] (1)؛ فَليُكْثِر مِنَ الدعاء في الرَّخاءِ". رواه الترمذي والحاكم من حديثه ومن حديث سلمان، وقال في كل منهما: "صحيح الإسناد". 1629 - (5) [حسن] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَيْسَ شيءٌ أكرمُ على الله من الدعاءِ". رواه الترمذي وقال: "غريب" (2)، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1630 - (6) [حسن لغيره] وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "قال الله: يا ابنَ آدمَ! إنَّك ما دَعَوْتَني ورَجَوْتَني؛ غَفَرْتُ لَكَ على ما كانَ فيك ولا أُبالي" الحديث.   (1) سقطت من الأصل، واستدركتها من "الترمذي" (3379) والحاكم (1/ 544)، ولم أره عنده من حديث سلمان، وعزاه الناجي (156/ 2) لأحمد؛ وما أظنه إلا وهماً؛ فإنه لم يورده الهيثمي في "المجمع"، ولا البنا في "ترتيب المسند" (14/ 265) مع البحث الشديد عنه. (2) كذا الأصل، وفي الترمذي (2/ 242 - بولاق): "حسن غريب". وهذا هو الأليق بحال إسناده، فإنه حسن. الحديث: 1628 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". وتقدم بتمامه في "الاستغفار" [في الباب السابق]. 1631 - (7) [حسن صحيح] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما على الأرضِ مسلمٌ يدعو الله بدعوةٍ إلا آتاهُ الله تعالى إيَّاها، أَوْ صَرَفَ عنه مِنَ السوءِ مِثْلَها، ما لَمْ يَدْعُ بإثمٍ أو قطيعة رحمٍ". فقال رجلٌ من القوم: إذاً نُكثر. قال: "الله أكثر". رواه الترمذي -واللفظ له-، والحاكم؛ كلاهما من رواية عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". قال الجرّاحي (1): يعني الله أكثر إجابة. 1632 - (8) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِنْ مسلمٍ يَنْصِبُ وجْهَهُ لله عزَّ وجلَّ في مسألةٍ؛ إلا أعطاها إيَّاه، إمّا أنْ يُعجِّلها له، وإمّا أن يَدَّخِرها له في الآخرة". رواه أحمد بإسناد لا بأس به.   (1) هو راوي كتاب الترمذي عن المحبوبي عنه، وهو بفتح الجيم وتشديد الراء وبالحاء المهملة؛ منسوب إلى جده أبي الجراح، لكن لا أدري من أين نقل عنه تفسير هذه اللفظة. كذا في "العجالة" (156/ 2). الحديث: 1631 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 1633 - (9) [حسن صحيح] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ مُسلمٍ يَدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ، ولا قطيعةُ رحِم؛ إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاثٍ: إمَّا أنْ يُعَجِّل له دَعْوَته، وإمّا أن يدَّخرها له في الآخرةِ، وإمَّا أنْ يصرفَ عنه مِنَ السوءِ مِثلَها". قالوا: إذاً نُكْثِرُ. قال: "الله أكثَرُ". رواه أحمد والبزار وأبو يعلى بأسانيد جيدة، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1634 - (10) [حسن لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:. . . وقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الدعاءَ ينفع ممّا نَزَلَ ومما لم ينزِلْ، فَعليكم عباد الله بالدعاءِ". رواه الترمذي والحاكم؛ كلاهما من رواية عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي؛ وهو ذاهب الحديث، عن موسى بن عقبة عن نافع عنه. وقال الترمذي: "حديث غريب"، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". 1635 - (11) [صحيح] وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله حَيِيٌّ كريم، يَسْتَحي إذا رَفع الرجلُ إليه يدَيه أن يردَّهما صِفْراً خائبتين". رواه أبو داود والترمذي، وحسنه -واللفظ له-، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط الشيخين". (الصِّفْر) بكسر الصاد المهملة وإسكان الفاء: هو الفارغ. الحديث: 1633 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 1636 - (12) [صحيح لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله رَحيم كَريم، يَسْتَحْيي مِنْ عَبده أن يَرفَع إليه يدَيْه، ثمَّ لا يضعُ فيهما خيراً". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". وفي ذلك نظر. 1637 - (13) [صحيح] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ نَزَلَتْ به فاقةٌ فأنزلها بالناسِ؛ لم تُسَدَّ فاقتهُ، ومَنْ نزلت به فاقةٌ فأنزلها بالله؛ فيوشك الله له برزق عاجلٍ أو آجلٍ". رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب (1) ". [مضى 8 - الصدقات/ 5]. (يوشك) بكسر الشين المعجمة؛ أي: يسرع، وزنه ومعناه. 1638 - (14) [حسن] وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يرد القَدَرَ إلا الدعاءُ، ولا يزيد في العمرِ إلا البِرُّ،. . .". رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، واللفظ له، وقال: "صحيح الإسناد". (2) 1639 - (15) [حسن لغيره] وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يَرُدُّ القضاءَ إلا الدعاءُ، ولا يزيدُ في العمرِ إلا البِرُّ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".   (1) الأصل ومطبوعة عمارة: "ثابت"، والمعلقين الثلاثة! وكذلك كان فيما تقدم، وهو خطأ صححته من "الترمذي" (2327). وقد نبه على ذلك الناجي جزاه الله خيراً. (2) قلت: فيه مجهول، لكن القدر المذكور هنا حسن لأن له شاهداً من حديث سلمان رضي الله عنه، وهو مخرج في "الصحيحة" (154)، وبينت فيه علة حديث ثوبان هذا، ونكارة الزيادة المشار إليها بالنقط، وهي بلفظ: "وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يذنبه". ومن جهل الثلاثة أو غفلتهم أنهم حسنوه بالزيادة! وسيذكرها المصنف وحدها في (21 - الحدود/ 13 - الضعيف). الحديث: 1636 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 2 - (الترغيب في كلمات يستفتح بها الدعاء، وبعض ما جاء في اسم الله الأعظم). 1640 - (1) [صحيح] عن عبدِ الله بن بُرَيْدَة عن أبيه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمعَ رجلاً يقول: اللهمَّ إني أسألُكَ بأنِّي أَشْهدُ أنَّكَ أنتَ الله لا إلهَ إلا أنتَ، الأحدُ، الصمدُ، الذي لمْ يلد، ولم يُولد، ولم يكن له كفواً أحد؛ فقال: "لقد سألت الله بالاسمِ الأعْظَمِ، الّذي إذا سُئِل به أعْطى، وإذا دُعي به أجاب". رواه أبو داود والترمذي، وحسنه، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم؛ إلا أنه قال فيه: "لقد سألت الله باسمه الأعظم"، وقال: "صحيح على شرطهما". (قال المملي:) قال شيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي: "وإسناده لا مطعن فيه، ولم يَرِد في هذا الباب حديثٌ أجود إسناداً منه". 1641 - (2) [حسن صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: مرَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأبي عَيَّاش زيدِ بن الصامِت الزُّرَقِي وهو يصلِّي وهو يقول: "اللهم إنِّي أسألُك بأنَّ لكَ الحمدَ، لا إله إلا أنْت [وحدك لا شريك لك]، المنان (1)، بديع السمواتِ والأرضِ! ذو الجلالِ والإكرام! "، فقالَ   (1) الأصل: "يا حنان يا منان! يا"، والتصحيح من أحمد وابن ماجه، والزيادة منهما، وكذا ابن أبي شيبة، وهو مخرج في "الصحيحة" (3411). وفيه بيان ما وقع للمعلقين الثلاثة من الخلط في تخريج الحديث، وغفلتهم عن التصحيح المذكور. الحديث: 1640 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لقد سألتَ الله باسْمِه الأعظَمِ، الَّذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سُئِل به أعطى". رواه أحمد -واللفظ له-، وابن ماجه. ورواه أبو داود والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وزاد هؤلاء الأربعة: (1) 1642 - (3) [حسن لغيره] وعن أسماءَ بنتِ يزيدَ رضي الله عنها؛ أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اسمُ الله الأَعْظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}، وفاتحة سورة {آل عمران}: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ". رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". (قال المملي عبد العظيم): "رووه كلهم عن عبيد الله بن أبي زياد القداح عن شهر بن حوشب عن أسماء. ويأتي الكلام عليهما". 1643 - (4) [صحيح] وعن فَضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: بَيْنَما رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاعدٌ إذ دَخَل رَجلٌ فصلَّى فقال: (اللهمَّ اغفِرْ لي وارْحَمْني)، فقال رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عَجِلْتَ أيُّها المُصَلِّي! إذا صَلَّيْتَ فقعدتَ فَاحمدِ الله بما هو أهْلُه، وصَلِّ عليَّ، ثمَّ ادْعُهُ".   (1) قلت: ذكر زيادتين ليستا من شرط الكتاب إحداهما عند الأربعة: "يا حي يا قيوم"، والأخرى عند الحاكم: "أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار". الحديث: 1642 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 قال: ثم صلى رجل آخر بعد ذلك، فحمد الله وصلى على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال له النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيُّها المُصَلِّي! ادْع تُجَبْ". رواه أحمد وأبو داود والترمذي -واللفظ له- وقال: "حديث حسن"، والنسائي، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". 1644 - (5) [صحيح] وعن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دَعوة ذي النونِ إذ دعاهُ وهو في بَطنِ الحوتِ: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}؛ فإنَّه لمْ يَدْعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شَيْءٍ قَطُّ؛ إلا اسْتجابَ الله له". رواه الترمذي واللفظ له، والنسائي، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". وزاد. . (1)   (1) لم أذكرها هنا لأنها ليست على شرط الكتاب، فهي من حصة الكتاب الآخر، وأما المعلقون الثلاثة فحسنوا الحديث دون أن يفرقوا بين المزيد والمزيد عليه، بل ونسبوا ذلك لتصحيح الحاكم والذهبي، وكذبوا، وسيأتي بيان ذلك هناك إن شاء الله تعالى. الحديث: 1644 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 3 - (الترغيب في الدعاء في السجود، ودبر الصلوات، وجوف الليل الأخير). 1645 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أقربُ ما يكون العبدُ مِنْ ربِّه عزَّ وجلَّ وهو ساجدٌ، فأَكثِروا الدُّعاءَ". رواه مسلم وأبو داود والنسائي. 1646 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ينزلُ ربُّنا كلَّ ليلةٍ إلى سَماء الدُّنيا حينَ يَبْقى ثُلُثُ اللَّيلِ الآخِر، فيقولُ: مَنْ يدْعوني فأَستَجيبَ لهُ؟ مَنْ يَسْأَلُني فأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفرني فأغفرَ له؟ ". رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم (1). [صحيح] وفي رواية لمسلم: "إذا مضى شطرُ الليلِ أو ثلثاه، ينْزِلُ الله تبارك وتعالى إلى السَّماءِ الدُّنيا فيقول: هل مِنْ سائلٍ فيُعطى؟ هل مِنْ داعٍ فيُستجابَ له؟ هل مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَيُغفَرَ له؟ حتى ينْفجرَ الصبحُ". 1647 - (3) [صحيح] وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أَقْرَبُ ما يكون العبدُ مِنَ الرَّبِّ في جَوْفِ الليل، فإن اسْتطعْتَ أن   (1) قال الناجي (156/ 2): "قد رواه بقية الستة والإمام أحمد وجماعات لا يحصون من طرق كثيرة، وبألفاظ متنوعة". قلت: وهو حديث متواتر، وقد روى جملة طيبة منها ابن أبي عاصم في "السنة" (رقم 492 - 502) وخرجتها في "ظلال الجنة"، كما خرجت قسماً كبيراً منها في "إرواء الغليل" (449). الحديث: 1645 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 تكون مِمَّنْ يَذْكُرُ الله في تلكَ الساعَة فكُنْ". رواه أبو داود، والترمذي واللفظ له (1)، وقال: "حديث حسن صحيح". والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 1648 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي أُمامَة قال: قيل: يا رسول الله! أيُّ الدُّعاءِ أَسْمَعُ؟ قال: "جَوْفِ الليلِ الأخيرِ، ودُبُرِ الصَّلواتِ المكتوباتِ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". (2)   (1) كذا قال، ولفظه هنا يخالف اللفظ المتقدم (6 - النوافل/ 11/ 16)، وقال هناك: "رواه الترمذي، واللفظ له"، وهذا هو الصواب المطابق للفظه في "الترمذي". والله أعلم. (2) فيه إشارة إلى ضعف إسناده -وقد ذكر أنه منقطع- وإلى حسن متنه لشواهده. ومن جهل المعلقين وتناقضهم، أنهم صدروا تخريجه بقولهم: "ضعيف. . . "، وختموه بقولهم: "ولمتنه شواهد"!! فإذن هو ليس بضعيف. فالله المستعان! الحديث: 1648 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 4 - (الترهيب من استبطاء الإجابة وقوله: دعوت فلم يستجب لي). 1649 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يُسْتجابُ لأحدِكُم ما لَمْ يَعْجَلْ؛ يقول: دَعَوْتُ فلم يُستَجَبْ لي". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه. وفي رواية لمسلم والترمذي: "لا يزالُ يُستجابُ للعبد ما لم يدْعُ بإثْمٍ أو قطيعةِ رَحِمٍ؛ ما لم يَسْتَعْجل". قيلَ: يا رسولَ الله! ما الاستعجال؟ قال: "يقولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وقد دَعَوْتُ؛ فلمْ أَرَ يُستَجَبْ لي، فيَسْتَحْسِرُ عند ذلك، وَيدَعُ الدُّعَاءَ". (فيستحسر) أي: يَملُّ ويعيى (1) فيترك الدعاء. 1650 - (2) [صحيح لغيره] وعن أنس رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يزال العبدُ بخيرٍ ما لَمْ يستَعْجلْ". قالوا: يا نبيَّ الله! وكيف يَسْتَعْجِلُ؟ قال: "يقول: قد دعوتُ ربِّي فلم يَسْتَجِبْ لي". رواه أحمد -واللفظ له- وأبو يعلى، ورواتهما محتج بهم في "الصحيح"؛ إلا أبا هلال الراسبي.   (1) الأصل ومطبوعة عمارة: "يعى"! والتصويب من المخطوطة. الحديث: 1649 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 5 - (الترهيب من رفع المصلي رأسه إلى السماء وقت الدعاء، وأن يدعو الإنسان وهو غافل). 1651 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لينتَهِيَنَّ أقوامٌ عن رفْعِهم أبصارَهم عند الدُّعاء في الصلاةِ إلى السماء، أوْ لتُخطفَنَّ (1) أبصارُهم". رواه مسلم والنسائي وغيرهما. [مضى 5 - الصلاة/ 35]. 1652 - (2) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ". . . (2) إذا سألتم الله عز وجل يا أيها الناس! فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب لعبدٍ دعاه عن ظهر قلبٍ غافلٍ". رواه أحمد بإسناد حسن. 1653 - (3) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ادعوا الله وأنتم موقنونَ بالإجابةِ، واعلموا أنَّ الله لا يَستجيبُ دعاءً مِن قلبٍ غافلٍ لاهٍ". رواه الترمذي، والحاكم وقال: "مستقيم الإسناد، تفرد به صالح المُرِّي، وهو أحد زهّاد البصرة". (قال الحافظ): "صالح المرِّيِّ في لا شك في زهده، لكن تركه أبو داود والنسائي".   (1) الأصل: "ليخطفن الله"، وكذا في المخطوطة ومطبوعة عمارة ومطبوعة الثلاثة، والتصويب من مسلم (2/ 29)، والنسائي (1/ 187)، ومما تقدم! (2) في الأصل هنا قوله: "القلوب أوعية، وبعضها أوعى من بعض"، ولما لم أجد لها شاهداً فقد حذفتها، وانظره في "الضعيف" هنا. الحديث: 1651 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 6 - (الترهيب من دعاء الإنسان على نفسه وولده وخادمه وماله). 1654 - (1) [صحيح] عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تَدْعُوا على أنفُسِكُمْ، ولا تدْعوا على أوْلادِكم، [ولا تدْعوا على خَدَمكم]، ولا تَدْعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعةً يُسألُ فيها عطاءً؛ فيسْتَجيبَ لكم". رواه مسلم (1) وأبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه" وغيرهم. 1655 - (2) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثُ دَعَواتٍ لا شَكَّ في إجابَتِهِنَّ: دعوةُ المظلومِ، ودعوةُ المسافِرِ، ودعوةُ الوالدِ على وَلَدَهِ". رواه الترمذي وحسنه. ويأتي في [23 - الأدب/ 49] باب "دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب" أحاديث فيها ذكر دعاء الوالد.   (1) في حديث جابر الطويل (8/ 233)، وليس عنده زيادة: "ولا تدعوا على خدمكم"، مع أن السياق له، وهي عند أبي داود (1532)، وهذا مما فات الحافظ الناجي التنبيه عليه، وقلده المعلقون الثلاثة! الحديث: 1654 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 7 - (الترغيب في إكثار الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والترهيب من تركها عند ذكره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثيراً دائماً). 1656 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً؛ صلّى الله عليه عَشْراً". رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي، وابن حبان في "صحيحه". [حسن صحيح] وفي بعض ألفاظ الترمذي: (1) "من صلى عليَّ مرَّةً واحِدةً؛ كتبَ الله له بها عَشْرَ حَسَناتٍ". 1657 - (2) [صحيح لغيره] وعن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ ذُكِرْتُ عنده، فَلْيُصَلِّ عليَّ، ومَنْ صلَّى عليَّ مرةً؛ صلَّى الله عليه عشْراً". [صحيح] وفي رواية: "من صلّى عليَّ صلاةً واحدةً؛ صلَّى الله عليه عَشْر صلواتٍ، وحَطَّ عنه بها عشرَ سيِّئاتٍ، ورفعَه بها عشرَ دَرَجاتٍ". [صحيح] رواه أحمد والنسائي -واللفظ له-، (2) وابن حبان في "صحيحه".   (1) كذا قال! وهو من أوهامه، والصواب: "ابن حبان" فهو الذي رواه باللفظ الثاني من بين المذكورين، كما حققته في "الصحيحة" (3359)، وهو مما غفل عنه الحافظ الناجي أيضاً، وبالأولى أن يغفل عنه من ليس في العير ولا في النفير! (2) يعني في الروايتين، الأولى في "اليوم والليلة" فقط (رقم 6)، والأخرى فيه (62 و63 و362) وفي "السنن" أيضاً (1/ 199)، كما نبه عليه الناجي رحمه الله، لكنه سكت عن إسناد الأولى -وهي من طريق أبي داود- وهو الطيالسي -وهذا في "مسنده" (283/ 2122) - وفيه انقطاع بين أبي إسحاق السبيعي وأنس، لكن الحديث صحيح بشواهد تأتي في الباب. وقد وهم المعلق على "اليوم والليلة"، فعزاها لأحمد والبخاري في "الأدب المفرد" (643)، وليست عندهما، انظر "صحيح الأدب المفرد" (499/ 643). الحديث: 1656 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 والحاكم، ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من صلَّى عليَّ واحدةً؛ صلَّى الله عليه عشرَ صَلَواتٍ، وحطَّ عنه عشرَ خطيئاتٍ". 1658 - (3) [حسن لغيره] وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: خرج رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاتَّبَعْتُهُ حتى دَخَل نخلاً فسجد، فأطالَ السجودَ، حتى خِفتُ أو خشيتُ أن يكونَ اللهُ قد تَوفَّاه أو قَبَضه، قال: فجئت أنْظُرُ، فَرَفَعَ رأْسَهُ، فقالَ: "ما لَك يا عبد الرحمن؟ ". قال: فذكرتُ ذلك له، قال: فقال: "إنَّ جبريلَ قال لي: ألا أبشِّرك (1) أنّ الله عزَّ وجلَّ يقول: مَنْ صلّى عليْك صلَّيت عليه، ومن سلَّم عليك سلَّمت عليه، -زاد في رواية- فسجدت لله شكراً". رواه أحمد، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". [حسن لغيره] ورواه ابن أبي الدنيا وأبو يعلى، ولفظه: قال: كان لا يفارقُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منا خمسة أو أربعة من أصحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما ينويه من حوائجه بالليل والنهارِ، -قال:- فَجِئْتُهُ وقد خرج، فاتَّبعْتُهُ، فدخل حائطاً من حيطانِ الأسواف (2) فصلَّى، فسجد فأطال السجودَ،   (1) الأصل: (ألا يسرك)، وفي نسخة ما أثبته وهو الصواب الموافق لروايتي أحمد (1/ 191) والسياق له، ونحوه في "المستدرك" (1/ 550). غفل عن ذلك المعلقون الثلاثة، فأثبتوا الخطأ! (2) هو اسم لحرم المدينة الذي حرمه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل: موضع بناحية البقيع. ووقع في الأصل "الأشراف"، وكذا في طبعة عمارة والمعلقين الثلاثة! الحديث: 1658 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 فبكيت، وقلت: قبضَ اللهُ روحَه! قال: فرفع رأسه فدعاني فقال: "ما لك؟ ". فقلتُ: يا رسول الله! أطلت السجودَ؛ قلتُ: قبضَ الله روحَ رسوله، لا أراها أبداً! قال: "سجدتُ شكراً لربي فيما أبْلاني في أمتي، مَنْ صلَّى عليَّ صلاةً مِنْ أمَّتي؛ كتبَ الله له عشر حسناتٍ، ومحا عنه عشر سيِّئاتٍ". لفظ أبي يعلى. وقال ابن أبي الدنيا: "من صلَّى عليَّ صلاةً؛ صلَّى الله عليه عشراً". وفي إسنادهما موسى بن عبيدة الرَّبَذي (1). قوله: "فيما أبلاني"؛ أي: في ما أنعم علي، و (الإبلاء): الإنعام. 1659 - (4) [حسن صحيح] وعن أبي بُرْدة بن نيارٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من صلّى عليَّ مِنْ أمتي صلاةً مخلصاً مِنْ قلبِه؛ صلَّى الله عليه بها عَشْر صلواتٍ، ورفعه بها عشْر درجاتٍ، وكتب له بها عشر حسناتٍ، ومحا عنه عشر سيِّئات". رواه النسائي والطبراني والبزار. 1660 - (5) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أنه سمع النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إذا سمعتم المؤذِّن؛ فقولوا مثل ما يقولُ، ثم صلُّوا عليَّ؛ فإنه مَنْ صلَّى   (1) قلت: ومن طريقه أخرجه القاضي إسماعيل في "فضل الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" (رقم 10 - بتحقيقي)، لكنه قوي بما قبله وحديث أبي طلحة الآتي قريباً بعد حديثين. الحديث: 1659 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 عليَّ صلاةً؛ صلَّى الله عليه عشراً، ثم سلوا لي الوسيلة، فإنها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عبادِ الله، وأرجو أن أكونَ أنا هو، فَمَنْ سألَ الله لي الوسيلة حلّت عليه الشفاعةً". رواه مسلم وأبو داود والترمذي. [مضى 5 - الصلاة/ 2]. 1661 - (6) [حسن لغيره] وعن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه قال: أصبح رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً طيِّبَ النَّفسِ، يُرى في وجهه البشرُ. قالوا: يا رسول الله! أصْبحت اليوم طيَّب النفسِ، يُرى في وجهك البِشرُ؟ قال: "أجل، أتاني آتٍ مِنْ ربِّي فقال: من صلَّى عليك من أمَّتك صلاةً؛ كتب الله له بها عشر حسناتٍ، ومحا عنه عشر سيِّئات، ورفع له عشر درجاتٍ، وردَّ عليه مثلها". رواه أحمد والنسائي. [حسن صحيح] وفي رواية لأحمد: "أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاءَ ذاتَ يوم والسرور يُرى في وجْهِهِ، فقالوا: يا رسول الله! إنَّا لنرى السرورَ في وجْهِكَ؟ فقال: "إنَّه أتاني الملك فقال: يا محمَّد! أما يُرضيك أنَّ ربَّك عزَّ وجل يقول: إنَّه لا يصلِّي عليك أحد من أمَّتك؛ إلا صلَّيت عليه عشراً، ولا يُسلِّم عليك أحدٌ من أمَّتِكَ؛ إلا سلَّمت عليه عشْراً؟ قال: بلى". رواه ابن حبان في "صحيحه" بنحو هذه (1).   (1) ورواه الحاكم أيضاً (2/ 420 - 421)، وقال: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. الحديث: 1661 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 1662 - (7) [حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَكْثِرو الصَّلاة عليَّ يوم الجمعة؛ فإنه أتاني جبريلُ آنِفاً عن ربه عز وجل فقال: ما على الأرض من مسلم يُصلِّي عليك مرَّة واحدةً؛ إلا صلَّيْت أنا وملائكتي عليه عشراً". رواه الطبراني (1) عن أبي ظلال عنه. وأبو ظلال وثِّق، ولا يضر في المتابعات. 1663 - (8) [حسن لغيره] وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من صلَّى عليَّ؛ صلَّى الله عليه عشراً، ووكَّل (2) بها ملكٌ حتى يُبَلِّغنيها". رواه الطبراني في "الكبير" (3). 1664 - (9) [صحيح] وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن لله ملائكةً سيَّاحين، يُبلِّغوني عن أمَّتي السلامَ". رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه".   (1) وكذا عزاه للطبراني الحافظ السخاوي في "القول البديع" (ص 145) وقال: "سنده لا بأس به في المتابعات". ولذلك أوردته في هذا "الصحيح"، ولكني لم أره في "المعجم الكبير" للطبراني، ولا في "معجميه" الآخرين: "الأوسط" و"الصغير" ولا في "كتاب الدعاء" له، ولا أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"، وإنما رواه بالحرف الواحد، ومن طريق أبي ظلال أبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب" (2/ 686/ 1651). ورواه البيهقي في "السنن" من طريق أخرى عن أنس مختصراً. (2) الأصل: "ملك موكل بها"، وعلى الهامش: "هكذا لفظ الحديث في الأصول كلها، وهو غير مستقيم. والله أعلم". ولعل الصواب ما أثبته طبقاً لمخطوطة الظاهرية. ووقع في "المجمع" (10/ 162) و"الجامع الكبير": "بها ملك موكل"، وكذا في "الطبراني الكبير" (7611/ 8/ 158). والله أعلم. (3) قلت: يشهد لشطره الأول ما تقدم من الأحاديث، ولشطره الآخر ما بعده، وآخر عن أيوب بلاغاً. رواه إسماعيل القاضي (رقم 24). الحديث: 1662 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 1665 - (10) [صحيح لغيره] وعن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "حيثُما كُنْتم فصَلُّوا عليّ؛ فإنَّ صلاتكم تَبْلُغُني" رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن. 1666 - (11) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ أحدٍ يُسَلِّم عليَّ؛ إلا ردَّ الله إليَّ روحي حتى أَرُدَّ عليه السلامَ". رواه أحمد وأبو داود (1). 1667 - (12) [حسن لغيره] (*) وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله وكَّل بقبري ملكاً أعطاه الله أسماءَ الخلائِقِ، فلا يُصَلِّي عليَّ أحدٌ إلى يومِ القيامَة إلا أبْلغني باسْمه واسْم أبيه: هذا فلانُ ابنُ فلانٍ قدْ صلَّى عليكَ". رواه البزار. وأبو الشيخ ابن حيان، ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ لله تبارك وتعالى ملكاً أعطاه أسماءَ الخلائقِ، فهو قائمٌ على قَبْري إذا متُّ، فليس أحدٌ يصلِّي عليَّ صلاةً إلا قال: يا محمدٌ! صلَّى عليكَ فلانُ بنُ فلانٍ. قال: فيصلِّي الرَّبُّ تبارك وتعالى على ذلك الرجل بكلِّ واحدةٍ عَشْراً". ورواه الطبراني في "الكبير" بنحوه.   (1) قلت: وكذا الطبراني في "الأوسط" (4/ 84/ 3116)، والبيهقي في "الشعب" (2/ 217/ 1581). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: سقط هذا الحكم من المطبوع، وأثبته الشيخ مشهور في طبعته للترغيب، وقال: «استدركناه من أصول الشيخ - رحمه الله تعالى-» الحديث: 1665 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 (قال الحافظ): "رووه كلهم عن نعيم بن ضمضم؛ وفيه خلاف، عن عمران بن الحميري؛ ولا يُعرف". (1) 1668 - (13) [حسن لغيره] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن أَوْلى الناسِ بي يوم القيامةِ أَكثرُهم عليَّ صلاةً". رواه الترمذي وابن حبان في "صحيحه"؛ كلاهما من رواية موسى بن يعقوب الزمعي. 1669 - (14) [حسن لغيره] وعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب ويقول: "مَنْ صَلَّى عليَّ صلاةً؛ لم تَزَل الملائكةُ تُصَلِّي عليه ما صلى عليَّ، فليقلّ عبدٌ من ذلك، أو ليكثر". رواه أحمد وأبو بكر بن أبي شيبة وابن ماجه؛ كلهم عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر عن أبيه. وعاصم وإن كان واهي الحديث؛ فقد مشاه بعضهم، وصحح له الترمذي، وهذا الحديث حسن في المتابعات. والله أعلم. 1670 - (15) [حسن صحيح] وعن أبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا ذهبَ رُبعُ الليلِ قامَ فقال: "يا أيُّها الناسُ! اذْكُروا الله، جاءَتِ الراجِفَةُ، تَتْبَعُها الرادفة، جاء الموتُ بما فيه، جاء الموت بما فيه".   (1) كذا قال! وتعقبه السخاوي بقوله (ص 85): "قلت: بل هو معروف، ولينه البخاري وقال: "لا يتابع عليه"، وذكره ابن حبان في "ثقات التابعين". قال صاحب "الميزان" أيضاً. "لا يعرف". قال: ونعيم بن ضمضم ضعفه بعضهم. انتهى. وقرأت بخط شيخنا: "لم أر فيه توثيقاً ولا تجريحاً إلا قول الذهبي". يعني هذا". الحديث: 1668 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 قال أبيُّ بن كعبٍ: فقلتُ: يا رسول الله! إني أُكثر الصلاة (1) [عليكَ] (2)، فكم أَجْعل لكَ من صلاتي؟ قال: "ما شئْتَ". قال: قَلتُ: الربع؟ قال: "ما شئت، إن زدت فهو خيرٌ لك". قلت: النصفَ؟ قال: "ما شِئْت، فإن زدتَ خيرٌ لك". قال: قلت: ثُلُثَيْن؟ قال: "ما شِئت، وإن زدتَ فهو خيرٌ لك". قال: أجْعل لك صلاتي كلّها. قال: "إذاً تُكفى همَّك، ويغفر لك ذنبك". رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". وفي رواية (3) عنه قال: قال رجل: يا رسول الله! أرأيتَ إنْ جعلتُ صلاتي كلها عليك؟ قال:   (1) أي: الدعاء؛ كما سيأتي بيانه من المؤلف وابن تيمية. (2) سقطت من الأصل والمخطوطة ومطبوعة عمارة، وكذا مطبوعة المعلقين الثلاثة! واستدركتها من "الترمذي" و"المستدرك" (2/ 421 و513) والسياق له، وعندهما بعض الزيادات في السياق من كلام أبيّ، لعل المصنف اختصرها عمداً. وكان في الأصل تقديم قوله: "قلت: ثلثين" على قوله: "قلت: النصف"! وسقط من نسخة الثلاثة جملة الثلثين وجوابه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -! وهكذا يكون تحقيقهم المزعوم. (3) الأصل: (لأحمد)، والصواب ما أثبت، لأنه ليس عنده (5/ 136) إلا هذه الرواية المختصرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 "إذاً يكفيكَ الله تبارك وتعالى ما أهمك من دنياك وآخرتك". وإسناد هذه جيد (1). قوله: "أُكثِر الصلاة، فكم أجعلُ لك من صلاتي؟ ". معناه: أُكثِر الدعاء، فكم أجعل لك من دعائي صلاةً عليك؟ 1671 - (16) [حسن لغيره] وعن محمد بن يحيى بن حبان عن أبيه عن جده: أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله! أجعلُ ثلثَ صلاتي عليك؟ قال: "نعم إن شئت". قال: الثلثين؟ قال: "نعم". قال: فصلاتي كلَّها؟ قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذاً يكفيك الله ما همَّك من أمر دنياك وآخرتِك". رواه الطبراني بإسناد حسن. 1672 - (17) [حسن لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أكثروا مِنَ الصلاةِ عليّ يومَ الجمعةِ؛ فإنه مشهودٌ تشهدُه الملائكةُ، وإنّ أحداً لن يصليَ عليّ؛ إلا عُرِضَتْ عليّ صلاتُه حتى يفرغَ منها". قال: قلت: وبعد الموت؟ قال:   (1) تخصيص هذه دون التي قبلها بالجودة ليس بجيد، لأن مدار الروايتين على عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو حسن الحديث. وله شاهد مرسل عند القاضي إسماعيل (رقم 13 - بتحقيقي)، فيه صح الحديث والحمد لله. الحديث: 1671 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 "إن اللهَ حرمَ على الأرضِ أن تأكلَ أجسادَ الأنبياءِ عليهم السلام، [فنبيُّ الله حيٌّ يُرزقُ] (1) ". رواه ابن ماجه بإسناد جيد. 1673 - (18) [حسن لغيره] وعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أكثروا عليّ من الصلاة في يوم الجمعة، فإن صلاةَ أمتي تعرضُ عليَّ في كلِّ يوم جمعةٍ، فمن كان أكثرَهم عليَّ صلاةً؛ كان أقرَبهم مني منزلةً". رواه البيهقي بإسناد حسن؛ إلا أن مكحولاً قيل: لم يسمع من أبي أمامة. 1674 - (19) [صحيح] وعن أوس بن أوسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مِنْ أفضل أيامِكم يومُ الجمعة، فيه خُلِقَ آدم، وفيه قُبَض، وفيه النفخةُ، وفيه الصعقةُ، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإنَّ صلاتَكم معروضةٌ عليَّ". قالوا: يا رسول الله! وكيف تُعرض صلاتنا عليك وقد أَرَمْتَ؟ -يعني: بليت- فقال: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ حرَّم على الأرض أن تأكل أجْسادَ الأنبياء". رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وصححه. (أَرَمْتَ) بفتح الهمزة والراء وسكون الميم، وروي بضم الهمزة وكسر الراء (2). 1675 - (20) [صحيح لغيره] وعن عليّ رضي الله عنه قال: كلُّ دعاءٍ محجوبٌ حتى يُصَلِّى على محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[وآل محمد] (3).   (1) سقطت من الأصل، واستدركتها من "ابن ماجه" (1/ 502)، وليس فيه: "عليهم السلام". (2) قلت: هذا يؤكد خطأ ما وقع في الأصل في ضبط هذه الكلمة فيما سبق (7 - الجمعة/ 1 - باب/ 696) وأن الراجح ما استصوبته ثمة. (3) زيادة من "المعجم الأوسط" (1/ 408/ 725)، و"مجمع الزوائد"، وعزاه إليه الحواشون الثلاثة، ولم يستدركوا الزيادة! الحديث: 1673 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 رواه الطبراني في "الأوسط" موقوفاً، ورواته ثقات، ورفعه بعضهم، والموقوف أصح. 1676 - (21) [صحيح لغيره] ورواه الترمذي عن أبي قُرَّة الأسدي عن سعيد بن المسيِّب عن عمر بن الخطاب موقوفاً قال: إنَّ الدعاءَ موقوف بين السماء والأرض، لا يصعدُ منه شيءٌ حتى تُصلِّي على نبيِّك - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 1677 - (22) [صحيح لغيره] وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "احْضُروا المِنْبر". فحضرْنا. فلما ارتقى درجة؛ قال: "آمين": فلمَّا ارتقى الدرجة الثانية؛ قال: "آمين": فلماَّ ارْتقى الدَّرجة الثالثة؛ قال: "آمين": فلما نزل قلنا: يا رسول الله! لقد سمِعنا مِنْك اليومَ شيئاً ما كنَّا نسْمَعه؟ قال: "إنَّ جبريلَ عَرَضَ لي فقال: بَعُدَ من أدْرك رمضان، فلم يُغفر له، قلت: (آمين)، فلما رقيتُ الثانية قال: بَعُدَ من ذُكِرْتَ عنده، فلم يُصَلِّ عليكَ. فقلت: (آمين)، فلما رَقيتُ الثالث قال: بَعُدَ من أدرك أبويه الكبرُ عنده أو أحدَهما، فلم يدخلاه الجنَّة، قلت: (آمين) ". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". الحديث: 1676 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 1678 - (23) [صحيح لغيره] وعن مالكِ بنِ الحسن بن مالكِ بن الحُويرِثِ عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه قال: صَعَد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المِنْبر، فلما رقى عَتبةً؛ قال: "آمين". ثم رقى أخرى، فقال: آمين". ثم رقى عَتَبَةً ثالثةً، فقال: آمين". ثمَّ قال: "أتاني جبريلُ فقال: يا محمد! من أدْركَ رمضانَ، فلم يُغْفَر له، فأبعده اللهُ، فقلتُ: (آمين). قال: ومن أَدْرَك والديه أو أحدَهما، فدخل النار؛ فأبعده اللهُ، فقلت: (آمين). قال: ومن ذُكِرْتَ عنده، فلم يصلِّ عليك؛ فأبْعده الله، قلْ: "آمين"، فقلتُ: (آمين) ". رواه ابن حبان في "صحيحه" [مضى 9 - الصوم/ 2]. 1679 - (24) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَعِدَ المنبر فقال: "آمين، آمين، آمين". قيل: يا رسول الله! إنَّك صعدت المنبر فقلت: (آمين، آمين، آمين)؟ فقال: "إنَّ جبريلَ عليه السلام أتاني فقال: مَنْ أدْرك شهر رمضان، فلم يُغفر له، فدخل النارَ؛ فأبْعده الله، قُلْ: (آمين)، فقلتُ: (آمين)، ومن أدْرك أبويه أو أحدَهما، فلم يبُرَّهما، فمات، فدخل النار؛ فأبعده الله، الحديث: 1678 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 قل: (آمين). فقلت: (آمين)، ومن ذُكرت عنده، فلم يصلِّ عليك، فمات، فدخل النار؛ فأبْعده الله، قل: (آمين). فقلت: (آمين) ". رواه ابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحه" واللفظ له. 1680 - (25) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رَغِمَ أنفُ رجلٍ ذُكِرتُ عنده، فلم يصل عليَّ، وَرغِمَ أنفُ رجلٍ دخل عليه رمضانُ، ثم انسلخ قبل أن يُغْفر له، وَرِغَم أنفُ رجلٍ أَدْرك عنده أبواه الكبرَ، فلم يُدخلاه الجنَّة". رواه الترمذي (1) وقال: "حديث حسن غريب". (رَغِم) بكسر الغين المعجمة؛ أي: لصق بالرغام، وهو: التراب ذلاً وهواناً. وقال ابن الأعرابي: "هو بفتح الغين (2)، ومعناه: ذل". 1681 - (26) [صحيح لغيره] وعن حسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من ذُكِرْت عنده فخَطِئَ (3) الصلاة عليَّ؛ خُطِّئ طريق الجنَّة". رواه الطبراني، وروي مرسلاً عن محمد بن الحنفية وغيره. وهو أشبه. وفي رواية لابن أبي عاصم عن محمد بن الحنفية قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ ذُكرت عنده فنسي الصَّلاة عليَّ؛ خُطِّئ طريق الجنَّة".   (1) قلت: وكذا رواه القاضي (رقم 16 و17)، وله عنده (18) طريق ثانية. (2) قلت: والظاهر من "اللسان" جواز الكسر والفتح، وهو الذي جزم به في "القاموس" بقوله: "ورغمه كعلمه ومنعه" فما نقله في "العجالة" (158/ 1) عن ابن الجوزي أنه قال في كتابه: "تقويم اللسان": "العامة تقول: رغم أنفه بكسر الغين، والصواب فتحها" مما لا وجه له. (3) هو بفتح أوله، وكسر ثانيه. و (خُطِّئ) بتشديد الطاء؛ مبني لما لم يسم فاعله. كذا في "العجالة" (158/ 1). الحديث: 1680 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 1682 - (27) [صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ نسي الصلاة عليَّ؛ خُطِّئ طريق الجنَّة". رواه ابن ماجه والطبراني وغيرهما عن جبارة بن المغلس، وهو مختلف في الاحتجاج به، وقد عُدَّ هذا الحديث من مناكيره. 1683 - (28) [صحيح] وعن حسينٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "البخيلُ من ذكِرتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ". رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وصححه الترمذي، وزاد في سنده: علي بن أبي طالب (1)، وقال: "حديث حسن صحيح غريب". 1684 - (29) [صحيح لغيره] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: خرجت ذاتَ يوم فأتيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ألا أخبرُكم بأبخلِ الناس؟! ". قالوا: بلى يا رسول الله! قال: "من ذُكرت عنده فلم يُصل عليَّ، فذلك أبخلُ الناسِ". رواه ابن أبي عاصم في "كتاب الصلاة" من طريق علي بن يزيد عن القاسم.   (1) أي: جعله من مسند علي بن أبي طالب من رواية ابنه الحسين عنه. وهذا في بعض نسخ "الترمذي"، وهو الذي عزاه الحافظ المزِّي في "تحفة الأشراف" (3/ 66) خلافاً لنسخة بولاق (2/ 271) فإنها عن حسين بن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:. .، وهو الذي كنت رجحته في تعليقي على هذا الحديث في "المشكاة" (932)، ويبدو أن الخلاف في ذلك قديم بين الرواة كما تراه مبينا عند القاضي إسماعيل في "فضل الصلاة" (رقم 31 - 36) بأسانيده. والله أعلم. الحديث: 1682 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 (قال الحافظ المملي) رحمه الله: "وقد تقدم من هذا الكتاب أبواب متفرقة، وتأتي أبواب أخر إن شاء الله. فتقدم "ما يقوله من خاف شيئاً من الرِّياء"؛ في "باب الرياء" [1 - الإخلاص/ 2]. (1). "وما يقوله بعد الوضوء"؛ في "كتاب الطهارة" [4/ 12]. و"ما يقوله بعد الأذان" و"ما يقوله بعد صلاةِ الصبح والعصر والمغرب والعشاء"؛ في "كتاب الصلاة" [5/ 2 و25]. و"ما يقول حين يأوي إلى فراشه"؛ في "كتاب النوافل" [6/ 9]. وكذلك "ما يقول إذا اسْتيقظ من الليل" [6/ 10]. و"ما يقول إذا أصبح وأمسى"، و"دعاءُ الحاجة"؛ فيه أيضاً [14/ 19]. ويأتي إن شاء الله في "كتاب البيوع"؛ "ذكر الله في الأسْواق، ومواطن الغفلة"، وما "يقوله المديونُ، والمكروبُ، والمأسورُ" [16/ 3 و17]. وفي "كتاب اللِّباس"؛ "ما يقوله من لَبِسَ ثوباً جديداً" [18/ 3]. وفي "كتاب الطعام"؛ "التسمية" و"حمد الله بعد الأكل" [19/ 1 و10]. وفي "كتاب القضاء"؛ "ما يقوله من خاف ظالماً" [20/ 6]. وفي "كتاب الأدب"، "ما يقول من ركب دابَّته"، و"من عثرت به دابَّته"، و"من نزل منزلاً"، و"دعاءُ المرءِ لأخيه بظهْرِ الغَيْبِ" [23/ 44 و47 و48 و49].   (1) الأرقام داخل المعكوفتين، الأول رقم الكتاب والثاني رقم الباب فيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 وفي "كتاب الجنائز"؛ "الدعاءُ بالعافية"، و"ما يقوله مَنْ رأى مُبْتلىً"، و"ما يقوله من آلمه شيءٌ من جسده"، و"ما يُدعى به للمريض"، و"ما يدعو به المريض"، و"ما يقول من مات له ميِّتٌ" [25/ 1 و2 و4 و8 و11]. وفي "كتاب صفةِ الجنَّةِ والنارِ" (1)؛ "سؤال الجنَّة والاسْتعاذة من النار". مِنَ الله نسأل التيسير والإعانة".   (1) لقد فصلنا هذا الكتاب إلي قسمين [27 - كتاب صفة النار] و [28 - كتاب صفة الجنة]، وبقي (صفة الجنة والنار) وبابه فصلاً مفرداً قبلهما كما ستراه في أواخر المجلد الثالث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 16 - كتاب البيوع وغيرها. 1 - (الترغيب في الاكتساب بالبيع وغيره). 1685 - (1) [صحيح] عن المقدامِ بْنِ معدِ يكربٍ رضي الله عنه عن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: "ما أكل أحدٌ طعاماً قطُّ خيراً مِنْ أنْ يأكلَ مِنْ عمَل يدهِ، وإنَّ نبيَّ الله داودَ كان يأكل مِنْ عَملِ يده". رواه البخاري وغيره. [صحيح] وابن ماجه، ولفظه: قال: "ما كسبَ الرجلُ كَسْباً أطيْبَ مِنْ عملِ يده، وما أنفقَ الرجلُ على نفسه وأهلهِ وولدِه وخادِمه فهو صدقَةٌ" (1). 1686 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لأَنْ يَحْتَطِبَ أحدُكم حُزْمةً على ظهرِه؛ خيرٌ له مِنْ أنْ يسأل أحداً فيعطيَهُ أوْ يمنعَهُ". رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي. [مضى 8 - الصدقات/ 2]. 1687 - (3) [صحيح] وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لأَنْ يأخذَ أحدُكم أحبُلهُ فيأتيَ بُحزمةٍ مِنْ حطبٍ على ظهرِه فيبيعَها فيكُفَّ بها وَجْهَهُ؛ خيرٌ له مِنْ أنْ يسأَل الناسَ أَعطوهُ أم منعوهُ". رواه البخاري. [مضى 8 - الصدقات/ 4].   (1) قلت: ورواه أحمد أيضاً، وهو مخرَّج في "غاية المرام" (121/ 163). الحديث: 1685 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 1688 - (4) [صحيح لغيره] وعن سعيد بن عمير عن عمه رضي الله عنه قال: سئل رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ الكسبِ أطيبُ؟ قال: "عملُ الرجلِ بيدِه، وكلُّ كسب مبرورٌ (1) ". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". قال ابن معين: "عم سعيد هو البراء". ورواه البيهقي عن سعيد بن عمر مرسلاً، وقال: "هذا هو المحفوظ، وأخطأ من قال: عن عمه". 1689 - (5) [صحيح لغيره] وعن جُميع بن عمير عن خالد قال: سئل رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أفضلِ الكَسْب؟ فقال: "بيعٌ مبرورٌ، وعملُ الرجلِ بيدِه". رواه أحمد والبزار، والطبراني في "الكبير" باختصار وقال: "عن خالد أبي بردة بن نِيار". وروى البيهقي عن محمد بن عبد الله بن نمير، وذكر له هذا الحديث، فقال: "إنما هو عن سعيد بن عمير". 1690 - (6) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سئل رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ الكسْبِ أفضلُ؟ قال: "عَملُ الرجلِ بيدِه، وكلُّ بَيعٍ مبرورٌ". رواه الطبراني "الكبير" و"الأوسط"، ورواته ثقات (2).   (1) هو الذي لا شبهة فيه ولا خيانة. (2) قلت: بل إسناده صحيح كما بينته في "الصحيحة" (607). الحديث: 1688 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 1691 - (7) [صحيح لغيره] وعن رافع بن خَدِيج رضي الله عنه قال: قيلَ: يا رسولَ الله! أيُّ الكسْبِ أفْضلُ؟ قال: "عَملُ الرجلِ بِيَدِه، وكلُّ بيعٍ مبرورٌ". رواه أحمد والبزار، ورجال إسناده رجال "الصحيح" خلا المسعودي؛ فإنَّه اختلط، واختُلف في الاحتجاج به، ولا بأس به في المتابعات (1). 1692 - (8) [صحيح لغيره] وعن كعب بن عُجرة رضي الله عنه قال: مرَّ على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ، فرأى أصحَابُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جَلَدِه ونشاطِهِ، فقالوا: يا رسولَ الله! لوْ كانَ هذا في سبيلِ الله؟ فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنْ كانَ خرج يَسْعى على وَلَدِه صغاراً فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرجَ يسْعى على أبوينِ شَيْخَينِ كبيرَينِ فهو في سبيلِ الله، وإنْ كان خَرج يَسْعى على نفْسِه يَعَفُّها فهو في سبيلِ الله، وإنْ كان خرجَ يَسْعى رياءً ومُفاخَرةً فهو في سبيلِ الشيطانِ". رواه الطبراني ورجاله رجال "الصحيح" (2). وتقدم من هذا الباب غير ما حديث في المسألة؛ أغنى عن إعادتها هنا.   (1) قلت: ومن طريقه أخرجه الطبراني أيضاً في "المعجم الأوسط". (2) كذا قال، وتبعه الهيثمي، وفيه نظر بينته في الأصل، لكنْ له شواهد يتقوى بها، أشرت إليها هناك. الحديث: 1691 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 2 - (الترغيب في البكور في طلب الرزق وغيره وما جاء في نوم الصبحة (1)). 1693 - (1) [صحيح لغيره] عن صخرِ بنِ وَداعةَ الغامديِّ الصحابيِّ رضي الله عنه؛ أنّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اللهمَّ بارِكْ لأُمَّتي في بُكورِها". وكان إذا بعَث سَرِيَّةً أو جيشاً بعَثَهُم مِنْ أوَّلِ النهارِ. وكان صخرٌ تاجِراً، فكان يَبْعَثُ تجارتَهُ مِنْ أوَّلِ النهارِ؛ فأثرى وكَثُرَ مالُه. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وابن حبان في "صحيحه". وقال الترمذي: "حديث حسن، ولا يعرف لصخر الغامدي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير هذا الحديث". (قال المملي) عبد العظيم: "رووه كلهم عن عمارة بن حديد عن صخر، وعمارة بن حديد بَجَلِيّ؛ سئل عنه أبو حاتم الرازي؟ فقال: مجهول. وسئل عنه أبو زرعة؟ فقال: لا يُعرف. وقال أبو عمر النَّمَري: صخر بن وداعة الغامدي، وغامد في الأزد، سكن الطائف، وهو معدود في أهل الحجاز، روى عنه عمارة بن حديد وهو مجهول، لم يروِ عنه غير يعلى الطائفي، ولا أعرف لصخر غير حديث "بورِكَ لأُمَّتي في بُكورِها"، وهو لفظ رواه جماعة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" انتهى كلامه.   (1) انظر أحاديثه في هذا الباب من "الضعيف". الحديث: 1693 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 (قال المملي) رحمه الله: "وهو كما قال أبو عمر، قد رواه جماعة من الصحابة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، منهم علي، وابن عباس، وابن مسعود، وابن عمر، وأبو هريرة، وأنس بن مالك، وعبد الله بن سلام، والنواس بن سمعان، وعمران بن حصين، وجابر بن عبد الله، وبعض أسانيده جيد، ونُبَيط ابن شريط؛ وزاد في حديثه "يوم خميسها" (1)، وبريدة، وأوس بن عبد الله، وعائشة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وفي كثير من أسانيدها مقال، وبعضها حسن، وقد جمعتها في جزء، وبسطت الكلام عليها".   (1) قلت: هذه الزيادة لا تصح؛ لأنَّ في سندها متهم، ومن لا يُعرف، أخرجه الطبراني في "الصغير" (رقم 880 - الروض)، وهي في حديث ابن عباس أيضاً وفيه ضعف، وحديث عائشة وفيه مجهول، وهي مخرجة عندي مع أكثر الأحاديث التي أشار إليها المؤلف في "الروض النضير" تحت حديث ابن عمر (490). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 3 - (الترغيب في ذكر الله تعالى في الأسواق ومواطن الغفلة). 1694 - (1) [حسن لغيره] عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ دخَلَ السوقَ فقال: (لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ لهُ، لهُ الملْكُ، ولهُ الحمدُ، يُحْيى وُيميتُ، وهو حيٌّ لا يموتُ، بيدِه الخيرُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ)؛ كَتبَ الله له ألفَ ألفِ حسنةٍ، ومحا عنه ألفَ ألفِ سيِّئةٍ، ورفع له ألفَ ألفِ درجةٍ". رواه الترمذي وقال: "حديث غريب". (قال المملي): "وإسناده متصل حسن، ورواته ثقات أثبات، وفي أزهر بن سنان خلاف، وقال ابن عدي: أرجو أنَّه لا بأس به. وقال الترمذي في رواية له مكان (ورفَع له ألْفَ ألفِ درجةً): "وبنى له بيْتاً في الجنّةِ". ورواه بهذا اللفظ ابن ماجه وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه؛ كلهم من رواية عمرو بن دينار -قهرمان آل الزبير- عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن جده. 1695 - (2) [حسن] ورواه الحاكم أيضاً من حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً أيضاً وقال: "صحيح الإسناد". كذا قال، وفي إسناده مسروق بن المرزبان؛ يأتي الكلام عليه (1) ".   (1) يعني في خاتمة كتابه، وقد قال فيه الحافظ: "صدوق له أوهام". قلت: وقد توبع عند الحاكم. ووقع في الأصل: (مرزوق)، وهو خطأ لم يتنبه له المعلقون الثلاثة!! الحديث: 1694 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 4 - (الترغيب في الاقتصاد في طلب الرزق والإجمال فيه، وما جاء في ذم الحرص وحب المال). 1696 - (1) [حسن صحيح] عن عبدِ الله بن سرجس رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "السَّمْتُ الحسَنُ، والتُّؤَدَةُ، والاقْتصادُ؛ جزْءٌ مِنْ أَربعةٍ وعشرين جُزْءاً مِنَ النُّبوَّةِ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب" (1). 1697 - (2) [صحيح لغيره] وعن جابرٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تَسْتَبْطئوا الرزْقَ؛ فإنَّه لم يكنْ عبدٌ لِيموتَ حتى يبلغَ آخِرَ رزقٍ هُوَ لَهُ، فأجْمِلوا في الطلبِ؛ أخذُ الحلالِ، وترْكُ الحرامِ". رواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". 1698 - (3) [صحيح لغيره] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أيُّها الناسُ! اتَّقوا الله، وأجْمِلوا في الطلَبِ، فإنَّ نَفْساً لنْ تموتَ حتَّى تَسْتَوْفِيَ رزقَها؛ وإنْ أَبْطأَ عنها، فاتَّقوا الله، وأجْمِلوا في الطلَبِ، خذُوا ما حَلَّ، ودَعوا ما حُرِّمَ". رواه ابن ماجه -واللفظ له- والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم".   (1) هنا في الأصل زيادة: "ورواه مالك وأبو داود بنحوه من حديث ابن عباس؛ إلا أنهما قالا: من خمس وعشرين"، وهو بهذه الزيادة ضعيف. الحديث: 1696 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 1699 - (4) [صحيح] وعن أبي حُمَيْدٍ الساعديِّ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أجمْلِوا في طلَبِ الدنيا؛ فإنَّ كلاً مُيَسَّرٌ لما خُلِقَ له [منها] (1) ". رواه ابن ماجه، واللفظ له. وأبو الشيخ ابن حيان في "كتاب الثواب"، والحاكم؛ إلا أنَّهما قالا: "فإنَّ كلاً مُيَسَّرٌ لِما كتِبَ لَهُ مِنها". وقال الحاكم: "صحيح على شرطهما". 1700 - (5) [صحيح لغيره] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليسَ مِنْ عمَلٍ يُقرِّبُ مِنَ الجنَّةِ إلا قد أمْرتُكم به، ولا مِنْ عَملٍ يقرِّبُ إلى النارِ إلا وقد نهْيتُكُم عنه، فلا يُسْتَبْطِئَنَّ أحدٌ منكمٍ رزقَه؛ فإنَّ جبريلَ ألْقى في رُوعي (2): أنَّ أحَداً منكم لنْ يخرُجَ مِنَ الدنيا حتَّى يَسْتَكْمِل رزْقَهُ، فاتَّقوا الله أيُّها الناسُ! وأجْمِلوا في الطلَبِ، فإنِ اسْتَبْطَأ أحدٌ منكم رزقَه فلا يطْلُبْهُ بمعصيةِ الله؛ فإنَّ الله لا يُنالُ فضلُه بمعْصِيَتهِ". رواه الحاكم. 1701 - (6) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يا أيُّها الناسُ! إنَّ الغنى ليسَ عن كثْرَةِ العَرَضِ، ولكنَّ الغِنى غِنى النفْسِ، وإن الله عز وجل يُؤتي عبدَه ما كتبَ له مِنَ الرزقِ، فأجْمِلوا في الطلبِ، خُذوا ما حَلَّ، ودعوا ما حُرِّمَ". رواه أبو يعلى، وإسناده حسن إن شاء الله تعالى.   (1) سقطت من رواية ابن ماجه، واستدركتها من رواية القضاعي من الوجه الذي أخرجه منه ابن ماجه، وهي في اللفظ الآتي، وهو من وجه آخر. (2) بضم الراء: أي في نفسي وخلدي، وأما (الرَّوع) بفتح الراء؛ فهو: الفزع. الحديث: 1699 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 1702 - (7) [حسن صحيح] وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قامَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فدعا الناسَ فقال: "هَلُمُّوا إليَّ". فأقْبَلوا إليهِ فجلَسوا، فقال: "هذا رسولُ ربِّ العالمينَ؛ جبريلُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفَثَ في رُوعي: أنَّه لا تموتُ نفسٌ حتَّى تَسْتَكْمِلَ رزْقها وإنْ أَبْطَأ عليها، فاتَّقوا الله؛ وأجْمِلوا في الطلب، ولا يَحْمِلنّكُمُ اسْتِبْطاءُ الرزْقِ أنْ تأخُذوه بِمْعصِيَةِ الله، فإنَّ الله لا يُنالُ ما عندَه إلا بِطاعَتِه". رواه البزار، ورواته ثقات، إلا قدامة بن زائدة بق قدامة، فإنه لا يحضرني فيه جرح ولا تعديل (1). 1703 - (8) [صحيح لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الرزقَ لَيطْلُبُ العبدَ كما يطلُبه أجَلُه". رواه ابن حبان في "صحيحه"، والبزار. ورواه الطبراني بإسناد جيد؛ إلا أنَّه قال: "إنَّ الرزقَ لَيطْلُبُ العبدَ أكثرَ مِمَّا يطلُبُه أجَلُه". 1704 - (9) [حسن لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريَّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو فرَّ أحدُكم مِنْ رزقِه؛ أدْركَه كما يدْرِكُه الموتُ". رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" بإسناد حسن.   (1) قلت: ونحوه في "المجمع" (4/ 71). وقد رواه البزار في "البحر الزخار" (7/ 314/ 2914) عن ثلاثة من شيوخه الثقات عنه، أحدهم محمد بن عمر بن هياج، وهو صدوق، فهو معروف، وذكره ابن حبان في "الثقات" (9/ 21)، لكنْ وقع فيه شيء من الخلط لا مجال هنا لبيانه. الحديث: 1702 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 1705 - (10) [صحيح] وعن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى تمرةً عائِرةً (1)، فأخذَها فناولَها سائلاً، فقال: "أما أنَّك لَوْ لَمْ تأْتِها لأَتَتْكَ". رواه الطبراني بإسناد جيد، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي. 1706 - (11) [صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما طلَعتْ شمسٌ قَطُّ إلا بُعِثَ بجَنْبَتَيهَا مَلَكانِ ينادِيانِ، يُسمِعان أهْلَ الأرضِ إلا الثقلينِ: يا أيُّها الناسُ! هَلُمُّوا إِلى ربِّكم؛ فإنَّ ما قلَّ وكفَى، خيرٌ ممَّا كثُرَ وألْهى، ولا آبَتْ شمسٌ قطُّ إلا بُعِثَ بَجنْبَتَيْها مَلَكان يُناديانِ، يُسمِعان أَهلَ الأرضِ إلا الثقلينِ: اللَّهُمّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وأَعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً". رواه أحمد بإسناد صحيح -واللفظ له-، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وصححه. [مضى 8 - الصدقات/ 15]. 1707 - (12) [صحيح لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ كانتِ الدنيا هِمَّته وسَدَمَه، ولها شَخَصٌ، وإيَّاها ينوي؛ جَعل الله الفقْرَ بينَ عيْنَيْهِ، وشتَّتَ عليه ضَيْعَتَهُ، ولَمْ يأْتِه منها إلا ما كتِبَ لَهُ منها، ومَنْ كانتِ الآخرةُ هِمَّتَه وسدَمه، ولها شخص، وإياها ينوي؛ جعل الله عز وجل الغنى في قلبه، وجمع عليه ضَيعتَه وأَتَتْهُ الدنيا وهي صاغرة". رواه البزار والطبراني -واللفظ له-، وابن حبان في "صحيحه". (2)   (1) الأصل: (غابرة)، و (المجمع): (غائرة)، والتصحيح من "موارد الظمآن" و"النهاية"، وفيه: "العائرة: الساقطة لا يُعرف لها مالك". (2) لم أره عنده إلا من حديث زيد بن ثابت، وإنما رواه الطبراني من حديث أنس لكن في "معجمه الأوسط" (5990) و (8882) بسندين في كل منهما متروك، وفي إسناد البزار إسماعيل ابن مسلم المكي، وهو ضعيف كما في "المجمع" (10/ 247). وقد مضى في (3 - العلم/ 3)، وسيأتي (24 - التوبة/ 2). الحديث: 1705 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 ورواه الترمذي أخصر من هذا، ويأتي لفظه في "الفراغ للعبادة" إنْ شاء الله [24 - الزهد/ 2]. (سَدَمه) بفتح السين والدال المهملتين، أي: همّه وما يحرص عليه ويلهج به. وقوله: "شتت عليه ضَيْعَتَهُ" بفتح الضاد المعجمة؛ أي: فرَّق عليه حاله وصناعته وما هو مهتم به، وشعبه عليه. 1708 - (13) [صحيح لغيره] ورُوِيَ عن ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: خطَبنَا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مسجدِ الخَيْفِ فحمدَ الله، وذَكرَة بما هُوَ أهْلُهُ، ثمَّ قال: "مَن كانَتِ الدنيا هَمَّهُ؛ فرَّقَ الله شَمْلَهُ، وجعَلَ فقْرَهُ بين عَيْنَيْهِ، ولَمْ يُؤْتِه مِنَ الدنيا إلا ما كتِبَ لَه". رواه الطبراني. 1709 - (14) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عنِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " {إِذْ (1) قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} قال: في الدنيا". رواه ابن حبان في "صحيحه"، وهو في "الصحيحين" بمعناه في آخر حديث يأتي في آخر "صفة الجنة" إنْ شاء الله [28/ 18]. 1710 - (15) [صحيح] وعن كعب بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما ذِئْبانِ جائِعانِ أُرسِلا في غنمٍ بأَفْسدَ لَها مِنْ حرصِ المرءِ على المالِ والشرف لدينِه". رواه الترمذي، وابن حبان في "صحيحَه"، وقال الترمذي: "حديث حسن".   (1) الأصل: "إذا"، وكذا وقع في "موارد الظمآن" (1750)، وهو خطأ، إذ إنَّها طرف من آية في سورة {مريم}: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}. الحديث: 1708 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 (قال المملي) رضي الله عنه: "وسيأتي غير ما حديث من هذا النوع في [24 -] "الزهد" إنْ شاء الله". 1711 - (16) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قَلْبُ الشيخِ شابٌّ على حبِّ اثْنَتَيْنِ: حبِّ العيشِ -أو قال: طولِ الحياةِ-، وحبِّ المالِ". رواه البخاري ومسلم، والترمذي؛ إلا أنَّه قال: "طولِ الحياة، وكثرةِ المال". 1712 - (17) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يقولُ: "اللهمَّ إنَّي أعوذُ بكَ مِنْ عِلْمٍ لا ينفَعْ، ومِنْ قَلْبٍ لا يخشَعْ، ومِنْ نفْسٍ لا تشْبَعْ، ومِنْ دُعاءٍ لا يُسمَعْ". رواه ابن ماجه والنسائي. ورواه مسلم والترمذي وغيرهما من حديث زيد بن أرقم وتقدم في "العلم" [3/ 9 - باب/ الحديث الأول]. 1713 - (18) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لوْ كانَ لابْنِ آدمَ واديانِ مِنْ مالٍ لابْتَغى إليْهِما ثالِثاً، ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابنِ آدَمَ إلا الترابُ، ويتوبُ الله على مَنْ تابَ". رواه البخاري ومسلم. 1714 - (19) [صحيح] وعنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لَوْ أنَّ لابْنِ آدَم مِلْءَ وادٍ مالاً (1) لأحبَّ أنْ يَكونَ إليهِ مِثْلُهُ، ولا يَمْلأُ   (1) الأصل: "مثل واد من ذهب"، والتصحيح من البخاري (6437) ومسلم (3/ 100)، ولم يتنبه له المعلقون الثلاثة كعادتهم في مثل هذا! الحديث: 1711 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 عينَ ابنِ آدمَ إلا الترابُ، ويتوبُ الله على مَنْ تابَ". رواه البخاري ومسلم. 1715 - (20) [صحيح] وعنِ عبَّاسِ بْنِ سهلِ بنِ سَعْدٍ قال: سمعتُ ابنَ الزُبيرِ على مِنْبرِ مَكَّةَ في خطْبَتِه يقولُ: يا أيُّها الناسُ! إنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يقولُ: "لَوْ أنَّ ابْنَ آدم أُعْطِي وادياً [مَلآن] (1) مِنْ ذَهَبٍ أحبَّ إليهِ ثانياً، ولَوْ أُعْطِيَ ثانياً أحبَّ إليه ثالثاً، ولا يَسُدُّ جوفَ ابْنِ آدَم إلا الترابُ، ويتوبُ الله على مَنْ تابَ". رواه البخاري. 1716 - (21) [حسن صحيح] وعن بُرَيدَةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الصلاةٍ: "لو أن لابنِ آدمَ وادياً من ذهبٍ لابتغى إليه ثانياً، ولو أَعطيَ ثانياً لابتغى إليه ثالثاً، ولا يملأُ جوفَ ابنِ آدمَ إلا الترابُ، ويتوبُ الله على من تابَ". رواه البزار بإسناد جيد. (2)   (1) زيادة من (البخاري - الرقاق). (2) قلت: وهو كما قال، وبيانه في "الصحيحة" (2991)، وفيه الرد على بعض المتعالمين من المعاصرين الذين ينكرون كل الأحاديث الصحيحة في منسوخ التلاوة، وبعضها متواتر! الحديث: 1715 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 5 - (الترغيب في طلب الحلال والأكل منه، والترهيب من اكتساب الحرام وأكله ولبسه ونحو ذلك). 1717 - (1) [حسن] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله طيَّبٌ لا يَقْبَلُ إلا طَيِّباً، وإنَّ الله أمَر المؤمنينَ بما أَمرَ به المرسَلينَ؛ فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. ثمَّ ذَكر الرجلَ يُطيلُ السفَر أشْعَثَ أغْبرَ يَمُدُّ يديْه إلى السماءِ: يا ربِّ يا ربِّ! ومَطْعَمُه حرامٌ، ومَشْرَبُه حرامٌ، ومَلْبَسُهُ حرامٌ، وغُذِّيَ بالحرامِ، فأَنَّى يُسْتَجابُ لذلِكَ!؟ ". رواه مسلم والترمذي. (1) 1718 - (2) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أربعٌ إذا كُنَّ فيكَ فلا عليكَ ما فاتَكَ مِنَ الدنيا: حِفظُ أمانَةٍ، وصِدقُ حديث، وحُسنُ خليقَةٍ (2)، وعِفَّة في طُعْمَةٍ". رواه أحمد والطبراني، وإسنادهما حسن (3).   (1) وقال الترمذي (2989): "حسن غريب". انظر "غاية المرام" (27/ 17). (2) في "اللسان": "و (الخليقة): الطبيعة التي يخلق بها الإنسان. . . والجمع: (الخلائق) ". (3) بل هو صحيح كما بينته في "الصحيحة" (733)، وقد رواه الحاكم أيضاً والبيهقي بلفظ الكتاب، بخلاف ما أوهمه السيوطي أنَّه بلفظ: "وحسن الخلق": وإنْ تبعه المناوي. ثم إنَّ السيوطي وهم وهماً آخر، وهو أنِّه عزاه إليهم من حديث ابن عمر، والصواب ما في الكتاب: ابن عمرو، وكذلك رواه ابن وهب والخرائطي كما بينته هناك. نعم رواه البيهقي عن ابن عمر أيضاً بسند واحد، وقال: إنَّ الأول أصح. الحديث: 1717 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 1719 - (3) [حسن] وعنه [يعني أبا هريرة رضي الله عنه]؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا أدّيتَ زكاةَ مالك، فقد قضيت ما عليكَ، ومن جمع مالاً حراماً ثم تصدق به لم يكنْ له فيه أجرٌ، وكاد إصرُه عليه". رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم؛ كلهم من رواية دراج عن ابن حجيرة عنه. 1720 - (4) [حسن لغيره] ورواه الطبراني من حديث أبي الطفيل، ولفظه: قال: "من كسب مالاً من حرامٍ فأعتق منه، ووصل رحمه؛ كان ذلك إصراً عليه". 1721 - (5) [حسن لغيره] وروى أبو داود في "المراسيل عن القاسم بن مخيمرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من اكتسب مالاً من مأثمٍ، فوصل به رحمه، أو تصدق به، أو أنفقه في سبيل الله؛ جُمع ذلك كله جميعاً، فقُذِفَ به في جهنم". 1722 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يأتي على الناسِ زَمانٌ لا يُبالي المرءُ ما أخَذَ؛ أمِنَ الحَلالِ أمْ مِنَ الحَرام". رواه البخاري والنسائي. (1) 1723 - (7) [حسن] وعنه قال: سُئلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنْ أكثَرِ ما يُدْخِل الناسَ النارَ؟ قال: "الفَمُ والفَرْجُ". وسُئِلَ عن أكْثَرِ ما يُدْخِلُ الناسَ الجنَّةَ؟ قال: "تقْوى الله، وحسْن الخُلُقِ".   (1) في الأصل هنا: "وزاد رزين: (فإن ذلك لا تجاب لهم دعوة) ". ولم أوردها هنا لضعفها. الحديث: 1719 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 رواه الترمذي وقال: "حديث صحيح غريب". 1724 - (8) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اسْتَحْيوا مِنَ الله حقَّ الحَياءِ". قال: قلنا: يا نبيَّ الله! إنَّا لَنَسْتَحي والحمدُ لله. قال: "ليسَ ذلك، ولكن الاستحياءَ مِنَ الله حقَّ الحياءِ؛ أنْ تَحفظَ الرأسَ وما وَعى، وتحفظَ البطنَ وما حوَى، وتذكرَ الموتَ والبِلى، ومَنْ أرادَ الآخرَة تَركَ زينة الدنيا، فَمَنْ فَعلَ ذلك فقد اسْتَحْيا مِنَ الله حقَّ الحياءِ". رواه الترمذي وقال: "حديث غريب، إنما نعرفه من حديث أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد". (قال الحافظ): "أبان والصباح مختلف فيهما، وقد ضُعَف الصياح برفعه هذا الحديث، وصوابه عن ابن مسعود موقوفاً عليه". 1725 - (9) [حسن لغيره] ورواه الطبراني من حديث عائشة مرفوعاً. قوله: "تَحفظَ البطْنَ وما حَوى"؛ يعني: ما وضع فيه من طعام وشراب حتى يكونا من حلِّهما. 1726 - (10) [حسن لغيره] وعن معاذٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما تُزالُ (1) قدَما عبدٍ يومَ القيامَةِ حتَّى يُسأَلَ عنْ أربعٍ؛ عن عُمُرِهِ فيمَ أفناهُ؟ وعن شبابِه فيمَ أبْلاهُ؟ وعن مالِه مِنْ أينَ اكتَسَبَه، وفيمَ أنْفَقه؟ وعن عِلْمهِ ماذا عمِلَ فيه؟ ". رواه البيهقي وغيره.   (1) انظر التعليق المتقدم على هذه الكلمة في (3 - العلم/ 9). الحديث: 1724 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 1727 - (11) [حسن صحيح] ورواه الترمذي من حديث أبي برزة وصححه، وتقدم هو وغيره في "العلم" [3/ 9 - باب]. 1728 - (12) [صحيح لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يا كعبُ بن عُجرة! إنَّهُ لا يدخلُ الجنَّة لَحْمٌ نبتَ مِنْ سُحتٍ". رواه ابن حبان في "صحيحه" في حديث. 1729 - (13) [صحيح لغيره] وعن كعبِ بنِ عُجرَة رضي الله عنه قال: قال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا كعب بن عجرةَ! إنَّه لا يدخلُ الجنَّة لَحمٌ ودمٌ نَبَتا على سُحْتٍ؛ النارُ أوْلى بِه، يا كعب بن عجرة! الناسُ غادِيان، فغادٍ في فكَاكِ نفْسِه فمُعْتِقُها، وغادٍ موِبقُها". رواه الترمذي، وابن حبان في "صحيحه" في حديث. ولفظ الترمذي: "يا كعب بن عجرة! إنَّه لا يَرْبو لَحْمٌ نَبَت مِنْ سُحْتٍ؛ إلا كانتِ النارُ أوْلى بِه". (السُّحت) بضم السين وإسكان الحاء وبضمهما أيضاً: هو الحرام، وقيل: هو الخبيث من المكاسب. 1730 - (14) [صحيح لغيره] وعن أبي بكرِ الصديقِ رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يدخُل الجنَّةَ جَسدٌ غُذِّيَ بحرامٍ". رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في "الأوسط"، والبيهقي، وبعض أسانيدهم حسن. الحديث: 1727 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 6 - (الترغيب في الورع وترك الشبهات وما يحوك (1) في الصدور). 1731 - (1) [صحيح] عن النعمانِ بنِ بَشيرٍ رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الحلالُ بَيِّنٌ، والحرامُ بَيِّنٌ، وبينهما مشْتَبَهاتٌ، لا يعْلَمُهُنَّ كثيرٌ مِنَ الناسِ، فَمَنِ اتَّقى الشبهاتِ اسْتَبْرَأَ لِدينهِ وعِرْضِه، ومَنْ وقَع في الشبُهاتِ وقَعَ في الحرامِ، كالراعي يرعى حولَ الحِمى؛ يوشكُ أنْ يَرْتَع فيه، ألا وإنَّ لِكلِّ مَلِكٍ حِمىً، ألا وإنَّ حِمى الله محارِمُه، ألا وإنَّ في الجَسدِ مُضْغةً إذا صَلَحتْ صلَحَ الجَسَدُ كلُّه، وإذا فَسدتْ فسدَ الجَسدُ كُلُّه، ألا وهيَ القلبُ". رواه البخاري ومسلم، والترمذي (2)، ولفظه: "الحَلالُ بَيِّنٌ، والحرامُ بَيِّنٌ، وبين ذلك أمورٌ مَشْتَبَهاتٌ، لا يدْري كثيرٌ مِنَ الناسِ أمِنَ الحَلالِ هيَ أمْ مِنَ الحَرامِ؟ فَمَنْ تَرَكَها اسْتَبْرَأَ لِدينهِ وعِرْضِه، وقد (3) سَلِمَ، ومَنْ واقَعَ شيْئاً منها يوشِكُ أنْ يواقعَ الحَرامَ، كما أنَّه مَنْ يَرْعى حوْل الحِمى يوشِكُ أنْ يواقِعَهُ، ألا وإنَّ لِكُلِّ ملِكٍ حِمىً، ألا وإنَّ حِمى الله محارِمُه". وأبو داود باختصار، وابن ماجه.   (1) كذا قال: (يحوك) بالواو، وخطأه الناجي، ولم يظهر لي، لأن مصدره: حوكاً وحياكاً وحياكةً، واوية يائية كما في "القاموس" وغيره، والمعنى: أثر ورسخ كما في "النهاية". (2) قلت: في إسناده مجالد بن سعيد، وفيه ضعف، وكأنَّه رواه بالمعنى، وقد تابعه عنه زكريا بن أبي زائدة، ولكنَّه لم يسقْ لفظه، وقد ساقه الشيخان من طريقه، وهو الذي قبله، والسياق لمسلم، فلو أنَّ المؤلف قال: "ولفظ مسلم في رواية" لكان أدق وأقرب إلى التعبير عن الواقع. (3) الأصل: "فقد"، والتصويب من "الترمذي"، وقد صححت منه ألفاظاً أخرى. الحديث: 1731 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 [صحيح] وفي رواية لأبي داود والنسائي؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الحَلال بَيِّنٌ، والحرامَ بَيِّنٌ، وبينَهُما أمورٌ مَشْتَبَهاتٌ، وسأضْرِب لكم في ذلك مَثَلاً؛ إنَّ الله حَمَى حِمىً، وإنَّ حِمى الله ما حَرَّمَ، وإنَّه منْ يَرتَع حولَ الحمى يوشكُ أنْ يخالِطَهُ، وإنَّ مَنْ يخالِطُ الريبةَ يوشِكُ أنْ يَجْسُر". وفي رواية للبخاري (1) والنسائي: "الحلالُ بَيِّنٌ، والحرامُ بَيِّنٌ، وبينهُما أمورٌ مُشَبَّهةٌ، فمْن تَركَ ما شُبِّه عليه مِنَ الإِثْمِ؛ كان لِما اسْتَبانَ أتْرَكَ، ومَنِ اجْترأَ على ما يُشَكُّ فيهِ مِنَ الإثْمِ؛ أوْشَكَ أنْ يواقعَ ما اسْتَبانَ، والمعاصِي حِمى الله، ومَنْ يَرتَعْ حوْلَ الحِمى؛ يوشِك أَنْ يواقِعَهُ". 1732 - (2) [صحيح] ورواه الطبراني (2) من حديث ابن عباسٍ، ولفظه: "الحلال بَيِّنٌ، والحرامُ بَيِّنٌ، وبين ذلك شُبُهاتٌ، فَمنْ؛ أوْقَعَ بِهِنَّ؛ فَهُوَ قَمِنٌ أَنْ يأْثَمَ، ومَنِ اجْتَنَبُهنَّ؛ فهو أوْفَرُ لدِينِه، كمُرتعٍ إلى جنبِ حِمىً، وحِمى الله الحرامُ". (رتَعَ الحِمى): إذا رعى من حوله وطاف (3) به. (أوْشَكَ) بفتح الألف والشين أي: كاد وأسرع. و (اجْتَرَأ) مهموز أي: أقدم. و (قَمِنٌ) في حديث ابن عباس؛ هو بفتح القاف وكسر الميم أي: جدير وحقيق.   (1) أخرجه في أول "البيوع" من طريق أخرج غير طريق ابن أبي زائدة، وأما النسائي فلم يخرجها، كما جزم بذلك الحافظ الناجي (162/ 2). (2) قلت: وإسناده صحيح؛ رجاله كلهم ثقات، ولم يعرف أحدهم الهيثمي، وقلده المعلقون الثلاثة، فخرجته في "الصحيحة" (3361). (3) كذا قال، وإنما هو: (أطاف به)، قال الجوهر: "أي: ألمَّ به وقاربه". الحديث: 1732 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 1733 - (3) [صحيح] وعن النواس بن سمعانَ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "البِرُّ حُسْنُ الخُلُقِ، والإثْمُ ما حاكَ في صدْرِك، وكرِهْتَ أنْ يطَّلعَ عليه الناسُ". رواه مسلم. (حاكَ) بالحاء المهملة والكاف؛ أي: جال وتردد (1). 1734 - (4) [حسن لغيره] وعن وابصة بن معبدٍ رضي الله عنه قال: أتيتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا أريد أنْ لا أدع شيئاً من البر والإثم إلا سألت عنه، فقال لي: "ادنُ يا وابصةُ! "، فدنوت منه حتى مَسَّتْ ركبتي ركبتَه، فقال لي: "يا وابصةُ! أخبرك ما جئت تسألُ عنه؟ ". قلت: يا رسول الله! أخبرني. قال: "جئتَ تسألُ عن البر والإثم". قلت: نعم. فجمع أصابعه الثلاث، فجعل ينكتُ بها في صدري ويقول: "يا وابصةُ! استَفْتِ قلبَك، البرُّ ما اطمأنتْ إليه النفس، واطمأنّ إليه القلب، والإثم ما حاكَ في القلبِ، وتردَّدَ في الصدرِ وإن أفتاكَ الناسُ وأَفْتَوْكَ". رواه أحمد بإسناد حسن 1735 - (5) [صحيح] وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قلت: يا رسولَ الله! أخْبِرْني ما يَحِلُّ لي ويحرُمُ عليَّ؟ قال:   (1) كذا قال، وتعقبه الناجي بقوله (164/ 2): "فيه تجوّز، إذ (الحيك): أخذ القول في القلب. يقال: ما يحيك فيه الكلام إذا لم يؤثر فيه، ولا يحيك الفاس والقدوم في هذه الشجرة. . ." إلخ. وفي "النهاية": أي: أثر فيها ورسخ. الحديث: 1733 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 "البِرُّ ما سَكَنَتْ إليه النفسُ، واطْمَأنَّ إليه القلْبُ، والإثْمُ ما لَمْ تَسْكُنْ إليه النفسُ، ولَمْ يَطْمئنَّ إليه القَلْبُ، وإنْ أَفتاكَ المُفْتونَ". رواه أحمد بإسناد جيد. 1736 - (6) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجدَ تَمْرةً في الطريقِ، فقال: "لولا أنِّي أخافُ أنْ تكونَ مِنَ الصدَقَةِ لأكَلْتُها". رواه البخاري ومسلم. 1737 - (7) [صحيح] وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دع ما يُرِيبُكَ إلى ما لا يُريبُكَ" رواه الترمذي والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". 1738 - (8) [صحيح موقوف] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لأبي بكرٍ الصديقِ رضي الله عنه غلامٌ يُخْرِجُ له الخَراجَ، وكانَ أبو بكْرٍ يأكُلُ من خرَاجِه، فجاءَ يوماً بشَيءٍ، فأكلَ منه أبو بكرٍ، فقال له الغلامُ: أتدْري ما هذا؟ فقال أبو بكرٍ: وما هو؟ قال: كنتُ تَكهَّنْتُ لإنْسانٍ في الجاهِليَّة؛ وما أُحِسنُ الكهانَة إلا أنِّي خدعْتُه، فلقيني فأعْطاني لذلك هذا الذي أكلْتَ منه! فأدَّخَل أبو بكرٍ يدَه، فقاء كلَّ شيْءٍ في بطْنِهِ. رواه البخاري. الحديث: 1736 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 (الخرَاج): شيء يفرضه المالك على عبده يؤدِّيه إليه كل يوم مما يكتسبه، وباقي كسبه يأخذه لنفسه. 1739 - (9) [صحيح] وعن أبي أمامَة رضي الله عنه قال: سأل رجلٌ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما الإِثْمُ؟ قال: "إذا حاكَ في نفْسِكَ شيءٌ فدَعْهُ". قال: فما الإيمانُ؟ قال: "إذا ساءَتْكَ سيِّئتُكَ، وسَرَّتكَ حَسَنتُك؛ فأنتَ مُؤمِنٌ". رواه أحمد بإسناد صحيح. 1740 - (10) [صحيح لغيره] وعن حُذَيْفَةَ بنِ اليَمان رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فضلُ العِلْمِ خيرٌ مِنْ فَضْلِ العِبادَةِ، وخيرُ دينِكم الوَرَعُ". رواه الطبراني في "الأوسط" والبزار بإسناد حسن. [مضى 3 - العلم/ 1]. 1741 - (11) [صحيح لغيره] ورُوِيَ عن واثِلَة عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كُنْ وَرِعاً تكنْ أعبدَ الناس، وكنْ قَنِعاً تكنْ أشْكَرَ الناسِ، وأحِبَّ لِلناس ما تحِت لنفسِكَ تكنْ مُؤْمِناً، وأحْسِنْ مُجاوَرَةَ مَنْ جاوَرَك تكُنْ مُسْلِماً، وأقِلَّ الضحِك؛ فإنَّ كثْرةَ الضَحِكِ تميتُ القلْبَ". رواه ابن ماجه والبيهقي في "الزهد الكبير"، وهو عند الترمذي بنحوه من حديث الحسن عن أبي هريرة، ولم يسمع منه. الحديث: 1739 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 7 - (الترغيب في السماحة في البيع والشراء وحسن التقاضي والقضاء). 1742 - (1) [صحيح] عن جابرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "رحمَ الله عبداً سمْحاً إذا باعَ، سَمْحاً إذا اشْتَرى، سَمْحاً إذا اقتَضى". رواه البخاري، وابن ماجه، واللفظ له. [حسن] والترمذي، ولفظُه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "غَفَر الله لِرجُلٍ كانَ قَبْلَكُمْ؛ كان سَهْلاً إذا باعَ، سَهْلاً إذا اشْتَرى، سَهْلاً إذا اقْتَضى". 1743 - (2) [حسن لغيره] وعن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أدْخلَ الله عزَّ وجلَّ رجُلاً كان سَهْلاً مُشْتَرِياً وبايِعاً، وقاضِياً ومقْتَضِياً؛ الجنَّةَ". رواه النسائي، وابن ماجه لم يذكر: "قاضياً ومقتضياً". 1744 - (3) [صحيح لغيره] وعن عبدِ الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أخبِرُكُمْ بِمنْ يَحرُمُ على النارِ، أو بِمَنْ تحرُمُ عليه النارُ؟ على كلِّ قريبٍ هيِّنٍ سهْلٍ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". والطبراني في "الكبير" بإسناد جيد، وزاد: "لين" (1)، وابن حبان في "صحيحه". [صحيح لغيره] وفي رواية لابن حبان: "إنما تَحْرمُ النارُ على كلِّ هيِّنٍ لَيِّنٍ قريبٍ سَهْلٍ".   (1) يشهد لهذه الزيادة ولأصل الحديث ما بعده، وهما مخرجان مع غيره من الشواهد في "الصحيحة" (938). الحديث: 1742 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 1745 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال: "مَنْ كان هَيِّناً لَيِّناً قريباً؛ حَرَّمَهُ الله على النارِ". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 1746 - (5) [صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الأوسط" من حديث أنس ولفظه: قيلَ: يا رسولَ الله! مَنْ يحرُمُ على النارِ؟ قال: "الهَيِّنُ اللَّيِّنُ، السهْلُ القَرِيبُ". 1747 - (6) [صحيح لغيره] ورواه في "الأوسط" أيضاً و"الكبير" من مُعيقيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "حُرِّمَتِ النارُ على الهيِّنِ اللَّيِّنِ، السهْلِ القريبِ". 1748 - (7) [صحيح لغيره] وعنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله يحبُّ سَمْحَ البيْعِ، سمحَ الشراء، سمحَ القَضاءِ". رواه الترمذي وقال: "غريب". والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1749 - (8) [صحيح] وعن ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اسْمَح؛ يُسْمَحْ لَكَ". رواه أحمد، ورجاله رجال "الصحيح"؛ إلا مهدي بن جعفر. 1750 - (9) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دخلَ رجلٌ الجنَّةَ بِسَماحَتِه قاضياً ومُقْتَضِياً". رواه أحمد، ورواته ثقات مشهورون. 1751 - (10) [صحيح] وعن حذيفةَ رضي الله عنه قال: "أتى اللهُ بعبدٍ مِنْ عبادِه آتاه الله مالاً، فقال له: ماذا عمِلْتَ في الدنيا؟ الحديث: 1745 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 -قال: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} - قال: يا ربِّ! آتَيْتَني مالاً فكنْتُ أبايعُ الناسَ، وكانَ مِنْ خُلُقي الجوازُ، فكنتُ أيَسِّرُ على الموسِرِ، وأُنظِرُ المعْسِرَ، فقال الله تعالى: أنا أحقُّ بذلك منك، تجاوَزوا عنْ عَبْدِي". فقال عقبة بن عامر وأبو مسعود الأنصاري: هكذا سمِعْناهُ مِنْ فِي رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه مسلم هكذا موقوفاً على حذيفة، ومرفوعاً عن عقبة وأبي مسعود (1). وتقدمت بقية ألفاظ هذا الحديث في "إنظار المعسر" [8 - الصدقات/ 14]. 1752 - (11) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رجلاً أتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتقاضاهُ، فأغْلَظَ له، فَهَمَّ به أصحابُه، فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دعوهُ؛ فإنَّ لصاحِبِ الحقِّ مقالاً". ثم قال: "أَعْطوهُ سِنّاً مثلَ سِنِّهِ". قالوا: يا رسول الله! لَا نجِدُ إلا أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ، قال: "أَعطوهُ، فإنَّ خيرَكم أحسنُكُم قضاءً". رواه البخاري ومسلم، والترمذي مختصراً ومطولاً، وابن ماجه مختصراً. 1753 - (12) [صحيح] وعن أبي رافع مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: استسلف رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَكْراً، فجاءَتْه إبِلٌ مِنَ الصدَقَةِ. قال أبو رافع: فأمَرَنِي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ أقْضِيَ الرجل بَكرة. فقلتُ. لا أجِدُ في الإبِلِ إلا جَملاً خِياراً رُباعِيّاً، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَعْطِهِ إيَّاه؛ فإنَّ خيارَ الناسِ أحسَنُهم قَضاءً".   (1) ذكر عقبة بن عامر في هذا الحديث وهمٌ، صوابه: عقبة بن عمرو أبو مسعود الأنصاري. قاله الدارقطني. وانظر (8 - الصدقات/ 14). الحديث: 1752 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 رواه مالك ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه، والنسائي وابن ماجه. 1754 - (13) [حسن] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: استسلف النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رجلٍ مِنَ الأنْصارِ أربعين صاعاً، فاحْتاج الأنصاريُّ، فأتاهُ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما جاءَنا شيء". فقال الرجلُ، وأراد أنْ يتكلَّم؛ فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تقلْ إلا خيراً، فأنا خيرُ مَنْ تُسَلِّفُ"، فأعطاهُ أرْبعين فَضلاً، وأربعينَ لِسَلَفِه، فأعطاهُ ثمانين. رواه البزار بإسناد جيد. 1755 - (14) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ يتقاضاه قدِ اسْتَسْلفَ منه شطرَ وَسْقٍ، فأعْطاه وَسْقاً، فقال: "نِصفُ وَسْقٍ لك، ونصفُ وسْقٍ منْ عِندي". ثمَّ جاءَ صاحبُ الوسْقِ يتَقاضاهُ، فأعطاهُ وَسْقَيْنِ، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وسْقٌ لك، وَوَسْقٌ مِنْ عِندي". رواه البزار، وإسناده حسن إنْ شاء الله. (شطر وسق) أي: نصف وسق. (والوسْق) بفتح الواو وسكون السين المهملة: ستون صاعاً، وقيل: حمل بعير. 1756 - (15) [صحيح] وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ طلَب حقّاً فلْيَطْلُبْهُ في عفَافٍ، وافٍ أو غيرَ وافٍ". رواه الترمذي وابن ماجه، وابن حبان، في "صحيحه"، والحاكم وقال: الحديث: 1754 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 "صحيح على شرط البخاري". 1757 - (16) [صحيح] وروى ابن ماجه عن عبد الله بن [أبي] ربيعة رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ منه حينَ غزا حُنيْناً ثلاثين أو أربعين ألْفاً، فَقضَاها إيَّاهُ؛ ثمَّ قال له النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بارَك الله لك في أهْلِكَ ومالِكَ، إنَّما جزاءُ السَّلَفِ الوفاءُ والحمدُ". الحديث: 1757 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 8 - (الترغيب في إقالة النادم). 1758 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أقالَ مسلِماً بيْعتَهُ؛ أقالَه الله عَثْرتَة يومَ القِيامَةِ". رواه أبو داود وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". [صحيح] وفي رواية لابن حبان: "مَنْ أَقالَ مسْلِماً عَثْرَتَهُ؛ أَقالَهُ الله عَثْرَتهُ يومَ القِيامَةِ". 1759 - (2) [صحيح لغيره] وعن أبي شُرَيْحٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أقالَ أخاه بَيْعاً؛ أقالَهُ الله عَثْرَتَهُ يومَ القِيامَةِ". رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته ثقات. الحديث: 1758 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 9 - (الترهيب مِن بخس الكيل والوزن). 1760 - (1) [حسن] عنِ ابْنِ عبَّاس رضي الله عنهما قال: لمَّا قَدمَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينةَ كانوا مِنْ أخْبَثِ الناسِ كيْلا، فأنزلَ الله عزَّ وجلَّ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}، فأحسَنوا الكيْلَ بعدَ ذلكَ. رواه ابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي. 1761 - (2) [صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أقْبَلَ علينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "يا معشرَ المهاجِرينَ! خمسُ خِصال إذا ابْتُليتُم بهِنَّ، وأعوذُ بالله أنْ تُدرِكوهُنَّ: لَمْ تظْهرِ الفاحِشةً في قومٍ قطّ حتى يُعْلِنوا بها؛ إلا فَشا فيهِمُ الطاعونُ والأوْجاعُ الّتي لمْ تكنْ مضَتْ في أسْلافِهِمُ الَّذين مَضَوْا، ولَمْ يَنقُصوا المِكْيالَ والميزانَ؛ إلا أُخِذوا بالسنينَ وشِدَّةِ المؤُنَةِ وجَوْرِ السلطانِ عليهم، ولَمْ يَمنعوا زكاةَ أموالِهِم؛ إلا مُنِعُوا القطْرَ مِنَ السماء، ولوْلا البهائم لَمْ يُمطَروا، ولَمْ يَنْقضُوا عهدَ الله وعهدَ رسولِه؛ إلا سلَّطَ الله عليهِمْ عدوّاً منْ غيرِهم، فأَخَذوا بعْضَ ما في أيْديهِمْ، وما لَمْ تحكمْ أئمَّتُهم بِكتابِ الله، ويتَخَيَّروا (1) فيما أنْزلَ الله؛ إلا جعَلَ الله بأْسَهُم بينَهُمْ". رواه ابن ماجه -واللفظ له- والبزار والبيهقي. [مضى لفظه 8 - الصدقات/ 2].   (1) أي: يطلبوا الخير، أي: وما لم يطلبوا الخير والسعادة فيما أنزل الله، قال الزمخشري في "الفائق" (1/ 278): "والاختيار أخذ ما هو خير، وهو يتعدى إلى أحد مفعوليه بواسطة (مِن) ثم يحذف. . ."، وقد وقعت هذه اللفظة في الأصل بإهمال الخاء، والتصويب من "ابن ماجه"، و"الحلية"، وأشكل المراد منها على الحافظ الناجي، وأطال الكلام في ذلك لفظاً ومعنى دون طائل، ولعل فيما ذكرته شفاء على إيجازه، والله أعلم. الحديث: 1760 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 1762 - (3) [صحيح] ورواه الحاكم بنحوه من حديث بريدة، وقال: "صحيح على شرط مسلم". [مضى لفظه 8 - الصدقات/ 2]. [حسن لغيره] ورفعه الطبراني وغيره إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[يعني حديث ابن عباس، ومضى لفظه 8/ 2]. و (السِّنين) جمع سنة، وهي العام المقحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئاً، سواء وقع قطر أو لم يقع. 1763 - (4) [حسن] وعن ابن مسعود رضيِ الله عنه قال: القتل في سبيل الله يكفّر الذنوب كلَّها إلا الأمانةَ، قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة -وإن قتل في سبيل الله-، فيقال: أدِّ أمانتك، فيقول: أي ربّ! كيف وقد ذهبتِ الدنيا؟ قال: فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فيُنْطَلَقُ به إلى الهاوية، وتمثل له أمانَتُه كهيئتها يوم دُفعت إليه، فيراها فيعرفها، فيهوي في أثرها حتى يدركها فيحملها على منكبيه، حتى إذا نظر ظن أنه خارج زلت عن منكبيه، فهو يهوي في أثرها أبدَ الآبدين، ثم قال: الصلاةُ أمانةٌ، والوضوءُ أمانة، والوزنُ أمانة، والكيلُ أمانة -وأشياءٌ عدّدَها، وأشدُّ ذلك الودائعُ. قال -يعني زاذان-: فأتيت البراء بن عازب فقلت: ألا ترى إلى ما قال ابن مسعود؟ قال: كذا. قال: كذا. قال. صدق، أما سمعت الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}. رواه البيهقي موقوفاً. ورواه بمعناه هو وغيره مرفوعاً، والموقوف أشبه (1).   (1) قلت: وإسناده حسن، بخلاف المرفوع، فهو ضعيف، وهو مخرج في "الضعيفة" (4071). ومن تخاليط الثلاثة وجهلهم أنهم لم يقفوا عند ما نقلوه عن الإمام أحمد أنه قال في الموقوف: "إسناده جيد"، بل تعالوا عليه، وقالوا: "ضعيف، رواه البيهقي (5266) وفيه الأعمش وأبو عمر الكندي، كلاهما يرسل"! وهذا منتهى الجهل، فإن مثل هذا الإعلال قد يفيد لو كان الحديث مرسلاً، فكيف وهو عن ابن مسعود مسنداً، وجوّده أحمد؟!! ولكنه التعالم. الحديث: 1762 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 10 - (الترهيب من الغش، والترغيب في النصيحة في البيع وغيره). 1764 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ حَملَ علينا السِلاحَ فليسَ مِنَّا، ومَنْ غشَّنا فليسَ مِنَّا". رواه مسلم. 1765 - (2) [صحيح] وعنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ على صُبرةِ طَعامٍ، فأدْخَل يدهُ فيها، فنالَتْ أصابِعُه بَلَلاً، فقال: "ما هذا يا صاحِب الطَّعامِ؟! ". قال: أصابَتْهُ السماءُ يا رسولَ الله! قال: "أفلا جَعَلْتَهُ فوقَ الطعامِ حتّى يراهُ الناسُ، مَنْ غَشَّنا فليسَ مِنّا". رواه مسلم (1) وابن ماجه والترمذي، وعنده: "مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا". [صحيح] وأبو داود، ولفظه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ برجلٍ يبيعُ طَعاماً فسألَهُ، كيفَ تبيعُ؟ فأخْبَرهُ، فأوْحى الله إليه: أنْ أدْخِلْ يدَك فيهِ، فإذا هو مَبْلولٌ! فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليسَ منَّا منْ غَشَّ".   (1) في "الإيمان"، والسياق له، لكن لفظه: "من غش فليس مني". ولفظ ابن ماجه: "ليس منا من غش". الحديث: 1764 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 1766 - (3) [حسن لغيره] ورُوِيَ عنِ ابْن عُمَر رضي الله عنهما قال: مرَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَعامٍ وقد حسَّنهُ، فأدْخلَ يدَه فيهِ، فإذا طعامٌ رَديءٌ، فقال: "بعْ هذا على حِدَةٍ، وهذا على حِدَةٍ، فمَنْ غشَّنا فليسَ مِنَّا". رواه أحمد والبزار والطبراني. (1) ورواه أبو داود بنحوه عن مكحول مرسلاً. 1767 - (4) [حسن لغيره] وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: خَرجَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى السوقِ، فرأى طَعاماً مُصَبَّراً (2)، فأدْخلَ يدَه، فأخْرجَ طعاماً رَطْباً قد أصابَتْهُ السماء، فقالَ لصاحِبِه: "ما حمَلَكَ على هذا؟ ". قال: والَّذي بَعثكَ بالحقِّ إنَّه لطعامٌ واحِدٌ. قال: "أفلا عزَلْتَ الرَّطْبَ على حِدَتِه، واليابس على حدته، فيبتاعون ما يَعرفون، (3) مَنْ غشَّنا فليسَ مِنَّا". رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد جيد. 1768 - (5) [حسن صحيح] وعنِ ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ غَشَّنا فليس مِنَّا، والمكرُ والخداعُ في النارِ".   (1) هذا الإطلاق يوهم أنَّه أخرجه في "المعجم الكبير"! وإنما هو في "المعجم الأوسط" (رقم 2511). (2) أي: مكوَّماً وزناً ومعنى. (3) الأصل: "فتتبايعون ما تعرفون"، والتصحيح من "الأوسط" (3785) و"المجمع" (4/ 79) وقال: "ورجاله ثقات"! لكنَّه منقطع بين (إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة القرشي)، وأنس. الحديث: 1766 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 رواه الطبراني في "الكبير" و"الصغير". بإسناد جيد، وابن حبان في "صحيحه". 1769 - (6) [حسن لغيره] ورواه أبو داود في "مراسيله" عن الحسن مرسلاً مختصراً قال: "المكرُ والخديعَةُ والخِيانَةُ في النارِ". 1770 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنَّ رجلاً كان يبيعُ الخَمْرَ في سفينَةٍ له، ومعهُ قِردٌ في السفينَةِ، وكان يشوبُ الخمرَ بالماءِ، فأخذَ القردُ الكيسَ فصَعَد الذِّروةَ، وفتحَ الكيسَ، فجعَل يأْخُذ ديناراً فيُلْقيهِ في السفينةِ، وديناراً في البَحْرِ حتى جَعَلهُ نِصْفَيْنِ". رواه الطبراني في "معجمه الكبير" (1)، ورواه البيهقي أيضاً، ولا أعلم في رواته مجروحاً. 1771 - (8) [صحيح لغيره] وروي (2) عن الحسن مرسلاً. 1772 - (9) [صحيح لغيره] وفي رواية البيهقي قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:. . . ثم ذكر حديث المحفلة (3) ثم قال موصولاً بالحديث: "ألا وإن رجلاً ممن كانَ قبلكم جَلَبَ خمراً إلى قرية فشابها بالماء فأضعف أضعافاً، فاشترى قرداً، فركب البَحر، حتى إذا لجج فيه ألهم الله القردَ صُرَّةَ   (1) لم أجده عنده، ولا رأيته في "مجمع الزوائد" للهيثمي، وهو في "مسند أحمد" في ثلاثة مواضع، فالعجب كيف فاتهما، وقلدهما المعلقون الثلاثة، فعزوه للبيهقي فقط في "الشعب"، وجهلوا فقالوا: "ضعيف"! وهو عنده، وكذا أحمد وغيرهما من طريق حماد بن سلمة عن إسحاق ابن أبي طلحة عن أبي صالح عن أبي هريرة. وهذا إسناد صحيح، وهو مخرج في "الصحيحة" (2844). (2) كذا الأصل، وله عند البيهقي عن الحسن روايتان: إحداهما عن حميد عن الحسن عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلاً، وهي صحيحة، وأخرى عن الحسن عن أبي هريرة مسنداً نحوه، وإسناده ضعيف، لذلك فتصدير المرسل بقوله: "رُوي" ليس كما ينبغي. (3) يشير إلى مثل قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من اشترى شاة محفلة فردها، فليرد معها صاعاً من تمر". رواه البخاري عن ابن مسعود. وله عن أبي هريرة بلفظ: "لا تُصروا الغنم. . ." الحديث. وهو مخرج في "الإرواء (1320). الحديث: 1769 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 الدنانيرِ فأخذها، فصعد الدَّقَل (1)، ففتح الصرة وصاحبها ينظر إليه، فأخذ ديناراً فرمى به البحر، وديناراً في السفينة حتى قسمها نصفين". 1773 - (10) [صحيح لغيره] وعن عائشةَ رضي الله عنها؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال: "مَنْ غَشَّنا فليسَ مِنَّا". رواه البزار بإسناد جيد. (قال المملي) عبد العظيم: "قد روي هذا المتن عن جماعة من الصحابة منهم: عبد الله ابن عباس، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الأشعري، وأبو بردة بن نيار وغيرهم". وتقدم من حديث ابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة [في الباب]، وقيس بن أبي غرزة [الذي في "الضعيف"]. 1774 - (11) [حسن لغيره] وعن أبي سباع قال: اشتريتُ ناقةً من دارِ واثلة بن الأسقع، فلما خرجتُ بها أدركني [وهو] (2) يجر إزاره، فقال: [يا عبد الله!] (3) اشتريتَ؟ قلت: نعم. قال: بَيّنَ لك ما فيها؟ قلت: وما فيها؟ إنها لسمينةٌ ظاهرةُ الصحةِ. قال: أردتَ بها سفراً، أو أردت بها لحماً؟ قلت: أردت بها الحجَّ. قال: فإن بخفها نقباً (4). فقال صاحبها: ما أردت أي هذا -أصلحك الله- تفسدُ عليّ؟! قال:   (1) هو خشبة يمد عليها شراع السفينة. "نهاية". (2) زيادتان من "مستدرك الحاكم" و"شعب البيهقي"، وكان في الأصل بعض الأخطاء فصححتها منهما. (3) زيادتان من "مستدرك الحاكم" و"شعب البيهقي"، وكان في الأصل بعض الأخطاء فصححتها منهما. (4) الأصل: "فارتجعها"، وكذا في "المستدرك" (2/ 10)، وهو تحريف عجيب، والصواب ما أثبته وكما في "شعب البيهقي" (5/ 330)، وكذا رواه أحمد (3/ 491) والبيهقي أيضاً في "السنن" (5/ 320). و (النَّقَب) محركة: رقة الأخفاف. الحديث: 1773 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 إنِّي سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يحل لأحدٍ بييع شيئاً إلا بيّنَ ما فيه، ولا يحلُّ لمن عَلِمَ ذلك إلا بيّنَه". رواه الحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". (1) 1775 - (12) [صحيح] وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "المسلمُ أخو المسْلمِ، ولا يَحِلُّ لِمسلمٍ إذا باعَ مِنْ أخيه بيْعاً فيهِ عَيبٌ أنْ لا يُبيِّنَةُ". رواه أحمد وابن ماجه والطبراني في "الكبير"، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". وهو عند البخاري (2) موقوف على عقبة لم يرفعه. 1776 - (13) [صحيح] وعن تميمٍ الداري رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الدينَ النصيحةُ". قلنا: لِمَنْ يا رسولَ الله؟ قال: "لله، ولِكتَابِه، ولِرَسولِهِ، ولأَئمَّةِ المسْلمينَ، وعامَّتِهمْ" (3).   (1) قلت: ووافقه الذهبي، وفيه نظر، لكن يشهد له ما بعده. (2) قلت: هو عنده معلق دون إسناد، خلافاً لما يوهمه المؤلف بإطلاق العزو إليه. (3) قال العلامة ابن الأثير في "النهاية": "النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبِّر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناه غيرها. وأصل (النصح) في اللغة: الخلوص؛ يقال: نصحته، ونصحت له. ومعنى نصيحة الله: صحة الاعتقاد في وحدانيته، وإخلاص النية في عبادته، والنصحية لكتابِ الله: هو التصديق به والعمل بما فيه. ونصيحة رسوله: التصديق بنبوته ورسالته، والانقياد لما أمر به ونهى عنه. ونصيحة الأئمة: أن يطيعهم في الحق، ولا يرى الخروج عليهم إذا جاروا. ونصيحة عامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم". والله أعلم. الحديث: 1775 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 رواه مسلم والنسائي، وعنده: "إنَّما الدِّينُ النصيحَةُ". وأبو داود، وعنده: قال: "إنَّ الدِّينَ النصيحةُ، إنَّ الدِّينَ النصيحةُ، إنَّ الدِّينَ النصيحَةُ" الحديث. 1777 - (14) [حسن صحيح] ورواه الترمذي من حديث أبي هريرة بالتكرار أيضاً، وحسنه. 1778 - (15) [صحيح] وعن زياد بن علاقة قال: سمعتُ جريرَ بْنَ عبد الله يقول يومَ ماتَ المغيرةُ بنُ شُعبةَ: أمَّا بعدُ؛ فإنِّي أتيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلتُ: أبايِعُكَ على الإسْلامِ. فَشَرط عَليَّ: "والنصحَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ"، فبايَعْتُه على هذا، ورَبِّ هذا المسجِدِ، إنِّي لكم لَناصحٌ. رواه البخاري ومسلم. 1779 - (16) [صحيح] وعن جريرٍ -أيضاً- رضي الله عنه قال: بايَعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على إقامِ الصَلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والنصحِ لكُلِ مسلمٍ. رواه البخاري ومسلم والترمذي. [صحيح] ورواه أبو داود والنسائي، ولفظهما: بايَعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على السمعِ والطاعَةِ، وأَنْ أنْصَح لِكلِّ مسلمٍ. (1)   (1) قلت: إلى هنا العزو صحيح، لكن ما بعده ليس عند النسائي، وهو بتمامه عند ابن حبان أيضاً (7/ 39/ 4529 - الإحسان)، فلو عزاه إليه المؤلف كان أولى، وهو مما فات على الهيثمي فلم يورده في "موارد الظمآن"، فاستدركته عليه في "صحيح الموارد" (11/ 10). الحديث: 1777 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 وكان إذا باعَ الشيْءَ أوِ اشْتَرى قال: أمَا إنَّ الذي أَخَذْنا منكَ أحبُّ إلينا مِمَّا أعْطَيْناك، فَاخْتَرْ. 1780 - (17) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يُؤمِنُ أحَدُكم حتى يُحِبَّ لأَخيه ما يحبُّ لنَفْسِه". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: "لا يَبلغُ العبدُ حقيقةَ الإيمانِ حتّى يحبُّ لِلناسِ ما يحبُّ لِنفْسِه". الحديث: 1780 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 11 - (الترهيب من الاحتكار). 1781 - (1) [صحيح] عن معمر بن أبي معمر -وقيل ابن عبد الله بن نضلة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنِ احْتَكَر (1) فهو خاطِئٌ". رواه مسلم وأبو داود. [صحيح] والترمذي وصححه، وابن ماجه، ولفظهما: قال: "لا يَحْتَكِرُ إلا خاطِئٌ" (2).   (1) في الأصل زيادة: "طعاماً"؛ ولما كانت لا أصل لها عند أحدٍ من مخرِّجيه الذين ذكرهم المصنف، ولا عند غيرهم فقد حذفتها. وأما المعلقون الثلاثة فأثبتوها موهمين القراء بورودها عند مخرجيه الأربعة بذكر أرقامهم! مع أنهم نقلوا بُعد إنكار الناجي لها، ومن جهلهم أنَّهم علقوا كلامه على اللفظ الآتي الخالي من الزيادة!! (2) قلت: هو رواية لمسلم أيضاً (5/ 56)، وهو رواية أبي داود (3447)، وذلك كان الأولى أنْ يقال في التخريج: رواه مسلم. وفي لفظ له، وهو لأبي داود والترمذي وابن ماجه. . وقوله "خاطئ" هو بالهمز بمعنى آثم. والمعنى: لا يجترئ على هذا الفعل الشنيع إلا من اعتاد المعصية. و (الاحتكار)؛ كما قال النووي في "شرح مسلم": أنْ يشتري الطعام في وقت الغلاء للتجارة، ولا يبيعه في الحال، بل يدخره ليغلو ثمنه، فأما إذا اشتراه في وقت الرخص وادخره ليبيعه في وقت الغلاء فليس باحتكار. واختلفوا في الاحتكار المحرم، لعل أقربها قول أحمد: ما فيه عيش الناس. انظر "معالم السنن" (5/ 90 - 91). الحديث: 1781 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 12 - (ترغيب التجار في الصدق، وترهيبهم من الكذب والحلف وإنْ كانوا صادقين). 1782 - (1) [صحيح لغيره] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال: "التاجرُ الصدوقُ الأمينُ مع النبيين والصدّيقين والشهداء". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". 1783 - (2) [حسن صحيح] ورواه ابن ماجه عن ابن عمر، ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "التاجرُ الأمينُ الصدوقُ المسلمُ مع الشهداء يومَ القيامة". 1784 - (3) [صحيح] وعن حكيم بن حَزامٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "البَيِّعانِ بالخَيارِ ما لمْ يَتَفَرَّقا، فإنْ صدَق البيِّعانِ وبَيَّنا؛ بورِكَ لهما في بيْعِهِما، وإنْ كتما وكذَّبا؛ فعَسى أن يرْبحا رِبْحاً، ويُمْحَقا بركةَ بَيْعِهما، اليمينُ الفاجرةُ مُنْفِقَةٌ لِلسِلْعَةِ مُمْحِقَةٌ لِلكَسْبِ" (1). رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 1785 - (4) [صحيح لغيره] وعن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده: أَنَّهُ خرَج معَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المُصَلَّى، فرأى الناسَ يَتبايَعونَ، فقال: "يا معْشَر التُّجارِ! ". فاسْتجابوا لِرَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ورَفعوا أعْناقَهُمْ وأبْصارَهم إليه، فقال:   (1) ليس في الحديث: "اليمين الفاجرة. . ." إلخ، وإنما هذا حديث آخر من رواية أبي هريرة يأتي في الباب برقم (11)، فكأنَّه دخل على المؤلف حديث بحديث، أو على الناسخ. ثم رأيت الناجي ذكر أن المؤلف قلَّد في ذلك ابن الأثير في "جامعه"، وانطلى الأمر على المعلق على "الجامع" أيضاً (1/ 435) فخرجه معزواً للشيخين وغيرهما بالزيادة!! الحديث: 1782 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 "إن التُجَّارَ (1) يُبعَثون يومَ القيامة فُجَّاراً؛ إلاَّ مَنِ اتّقى الله، وَبَرَّ وصَدقَ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1786 - (5) [صحيح] وعن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ التُّجَّارَ همُ الفُجَّارُ". قالوا: يا رسولَ الله! أليسَ قد أحَلَّ الله البيْعَ؟ قال: "بلى؛ ولكنَّهُم يحْلِفونَ فيأْثَمونَ، ويحدِّثون فيكْذِبونَ". رواه أحمد بإسناد جيد، والحاكم واللفظ له، وقال: "صحيح الإسناد". 1787 - (6) [صحيح] وعن أبي ذرّ رضي الله عنه عن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثَةٌ لا ينظرُ الله إليهمْ يومَ القِيامَةِ، ولا يزكِّيهِمْ، ولهم عذابٌ أَليمٌ". قال: فقَرأَها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثَ مرَّاتٍ، فقلتُ: خابوا وخَسِروا، ومَن هُمْ يا رسولَ الله؟ قال: "المسبِلُ، والمنَّانْ، والمنفِق سِلعَتَة بالحلفِ الكاذِبِ". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه؛ إلا أنَّه قال:   (1) بضم التاء وتشديد الجيم أو كسر وتخفيف، وقوله: (فجاراً) لأن من عادتهم التدليس في المعاملات والأيمان الكاذية ونحوها، واستثنى من اتقى المحارم، ووفى بيمينه، وصدق في حديثه. الحديث: 1786 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 "المسبِلُ إزارَهُ، والمنَّانُ عطاءَهُ، والمنفِقُ سِلْعَتَه بالحلْفِ الكاذِبِ". 1788 - (7) [صحيح] وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثةٌ لا ينظُرُ الله إليهمْ يومَ القِيامَةِ: أُشَيْمَطٌ زانٍ، وعائلٌ مستكْبِرٌ، ورجلٌ جَعَل اللهَ بضاعتَهُ؛ لا يشتَري إلا بيَمينِه، ولا يَبيعُ إلا بِيَمينِه". رواه الطبراني في "الكبير"، وفي "الصغير" و"الأوسط"؛ إلا أنَّه قال فيهما: "ثلاثَةٌ لا يكلِّمُهم الله، ولا يُزَكِّيهِمْ، ولهمْ عذابٌ أليمٌ" فذكره. ورواته محتج بهم في الصحيح. (أشَيْمَطٌ) مصغَّر (أَشْمَط): وهو مَنْ ابيَضَّ بعض شعر رأسه كبراً واختلط بأسوده. و (العَائِلُ): الفقير. 1789 - (8) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثَةٌ لا يكلِّمُهم الله يومٍ القِيامَةِ، ولا ينطُرُ إليْهِمْ، ولا يُزَكِّيهِمْ، ولهمْ عَذابٌ أليمٌ: رجلٌ على فضْلِ ماءٍ بفلاةٍ يمنَعُه ابنَ السبيلِ، ورجلٌ بايعَ رجلاً بسِلْعَتِه بعد العصْرِ فحلَف بالله لأَخَذها بكَذا وكذا، فصَدَّقَهُ فأخَذها؛ وهو على غير ذلك، ورجلٌ بايَع إماماً لا يبايِعُه إلا للدنيا؛ فإنْ أعطاهُ منها ما يريدُ وفي لهُ، وإنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ". وفي رواية نحوه، وقال: "ورجُلٌ حلَفَ على سِلْعَتِه لقد أُعْطِيَ بها أكثرَ ممّا أُعطِيَ؛ وهو كاذِبٌ، ورجلٌ حلفَ على يمينٍ كاذبةٍ بعدَ العصْر ليْقتَطعَ بها مالَ امْرئٍ مسلمٍ، ورجلٌ منعَ فضْلَ ماءٍ، فيقولُ الله له: اليومَ أمنَعُكَ فضْلي، كما منعْتَ فضلَ ما لَمْ تعمَلْ يداكَ". الحديث: 1788 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وأبو داود بنحوه. 1790 - (9) [صحيح] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أربعةٌ يُبغِضُهم الله: البيَّاعُ الحلافُ، والفقيرُ المخْتالُ، والشيخُ الزاني، والإمامُ الجائرُ". رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه"، وهو في مسلم بنحوه دون ذكر "البياع" (1)، ويأتي لفظه في "الترهيب من الزنا" إنْ شاء الله [21 - الحدود/ 7]. 1791 - (10) [صحيح] وعن أبي ذرّ رضي الله عنه رفعه إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله يُحِبُّ ثلاثَةً، ويبْغَضُ ثلاثةً"، -فذكر الحديث إلى أنْ قال:- قلتُ: فَمَنِ الثلاثَةُ الذينَ يُبغِضُهم الله؟ قال: "المخْتَالُ الفخورُ -وأنتُم تجِدونَه في كتاب الله المنزَلِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} -والبخيلُ المنانُ، والتاجِرُ -أَوِ البائعُ- الحلاَّفُ". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحه" بنحوه. وتقدم لفظهم في "صدقة السر" [8 - الصدقات/ 20]. 1792 - (11) [حسن] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: مرَّ أعرابيٌّ بِشَاة، فقلتُ: تبيعُها بثلاثَةِ درَاهِمَ؟ فقال: لا والله. ثمَّ باعَها. فذكرتُ ذلك لِرسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "باع آخِرَتَهُ بدُنْياهُ". رواه ابن حبان في "صحيحه".   (1) قلت: هذا يوهم أنَّ سائر الحديث عند مسلم مثله هنا، وليسَ كذلك؛ كما يتبين ذلك للقارئ بمقابلته بنص مسلم الآتي هناك (21/ 7). الحديث: 1790 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 1793 - (12) [صحيح لغيره] وعن واثِلةَ بن الأسْقَعِ رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخرُج إلينا، وكنَّا تُجَّاراً، وكان يقولُ: "يا مَعْشَر التُّجَّارِ! إيَّاكمْ والكذِبَ". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد لا بأس به إنْ شاء الله. 1794 - (13) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الحَلْفُ مَنْفَقةٌ للسِلْعَةِ، مَمْحَقةٌ للكسب". رواه البخاري ومسلم وأبو داود؛ إلا أنَّه قال: "ممحقة للبركةِ" (1). 1795 - (14) [صحيح] وعن [أبي] (*) قتادة رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إيَّاكمْ وكثرةَ الحلفِ في البيعِ؛ فإنَّه يُنَفِّقُ ثمَّ يمْحَقُ (2) ". رواه مسلم والنسائي وابن ماجه. 13 - (الترهيب من خيانة أحد الشريكين الآخر). [لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا].   (1) هذا يوهم أنَّ اللفظ الذي قبله لم يروه أبو داود، والواقع خلافه، فإنَّه أخرجه عقب هذا، وقد نبه على ذلك الحافظ الناجي، وبينته في "أحاديث بيوع الموسوعة". (2) من (المحق): وهو (المحو) أي: يزيل البركة ويذهبها. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس في المطبوع، وقال الشيخ مشهور في طبعته: الصواب إثباتها كما في مصادر التخريج الحديث: 1793 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 14 - (الترهيب من التفريق بين الوالدة وولدها بالبيع ونحوه). 1796 - (1) [حسن] عن أبي أيَّوبَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ فرَّقَ بينَ والدةٍ ووَلَدِها؛ فرَّق الله بينَه وبينَ أحِبَّتِه يومَ القِيامَةِ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". والحاكم والدارقطني، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". الحديث: 1796 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 15 - (الترهيب من الدَّيْن، وترغيب المستدين والمتزوج أنْ ينويا الوفاء، والمبادرة إلى قضاء دَيْن الميت). 1797 - (1) [صحيح] وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه؛ أنَّهُ سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا تُخيفوا أنفُسَكم بعدَ أمْنِها". قالوا: وما ذاكَ يا رسولَ الله؟ قال: "الدَّيْن". رواه أحمد -واللفظ له، وأحد إسناديه ثقات-، وأبو يعلى والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". 1798 - (2) [صحيح] وعن ثوْبانَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ فارَق الروحُ الجسدَ وهو بريءٌ مِنْ ثلاثٍ، دخَلَ الجنَّةَ: الغلولُ، والدَّينُ، والكِبْرُ". رواه الترمذي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، وتقدم لفظه [12 - الجهاد/ 13]. والحاكم وهذا لفظه؛ وقال: "صحيح على شرطهما". قال الترمذي: "قال سعيد بن أبي عَروبَة: "الكنزُ" يعني بالزاي؛ وقال أبو عَوانَّة في حديثه: "الكبر" يعني بالراء". قال: "ورواية سعيد: أصح". الحديث: 1797 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 وقال البيهقي (1): "في كتابي: عن أبي عبد الله -يعني الحاكم-: "الكنز" مقيد بالزاي، والصحيح في حديث أبي عوانة بالراء". 1799 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أخذَ أمْوالَ الناسِ يريدُ أداءَها؛ أدّى الله عنه، ومَنْ أَخذ أمْوالَ الناسِ يريدُ إتْلافَها؛ أتْلَفَة الله". رواه البخاري وابن ماجه وغيرهما. 1800 - (4) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ حمَل مِنْ أُمَّتي دَيْناً، ثمَّ جَهَدَ في قَضائِه، ثمَّ ماتَ قبْلَ أنْ يَقْضِيَهُ؛ فأنا وَلِيُّهُ". رواه أحمد بإسناد جيد، وأبو يعلى والطبراني في "الأوسط". 1801 - (5) [صحيح لغيره] وعنها: أنَّها كانتْ تَدّايَنُ، فقيلَ لها: ما لَكِ وللِدَّيْنِ، ولكِ عنهُ مندوحَةٌ؟ قالت: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "ما مِنْ عبدٍ كانتْ له نِيَّةُ في أداءِ دَيْنِه؛ إلا كانَ له مِنَ الله عونٌ". فأنا أَلْتَمِسُ ذلك العَوْنَ. [حسن] ورواه الطبراني بإسناد متصل فيه نظر، وقال فيه: "كانَ لهُ من الله عونٌ، وسَبَّبَ لهُ رِزقاً".   (1) يعني في "شعب الإيمان" (2/ 143/ 1 - 2). والذي في "مستدرك الحاكم" (2/ 26) -وقد رواه بإسنادين عن سعيد- وأبي عوانة: "الكبر" بالراء، وهو الراجح كما هو محقق في "الصحيحة" (2785). والله أعلم. الحديث: 1799 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 1802 - (6) [حسن لغيره] وعن صهيب الخير رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيُّما رجلٍ تدايَنَ ديْناً وهو مُجْمعٌ أنْ لا يوفيهِ إيَّاه؛ لَقِيَ الله سارِقاً". رواه ابن ماجه والبيهقي، وإسناده متصل لا بأس به؛ إلا أنَّ يوسف بن محمد بن صيفي ابن صهيب؛ قال البخاري: فيه نظر (1). 1803 - (7) [حسن صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ ماتَ وعليه دينارٌ أو دِرهمٌ قُضِيَ مِنْ حسَناتِهِ، ليسَ ثَمَّ دينارٌ ولا دِرْهَمٌ". [صحيح لغيره] رواه ابن ماجه بإسناد حسن، والطبراني في "الكبير" ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الدَّيْنُ دَيْنانِ، فَمنْ ماتَ وهو ينْوي قضاءَهُ؛ فأنا وَلِيَّهُ، ومَنْ ماتَ وهو لا ينْوي قضاءَه؛ فذاكَ الَّذي يُؤخذ مِنْ حَسناتِه، ليسَ يومئذٍ دينارٌ ولا دِرْهَمٌ". 1804 - (8) [حسن] وعن محمد بن عبد الله بن جحش رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاعداً حيثُ توضَعُ الجنائزُ، فرفَعْ رأسَهُ قِبَلَ السماءِ، ثُمَّ خفضَ بصرَهُ، فوضَع يدهُ على جبْهَتِه فقال: "سبحانَ الله! سبحان الله ما أنْزل مِنَ التشْديدِ! ". قال: فَفَرَقْنا (2) وسكتْنا، حتَّى إذا كانَ الغَدُ؛ سألتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلنا: ما التشديدُ الذي نَزَل؟ قال:   (1) قلت: لكنْ قواه أبو حاتم، ووثقه ابن حبان، وقد توبع كما بينته في الأصل، ويشهد له حديث أبي هريرة وميمون الكردي الآتيين قريباً. (2) الأصل تبعاً لأصله "المستدرك" (2/ 25)؛ "فعرفنا"، ولا وجه له، والتصويب من "شعب الإيمان" (2/ 2/142)، وفي النسائي: "وفزعنا". (تنبيه): أوردت هذا الحديث في كتابي "أحكام الجنائز" (ص 136 - المعارف)، وتكلمت على سنده بما يقويه، وأنَّه حسن. الحديث: 1802 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 "في الدَّيْنِ، والذي نفسي بيَدِه لو قُتِلَ رجلٌ في سبيلِ الله ثُمَّ عاشَ، ثُمَّ قُتِلَ ثُمَّ عاشَ، ثم قُتِلَ وعليه دَيْنٌ ما دَخَل الجنَّةَ حتى يُقْضى ديْنُهُ". رواه النسائي (1) والطبراني في "الأوسط"، والحاكم واللفظ له، وقال: "صحيح الإسناد". 1805 - (9) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ذكرَ رجُلاً مِنْ بني إسْرائيلَ سألَ بعضَ بني إسْرائيلَ أنْ يُسلفَهُ ألفَ دينارٍ، فقال: ائْتني بالشُّهداء أُشْهِدُهُمْ. فقال: كَفَى بالله شهيداً. قال: فائْتِني بالكَفيلِ. قال: كَفى بالله كَفيلاً. قال: صَدقْت. فدفَعها إليه إلى أجَلٍ مُسمَّى، فخرَج في البحر فقَضى حاجَتهُ، ثُمَّ الْتَمس مَرْكباً يركَبُه ويقْدِمَ عليه للأَجلِ الذي أجَّلَهُ، فلَمْ يجدْ مركباً، فأَخَذ خَشَبةً فنَقَرها، فأدخلَ فيها ألفَ دينارٍ وصَحيفةً منهُ إلى صاحِبها، ثُمَّ زَجَّجَ موْضِعَها، ثم أتَى بها البحر فقال: اللَهُمَّ إنَّك تعلم أنِّي تَسَلَّفتُ فُلاناً ألفَ دينارٍ فسألني كفيلاً، فقلتُ: كفى بالله كفيلاً؛ فرضِيَ بكَ، وسألَني شهيداً، فقلتُ: كفى باللهِ شهيداً؛ فرضيَ بكَ، وأَنِّي جَهدْتُ اُنْ أجِدَ مركَباً أبعثُ إلَيْه الذي له فلم أقْدِرْ، وإنِّي اسْتَودَعْتُكَها، فرمَى بِها في البَحْرِ حتَّى ولَجَتْ فيهِ، ثمَّ انْصَرف، وهو في ذلك يلْتَمِسُ مركباً يخرُج إلى بلَدِه. فخرجَ الرجلُ الذي كان أسْلَفَهُ ينظُر لعلَّ مركَباً قد جاءَ بِمالهِ، فإذا الخشَبَةُ التي فيها المالُ! فأخذها لأهلِه حَطَباً! فلما نَشرها وجد المالَ والصحيفَةَ! ثمَّ قدِمَ الذي كانَ أسْلفَهُ وأتى بألْفِ دينارٍ، فقال: والله ما   (1) في بيوع "الصغرى" و"الكبرى" خلافاً لمن قيده بـ "الكبرى"، وقد رواه أحمد أيضاً، فعزوه إليه أولى من عزوه للطبراني كما لا يخفى. الحديث: 1805 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 زلْتُ جاهِداً في طلَبِ مرْكَبٍ لآتيِكَ بمالِكَ، فما وجدتُ مركَباً قبلَ الذي أتيتُ فيهِ. قال: هل كنتَ بعثْتَ إليَّ بشَيْءٍ؟ قال. أخْبِرُك أنِّي لمْ أجِدْ مركباً قبلَ الذي جئتُ فيهِ. قال: فإنَّ الله قد أدَّى عنكَ الذي بَعَثْتَهُ في الخَشَبةِ، فانصَرف بالألْفِ الدينارِ راشِداً". رواه البخاري معلقاً مجزوماً (1)، والنسائي وغيره مسنداً. قوله: (زَجَّجَ) بزاي وجيمين: أي: طلى نقر الخشبة بما يمنع سقوط شيء منه. 1806 - (10) [صحيح لغيره] وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "منْ تَزوَّجَ امْرأَةً على صَداقٍ، وهو ينوي أنْ لا يُؤَدِّيَهُ إليها؛ فهو زانٍ، ومن ادَّانَ ديْناً وهو ينوي أنْ لا يُؤدِّيَهُ إلىَ صاحِبِه -أَحسِبُه قال:-؛ فهو سارِقُ". رواه البزار وغيره. 1807 - (11) [صحيح] وعن ميمون الكردي عن أبيه رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أيُّما رجلٍ تزوَّج امْرأةً على ما قلَّ مِنَ المهرِ أو كثُرَ، ليسَ في نفْسِه أنْ يُؤَدِّيَ إليها حَقَّها؛ خَدَعها، فماتَ ولمْ يُؤَدِّ إليها حقَّها؛ لَقِيَ الله يومَ القيامة وهو زانٍ، وأيُّما رجلٍ اسْتَدان دَيْناً لا يريدُ أنْ يُؤَدِّيَ إلى صاحِبِه حقَّه؛ خدعَهُ حتى أخَذَ مالَهُ، فماتَ ولَمْ يُؤَدِّ إليه دينَهُ؛ لَقِيَ الله وهو سارِقٌ". رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، ورواته ثقات. وتقدم حديث صهيب بنحوه [في الباب برقم (6)].   (1) قلت: ووقع موصولاً في بعض نسخ البخاري منها طبعة أوربا (2/ 57)، راجع "الفتح" (4/ 385)، وخفي ذلك على الناجي فذكر أحمد بدل البخاري! وهو مخرج في "الصحيحة" (2845). الحديث: 1806 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 1808 - (12) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله مَعَ الدائنِ حتى يَقْضِي دَينَهُ ما لمْ يكنْ فيما يكرَهُه الله". قال: وكان عبدُ الله بن جعفر يقول لخازِنِه: اذْهَبْ فخُذْ لي بدَيْنٍ؛ فإنِّي أكره أنْ أبيتَ لَيلَةً إلا والله معي؛ بعدَ إذْ سمعْتُه مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه ابن ماجه بإسناد حسن، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". وله شواهد. 1809 - (13) [صحيح] وعن عبد الله بن عمر (1) رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ حالَتْ شفاعتُه دونَ حَدٍّ مِنْ حدودِ الله؛ فقد ضادَّ الله في أمرهِ، ومَنْ ماتَ وعليه دَيْنٌ فليسَ ثَمَّ دينارٌ ولا درهمٌ، ولكنَّها الحسناتُ والسَّيئاتُ، ومَنْ خاصم في باطلٍ وهو يعلمُ، لَمْ يزَلْ في سَخَطِ الله حتى يَنزِعَ، ومَنْ قالَ في مؤْمِنٍ ما ليسَ فيه حُبِسَ في رَدغَةِ (2) الخَبالِ، حتَّى يأْتيَ بالمخرَجِ مِمَّا قالَ". رواه الحاكم وصححه. ورواه أبو داود والطبراني بنحوه، ويأتي لفظهما إنْ شاء الله تعالى. 1810 - (14) [صحيح] وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: خطَبنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ههُنا أحدٌ مِنْ بني فلانٍ؟ ". فلمْ يجبْهُ أحدٌ. ثمَّ قال: "ههُنا أحدٌ مِنْ بني فلانٍ؟ ". فلم يجبْهُ أحدٌ. ثم قال:   (1) الأصل: "ابن عمرو" بالواو، وكذا وقع عند الحاكم، وهو خطأ، ولعله من النساخ، وسيأتي على الصواب في الموضع الذي أشار إليه المؤلف (20 - القضاء/ 8). (2) بسكون الدال وفتحها: طين ووحل كثير، وجاء تفسيرها في طريق أخرى عن ابن عمر عند أحمد بلفظ: "عصارة أهل النار"، وفي سنده ضعف بينته في "الصحيحة" (438)، لكنْ لهذه الزيادة شواهد تأتي في (21 - الحدود/ 6) من حديث جابر وغيره. الحديث: 1808 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 "ههُنا أحدُ مِنْ بني فلانٍ؟ "، فقامَ رجلٌ فقال: أنا يا رسولَ الله! فقال: "ما مَنعكَ أنْ تُجيبَني في المرَّتيْنِ الأوْلَييْن؟ -قال:- إنِّي لَمْ أنْوِه بكمْ إلا خيْراً، إنَّ صاحبَكم مأسورٌ بدَيْنِه". فلقد رأيتُه (1) أدّى عنه، حتى ما أحدٌ يطلُبُه بشَيْءٍ. رواه أبو داود والنسائي والحاكم؛ إلا أنَّه قال: "إنَّ صاحبَكم حُبِسَ على بابِ الجَّنة بديْنٍ كان عليه". زاد في رواية: "فإنْ شئتُم فافْدوهُ، وإنْ شئتُم فأسْلِموهُ إلى عذابِ الله". فقال رجلٌ: عليَّ دينُه، فقَضاه (2). قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين". (قال الحافظ عبد العظيم): رووه كلهم عن الشعبي عن سمعان -وهو ابن مُشَنَّج- عن سمرة. وقال البخاري في "تاريخه الكبير": "لا نعلم لسمعان سماعاً من سمرة، ولا للشعبي سماعاً من سمعان" (3).   (1) يعني الرجل كما توضحه الزيادة الآتية. (2) وزاد أحمد (5/ 20): "قال: لقد رأيت أهله ومن يتحزن له قضوا عنه حتى ما جاء أحد يطلبه بشيء". وكذا رواه البيهقي (6/ 49) إلا أنَّه قال: (يتحرون أمره). ولعله أرجح، وقد رجعت للتأكد إلى "مصنف عبد الرزاق" (8/ 291 - 292)، لأنَّ البيهقي وأحمد أخرجاه من طريقه فإذا بي أفاجأ بأنَّ المتن قد استدركه محققه الشيخ الأعظمي من "أبي داود" لأنه فقد من أصله، ولقد كان من الواجب عليه أنْ يستدركه من البيهقي أو أحمد لاختلاف سياق الحديث عندهما عن سياقه عند أبي داود، وعن غير عبد الرزاق، وسياقه كما في الكتاب. (3) قلت: قد رواه الحاكم وغيره عن الشعبي عن سمرة. دون ذكر سمعان. وصرح الشعبي بالسماع من سمرة عند الطيالسي (رقم 891)، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، فصح الحديث والحمد لله، وانتفى إعلال البخاري إياه بالانقطاع، وقلده المعلقون الثلاثة، فضعفوا الحديث به! وله شاهد ذكرته في "أحكام الجنائز" (ص 26 - المعارف). ثم خرَّجت الحديث في "الصحيحة" (3414). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 1811 - (15) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "نفسُ المؤمنِ معلَّقةٌ بدَيْنِه حتّى يُقضى عنه". رواه أحمد والترمذي وقال: "حديث حسن". وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال: "نَفسُ المؤمِنِ مُعلَّقةٌ ما كانَ عليه دَيْنٌ". والحاكم وقال: "صحيح على شرط الشيخين". 1812 - (16) [حسن] وعنْ جابرٍ رضي الله عنه قال: تُوُفِّيَ رجلٌ، فغَسلْناهُ وكفَّنَّاهُ وحنَّطْناهُ، ثم أَتَيْنا به رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيصلِّيَ عليه، فقلنا: تصلِّي عليه. فخطَا خُطْوَةً ثم قال: "أعليه دَيْنٌ؟ ". قلنا: دِيناران. فانْصَرف، فتَحمَّلَها أبو قَتادَةَ، فأتيْناهُ، فقال أبو قَتادَةَ: الديناران عليَّ. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد أوفِيَ حقُّ الغريمِ، وبَرئ منْهُما الميِّت؟ ". قال: نعم. فصلَّى عليه ثمَّ قال بعدَ ذلك بيومٍ: "ما فعلَ الديناران؟ ". قلتُ: إنَّما ماتَ أَمسِ! قال: فعاد إليه مِنَ الغَدِ؛ فقال: قد قضَيْتُهما. فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الآنَ قد بَردَتْ جِلْدَتُهُ". رواه أحمد بإسناد حسن، والحاكم والدارقطني، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ورواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه"، باختصار. الحديث: 1811 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 [صحيح] (قال الحافظ): "قد صح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه كان لا يصلي على المدين، ثم نسخ ذلك". 1813 - (17) [صحيح] فروى مسلم وغيره (1) من حديث أبي هريرة وغيره: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يُؤتَى بالرجلِ المِّيتِ عليه الدَّيْنُ، فيسأَلُ: "هل تَركَ لدَيْنِه قَضاءً؟ "، فإنْ حُدِّث أنَّه تركَ وفاءً صلَّى عليه، وإلاّ قال: "صلُّوا على صاحِبِكُم"، فلمَّا فتَحَ الله عليه الفُتوحَ قال: "أنا أوْلى بِالمؤمِنينَ مِنْ أنفُسِهِم، فَمَنْ تُوُفِّيَ وعليه دَيْنٌ؛ فعَليّ قَضاؤه، ومَنْ ترَك مالاً؛ فهو لِوَرَثَتِه".   (1) قلت: ورواه البخاري أيضاً، فإغفاله، ليس بجيد، فلا عجب أنْ غقل عنه الغافلون الثلاثة! انظر تخريجه من "أحكام الجنائز" (ص 111 - 112). الحديث: 1813 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 16 - (الترهيب من مطل الغني، والترغيب في إرضاء صاحب الدَّيْن). 1814 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَطْلُ الغَنِّي ظُلمٌ، وإذا أُتْبعَ أحدكم على مَلِيءٍ فليُتْبَع". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. (أُتبع) بضم الهمزة وسكون التاء أي: أحيل. قال الخطابي: "وأهل الحديث يقولون: اتّبع بتشديد التاء، وهو خطأ". 1815 - (2) [صحيح] وعن عمرو بن الشريد عن أبيه رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لَيُّ الواجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وعقوبَتَهُ". رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (لَي الواجِدِ) بفتح اللام وتشديد الياء أي: مطل الواجد الذي هو قادر على وفاء دينه. (يحل عرضه) أي: يبيح أنْ يذكر بسوء المعاملة. و (عقوبته): حبسه. 1816 - (3) [صحيح لغيره] وروي عن خولة بنت قيس، امرأة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما قدَّسَ اللهُ أمةً لا يأخذ ضعيفُها الحقَّ من قويِّها غير مُتَعْتَعٍ". . . . . . . . . . . . . . . رواه الطبراني في "الكبير". الحديث: 1814 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 وعنها في رواية: "لا قَدَّسَ اللهُ أمةً لا يأخذُ ضعيفُها حقَّه من شدِيدها ولا يتعتعه". . . . . . . . . . . . . . . . . . رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" من رواية حبان بن علي، واختُلف في توثيقه. 1817 - (4) [حسن] ورواه بنحوه الإمام أحمد من حديث عائشة بإسناد جيد قوي (1). (تَعْتَعَه) بتاءين مثناتين فوق وعينين مهملتين؛ أي: أقلقه وأتعبه بكثرة ترداده إليه ومطله إياه. 1818 - (5) [صحيح] وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا قُدِّستْ أُمَّةٌ لا يُعطى الضعيفُ فيها حقَّه غير مُتَعْتَعٍ". رواه أبو يعلى، ورواته رواة "الصحيح". [صحيح] ورواه ابن ماجه بقصة، ولفظه قال: جاء أعرابيٌ إلى النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتَقاضاه ديْناً كان عليه، فاشْتَدً عليهِ حتَّى قال: أُحَرِّجُ عليكَ إلا قَضَيتَني. فانْتَهرَهُ أصْحابُه، فقالوا: ويْحكَ! تَدْري مَنْ تُكَلِّمُ؟ فقال: إنِّي أطلُبُ حقِّي. فقال النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هلا معَ صاحِبِ الحقِّ كنتُم؟ ". ثمَّ أرسلَ إلى خَوْلةَ بنتِ قيْسٍ فقالَ لها: "إنْ كان عندكِ تَمْرٌ فأقْرِضينا حتى يأتِينا تمرٌ فنقْضيَكِ".   (1) قلت: نعم، لكنَّها قصة أخرى، وليس فيها الشطر الثاني من تلك، وفيها قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أولئك خيار عباد الله عند الله يوم القيامة: المُوفُون المطيِّبون". وهي مخرجة في "الصحيحة" (2677). الحديث: 1817 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 فقالتْ: نعَم، بأبي أنتَ وأمي يا رسولَ الله! فأَقْرَضَتْه، فقَضى الأعرابيَّ وأطْعَمَهُ. فقال: أوْفَيْتَ أوْفَى الله لكَ. فقال: "أولئكَ خِيارُ الناسِ؛ إنَّه لا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لا يأخذُ الضعيفُ فيها حقَّه غير مُتَعْتَعٍ". ورواه البزار من حديث عائشة مختصراً (1). 1819 - (6) [صحيح لغيره] والطبراني من حديث ابن مسعودٍ بإسناد جيد (2)   (1) قلت: هو عند البزار (2/ 105 - كشف الأستار) مثل رواية أحمد التي أشرتُ إليها آنفاً، فلا فائدة من توزيع التخريج والحديث واحد. (2) قلت: رواه مختصراً جداً في قصة أخرى فيها الجملة الأخيرة بلفظ "فَلِمَ بعثني الله إذن، إنَّ الله لا يقدس. ." الحديث، وفي إسناده انقطاع بينته في "الضعيفة" (6647). الحديث: 1819 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 17 - (الترغيب في كلمات يقولهن المديون والمهموم والمكروب والمأسور). 1820 - (1) [حسن] عن علي رضي الله عنه: أنَّ مكاتَباً جاءَه فقال: إنِّي قد عجزت عنْ مكاتَبَتي فأعِنِّي. قال: ألا أُعلِّمكَ كلماتٍ علَّمَنيهنّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لوْ كان عليكَ مثلُ جَبلِ (صبير) (1) دَيناً أدَّاه الله عنكَ؟ قلْ: (اللهُمَّ اكْفِني بِحَلالِكَ عَنْ حَرامِكَ، وأغْنني بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ). رواه الترمذي واللفظ له وقال: "حديث حسن غريب". والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1821 - (2) [حسن] وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذٍ: "ألا أُعلِّمُك دعاءً تدْعو به لو كانَ عليكَ مثلُ جَبلِ أُحُدٍ ديْناً لأدَّاهُ الله عنكَ؟ قلْ يا معاذُ: (اللهمَّ مالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشاءُ، وتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، وتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ، وتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ، بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ على كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. رَحمنَ الدنيا والآخِرة ورحيمَهما، تُعْطِيهما مَنْ تشاءُ، وتَمْنَعُ منهما مَنْ تشاء، ارْحَمْني رَحْمةً تُغنْيني بها عنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ) ". رواه الطبراني في "الصغير" بإسناد جيد.   (1) هو بالصاد المهملة: اسم جبل باليمن. قاله في "النهاية". قلت: وفي "زوائد المسند" (1/ 153): (صير) بحذف الباء الموحدة، وكذا في "معجم البلدان". الحديث: 1820 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 1822 - (3) [صحيح] وعن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما أصابَ أحداً قطُّ همُّ ولا حَزَنٌ فقال: (اللهمَّ إنَّي عبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أَمتِكَ، ناصيَتي بيدك، ماضٍ فيَّ حُكمُكَ، عَدلٌ فيَّ قَضاؤكَ، أسْأُلكَ بكلِّ اسْم هُوَ لكَ سمَّيْتَ به نفسَك، أوْ أَنْزلتَهُ في كتابِكَ، أو علَّمْتَهُ أحداً مِنْ خلقِكَ، أوِ اسْتَاْثرتَ بِه في علْمِ الغيْبِ عندَك، أنْ تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلْبي، ونور صدْري، وجَلاء حُزْني، وذَهابَ همِّي). إلاَّ أذْهبَ الله عزَّ وجلَّ همَّهُ، وأبدَلَهُ مكانَ حُزنِهِ فَرَحاً". قالوا: يا رسولَ الله! ينبغي لنا أنْ نَتَعلَّم هؤلاء الكلِماتِ؟ قال: "أجلْ! ينبغي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أنْ يَتَعلَّمهُنَّ". رواه أحمد والبزار وأبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم؛ كلهم عن أبي سلمة الجهني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود. وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم إنْ سلم من إرسال عبد الرحمن عن أبيه". (قال الحافظ): "لم يَسْلَمْ (1)، وأبو سلمة الجهني يأتي ذكره". 1823 - (4) [حسن] وعن أبي بكرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كلماتُ المكْروبِ: (اللهمَّ رحمتَكَ أرجو، فلا تَكِلْني إلى نفسي طرْفَةَ عيْنٍ، وأصلِحْ لي شأني كلَّهُ) ".   (1) قلت: قد أثبت سماعه منه جماعة من الأئمة منهم البخاري، والمثبت مقدم على النافي، وقد حضر وفاة أبيه واستوصاه. وأما أبو سلمة الجهني فهو موسى بن عبد الله الجهني، وهو ثقة من رجال مسلم؛ وقد خفي اسمه وحاله على جمع كما حققته في تحقيق الكلام عليه في هذا الحديث في "الصحيحة" (199)، فراجعه فإنَّه هام. الحديث: 1822 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 رواه الطبراني (1)، وابن حبان في "صحيحه"، وزاد في آخره: "لا إله إلا أنت". 1824 - (5) [صحيح] وعن أسماءَ بنتِ عُميْسٍ رضي الله عنها قالتْ: قال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أعلِّمُكِ كلماتٍ تقولينَهُنَّ عند الكربِ أو في كرْبٍ؟ (اللهُ؛ اللهُ ربّي، لا أشرِكُ به شيئاً) ". رواه أبو داود -واللفظ له- والنسائي وابن ماجه. (2) 1825 - (6) [صحيح] وعنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول عندَ الكرْبِ: "لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ (3)، لا إله إلا الله ربُّ العرشِ العظيمِ، لا إله لا الله ربُّ السمواتِ والأرضِ وربُّ العرشِ الكريمُ". رواه البخاري ومسلم. (4)   (1) قلت: عزوه إليه يشعر أنّه لم يروه أحد من أصحاب السنن، وليس كذلك، فقد أخرجه أبو داود في "سننه - الأدب" في الحديث (5090)، ولذلك خفي على المقلدين الثلاثة! (2) انظر تخريجه وتحقيق الكلام على راويه (أبو طعمة) وأنَّه ثقة في "الصحيحة" (2755). (3) الأصل: "الحليم العظيم" على القلب، والتصويب من "الصحيحين"، والسياق لمسلم. (4) في الأصل هنا قوله: "والترمذي؛ إلا أنَّه قال في الأولى: "لا إله إلا الله العليُّ الحَليمُ". والنسائي وابن ماجه؛ إلا أنْه قال: "لا إله إلا الله الحليمُ الكريمُ، سبحانَ الله ربِّ العرشِ العظيمِ، سبحانَ الله ربِّ السماوات السبعِ وربِّ العرشِ الكريمِ"). قلت: وروايتهما فيها شذوذ عندي. الحديث: 1824 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 1826 - (7) [صحيح] وعن سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دعوةُ ذي النون إذْ دَعا وهو في بطنِ الحوتِ: (لا إله إلا أنتَ سبحانك إنِّي كنتُ مِنَ الظالمينَ)؛ فإِنَّه لَمْ يَدْعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيْءٍ قَطُّ، إلا اسْتَجابَ الله لَهُ". رواه الترمذي -واللفظ له- والنسائي، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". الحديث: 1826 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 18 - (الترهيب من اليمين الكاذبة الغموس). 1827 - (1) [صحيح] عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ حلفَ على مالِ امْرئٍ مسلمٍ بغيرِ حقِّهِ؛ لَقيَ الله وهو عليه غضبانُ". قال عبد الله: ثمَّ قرأ علينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مصداقَهُ مِنْ كتابِ الله عزَّ وجلَّ: " {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إلى آخر الآية". زاد في رواية بمعناه قال: فَدخلَ الأشْعَثُ بن قيسٍ الكِنْديِّ فقال: ما يحدّثكُم أبو عبدِ الرحمنِ؟ فقلنا: كذا وكذا. قال: صدَق أبو عبدِ الرحمن؛ كان بيني وبينَ رجلٍ خصومَةٌ في بئرٍ؛ فاخْتَصَمْنا إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "شاهِداك أو يمينُه". قلتُ: إذاً يَحلفُ ولا يبالي. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ حلَف على يمينِ صبرٍ يَقْتَطعُ بها مالَ امْرئٍ مسلم هو فيها فاجِرٌ؛ لَقيَ الله وهو عليه غضبانُ. ونَزَلَتْ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إلى آخر الآية". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه مختصراً. 1828 - (2) [صحيح] وعن وائل بن حُجر رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ مِنْ (حَضْرَمَوْتَ) ورجلٌ مِنْ كِندَةَ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال الحَضْرَمِيُّ: يا رسولَ الله! إنَّ هذا قد غَلبني على أرضٍ كانتْ لأَبي. فقال الكِنديُّ: هيَ أرْضي في يدي، أزْرَعُها، ليسَ له فيها حقٌّ. فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحديث: 1827 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 لِلْحَضْرَميّ: "ألَك بيِّنَةٌ؟ ". قال: لا قال: "فلَك يَمينُه". قال: يا رسولَ الله! إنَّ الرجلَ فاجرٌ لا يُبالي على ما حلَفَ علَيْه، وليسَ يَتَوَّرَعُ عنْ شَيْءٍ، فقال: "ليسَ لكَ مِنْهُ إلا يَمينُه". فانْطلَق لِيَحْلِفَ (1) فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمَّا أَدْبَرَ: "لَئنْ حلفَ على مالٍ لِيَاْكُلَهُ ظُلْماً؛ لَيَلْقَيَنَّ الله وهو عنه مُعْرِضٌ". رواه مسلم وأبو داود والترمذي. 1829 - (3) [صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: اخْتَصَم رجلانِ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أرضٍ أحدُهما مِنْ حَضْرمَوْتَ، قال: فجَعلَ يمينَ أحَدِهِما، فضجَّ الآخَرُ وقال (2): إذاً يَذْهَبُ بأرضي. فقال: "إنْ هُو اقْتَطَعها بيمينِه ظُلْماً، كانَ مِمَّن لا ينظُر الله إليه يومَ القيامَة، ولا يزكِّيهِ، ولهُ عذابٌ أَليمٌ". قال: وورِعَ الآخرُ فرَدَّها. رواه أحمد بإسناد حسن (3)، وأبو يعلى والبزار، والطبراني في "الكبير".   (1) فيه دليل على أنَّ اليمين إنما كانت في عهده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند منبره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولولا ذلك لم يكن لانطلاقه في مجلسه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإدباره عنه معنى. أفاده الخطابي، وتأتي في آخر الباب أحاديث تؤكد ذلك مع إشارة المؤلف إلى كلام الخطابي هذا. (2) قلت: كذا الأصل تبعاً لأصله "المسند"، وفي "المجمع" (4/ 178): "يحلف"، ولعله الصواب، ولفظ البزار (1359): فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمدعى عليه: "أتحلف بالله الذي لا إله إلا هو؟ "، فقال المدعي: يا رسول الله! ليس لي إلا يمينه؟ ولفظ أبي يعلى (4/ 1748) نحوه. (3) وكذا قال الهيثمي (4/ 178)، وقلدهما المقلدون الثلاثة، وهو خلاف تسامحهما الذي عُرفا به، فإنَّ حق إسناده أنْ يصحح؛ لأنَّ رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير (ثابت بن الحجاج)، وقد وثقه ابن سعد وأبو داود وابن حبان، وغيرهم. الحديث: 1829 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 1830 - (4) [صحيح] ورواه أحمد أيضاً بنحوه من حديث عدي بن عميرة؛ إلا أنَّه قال: خاصَمَ رَجلٌ مِنْ كِنْدَةَ -يقال له: امْرُؤ القَيْسِ ابن عابسٍ- رجُلاً مِنْ حَضْرَمَوْت، فذكره. ورواته ثقات. (قال الحافظ) عبد العظيم: "وقد وردت هذه القصة من غير ما وجه، وفيما ذكرناه كفاية". (وَرِعَ) بكسر الراء أي: تحرَّج الإثم، وكفَّ عما هو قاصده. ويحتمل أنَّه بفتح الراء أي: جبن، وهو بمعنى ضمها أيضاً، والأول أظهر. 1831 - (5) [صحيح] وعن عبدِ الله بن عَمْرِو بنِ العاصي رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الكبائرُ: الإشْراكُ بالله، وعقوقُ الوالِدَيْنِ، واليمينُ الغَموسُ". وفي رواية: أن أعْرابيَّاً جاء إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَ: يا رسولَ الله! ما الكبائرُ؟ قال: "الإشْراكُ بالله". قال: ثمَّ ماذا؟ قال: "اليمينُ الغَموسُ". قلتُ: وما اليمينُ الغَموسُ؟ قال: "الذي يَقْتَطعُ مالَ امْرئٍ مسلم -يعني- بيمينٍ هوَ فيها كاذِبٌ". رواه البخاري والترمذي والنسائي. (قال الحافظ): "سُمِّيتِ اليمينُ الكاذبةُ التي يحْلِفُها الإنسانُ متَعَمِّداً يقْتَطعُ بها مالَ امْرئٍ مسلمٍ عالماً أنَّ الأمْرَ بخلافِ ما يَحْلِفُ: (غَموساً) -بفتح الغين المعجمة-؛ لأنَّها تَغْمِسُ الحالِفَ في الإثْمِ في الدنيا، وفي النارِ في الآخرة". الحديث: 1830 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 1832 - (6) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مِنْ أكبرِ الكبائرِ؛ الإشْراكُ بالله، وعقوقُ الوالدَيْنِ، واليمينُ الغَموسُ، والَّذي نفسي بِيَدِهِ لا يحْلِفُ رجلٌ على مثلِ جَناحِ بعوضَةٍ؛ إلاَّ كانَتْ نُكْتَةً (1) في قلْبِهِ يومَ القِيامَةِ". رواه الترمذي وحسنه، والطبراني في "الأوسط"، وابن حبان في "صحيحه" -واللفظ له-، والبيهقي؛ إلا أنَّه قال فيه: "وما حلَف حالِفٌ بالله يمينَ صَبْرٍ، فأدْخَل فيها مثلَ جناحِ البَعوضَةِ؛ إلاَّ كانَتْ نُكْتةً في قلْبِه يومَ القِيامَةِ". وقال الترمذي في حديثه: "وما حَلفَ حالِفٌ بالله يمينَ صَبْرٍ، فأدْخَل فيها مثلَ جناحِ بَعوضَةٍ؛ إلاَّ جُعِلَتْ نُكْتَةٌ في قلْبِه [إلى] (2) يومِ القِيامَةِ". 1833 - (7) [صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: كنَّا نَعدُّ مِنَ الذنبِ الذي ليسَ له كفَّارةٌ؛ اليمينَ الغموسَ. قيل: وما اليمينُ الغَموسُ؟ قال: الرجلُ يقْتَطعُ بيمينهِ مالَ الرجُلِ.   (1) الأصل: (كية)، وكذلك في "الإحسان" بطبعتيه، والتصحيح من "الموارد" (1191) وكل المصادر الأخرى، وهو مخرج في "الصحيحة" (3364). ولم يتنبه لها مدعو التحقيق الثلاثة، كعادتهم! (2) سقطت من الأصل، واستدركتها من "الترمذي" (2/ 169) و"المسند" أيضاً (3/ 495)، وبها ينجلي الفرق بينها وبين رواية البيهقي، وهذه عند الحاكم أيضاً بلفظ: "جعلها الله نكتة في قلبه يوم القيامة". وصححها، ووافقه الذهبي، ولعل لفظ الترمذي أرجح لأنَّه يشهد له حديث عبد الله بن ثعلبة الآتي بعد خمسة أحاديث. الحديث: 1832 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". 1834 - (8) [صحيح] وعن الحارث بن البَرْصَاءِ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحج بين الجمرتين وهو يقول: "مَنِ اقْتَطَع مالَ أخيهِ بيمينٍ فاجِرَةٍ؛ فلْيتَبوَّأْ مقْعَدَهُ مِنَ النارِ. لِيُبْلغْ شاهِدُكُم غائِبَكُمْ -مرتين أو ثلاثاً-". رواه أحمد، والحاكم وصححه، واللفظ له، وهو أتم. ورواه الطبراني في "الكبير"، وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أَنَّهُما قالا: "فَلْيتبوَّأْ بيتاً في النارِ". 1835 - (9) [حسن لغيره] وعن عبد الرحمن بن عوفٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اليمينُ الفاجِرَةُ تُذهِبُ المالَ -أوْ تَذهبُ بِالمالِ-". رواه البزار، وإسناده صحيح لو صح سماع أبي سلمة من أبيه عبد الرحمن بن عوف. 1836 - (10) [حسن لغيره] ورُوِيَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليسَ مِمَّا عُصِيَ الله به هو أعْجَلُ عِقاباً مِنَ البَغْي، وما مِنْ شَيْءٍ أُطِيعَ اللهُ فيه أسْرَعُ ثَواباً مِنَ الصلَةِ، واليمينُ الفاجِرَةُ تَدعُ الدِيارُ بلاقعَ". رواه البيهقي. 1836/ 2 - (11) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ لقي الله لا يشرك به شيئاً، وأدى زكاة ماله طيبة بها نفسه محتسباً، وسمعَ وأطاع؛ فله الجنةُ -أو دخَلَ الجنةَ-. وخمس ليسَ لهُن كفارةٌ: الشركُ بالله، وقَتْلُ النفسِ بغير حقٍّ، وبَهْتُ مؤمنٍ، والفرار مِنَ الزَّحفِ، ويمينٌ صابرة يقْتَطعُ بها مالاً بغير حَقٍّ". (1)   (1) لقد تم تدارك هذا الحديث هنا بعد تمام إعداد الكتاب؛ لذا اضطررنا لإعطائه رقماً مكرراً. الحديث: 1834 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 رواه أحمد، وفيه بقية، ولم يصرح بالسماع. [مضى 12 - الجهاد/ 11]. 1837 - (12) [صحيح] وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ حلَف على يمينٍ مَصْبورَةٍ كاذبَةٍ؛ فلْيتبوّأْ مقْعدَهُ مِنَ النارِ". رواه أبو داود والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". (قال الخطابي): "اليمينُ المصْبورَةُ: هي اللازمة لصاحبها من جهة الحكم، فيصبر من أجلها إلى أن يحبس، وهي يمين الصبر، وأصل الصبر الحبس، ومنه قولهم: قُتل فلان صبراً، أي: حبساً على القتل، وقهراً عليه" (1). 1838 - (13) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بْنِ ثَعْلبَة: أنَّهُ أتى عبدَ الرحمن بنَ كعْبٍ بنِ مالكٍ وهو في إزارٍ جَرْدٍ (2)، فطاف خلف البيت (3)، قدِ التَبَبَ بِه، وهو أعْمى يُقادُ. قال: فسلَّمتُ عليه فقال: هلْ سمعتَ أباك (4) يحدِّث بحديثٍ؟ قلتُ: لا أدري. قال: سمعتُ أباك يقولُ: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنِ اقْتَطَع مالَ امْرِئٍ مسلمٍ بيمينٍ كاذبَةٍ، كانتْ نُكْتَةً سوْداءَ في قلْبِه لا يُغيِّرها شيءٌ إلى يومِ القِيامَةِ".   (1) "معالم السنن" (4/ 355). (2) الأصل: "خز"، والتصحيح من "المستدرك" (4/ 294)، وقد اختصر المؤلف منه شيئاً من أوله، قال الناجي: وهو بفتح الجيم وتسكين الراء: أي متجرد. (3) الأصل: "ذي طاق خلق"، والظاهر أنه خطأ من بعض النساخ، والتصحيح من "المستدرك"، وهو مخرج في "الصحيحة" (3364)، ولم يتنبه له المعلقون الثلاثة أيضاً! (4) يعني ثعلبة بن أبي صُعير. قال الدارقطني: "لثعلبة صحبة، ولابنه عبد الله رؤية"، وقد اختلفوا في اسمه اختلافاً كثيراً، وله حديث آخر في "السنن"، وهو في "صحيح أبي داود" برقم (1434). الحديث: 1837 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1839 - (14) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنّ الله جلَّ ذكْرُه أَذِنَ لي أَنْ أُحَدِّثَ عنْ دِيكٍ قد مَرَقَتْ رجلاهُ الأرضَ، وعُنقُه مَثْنيٌّ تَحْتَ العرْشِ وهو يقول: سبْحانَك ما أعْظَمك ربَّنا. فيردُّ عليه: ما علِمَ ذلِكَ مَنْ حَلَف بي كاذِباً". رواه الطبراني (1) بإسناد صحيح، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1840 - (15) [صحيح لغيره] وعن جابر بن عتيكٍ رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنِ اقْتَطَعَ مالَ امْرِئٍ مسلمٍ بيمينِه؛ حرَّمَ الله عليه الجنَّةَ، وأوْجَبَ لهُ النارَ". قيلَ: يا رسولَ الله! وإنْ كان شيْئاً يسيراً؟ قال: "وإنْ كان سِواكاً". رواه الطبراني في "الكبير" واللفظ له، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1841 - (16) [صحيح] وعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنِ اقْتَطَع حقَّ امْرئٍ مسلمٍ بيمينهِ؛ فقد أوْجَبَ الله لهُ النارَ، وحرَّم عليه الجنَّةَ".   (1) أي: في "الأوسط"، وكذلك قيده به في "المجمع" (4/ 180 - 181)، فإطلاق المؤلف غير جيد، واللفظ له. الحديث: 1839 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 قالوا: وإنْ كان شيْئاً يسيراً يا رسولَ الله؟ فقال: "وإنْ كان قضيباً مِنْ أَراكٍ". رواه مسلم والنسائي وابن ماجه. [صحيح] ورواه مالك؛ إلا أنَّه كرر: "وإنْ كانَ قضيباً مِنْ أَراكٍ -ثلاثاً-". 1842 - (17) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يحْلِفُ عندَ هذا المِنْبَرِ عبدٌ ولا أَمَةٌ على يمينٍ آثِمةٍ ولوْ على سِواكٍ رَطْبٍ؛ إلا وَجَبَتْ له النارُ". رواه ابن ماجه بإسناد صحيح. 1843 - (18) [صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ حلَفَ على يمينٍ آثمَةٍ عند منْبَري هذا؛ فلْيَتَبوَّأْ مقْعَدهُ مِنَ النارِ، ولو على سِواكٍ أخْضَر". رواه ابن ماجه واللفظ له، وابن حبان في "صحيحه"، لم يذكر السواك. (قال الحافظ): "كانتِ اليمينُ على عهدِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عندَ المنبر. ذَكَر ذلك أبو عبَيْدٍ والخطَّابيُّ، واسْتَشْهَد بحديثِ أبي هريرة المتقدم. والله أعلم". الحديث: 1842 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 19 - (الترهيب من الربا). 1844 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اجْتَنِبوا السبْعَ الموِبقَاتِ". قالوا: يا رسول الله! وما هُنَّ؟ قال: "الشركُ بالله، والسحرُ، وقتلُ النْفسِ التي حرَّمَ الله إلا بالْحقِّ، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليَتيمِ، والتَوَلِّي يومَ الزحْفِ، وقذْفُ المحصَناتِ الغافِلاتِ المؤمِناتِ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. [مضى 12 - الجهاد/ 11]. (الموبقات): المهلكات. 1845 - (2) [صحيح] وعن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رأيتُ الليْلةَ رجلَيْنِ أتياني فأخْرَجاني إلى أرضٍ مقدَّسَةٍ، فانطلَقْنا حتى أتَيْنا على نهرٍ مِنْ دمٍ فيه رجلٌ قائمٌ، (1) وعلى شطِّ النهرِ رجلٌ بينَ يديْه حجارَةٌ، فأقبلَ الرجلُ الَّذي في النهرِ، فإذا أرادَ أنْ يخرُجَ رمَى الرجلُ بحَجرٍ في فيهِ فردَّه حيثُ كانَ، فجعلَ كلَّما جاءَ لِيْخرجَ رَمى في فيهِ بحجرٍ، فيرجعُ كما كانَ. فقلتُ: ما هذا الذي رأيتُهُ في النهرِ؟ قال: "آكِلُ الرِّبا". رواه البخاري هكذا في "البيوع" مختصراً، وتقدم في "ترك الصلاة" مطولاً [5 - الصلاة/ 40].   (1) وفي رواية "في النهر رجل سابح يسبح"، وهذه أوضح، وقد مضت في المكان الذي أشار إليه المؤلف. الحديث: 1844 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 1846 - (3) [صحيح] وعنِ ابْنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: لعَنَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آكلَ الربا، وموكِلَهُ. رواه مسلم والنسائي. ورواه أبو داود والترمذي وصححه، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلهم من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ولم يسمع منه (1)، وزادوا فيه: "وشاهِدَيْهِ وكاتِبَهُ". 1847 - (4) [صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لَعنَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آكِلَ الرِّبا، وموكِلَهُ، وكاتِبَهُ، وشاهِدَيْهِ، وقال: "همْ سَواءٌ". رواه مسلم وغيره. 1848 - (5) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الكبائرُ سبعٌ: أوَّلُهُنَّ الإشْراكُ باللهِ، وقتلُ النفْسِ بغير حقِّها، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليتيمِ، وفرارُ يوْمِ الزحْفِ، وقَذْفُ المحصَنَاتِ، والانْتِقالُ إلى الأَعْرابِ بعْدَ هِجْرَتِهِ". رواه البزار من رواية عمرو بن أبي سَلَمَة، ولا بأس به في المتابعات. [مضى 12/ 11]. 1849 - (6) [صحيح] وعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه قال: لَعنَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الواشمَةَ والمسْتَوْشِمَة، وآكلَ الربا، وموكِلَهُ، ونهى عن ثَمنِ الكلْبِ، وكسْبِ البَغيِّ، ولعَنَ المصوِّرينَ. رواه البخاري وأبو داود.   (1) قلت: بل سمع منه على الراجح كما تقدم، فانظر التعليق على حديث ابن مسعود في (16 - البيوع/ 17)، و"الإرواء" (5/ 184 - 185). الحديث: 1846 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 (قال الحافظ): "واسم أبي حجيفة وهب بن عبد الله السُّوائي". 1850 - (7) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: آكِلُ الرِبا، وموكِلُه، وشاهداهُ، وكاتباهُ إذا عَلمِوا به، والواشِمَةُ، والمسْتَوْشِمَة للحُسْنِ، ولاوي الصدقَةِ، والمرتَدَّ أعرابِيّاً بعدَ الهِجْرَةِ؛ ملْعونونَ على لسانِ محمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه أحمد وأبو يعلى، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، وزادا في آخره: "يومَ القيامَةِ". (قال الحافظ): "رووه كلهم عن الحارث -وهو الأعور- عن ابن مسعود؛ إلا ابن خزيمة، فإنَّه رواه عن مسروق عن عبد الله بن مسعود. 1851 - (8) [صحيح لغيره] وعن عبد الله -يعني ابن مسعود- رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الرِّبا ثلاثٌ وسبعونَ باباً؛ أيْسَرُها مثلُ أنْ ينكحَ الرجلُ أُمَّهُ". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم". ورواه البيهقي من طريق الحاكم ثم قال: "هذا إسناد صحيح، والمتن منكر بهذا الإسناد، (1) ولا أعلمه إلا وهماً، وكأنَّه دخل لبعض رواته إسناد في إسناد". (1)   (1) قلت: من جهل المعلقين الثلاثة وقلة فهمهم قولهم معلقين على قول البيهقي هذا: "وأنكر الإسناد"! والصواب أنْ يقال: "صحح الإسناد، وأنكر المتن" كما هو ظاهر. والحديث عندي صحيح على الأقل لغيره، لكثرة شواهده، وهي مخرجة في "الصحيحة" (1871)، وللحديث عندهما تتمة بلفظ: "وإنَّ أربى الربا عرض الرجل المسلم". الحديث: 1850 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 1852 - (9) [صحيح] وعنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الربا (1) بِضْعٌ وسبعونَ باباً، والشركُ مثلُ ذلِكَ". رواه البزار، ورواته رواة "الصحيح"، وهو عند ابن ماجه بإسناد صحيح باختصار: "والشرك مثل ذلك". 1853 - (10) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الربا سبعونَ باباً؛ أدْناها كالذي يَقعُ على أُمِّهِ". رواه البيهقي بإسناد لا بأس به، ثم قال: "غريب بهذا الإسناد، وإنما يعرف بعبد الله بن زياد عن عكرمة يعني ابن عمار. قال: وعبد الله بن زياد هذا منكر الحديث". (2) 1854 - (11) [صحيح موقوف] وروى أحمد بإسناد جيد عن كعب الأحبار قال: لأَنْ أَزْنِيَ ثَلاثاً وثلاثينَ زَنْيَةً؛ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ آكُلَ دِرْهَمَ رِباً يعلَمُ الله أنِّي أكلْتُه حينَ أكَلْتُه رِباً.   (1) بالباء الموحدة من (الربى)، ووقع في "كشف الأستار" (64/ 91): (الرياء) بالمثناة التحتية، وهو خطأ مطبعي اغتر به الجهلة الثلاثة فنقلوه كما هو مخالفين الثابت في الكتاب وغيره مثل "مُسند البزار" أصل "الكشف"، فهو في "المسند" (15/ 318/ 1935). ولو كان عندهم شيء من العلم والفقه لعرفوا أن الشطر الثاني من الحديث يدل على الخطأ، لأنَّ (الرياء) شرك كما تقدم في "الترهيب من الرياء" في أول الكتاب، فلا يستقيم المعنى حينئذ، لأنه يصير كما لو قيل: "الشرك بضع. . والشرك مثل ذلك"، ثم زادوا في الطين بلة فقالوا عقبه: "ورواه ابن ماجه (2275) باختصار: والشرك مثل ذلك"، فأوهموا أن الحديث بالياء عند ابن ماجه أيضاً، وهذا مما يدل على أنهم لا يحسنون التعبير والكتابة أيضاً. والله المستعان. (2) لم يفهم هذا الكلام المعلقون الجهلة فقالوا (2/ 618): "في إسناد البيهقي (5520) عبد الله بن زياد منكر الحديث. . "، وليس هذا في إسناد البيهقي، وإنما هو إعلال منه لإسناده الذي الذي ساق طرفه عقب الذي استغربه، كما هو ظاهر. الحديث: 1852 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 1855 - (12) [صحيح] وعن عبد الله بن حنظلة -غسيل الملائكة- رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "درهمُ رِباً يأكلُه الرجلُ وهو يعلَمُ؛ أشدُّ مِنْ ستَّةٍ وثلاثينَ زنيَةً". رواه أحمد والطبراني في "الكبير"، ورجال أحمد رجال "الصحيح". (قال الحافظ): "حنظلة والد عبد الله لُقّب بغسيل الملائكة؛ لأنَّه كان يوم أحدٍ جنباً، وقد غسل أحد شقي رأسه، فلما سمع الهَيْعَةَ خرج فاستشهد، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لقد رأيتُ الملائِكةَ تَغْسِلُه". (1) 1856 - (13) [صحيح لغيره] وروي عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: خَطبنَا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكر أمْرَ الربا وعظَّم شأنَهُ وقال: "إنَّ الدرْهَم يصيبُه الرجلُ مِنَ الرِّبا؛ أعْظَمُ عند الله في الخطيئةِ مِنْ ستٍّ وثلاثينَ زَنْيَةً يَزْنيها الرجلُ، إنَّ أرْبى الربا عِرْضُ الرجلِ المسْلِمِ". رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "ذم الغيبة"، والبيهقي. (2) 1857 - (14) [صحيح لغيره] وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الربا اثْنانِ وسبعون باباً، أدْناها مثلُ إتْيانِ الرجُلِ أُمَّهُ، وإنَّ أربى الربا اسْتِطالَةُ الرجلِ في عِرْضِ أخيهِ". رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية عمر بن راشد، وقد وُثّق.   (1) قلت: وهو حديث صحيح مخرَّج في "الإرواء" (3/ 167/ 713). (2) لقد ضعف المعلقون الثلاثة هذا الحديث الصحيح اغتراراً منهم بتصدير المؤلف إياه بقوله: "رُوي"، وبإعلال البيهقي لإسناده بأحد رواته، وجهلوا قاعدة تقوية الحديث بكثرة الطرق، فالشطر الأول منه يشهد له أحاديث الباب، وقد حسنوا هم الحديث الذي قبله كما تقدم، والشطر الثاني منه له شواهد حسنوا هم أيضاً بعضها برقمهم (3713 و4165) كما سيأتي في (22/ 19)، فكيف يستقيم التضعيف مع ثبوت شطريه لو كانوا يعلمون ويعقلون ما يكتبون؟! الحديث: 1855 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 1858 - (15) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الربا سبعونَ حُوباً؛ أيْسَرُها أنْ يَنْكِحَ الرجلُ أُمَّهُ". رواه ابن ماجه والبيهقي؛ كلاهما عن أبي معشر -وقد وثق- عن سعيد المقبري عنه. ورواه ابن أبي الدنيا عن عبد الله بن سعيد -وهو واه- عن أبيه عن أبي هريرة. وتقدم بنحوه. (الحوب) بضم الحاء المهملة وفتحها: هو الإثم. 1859 - (16) [حسن لغيره] عنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: نهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ تُشْتَرى الثمَرةُ حتى تُطْعَمَ. وقال: "إذا ظهر الزنا والربا في قرَيةٍ؛ فقد أحَلُّوا بأنفُسِهِمْ عذابَ الله". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1860 - (17) [حسن لغيره] وعنِ ابن مسعودٍ رضي الله عنه ذكرَ حديثاً عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال فيه: "ما ظَهر في قومٍ الزنا والربا؛ إلا أَحَلُّوا بأنفُسِهِمْ عذابَ الله". رواه أبو يعلى بإسناد جيد. (1)   (1) كذا قال، وتبعه الهيثمي، وفي إسناده (8/ 396/ 4981) شريك القاضي، وبه أعلَّه المعلق عليه، لكنَّه وهم وهماً فاحشاً قلَّده عليه الثلاثة الجهلة، فقال: "لكنَّه لم ينفرد به، بل تابعه عليه أكثر من ثقة، كما يتبين من مصادر التخريج". ثم أفاض في ذكر التابعين وتخريجهم! ووجه الوهم أنَّ أبا يعلى ساق بإسناده المذكور عن ابن مسعود قوله: "لُعن أكلُ الربا ومُوكله، وشاهداه وكاتبه" المتقدم أول الباب، ثم قال أبو يعلى: "وقال: "ما ظهر. . " الحديث". قلت: فهما حديثان بإسناد واحد، وقد أشار إلى هذا المؤلف بقوله: ". . ذكر حديثاً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال فيه: "ما ظهر. .". فالتخريج الذي أفاض فيه إنما هو للحديث الأول منهما فقط، وأما هذا الآخر، فلم يذكر له متابعاً ولو ضعيفاً! ويغلب على ظني أنَّ هؤلاء المقلدة لم يقرؤوا تخريج الرجل، وإنما أخذوا منه ما يسودون به السطور، وإلا فإنَّهم لو فعلوا لما قلدوه، بل ما سرقوه منه! لأنَّ ذلك = الحديث: 1858 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 1861 - (18) [صحيح لغيره] وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "بيَن يَدَي الساعةِ يظهرُ الربا والزنا والخمرُ". رواه الطبراني، ورواته رواة "الصحيح". 1862 - (19) [حسن لغيره] وروي عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إياك والذنوبَ التي لا تغفَرُ؛ الغُلولُ، فمن غَلّ شيئاً؛ أتى به يوم القيامة، وأَكْلُ الربا، فمن أكل الربا؛ بُعث يوم القيامة مجنوناً يَتَخَبَّط، ثم قرأ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} ". رواه الطبراني. 1863 - (20) [صحيح] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عنِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما أحَدٌ أكثَرَ مِنَ الربا؛ إلا كان عاقِبة أمْرِه إلى قلَّةٍ". رواه ابن ماجه، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد". وفي لفظ له قال: "الربا وإنْ كَثَّر، فإنَّ عاقِبَتَه إلى قِلٍّ". وقال فيه أيضاً: "صحيح الإسناد". 1864 - (21) [حسن لغيره] وروي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "والَّذي نفْسي بيَدِه لَيبيتَنَّ أُناسٌ مِنْ أمَّتي على أَشَرٍ وبَطَرٍ، ولَعِبٍ ولَهْوٍ، فيُصبِحوا قِردةً وخنازيرَ باسْتِحْلالِهمُ المحارِمَ، واتِّخاذِهِمُ القَيْنَاتِ، وشُربهمُ الخمرَ، وأكْلِهمُ الرِبا، ولُبْسِهمُ الحريرَ". رواه عبد الله بن الإمام أحمد في "زوائده".   = واضح كالشمس لا يحتاج إلى العلم الذي نفتقده منهم! ومن جهلهم أنَّهم حسنوه مع تضعيفهم لشريك! وكان عليهم أنْ يصححوه على وهمهم! وأنا إنما حسنته للشاهد الذي قبله عن ابن عباس، فتنبه. الحديث: 1861 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 20 - (الترهيب من غصب الأرض وغيرها). 1865 - (1) [صحيح] عن عائشه رضي الله عنها؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ ظَلم قِيْدَ شبرٍ مِنَ الأرْضِ؛ طُوِّقَه مِنْ سَبعِ أرَضينَ". رواه البخاري ومسلم. 1866 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه [عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (1) قال: "مَنْ أَخَذَ مِنَ الأرضِ شِبْراً بغيرِ حَقِّهِ طُوِّقَهُ مِنْ سبعِ أرَضِينَ". رواه أحمد بإسنادين (2) أحدهما صحيح، ومسلم؛ إلا أنَّه قال: "لا يأْخُذ أحدٌ شبراً مِن الأرضِ بغير حقِّهِ؛ إلا طَوَّقَهُ الله إلى سبعِ أَرَضين يومَ القيامَةِ". قوله: "طوقه من سبع أرضين" قيل: أراد طوق التكليف لا طوق التقليد. وهو أنْ يطوق حملها يوم القيامة. وقيل: إنَّه أراد أنه يخسف به الأرض فتصير البقعة المغصوبة في عنقه كالطوق. قال البغوي: "وهذا أصح". 1867 - (3) [صحيح] ثم روى [يعني البغوي] بإسناده عن سالم عن أبيه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أَخَذ مِنَ الأرضِ شِبْراً بغيرِ حقِّهِ؛ خُسِفَ به يومَ القِيامَةِ إلى سبعِ أرَضِينَ".   (1) سقطت من الأصل، واستدركتها من "المسند" و"مسلم" (5/ 58 - 59). (2) قلت: بل بثلاثة (2/ 387، 388 و432)، وأوسطها على شرط مسلم؛ وبه أخرجه في "صحيحه". الحديث: 1865 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 وهذا الحديث رواه البخاري وغيره. 1868 - (4) [صحيح] وعن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أيُّما رجلٍ ظَلَم شِبْراً مِنَ الأرضِ؛ كَلَّفهُ الله عزَّ وجلَّ أنْ يحفِرَهُ حتى يبلُغَ به سبْعَ أرَضينَ، ثم يُطَوِّقه يومَ القيامَةِ حتى يُقْضى بينَ الناسِ". رواه أحمد والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، وفي رواية لأحمد والطبراني عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ أخَذ أرضاً بغير حقِّها؛ كُلِّفَ أنْ يَحْمِلَ تُرابهَا إلى المَحْشَرِ". 1869 - (5) [حسن صحيح] وعن أبي مالكٍ الأشعري (1) رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أعْظَمُ الغُلولِ عندَ الله عزَّ وجلَّ ذِراعٌ مِنَ الأرضِ، تجدون الرجلين جارَيْنِ في الأرضِ أو في الدارِ، فيقتطعُ أحَدُهُما مِنْ حَظِّ صاحِبهِ ذِراعاً، إذا اقْتَطَعَهُ؛ طُوِّقَهُ مِنْ سبعِ أرَضِينَ". رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني في "الكبير". 1870 - (6) [صحيح] وعن وائل بن حجر (2) رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) هكذا وقع في ترجمة أبي مالك الأشعري من "المسند" (5/ 341 و344) من طريق زهير بن محمد وشريك، كلاهما عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عطاء عنه. ثم أورده في ترجمة أبي مالك الأشجعي (4/ 140) من طريق زهير وحده قال: "عن أبي مالك الأشجعي". وخفيت الرواية الأولى على الحافظ الناجي (167/ 1)، مع أن الهيثمي قد ذكرها مع الأخرى (4/ 175)، وصحح ابن الأثير في "أسد الغابة" (5/ 288) الأولى، وذكر شريك متابعين عليها، وقال: "وزهير كثير الخطأ". وحديث شريك أخرجه ابن أبي شيبة أيضاً (6/ 567/ 2060)، وحسَّن إسناده الحافظ في "الفتح" (5/ 105). (2) الأصل: "عبد الله"، وهو خطأ يبدو أنه من المؤلف رحمه الله، والصواب: "وائل"، وهو ابن حجر، لأنه في "المعجم الكبير" للطبراني (22/ 18/ 25) من طريق علقمة بن وائل عن أبيه. وكذلك ذكره على الصواب الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"، وكذلك الحافظ السيوطي في "الجامع الكبير".= الحديث: 1868 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 "من غصبَ رجلاً أرضاً ظلماً؛ لقيَ اللهَ وهو عليه غضبان". رواه الطبراني من رواية يحيى بن عبد الحميد الحمَّاني. 1871 - (7) [صحيح] وعن أبي حميدٍ الساعدي رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يَحِلُّ لمسْلمٍ أنْ يأخُذَ عَصا [أخيه] بغيرِ طيبِ نفسٍ منهُ". قال ذلك لِشدَّةِ ما حرَّمَ الله (1) مِنْ مالِ المسلمِ على المسلمِ. رواه ابن حبان في "صحيحه". (قال الحافظ): "وسيأتي في "باب الظلم" إنْ شاء الله تعالى". (2)   = ثم إن غَمْزَ المؤلف بأنه من رواية الحماني فيه ذهول عن أنَّه متابَع من (محمد بن عيسى الطباع) في نفس رواية الطبراني. وتبعه فيه الهيثمي، وقلدهما في كل ذلك المعلقون الثلاثة كما هي العادة! وقد أودعت بيان ذلك كله وتحقيقه في "الصحيحة" (3365). (1) وكذا رواه أحمد (5/ 425). وفي رواية له صحيحة: "رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". (2) ظاهر العبارة أنَّه يعني الحديث نفسه، ولم يُعدْه هناك، فلعل الصواب "باب في الظلم" كما في بعض النسخ، فانظر (20 - القضاء/ 5). الحديث: 1871 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 21 - (الترهيب من البناء فوق الحاجة تفاخراً وتكاثراً). 1872 - (1) [صحيح] عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن عندَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذاتَ يومٍ إذْ طلعَ علينا رجلٌ شديدُ بيَاضِ الثيابِ، شديدُ سوادِ الشَّعْرِ، لا يُرى عليه أثَرُ السَفرِ، ولا يَعرِفُه منَّا أحدٌ، حتَّى جَلَس إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلى رُكْبَتَيْهِ، ووَضَع كَفَّيهِ على فخِذَيْهِ، وقال: يا محمَّد! أخْبِرْني عنِ الإسْلامِ؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الإسلامُ أنْ تَشْهدَ أن لا إله إلا الله، وأن محمَّداً رسولُ الله، وتقيمَ الصلاةَ، وتؤتي الزكاةَ، وتصومَ رمضانَ، وتحجَّ البيتَ إنِ اسْتَطَعْتَ إليه سبيلاً". قال: صدقْتَ، فَعجِبْنَا له يسْأَلُهُ ويُصَدِّقُهُ. قال: فأَخْبِرْني عنِ الإيمانِ؟ قال: "أنْ تُؤمِنَ بالله وملائِكتِهِ وكتُبِهِ ورسُلهِ واليوم الآخِرِ، وتُؤمِنَ بالقَدرِ خيرِه وشرِّه". قال: صدَقْتَ قال: فأخْبِرْني عنِ الإحْسانِ؟ قال: "أنْ تعبُدَ الله كأنَّك تراهُ، فإنْ لَمْ تكن ترَاه، فإنَّهُ يراكَ". قال: فأخْبِرْني عنِ الساعةِ؟ قال: "ما المسْؤولُ عنها بأعْلَمَ مِنَ السائِلِ". قال: فأخْبرْني عن أَماراتِها؟ قال: الحديث: 1872 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 "أنْ تَلِدَ الأَمَةُ (1) ربَّتَها، وأنْ ترى الحُفاةَ العُراةَ العالَة رِعاءَ الشاءِ يتطاوَلونَ في البنيانِ". قال: ثمَّ انْطَلق، فلَبِثْتُ مَلِيّاً. ثم قال: "يا عمر! أتَدْري مَنِ السائل؟ ". قلتُ: الله ورسولُهُ أعْلَمُ. قال: "فإنَّه جبريلُ أتاكُم يعلِّمُكُم دينَكُم". رواه البخاري (2) ومسلم وغيرهما. 1873 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سلوني". فهابوا أنْ يَسْأَلوه، فجاءَ رجلٌ فجلسَ عند ركبَتيْهِ؛ فقال: يا رسول الله! ما الإسْلام؟ قال: "لا تُشْرِكُ باللهِ شيئاً، وتقيمُ الصلاةَ، وتُؤتي الزكاةَ، وتصومُ رمضانَ". قال: صدَقْتَ. قال: يا رسولَ الله! ما الإيمانُ؟ قال: "أنْ تؤمِنَ بالله وملائكتِهِ وكتابه [ولقائه] ورسُلِهِ، وتؤمنَ بالبَعْثِ الآخِرِ، وتؤمنَ بالقدَر كلِّهِ". قال: صدَقْتَ.   (1) وفي رواية أبي هريرة الآتية: "المرأة"، وهذا يشمل الحرة والعبدة، وقد اختلفوا في المراد على أقوال حكاها الحافظ، ومال إلى أن المعنى: أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة أمته من الإهانة والسب والضرب والاستخدام، فأطلق عليه (ربها) مجازاً لذلك، أو المراد بـ (الرب): المربي، فيكون حقيقة. (2) قال الناجي (168/ 1): "ذِكر البخاري هنا وهم بلا شك؛ فإنَّه من أفراد مسلم عنه". وانظر تعليقنا المتقدم على الحديث (4 - الطهارة/ 7). الحديث: 1873 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 قال: يا رسولَ الله! ما الإحسانُ؟ قال: "أنْ تخشى الله، كأنَّك تراه، فإنَّك إنْ لا تكنْ تراه، فإنَّه يراك". قال: صدقتَ. قال: يا رسولَ الله! متى تقومُ الساعَةُ؟ قال: "ما المسؤولُ عنها بأعْلَمَ مِنَ السائلِ، وسأحَدِّثُكَ عَنْ أشْراطِها؛ إذا رأيْتَ المرْأَةَ تَلِدُ رَبَّها فذاكَ مِنْ أشراطِها، وإذا رأيتَ الحُفاةَ العُراةَ الصُّمَّ البُكْمَ ملوكَ الأرضِ، فذاكَ مِنْ أشْراطِها، وإذا رأيتَ رُعاءَ البَهْمِ (1) يتطاوَلُونَ في البُنيانِ فذاك مِنْ أشراطها" الحديث. رواه البخاري ومسلم، واللفظ له (2). وهذا الحديث له دلالات كثيرة، ولم نذكره إلا في هذا المكان حسبما اتفق في الإملاء. 1874 - (3) [حسن صحيح] وعن أنس رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج يوماً ونحن معه، فرأى قبةً مشرفةً، فقال: "ما هذه؟ ". قال أصحابُه: هذه لفلان -رجلٌ من الأنصار-، فسكتَ وحملها في نفسِهِ، حتى إذا جاءَ صاحبُها رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسلَّمَ عليه في الناسِ، فأعرضَ عنه، صنعَ ذلك مراراً، حتى عرفَ الرجلُ الغضبَ فيه، والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه، فقال: والله إنِّي لأنكرُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قالوا: خرج فرأى قبتَكَ، فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرضِ، فخرج   (1) جمع (بهمة) وهي ولد الضأن؛ الذكر والأنثى، وجمع (البهم): بهام كما في "النهاية". (2) قلت: وزاد في آخره: "هذا جبريل أراد أن تعلَّموا إذْ لم تسألوا". وما بين المعكوفتين زيادة منه، ولم يستدركها الثلاثة المعلقون المحققون زعموا! الحديث: 1874 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم، فلم يرَها، قال: "ما فعلتِ القبةُ؟ ". قالوا: شكا إلينا صاحبُها إعراضَكَ عنه فأخبرناه، فهدمها، فقال: "أمَا إنَّ كلَّ بناءٍ وبالٌ على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا". رواه أبو داود -واللفظ له-، وابن ماجه أخصر منه، ولفظه: قال: مرَّ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقُبةٍ على باب رجل من الأنصار فقال: "ما هذه؟ ". قالوا: قبةٌ بناها فلان، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلُّ ما كال هكذا فهو وبالٌ على صاحبه يوم القيامةِ". فبلغ الانصاريَّ ذلك، فوضعها، فمرَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بعدُ فلم يرَها، فسأل عنها، فأُخبرَ أنَّه وضعها لما بَلَغَه، فقال: "يرحمُه الله، يرحمُه الله". [صحيح لغيره] ورواه الطبراني بإسناد جيد (1) مختصراً أيضاً: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرَّ ببنيةِ قبةٍ لرجل من الأنصار، فقال: "ما هذه؟ ". قالوا: قبة. فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلُّ بناءٍ -وأشار بيده على رأسه- أكثرُ من هذا؛ فهو وبالٌ على صاحِبِه يوم القيامةِ". قوله: "إلا ما لا" أي: إلا ما لا بدَّ للإنسان منه مما يستره من الحر والبرد والسباع، ونحو ذلك.   (1) انظر الكلام على الحديث وطرقه في "الصحيحة" (ج 6/ 794 - 799). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 1875 - (4) [صحيح] وعن حارثة بن مضرب قال: أتَيْنا خَبَاباً نعودُه، وقد اكْتوى سبعَ كَيَّاتٍ. فقال: لقد تطاوَل مَرضي، ولولا أنيَّ سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "لا تَتَمنَّوا الموتَ" لتَمنَّيْتُ. وقال: "يؤجَرُ الرجلُ في نَفَقتِه كلِّها؛ إلا الترابَ -أو قال: في البناءِ-". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح" (1). 1876 - (5) [حسن لغيره] وعن الحسن قال: لمَّا بنَى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسجدَ قال: "ابْنوهُ عَريشاً كعريشِ مُوسى". قيل للحسن: وما عريش موسى؟ قال: إذا رفع يده بلغ العريش يعني السقف. رواه ابن أبي الدنيا مرسلاً وفيه نظر. (2)   (1) لقد أبعد المصنف النجعة، فالحديث رواه البخاري أيضاً (كتاب المرضى وغيره)، وفي "الأدب المفرد" (447 و454 و455) إلا أنَّه صرح بأنَّ القائل: "يؤجر. . ." إنما هو خباب نفسه فهذا القدر منه موقوف، لكنه في حكم المرفوع، وقد جاء مرفوعاً من طرق ثلاث عند الطبراني في "الكبير" (4/ 64 و74 و82) وكلها ضعيفة، وأوهاها طريق عمر بن إسماعيل بن مجالد عن أبيه، ولم يذكر الحافظ في "الفتح" سواها! وسقط اسم (إسماعيل) من نقل الشيخ عبد الصمد في تعليقه على "التحفة"، فأوهم سلامتها مِن الوهن الشديد! (2) قلت: وقد جاء موصولاً، فانظر "الصحيحة" (616) إنْ شئت. الحديث: 1875 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 22 - (الترهيب من منع الأجير أجره، والأمر بتعجيل إعطائه). 1877 - (1) [صحيح لغيره] وعنِ ابْنِ عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أعْطوا الأَجيرَ أجرَهُ قبلَ أنْ يجِفَّ عرَقُه". رواه ابن ماجه من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقد وثق؛ قال ابن عدي: "أحاديثه حِسان، وهو ممن احتمله الناس وصدقه بعضهم، وهو ممن يكتب حديثه" انتهى. وبقية رواته ثقات، ووهب بن سعيد بن عطية السلمي اسمه عبد الوهاب؛ وثقه ابن حبان وغيره. (1) 1878 - (2) [صحيح لغيره] وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أعطوا الأجيرَ أجْرَهُ قبلَ أنْ يَجِفَّ عَرقُهُ". رواه أبو يعلى وغيره. 1879 - (3) [صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الأوسط" من حديث جابر. وبالجملة فهذا المتن مع غرابته يكتسب بكثرة طرقه قوة. والله أعلم.   (1) قلت: من جهل المعلقين الثلاثة أنَّهم حسنوه مستشهدين له بحديث أبي هريرة المذكور في الأصل أول الباب بلفظ: "ثلاثة أنا خصمهم. . "، وفيه: "ورجل استأجر أجيراً ولم يعطه أجره"! وشتان ما بينهما كما هو بين، مع أنَّه مِن حصة الكتاب الآخر!! وإنَّ من تمام جهلهم أنَّهم ضعفوا الحديثين اللذين بعد هذا، ومتن الأحاديث الثلاثة واحد!!! وقد خرجت الحديث تخريجاً علمياً مبسطاً في "الإرواء" (5/ 320 - 324)، وبينت أنَّ له إسناداً صحيحاً عن أبي هريرة من غير رواية أبي يعلى، وآخر بإسناد مرسل حسن، فمن شاء التوسع رجع إليه. الحديث: 1877 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 23 - (ترغيب المملوك في أداء حق الله تعالى وحق مواليه). 1880 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ العبدَ إذا نَصَح لِسَيِّدِه، وأحْسنَ عِبادَة الله؛ فلَهُ أجرُه مرَّتينِ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود. 1881 - (2) [صحيح] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المَمْلُوكُ الَّذي يُحسِنُ عبادَةَ ربِّه، ويؤَدِّي إلى سيِّدهِ الذي عليه مِنَ الحَقِّ والنصيحَةِ والطاعَةِ؛ له أجْرانِ". رواه البخاري. 1882 - (3) [صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثَةٌ لهم أجْرانِ: رجلٌ منْ أهلِ الكِتابِ آمنَ بنبيِّهِ وآمَنَ بمحمدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والعبدُ المَمْلوكُ إذا أدَّى حق الله وحقَّ مَواليه، ورجل كانَتْ له أَمَةٌ، فأَدَّبها فأحْسَن تأديبَها، وعلَّمهَا فأحسَنَ تعْليمَها، ثُمَّ أعْتَقها فتَزوَّجَها؛ فلَهُ أجْرانِ". رواه البخاري ومسلم. [صحيح] والترمذي وحسنه، ولفظه: قال: "ثلاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أجرَهُم مرَّتيْنِ: عبدٌ أدَّى حقَّ الله وحقَّ مواليهِ؛ فذاكَ يُؤْتى أجرَه مرَّتينِ، ورَجلٌ كانتْ عندَه جارِيَةٌ وَضيئة، فأدَّبها فأحْسنَ تأديبَها، ثمَّ أَعْتَقها، ثُمَ تزوَّجَها، يَبْتَغي بذلك وجْهَ الله؛ فذلِك يُؤْتى أجْرَه مرَّتيْنِ، ورجلٌ آمَن بالكِتابِ الأوَّلِ ثمَّ جاءَ الكتابُ الآخَرُ فآمَنَ بِه؛ فذلك يُؤتَى أجرَهُ مرَّتَيْنِ". الحديث: 1880 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 (الوضيئة) بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة ممدوداً: هي الحسناء الجميلة النظيفة. 1883 - (4) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "للْعَبْدِ المَمْلوكِ المُصْلِحِ أَجْرانِ". والَّذي نفْسُ أبي هريرة بيده (1) لولا الجهادُ في سبيلِ الله والحجُّ وبِرُّ أمي لأحَبْبتُ أنْ أموتَ وأنا مَمْلوكٌ. رواه البخاري ومسلم. 1884 - (5) [صحيح] عن أبي هريرة أيضاً؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "نِعِمّا لأحدِهمْ أنْ يطيعَ الله، وُيؤَدِّيَ حقَّ سيَّدِه. يعني المَملوكَ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح" (2).   (1) هذا لفظ مسلم، وكذا البخاري في "الأدب المفرد" (208)، ووقع في "صحيحه" مدرجاً في الحديث بلفظ: "والذي نفسي بيده، لولا. . ." إلخ؛ وهو وهم ظاهر، كما بينه الحافظ في "الفتح" (5/ 127) وتراه في "الصحيحة" (877)، فليراجعه من شاء. (2) قلت: وأخرجه البخاري أيضاً (2/ 124)، ومسلم (5/ 95) نحوه، وطريق البخاري طريق الترمذي. وجهل ذلك المعلقون الثلاثة فاقتصروا على قولهم: "حسن. رواه الترمذي (1985) ". الحديث: 1883 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 24 - (ترهيب العبد من الإباق من سيده). 1885 - (1) [صحيح] عن جرير رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيُّما عبدٍ أَبَقَ؛ فقد بَرِئَتْ منه الذِّمَّة". رواه مسلم. 1886 - (2) [صحيح] وعنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا أبَقَ العبدُ لَمْ تُقْبَلْ له صلاةٌ". وفي رواية: "فقد كَفَر حتى يَرْجعَ إلَيْهِمْ" (1). رواه مسلم. 1887 - (3) [صحيح] وعن فضالةَ بنِ عبيدٍ رضي الله عنه عَنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثَةٌ لا تَسْأَلْ عنهم: رجلٌ فارقَ الجماعَةَ وعَصى إمامَةُ [ومات عاصياً] (2)، وعبدٌ أبقَ مِنْ سيِّدِهِ فماتَ، وامْرأَةٌ غابَ عنها زوجُها وقد كفاها مَؤونةَ الدنيا فخَانَتْة بَعْدَه. وثلاثَة لا تَسألْ عَنْهم: رجلٌ نازَعَ الله رِداءَه؛ فإنَّ رداه الكِبْرُ، وإزارَهُ العزُّ، ورجلٌ في شكٍّ مِنْ أمْرِ الله، والقانِطُ منْ رَحْمَةِ الله". رواه ابن حبان في "صحيحه".   (1) قلت: هذا اللفظ موقوف في "مسلم"، لكنْ قال راويه منصور بن عبد الرحمن: "قد والله رُوي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكني أكره أن يروى عني ههنا بالبصرة". يعني أنَّها كانت ممتلئة يومئذ بأهل البدعة من الخوارج وغيرهم القائلين بتكفير أهل المعاصي وتخليدهم في النار كما في "شرح مسلم". قلت: وقلدهم في العصر الحاضر جماعات عدَّة، وسرت فتنتهم في كثير من البلاد بسبب الجهل بعقيدة السلف، وفيهم مع الأسف من ينتمي إلى العمل بالحديث، وقد لقيت كثيرين منهم وناقشتهم مرات ومرات، فهدى الله منهم جماعات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. (2) سقطت من الأصل، وهي في "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان"، وكذا في "الأدب المفرد" للبخاري، وكانت هذه الزيادة في الأصل بعد جملة العبد التالية، ولم يتنبه لذالك كله المعلقون الثلاثة، فأين التحقيق المزعوم؟!! الحديث: 1885 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 وروى الطبراني والحاكم شطره الأول، وعند الحاكم: "فتَبرَّجَتْ بعده" بدل "فخانته"، وقال في حديثه: "وأمة أو عبد أبق من سيده"، وقال: "صحيح على شرطهما، ولا أعلم له علة". 1888 - (4) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اثْنانِ لا تُجاوِزُ صلاتُهما رُؤوسَهما: عبدٌ أبَق مِنْ مَواليه حتى يرجعَ، وامْرأَةٌ عَصَتْ زوْجَها حتى تَرْجعَ". رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" بإسناد جيد، والحاكم. 1889 - (5) [حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثَةٌ لا تجاوِزُ صلاتُهم آذانَهم: العبدُ الآبِق؛ حتَّى يرجعَ، وامرأَةٌ باتَتْ وزوُجها عليها ساخِطٌ، وإمامُ قومٍ وهم له كارِهونَ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". [مضى 5 - الصلاة/ 28]. الحديث: 1888 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 25 - (الترغيب في العتق. والترهيب من اعتباد الحر أو بيعه). 1890 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيُّما رجلٍ أعْتقَ امْرأً مسلماً؛ اسْتَنْقَذ اللهُ بكلِّ عضوٍ منهُ عُضواً منه منَ النارِ". قال سعيدُ بنُ مرجانَة: فانْطَلقْتُ به إلى عليِّ بْنِ الحسين، فعَمد عليُّ بْنُ الحسينِ إلى عبد له قد أعطاهُ به عبدُ الله بنُ جعفر (1) فيه عشرةَ آلاتِ درهمٍ -أوْ ألفَ دينارٍ- فأعْتَقَهُ. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. [صحيح] وفي رواية لهما وللترمذي: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أعْتَقَ رقَبةً مسلمةً؛ أعتَق الله بكلِّ عضوٍ منهُ عضواً مِنَ النارِ حتى فرجَهُ بِفَرْجِهِ". 1891 - (2) [صحيح لغيره] وعن أبي أُمامَةَ وغيرهِ مِنْ أصحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أيّما امْرئٍ مسلمٍ أعْتق امْرأً مسلماً؛ كان فكاكَه مِنَ النارِ، يُجْزِئُ كلُّ عضوٍ منه عُضْواً منه. وأيُّما امْرِئٍ مسلمٍ أعْتَق امْرأَتَيْنِ مسْلِمَتَيْنِ كانتا فَكاكَهُ مِنَ النارِ، يُجزئُ كلُّ عضوٍ منهما عضواً منه. [وأيما امرأةٍ مسلمةٍ أعتقت امرأةً مسلمةُ؛ كانت فكاها من النار، يُجزئُ كل عضو منها عضواً منها] ". (2)   (1) الأصل: "أعطاه عبد الله بن جعفر فيه"، وعلى هامشه أنَّ في نسخة ما أثبتُّه في الأعلى. وهو الصواب لمطابقته لرواية البخاري والسياق له. (2) سقطت من الأصل، واستدركتها من "الترمذي" (1547)، وغفل عنها المعلقون الثلاثة كعادتهم! وهو مخرج في "الصحيحة" (2611). الحديث: 1890 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". 1892 - (3) [صحيح] ورواه ابن ماجه من حديث كعب بن مرة أو مرة بن كعب. ورواه أحمد وأبو داود بمعناه من حديث كعب بن مرة السلمي وزادا فيه: "وأيُّما امْرأَةٍ مسلمةٍ أعْتقَتِ امْرأَةً مسلمةً كانْت فَكاكها مِنَ النارِ، يُجْزئُ كلُّ عضْوٍ مِنْ أعضائها عُضْواً مِنْ أعْضائها". 1893 - (4) [صحيح لغيره] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أعتَق رقَبةً مؤمِنة فهي فَكاكُه مِنَ النارِ". رواه أحمد بإسناد صحيح -واللفظ له-، (1) وأبو داود والنسائي في حديث مرَّ في الرمي، وأبو يعلى والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، ولفظه: قال: "مَنْ أعْتَق رقبةً؛ فَكَّ الله بكلِّ عضوٍ مِنْ أعضائه عضْواً مِنْ أعضائه مِنَ النارِ". 1894 - (5) [صحيح] وعن شعبة الكوفي قال: كنا عند أبي بردة بن أبي موسى فقال: أيْ بَنِيَّ! ألا أُحِّدثُكُم حديثاً حدَّثني أبي عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: "من أعتقَ رقبةً؛ أعتقَ الله بكلِّ عضوٍ منها عضواً منه من النار". رواه أحمد، ورواته ثقات.   (1) قلت: فيه نظر، وإنْ تبعه الحاكم (2/ 211)، ووافقه الذهبي، فإنَّه من رواية قتادة عن قيس الجذامي، عن عقبة. فقد قالوا: "لم يلق قتادة من أصحاب النبي إلا أنساً وعبد الله بن سرجس". وعزوه لأبي داود والنسائي مُحيلاً على "الرمي" وهم آخر، فإنَّه هناك (12 - الجهاد/ 8) من حديث أبي نجيح عمرو بن عبسة! وهو الآتي هنا بعد ثلاثة أحاديث. الحديث: 1892 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 1895 - (6) [صحيح لغيره] (1) وعن مالك بن الحارث رضي الله عنه؛ أنه سمع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من ضم يتيماً بين أبوين مسلمَيْن إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه؛ وجبت له الجنة. . . .، ومن أعتقَ امرأً مسلماً؛ كان فكاكه من النار، يُجزئُ بكل عضوٍ منه عضواً منه". رواه أحمد من طريق علي بن زيد عن زرارة بن أبي أوفى عنه. 1896 - (7) [صحيح لغيره] وعن عبد الرحمن بن عوفٍ رضي الله عنه قال: سئلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ الليل أسْمعُ؟ قال: "جوفُ الليلِ الآخِرِ، ثم الصلاةُ مقبولَة حتى تصلّى الفجرُ (2)، ثم لا صلاةَ حتى تكونَ الشمسُ قيدَ رُمْحٍ أو رُمحينِ، ثم الصلاةُ مقبولَةٌ حتّى يقومَ الظِلُّ قيامَ الرمْحِ، ثم لا صلاةَ حتى تزولَ الشمس، [ثم الصلاة مقبولَة حتى تكونَ الشمسُ] قِيدَ رُمْحٍ أو رُمْحين (3)، ثم لا صلاةَ حتى تغيب الشمسُ". قال [ثم قال]: وأيُّما امْرِئٍ مسلمٍ أعْتَق امْرأً مُسلماً؛ فهو فَكاكُه مِنَ النار، يُجْزى بكلِّ عظْمٍ منه عَظماً منه،   (1) وقول المعلقين الثلاثة: "حسن بشواهده" غفلة منهم عن لفظة (البتة) المحذوفة هنا مكان النقاط، فإنه لا شاهد لها، وجنف منهم في سائره لأن له شواهد صحيحة في الباب هنا، وفي (22 - البر/ 4). (2) الأصل: "تطلع الشمس"، وهو خطأ فاحش غفل عنه المعلقون الثلاثة، مما يدل على جهلهم وقلة فقههم، فإنَّ الصلاة بعد الفجر غير مقبولة، على تفصيل معروف في كتب الفقه، ووقع في "المجمع" (4/ 243): "يطلع الفجر"، وهو خطأ أيضاً، والتصحيح من "المعجم الكبير" (1/ 94 - 95/ 279)، والزيادة التالية منه. وغفل عنها أيضاً المعلقون!! (3) هنا في الأصل: "ثم الصلاة مقبولة"، وهي زيادة لا معنى لها مع مخالفتها لـ "الطبراني" و"المجمع"، وأثبتها المعلقون الثلاثة في طبعتهم المحققة زعموا! الحديث: 1895 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 وأيُّما امْرأَةٍ مُسْلِمَةٍ أعْتَقتِ امْرأَةً مسلِمةً فهيَ فَكاكُها مِنَ النارِ، يُجزى بكلِّ عَظْمٍ منها عَظماً منها، وأيُّما امْرئٍ مسْلمٍ أعْتقَ امْرأَتينِ مُسْلِمتيْن فهما فَكاكُه مِنَ النارِ، يُجزى بكلِّ عَظمينِ مِنْ عِظامِهما عَظماً مِنْهُ". رواه الطبراني، ولا بأس برواته، إلا أنَّ أبا سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه. 1897 - (8) [صحيح] وعن أبي نجيح السلمي رضي الله عنه قال: حاصَرْنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطائف، وسمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أيُّما رجلٍ مسلمٍ أعْتَق رجُلاً مسلِماً، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ جاعِلٌ وقاءَ كلِّ عظمٍ مِنْ عِظامِه عَظماً مِنْ عظامِ محرِّرِه. وأيُّما امْرأةٍ مسلمةٍ أعْتقَتِ امْرأَةً مسلمةً؛ فإنَّ الله عزَّ وجلَّ جاعلٌ وِقاءَ كلِّ عظْمٍ مِنْ عظامِها عظْماً مِنْ عظامِ محرَّرتِها مِنَ النارِ". رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه". [صحيح] وفي رواية لأبي داود والنسائي: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ أعتقَ رقبةً مؤمِنةً؛ كانَتْ فِداءَه مِنَ النارِ". (قال الحافظ): "أبو نجيح هو عمرو بن عبسة". 1898 - (9) [صحيح] وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: جاء أعْرابيٌّ إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! علِّمني عمَلاً يُدخِلَني الجنَّةَ. قال: "إنْ كنتَ أقْصَرْتَ الخُطْبَة لقد أعْرَضْتَ المسْألَةَ، أَعْتِقِ النَّسمَةَ، وفُكَّ الرقَبةَ". قال: أليْسَتا واحِدَةً؟ قال: الحديث: 1897 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 "لا، عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تَفرَّدَ بعتقِها، وفكُّ الرَّقَبة أَنْ تُعطى في ثَمنِها، والمنْحَةُ الوكوفُ (1)، والفَيْءُ على ذي الرحِمِ القاطعِ (2)، فإنْ لَمْ تُطِقْ ذلِكَ فأطْعَمِ الجائعَ واسْقِ الظمْآنَ، وأْمُرْ بالمعروفِ، وانْهَ عَنِ المنكَرِ، فإنْ لَمْ تُطِقْ ذلك؛ فكُفَّ لِسانَك إلا عَنْ خَيْرٍ". رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه" -واللفظ له-، والبيهقي وغيره. [مضى 8 - الصدقات/ 17]. 1899 - (10) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "خمسٌ مَنْ عمِلَهُنَّ في يومٍ كَتَبهُ الله مِنْ أهلِ الجنَّةِ: مَنْ عاد مريضاً، وشهِدَ جنازةً، وصامَ يوماً، وراحَ إلى الجمُعَةِ، وأَعْتَق رَقَبةً". رواه ابن حبان في "صحيحه" [مضى 7 - الجمعة/ 1].   (1) هي الناقة غزيرة اللبن يُمنح لبنها للفقير. (2) أي العطف عليه، والرجوع إليه بالبر. الحديث: 1899 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 17 - كتاب النكاح وما يتعلق به. 1 - (الترغيب في غض البصر، والترهيب من إطلاقه، ومن الخلوة بالأجنبية ولمسها). 1900 - (1) [حسن لغيره] وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثَةٌ لا تَرى أعينُهم النارَ: عينٌ حرسَتْ في سبيلِ الله، وعينٌ بكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وعينٌ كَفَّتْ عن محارِمِ الله". رواه الطبراني، ورواته ثقات معروفون؛ إلا أنَّ أبا حبيب العنقري (1) -ويقال له: القنوي- لم أقف على حاله. [مضى 12 - الجهاد/ 2]. 1901 - (2) [صحيح لغيره] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اضْمَنوا لي سِتاً مِنْ أنفُسِكم أَضْمَنْ لكُم الجنَّةَ: اصدُقوا إذا حَدَّثْتُم، وأَوْفوا إذا وعَدْتُم، وأدُّوا الأَمانَة إذا ائْتُمِنْتُم، واحْفَظوا فُروجَكُم، وغُضُّوا أبصارَكُم، وكُفُّوا أيديَكُم". رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم؛ كلهم من رواية المطلب بن عبد الله ابن حنطب عنه، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". (قال الحافظ): "بل المطلب لم يسمع من عبادة. والله أعلم". 1902 - (3) [حسن لغيره] وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "يا عليّ! إن لك كنزاً في الجنة، وإنك ذو قرنيها، فلا تُتْبعِ النظرةَ النظرةَ، فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة". رواه أحمد.   (1) راجع له التحقيق حول نسبته تحت حديثه المتقدم (12 - الجهاد/ 2). الحديث: 1900 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 1903 - (4) [حسن لغيره] ورواه الترمذي وأبو داود من حديث بريدة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعلي: "يا عليُّ! لا تُتْبعِ النظرةَ النظْرةَ؛ فإنَّما لكَ الأولى، وليستْ لَكَ الآخِرةُ". وقال الترمذي: "حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث شريك". قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَليٍّ: "وإنَّكَ ذو قَرْنيها" أيْ: ذو قرنَيْ هذه الأمَّةِ، وذاك لأنَّه كان له شَجَّتانِ في قرنيْ رأسِه، أحدهُما مِن ابْنِ مُلجَمٍ لَعنهُ الله، والأخْرى مِنْ عمرو بْنِ وُدٍّ، وقيل: معناه إنَّك ذو قرنَي الجنَّةِ: أي ذو طرفيها ومليكها الممكن فيها، الذي تسلك جميع نواحيها كما سلك الإسكندر جميع نواحي الأرض شرقاً وغرباً، فسمي ذا القرنين على أحد الأقوال. وهذا قريب. وقيل غير ذلك. والله أعلم. 1904 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كُتِبَ على ابنِ آدمَ نصيبُه مِنَ الزنا؛ فهو مُدْرِكٌ ذلك لا مَحالَةْ، فالعينانِ زناهُما النظرُ، والأذُنانِ زناهُما الاسْتماعُ، واللِسانُ زناهُ الكَلامُ، واليدُ زِناها البطْشُ، (1) والرِّجلُ زِناها الخُطا، والقلْبُ يَهوى ويتَمنَّى، ويُصَدِّقُ ذلك الفَرْجُ أو يُكَذِّبُه". رواه مسلم والبخاري باختصار، وأبو داود والنسائي. وفي رواية لمسلم وأبي داود:   (1) أي: اللمس، وهو رواية لابن حبان وغيره، وهي مخرجة في "الصحيحة" (2804) من المجلد السادس، وقد طبع حديثاً، فالحديث يشمل مصافحة النساء من غير المحارم، وهو مما ابتلي به كثير من المسلمين، وفيهم بعض الخاصة، وربما أباحه بعضهم! انظر "الصحيحة" (1/ 1/ 448 - 449). الحديث: 1903 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 "واليدان تزنيان؛ فزناهما البطش، والرِّجلان تزنيان؛ فزناهما المشي، والفم يزني؛ فزناه القُبَلُ (1) ". 1905 - (6) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "العَينانِ تزْنيانِ، والرِّجْلانِ تَزْنيانِ، والفَرج يَزْني". رواه أحمد بإسناد صحيح، والبزار، وأبو يعلى. 1906 - (7) [صحيح] وعن جرير رضي الله عنه قال: سألتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنْ نَظَرِ الفَجْأَةِ؟ فقال: "اصرِفْ بصَركَ". رواه مسلم وأبو داود والترمذي. 1907 - (8) [صحيح موقوف] وعن عبد الله -يعني ابن مسعودٍ- رضي الله عنه قال:. . . (2) الإثْمُ حَوّاز القلوبِ، وما مِنْ نَظْرةٍ إلا وللِشيْطانِ فيها مَطْمَعٌ. رواه البيهقي وغيره، ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً، لكن قيل: أنَّ صوابه موقوف. (حوَّاز القلوب) بفتح الحاء المهملة وتشديد الواو، وهو ما يحوزها ويغلب عليها حتى ترتكب ما لا يحسن. وقيل: بتخفيف الواو وتشديد الزاي، جمع (حازَّة) وهي الأمور التي تحز في القلوب، وتحك وتؤثر وتتخالج في القلوب أنْ تكون معاصي، وهذا أشهر.   (1) جمع (قبلة) بالضم، وهي اللثمة، ووقع في الأصل: "القيل" بالمثناة من تحت! وهو خطأ، ثم إنني لم أرَ هذه الرواية عند مسلم، وقد أخرج الأولى في "القدر". (2) في الأصل مكان النقط: "قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -"، فحذفته لأنَّ الصواب فيه أنَّه موقوف؛ كما حققته في "الصحيحة" (2613). الحديث: 1905 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 1908 - (9) [صحيح] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إيَّاكمْ (1) والدخولَ على النساءِ". فقال رجلٌ مِنَ الأنصارِ: أفرأيتَ الحَمْوُ؟ (2) قال: "الحَمْوُ الموتُ". رواه البخاري ومسلم، والترمذي، ثم قال: "ومعنى كراهية الدخول على النساء على نحو ما رُوِيَ عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يخلُوَنَّ رجلٌ بامْرأَةٍ إلا كان ثالثَهما الشيطانُ" (3). [ومعنى قوله: (الحمو) يقال: أخو الزوج، كأنَّه كره أنْ يخلو بها] ". (الحَمُ) بفتح الحاء المهملة وتخفيف الميم، وبإثبات الواو أيضاً، وبالهمزة أيضاً، وهو أبو الزوج ومن أدلى به، كالأخ والعم وابن العم ونحوهم، وهو المراد هنا. كذا فسره الليث بن سعد وغيره. وأبو المرأة أيضاً ومن أدلى به. وقيل: بل هو قريب الزوج فقط. وقيل قريب   (1) الخطاب للأجانب ولو كانوا من الأقارب؛ ما لم يكونوا من المحارم لما يأتي بيانه. (2) هذا لفظه عند مخرجيه، وكان الأصل في الموضعين (الحم) بحذف الواو وتخفيف الميم، بوزن (أخ)، وهو لغة من خمس لغات ذكرها الحافظ في "الفتح" والمؤلف بعضها. (3) هذا قطعة من حديث لعمر رضي الله عنه مخرج في "الصحيحة" (1116)، ويشير الترمذي به إلى أنَّه كما أنَّ قوله فيه: "رجل" مطلق، وينبغي تقييده بغير المحرم جمعاً بينه وبين غيره، مما يدل على جواز خلوة الحرم معها كحديث ابن عباس الآتي، كذلك لابد من حمل (الحمو) على غير المحرم أيضاً جمعاً بينه وبين حديث ابن عباس ونحوه، مثل أحاديث نهي المرأة أنْ تسافر إلا مع محرم، فإنَّ السفر يستلزم الخلوة كما لا يخفى لا سيما وفي بعض الروايات "إلا ومعها أبوها أو أخوها. . ." كما سيأتي في (23 - الأدب/ 43). والزيادة التي بين المعكوفتين من الترمذي. فالصواب أنَّ الحديث إنما يعني أخ الزوج ونحوه من غير المحارم، لأنَّ الفتنة إنما تخشى عادة من أمثاله، أضف إلى ذلك أنَّ في حمل الحديث على المحارم حرجاً لا يطاق، وهو منفي بنص القرآن. فتأمل. الحديث: 1908 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 الزوجة فقط. قال أبو عبيد في معناه: يعني فليمت، ولا يفعلن ذلك. فإذا كان هذا رأيه في أب الزوج وهو محرم، فكيف بالغريب؟ انتهى. 1909 - (10) [صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يخْلُوَنَّ أحدُكم بِامْرأةٍ إلا مَعَ ذي مَحْرمٍ". رواه البخاري ومسلم. [صحيح لغيره] وتقدم في "أحاديث الحمام" [4 - الطهارة/ 5] حديث ابنِ عبَّاسٍ عن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه: "ومَنْ كان يؤمِنُ بالله واليومِ الآخر فلا يخْلُوَنَّ بامْرأةٍ ليسَ بينَهُ وبينها مَحْرَمٌ". رواه الطبراني. 1910 - (11) [حسن صحيح] وعن معقل بن يسارٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لأَنْ يُطعنَ في رأسِ أحدِكُم بِمخْيطٍ مِنْ حديدٍ؛ خيرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرأةً لا تَحِلُّ لَهُ". رواه الطبراني والبيهقي، ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح. (المِخْيَط) بكسر الميم وفتح الياء: هو ما يخاط به كالإبرة والمسلة ونحوه. الحديث: 1909 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 2 - (الترغيب في النكاح سيما بذات الدين الولود). 1911 - (1) [صحيح] عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا معشَر الشبابِ! مَنِ اسْتَطاع منْكُم البَاءَةَ فلْيَتزوَّجْ؛ فإنَّه أغضُّ للبَصَرِ وأحْصَنُ للِفرْجِ، ومَنْ لمْ يَسْتَطعْ فعليهِ بالصومِ؛ فإنَّه له وِجاءٌ" (1). رواه البخاري ومسلم -واللفظ لهما- وأبو داود والترمذي والنسائي. 1912 - (2) [صحيح] وعن عبدِ الله بنِ عَمْرِو بن العاص رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الدنيا متاعٌ، وخيرُ متاعِها المرأةُ الصالِحَةُ". رواه مسلم والنسائي. 1913 - (3) [صحيح لغيره] وعنْ ثوبان رضي الله عنه قال: لمّا نزَلَتْ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} قال: كنَّا معَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض أسْفارهِ، فقالَ بعضُ أصْحابِه: أُنْزِلَتْ في الذهبِ والفِضّةِ، لو علِمْنا أيُّ المالِ خيرٌ فَنَتَّخِذَه. فقال: "أفْضَلهُ لِسانٌ ذاكِرٌ، وقلْبٌ شاكِرٌ، وزوجَةٌ مؤمِنَةٌ تُعينُه على إيمانِه".   (1) قوله: "يا معشر" (المعشر): الطائفة التى يشملها وصف، كالنوع ونحوه، و (الشباب) كذلك بفتح الشين: جمع شاب، وتجيء مصدراً أيضاّ لكنْ ها هنا جمع. و (الباءة) بالمد: يطلق على الجماع والعقد، ويصح في الحديث كل منهما بتقدير المضاف: أي مؤنه وأسبابه، أو المراد هنا بلفظ (الباءة) المؤن والأسباب، إطلاقاً للاسم على ما يلازم مسماه. وقوله: (فليتزوج) أمر ندب عند الجمهور إلا إذا خاف على نفسه. وقوله: (فإنَّه) أي الصوم. وقوله: (له) أي للفرج، (وِجاء) بكسر الواو والمد، هو في الأصل أنْ تُرضَّ أنثيا الفحل رضاً شديداً، يذهب شهوة الجماع، وينزل في قطعه منزلة الخصي، أراد أنَّ الصوم يقطع النكاح كما يقطعه الوِجاء. والله أعلم. الحديث: 1911 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 رواه ابن ماجه والترمذي وقال: "حديث حسن، سألت محمد بن إسماعيل -يعني البخاري- فقلت له: سالم بن أبي الجعد سمعَ مِنْ ثوبانَ؟ فقال: لا". (1) 1914 - (4) [صحيح لغيره] وعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مِن سعادَةِ ابْنِ آدَم ثلاثَة، ومن شِقْوَةِ ابْنِ آدَم ثَلاثَةٌ: مِنْ سَعادَةِ ابْنِ آدَم المرأةُ الصالحةُ، والمسكنُ الصالحُ، والمركَبُ الصالحُ، ومِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَم المرأةُ السوءُ، والمسْكَنُ السوءُ، والمركَبُ السوءُ". [صحيح] رواه أحمد بإسناد صحيح والطبراني والبزار والحاكم وصححه؛ إلا أنَّه قال: "والمسكن الضيق". وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنَّه قال: "أربعٌ مِنَ السعادَةِ: المرأةُ الصالحةُ، والمسكنُ الواسعُ، والجارُ الصالحُ، والمركَبُ الهَنيءُ. وأرْبعٌ أمِنَ الشَّقاءِ: الجارُ السوءُ، والمرْأةُ السوءُ، والمركَبُ السوءُ، والمسكنُ الضيِّقُ". 1915 - (5) [حسن] وعن محمد بن سعد -يعني ابن أبي وقاص- عن أبيه أيضاً رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:   (1) قلت: ورجاله ثقات، فالإسناد صحيح لولا الانقطاع، لكنْ رواه أحمد (5/ 366) موصولاً من طريق أخرى مختصراً عن صحابي لم يُسمَّ، وسنده حسن، وله شاهد صحيح في "تفسير ابن كثير" (2/ 351)، وآخر في "المستدرك" (2/ 333). الحديث: 1914 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 "ثلاثٌ مِنَ السعادَةِ: المرأَةُ تَراها تُعْجِبكَ، وتَغيبُ عنها فَتأْمَنُها على نَفْسِها ومالِكَ، والدابَّةُ تكونُ وطيئَةً، فَتُلحِقُكَ بأصْحابِكَ، والدارُ تكونُ واسِعةً كثيرةَ المرافِقِ. وثلاثٌ مِنَ الشقَاءِ: المرأَةُ تراها فتسوؤك، وتحمِلُ لسانَها عليكَ، وإنْ غِبْتَ لمْ تأْمَنْها على نفْسِها ومالِكَ، والدابَّةُ تكونُ قَطوفاً، فإنْ ضربْتَها أتعَبَتْكَ، وإنْ تركتها لم تُلْحِقْكَ بِأصْحابِك، والدارُ تكونُ ضيِّقةً قليلةَ المرافِقِ". رواه الحاكم وقال: "تفرد به محمد بن بكير (يعني) الحضرمي (1)، فإنْ كان حفظه فإسناده على شرطهما". (قال الحافظ): "محمد هذا صدوق، وثقه غير واحد". 1916 - (6) [حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ رزَقهُ اللهُ امْرأةً صالحةً؛ فقد أعانَهُ على شَطْرِ دينِه، فلْيَتقَّ الله في الشطرِ الباقي". رواه الطبراني في "الأوسط"، والحاكم، ومن طريقه البيهقي، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". [حسن لغيره] وفي رواية للبيهقي: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا تَزوَّجَ العبدُ؛ فقدِ اسْتَكْمَل نِصْفَ الدِّينِ، فلْيتَّقِ الله في النصفِ الباقي".   (1) الأصل: "يعني ابن بكير الحضرمي"، وهو خطأ، لأنَّ (ابن بكير) ثابت في "المستدرك" دون (الحضرمي). الحديث: 1916 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 1917 - (7) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثَةٌ حقٌ على الله عوْنُهم: المجاهدُ في سبيلِ الله، والمكاتِبُ الذي يريدُ الأداءَ، والناكحُ الذي يريدُ العَفافَ". رواه الترمذي، واللفظ له، وقال: "حديث حسن صحيح". وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". [مضى 12/ 9]. 1918 - (8) [صحيح] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاءَ رهط (1) إلى بيوتِ أزواجِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يسألونَ عنْ عِبادَةِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلمَّا أُخبِروا؛ كأنَّهم تَقالُّوها (2)، فقالوا: وأينَ نحنُ مِنَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد غَفَر الله له ما تقدَّمَ مِنْ ذَنْبِه وما تَأخَّر؟ قال أحدُهُم: أمّا أنا فإنِّي أصلّي الليلَ أبَداً. وقال الآخَرُ: أنا أَصومُ الدهرَ ولا أُفطِرُ. وقال آخَرُ: وأنا أَعْتَزِلُ النساءَ فلا أتزوَّجُ أبداً. فجاء رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهم؛ فقال: "أنتمُ القومُ الَّذينَ قلْتُم كذا وكذا؟! أما والله إنِّي لأَخْشاكُم لله (3)، وأتْقاكُم له، ولكنِّي (4) أصومُ وأُفْطِرُ، وأصَلِّي وأرْقُدُ، وأتَزوَّجُ النساءَ، فمنْ   (1) هو من ثلاثة إلى عشرة. (2) بتشديد اللام المضمومة: أي عَدُّوها قليلة، وأصله (تقاللوا) فأُدغمت اللام في اللام لاجتماع المثلين. (3) هذا رد لما بنوا عليه أمرهم من أنَّ المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة بخلاف غيره، فأعلمهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه مع كونه لا يشدد في العبادة غاية الشدة، أخشى لله وأتقى من الذين يشددون. (4) استدراك من شيء محذوف تقديره: أنا وأنتم بالنسبة إلى العبودية سواء، لكنْ أنا أصوم إلخ. الحديث: 1917 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 رَغِبَ عَنْ سُنَّتي فليسَ مِنِّي" (1). رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم وغيرهما. 1919 - (9) [حسن] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تُنْكَحُ المرأَةُ على إحْدى خِصالٍ: لجمالِها، ومالِها، وخُلُقِها، ودينِها، فعليكَ بذاتِ الدينِ والخُلُقِ تَرِبَتْ يمينُك". رواه أحمد بإسناد صحيح، والبزار، وأبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه". 1920 - (10) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تُنْكَحُ المرأةُ لأَربعٍ: لِمالِها، ولِحَسبِها، ولِجَمالِها، ولدينِها (2)، فاظْفَرْ (3) بذاتِ الدِّينِ تَرِيَتْ يداكً" (4). رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. (تَرِبَتْ يداك) كلمة معناها الحث والتحريض، وقيل: هي هنا دعاء عليه بالفقر. وقيل: بكثرة المال، واللفظ مشترك بينهما قابل لكل منهما؛ والآخر هنا أظهر، ومعناه: اظفر بذات الدين ولا تلتفت إلى المال أكثر الله مالك. ورُوي الأول عن الزهري وأنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما قال له ذلك، لأنَّه رأى الفقر خيراً له من الغنى. والله أعلم بمراد نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 1921 - (11) [حسن صحيح] وعن معْقِلِ بنِ يَسارٍ رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله إنّي أصَبْتُ امْرأَةً ذاتَ   (1) أي: فمن أعرض عن سنتي وطريقتي، والطريقة أعم من الفرض والنفل. والله أعلم. (2) أي: أنَّ الناس يراعون هذه الخصال في المرأة ويرغبون فيها لأجلها، ولم يردِ الحض على مراعاتها. و (الحسب) شرف الآباء، أو حسن الأفعال. (3) أي: فاطلب أيها المسترشد ذات الدين حتى تفوز بها، وتكون محصلاً بها غاية المطلوب. (4) بكسر الراء من (ترب): إذا افتقر فلصق بالتراب. وأين هي ذات الدِّين، فهي كالعنقاء! نسأل الله السلامة. الحديث: 1919 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 حسَبٍ ومنْصِبٍ ومالٍ؛ إلا أنَّها لا تلِدُ، أفَأتَزَوَّجُها؟ فنهاه. ثُمَّ أتاهُ الثانِيَة، فقالَ له مثلَ ذلك. ثُمَّ أتاهُ الثالِثَةَ، فقال له: "تَزَوَّجوا الوَدودَ الولودَ، فإنِّي مكاثِرٌ بكمُ الأُمَمَ" (1). رواه أبو داود والنسائي والحاكم واللفظ له وقال: "صحيح الإسناد".   (1) (الودود): هي التي تحب زوجها، و (الولود): التي تكثر ولادتها. وقيد بهذين لأن الولود إذا لم تكن ودوداً لم يرغب الزوج فيها، والودود إذا لم تكن ولوداً لم يحصل المطلوب، وهو تكثير الأمة بكثرة التوالد، ويعرف هذان الوصفان في الأبكار من أقاربها، إذ الغالب سراية طباع الأقارب بعضهن إلى بعض. وقوله: "فإني مكاثر بكم الأمم" أي: مفاخر بسببكم سائر الأمم بكثرة أتباعي. والله أعلم. قلت: وفيه تنبيه لطيف لكراهية العزل، أو تحديد النسل وتنظيمه الذي ابتليت به بعض الدول، بتزيينٍ ممن {وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} نسأل الله العافِية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 3 - (ترغيب الزوج في الوفاء بحق زوجته وحسن عشرتها، والمرأة بحق زوجها وطاعته، وترهيبها من إسخاطه ومخالفته). [صحيح] (قال الحافظ): قد تقدم في "باب الترهيب من الدِّين" [16 - البيوع/ 15] حديث ميمون عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيُّما رجُلٍ تزوَّجَ امْرأةً على ما قلَّ منَ المَهْرِ أو كَثُرَ، ليسَ في نَفْسِه أنْ يُؤَدِّيَ إليها حقَّها؛ خَدعَها، فماتَ ولمْ يُؤَدِّ إليها حقّها؛ لقيَ الله يومَ القيامة وهو زانٍ" الحديث. وتقدم في معناه أيضاً حديث أبي هريرة، وحديث صهيب الخير. 1922 - (1) [صحيح] وعنِ ابْنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "كلُّكُم راعٍ ومسؤولٌ عنْ رعِيَّتِه، الإمامُ راعٍ، ومسؤولٌ عن رعيَّتِهِ، والرجلُ راعٍ في أهلهِ، ومسؤولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها، ومسؤولةٌ عن رعيتها، والخادمُ راعٍ في مال سيِّده، ومسؤولٌ عن رعيَّتِه، وكلكم راعٍ، ومسؤولٌ عن رعيَّتِه" (1). رواه البخاري ومسلم.   (1) مِن (رعى) رعاية، وهو حفظ الشيء وحسن التعهد له، و (الراعي): هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره، فكل من كان تحت ظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه في دينه ودنياه، فإنْ وفى ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر، والجزاء الأكبر، وإنْ كان غير ذلك طالبه كل أحد من رعيته بحقه، وقد اشترك الإمام والرجل والمرأة والخادم في هذه التسمية، ولكنَّ المعاني مختلفة، فرعاية الإمام؛ إقامة الحدود والأحكام فيهم على سنن الشرع. ورعاية الرجل أهله؛ سياسته لأمرهم، وتوفية حقهم في النفقة والكسوة والعشرة. ورعاية المرأة؛ حسن التدبير في بيت زوجها، والنصح له، والأمانة في ماله وفي نفسها. ورعاية الخادم لسيده؛ حفظ ما في يده من ماله، والقيام بما يستحق من خدمته. الحديث: 1922 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 1923 - (2) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أكْمَلُ المؤمِنينَ إيماناً أحْسَنُهم خُلُقاً، وخيارُكُم خيارُكُم لِنسائِهمْ". رواه الترمذي وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". 1924 - (3) [صحيح] وعن عائشة أيضاً رضي الله عنها قالتْ: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خيرُكم خيرُكم لأَهْلِه، وأنا خيرُكم لأَهْلي". رواه ابن حبان في "صحيحه". 1925 - (4) [صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خيرُكم خيرُكمْ لأَهْلِه، وأنا خيرُكُمْ لأَهْلي". رواه ابن ماجه والحاكم؛ إلا أنَّه قال: "خيرُكُم خيرُكُم للنساءِ". وقال: "صحيح الإسناد". 1926 - (5) [صحيح] وعن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ المرأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلعٍ، فإنْ أقَمْتَها كَسَرْتَها، فدارِها تَعِشْ بِها". رواه ابن حبان في "صحيحه". 1927 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اسْتَوْصوا بالنساءِ (1)، فإنَّ المرأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلعٍ (2)، وإنَّ أعْوجَ ما في   (1) أي: تواصوا أيها الرجال في حق النساء بالخير، وخصَّ النساء بالذكر لضعفهن واحتياجهن إلى من يقوم بأمرهن. يعني: اقبلوا وصيتي فيهن، واعملوا بها، واصبروا عليهن، وارفقوا بهن، وأحسنوا إليهن. (2) تعليل لما قبله، وفائدته بيان أنَّها خلقت من الضلع الأعوج. الحديث: 1923 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 الضِلَع أعْلاه، فإنْ ذهَبْتَ تُقيمُه كَسَرْتَه (1)، وإنْ تركْتَهَ لمْ يَزلْ أعوَجَ، فاسْتَوُصوا بالنساءِ". رواه البخاري ومسلم وغيره. وفي رواية لمسلم: "إنَّ المرأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لنْ تَسْتقيمَ لكَ على طريقةٍ، فإنِ اسْتَمْتَعْتَ بِها اسْتَمْتَعْتَ بها وفيها عِوَجٌ، وإنْ ذَهبْتَ تُقيمُها كسرتَها، وكسرُها طلاقُها" (2). (الضِّلع) بكسر الضاد وفتح اللام، وبسكونها أيضاً، والفتح أفصح. و (العِوَج) بكسر العين وفتح الواو، قيل: إذا كان فيما هو منتصب كالحائط والعصا قيل فيه: (عِوَج) بفتح العين والواو، وفي غير المنتصب كالدين والخلق والأرض ونحو ذلك يقال فيه: (عِوَج) بكسر العين وفتح الواو. قاله ابن السكيت. 1928 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمِنةً، إنْ كرِهَ منها خُلُقاً رضيَ منها آخَرَ، أو قال: غيرَهُ". رواه مسلم. (يَفْرَك) بسكون الفاء وفتح الياء والراء أيضاً، وضمّها شاذ، أي: يبغض. 1929 - (8) [صحيح] وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! ما حقُّ زوجة أحدِنا عليه؟ قال:   (1) قيل هو ضربُ مثلٍ للطلاق؛ أي: إنْ أردت منها أنْ تترك اعوجاجها أفضى الأمر إلى طلاقها. والله أعلم. (2) قلت: له شاهد من حديث أبي ذر نحوه مختصراً، وزاد: "وإنْ تدعها (وفي رواية: تداريها) فإن فيها أوداً وبلغة". رواه البخاري في "الأدب المفرد" (747)، والدارمي (2/ 148)، وأحمد (5/ 150 - 151 و169)، والبزار (1478 - كشف الأستار). الحديث: 1928 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 "أنْ تُطعِمَها إذا طعِمتَ، وتكسُوها إذا اكْتسَيتَ، ولا تضربِ الوجهَ، ولا تُقَبِّح، ولا تَهْجُرْ إلا في البيت". رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنَّه قال: "إنَّ رجلاً سألَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما حقُّ المرأَةِ على الزوجِ؟ " فذكره. (لا تقبِّحْ) بتشديد الباء، أي: لا تسمعها المكروه ولا تشتمها، ولا تقل: قبَّحك الله، ونحو ذلك. 1930 - (9) [حسن لغيره] وعن عمرو بن الأحوص الجُشَمِي رضي الله عنه: أنَّه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حِجةِ الوَداعِ يقولُ بعدَ أنْ حَمِدَ الله وأثْنَى عليه وذكَّرَ ووَعظَ ثمَّ قال: "ألا واسْتَوْصوا بالنساءِ خَيْراً، فإنما هنَّ عَوانٍ عندَكم، ليسَ تملكونَ منهُنَّ شيْئاً غير ذلك، إلا أنْ يأْتينَ بفاحِشَةٍ مُبَيِّنةٍ، فإنْ فَعلْنَ، فاهْجُرُوهُنَّ في المضَاجع واضْرِبوهُنَّ ضَرْباً غيرَ مُبَرِّح، فإنْ أطعْنَكم فلا تَبْغوا عليهِن سَبيلاً، ألا إنَّ لكُم عَلى نِسائكم حقّاً، ولنِسائكُمْ عليكم حقّاً، فحقَّكم عليهِنَّ أنْ لا يوطِئْنَ فُرُشَكم مَنْ تكرهونَ، ولا يأْذَنَّ في بيوتِكُمِ لِمنْ تَكْرَهون، ألا وحَقُّهُنَّ عليكم أنْ تُحْسِنوا إليْهِنَّ في كِسْوَتِهنَّ وطعامِهِنَّ". رواه ابن ماجه والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". (عَوانٍ) بفتح العين المهملة وتخفيف الواو، أي: أسيرات. 1931 - (10) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا صلَّتِ المرأَةُ خمْسَها، [وصامَت شهرَها] (1) وحصَّنَتْ فَرْجَها،   (1) سقطت من الأصل، واستدركتها من "الصحيح" (1236 - الموارد)، ولم يستدركها المعلقون مدعو التحقيق! وتكرر السقط، وتكررت غفلتهم ولا مبالاتهم في (21 - الحدود/ 7)، وهي = الحديث: 1930 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 وأطاعَتْ بَعْلَها؛ دخَلَتْ مِنْ أيِّ أبْوابِ الجنَّةِ شاءَتْ". رواه ابن حبان في "صحيحه". 1932 - (11) [حسن لغيره] وعن عبد الرحمن بن عوفٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا صلَّتِ المرَأةُ خَمْسَها، وصامَتْ شَهْرَها، وحَفِظَتْ فرْجَها، وأطاعَتْ زَوْجَها، قيلَ لها: ادْخُلي الجنَّةَ مِنْ أي أَبوابِ الجنَّةِ شِئْتِ". رواه أحمد والطبراني، ورواة أحمد رواة "الصحيح"؛ خلا ابن لهيعة، وحديثه حسن في المتابعات. 1933 - (12) [صحيح] وعن حُصَين بْنِ مُحْصِنٍ: أنَّ عَمَّةً له أتَتِ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[في حاجة، ففرغت من حاجتها]، فقال لها: "أذاتُ زوج [أنت]؟ ". قالَتْ: نعم. قال: "كيف أنتِ له؟ ". قالتْ: ما آلوه إلا ما عَجَزْتُ عنه. قال: "فانظري أين أنت منه؛ (1) فإنَّه جنَّتُكِ ونارُكِ". رواه أحمد والنسائي بإسنادين جيدين، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد".   = ثابتة في "أوسط الطبراني" أيضاً (5/ 302) عن أبي هريرة، وفيه أيضاً (9/ 372) وأحمد (1/ 191) عن عبد الرحمن بن عوف، وهو في الكتاب بعد هذا، وعند البزار (4/ 177) عن أنس. (1) الأصل: "فكيف أنت له"، والتصويب من "المسند" (4/ 341) و"كبرى النسائي" (5/ 311)، وكذلك صححت منهما قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كيف أنت له"، فقد كان الأصل: "فأين أنت منه"، أخطاء فاحشة لم يصححها مدعو التحقيق، ولا استدركوا الزيادة التي بين المعكوفتين!! نعم لقد استدركوا الزيادة الثانية [أنت]، وعلقوا عليها بقولهم: "ليست في (أ) والمثبت من مصادر التخريج" = الحديث: 1932 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 1934 - (13) [حسن صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: أتى رجلٌ بابْنَتِه إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: إنَّ ابنتَي هذهِ أبَتْ أنْ تَتَزوَّجَ؛ فقال لها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أطيعي أباك". فقالتْ: والَّذي بعَثَك بالْحَقِّ لا أتزَوَّجُ حتى تُخْبِرَني ما حَقُّ الزوجِ على زوْجَتِه؟ قال: "حقُّ الزوجِ على زوْجَتِه؛ لو كانَتْ بِه قُرْحَةٌ فلَحَسَتْها، أوِ انْتَثَر مِنْخَراهُ صَديداً أوْ دَماً ثمَّ ابْتَلَعَتْهُ ما أدَّتْ حَقَّه". قالَتْ: والَّذي بعَثَك بالْحَق لا أتَزَّوجُ أبَداً. فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تُنْكِحوهُنَّ إلاَّ بإذْنِهِنَّ". رواه البزار بإسناد جيد رواته ثقات مشهورون، وابن حبان في "صحيحه". 1935 - (14) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: أنا فلانة بنتُ فلانٍ. قال:   = ما شاء الله! ثم رأيت ما حملني أنْ أقول أنَّ هذه الأخطاء في متن الحديث هي من المؤلف نفسه -عفا الله عنا وعنه-، فقد رأيت الهيثمي في "مجمع الزوائد" قد ساق الحديث فيه (4/ 306) بالحرف الواحد كما هو في "الترغيب"! وهذا مما يؤكد لي أنَّه ينقل منه كثيراً من الأحاديث التي فيها بعض الأخطاء، ثم يعزوها إلى المصادر التي في "الترغيب" أو بعضها، وهذا ما وقع له هنا، فإنه قال عقب المتن المذكور: "رواه أحمد، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، إلا أنه قال: (فانظري كيف أنت له) ". قلت: والمتن المذكور يخالف أيضاً سياق الحديث في "الكبير" أيضاً (25/ 183 - 184/ 448 - 450) و"الأوسط" (1/ 321/ 532)، فكان على الهيثمي أنْ يسوق نص الحديث كما هو في مصدر من المصادر التي ذكرها، ويقول: "واللفظ لفلان" كما يفعل أحياناً، لا أنْ يقلد المنذري في نصه، ثم يصححُ منه بعضاً دون بعض ليقلده المعلقون الثلاثة، والله حسيبهم على تعديهم على هذا العلم وهم لمَّا يتحصرموا بعد!! الحديث: 1934 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 "قد عرفتُكِ فما حاجتُكِ؟ ". قالت: حاجتي أن ابنَ عمي فلاناً العابد. قال: "قد عرفتُه". قالت: يخطبني، فأخبِرْني ما حق الزوج على الزوجة؟ فإنْ كان شيئاً أطيقُةُ تزوجتُه. قال: "من حقه؛ أنْ لو سال منخراه دماً وقيحاً فلحسَتْه بلسانها؛ ما أدَّتْ حقه، ولو كان ينبغي لبشر أنْ يسجد لبشرٍ؛ لأمرت المرأة أنْ تسجد لزوجها إذا دخل عليها؛ لِمَا فضَّله الله عليها". قالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج ما بقيت الدنيا. رواه البزار والحاكم؛ كلاهما عن سليمان بن داود اليمامي عن القاسم بن الحكم، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". (قال الحافظ): "سليمان واهٍ، والقاسم تأتي ترجمته" [يعني في آخر الكتاب]. 1936 - (15) [صحيح لغيره] وعن أنسٍ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: كانَ أهلُ بيتٍ مِنَ الأنْصارِ لهم جملٌ يَسْنون عليه، وإنَّهُ اسْتَصْعَبَ عليهم فَمَنعهُمْ ظَهْرَه، وإنَّ الأنصارَ جاؤا إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: إنَّه كان لنا جَملٌ نَسْني عليه، وإنَّه اسْتصْعَبَ علينا، ومَنَعنَا ظَهرَه، وقد عَطِشَ الزرْعُ والنخْل؟ فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأَصْحابِه: "قوموا"، فقاموا، فدَخل الحائط، والجمل في ناحِيَةٍ، فمشى النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه، فقال الأنصارُ: يا رسولَ الله! قد صار مِثْلَ الكَلْبِ الكَلِبِ، نخافُ عليك صَوْلَتَة، قال: الحديث: 1936 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 "لَيسَ عليَّ منه بأسٌ". فلمَّا نظر الجملُ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقْبَلَ نحوَهُ حتى خرَّ ساجِداً بين يديه. فأخذ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بناصِيَته أذلَّ ما كانت قطُّ حتى أدْخَلَه في العَمَلِ، فقال له أصْحابُه: يا رسولَ الله! هذا بهَيمَةٌ لا يعْقِل يسجُدُ لكَ، ونحن نعْقِلُ، فنحنُ أحَقُّ أنْ نسجُدَ لَك؛ قال: "لا يصْلُحُ لِبَشرٍ أنْ يَسْجُدَ لِبَشرٍ، ولو صَلُحَ لِبَشرٍ أنْ يَسْجُدَ لِبَشرٍ لأمَرْتُ المرأَةَ أنْ تَسْجدَ لزوجِها، لِعِظَمِ حقِّه عليها، لوْ كانَ مِنْ قَدَمِه إلى مفْرَقِ رأسِه فرْحَةٌ تَنْبَجِسُ بِالقَيْحِ والصديدِ، ثمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ فَلَحَستْهُ، ما أدَّت حَقَّهُ". رواه أحمد بإسناد جيد، رواته ثقات مشهورون، والبزار بنحوه. 1937 - (16) [صحيح لغيره] ورواه النسائي مختصراً (1)، وابن حبان في "صحيحه"، من حديث أبي هريرة بنحوه باختصار، ولم يذكر قوله: "ولو كان. . ." إلى آخره. وروي معنى ذلك في حديث أبي سعيد المتقدم [في الباب]. "قوله: (يسْنون عليه) بفتح الياء وسكون السين المهملة، أي: يستقون عليه الماء من البئر. قوله: (والحائط): هو البستان. (تَنْبَجِسُ) أي: تنفجر وتنبع.   (1) قلت: إطلاق العزو للنسائي، وعطف ابن حبان: عليه يوهم أنَّه في "السنن الصغرى" ومن حديث أبي هريرة، ولم أجده إلا في "الكبرى" (5/ 363/ 9147) ومن حديث أنس بلفط: "لا يصلح لبشر أنْ يسجد لبشر، ولو صلح. . " إلخ. فلعل أصل العبارة: "والبزار بنحوه، والنسائي مختصراً. ورواه ابن حبان. . إلخ"، فتحرفت على النساخ. والحديث مخرج في "الإرواء" (7/ 54 - 58). الحديث: 1937 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 1938 - (17) [صحيح] وعن ابن أبي أوفى قال: لمّا قَدِمَ معاذُ بنُ جَبلٍ مِنَ الشامِ سَجَدَ للنَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما هذا؟ ". قال: يا رسولَ الله! قدِمْتُ الشام، فوجَدْتُهم يَسْجدُونَ لِبطارِقَتِهِمْ وأساقِفَتِهمْ، فأرَدْتُ أنْ أَفْعَلَ ذلِكَ بِكَ. قال: "فَلا تَفْعَلْ؛ فإنِّي لوْ أَمَرْتُ شيْئاً أنْ يَسْجُدَ لِشَيْءٍ؛ لأَمْرتُ المرأةَ أنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِها، والَّذي نَفْسي بِيَدِه، لا تُؤَدِّي المرأةُ حقَّ ربِّها حتى تُؤَدِّيَ حقَّ زوْجِها". رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له. [حسن صحيح] ولفظ ابن ماجه: فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فلا تفْعَلُوا؛ فإنِّي لو كنتُ آمِراً أحَداً أنْ يَسْجُد لغَيْرِ الله؛ لأَمرْتُ المرْأَةَ أنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِها. والذي نَفْسُ محمّدٍ بِيَدِه، لا تُؤَدِّي المرأَةُ حقَّ ربِّها حتى تُؤَدِّيَ حقَّ زوجِها؛ ولو سَألَها نَفْسَها وهي على قَتَبٍ؛ لمْ تَمْنَعْه". 1939 - (18) [حسن صحيح] وروى الحاكم المرفوع منه من حديث معاذ، ولفظه؛ قال: "لوْ أَمْرتُ أحَداً أنْ يسجُدَ لأحَدٍ؛ لأمْرتُ المرأَةَ أنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِها؛ مِنْ عِظَمِ حقِّه عَليْها، ولا تَجدُ امْرأَةٌ حلاوةَ الإيمان؛ حتى تُؤَدِّيَ حقَّ زوْجِها، ولو سَألها نَفْسَها وهيَ على ظَهْرِ قَتَبٍ". 1940 - (19) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لو كنتُ آمِراً أحَداً أن يَسْجُد لأحدٍ؛ لأَمْرتُ المرْأَةَ أنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِها". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". الحديث: 1938 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 1941 - (20) [حسن لغيره] وعن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ألا أُخْبِرُكُم بِرِجالِكم في الجنَّةِ؟ ". قلنا: بَلى يا رسولَ الله! قال: "النبيُّ في الجنَّةِ، والصدِّيقُ في الجنَّةِ، والرجلُ يزورُ أخاه في ناحِيَةِ المصْر، لا يزورُهُ إلا لله في الجَنَّةِ. أَلا أُخْبِرُكُمْ بنِسائِكُم في الجَنَّةِ؟ ". قلنا: بلى يا رسولَ الله! قال: "كلُّ وَدُودٍ وَلودٍ، إذا غَضِبَتْ، أوْ أُسِيءَ إليْها، أو غَضِبَ زوْجُها قالتْ: هذه يدي في يَدِك، لا أَكْتَحِلُ بغَمْضٍ حتى تَرْضَى". رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في "الصحيح"؛ إلا إبراهيم بن زياد القرشي، فإنني لم أقف فيه على جرح ولا تعديل. وقد روي هذا المتن من حديث ابن عباس وكعب ابن عجرة وغيرهما. (1) 1942 - (21) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يَحِلُّ لامْرأةٍ أنْ تَصومَ وزوجُها شاهِدٌ إلا بإذْنِه، ولا تَأذَنَ في بيْتِه إلا بإِذْنِه". رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم وغيرهما. 1943 - (22) [صحيح] وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المرْأَةُ لا تُؤَدِّي حَقِّ الله حتى تُؤَدِّيَ حقَّ زوْجِها، حتَّى لوْ سَألها وهيَ على ظَهْرِ قَتَبٍ لمْ تَمْنَعْهُ نفسها". رواه الطبراني بإسناد جيد.   (1) هذه الأحاديث مخرِّجة في "الصحيحة" (287 و3380)، وحديث ابن عباس قد أخرجه النسائي في "الكبرى" باختصار الشطر الأول منه. الحديث: 1941 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 1944 - (23) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا ينظُرُ الله تبارَك وتعالى إلى امْرأةٍ لا تشكرُ لزوْجِها؛ وهي لا تَستَغْني عنه". رواه النسائي والبزار بإسنادين (1) رواة أحدهما رواة الصحيح، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1945 - (24) [صحيح] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تُؤْذي امْرأةٌ زوْجَها في الدنيا؛ إلا قالَتْ زوجَتُه مِنَ الحورِ العينِ: لا تُؤْذيه قاتَلكِ الله، فإنَّما هو عندَك دَخيلٌ، يوشِكُ أنْ يُفارِقَكِ إليْنا". رواه ابن ماجه والترمذي وقال: "حديث حسن". (يوشِكُ) أي: يقرب ويسرع ويكاد. 1946 - (25) [صحيح] وعن طلق بن عليٍّ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا دَعا الرجلُ زوجتَه لِحاجتِه؛ فَلْتَأْتِهِ وإنْ كانَتْ على التَّنّورِ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، والنسائي، وابن حبان في "صحيحه". 1947 - (26) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذ دعا الرجلُ امرأتَهُ إلى فراشِه، فَلَمْ تَأْتِه، فباتَ غَضْبانَ عليها؛ لَعَنتْها الملائكةُ حتى تُصْبِحَ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. وفي رواية للبخاري ومسلم: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) قلت: فيه نظر وإنْ تبعه الهيثمي (4/ 309) كما هي عادته، فإنَّه ليس له عند البزار إلا طريق واحد رقم (1460)، نعم له طريقان عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمرو، وإرادة هذا غير متبادر إلى ذهن القراء، كما أنَّه لا يتبادر إلى الذهن من عزوه للنسائي إلا "سننه الصغرى"، مع أنَّه لم يخرجه إلا في "الكبرى"، وهو مخرج في "الصحيحة" (289). الحديث: 1944 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 "والَّذي نفسي بيَده ما مِنْ رجلٍ يدْعُو امْرأتَهُ إلى فِراشِها، فتَأْبى عليه؛ إلا كانَ الذي في السماءِ ساخِطاً عليْها حتى يَرْضَى عنها". [صحيح] وفي رواية لهما وللنسائي: "إذا باتَتِ المْرأةُ هاجِرَةً فراشَ زوْجِها؛ لَعَنتْها الملائكة حتى تصبحَ". [حسن صحيح] وروى الترمذي نحوه من حديث أبي أمامة وحسنه، وتقدم في إباق العبد [16 - البيوع/ 24]. 1948 - (27) [حسن] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اثْنانِ لا تجاوِزُ صلاتُهما رؤوسَهُما: عبدٌ أبقَ مِنْ مواليهِ حتى يرجعَ، وامْرَأةٌ عَصَتْ زوْجَها حتى ترجعَ". رواه الطبراني بإسناد جيد والحاكم. الحديث: 1948 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 4 - (الترهيب من ترجيح إحدى الزوجات، وترك العدل بينهن). 1949 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ كانَتْ عندَهُ امْرأَتانِ فَلمْ يَعْدِلْ بينهما؛ جاءَ يومَ القِيامةِ وشِقُّه ساقِطٌ". رواه الترمذي وتكلم فيه، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". ورواه أبو داود، ولفظه: "مَنْ كانت لَهُ امْرأتانِ، فمالَ إلى إحداهما؛ جاءَ يومَ القِيامَة وشِقُّه مائِلٌ". والنسائي، ولفظه: "منْ كانَتْ لَهُ امْرَأتانِ يميلُ لإحْداهُما على الأُخْرى؛ جاءَ يومَ القيامة أحدُ شِقَّيه مائِلٌ". ورواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه" بنحو رواية النسائي هذه؛ إلا أنَّهما قالا: "جاءَ يومَ القِيامَة وأحَدُ شِقَّيه ساقِطٌ". 1950 - (2) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضى الله عنهما قال: قال الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ المقْسِطينَ عندَ الله على منابِرَ مِنْ نورٍ عن يمينِ الرحمنِ، وكلْتا يديْهِ يَمينٌ، الذين يعدِلون في حكْمِهم وأهْليهم وما وَلَوا". رواه مسلم وغيره. الحديث: 1949 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 5 - (الترغيب في النفقة على الزوجة والعيال، والترهيب من إضاعتهم، وما جاء في النفقة على البنات وتأديبهن). (قال الحافظ:) "وقد تقدم في "كتاب الصدقة" (باب في الترغيب في الصدقة على الزوج والأقارب وتقديمهم على غيرهم) ". 1951 - (1) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دينارٌ أنفقتَه في سبيلِ الله، ودينارٌ أنفقتَهُ في رقَبَةٍ، ودينارٌ تصدَّقْتَ به على مسكينٍ، ودينارٌ أنفَقْتَهُ على أهْلِكَ؛ أعْظَمُها أجراً الَّذي أنْفَقْتَهُ على أهْلِكَ". رواه مسلم (1). 1952 - (2) [صحيح] وعن ثوبانَ مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أفْضَلُ دينارٍ ينفِقُهُ الرجلُ، دينارٌ ينفِقُه على عيالِه، ودينارٌ ينفِقُهُ على فَرَسهِ في سبيلِ الله، ودينارٌ ينْفِقُه على أصْحابِه في سبيلِ الله". قال أبو قلابَة: بدأ بالعيالِ. ثمَّ قال أبو قلابَة: أيُّ رجُلٍ أعْظَمُ أجْراً مِنْ رجُلٍ يُنْفِقُ على عيالٍ صِغارٍ يُعِفُّهم الله، أو يَنْفَعُهم الله به ويغْنيهمْ. رواه مسلم والترمذي (2). 1953 - (3) [صحيح] وعن سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له:   (1) قلت: والبخاري في "الأدب المفرد" (751). (2) والبخاري في "الأدب المفرد" أيضاً (748). الحديث: 1951 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 "وإنَّك لَنْ تُنفِقَ نفَقةً تبْتَغي بها وجْهَ الله إلا أُجِرْتَ عليها؛ حتَّى ما تَجْعَلُ في فِي امْرأَتِكَ". رواه البخاري ومسلم في حديث طويل. 1954 - (4) [صحيح] وعن أبي مسعودٍ البدري رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا أنْفَق الرجُلُ على أهْلِهِ نفقةً وهو يَحْتَسِبُها؛ كانتْ له صدَقَةً". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. 1955 - (5) [صحيح] وعن المقدام بن معد يكربٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما أطعَمْتَ نفْسَك فهو لكَ صدقةٌ، وما أطْعَمْتَ وَلدَك فهو لك صدقةٌ، وما أطْعَمْتَ زوْجتَكَ فهو لك صدَقَةٌ، وما أطْعَمْتَ خادِمَك فهو لكَ صدَقةٌ". رواه أحمد بإسناد جيد (1). 1956 - (6) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اليدُ العُلْيا أفْضَلُ مِنَ اليد السُفلى، وابْدَأ بمَنْ تعولُ، أُمَّك وأباك، وأختَك وأخاك، وأدْناكَ فأدْناكَ. رواه الطبراني بإسناد حسن، (2) وهو في "الصحيحين" وغيرهما بنحوه من حديث   (1) قلت: ورواه البخاري أيضاً في "الأدب المفرد" وغيره، وهو مخرَّج في "الصحيحة" (453). وكذلك رواه النسائي في "عشرة النساء" (ق 101/ 1). (2) قلت: فيه (10/ 229/ 10405) زياد بن عبد الرحمن القرشي، وثقه ابن حبان (4/ 256) ولم يذكروا له راوياً في كتب الرجال غير (عقيل بن طلحة)، ولذلك قال الذهبي في "الميزان": "لا يعرف". لكنَّ الراوي عنه لهذا الحديث (حرمي بن حفص القسملي)، وهو ثقة أيضاً، فلعله لذلك حسنه المؤلف، وتبعه الهيثمي (3/ 120) ولا سيما وله شواهد معروفة. أما جملة اليد، فيشهد لها حديث حكيم الذي أشار إليه المؤلف آتياً، وسائر شواهده في "الإرواء" (3/ 316 - 319). الحديث: 1954 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 حكيم بن حزام وتقدم [8 - الصدقات/ 4]. 1957 - (7) [حسن لغيره] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أَنفَقَ على نفسِه نفَقةً يَستَعِفُّ بها فهي صدَقةٌ، ومَنْ أنْفَق على امْرأَتِه ووَلدِه وأهلِ بيْتِه فهي صدَقَةٌ". رواه الطبراني بإسنادين أحدهما حسن. 1958 - (8) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال يوماً لأصْحابِه: "تَصدَّقوا". فقال رجلٌ: يا رسولَ الله! عندي دينارٌ. قال: "أنفِقْه على نفْسكَ". قال: إنَّ عندي آخَرُ. قال: "أنْفِقْهُ على زوْجَتِك". قال: إنَّ عندي آخَرُ. قال: "أنفِقْه على ولَدكَ". قال: إنَّ عندي آخَرُ. قال: "أنْفِقْه على خادِمِك". قال: عندي آخَرُ. قال: "أنْتَ أبْصَرُ بِهِ". رواه ابن حبان في "صحيحه" (1)، وفي رواية له: "تصدقَ" بدل "أنفقَ" في الكل.   (1) قال الحافظ الناجي (169/ 2): "هذا عجيب، إذ الحديث عند أحمد وأبي داود والنسائي"، وهو مخرَّج عندي في "صحيح أبي داود" (رقم 1484). الحديث: 1957 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 1959 - (9) [صحيح لغيره] وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: مَرَّ على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ، فرأى أصحابُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جَلَدهِ ونَشاطِه، فقالوا: يا رسولَ الله! لو كانَ هذا في سبيلِ الله! فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنْ كانَ خرجَ يَسْعى على ولَدِه صِغاراً فهو في سبيلِ الله، وإنْ كانَ خرجَ يَسْعَى على أَبَوْينِ شَيْخَيْنِ كبيرْينِ فهو في سبيلِ الله، وإنْ كانَ خرجَ يَسْعى على نفْسِه يُعِفُّها فهو في سبيل الله، وإنْ كانَ خَرج يَسْعى رِياءً ومُفاخَرةً فهو في سبيلِ الشيْطانِ". رواه الطبراني ورجاله رجال "الصحيح". [مضى 16 - البيوع/ 1]. 1960 - (10) [حسن لغيره] وروي عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما أنفق المرء على نفسه وولده وأهلهِ وذي رحِمِه وقرابتهِ؛ فهو له صدقةٌ". رواه الطبراني في "الأوسط"، وشواهده كثيرة. 1961 - (11) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ المَعونَةَ تأْتِي مِنَ الله على قدْرِ المَؤُنَةِ، وإنَّ الصبرَ يأتي مِنَ الله على قَدْرِ البَلاءِ". رواه البزار، ورواته محتج بهم في "الصحيح"؛ إلا طارق بن عمار، ففيه كلام قريب، ولم يترك، والحديث غريب. (1)   (1) قلت: لكنْ قد توبع طارق من غير واحد، ولذلك خرَّجته في "الصحيحة" (1664). الحديث: 1959 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 1962 - (12) [حسن لغيره] وعن عمرو بن أمية قال: مرَّ عثمانُ بنُ عفَّانَ أو عبد الرحمن بن عوف بِمِرْطٍ، واسْتَغْلاه، قال: فمُرَّ به على عمرِو بنِ أميَّةَ فاشْتَراه، فكَساه امْرأتَه سخيلةَ بنْتَ عُبَيْدة بنِ الحارِثِ بْنِ المطَّلِبِ، فمرَّ بهِ عثمانُ أو عبدُ الرحمنِ فقال: ما فَعلَ المِرْطُ الذي ابْتَعْتَ؟ قال عَمْرو: تَصدَّقْتُ به على سخيلةَ بنتِ عُبَيْدَةَ، فقال: إنَّ كلَّ ما صَنَعْتَ إلى أهلِكَ صدَقَةٌ؟ فقال عَمرٌو: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ ذلك. فذكرَ ما قال عَمْرٌو لِرسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فقال: صَدقَ عَمْروٌ، كلُّ ما صَنعْتَ إلى أهلِك؛ فهو صدَقَةٌ علَيْهِمْ". رواه أبو يعلى والطبراني، ورواته ثقات. [صحيح لغيره] وروى أحمد المرفوع منه، قال: "ما أعطى الرجلُ أهلَه؛ فهوَ لهَ صَدقَةٌ" (1). (المِرط) بكسر الميم: كساء من صوف أو خز يؤتزر به. 1963 - (13) [حسن لغيره] وروي عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: سمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ الرجلَ إذا سَقى امْرأَته مِنَ الماءِ أُجِرَ". قال: فأَتَيْتُها فسَقَيْتُها، وحدَّثْتُها بما سمعتُ مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه أحمد، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط". (2)   (1) قلت: وكذلك رواه النسائي في "عشرة النساء" من "الكبرى" (ق 101/ 1)، ورواه البزار (1507) مطولاً مع اختلاف يسير في بعض الجمل. (2) قلت: وكذا في "المجمع" (4/ 325) وقال: "وفيه سفيان بن حسين، وفي حديثه عن الزهري ضعف، وهذا منه"! وقلده الثلاثة (2/ 690)! وليس للزهري فيه ذكر! انظر "الصحيحة" (2736). الحديث: 1962 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 1964 - (14) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ يومٍ يُصبح العِبادُ فيه إلا مَلكانِ يَنْزِلان؛ فيقولُ أحَدُهما: اللهُمَّ أَعطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، ويقولُ الآخر: اللهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكاً تلفاً". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. (قال الحافظ) عبد العظيم: "وقد تقدم هذا الحديث وغيره في باب الإنفاق والإمساك" [15 - الصدقات/ 15]. 1 - فصل 1965 - (15) [حسن لغيره] عن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كَفَى بِالمَرْء إثْماً أنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقوُت". رواه أبو داود والنسائي والحاكم؛ إلا أنَّه قال: "من يعول". وقال: "صحيح الإسناد". 1966 - (16) [حسن صحيح] وعن الحسن رضي الله عنه (1) عن نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا اسْتَرْعاهُ، حَفِظَ أمْ ضَيِّعَ، حتى يَسْألَ الرجُلَ عنْ أهلِ بيْتِه". رواه ابن حبان في "صحيحه".   (1) الترضي عن (الحسن) يشعر بأنهَّ ابن علي بن أبي طالب، وليس به، وإنما هو الحسن البصري التابعي رحمه الله، فهو مرسل، وقد أخرجه النسائي في "عشرة النساء" من "الكبرى" هو والذي بعده عن قتادة عن أنس، وعنه عن الحسن مثله، وصحح الدارقطني المرسل. انظر "الصحيحة" (1636). الحديث: 1964 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 1967 - (17) [حسن صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله سائلٌ كلَّ راع عمَّا اسْترعاهُ حَفِظَ أم ضَيَّعَ، -زاد في رواية: حتى يَسْأَلَ الرجلَ عنْ أهلِ بيْتِهِ (1) -". رواه ابن حبان في "صحيحه" أيضاً. (قال الحافظ): [صحيح] "وتقدم حديث ابن عمر [17 - النكاح/ 3] سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "كلُّكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّتِه، الإمامُ راعٍ ومسؤول عن رعيَّتهِ، والرجلُ راعٍ في أهلِه ومسؤول عن رعيَّتِه، والمرأة راعيةُ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيَّتها، والخادم راعٍ في مالِ سيِّدهِ ومسؤول عن رعيَّته، وكلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّتهِ". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 2 - فصل 1968 - (18) [صحيح] عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخَلتْ عليَّ امْرأةٌ ومعَها ابْنَتانِ لها تسألُ، فلَمْ تَجِدْ عندي شيئاً غير تمْرةٍ واحدَةٍ، فأعطيتُها إيَّاها، فَقَسَمَتْها بينَ ابْنَتَيْها، ولمْ تأكُلْ منها شيئاً. ثمَّ قامَتْ فَخَرجتْ، فدَخل النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ علينا، فأخْبرْتُه، فقال: "مَنِ ابْتُلِي مِنْ هذه البناتِ بشَيْءٍ فأحْسنَ إليْهِنَّ؛ كُنّ لَهُ سِتْراً مِنَ النارِ".   (1) قلت: هذه الزيادة ليست عند ابن حبان إلا في حديث الحسن البصري المتقدم. نعم هي في حديث أنس عند النسائي في "الكبرى" (5/ 374/ 19173)، ثم ساقه عن الحسن قال: "مثله". فلو عزاه للنسائي كان أولى. الحديث: 1967 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 [صحيح لغيره] رواه البخاري ومسلم، والترمذي، وفي لفظ له: "مَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنَ البَناتِ فَصَبر عليهنَّ؛ كنَّ له حِجاباً مِنَ النارِ". 1969 - (19) [صحيح] وعنها قالتْ: جاءتَنْي مِسكينَةٌ تَحْمِل ابْنَتَيْنِ لهَا، فأطْعَمْتُها ثلاثَ تَمْراتٍ، فأعْطَتْ كلَّ واحدةٍ منها تَمْرةً، ورَفَعتْ إلى فيها تَمْرةً لتأْكلَها، فاسْتَطْعَمَتْها ابْنتاها، فشَقّتِ التَمْرةَ التي كانتْ تريدُ أنْ تأْكُلَها بينهما، فأعْجبنَي شأنُها، فذكرتُ الذي صَنَعَتْ لِرسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "إنَّ الله قد أوجَبَ لها بهما الجنَّةَ، أوْ أعْتَقَها بِهِما مِنَ النارِ". رواه مسلم. 1970 - (20) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ عالَ جارِيتَيْنِ حتى تبلُغا؛ جاءَ يومَ القِيامَةِ أنا وهو. وضمَّ أصابِعَهُ". رواه مسلم، واللفظ له. [صحيح] والترمذي، ولفظه: "مَنْ عالَ جارِيتَيْنِ؛ دَخَلْتُ أنا وهو الجَنَّةَ كهاتَيْنِ. وأشارَ بأصْبَعَيْهِ السبَّابَةِ والتي تَليها". [صحيح] وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ عالَ ابْنَتيْنِ أو ثلاثاً، أو أُختَيْنِ أو ثَلاثاً حتى يَبِنَّ، أو يموتُ عَنْهُنَّ؛ كنتُ أنا وهو في الجنَّةِ كهاتَيْنِ. وأشارَ بأصْبَعيهِ السبابةِ والتي تليها". 1971 - (21) [حسن لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِنْ مسلمٍ له ابْنَتانِ فيُحْسِنُ إليهما ما صَحِبَتاهُ أو صحِبَهُما؛ إلا أدْخَلَتاه الجنَّةَ". الحديث: 1969 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وابن حبان في "صحيحه" من رواية شرحبيل عنه، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 1972 - (22) [حسن لغيره] وروى الطبراني عن عوف بن مالك رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ مسلم يكونُ له ثلاثُ بناتٍ فينفقُ عليهنَّ حتى يَبِنَّ أو يَمُتْنَ؛ إلا كُنَّ له حِجاباً مِنَ النارِ". فقالتْ له امْرأَةٌ: أوْ بِنْتانِ؟ قال: "أوْ بِنْتانِ". وشواهده كثيرة. 1973 - (23) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ كان له ثلاثُ بناتٍ أو ثلاثُ أخَواتٍ، أوْ بِنتانِ، أو أُخْتانِ، فأحْسَن صُحبَتُهنَّ واتَّقى الله فيهِنَّ؛ فله الجنَّةُ". رواه الترمذي، واللفظ له. [صحيح لغيره] وأبو داود؛ إلا أنَّه قال: "فأدَّبهنَّ وأحسَن إليْهِنَّ وزوَّجَهُنَّ؛ فله الجنَّةُ". وابن حبان في "صحيحه". وفي رواية للترمذي: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يكونُ لأَحدِكُم ثلاثُ بناتٍ، أو ثلاثُ أخَواتٍ، فيُحْسِنُ إليْهِنَّ؛ إلا دَخَل الجنَّةَ". (قال الحافظ:) "وفي أسانيدهم اختلاف ذكرته في غير هذا الكتاب". الحديث: 1972 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 1974 - (24) [حسن لغيره] وعن المطلب بن عبد الله المخزومي قال: دخلتُ على أمِّ سلمةَ زوجِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا بني! ألا أحدثُك بما سمعت من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قلت: بلى يا أمَّه! [حسن لغيره] قالت: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من أنفق على ابنتين أو أختين أو ذواتَي قرابةٍ يحتسبُ النفقةَ عليهما حتى يغنيهما الله من فضله (1)، أو يكفيهما؛ كانتا له ستراً من النار". رواه أحمد والطبراني من رواية محمد بن أبي حميد المدني، ولم يُتركْ، ومشّاه بعضهم، ولا يضر في المتابعات. 1975 - (25) [صحيح لغيره] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ كُنَّ له ثلاثُ بناتٍ يُؤوِيهنَّ وَيرحمهُنَّ ويَكْفَلهُنَّ؛ وجَبَت له الجنَّة ألبَتَّة". قيل: يا رسولَ الله! فإنْ كانتا اثْنَتَيْنِ؟ قال: "وإنْ كانَتا اثْنَتْينِ". قال: فرأى بعضُ القومِ أنْ لَوْ قالَ: واحدَةً، لقال: واحدَة (2). رواه أحمد بإسناد جيد، والبزار، والطبراني في "الأوسط"، وزاد: "ويزوّجُهُنَّ".   (1) الأصل: "من فضل الله"، والتصحيح من "المسند" (6/ 293). (2) في النفس شيء من ثبوت قوله: "ألبتة"، وقوله: "قال: فرأى بعض. . ."، وقوله: "ويزوجهن" فإنَّ في سند الحديث ابن جدعان، وهو ضعيف، ولم أجد لهذه الزيادات شاهداً معتبراً، بخلاف الحديث، فله شواهد منها حديث عوف المتقدم، وآخر صححه الحاكم، وهو في الكتاب الآخر. الحديث: 1974 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 6 - (الترغيب في الأسماء الحسنة، وما جاء في النهي عن الأسماء القبيحة وتغييرها). 1976 - (1) [صحيح] وعن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ". . . (1) أحبُّ الأسْماءِ إلى الله عبدُ الله وعبدُ الرحمن". رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه. 1977 - (2) [حسن لغيره] وعن أبي وهبٍ الجُشَمِيِّ -وكانت له صحبةٌ- رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ". . . (2) أحبُّ الأسْماءِ إلى الله عبدُ الله وعبدُ الرحمن، وأصدَقُّها حارثٌ وهَمّامٌ، وأقْبَحُها حَرْبٌ ومُرَّة". رواه أبو داود -واللفظ له- والنسائي. وإنما كان حارث وهمام أصدق الأسماء؛ لأنَّ (الحارث): هو الكاسب، و (الهمام): هو الذي يهم مرة بعد أخرى، وكل إنسان لا ينفك عن هذين. 1978 - (3) [صحيح] وعن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أحبُّ الكلامِ إلى الله أربعٌ: سبحانَ الله، والحمدُ لله، ولا إلهَ إلا الله، والله أكبر. لا يضرك بأيّهن بدأت.   (1) هنا في الأصل زيادة نصها: ("أحب الأسماء إلى الله ما عبد وما حمد". وفي رواية). وهي زيادة باطلة لم ترد في المخطوطة وغيرها، والظاهر أنَّها مدرجة من بعض جهلة النساخ، فإنَّه لا أصل له بهذا اللفظ كما كنت بينته في "الضعيفة" (411)، وانظر الحديث (408) منه، وكنت نسبت الخطأ هنا إلى المؤلف رحمه الله، إحساناً مني الظن بمحقق الكتاب، فأستغفر الله من ذلك، وعفا عنا وعن محققه. (2) هنا في الأصل قوله: "تسموا بأسماء الأنبياء"، وهو من حصة "الضعيف". الحديث: 1976 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 لا تُسمِّيَنَّ غلامَك يَساراً، ولا رَباحاً، ولا نَجيحاً، ولا أَفْلَحَ؛ فإنَّك تقولُ: أثَمَّ هو؟ فلا يكونُ فيقولُ: لا إنّما هنَّ أربعٌ، فلا تَزيدُنَّ عليَّ" (1). رواه مسلم -واللفظ له- وأبو داود والترمذي وابن ماجه مختصراً، ولفظه: قال: نهانا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ نسمِّيَ رقيقنَا (2) أربعةَ أسْماءٍ: أفْلَحَ، ونافعٍ، ورَباحٍ، ويَسارٍ. 1979 - (4) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ أخْنَعَ اسمٍ عند الله رجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأمْلاكِ، -زاد في رواية:- لا مالِكَ إلا الله". قال سفيانُ: مثل "شاهانشاه" (3). وقال أحمد بن حنبل: "سألت أبا عمرو (يعني الشيباني) عن "أخْنعَ"؟ فقال: أَوْضَعَ (4) ". رواه البخاري ومسلم. [صحيح] ولمسلم: "أغْيَظُ رجلٍ على الله يومَ القيامة، وأخْبَثُه رجلٌ [كان] يُسمَّى (5) مَلِكَ الأمْلاكِ. لا مَلِكَ إلا الله".   (1) ظاهر السياق يدل على أنَّ قوله: "إنما هن أربع. . ." مرفوع من كلامه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويؤكد ذلك أنَّ في رواية صحيحة لأحمد التصريح بذلك، ولذلك كنت خرجتها في "الصحيحة" (346)، وفي ذلك إبطال لقول من زعم أنَّه من قول الراوي ليس من الحديث. انظر "شرح مسلم" للنووي، والحاشية على "مسلم" طبع استنبول. (2) ليس هذا خاصاً بالأرقاء، بل هو بعض معنى (غلامك) في الرواية الأولى، ويؤيده تعليل النهي فيها بقوله: "فإنَّك تقول. . ."، وعليه يدل كلام النووي وغيره، ثم إنَّ هذا اللفظ قد رواه مسلم أيضاً، فكان على المؤلف أنْ يذكره ولا يهمله، كما أنَّ ابن ماجه روى الأربع كلمات أيضاً. (3) ومثله (قاضي القضاة) عند الحافظ العراقي وغيره. راجع "فتح الباري". (4) قال عياض: "معناه: أنَّه أشد الأسماء صغاراً، والخانع: الذليل. وإذا كان الاسم أذل الأسماء كان من تسمى به أشد ذلاً". "فتح". (5) الأصل: "رجل تسمى"، والتصويب من المخطوطة و"مسلم" (6/ 174). الحديث: 1979 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 فصل 1980 - (5) [صحيح لغيره] عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغيِّرُ الاسْمَ القبيحَ. رواه الترمذي وقال: "قال أبو بكرٍ بنُ نافعٍ: وربَّما قال عمرُ بنُ عليٍّ في هذا الحديث "هشام بن عروة عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مرسل"، ولم يذكر فيه عائشة". 1981 - (6) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ ابْنةً لعمر كان يقالُ لها: (عاصيَة)، فسمّاها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (جَميلَةَ). رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: "حديث حسن". ورواه مسلم باختصار قال: إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غيّر اسْم (عاصِيةَ)؛ قال: "أنتِ جَميلَةُ". 1982 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ زَيْنَبَ بِنتَ أبي سَلَمة كان اسْمُها (بَرَّة)، فقيلَ: تُزَكِّي نفسَها، فسمَّاها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (زينبَ). رواه البخاري ومسلم وابن ماجه وغيرهم. 1983 - (8) [صحيح] وعن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمَّيْتُ ابْنَتي بَرَّة، فقالتْ زينَبُ بنت أبي سَلَمةَ: إنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن هذا الاسْمِ، وسُمِّيتُ (بَرَّة)، فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تُزَكَّوا أنفُسَكُم؛ الله أعلَمُ بأهلِ البِرّ منكُم". فقالوا: بِمَ نسمِّيها؟ قال: الحديث: 1980 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 "سمُّوها زَيْنَبَ". رواه مسلم وأبو داود. قال أبو داود: "وغَيَّر رَسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسمَ العاصي، وعزيز، وعَتْلة، وشيْطانَ، والحَكَم، وغُرابَ، وحُبابَ، وشِهابَ، فسمَّاه: هشاماً، وسمَّى حَرْباً: سِلْماً، وسمّى المضطَجعَ: المُنْبَعِثَ، وأوْضاً تُسمَّى عَفِرَة، سماها: خَضِرَة، وشِعْبَ الضلالَةِ سماه: شِعبَ الهُدى، وبني الزَّنيَة سمَّاهم: بني الرِّشْدَة، وسمّى بني مُغوِيَةَ: بني رِشدَةَ". قال أبو داود: "تركت أسانيدها اختصاراً (1) ". (قال الخطابي): "أما (العاصي) فإنما غَيَّره كراهية لمعنى العصيان، وإنما سِمَة المؤمن الطاعة والاستسلام. و (العزيز) إنما غيره لأنَّ العزة لله، وشعار العبد: الذلة والاستكانة. و (عَتْلة) معناها الشدة والغلظة، ومنه قولهم: رجل عُتُلٌّ، أي: شديدٌ غليظٌ، ومن صفة المؤمن اللين والسهولة. و (شَيْطانُ) اشتقاقه من الشطْن، وهو البعد من الخير، وهو اسم المارد الخبيث من الجن والإنس. و (الحَكَم): هو الحاكم الذي لا يرد حكمه، وهذه الصفة لا تليق إلا بالله تعالى، ومن أسمائه الحكَمَ. و (غراب) مأخوذ من الغَرْب، وهو البعد، ثم هو حيوان خبيث المطعم، أباح رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتله في الحل والحرم.   (1) قلت: وكلها ثابتة الأسانيد، إلا تغيير اسم الغراب، ففيه ريطة بنت مسلم، وهي مجهولة. وإلا اسم حباب، وسيشير المؤلف قريباً إلى تضعيفه، وهي مخرجة في "صحيح أبي داود". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 و (حُباب) يعني بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة: نوع من الحيَّاتِ، وروي (1) أنه اسم شيطان. و (الشِّهابُ) الشعلة من النار، والنار عقوبة الله. وأما (عَفِرَةُ) -يعني بفتح العين وكسر الفاء- فهي نعت الأرض التي لا تنبت فيها شيئاً، فسماها: خضرة على معنى التفاؤل حتى تُخضِر" انتهى (2). 7 - (الترغيب في تأديب الأولاد). [لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا].   (1) قلت: فيه إشارة إلى ضعف الحديث المروي في ذلك، وبيانه في "الضعيفة" (3511). (2) يعني كلام الخطابي باختصار، وهو في "المعالم" (7/ 255 - 256). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 8 - (الترهيب من أنْ يَنْتَسِبَ الإنسان إلى غير أبيه أو يتولى غير مواليه). 1984 - (1) [صحيح] عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن ادَّعى إلى غيرِ أبيهِ وهو يعلَمُ أنَّه غيرُ أبيهِ؛ فالجنَّةُ عليه حرَامٌ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن سعد وأبي بَكْرة جميعاً. 1985 - (2) [صحيح] وعن أبي ذرّ رضي الله عنه؛ أنَّه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ليسَ مِنْ رجلٍ ادّعَى لغيرِ أبيهِ وهو يعلَمْ؛ إلاَّ كَفَر، ومَنِ ادَّعى ما ليسَ له؛ فليسَ منَّا، ولْيَتبوَّأْ مقْعَدهُ مِنَ النارِ، ومَنْ دَعا رجلاً بالكُفْرِ، أو قال: عَدُوَّ الله! وليسَ كذلك؛ إلا حارَ عليهِ". رواه البخاري ومسلم. (حار) بالحاء المهملة والراء، أي: رجع عليه ما قال. 1986 - (3) [صحيح] وعن يزيد بن شريك بن طارق التميمي قال: رأيتُ عليّاً رضي الله عنه على المنْبَرِ يخطُبُ، فسمعتُه يقولُ: لا والله ما عندَنا مِنْ كتابٍ نقْرَؤه إلا كتابَ الله، وما في هذه الصحيفَةِ، فَنَشرها، فإذا فيها أسْنان الإبِلِ، وأشياءٌ مِنَ الجِراحاتِ، وفيها: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المدينةُ حرمٌ ما بين عَير إلى ثَوْرٍ، فَمَنْ أحْدَثَ فيها حَدَثاً، أوْ آوى مُحدِثاً، فعليه لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجمَعين، لا يقبلُ الله منهُ يومَ القِيامَةِ عَدْلاً ولا صَرْفاً، وذِمَّةُ المسلمين واحِدَةٌ، يَسْعى بها أدْناهُم، فَمنْ أخْفَر مسلِماً فعليهِ لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجْمَعين، لا يقبلُ الله منهُ يومَ القيامَة عَدْلاً ولا صَرْفاً. الحديث: 1984 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 ومنِ ادَّعى إلى غير أبيه أو انْتمَى إلى غير مواليهِ فعليهِ لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجْمعينَ، لا يقبلُ الله منه يومَ القيامَةِ عَدْلاً ولا صَرْفاً. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. (1) 1987 - (4) [حسن صحيح] وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كُفرٌ (2) تَبرُّؤ مِنْ نَسبٍ وإنْ دَقَّ، وادِّعاءُ نسبٍ لا يُعْرَفُ". رواه أحمد والطبراني في "الصغير". وعمرو يأتي الكلام عليه. 1988 - (5) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنِ ادَّعى إلى غيرِ أبيه؛ لَمْ يَرُحْ رائحَةَ الجنَّةِ، إن ريحَها ليوجَدُ مِنْ قدرِ سبعينَ عاماً، أو مسيرةِ سبعينَ عاماً" (3).   (1) قلت: يعني في "الكبرى" (2/ 486/ 4277 و4278)، وليس عنده، ولا عند المذكورين معه "رأيت علياً رضي الله عنه على المنبر"، وقد ساقه البخاري في خمسة مواضع (1870 و3172 و3179 و6755 و7300)، وكذلك ليست عند آخرين ممن خرجوا الحديث كابن حبان بروايتين (3708 و3709)، وأحمد بثلاث روايات، وغيرهم، وهو مخرج في "الإرواء" (1058)، فالظاهر أنَّ المؤلف رواه بالمعنى ففي رواية البخاري الأخيرة بلفظ: "خطبنا علي رضي الله عنه على منبر من آجر، وعليه سيف فيه صحيفة معلقة، فقال. . .". (2) الأصل: (كفى)، والتصويب من مصادر التخريج، وقد أخرجوه من طرق عن عمرو بن شعيب. . وجهل ذلك كله المعلقون الثلاثة، فضعفوا الحديث بطريق أحمد قائلين (2/ 704): "وذكره الهيثمي في "المجمع" (1/ 97)، وعزاه لأحمد والطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، قلنا (!): في إسناده المثنى بن الصباح ضعيف اختلط بأخرة"! فأقول: المثنى متابع عند الطبراني من يحيى بن سعيد الثقة، ولذلك لم يعله به المنذري ولا الهيثمي، بل أشار هذا -كالمنذري- إلى تقويته بقوله بعد عزوه للثلاثة: "وهو في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده". مشيراً إلى احتجاج البخاري والأئمة بروايته، فحذف الجهلة قوله هذا ليستعلوا عليه باستدراكهم الذي يطفح استكباراً وجهلاً: "قلنا. ."! والله المستعان. والحديث مخرج في المجلد السابع من "الصحيحة" (3370). (3) قلت: شك أحد الرواة -وهو وهب بن جرير عندي- أنْ يكون الحديث بلفظ "قدر" أو "مسيرة"، ويرجح الثاني أنَّه رواه محمد بن جعفر بإسناد وهب باللفظ الثاني ولم يشك. الحديث: 1987 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 رواه أحمد. (1) 1989 - (6) [صحيح] وعنِ ابْنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنِ ادَّعى إلى غير أبيه أوْ تَولَّى غير مواليهِ، فعليهِ لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجمعينَ". رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه". 1990 - (7) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنِ ادّعى إلى غيرِ أبيهِ أو انْتَمى إلى غير مواليهِ، فعليه لعنةُ الله المتَتَابِعَة إلى يومِ القِيامَةِ". رواه أبو داود. 1991 - (8) [صحيح لغيره] وعن أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنِ ادَّعى نسباً لا يُعرَفُ كفر بالله، أو انْتَفى مِنْ نَسبٍ وإنْ دَقَّ كَفَر بالله". رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية الحجاج بن أرطاة، وحديث عمرو بن شعيب يعضده.   (1) في الأصل هنا: "وابن ماجه؛ إلا أنه قال: "وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمئة عام". ورجالها رجال الصحيح. وعبد الكريم هو الجَزَري، ثقة احتج به الشيخان وغيرهما، ولا يُلتفت إلى ما قيل فيه". قلت: هذا مسلّم، لكن الجزم بأنه الجزري فيه نظر، لأنه عند ابن ماجه (2611) عن محمد ابن الصباح: أنبأنا سفيان عن عبد الكريم عن مجاهد عن ابن عمرو. ومجاهد قد روى عنه الجزري هذا، وروى عنه عبد الكريم بن أبي أمية البصري، وهو ضعيف، وكل منهما روى عنه سفيان بن عيينة، وهو المراد هنا، وقد رواه الحكم بن عتيبة عن مجاهد بلفظ: "سبعين عاماً" كما تراه في رواية أحمد الصحيحة، وهذه مخالفة ظاهرة من عبد الكريم، وإذا كان من المحتمل أن يكون ابن أبي أمية الضعيف، فتعصيب المخالفة به أولى من تعصيبها بابن الجزري الثقة كما هو ظاهر لا يخفى بإذن الله تعالى. الحديث: 1989 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 9 - (ترغيب من مات له ثلاثة من الأولاد أو اثنان أو واحد فيما يذكر من جزيل الثواب). 1992 - (1) [صحيح] عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِنْ مسلمٍ يموتُ له ثلاثةٌ لمْ يَبْلُغوا الحِنْثَ؛ إلا أدْخَلَهُ الله الجنَّة بفضلِ رحْمَتِه إيّاهُم". رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه. [صحيح لغيره] وفي رواية للنسائي: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من احتسبَ ثلاثةً من صلبِهِ؛ دخلَ الجنةَ". فقامت امرأةً فقالت: أو إثنان؟ فقال: "أو اثنان". (1) [حسن صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" مختصراً: "مَنِ احْتَسَبَ ثلاثةٌ مِن صُلبِه دَخَلَ الجنةَ". (الحِنْثُ) بكسر الحاء وسكون النون: هو الإثم والذنب. والمعنى: أنَّهم لم يبلغوا السن الذي تكتب عليهم في الذنوب. 1993 - (2) [حسن] وعن عتبةَ بنِ عبدٍ السلمي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما مِنْ مسلمٍ يموتُ له ثلاثَة مِنَ الوَلدِ لمْ يَبْلُغوا الحِنْثَ؛ إلا تَلقَّوْهُ مِنْ   (1) تمام الحديث في الأصل: "قالت المرأة: يا ليتني قلت: واحد". حذفتها لأنها ليست على شرط الكتاب، ففي إسناد النسائي وغيره أيضاً (عمران بن نافع)، وهو وإن وثقه النسائي فليس له إلا راوٍ واحد، ولذلك أشار الحافظ الذهبي إلى تليين توثيقه في "المغني"، وكذا الحافظ العسقلاني في قوله في "التقريب": "مقبول". الحديث: 1992 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 أبْوابِ الجنَّةِ الثمانِيَةِ منْ أيِّها شاءَ دخَلَ". رواه ابن ماجه بإسناد حسن. 1994 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يموتُ لأَحدٍ مِنَ المسلمينَ ثلاثَةٌ مِنَ الوَلَد فتَمسَّه النارُ إلا تَحِلَّةَ القَسَمِ". رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. [صحيح] ولمسلمٍ: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لِنسْوَةٍ منَ الأنْصارِ: "لا يموتُ لإحْداكُنَّ ثلاثةٌ مِنَ الوَلدِ فتَحْتَسِبُه؛ إلاَّ دخَلَتِ الجنَّةَ". فقالتِ امْرأَةٌ منهنَّ: أوِ اثْنانِ يا رسولَ الله؟ قال: "أوِ اثْنانِ". وفي أخرى له أيضاً قال: أتتِ امْرأةٌ بصبي لها فقالَتْ: يا نبيَّ الله! ادعُ الله لي، فلَقَدْ دفنتُ ثلاثَةً. فقال: "أدفَنْتِ ثلاثةً؟ ". قالتْ: نَعم. قال: "لقدِ احْتَظَرْتِ بِحِظارٍ شديدٍ مِنَ النارِ". (الحِظَار) بكسر الحاء المهملة وبالظاء المعجمة: هو الحائط يجعل حول الشيء كالسور المانع، ومعناه: لقد احتميت وتحصنت من النار بحمى عظيم، وحصن حصين. 1995 - (4) [صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما مِنْ مُسْلِمَيْنِ يموتُ بينهُما ثلاثَةٌ مِنَ الولَدِ لمْ يَبْلُغوا الحِنْثَ؛ إلا الحديث: 1994 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 أدْخَلَهُما الله الجنَّة بفضْلِ رحمَتهِ إيَّاهُمْ". رواه ابن حبان في "صحيحه". 1996 - (5) [صحيح] وهو في "المسند" من حديث أم أنس بن مالك. 1997 - (6) [صحيح] وفي "النسائي" بنحوه من حديث أبي هريرة، وزاد فيه: قال: "يُقالُ لهمُ: ادْخُلوا الجنَّة، فيقولونَ: حتَّى تَدخلَ آباؤنا. فيقالُ لهم: ادْخُلوا الجنَّةَ أنتم وآباؤكم". 1998 - (7) [صحيح] وعن أبي حسّان قال: قلت لأبي هريرة: إنَّه قد ماتَ لي ابْنان فما أنتَ مُحَدِّثي عنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحديثٍ تُطيِّبُ [به] أنفُسَنا عن موتانا؟ قال: نعم، "صِغارُهم دَعاميصُ الجنَّةِ، يَتلقَّى أحدُهم أباه، أو قال: أبويه، فيأخذُ بثوِبه، أو قال: بيدِه، كما آخذ أنا بصَنَفَةِ ثوِبك هذا، فلا يتَناهى -أوْ قال: ينتهي- حتى يُدخِلَهُ الله وأباهُ الجنَّةَ". رواه مسلم (1). (الدَّعامِيصُ) بفتح الدال جمع (دُعموص) بضمها: وهي دويبة صغيرة يضرب لونها إلى السواد تكون في الغُدران إذا نشفت. شبه الطفل بها في الجنة لصغره وسرعة حركته. وقيل: هو اسم للرجل الزوّار للملوك، الكثير الدخول عليهم والخروج، لا يتوقف على إذن منهم، ولا يخاف أين ذهب من ديارهم، شبه طفل الجنة به لكثرة ذهابه في الجنة حيث شاء، لا يمنع من بيت فيها ولا موضع. وهذا قول ظاهر. والله أعلم.   (1) قلت: وأحمد أيضاً (2/ 510)، وفيه أنَّه سمعه من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهو رواية لمسلم (8/ 40)، والزيادة منه، وفيه ما أثبته أعلاه: "وأباه الجنة". وقال الناجي: "الصواب: "وأبويه" بالتثنية"، ولم أرتح له، لمخالفته لرواية مسلم وأحمد أيضاً. الحديث: 1996 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 و (صَنَفَة) الثوب بفتح الصاد المهملة والنون بعدهما فاء وتاء تأنيث: هي حاشيته وطرفه الذي لا هُدْبَ له. وقيل: بل هي الناحية ذات الهدب. 1999 - (8) [صحيح] وعن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه قال: جاءَتِ امرأةٌ إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالتْ: يا رسولَ الله! ذهَبَ الرِجالُ بحديثِكَ، فاجْعَلْ لنا مِنْ نفسِك يوماً نأتيكَ فيه، تُعلِّمُنا ممَّا علّمكَ الله. قال: "اجْتَمِعْنَ يومَ كذا وكذا، في مَوْضع كذا وكذا (1) ". فاجْتَمْعَن، فأتاهُنَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعلَّمهنَّ ممَّا علَّمهُ الله؛ ثم قال: "ما مِنكنَّ منِ امْرَأةٍ تقدِّمُ ثلاثَةً مِنَ الوَلدِ؛ إلا كانوا لَها حِجاباً مِنَ النارِ". فقالتِ امْرأَةٌ: واثْنَيْنِ، [واثنين، واثنين]؟ فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "واثْنَيْنِ، [واثنين، واثنين] ". رواه البخاري ومسلم. 2000 - (9) [صحيح] وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنَّه قال: "مَنْ أثْكَل ثلاثَةً مِنْ صُلبِه فاحْتَسَبَهُم على الله، [قال أبو عشانة مرة:] في سبيلِ الله عزَّ وجلَّ؛ وجَبَتْ لَه الجنَّةُ". رواه أحمد والطبراني، ورواته ثقات. (2)   (1) ليس عند مسلم (8/ 39) والسياق له: "في موضع كذا وكذا"، وإنما هو للبخاري، إلا أنَّه قال: "مكان" بدلاً "موضع" انظر "مختصر صحيح البخاري" (96 - كتاب /9 - باب). والمكان المشار إليه كان بيتاً لأحدهم كما في حديث أبي هريرة في هذه القصة، وهو مخرج في "الصحيحة" (2680)، وقد نبهت هناك على بدعية تدريس المرأة في المسجد على النساء كما يفعل بعضهن في دمشق وغيرها. وصدق نبينا القائل: (وبيوتهنَّ خير لهن). والزيادتان من "الصحيحين". (2) قلت: وإسناد الطبراني صحيح، وخفي ذلك على الشيخ الناجي، فتعقبه بقوله (ق 171/ 1): "كيف وفيه ابن لهيعة؟! ". وإنما هو في إسناد أحمد فقط! ونقله عنه المعلقون الثلاثة (2/ 710)، ولم يتعقبوه لعجزهم عن الرجوع إلى الأصول! وهو مخرج في "الصحيحة" (2296). الحديث: 1999 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 2001 - (10) [حسن] وعن عبد الرحمن بن بشير الأنصاري رضي الله عنه قال قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ مات له ثلاثَةٌ مِنَ الوَلدِ لمْ يَبْلُغوا الحِنْثَ؛ لَمْ يَردِ النارَ إلا عابِرَ سبيلٍ. يعني الجوازَ على الصِّراط". رواه الطبراني بإسناد لا بأس به، وله شواهد كثيرة (1). 2002 - (11) [صحيح لغيره] وعن أبي أُمامَة عن عَمْرِو بنِ عَبْسَة قال: قلتُ له حدَّثْنا: حديثاً سمعتَهُ مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليسَ فيه انْتِقاصٌ ولا وَهْمٌ، قال: سمعتُه يقولُ: "مَنْ وُلِدَ له ثلاثَةُ أولادٍ في الإسْلامِ، فماتوا قبْلَ أنْ يَبْلُغوا الحِنْثَ؛ أدْخَلَهُ الله الجنَّةَ بِرَحْمتهِ إيَّاهُمْ، ومَنْ أَنْفقَ زوْجَيْنِ (2) في سبيلِ الله فإنَّ لِلْجَنَّةِ ثمانِيَة أبْوابٍ يُدْخِلُهُ الله مِنْ أيِّ بابٍ شاءَ منها الجنَّةَ". رواه أحمد بإسناد حسن. 2003 - (12) [صحيح] وعنْ حَبيبَةَ: أنَّها كانَتْ عند عائشَةَ رضي الله عنها، فجاءَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى دَخَل عليها فقال: "ما مِنْ مُسلمَيْنِ يموتُ لهما ثلاثَةٌ مِنَ الوَلدِ لمْ يَبْلغُوا الحِنْثَ؛ إلا جيءَ بهِمْ يومَ القِيامَةِ حتى يوقَفوا على بابِ الجنَّةِ، فيقالُ لهم: ادْخُلوا الجَنَّةَ.   (1) قلت: منها الحديث الثالث في الباب. (2) أي: شيئين من أي نوع كان ينفق. و (الزوج) يطلق على الواحد وعلى الاثنين، وهو هنا على الواحد جزماً. وقد جاء تفسيره في بعض الأحاديث: إنْ كانت رحالاً فرحلان، وإنْ كان خيلاً ففرسان، وإنْ كانت إبلاً فبعيران، حتى عدَّ أصناف المال كله. الحديث: 2001 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 فيقولون: حتى تَدْخُلَ آباؤنا. فيقالُ لهم: ادْخُلوا الجنَّةَ أنتُم وآباؤكُمْ". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن جيد. 2004 - (13) [صحيح لغيره] وعن زهير بن علقمة رضي الله عنه قال: جاءَتِ امْرأَةٌ مِنَ الأنْصارِ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ابْنٍ لها ماتَ، فكأنَّ القومَ عَنَّفوها، فقالتْ: يا رسولَ الله! قد ماتَ لي ابْنانِ منذُ دَخَلْتُ في الإسْلامِ سوى هذا، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "والله لقدِ احْتَظَرْتِ مِنَ النارِ بِحِظارٍ شديدٍ". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد صحيح (1). وتقدم معنى (الحظار) [تحت الحديث 3 في الباب]. 2005 - (14) [صحيح لغيره] و [رواه] الحاكم [يعني حديث الحارثِ بن أَقْيش (2) رضي الله عنه]، وقال: "صحيح على شرط مسلم"، ولفظه: قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من مسلمَين يقدِّمان ثلاثة لم يبلغوا الحِنثَ إلا أدخلَهُما الله الجنةَ بفضلِ رحمتِه إياهم". قالوا: يا رسول الله! وذو الاثنين؟ قال: "وذو الاثنين. إنَّ مِنْ أُمَّتي مَنْ يَدْخُلُ الجنَّةَ بِشفاعَتِهِ أكثَرُ مِنْ مُضَرَ. . (3) ".   (1) قلت: نعم إنْ ثبتت صحبة زهير، ففيها خلاف. انظر "الإصابة"، ثم إن الحديث رواه البزار أيضاً مختصراً (858)، لكنْ بلفظ: "بابن لها" دون قوله: "مات". ولذلك أورده الهيثمي (3/ 8) في "باب من مات له ابنان"، وغاير بينه وبين حديث الطبراني، فأورد هذا في باب قبله "في موت الأولاد"، وسقط منه "في ابن لها مات"!. (2) بالقاف والمعجمة مصغرًا، وقد تبدل الهمزة واواً. (3) هنا زيادة فيمن يعظم للنار ليست من شرط "الصحيح"، فحذفتها، فانظرها إن شئت في "الضعيف". الحديث: 2004 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 2006 - (15) [حسن صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ ماتَ له ثلاثَةٌ مِنَ الولدِ فاحْتَسَبهُمْ؛ دخَلَ الجنَّة". قال: قلنا: يا رسولَ الله! واثْنانِ؟ قال: "واثْنانِ". قال محمود -يعني ابن لبيد-: فقلت لجابر: أراكم لو قلتُمْ: وواحد؟ لقالَ: وواحد. قال: وأنا [والله] (1) أظُنُّ ذلِكَ. رواه أحمد وابن حبان في "صحيحه". 2007 - (16) [صحيح] وعن قُرَّةَ بْنِ إياسٍ رضي الله عنه: أنَّ رجلاً كان يأتي النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعه ابنٌ له، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتُحِبُّه؟ ". قال: نعم يا رسول الله! أحبَّك الله كما أحِبُّه. فَفقَدهُ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ما فعلَ ابْنُ فلانٍ" (2). قالوا: يا رسول اللهً! ماتَ. فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأَبيهِ: "ألا تُحِبُّ أنْ لا تأتيَ باباً مِنْ أبْوابِ الجنَّةِ إلا وَجَدْتَهُ ينْتَظِرُكَ؟ ". فقال رجلٌ (3): يا رسول الله! أله خاصَّةً، أم لكلنا؟ قال: "بل لِكُلِّكُمْ".   (1) زيادة من المصدرين المذكورين، والسياق لأحمد، وسنده حسن، ومنه صححت بعض الأخطاء كانت في الأصل، غفل عنها المعلقون كعادتهم! (2) الأصل: "فلان بن فلان"، وكذا في "المجمع"، والذي أثبته في "المسند"، ولعله أصح. (3) وقع في "المسند" (5/ 35): (الرجل)، والصواب ما هنا، وكذلك في "المجمع" (3/ 10) فإنَّ في رواية البيهقي: "رجل من الأنصار"، والحديث مخرج في "أحكام الجنائز" (205 - المعارف). الحديث: 2006 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 رواه أحمد، ورجاله رجال "الصحيح"، والنسائي، وابن حبان في "صحيحه" باختصار قول الرجل: "ألَهُ خاصَّة،. . ." إلى آخره. [صحيح] وفي رواية: للنسائي قال: كانَ نبيُّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا جلسَ جلسَ إليه نَفَرٌ مِنْ أصحابِه، فيهم رجلٌ له ابنٌ صغيرٌ يأتيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِه فيُقعِدُه بين يديه، فهَلَك، فامْتَنع الرجلُ أنْ يحضُر الحلَقَة لِذكْرِ ابْنه، [فَحزِنَ عليه،] فَفقَده النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ما لي لا أرى فلاناً؟ ". قالوا: يا رسولَ الله! بُنَيُّه الذي رأيتَه هلَك. فلقيَهُ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسأله عَنْ بُنَيِّه؟ فأخبَرهُ أنَّه هلَكَ. فعزَّاه عليه، ثم قال: "يا فلانُ! أَيُّما كان أحبُّ إليكَ أن تَتَمَتَّعَ به (1) عُمُرَكَ، أوْ لا تأتي [غداً] إلى بابٍ مِنْ أبْوابِ الجنَّةِ إلا وَجَدْتَهُ قد سَبَقك إليه يَفْتَحهُ لك؟ ". قال: يا نبيَّ الله! بَلْ يَسْبِقُني إلى بابِ الجنَّةِ، فَيَفْتَحُها [لي]، لَهُوَ أحبُّ إليَّ. قال: "فذاك لَكَ". 2008 - (17) [صحيح لغيره] وعن معاذٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: . . . . . . . . . . . . . . . . . "والَّذي نفْسي بيده إنَّ السِّقْطَ لَيَجُرُّ أمِّه بسَرَرِه إلى الجنَّةِ إذا احْتَسَبتهُ". رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد حسن، أو قريب من الحسن (2).   (1) كذا الأصل والمخطوطة. وفي النسائي (تُمتَّع). (2) قلت: لكن جملة السقط هذه لها شاهد من حديث عبادة، وآخر من حديث علي، وهذا في "المشكاة" (1757). والسطر المشار إليه بنقاط من حصة "الضعيف". الحديث: 2008 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 (السّرَرِ) بسين مهملة وراء مكررة محركاً: هو ما تقطعه القابلة، وما بقي بعد القطع فهو السُّرَّة. 2009 - (18) [صحيح] وعن أبي سلمى راعي رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "بخ بخٍ، -وأشار بيده لِخَمْسٍ- ما أثْقَلهُنَّ في الميزانِ: سُبْحانَ الله، والحمدُ لله، ولا إله إلاَّ الله، والله أكبرُ. والوَلَد الصالِحُ يُتَوَفَّى للِمَرْءِ المسلمِ، فيحتَسِبُه". رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له، والحاكم. [مضى 14 - الذكر / 7]. 2010 - (19) [صحيح لغيره] ورواه البزار من حديث ثوبان؛ وحسن إسناده. 2011 - (20) [صحيح لغيره] والطبراني من حديث سفينة؛ ورجاله رجال "الصحيح"، وتقدم [هناك]. 2012 - (21) [حسن لغيره] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا ماتَ ولَدُ العبدِ قال الله لملائكَتِه: قبضْتُمْ وَلدَ عبْدي؟ فيقولونَ: نَعَمْ. فيقولُ: قبَضْتُم ثَمْرةَ فؤادِه؟ فيقولونَ: نَعمْ. فيقول: ماذا قالَ عبْدِي؟ فيقولونَ: حمِدَكَ واسْتَرْجعَ. فيقولُ [الله تعالى]: ابْنُوا لِعبْدي بَيتاً في الجنَّةِ، وسَمُّوهُ بيتَ الحَمْدِ". رواه الترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب". الحديث: 2009 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 10 - (الترهيب من إفساد المرأة على زوجها والعبد على سيده). 2013 - (1) [صحيح] عن بُرَيْدةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليسَ منّا مَنْ حلَف بالأمانَةِ، ومن خَبَّبَ على امْرئٍ زوجتَه أوْ مَمْلوكَه فليسَ مِنَّا". رواه أحمد بإسناد صحيح -واللفظ له- والبزار، وابن حبان في "صحيحه". (خَبَّبَ) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأُولى؛ معناه: خدع وأفسد. 2014 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليس مِنّا مَنْ خَبَّبَ امْرأَةً على زَوْجِها، أو عبْداً على سيِّدهِ". رواه أبو داود -وهذا أحد ألفاظه- والنسائي وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: "مَن خَبَّبَ عبداً على أهلِه فليسَ مِنَّا، ومَنْ أفْسَد امْرأةً على زوجِها فليسَ مِنَّا". 2015 - (3) [صحيح لغيره] رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط" بنحوه من حديث ابن عمر. 2016 - (4) [صحيح لغيره] ورواه أبو يعلى والطبراني بنحوه في "الأوسط" من حديث ابن عباس. ورواة أبي يعلى كلهم ثقات. 2017 - (5) [صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ إبليسَ يضعُ عرشَه على الماءِ، ثمَّ يبعثُ سراياه، فأدْناهُم منه منزِلةً الحديث: 2013 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 أعظمُهم فِتْنةً؛ يجيءُ أحدُهم فيقولُ: فعلتُ كذا وكذا. فيقولُ: ما صنعتَ شْيئاً. ثُمَّ يجيءُ أحدُهم فيقولُ: ما تركْتُه حتى فَرَّقْتُ بينه وبينَ امْرأَتِه! فيُدْنيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنتَ. فيَلْتَزِمُه" (1). رواه مسلم وغيره.   (1) قلت: لفظ مسلم (8/ 138): "نعم أنت. قال الأعمش: أراه قال: فيلتزمه". وهذا السياق يحتمل أن الأعمش شك في هذه الزيادة "فيلتزمه"؛ هل قالها الراوي أم لا؟ وعليه جرى المؤلف، حيث ضمها إلى أصل الحديث، ويحتمل: أنَّ شكه إنما كان هل قال الراوي: "فيدنيه منه"، أم قال: "فيلتزمه"، ولم يجمع بينهما، وهذا أقرب عندي لرواية أحمد (3/ 314 - 315) بلفظ: "قال: فيدنيه منه، أو قال: فيلزمه ويقول: نعم أنت. قال أبو معاوية (وهو الراوي عن الأعمش) مرة: فيدنيه منه". قلت: فجزم بهذا مرة ولم يشك. والله أعلم. وقد صح الحديث بأتم منه من رواية أبي موسى الأشعري مرفوعاً، وسيأتي (21 - الحدود/ 9)، فانظره هناك. وراجع له "الصحيحة" (3261) و"الضعيفة" (6102)، فإن في رواية حديث جابر اختصاراً مخلاً، يطول الكلام ببيانه، والتفصيل في "الضعيفة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 11 - (ترهيب المرأة أن تسألَ زوجَها الطلاقَ من غير بأس). 2018 - (1) [صحيح] عن ثوبان رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أيُّما امْرأةٍ سألتْ زوجَها طلاقَها مِنْ غيرِ ما بأسٍ؛ فحرامٌ عليها رائحة الجنَّةِ". رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي في حديث (1) قال: "وإنَّ المخْتَلِعاتِ [والمنتزعات] هنَّ المنافِقاتً، وما مِنِ امْرأَةٍ تسألُ زوجَها الطلاقَ مِنْ غَيْرِ بأسٍ؛ فتجد ريحَ الجنَّةِ، أو قال: رائِحة الجنَّةِ".   (1) لم أعرف هذا الحديث، ولا أظن أنَّه روي هكذا، وإنما هو من أوهام المؤلف رحمه الله، ركبه من حديثين عند البيهقي (7/ 316)، أحدهما عن أبي هريرة بالجملة الأولى، والزيادة منه، والآخر: عن ثوبان، وهو الذي قبله. وهذا مخرج في "الإرواء" (7/ 100)، والذي قبله في "الصحيحة" (632)، وأما المعلقون الثلاثة فخرَّجوا وخلطوا ولم يميزوا كعادتهم. الحديث: 2018 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 12 - (ترهيب المرأة أن تخرج من بيتها متعطَّرة متزيِّنة). 2019 - (1) [حسن] عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كلُّ عينٍ زانِيَةٌ، والمرأةُ إذا اسْتَعْطَرَتْ فمَرَّتْ بالْمجلِسِ فهي كذا وكذا. يعني زانِيةٌ". رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". [حسن] ورواه النسائي، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، ولفظهم: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيُّما امْرأَةٍ اسْتَعْطَرتْ فمرَّتْ على قومٍ لِيَجدوا ريحَها فهيَ زانِيَةٌ، وكلُّ عينٍ زانِيَةٌ". ورواه الحاكم أيضاً وقال: "صحيح الإسناد". 2020 - (2) [حسن لغيره] وعن موسى بن يسار قال: مرَّتْ بأبي هريرةَ امرأةٌ وريحُها تَعصِفُ. فقال لها: أينَ تُريدين يا أمَةَ الجبَّارِ؟ قالتْ: إلى المسجدِ. قال: وتطَيَّبْتِ؟ قالتْ: نعم. قال: فارْجِعي فاغْتَسلِي، فإنَّني سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يقبَلُ الله مِنِ امْرأةٍ صلاةً خرجَتْ إلى المسجِد وريحُها تعْصِفُ حتى ترجعَ فتَغْتَسِلَ". رواه ابن خزيمة في "صحيحه" قال: "باب إيجاب الغسل على المطيبة للخروج إلى المسجد، ونفي قبول صلاتها إنْ صلت قبل أن تغتسل، إنْ صح الخبر" (1).   (1) "صحيح ابن خزيمة" (3/ 91)، وموسى بن يسار هو الأردني ولم يسمع من أبي هريرة، ولذلك ذكرت في تعليقي على "الصحيح" أنَّه منقطع، وقول المصنف أنَّه متصل يبدو لي أنَّه ظن بأنَّ موسى هذا هو ابن يسار المدني وهو وهم؛ فإنَّ هذا لم يرو عنه الأوزاعي، وهذا من روايته عنه. نعم الحديث حسن كما بينت هناك، رقم الحديث (1682). الحديث: 2019 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 (قال الحافظ): "إسناده متصل، ورواته ثقات، وعمرو بن هاشم البيروتي ثقة، وفيه كلام لا يضر" (1). [حسن لغيره] ورواه أبو داود وابن ماجه من طريق عاصم بن عبيد الله العمري، وقد مشاه بعضهم، ولا يحتج به، وإنما أُمِرَتْ بالغُسل لذَهابِ رائحَتِها. والله أعلم. 2021 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيُّما امْرَأةٍ أصابَتْ بَخُوراً فلا تَشهدَنَّ معَنا العِشَاءَ -قال ابن نفيل:- الآخِرَةَ". رواه أبو داود، والنسائي وقال: "لا أعلم أحداً تابع يزيدَ بن خُصَيفة عن بُسر بن سعيد على قوله: "عن أبي هريرة". وقد خالفه يعقوب بن عبد الله بن الأشج؛ رواه عن زينب الثقفية". ثم ساق حديث بُسر عن زينب من طرق به. (2) (قال الحافظ): "وتقدم في "كتاب الصلاة" [5/ 12] جملة أحاديث في صلاتهن في بيوتهن".   (1) قلت: هو صدوق يخطئ، لكنَّه منقطع بين موسى بن يسار وأبي هريرة كما في "التهذيب"، لكنَّه يتقوى، بطريق عاصم العمري، رواه عن عبيد مولى أبي رُهْم عن أبي هريرة، وهو مخرج في "الصحيحة" (1031) و"جلباب المرأة" (138). (2) قلت: يزيد -وهو ابن عبد الله- بن خصيفة، ثقة من رجال الشيخين، فلا وجه لتوهيمه بإسناده عن أبي هريرة، ولذلك أخرجه مسلم عنه (2/ 34)، كما أخرجه من طريق غيره من حديث زينب بل إنَّ إسناده عن الأول أصح، لأنَّ في إسناد الآخر محمد بن عجلان، وفيه كلام معروف، ولذلك إنما أخرج له مسلم في الشواهد. الحديث: 2021 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 13 - (الترهيب من إفشاء السر سيما ما كان بين الزوجين). 2022 - (1) [صحيح لغيره] وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها: أنَّها كانتْ عندَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والرجالُ والنساءُ قعودٌ عندَه، فقال: "لعلَّ رجلاً يقولُ ما فعلَ بأهْلهِ، ولعلَّ امْرأةً تُخبِرُ بِما فعلَتْ معَ زوْجِها". فأرَمَّ القومُ، فقلْتُ: أيْ والله يا رسولَ الله! إنَّهم لَيفْعلون، وإنَّهُن ليفْعَلْنَ. قال: "فلا تَفْعلوا، فإنَّما مثلُ ذلك شيطانٌ لِقيَ شَيْطانَة، فغَشِيَها والناسُ يَنْظُرونَ". رواه أحمد من رواية شهر بن حوشب (1). (أَرَمَّ القوم) بفتح الراء وتشديد الميم، أي: سكتوا. وقيل: سكتوا من خوف ونحوه. 2023 - (2) [حسن لغيره] وروي عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ألا عَسى أحدَكم أنْ يخْلُوَ بأهلهِ؛ يُغْلِقُ باباً؛ ثُمَّ يرخي سِتْراً، ثمَّ يقْضي حاجَتَه، ثُمَّ إذا خَرج حَدَّثَ أصْحابَه بذلك. ألا عَسى إحْداكُنَّ أنْ تُغْلِقَ بابَها، وتُرخي سِتْرها، فإذا قَضَتْ حاجَتها حَدَّثَتْ صَواحِبَها". فقالتِ امْرأَةٌ سَفْعاءُ الخدَّينِ: والله يا رسول الله! إنَّهُن ليَفْعَلْنَ، وإنَّهُمْ لَيفْعلون، قال: "فلا تَفْعَلوا، فإنّمَا مثلُ ذلك مثلُ شيْطانٍ، لقِيَ شيطانَة على قارِعَةِ الطريقِ، فَقَضى حاجَتَهُ مِنْها، ثُمَّ انْصرفَ وتَرَكها".   (1) قلت: لكن له شواهد يتقوى بها، خرجتها في المصدر السابق (62 - 63)، منها ما يأتي بعده. الحديث: 2022 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 رواه البزار. وله شواهد تقويه. 2024 - (3) [حسن لغيره] وهو عند أبي داود مطولاً بنحوه من حديث شيخ من طفاوة -ولم يسمِّه- عن أبي هريرة. 2025 - (4) [حسن] وعنه [يعني جابراً رضي الله عنه]؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا حدَّث رجل رجُلاً بحديثٍ ثُمَّ الْتَفَت (1)؛ فهو أمانَةٌ". رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن، وإنما نعرفه من حديث ابن أبي ذئب". (قال الحافظ): "وفي إسناده عبد الرحمن بن عطاء المدني، ولا يمنع من تحسين الإسناد. والله أعلم".   (1) أي: انصرف عن المجلس. الحديث: 2024 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 18 - كتاب اللباس والزينة 1 - (الترغيب في لبس الأبيض من الثياب). 2026 - (1) [صحيح] عنِ ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الْبَسوا مِنْ ثِيابِكُم البَياضَ؛ فإنَّها مِنْ خيرِ ثيابِكُم، وكَفِّنوا فيها موتاكُم". رواه أبو داود، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". وابن حبان في "صحيحه". 2027 - (2) [صحيح] وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الْبَسوا البَياضَ؛ فإنها أطْهَرُ وأطْيَبُ، وكَفِّنوا فيها مَوْتاكُمْ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". والنسائي وابن ماجه، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". الحديث: 2026 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 2 - (الترغيب في القميص والترهيب من طوله وطول غيره مما يلبس، وجره خيلاء، وإسباله في الصلاة وغيرها). 2028 - (1) [صحيح] عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كانَ أحبَّ الثيابِ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القميصُ". رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، وابن ماجه، ولفظه: -وهو رواية لأبي داود-: "لَمْ يَكُنْ ثوبٌ أحبَّ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ القميصِ". 2029 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزارِ ففي النارِ". رواه البخاري والنسائي. وفي رواية للنسائي قال: "إزرةُ (1) المؤمِنِ إلى عَضَلَةِ ساقِهِ، ثمَّ إلى نِصْفِ ساقِهِ، ثم إلى كعْبِه، وما تَحْتَ الكعبينِ مِنَ الإزارِ ففي النارِ" (2). 2030 - (3) [حسن] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الإزار فهو في القَميصِ. رواه أبو داود.   (1) بالكسر: الحالة وهيئة الائتزار، مئل (الرَّكبةَ) و (الجلسةَ). "نهاية". (2) قال الخطابي (6/ 55): له تأويلان: أحدهما: أنَّ ما دون الكعبين من قدم صاحبه في النار؛ عقوبة له على فعله. والآخر: أنَّ صنيعه ذلك وفعله الذي فعله في النار، على معنى أنه معدود من أفعال أهل النار". الحديث: 2028 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 2031 - (4) [صحيح] وعن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه قال: سألتُ أبا سعيدٍ عن الإزار؟ فقال: على الخبيرِ (1) سَقطْتَ، قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إزرَةُ المؤمنِ إلى نِصْفِ الساقِ، ولا حَرَج -أو قال: لا جُناحَ- عليه فيما بيْنَهُ وبين الكَعْبينِ، وما كانَ أسفلَ مِنْ ذلك فهوَ في النارِ، ومَنْ جَرِّ إزارَهُ بَطَراً لَمْ يَنْظُرِ الله إليه يَوْمَ القِيامَةِ". رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه". 2032 - (5) [صحيح] وعن أنسٍ -قال حميد: كأنَّه يعني النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "الإزارُ إلى نصْفِ الساقِ". فشقَّ عليهم فقال: "أو إلى الكعبيْنِ، لا خيرَ فيما أسْفَلَ مِنْ ذلك". رواه أحمد (2)، ورواته رواة الصحيح.   (1) في الأصل زيادة: (بها)، وكذا في المخطوطة، وأظنها مقحمة، فإنها لم ترد في "سنن أبي داود" -والسياق له إلا في حروف قليلة-، وكذلك لم ترد في "مسند أحمد" (3/ 44)، وهما المصدران الوحيدان اللذان وردت فيهما هذه الجملة "على الخبير سقطت"؛ اللهم إلا النسائي، فلستُ أدري أهي عنده أم لا، لأنني لم أر الحديث في "الصغرى" له، ثم إن هذه الجملة قد جاءت في أحاديث أخرى من قول بعض الصحابة منهم عائشة عند مسلم (كتاب الحيض) وليس فيها (بها). ثم طبعت "السنن الكبرى" للنسائي، فرأيت الحديث فيه (5/ 490 - 491/ 9714 - 9717) دون الجملة، فالزيادة مقحمة يقيناً، وغفل عن ذلك المعلقون الثلاثة، وهو اللائق بالمتعالمين! (2) في "المسند" (3/ 256). وفي رواية له (3/ 249) عن حميد عن أنس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكره دون شك في رفعه، وسنده حسن، وكذلك رواه من طريق ثالثة (3/ 140) عن حميد، وسنده صحيح، ويشهد له حديث حذيفة: أخذ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعضلة ساقي فقال: "هذا موضع الإزار، فإنْ أبيت فأسفل، فإنْ أبيت فلا حق للإزار في الكعبين". أخرجه النسائي والترمذي وقال: "حسن صحيح، ورواه الثوري وشعبة عن ابن إسحاق". قال السندي: "والظاهر أنَّ هذا هو التحديد وإنْ لم يكن هناك خيلاء، نعم؛ إذا انضم إليه الخيلاء اشتد الأمر، وبدونه الأمر أخف". الحديث: 2031 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 2033 - (6) [صحيح] وعن زيد بن أسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: دخْلتُ على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليَّ إزارٌ يَتَقعْقَع (1)، فقال: "مَنْ هذا؟ ". فقلتُ: عبدُ الله بنُ عمر. قال: "إنْ كنتَ عبدَ الله فارْفَعْ إزارَك". فرفعتُ إزاري إلى نِصْفِ الساقينِ. فلَمْ تَزلْ إزْرَتُه حتَّى ماتَ. رواه أحمد، ورواته ثقات. 2034 - (7) [صحيح] وعن أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهم الله يومَ القيامَةِ، ولا ينظُر إليهِمْ، ولا يُزَكِّيهِمْ، ولهم عذابٌ أليمٌ". قال: فَقرأَها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثَ مرَّاتٍ. قال أبو ذر: خابوا وخَسِروا؛ مَنْ هُمْ يا رسولَ الله؟ قال: "المسْبِلُ، والمنَّانُ، والمنَفِّقُ سِلْعَتَه بالحلْفِ الكاذِبِ". وفي رواية: "المسبل إزاره". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. (المسبل): هو الذي يطول ثوبه ويرسله إلى الأرض كأنه يفعل ذلك تجبراً واختيالاً. 2035 - (8) [حسن] وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الإسبالُ في الإزارِ والقميصِ والعمامةِ، من جرِّ شيئاً خُيلاءَ؛ لم ينظرِ اللهُ إليه يومَ القيامةِ".   (1) أي: يضطرب ويصوت. في "النهاية": "و (القعقعة) حكاية حركة الشيء يسمع له صوت"، ولا ينافيه ما في رواية لأحمد مفسرة بلفظ: "يعني جديداً". فإنَّ الجديد صوته أوضح كما هو معلوم. الحديث: 2033 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية عبد العزيز بن أبي رواد، والجمهور على توثيقه. 2036 - (9) [صحيح] وعن ابن عمر أيضاً؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا ينظرُ اللهُ يومَ القيامةِ إلى مَنْ جَرَّ ثوبَه خُيلاءَ". رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. 2037 - (10) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يَنظُرُ اللهُ يومَ القيامَةِ إلى مَنْ جَرَّ إزارَه بَطَراً". رواه مالك والبخاري ومسلم. [حسن صحيح] وابن ماجه، إلا أنه قال: "من جرَّ ثوبه من الخيلاء". 2038 - (11) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من جَرَّ ثوبَه خُيلاءَ؛ لم ينظرِ الله إليه يومَ القِيامَةِ". فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسولَ الله! إنَّ إزاري يسْتَرخي (1) إلا أنْ أتعاهَدَهُ؟ فقال له رسولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّك لستَ مِمَّنْ يفْعَلُه خُيَلاءَ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.   (1) زاد أحمد في رواية: "أحياناً". قلت: ومن الواضح أن إزار أبي بكر لم يكن طويلاً زائداً على الحد المشروع، لأن الشكوى منه إنما كانت لأنه يسترخي أحياناً مع تعهده إياه. رضي الله عنه وأرضاه، فأين هذا مما يفعله بعض الأمراء والعلماء والشباب المبتلى بإطالة الثوب أو العباءة، أو (البنطلون) الذي يمس الأرض، ثم يبرّرون ذلك بأنهم لا يفعلون ذلك خيلاء، ولو كانوا صادقين لفعلوا فعل أبي بكر. انظر "الأحاديث الصحيحة" (2682). الحديث: 2036 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 ولفظ مسلم: قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بأذُنَيَّ هاتين يقول: "مَنْ جَرَّ إزارَه لا يريدُ بذلك إلا المَخِيلَةَ؛ فإنَّ الله لا ينظُر إليه يومَ القيامَةِ". (الخُيَلاء) بضم الخاء المعجمة وكسرها أيضاً وبفتح الياء المثناة تحت ممدوداً: هو الكبر والعجب. و (المَخِيلة) بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة من الاختيال: وهو الكبر واستحقار الناس. 2039 - (12) [حسن لغيره] وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ بحُجْزَةِ سفيان بن أبي سهل فقال: "يا سُفيانُ! لا تُسبِلْ إزارَك، فإنَّ الله لا يُحِبَّ المسْبِلينَ". رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له. (قال الحافظ:) ويأتي إنْ شاء الله تعالى في "طلاقة الوجه" [23 - الأدب/ 4]: حديث أبي جُرَيّ الهُجيمي، وفيه: "وإياك وإسبالَ الإزارِ؛ فإنه من المخيلة، ولا يحبُّها الله". 2040 - (13) [صحيح] وعن هُبيْبِ بْنِ مُغْفِلٍ -بضم الميم وسكون المعجمة وكسر الفاء- رضي الله عنه: أنَّه رأى محمَّداً القرشيِّ قام فجرَّ إزارَه؛ فقال هُبيْبٌ: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ وَطِئَهُ خُيَلاءَ؛ وَطِئهُ في النارِ". رواه أحمد بإسناد جيد، وأبو يعلى والطبراني. 2041 - (14) [صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ أسْبَل إزارَه في صَلاتِه خُيلاء؛ فليسَ مِنَ الله في حِلٍّ ولا حَرامٍ". رواه أبو داود وقال: "ورواه جماعة موقوفاً على ابن مسعود". الحديث: 2039 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 3 - (الترغيب في كلماتٍ يقولهن من لبس ثوباً جديداً). 2042 - (1) [حسن لغيره] عن معاذِ بْنِ أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أكَلَ طعاماً فقال: (الحمدُ لله الذي أطْعَمني هذا ورزَقَنيهِ مِنْ غير حوْلٍ منِّي ولا قُوَّةٍ)، غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِنْ ذَنْبِه. ومَنْ لَبِسَ ثوباً (1) فقال: (الحمدُ لله الذي كَساني هذا ورَزَقنيه مِنْ غيرِ حولٍ منِّي ولا قُوَّةٍ)؛ غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِنْ ذنْبِه. . .". (2) رواه أبو داود، والحاكم ولم يقل: "وما تأخر"، وقال: "صحيح الإسناد". وروى الترمذي وابن ماجه شطره الأول، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب". (قال الحافظ) عبد العظيم: "رواه هؤلاء الأربعة من طريق عبد الرحيم أبي مرحوم عن سهل بن معاذ عن أبيه. وعبد الرحيم وسهل يأتي الكلام عليهما".   (1) هنا زيادة: "جديداً"، ولا أصل لها عند مخرجيه فحذفتها، وإنْ كان مراداً من حيث المعنى، كما أفاده الناجي. (2) هنا زيادة: "وما تأخر، فحذفتها لنكارتها، وفقدان الشاهد لها. الحديث: 2042 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 4 - (الترهيب من لبس النساء الرقيق من الثياب التي تصف البشرة). 2043 - (1) [حسن] عن عبدِ الله بن عَمْروٍ (1) رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يكونُ في آخِرِ أُمَّتي رجالٌ يركَبون على سُروجٍ (2) كأَشْباهِ الرِّحالِ (3)، ينزِلون على أبْوابِ المساجِدِ، نِساؤهُم كاسياتٌ عارياتٌ، على رؤوسِهِنَّ كأَسمِنَةِ البُخْتِ العِجافِ، الْعَنُوهُنَّ فإنَّهُنَّ مَلْعونَاتٌ، لو كانَ وراءَكُم أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ خَدَمَتْهُنَّ (4) نِساؤكم كما خَدَمكُم نساءُ الأُمَمِ قبلَكُمْ". رواه ابن حبان في "صحيحه" -واللفظ له-، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم".   (1) سقطت الواو من (عمرو) من الأصل والمخطوطة وغيرهما، واستدركتها من المصادر المذكورة. وأما المعلقون الثلاثة فهم ماضون على غفلتهم المعهودة! (2) سقطت الواو أيضاً من الأصل والمخطوطة، ويبدو أنَّه خطأ قديم، فإنَّه وقع كذلك في "صحيح ابن حبان"، لأنَّه كذلك ذكره الهيثمي في "موارد الظمآن" رقم (1454)، وهو خطأ يقيناً لأن (سُرُج) جمع (سراج) ولا معنى له هنا، والصواب ما أثبتنا، وهو جمع (سَرج) مثل (فلس) و (فلوس)، وليس خطأً مطبعياً كما ظن الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المسند"، وغفل أيضاً المعلقون الثلاثة عن هذا الخطأ فأثبتوه! ثم زادوا خطأ آخر، فقالوا: "سُرُج: جمع سَرْج: وهو وطاء ممهد يوضع على ظهر الحصان للركوب"! فهم جهلة باللغة أيضاً!! (3) بالحاء المهملة جمع (رحل): وهو كل شيء يعد للرحيل، من وعاء للمتاع، ومركب للبعير كما في "المصباح المنير". ووقع في الأصل (الرجال) جمع (رجل) وكذا في "المسند" وغيره، واستشكله أحمد شاكر، وحق له ذلك، لأنه فاته أنَّه بالحاء وليس بالجيم كما حققته في "الصحيحة" (2682)، وبينت أنَّ الحديث يشير إلى السيارات التي تتجمع اليوم على أبواب المساجد يوم الجمعة، أو يوم إدخال الجنازة إلى المسجد للصلاة عليها، والمشيعون ينتظرون، ولا يصلون ونساؤهم كاسيات عاريات. . . وقد غفل المعلقون أيضاً عن هذا!! (4) في "الموارد": (خدمهن)، ولعله أصح. الحديث: 2043 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 2044 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صِنْفانِ مِنْ أهلِ النارِ لَمْ أرَهُما: قومٌ معهم سِياطٌ كأذْنابِ البَقرِ يضرِبونَ بها الناسَ، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، مُميلاتٌ مائلاتٌ، رؤوسُهنَّ كأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائلَةِ؛ لا يدْخُلْنَ الجنَّةَ ولا يجِدْنَ ريحَها، وإنَّ ريحَها لتوجَدُ مِنْ مسيرَة كذا وكذا". رواه مسلم وغيره. 2045 - (3) [حسن لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها: أن أسماءَ بنت أبي بكر دخلَتْ على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليها ثيابٌ رِقاقٌ، فأعْرضَ عنها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: "يا أسماءُ! إنَّ المرأة إذا بلَغَتِ المحيضَ لم يَصلُح أنْ يُرى مِنْها إلا هذا وهذا". وأشار إلى وجْهِهِ وكفَّيْهِ. رواه أبو داود وقال: هذا مرسل، وخالد بن دريك لم يدرك عائشة (1).   (1) قلت: لكن له شاهد من حديث أسماء بنت عميس، وقواه البيهقي والذهبي بأقوال الصحابة، كابن عباس وابن عمر، وجرى عليه العمل في عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما كنت بينته في "جلباب المرأة" (ص 57 - 60)، وقد تجاهل هذا بعض من كتب في تضعيف الحديث ممن كان تلميذاً لي في الجامعة الإسلامية، سامحه الله. أما رواية قتادة مرسلاً بلفظ: ". . . إلا إلى ههنا". وقبض نصف الذراع، فهو منكر لمخالفته لحديث عائشة وأسماء ومعهما نص القرآن، مع إرساله وتجرده عن شاهد يقويه، كما كنت بينته في المصدر السابق (41 - 48)، فليراجعه بإمعان من لم يتبَّين له الفرق بين اللفظين، ويزعم أننا قوينا الحديث في موضع، وضعفناه في موضع! الحديث: 2044 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 5 - (ترهيب الرجال من لبسهم الحرير وجلوسهم عليه، والتحلي بالذهب، وترغيب النساء في تركهما). 2046 - (1) [صحيح] عن عمرَ بن الخطَّابِ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تَلبَسوا الحريرَ؛ فإنَّه مَنْ لَبِسَهُ في الدنيا لَمْ يلبَسه في الآخِرَةِ". رواه البخاري ومسلم والترمذي، والنسائي وزاد: [صحيح موقوف] وقال ابن الزبير: مَنْ لَبِسَه في الدنيا؛ لَمْ يَدْخُلِ الجنَّة، قال الله تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (1). 2047 - (2) [صحيح] وعنه قال: سمِعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنما يَلبَسُ الحريرَ منْ لا خَلاقَ لَهُ". [صحيح] رواه البخاري ومسلم. وزاد البخاري وابن ماجه والنسائي في رواية: "مَنْ لا خَلاقَ لَهُ في الآخِرَةِ". 2048 - (3) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ لَبِسَ الحريرَ في الدنيا؛ لَمْ يلبَسْهُ في الآخِرةِ". رواه البخاري ومسلم وابن ماجه.   (1) قلت: هذه الزيادة أخرجها النسائي في "الكبرى" (5/ 465/ 9584) دون "الصغرى". وسندها صحيح، وأخرجها أحمد أيضاً، وليس عند البخاري: "لا تلبسوا الحرير". انظر "الإرواء" (1/ 309)، وهي كما ترى موقوفة، ورواها أحمد (1/ 37) بلفظ: وقال عبد الله بن الزبير من عنده. . "، ومع ذلك فهو مخالف لحديث أبي سعيد مرفوعاً بزيادة: "وإنْ دخل الجنة لبسه أهل الجنة، ولم يلبسه". أخرجه النسائي في "الكبرى" (5/ 471/ 9611)، والحاكم (4/ 191) وصححه، ووافقه الذهبي. وفيه داود السراج، لم يروِ عنه غير قتادة، ولم يوثقه غير ابن حبان. ونحوه زيادة البيهقي في حديث ابن عمر الآتي في (21 - الحدود/ 6) الحديث السابع منه. الحديث: 2046 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 2049 - (4) [صحيح لغيره] وعن عليّ رضي الله عنه قال: رأيتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخَذَ حريراً فجعَلهُ في يَمينِه، وذَهباً فجعَله في شِمالهِ، ثمَّ قال: "إنَّ هذْينِ حرامٌ على ذكورِ أُمَّتي". رواه أبو داود والنسائي (1). 2050 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ لَبِسَ الحريرَ في الدنيا؛ لَم يَلْبَسْه في الآخِرَة، ومَنْ شَرِبَ الخمرَ في الدنيا؛ لَمْ يشْرْبهُ في الآخِرَة، ومَنْ شرِبَ في آنيةِ الذهبِ والفِضَّةِ؛ لَمْ يشرب بِها في الآخِرةِ -ثم قال:- لباسُ أهْلِ الجنَّةِ، وشرابُ أهلِ الجنَّة، وآنِيةُ أهلِ الجنَّةِ". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 2051 - (6) [صحيح] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: أُهدِيَ لِرَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُّوجُ حريرٍ، فلَبِسَه، ثمَّ صلَّى فيهِ، ثمَّ انْصَرف فنَزعهُ نَزْعاً شديداً كالكارِهِ لَهُ، ثُمَّ قال: "لا يَنْبَغي هذا لِلْمُتَّقينَ". رواه البخاري ومسلم. (والفَرّوج) بفتح الفاء وتشديد الراء وضمها وبالجيم: هو القباء الذي شق من خلفه.   (1) قلت: وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 215/ 2) وقال: "ورويناه من حديث أبي موسى وعقبة بن عامر وغيرهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفيه زيادة: (حل لإناثهم) ". ثم ساقه من حديث ابن عمرو مرفوعاً. الحديث: 2049 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 2052 - (7) [حسن صحيح] وعن [هشام بن] (1) أبي رُقَيَّة قال: سمعتُ مسلمةَ بن مُخَلَّد وهو على المِنْبَرِ يخطُبُ الناسَ يقول: يا أيها الناسُ! أَمَا لكم في العَصْبِ والكَتّانِ ما يُغنيكُمْ عنِ الحريرِ؟ وهذا رجلٌ يُخْبِرُ عَنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قُمْ يا عُقْبَةٌ! فقَام عُقْبَةُ بنُ عامرٍ -وأنا أسمعُ- فقال: إنّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "مَنْ كَذبَ عليَّ متعمِّداً؛ فلْيتَبوَّأْ مقعدَهُ مِنَ النارِ". وأشهدُ أنِّي سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ لَبِسَ الحريرَ في الدنيا؛ حُرِمَهُ أنْ يَلْبَسه في الآخِرَةِ". رواه ابن حبان في "صحيحه". (العَصْب) بفتح العين وسكون الصاد مهملتين: هو ضرب من البُرود. 2053 - (8) [صحيح] وعن حذيفة رضي الله عنه قال: نهانا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ نشربَ في آنِيَةِ الذهبِ والفِضَّةِ، وأنْ نأْكُلَ فيها، وعنْ لُبسِ الحريرِ والدِّيباجِ (2)، وأَنْ نجِلسَ عليهِ. رواه البخاري. 2054 - (9) [حسن لغيره] وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا اسْتَحلَّتْ أمَّتي خمْساً فعليهمُ الدمارُ: إذا ظَهر التلاعُن، وشرِبوا   (1) سقطت من الأصل، والظاهر أن الرواية كذلك في "صحيح ابن حبان"، فقد سقطت أيضاً من "موارد الظمآن" (1461)، وهو فيه من رواية عمرو بن الحارث عن أبي رقية. و (أبو رقية) ليس له ذكر في الرواة مطلقاً، وإنما ابنه هشام، وفي الرواة عنه ذكروا عَمْراً هذا، وقد جاء على الصواب في "مسند أحمد" (4/ 156). ثم طبع "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" فرأيته فيه على الصواب؛ وغفل عن هذا التصحيح المبتلون بالغفلة والتشبع بما لم يعطوا! (2) بكسر الدال، وقد تفتح: هو الثياب المتخذة من الإبريسم، فارسي معرب. الحديث: 2052 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 الخمورَ، ولَبِسوا الحريرَ، واتَّخذوا القِيانَ (1)، واكْتَفى الرجالُ بالرِجالِ، والنساءُ بالنساءِ". رواه البيهقي عقيب حديث، ثم قال: "إسناده وإسناد ما قبله غير قوي، غير أنه إذا ضم بعضه إلى بعض أخذ قوة". 2055 - (10) [صحيح موقوف] وعن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال: اسْتأْذَن سعدٌ رضي الله عنه على ابْنِ عامرٍ، وتحتَه مَرافِقُ مِنْ حريرٍ، فأمرَ بها فَرُفِعَتْ، فَدخَل عليه وهو على مَطْرَفٍ مِنْ خَزٍّ، فقال: اسْتأذَنْتَ وتحتي مَرافِقُ مِنْ حريرٍ، فأمرتُ بها فَرُفِعتْ، فقال له: نِعمَ الرجلُ أنتَ يا ابْنَ عامرٍ! إنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ قال اللهُ: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}، والله لأنْ أضْطَجعَ على جَمْرِ الغَضا (2)؛ أحبُّ إليَّ مِنْ أنْ أضْطَجعَ عليها. رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". (المرافق) بفتح الميم؛ جمع (مرفقة) بكسرها وفتح الفاء: وهي شيء يتكأ عليه شبيه بالمخدة. 2056 - (11) [صحيح] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: رأى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جبَّةً مُجَيَّبَة بحريرٍ، فقال: "طوقٌ مِنْ نارٍ يومَ القِيامَةِ". رواه البزار والطبراني في "الأوسط"، ورواته ثقات.   (1) جمع (قينة): هي الأَمة المغنية، وتجمع على (قينات) أيضاً. (2) شجر من الأثل، واحدته (غضاة). قال في "المصباح": "وخشبه من أصلب الخشب، ولهذا يكون في فحمه صلابة". الحديث: 2055 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 (مُجَيّبة) بضم الميم وفتح الجيم بعدهما ياء مثناة تحت مفتوحة ثم باء موحدة؛ أي: لها (جيب) بفتح الجيم من حرير: وهو الطوق. (1) 2057 - (12) [صحيح موقوف] ورواه البزار [يعني حديث جويرية الذي في "الضعيف"] عن حذيفة موقوفاً: مَنْ لَبسَ ثوبَ حريرٍ، ألبسهُ الله يوماً مِنْ نارٍ، ليسَ مِنْ أيَّامِكُم، ولكنْ مِنْ أيَّامِ الله الطِّوالِ. 2058 - (13) [حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ كان يؤمِنُ بالله واليوم الآخِرِ؛ فلا يلْبَسْ حريراً ولا ذَهباً". رواه أحمد، ورواته ثقات. (2) 2059 - (14) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ ماتَ مِنْ أمَّتي وهو يشربُ الخمرَ؛ حرَّم الله عليه شُرْبَها في الجنَّةِ، ومَنْ ماتَ من أمتي وهو يتَحلَّى بالذهَب؛ حرّمَ الله عليه لباسَهُ في الجنَّةِ". رواه أحمد، ورواته ثقات، والطبراني. 2060 - (15) [صحيح] وعنِ ابنِ عَبَّاس رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى خاتَماً مِنْ ذَهب في يد رجلٍ فَنزَعهُ وطَرحَهُ، وقال: "يعمَدُ أحدُكم إلى جَمرةٍ مِنْ نارٍ فَيطْرَحُها في يدِه؟! ".   (1) قلت: والظاهر أنه كان أكثر من أربع أصابع، لأن الأربع منه جائز بنص حديث عمر في مسلم وغيره. انظر "الصحيحة" (2684). (2) قلت: وكذا قال الهيثمي. وقد أخرجه أحمد (5/ 261)، وكذا ابنه عبد الله بسند حسن. ثم رواه أحمد من وجه آخر، وفيه ابن لهيعة، لكنه متابَع في الوجه الأول. الحديث: 2057 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 فقيلَ لِلرَّجُلِ بعدَ ما ذَهَب رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خُذْ خاتَمَك انْتَفعْ به. قال: لا والله، لا آخُذُه وقدْ طَرحَهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه مسلم. 2061 - (16) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه: أن رجلاً قدِمَ مِنْ (نَجْرانَ) إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليه خاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ، فأعْرَضَ عنهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: "إنَّك جئْتَني وفي يدك جمرَةٌ مِنْ نارٍ". رواه النسائي. 2062 - (17) [صحيح] وعن خليفة بن كعب قال: سمعتُ ابنَ الزبير يخطُب ويقول: لا تُلبِسوا نساءَكم الحريرَ، فإنَّي سمعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تَلْبَسوا الحريرَ؛ فإنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ في الدنيا؛ لَمْ يَلْبَسْه في الآخِرَةِ". رواه البخاري ومسلم، والنسائي وزاد في رواية (1): ومَنْ لَمْ يَلبَسْه في الآخِرَة؛ لَمْ يَدخُلِ الجنَّةَ، قال الله تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}.   (1) قال الحافظ في "الفتح" (10/ 243): "وهذه الزيادة مدرجة في الخبر، وهي موقوفة على ابن الزبير، بيَّن ذلك النسائي أيضاً من طريق شعبة. . . فذكر الحديث، وفي آخره: قال ابن الزبير. . فذكر الزيادة. وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق علي بن الجعد عن شعبة، ولفظه: فقال ابن الزبير من رأيه: فذكره نحوه". قلت: رواية شعبة هذه عند أحمد أيضاً (1/ 37): ثنا يحيى عن شعبة به. ورواية النسائي المدرجة والموقوفة ليست في "الصغرى" له، وإنما في "الكبرى" له كما بينت في تعليقي على الحديث في أول الباب، فإعادة المؤلف إياه تكرار بدون فائدة تذكر، بل إنه أوهم رفعها!! وغفل عن ذلك المعلقون الثلاثة! الحديث: 2061 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 2063 - (18) [صحيح] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمنَعُ أهْلهُ (1) الحِلْيَةِ والحريرِ، ويقولُ: "إنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ حلْيَةَ الجنَّةِ وحريرَها؛ فلا تلْبَسوها (2) في الدنيا". رواه النسائي، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". 2064 - (19) [حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال الله عزَّ وجلَّ: مَنْ تركَ الخمرَ وَهُوَ يقدِرُ عليه؛ لأُسْقِينَّه مِنهُ في حَظيرَةِ القُدُسِ (3)، ومَنْ تَركَ الحَرير وهو يقدِرُ عليهِ؛ لأَكْسوَنَّهُ إيَّاهُ في حَظيرَةِ القُدُسِ". رواه البزار بإسناد حسن، ويأتي في [21 - الحدود/ 6] "باب شرب الخمر" أحاديث نحو هذا إنْ شاء الله تعالى. 2065 - (20) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من سرَّه أن يسقيَه اللهُ الخمرَ في الآخرةِ؛ فليتركه في الدنيا، ومن سَرَّه أن يكسِيَه الله الحريرَ في الآخرةِ؛ فليتركه في الدنيا".   (1) الأصل "أهل"، وهو خطأ جرى عليه المعلقون الثلاثة، والتصحيح من النسائي وغيره. (2) في الأصل والمخطوطة، "تلبسونها"، والمثبت من النسائي. وكذا عند أحمد (4/ 145) وابن حبان (1463). وأما الحاكم فقال: "فلا تلبسنها"، وهذا يرجح ما استظهره السندي أنَّ المقصودَ بـ (الأهل): أزواجه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبـ (الحلية) على إطلاقها سواء كانت ذهباً أو فضة. وقال: ولعل ذلك مخصوص بهم ليؤثروا الآخرة على الدنيا. وكذا الحرير. (3) (الحظيرة) في الأصل: الموضع الذي يحاط عليه لتأوي إليه الغنم والإبل؛ يقيها الحر والبرد. أراد بها هنا الجنة. الحديث: 2063 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 رواه الطبراني في "الأوسط". ورواته ثقات؛ إلا شيخه المقدام بن داود، وقد وُثق، وله شواهد. 2066 - (21) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ويلٌ للنساءِ مِنَ الأحْمرَيْنِ: الذهبِ والمعَصْفَرِ". رواه ابن حبان في "صحيحه". 2067 - (22) [صحيح] وعن عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: حدثني أبو عامر أو أبو (1) مالك الأشعري، -والله يمينٌ أخرى ما كذبني- أنَّه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لَيكونَنَّ مِنْ أمَّتي أقوامٌ يستَحِلُّونَ الخمرَ والحريرَ -وذكر كلاماً قال:- (2) يَمسَخُ منهُم قِردةً وخنازيرَ إلى يومِ القِيامَةِ". رواه البخاري تعليقاً، وأبو داود واللفظ له.   (1) الأصل: (و)، والتصويب من "البخاري" و"أبي داود" و"مختصره" (3881) للمؤلف، وانظر "عون المعبود" (4/ 81). (2) قلت: هو ما في رواية البخاري والطبراني وغيرهما: "والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، تروح عليهم سارحة لهم، فيأتيهم رجل لحاجته، فيقولون له: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله عز وجل، فيضع العَلم عليهم، ويمسخ آخرين. . .". انظر "الصحيحة" (91)، وكتابي الجديد الفريد "تحريم آلات الطرب" (ص 38 - 43). الحديث: 2066 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 6 - (الترهيب من تشبه الرجل بالمرأة، أو المرأة بالرجل في لباس أو كلام أو حركة أو نحو ذلك). 2068 - (1) [صحيح] عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: "لعنَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المتشبِّهينَ مِنَ الرجالِ بالنساءِ، والمتشبِّهاتِ مِنَ النساءِ بالرجالِ". رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وفي رواية للبخاري: "لَعنَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المخنَّثينَ مِنَ الرِجالِ، والمتَرجِّلاتِ مِنَ النساءِ". (المخنَّث) بفتح النون وكسرها: مَنْ فيه انخناث، وهو التكسر والتثني كما يفعله النساء، لا الذي يأتي الفاحشة الكبرى. 2069 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لَعنَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرجلَ يلبَسُ لُبسةَ المْرأَةِ، والمرأَةَ تلبَسُ لُبسَةَ الرجلِ". رواه أبو داود والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 2070 - (3) [حسن صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثَةٌ لا يدخلونَ الجنَّةَ: العاقُّ لوالِدَيْهِ، والدَّيُّوثُ، ورَجُلَةُ (1) النساءِ".   (1) قال الناجي (ق 173/ 2): "هي بفتح الراء وكسر الجيم"، وهو في ذلك تابع للمؤلف في (22 - البر/ 2)، وهو وهم مخالف لكتب اللغة ومنها "المعجم الوسيط" و"الهادي إلى لسان العرب". الحديث: 2068 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 رواه النسائي والبزار في حديث يأتي في [22 - البر/ 2] "العقوق" إنْ شاء الله، والحاكم -واللفظ له- وقال: "صحيح الإسناد". (الدَّيُّوث) بفتح الدال وتشديد الياء المثناة تحت: هو الذي يعلم الفاحشة في أهله ويقرُّهم عليها. 2071 - (4) [صحيح لغيره] وعن عمار بن ياسرٍ رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثَلاثَةٌ لا يَدْخُلونَ الجنَّةَ أبَداً: الديُّوث، والرجُلَةُ مِنَ النساءِ، ومُدْمِنُ الخَمْرِ". قالوا: يا رسولَ الله! أما مُدمنُ الخمرِ فقدْ عرَفْناه، فما الديُّوثُ؟ قال: "الذي لا يُبالي مَنْ دَخلَ على أهْلهِ". قلنا: فما الرجُلَةُ مِنَ النساء؟ قال: "التي تَشَبَّهُ بالرجالِ". رواه الطبراني، ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً (1).   (1) كان الأصل: "ورواته ليس فيهم مجروح"، وعلى هامشه ما أثبته أعلاه، وإنما آثرته لمطابقته لمخطوطة الظاهرية. الحديث: 2071 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 7 - (الترغيب في ترك الترفع في اللباس تواضعاً واقتداء بأشرف الخلق محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه، والترهيب من لباس الشهرة والفخر والمباهاة). 2072 - (1) [حسن لغيره] عن معاذ بن أنس رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ تركَ اللباسَ تواضُعاً لله وهو يقدِرُ عليه؛ دعاهُ اللهُ يومَ القِيامَةِ على روؤسِ الخلائقِ حتى يخيِّرهُ مِنْ أيِّ حُلَلِ الإيمانِ شاءَ يَلْبَسُها". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، والحاكم في موضعين من "المستدرك"، وقال في أحدهما: "صحيح الإسناد". (قال الحافظ): "روياه من طريق أبي مرحوم -وهو عبد الرحيم بن ميمون- عن سهل ابن معاذ، ويأتي الكلام عليهما. 2073 - (2) [حسن لغيره] وعن رجُلٍ مِنْ أبناء أصحابِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أبيه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ومَنْ تَرك لُبسَ ثوبِ جَمالٍ، وهو يقدرُ عليهِ -قال بِشْرٌ: أحْسَبُه قال:- تواضُعاً؛ كساهُ الله حُلَّةَ الكَرامَةِ". رواه أبو داود في حديث، ولم يسمِّ ابنَ الصحابيِّ. ورواه البيهقي من طريق زبان بن فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه بزيادة. 2074 - (3) [حسن لغيره] وعن أبي أُمامَة بن ثعلبة الأنصاريّ -واسمه إياس رضي الله عنه قال: ذَكَر أصْحابُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً عنده الدنيا، فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا تسْمَعون، ألا تسْمَعون؟ إنَّ البذاذَة مِنَ الإيمان، إن البذاذة من الإيمان. يعني التَّفَحُّلَ". الحديث: 2072 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 رواه أبو داود وابن ماجه؛ كلاهما من رواية محمد بن إسحاق (1)، وقد تكلم أبو عمر النمري في هذا الحديث (2). (البَذَاذَة) بفتح الباء الموحدة وذالين معجمتين: هو التواضع في اللباس برثاثة الهيئة، وترك الزينة، والرضا بالدون من الثياب. 2075 - (4) [صحيح] وعن أبي بردة رضي الله عنه قال: دخلتُ على عائِشَة رضي الله عنها، فأخرجَتْ إلينا كساءً مُلَبَّداً مِنَ التي تُسمُّونَها الملبَّدة؛ إزاراً غليظاً ممَّا يُصنَعُ باليَمنِ، وأقْسمَتْ بالله لقد قُبِضَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذين الثوبَيْنِ. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي أخصر منه. (الملبَّد): المرقّع، وقيل غير ذلك. 2076 - (5) [صحيح] وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: توفي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن نمرةً من صوف (3) تنسج له. رواه البيهقي (4).   (1) قلت: محمد بن إسحاق ليس في طريق ابن ماجه، فتنبه. (2) قلت: كأنَّه يشير إلى الخلاف الذي وقع في إسناده الذي شرحته في "الصحيحة" (341)، لكن بينت أنَّه لا يضر في صحة الحديث، لرجاحة وجه من وجوه الاختلاف. (3) الأصل: "صور"، والتصويب من "شعب البيهقي" و"المخطوطة"، والحديث مخرج في "الصحيحة" (2687). و (النَّمِرة) بفتح النون وكسر الميم: كساء فيه خطوط بيض وسود تلبسه الأعراب؛ كما في "المصباح". (4) أخرجه البيهقي في "الشعب" (5/ 154/ 6165) بسند صحيح، وأعله الجهلة بابن لهيعة، وقد رواه عنه عبد الله بن وهب، وحديثه عنه صحيح عند العلماء، ثم تناقضوا فحسنوا له حديث عبد الله بن شداد الآتي بعد سبعة أحاديث، وهو من رواية ابن وهب أيضاً عنه! الحديث: 2075 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 2077 - (6) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: خَرجَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليه مِرْط مُرَحَّلٌ مِنْ شعْرٍ أسْوَدَ. رواه مسلم وأبو داود والترمذي. (المِرْط) بكسر الميم وسكون الراء: كساء يؤتزر به؛ قال أبو عبيد: "وقد تكون من صوف ومن خز". و (مرحَّل) بفتح الحاء المهملة وتشديدها؛ أي: فيه صور رحال الجمال. 2078 - (7) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت: كان وِسادُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي يَتَّكِئُ عليه مِنْ أَدَمٍ حَشْوُه ليفٌ. 2079 - (8) [صحيح] وعنها قالت: إنَّما كانَ فِراش رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي يَنام عليه أدَماً حشوهُ ليفٌ. رواهما (1) مسلم وغيره. 2080 - (9) [حسن] وعن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال: اسْتَكْسَيْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكَساني خَيْشَتَيْنِ، فلَقدْ رأيتُني وأنا أَكسَى أصْحابي. رواه أبو داود والبيهقي؛ كلاهما من رواية إسماعيل بن عياش. (الخَيشة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة تحت بعدهما شين معجمة: هو ثوب يتخذ من مُشاقَة الكَتّان (2) يغزل غزلاً غليظاً، وينسج نسجاً رقيقاً.   (1) وقع في طبعة الثلاثة: (رواه)! مع أنَّهم عزوا في التعليق الحديث الأول كالثاني لمسلم! ثم جهلوا أنَّ الثاني منهما رواه البخاري أيضاً مع تنبيه الناجي عليه! وانظر "مختصر الشمائل" (173/ 282). (2) ما ينقطع من الكتان عند تخليصه وتسريحه. "النهاية". الحديث: 2077 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 وقوله: "وأنا أَكسي أصحابي" يعني: أعظمهم وأعلاهم كسوة. 2081 - (10) [صحيح] وعن أبي بردة (1) قال: قال لي أبي: لو رأيْتنا ونحنُ معَ نَبِيِّنا وقدْ أصابَتْنا السماءُ، حسِبْتَ أنَّ ريحَنا ريحُ الضأْنِ. رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: "حديث صحيح. (ومعنى الحديث): أنه كان ثيابهم الصوف، وكان إذا أصابهم المطر يجيء من ثيابهم ريح الصوف" انتهى. 2082 - (11) [صحيح موقوف] وعن أنسٍ قال: رأيتُ عمرَ رضي الله عنه -وهو يومَئذٍ أميرُ المؤمنينَ- وقد رَفَّع بينَ كَتِفَيْهِ بِرِقَاعٍ ثَلاثٍ، لَبَّد بعضها على بعْضٍ. رواه مالك. 2083 - (12) [حسن صحيح] وعن أنسٍ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كَمْ مِنْ أشعثَ أغبرَ ذي طِمْرَيْنِ لا يُؤبَهُ له، لوْ أَقْسَم على الله لأَبرَّهُ، منهم البراءُ بنُ مالكٍ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". (قال الحافظ): "ويأتي في [24 - الزهد/ 5] "باب الفقر" أحاديث من هذا النوع وغيره إنْ شاء الله تعالى".   (1) الأصل والمخطوطة: (ابن بريدة)، وهو خطأ لعله من بعض النساخ، فالحديث عند جميع من عزاه المصنف إليه على ما أثبتنا، وعند أحمد وغيره: "قال: قال أبو موسى: يا بني. . .". الحديث: 2081 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 2084 - (13) [صحيح] وعن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: رأيتُ عثمانَ بْنَ عفَّانَ يومَ الجُمُعَةِ على المنْبَرِ عليه إزارٌ عَدَنِيٌّ غَليظٌ، ثَمنُهُ أربعةُ دراهِمَ أو خمسةٌ، ورَيْطَةٌ كوفِيَّةٌ مُمَشَّقَةٌ، ضَرْبَ اللحْمِ (1)، طويلَ اللِّحْيَةِ، حَسَن الوَجْهِ. رواه الطبراني بإسناد حسن، والبيهقي (2). (عَدَني) بفتح العين والدال المهملتين: منسوب إلى (عدن). (الرَّيْطَة) بفتح الراء وسكون الياء المثناة تحت: كل ملاءة تكون قطعة واحدة ونسجاً واحداً ليس لها لفقان (3). (وضَرْبَ) اللحم بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء: خفيفه. و (مُمَشَّقَةٌ) أي: مصبوغة بـ (المشق) بكسر الميم: وهو المُغرة (4). 2085 - (14) [صحيح موقوف] وعن محمد بن سيرين قال: كنَّا عند أبي هريرة رضي الله عنه وعليه ثوبان مُمَشَّقانِ مِنْ كَتَّانٍ، فَمَخط في أحدِهِما ثُمَّ قال: بَخٍ بَخٍ، يَمْتَخِطُ أبو هريرة في الكَتَّانِ! لقد رَأيْتُني وإنِّي لأَخِرُّ فيما بين مِنْبَرِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحُجْرة عائشةَ مِنَ الجوعِ مَغْشيّاً عليَّ، فيَجيءُ الجائي، فَيضَعُ رِجْلَهُ على عُنُقي يرى أنَّ بي الجنونَ؟ وما هو إلا الجوعُ. رواه البخاري، والترمذي وصححه.   (1) هو الخفيف اللحم الممشوق المستدق. "نهاية". (2) كذا قال! ولو عكس كان أولى؛ لأن في إسنادهما ابن لهيعة، وهو سيئ الحفظ، لكنه عند البيهقي في "الشعب" (2/ 230/ 2) من رواية عبد الله بن وهب عنه، وهي صحيحة عند العلماء، كما تقدم مني قبل سبعة أحاديث رداً على الجهلة الذين ضعفوا حديثه هناك وحسنوه هنا، تقليداً منهم للهيثمي مع أنَّه عنده من غير طريق ابن وهب!! (3) وفي "المصباح": "لبست لفقين، أي: قطعتين، والجمع (رياط) مثل كلبة وكلاب". (4) وهو الطين الأحمر كانوا يصبغون به الثياب. الحديث: 2084 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 2086 - (15) [صحيح موقوف] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لقد رأيتُ سبعينَ مِنْ أهلِ الصُّفَّةِ، ما منهم رجلٌ عليه رداءٌ، إمَّا إِزَارٌ وإمّا كِساءٌ قد ربَطوا في أعْناقِهِم، فمنها ما يبلُغُ نصفَ الساقينِ، ومنها ما يَبلغُ الكعْبَينِ، فيجمَعُه بيدِه كراهِيَةَ أنْ تُرى عَوْرَتُه. رواه البخاري. 2087 - (16) [حسن لغيره] ورُوِيَ عن فاطمةَ بنتِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالتْ: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "شرارُ أمَّتي الذين غُذُّوا بالنعيمِ؛ الذين يأْكُلونَ ألْوانَ الطعامِ، ويلْبَسونَ ألوانَ الثيابِ، ويتشدَّقونَ في الكَلامِ". رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب ذم الغيبة" وغيره. 2088 - (17) [حسن لغيره] وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سيكونُ رِجالٌ مِنْ أمَّتي يأْكلُونَ ألْوانَ الطعامِ، ويشْرَبونَ ألوانَ الشرابِ، ويلْبَسونَ ألوانَ الثيابِ، ويتَشَدَّقونَ في الكلامِ، فأولئكَ شِرارُ أُمَّتي". رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط". 2089 - (18) [حسن لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما يرفعه قال: "مَنْ لَبِسَ ثوبَ شُهْرةٍ؛ ألْبَسهُ الله إيَّاهُ يومَ القِيامَةِ، ثمَّ ألْهَبَ فيهِ النارَ، ومنْ تشبَّه بقومٍ فهو مِنْهُمْ". ذكره رزين في "جامعه"، ولم أره في شيء من الأصول التي جمعها. (1)   (1) قلت: قد أخرجه أبو داود في "اللباس" مفرقاً بإسنادين حسنين عن ابن عمر مرفوعاً، لفظ الأول مثل لفظ ابن ماجه الآتي. والآخر: "من تشبه بقوم فهو منهم". وهما مخرجان في "جلباب المرأة" (ص 148 و204)، وعند ابن ماجه في رواية: "ثم ألهب فيه ناراً"، ولم يتنبه الحافظ الناجي إلا للرواية الأخرى، فنفى أن يكون عنده! الحديث: 2086 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 [حسن] إنما رواه ابن ماجه بإسناد حسن ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ في الدنيا؛ ألْبَسهُ الله ثوبَ مَذَلَّةٍ يومَ القِيامَةِ، ثُمَّ ألْهبَ فيه ناراً". رواه أيضاً أخصر منه. 8 - (الترغيب في الصدقة على الفقير بما يلبسه كالثوب ونحوه). 2090 - (1) [حسن] وروي عن عمر رضي الله عنه مرفوعاً: "أفْضَلُ الأعمالِ إِدخالُ السرورِ على المؤمِن؛ كسوتَ عورَتَه، وأَشبعتَ جوعتَهُ، أو قَضَيْتَ له حاجةً". رواه الطبراني (1).   (1) له شواهد يتقوى بها خرَّجته من أجلها في "الصحيحة" (1494). الحديث: 2090 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 9 - (الترغيب في إبقاء الشيب وكراهة نتفه). 2091 - (1) [صحيح لغيره] عن عَمْرِو بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تَنْتُفوا الشيْبَ؛ فإنَّهُ ما مِنْ مسلمٍ يشيبُ شيْبَةً في الإسْلامِ، إلا كانَتْ له نوراً يومَ القِيامَةِ" -وفي رواية: "كُتِبَ لهُ بِها حَسنَةٌ، وحُطَّ عنه بها خطيئةٌ-". [حسن] رواه أبو داود، والترمذي وقال: "حديث حسن"، ولفظه: "أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن نتف الشيب، وقال: إنَّه نور المسلم". ورواه النسائي وابن ماجه. 2092 - (2) [حسن] وعن فضالةَ بن عُبيد رضي الله عنه؛ أن سول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من شابَ شيبةً في الإسلامِ؛ كانت له نوراً يوم القيامةِ". فقال رجلٌ عند ذلك: فإن رجالاً ينتفون الشيبَ. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من شاءَ فلينتفْ نورَهُ". رواه البزار، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" من رواية ابن لهيعة (1)، وبقية إسناده ثقات. 2093 - (3) [صحيح] وعن عَمْرِو بنِ عَبْسَةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال: "مَنْ شابَ شَيْبَةً في الإسْلامِ؛ كانتْ له نوراً يومَ القِيامَةِ". رواه النسائي في حديث، والترمذي وقال:   (1) قلت: لا وجه لإعلاله به، وإن تبعه الهيثمي وقال هنا: "وحديثه حسن، وفيه ضعف"، لأنه قد توبع عند الطبراني وغيره، وفي العزو المذكور أوهام أخرى لا مجال لبيانها، ومحله "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1244 و3371). الحديث: 2091 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 "حديث حسن صحيح" (1). 2094 - (4) [صحيح] وعن عُمرَ بْنِ الخطَّاب رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ شابَ شيْبَةً في سبيلِ الله؛ كانتْ له نوراً يومَ القِيامَةِ". رواه ابن حبان في "صحيحه" (2). 2095 - (5) [صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: كان يُكْره أنْ ينتِفَ الرجلُ الشعرةَ البيْضاءَ مِنْ رأسِه ولحيَتِهِ. رواه مسلم. 2096 - (6) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تَنْتُفوا الشيْبَ؛ فإنَّه نورٌ يومَ القِيامَةِ، مَنْ شابَ شيْبَةً؛ كتبَ الله له بها حَسنَةً، وحَطَّ عنه بها خَطيئةً، ورفَعَ لهُ بِها درجَةً". رواه ابن حبان في صحيحه.   (1) قلت: فاته ابن حبان في "صحيحه" (رقم 1478 - موارد الظمآن). (2) قلت: والطبراني في "الكبير"، وهو مخرج في "الصحيحة" (1244). الحديث: 2094 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 10 - (الترهيب من خضب اللحية بالسواد). 2097 - (1) [صحيح] عن ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يكونُ قومٌ يخْضِبونَ في آخرِ الزمانِ بالسوادِ؛ كَحواصِلِ الحَمامِ، لا يَريحونَ رائِحةَ الجَنَّةِ". رواه أبو داود والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (قال الحافظ): "رووه كلهم من رواية عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم، فذهب بعضهم إلى أن عبد الكريم هذا هو ابن المخارق، وضعف الحديث بسببه، والصواب أنه عبد الكريم بن مالك الجزري، وهو ثقة احتج به الشيخان وغيرهما. والله أعلم (1) ".   (1) وهذا هو الصواب، وإليه ذهب جمع من الحفاظ، كما ذكره الحافظ ابن حجر في رسالته التي كنت حققتها ونشرتها في آخر "المشكاة" (ص 309)، ومما يؤيد ذلك أنه وقع التصريح بأنه الجزري في بعض الروايات، منها رواية أبي داود في بعض النسخ، منها نسخة "عون المعبود": وإن شئت المزيد فعليك بكتابي "غاية المرام في تخريج الحلال والحرام"، وهو مطبوع. الحديث: 2097 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 11 - (ترهيب الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجة). 2098 - (1) [صحيح] عن أسماء رضي الله عنها: أنَّ امْرأةً سألتِ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَتْ: يا رسولَ الله! إنَّ ابْنَتي أصابَتْها الحَصَبَة فتمرَّقَ شَعْرُها، وإنِّي زَوَّجْتُها؛ أَفأصِلُ فِيه؟ فقال: "لعَنَ الله الواصِلَة والموصُولَةَ". وفي رواية: قالت أسماء: لَعن النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الواصِلَةَ والمسْتَوْصِلَةَ. رواه البخاري ومسلم وابن ماجه. 2099 - (2) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعنَ الواصِلَةَ والمسْتَوْصلةَ، والواشِمَةَ والمسْتَوْشِمَة. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 2100 - (3) [صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه؛ أنَّه قال: لَعَن الله الواشِماتِ والمسْتَوْشِمَاتِ، والمتَنَمِّصَاتِ والمتَفَلِّجاتِ لِلْحُسْنِ، المغيِّراتِ خَلْقَ الله. فقالَتْ لهُ امْرَأَةٌ في ذلك. فقالَ: وما لي لا ألعَنُ مَنْ لَعنَهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في كتابِ الله؟ قالَ الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. الحديث: 2098 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 (المتفلجة): هي التي تفلج أسنانها بالمبرد ونحوه للتحسين. 2101 - (4) [حسن صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: لُعِنَتِ الواصِلَةُ والمسْتَوْصِلَةُ، والنامِصَةُ والمتَنَمِّصَةُ، والواشِمَةُ والمسْتَوْشِمَةُ مِنْ غير داءٍ. رواه أبو داود وغيره. (الواصِلَةُ): التي تصل الشعر بشعر النساء. و (المسْتَوْصِلَة): المعمول بها ذلك (1). و (النامِصَةُ): التي تنقش الحاجب (2) حتى ترقَّه. كذا قال أبو داود. وقال الخطابي: "هو من النمص، وهو نتف الشعر عن الوجه" (3). و (المتنَمِّصَة): المعمول بها ذلك. و (الواشِمَة): التي تغرز اليد والوجه بالإبر ثم تحشو (4) ذلك المكان بكحل أو مداد. و (المسْتَوْشِمَة): المعمول بها ذلك. 2102 - (5) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ جاريةً مِنَ الأنْصارِ تزوَّجَتْ، وأنَّها مرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شعْرُها، فأَرادوا أَنْ يَصلِوها، فسأَلوا رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقالَ:   (1) كذا قال وليس بدقيق. قال الناجي: "إنما المفعول بها (مفعولة) فإنْ طلبت فعل ذلك فهي (مستفعلة)، وكذا (منفعلة) كـ (المتنمصة)، وهذا واضح لا يخفى". قلت: وهذه الأوهام كلها وقعت في "الانتقاء" المنسوب لابن حجر، ولم يتنبه لذلك محققه الأعظمي، مع تفسيره لها في "الفتح" بما لا غبار عليه. (2) قلت: ذكر الحاجب والوجه ليس من باب القيد والحصر، فإنَّ (النمص) أعم من ذلك لغة، ومثله يقال في اليد والوجه في الوشم، ويؤيده عموم قوله: "المغيرات لخلق الله للحسن" فتنبه، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله. (3) قلت: ذكر الحاجب والوجه ليس من باب القيد والحصر، فإنَّ (النمص) أعم من ذلك لغة، ومثله يقال في اليد والوجه في الوشم، ويؤيده عموم قوله: "المغيرات لخلق الله للحسن" فتنبه، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله. (4) الأصل: (تحشي)، وهو خطأ، والصواب ما أثبتنا. الحديث: 2101 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 "لَعنَ الله الواصِلَة والمسْتَوْصِلَة". وفي رواية: أنَّ امْرأةً مِنَ الأنصارِ زوَّجتِ ابنَتَها، فتَمعّطَ شعْرُ رأسِها، فجاءَتْ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكرَتْ ذلك له وقالتْ: إنَّ زوْجَها أمَرني أنْ أصِلَ في شعرِها. فقال: "لا؛ إنَّه قد لُعِنَ الموصولاتُ". رواه البخاري ومسلم. 2103 - (6) [صحيح] وعن حميد بن عبد الرحمن بن عوف: أنَّه سمعَ معاويةَ عامَ حَجَّ، فقام على المنبر وتناوَل قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ كانتْ في يد حَرَسيٍّ فقال: يا أهلَ المدينَةِ! أين عُلَماؤكم؟ سمعتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينْهى عنْ مثلِ هذه (1) ويقول: "إنَّما هلَك بنو إسْرائيلَ حينَ اتَّخذ هذه (1) نِساؤهُم". رواه مالك، والبخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي. [صحيح] وفي رواية للبخاري ومسلم عن ابن المسيِّب قال: قدِمَ معاويةُ المدينةَ، فخطَبنا، وأخرَج كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ، فقال: ما كنتُ أرى أنَّ أحدَاً يفعلُه إلا اليهودَ: إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلَغَهُ، فسمَّاه (الزَّورَ). [صحيح] وفي أخرى للبخاري ومسلم: أنَّ معاوِية قال ذاتَ يومٍ:   (1) الأصل في الموضع الأول: (هذا)، وفي الآخر: (ها)، والتصحيح من "الصحيحين". الحديث: 2103 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 إنَّكُم أحْدَثْتُم زِيَّ سوءٍ، وإنَّ نبيَّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى عنِ الزُّورِ. قال: وجاءَ رجلٌ بِعَصاً على رأْسِها خِرْقَةٌ فقال مُعاوِيَة: ألا هذا الزُّورُ. قال قتادة: يعني ما يكثِّر به النساءُ أشعارَهُنَّ مِنَ الخرق (1).   (1) قلت: قول قتادة هذا في الأصل مقدم على قوله: "وجاء رجل. . ."، فصححته من "مسلم" (6/ 168)، وكذلك رواه أحمد (4/ 93). أما عزوه لهذه الرواية إلى البخاري، فخطأ بلا شك كما قال الناجي (174/ 2). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 12 - (الترغيب في الكحل بالإثمد للرجال والنساء). 2104 - (1) [صحيح لغيره] عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اكْتَحِلوا بالإثْمِدِ؛ فإنَّه يَجلو البصرَ، ويُنبتُ الشعَر". رواه الترمذي. وقال: "حديث حسن". [صحيح] والنسائي، وابن حبان في "صحيحه" في حديث، ولفظهما: قال: "إنَّ مِنْ خيرِ أكْحالكُم الإثْمِد، إنَّه يجْلو البصَر، ويُنْبِتُ الشعر". 2105 - (2) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خيرُ أكْحالِكُم الإِثْمِدُ، يُنْبِتُ الشعَر، وَيجْلو البَصَر". رواه البزار (1)، ورواته رواة الصحيح. 2106 - (3) [حسن صحيح] وعن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "عليكُم بالإِثْمِدِ؛ فإنَّه مَنْبتَة للِشعَرِ، مَذْهَبَةٌ لِلْقَذى، مَصْفاةٌ لِلْبَصَرِ". رواه الطبراني بإسناد حسن.   (1) قلت: وكذا قال الهيثمي؛ وفاتهما قول البزار عقبه (3031): "محمد بن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة"، وكذا قال غيره، فهو منقطع، وغفل عنه الثلاثة كعادتهم وحسنوه! شغلهم عنه شهوة النقد والتظاهر بالتحقيق ولو بجهد غيرهم، والتشبع بما لم يعطوا، وقالوا: "حسن. . . قال البزار: هذا رواه زياد. قلنا (!): لكن ليس في الإسناد من يسمى زياداً. قلت: وهذا الاستدراك سرقوه من الشيخ الأعظمي، فهو قوله في تعليقه على "كشف الأستار" (3/ 392)، والحديث إنما هو صحيح لغيره كما رمزنا. الحديث: 2104 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 19 - كتاب الطعام وغيره. 1 - (الترغيب في التسمية على الطعام، والترهيب من تركها). 2107 - (1) [صحيح لغيره] عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأكُلُ طعاماً في سِتَّةٍ مِنْ أصحابِه، فجاءَ أعرابيٌّ فأكَلَهُ بلُقْمَتين، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أما إنَّهُ لوْ سَمَّى لَكفَاكُمْ". رواه أبو داود (1) والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، وزاد: "فإذا أكَل أحدُكم طَعاماً، فلْيذْكُرِ اسْمَ الله عليه، فإنْ نَسِيَ في أوَّلِهِ، فلْيَقُلْ: بسْمِ الله أوَّلَهُ وآخِرَه". وهذه الزيادة عند أبي داود وابن ماجه مفردة. 2108 - (2) [صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إذا دَخَل الرجلُ بيتَهُ فذكَر الله تعالى عندَ دُخولِهِ وعندَ طَعامِه؛ قال الشيطانُ: لا مَبِيتَ لكُم ولا عَشاءَ.   (1) ذكر أبي داود وهمٌ نبَّه عليه الناجي. ومع ذلك عزاه المعلقون إليه برقم (3767)، فخلطوا وأوهموا، لأنَّ الرقم المذكور إنما هو عنده للزيادة الآتية، فقد رواها مفردة كما سيذكر المؤلف، وأما عطف المؤلف عليه ابن ماجه فمن أوهامه الكثيرة، فإنما هي عنده تمام الحديث بلفظ ابن حبان! الحديث: 2107 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 وإذا دَخَل فلَمْ يذْكرِ الله عندَ دُخولِه؛ قال الشيطانُ: أدركْتُم المَبِيتَ، وإذا لَمْ يذْكُرِ الله عِندَ طعامِه؛ قال الشيطانُ: أدركْتُم المَبِيتَ والعَشَاءَ". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (1). 2109 - (3) [صحيح] وعن حذيفة -هو ابن اليمان- رضي الله عنه قال: كنَّا إذا حضرْنا معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعاماً لَمْ يَضعْ أحدُنا يَده حتى يبْدأَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنّا حضرنا معَه طعاماً، فجاء أعرابيٌّ كأنَّما يُدفَعُ، فذَهَب لِيضَعَ يده في الطعامِ؛ فأَخذَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيَدِه. ثمَّ جاءَتْ جاريَةٌ كأنَّما تُدفَعُ، فذهبت لِتَضَع يَدها في الطعامِ؛ فأخذَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدِها وقال: "إنَّ الشيطانَ يَستَحِلُّ الطعامَ الذي لَمْ يُذكَرِ اسْمُ الله عليه، وإنَّه جاء بهذا الأعْرابيِّ يستَحِلُّ به؛ فأخذتُ بيده، وجاءَ بهذهِ الجاريَةِ يسْتَحِلُّ بها؛ فأخذتُ بيدِها، والذي نفسي بيدِه إنَّ يَده لفي يدي معَ أيْديهِما". رواه مسلم والنسائي وأبو داود. (2)   (1) قلت: وأحمد أيضاً (3/ 346 و383)، والبخاري في "الأدب المفرد" (1096)، وهو عند النسائي في "الكبرى" (ق 59/ 2). (2) قلت: والسياق لأبي داود (3766)، وكذا النسائي (273 - العمل) بنحوه، وهو عند مسلم (6/ 107 - 108) بتقديم قصة الجارية على قصة الأعرابي. الحديث: 2109 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 2 - (الترهيب من استعمال أواني الذهب والفضة، وتحريمه على الرجال والنساء). 2110 - (1) [صحيح] عن أمِّ سلَمةَ رضي الله عنها؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الَّذي يشربُ في آنيَةِ الفِضَّةِ؛ إنَّما يُجَرْجِرُ في بطنِه نارُ جهَنَّمَ". رواه البخاري ومسلم. [صحيح] وفي رواية لمسلمٍ: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الذي يأكلُ أوْ يشربُ في آنيةِ الذهَبِ والفضَّةِ؛ إنّما يُجَرْجِرُ في بطْنِه نارَ جهَنَّمَ". وفي رواية أخرى له: "مَنْ شرِبَ في إناءٍ مِنْ ذهَبٍ أو فضَّةٍ؛ فإِنَّما يُجرْجِرُ (1) في بطنِه ناراً مِنْ جَهنَّم". 2111 - (2) [صحيح] وعن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا تَلبَسوا الحريرَ ولا الدِّيبَاجَ، ولا تشْرَبوا في آنيةِ الذهبِ والفضَّةِ، ولا تأكُلوا في صِحافِها، فإنَّها لهُمْ في الدنيا، ولكُم في الآخِرَةِ". رواه البخاري ومسلم. 2112 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ لبسَ الحريرَ في الدنيا لَمْ يلبَسْهُ في الآخرةِ، ومَنْ شرِبَ الخمرَ في   (1) أي: الشارب؛ أي: يلقيها في بطنه بجرع متتابع تسمع له جرجرة، وهي الصوت لتردده في حلقه. أفاده الناجي عن النووي. الحديث: 2110 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 الدنيا لَمْ يشربْهُ في الآخِرَةِ، ومَنْ شربَ في آنيَةِ الذهَبِ والفضَّةِ لَمْ يشرَبْ بِها في الآخِرَةِ، -ثمَّ قال:- لِباسُ أهلِ الجنَّة، وشَرابُ أهلِ الجنَّة، وآنيةُ أهلِ الجنَّةِ". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". [مضى 18 - اللباس/ 5]. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 3 - (الترهيب من الأكل والشرب بالشمال، وما جاء في النهي عن النفخ في الإناء والشرب من في السقاء ومن ثلمة القدح). 2113 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يأْكُلنَّ أحدُكم بشِمالهِ، ولا يَشْرَبنَّ بها، فإنَّ الشيْطانَ يأكلُ بشِمالِه ويشربُ بِها". قال: وكان نافعٌ يزيدُ فيها: "ولا يأخُذْ بها، ولا يُعْطِ بها". رواه مسلم (1) والترمذي بدون الزيادة. ورواه مالك وأبو داود بنحوه. 2114 - (2) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لِيأْكُلْ أحدُكم بيَمِينهِ، ولْيَشْرَبْ بيمينِه، ولْيَأْخُذْ بيمينِه، ولْيُعْطِ بيَمينِه؛ فإنَّ الشيطانَ يأكلُ بشِمالِه، ويشربُ بشِمالِه، وُيعطي بشِمالِه، ويأخُذ بشِمالِه". رواه ابن ماجه بإسناد صحيح (2). 2115 - (3) [حسن] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه: أنَّ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى عنِ النفْخِ في الشَرابِ. فقال رجلٌ: القَذاةَ أراها في الإِناءِ؟ فقال: "أهْرِقْها". قال: فإنِّي لا أرْوَى مِنْ نَفَسٍ واحدٍ؟ قال: "فَأبِنِ القَدحَ إذاً عَنْ فيكَ [ثم تَنَفَّسْ] (3) ".   (1) قلت: وكذا البخاري في "الأدب المفرد" (1089). (2) فيه نظر بينته في الأصل، لكن له طرق أخرى وشواهد خرجت بعضها في "الصحيحة" (1236). (3) زيادة من "الموطأ" سقطت من رواية الترمذي، وهي عنده من طريق مالك بتقدم وتأخير، وقد رواه عنه أيضاً ابن حبان والحاكم بالزيادة، وهو مخرج في "الصحيحة" (386). الحديث: 2113 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". 2116 - (4) [صحيح لغيره] وعنه قال: نهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنِ الشربِ من ثُلْمَةِ القَدحِ (1)، وأنْ يُنفَخَ في الشرابِ. رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلاهما من رواية قرة بن عبد الرحمن بن حَيْوَئيل المصري المَعافِري. 2117 - (5) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى أنْ يُتَنفَّسَ في الإناءِ، ويُنفَخَ فيهِ. رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". وابن حبان في "صحيحه" ولفظه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أنْ يشربَ الرجلُ مِنْ فِي السقاء، وأنْ يَتَنفَّسَ في الإناءِ. 2118 - (6) [صحيح] (قال الحافظ): "وروى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي النهي عن التنفس في الإناء من حديث أبي قتادة". 2119 - (7) [صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يَتنفَّسُ في الإناءِ ثلاثاً. ويقول: "هو أَمْرأُ وأَرْوَى". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".   (1) أي: موضع الكسر منه كما جاء مصرحاً بذلك في حديث آخر، والظاهر أنَّ ذلك لما قد يخشى أنْ يتجمع في الثلمة من الأوساخ والجراثيم، فيتسرب شيء منها إلى الجوف إذا شرب منها، فالنهي طبي دقيق، والله أعلم. انظر الحديث (2689 - الصحيحة). الحديث: 2116 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 وروى أيضاً عن ثُمامَةَ عن أنسٍ: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتنفَّسُ [في الإناء] ثلاثاً، وقال: "هذا [حديث حسن] صحيح" (1). (قال الحافظ) عبد العظيم: "وهذا محمول على أنه كان يبين القدح عن فيه كل مرة، ثم يتنفس كما جاء في حديث أبي سعيد المتقدم، لا أنه كان يتنفس في الإناء". 2120 - (8) [صحيح] وعن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه قال: نَهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنِ اخْتِناثِ الأسْقِيةِ. يعني أنْ تُكْسَر أفْواهُها فيُشرَبَ مِنْها. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 2121 - (9) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى أنْ يُشرَب مِنْ فِي السِقاءِ. . . . (2). رواه البخاري مختصراً دون قوله: "فأنبئت. . ." إلى آخره. ورواه الحاكم بتمامه وقال: "صحيح على شرط البخاري".   (1) قلت: والزيادة منه (1885)، ورواه مسلم وغيره، وعنده أيضاً الأولى، انظر "الصحيحة" (387). (2) هنا عقب الحديث ما نصه: " [قال أيوب:] فأنبئت أن رجلاً شرب من في السقاء، فخرجت حية"، وما بين المعكوفتين زيادة من "الحاكم"، وحذف المصنف لها من سوء التصرف، لأنه يجعل تمام الحديث موصولاً من حديث أبي هريرة، وهو من قول أيوب -وهو السختياني-، فهو منقطع. وقد صح تعليل النهي عن عائشة بلفظ: "لأنَّ ذلك ينتنه". انظر "الصحيحة" (399 - 400)، وغفل المعلقون الثلاثة عن هذه الزيادة الهامة، فلم يستدركوها كعادتهم!! الحديث: 2120 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 4 - (الترغيب في الأكل من جوانب القصعة دون وسطها). 2122 - (1) [صحيح] عن عبد الله بن بسرٍ رضي الله عنه قال: كانَ لِلنَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصعَةٌ يقالُ لها: الغَرَّاءُ، يحْمِلُها أرْبَعةُ رجالٍ، فلمَّا أضْحَوْا وسَجدوا الضُّحى. أتى بِتلْكَ القَصعَةِ؛ يعني وقد أثْرَد فيها، فالْتَفُّوا علَيْها، فلمَّا كَثُروا جَثا (1) رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال أعْرابِيٌّ: ما هذه الجِلْسَةُ؟ قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله جعَلني عبداً كريماً، ولَمْ يَجْعلْني جَبَّاراً عنيداً". ثُمَّ قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلوا مِنْ جَوانِبها، ودَعوا ذِرْوَتها؛ يبارَكْ لكُم فيها". رواه أبو داود وابن ماجه. (ذِرْوَتها) بكسر الذال المعجمة: هي أعلاها. 2123 - (2) [صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "البَركَةُ تنزِلُ (2) وسْطَ الطعامِ، فكُلوا مِنْ حافَّتَيْهِ، ولا تأكلوا مِنْ وَسطِهِ". رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلهم عن عطاء بن السائب (3) عن سعيد بن جبير عنه. وقال الترمذي -واللفظ له-: "حديث حسن صحيح". [صحيح] ولفظ أبي داود وغيره: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا أكَل أحدُكم طَعاماً، فلا يأْكُلْ مِنْ أعْلى الصحْفَةِ، ولكنْ لِيَأكُلْ مِنْ أسْفَلِها؛ فإنَّ البَركَة تنزِلُ مِنْ أعلاها".   (1) أي: جلس على ركبتيه. وهذه هيئة من هيئات جلوسه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الطعام. (2) في الأصل زيادة "في"، فحذفتها لعدم ورودها في "الترمذي". (3) يشير المؤلف إلى إعلال الحديث به، لأنه كان اختلط، لكن قد رواه عنه شعبة وسفيان، وهما سمعا منه قبل الاختلاط، وقد خرجته في "الإرواء" (7/ 38/ 1980). وانظر "الصحيحة" (2040). الحديث: 2122 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 5 - (الترغيب في أكل الخل والزيت، ونهس اللحم دون تقطيعه بالسكين إنْ صح الخبر (1)). 2124 - (1) [صحيح] عن جابر رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سأل أهلَه الأُدُمَ، فقالوا: ما عندَنا إلا الخَلُّ، فدعا بِه فجعَل يأكُلُ بِه ويقول: "نِعْمَ الإدامُ الخلُّ، نِعْمَ الإدامُ الخَلُّ". قال جابرٌ: فما زِلتُ أُحِبُّ الخَلَّ منذُ سمعتُها مِنَ نبيِّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال طلحة بن نافع: وما زِلتُ أُحِبُّ الخَلَّ منذُ سمعتُها مِنْ جابرٍ. رواه مسلم (2). وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه منه: "نِعْمَ الإِدَامُ الخَلُّ". 2125 - (2) [صحيح لغيره] وعن أمِّ هانئٍ بِنتِ أبي طالب رضي الله عنها قالت: دخَل عليَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: هلْ عندكُم مِنْ شيْءٍ؟ ". فقلتُ: لا، إلا كِسَرٌ يابِسَةٌ وخَلٌّ. فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قَرِّبيهِ، فما أقْفَرَ بيتٌ مِنْ أُدْمٍ فيهِ خَلٌّ" (3).   (1) انظر حديثه في "الضعيف". (2) قلت: لكنْ سياق المصنف ليس عند "مسلم"، وإنما هو مركب من روايتين عنده من طريقين مختلفين عن جابر (6/ 125)، وكان في الأصل: "نعم الإدام" في المرة الثالثة، فحذفتها لأنَّها ليست عنده. (3) قوله: "فما أقفر" أي: ما خلا. و (القفار): الطعام بلا أُدْم، وكان الأصل (إدام) فصححته من الترمذي. والحديث مخرج في "الصحيحة" (2220) لشاهد له. الحديث: 2124 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". 2126 - (3) [حسن لغيره] وعن أبي أُسَيْدٍ رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كُلوا الزيتَ وادَّهِنُوا بهِ؛ فإنَّه مِنْ شجَرةٍ مبارَكَةٍ". رواه الترمذي وقال: "حديث غريب". والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 2127 - (4) [حسن لغيره] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كُلوا الزيتَ وادَّهِنُوا بهِ؛ فإنَّهُ مِنْ شَجرةٍ مبارَكَةٍ". رواه ابن ماجه والترمذي وقال: "لا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق، وكان عبد الرزاق يضطرب في رواية هذا الحديث". ورواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط الشيخين". وهو كما قال (1)   (1) كذا قال، وهو مردود بالاضطراب الذي أشار إليه الترمذي، والراجح منه أنَّه مرسل، كما بينته في "الصحيحة" (379)، وفيه تخريج شواهد له تقويه. الحديث: 2126 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 6 - (الترغيب في الاجتماع على الطعام). 2128 - (1) [حسن لغيره] عن وحشي بن حربٍ بن وحشي بن حربٍ عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله! إنا نأْكُل ولا نشْبَعُ؟ قال: "تَجْتَمِعون على طعامِكُم أوْ تَتَفَرَّقونَ؟ ". قالوا: نَتفَرَّقُ. قال: "اجْتَمِعوا على طعامِكُم، واذْكروا اسْمَ الله؛ يبارَكْ لكُم فيهِ". رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه". 2129 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "طعامُ الاثْنَيْنِ كافي الثلاثَةِ، وطعامُ الثلاثَةِ كافي الأرْبَعَةِ". رواه البخاري ومسلم. 2130 - (3) [صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "طعامُ الواحدِ يكفي الاثْنَيْنِ، وطعامُ الاثْنَيْنِ يكفي الأرْبَعةَ، وطعامُ الأربَعةِ يكفي الثَّمانِيَةَ". رواه مسلم والترمذي وابن ماجه. 2131 - (4) [صحيح لغيره] ورواه البزار من حديث سمرة دون قوله: "وطعامُ الأربعةِ يكفي الثمانيةَ". وزاد في آخره: "ويد الله على الجماعة". الحديث: 2128 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 2132 - (5) [حسن لغيره] وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كُلوا جَميعاً ولا تَتَفرَّقوا؛ فإنَّ طعامَ الواحد يكفي الاثْنين، وطعامَ الاثنينِ يكفي الأرْبَعةَ" (1). رواه الطبراني في "الأوسط". 2133 - (6) [حسن لغيره] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ أحبَّ الطعام إلى الله ما كَثُرَتْ عليه الأَيْدِي". رواه أبو يعلى والطبراني وأبو الشيخ في "كتاب الثواب"؛ كلهم من رواية عبد المجيد بن أبي راود؛ وقد وثق، ولكن في هذا الحديث نكارة (2).   (1) الأصل: "الثمانية"، وكذا في مطبوعة عمارة؛ ويظهر أنه خطأ قديم، فإنه كذلك في المخطوطة، والتصويب من "المعجم الأوسط" (رقم 7567/ 1) من مصورتي. ورواه في "الكبير" أيضاً كذلك لكن بتقديم وتأخير. وقد خرجته في "الصحيحة" (2691). (2) قلت: لم يظهر لي وجه النكارة، لا سيما وفي الباب ما يشهد له. والله أعلم. الحديث: 2132 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 7 - (الترهيب من الإمعان في التشبع والتوسع في المآكل والمشارب شرهاً وبطراً). 2134 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المسلمُ يأكلُ في مِعىً (1) واحدٍ، والكافِرُ في سَبْعَةِ أمْعاءٍ". رواه مالك والبخاري ومسلم وابن ماجه وغيرهم. وفي رواية للبخاري: "أنَّ رجُلاً كان يأكُل أكْلاً كثيراً فأسْلَم، فكان يأكُل أكْلاً قليلاً، فذَكرَ ذلك لِرسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "إنَّ المؤمِنَ يأكُل في مِعَىً واحِدٍ، وإنَّ الكافرَ يأْكُل في سَبْعَةِ أمْعاءٍ". وفي رواية لمسلم قال: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضافه ضيف كافِر (2)، فأمرَ لهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشاةٍ فحُلِبَتْ فشَرِبَ حِلابَها، ثُمَّ أخْرى، فشَرِبَ حِلابَها، ثُمَّ أخْرى فشَرِب حلابَها، حتى شرِبَ حِلابَ سبْع شياهٍ! ثمَّ إنَّه أصْبَح فأسْلَم، فأمَر لَهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشاةٍ فشرِبَ حِلابَها، ثُمَّ أَخْرى فَلمْ يَسْتَتِمَّها فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المؤمِنُ يَشْرَبُ في مِعىً واحدٍ، والكافرُ يشرَبُ في سبْعَةِ أمْعاءٍ". ورواه مالك والترمذي بنحو هذه.   (1) في "المصباح: " (المعى): المصران، وقصره أشهر من مده، وجمعه (أمعاء)، مثل (عنب) و (أعناب)، وجمع الممدود (أمعية)، مثل (حمارة) و (أحمرة). . ". (2) الأصل: "أضاف رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضيفاً كافراً"، فصححته من "مسلم" (6/ 133) و"الموطأ" (3/ 110)، وقد رواه من طريقه، وكان فيه أخطاء أخرى فصححتها منهما. الحديث: 2134 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 2135 - (2) [صحيح] وعن المقدامِ بْنِ مَعْدِ يكرِبٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما مَلأ آدمِيٌّ وعاءً شرّاً مِنْ بطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدمَ أُكَيْلاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإنْ كانَ لا مَحالَة؛ فَثُلُثٌ لِطَعامِهِ، وثلُثٌ لِشرابِهِ، وثُلُثٌ لِنَفَسِهِ". رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه". (1) 2136 - (3) [صحيح] وعن أبي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قال: أكلتُ ثَريدَةً مِنْ خُبزٍ ولَحْمٍ ثُمَّ أتيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجعلتُ أتَجَشَّأُ. فقال: "يا هذا! كُفَّ مِنْ جُشائِكَ، فإنَّ أكْثَر الناسِ شِبَعاً في الدنيا؛ أكثَرُهُم جُوعاً يومَ القِيامَةِ". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (قال الحافظ): "بل واهٍ جداً؛ فيه فهد بن عوف وعمر بن موسى، لكنْ رواه البزار بإسنادين رواة أحدهما ثقات". (2) 2137 - (4) [صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تَجشَّأَ رجلٌ عندَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "كفَّ عنَّا جُشاءَك، فإنَّ أكْثَرهُم شِبَعاً في الدنيا؛ أطوَلُهم جوعاً يومَ القيامَةِ". رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي؛ كلهم من رواية يحيى البكّاء عنه؛ وقال الترمذي:   (1) هنا في الأصل ما نصه: إلا أن ابن ماجه قال: "فإنْ غَلَبَتِ الأدميَّ نفسُه فثلث للطعام. ." الحديث، فحذفته لضعف إسناده، ومخالفته لما قبله، وهو مخرج في "الإرواء" (7/ 41 - 43). (2) قلت: إسناده جيد، وللحديث طرق أخرى وشواهد يأتي بعضها في الكتاب، وقد خرجتها في "الصحيحة" (343). الحديث: 2135 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 "حديث حسن". 2138 - (5) [حسن لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ أهلَ الشبَعِ في الدنيا هُمْ أهلُ الجوعِ غَداً في الآخِرَةِ". رواه الطبراني بإسناد حسن. 2139 - (6) [صحيح لغيره] وروي عن عطية بن عامرٍ الجهني قال: سمعتُ سَلْمانَ رضي الله عنه وأكْرِهَ على طعامٍ يأْكُلُه؛ فقالَ: حَسْبي؛ إنِّي سمعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ أكثَر الناسِ شِبَعاً في الدنيا؛ أطوَلُهُم جوعاً يومَ القِيامَةِ". [صحيح لغيره] رواه ابن ماجه والبيهقي؛ وزاد في آخره: وقال: "يا سَلْمانُ! الدنيا سِجْنُ المؤْمِنِ، وجنَّةُ الكافِرِ". 2140 - (7) [صحيح] ورواه [يعني حديث أبي هريرة الذي في "الضعيف"] البخاري ومسلم باختصار: قال: "إنَّه لَيأْتي الرجلُ العظيمُ السَّمينُ يومَ القِيامَةِ، فلا يَزِنُ عندَ الله جَناحَ بَعوضَةٍ". 2141 - (8) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ قال: نَظرَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الجوعِ في وجوهِ أصْحابِهِ، فقال: "أبشِروا، فإنَّه سيأتي عليكُمْ زَمانٌ يُغْدَى على أحدِكمْ بالقَصْعَةِ مِنَ الثريدِ ويراحُ عليه بِمثْلِها". قالوا: يا رسولَ الله! نحنُ يومَئذٍ خير؟ قال: "بلْ أنْتُم اليومَ خيرٌ منكم يومَئذٍ". رواه البزار بإسناد جيد. الحديث: 2138 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 2142 - (9) [صحيح لغيره] وعن عليّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنتُم اليومَ خيرٌ أمْ إذا غُدِيَ على أحدِكُم بِجَفْنةٍ مِنْ خُبزٍ ولَحْم، وريحَ عليهِ بأُخْرى، وغَدا في حُلةٍ وراحَ في أُخْرى، وستَرتُمْ بيوتَكُمْ كما تُسْتَرُ الكَعْبَةُ؟ ". قلنا: بَلْ نحنُ يومَئِذٍ خيرٌ، نتفرغ للعبادة. فقالَ: "بَلْ أنتُم اليومَ خيرٌ". رواه الترمذي في حديث تقدم في "اللباس" [18/ 7 - "الضعيف"]، وحسنه. 2143 - (10) [صحيح] وعن أبي برزة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّما أخْشى عليكُم شهواتِ الغَيِّ في بطونِكُم وفُروجِكم، ومُضِلاَّتِ الهَوى". رواه أحمد والطبراني والبزار، وبعض أسانيدهم رجاله ثقات. [مضى 2 - السنة/ 2]. 2144 - (11) [حسن لغيره موقوف] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لَقِيَنَي عمرُ بْنُ الخطَّابِ وقدِ ابْتَعْتُ لَحْماً بدرْهَمٍ، فقال: ما هذا يا جابِرُ؟ قلتُ: قَرِمَ أهلْي، فابْتَعْتُ لهم لَحْماً بدرْهَمٍ، فجًعَل عُمَرُ يردِّدُ: قَرِم أهْلي! حتى تَمنَّيْتُ أنَّ الدرْهَم سَقَط منِّي ولَم ألْقَ عُمَرَ. رواه البيهقي. قوله: "قرم أهلي" أي: اشتدت شهوتهم للحم. 2145 - (12) [حسن] وعن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كُلوا واشْرَبوا، وتَصدَّقوا، [والْبَسوا] (1) ما لَمْ يُخالِطْهُ إسْرافٌ أو مَخِيلَ".   (1) سقطت من الأصل، وكذا المخطوطة، وهي ثابتة عند مخرجيه، وكذلك رواه أحمد (2/ 181 و182)، وزاد في رواية: "إن الله يحب أن ترى نعمته على عبده". وكذا رواه الحاكم (4/ 135) وصححه، ووافقه الذهبي، والبيهقي في "الشعب" (2/ 230/ 2). وقد غفل الغافلون عنها كعادتهم ولم يستدركوها! ولا صححوا ما كان في الأصل: "ولا مخيلة"! الحديث: 2142 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 رواه النسائي وابن ماجه، ورواته إلى عمرو ثقات محتج بهم في "الصحيح". 2146 - (13) [حسن] وعن معاذِ بْنِ جبلٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمَّا بعَثَ به إلى أهْلِ اليَمنِ قال له: "إيَّاك (1) والتَّنَغُّمَ؛ فإنَّ عبادَ الله ليْسُوا بالمتَنَعِّمينَ". رواه أحمد والبيهقي ورواة أحمد ثقات. 2147 - (14) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ شرار أمتي الذين غذُّوا بالنعيم، ونبتت عليه أجسامُكم". رواه البزار، ورواته ثقات؛ إلا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم. 2148 - (15) [حسن لغيره] وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سيكونُ رِجالٌ مِنْ أُمَّتي يأكُلونَ ألْوانَ الطَعامِ، ويشرَبونَ ألْوانَ الشرابِ، ويلبَسونَ ألْوانَ الثيابِ، ويتَشدَّقونَ في الكَلامِ؛ فأولئكَ شِرارُ أُمَّتي". رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في "الكبير" و"الأوسط". 2149 - (16) [حسن لغيره] وروي عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "شِرارُ أُمَّتي الَّذين وُلِدُوا في النَّعيمِ، وغُذُوا بِهِ، يأْكُلونَ مِنَ الطعام ألْواناً، ويتشَدَّقونَ في الكَلامِ". رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في حديث [يأتي 24 - التوبة/ 6].   (1) قلت: هذا لفظ البيهقي، ولفظ أحمد (إيايَ)، وهو أبلغ في التحذير كما ذكروا في أمثاله من الأحاديث، فانظر "فيض القدير" للمناوي. الحديث: 2146 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 2150 - (17) [صحيح لغيره] وعن أُبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ مَطْعَم ابْنِ آدَم جُعِلَ مثلاً للدُّنيا، وإنْ قَزَّحَهُ ومَلَحهُ، فانظُرْ إلى ما يصَيرُ". رواه عبد الله بن أحمد في "زوائده" (1) بإسناد جيد قوي، وابن حبان في "صحيحه" والبيهقي، وزاد في بعض طرقه: ثم يقول الحسن: أو ما رأيتهم يطبخونه بالأفواه والطيب (2) ثم يرمون كما رأيتم. قوله: (قَزَّحه) بتشديد الزاي أي: وضع فيه (القِزْح)، وهو التابل. و (مَلَحه) بتخفيف اللام، معروف. 2151 - (18) [صحيح لغيره] وعن الضحاك بن سفيان رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "يا ضحَّاكُ! ما طَعامُكَ؟ ". قال: يا رسول الله! اللّحْمُ واللَّبَنُ. قال: "ثمَّ يصيرُ إلى ماذا؟ ". قال: إلى ما قَدْ علِمْتَ. قال: "فإنَّ الله تعالى ضرَبَ ما يَخْرُج مِنِ ابْنِ آدَمَ مَثَلاً لِلدُّنْيا". رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح؛ إلا علي بن زيد بن جدعان. (قال الحافظ): "ويأتي في "الزهد" [24 - التوبة/ 6] ذكر "عيش النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه" إنْ شاء الله تعالى".   (1) انظر التعليق المتقدم في المجلد الأول ص (276). (2) عطف بيان تفسير لـ (الأفواه)، فإنَّه جمع (الفوه): الطيب، مثل (قفل) و (أقفال). و (أفاويه) جمع الجمع. كما في "المصباح". الحديث: 2150 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 8 - (الترهيب من أنْ يدعى الإنسان إلى الطعام فيمتنع من غير عذر، والأمر بإجابة الداعي، وما جاء في طعام المتباريين (1)). 2152 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّه كانَ يقول: "شَرُّ الطعامِ طعامُ الوَليمَةِ، يُدْعى إليها الأغْنِياءُ، وُيتْرَكُ المسَاكينُ، ومَنْ لَمْ يأْتِ الدعوةَ فقَدْ عَصى الله ورسولَه". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه موقوفاً على أبي هريرة. ورواه مسلم أيضاً مرفوعاً إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "شرُّ الطعامِ طعامُ الوَليمَةِ؛ يُمْنَعُها مَنْ يَأْتيها، ويُدْعَى إليها مَنْ يأْباها، ومَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فقد عَصى الله وَرسولَهُ". 2153 - (2) [صحيح] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا دُعِيَ أحدُكم إلى الوَليمَةِ فَلْيَأْتِها".   (1) في الأصل والمخطوطة أيضاً: (المتماريَيْن)، وهو خطأ من المؤلف ناشئ عن خطأ، وهو تفسيره لحديث ابن عباس الآتي آخر الباب ". . . طعام المتباريين" بقوله: " (المتباريان) هما المتمارلان المتباهيان"! وقد تعقبه الحافظ الناجي بقوله (ق 177/ 2): "هذا عجيب، وقد قال في حواشي "مختصر السنن" له: (المتباريان): التعارضان بفعليهما، ليُعجزَ أحدهما الآخر بصنيعه، يقال: تباري الرجلان إذا فعل كل واحد منهما مثلما فعل صاحبه ليرى أيهما يغلب صاحبه -قال-: وكُرِهَ لما فيه من المباهاة والرياء، ودخوله فيما نهي عنه من أكل المال بالباطل". انتهت عبارته. والحاصل أنَّ هذه اللفظة إنما هي بالباء لا بالميم؛ لأنَّ المتماريين في اللغة هما المتجادلان، وذلك لحن فاحش محيل للمعنى". قلت: وما عزاه لحواشي "مختصر السنن" للمنذري لم أره في النسخة المطبوعة من "المختصر" وإنما في "معالم السنن" للخطابي المطبوع معه في مطبعة أنصار السنة (5/ 294) مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ، فلعل المنذري أخذ ذلك من الخطابي فعلقه حاشية على مختصره في بعض نسخه، فوقعت هذه النسخة للحافظ الناجي. والله أعلم. الحديث: 2152 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 رواه البخاري ومسلم وأبو داود. 2154 - (3) [صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا دَعا أحدُكم أخاه فَلْيُجِبْ، عُرْساً كانَ أوْ نَحْوَهُ". رواه مسلم وأبو داود. وفي رواية لمسلم: "إذا دُعيتُمْ إلى كُراعٍ (1) فأَجِيبُوا". 2155 - (4) [صحيح] وعن جابرٍ -هو ابنُ عبدِ الله رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا دُعِيَ أحدُكم إلى طَعامٍ فلْيُجِبْ، فإنْ شاءَ طَعِم، وإنْ شاءَ تَركَ". رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. 2156 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "حقُّ المسلِم على المسلمِ خمسٌ: ردُّ السلامِ، وعِيادَةُ المريضِ، واتِّباعُ الجنائزِ، وإجابَةُ الدعْوَةِ، وتَشْميتُ العاطِسِ". رواه البخاري ومسلم. ويأتي أحاديث من هذا النوع إن شاء الله تعالى. 2157 - (6) [صحيح] وروى أبو الشيخ ابن حَيان في "كتاب التوبيخ" وغيره عن أبي أيوبَ الأنصاري قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ستُّ خِصالٍ واجِبَةٌ لِلْمُسْلِم على المسلم، مَنْ تركَ شيْئاً منْهُنَّ؛ فقد تَركَ حقّاً واجباً: يُجيبُه إذا دَعاهُ، وإذا لَقِيَهُ أنْ يُسَلِّمَ عليه، وإذا عَطَسَ أنْ يُشْمِتَهُ،   (1) بضم الكاف: وزان (غُراب)، وهو من الغنم والبقر بمنزلة (الوظيف) من الفرس، وهو مستدق الساق. الحديث: 2154 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 وإذا مرِضَ أنْ يَعودهُ، [وإذا ماتَ أنْ يَتْبَع جنَازَتَهُ] (1)، إذا اسْتُنْصِح أنْ يَنْصَح لَهُ". 2158 - (7) [صحيح لغيره] وعن عكرمة قال: كان ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما يقول: إنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى عن طعامِ المتبارِيَيْن أنْ يُؤكَلَ. رواه أبو داود وقال: "أكثر من رواه عن جرير لا يذكر فيه ابن عباس". يريد أن أكثر الرواة أرسلوه. (قال الحافظ:) "الصحيح أنَّه عن عكرمةَ عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسل (2) ". (المتَبَارِيان): هما المتَمارِيان (3) المتَباهِيَانِ.   (1) سقطت من الأصل والمخطوطة أيضاً، واستدركتها من "الأدب المفرد" للبخاري (922) و"المعجم الكبير" للطبراني (4/ 215 - 216/ 4076)، ومنه تتبين تقصير المؤلف في تخريجه، فبالأولى المعلقون عليه، فإنهم جهلة، ولذلك لم يزيدوا عليه في تخريجه سوى أنْ أعادوا عزوه لأبي الشيخ! وبدون رقم! أو استدراك للزيادة! وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعاً نحوه، رواه مسلم (7/ 3) وغيره، وسيأتي في (23 - الأدب/ 5). وآخر في "المسند" (2/ 68) من حديث ابن عمر. (2) قلت: لكن له شاهد قوي؛ خرجته في "الصحيحة" (626) من حديث أبي هريرة. (3) كذا قال وهو خطأ محض؛ فإنه لا علاقة للتماري والتجادل هنا كما تقدم بيانه في التعليق على الباب. وقد وقع في رواية في حديث أبي هريرة المشار إليه آنفاً بلفظ: "المترائيان"، فانقلب على المؤلف إلى "المتماريان". والله أعلم. الحديث: 2158 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 9 - (الترغيب في لعق الأصابع قبل مسحها لإحراز البركة). 2159 - (1) [صحيح] عن جابرٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرَ بِلَعْقِ الأصابع والصحْفَةِ، وقال: "إنّكُمْ لا تَدْرونَ في أيِّ طعامِكُمُ البَركَةُ". رواه مسلم. 2160 - (2) [صحيح] وعنه، أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا وَقَعتِ لُقْمَةُ أحدِكُم، فلْيَأْخُذْها، فلْيُمِطْ ما كانَ بِها مِنْ أذىً ولْيأْكُلْها، ولا يَدَعْها للشيطانِ، ولا يمْسَحْ يدَه بالمِنْديلِ حتَّى يَلْعَقَ أصابِعَهُ، فإنَّه لا يَدري في أيِّ طعامِه البركةُ". رواه مسلم. 2161 - (3) [صحيح] وعنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الشيطانَ يحضرُ أحدَكم عندَ كلِّ شيء مِنْ شأنِهِ، حتَّى يَحضرَه عند طعامِه، فإذا سَقَطتْ لُقْمَةُ أحدِكُم، فلْيَأْخُذْها، فَلْيُمِطْ ما كانَ بِها مِنْ أذًى، ثُمَّ ليَأْكُلْها، ولا يَدعْها للشيطانِ، فإذا فرغ، فَليَلْعَقْ أصابِعَهُ، فإنَّه لا يدري في أيِّ طعامِهِ البَركَةُ". رواه مسلم، وابن حبان في "صحيحه" وقال: "فإنَّ الشيطانَ يرصُدُ الناسَ أو الإنسانَ (1) على كلِّ شيءٍ، حتّى عند مطْعَمِه أوْ طَعامِه، ولا يرفَع الصحْفَةَ حتى يَلْعَقهَا أو يُلْعِقَها؛ فإنَّ [في] آخِرِ الطعامِ البَركةَ".   (1) أي: يرقبه. يقال: رصده إذا قعد له على طريقه يترقبه. الحديث: 2159 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 2162 - (4) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا أكَلَ أحدُكُم، فلْيَلْعَقْ أَصابِعَهُ؛ فإنَّه لا يدري في أيتهِنَّ البركةُ". رواه مسلم والترمذي. 2163 - (5) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا أَكلَ أحدُكُم طَعاماً، فلا يَمْسَحْ أصَابِعَهُ حتى يَلْعَقَها أو يُلْعِقَها". رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه. الحديث: 2162 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 10 - (الترغيب في حمد الله تعالى بعد الأكل). 2164 - (1) [حسن لغيره] عن معاذ بن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ أكلَ طَعاماً ثمَّ قال: (الحمدُ لله الذي أطْعَمني هذا الطَعامَ، ورزَقَنيهِ مِنْ غيرِ حَوْلٍ منِّي ولا قوَّةٍ)؛ غُفِرَ له ما تَقدَّمَ مِنْ ذَنْبِه". رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: "حديث حسن غريب". (قال الحافظ): "رووه كلهم من طريق عبد الرحيم أبي مرحوم عن سهل بن معاذ، ويأتي الكلام عليهما". [مضى 18 - اللباس/ 3]. 2165 - (2) [صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله لَيَرْضَى عنِ العبْدِ أنْ يأكُلَ الأَكْلةَ فيَحْمدَهُ عليها، ويشرَبَ الشَّرْبَةَ فيحمدَهُ عليها". رواه مسلم والنسائي والترمذي وحسنه. (الأكلة) بفتح الهمزة: المرة الواحدة من الأكل. وقيل: بضم الهمزة؛ وهي اللقمة. (قال الحافظ): "وفي الباب أحاديث كثيرة مشهورة من قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليست من شرط كتابنا لم نذكرها". الحديث: 2164 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 11 - (الترغيب في غسل اليد قبل الطعام -إنْ صح الخبر (1) - وبعده، والترهيب أنْ ينام وفي يده ريح الطعام لا يغسلها). 2166 - (1) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ نامَ وفي يَدِه غَمَرٌ ولَمْ يَغْسِلْهُ، فأصابَهُ شَيْءٌ؛ فلا يَلومَنَّ إلا نَفْسَهُ". رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه". 2167 - (2) [صحيح] ورواه ابن ماجه أيضاً عن فاطمة رضي الله عنها بنحوه. (الغَمَرُ) بفتح الغين المعجمة والميم بعدهما راء: هو ريح اللحم وزُهُومَتُه. 2168 - (3) [صحيح] وعنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ باتَ وفي يدِه ريحُ غَمَرٍ فأصابَه شَيْءٌ؛ فلا يَلومَنَّ إلا نَفْسَهُ". رواه البزار والطبراني بأسانيد، رجال أحدها رجال "الصحيح"؛ إلا الزبير بن بكار، وقد تفرد به كما قال الطبراني، ولا يضر تفرده، فإنه ثقة إمام. (2)   (1) يشير المؤلف بهذه الجملة إلى بعض الأحاديث التي أوردها تحت الباب، وهي من حصة الكتاب الآخر "الضعيف". (2) قلت: ومع ذلك فلم يتفرد به، بل تابعه ثقتان كما هو مبين في "الصحيحة" (2956). الحديث: 2166 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 20 - كتاب القضاء وغيره. 1 - (الترهيب من تولي السلطنة (1) والقضاء والإمارة سيما لمن لا يثق بنفسه، وترهيب من وثق بنفسه أن يسأل شيئاً من ذلك). 2169 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "كلُّكُم راعٍ ومَسْؤولٌ عن رعِيَّتِه، الإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عَنْ رعِيَّتِه، والرجلُ راعٍ في أهلهِ ومسؤولٌ عن رعِيَّتِه، والمرأةُ راعية في بيت زوْجِها، ومسؤولَةٌ عن رعِيَّتها، والخادِمُ راعٍ في مالِ سيدهِ ومسؤولٌ عن رعِيَّتِهِ، وكُلُكُم راعٍ ومَسْؤولٌ عنْ رعِيَّتِهِ". رواه البخاري ومسلم. [مضى 17 - النكاح/ 3]. 2170 - (2) [حسن صحيح] وعن أنسِ بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا اسْترْعَاهُ؛ حَفِظَ أمْ ضَيَّع، [حتَّى يَسأَل الرجُلَ عنْ أهلِ بَيْتِه] (2) ". رواه ابن حبان في "صحيحه". 2171 - (3) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ وَلِيَ القَضاءَ أوْ جُعِلَ قاضِياً بينَ الناسٍ؛ فقد ذُبِحَ بغيرِ سِكِّينٍ". رواه أبو داود والترمذي، واللفظ له، وقال: "حديث حسن غريب".   (1) كذا الأصل، وكذا في نقل الناجي له، وهي كلمة مولدة كما في "العجم الوسيط"، والمقصود (السلطة) كما هو واضح. (2) سقطت من الأصل وكذا المخطوطة، واستدركتها من "زوائد ابن حبان" (1562) و"كبرى النسائي"، وغيرهما. انظر "الصحيحة" (1626). الحديث: 2169 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 وابن ماجه، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (قال الحافظ): "ومعنى قوله: "ذبح بغير سكين" أنَّ الذبح بالسكين يحصل به إراحة الذبيحة بتعجيل إزهاق روحها، فإذا ذبحت بغير سكين كان فيه تعذيب لها. وقيل: إن الذبح لما كان في ظاهر العرف وغالب العادة بالسكين، عدل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ظاهر العرف والعادة إلى غير ذلك؛ ليعلم أن مراده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذا القول ما يخاف عليه من هلاك دينه ودون هلاك بدنه. ذكره الخطابي، ويحتمل غير ذلك". 2172 - (4) [صحيح لغيره] وعن بريدة رضي الله عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "القُضاةُ ثلاثَة، واحِدٌ في الجنَّةِ واثْنانِ في النارِ، فأمَّا الَّذي في الجنَّةِ، فرجلٌ عرفَ الحقَّ فقَضى بِه، ورجلٌ عَرفَ الحقَّ فجارَ في الحُكْمِ فهو في النارِ، ورجلٌ قَضى للِنَّاسِ على جَهْلٍ فهو في النارِ". رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه. 2173 - (5) [حسن] وعن عوف بن مالكٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنْ شئتُم أَنْبَأْتُكُمْ عنِ الإِمارَةِ ومَا هي؟ ". فنادَيْتُ بأعْلى صوتي: وما هِيَ يا رسولَ الله! قال: "أوَّلُها مَلامَةٌ، وثانِيها نَدامَةٌ، وثالِثُها عذَابٌ يومَ القِيَامَة؛ إلا مَنْ عَدَل،. . . (1) ". رواه البزار والطبراني في "الكبير"، ورواته رواة الصحيح.   (1) هنا في الأصل زيادة: "فكيف يعدل مع أقربيه؟! "، فحذفتها لنكارتها وتفرد هشام بن عمار بها دون أبي مسهر، أو لتفرد البزار عن (هشام) دون الطبراني في "الأوسط". الحديث: 2172 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 2174 - (6) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه -قال شريك: لا أدري رفعه أم لا- قال: "الإمارةُ أولُها ندامةٌ، وأوسطها غرامةٌ، وآخرُها عذابٌ يوم القيامة". رواه الطبراني بإسناد حسن. 2175 - (7) [حسن صحيح] وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنه قال: "ما مِنْ رجُلٍ يلي أمْرَ عَشَرةٍ بما فوقَ ذلك إلا أتى الله مغلولاً يومَ القيامة يدهُ إلى عُنقِه، فَكَّهُ بِرُّهُ، أوْ أوثَقَهُ إثْمُهُ، أوَّلُها مَلامَةٌ، وأوْسَطُها نَدَامةٌ، وآخِرُها خِزْيٌ يومَ القِيامَةِ". رواه أحمد، ورواته ثقات؛ إلا يزيد بن أبي مالك. (1) 2176 - (8) [صحيح] وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! ألا تَسْتعْمِلني؟ قال: فضَربَ بِيدِه على مَنْكِبَيَّ ثُمَّ قال: "يا أبا ذَرٍّ! إنَّك ضَعيفٌ، وإنَّها أمانَةٌ، وإنَّها يومَ القيامَةِ خِزْيٌ ونَدامَةٌ،   (1) قلت: وهو صدوق ربما وهم كما قال الحافظ، فهو حسن الحديث، ومن أئمة التابعين، وقد رُمي بشيء من الضعف، وكذا التدليس، ولكنه تدليس عمن لم يدركه. وقد جهل هذا المعلقون الثلاثة، فتعقبوا المؤلف وكذا الهيثمي، فتعالوا: "قلنا (!): يزيد صاحب تدليس، وفيه لين"! فضعفوا بجهلهم الحديث، وتعاموا عن الشواهد التي تشهد للشطر الثاني منه، وهي في طبعتهم قبيل هذا، وقد حسنوها، كحديث (عوف) المتقدم! كما أنهم لم يتذكروا و {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى} وذهنهم فارغ من أحاديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لم يتذكروا شواهد الشطر الأول منه، الآتية في الباب الثاني، بترقيمهم (3249 - 3254)، فهي خمسة شواهد، حسنوا أربعة منها، وضعفوا جداً الخامس منها!! وذلك من تمام جهلهم، لأنهم وقفوا ببصرهم عند ظاهر إسناده، ولم ينظروا ببصيرتهم إلى متنه الموافق لما قبله إلا في قوله: "وإلى ثلاثة"، ذلك لأنهم لم يتفقهوا بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حق الشيطان: "صدقك وهو كذوب"! فهل يعرفون أنفسهم ويمسكون عن الخوض فيما لا يعلمون؟! انظر "الصحيحة" (349 و2621). الحديث: 2174 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 إلا مَنْ أخذَها بِحقِّها، وأدَّى الَّذي عليهِ فيها". رواه مسلم. 2177 - (9) [صحيح] وعنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "يا أبا ذرٍّ! إنِّي أراكَ ضعيفاً، وإنِّي أُحِبُّ لك ما أُحِبُّ لِنَفْسِي؛ لا تَأَمَّرَنَّ على اثْنَيْنِ، ولا تَلِيَنَّ مالَ اليَتيمِ". رواه مسلم وأبو داود، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". 2178 - (10) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّكم سَتَحْرِصون على الإمارَةِ، وستكونُ ندامَةً يومَ القيامَةِ، فنِعْمَتِ المرْضِعَةُ (1)، وبِئْسَتِ الفاطِمَةُ". رواه البخاري والنسائي. 2179 - (11) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة أيضاً؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ويلٌ للأمراءِ، ويلٌ للعُرفاء، ويلٌ للأُمناء، لَيَتَمَنَّينَّ أقوامٌ يوم القيامة أن ذوائبَهم معلقةٌ بالثريا يُدَلْدَلُون (2) بين السماء والأرض، وأنهم لم يلوا عملاً". رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم -واللفظ له- وقال: "صحيح الإسناد". [مضى 8 - الصدقات/ 3].   (1) أي: في الدنيا، فإنها تدل على المنافع واللذات العاجلة، (وبئست الفاطمة) عند انفصاله عنها بموت أو غيره، فإنها تقطع عنه اللذائذ والمنافع، وتبقى عليه الحسرة والتبعة، فالمخصوص بالمدح والذم محذوف وهو (الإمارة). (2) الأصل: "يُدلّون"، وهو خطأ، ويظهر أنه من المؤلف، فإنه كذلك في المخطوطة، وكذلك كان فيما تقدم هناك (ج 1/ 8 - الصدقات/3/ 17). والمعنى: يضطربون ويتذبذبون. الحديث: 2177 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 2180 - (12) [حسن صحيح] وفي رواية له وصحح إسنادها أيضاً، قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ليوشِكَنَّ رجلٌ أنْ يتَمنَّى أنَّهُ خَرَّ مِنَ الثُّريَّا ولَمْ يَلِ مِنْ أمْرِ الناسِ شَيْئاً". (قال الحافظ): "وقد وقع في الإملاء المتقدم "باب فيما يتعلق بالعمَّال والعرفاء والمكّاسين والعشّارين" في "كتاب الزكاة" أغنى عن إعادته هنا" [8 - الصدقات-/ 3]. 2181 - (13) [صحيح] وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: قال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا عبدَ الرحمن بن سمرة! لا تسأل الإمارَةَ، فإنَّك إنْ أُعطيتَها مِنْ غير مسألةٍ؛ أُعنْتَ عليها، وإنْ أُعطِيتَها عَنْ مسأَلةٍ؛ وُكِلْتَ إلَيْها" الحديث. رواه البخاري ومسلم. الحديث: 2180 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 2 - (ترغيب من ولي شيئاً من أمور المسلمين في العدل إماماً كان أو غيره، وترهيبه أن يشق على رعيته أو يجور أو يغشهم أو يحتجب عنهم أو يغلق بابه دون حوائجهم). 2182 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهمُ الله في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: إمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشأَ في عبادَة الله، ورجلٌ قلْبُه مُعَلَّقٌ بالمساجِدِ، ورجُلانِ تحابَّا في الله؛ اجْتَمعا عليه وتَفرَّقا عليه، ورجُلٌ دعَتْهُ امْرأَةٌ ذات مَنصبٍ وجَمالٍ فقال: إنِّي أخافُ الله، ورجلٌ تَصدَّقَ بصدَقَةٍ فأخفْاها؛ حتى لا تَعْلَمَ شِمالُه ما تُنْفِقُ يَمينُه، ورجلٌ ذكر الله خالياً ففَاضَتْ عيْنَاهُ". رواه البخاري ومسلم. [مضى 5 - الصلاة/ 10]. 2183 - (2) [صحيح] وعن عبدِ الله بْنِ عَمْرِو بنِ العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ المُقْسِطينَ عندَ الله على منابِرَ منْ نورٍ، عَنْ يمينِ الرَّحمنِ، وكلْتا يَدَيْهِ يَمينٌ؛ الذين يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وأهليهِمْ وما وُلُّوا". رواه مسلم والنسائي. [مضى 17 - النكاح/ 4]. 2184 - (3) [صحيح] وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أهلُ الجَنَّةِ ثلاثَةٌ: ذو سلْطانٍ مُقْسِطٌ مُوَفَّقٌ، ورجلٌ رحيمٌ رقيقُ القلْبِ الحديث: 2182 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 لِكلِّ ذي قُرْبَى ومسلمٍ (1)، وعفيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذو عِيالٍ". رواه مسلم. (المقسط): العادل. 2185 - (4) [حسن] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ أشدَّ أهلِ النارِ عَذاباً يومَ القيامَةِ؛ مَنْ قَتلَ نبيّاً، أو قَتَلهُ نبِيٌّ،. . ." (2). رواه الطبراني، ورواته ثقات؛ إلا ليث بن أبي سُلَيم. وفي "الصحيح" بعضه. ورواه البزار بإسناد جيد؛ إلا أنه قال: "وإمامُ ضَلالَةٍ" (3). 1286 - (5) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أربعَةٌ يُبْغِضُهُم الله: البيَّاع الحلاَّفُ، والفقيرُ المخْتالُ، والشيخُ الزاني، والإمامُ الجائرُ". رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه". [صحيح] وهو في مسلم بنحوه؛ إلا أنه قال: "ومَلِكٌ كذابٌ، وعائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ". [يأتي بتمامه 21 - الحدود/ 7].   (1) الأصل: "قربى مسلم"، قال الناجي: "سقط من الأصل هنا (الواو) في (مسلم)، ولا بد منها، وهو واضح". قلت: وهو بإثباتها في "مسلم" (8/ 158)، و"المسند" أيضاً (4/ 162 و266). (2) هنا في الأصل: وإمام جائر" فحذفتها لأني لم أجد لها شاهداً، وهو مخرج في "الضعيفة" (1159)، بخلاف رواية البزار فهي حسنة الإسناد، وأما المعلقون الثلاثة فلم يفرقوا!! (3) قلت: وكذا عزاه للبزار عبد الحق الإشبيلي في "أحكامه"، وقد قصَّر هو والمؤلف فالحديث في "مسند أحمد" بلفظ البزار، وزاد: "وممثل من الممثلين". انظر "الصحيحة" (281). الحديث: 2185 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 2187 - (6) [صحيح لغيره] عن ابن عمر قال: كنَّا عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "كيف أنتُمْ إذا وقَعتْ فيكُمْ خَمْسٌ؟ وأعوذُ بالله أنْ تكونَ فيكُم أوْ تُدْركوهُنَّ: ما ظَهَرت الفاحشةُ في قوم قَطُّ يُعمَلُ بها فيهم علانِيَةً؛ إلا ظهرَ فيهمُ الطاعونُ والأوْجاعُ التي لَمْ تَكُنْ في أسْلافِهمْ، وما مَنعَ قومٌ الزَّكاة؛ إلاَّ مُنِعوا القَطْرَ مِنَ السَماءِ ولولا البهائم لم يمطروا، وما بَخَسَ قَومٌ المِكْيالَ والميزانَ؛ إلا أُخذوا بالسنينَ وشِدَّةِ المَؤُنَةِ وجَوْرِ السلْطانِ، ولا حكَم أُمَراؤهُم بغيرِ ما أنْزلَ الله؛ إلا سَلَّطَ الله عليهم عدُوِّهُم فاسْتَنْقَذوا بعضَ ما في أيْديهمْ، وما عَطَّلوا كتابَ الله وسنَّةَ نبيِّهِ؛ إلا جَعلَ الله بأْسَهُم بَيْنهُم". رواه البيهقي (1) وهذا لفظه، ورواه الحاكم بنحوه من حديث بريدة وقال: "صحيح على شرط مسلم". [مضيا 8 - الصد قات/ 2]. 2188 - (7) [صحيح لغيره] وعن بكير بن وهب قال: قال لي أنس: أحَدِّثُكَ حديثاً ما أحدِّثُه كلَّ أحَدٍ؟ إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قامَ على بابِ البيْتِ ونحنُ فيه فقال: "الأَئمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، إنَّ لي علَيْكُمْ حقّاً، ولَهُمْ عليكُمْ حقاً مثلَ ذلكَ، ما إن اسْتُرْحموا رَحموا، وإنْ عاهَدوا وَفَوا، وإنْ حَكَموا عَدَلوا، فَمَنْ لَمْ يَفْعلْ ذلك مِنْهُم فعليه لَعْنَةُ الله والملائكةِ والناسِ أجْمَعينَ". رواه أحمد بإسناد جيد -واللفظ له- وأبو يعلى والطبراني.   (1) في "الشعب" (3/ 197/ 3315)، ورواه من طريق أخرى بسياق آخر بنحوه مضى هناك. الحديث: 2187 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 2189 - (8) [صحيح لغيره] وعن سيار بن سلامة أبي المنهال قال: دخلت مع أبي على أبي برزة وإنَّ في أذُنَيَّ لَقُرْطَيْنِ وأنا غُلامٌ؛ قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الأمَراءُ مِنْ قرَيْشٍ، -ثلاثاً- ما فَعلوا ثلاثاً: ما حَكَموا فعَدلوا، واسْتُرْحِموا فَرحِموا، وعاهَدوا فَوَفَوْا، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذلك منهم؛ فعَلَيْهِ لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجْمعين". رواه أحمد، ورواته ثقات، والبزار وأبو يعلى بقصة. 2190 - (9) [صحيح لغيره] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قامَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بابِ بَيْتٍ فيه نَفَرٌ من قريْشٍ وأَخَذ بِعضادَتَيِ البَابِ فقال: "هَلْ في البَيْتِ إلا قُرَشِيٌّ؟ ". قال: فقيلَ: يا رسولَ الله! غيرُ فلانٍ ابن أُختِنا. فقال: "ابنُ أُخْتِ القومِ مِنْهُمْ"، ثُمَّ قال: "إنَّ هذا الأمْرَ في قريشٍ ما إذا اسْترْحِموا رَحِموا، وإذا حكَموا عَدلُوا، وإذا قَسَمُوا أقْسَطوا، فَمنْ لَمْ يَفْعَلْ ذلك منهم؛ فعليه لَعْنَةُ الله والملائكةِ والناسِ أجْمَعينَ، لا يُقْبَلُ منه صَرْفٌ ولا عَدْلٌ". رواه أحمد، ورواته ثقات، والبزار والطبراني. 2191 - (10) [صحيح لغيره] وعن معاويةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تُقَدَّسُ أُمَّةٌ لا يُقْضَى فيها بالْحَقِّ، ولا يأْخُذُ الضعيفُ حَقَّهُ مِنَ القَوِيِّ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ". رواه الطبراني، ورواته ثقات. الحديث: 2189 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 2192 - (11) [صحيح لغيره] ورواه البزار بنحوه من حديث عائشة مختصراً. 2193 - (12) [صحيح لغيره] والطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد جيد. 2194 - (13) [صحيح] ورواه ابن ماجه مطولاً من حديث أبي سعيد. [مضى بلفظه 16 - البيوع/ 16]. 2195 - (14) [صحيح لغيره] وعن ابن بريدة عن أبيه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "القضاةُ ثلاثَة، قاضِيانِ في النارِ وقاضٍ في الجنَّةِ: رجلٌ قَضى بغيرِ حقٍّ يعلَمُ، بذلك، فذلِكَ في النارِ، وقاضٍ لا يَعْلَمُ فأهْلَكَ حقُوقَ الناسِ فهو في النارِ، وقاضٍ قَضى بالحقِّ فذلِكَ في الجنَّةِ". رواه أبو داود، وتقدم لفظه [هنا/ 1 - باب]، وابن ماجه والترمذي -واللفظه له- وقال: "حديث حسن غريب". 2196 - (15) [حسن] وعن ابن أبي أوْفَى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله مَعَ القاضي ما لَمْ يَجُرْ، فإذا جارَ تَخلَّى عنه ولَزِمَهُ الشيْطانُ". رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه" والحاكم؛ إلا أنه قال: "فإذا جارَ تَبرَّأَ الله منه". رووه كلهم من حديث عمران القطان، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمران القطان". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". (قال الحافظ): "وعمران يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى" [في آخر كتابه]. 2197 - (16) [صحيح موقوف] وعن سعيد بن المسيب: أنَّ مسلِماً وَيهودِيًّا اخْتَصَما إلى عُمَر رضي الله عنه، فَرأَى [أنّ] الَحقَّ الحديث: 2192 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 لِلْيَهوديِّ، فَقَضى له عُمَرُ به. فقالَ لَهُ اليَهودِيُّ: والله لقَدْ قَضَيْتَ بالْحَقِّ، فَضَرَبهُ عُمَرُ بالدَّرَّةِ وقال: وما يُدْريكَ؟ فقال اليَهودِيُّ: والله إنَّا نَجِدُ في التوارةِ: ليسَ قاضٍ يَقْضي بالحَقِّ، إلا كانَ عن يَمينِه مَلَكٌ، وعن شِمالِه مَلَكٌ، يُسَدِّدانِه وُيوَفِّقانِهِ لِلْحَقِّ ما دامَ مَع الحَقِّ، فإذا ترَك الحَقَّ عَرَجا وتَرَكاهُ. رواه مالك. 2198 - (17) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ أَميرِ عَشَرةٍ إلا يُؤتَى به يومَ القِيامَة مَغْلولاً، لا يَفُكُّهُ إلا العَدْلُ، [أو يوِبقُهُ الجَوْرُ] (1) ". رواه أحمد بإسناد جيد، رجاله رجال "الصحيح". 2199 - (18) [صحيح لغيره] وعن رجلٍ عن سعدِ بْنِ عُبادَةَ قال: سمعتهُ غيرَ مرَّةٍ ولا مرَّتَين يقول: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِنْ أميرِ عَشَرةٍ إلا يُؤْتى به يومَ القِيامَةِ مَغْلولاً؛ لا يَفكَّهُ مِنْ ذلك الغلِّ إلا العَدْلُ". رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال "الصحيح"؛ إلا الرجل المبهم. 2200 - (19) [صحيح] وعن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ أميرِ عَشَرةٍ إلا يُؤْتى به مَغْلولاً يومَ القِيامَةِ، حتى يَفُكَّهُ العَدْلُ، أوْ يوِبقَهُ الجَوْرُ". رواه البزار والطبراني في "الأوسط"، ورجال البزار رجال "الصحيح".   (1) زيادة من "المسند"، غفل عنها الغافلون الثلاثة! الحديث: 2198 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 2201 - (20) [حسن صحيح] وعن ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما يرفعه قال: "ما مِنْ رجلٍ وَلِيَ عَشَرَةً؛ إلا أُتِيَ به يومَ القيامَةِ مَغْلولَةً يدهُ إلى عُنُقِهِ، حتَّى يُقْضى بَيْنَهُ وبَيْنَهُم". رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، ورجاله ثقات. (1) 2202 - (21) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ: سمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول في بيتي هذا: "اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتي شَيْئاً، فَشَقِّ عليهِمْ؛ فاشْقُقْ عليه، ومَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتي شَيْئاً، فَرَفَقَ بِهِمْ؛ فَارْفِقْ به". رواه مسلم والنسائي. (قال الحافظ): "ويأتي [أحاديث] في "10 - باب الشفقة" إنْ شاء الله". 2203 - (22) [صحيح موقوف] وعن أبي عثمان قال: كتبَ إلينا عمرُ رضي الله عنه ونحنُ بـ (أذْرَبيجَانَ) (2): يا عتبةَ بنَ فَرْقَدٍ! إنَّهُ ليسَ مِنْ كدِّكَ، ولا كدِّ أبيكَ، ولا كدِّ أمِّك، فأَشْبع المسْلِمينَ في رِحَالِهم مِمّا تَشْبَعُ منه في رَحْلِكَ، إيَّاكُمْ والتَنَغُّمَ، وزِيَّ أهلِ الشِّرْكِ، ولَبوسَ الحَريرِ. رواه مسلم. 2204 - (23) [صحيح] وعن معقل بن يسارٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:   (1) هذه الأحاديث الأربعة، حسنها الثلاثة المشار إليهم، وقد ضعفوا حديث أبي أمامة المتقدم في الباب الأول، فراجع ردي عليهم هناك لترى جهلهم وتعديهم على السنة، ثم اعتبرْ، وادعُ لهم بالهداية. (2) إقليم معروف وراء العراق. الحديث: 2201 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 "ما مِنْ عبدٍ يَسْتَرْعيه الله عزَّ وجلَّ رَعيَّةً، يموتُ يومَ يموتُ وهو غَاشٌّ رَعيَّتَهُ؛ إلا حَرَّمَ الله تُعالى عليه الجَنَّةَ". وفي رواية: "فلم يُحِطْها بِنُصْحِهِ، لَمْ يَرَحْ رائحَةَ الجَنَّةِ". رواه البخاري ومسلم. 2205 - (24) [صحيح] وعنه أيضاً عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ أميرٍ يَلي أمورَ المسلمينَ ثُمَّ لا يَجْهَدُ لَهُمْ، ويَنْصَح لَهُم؛ إلا لَمْ يَدْخلْ معَهُمُ الجَنَّةَ". [حسن] رواه مسلم، والطبراني (1) وزاد: "كَنُصْحِهِ وجَهْدِهِ لنَفْسِهِ". 2206 - (25) [صحيح] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ وَلِيَ مِنْ أمورِ المسلمين شيْئاً، فَغَشَّهُم؛ فَهُوَ في النارِ". رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير"، ورواته ثقات؛ إلا عبد الله بن ميسرة أبا ليلى. 2207 - (26) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن مغفلٍ المزني رضي الله عنه قال: أشهدُ لَسَمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما مِنْ إمام ولا والٍ باتَ ليلَةً سوْداءَ غاشًّا لِرَعيَّته؛ إلا حَرَّمَ الله عليه الجنَّةَ". رواه الطبراني بإسناد حسن.   (1) لم أره في "المعجم الكبير" إلا بلفظ: "لا يحوطه كما يحوط نفسه وأهله" (20/ 218/ 506)، وفيه ضعيف. ثم أخرجه (513) من طريق آخر نحوه، وفيه ضعيف وآخر لم يسم. وإنما رواه في "المعجم الصغير" من طريق أخرى حسنة، وهو مخرج في "الضعيفة" تحت الحديث (5364). الحديث: 2205 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 [صحيح لغيره] وفي رواية له: "ما مِنْ إمامٍ يَبيتُ غاشّاً لِرَعيَّتِهِ؛ إلا حَرَّمَ الله عليه الجنَّةَ، وعَرفُها يوجَدُ يومَ القِيامَةِ مِنْ مسيرَةِ سَبْعينَ عاماً". 2208 - (27) [صحيح] وعن أبي مريم عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه؛ أنه قال لمعاويَةَ: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ ولاهُ الله شيْئاً مِنْ أمورِ المسْلمينَ، فاحْتَجبَ دونَ حاجَتِهِم وخَلَّتِهم وفَقْرِهمْ؛ احْتَجبَ الله دونَ حاجَتهِ وخَلَّتِه وفَقْرِه يومَ القِيامَةِ". [قال:] فجعل معاوية رجلاً على حوائج المسلمين. [صحيح لغيره] رواه أبو داود -واللفظ له-، والترمذي ولفظه: قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يقول: "ما مِنْ إمامٍ يُغلقُ بابَه دونَ ذوي الحاجَةِ والخَلَّةِ والمسكَنَةِ؛ إلا أَغْلَقَ الله أبوابَ السماءِ دونَ خلَّتهِ وحاجَتِه ومسْكَنتهِ". ورواه الحاكم بنحو لفظ أبي داود وقال: "صحيح الإسناد". 2209 - (28) [صحيح لغيره] وعن معاذِ بْنِ جبل رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ وَليَ مِنْ أمْرِ الناسِ شَيْئاً، فاحْتَجبَ عَنْ أُولي الضَّعْفِ والحاجَةِ؛ احْتَجبَ الله عنه يومَ القيامَةِ". رواه أحمد بإسناد جيد والطبراني وغيره. 2210 - (29) [حسن لغيره] وعن أبي الشمَّاخ (1) الأزدي عن ابن عمٍّ له من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) بالمعجمتين، ووقع في "الأصل" و"المجمع" وغيرهما بالمهملتين، والتصحيح من "المخطوطة" و"المسند"، وغفل عنه النقلة الثلاثة فلم يصححوه، مع أنهم نقلوه عن الهيثمي على الصواب!! الحديث: 2208 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 أنه أتى معاويةَ فدخل عليه فقال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من ولي أمرَ الناسِ، ثم أغلق بابَهُ دون المسكين والمظلوم وذي الحاجةِ؛ أغلق الله تباركَ وتعالى أبوابَ رحمتِه دون حاجته وفقرِهِ؛ أفقر ما يكون إليها". رواه أحمد وأبو يعلى، وإسناد أحمد حسن. 3 - (ترهيب من وَلِيَ شيئاً من أمور المسلمين أن يولّي عليهم رجلاً وفي رعيته خيرٌ منه). [لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا]. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 4 - (ترهيب الراشي والمرتشي والساعي بينهما). (1) 2211 - (1) [صحيح] عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لَعنَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الراشي والمُرْتَشِي. رواه أبو داود، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". [صحيح] وابن ماجه، ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لعنةُ الله على الراشي والمرْتَشي". وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 2212 - (2) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لَعنَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الراشي والمرتَشي في الحُكْمِ". رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه". (2).   (1) (الراشي): أصله من الرشا الذي يتوصل به إلى الماء، فـ (الراشي) من يعطي الذي يعينه على الباطل. و (المرتشي): الأخذ، والذي يسعى بينهما يسمى (رائش)، يستزيد لهذا ويستنقص لهذا. و (الرشوة): الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة. وما يعطى توصلاً إلى أخذ حق، أو دفع ظلم، فغير داخل فيه. والله أعلم. (2) هنا في الأصل: "والحاكم وزاد: "والرائش": يعني الذي يسعى بينهما"، فحذفت هذه الزيادة لأنِّي لم أجد لها شاهداً مع ضعف إسنادها، وهو من حديث ثوبان، خلافاً لما يوهمه صنيع المؤلف أنَّه من حديث أبي هريرة! ولم ينتبه لهذا المعلقون الغافلون! وهو مخرج في "الإرواء" (8/ 245). الحديث: 2211 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 2213 - (3) [صحيح لغيره موقوف] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: الرِّشْوَةُ في الحُكْمِ كُفْرٌ، وهي بينَ الناسِ سُحْتٌ. رواه الطبراني موقوفاً بإسناد صحيح. الحديث: 2213 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 5 - (الترهيب من الظلم ودعاء المظلوم وخذله، والترغيب في نصرته). 2214 - (1) [صحيح] عن أبي ذّرٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يروي عنْ ربِّه عزَّ وجلَّ أنَّه قال: "يا عبادي! إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ (1) على نفسي، وجَعَلْتُه بينَكُم مُحَرَّماً، فلا تَظالَموا" الحديث. رواه مسلم والترمذي وابن ماجه. وتقدم بتمامه في الدعاء وغيره [15/ 1]. 2215 - (2) [صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اتَّقوا الظلْمَ؛ فإنَّ الظلْمَ ظُلُماتٌ يومَ القِيامَة، واتَّقوا الشُّحَّ؛ فإنَّ الشُّحَّ أهْلَك مَنْ كان قَبْلَكُم، حمَلَهُم على أنْ سَفكوا دِماءَهُم، واسْتَحلُّوا محارِمَهُم". رواه مسلم وغيره. 2216 - (3) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الظلمُ ظُلُماتٌ يومَ القِيامَةِ". رواه البخاري ومسلم والترمذي. 2217 - (4) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه، يبلغ به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إيَّاكُمْ والظُّلمَ، فإنَّ الظُّلمَ هو ظُلُماتٌ يومَ القِيامَةِ، وإيَّاكمْ والفُحْش؛ فإنَّ   (1) قال الراغب: "هو لغة: وضع الشيء في غير موضعه المختص به بنقص أو زيادة، أو عدول عن وقته أو مكانه". قلت: ففيه رد على الذين يفسرونه بأنه التصرف في ملك الغير! وبناء عليه يقولون بأن لله تعذيب الطائع، وإثابة العاصي! تعالى لله عما يقولون علواً كبيراً. راجع للرد عليهم كتاب ابن القيم: "شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل". الحديث: 2214 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 الله لا يحبُّ الفاحِشَ والمتَفَحِّشَ، وإيَّاكمْ والشُّحِّ فإن الشحَّ دَعا مَن كان قَبْلكُم؛ فَسفَكُوا دماءهم، واسْتَحلُّوا محارِمَهُمْ". رواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم. 2218 - (5) [حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صنفانِ مِنْ أُمَّتي لنْ تنالَهُما شفاعَتي: إمامٌ ظلومٌ غَشومٌ، وكَلُّ غالٍ مارِقٌ". رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله ثقات. 2219 - (6) [صحيح لغيره] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "المسلمُ أخو المسْلم، لا يَظْلِمُه ولا يَخْذُلُه. -ويقول:- والَّذي نفسي بيده ما توادَّ اثْنانِ فيفرِّق بينَهُما إلا بذَنْبٍ يُحْدثُهُ أَحدُهُما". رواه أحمد بإسناد حسن. 2220 - (7) [صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله لَيُملي للظالِم، فإذا أَخذَهُ لم يُفْلِتْهُ"، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}. رواه البخاري ومسلم والترمذي. 2221 - (8) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الشيطانَ قَدْ يئسَ أنْ تُعْبد الأصنامُ في أرْضِ العربِ، ولكنَّه سَيَرْضَى منكُم بدونِ ذلك بالمحَقَّراتِ، وهي الموِبقَاتُ يومَ القِيامَةِ، اتَّقوا الظُّلْمَ ما اسْتَطَعْتُم؛ فإنَّ العَبْدَ يَجيءُ بالحَسَناتِ يَوْمَ القِيامَة يَرى أنَّها سَتُنْجِيه، فَما زالَ عَبْدٌ يقومُ يقول: يا ربِّ ظَلَمني عبدُكَ مَظْلَمَةً. فيقولُ: امْحوا مِنْ حَسنَاتِه. وما يَزالُ كذلك حتى ما يَبْقى لَهُ حَسنَةٌ مِنَ الذنوبِ، وإنَّ مِثْلَ ذلك الحديث: 2218 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 كَسَفْرٍ نَزَلوا بِفَلاةٍ منَ الأرْضِ ليسَ مَعهُم حَطبٌ، فَتَفرَّقَ القَوْمُ لِيَحْتَطِبوا فَلَمْ يَلْبَثوا أنْ حَطبوا، فَأعْظَموا النارَ وطَبخَوا ما أرَادوا، وكذلك الذنوبُ". رواه أبو يعلى من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري عن أبي الأحوص عن ابن مسعود. ورواه أحمد والطبراني بإسناد حسن نحوه باختصار. 2222 - (9) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ كانَتْ عندَةُ مَظْلَمَةٌ لأخيه مِنْ عِرْضٍ أو مِنْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحلَّلْهُ مِنْهُ اليومَ، مِنْ قَبْلِ أنْ لا يَكونَ دِينارٌ ولا درهم، إنْ كانَ لَهُ عَملٌ صالحٌ؛ أخذَ منْهُ بقَدْرِ مَظْلَمَتِه، وإن لَمْ تَكَنْ لَهُ حَسنَاتٌ؛ أخذَ مِنْ سيِّئاتِ صاحبِهِ فَحُمِلَ عليه". [صحيح لغيره] رواه البخاري، والترمذي، وقال في أوله: "رحم الله عبداً كانت له عندَ أخيه مظلمةٌ في عِرْض أو مالٍ" الحديث. 2223 - (10) [صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أتَدرونَ ما المُفْلِسُ؟ ". قالوا: المفْلِسُ فينا مَنْ لا درهمَ له ولا مَتَاعَ. فقال: "إنَّ المفْلِسَ من أمتي مَنْ يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيام وزَكاةٍ، ويأتي وقد شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسَفَك دمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِنْ حَسناتِه، وهذا مِنْ حَسناتِه، فإنْ فَنِيتْ حسنَاتهُ قَبْلَ أنْ يَقْضِيَ ما عليه؛ أخذَ مِنْ خَطاياهُمْ، فَطرِحَتْ عليه، ثمَّ طرِحَ في النارِ". رواه مسلم والترمذي. 2224 - (11) [صحيح] وعن أبي عثمان عن سلمان الفارسي وسعد بن مالك وحذيفة ابن اليمان وعبد الله بن مسعود؛ حتى عدَّ ستَّةً أو سبعةً مِنْ أصحاب النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: الحديث: 2222 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 "إنَّ الرجلَ لا تُرفع له يومَ القِيامَةِ صحيفَتُهُ حتَّى يَرى أنَّه ناجٍ، فما تَزالُ مَظالِمُ بني آدم تَتْبعهُ حتّى ما يَبْقَى له حَسنَةٌ، وُيحْمَلُ عليهِ مِنْ سيِّئاتِهمْ". رواه البيهقي في "البعث" بإسناد جيد. (1) 2225 - (12) [صحيح] وعن ابْنِ عبَّاس رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَث معاذاً إلى اليَمن فقال: "اتَّقِ دَعْوةَ المظْلومِ؛ فإنَّه ليسَ بينَها وبينَ الله حِجابٌ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في حديث، والترمذي مختصراً هكذا -واللفظ له-، ومطولاً كالجماعة. 2226 - (13) [حسن لغيره] وفي رواية للترمذي حسنةٍ (2) [يعني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]: "ثلاثُ دعَوات لا شكَّ في إجابتِهِنَّ: دعوةُ المظْلومِ، ودعوةُ المسافِرِ، ودعوةُ الوالِدِ على الولَدِ". وروى أبو داود هذه بتقديم وتأخير. 2227 - (14) [حسن لغيره] وعن عقبة بن عامرٍ الجهني رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثَةٌ تُسْتَجابُ دعوتُهم: الوالِدُ، والمسافِرُ، والمظْلُومُ". رواه الطبراني في حديث بإسناد صحيح. 2228 - (15) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اتَّقوا دعْوَة المظْلومِ؛ فإنَّها تصعَدُ إلى السماءِ كأنَّها شَرارَةٌ".   (1) قلت: هذا موقوف في حكم المرفوع؛ كما هو ظاهر، وقد فات المؤلف أنَّ الحاكم رواه مرفوعاً، وصححه، ووافقه الذهبي، وهو مخرج في "الصحيحة" (3373). (2) قال الناجي: "رواه في "كتاب البر" وفي "الدعوات"، ولم يحسنه". قلت: لكنْ يقويه ما بعده. الحديث: 2225 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 رواه الحاكم وقال: "رواته متفق على الاحتجاج بهم؛ إلا عاصم بن كليب، فاحتج به مسلم وحده". 2229 - (16) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دعوةُ المظلومِ مُسْتَجابةٌ، وإنْ كانَ فاجِراً فَفُجورُه على نَفْسِه". رواه أحمد بإسناد حسن. 2230 - (17) [حسن لغيره] وعن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اتَّقوا دعوةَ المظلومِ؛ فإنها تُحملُ على الغَمامِ، يقولُ الله: وعِزَّتي وجَلالي لأَنْصُرَنَّك ولوْ بَعْدَ حينٍ". رواه الطبراني، ولا بأس بإسناده في المتابعات. 2231 - (18) [حسن لغيره] وعن أبي عبد الله الأسْدي قال: سمعت أنس بن مالكٍ رضي الله عنه يقول: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دعوةُ المظلوم وإنْ كَانَ كَافِراً؛ ليسَ دونَها حِجَابٌ". [صحيح لغيره] وقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دع ما يُريبُكَ إلى ما لا يُريبُكَ". رواه أحمد، ورواته إلى عبد الله محتج بهم في "الصحيح"، وأبو عبد الله لم أقف فيه على جرح ولا تعديل. 2232 - (19) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: المسلمُ أخو المسلم؛ لا يظْلمُه، ولا يَخْذُلُه، ولا يَحْقِرُه، التقوى ههُنا، التقوى ههُنا، -ويشير إلى صدره [ثلاث مرات] (1) -، بحَسبْ امْرئٍ من الشرِ أنْ يَحْتَقِرَ أخاه المسلمَ، كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ، دَمُه، وعِرْضهُ، ومَالُه". رواه مسلم.   (1) سقطت من الأصل، واستدركتها من "مسلم"، وانظر "الضعيفة" (6906). وسيأتي الحديث بزيادة في أوله في (23 - الأدب/ 21). الحديث: 2229 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 2233 - (20) [صحيح لغيره] وعن أبي ذر رضى الله عنه قال:. . . . . . قلت: يا رسول الله! أوصني. قال: "أوصيك بتقوى الله؛ فإنّها رأسُ الأمرِ كلِّه". قلت: يا رسول لله! زدني. قال: "عليك بتلاوة القرآن، وذكر الله؛ فإنه نورٌ لك في الأرض، وذخر لك في السماء". قلت: يا رسول الله! زدني، قال: "إياك وكثرةَ الضحك؛ فإنه يميتُ القلبَ، ويذهب بنور الوجه". قلت: يا رسول الله! زدني. قال: "عليك بالجهاد؛ فإنه رهبانية أمتي". . . . قلت: يا رسول الله! زدني. قال: "أحبّ المساكينَ وجالسْهم". قلت: يا رسول الله! زدني. قال: "انظر إلى من هو تحتَك، ولا تنظر إلى من هو فوقك؛ فإنه أجدرُ أن لا تزدري نعمة الله عندك". قلت: يا رسول الله! زدني. قال: "قل الحق وإن كان مراً". . . . . . . رواه ابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد". (قال الحافظ): "انفرد به إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني عن أبيه، وهو حديث طويل في أوله ذكر الأنبياء عليهم السلام، ذكرت منه هذه القطعة لما فيها من الحكم العظيمة والمواعظ الجسيمة. ورواه الحاكم أيضاً، ومن طريقه البيهقي؛ كلاهما عن يحيى بن سعيد السعدي البصري: حدثنا عبد الملك بن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن أبي ذر بنحوه. الحديث: 2233 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 ويحيى بن سعيد فيه كلام، والحديث منكر من هذه الطريق، وحديث إبراهيم بن هشام هو المشهور، والله أعلم". 2234 - (21) [حسن لغيره] وروي عن عبد الله -يعني ابن مسعود- رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أُمِرَ بعبدٍ من عبادِ الله يُضرَبُ في قبره مئةَ جلدةٍ، فلم يزلْ يسألُ ويدعو حتى صارت جلدةً واحدةً، فامتلأ قبره عليه ناراً، فلماً ارتفع (1) وأفاق قال: على ما جلدتموني؟ قال: إنك صليت صلاةً بغيرِ طهورٍ، ومررتَ على مظلوم فلم تنصرْه". رواه أبو الشيخ ابن حيان في "كتاب التوبيخ". 2235 - (22) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "انصُرْ أخاك ظالِماً أوْ مظْلوماً". فقال رجلٌ: يا رسولَ الله! أنْصُرهُ إذا كان مظْلوماً، أفرأيتَ إنْ كانَ ظالِماً، كيفَ أنْصُره؟ قال: "تَحْجُزُه أوْ تَمْنَعُهُ عنِ الظُّلمِ، فإنَّ ذلك نَصْرُه". رواه البخاري. 2236 - (23) [صحيح] ورواه مسلم في حديث عن جابرٍ عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ولْيَنْصُرِ الرجلُ أخاه ظالِماً أو مَظْلوماً؛ إنْ كانَ ظالِماً؛ فلينْهَهُ، فإنَّه له نُصْرَةٌ، وإن كانَ مَظْلوماً فَلْينْصُرْهُ".   (1) الأصل: "افرنقع"، والتصحيح من "شرح الصدور" للسيوطي ص (68 - البابي الحلبي) و"مشكل الآثار"، ومنه استفدت إسناده وحسنه، لأن كتاب "التوبيخ" لم يطبع منه الجزء الذي فيه هذا الحديث، وقد خرجته في المجلد السادس من "الصحيحة" برقم (2774). ووقع في "شرح الصدور" معزواً للبخاري، وهو خطأ لعله مطبعي. الحديث: 2234 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 6 - (الترغيب في كلمات يقولهن من خاف ظالماً). 2237 - (1) [صحيح موقوف] ورواه [يعني حديث عبد الله بن مسعودٍ المرفوع الذي في "الضعيف"] الأصبهاني وغيره موقوفاً على عبد الله؛ لم يرفعوه. [قلت: ولفظه: "إذا خاف أحدُكم السلطانَ الجائرَ فليقلْ: (اللهم ربَّ السماوات السبع، وربَّ العرش العظيم، كن لي جاراً من فلان ابن فلان وأتباعه من خلقك؛ من الجن والإنس؛ أن يفرط عليَّ أحد منهم، أو أن يطغى، عزَّ جارُك، وجلَّ ثناؤك، لا إله إلا أنت) "] (1). 2238 - (2) [صحيح موقوف] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: إذا أَتَيْتَ سلطاناً مَهيباً تخافُ أنْ يَسْطُوَ بِكَ فقلْ: (الله أكبَرُ، الله أعزُّ مِنْ خَلْقِه جميعاً، الله أعزُّ مِن ما أخافُ وأَحْذَرُ، أعوذُ بالله الذي لا إله إلا هُوَ، المُمْسِكُ السموات أنْ يقَعْنَ على الأرضِ إلا بإذْنِهِ؛ مِنْ شرِّ عبْدِك فلانٍ وجنودهِ وأتْباعِهِ وأشْياعِهِ مِنَ الجنِّ والإنْسِ، الّلهُمَّ كنْ لي جَاراً مِنْ شرِّهِمْ، جلَّ ثناؤكَ، وعزَّ جارُكَ وتبارَكَ اسْمُكَ، ولا إله غيرُك -ثلاث مرات-). رواه ابن أبي شيبة موقوفاً. وهذا لفظه، وهو أتم.   (1) قلت: وهو موقوف يحتمل أن يكون في حكم المرفوع، وإسناده صحيح، بخلاف المرفوع فضعيف، ولذلك فرقت بينهما، وأما المعلقون الثلاثة فصدَّروا تخريجهم بقولهم: "حسن" دونما أي تفريق وتبيين بين المرفوع والموقوف كما هي عادتهم. الحديث: 2237 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 ورواه الطبراني وليس عنده "ثلاث مرات" (1)، ورجاله محتج بهم في "الصحيح". 2239 - (3) [صحيح موقوف] وعن أبي مَجْلَزٍ -واسمه لاحق بن حميد- قال: مَنْ خافَ مِنْ أميرٍ ظُلْماً فقال: (رضيتُ بالله ربّاً، وبالإِسْلامِ ديناً، وبمحمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نبيّاً، وبالقرآنِ حَكَماً وإماماً)؛ نَجَّاه الله منه. رواه ابن أبي شيبة موقوفاً عليه، وهو تابعي ثقة.   (1) قلت: بلى! هو عنده في "معجمه الكبير" (10/ 314/ 10599)، وإسناده إسناد ابن أبي شيبة؛ سوى شيخه علي بن عبد العزيز، وهو ثقة حافظ. والأولى عزوه للبخاري في "الأدب المفرد" (708)، فإنه تابع ابن أبي شيبة. الحديث: 2239 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 7 - (الترغيب في الامتناع عن الدخول على الظلمة، والترهيب من الدخول عليهم وتصديقهم وإعانتهم). 2240 - (1) [حسن صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ بدَا جَفا، ومَنْ تَبعَ الصَّيْدَ غَفَلَ، ومَنْ أتى أبوابَ السلْطانِ افتُتِنَ، وما ازْدادَ عبدٌ مِنَ السلطانِ قُرْباً؛ إلا ازْدادَ مِنَ الله بُعْداً". رواه أحمد بإسنادين، رواة أحدهما رواة "الصحيح" (1). 2241 - (2) [صحيح لغيره] وعنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن بَدا جَفا، ومَنِ اتَّبَع الصَيْدَ غَفلَ، ومَنْ أتَى السلْطانَ افتُتِنَ". رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: "حديث حسن". 2242 - (3) [صحيح لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لكعب بْنِ عِجْرَةَ: "أعاذَك الله مِنْ إِمارَةِ السُّفهاءِ". قال: وما إِمارَةُ السُّفهاء؟ قال: "أُمَراءُ يكونونَ بَعْدي، لا يَهْتَدون بِهَدْيي، ولا يَسْتَنُّون بسِنَّتي، فَمَنْ صدَّقَهم بكَذبِهِم، وأعانَهم على ظُلْمِهِم، فأولئك ليسوا منِّي، ولسْتُ منهم، ولا يَرِدُون عليَّ حوْضي. ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم؛ فأولئك مني وأنا منهم، وسيردون على حوضي. يا كعب بن عجرة! الصيامُ جُنَّةٌ، والصدقَةُ تطْفِئُ الخطيئَةَ، والصلاةُ قُرْبانٌ، أو قال: برهَان.   (1) فيه نظر بينه الهيثمي (5/ 246)، فليراجعه من شاء. الحديث: 2240 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 يا كعب بن عجرة! الناسُ غادِيانِ؛ فَمُبْتاعٌ نَفْسَه فمُعْتِقها، وبائعٌ نَفْسه فموِبقُها". رواه أحمد -واللفظ له- والبزار، ورواتهما محتج بهم في "الصحيح". [صحيح لغيره] ورواه ابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنه قال: "ستكونُ أمَراءُ مَنْ دَخَلَ عليهِمْ فأعانَهُم على ظُلْمِهِمْ، وصدَّقَهُمْ بِكَذبِهِم؛ فليسَ منِّي، ولستُ منه، ولن يَردَ عليَّ الحوضَ. ومَنْ لَمْ يدخُلْ عليهِمْ، ولَمْ يُعِنْهُم على ظُلْمِهِمْ، ولَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذبِهِمْ؛ فهو منِّي وأنا منه، وسيَرِدُ عليَّ الحَوْضَ" الحديث. 2243 - (4) [حسن صحيح] ورواه الترمذي والنسائي من حديث كعب بن عجرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أعيذُكَ بالله يا كعب بن عجرة! مِنْ أمَراءَ يكونونَ مِنْ بَعْدي، فَمَنْ غَشِيَ أبوابَهُم، فَصَدَّقَهُم في كَذبِهِم، وأعانَهُم على ظُلْمِهِم؛ فليسَ منِّي، ولستُ منه، ولا يَرِدُ عليَّ الحوْضَ. ومَنْ غَشِيَ أبوابَهُم، أوْ لَمْ يَغْشَ، فَلَمْ يُصَدِّقْهم في كذبِهِمْ، ولَمْ يُعِنْهُمْ على ظُلْمِهِم؛ فهو منِّي، وأنا منه، وسَيَرِدُ عليَّ الحَوْضَ" الحديث. واللفظ للترمذي. [صحيح لغيره] وفي رواية له أيضاً عن كعب بن عجرة قال: خَرجَ إلينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن تِسْعَةٌ: خَمْسَةٌ وأرْبَعَةٌ، أحدُ العَدَديْنِ مِنَ العَرَبِ، والآخَرُ مِنَ العَجَمِ (1)، فقال:   (1) قلت: بينَتْه رواية البزار (1608) عن حذيفة بلفظ: ". . . تسعة نفر، أربعة من الموالي وخمسة من العرب". وسنده حسن بهذا. الحديث: 2243 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 "اسْمَعوا، هلْ سمِعتُمْ؟ إنَّه سيكونُ بَعدي أُمَراءُ، فَمَنْ دَخل عليهِم فصَدَّقَهُم بكَذبِهِمْ، وأعانَهُم على ظُلْمِهم؛ فليسَ منِّي، ولستُ منه، وليسَ بوَاردٍ عليَّ الحَوْضَ. ومَنْ لَمْ يَدْخُلْ عليهِمْ، ولَمْ يُعنْهُمِ على ظُلْمِهِم، ولَمْ يُصدِّقْهُم، بكذبِهِمْ؛ فهو مِنّي، وأنا منه، وهو وارِدٌ عليَّ الحوْضَ". قال الترمذي: "حديث غريب صحيح". 2244 - (5) [حسن لغيره] وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: خَرجَ علينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحنُ في المسجد بَعْدَ صلاة العشَاء، فرفَع بصرَه إلى السماءِ، ثمَّ خَفَضَ حتَّى ظَننَّا أنَّه قد حدَث في السمَاء شَيْءٌ (1) فقال: "ألا إنَّها ستكونُ بَعْدي أمَراءُ يَظلمونَ ويكْذِبونَ، فَمنْ صَدَّقَهُم بكَذِبِهم، ومَالأَهُم على ظُلْمِهِمْ؛ فَلْيسَ منِّي، ولا أنا منه، ومَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُم بكذبِهِمْ، ولمْ يُمالِئْهُم على ظُلْمِهِمْ؛ فهو منِّي وأنا منه" الحديث. رواه أحمد، وفي إسناده راوٍ لم يسمّ، وبقيته ثقات محتج بهم في "الصحيح". 2245 - (6) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن خَبَّاب عن أبيه رضي الله عنه قال: كنَّا قُعوداً على بابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَخَرج علينا فقال: "اسْمَعوا". قلنا: قد سمِعْنا. قال: "اسْمَعوا". قلنا: قد سمِعْنا. [قال: "اسْمَعْوا". قلنا: قد سمِعْنا] (2). قال:   (1) والأصل والمخطوطة: "أمر"، والتصويب من "المسند" (4/ 266 - 267) و"المجمع" (5/ 247)، وغفل عنه الغافلون الثلاثة! (2) سقطت من قلم المؤلف، فإنها لم ترد في المخطوطة أيضاً، واستدركتها من "الموارد" (1574)، ولفظ الطبراني (4/ 67/ 3627) مختصر: "فقال: "أتسمعون؟ ". قلنا: قد سمعنا مرتين أو ثلاثاً". وكذا في "المجمع"، وكذا رواه ابن أبي عاصم في "السنة" (2/ 352/ 757). الحديث: 2244 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 "إنَّه سيكونُ بعدي أمَراءُ فلا تُصدِّقوهم بِكَذبِهِم، ولا تُعينوهُم على ظُلْمِهِمْ، فإنَّ مَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذبِهِم، وأعانَهُمْ على ظُلْمِهم؛ لَمْ يَرِدْ عليَّ الحوْضَ". رواه الطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له. 2246 - (7) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يكون أمَراءُ تَغْشاهُم غواشٍ أو حواشٍ مِنَ الناسِ، يَكْذبونَ وَيظْلِمونَ، فَمَنْ دَخَل عليهمْ فصدَّقهم بِكذبِهمِ، وأعَانَهُم على ظُلْمِهِمْ؛ فليس مِنِّي، ولسْتُ منه، ومَنْ لمْ يَدْخلْ عليهم، ولمْ يُصدِّقْهُم بِكَذبِهِم، ولَمْ يُعِنْهُم على ظُلْمِهمْ؛ فهو منِّي، وأنا منه". رواه أحمد واللفظ له، وأبو يعلى، ومن طريقه ابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنهما قالا: "فَمَنْ صَدَّقَهُم بِكِذبِهم، وأعانَهُم على ظُلْمِهِم، فأنا منه بَريءٌ، وهو منِّي بَريءٌ". 2247 - (8) [حسن صحيح] وعن علقمة بن أبي وقاصٍ الليثي: أنّه مرَّ برجلٍ مِنْ أهلِ المدينَةِ له شَرَفٌ، وهو جالِسٌ بسوقِ المدينةِ، فقال عَلْقَمَةُ: يا فلانُ! إنَّ لكَ حُرْمَةً وإنَّ لكَ حقّاً، وإنِّي رأيتُك تَدْخُل على هؤلاءِ الأُمَراءِ فتَتكلَّم عندَهُم، وإنِّي سمعْتُ بلال بْنَ الحارِث صاحِبَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ أحَدَكم ليتَكَلَّم بالكلِمَة مِنْ رِضْوانِ الله ما يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ ما بَلَغَتْ؛ فيَكْتُبُ الله له بِها رِضْوانَهُ إلى يوم يَلْقاهُ، وإنَّ أَحدكُم ليتَكَلَّمُ بالكلمةِ مِنْ سَخَطِ الله ما يظُنُّ أنْ تَبْلُغَ ما بَلَغَتْ؛ فيَكْتُبُ الله له بها سخَطَهُ إلى يوْمِ القيامَةِ". الحديث: 2246 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 قال علقمة: فانظر ويحك! ماذا تقول، وما تَكَلَّم به، فرب كلام قد منعنيه ما سمعت من بلال بن الحارث. رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، وروى الترمذي والحاكم المرفوع منه وصححاه. [حسن لغيره] ورواه الأصبهاني؛ إلا أنه قال: عن بلال بن الحارث أنه قال لبنيه: إذا حضرتم عند ذي سلطان فأحسنوا المحضر، فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: فذكره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 8 - (الترهيب من إعانة المبطل ومساعدته، والشفاعة المانعة من حد من حدود الله، وغير ذلك). 2248 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ حالتْ شفاعَتُه دونَ حدٍّ من حدودِ الله، فقد ضادَّ الله عزَّ وجلَّ، ومَنْ خاصمَ في باطِلٍ وهو يعلَمُ؛ لَمْ يَزَلْ في سَخَطِ الله حتى يَنْزِعَ، ومَنْ قال في مؤمنٍ ما ليسَ فيه؛ أسْكَنَه الله رَدْغَةَ الخَبالِ، حتى يَخْرُجَ مِمَّا قال". رواه أبو داود -واللفظ له-، والطبراني بإسناد جيد نحوه. (1) ورواه الحاكم مطولاً ومختصراً، وقال في كل منهما: "صحيح الإسناد". [صحيح لغيره] ولفظ المختصر قال: "مَنْ أعانَ على خُصومَةٍ بغير حقٍّ؛ كانَ في سَخَطِ الله حتَّى يَنْزِع". [صحيح لغيره] وفي رواية لأبي داود: "مَنْ أعانَ على خُصومةٍ بظُلمٍ؛ فقد باءَ بغضبٍ مِنَ الله". (الرَّدْغَةُ) بفتح الراء وسكون الدال المهملة وتحريكها أيضاً وبالغين المعجمة: هي الوحل. و (رَدْغَةُ الخَبالِ) بفتح الخاء المعجمة وبالباء الموحدة: هي عصارة أهل النار أو عرقهم   (1) كذا قال! وهو عند الطبراني في "الكبير" (12/ 388/ 13435) و"الأوسط" (7/ 253/ 6487) من طريق عطاء الخراساني، عن حمران قال: سمعت ابن عمر. . .، فعطاء الخراساني صدوق يهم كثيراً كما في "التقريب". وشيخه (حمران) مجهول، وقال الحافظ: "مقبول". وكان في الأصل: "وزاد -يعني الطبراني- في آخره: وليس بخارج"، فحذفته لنكارته ومخالفته للروايات الأخرى مع ضعف إسناده. الحديث: 2248 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 كما جاء مفسراً في "صحيح مسلم" وغيره (1). 2249 - (2) [صحيح] وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعودٍ عن أبيه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَثَلُ الذي يُعينُ قومَهُ على غيرِ الحقِّ؛ كَمثَلِ بعيرٍ تَرَدَّى في بِئْرٍ، فهو يُنزَعُ منها بذَنَبِه". رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه". وعبد الرحمن لم يسمع من أبيه (2). (قال الحافظ): "ومعنى الحديث: أنه قد وقع في الإثم وهلك؛ كالبعير إذا تردى في بئرٍ، فصار ينزع بذنبه، ولا يقدر على الخلاص".   (1) مسلم (6/ 100) من حديث جابر، وسيأتي في الكتاب (21 - الحدود/ 6)، وفيه عن ابن عمر، وابن عمرو أيضاً. فراجعهما بعده بأحاديث. (2) قلت: قد أثبت سماعه منه غير واحد من الأئمة، وهو الصواب كما حققته في "الصحيحة" (198)، ثم رأيت الناجي قد نقل عن المصنف في "مختصر السنن" أنَّه سمع من أبيه. قال: "فتناقض كلامه". الحديث: 2249 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 9 - (ترهيب الحاكم وغيره من إرضاء الناس بما يسخط الله عز وجل). 2250 - (1) [صحيح لغيره] عن رجُلٍ من أهلِ المدينة قال: كَتبَ معاوَيةُ إلى عائشَةَ: أنِ اكْتُبي إليَّ (1) كِتاباً توصيني فيه، ولا تُكْثِري عَليَّ، فكتَبتْ عائِشةُ إلى معاوِيَةَ: سلامٌ عليك. أما بعدُ، فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنِ الْتمَسَ رِضا الله بِسَخَطِ الناسِ؛ كفاه الله مَؤُنَةَ الناسِ، ومَنِ الْتَمسَ رضا الناسِ بِسَخطِ الله؛ وكَلَه الله إلى الناسِ"، والسلام عليك. رواه الترمذي ولم يسمّ الرجل. ثم روى بإسناده عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنَها كَتَبتْ إلى معاوِيَةَ قال: "فذكر الحديث بمعناه، ولم يرفعه" (2). وروى ابن حبان في "صحيحه" المرفوع منه فقط؛ ولفظه: قالتْ: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنِ الْتَمَس رِضا الله بِسَخَط الناسِ؛ رضيَ الله عنه، وأرْضى عنهُ الناسَ، ومَنِ الْتَمَس رِضا الناسِ بِسَخَطِ اللَّه، سخط الله عليه، وأَسْخَطَ عليه الناسَ". وفي رواية له بلفظ: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أرْضى الله بِسخَطِ الناسِ؛ كفاهُ الله، ومَنْ أَسْخَطَ الله بِرِضا الناسِ؛ وَكلَهُ الله إلى الناسِ". ورواه البيهقي بنحوه في "كتاب الزهد الكبير".   (1) الأصل والمخطوطة: (لي)، والتصحيح من "الترمذي". (2) الأصل والمخطوطة: (ولم يرفعوه)، والتصحيح من "الترمذي". الحديث: 2250 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 10 - (الترغيب في الشفقة على خلق الله من الرعية والأولاد والعبيد وغيرهم، ورحمتهم والرفق بهم، والترهيب من ضد ذلك، ومن تعذيب العبد والدابة وغيرهما بغير سبب شرعي، وما جاء في النهي عن وسم الدواب في وجوهها). 2251 - (1) [صحيح] عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ لا يرحمِ الناسَ؛ لا يرْحمْه الله". رواه البخاري ومسلم والترمذي. [صحيح لغيره] ورواه أحمد وزاد: "ومَنْ لا يغفرْ؛ لا يُغْفَرْ لَهُ". 2252 - (2) [صحيح لغيره] وهو في "المسند" أيضاً من حديث أبي سعيدٍ بإسناد صحيح" (1). 2253 - (3) [حسن لغيره] وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لنْ تُؤمِنوا حتَّى تَراحَموا" قالوا: يا رسولَ الله! كلُّنا رحيمٌ. قال: "إنَّه ليسَ برحْمَةِ أحدِكُم صاحِبَهُ، ولكنَّها رحمَةُ العامَّةِ". رواه الطبراني، ورواته رواة "الصحيح". 2254 - (4) [حسن لغيره] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ لَمْ يرحَمِ الناسَ لَمْ يرحَمْهُ الله". رواه الطبراني بإسناد حسن.   (1) هذا من الأوهام فإن فيه (3/ 40) عطية! الحديث: 2251 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 2255 - (5) [صحيح لغيره] وعن جريرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن لا يرحَمْ مَنْ في الأرضِ؛ لا يرحَمْهُ مَنْ في السماءِ". رواه الطبراني بإسناد جيد قوي. 2256 - (6) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الراحِمونَ يرحَمُهم الرحمنُ، ارْحَموا مَنْ في الأرضِ؛ يَرحَمْكُم مَنْ في السماءِ". رواه أبو داود والترمذي بزيادة، وقال: "حديث حسن صحيح". 2257 - (7) [صحيح] وعنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ارْحَموا تُرْحَموا، واغْفِروا يُغفَرْ لكُم، ويلٌ لأَقْماعِ (1) القولِ، ويلٌ للمُصرِّينَ، الذين يصِرُّون على ما فعَلوا وهمْ يَعْلَمون". رواه أحمد بإسناد جيد. 2258 - (8) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قامَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بَيْتٍ فيه نَفرٌ مِنْ قرْيشٍ، فأخذ بَعَضَادَتي البابِ فقال: "هلْ في البيتِ إلا قرشيٌّ؟ ". فقالوا: لا، إلا ابنَ أُختٍ لنا. قال: "ابنُ أخْتِ القوم منهُم". ثمَّ قال: "إنَّ هذا الأمْرَ في قريشٍ، ما إذا اسْتُرْحِموا رحِموا، وإذا حكَموا   (1) جمع (قمع) كـ (ضلع): هو الإناء الذي يترك في رؤوس الظروف لتملأ بالمائعات من الأشربة. الحديث: 2255 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 عدَلوا، وإذا قَسَموا أقْسَطوا، ومَنْ لَمْ يفعل ذلك فعليه لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجمعينَ". رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، ورواته ثقات. 2259 - (9) [صحيح لغيره] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنَّا في بيتٍ فيه نَفرٌ مِنَ المهاجرين والأنْصارِ، فأقْبلَ علينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجعل كلُّ رجلٍ يوَسِّعُ رجاءَ أنْ يجْلسَ إلى جَنْبِه، ثُمَّ قامَ إلى البابِ، فأخذَ بعَضادَتَيْهِ، فقال: "الأئمَّةُ مِنْ قرْيشٍ، ولي عليكُم حقٌّ عظيمٌ، ولَهُمْ ذلك؛ ما فَعَلوا ثلاثاً: إذا استُرْحِموا رَحِموا، وإذا حكموا عَدلوا، وإذا عاهَدوا وَفَوْا، فَمنْ لَمْ يفعلْ ذلك منهُمْ؛ فعليهِ لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجْمعين". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن -واللفظ له، وأحمد بإسناد جيد- وتقدم لفظه [2 - باب]، وأبو يعلى. 2260 - (10) [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" مختصراً من حديث أبي هريرة. وتقدم حديث بنحوه لأبي برزة، وحديث لأبي موسى في "العدل والجور" [2 - باب]. 2261 - (11) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ الصادقَ المصْدوقَ صاحِبَ هذه الحُجْرةِ أبا القاسِم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا تُنزَعُ الرحمةُ إلاَّ مِنْ شَقيٍّ". رواه أبو داود -واللفظ له- والترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث حسن"، وفي بعض النسخ: "حسن صحيح". 2262 - (12) [صحيح] وعنه قال: قبّلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحسنَ أوِ الحسينَ بنَ عليٍّ وعنده الأقْرَعُ بن حابِسٍ الحديث: 2259 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 التميميُّ، فقال الأقْرَعُ: إنَّ لي عَشَرَةً مِنَ الولَدِ ما قَبَّلتُ منهم أحداً قَطُّ! فنَظَر إليه رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال: "مَنْ لا يَرحمْ لا يُرحَمْ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي. 2263 - (13) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءَ أعرابيٌّ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إنَّكُم تُقَبِّلونَ الصِّبيانَ وما نُقَبِّلُهُم. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أنْ نَزَعَ الله الرحمةَ مِنْ قلْبِكَ؟! ". رواه البخاري ومسلم. 2264 - (14) [صحيح] وعن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه: أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله! إنِّي لأرْحَمُ الشَّاةَ أنْ أذْبَحها. فقال: "إنْ رحِمْتَها رحِمكَ الله". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد" (1). [صحيح لغيره] والأصبهاني ولفظه قال:   (1) قلت: ووافقه الذهبي في "التلخيص" (4/ 231)، وهو كما قالا، وقد رواه جمع آخر منهم الإمام البخاري في "الأدب المفرد" (373)، فكان بالعزو أولى. وهو مخرج في "الصحيحة" (رقم 26)، وقد جهل هذا العزو كله الجهلة المتعالون، فجزموا بضعف الحديث! لأنَّهم لم يعثروا عليه إلا عند الحاكم (3/ 586 - 587)، وعقبوا عليه بقولهم: "وصححه (!) وتعقبه الذهبي بقوله: عدي هالك، ورواه الأصبهاني في "الترغيب" (1553) "! وإن من غفلاتهم بل وجهالاتهم أن الحاكم بيَّض له ولم يصححه، فظنوا أنَّ مجرد إخراج الحاكم إياه تصحيح له! ولم ينتبهوا أن اللفظ الذي تعقبه الذهبي وهو غير لفظ المؤلف الذي عزاه إليه، ولقد كان هذا وحده كافياً ليندفعوا للبحث عنه في موضع آخر منه، ولو أنهم فعلوا لوجدوه في المكان الذي أشرت إليه، ولما وقعوا في إثم تضعيف صحيح حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بجهلهم البالغ! والله المستعان. ومن الغرائب أنَّ حديث ابن عباس الآتي هو في الموضع الذي فاتهم عزو الحديث إليه، وتحته = الحديث: 2263 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 يا رسول الله! إنِّي آخذُ شاةً وأريدُ أنْ أذْبَحَها فأرْحَمُها؟ قال: "والشاةُ إنْ رَحِمْتَها رَحِمَكَ الله". 2265 - (15) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّ رجلاً أضْجَع شاةً وهو يحُدُّ شفْرَتَهُ، فقالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتريدُ أنْ تُميتَها موتاتٍ؟! هلا أحْدَدْتَ شفْرَتَك قَبْلَ أنْ تُضجِعَها؟! ". رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، والحاكم واللفظ له، وقال: "صحيح على شرط البخاري". (1) 2266 - (16) [حسن] وعن عبد الله بن عمرو (2) رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ إنسانٍ يَقتُلُ عصفوراً فما فوقَها يغيرِ حقِّها، إلا سأَلهُ الله عنها يومَ القِيامَةِ". قيَلَ: يا رسولَ الله! وما حقُّها؟ قال: "حقُّها أنْ يذْبَحَها فيأكُلَها، ولا يقْطَعَ رأْسَها فيرميَ بهِ". رواه النسائي، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". [مضى 10 - العيدين/ 4]. 2267 - (17) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّه مرَّ بفتيانٍ مِنْ قرْيشٍ قد نَصبوا طيْراً أو دَجاجةً يتَرامَونَها، وقد جَعلوا   = حديث ابن عباس، وقد عزوه إليه بالجزء والصفحة (4/ 233)، وهذه بعد تلك بصفحة واحدة! ثم تعالوا وتعالموا فلم يقبلوا تصحيح الحاكم والذهبي واقتصروا على تحسينه فقط. أما لماذا؟ فهم أنفسهم لا يدرون لأنه خبط عشواء! (1) قلت: ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وأما المتعالمون فقالوا: "حسن"! ولا وجه له. انظر التعليق المتقدم. (2) الأصل (ابن عمر)، والصواب ما أثبتنا، انظر التعليق عليه حيث تقدم (10 - العيدين/ 4). الحديث: 2265 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 لصاحِبِ الطير كلِّ خاطِئة مِنْ نَبْلِهم، فلمَّا رأَوُا ابْنَ عمر تَفَرَّقوا. فقالَ ابْن عمرَ: مَنْ فعلَ هذا؟! لَعنَ الله مَنْ فعلَ هذا، "إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعنَ مَنِ اتَّخذَ شيئاً فيه الروحُ غَرَضاً". رواه البخاري ومسلم. (الغَرَضُ): بفتح الغين المعجمة والراء: وهو ما ينصبه الرماة يقصدون إصابته من قرطاسٍ وغيره. 2268 - (18) [صحيح] وعن أبي مسعودٍ رضي الله عنه قال: كَّنا معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفرٍ، فانْطَلقِ لِحاجَتهِ، فرأيْنا حُمرَةً (1) معَها فرْخانِ، فأخْذنا فَرخَيْها، فجاءتِ الحُمَرَةً فجعلَتْ تَفَرَّشُ (2)؛ فجاءَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "مَنْ فَجعَ هذه في وَلدِها؟! ردُّوا ولَدَيْها إليها". ورأى قريةَ نْملٍ قد حرقْناها. فقال: "مَنْ حرقَ هذه؟ ". قلنا: نحنُ. قال: "إنَّه لا ينْبغي أنْ يعذِّبَ بالنارِ إلا رَبُّ النارِ". رواه أبو داود. (قريةُ النملِ) هي موضع النمل مع النمل.   (1) بضم الحاء المهملة وتشديد الميم وقد تخفف: طائر صغير كالعصفور أحمر اللون. (2) بحذف إحدى الفاءين مثل (تذكر) أي: ترفرف بجناحيها وتقترب من الأرض، وكان الأصل (تعرش)، وكذلك في مطبوعة عمارة! والتصويب من "أبي داود". لكن أفاد الناجي اْن نسخه مختلفة، وأن في بعضها (تعرش) كما في الأصل، وأن المعنى: ترتفع فوقها وتظلل عليها. ومنه أخذ (العريش)، فراجعه (ق 179/ 1). الحديث: 2268 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 2269 - (19) [صحيح] وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: أرْدَفني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلْفَه ذات يومٍ، فأسَرَّ إليَّ حديثاً لا أحدِّث به أحداً مِنَ الناسِ، وكان أحبُّ ما اسْتَتَر بهِ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحاجَتهِ هَدَفاً أو حايشَ نَخْلٍ (1)، فدخلَ حائطاً لرجل مِنَ الأنْصارِ، فإذا فيه جَملٌ، فلمَّا رأى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَنَّ وذَرَفَتْ عيناهُ، فأتاهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَسح ذفراه (2) فسكَتَ. فقال: "مَنْ رَبُّ هذا الجملِ؟ لِمَنْ هذا الجملُ؟ ". فجاء فتى مِن الأنْصارِ، فقال: لي يا رسولَ الله! فقال: "أفلا تَتَّقي الله في هذه البَهيمَةِ التي مَلَّكَكَ الله إيَّاها؟! فإنَّه شكا إليَّ إنَّك تُجيعُه وتُدْئبُه". رواه أحمد وأبو داود (3). (الهَدَف) بفتح الهاء والدال المهملة بعدهما فاء: هو ما ارتفع على وجه الأرض من بناء ونحوه. و (الحائِشُ) بالحاء المهملة وبالشين المعجمة ممدوداً: هو جماعة النخل، ولا واحد له من لفظه.   (1) كذا في "أبي داود" -والسياق له-: "هدفاً أَو حائش نخل" على الخبرية. وفي "المسند" عكسه: "هدف أو حائش نخل" بتقديم خبر كان على اسمها. وكذا في "مسلم"، وصوبه الناجي واعتبر الأول تصرفاً من أبي داود. (2) قال ابن الأثير: " (ذفرى البعير) أصل أذنه وهما (ذفريان) و (الذفرى) مؤنثة، وألفها للتأنيث أو للإلحاق". (3) قلت: والسياق له، وقد رواه مسلم إلى قوله: "حائش نخل"، انظر "الصحيحة" (20). الحديث: 2269 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 و (الحائطُ): هو البستان. و (ذفرى البعير) بكسر الذال المعجمة مقصور: هي الموضع الذي يعرق في قفا البعير عند أذنه، وهما ذفريان. وقوله: (تُدْئبُه) بضم التاء ودال مهملة ساكنة بعدها همزة مكسورة وباء موحدة؛ أي: تتعبه بكثرة العمل. 2270 - (20) [صحيح لغيره] وروى أحمد أيضاً في حديث طويل عن يعلى بنِ مُرَّةَ قال فيه: وكنْتُ معَه -يعني معَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالِساً ذاتَ يومٍ، إذ جاءَ جملٌ يُخَبِّبُ حتى ضَرَب بِجِرانِه بيْنَ يَديْهِ، ثمَّ ذَرفَتْ عيناهُ؛ فقال: "وْيحكَ! انْظُرْ لِمَنْ هذا الجملُ، إنَّ له لَشأناً". قال: فخرجْتُ ألْتَمِسُ صَاحِبَهُ، فوجَدْتُه لِرَجلٍ مِنَ الأنْصارِ، فدَعوْتُه إليه فقال: "ما شأنُ جَملكَ هذا؟ ". فقال: وما شأنُه؟ [قال:] لا أدري والله ما شأْنُه، عمِلْنا عليهِ ونَضَحنا عليه حتّى عَجِزَ عن السِّقايَة، فأتمرنا البارِحَة أنْ نَنْحَره ونُقَسِّمَ لحْمَهُ. قال: "فلا تَفعَلْ، هبْهُ لي أو بِعْنيهِ". قال: بلْ هوَ لكَ يا رسولَ الله. قال: فوَسَمُه بِمَيْسَم الصدَقةِ ثُمَّ بعثَ بِهِ. وإسناده جيد. وفي رواية له نحوه؛ إلا أنه قال فيه؛ أنه قال لصاحب البعير: "ما لِبعيرِك يشْكوكَ، زَعم أنَّك سانيه حتى كَبِرَ؛ تريدُ أنْ تَنْحَرهُ". قال: صدَقْتَ، والَّذي بعثك بالحقِّ لا أفعلُ. الحديث: 2270 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 [صحيح] وفي أخرى له أيضاً: قال يعلى بن مُرة: بينا نحنُ نسيرُ معَه -يعني معَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ مرَرْنا ببَعيرٍ يُسْنى عليه، فلمَّا رآه البعيرُ جَرْجَرَ، ووَضَع جِرانَهُ، فَوقَف عليه النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أيْنَ صاحبُ هذا البَعيرِ؟ ". فجاء فقال: "بِعْنيهِ". قال: لا؛ بل أهَبُه لكَ، وإنَّه لأهْلِ بيْتٍ ما لهم معيشَةٌ غيرهُ، فقال: "أما إذْ ذكرْتَ هذا مِنْ أمْرِه، فإنَّه شكا كَثْرةَ العَملِ وقِلَّة العلَفِ، فأَحْسِنوا إليه" الحديث. و (جِرَانُ) البعير بكسر الجيم: مقدم عنقه من مذبحه إلى نحره. قاله ابن فارس. (يَسْنا) عليه: بالسين المهملة والنون، أي: يسقي عليه. 2271 - (21) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دخلتِ أمْرأَةٌ النارَ في هِرَّةٍ رَبطَتْها، فَلمْ تُطْعِمْها، ولَمْ تَدَعْها تأكُلْ مِنْ خَشاشِ الأرضِ". وفي رواية: "عُذِّبَتِ امْرَأةٌ في هِرَّةٍ سَجَنتْها حتى ماتَتْ، لا هِي أطْعَمتْها وسَقَتْها إذْ هي حَبَستْها، ولا هي تَركَتْهَا تأكُلُ مِنْ خشاشِ الأرضِ". رواه البخاري وغيره. 2272 - (22) [صحيح لغيره] ورواه أحمد من حديث جابرٍ، فزاد في آخره: "فوجبَتْ لها النارُ بذلك". (خَشَاشُ الأرض) مثلثة الخاء المعجمة وبشينين معجمتين: هو حشرات الأرض والعصافير ونحوها. الحديث: 2271 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 2273 - (23) [صحيح] وعن سهل ابن الحنظلية رضي الله عنه قال: مرَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ببِعيرٍ قد لَصِقَ (1) ظهرهُ بِبَطْنِهِ، فقال: "اتَّقوا الله في هذه البَهائِم المعْجَمَةِ، فارْكَبوها صالِحةً، وكُلوها (2) صالِحَةً". رواه أبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه"؛ إلا أنه قال: "قد لَحقَ ظَهْرُهُ". 2274 - (24) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "دخلتُ الجنَّة فرأيتُ أكْثرَ أهلها الفقراءَ، واطَّلَعْتُ في النارِ فرأيتُ أكْثرَ أهلِها النساء، ورأيتُ فيها ثلاثَةً يُعَذَّبَون: امْرأَةً مِنْ حِمْيَر طُوَالَةً، رَبَطَتْ هِرَّةً لها لَمْ تُطْعِمْها، ولَمْ تَسْقِها، ولَمْ تَدعْها تأكُلْ مِنْ خشاشِ الأرضِ، فهي تَنْهَش قبُلَها ودُبُرها. ورأيت فيها أخا بني دَعْدعٍ الذي كانَ يَسْرِق الحاجَّ بِمْحجنِه، فإذا فُطِنَ له قال: إنما تعَلَّقَ بِمحْجَني، والَّذي سَرق بَدَنَتيْ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". رواه ابن حبان في "صحيحه". [صحيح لغيره] وفي رواية له ذكر له فيها الكسوف قال: "وُعُرِضَتْ عليَّ النارُ، فلولا أنِّي دفَعْتُها عنكم لغَشِيَتْكُم، ورأيتُ فيها ثلاثةً يُعَذَّبونَ: امرأةً حِمْيريَّةً سوداء طويلةً تعذَّبُ في هِرَّةٍ لها أَوْثَقتْها، فَلمْ تَدعْها تأكلْ منْ خَشاشِ الأرض، ولَمْ تُطْعِمْها حتى ماتَتْ، فهي إذا أقْبَلتْ تَنْهَشُها، وإذا أَدْبَرتْ تَنْهَشُها" الحديث. (المِحْجَنُ) بكسر الميم وسكون الحاء المهملة بعدهما جيم مفتوحة: هي عصا محنية الرأس.   (1) كذا، والذي في أبي داود "لحق" مثل رواية ابن خزيمة الآتية، وكذا قال الناجي (181/ 1). (2) بالضم، ويجوز عندي الكسر؛ أي: اتركوها وانزلوا عنها. انظر "الصحيحة" (23). الحديث: 2273 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 2275 - (25) [صحيح] وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلَّى صلاةَ الكُسوف فقال: "دنَتْ منِّي النارُ حتَّى قلتُ: أيْ ربِّ! وأنا مَعَهُم! فإذا امْرَأةٌ -حسِبْتُ أنَّه قال:- تَخْدَشُها هِرَّةٌ، قال: ما شأنُ هذه؟ قالوا: حبَستْها حتى ماتَتْ جوعاً". رواه البخاري. 2276 - (26) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "دنا رجلٌ إلى بئرٍ، فنزل فشرِبَ منها، وعلى البئرِ كلْبٌ يَلْهَثُ، فرحِمَهُ، فنَزع أحد خُفَّيه فسقَاهُ؛ فشكرَ الله لَهُ، فأدْخَلَهُ الجنَّةَ" (1). رواه ابن حبان في "صحيحه". ورواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود أطول من هذا. وتقدم في "إطعام الطعام" [8 - الصدقات/ 17 - باب/ 14 - حديث]. 2277 - (27) [صحيح] وعن أبي مسعودٍ البدري رضي الله عنه قال: كنتُ أضرِبُ غلاماً لي بالسَوْطِ، فسمعتُ صوتاً مِنْ خلْفي: "أعلمْ أبا مسعودٍ! "، فلمْ أفهَمِ الصوْتَ مِنَ الغَضَبِ، فلمَّا دنا منِّي إذا هو رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإذا هو يقول: "أعلمْ أبا مسعودٍ! إنَّ الله تعالى أقْدَرُ عليكَ مِنْكَ على هذا الغُلامِ". فقلتُ: لا أضْرِبُ مَمْلوكاً بعدَهُ أبَداً.   (1) لفظ الشيخين: "فغفر له"، وهو أصح، ولازمه دخول الجنة. ومضى هناك. الحديث: 2275 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 وفي رواية: فقلتُ: يا رسولَ الله! هو حرٌّ لِوَجْهِ الله تعالى، فقال: "أما لَوْ لَمْ تفعَلْ لَلَفَحَتْكَ النارُ -أو لَمَسَّتْكَ النارُ-". رواه مسلم وأبو داود والترمذي (1). 2278 - (28) [صحيح] وعن زاذان -وهو الكندي مولاهم الكوفي- قال: أتيتُ ابنَ عُمرَ وقد أعْتَق مَمْلوكاً له، فأَخذَ مِنَ الأرْضِ عوداً أوْ شيْئاً فقالَ: ما لي فيه مِنَ الأجْرِ ما يساوي هذا، سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ لَطمَ مَمْلوكاً له أو ضَربهُ؛ فكفَّارَتُه أنْ يَعْتِقَهُ". رواه أبو داود واللفظ له. [صحيح] ورواه مسلم (2)، ولفظه: قال: "مَنْ ضَرَب غلاماً له حدّاً لَمْ يأْتِهِ، أوْ لَطَمهُ؛ فإنَّ كفارتَهُ أنْ يَعْتِقَهُ". 2279 - (29) [صحيح] وعن معاوِيَة بنِ سُوَيْد بن مُقَرَّنٍ قال: لَطَمْتُ مولى لنا، فدعاهُ أبي ودَعاني، فقال: اقْتَصَّ منه، فإنَّا معشرَ بني مُقَرِّنٍ كنَّا سبعةً على عهد النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليسَ لنا إلا خادِمٌ، فلَطمها رجلٌ منّا، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أعْتِقوها". قالوا: إنّه ليسَ لنا خادِمٌ غيرها. قال:   (1) قلت: وكذلك رواه البخاري في "الأدب المفرد" (171). (2) قلت: والبخاري في المصدر السابق (رقم - 177 و180). الحديث: 2278 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 "فلْتَخْدِمْهُم حتى يَسْتَغْنوا، فإذا اسْتَغْنَوْا فَلْيُعْتِقوها". رواه مسلم، وأبو داود -واللفظ له-، والترمذي والنسائي (1). 2280 - (30) [صحيح لغيره] وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ ضَرَب مَمْلوكه ظُلْماً؛ أُقِيدَ (2) منه يومَ القِيامَةِ". رواه الطبراني، ورواته ثقات (3). 2281 - (31) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نبيُّ التوبةِ: "مَنْ قَذفَ مَمْلوكَهُ بريئاً ممَّا قال؛ أُقيمَ عليه الحدُّ يومَ القِيامَةِ؛ إلاَّ أنْ يكونَ كما قال". رواه البخاري ومسلم والترمذي -واللفظ له- وقال: "حسن صحيح". 2282 - (32) [صحيح] وعن المعرورِ بن سُوَيْدٍ قال: رأيتُ أبا ذرٍّ بـ (الرَّبذَةِ)، وعليه بُرْدٌ غَليظٌ، وعلى غلامِهِ مثلُه، قال: فقال القومُ: يا أبا ذّرٍ! لو كنت أخذْتَ الذي على غلامِكَ فجعلْتَهُ مَعَ هذا فكانَتْ حُلَّةً، وكسَوْتَ غلامَك ثوباً غَيْرَهُ؟ قال: فقال أبو ذّرٍ:   (1) قلت: والبخاري في "المصدر السابق" (178). (2) أي: اقتص منه، وكان الأصل: (قيد) فصححته من المخطوطة و"الأدب المفرد" وغيره. (3) قلت: والبخاري أيضاً في "الأدب" (181)، وعزاه الهيثمي (4/ 238) أيضاً للطبراني، لكنَّه في مكان آخر ذكره بنحوه، وقال (10/ 353): "رواه البزار". وهو في "كشف الأستار" (4/ 163/ 3452) مرفوعاً وموقوفاً. و"مسند عمار" من "المعجم الكبير" لم يطبع بعد لننظر في إسناده، لكنْ قد رواه أبو نعيم عن الطبراني، وفيه ضعيف، فانظر "الصحيحة" (2352). الحديث: 2280 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 إنِّي كنتُ سابَبْتُ رجلاً، وكانتْ أمُّه أعْجَميَّةٌ، فعيَّرْتُه بأمِّه، فشكاني إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "يا أبا ذرٍّ! إنَّك امْرؤٌ فيكَ جاهليَّةٌ"، فقال: إنَّهُمْ إخْوانُكمُ، فَضَّلكُم الله عليهِمْ، فَمنْ لَمْ يُلائمْكُمْ فبيعوهُ، ولا تُعذِّبوا خَلْقَ الله". رواه أبو داود، واللفظ له. [صحيح] وهو في البخاري ومسلم، والترمذي بمعناه؛ إلا أنهم قالوا فيه: "هم إخْوانُكم، جَعلهُم الله تحت أيْديكُم، فمَنْ جعَل الله أخاه تحتَ يده؛ فلْيُطْعِمْهُ ممَّا يأْكُلُ، وليُلْبِسْه مما يلبَسُ، ولا يُكَلِّفْهُ مِنَ العَملِ ما يَغْلِبُهُ، فإنْ كَلَّفه ما يَغْلِبهُ؛ فَلْيُعِنْهُ عليه". واللفظ للبخاري. [صحيح] وفي رواية للترمذي قال: "إخْوانُكم جعلَهُم الله قِنْيَةً تحتَ أيْديكُم، فَمنْ كان أخوه تحت يده؛ فلْيُطْعِمْهُ مِنْ طَعامهِ، ولْيُلْبِسْه مِنْ لبَاسِه، ولا يُكَلِّفْهُ ما يغْلِبُه، فإنْ كَلَّفه ما يَغْلِبُه؛ فلْيُعْنِهُ". [صحيح] وفي رواية لأبي داود عنه قال: دخَلْنا على أبي ذرٍّ بـ (الرَّبَذَةِ) فإذا عليه بُردٌ، وعلى غُلامِهِ مثلُه. فقلنا: يا أبا ذرٍ! لو أَخَذْتَ برْدَ غلامِكَ إلى برْدِكَ فكانَتْ حُلَّةً، وكسوْتَهُ ثوباً غيرَهُ. قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إخْوانُكم جعَلهُم الله تحتَ أيْديكُم، فَمنْ كان أخوه تحتَ يدهِ؛ فلْيُطْعِمْه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 ممَّا يأُكُلُ، وليَكْسُهُ ممّا يَكْتَسي، ولا يُكَلِّفْهُ ما يَغْلِبُهُ، فإنْ كَلَّفهُ ما يغْلِبهُ؛ فلْيُعنْهُ". [صحيح] وفي أخرى له: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ لاءمَكُم مِنْ مَمْلوكيكُم؛ فأطْعِموهُم ممَّا تأكُلونَ، واكْسوهُم مِمَّا تلْبَسُونَ، ومَنْ لَمْ يلائمْكُم مِنهمُ؛ فبيعوهُ، ولا تعذِّبوا خَلْقَ الله". (قال الحافظ): "الرجل الذي عيَّره أبو ذر هو بلال بن رباح مؤذن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". 2283 - (33) [صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العبيد: "إنْ أحسنوا فاقْبَلوا، وإن أساؤوا فاعفوا، وإن غلبوكم فبيعوا". رواه البزار (1)، فيه عاصم أيضاً (2). 2284 - (34) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "للمَمْلوكِ طعَامُه وشرابُه وكِسْوَتُه، ولا يُكَلِّفُ إلا ما يَطيقُ، فإنْ كَلَّفْتُموهم فأعينوهُم، ولا تعذِّبوا عبادَ الله؛ خلْقاً أمثالَكُم". رواه ابن حبان في "صحيحه"، وهو في مسلم باختصار. 2285 - (35) [صحيح لغيره] وعن عليًّ رضي الله عنه قال: كان آخر كلام النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) في المخطوطة: (الترمذي) مكان (البزار)، وهو خطأ من الناسخ. (2) كذا قال، وقلده الهيثمي (4/ 236)، وهو عجيب، فإنه أورده في "كشف الأستار عن زوائد البزار" (1391) من طريق محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن عمر. . . وقال البزار: "محمد بن البيلماني ضعيف عند أهل العلم". فليس فيه عاصم. ثم إن الحديث يشهد لبعضه ما تقدم قريباً في حديث المعرور، وما سيأتي عن عبد الله بن عمر الآتي برقم (39). الحديث: 2283 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 "الصلاة الصلاةَ، اتقوا الله فيما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ". رواه أبو داود، وابن ماجه؛ إلا أنه قال: "الصلاةَ، وما مَلَكَتْ أيْمانُكم". 2286 - (36) [صحيح] وروى ابن ماجه وغيره عن أم سلمة قالتْ: "إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقولُ في مَرضِه الذي تُوُفِّيَ فيه: "الصلاةَ، وما مَلَكَتْ أيْمانُكم". فما زالَ يقولُها حتى ما يفيضُ لِسَانُه (1). 2287 - (37) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما؛ وجاءَهُ قَهْرَمانٌ له فقال لهُ: أعْطَيْتَ الرقيقَ قُوتَهُم؛ قال: لا. قال: فانْطَلِقْ فأعْطِهِمْ، قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كفَى إثْماً أنْ تَحْبِسَ عَمَّنْ تَملِكُ؛ قوتَهُمْ". رواه مسلم. 2288 - (38) [صحيح لغيره] وعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: عهدي بنبيكم قبل وفاته بخمس ليالٍ، فسمعته يقول: "لم يكن نبي إلا وله خليلٌ من أمته، وإن خليلي أبو بكر بن أبي قحافة، إن الله اتخذ صاحبكم خليلاً، ألا وإن الأمم قبلكم كانوا يتخذون   (1) أي: ما يجري ولا يسيل بهذه الكلمة لسانه، من فاض الماء إذا سال وجرى، حتى لم يقدر على الإفصاح بهذه الكلمة. قاله السندي. قلت: زاد البيهقي في "دلائل النبوة" (7/ 205): "الله الله، الصلاة. . ."، ويشهد له حديث كعب الآتي هنا بعد حديث ابن عمرو. الحديث: 2286 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 قبور أنبيائهم مساجدَ، وإني أنهاكم عن ذلك (1)، اللهم هل بلّغت؟ (ثلاث مرات) ". ثم قال "اللهم أشهد، (ثلاث مرات) ". وأُغمي عليه هنيهة، ثم قال: "الله الله فيما ملكت أيمانكم،. . . . . . ". (*) رواه الطبراني من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد، وقد وثِّقا، ولا بأس بهما في المتابعات. 2289 - (39) [صحيح] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! كَمْ أعْفو عن الخادم؟ قال: "كلَّ يومٍ سبْعينَ مَرَّةً". رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن غريب". وفي بعض النسخ: "حسن صحيح". [صحيح] وروى أبو يعلى بإسناد جيد عنه -وهو رواية للترمذي-: أنَّ رجلاً أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إنَّ خادِمي يُسِيءُ وَيظْلِمُ، أفأَضْرِبُه؟ قال: "تَعْفو عنه كلَّ يومٍ ولَيلَةٍ سبعينَ مَرَّةً". (قال الحافظ): "كذا وقع في سماعنا (عبد الله بن عمر)، وفي بعض نسخ أبي داود (عبد الله بن عمرو). وقد أخرجه البخاري في "تاريخه" من حديت عباس بن جُلَيد عن عبد الله بن عمرو بن العاصي، ومن حديثه أيضاً عن عبد الله بن عمر، وقال الترمذي: "روى بعضهم هذا الحديث بهذا الإسناد وقال: عن عبد الله بن عمرو". وذكر الأمير أبو نصر أنَّ عباس بن خُليد يروي عنهما كما ذكره البخاري، ولم يذكر ابن   (1) إلى هنا الحديث صحيح له شواهد كثيرة مخرجة في كتابي "تحذير الساجد"، وكذلك جملة ". . . ما ملكت أيمانكم" يشهد لها حديث أم سلمة المتقدم قبل حديث. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: تتمة الحديث «أشبعوا بطونهم واكسوا ظُهُورهمْ وألينوا القَوْل لَهُم»، وقد حذفه الشيخ الألباني من هذا الصحيح لضعفه، لكنه سقط (أيضا) من قسم (الضعيف) فوجب التنبيه. ونبه على ذلك الشيخ مشهور في هامش طبعته الحديث: 2289 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 يونس في "تاريخ مصر"، ولا ابن أبي حاتم روايته عن عبد الله بن عمرو بن العاصي. والله أعلم". 2290 - (40) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءَ رجلٌ، فقعَد بين يَدَيْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إنَّ لي مَمْلوكَيْنِ يكذِّبونَني، ويُخَوِّنونَني، وَيعْصونَني، وأشْتُمهم وأضْرِبُهم، فكيف أنا مِنْهُمْ؟ فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا كان يومُ القيامَةِ يُحْسَبُ ما خانوكَ وعَصَوْكَ وكذَّبوكَ وعقابُك إيَّاهمْ، فإنْ كانَ عقابُك إيّاهم بَقدْرِ ذُنوبِهم؛ كانَ كَفافاً، لا لَكَ ولا عَليْكَ، [وإن كان عقابُك إيَّاهم دون ذنوبِهم؛ كان فضلاً لكَ،] (1) وإنْ كانَ عقابُكَ إيَّاهم فوقَ ذُنوِبهِم؛ اقتُصَّ لهُمْ منكَ الفضْلُ". [قال:] فتَنَحّى الرجلُ وجَعَل يبْكي ويهْتِفُ (2). فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أمَا تَقْرَأ قولَ الله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}. فقال الرجل: [والله] يا رسولَ الله! ما أجِدُ لي ولِهؤلاء [شيئاً] خَيْراً مِنْ مُفارَقَتِهم، أشهِدُكَ أنَّهم أحرارٌ كلُّهم.   (1) هذه الزيادة وما بعدها من "الترمذي" (3163)، والسياق له مع الاختلاف في بعض الجمل والألفاظ، وقد صححت بعضها، وليس عنده ولا عند أحمد (6/ 280) ولا عند البيهقي في "الشعب" (6/ 377) أيضاً قوله: "إذا كان يوم القيامة"، ولكنه في "المشكاة" (5561) برواية الترمذي، فلعله في بعض نسخه، وغفل عن ذلك كله الغافلون النقلة! (2) أي: يصيح. الحديث: 2290 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 رواه أحمد، والترمذي وقال: "حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن غزوان، وقد روى أحمد بن حنبل عن عبد الرحمن بن غزوان هذا الحديث". (قال الحافظ): "عبد الرحمن هذا ثقة احتج به البخاري وبقية رجال أحمد احتج بهم البخاري ومسلم. والله أعلم". 2291 - (41) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ ضَربَ سَوطاً ظُلماً؛ اقْتَصَّ منه يومَ القِيامَةِ". رواه البزار والطبراني (1) بإسناد حسن. 2292 - (42) [صحيح] وعن هشام بن حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه: أنَّه مرَّ بالشام على أُناسٍ مِنَ الأنْباطِ وقد أُقيموا في الشمْسِ، وصُبَّ على رؤوسِهِمُ الزيتُ، فقال: ما هذا؟ قيلَ: يُعذِّبونَ في الخَراجِ -وفي رواية- حُبِسوا في الجِزْيَةِ. فقال هشامٌ: أشْهدُ لَسَمعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ الله يُعَذِّبُ الَّذين يُعَذِّبونَ الناسَ في الدنيا". فدخَلَ على الأميرِ فَحدَّثَهُ، فأَمَر بهم فَخُلُّوا. رواه مسلم وأبو داو النسائي. (الأَنْبَاط): فلاحون من العجم ينزلون بالبطائح بين العراقين.   (1) قيده الهيثمي بـ "الأوسط"، وهو الصواب كما خرجته في "الصحيحة" (2352). الحديث: 2291 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 فصل 2293 - (43) [صحيح] عن جابرٍ (1) رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عليه حِمارٌ قد وُسِمَ في وجْهِه، فقال: "لَعنَ الله الذي وَسَمَه" (2). رواه مسلم. وفي رواية له: نهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الضرْبِ في الوجْهِ، وعَنِ الوسْمِ في الوجْهِ. 2294 - (44) [صحيح] ورواه الطبراني بإسناد جيد مختصراً: أن رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ مَنْ يَسِمُ الوجْهَ (3). 2295 - (45) [صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: مَرَّ حمارٌ بِرسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد كُوِيَ في وجْهِهِ، يفورُ مِنْخَراهُ مِنْ دَمٍ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَعَن الله مَنْ فعَل هذا".   (1) الأصل كالمخطوطة و"الانتقاء": (ابن عباس). والتصويب من مسلم، وكذلك أخرجه غيره، كما تراه مخرجاً في "غاية المرام" (475)، والظاهر أن الخطأ من المؤلف، انتقل بصره أو فكره من حديث جابر عند الإملاء إلى حديث ابن عباس الذي بعده في مسلم بنحوه. ولم يتنبه لهذا الخطأ مدعو التحقيق الثلاثة! رغم أنهم عزوه لمسلم برقمي الروايتين! (2) زاد في الأصل: "في وجهه"، فحذفتها لعدم ورودها في "مسلم" والمخطوطة. (3) هذا يوهم أنه من حديث جابر عن الطبراني، والواقع أنه رواه (11/ 335/ 11936) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وسنده صحيح، وذكره الهيثمي من حديث ابن عباس أيضاً وقال: "رواه الطبراني ورجاله ثقات"، ولذلك أعطيته رقماً خاصاً، وغفل المذكورون عن هذا أيضاً! الحديث: 2293 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 ثُمَّ نهى عنِ الكَيِّ في الوجْهِ، والضرْبِ في الوجْهِ. رواه ابن حبان في "صحيحه". ورواه الترمذي مختصراً وصححه. والأحاديث في النهي عن الكيِّ في الوجه كثيرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 11 - (ترغيب الإمام وغيره من ولاة الأمور في اتخاذ وزير صالح وبطانة حسنة). 2296 - (1) [صحيح لغيره] عن عائشة رضيَ الله عنها قالتْ: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا أراد الله بالأميرِ خيراً، جَعلَ له وَزيرَ صِدْقٍ؛ إنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ، وإنْ ذَكَر أعانَهُ، وإذا أراد الله به غير ذلك؛ جعلَ له وزير سوءٍ؛ إنْ نَسيَ لَمْ يُذَكِّرْهُ، وإنْ ذَكرَ لَمْ يُعِنْهُ". [صحيح] رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، والنسائي، ولفظه: قالت: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ وَلِيَ منكُم عملاً فأرادَ الله به خيراً؛ جعَلَ له وزيراً صالِحاً؛ إنْ نَسِيَ ذَكَّرهُ ان ذَكَر أعانَه". 2297 - (2) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ وأبي هريرة رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما بَعثَ الله مِنْ نَبيٍّ ولا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَليفَةٍ إلا كانَتْ له بِطانتَانِ: بطانَةٌ تأمُره بالمعروفِ وتَحُضُّه عليه، وبِطانَةٌ تأمرُه بالشرِّ وتَحضُّهُ عليه، والمعْصومُ مَنْ عَصمَ الله". رواه البخاري واللفظ له (1).   (1) في هذا التخريج أمور: أولاً: أنه أوهم أن البخاري أخرجه عن أبي سعيد وأبي هريرة معاً وموصولاً عنهما، وليس كذلك، فقد أسنده عن أبي سعيد، ثم علقه عن أبي هريرة، وقد وصله النسائي وغيره. ثانياً: قوله: "واللفظ له" لا داعي لهذا ما دام أنه لم يقرن مع البخاري غيره ليضيف اللفظ = الحديث: 2296 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 [صحيح] ورواه النسائي عن أبي هريرة وحده. ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِنْ والٍ إلا ولَه بِطانَتانِ: بطانَةٌ تأمُرهُ بالمعروفِ وتنْهاهُ عَنِ المنكَرِ، وبِطانَةٌ لا تَأْلوهُ خَبالاً، فَمنْ وُقِيَ شَرَّها؛ فقدْ وُقِيَ، وهوَ مِنَ الَّتي تَغْلِبُ (1) عليه مِنهُما". 2298 - (3) [صحيح] وعن أبي أيوبَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما بَعثَ الله مِنْ نَبيٍّ، ولا كانَ بعده مِنْ خَليفَةٍ إلا له بِطانَتانِ: بطانَةٌ تأمُرهُ بالمعْروفِ، وتنهاه عنِ المنْكَرِ، وبِطانَةٌ لا تأْلُوه خَبالاً، فَمنْ وُقِيَ بطانَةَ السُوءِ؛ فقد وُقِيَ". رواه البخاري (2).   = إليه دونه. وهذا ظاهر. ثالثاً: قوله بعدُ: "ورواه النسائي عن أبي هريرة وحده خطأ"، فقد أخرجه عن أبي سعيد أيضاً، ولفظه مثل لفظ البخاري؛ إلا أنه قال: "بالخير" مكان "بالمعروف"، وهو رواية للبخاري في "كتاب القدر". وعليه كان الصواب في تخريجه أن يقال: "رواه البخاري والنسائي عن أبي سعيد مسنداً"، والبخاري عن أبي هريرة معلقاً، وأسنده النسائي ولفظه. . .". ثم إنه وقع اختلاف على التابعي في صحابي الحديث، والأرجح أن الكل صحيح إذا صح السند إليه، وبيانه في "الصحيحة" (1641). ثم رأيت الناجي رحمه الله قد أفاض في نقد المؤلف على النحو مما ذكرت مع التوسع في ذكر الأسانيد وتعليقات البخاري، مما يمكن اعتبار ما ذكرته تلخيصاً له، قبل أن أقف على كلامه، فالحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله. (1) الأصل والمخطوطة: "إلى من يغلب"، والتصويب من النسائي. (2) كذا قال! وفيه نظر من وجهين. الأول: أنه كان ينبغي أن يضم إلى البخاري "والنسائي" لأن اللفظ له، ولأن البخاري لم يَسُق متنه البتة. والآخر: أن البخاري لم يسنده، وإنما علقه في "كتاب الأحكام" (7198) عقب حديث أبي سعيد المتقدم، ولم يَسُق متنه كما ذكرت آنفاً، وغفل عن هذا وما قبله أيضاً المعلقون مع ذكرهم الرقم! أو أنهم -لبالغ جهلهم- لا يعرفون الفرق بين المسند والمعلق عند البخاري!! الحديث: 2298 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 12 - (الترهيب من شهادة الزور). 2299 - (1) [صحيح] عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: كنّا عندَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ألا أُنَبّئُكُمْ بأكبَرِ الكَبائرِ؟ -ثلاثاً-: الإشْراكُ بالله، وعُقوقُ الوالِدَيْنِ، ألا وشهادَةُ الزورِ، وقوْلُ الزورِ". وكان مُتَّكئاً فجلَس، فَما زالَ يُكَرِّرُها حتَّى قلْنا: ليْتَهُ سكَتَ. رواه البخاري ومسلم والترمذي. 2300 - (2) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: ذكَرَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الكبائِرَ فقال: "الشِرْك بالله، وعُقوقُ الوالدَيْنِ، وقَتْلُ النفسِ". -وقال-: "ألا أُنَبِّئُكُمْ بأكْبَرِ الكبائر؟ قولُ الزورِ. -أو قال: شهادَةُ الزورِ-". رواه البخاري ومسلم. 2301 - (3) [حسن موقوف] ورواه الطبراني في "الكبير" موقوفاً على ابن مسعود بإسناد حسن. [قلت: قال: عَدَلَتْ شهادةُ الزور الشركَ بالله، وقرأ: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}]. الحديث: 2299 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 21 - كتاب الحدود وغيرها. 1 - (الترغيب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والترهيب من تركهما والمداهنة فيهما). 2302 - (1) [صحيح] عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ رأى مِنكُم مُنْكراً فلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِه، فإنْ لَمْ يَسْتَطعْ فَبِلِسانِه، فإن لم يَسْتطعْ فَبِقَلْبِه، وذلك أضْعَفُ الإيمان". [صحيح] رواه مسلم والترمذي وابن ماجه والنسائي، ولفظه: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ رَأى منكم منكراً فَغَيَّره بيده؛ فقد بَرِئَ، ومَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يُغَيِّرهُ بيده فَغَيَّرَهُ بِلِسانِه؛ فقد بَرِئَ، ومنْ لمْ يَسْتَطعْ أنْ يُغَيِّرَهُ بِلِسانِه فغَيَّرَهُ بِقَلْبِه؛ فقد بَرِئَ، وذلك أضْعَفُ الإِيمَانِ". 2303 - (2) [صحيح] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "بايَعْنا رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على السمع والطاعَةِ في العُسْرِ واليُسْرِ، والمَنْشَطِ والمَكْرَهِ، وعلى أَثَرةٍ علينا، وأنْ لا نُنازع الأَمْرَ أهْلَه، إلا أنْ تَروْا كُفْراً بَوَاحاً (1) عندَكُمْ مِنَ الله فيه بُرْهانٌ (2)، وعلى أنْ نقولَ بِالْحَقِّ أينَما كنَّا، لا نخافُ في   (1) أي: ظاهراً بادياً، من قولهم: "باح بالشيء يبوح به بوحاً: وبواحاً: إذا أذاعه وأظهره". قاله الخطابي. (2) أي: "نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل". قاله العسقلاني. وهذه الجملة ليست في هذا السياق -وهو لمسلم- من حديث عبادة بن الوليد بن عبادة، عن عبادة على خلاف = الحديث: 2302 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 الله لَوْمةَ لائمٍ". رواه البخاري ومسلم. 2304 - (3) [صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه: أنَّ أُناساً قالوا: يا رسولَ الله! ذَهَب أهلُ الدُّثورِ بالأُجورِ، يصلُّونَ كما نُصلِّي، ويَصومونَ كما نَصومُ، ويتَصدَّقونَ بفَصولِ أمْوالِهِمْ؟ قال: "أولَيْسَ قد جَعَل الله لكُم ما تَصدَّقون بِه؟ إنَّ بكلِّ تَسْبيحَةٍ صدَقةً، وكلِّ تكبيرةٍ صدقةً، وكلِّ تَحميدَةٍ صَدقةً، وكلِّ تَهْليلَةٍ صدَقةً، وأمرٍ بالمعْروفِ صدقةً، ونهيٍ عنْ مُنْكرٍ صدقَةً". رواه مسلم وغيره. [مضى 14 - الذكر/ 7]. 2305 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أفْضَلُ الجِهادِ كلمَةُ حقٍّ عند سُلْطانٍ أوْ أميرٍ جائرٍ". رواه أبو داود -واللفظ له- والترمذي وابن ماجه؛ كلهم عن عطية العوفي عنه؛ وقال الترمذي: "حديث حسن غريب". 2306 - (5) [صحيح لغيره] وعن أبي عبد الله طارق بن شهاب البَجَلي الأحْمَسي: أنَّ رجلاً سألَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد وضَعَ رجْلَهُ في الغَرْزِ: أيُّ الجِهادِ أفْضَلُ؟ قال: "كلمةُ حقٍّ عند سلْطانٍ جائرٍ". رواه النسائي بإسناد صحيح.   = فيه- وهي عندهما في سياق آخر من حديث جنادة بن أبي أمية عنه، وقد بينت ذلك وخرجته من مصادر كثيرة في "الصحيحة" (3418). ومن جهل وعجز المعلقين الثلاثة أنهم عزوا الحديث للبخاري برقم (7056)، وهو يشير إلى حديث جنادة الذي ليس فيه الزيادة، ولمسلم برقم (1709) وهو يشير إلى حديث آخر!! الحديث: 2304 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 (الغَرْزُ) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء بعدهما زاي: هو ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب، وقيل: لا يختص بهما. 2307 - (6) [حسن صحيح] وعن أبي أمامَة رضي الله عنه قال: عرَضَ لِرسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ عند الجَمْرَةِ الأولى، فقال: يا رسولَ الله! أيُّ الجِهادِ أفْضَلُ؟ فسكَتَ عنه، فلمَّا رمى الجمرة الثانية سَأَلهُ؟ فسكتَ عنه، فلمَّا رمى جمرةَ العَقَبةِ وضَعَ رجْلَه في الغَرْزِ لِيَرْكَبَ قال: "أيْنَ السائلُ؟ ". قال: ها أنا يا رسولَ الله! قال: "كلمةُ حقٍّ تقال عندَ ذي سلطانٍ جائرٍ". رواه ابن ماجه بإسناد صحيح (1). 2308 - (7) [صحيح] وعن جابر رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "سيدُ الشهداءِ حمزةُ بن عبدِ المطلب، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فأمَره ونهاه، فقَتَلَه". رواه الترمذي (2)، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 2309 - (8) [صحيح] وعن النعمانِ بْنِ بشيرٍ رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:   (1) قلت: وعلى هامش المخطوطة: "وفي نسخة بإسناد حسن" بدل "صحيح"، وهو اللائق بإسناده، فإن فيه أبا غالب، وهو حسن الحديث. ومن طريقه أخرجه أحمد أيضاً (5/ 251 و256)، ثم رأيت الناجي ذكر (182/ 2) أن الأشبه التحسين. (2) قلت: عزوه للترمذي خطأ، ولعله من الناسخ أو الطابع، فإن الشيخ الناجي لم يتعرض له، وفي الإسناد مجهول، لكني وجدت له متابعاً صالحاً فخرجته في "الصحيحة" (374). الحديث: 2307 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 "مَثَلُ القائمِ على حدودِ الله (1)، والواقع فيها (2)؛ كمَثلِ قومٍ اسْتَهَموا على سَفينَةٍ، فصارَ بعضُهُمْ أعْلاها، وبعضُهُمْ أسْفَلَها، فكانَ الَّذين في أسْفَلِها، إذا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرّوا على مَنْ فَوْقَهُم، فقالوا: لوْ أنَّا خَرَقْنا في نَصيبِنا خَرْقاً، ولَمْ نُؤْذِ مَنْ فوْقَنا! فإنْ تَركُوهُمْ وما أَرادوا هَلَكُوا جَميعاً، وإنْ أَخَذوا على أيْديِهِمْ نَجَوْا، ونَجَوْا جميعاً". رواه البخاري والترمذي. 2310 - (9) [صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما منْ نبيّ بَعثَهُ الله في أمَّةٍ قَبْلي؛ إلا كانَ له مِنْ أُمَّتِه حواريُّونَ وأصحابٌ يأخُذونَ بِسُنَّتِه، وَيقْتَدون بأمْرِهِ، ثُمَّ إنَّها تَخلُف مِنْ بعْدِهم خُلُوفٌ (3)، يقولونَ مالا يفْعَلون، ويفْعَلونَ مالا يُؤْمَرون، فَمَنْ جاهَدَهُم بيدهِ   (1) أي: الثابت فيها على نحو قول حكيم بن حزام: بايعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ لا أخرَّ إلا قائماً. أي: لا أموت إلا ثابتاً على الإسلام والتمسك به، يقال: قام فلان على الشيء، إذا ثبت عليه وتمسك به. كذا في "النهاية". وكان الأصل كمطبوعة عمارة: "في حدود الله" وأعاده فيما يأتي قريباً [5 - باب]، فصححته من "البخاري" و"الترمذي" وأحمد أيضاً (4/ 269 و270). وغفل عن ذلك في الموضعين مدعو التحقيق! (2) أي: مرتكب الحدود. ولفظ الترمذي: "والمدهِنِ فيها" أي: المحابي. قال الحافظ في "الفتح": "والمدهن والمداهن واحد، والمراد به من يرائي، ويضيع الحقوق ولا يغير المنكر"، ولفظ أحمد: "والواقع فيها أو المداهن"، وجمع بينهما في رواية بلفظ: "والراتع فيها والمدهن فيها"، وفي رواية للبخاري: "مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها. . ."، فأسقط: "القائم على حدود الله" خلافاً لسائر الروايات، فهي رواية شاذة، وقد أشار إلى ذلك الحافظ (5/ 325)، وذكر أنها غير مستقيمة، وأن رواية الجماعة أصوب، وقال: "لأن المدهن والواقع -أي مرتكبها- في الحكم واحد، و (الواقع) مقابله". وانظر لتخريج الحديث "الصحيحة" (67). (3) جمع (خَلْف)؛ قال ابن الأثير: " (الخلف) بالتحريك والسكون: كل من يجيء بعد من مضى، إلا أنه بالتحريك في الخير، وبالتسكين في الشر". الحديث: 2310 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 فهو مُؤْمِنٌ، ومَنْ جاهَدَهُمْ بِلِسانِه فهو مُؤْمِنٌ، ومَنْ جاهَدَهُم بِقَلْبِه فهو مُؤْمِنٌ، وليسَ وَراءَ ذلك مِنَ الإيْمانِ حَبَّةُ خَرْدلٍ". رواه مسلم. (الحَوارِيّ): هو الناصر للرجل، والمختص به، والمعين والمصافي. 2311 - (10) [صحيح] وعن زينبَ بنتِ جَحْشٍ رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دخَلَ عليها فَزِعاً يقول: "لا إله إلاَّ الله، ويَل لِلْعَرب مِنْ شرٍّ قدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليومَ مِنْ رَدْمِ يأجوجَ ومَأجوجَ مثلُ هذه"، وحَلَّقَ بأصْبَعَيْهِ الإبْهامِ والَّتي تَليها. فقلتُ: يا رسول الله! أنَهْلَكُ وفينا الصالِحونَ؟ قال: "نَعمْ؛ إذا كَثُرَ الخَبَثُ". رواه البخاري ومسلم. 2312 - (11) [صحيح لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ: يا رسول الله! إنَّ الله إذا أَنْزَلَ سَطْوَتَهُ بأهْلِ الأرْضِ وفيهم الصالِحونَ، فَيهْلَكونَ بِهَلاكِهِمْ؟ فقال: "يا عائشةُ! إنَّ الله إذا أَنْزَلَ سَطْوَتَهُ بأهلِ نِقْمَتِهِ وفيهمُ الصالحون، فيَصيرونَ مَعَهم، ثُمَّ يُبْعَثون على نِيَّاتِهِمْ". رواه ابن حبان في "صحيحه" (1). 2313 - (12) [حسن لغيره] وعن حذيفة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "والَّذي نفسي بيدِه؛ لَتَأْمرُنَّ بالمعروفِ، ولَتنْهَوُنَّ عنِ المنكر؛ أوْ لَيُوشِكَنَّ   (1) وأخرجه مسلم بنحوه، والبخاري مختصراً، وتقدم لفظه (1 - الإخلاص/ 1). وقد خرجته في "الصحيحة" (2693). الحديث: 2311 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 الله أنْ يَبْعثَ عليكم عِقاباً منه، ثُمَّ تَدْعونَه فلا يَسْتَجيبَ لكم". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". 2314 - (13) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يُؤمِنُ عبدٌ حتى أكونَ أحبَّ إليهِ مِنْ وَلدِه ووَالدِهِ والناسِ أجْمَعينَ". رواه مسلم وغيره (1). 2315 - (14) [صحيح] وعن جريرٍ رضي الله عنه قال: بايعتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على (2) السمعِ والطاعةِ -فلَقَّنَني: فيما اسْتَطَعْتَ-، والنصحِ لكلِّ مسلم. رواه البخاري ومسلم. وتقدم حديث تميم الداري عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الدينُ النصيحَةُ. قاله ثلاثاً". قال: قلنا: لِمَنْ يا رسولَ الله؟ قال: "لله ولِرَسولِه ولأَئمَّةِ المسْلمينَ وعامَّتِهِمْ". رواه البخاري (3) ومسلم، واللفظ له.   (1) هذا تقصير فاحش، فالحديث في "صحيح البخاري" من حديث أبي هريرة، ومن حديث أنس، وهما في "مختصر البخاري" (رقم 11 و12). (2) زاد البخاري في بعض الروايات: "على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والسمع. . .". انظر "مختصر البخاري" (رقم 40). (3) عزوه للبخاري وهم، لعله من النساخ، فإنه تقدم في (16 - البيوع/ 10) على الصواب، أو لعله أتي من أن البخاري علقه في آخر "كتاب الإيمان". انظر "مختصر البخاري" (12 - معلق). ومن الغريب أنني رأيت على هامش المخطوطة نقلاً عن ابن حجر نفي رواية البخاري للحديث مطلقاً! مع أنه قد وصله في شرحه! وقد تكلم على هذا الوهم الناجي في "العجالة" (183/ 1) وعن طرق الحديث، ولفظ "ثلاث" ليس لمسلم، وإنما هو لأبي داود كما ذكر المؤلف نفسه هناك، ولم يتنبه لهذا كله الغافلون الثلاثة! الحديث: 2314 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 2316 - (15) [حسن لغيره] وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما مِنْ رجلٍ يكونُ في قومٍ يُعملُ فيهم بالمعاصي، يقدِرونَ على أنْ يُغَيِّروا عليهِ، ولا يُغَيِّرونَ؛ إلاَّ أصابَهُم الله منهُ بِعِقابٍ قَبْلَ أنْ يَمُوتوا". رواه أبو داود عن أبي إسحاق قال: أظنه عن ابن جرير، عن جرير ولم يسمِّ ابنه. ورواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والأصبهاني وغيرهم عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن جرير عن أبيه. 2317 - (16) [صحيح] وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا أيُّها الناسُ! إنَّكم تَقْرَؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، وإني سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ الناسَ إذا رَأوا الظالِمَ فلَمْ يأخذوا على يديْهِ، أوْشَك أَنْ يَعُمَّهم الله بعقابٍ مِنْ عِنْدِه". رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وابن ماجه والنسائي وابن حبان في "صحيحه". ولفظ النسائي: إنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن القوم إذا رأوا المنكر فلم يغيِّروه؛ عمَّهم الله بعقابٍ". وفي رواية لأبي داود: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما مِنْ قومٍ يُعمَل فيهم بالمعاصي، ثُمَّ يقدِرونَ أنْ يُغَيِّروا ثُمَّ لا يُغَيِّروا؛ إلا يوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُم الله منه بعقابٍ". الحديث: 2316 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 2318 - (17) [حسن لغيره] وعن أبي كثيرٍ السُّحَيْمي عن أبيه قال: سألتُ أبا ذرٍّ؛ قلتُ: دُلَّني على عملٍ إذا عمِلَ العبدُ بِه دخلَ الجنَّةَ. قال: سألتُ عن ذلك رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يُؤمِنُ بالله واليومِ الآخِر". قلتُ: يا رسول الله! إنَّ مع الإيمانِ عَملاً؟ قال: "يَرضَخُ مِمّا رَزَقَهُ الله". قلتُ: يا رسول الله! أرأيتَ إنْ كان فَقيراً لا يَجِدُ ما يَرضَخُ بِه؟ قال: "يأمُرُ بالمعروفِ، ويَنْهى عنِ المنكَرِ". قال: قلتُ: يا رسول الله! أرأيتَ إنْ كانَ عَيِيّاً لا يَسْتَطيعُ أنْ يأمُرَ بالمعروفِ، ويَنْهَى عنِ المنكَرِ؟ قال: "يَصْنَعُ لأَخْرَقَ". قال: أرأيتَ إنْ كانَ أَخْرقَ لا يستطيعُ أنْ يَصْنَع شيئاً؟ قال: "يُعين مَغْلوباً". قال: أرأيْتَ إن كان ضعيفاً لا يَسْتَطيعُ أن يُعين مَغْلوباً؟ قال: "ما تريدُ أنْ يكون في صاحِبِكَ مِنْ خيرٍ؟ يُمْسِكُ عَنْ أذىَ الناسِ". فقلت: يا رسول الله! إذا فَعلَ ذلك دخَل الجَنَّةَ؟ قال: "ما مِنْ مسلمٍ يفعَلُ خَصْلَةً مِنْ هؤلاء؛ إلا أخَذَتْ بِيَدِه حتى تُدْخِلَه الجَنَّةَ". الحديث: 2318 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 رواه الطبراني في "الكبير"، واللفظ له (1). ورواته ثقات، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 2319 - (18) [حسن صحيح] وعن حذيفة قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "تُعْرَضُ الفِتنُ (2) على القلوبِ كالحَصيرِ عُوداً عوداً، فأيُّ قلْب أُشْرِبَها (3) نُكِتَتْ فيه نُكتَةٌ سَوْداءُ، وأيُّ قلْبٍ أَنكَرها نُكِتَتْ فيه نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حتَّى يصيرَ على قلْبَيْن: على أبْيضَ مثلِ الصَّفا فلا تَضُرَّهُ فِتْنَةٌ ما دامَتِ السمواتُ والأرضُ، والآخَرُ أسود مُرْبادَّاً كالكوز مُجَخِّياً (4) لا يعرف مَعروفاً، ولا يُنْكرُ مُنْكَراً إلا ما أشْرِبَ مِنْ هَواهُ". رواه مسلم وغيره. قوله: (مُجَخِّياً) هو بميم مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم خاء معجمة مكسورة: يعني مائلاً. وفسره بعض الرواة بأنه المنكوس.   (1) كذا الأصل، والأولى وضع قوله: "واللفظ له" بعد قوله الآتي: "صحيحه"، لأن الرواية له (863) مع اختلاف في بعض الألفاظ، ونحوه للحاكم (1/ 63)، وأما الطبراني فهو عنده (1650) من رواية أبي زميل مالك بن مرثد عن أبيه قال: قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله! ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: "الإيمان بالله. . ." الحديث نحو رواية البيهقي المتقدمة في المجلد الأول (8 - الصدقات/ 9). وكذلك ذكره الهيثمي (3/ 135) وقال: "رواه الطبراني، ورجاله ثقات". (2) أي: تلصق بعرض (القلوب) أي: جانبها كما يلصق الحصير بجنب النائم ويؤثر فيه. (3) أي: تمكنت منه وحلت محل الشراب. (مربادّاً) أي: متغيراً. قال ابن الأثير: "ويريد اربداد القلب من حيث المعنى لا الصورة، فإن لون القلب إلى السواد ما هو". (4) زاد أحمد (5/ 386 و405): "وأمال كفه". وسنده أصح من سند مسلم. الحديث: 2319 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 ومعنى الحديث: أن القلب إذا افتتن وخرجت منه حرمة المعاصي والمنكرات؛ خرج منه نور الإيمان كما يخرج الماء من الكوز إذا مال أو انتكس. 2320 - (19) [صحيح لغيره] وعن أبي ذرٍّ قال: أوْصاني خليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخِصالٍ مِنَ الخير: أوْصاني أنْ لا أخافَ في الله لومةَ لائمٍ، وأوْصاني أنْ أقولَ الحقَّ وإنْ كان مُرّاً. مختصر. رواه ابن حبان في "صحيحه"، ويأتي بتمامه [22 - البر والصلة/ 3]. 2321 - (20) [حسن] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَبسُّمك في وجهِ أخيكَ صدقةٌ، وأمْرُكَ بالمعروفِ ونَهْيُكَ عنِ المنكر صدقَة. . " الحديث. رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه". 2322 - (21) [حسن لغيره] ورواه البزار والطبراني من حديث ابن عمر بنحوه. [يأتي لفظه 23 - الأدب/ 4]. 2323 - (22) [حسن] وعن عُرس بن عَميرة الكِنْديِّ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا عُمِلَتِ الخطيئَةُ في الأرضِ؛ كان مَنْ شَهدَها وكرِهَها -وفي رواية: فأنكرها- كَمنْ غابَ عنها، ومَنْ غابَ عنها فَرَضِيَها؛ كان كَمَنْ شَهِدَها". رواه أبو داود من رواية مغيرة بن زياد الموصلي. 2324 - (23) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الإسْلامُ أنْ تعبدَ الله لا تُشْرِك به شيئاً، وتقيمَ الصلاة، وتُؤْتيَ الزكاةَ، الحديث: 2320 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 وتَصومَ رمضانَ، وتَحُجَّ البيتَ (1)، والأمرُ بالمعروف، والنهيُ عنِ المنكر، وتسليمُك على أهلك، فمنِ انْتَقصَ شَيْئاً مِنهُنَّ فهو سَهمٌ مِنَ الإسْلامِ يَدَعُهُ، ومَنْ تركهُنَّ فقد وَلَّى الإسْلامَ ظَهْرَه". رواه الحاكم. [حسن لغيره] وتقدم حديث حذيفة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الإسلامُ ثمانيةُ أسهم: الإسلامُ سهمٌ، والصلاة سهمٌ، والزكاة سهمٌ، والصومُ سهمٌ، وحجُّ البيتِ سهمٌ، والأمرُ بالمعروفِ سهمٌ، والنهي عن المنكر سهمٌ، والجهادُ في سبيلِ اللهِ سهمٌ، وقد خاب من لا سهم له". رواه البزار 2325 - (24) [حسن لغيره] وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: دخل النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعرفتُ في وجهه أنْ قد حضره شيء، فتوضأ وما كلّمَ أحداً، فلصقتُ بالحجرةِ أستمع ما يقولُ، فقعد على المنبرِ، فحمد اللهَ وأثنى عليه وقال: "يا أيها الناس! إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف، وانهَوْا عن المنكرِ قبل أن تدعوا فلا أجيب لكم. . .". (2) رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلاهما من رواية عاصم بن عمر بن عثمان عن عروة عنهما.   (1) الأصل والمخطوطة: "والحج"، ومع أن المعلقين الثلاثة قد صححوا هذه اللفظة، فقد أسقطوا لفظ "البيت"! والتصويب من "المستدرك" وغيره. انظر "الصحيحة" (333). والحديث من أدلة الجمهور القائلين بأن تارك الصلاة، وهو مؤمن بفرضيتها ليس بكافر، لأنه ألحق تاركها بمن ترك سهماً من سهام الإسلام الأخرى، وإنما حكم بالردة والخروج من الإسلام على من ترك الأسهم كلها، وعلى رأسها التوحيد، فتأمل منصفاً، وانظر التفصيل في "الصحيحة" (1/ 651 - 353 و935). (2) في الأصل هنا زيادة: (". . . وتسألوني فلا أعطيكم وتستنصروني فلا أنصركم". فما زاد عليهن حتى نزل)، ولما لم نجد لها شاهداً؛ فقد أوردته هنا ونبهت عليه. الحديث: 2325 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 2 - (الترهيب من أن يأمر بمعروفٍ وينهى عن منكر ويخالف قولُه فعلَه). 2326 - (1) [صحيح] عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يُؤْتَى بالرجلِ يومَ القيامَةِ فيُلْقَى في النارِ، فتندلِقُ أقْتابُ بطْنِه، فيدورُ بِها كما يدورُ الحِمارُ في الرَّحى، فيجتَمعُ إليه أهلُ النارِ فيقولونَ: يا فلانُ! ما لَك؟ ألَمْ تكنْ تأمُر بالمعروفِ، وتَنْهى عنِ المنكَرِ؟ فيقولُ: بلَى، كنتُ آمرُ بالمعروفِ ولا آتيهِ، وأَنْهى عنِ المنكَرِ وآتيهِ". رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم (1) قال: قيلَ لأسامةَ بنِ زَيْدٍ: لو أتيتَ عثمانَ فكلَّمْتَهُ. فقال: إنكم لَتَروْنَ أني لا أكَلِّمُه إلا أُسْمِعُكم؟! إنِّي أكلِّمُه في السرِّ دونَ أنْ أفتحَ باباً (2) لا أكونُ أوَّلَ من فَتَحهُ، ولا أقولُ لرجلٍ أنْ كان عليَّ أميراً: إنَّه خيرُ الناسِ، بعد شيْءٍ سمعتُه مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: وما هو؟ قال: سمعْتُه يقول: "يجاءُ بالرجلِ يومَ القيامَةِ فيُلْقَى في النارِ، فتَندلِقُ أقتْابُه، فيدورُ كما يدورُ الحمار بِرَحاهُ، فيَجْتَمعُ أهلُ النارِ عليه، فيقولُ: يا فلانُ! ما شأنُكَ؟   (1) كذا قال، ولو عكس لأصاب أو كاد، فإن الرواية الأولى هي التي لمسلم في "الزهد"، والأخرى للبخاري في "الفتن"؛ إلا أنه قال: (فلاناً) مكان (عثمان)، وكذلك عنده في رواية في "بدء الخلق"، وإنما سماه مسلم في روايته وفيها القصة كما في رواية البخاري، ثم لو اقتصر على ذكر هذه الرواية دون الأولى لأصاب، إذ لا فرق يذكر بينهما، وذلك ما فعله فيما تقدم (3 - العلم/ 9). (2) "أي: كلمته فيما أشرتم إليه، لكن على سبيل المصلحة والأدب في السر بغير أن يكون في كلامي ما يثير فتنة أو نحوها". كذا في "فتح الباري". الحديث: 2326 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 أليسَ كنتَ تأمرُ بالمعروف وتنْهى عنِ المنكَرِ؟ فيقولُ: كنتُ آمرُكم بالمعروفِ ولا آتيهِ، وأنْهاكمْ عن الشَّرِّ وآتيهِ". (1) (الأقْتَابُ): الأمعاء، واحدها (قِتْب) بكسر القاف وسكون التاء. (تندلق) أي: تخرج. 2327 - (2) [صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رأيتُ ليلةَ أُسْرِيَ بي رِجالاً تُقرضُ شِفاههُم بمقاريضَ مِنَ النارِ، فقلتُ: مَنْ هؤلاءِ يا جبريلُ؟ فقال: الخطباءُ مِنْ أُمَّتِكَ الذين يأمرونَ الناسَ بالبِرِّ وينْسَوْنَ أنفسهم وهُمْ يَتْلونَ الكِتابَ أفَلا يَعْقِلونَ؟! ". رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب الصمت"، وابن حبان في "صحيحه" واللفظ له، والبيهقي. [صحيح لغيره] وفي رواية لابن أبي الدنيا: "مررتُ ليلةَ أُسْرِيَ بي على قومٍ تُقْرَضُ شِفاههُم بِمقَاريضَ مِنْ نارٍ، كُلَّما قُرِضَتْ عادتْ، فقلتُ: يا جبريلُ! مَنْ هؤلاءِ؟ قال: خُطباءُ مِنْ أُمَّتِكَ، يقولونَ ما لا يَفْعَلونَ". [صحيح] وفي رواية للبيهقي: قال: "أَتَيْتُ ليلةَ أُسْرِيَ بي على قومٍ تُقرَضُ شِفاههُم بِمقاريضَ مِنْ نارٍ، فقلت: مَنْ هؤلاءِ يا جبريلُ؟ قال: خُطباءُ أُمَّتِكَ الذين يقولونَ ما لا يَفْعَلونَ، ويقْرَؤون كتابَ الله ولا يَعْمَلونَ بِه".   (1) في الأصل هنا كالمخطوطة: وإني سمعته يعني النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مررت. . ." الحديث مثل الآتي بعده، فحذفته لأنه ليس في الحديث الذي قبله كما كنت بينته تحت الحديث في الموضع المشار إليه آنفاً. الحديث: 2327 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 2328 - (3) [صحيح لغيره] وعن أبي تميمة (1) عن جندب بن عبد الله الأزدي صاحبِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنْ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَثلُ الَّذي يُعلِّمُ الناسَ الخيرَ وَينْسى نَفْسه، كمَثلِ السِّراجِ؛ يُضِيءُ لِلناسِ وَيحْرِقُ نَفْسَهُ" الحديث. رواه الطبراني. وإسناده حسن إنْ شاء الله. [مضى ج 1/ 3 - العلم/ 9]. 2329 - (4) [صحيح] ورواه البزار من حديث أبي برزة؛ إلا أنَّه قال: "مثل الفتيلة" [مضى بتمامه 3 - العلم/ 9]. 2330 - (5) [صحيح] وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم بَعْدِي كلُّ منافقٍ عليمِ اللِّسانِ". رواه الطبراني في "الكبير" والبزار، ورواته محتج بهم في "الصحيح" (2) [مضى هناك]. 2331 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُبصرُ أحدُكم القَذاةَ في عينِ أخيهِ، ويَنْسى الجِذْعَ في عَيْنِه". رواه ابن حبان في "صحيحه" (3).   (1) اسمه طريف بن مجالد الهُجيمي، وهو ثقة من رجال البخاري، فلا أدري لم علق المؤلف الحديث عليه؟ وليس على الصحابي مباشرة كما هي عادته، وكما فعل في هذا الحديث نفسه فيما تقدم (ج 1/ 3 - العلم/ 9/ الحديث 9)؟! (2) قلت: وكذا ابن حبان في "صحيحه" (رقم 91 - الموارد) بنحوه، واللفظ للطبراني (18/ 237/ 593). (3) وكذا رواه جمع، لكن رواه أحمد في "الزهد" موقوفاً على أبي هريرة، فانظر "الصحيحة" (رقم 33 - طبعة عمان). الحديث: 2328 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 3 - (الترغيب في ستر المسلم، والترهيب من هتكه وتتبع عورته). 2332 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ نَفَّسَ عن مسلمٍ كُرْبَة مِنْ كُرَبِ الدنيا؛ نَفَّس الله عنه كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يومِ القيامَةِ، ومَنْ سَتر على مسلمٍ؛ سَتَرهُ الله في الدنيا والآخِرَةِ، والله في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العبدُ في عَوْنِ أَخيهِ". رواه مسلم وأبو داود -واللفظ له-، والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه. [مضى بأتم منه 3 - العلم/ 1]. 2333 - (2) [صحيح] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "المسلمُ أخو المسلمِ، لا يَظْلِمُه ولا يُسْلِمُه (1)، مَنْ كانَ في حاجَةِ أخيه؛ كانَ الله في حاجَتهِ، ومَنْ فَرَّج عن مُسلمٍ كربةً، فرَّج الله عنه بِها كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يومِ القِيامَةِ، ومَنْ سَتَر مسْلِماً؛ ستَرة الله يومَ القيامَةِ". رواه أبو داود واللفظ له، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر (2) ". 2334 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يَسْترُ عَبدٌ عبداً في الدنيا؛ إلا سَتَرهُ الله يومَ القيامَة". رواه مسلم.   (1) الأصل: "يثلمه" بالثاء المثلثة، وكذلك وقع فيما سيأتي (22 - البر والصلة/ 12) والتصويب من "المخطوطة" و"الصحيحين". (2) قلت: هذا تقصير فاحش تعجب منه الحافظ الناجي (184/ 2) وقال: "رواه البخاري ومسلم والنسائي". قلت: وكأنَّ المؤلف رحمه الله تنبه لذلك فيما بعد فعزاه للشيخين في المكان المشار إليه آنفاً. والنسائي إنما أخرجه في "الكبرى" (4/ 309/ 7291). الحديث: 2332 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 2335 - (4) [صحيح لغيره] وعن يزيد بن نُعيم [عن أبيه] (1): أن ماعزاً أتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقر عنده أربع مراتٍ، فأمر برجمه، وقال لهزّال: "لو سترته بثوبك كان خيراً لك". رواه أبو داود والنسائي. (2) (قال الحافظ): "ونُعيم هو ابن هزّال. وقيل: لا صحبة له، وإنما الصحبة لأبيه هزال: وسبب قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهزال: "لو سترته بثوبك" ما رواه أبو داود وغيره عن محمد بن المنكدر: أن هزالاً أمر ماعزاً أن يأتي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [صحيح لغيره] وروى في موضع آخر عن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه قال: كان ماعز بن مالك يتيماً في حِجر أبي، فأصاب جارية من الحي، فقال له أبي: ائتِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك. وذكر الحديث في قصة رجمه. واسمُ المرأةِ التي وقع عليها ماعزُ (فاطمةُ)، وقيل غير ذلك، وكانت أَمَةً لهزال". 2336 - (5) [صحيح لغيره] وعن مكحولٍ: أنَّ عقبة بنَ عامرٍ أتى مَسْلَمَة بنَ مُخَلَّدٍ، فكان بيْنَهُ وبينَ البوَّابِ شيْءٌ، فسمعَ صوتَهُ فأَذِنَ له فقال له: إنِّي لَمْ آتِكَ زائراً؛ جئْتُكَ لِحاجَةٍ، أتذكُر يومَ قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) سقطت من الأصل ومطبوعة (عمارة) والمعلقين الثلاثة، واستدركتها من المخطوطة وسنن أبي داود (4377)، و"كبرى النسائي" (7279)، وتعقيب المؤلف عليه يؤيده. (2) قلت: إسناده حسن؛ على خلاف في صحبة نُعيم بن هزال، لكنه يتقوى بطرقه الأخرى، والبيان في "الصحيحة" (3460). الحديث: 2335 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 "مَنْ عَلِمَ مِنْ أخيهِ سيِّئَةً فستَرها؛ ستَر الله عليه يومَ القِيامةِ"؟ قال: نَعم. قال: لِهذا جِئْتُ. رواه الطبراني، ورجاله رجال "الصحيح". 2337 - (6) [صحيح لغيره] وعن رجاء بن حَيْوةَ قال: سمعت مسلمةَ بن مُخَلَّدٍ رضي الله عنه يقول: بينا أنا على مِصرَ فأتى البوابُ فقالَ: إن أعرابياً على الباب يستأذنُ، فقلتُ: من أنت؟ قال: أنا جابر بن عبدِ الله. قال: فأشرفتُ عليه فقلتُ: أَنْزِلُ إليك أو تصعدُ؟ قال: لا تنزلُ ولا أصعدُ، حديثٌ بلغني أنك ترويه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ستر المؤمن؛ جئتُ أسمعه. قلتُ: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من ستر على مؤمنٍ عورةً؛ فكأنما أحيا موؤدةً". فضربَ بعيره راجعاً. رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية أبي سنان القسملي. 2338 - (7) [صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من سترَ عورةَ أخيه؛ سترَ اللهُ عورتَه يوم القيامةِ، ومن كشفَ عورة أخيه المسلمِ؛ كشفَ اللهُ عورتَه حتى يفضحَه بها في بيتِهِ". رواه ابن ماجه بإسناد حسن. 2339 - (8) [حسن صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صَعِد رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المنبرَ فنادى بصوتٍ رفيعٍ فقال: "يا معشرَ مَنْ أسْلَمَ بِلسانه، ولَمْ يُفضِ الإيمانُ إلى قلْبهِ! لا تُؤذوا الحديث: 2337 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 المسْلمِينَ، ولا تَتَّبِعوا عَوْراتِهمْ؛ فإنَّه مَنْ تَتَبَّعَ عوْرَةِ أخيهِ المسْلمِ؛ تَتَبَّع الله عورَتَهُ، ومَنْ تَتَبَّعَ الله عَوْرَتَهُ؛ يَفْضَحُه، ولوْ في جَوْفِ رَحْلهِ". ونَظَر ابْنُ عُمرَ يوماً إلى الكعبةِ فقال: ما أَعْظَمَكِ! وما أعْظَم حُرْمَتكِ! والمؤِمن أعظَمُ حُرمةً عندَ اللهِ منكِ. رواه الترمذي. [حسن صحيح] وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنَّه قال فيه: "يا معْشرَ مَنْ أسْلَم بِلسانِه، ولَمْ يَدخُلِ الإيمانُ [في] قلْبه! لا تُؤذوا المسلمينَ ولا تُعَيِّروهُم، ولا تَطْلُبوا عَثَراتِهِمْ" الحديث. 2340 - (9) [حسن صحيح] وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا معشرَ مَنْ آمنَ بِلسِانِه، ولَمْ يَدْخُل الإيمانُ قَلْبَهُ! لا تَغْتابوا المسلمينَ، ولا تَتَّبِعوا عَوْراتِهم؛ فإنَّه مَنْ اتَّبَع عَوْراتِهم؛ تَتَبَّعَ الله عَوْرتَهُ، ومَنْ تَتَّبعَ الله عَوْرَتهُ يَفضَحْهُ؛ في بيْتِه". رواه أبو داود عن سعيد بن عبد الله بن جريج عنه. 2341 - (10) [صحيح لغيره] ورواه أبو يعلى بإسناد حسن من حديث البراء. 2342 - (11) [صحيح] وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّك إنِ اتَّبَعْتَ عَوْراتِ المسلمينَ أفْسَدْتَهُم، أو كِدْتَ تُفسِدُهم". رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه". 2343 - (12) [صحيح لغيره] وعن شُرَيح بن عُبيد عن جُبير بن نُفيرٍ وكثير بن مرة و (1) عمرو   (1) كذا الأصل، وكذا في "أبي داود - الأدب"، وكذلك وقع في "المسند" (6/ 4) والمخطوطة، ووقع في "مختصر السنن" للمؤلف (4721): "عن" مكان الواو، والصواب الأول. الحديث: 2340 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 ابنِ الأسْودِ والمقدام بن معد يكربٍ وأبي أمامةَ رضي الله عنهم عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الأميرَ إذا ابْتَغى الريبَةَ في الناسِ أفْسَدَهُم". رواه أبو داود من رواية إسماعيل بن عياش (1). (قال الحافظ) عبد العظيم: "جبير بن نفير أدرك النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو معدود في التابعين. وكثير بن مرة نص الأئمة على أنه تابعي، وذكره عبدان في الصحابة. وعمرو بن الأسود عنسي حمصي أدرك الجاهلية، وروى عن عمر بن الخطاب ومعاذ وابن مسعود وغيرهم".   (1) وهو ثقة في روايته عن الشاميين، وهذه منها، فالسند صحيح عن المقدام وأبي أمامة لولا انقطاع بين شريح وبينهما، وعن سائرهم مرسل. وقد أخرجه الحاكم (4/ 378) من طريق أخرى عن إسماعيل به؛ إلا أنه لم يذكر فيه عمرو بن الأسود. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 4 - (الترهيب من مواقعة الحدود وانتهاك المحارم). 2344 - (1) [حسن لغيره] عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: سمِعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أنا آخذٌ بحُجَزِكم أقول: إياكم وجهنَّم، إياكم والحدودَ! إياكم وجهنمَ، إياكم والحدودَ! إياكم وجهنمَ، إياكم والحدودَ -ثلاث مرات-، فإذا أنا متُّ تركتكم، وأنا فرطُكم على الحوض، فمن وردَ أفلحَ" الحديث. رواه البزار من رواية ليث بن أبي سُليم. 2345 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله يَغارُ، وغيرةُ الله أنْ يَأتِيَ المؤمنُ ما حَرَّمَ الله عليهِ". رواه البخاري ومسلم. 2346 - (3) [صحيح] وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنَّه قال: "لأَعْلَمنَّ أقواماً مِنْ أمَّتي يأتونَ يومَ القِيامَةِ بأعْمالٍ أمثالِ جبال تِهامَةَ بَيْضاءَ، فيجعَلُها الله هَباءً مَنْثوراً". قال ثَوْبانُ: يا رسولَ الله! صِفْهُم لنا، جَلِّهم (1) لنا؛ لا نكونُ منهم ونحن لا نَعْلَمُ. قال: "أمَا إنَّهم إخْوانكم، ومِنْ جِلْدَتِكم (2)، ويأخذون مِن الليْلِ كما تأخذونَ، ولكنَّهم قومٌ إذا خَلَوْا بِمحارِم الله انْتَهكُوها". رواه ابن ماجه ورواته ثقات.   (1) الأصل والمخطوطة بالحاء؛ خلافاً لما في (ابن ماجه). وقال السندي: بالجيم من (التجلية): أي: اكشف حالهم لنا، والأول بمعناه. (2) بالجيم أيضاً: أي من جنسكم. الحديث: 2344 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 2347 - (4) [صحيح لغيره] وعن النواسِ بْنِ سَمْعانَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله ضربَ مَثلاً صِراطاً مسْتَقيماً على كَنَفَي الصراط زُوران (1) لهما أبْوابٌ مُفتَّحةٌ، على الأبوابِ سُتورٌ، وداع يدْعو فوقَهُ: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، والأبوابُ التي على كَنَفَي الصراطِ حدودُ الله، فلا يَقَعُ أحدٌ في حدود الله حتى يُكْشَفَ السترُ، والَّذي يَدْعو مِنْ فَوْقِه واعِظُ ربَّهِ عزَّ وجلَّ". رواه الترمذي من رواية بقية عن بحِير (2) بن سعد، وقال: "حديث حسن غريب". (كنفا الصراط) بالنون: جانباه. 2348 - (5) [صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ضربَ الله مثلاً صِراطاً مُسْتقيماً، وعنْ جَنْبَتَيِ الصراطِ سُورانِ فيهما   (1) الأصل: (داران) وكذا في المخطوطة، وبعض نسخ الترمذي، والتصويب من "الترمذي" بشرح التحفة (3514)، وقال: "بضم الزاي تثنية (زور) أي: جداران، وفي حديث ابن مسعود عند رزين (يعني الآتي بعده): (سوران) بضم السين المهملة تثنية (سور)، والظاهر أن السين قد أبدلت بالزاي كما يقال في (الأسدي): (الأزدي) ". قلت: والأصح في هذا الحديث (سوران)، لأنه كذلك ذكره المزِّي في "تحفة الأشراف" من رواية الترمذي، وكذلك وقع في "مسند أحمد" و"السنة" لابن نصر المروزي من طريق بقيَّة، وصرَّح هذا عندهما بالتحديث: وله عندهما طريق أخرى قريباً من الحديث بلفظ (سوران)، وكذلك أخرجه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وقد خفي هذا التحقيق كله على المعلقين الثلاثة، فأثبتوا اللفظ الأول (داران)! وضعفوا الحديث!! لجهلهم بتحديث بقية فيما يبدو، لأنهم لم يبينوا السبب!! (2) بكسر الحاء المهملة كما في المخطوطة و"التقريب" وغيره، وكان الأصل ومطبوعة عمارة (بجير) بالجيم!، وكذا هو في مطبوعة الثلاثة! الحديث: 2347 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 أبْوابٌ مُفَتَّحةٌ، وعلى الأبوابِ سُتورٌ مُرْخاةٌ، وعندَ رأسِ الصِراطِ داعٍ يقولُ: اسْتَقيموا على الصراطِ ولا تَعْوَجُّوا؛ وفَوْقَ ذلك داعٍ يَدْعو كلمَّا هَمَّ عبدٌ أنْ يَفْتَح شَيئاً مِنْ تلك الأبْوابِ؛ قال: وْيلَك! لا تَفْتَحْهُ، فإنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، ثُمَّ فَسَّرَهُ، فأخبر أنَّ الصِراطَ هو الإسْلامُ، وأنَّ الأبْوابَ المفَتَّحةَ محارِمُ الله، وأنَّ الستورَ المُرْخاةَ حدودُ الله، والداعي على رأسِ الصراطِ هو القرآنُ، والداعي مِنْ فوقِه هو واعِظُ الله في قلبِ كلِّ مؤمِنٍ". ذكره رزين (1)، ولم أره في أصوله، إنما رواه أحمد والبزار مختصراً بغير هذا اللفظ، بإسناد حسن (2). 2349 - (6) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ يأخُذ منِّي هذه الكلمات فيعمَلُ بهِنَّ، أو يُعلِّمُ مَنْ يعمَلُ بهِنَّ؟ ". فقال أبو هريرة: قلتُ: أنا يا رسولَ الله! فأخَذَ بيدي وعَدَّ خَمْساً، قال: "اتَّقِ المحارِمَ تكُنْ أعْبدَ الناسِ، وارْضَ بِما قسَم الله لك تكنْ أغْنى   (1) قلت: جزم الناجي بأن المؤلف وهم على رزين؛ تقليداً منه لابن الأثير في "جامع الأصول"، وأن رزيناً إنما ذكر حديثاً آخر لابن مسعود في ضرب الملائكة مثلاً للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . (184/ 2). وأنا أعتقد أن هذا الحديث إنما هو رواية لحديث النواس قبله، فإنه مشابه جداً للفظه من طريق أخرى عند الحاكم (1/ 73) وأحمد (4/ 182) والطحاوي في "مشكل الآثار". وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وقد خبط هنا الثلاثة المعلقون خبطات عشواء، ففي الوقت الذي عزوه لأحمد والحاكم، أوهموا أنَّه عندهما عن ابن مسعود! ثم نقلوا عن الحاكم أنه حكى عن الشيخين أنهما تركاه! وإنما قال هذا في حديث آخر عقب هذا! ثم قالوا: "وقال الذهبي: على شرط مسلم ولا علة له". وهذا هو قول الحاكم نفسه في حديثنا هذا، فقد زاغ بصرهم عندما نقلوا عن الحاكم إلى الحديث الآخر، وحينما نقلوا عن الذهبي إلى الحديث الأول! وسببه العجلة وتسويد السطور فقط، وإن مما يلفت النظر، أن الحديث الأول عند الحاكم في ثمانية أسطر، والآخر في أربعة!!! (2) قلت: كأنه يشير إلى حديث ابن مسعود: خط لنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطاً ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً. . . الحديث، فإنَّه رواه أحمد (1/ 434)، والبزار (3/ 49/ 2210 - كشف الأستار)، وسنده حسن، وهو في "المشكاة" (رقم - 166). الحديث: 2349 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 الناسِ، وأحْسِنْ إلى جارِكَ تكُنْ مُؤْمِناً، وأَحِبَّ لِلناسِ ما تُحِبُّ لِنَفْسِك تكُنْ مسْلِماً، ولا تُكثرِ الضَّحِكَ! فإنَّ كثْرةَ الضَّحِكَ تُميتُ القلْبَ". رواه الترمذي. وقال: "حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان، والحسن لم يسمع من أبي هريرة". ورواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما من حديث واثلة عن أبي هريرة. وتقدم في هذا الكتاب أحاديث كثيرة جداً في فضل التقوى، ويأتي أحاديث أخر. والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 5 - (الترغيب في إقامة الحدود، والترهيب من المداهنة فيها). 2350 - (1) [حسن لغيره] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَحَدٌّ يقامُ في الأرضِ؛ خيرٌ لأَهْل الأرْضِ مِنْ أنْ يُمْطَروا ثلاثينَ صباحاً". [صحيح] وفي رواية: قال أبو هريرة: "إقامَةُ حَدٍّ في الأرضِ؛ خيرٌ لأَهْلِها مِنْ مطرِ أرْبعينَ ليلةً". [حسن لغيره] رواه النسائي هكذا مرفوعاً وموقوفاً، وابن ماجه، ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "حدٌّ يُعْمَلُ بهِ في الأرْض؛ خيرٌ لأَهْلِ الأرضِ مِنْ أنْ يُمْطَروا أرْبَعين صباحاً". [حسن لغيره] وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إقامةُ حدٍّ بأرضٍ، خيرٌ لأَهْلِها مِنْ مطرٍ أرْبَعينَ صباحاً". 2351 - (2) [حسن لغيره] وروى ابن ماجه أيضاً عن ابن عمر؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إقامة حدٍّ من حدودِ اللهِ؛ خيرٌ من مَطَرِ أربعينَ ليلةً في بلادِ اللهِ". 2352 - (3) [حسن لغيره] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في اللهِ لومةَ لائمٍ". رواه ابن ماجه، ورواته ثقات؛ إلا أن ربيعة بن ناجد (1) لم يروِ عنه إلا أبا صادق   (1) بالنون والجيم المكسورة والذال المعجمة، كذا قال الناجي، وبالمعجمة وقع في "التبصير"؛ خلافاً لـ "التهذيب" و"التقريب"، وغيرهما، فإنه وقع فيهما بالمهملة. وقال في "الخلاصة": "بجيم ثم مهملة". وكذا وقع في الأصل والمخطوطة. والله أعلم. الحديث: 2350 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 فيما أعلم (1). 2353 - (4) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ قريشاً أهَمَّهُم شأنُ المخْزُومِيَّةِ التي سَرَقَتْ، فقالوا: مَنْ يُكلِّم فيها رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ ثُمَّ قالوا: مَنْ يَجْتَرِئُ عليه إلا أُسامة بنَ زَيْدٍ حِبَّ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فكلَّمَهُ أسامَةُ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أسامةُ! أتشْفَعُ في حدٍّ مِنْ حدودِ الله؟! "! ثمَّ قام فاخْتَطَبَ؛ فقال: "إنَّما هَلكَ الذين مِنْ قَبْلكُمْ أنَّهُمْ كانوا إذا سرَقَ فيهمُ الشريفُ تَركُوهُ، وإذا سرَق فيهِمُ الضعيفُ أقاموا عليهِ الحَدَّ، وايْمُ الله! لوْ أنَّ فاطمَةَ بنْتَ مُحَّمدٍ سرقَتْ لَقَطَعْتُ يَدها". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 2354 - (5) [صحيح] وعن النعمانِ بْنِ بشيرٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مثَلُ القائمِ على (2) حدودِ الله والواقع فيها، كمَثل قومٍ اسْتَهموا على سَفينَةٍ، فأصابَ بعضُهم أعْلاها وبعضُهم أسْفَلها، فكانَ الَّذَينَ في أسْفَلِها إذا اسْتَقُوا مِنَ الماءِ مَرّوا على مَنْ فَوْقَهَم، فقالوا: لوْ أنَّا خَرقْنا في نصيبنا خَرْقاً، ولَمْ نُؤْذِ مَنْ فوْقَنا، فإنْ تَركوهُم وما أرادوا هلَكوا جميعاً، وإنْ أخَذوا على أيْدِيهِمْ نَجَوْا، ونَجَوْا جَمِيعاً". رواه البخاري -واللفظ له-، والترمذي وغيره. وتقدمت أحاديث في الشفاعة المانعة من حدّ من حدود الله تعالى.   (1) قلت: وهذا معناه أنه مجهول العين، ولذا قال الذهبي: "لا يعرف". وأما الحافظ فقال: "ثقة"! ولا سلف له فيه إلا ابن حبان والعجلي. (2) الأصل: (في)، وكذا في مطبوعة عمارة والمعلقين الثلاثة، وهو خطأ، انظر التعليق على هذا الحديث وقد تقدم هنا (في الباب الأول). الحديث: 2353 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 6 - (الترهيب من شرب الخمر وبيعها وشرائها وعصرها وحملها وأكل ثمنها، والتشديد في ذلك، والترغيب في تركه والتوبة منه). 2355 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يَزني الزَّاني حينَ يَزْني وهو مؤمِنٌ، ولا يسْرِقُ السارِقُ حينَ يسرِقُ وهو مؤمِنٌ، ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشْرَبُها وهو مؤمِنٌ". رواه البخاري والترمذي والنسائي، وزاد مسلم في رواية وأبو داود بعد قوله: "ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشْرَبُها وهو مؤمِنٌ": "ولكنَّ التوبَة معروضَةٌ بَعْدُ". 2356 - (2) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَعنَ الله الخمرَ وشارِبَها، وساقِيَها، ومُبْتاعَها، وبائعَها، وعاصِرَها، ومُعْتَصِرَها، وحامِلَها، والمحمولَة إلَيْهِ". [صحيح] رواه أبو داود واللفظ له، وابن ماجه وزاد: "وآكلَ ثَمنِها". 2357 - (3) [حسن صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "لعَن رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الخمرِ عَشَرةً: عاصرَها، ومُعتَصِرَها، وشاربَها، وحامِلَها، والمحمولةَ إليه، وساقِيَها، وبائعَها، وآكِلَ ثَمنِها، والمشترِيَ لَها، والمشتَرى لَهُ". رواه ابن ماجه، والترمذي واللفظ له، وقال: "حديث غريب". (قال الحافظ): "ورواته ثقات". الحديث: 2355 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 2358 - (4) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله حرَّم الخمرَ وثَمنَها، وحرَّم الميتةَ وثَمنَها، وحرَّم الخنزيرَ وثمنَه". رواه أبو داود وغيره. 2359 - (5) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لعنَ الله اليهودَ ثلاثاً، إنَّ الله حرَّم عليهمُ الشحومَ؛ فباعوها، فأكَلوا أثْمانَها، إنَّ الله إذا حرَّم على قوْمٍ أكْلَ شيءٍ حرَّم عليهم ثمنَه". رواه أبو داود. 2360 - (6) [صحيح] عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أتاني جبريلُ فقال: يا محمَّدُ! إنَّ الله لَعن الخمرَ، وعاصرَها، ومعتصرَها، وشاربَها، وحاملَها، والمحمولةَ إليه، وبائعَها، ومبتاعَها، وساقيها، ومُسقاها". رواه أحمد بإسناد صحيح، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". [صحيح لغيره] وتقدم في "باب الحمام" [4 - الطهارة/ 5] حديث ابن عباس عن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ كان يُؤمِنُ بالله واليوم الآخر فلا يشربِ الخمرَ، مَنْ كان يؤمِنُ بالله واليوم الآخِرِ فلا يجْلِسْ على مائدةٍ يُشْرَبُ عليها الخمرُ" الحديث. رواه الطبراني. 2361 - (7) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلُّ مُسْكِرٍ خمرٌ، وكل مسكرٍ حرامٌ، ومَنْ شرِبَ الخمرَ في الدنيا، فماتَ وهو يُدمِنُها؛ لَمْ يشْرَبْها في الآخرة". الحديث: 2358 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي. [صحيح] والبيهقي، ولفظه في إحدى رواياته: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ شربَ الخمرَ في الدنيا ولَمْ يتُبْ؛ لَمْ يشرَبْها في الآخرة وإنْ دَخلَ الجنَّةَ". [صحيح] وفي رواية لمسلم قال: "مَنْ شرِبَ الخمرَ في الدنيا، ثُمَّ لَمْ يتُبْ منها؛ حُرِمَها في الآخرةِ". (قال الخطابي) ثم البغوي في "شرح السنة": "وفي قوله: "حُرِمَها في الآخرة" وعيدٌ بأنَّه لا يدخلُ الجنَّةَ؛ لأنَّ شَرابَ أهْلِ الجنَّةِ خمرٌ إلا أنَّهُم {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ}، ومَنْ دخَل الجنَّة لا يُحْرَمُ شرابَها" (1) انتهى. 2362 - (8) [حسن لغيره] وفي رواية لابن حبان [يعني في حديث أبي موسى]: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يدخُلُ الجنَّةَ مُدمِنُ خمرٍ، ولا مُؤْمِنٌ بِسِحْرٍ، ولا قاطعُ رَحِمٍ". 2363 - (9) [صحيح لغيره] وعن أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَلجُ حائطَ القُدُسِ مُدمِنُ خَمْرٍ، ولا العاقُّ، ولا المنّانُ عطاءَهُ". رواه أحمد من رواية علي بن زيد (2)، والبزار؛ إلا أنه قال:   (1) قلت: يرد هذا زيادة البيهقي أعلاه، وهي زيادة ثابتة كما بينته في "الصحيحة" (2634)، ويشهد لها حديث أبي سعيد الذي ذكرته في التعليق على الحديث الأول من (18 - اللباس/ 5). وقد ذهب إلى القول بها بعض الصحابة والعلماء. انظر "فتح الباري" (10/ 26 - 27). (2) قلت: هو ابن جدعان، ضعيف، وقال البزار: "لا نعلم رواه عنه إلا محمد بن عبد الله العمّي". قلت: وهو لين الحديث كما في "التقريب". لكن له شاهد جيد تراه في "الصحيحة" (674). الحديث: 2362 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 "لا يَلِجُ جِنانَ الفِرْدَوْسِ". 2364 - (10) [صحيح لغيره] وعن ابن المنكدر قال: حُدِّثْتُ عنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مُدْمِنُ الخمرِ إنْ ماتَ لَقي الله كعابِد وَثَنٍ". رواه أحمد هكذا، ورجاله رجال "الصحيح". [صحيح لغيره] ورواه ابن حبان في "صحيحه" عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ لَقِيَ الله مُدْمِنَ خَمرٍ؛ لَقِيَهُ كعابِدِ وَثَنٍ". 2365 - (11) [صحيح موقوف] وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ أنه كان يقول: ما أُبالي شربْتُ الخمرَ أو عبدتُ هذه السارِيَةَ [من] دونِ الله [عز وجل]. رواه النسائي. 2366 - (12) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثةٌ قد حرَّمَ الله تبارك وتعالى عليهم الجنةَ: مدمنُ الخمرِ، والعاقُّ، والدّيّوثُ الذي يُقرّ في أهله الخَبَثَ". رواه أحمد -واللفظ له-، والنسائي والبزار، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (1) 2367 - (13) [صحيح لغيره] وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثةٌ لا يدخلون الجنةَ. . . . . . (*): الدّيّوثُ، والرَّجُلَةُ من النساء، ومدمنُ الخمرِ". قالوا: يا رسول الله! أمَّا مدمن الخمر فقد عرفناه، فما الديّوث؟ قال:   (1) قد صح بلفظ آخر، فانظر "الصحيحة" (674). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مكان النقط (أبدا)، وحذفها الشيخ من هذا [الصحيح]، فقد ضعّفها، ولم يشر إليها في [الضعيف]، نبّه على ذلك الشيخ مشهور في طبعته الحديث: 2364 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 الذي لا يبالي من دخلَ على أهله". قلنا: فما الرَّجُلَةُ من النساءِ؟ قال: "التي تَشَبَّهُ بالرجال". رواه الطبراني، ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً، وشواهده كثيرة. [مضى 18 - اللباس/ 6 آخره]. 2368 - (14) [حسن لغيره] وعن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اجْتَنِبوا الخَمْرَ؛ فإنَّها مِفْتاحُ كلِّ شَرٍّ". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (1) 2369 - (15) [حسن لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "أوْصاني خليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنْ لا تُشْرِكْ بالله شيْئاً وإنْ قُطِّعْتَ، وإنْ حُرِّقْتَ، ولا تَتْرُكْ صَلاةً مكتوبةً مُتَعَمِّداً، فَمَنْ تَركَها مُتَعمِّداً فقد بَرِئتْ منهُ الذِّمَّة، ولا تشْربِ الخمرَ؛ فإنَّها مِفتاحُ كلِّ شَرٍّ". رواه ابن ماجه والبيهقي؛ كلاهما عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عنه. 2370 - (16) [صحيح] وعن سالم بن عبد الله عن أبيه: أن أبا بكر وعمر وناساً جلسوا بعد وفاةِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكروا أعْظمَ الكبائِر، فلَمْ يكنْ عندهُمْ فيها علمٌ [ينْتَهونَ إليه]، فأرسَلوني إلى عبدِ الله بنِ عَمْروٍ أسألُه [عن ذلك]، فأخْبَرني أنَّ أعْظَمَ الكبائر شُرْبُ الخمرِ. فأتَيْتهم   (1) قلت: ووافقه الذهبي، وفيه نظر لما يأتي، وتعقبه الثلاثة بقولهم: "قلنا (!): فيه عبد العزيز بن محمد الدراوردي؛ ضعيف"! وهذا جهل فاضح، فالرجل ثقة من رجال مسلم، وفيه كلام يسير لا يضر، والعلة من الراوي عنه (نعيم بن حماد)، لكنْ يشهد له الحديث الذي بعده، وقد حسنه الثلاثة! والبالغ غفلتهم لم يعتبروه شاهداً لحديث الدراوردي الذي ضعفوه!! الحديث: 2368 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 فأخْبَرْتُهم، فأنْكروا ذلك، وَوَثبوا إليه جمِيعاً (1) حتى أتَوْه في دارِه، فأخْبَرهُم أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ مَلِكاً مِنْ مُلوكِ بني إسرائيلَ أخَذَ رجلاً فَخيَّرهُ بينَ أنْ يَشْرَبَ الخَمْرَ، أوْ يَقْتُلَ نَفْساً، أو يَزْنيَ، أو يأْكُلَ لَحْمَ خِنْزيرٍ، أوْ يَقْتُلوه [إنْ أبى]. فاخْتارَ الخمْرَ، وإنَّه لمَّا شَرِبَ الخمرَ لَمْ يَمْتَنعْ مِنْ شَيءٍ أرادوه مِنْه". وأنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لنا [حينئذ]: "ما مِنْ أحدٍ يشرَبُها فتُقْبَلُ له صَلاةٌ أربعينَ ليلةً، ولا يموتُ وفي مَثْناتِهِ منه شَيْءٌ إلا حُرِّمَتْ بِها عليه الجَنَّةُ، فإنْ ماتَ في أربعين ليلةً؛ ماتَ ميتةً جاهِليّةً". رواه الطبراني بإسناد صحيح، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 2371 - (17) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: لما حُرِّمتِ الخمرُ مشى أصحابُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعضُهم إلى بعضٍ، وقالوا: حرِّمَتِ الخمرُ، وجُعِلَتْ عِدْلاً لِلشِّرْكِ. رواه الطبراني ورجاله رجال "الصحيح". 2372 - (18) [صحيح لغيره] وعن أبي تميم الجيشاني؛ أنه سمع قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري -وهو على مصر- يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من كذبَ عليّ كذبةٌ متعمداً؛ فليتبوأ مضجعاً من النار، أو بيتاً في جهنم".   (1) الأصل: "شيعاً"، والتصحيح من المخطوطة والطبراني والحاكم، والسياق له، والزيادات للطبراني، وقد خرجته في "الصحيحة" (2695). الحديث: 2371 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 . . . . . . (1). وسمعت عبد الله بن عَمروٍ بعد ذلك يقول مثله، لم يختلف إلا في "بيتٍ أو مضجع". رواه أحمد وأبو يعلى؛ كلاهما عن شيخٍ من حمير لم يسمياه عن أبي تميم. 2373 - (19) [صحيح لغيره] وعن جابرٍ رضي الله عنه: أنَّ رجلاً قَدِم مِنْ جَيْشانَ -وجَيْشانُ مِنَ اليمَنِ- فسألَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنْ شرابٍ يشرَبونَهُ بأرضِهم مِنَ الذُّرةِ يقال له: (المِزْرُ)؟ فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أوَ مُسكِرٌ هو؟ ". قال: نَعم. قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كُلُّ مسْكِرٍ حرامٌ، وإنَّ عند الله عَهْداً لِمَنْ يشرَبُ المسْكِرَ أنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طينَةِ الخَبالِ". قالوا: يا رسولَ الله! وما طينَةُ الخَبال؟ قال: "عَرَقُ أهْلِ النارِ، أو عُصارَةُ أهلِ النارِ". رواه مسلم والنسائي. 2374 - (20) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: "ثلاثَةٌ لا تقْرَبُهم الملائكةُ: الجُنُبُ، والسكْرانُ، والمتضَمِّخُ بالخَلُوقِ". رواه البزار بإسناد صحيح. [مضى 4 - الطهارة/ 6].   (1) هنا في الأصل قوله: "وسمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: من شرب الخمر أتى عطشاناً يوم القيامة. . ."، فحذفتها لعدم وجود شاهد لها. الحديث: 2373 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 2375 - (21) [صحيح لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ تركَ الخمرَ وهو يقدِرُ عليه؛ لأَسْقِيَّنهُ منه في حظيرَةِ القُدُسِ (1)، ومَنْ تركَ الحريرَ وهو يقدرُ عليه؛ لأكْسُوَنَّهُ إيَّاه في حظيرَةِ القُدُسِ". رواه البزار بإسناد حسن. [مضى 18 - اللباس/ 5]. 2376 - (22) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ سرَّه أنْ يَسْقِيَهُ الله الخمرَ في الآخِرَةِ؛ فلْيَتْرُكْها في الدنيا، ومَنْ سرَّهُ أنْ يَكْسُوَهُ الله الحريرَ في الآخرة؛ فلْيَتْرُكْهُ في الدنيا". رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته ثقات؛ إلا شيخه المقدام بن داود، وقد وثق، وله شواهد. 2377 - (23) [حسن لغيره] ورُوي عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "والذي نفسي بيده لَيَبيتَنَّ أناسٌ من أمتي على أشَرٍ وبَطَرٍ، ولَعِبٍ ولهوٍ، فيصبحوا قردةً وخنازير باستحلالهِمُ المحارمَ، واتخاذِهِمُ القَيْنَاتِ، وَشُربهُمُ الخمرَ، وبأكلِهمُ الربا، ولبسِهم الحريرَ". رواه عبد الله بن الإمام أحمد في "زوائده". وتقدم حديث أبي أمامة في معناه [في "الضعيف" / 6 - باب/ الحديث الثالث]. 2378 - (24) [صحيح لغيره] وعن أبي مالكٍ الأشعري رضي الله عنه؛ أنَّه سَمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يشربُ ناسٌ مِنْ أُمَّتي الخمرَ، يُسَمُّونَها بغيرِ اسْمها، يُضرَبُ على رؤوسِهم بالمعازِفِ والقَيْناتِ، يَخسِفُ الله بِهمُ الأرْضَ، ويجْعَلُ الله منهم القِردَةَ والخنازيرَ".   (1) انظر تفسيره في التعليق المتقدم هناك. الحديث: 2375 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه". 2379 - (25) [حسن لغيره] وعن عمران بن حصين رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "في هذه الأمة خسفٌ ومسخٌ وقذف". قال رجل من المسلمين: يا رسول الله! متى ذلك؟ قال: "إذا ظهرتِ القيانُ والمعازفُ، وشُربتِ الخمور". رواه الترمذي من رواية عبد الله بن عبد القدوس؛ وقد وثّق، وقال: "حديث غريب". وقد رُوي عن الأعمش عن عبد الرحمن بن سابط مرسلاً. 2380 - (26) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ ماتَ مِنْ أمَّتي وهو يشربُ الخمر؛ حرَّمَ الله عليه شُرْبَها في الجنَّةِ، ومَنْ ماتَ مِنْ أُمَّتي وهو يتَحلَّى الذهبَ؛ حرَّمَ الله عليه لباسَهُ في الجنَّةِ". رواه أحمد والطبراني، ورواة أحمد ثقات. [مضى 18 - اللباس/ 5]. 2381 - (27) [صحيح] وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ شَرِبَ الخمرَ فاجْلدوهُ، فإنْ عاد في الرابِعَةِ فاقْتُلوهُ". رواه الترمذي. [حسن صحيح] وأبو داود، ولفظه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا شرِبوا الخمرَ فاجْلِدُوهُمْ، ثمَّ إنْ شَرِبوا فاجْلِدوهُمْ، ثُمَّ إنْ شَرِبوا فاجْلِدُوهُم، ثُمَّ إنْ شَرِبوا فاقْتُلوهُمْ". رواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه. 2382 - (28) [صحيح] (*) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا سَكِرَ فاجْلِدُوه، ثُمَّ إذا سَكِرَ فاجْلِدوهُ، ثُمَّ إذا سَكِرَ فاجْلِدُوهُ، فإنْ   (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: سقط هذا الحكم من المطبوع، وأثبته الشيخ مشهور في طبعته للترغيب، وقال: «استدركناه من أصول الشيخ - رحمه الله تعالى-» الحديث: 2379 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 عادَ في الرابِعَةِ فاقْتُلوهُ". رواه أبو داود، والنسائي وابن ماجه وعندهما: "فإنْ عادَ الرابِعَةَ فاضْرِبوا عُنُقَهُ". (قال الحافظ): "قد جاء قتل شارب الخمر في المرة الرابعة من غير ما وجه صحيح، وهو منسوخ. والله أعلم (1) ". 2383 - (29) [صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ شَرِبَ الخمرَ لَمْ تُقْبَلْ له صَلاةٌ أربعينَ صباحاً، فإنْ تاب تابَ الله عليه، فإنْ عادَ لَمْ تُقْبَلْ له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإنْ تابَ تابَ الله عليه، فإنْ عادَ لَمْ تُقْبَلْ له صَلاةٌ أربعين صباحاً، فإنْ تابَ تابَ الله عليه، فإنْ عادَ في الرابِعَةِ لَمْ تقْبَلْ له صَلاةٌ أربعينَ صباحاً، فإنْ تابَ لَمْ يَتُبِ الله عليه (2)، وغَضِبَ الله عليه وسقَاهُ مِنْ نَهْرِ الخَبالِ" (3). قيل: يا أبا عبد الرحمن! وما نهر الخبال؟ قال:   (1) قال الترمذي في "كتاب العلل": "أجمع الناس على تركه، أي أنه منسوخ. وقيل مؤول بالضرب الشديد"، وبسط السيوطي الكلام في حاشية الترمذي، وقصد به إثبات أنه ينبغي العمل به. والله أعلم. كذا في هامش الأصل. قلت: وهو كما قال السيوطي، ولا دليل ينهض على النسخ، وكل ما استدلوا به إنما هي روايات من فعله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لم يقتل. ومع أنه ليس فيه ما يصح كما كنت بينته في التعليق على "الروضة الندية"، فإنه إن صح منها شيء فهي لا تسخ أصل مشروعية القتل، وإنما تنسخ الوجوب، وإلى ذلك مال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (7/ 483)، فليراجعه من شاء. (2) قلت: وسبب ذلك -والله أعلم- أن توبته ليست توبة صادقة بدليل نقضه إياها كل هذه المرات، ونظيره قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ}. وراجع له "مرقاة المفاتيح" (كتاب الحدود). (3) (الخبال) بفتح الخاء المعجمة: الفساد، ويكون في الأفعال والأبدان والعقول، وجاء هنا مفسراً بصديد أهل النار. الحديث: 2383 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 "نهر يجري من صديد أهل النار". رواه الترمذي وحسنه. والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". [صحيح] ورواه النسائي موقوفاً عليه مختصراً، ولفظه: "مَنْ شَرِبَ الخمرَ فَلمْ يَنْتَشِ؛ لَمْ تُقْبَلْ له صلاةٌ ما دامَ في جَوْفِهِ أو عُروقِه مِنْها شَيْءٌ، وإنْ ماتَ ماتَ كافِراً، وإنِ انْتَشى (1)؛ لَمْ تُقْبَلْ له صلاةٌ أرْبعين يوماً، وإنْ ماتَ فيها؛ ماتَ كافِراً". 2384 - (30) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن شَرِبَ الخمرَ فسَكِرَ؛ لَمْ تُقْبَلْ له صلاةٌ أربَعينَ صباحاً، فإنْ ماتَ دخَلَ النارَ، فإنْ تابَ تابَ الله عليه، فإنْ عادَ فشرِب فسَكِرَ؛ لَمْ تُقْبَلْ له صلاةٌ أربعينَ صباحاً، فإنْ ماتَ دخَلَ النارَ، فإنْ تابَ تابَ الله عليه، فإنْ عادَ فشرِبَ فسَكِرَ؛ لَمْ تُقْبَلْ له صلاةٌ أربعينَ صباحاً، فإنْ ماتَ دخَل النارَ، فإن تابَ تابَ الله عليهِ، فإنْ عادَ الرابِعَةَ؛ كان حقّاً على الله أنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبالِ يومَ القِيامَة". قالوا: يا رسولَ الله! وما طينَةُ الخَبالِ؟ قال: "عُصارَةُ أهلِ النارِ". رواه ابن حبان في "صحيحه". [صحيح] ورواه الحاكم مختصراً ببعضه قال: "لا يشرَبُ الخمرَ رجلٌ مِنْ أمَّتي فَتُقْبَلُ له صلاةٌ أرْبعين صباحاً". وقال: "صحيح على شرطهما" (2).   (1) (الانتشاء) أول السكر ومقدماته. وقيل هو السكر نفسه، والظاهر أن المراد به السكر هنا. (2) كذا قال، ووافقه الذهبي! وهو خطأ لأنه من رواية ابن الديلمي عن ابن عمرو واسمه عبد الله بن فيروز، وهو ثقة لكن لم يخرج له الشيخان. ومن طريقه رواه ابن حبان (1378)، = الحديث: 2384 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 2385 - (31) [حسن] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ ترك الصلاةَ سُكْراً مرَّةً واحدَةً؛ فكأنَّما كانَتْ له الدنيا وما عَلْيها فَسُلِبَها، ومَنْ تركَ الصلاةَ أرْبعَ مرّاتٍ سُكْراً؛ كان حقّاً على الله أنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طينَةِ الخَبالِ". قيل وما طينةُ الخَبالِ؟ قال: "عُصارَةُ أهلِ جَهنَّمَ". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". وروى أحمد منه: "مَنْ تركَ الصلاةَ سُكْراً مرَّةً واحِدةً؛ فكأَنّما كانَتْ له الدنيا وما علَيْها فَسُلِبَها (1) ". ورواته ثقات. 2386 - (32) [حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا استحلَّتْ أمتي خمساً فعليهمُ الدمارُ: إذا ظهرَ التلاعنُ، وشربوا الخمورَ، ولبسوا الحريرَ، واتخذوا القيان، واكتفى الرجالُ بالرجالِ، والنساءُ بالنساءِ". رواه البيهقي، وتقدم في لبس الحرير [18 - اللباس/ 5].   = وكذلك رواه الحاكم أيضاً (1/ 30 و257) بتمامه، وكذا أحمد (2/ 189) من طريق أخرى عن ابن عمرو به؛ وزاد: "فإن تاب لم يتب الله عليه وكان حقاً. . ." إلخ. وسنده صحيح، وكذلك رواه البزار (ق 277/ 1) وقال الحاكم (4/ 146): "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي. (1) قلت: بل هو عند أحمد (2/ 178) بتمامه مثل رواية الحاكم. وهو مخرج في "الصحيحة" (3419)، وقد رددت هناك على الجهلة الثلاثة الذين أبوا أن يحسنوا إسناده، وحسنوه لشواهده -زعموا- ولا شاهد له، ثم لم يذكروه في كتابهم التجاري الجديد الذي أسموه "تهذيب الترغيب والترهيب من الأحاديث الصحاح"! يعنون الضعاف!! فافهم، وانتبه لجهلهم حتى بلغتهم! الحديث: 2385 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 7 - (الترهيب من الزنا سيما بحليلة الجار والمُغِيبَة. والترغيب في حفظ الفرج). 2387 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يَزْني الزاني حينَ يزْني وهو مؤمِنٌ، ولا يسْرق السارِقُ حين يسرِقُ وهو مؤمِنٌ، ولا يشرَبُ الخمرَ حين يشرَبُها وهو مؤمِنٌ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. (1) 2388 - (2) [صحيح] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَحِلُّ دمُ امْرئٍ مسلمٍ يشهدُ أنْ لا إله إلا الله، وأنِّي رسولُ الله؛ إلا بإحْدى ثلاثٍ: الثيِّبُ الزاني، والنفْسُ بالنفْسِ، والتارِكُ لدينِه؛ المفارِقُ لِلْجَماعَةِ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 2389 - (3) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يَحِلُّ دمُ امْرئٍ مسلمٍ يشهد أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّداً رسولُ الله، إلا في إحْدى ثلاثٍ: زِناً بعدَ إحْصانٍ؛ فإنَّه يُرْجَمُ، ورجلٌ خرَج محارِباً لله ولِرَسولِه؛ فإنَّه يُقْتَل أو يُصْلَبُ أوْ يُنْفَى مِنَ الأرْضِ، أو يَقتل نَفْساً فيُقْتَلُ بها". رواه أبو داود والنسائي.   (1) هنا في الأصل: "وزاد النسائي في رواية: فإذا فعل ذلك خلع ربقة الإسلام من عنقه، فإنْ تاب؛ تاب الله عليه"، فحذفتها لنكارتها وتفرد يزيد بن أبي زياد القرشي بها، وهو سيئ الحفظ. وكان الأولى أنْ يقال: وزاد الشيخان في رواية: "والتوبة معروضة بعد". انظر "الصحيحة" (3000). الحديث: 2387 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 2390 - (4) [حسن] وعن عبد الله بن زيدٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يا نَعايا العربِ! يا نَعايا (1) العرب! إنَّ أخْوَفُ ما أخافُ عليكُم الزِّنا، والشهوةَ الخَفِيّةَ". رواه الطبراني بإسنادين أحدهما صحيح، وقد قيّده بعض الحفاظ (الريا) بالراء والياء (2). 2391 - (5) [صحيح] وعن عثمان بن أبي العاصي رضي الله عنهما عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تُفْتَحُ أبوابُ السماءِ نصْفَ الليْلِ، فينادي مُنادٍ: هلْ مِنْ داعٍ فيُسْتَجابَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سائلٍ فَيُعْطى؟ هَلْ مِن مَكروبٍ فيُفَرَّجَ عَنْهُ؟ فلا يَبْقَى مسلمٌ يدْعو بدَعْوَةٍ؛ إلا اسْتَجابَ الله عزَّ وجلَّ لَه، إلا زانِيةً تَسْعَى بِفَرْجِها أوْ عَشَّاراً". رواه أحمد، والطبراني واللفظ له. [مضى 8 - الصدقات/ 3]. 2392 - (6) [صحيح] وعن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "رأيتُ الليلةَ رجلَيْنِ أتَياني فأخْرَجاني إلى أرضٍ مقدَّسَةِ" -فذكر الحديث إلى أن قال:-   (1) قَال الزمخشري في (نعايا) ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون جمع (نَعيّ)، وهو المصدر، كصَفيّ وصفايا. والثاني: أن يكون اسم جمع كما جاء في (أخية) أخايا. والثالث: أن يكون جمع (نعاء) التي هي اسم الفعل، والمعنى: يا نعايا العرب جئن فهذا وقتكن وزمانكن، يريد أن العرب قد هلكت. كذا في "لسان العرب". وكان في الأصل "بغايا" في الموضعين! فصححته من المخطوطة وغيرها. (2) قلت: وهو الصواب كما بينته في "الصحيحة" برقم (508). ووقع في طبعة الثلاثة (الزنا) بالزاي والنون! الحديث: 2390 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 "فانطلَقْنا إلى ثُقب مثلث التَّنُّورِ أعلاهُ ضَيِّقٌ، وأسفَلُه واسعٌ، يتَوقَّدُ تحتَه ناراً، فإذا ارْتَفَعَتِ ارْتَفعوا حتَّى كادوا أنْ يَخْرَجُوا، وإذا خَمَدَت رَجَعوا فيها، وفيها رِجالٌ ونساءٌ عُراةٌ" الحديث. وفي رواية: "فانْطلَقْنا على مثلِ التَّنُّورِ -قال: فأَحْسبُ أنَّه كانَ يقولُ:- فإذا فيه لَغَطٌ وأصْواتٌ، قال: فاطَّلَعْنا فيه، فإذا فيهِ رِجالٌ ونِساءٌ عُراةٌ، وإذا هُمْ يأتيهِم لَهَبٌ مِنْ أسْفَلَ مِنْهُم، فإذا أتاهُم ذلك اللَّهَبُ ضوضوا" الحديث، وفي آخره: "وأما الرِّجالُ والنساءُ العُراةُ الذين هم في مثْلِ بناءِ التَّنُّورِ، فإنَّهمُ الزُّناةُ والزَّواني". رواه البخاري، وتقدم بطوله في "ترك الصلاة" [5 - الصلاة/ 40 آخره]. (1) 2393 - (7) [صحيح] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "بينا أنا نائمٌ أتاني رجُلانِ فأخذا بضَبْعيَّ، فأتيا بي جَبَلاً وعراً، فقالا: اصْعَدْ. فقلتُ: إنِّي لا أُطيقُه. فقالا: إنّا سنُسَهِّلُه لك. فصعَدْتُ حتَّى إذا كنتُ في سواءِ الجَبَلِ، فإذا أنا بأصْواتٍ شديدةٍ، فقلتُ: ما هذه الأصواتُ؟ قالوا: هذا عُواءُ أهلِ النارِ. ثُمَّ انْطَلقَ بي، فإذا أنا بقومٍ مُعَلَّقينَ بعَراقيبِهمْ، مُشَقَّقَةٍ أشْداقُهمُ تسيلُ أشْداقهم دَماً. قال: قلتُ: مَنْ هؤلاء؟ قيلَ: هؤلاء الذين يُفَطِرونَ قَبْل تَحِلَّةِ صوْمِهِمْ. فقالَ: خابَتِ اليهودُ والنَصارى -فقال سليم: ما أدْري أسَمِعَهُ أبو أُمامةَ مِنْ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمْ شيْءٌ مِنْ رَأْيِهِ-   (1) قلت: وإنما تقدم بالرواية الأخرى دون الأولى. وهذه عند البخاري في آخر "الجنائز" (رقم 1386 - فتح الباري). أما الجهلة الثلاثة فاكتفوا بالإحالة إلى ما تقدم! الحديث: 2393 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 ثمَّ انْطلقَ بي، فإذا أنا بقومٍ أشدَّ شيءٍ انْتِفاخاً، وأنْتنهُ ريحاً، وأسوأُهُ مَنْظراً. فقلتُ: مَنْ هؤلاءِ؟ فقال: هؤلاءِ قَتْلى الكُفَّارِ. ثُمَّ انْطلَق بي، فإذا أنا بقَوْمٍ أشدَّ شيءٍ انْتفاخاً، وأنْتَنُه ريحاً، كأنَّ ريحَهُم المراحيضُ. قلتُ: مَنْ هؤلاءِ؟ قَال: هؤُلاءِ الزانونَ والزواني. ثُمَّ انْطلَق بي، فإذا أنا بِنساءٍ تَنْهَشُ ثَدْيَهُنَّ الحيَّاتُ. قلتُ: ما بالُ هؤلاءِ؟ قيلَ: هؤلاءِ يَمْنَعْنَ أوْلادَهُنَّ ألبانَهُنَّ. ثُمَّ انْطلَق بي، فإذا أنا بِغِلْمانٍ يَلْعَبون بينَ نهْرَيْنِ. قلتُ: مَنْ هؤلاءِ؟ قيل: هؤلاء ذَراري المؤمنينَ. ثُمَّ شَرُفَ بي شَرَفاً، فإذا أنا بثَلاثًةٍ يشْرَبونَ مِنْ خَمْرٍ لهمُ. قلتُ: مَنْ هؤلاءِ؟ قال: هؤلاءِ جَعْفَرٌ، وزَيْدٌ، وابْنُ رَواحَةَ. ثُمَّ شَرُفَ بي شَرَفاً آخَرَ، فإذا أنا بنَفَرٍ ثلاثَةٍ. قلتُ: مَنْ هؤلاءِ؟ قال: هذا إبراهيمُ، وموسى، وعيسى، وهُمْ يَنْتَظِرونَكَ". رواه ابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحيهما"، واللفظ لابن خزيمة (1). (قال الحافظ): "ولا علة له". 2394 - (8) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا زَنا الرجلُ خَرجَ منهُ الإيمانُ، فكانَ عليه كالظُّلَّةِ، فإذا أقْلَعَ رجَعَ إليه الإيمانُ". رواه أبو داود -واللفظ له-، والترمذي (2)، والبيهقي.   (1) تقدم بطرفه الأول مع التعليق والتعقيب على تخريجه فراجعه (ج 1/ 9 - الصوم/ 3). (2) قلت: هو عند الترمذي معلق، فراجع "الصحيحة" (509) إن شئت. الحديث: 2394 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 2395 - (9) [صحيح لغيره] وعن عبد الله: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتيَ برجل قد شربَ فقال: "يا أيها الناس! قد آن لكم أنْ تنتهوا عن حدود الله، فمن أصابَ من هذه القاذورةِ شيئاً فليستتر بسترِ الله، فإنَّه من يبدِلنَا صفحتهُ نقمْ عليه كتاب الله". وقرأ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ}. . . (1) ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن". ذكره زين، ولم أره بهذا السياق في الأصول. 2396 - (10) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثَةٌ لا يكلِّمُهم الله يومَ القيامَةِ، ولا يُزَكِّيهِمْ، ولا ينْطُرُ إليْهِمْ، ولَهُمْ عذَابٌ أَليمٌ: شيخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ، وعائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ". رواه مسلم والنسائي. [حسن] ورواه الطبراني في "الأوسط"، ولفظه: "لا ينظُرُ الله يومَ القيامَةِ إلى الشيخِ الزاني، ولا العجوزِ الزانِيَةِ". (العائل): الفقيرُ. 2397 - (11) [صحيح] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أربعةٌ يُبْغِضُهم الله: البيَّاعُ الحلافُ، والفقيرُ المُختالُ، والشيخُ الزاني، والإمامُ الجائرُ".   (1) هنا في الأصل زيادة نصها: "وقال: قَرَنَ الزِّنا مع الشرك، وقال:". ولما لم أجد لها شاهداً فقد حذفتها منه مع التنبيه -خلافاً لسائر الحديث- فقد وجدت له أصلاً في بعض المصادر من حديث عبد الله بن عمر، وله شاهد في السنن من حديث ابن مسعود الآتي في الباب برقم (17). وأما الجهلة فضعفوه واكتفوا بعزوه للبيهقي في "الشعب" مرسلاً، وليس فيه الآية وما بعدها! وهي في الحديث (17). الحديث: 2395 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه". [مضى 16 - البيوع/ 12]. 2398 - (12) [صحيح] وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثَةٌ لا يَدْخلونَ الجنَّةَ: الشيخُ الزاني، والإمامُ الكذابُ، والعائلُ المزْهُوُّ". رواه البزار بإسناد جيد. 2399 - (13) [صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا ينظرُ الله إلى الأُشَيْمَطِ الزاني، ولا العائل المزْهُوِّ". رواه الطبراني، ورواته ثقات؛ إلا ابن لهيعة، وحديثه حسن في المتابعات. (الأشيمط) تصغير (أشمط): وهو من اختلط شعر رأسه الأسود بالأبيض. 2400 - (14) [حسن لغيره] وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا تَزالُ أمَّتي بخيرٍ ما لَمْ يَفشُ فيهم ولَدُ الزِّنا، فإذا فشا فيهم ولَدُ الزِّنا؛ فأوْشَكَ أنْ يَعُمَّهمُ الله بِعذَابٍ". رواه أحمد، وإسناده حسن، وفيه ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع. 2401 - (15) [حسن لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا ظهَر الزِّنا والرِّبا في قريةٍ؛ فقد أحَلُّوا بأنفُسِهِمْ عذابَ الله". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". [مضى 16 - البيوع/ 19]. 2402 - (16) [حسن] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه ذكر حديثاً عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فيه: "ما ظَهرَ في قومٍ الزِّنا أوِ الرِّبا؛ إلا أحَلُّوا بأنفُسِهِمْ عذابَ الله". رواه أبو يعلى بإسناد جيد. [مضى هناك أيضاً]. الحديث: 2398 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 2403 - (17) [صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سألتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ الذَّنْبِ أعظَمُ عندَ الله؟ قال: "أنْ تجعَل لله نِدّاً وهو خَلَقَك". قلتُ: إنَّ ذلك لَعظيمٌ. ثُمَّ أَيّ؟ قال: "أَنْ تَقْتُل ولَدكَ مخافَة أن يَطْعَمَ مَعَكَ". قلتُ: ثُمَّ أَيّ؟ قال: "أَنْ تُزانيَ حَليلَةَ جارِكَ". رواه البخاري ومسلم. ورواه الترمذي والنسائي، وزادا في رواية لهما: (1) "وتَلا هذهِ الآية: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} ". (الحَليلة) بفتح الحاء المهملة: هي الزوجة. 2404 - (18) [صحيح] وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصْحابِه: "ما تقولونَ في الزنا؟ ". قالوا: حرامٌ حرَّمَهُ الله ورسولُه، فهو حرامٌ إلى يوم القِيامَةِ. قال: فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصْحابِه: "لأَنْ يزنيَ الرجلُ بعشْرِ نِسْوةٍ؛ أيْسَرُ عليه مِنْ أَنْ يزْنيَ بامْرأَةِ جارِهِ".   (1) قلت: هي للشيخين أيضاً في رواية لهما. الحديث: 2403 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 رواه أحمد، ورواته ثقات، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" (1). 2405 - (19) [حسن] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما رفع الحديث قال: "مَثل] الذي يجلسُ على فِراشِ المُغِيبَةِ؛ مثلُ الذي يَنْهَشُه أسَوَدُ مِنْ أساوِدِ يومِ القيامَةِ". رواه الطبراني، ورواته ثقات. (المغيبة) بضم الميم وكسر الغين المعجمة وبسكونها أيضاً مع كسر الياء: هي التي غاب عنها زوجها. (الأساوِد): الحيات، واحدها (أسْوَد). 2406 - (20) [صحيح] وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "حُرمَةُ نساءِ المجاهدين على القاعِدين كحُرْمَةِ أمَّهاتِهِمْ، ما مِنْ رجلٍ مِنَ القاعِدينَ يَخْلِفُ رجُلاً مِنَ المُجاهِدينَ في أهْلِه فيخونَه فيهم؛ إلا وُقِفَ لَهُ يومَ القِيامَةَ فيأْخُذُ مِنْ حَسنَاته ما شاءَ، حتَّى يَرْضَى". ثُمَّ الْتَفَتَ إلينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "فما ظَنُّكم؟! ". [صحيح] رواه مسلم (2)، وأبو داود؛ إلا أنه قال فيه: "إلا نُصِبَ له يومَ القِيامَةِ فقيلَ: هذا قد خَلفَك في أهْلِكَ، فخذْ مِنْ حَسنَاته ما شئْتَ". ورواه النسائي كأبي داود، وزاد:   (1) قلت: وكذا البخاري في "الأدب المفرد"، وهو مخرج في "الصحيحة" (65). (2) قلت: وكذا أحمد (5/ 352)، وعنده (355) الرواية الآتية، وهذه والتي بعدها مما لم يورده الثلاثة في كتابهم الجديد الذي أسموه بـ "التهذيب"، لخصوه من طبعتهم المظلمة لـ "الترغيب"، وذلك لجهلهم بصحتهما، ولذلك اكتفوا بمجرد العزو للثلاثة المذكورين. الحديث: 2405 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 "أتَروْنَ يَدعُ لَهُ مِنْ حَسناتِه شيئاً؟! ". فصل 2407 - (21) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "سبعَةٌ يُظِلُّهم الله في ظلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: الإمامُ العادلُ، وشابٌّ نشأَ في عبادَة الله عزَّ وجلَّ، ورجلٌ قلبهُ مُعلَّقٌ بالمساجِدِ، ورجُلانِ تحابَّا في الله؛ اجْتَمعا عَليه (1) وتَفرَّقا عليه، ورجلٌ دعَتْهُ امْرأَةٌ ذاتُ مَنْصبٍ وجَمالٍ؛ فقال: إنِّي أخافُ الله، ورجلٌ تصَدَّقَ بصدَقة فأخفاها حتَّى لا تعْلَمُ شِمالُه ما تُنْفِقُ يَمينُه، ورجلٌ ذكَرَ الله خالِياً ففاضَتْ عَيْناهُ". رواه البخاري ومسلم. [مضى 5 - الصلاة/ 10]. 2408 - (22) [صحيح] وعن ابن عمر أيضاً قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "انْطَلَق ثلاثَةُ نَفرٍ مِمَّنْ كان قَبْلَكُم حتَّى أَواهم المَبيتُ إلى غارٍ، فَدخَلوهُ، فانْحَدرتْ صَخْرَة مِنَ الجبَلِ فسدَّتْ عليهمُ الغَار. فقالوا: إنَّه لا يُنَجِّيكُم مِنْ هذه الصخرةِ إلا أنْ تَدْعوا الله بصالح أعْمالِكُم. فذكر الحديثَ إلى أن قال: قال الآخَرُ: اللَّهُمَّ كانَتْ لي ابْنَةُ عَمٍّ كانَتْ أحَبَّ الناسِ إليَّ، فأرَدْتُها على نَفْسِها، فامْتَنَعتْ منِّي. حتَّى ألمَّتْ بها سَنَةٌ مِنَ السنين، فجاءتْني، فأعْطَيْتُها عشرينَ ومِئةَ دينارٍ على أنْ تُخَلِّيَ بَيْني وبيْنَ نَفْسِها، ففَعَلَتْ حتّى إذا قَدرْتُ عليها قالتْ: لا أُحِلُّ لكَ أَنْ تَفُضَّ الخاتَمَ إلا بِحَقِّه. فَتَحرَّجْتُ مِنَ الوُقوع عليها، فانْصَرفْتُ عنها، وهيَ أَحبُّ الناسِ إليَّ، وتَركْتُ الذهَبَ الذي أعْطَيْتُها. اللهُمَّ إنْ كُنتُ فعلتُ ذلك ابْتِغاءَ وجْهِكَ فافْرُجْ عنَّا ما نحنُ فيه، فانْفَرجَتِ الصخْرَةُ " الحديث.   (1) وفي نسخة: "على ذلك"، وكذا في المخطوطة. الحديث: 2407 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 رواه البخاري ومسلم، وتقدم بتمامه في "الإخلاص". [1/ 1 - أوله]. 2409 - (23) [حسن صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة بنحوه، ويأتي في [22 - البر/ 1] "بر الوالدين" إنْ شاء الله تعالى. (أَلَمَّت) هو بتشديد الميم، والمراد (بالسَّنة): العام المقحط الذي لم تُنبت الأرض فيه شيئاً سواء نزل غيث أم لم ينزل، ومراده أنَّه حصل لها احتياج وفاقة بسبب ذلك. وقوله: (تَفُضَّ الخاتم): هو كناية عن الوطء. 2410 - (24) [حسن] وعن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا شبابَ قرْيشٍ! احْفَظوا فروجَكُم، لا تَزْنوا، ألا مَنْ حفِظَ فَرْجَهُ؛ فلَهُ الجنَّةَ". رواه الحاكم، والبيهقي، وقال الحاكم: "صحيح على شرطهما" (1). [حسن] وفي رواية للبيهقي: "يا فِتْيانَ قرْيشٍ! لا تَزْنوا، فإنَّه مَنْ سَلِمَ له شَبابُهُ؛ دخَلَ الجنَّةَ". 2411 - (25) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا صلَّتِ المرأَة خَمْسَها، [وصامت شهرها]، وحَصَّنَتْ فرْجَها، وأطاعَتْ بَعْلَها، دخَلتْ مِنْ أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شاءَتْ". رواه ابن حبان في "صحيحه". [مضى 17 - النكاح/ 3].   (1) كذا الأصل، وكذلك في "المخطوطة"، والظاهر أنه من أوهام المؤلف رحمه الله، فإن الذي في "المستدرك": "صحيح على شرط مسلم"، وهو الأقرب إلى حال إسناده كما بينته في "الصحيحة" (2696)، وبيض له الذهبي، وقول المعلقين الثلاثة في التعليق على الكتابين: "ووافقه الذهبي"؛ فمن جهالاتهم! الحديث: 2409 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 2412 - (26) [صحيح] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ يضمَنْ لي ما بينْ لحْيَيْهِ وما بينَ رِجْلَيْهِ؛ أضْمَنْ لهُ الجنَّةَ" (1). رواه البخاري -واللفظ له-، والترمذي وغيرهما. (قال الحافظ): "المراد بما (بين لحييه): اللسان، وبما (بين رجليه): الفرج. ويحتمل حديثه أنه أراد بما بين لحييه حفظ اللسان، وأكل الحلال. و (اللحيان): هما عظما الحنك". 2413 - (27) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ وقاهُ الله شرَّ ما بينَ لِحْيَيْهِ، وشرَّ ما بينَ رجلَيْهِ؛ دخلَ الجنَّةَ". رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن". 2414 - (28) [حسن صحيح] وعن أبي رافع رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ حَفِظَ ما بين فَقْمَيْهِ وفَخْذَيْه؛ دخَلَ الجَنَّةَ". رواه الطبراني بإسناد جيد. (الفَقْمان) بسكون القاف: هما اللحيان. 2415 - (29) [حسن صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ حَفِظَ ما بين فَقْمَيْهِ وفَرْجِهِ؛ دخَلَ الجَنَّةَ". رواه أبو يعلى -واللفظ له-، والطبراني، ورواتهما ثقات. وفي رواية للطبراني: قال: قال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) الأصل والمخطوطة: "تضمنت له بالجنة". والتصويب من (البخاري - الرقاق)، ولم يتنبه لهذا الخطأ المعلقون الثلاثة هنا وفي كتابهم الآخر الذي سموه "تهذيب الترغيب. ." انظر التعليق على الصفحة (608). الحديث: 2412 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 "ألا أحدِّثُكَ ثِنتَين مَن فَعَلهُما دخَلَ الجنَّةَ؟ ". قلنا: بَلى يا رسولَ الله! قال: "يَحفظُ الرجلُ ما بينَ فَقْمَيْهِ وما بينَ رجْلَيْهِ". 2416 - (30) [حسن لغيره] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اضْمَنوا لي سِتّاً مِنْ أَنْفسِكُم، أضْمَنْ لَكُمُ الجنَّةَ: اصْدُقوا إذا حدَّثْتُم، وأَوْفُوا إذا وَعدْتُم، وأدُّوا إذا ائتُمِنْتُم، واحْفَظوا فروجَكُم، وغُضُّوا أبصارَكُمْ، وكُفُّوا أيْديَكم". رواه أحمد وابن أبي الدنيا، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (قال الحافظ): "رووه كلهم عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن عبادة؛ ولم يسمع منه. والله أعلم". الحديث: 2416 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 8 - (الترهيب من اللواط وإتيان البهيمة والمرأة في دبرها سواء كانت زوجته أو أجنبية). 2417 - (1) [حسن] عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ على أُمَّتي عَملُ قومِ لوطٍ". رواه ابن ماجه، والترمذي وقال: "حديث حسن غريب". والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 2418 - (2) [صحيح لغيره] وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما نقضَ قومٌ العهدَ؛ إلا كان القتلُ بينَهم، ولا ظَهرتِ الفاحِشَةُ في قومٍ؛ إلا سلَّطَ الله عليهمُ الموْتَ، ولا مَنَع قومٌ الزكاة؛ إلا حُبِسَ عنهم القَطْرُ". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، [مضى شطره الثاني 8 - الصدقات/ 2]. 2419 - (3) [صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه والبزار والبيهقي من حديث ابن عمر بنحوه. ولفظ ابن ماجه: قال: أَقْبَلَ علينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "يا معشرَ المهاجِرينَ! خمسُ خِصالٍ إذا ابْتليتُمْ بِهنَّ وأعوذُ بالله أَنْ تُدْرِكوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الفاحِشَةُ في قومٍ قطُّ حتى يُعْلِنوا بها؛ إلا فَشا فيهمُ الطاعونُ والأوْجَاعُ التي لم تكُنْ مضَتْ في أسْلافِهِم الَّذينَ مَضَوْا" الحديث. [مضى هناك]. الحديث: 2417 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 2420 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ". . . ملعون من عملَ عملَ قوم لوطٍ، ملعون من عمل عملَ قوم لوطٍ، ملعون من عملَ عملَ قوم لوط، ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من أتى شيئاً من البهائم، ملعون من عق والديه،. . .، ملعون من غَيّر حدودَ الأرض، ملعون من ادعى إلى غير مواليه". رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله رجال "الصحيح"؛ إلا مُحرز بن هارون، ويقال فيه: مُحرَّر؛ بالإهمال. ورواه الحاكم من رواية هارون أخي محرر، وقال: "صحيح الإسناد". (قال الحافظ): "كلاهما واهٍ، ولكن محرر قد حسن له الترمذي، ومشاه بعضهم، وهو أصلح حالاً من أخيه هارون، والله أعلم". 2421 - (5) [صحيح] وعنِ ابْنِ عبَّاس رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لعَنَ الله مَنْ ذبَح لِغَيْرِ الله، ولعَن الله مِنْ غيَّر تُخومَ الأرضِ، ولعنَ الله مَنْ كَمَّهَ أعْمى عنِ السبيلِ، ولعنَ الله مَنْ سَبَّ والديْه، ولعنَ الله مَنْ تَولَّى غيرَ مَواليه [ولعن الله من وقعَ على بهيمة] (1). ولعنَ الله مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ، -قالَهَا ثلاثاً في عَملِ قومِ لوطٍ-". رواه ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي، وعند النسائي آخره مكرراً. 2422 - (6) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ وجَدْتُموه يعملُ عَملَ قومِ لوطٍ، فاقْتلوا الفاعِلَ والمفْعولَ بِه". رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي؛ كلهم من رواية عمرو بن أبي عمرو عن   (1) سقطت من الأصل، واستدركتها من "سنن البيهقي" وغيره. وهو مخرج في "الصحيحة" (3462). الحديث: 2420 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 عكرمة عن ابن عباس. وعمرو هذا قد احتج به الشيخان وغيرهما، وقال ابن معين: "ثقة، ينكر عليه حديث عكرمة عن ابن عباس. يعني هذا" انتهى. 2423 - (7) [صحيح] وروى أبو داود وغيره بالإسناد المذكور عن ابنِ عبَّاسٍ عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ أتى بَهيمَةً فاقْتُلوه، واقْتُلوها مَعَهُ". (قال الخطابي): "قد عارض هذا الحديث نهي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قتل الحيوان إلا لمأكله" (1). وروى البيهقي أيضاً وغيره عن مفضل بن فضالة عن ابن جريج عن عكرمة [عن ابن عباس] (2) عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اقْتُلوا الفاعِلَ والمفعُولَ بِه، والَّذي يأْتي البَهيمَةَ". (قال البغوي): "اختلف أهل العلم في حدِّ اللوطي، فذهب قوم إلى أنَّ حدَّ الفاعل حدُّ الزنا، إنْ كان محصناً يرجم، وإنْ لم يكن محصناً يجلد مئة. وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والحسن وقتادة والنخعي. وبه قال الثوري والأوزاعي، وهو أظهر قولَي الشافعي، ويحكى أيضاً عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن. وعلى المفعول به عند الشافعي على هذا القول جلد مئة، وتغريب عام، رجلاً كان أو امرأة، محصناً كان أو غير محصن. وذهب قوم إلى أنَّ اللوطي يرجم محصناً كان أو غير محصن". رواه سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس. وروي ذلك عن الشعبي. وبه قال الزهري، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق.   (1) "معالم السنن" (6/ 275). والحديث المذكور لعله رواه بالمعنى، ويعني حديث ابن عمرو المتقدم (10 - العيدين/ 4) في الترهيب من قتل العصفور، ولا تعارض كما هو ظاهر، والله أعلم. (2) زيادة من "الشعب" لم يستدركها مدعو التحقيق! الحديث: 2423 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 وروى حماد بن أبي سليمان (1) عن إبراهيم -يعني النخعي- قال: "لو كان أحد يستقيم أنْ يرجم مرتين لرجم اللوطي. والقول الآخر للشافعي أنه يقتل الفاعل والمفعول به كما جاء في الحديث" انتهى. (قال الحافظ): "حَرَّق اللوطية بالنار أربعةٌ من الخلفاء: أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن الزبير، وهشام بن عبد الملك". [ضعيف] (*) وروى ابن أبي الدنيا ومن طريقه البيهقي (2) بإسناد جيد عن محمد بن المنكدر: أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق أنه وجد رجلاً في بعض ضواحي العرب يُنكح كما تنكح المرأة، فجمع لذلك أبو بكر أصحابَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيهم عليُّ بنُ أبي طالبٍ فقال علي: إنَّ هذا ذنبٌ لم تعمل به أمة إلا أمة واحدة، ففعل الله بهم ما قد علمتم، أرى أن تَحرِقَهُ بالنار. فاجتمع رأيُ أصحابِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يحرق بالنار. فأمر به أبو بكر أن يحرق بالنار. [قال: وقد حرقه ابن الزبير وهشام بن عبد الملك]. 2424 - (8) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا ينظرُ الله عزَّ وجلَّ إلى رجلٍ أتى رجلاً أوِ امْرأَةً في دُبُرِها". رواه الترمذي والنسائي وابن حبان في "صحيحه".   (1) الأصل والمخطوطة (حماد بن إبراهيم)، وكذا في "العجالة" (187/ 1)، وطبعة الثلاثة! والتصويب من "حديث علي الجعد" (ق 148/ 2 - مخطوطة الظاهرية). و"شعب الإيمان" (2/ 122/ 1) وكتب الرجال، واسم (أبي سليمان) مسلم الأشعري. (2) يعني في "شعب الإيمان" (2/ 2/121)، والزيادة الآتية منه. قلت: ورواه في "السنن" من غير طريق ابن أبي الدنيا، وأعله بالإرسال (8/ 232). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا الموضع هنا - كما ترى، في صحيح الترغيب - بدون حكم، وذكر هذا الحكم [ضعيف] الشيخ مشهور في طبعته، وقال: قوله «وروى ابن أبي الدنيا. . .» إلى آخره، موجود في «صحيح الترغيب» دون حكم، وبمراجعة أصول الشيخ تبين أنه كتب عليه (ضعيف)، وقال في هامشٍ معلقا على قول الحافظ السابق: «الجزم بهذا فيه نظر، لأن الأثر منقطع» الحديث: 2424 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 2425 - (9) [حسن] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "هي اللوطيَّةُ الصغْرى. يعني الرجلَ يأتي امْرأَتَهُ في دُبُرِها". رواه أحمد والبزار، ورجالهما رجال "الصحيح". (1) 2426 - (10) [صحيح لغيره] وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اسْتَحْيوا، فإنَّ الله لا يَسْتَحيِ مِنَ الحقِّ، ولا تأْتُوا النساءَ في أدْبارِهِنَّ". رواه أبو يعلى بإسناد جيد. 2427 - (11) [صحيح] وعن خزيمة بن ثابت قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله لا يَسْتَحي مِنَ الحقِّ -ثلاث مرات-: لا تأتُوا النساءَ في أدْبارِهِنَّ". رواه ابن ماجه -واللفظ له- والنسائي بأسانيد أحدها جيد. 2428 - (12) [حسن] وعن جابرٍ رضي الله عنه: أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن مَحَاشّ (2) النساءِ. [حسن لغيره] رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته ثقات، والدارقطني، ولفظه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اسْتَحْيوا مِنَ الله؛ فإنَّ الله لا يَسْتَحْيِ مِنَ الحقِّ، لا يَحِلُّ مأْتاكَ النساءَ في حُشوشِهِنَّ".   (1) قلت: كيف وكلاهما أخرجاه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؟! وكذلك رواه جمع آخر خُرجوا في "التعليق الرغيب". (2) جمع (مَحِشَّة)، وهي الدبر، قال الأزهري: ويقال أيضاً بالسين المهملة. كنى بـ (المحاشّ) عن الأدبار كما يكنَى بالحشوش عن مواضع الغائط. "نهاية". الحديث: 2425 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 2429 - (13) [حسن صحيح] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لعنَ الله الذين يَأتونَ النساءَ في محاشِّهِنَّ". رواه الطبراني من رواية عبد الصمد بن الفضل. (المحاشّ) بفتح الميم وبالحاء المهملة وبعد الألف شين معجمة مشددة، جمع (مَحِشة) بفتح الميم وكسرها: وهي الدبر. 2430 - (14) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أتى النساءَ في أعْجازِهِنَّ؛ فقد كَفَر". رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته ثقات. 2431 - (15) [صحيح لغيره] وروى ابن ماجه والبيهقي؛ كلاهما عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا ينظُر الله إلى رجلٍ جامعَ امْرأَتَهُ في دُبُرِها". 2432 - (16) [صحيح لغيره] وعنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ملعونٌ مَنْ أتى امْرأَةً في دبُرِها". رواه أحمد وأبو داود. 2433 - (17) [صحيح] (وعنه)؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ أتى حائضاً، أوِ امْرأَةً في دُبُرِها، أوْ كاهِناً فصدَّقَهُ؛ فقد كَفَر بما أُنْزِلَ على محمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو داود؛ إلا أنه قال: "فقد برئ مما أنزل على محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". الحديث: 2429 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 626 (قال الحافظ): "رووه من طريق حكيم الأثرم عن أبي تميمة -وهو طريف بن مجالد (1) - عن أبي هريرة. وسئل علي بن المديني عن حكيم: من هو؟ فقال: أعيانا هذا. وقال البخاري في "تاريخه الكبير": لا يعرف لأبي تميمة سماع من أبي هريرة (2) ". 2434 - (18) [حسن] وعن علي بن طلقٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا تَأْتوا النساءَ في أُسْتاهُنَّ (3) فإنَّ الله لا يَسْتَحي مِنَ الحقِّ". رواه أحمد، والترمذي وقال: "حديث حسن". ورواه النسائي وابن حبان في "صحيحه" بمعناه.   (1) الأصل: (خالد)، والتصحيح من كتب الرجال، وهو مما غفل عنه المعلقون! وإن من تمام غفلتهم، أنهم لما حذفوا في مجلدهم الذي أسموه "التهذيب" كل الأحاديث التي بين حديث ابن عباس المتقدم قبل صفحتين وبين حديث أبي هريرة هذا طبعوه كما هو: "وعنه. . ."، فرجع ضمير (عنه) إلى ابن عباس المذكور قبله في مجلدهم!! (2) قلت: أبو تميمة تابعي ثقة عاصر أبا هريرة، وحكيم الأثرم، ثقة أيضاً، فالإعلال المذكور غير جار على مذهب الجمهور الذي يكتفي في الاتصال على المعاصرة بشرطه المعروف، ولذلك صحح الحديث غير ما واحد، لا سيما وله طرق أخرى خرجتها في "الإرواء" (2006). (3) أي: أعجازهن، ويراد حلقة الدبر، وهمزته وصل، ولامه محذوفة والأصل (سَتَه) كما في "المصباح". الحديث: 2434 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 627 9 - (الترهيب من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق). 2435 - (1) [صحيح] عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أولُ ما يقضى بينَ الناسِ يومَ القيامَةِ في الدماء". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. [صحيح لغيره] وللنسائي أيضاً: "أوَّلُ ما يحاسَبُ عليه العبدُ الصلاةُ، وأنَّ أوَّلَ ما يُقْضى بين الناسِ في الدماءِ". 2436 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اجْتَنِبوا السبعَ الموِبقاتِ". قيلَ: يا رسولَ الله! وما هُنَّ؟ قال: "الشركُ بالله، والسِحْرُ، وقتلُ النفْسِ التي حرَّمَ الله إلا بالحَقِّ، وأكلُ مالِ اليَتِيمِ، وأكلُ الرِّبا، والتولِّي يومَ الزَّحْفِ، وقذفُ المحصَناتِ الغافِلاتِ المؤْمِنَاتِ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. (الموبقات): المهلكات. [مضى 16 - البيوع/ 19]. 2437 - (3) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لنْ يزالَ المؤمن في فُسْحَةٍ من دينِه ما لَمْ يُصِبْ دَماً حراماً". وقال ابن عمر: مِنْ وَرْطاتِ الأمورِ التي لا مَخْرَج لِمَنْ أوْقَعَ نَفْسَه فيها؛ سَفْكُ الدمِ الحَرامِ بغيرِ حِلِّهِ. الحديث: 2435 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 628 رواه البخاري، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". (الورْطات): جمع ورطة بسكون الراء: وهي الهلكة، وكل أمر تعسر النجاة منه. 2438 - (4) [صحيح لغيره] وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لزَوالُ الدنيا؛ أهْوَنُ على الله مِنْ قتلِ مؤمنٍ بغيرِ حقٍّ". رواه ابن ماجه بإسناد حسن، ورواه البيهقي والأصبهاني، وزاد فيه: "ولوْ أَنَّ أهلَ سماواتِه وأهلَ أرضهِ اشْتَركوا في دَمِ مؤْمِنٍ؛ لأدْخَلَهُم الله النارَ". [صحيح لغيره] وفي رواية للبيهقي: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَزوالُ الدنيا جميعاً؛ أهْوَنُ على الله من دمٍ يُسفَكُ بغيرِ حَقٍّ". 2439 - (5) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لَزوالُ الدنيا؛ أهْوَن على الله مِنْ قتلِ رجلٍ مسْلمٍ". رواه مسلم (1) والنسائي، والترمذي مرفوعاً وموقوفاً، ورجح الموقوف. 2440 - (6) [حسن صحيح] وروى النسائي، والبيهقي أيضاً من حديث بريدة قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قتلُ المؤْمِنِ أعظَمُ عند الله مِنْ زَوالِ الدنيا".   (1) عزوه لمسلم خطأ من المؤلف، قلّده فيه المناوي ثم الشيخ القرضاوي كما كنت نبهت عليه في "غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام" (رقم 437). ثم رأيت الناجي قد سبقني إلى التنبيه إلى ذلك، فقال في "العجالة" (187/ 1 - 2): "هذه اللفظة مقحمة بلا تردد، ويتعين حذفها فليس الحديث في مسلم بلا خلاف. . .". الحديث: 2438 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 629 2441 - (7) [صحيح لغيره] وروى [و] (1) ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال: رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يطوفُ بالكَعْبَةِ ويقول: "ما أطْيَبَكِ، وما أطْيَبَ ريحَك؟ ما أعْظَمكِ وما أعْظَمَ حُرْمَتكَ. والذي نفسُ محمَّدٍ بيده لحرمَةُ المؤمِنِ عند الله أعْظَمُ حرمةً منكِ (2)؛ مالُه ودَمُهُ [وأن تظن به إلا خَيراً] ". اللفظ لابن ماجه. 2442 - (8) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لو أنَّ أهلَ السماءِ وأهل الأرضِ اشْتَركوا في دَمِ مؤْمنٍ؛ لأَكبَّهُم الله في النارِ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". 2443 - (9) [صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الصغير" من حديث أبي بكرة عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لو أنَّ أهلَ السمواتِ والأرضِ اجْتَمعوا على قَتْلِ مسلمٍ؛ لكَبَّهُم الله جميعاً على وُجوهِهِمُ في النارِ".   (1) سقطت الواو من الأصل ومطبوعة عمارة، واستدركتها من المخطوطة "والعجالة" (2/ 187) والمراد بالمعطوف عليه؛ البيهقي، كما استظهره الناجي، وبه يستقيم قوله الآتي: "اللفظ لابن ماجه" كما لا يخفى، وإلا كان لغواً لا فائدة منه. ولكني لم أجده عند البيهقي إلا في "الشعب"، ومن حديث ابن عباس، وإسناده حسن كما حققته في "الصحيحة" (3420). (2) الأصل والمخطوطة ومطبوعة الثلاثة: "من حرمتك"، والتصحيح من "ابن ماجه" (3932)، والزيادة منه، ومع أنَّ الحافظ الناجي قد نبه عليها وقال (ق 187/ 2): "لابد منها، وقد أسقطها المصنف"، مع ذلك لم يستدركها الثلاثة!! الحديث: 2441 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 630 2444 - (10) [صحيح لغيره] وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنِ اسْتَطاع منكُمْ أنْ لا يحولَ بيْنَه وبيْن الجَنَّةِ ملءُ كفٍّ مِنْ دمِ امْرئٍ مسلم أن يُهرِيقه كما يَذْبَحُ به دجاجَةً، كلَّما تَعرَّضَ لِبابٍ مِنْ أبوابِ الجنَّةِ حالَ الله بينَهُ وبينَه، ومَنِ اسْتَطاع منكم أنْ لا يَجْعلَ في بُطْنِه إلا طَيِّباً؛ فلْيَفْعَلْ؛ فإنَّ أوَّل ما يُنْتِنُ مِنَ الإنْسانِ بطْنُهُ". رواه الطبراني، ورواته ثقات، والبيهقي مرفوعاً هكذا، وموقوفاً وقال: "الصحيح أنه موقوف" (1). 2445 - (11) [صحيح لغيره] وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلّ ذنبٍ عسى الله أنْ يَغْفِرَه؛ إلا الرجلَ يموتُ كافِراً (2)، أو الرجلَ يقتُل مؤمِناً مُتَعمِّداً". رواه النسائي، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 2446 - (12) [صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "كلُّ ذنبٍ عسى الله أنْ يَغْفِرَهُ؛ إلا الرجلَ يموتُ مُشْرِكاً، أوْ يقتلُ مؤمِناً متَعمِّداً".   (1) قال الناجي: "كذا رواه البخاري موقوفاً بمعناه، بتقديم وتأخير، وعنده: "أن لا يحال بينه وبين الجنة بملءِ دم أهراقه فليفعل"، ولفظ البيهقي أتم". (2) أي: فإنه لا يغفره أصلاً. (أو الرجل. . .) أي: ذنب الرجل، فإنه لا يغفره بلا سابق عقوبة. الحديث: 2444 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 631 رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 2447 - (13) [صحيح] وعن ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ أنَّه سأَله سائلٌ فقال: يا أبا العبَّاسِ! هل للْقاتِلِ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فقال ابْن عبّاسٍ كالمُعْجَبِ مِنْ شَأْنِهِ: ماذا تقول؟! فأعادَ عليه مسْأَلَتُه. فقال: ماذا تقولُ؟! مرَّتين أو ثلاثاً. [ثم] قال ابْنُ عبَّاسَ: [أنَّى له التَوبَةُ!] سمعتُ نَبِيَّكُمْ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يأتي المقتولُ مُتَعلِّقاً رأسَه بإحْدى يَدَيْه، مُتَلبِّباً قاتِلَه باليدِ الأخْرى، تَشخَبُ أوْداجُه دَماً، حتَّى يأتيَ بِه العَرْشَ، فيقولُ المقتولُ لِربِّ العالمينَ: هذا قتَلني. فيقولُ الله لِلْقاتِلِ: تَعِسْتَ (1) وُيذْهَبُ بِه إلى النارِ". رواه الترمذي وحسنه، والطبراني في: "الأوسط"، ورواته رواة "الصحيح"، واللفظ له (2). 2448 - (14) [صحيح لغيره] ورواه فيه أيضاً (3) من حديث ابن مسعودٍ عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يَجيءُ المقْتولُ آخِذاً قاتِلَهُ وأوْداجُه تَشْخَبُ دماً عند ذي العِزَّةِ، فيقولُ: يا ربِّ! سَلْ هذا فيمَ قَتَلني؟ فيقولُ: فيمَ قتَلْتَهُ؟ قال: قَتَلْتُه لِتكُونَ العِزَّةُ لِفْلانٍ. قيلَ: هِيَ لله".   (1) بفتح العين، وعليه اقتصر الجوهري وغيره. ورجحه بعضهم. وفيها لغة أخرى: كسر العين، وعليها جمع. واختصار الفراء: أنْ يقال للمخاطب: (تَعَسْت) بفتحها، وللغائب (تعِس) بكسرها، أفاده الناجي. (2) قلت: وفي "الكبير" أيضاً، ومنهما الزيادتان، وهو مخرج في "الصحيحة" (2697). (3) أي: "الأوسط"، وفاته أنه عند النسائي وغيره بأتم منه وأصح إسناداً، وقلده الهيثمي فأورده في "المجمع" خلافاً لشرطه. انظر "الصحيحة" (2698). الحديث: 2447 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 632 2449 - (15) [صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا أصْبَح إبليسُ بَثَّ جُنودَه فيقولُ: مَنْ أَخْذَلَ اليومَ مُسلماً أُلبِسُه التاجَ، قال: فيجيءُ هذا فيقولُ: لَمْ أَزَلْ به حتَّى طَلَّق امْرأَتَهُ، فيقول: أوْشَكَ أنْ يتَزَوَّجَ. وَيجيءُ هذا فيقولُ: لَمْ أَزلْ به حتى عقَّ والدَيه، فيقولُ: يوشِكُ أنْ يَبرَّهُما. وَيجيءُ هذا فيقولُ: لَمْ أَزَلْ به حتّى أَشْرَكَ، فيقولُ: أَنْتَ أَنْتَ. وَيجيءُ هذا فيقولُ: لَمْ أَزَلْ به حتى قَتَل. فيقول: أَنْتَ أَنْتَ، ويُلْبِسُه التاجَ". رواه ابن حبان في "صحيحه" (1). 2450 - (16) [صحيح] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ قَتَل مؤْمِناً فاغْتَبطَ (2) بقَتْلِه؛ لَمْ يَقْبَلِ الله منه صَرْفاً ولا عَدْلاً". رواه أبو داود. ثم روى عن خالد بن دهقان: سألت يحيى بن يحيى الغساني عن قوله: "فاغْتَبَطَ بقتله"، قال: "الذين يقاتلون في الفتنة، فيقتل أحدهم فيرى أحدهم أنه على هدى، لا يستغفر الله [يعني من ذلك] ". (الصرف): النافلة. و (العدل): الفريضة. وقيل: غير ذلك، وتقدم فيمن أخاف أهل المدينة. [11 - الحج/ 16].   (1) قلت: فاته الحاكم وقال (4/ 350): "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي، وهو مخرج في "الصحيحة" (1280). (2) الأصل: (فاعتبط) بالعين المهملة، والتصويب من المخطوطة و"سنن البيهقي" وما يأتي، ووقع في بعض نسخ (أبي داود) بالعين المهملة. قال الناجي: "تفسير الراوي الآتي يدل على أنه من (الغبطة) بالغين المعجمة، وهو الفرح والسرور، لأن القاتل يفرح بقتل خصمه، وإذا كان المقتول مؤمناً وفرح بقتله دخل في هذا الوعيد. كذا نقله المصنف في حواشي "مختصر السنن"، ثم نقل عن الخطابي أن اللفظة (اعتبط) بالعين المهملة وقال: يريد أنه قتله ظلماً لا عن قصاص". الحديث: 2449 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 633 2451 - (17) [حسن لغيره] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يخرُجُ عُنقٌ (1) مِنَ النار يتكَلَّمُ يقولُ: وُكِّلتُ اليوم بثَلاثَةٍ: بكلِّ جَبَّارٍ عنيدٍ، وَمَنْ جعلَ مع الله إلهاً آخَر، ومَنْ قَتَل نَفْساً بغيرِ حقٍّ، فَينْطَوي عليهِم، فيقْذِفُهُم في غمرات (2) جَهَّنمَ". رواه أحمد. ورواه الطبراني بإسنادين رواة أحدهما رواة الصحيح. وقد روي عن أبي سعيد من قوله موقوفاً عليه. 2452 - (18) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رائِحةَ الجنَّةِ، وإنَّ ريحَها يوجَدُ مِنْ مسيرَةِ أربعين عاماً". رواه البحاري، واللفظ له.   (1) (العنق): الرقبة، وهو مذكر، والحجاز تؤنث؛ فيقال: هي العنق، والنون مضمومة للاتباع في لغة الحجاز. وساكنة في لغة تميم. (2) الأصل: (حمراء)، والتصويب من "المسند" (3/ 40) وغيره، وهو مما غفل عنه الجاهلون المتعالمون المتشبعون بما لم يعطوا، فقد تعقبوا قول المؤلف -وتبعه الهيثمي (10/ 392) - ". . رواة أحدهما رواة الصحيح" بقولهم: "قلنا: (!) في إسناد الجميع عطية العوفي وهو ضعيف"! وكذبوا، فليس هو في أحد إسنادي الطبراني، ولا هو من مراجعهم، وهم أضعف من ذلك! وإنما علته من شيخ الطبراني كما تراه مشروحاً في المجلد السادس من "الصحيحة" (2699)، وقد صدر حديثاً، ولكنَّهم لما رأوا عطية في "المسند" ظنوا لبالغ جهلهم أنه في إسناد الطبراني أيضاً!! وقريب من هذه الغفلة قول المعلق على "مسند أبي يعلى" (2/ 375) بعد أن أعله بضعف عطية: "ولكن يشهد له حديث أبي هريرة. . عند الترمذي. . "، ولم يسق متنه. وهذا الإطلاق خطأ، لأنه ليس في حديث أبي هريرة جملة القتل كما سترى فيما يأتي (23 - الأدب/ 33 آخره)، وهو مخرج أيضاً في "الصحيحة" (رقم 512) مصححاً. الحديث: 2451 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 634 [صحيح] والنسائي؛ إلا أنه قال: "مَنْ قتَل قَتيلاً مِنْ أهلِ الذِّمَّةِ". (لَمْ يَرَحْ) بفتح الراء، أي: يجد ريحها ولم يشمها. 2453 - (19) [صحيح] وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ قَتَل معاهَداً في غير كُنْهِهِ؛ حَرَّم الله عليهِ الجنَّةَ". رواه أبو داود. [صحيح] والنسائي وزاد: "أنْ يَشُمَّ ريحَها". [صحيح] وفي رواية للنسائي قال: "مَنْ قَتَل رجُلاً مِنْ أهلِ الذمَّةِ؛ لمْ يَجِدْ ريحَ الجنَّةِ، وإنَّ ريحَها لتوجَدُ مِنْ مسيرَةِ سبعينَ عاماً". [صحيح لغيره] ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال: "مَنْ قتَل نَفْساً معَاهَدةً بغيرِ حَقِّها؛ لَمْ يَرَحْ رائِحةَ الجنَّةِ، وإنْ ريحَ الجنَّةِ لتوجَدُ مِنْ مسيرَةِ مئةِ عامٍ". (في غير كنهه): أي في غير وقته الذي يجوز قتله فيه حين لا عهد له. الحديث: 2453 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 635 10 - (الترهيب من قتل الإنسان نفسه). 2454 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ تَردَّى مِنْ جَبلٍ، فقتلَ نفسَه؛ فهو في نارِ جهنَّمَ، يتردَّى فيها خالداً مُخَلَّداً فيها أبَداً، ومَنْ تَحسَّى سُمّاً، فقتَل نفْسَه؛ فسُمُّه في يدِه يتَحسَّاهُ في نارِ جَهنَّمَ خالِداً مُخلَّداً فيها أَبَداً، ومَنْ قتلَ نفسه بحديدةٍ؛ فحَديدتُه في يدهِ يتَوجَّأ بِها في نارِ جَهنَّم خالدِاً مخلداً فيها أبَداً". رواه البخاري ومسلم، والترمذي بتقديم وتأخير، والنسائي. [صحيح لغيره] ولأبي داود: "ومَنْ حَسا سُمَّاً؛ فسُمُّه في يدهِ يتَحسَّاه في نارِ جَهنَّمَ". (تَردَّى) أي: رمى بنفسه من الجبل أو غيره فهلك. (يتَوَجَّأُ بها) مهموزاً؛ أي: يضرب بها نفسه. 2455 - (2) [صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الذي يَخنُقُ (1) نفْسَهُ؛ يخْنُقها في النارِ، والذي يطعَنُ نفْسَه؛ يطعَنُ نفْسَهُ في النارِ، والذي يَقْتَحِمُ؛ يَقْتَحِمُ في النارِ". رواه البخاري. (2)   (1) بضم النون. و (يطعن) بفتح العين وضمها. وإنما كان الخنق والطعن في النار لأن الجزاء من جنس العمل. والله أعلم. (2) قلت: جملة التقحم ليست عند البخاري، وقد نبه على ذلك الحافظ الناجي، ومع ذلك لم يتنبه لها المعلقون الثلاثة، ولا غرابة، فهي شنشِنة. . ولكن الغرابة أن الحافظ مر عليها، ولم يعزها لأحد، وقد رواها أحمد وغيره بهذا التمام بسند صحيح، كما بينته في "الصحيحة" (3421)، ويشهد لها عموم قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ومن قتل نفسه بشيء عُذب به يوم القيامة"، ويأتي في حديث ثابت بن الضحاك الآتي بعد حديثين. الحديث: 2454 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 636 2456 - (3) [صحيح] وعن الحسن البصري قال: حدثنا جندب بن عبد الله في هذا المسجد، فما نسينا منه حديثاً، وما نخاف أنْ يكون جندب كذب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كان برجلٍ جراحٌ (1) فقتلَ نفسَهُ، فقالَ اللهُ: بَدَرَني عبدي بنفسه، فَحَرَّمْتُ عليه الجنةَ". [صحيح] وفي رواية: قال: "كان فيمن كانَ قبلَكم رجلٌ به جرحٌ، فجزعَ، فأخذ سكيناً فحزَّ بها يده فما رقأَ الدم حتى مات، فقال الله: بادرني عبدي (2) بنفسه" الحديث. [صحيح] رواه البخاري، ومسلم ولفظه: قال: "إنَّ رجلاً كانَ مِمَّنْ كان قبْلَكم خرَجَتْ بوجْهِهِ قُرْحَةٌ، فلمَّا آذتْهُ انْتزَع سَهْماً مِنْ كنانَتِه فَنَكَأَها، فَلَمْ يَرْقَأِ الدمُ حتّى ماتَ، قال ربُّكُمْ: قد حرَّمْتُ عليه الجنَّةَ". (رقَأَ) مهموزاً أي: جف وسكن جريانه. (الكِنَانَة) بكسر الكاف: جعبة النشاب. (نكَأَها) بالهمز أي: نخسها وفجرها. 2457 - (4) [صحيح لغيره] وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه: أنَّ رجلاً كانتْ بِه جَراحَةٌ، فأتى قَرَناً له، فأَخذ مشْقصاً فذَبَح به نفْسَه،   (1) الجراح بكسر الجيم. ويروى (خراج) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الراء؛ وهو في اصطلاح الأطباء الورم إذا اجتمع مادته المتفرقة في ليف العضو الورم إلى تجويف واحد وقبل ذلك يسمى ورماً. (2) معنى (المبادرة) عدم صبره حتى يقبض الله روحه حتف أنفه. يقال: بدرني: أي سبقني، من بدرت الشيء أبدر بدوراً، إذا أسرعت، وكذلك بادرت إليه. الحديث: 2456 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 637 فلَمْ يُصِلِّ عليه النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه ابن حبان في "صحيحه". (القَرَن) بفتح القاف والراء: جعبة النشاب. و (المِشْقَص) بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح القاف: سهم فيه نصل عريض. وقيل: هو النصل وحده. وقيل: سهم فيه نصل طويل. وقيل: النصل وحده. وقيل: هو ما طال وعرض من النصال. 2458 - (5) [صحيح] وعن أبي قلابة؛ أنَّ ثابتَ بْنَ الضحَّاكِ أخبره: أنه بايَعَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحتَ الشَّجرة، وأنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ حلفَ على يمينٍ بِمِلَّةٍ غيرِ الإسْلامِ كاذِباً مُتَعمِّداً؛ فهوَ كما قالَ. ومَنْ قَتَل نفْسَه بشيْءٍ عُذِّبَ به يومَ القِيامَةِ، وليسَ على رجلٍ نَذْرٌ فيما لا يَمْلكُ، ولَعْنُ المؤمِنِ كَقَتْلِهِ، ومَنْ رَمى مؤمِناً بكُفْرٍ فهو كَقَتْلِهِ، ومَنْ ذَبَح نَفْسَهُ بشيءٍ؛ عُذِّبَ به يومَ القيامةِ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي باختصار، والترمذي وصححه، ولفظه: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليسَ على المرْءِ نذرٌ فيما لا يملِكُ، ولاعِنُ المؤْمِنِ كقاتِلِه، ومَنْ قذفَ مؤْمِناً بكفْرٍ فهو كقاتِلِه، ومَنْ قتلَ نفْسَهُ بشيْء؛ عذَّبَهُ الله بما قتَلَ به نَفْسَه يومَ القِيامَةِ". 2459 - (6) [صحيح] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْتَقى هو والمشْرِكونَ فاقْتَتَلوا، فلمَّا مالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عَسْكَرِه، ومال الآخرون إلى عَسْكَرِهِمْ، وفي أصْحابِ رسولِ الله الحديث: 2458 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 638 - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ لا يَدعُ لهم شاذَّةً ولا فاذَّةً إلا أتْبَعها يضْرِبُها بسيْفِهِ. فقالوا: ما أجْزَأَ مِنَّا اليومَ أحدٌ كما أجْزَأَ فلانٌ! فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أمَا إنَّهُ مِنْ أهْلِ النارِ". وفي رواية: "فقالوا: أيُّنا مِنْ أهْلِ الجنَّةِ إنْ كان هَذا مِنْ أهلِ النارِ؟ فقال رجلٌ مِنَ القومِ: أنا أُصاحِبُه أبَداً. قال: فَخرجَ معه، كلَّما وقَف وقَفَ معَهُ، وإذا أسْرَعِ أسْرعَ مَعهُ، قال: فجُرِحَ الرجلُ جُرْحاً شَديداً فاسْتَعْجلَ الموْتَ، فوضَعَ سَيْفه بالأرْضِ وذُبَابَهُ بينَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحامَلَ على سَيْفِه فَقتَل نَفْسَهُ! فَخرَج الرجُلُ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَ: أشْهَدُ أنَّكَ رسولُ الله. قال: "وما ذاك؟ ". قال: الرجلُ الذي ذكَرْتَ آنِفاً أنَّه مِنْ أهْلِ النارِ، فأعْظَمَ الناسُ ذلك، فقلتُ: أنا لَكُمْ بِه. فخرجْتُ في طَلَبِهِ حتى جُرِحَ جُرْحاً شديداً، فاسْتَعْجَل الموْتَ، فوضَع نَصْلَ سيْفِه بالأرضِ، وذُبَابَة بين ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تحامَل عليه فقَتَل نفْسَهُ. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الرجلَ لَيعملُ عملَ أهلِ الجنَّةِ فيما يَبْدو للِنَّاسِ، وهو مِنْ أهل النارِ، وإنَّ الرجُلَ ليَعملُ عملَ أهلِ النار فيما يَبْدو للِنَّاسِ، وهو مِنْ أهْلِ الجنَّةِ". رواه البخاري ومسلم. (الشاذَّة): بالشين المعجمة. (والفاذَّة): بالفاء وتشديد الذال المعجمة فيهما: هي التي انفردت عن الجماعة، وأصل ذلك في المنفردة عن الغنم، فنقل إلى كل من فارق الجماعة وانفرد عنها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 639 11 - (الترهيب من أن يحضر الإنسان قتل إنسان ظلماً، أو ضربه، وما جاء فيمن جرّد ظهر مسلم بغير حق). [لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا]. 12 - (الترغيب في العفو عن القاتل والجاني والظالم، والترهيب من إظهار الشماتة بالمسلم). 2460 - (1) [صحيح لغيره] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما مِنْ رجلٍ يُجْرَحُ في جَسدهِ جِراحةً فيتصدَّقُ بها؛ إلا كَفَّر الله تبارَك وتعالى عنه مِثْلَ ما تصَدَّقَ به". رواه أحمد، ورجاله رجال "الصحيح". 2461 - (2) [حسن لغيره] وعن رجُلٍ مِنْ أصْحابِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (1) قال: "مَنْ أُصيبَ بشيْءٍ في جَسدِه، فَتركَهُ لله عزَّ وجَلَّ؛ كان كَفَّارةً له". رواه أحمد موقوفاً من رواية مجالد. 2462 - (3) [صحيح لغيره] وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثٌ -والَّذي نفسي بيده- إنْ كنتُ لَحالِفاً عليهنَّ: لا يَنْقُصُ مالٌ مِنْ   (1) سقطت من الأصل والمخطوطة، و"المجمع" وتفسير ابن كثير، والظاهر أنها غير ثابتة في نسخة المؤلف وغيره من "المسند"، وهي ثابتة في المطبوعة منه، وهو الأقرب، والله أعلم. الحديث: 2460 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 640 صدَقةٍ، فتصدَّقوا، ولا يَعْفُو عبدٌ عَنْ مَظْلَمَةٍ؛ إلا زادَهُ الله بها عِزّاً يومَ القيامَةِ، ولا يَفْتَحُ عبدٌ بابَ مسْأَلَةٍ، إلا فَتح اللهُ عليهِ بابَ فَقْرٍ". رواه أحمد، وفي إسناده رجل لم يسمَّ، وأبو يعلى والبزار، وله عند البزار طريق لا بأس بها. 2463 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ثلاثٌ أُقسِمُ عليهِنَّ، وأحدِّثُكُم حديثاً فاحْفَظوه". قال: "ما نقصَ مالُ عبدٍ مِنْ صدَقةٍ، ولا ظُلِمَ عبدٌ مَظْلَمةٌ صبرَ عليها؛ إلا زادَهُ الله عِزّاً، فاعْفوا يُعِزِّكمُ الله، ولا فَتَح عبدٌ بابَ مسْأَلَةٍ؛ إلا فتَحَ الله عليه بابَ فَقْرٍ، أو كلِمةٌ نَحْوُها. . " الحديث. رواه أحمد والترمذي -واللفظ له- وقال: "حديث حسن صحيح". [مضى 1 - الإخلاص/ 1]. 2464 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما نقَصتْ صدقةٌ مِنْ مالٍ، وما زادَ الله عبْداً بعَفْوٍ إلا عزّاً، وما تَواضع أحدٌ لله؛ إلا رفَعَهُ الله عزَّ وجلَّ". رواه مسلم والترمذي. [مضى 8 - الصدقات/ 9]. 2465 - (6) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ارْحَموا تُرْحَموا، واغْفِرُوا يُغْفَرْ لكُم". [مضى 20 - القضاء/ 10]. رواه أحمد بإسناد جيد. الحديث: 2463 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 641 2466 - (7) [صحيح لغيره] وفي رواية له من حديث جرير بن عبد الله: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ لا يَرْحمِ الناسَ لا يَرْحَمْهُ الله، ومَنْ لا يَغْفِرْ لا يُغْفَرْ لَهُ". 2467 - (8) [صحيح لغيره] وعن علي رضي الله عنه قال: وجدنا في قائمِ سيف رسول الله: "اعف عمن ظلَمَك، وصِلْ من قطعَك، وأحْسِنْ إلى من أساءَ إليك، وقُلِ الحقَّ ولو على نفسِك". ذكره رزين العبدري، ولم أره (1)، ويأتي أحاديث من هذا النوع في [22 - البر/ 3] "صلة الرحم". 2468 - (9) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها: أنها سُرِقَ منها شيءٌ، فجعلت تدعو عليه، فقال لها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تُسبّخي عنه". رواه أبو داود. ومعنى (لا تسبخي عنه)؛ أي: لا تخففي عنه العقوبة، وتنقصي من أجرك في الآخرة بدعائك عليه (2). و (التسبيخ): التخفيف، وهو بسين مهملة، ثم باء موحدة وخاء معجمة.   (1) لقد وجدته -والحمد لله- من حديث علي في بعض المصادر العزيزة المخطوطة، بإسناد صحيح عنه، وهو في "الصحيحة" (1911)، لكن ليس فيه جملة العفو، لكن لها شواهد أحدها عن عقبة، وأحد طرقه صحيح، ولذلك خرجته في "الصحيحة" (2861). وسيأتي في (22 - البر/ 3). (2) وفي "النهاية": أي: "لا تخفي عنه الإثم الذي استحقه بالسرقة". الحديث: 2466 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 642 13 - (الترهيب من ارتكاب الصغائر والمحقرات من الذنوب، والإصرار على شيءٍ منها). 2469 - (1) [حسن] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ العبْدَ إذا أخْطأَ خطيئةً نُكِتَتْ في قلبِه نُكْتَةٌ سوْداءُ، فإنْ هو نَزعَ واسْتَغْفَر صُقِلَتْ، فإنْ عادَ زِيدَ فيها حتى تَعْلوَ قلبَه، فهوَ (الران) الذي ذكَر الله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه". والحاكم من طريقين قال في أحدهما: "صحيح على شرط مسلم". [مضى 15 - الدعاء/ 16]. (النُّكْتَةُ) بضم النون وبالتاء المثناة فوق: هي نقطة شبه الوسخ في المرآة. 2470 - (2) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إيَّاكمْ ومُحقَّراتِ الذُّنوبِ، فإنَّهنُ يَجْتَمِعْن على الرجل حتَّى يُهْلكْنَهُ". وأنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضرب لَهُنَّ مَثَلاً: "كَمثَلِ قومٍ نَزلوا أرضَ فَلاةٍ، فحضَر صنيعُ القومِ (1)، فجعلَ الرجلُ ينْطَلِقُ فيجيءُ بالعودَ، والرجلُ يجيءُ بالعودِ، حتى جَمعَوا سَواداً، وأجَّجوا نَاراً، وأَنْضَجوا ما قَذَفوا فيها". رواه أحمد والطبراني والبيهقي؛ كلهم من رواية عمران القطان، وبقية رجال أحمد   (1) أي: طعامهم. وقوله: (سواداً) أي: شخصاً يبين من بُعد. الحديث: 2469 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 643 والطبراني رجال "الصحيح" (1). [صحيح لغيره] ورواه أبو يعلى بنحوه من طريق إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عنه، وقال في أوله: "إنَّ الشيطانَ قد يئسَ أنْ تُعبدَ الأصنامُ في أرضِ العَربِ، ولكنَّه سيَرْضَى منكم بدونِ ذلك بالمحقِّراتِ، وهي الموِبقاتُ يومَ القِيامَةِ" الحديث. رواه الطبراني والبيهقي موقوفاً عليه. [مضى 20 - القضاء/ 5]. 2471 - (3) [صحيح] وعن سهل بن سعد رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إيَّاكمْ ومحقَّراتِ الذنُوبِ، فإنَّما مثَلُ محقراتِ الذنُوبِ؛ كمَثَلِ قومٍ نزَلوا بطْنَ وادٍ، فجاءَ ذا بعودٍ، وجاءَ ذا بعودٍ، حتى جَملُوا (2) ما أنْضَجوا بهَ خُبْزَهُم، وإنَّ محقِّراتِ الذنوبِ متى يُؤْخَذْ بها صاحِبُها تُهْلِكْهُ". رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح " (3). 2472 - (4) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يا عائشةُ! إيَّاك ومحقَّراتِ الذنوبِ؛ فإنَّ لها مِنَ الله طالِباً". رواه النسائي -واللفظ له- وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، وقال: "الأعمال" بدل: "الذنوب".   (1) كذا قال، وفيه أيضاً عبد ربه بن أبي يزيد، وليس من رجال "الصحيح"، وفيه جهالة كما كنت بينته في رسالتي "خطبة الحاجة"، لكن الحديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده. (2) هو بالجيم أي: جمعوا. "عجالة". (3) قلت: وهو كما قال، لكن اللفظ ليس لأحمد وإن تبعه الهيثمي كعادته، وإنما هو للبيهقي في "الشعب" (2/ 384/ 1)؛ إلا أنه قال: (جمعوا) مكان (جملوا)، وكذا في "المعجم الصغير" (رقم - 351 - الروض)، و"الأوسط" (7459). ورواه في "الكبير" (5872) بلفظ الكتاب حرفياً؛ فكان ينبغي عزوه إليه. الحديث: 2471 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 644 2473 - (5) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: إنَّكُم لتَعمَلونَ أعْمالاً هي أدَقُّ في أعْيُنِكم مِنَ الشَّعَرِ، [إنْ] (1) كنَّا لَنَعُدُّها على عَهْدِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الموبِقاتِ. يعني المهْلكاتِ. رواه البخاري وغيره. 2474 - (6) [صحيح لغيره] ورواه أحمد من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ بإسناد صحيح. 2475 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لوْ أنَّ الله يؤاخِذُني وعِيسى بِذُنوبنا لعَذَّبَنا، ولا يَظْلمُنا شَيْئاً". قال: وأشارَ بالسبَّابَةِ والتي تَليها. وفي رواية: "لوْ يُؤاخِذُني الله وابْنَ مَرْيَمَ بما جَنَتْ هاتانِ -يعني الإبْهامُ والتي تليها- لَعذَّبَنا، ثُمَّ لَمْ يَظْلِمْنا شَيْئاً". رواه ابن حبان في "صحيحه". 2476 - (8) [حسن] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لوْ غُفِرَ لكُم ما تَأْتونَ إلى البهائِمِ؛ لَغَفرَ لَكُمْ كَثيراً". رواه أحمد والبيهقي مرفوعاً هكذا. ورواه عبد الله في "زياداته" موقوفاً على أبي الدرداء. وإسناده أصح، وهو أشبه. (2)   (1) سقطت من الأصل، واستدركتها من البخاري (6492) وأحمد أيضاً (3/ 157). وأما الثلاثة المحققون فهم مستمرون في إهمالهم التحقيق، هنا وفي "تهذيبهم" أيضاً، بل هو نسخة طبق الأصل، مع الاختصار الشديد المخل!! (2) كذا قال! وتبعه المناوي، والعكس هو الصواب، وبيانه في "الصحيحة" (514). وأما الهيثمي فلم يفصح عن رأيه، فقال (10/ 291): "رواه أحمد مرفوعاً، وابنه عبد الله موقوفاً، وإسناده جيد". الحديث: 2473 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 645 2477 - (9) [صحيح لغيره موقوف] وعن أبي الأحوص قال: قرأ ابن مسعود: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ} الآية. فقال: كادَ الجُعَلُ يُعذَّبُ في جُحره بذنْبِ ابنِ آدمَ. رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (الجُعَل) بضم الجيم وفتح العين: دُويبة تكاد تشبه الخنفساء تُدحرج الروثَ. الحديث: 2477 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 646 22 - كتاب البر والصلة وغيرهما. 1 - (الترغيب في برِّ الوالدين وصلتهما، وتأكيد طاعتهما والإحسان إليهما، وبرّ أصدقائهما من بعدهما). 2478 - (1) [صحيح] عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سألت رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ العملِ أحبُّ إلى الله؟ قال: "الصلاةُ على وقْتِها". قلتُ: ثُمَّ أيّ؟ قال: "بِرُّ الوالِدَيْنِ". قلتُ: ثُمَّ أيّ؟ قال: "الجهادُ في سبيلِ الله". رواه البخاري ومسلم. 2479 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يُجزئُ وَلدٌ والِدَهُ إلا أنْ يَجِدَهُ مَمْلوكاً فيَشتَرِيه فيُعْتِقَه". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 2480 - (3) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: جاءَ رجلٌ إلى نبيِّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاسْتَأْذَنهُ في الجِهادِ. فقال: "أحيٌّ والداك؟ ". قال: نعم. قال: الحديث: 2478 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 647 "ففيهما فَجاهِدْ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. [صحيح] وفي رواية لمسلم قال: أقْبَلَ رجلٌ إلى رسولِ الله فقال: أبايِعُكَ على الهِجْرَةِ والجِهادِ، أبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله، قال: "فهلْ مِنْ والدَيْك أحدٌ حَيٌّ؟ ". قال: نَعم، بلْ كِلاهما حَيٌّ. قال: "فَتَبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله؟ ". قال: نعم. قال: "فارْجعْ إلى والِدَيْكَ فأحْسِنْ صُحْبَتَهُما". 2481 - (4) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: جاءَ رجلٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: جئتُ أبايِعُكَ على الهِجْرَةِ، وتركتُ أبوَيَّ يبْكِيانِ. فقال: "ارْجعْ إليْهما فأضْحِكْهُما كما أبْكَيْتَهُما". رواه أبو داود. 2482 - (5) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رجلاً من أهل اليمن هاجر إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "هل لك أحد باليمن؟ ". قال: أبواي. قال: "قد أذنا لك؟ ". الحديث: 2481 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 648 قال: لا. قال: "فارجعْ إليهما فاستأذنْهما، فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فَبِرِّهما". رواه أبو داود. 2483 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسْتأْذِنه في الجهادِ. فقال: "أحيٌّ والداك؟ ". قال: نعم. قال: "ففيهما فَجاهِدْ". رواه مسلم، وأبو داود وغيره (1). 2484 - (7) [صحيح لغيره] وروي عن طلحة بن معاوية السلمي رضي الله عنه قال: أتيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلتُ: يا رسول الله! إنِّي أريدُ الجِهادَ في سبيلِ الله قال: "أمُّكَ حَيَّةٌ؟ ". قلتُ: نَعم. قال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الْزَمْ رِجْلَها، فَثَمَّ الجنَّةُ". رواه الطبراني.   (1) هذا خطأ وتكرار لا فائدة فيه. قال الناجي (189/ 2): "وهم فيه وكرره، وهو حديث عبد الله بن عمرو الأول بعينه، سواء بسواء، لم يروه مسلم ولا غيره من حديث أبي هريرة". وغفل عن هذا لابسو ثوبي زور فعزوه لمسلم (2549) وأبي داود (2530)! والرقم الأول يشير إلى حديث ابن عمرو الأول! والرقم الآخر يشير إلى حديث أبي سعيد، وهو في الأصل قبيل هذا، وفيه زيادة منكرة، ولذلك أودعته "ضعيف الترغيب"، وهو مخرج في "الإرواء" (5/ 21)، ومن تمام غفلتهم أنَّهم رقموه بنفس الرقم!! وحسنوه أيضاً! الحديث: 2483 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 649 2485 - (8) [حسن صحيح] وعن معاوية بن جاهمة: أنَّ جاهِمَةَ جاءَ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! أردْتُ أَنْ أغْزُوَ، وقد جئتُ أَسْتَشيرُكَ. فقال: "هل لكَ مِنْ أُمٍّ؟ ". قال: نعم. قال: "فالْزَمْها، فإن الجنَّةَ عند رِجْلِها". رواه ابن ماجه، والنسائي -واللفظ له-، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد". [حسن صحيح] ورواه الطبراني بإسناد جيد، ولفظه: قال: أتيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسْتَشيرُه في الجِهادِ؟ فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألَك والدان؟ ". قلت: نعم. قال: "الْزَمْهُما، فإن الجنَّة تَحتَ أرْجُلِهِما". 2486 - (9) [صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن رجلاً أتاهُ فقال: إنَّ لي امْرأَةً، وإنَّ أُمِّي تأمُرني بِطَلاقِها. فقال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الوالِدُ أوْسَطُ أبْوابِ الجنَّةِ". فإنْ شِئتَ فأَضعْ ذلك البابَ، أوِ احْفَظْهُ. رواه ابن ماجه، والترمذي -واللفظ له- وقال: "ربما قال سفيان: (أمي)، وربما قال: (أبي) ". قال الترمذي: "حديث صحيح". [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: الحديث: 2485 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 650 أنَّ رجلاً أتى أبا الدرداء فقال: إنَّ أبي لَمْ يَزلْ بي حتّى زوَّجني، وإنَّه الآن يأمُرني بِطَلاقِها. قال: ما أنا بالَّذي آمُرك أنْ تَعُقَّ والديك، ولا بالَّذي آمُركَ أَنْ تُطلِّقَ امرأَتَك، غيرَ أنَّك إنْ شئتَ حدَّثتُك بما سمعتُ مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سمعتُه يقول: "الوالِدُ أوْسَطُ أبْوابِ الجنَّةِ". فحافظْ على ذلك البابِ إنْ شئْتَ، أوْ دَع. قالَ: فأحْسِبُ عطاءً قال: فَطَلَّقَها. قوله: (فأضع): من الإضاعة. 2487 - (10) [حسن] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان تحتي امْرأَةٌ أحِبُّها، وكان عمر يكْرَهُها. فقال لي: طلّقْها. فأبَيْتُ. فأتى عمرُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكر ذلك له، فقال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "طلِّقها". رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". 2488 - (11) [حسن لغيره] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من سرَّه أنْ يُمَدَّ له في عمرِه، ويُزادَ في رزقه؛ فليبرَّ والديه، وليَصِلْ رحمه". رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح"، وهو في "الصحيح" باختصار ذكر البر. الحديث: 2487 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 651 2489 - (12) [حسن] وعن سلمان رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يردُّ القَضاءَ إلا الدعاءُ، ولا يزيدُ في العُمُرِ إلا البِرُّ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". 2490 - (13) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "رَغِمَ أنفُه، ثمَّ رَغِمَ أنْفُه، ثمَّ رغِمَ أنْفُه". قيل: مَنْ يا رسولَ الله؟ قال: "مَنْ أدْرَكَ والدَيْه عندَ الكبرَ أوْ أحَدَهُما ثمَّ لَمْ يَدْخل الجنَّةَ". رواه مسلم (1). (رغم أنفه) أي: لصق بالرغام، وهو التراب. 2491 - (14) [صحيح لغيره] وعن جابرٍ -يعني ابن سمرة- رضي الله عنه قال: صعِدَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المنبرَ فقال: "آمين، آمين، آمين"، -قال:- "أتاني جبريل عليه السلامُ فقال: يا محمَّد! مَنْ أدْرَكَ أحدَ أبَوَيْهِ فماتَ؛ فدخلَ النارَ، فأبعَده الله، قُلْ: (آمين): فقلتُ: (آمين)، فقال: يا محمَّدُ! مَنْ أدْركَ شهرَ رمضانَ فماتَ، فلَمْ يُغْفَرْ له؛ فأدخِلَ (2) النارَ، فأَبْعَده الله، قلْ: (آمين). فقلتُ: (آمين)، قال: ومَنْ ذُكرْتَ عندَهُ فلَمْ يُصَلِّ عليك فماتَ؛ فدَخَل النارَ، فأبْعَدهُ الله. قلْ: (آمين)، فقلْتُ: (آمين) ". رواه الطبراني بأسانيد أحدها حسن.   (1) قلت: في البر والصلة (8/ 5) بالحرف الواحد، وقول الناجي (189/ 1): "ليس عند مسلم لفظة (ثم) أصلاً" وهم منه، وإنما يصدق ذلك على رواية البخاري في "الأدب المفرد" (رقم - 21). ورواه الترمذي نحوه أتم منه، وتقدم لفظه في (15 - الدعاء/ 7). (2) كذا الأصل خلافاً لما تقدم ويأتي، وكذلك هو في "كبير الطبراني" (رقم - 2022). الحديث: 2489 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 652 2492 - (15) [حسن صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة؛ إلا أنَّه قال فيه: "ومَنْ أدْركَ أبويه أو أحدَهما فلَمْ يَبَرَّهُما، فماتَ؛ فدخلَ النارَ فأبْعَدهُ الله. قل: (آمين)، فقلت: (آمين) ". 2493 - (16) [صحيح لغيره] ورواه أيضاً من حديث [مالك بن] الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده. وتقدم [15 - الدعاء/ 7]. 2494 - (17) [صحيح لغيره] ورواه الحاكم وغيره من حديث كعب بن عجرة، وقال في آخره: "فلمَّا رَقيتُ الثالِثَة قال: بَعُدَ مَنْ أدركَ أبَويه الكبَرُ عندَه أوْ أحدَهما فلَمْ يُدخِلاهُ الجنَّةَ. قلتُ: (آمين) ". وتقدم أيضاً. 2495 - (18) [حسن لغيره] ورواه الطبراني من حديث ابن عباس بنحوه، وفيه: "ومَنْ أدْركَ والديْهِ أوْ أحَدَهُما فلَمْ يبرَّهُما، دخلَ النارَ، فأبْعدَهُ الله وأسْحَقَهُ. قلتُ: (آمين) ". 2496 - (19) [صحيح لغيره] وعن مالك بن عمرو القشيري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ أعتقَ رقَبةً مسلمةً؛ فهِيَ فداؤه مِنَ النارِ، ومَنْ أدْركَ أحدَ والديه ثُمَّ لَمْ يُغْفَرْ له؛ فأبعَدَهُ الله". (زاد في رواية): (1) "وأسْحَقَهُ". [صحيح] رواه أحمد من طرق أحدها حسن.   (1) قلت: هذا يوهم أن الزيادة عند أحمد من حديث (مالك بن عمرو القشيري)، وإنما هو (أُبي بن مالك)، وهو الصواب في اسمه كما رجحه الحافظ. انظر "الصحيحة" (515). الحديث: 2492 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 653 2497 - (20) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "انطلقَ ثلاثَةُ نَفرٍ مِمَّنْ كان قبْلَكُم، حتَّى آواهم المَبيت إلى غارٍ، فَدخَلوهُ، فانْحدرتْ صَخْرةٌ مِنَ الجبَلِ فسدَّت عليهم الغارَ، فقالوا: إنَّه لا يُنْجيكُم مِنْ هذه الصخْرةِ إلا أَنْ تَدْعوا الله بِصالح أعْمالِكُم. قال رجلٌ منهم: اللهُمَّ كانَ لي أبوانِ شَيْخانِ كَبيران، وكُنتُ لا أغْبُقُ قَبْلَهُما أهْلاً ولا مالاً، فنأى بي طَلَبُ شَجرٍ يَوْماً فَلَمْ أَرُحْ عليهِما حتى ناما، فحَلبْتُ لهما غَبوقَهُما، فوَجْدتُهما نائمَيْنِ، فكرهْتُ أنْ أغبُقَ قبْلَهما أهْلاً أوْ مالاً، فلبِثْتُ والقَدَحُ على يَديَّ انْتَظِر اسْتِيقاظَهُما حتى بَرَقَ الفَجْرُ، فاسْتَيْقظَا فشَرِبا غَبُوقَهما، اللهمَّ إنْ كنتُ فعلتُ ذلك ابْتغَاءَ وجهِكَ فَفَرِّجْ عنَّا ما نحنُ فيه مِنْ هذهِ الصخْرَةِ. فانَفرَجْت شيئاً لا يَسْتَطيعونَ الخروجَ. وقال الآخَرُ: اللهُمَّ كانَتْ لي ابنة عَمٍّ؛ وكانتْ أحبَّ الناسِ إليَّ" الحديث. رواه البخاري ومسلم، وتقدم بتمامه وشرح غريبه في "الإخلاص" [1/ 1]. وفي رواية للبخاري قال: "بينما ثلاثَة نَفرٍ يتَماشون أخَذَهُم المطَرُ، فمالوا إلى غارٍ في الجبَلِ، فانْحَطَّتْ على فمِ غارِهمْ صخرَةٌ مِنَ الجبَلِ فأطْبَقَتْ عليهِم، فقالَ بعْضهم لِبعْضٍ: انْظُروا أعْمالاً عمِلْتُموها لله عزَّ وجلَّ صالِحةً، فادْعوا الله بها، لَعلَّهُ يَفرُجها [عنكم] (1).   (1) زيادة من رواية أخرى للبخاري (2/ 70). وأما الزيادة التي بعدها فهي عند البخاري في رواية الكتاب (4/ 109). الحديث: 2497 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 654 فقال أحدُهُم: اللَّهُمَّ إنَّه كان لي والِدانِ شيْخانِ كبيرانِ، ولي صِبْيَةٌ صِغارٌ كنتُ أرْعَى [عليهم]، فإذا رُحْتُ عليهم فَحلَبْتُ بَدأْتُ بِوالِدَيَّ أسْقِيهما قبل وَلدي، وإنَّه نَأى بِيَ الشجرُ، فما أتَيْتُ حتى أمْسَيْتُ، فوجَدتُهما قدْ ناما، فحَلبْتُ كما كنتُ أَحْلِبُ، فجئتُ بالحلاب، فقُمْتُ عند رؤوسِهما، أكرَهُ أنْ أوقِظَهُما مِنْ نوْمِهِما، وأكْرَهُ أنْ أَبدأَ بالصبْيَةِ قَبْلَهُما، والصبْيَة يتَضَاغونَ (1) عند قَدمَيَّ، فَلَمْ يزَلْ ذلك دَأْبي ودَأْبُهم حتى طَلَع الفَجْرُ. فإن كنتَ تعلمُ أنِّي فعلتُ ذلك ابْتِغاءَ وجْهِكَ، فافرُجِ لنا فُرْجةً نرى مِنْها السماءَ. ففرَّجَ الله عزَّ وجلَّ لهم حتى يرونَ (2) منها السماءَ" وذكر الحديث. 2498 - (21) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خرَجَ ثلاثةٌ فيمَنْ كانَ قبْلَكُم يرتادون لأهْليهِمْ، فأصابَتْهُم السماءُ، فلَجأوا إلى جبلٍ، فوقَعَتْ عليهِمْ صخْرَةٌ. فقال بعضُهُم لِبَعْضٍ: عفَا الأَثَرُ، ووقَعَ الحَجَرُ، ولا يعلَمُ بِمكانِكُم إلا الله؛ فادْعوا الله بأوْثَقِ أعْمالِكمَ. فقال أحدُهُم: اللَّهُمَّ إنْ كنتَ تعلَمُ أنَّه كانَتْ لي امْرأَةٌ تُعْجِبُني، فطلَبتُها فأبَتْ عليَّ، فجعَلْتُ لها جُعْلاً، فلمَّا قَرَّبَتْ نَفْسَها؛ تَرَكتُها. فإنْ كنْتَ تعلَمُ أنِّي إنَّما فَعلْتُ ذلك رجاءَ رَحْمَتِكَ، وخَشْيةَ عَذابِكَ فافرُجْ عنَّا، فزالَ ثُلُث الحَجَرِ. وقال الآخَرُ: اللهُمَّ إنْ كنتَ تعلَمُ أنَّه كان لي والدان، وكنتُ أحْلِبُ لهما في إنائهما، فإذا أَتَيْتُهما وهما نائمانِ قُمْتُ حتَّى يَسْتَيْقِظا، فإذا اسْتَيْقَظا شَرِبا،   (1) بالضاد المعجمة وبالغين المعجمة، أي: يصيحون، من ضغى إذا صاح، وكل صوت ذليل مقهور يسمى ضغواً. وقال الداودي: " (يتضاغون) أي: يبكون ويتوجعون". (2) هكذا في هذه الرواية، وفي الرواية الأخرى التي أشرت إليها آنفاً (رأوا)، وعليها المخطوطة. الحديث: 2498 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 655 فإنْ كنتَ تَعلَمْ أنِّي فعلْتُ ذلك رجاءَ رحْمَتِكَ، وخَشْيَةَ عَذابكَ فافرُجْ عنَّا، فزالَ ثُلُثُ الحَجَرِ. وقال الثالثُ: اللهمَّ إنْ كنتَ تعلَمُ أنِّي اسْتَأْجَرْتُ أجيراً يوماً فعَملَ لي نصفَ النهارِ، فأعْطَيْتُه أجراً، فَتَسخَّطَهُ ولَمْ يَأْخُذْه، فَوفَّرْتُها عليهِ، حتَّى صارَ مِنْ كَلّ المالِ، ثمَّ جاءَ يطلبُ أجْرَه، فقلْتُ: خذْ هذا كُلَّه، ولوْ شئْتُ لَمْ أُعْطِهِ إلا أجْرَهُ الأوَّلَ، فإنْ كنْتَ تعلَمُ أنِّي فعلتُ ذلك رجاءَ رَحْمَتِكَ، وخشْيَةَ عذَابِك، فافْرُج عنَّا. فزالَ الحَجَرُ، وخرَجوا يتَماشُونَ". رواه ابن حبان في "صحيحه" (1). 2499 - (22) [صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً قال: جاءَ رجلٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! مَنْ أحق الناسِ بحُسْنِ صَحَابَتي؟ قال: "أمُّك". قال: ثُمَّ مَنْ؟ قال: "أمُّكَ؟. قال: ثُمَّ مَنْ؟ قال: "أمُّك". قال: ثُمَّ مَنْ؟ قال: "أبوك". رواه البخاري ومسلم.   (1) قلت: ورواه البزار (1866 - كشف الأستار)، وإسناده صحيح على شرط مسلم، وهو أصح من إِسناد ابن حبان. الحديث: 2499 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 656 2500 - (23) [صحيح] وعن أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما قالتْ: قدمَتْ عليَّ أمِّي، وهي مُشرِكةٌ في عَهْدِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاسْتَفْتَيْتُ رسولَ اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ قلتُ: قدِمَتْ عليَّ أمِّي، وهي راغِبَةٌ، أَفأصِلُ أمِّي؟ قال: "نعم؛ صِلي أمَّك". [صحيح] رواه البخاري ومسلم (1)، وأبو داود، ولفظه: قالت: قدِمَتْ عليَّ أمِّي راغبةً في عهدِ قرَيْشٍ (2)، وهي راغِمَةٌ مشرِكَةٌ، فقلتُ: يا رسول الله! إنَّ أمِّي قدِمَتْ عليَّ وهي راغِمَةٌ مشْرِكَةٌ، أفأصِلُها؟ قال: "نعم؛ صِلي امَّكِ". (راغبة) أي: طامعة فيما عندي، تسْألُني الإحْسانَ إليْها. (راغمة) أي: كارهة للإسلام. 2501 - (24) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رضا الله في رضا الوالِد، وسخَطُ الله في سخَطِ الوالِد". رواه الترمذي، ورجح وقفه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم".   (1) زاد البخاري في "الأدب المفرد" (25): "قال ابن عيينة: فأنزل الله عز وجل فيها: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} ". (2) قلت: على هامش الأصل: (وفي نسخة: "وفي عهد قريب"). والصحيح ما أثبته من "أبي داود" رقم (1668)، وغفل المعلقون فأثبتوا الخطأ! ولم يلتفتوا إلى ما ذكروه في التعليق أن في نسخة (ب): "قريش"!! زاد البخاري في رواية (4/ 111) وأحمد (6/ 344): "ومدتهم إذ عاهدوا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -"، ولمسلم (3/ 81) نحوه. والمراد صلح الحديبية مع قريش. الحديث: 2500 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 657 2502 - (25) [حسن لغيره] ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة؛ إلا إنَّه قال: "طاعةُ الله طاعةُ الوالِدِ، ومَعصيَةُ الله معصيَةُ الوالِدِ". 2503 - (26) [حسن لغيره] ورواه البزار من حديث عبد الله بن عمر -أو ابن عمرو، ولا يحضرني أيهما (1) -، ولفظه: قال: "رضا الربِّ تبارَك وتعالى في رضا الوالِدَيْنِ، وسخَطُ الله تبارَكَ وتَعالى في سَخَط الوالدَيْنِ". 2504 - (27) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ، فقال: إني أذْنَبْتُ ذنْباً عظيماً، فهلْ لي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فقال: "هل لك مِنْ أمٍّ؟ ". قال: لا. قال: "فهل لك مِنْ خالة؟ ". قال: نَعمْ. قال: "فَبِرَّها". رواه الترمذي -واللفظ له-، (2) وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم؛ إلا أنهما قالا: "هل لك والدان" بالتثنية، وقال الحاكم: "صحيح على شرطهما".   (1) قلت: هو عند البزار (1865) عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه به؛ إلا أنه قال: (الوالد) بالإفراد في الموضعين. (2) أخرجه في "البر" (6/ 162 تحت رقم 1905 - الدعاس). الحديث: 2502 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 658 2505 - (28) [صحيح] وعن عبد الله بن دينارٍ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رجلاً مِنَ الأعْرابِ لَقِيَهُ بطَريقِ مكَّةَ، فسلَّم عليه عبدُ الله بنُ عُمَر، وحَملَهُ على حمارٍ كانَ يرْكَبُه، وأعطاه عِمامَةً كانَتْ على رأْسِهِ. قال ابْنُ دينارٍ: فقلْنا له: أصلَحكَ الله! إنَّهمُ الأَعْرابُ، وهم يَرْضُونَ باليَسيرِ! فقال عبدُ الله بنُ عُمرَ: إنَّ أبا هذا كانَ وُدّاً لعمرَ بْنِ الخطَّابِ، وإنِّي سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنّ أبرّ البِرّ صلةُ الولَد أهلَ وُدِّ أبيه". رواه مسلم (1). 2506 - (29) [حسن] عن أبي بردة قال: قدمتُ المدينةَ، فأتاني عبدُ الله بنُ عمرَ فقال: أتدْري لِمَ أتَيْتُك؟ قال: قلت: لا، قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ أحبَّ أنْ يَصِلَ أباه في قَبْره؛ فلْيَصِلْ إخْوانَ أبيه بَعْدَهُ". وإنَّه كان بين أبي عُمرَ وبين أبيك إخاء وَوُدٌّ، فأحْبَبْتُ أنْ أَصِلَ ذلِكَ. رواه ابن حبان في "صحيحه".   (1) قلت: ورواه البخاري في "الأدب المفرد" (41) نحوه. الحديث: 2505 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 659 2 - (الترهيب من عقوق الوالدين). 2507 - (1) [صحيح] عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله حرَّم عليكُم عقوقَ الأُمَّهاتِ، وَوَأْدَ البَناتِ، ومَنْعَ وهات، وكرهَ لَكُم قيلَ وقالَ، وكثْرةَ السُّؤَال، وإضاعَةَ المالِ" (1). رواه البخاري وغيره. 2508 - (2) [صحيح] وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أُنبِّئُكم بأكبرِ الكبائِر؟ (ثلاثاً) ".   (1) (العقوق): أصله من (العق) وهو الشق والقطع. يقال: عق والده يعقه عقوقاً، فهو عاق: إذا آذاه وعصاه وخرج عليه، وهو ضد البر، كأن العاق لأمه يقطع ما بينهما من الحقوق. وإنما خص الأمهات بالذكر وإن كان عقوقُ الآباء أيضاً حراماً؛ لأن العقوق إليهن أسرع من الآباء؛ لضعف النساء، وللتنبيه على أن بر الأم مقدم على بر الأب في التلطف والحنو ونحو ذلك. وقوله: "ووأد البنات"؛ (الوأد) مصدر وأدت الوائدة ابنتها تشدها: إذا دفنتها حية. وكان أحدهم في الجاهلية إذا جاءته بنت يدفنها حية حين تولد، ويقولون: القبر صهر، ونعم الصهر! وكانوا يفعلونه غيرة وأنفة، وبعضهم يفعله تخفيفاً للمؤنة. قيل: أول من فعله من العرب قيس بن عاصم التيمي. وقوله: "ومنع وهات": (المنع) مصدر منع يمنع، والمراد: منع ما أمر الله أن لا يمنع. قال ابن التين: "ضبط (منع) بغير ألف، وصوابه (منعاً) بالألف، لأنه مفعول (حرَّم). و (هات) فعل أمر مجزوم. والمراد به النهي عن طلب ما لا يستحق طلبه". وقوله: "وكره لكم قيل وقال" يروى بغير تنوين حكاية للفظ الفعل، وروي منوناً، وهي رواية البخاري: "قيلاً وقالاً" على النقل من الفعلية إلى الاسمية. والأول أكثر. والمراد به نقل الكلام الذي يسمعه إلى غيره، فيقول: قيل: كذا وكذا بغير تعيين القائل. وقال فلان: كذا وكذا. إنما نُهي عنه؛ لأنه من الاشتغال بما لا يعني المتكلم، ولأنه قد يتضمن الغيبة والنميمة والكذب، لا سيما مع الإكثار من ذلك، قلما يخلو عنه الإنسان. وقوله: "وكثرة السؤال" إما في العلميات، وإما في الأموال؛ وكلاهما مضر، أو عن المشكلات من المسائل، أو مجموع الأمرين، وهو أولى من حمله على الخاص. وقوله: "وإضاعة المال" المتبادر من الإضاعة ما لم يكن لغرض ديني ولا دنيوي. وقيل: هو الإنفاق في الإسراف. وقيده بعضهم بالإنفاق في الحرام. والله أعلم. [من هامش الأصل]. الحديث: 2507 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 660 قلنا: بَلى يا رسولَ الله! قال: "الإشراكُ بالله، وعقوقُ الوالِدينِ -وكان متكئاً فجلَس فقال:- ألا وقولُ الزورِ، وشهادَة الزورِ". فما زال يُكرِّرُها حتى قلنا: لَيْتَهُ سَكَتَ. رواه البخاري ومسلم والترمذي. 2509 - (3) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الكبائر: الإشراكُ بالله، وعقوقُ الوالدَيْنِ، وقتلُ النفسِ، واليمينُ الغموسُ". رواه البخاري. 2510 - (4) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: ذكِرَ عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الكبائر فقال: "الشركُ بالله، وعقوقُ الوالدينِ" الحديث. رواه البخاري ومسلم والترمذي. [صحيح لغيره] وفي كتاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي كتبه إلى أهل اليمن وبعث به عمرو بن حزم: "وإنَّ أكبرَ الكبائر عند الله يومَ القيامةِ: الإشْراكُ بالله، وقتلُ النفسِ المؤمِنَةِ بغير الحَقِّ، والفرارُ في سبيلِ الله يومَ الزحْفِ، وعقوقُ الوالدين، ورَمْيُ المْحصَنَةِ، وتعلُّمُ السِّحْرِ، وأكْلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليَتيمِ" الحديث. [مضى 12 - الجهاد/ 11]. رواه ابن حبان في "صحيحه". الحديث: 2509 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 661 2511 - (5) [حسن صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثَةٌ لا ينظرُ الله إليهم يومَ القِيَامَةِ: العاقٌّ لوالديْهِ، ومدمِنُ الخمْر، والمنَّان عطاءَه. وثلاثَةٌ لا يَدخلونَ الجنَّة: العاقُّ لوالِديْه، والديُّوثُ، والرَّجُلَة". رواه النسائي والبزار -واللفظ له- بإسنادين جيدين، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". وروى ابن حبان في "صحيحه" شطره الأول. (الديّوث) بتشديد الياء: هو الذي يقرّ أهله على الزنا مع علمه بهم. (والرجلة) بفتح الراء وكسر الجيم (1): هي المترجلة المتشبهة بالرجال [مضى 16 - اللباس/ 6]. 2512 - (6) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمر (2) رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثَةٌ حرَّم الله تبارك وتعالى عليهِمُ الجنَّةَ: مدمِنُ الخَمْرِ، والعاقُّ، والديُّوثُ؛ الذي يُقِرُّ الخُبْثَ في أهْلِهِ". رواه أحمد -واللفظ له- والنسائي والبزار، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد" (3). 2513 - (7) [حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) كذا قال، وهو خطأ، والصواب ما أثبتنا في المتن. (2) قلت: الأصل: "بن عمرو بن العاصي"، وهو خطأ من الناسخ، فقد تقدم هذا بعينه (21 - الحدود/ 6) من مسند ابن عمر بن الخطاب، وهو الصواب؛ كما قال الناجي (190/ 1)، فلا دخل لابن عمرو في الحديث. وغفل عن ذلك مدعو التحقيق، في الموضعين!! (3) لا وجه لذكر النسائي ومن بعده هنا، لأنهم رواة اللفظ الذي قبله، وقد تقدم مني التنبيه على هذا هناك. الحديث: 2511 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 662 "ثلاثَةٌ لا يَقبلُ الله عزَّ وجلَّ منهم صَرْفاً ولا عَدْلاً: عاقُّ، ومنَّانٌ، ومُكَذِّب بقَدَرٍ". رواه ابن أبي عاصم في "كتاب السنة" (1) بإسناد حسن. 2514 - (8) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مِنَ الكبائرِ شَتْمُ الرجلِ والدَيْهِ". قالوا: يا رسولَ الله! وَهَلْ يَشْتُم الرجلُ والديه؟ قال: "نعم، يَسُبُّ أبا الرجُلِ؛ فيسبُّ أباه، ويسبُّ أمَّه؛ فيَسُبُّ أمَّه". رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي. وفي رواية للبخاري ومسلم: "إنَّ مِنْ أكْبرِ الكبائِر أنْ يَلْعَن الرجلُ والديْهِ". قيلَ: يا رسولَ الله؟ وكيفَ يلعنُ الرجلُ والديه؟ قال: "يَسُبُّ [الرجلُ] أبا الرجل؛ فيسبُّ أباه، ويسبُّ أمَّهُ؛ فيَسُبُّ أمَّهُ" (2). 2515 - (9) [صحيح] وعن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه قال: جاءَ رَجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! شهدتُ (3) أنْ لا إله إلا الله، وأنّكَ رسولُ الله، وصلّيْتُ الخمسَ، وأدَّيْتُ زكاةَ مالي، وصُمتُ رمضانَ؟ فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) رقم (323 - بتحقيقي). (2) قلت: هذا اللفظ للبخاري وحده (5973/ فتح)، وإنما لمسلم (- 1/ 64 - 65) الذي قبله، وهو للترمذي، ولأبي داود الثاني. (3) كذا الأصل والمخطوطة و"المجمع" (8/ 147) من رواية أحمد والطبراني، ولم أره في "مسند أحمد"، وفي ابن حبان (19) زيادة: "أرأيت إن"، فلعلها سقطت من أحد الرواة، أو المؤلف. الحديث: 2514 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 663 "مَنْ ماتَ على هذا كان معَ النبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهَداءِ يومَ القيامة هكذا -ونصب أصبعيه- ما لَمْ يَعقَّ والديه". رواه أحمد والطبراني بإسنادين أحدهما صحيح، ورواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" باختصار. 2516 - (15) [صحيح] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: أوْصاني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعَشْرِ كلِماتٍ قال: "لا تُشْرِكْ بالله شيْئاً وإنْ قُتِلْتَ وحُرِّقْتَ، ولا تَعُقَّنَّ والديْكَ؛ وإنْ أَمراك أنْ تَخْرُجَ مِنْ أهْلِكَ ومَالِكَ" الحديث. رواه أحمد وغيره. وتقدم في "ترك الصلاة" بتمامه. [5/ 40]. [صحيح لغيره] وتقدم في [21 - الحدود/ 8] "اللواط" حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ". . .؛ قال: ملعونٌ من عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط، ملعونٌ من عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط، ملعونٌ من عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط، ملعونٌ من ذبحَ لغيرِ اللهِ، ملعونٌ من عَقَّ والديه" الحديث. رواه الطبراني، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". [صحيح] وتقدم فيه أيضاً حديث ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لعنَ الله مَنْ ذبَح لِغَيرِ الله، ولعنَ الله مَنْ غَيرَ تُخومَ الأرضِ، ولعنَ الله مَنْ سبَّ والديه" الحديث. رواه ابن حبان في "صحيحه". الحديث: 2516 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 664 2517 - (11) [حسن موقوف] وعن العوَّام بن حَوْشَبٍ قال: نزلتُ مرَّةً حياً، وإلى جانبِ ذلك الحيِّ مقبرةٌ، فلمَّا كان بعدَ العَصْرِ انشقَّ فيها قبْرٌ، فخَرج رجلٌ رأسُه رأسُ الحِمارِ، وجَسدُه جَسدُ إنسانٍ، فنهَقَ ثلاثَ نَهْقاتٍ ثُمَّ انْطبقَ عليه القبرُ، فإذا عجوزٌ تَغْزِل شَعْراً أوْ صوفاً، فقالتِ امْرأَةٌ: ترى تلكَ العجوزَ؟ قلتُ: ما لَها؟ قالتْ: تلكَ أمُّ هذا. قلتُ: وما كانَ قِصَّتُه؟ قالتْ: كان يشرَبُ الخمرَ، فإذا راحَ تقولُ له أُمُّه: يا بنيَّ اتَّقِ الله إلى متى تَشْرَبُ هذه الخمرَ؟! فيقولُ لها: إنَّما أنْتِ تَنْهَقينَ كما يَنْهَقُ الحِمارُ! قالتْ: فماتَ بعدَ العَصْرِ. قالتْ: فهو يَنْشَقُّ عنه القبرُ بعدَ العَصْرِ، كلُّ يوم فيَنْهَقُ ثلاثَ نَهَقَاتٍ، ثمَّ ينْطَبِق عليه القبرُ. رواه الأصبهاني وغيره. وقال الأصبهاني: "حدَّث به أبو العباس الأصم إملاءً بنيسابور بمشهد من الحفاظ فلم ينكروه". الحديث: 2517 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 665 3 - (الترغيب في صلة الرحم وإنْ قطعت، والترهيب من قطعها). 2518 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ كانَ يُؤمِنُ بالله واليومِ الآخر فلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومن كانَ يؤمِنُ بالله واليوم الآخِرِ فلْيَصِلْ رَحِمَهُ، ومَنْ كانَ يؤمِن بالله واليومِ الآخِرِ فليَقلْ خيراً أوْ لِيَصْمُتْ". رواه البخاري ومسلم (1). 2519 - (2) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ أحبَّ أنْ يُبْسطَ له في رِزْقِهِ، ويُنَسَّأَ له في أثَرِهِ؛ فلْيَصِلْ رَحِمَهُ". رواه البخاري ومسلم. (يُنَسَّأ) بضم الياء وتشديد السين المهملة مهموزاً، أي: يؤخِّر له في أجله. 2520 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، وأَنْ يُنَسَّأَ له في أَثَرِه؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ". [صحيح] رواه البخاري، والترمذي، ولفظه: قال: "تعلَّموا مِنْ أنْسابِكم ما تَصِلونَ به أرْحامَكُم؛ فإنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحبَّةٌ في الأهْلِ، مَثْراةٌ في المالِ، مَنْسأَةٌ في الأَثَرِ". وقال: "حديث غريب، ومعنى (منسأة في الأثر): يعني به الزيادة في العمر" انتهى.   (1) في "الإيمان" (1/ 949) دون قوله: "فليصل رحمه"، وهي عند البخاري (6138)، وقال مسلم بديله: "فلا يؤذي جاره"، وهو رواية للبخاري، وستأتي قريباً في أول الباب (5). الحديث: 2518 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 666 2521 - (4) [صحيح] ورواه الطبراني من حديث العلاء بن خارجة كلفظ الترمذي بإسناد لا بأس به. (1) 2522 - (5) [صحيح] وعن رجلٍ من خثعم قال: أتيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في نَفَرٍ مِنْ أصْحابِه، فقلتُ: أنْتَ الذي تزعُم أنَّك رسول الله؟ قال: "نعم". قال: قلتُ: يا رسولَ الله! أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟ قال: "الإيمانُ بالله". قال: قلتُ: يا رسولَ الله! ثُمَّ مَهْ؟ قال: "ثُمَّ صِلَةُ الرَّحِمِ". قال: قلتُ: يا رسولَ الله! ثُمَّ مَهْ؟ قال: "ثمَّ الأمرُ بالمعروفِ، والنهيُ عنِ المنكَرِ". قال: قلتُ: يا رسول الله! أيُّ الأعْمالِ أبغَضُ إلى الله؟ قال: "الإشْراكُ بالله". قال: قلتُ: يا رسولَ الله! ثُمَّ مَهْ؟ قال: "ثمَّ قَطيعَةُ الرَّحِمِ". قال: قلتُ: يا رسولَ الله! ثُمَّ مَهْ؟ قال: "ثُمَّ الأمْرُ بالمنْكَرِ، والنهيُ عنِ المعروفِ".   (1) كذا قال! ونحوه قول الهيثمي: "ورجاله وثقوا"! والصواب أن إسناده صحيح، فقد أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/ 98/ 176)، وعنه أبو نعيم في "المعرفة" (2/ 127/ 2) من طريق عبد الملك بن يعلى عن العلاء بن خارجة به، وابن يعلى هذا ثقة كما قال الحافظ، روى عن عمران وغيره، وسائر الرجال ثقات رجال مسلم؛ غير علي بن عبد العزى شيخ الطبراني، وهو البغوي، ثقة حافظ. الحديث: 2521 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 667 رواه أبو يعلى بإسناد جيد. 2523 - (6) [صحيح] وعن أبي أيوبَ رضي الله عنه: أنَّ أعرابياً عَرَضَ لِرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في سَفَرٍ، فأخَذ بِخطامِ ناقَتِه، أوْ بزِمامِها، ثمَّ قال: يا رسولَ الله -أو يا محمَّد! - أخبرني بما يُقرِّبُني مِنَ الجنةِ ويباعِدُني مِنَ النارِ؟ قال: فكفَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثمَّ نظرَ في أصْحابِهِ، ثُمَّ قال: "لقد وُفِّقَ -أو لقد هُدِيَ-". قال: "كيفَ قلْتَ؟ ". قال: فأعادَها، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تعبدُ الله لا تُشْرِكُ به شيْئاً، وتقيمُ الصلاةَ، وتُؤْتي الزكاةَ، وتَصِلُ الرَّحِمَ، دَعِ الناقَةَ". وفي رواية: "وتصل ذا رحمك". فلمَّا أَدْبَر قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنْ تَمسَّكَ بما أُمِرَ بِه (1) دخَلَ الجنَّةَ". رواه البخاري ومسلم، واللفظ له. 2524 - (7) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لها: "أنَّه مَنْ أُعْطيَ [حظه من] الرفق؛ فقد أُعطِيَ حظَّهُ مِنْ خير الدنيا والآخِرَةِ، وصِلةُ الرَّحِمِ وحسنُ الجِوارِ -أوْ حُسْنُ الخلُقِ- يُعَمِّرانِ الديارَ، ويَزيدانِ في الأَعْمارِ". رواه أحمد، ورواته ثقات؛ إلا أن عبد الرحمن بن القاسم لم يسمع من عائشة (2).   (1) الأصل: (أمرته به)، والتصحيح من "مسلم" (1/ 33). (2) قلت: كذا قال! وتبعه الهيثمي، وكذا الغارقون في التقليد، وهو في "مسند أحمد"، وكذا "مسند أبي يعلى" من رواية عبد الرحمن عن أبيه القاسم. انظر "الصحيحة" (519). الحديث: 2523 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 668 2525 - (8) [صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: أوْصاني خليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخِصالٍ مِنَ الخيرِ: أوصاني أنْ لا أنْظُرَ إلى مَنْ هو فوقي، وأَنْ أنْظُرَ إلى مَنْ هو دوني، وأوْصاني بحُبِّ المساكينِ والدُّنُوِّ منهم، وأوْصاني أنْ أصلَ رَحِمي وإنْ أدْبَرَتْ، وأوْصاني أنْ لا أخافَ في الله لوْمةَ لائم، وأوْصاني أنْ أقول الحقَّ وإنْ كان مُرّاً، وأوْصاني أن أكْثِرَ مِنْ (لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بِالله)، فإنَّها كنزٌ مِنْ كُنوزِ الجنَّة". رواه الطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له. 2526 - (9) [صحيح] وعن ميمونة رضي الله عنها: أنَّها أعْتَقتْ وَلِيدةً لها، ولَمْ تَسْتأذِنِ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلمَّا كان يومُها الَّذي يدورُ عليها فيه قالتْ: أشَعَرْتَ يا رسول الله أنِّي أَعْتَقْتُ وليدَتي؟ قال: "أَوَ فَعلْتِ؟ ". قالتْ: نعم. قال: "أمَا إنَّكِ لوْ أعْطَيْتِها أخْوالَكِ؛ كانَ أعْظمَ لأجرك". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. وتقدم في "البر" [1 - باب/ 27 - حديث] حديث ابن عمر قال: أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ فقال: إني أذنبتُ ذنباً عظيماً، فهل لي مِنْ تويَةٍ؟ فقال: "هل لك مِنْ أمٍّ؟ ". قال: لا. قال: "فهل لك من خالَةٍ؟ ". قال: نعم. قال: "فَبِرَّها". الحديث: 2525 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 669 رواه ابن حبان والحاكم (1). 2527 - (10) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ تقولُ: مَنْ وَصَلني وصَلَهُ الله، ومَنْ قَطَعني قَطَعهُ الله". رواه البخاري ومسلم. 2528 - (11) [صحيح لغيره] وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "قال الله عزَّ وجلَّ: أنا الله، وأنا الرحمن، خلقتُ الرَّحِمَ، وشقَقْتُ لها اسْماً مِنِ اسْمي، فَمنْ وصلَها وصَلتُه، ومَنْ قطَعها قطَعْتُه -أو قال: بَتَتُّهُ-". رواه أبو داود والترمذي من رواية أبي سلمة عنه. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". (قال الحافظ) عبد العظيم: "وفي تصحيح الترمذي له نظر، فإن أبا سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه شيئاً. قاله يحيى بن معين وغيره. ورواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه" من حديث معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن رداد (2) الليثي عن عبد الرحمن بن عوف. وقد أشار الترمذي إلى هذا، ثم حكى عن البخاري أنه قال: "وحديث معمر خطأ" (3). والله أعلم".   (1) قلت: لفظهما: "هل لك والدان؟ "، واللفظ الأول للترمذي كما تقدم في "البر" من المؤلف نفسه، فكان ينبغي أن يعزوه إليه أيضاً، وأن ينبه على الفرق المذكور هنا أيضاً. (2) بتشديد الهملة، وقال بعضهم: (أبو الرداد)، وهو أصوب، حجازي مقبول. كذا في "التقريب". (3) قلت: يعني لأنه وصله بذكر (رداد) بين أبي سلمة وعبد الرحمن، وفيما قاله نظر، لأن معمراً قد توبع على وصله من ثقتين، وأشار إلى ذلك البيهقي في "الأسماء والصفات" (ص 370)، ولذلك جزم الحافظ بأن حديثه هو الصواب كما بينته في "الصحيحة" (520)، وغفل عن ذلك كله الثلاثة! الحديث: 2527 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 670 2529 - (12) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله تعالى خَلق الخَلْقَ، حتى إذا فَرغَ منهم قامَتِ الرحِمُ فقالَتْ: هذا مقامُ العائِذِ بكَ مِنَ القَطيعَةِ، قال: نعم، أما تَرضينَ أنْ أصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وأقْطعَ مَنْ قطَعَكِ؟ قالتْ: بلى. قال: فذاك لَكِ". ثم قال رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اقْرؤوا إنْ شئْتُم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}. رواه البخاري ومسلم. 2530 - (13) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنْ الرَّحِمَ شُجنة (1) مِنَ الرحمن تقولُ: يا ربِّ! إنِّي قُطِعْتُ، يا ربِّ! إنِّي أُسِيء إليِّ، يا ربِّ! إنِّي ظُلِمْتُ، يا ربِّ! يا ربِّ! فيُجيبُها: ألا تَرْضِينَ أَنْ أَصلَ مَنْ وَصَلَكِ، وأقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟! ". رواه أحمد بإسناد جيد قوي، وابن حبان في "صحيحه" (2). 2531 - (14) [حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنه قال: "الرحِمُ حَجَنَةٌ متمسَّكَةٌ بالعرْشِ، تَكَلَّمُ بِلسانٍ ذَلِقٍ: اللهم صِلْ مَنْ وصَلَني، واقْطَعْ منْ قطَعَني، فيقول الله تبارك وتعالى: أنا الرحمنُ الرحيمُ، وإنِّي شقَقْتُ لِلرحِمِ مِن اسْمي، فَمنْ وصَلَها وصَلْتُه، ومَنْ بَتَكَها بَتَكْتُهُ". رواه البزار بإسناد حسن. (الحَجَنة) بفتح الحاء المهملة والجيم وتخفيف النون: هي صنارة المغزل، وهي الحديدة العقفاء التي يعلق بها الخيط ثم يفتلُ الغزل.   (1) أي: قرابة مشتبكة كاشتباك العروق كما يأتي في الكتاب بعد حديث. (2) قلت: وكذا البخاري في "الأدب المفرد" (65). الحديث: 2529 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 671 وقوله: (من بتكها بتكته) أي: من قطعها قطعته. 2532 - (15) [صحيح] وعن سعيد بن زيدٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنَّه قال: "إنَّ مِنْ أربى الربا الاستطالة في عِرْضِ المسلم بغيرِ حَقٍّ، وإنَّ هذه الرحِمَ شُجْنةٌ مِنَ الرَّحْمنِ عزَّ وجَلَّ، فَمنْ قَطَعها حَرَّم الله عليه الجنَّةَ". رواه أحمد والبزار، ورواة أحمد ثقات. قوله: (شُجنة من الرحمن) قال أبو عبيد: "يعني قرابة مشتبكة كاشتباك العروق، وفيها لغتان: شجنة بكسر الشين وبضمها وإسكان الجيم". 2533 - (16) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليسَ الواصِل بالمكافِئ، ولكنَّ الواصِلَ: الَّذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها". رواه البخاري -واللفظ له- وأبو داود والترمذي. 2534 - (17) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله! إنَّ لي قرابةً أَصِلُهم وَيقْطَعوني، وأُحْسِنُ إليهم وُيُسيئون إليَّ، وأحْلُم عليهم وَيجْهَلون عليَّ؟ فقال: " [ولئن] (*) كنتَ كما قلتَ فكأنَّما تُسِفُّهم (1) المَلَّ، ولا يزالُ [معك] (**) مِنَ الله ظهيرٌ عليهِمْ ما دُمْتَ على ذلك". رواه مسلم (2). (الملَّ) بفتح الميم وتشديد اللام: هو الرماد الحار.   (1) أي: تجعل وجوههم كالرماد من الحياء. (2) قلت: وكذا البخاري في "الأدب المفرد" (52). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في المطبوع (وإنْ)، والمثبت من (صحيح مسلم)، نص عليه الشيخ مشهور في طبعته (**) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس في المطبوع، وقد نبه عليه الشيخ مشهور في طبعته وأثبته من (صحيح مسلم) الحديث: 2532 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 672 2535 - (18) [صحيح] وعن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أفضلُ الصَّدقَةِ الصدقَةُ على ذي الرحِم الكاشِحِ". رواه الطبراني، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". [مضى 8 - الصدقات/ 11]. ومعنى (الكاشِحِ): أنَّه الذي يضمر عداوته في كشحه، وهو خصره؛ يعني أنَّ أفضَلَ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرحم المضمرِ العداوةَ في باطنه، وهو في معنى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وتصل من قطعك". 2536 - (19) [صحيح لغيره] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: ثُمَّ لقيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخذتُ بيدهِ فقلتُ: يا رسول الله! أخْبِرْني بفَواضِلِ الأعْمالِ. قال: "يا عقبةُ! صِلْ مَنْ قَطَعكَ، وأَعْطِ مَنْ حَرمَك، وأَعْرِضْ عَمَّنْ ظَلَمك". [صحيح] وفي رواية: "واعْفُ عَمَّنْ ظلَمكَ". [صحيح لغيره] رواه أحمد، والحاكم، وزاد: "ألا وَمَنْ أرادَ أنْ يُمَدَّ في عُمُرهِ، وُيبْسَطَ في رِزْقِه؛ فلْيَصِلْ رَحِمَهُ". ورواة أحد إسنادي أحمد ثقات (1). 2537 - (20) [صحيح] وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِنْ ذَنْبٍ أجدَرُ أنْ يعجلَ الله لِصاحِبِه العقوبةَ في الدنيا -مع ما يُدَّخَرُ له في الآخِرَةِ- مِنَ البَغْيِ وقَطيعَةِ الرحِمِ". رواه ابن ماجه، والترمذي، وقال:   (1) قلت: وبالإسنادين أخرجه ابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" (ص 5 رقم - 19 و20). الحديث: 2535 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 673 "حديث حسن صحيح". والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد". [حسن لغيره] ورواه الطبراني، فقال فيه: "مِنْ قَطيعَة الرحِمِ، والخِيانَةِ، والكَذب، وإنَّ أَعْجَلَ البِرِّ ثواباً بالصلة الرحِمُ، حتَّى إن أَهْلَ البَيْتِ ليكونون فَجَرَةً (1)، فتنموا أمْوالُهم، ويكثُر عَدَدُهم إذا تَواصَلُوا". [حسن لغيره] ورواه ابن حبان في "صحيحه" ففرَّقه في موضعين، ولم يذكر الخيانة والكذب، وزاد في آخره: "وما مِنْ أهلِ بيْتٍ يتَواصَلونَ فَيحْتَاجُونَ". 2538 - (21) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن أعْمالَ بني آدَم تُعْرضُ كلَّ خميسٍ ليلَةَ الجمُعَةِ، فلا يُقْبَل عَمَلُ قاطعِ رَحِمٍ". رَواه أحمد، ورواته ثقات. 2539 - (22) [صحيح لغيره] وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثةٌ لا يدخلون الجنةَ: مدمنُ الخمرِ، وقاطعُ الرحم، ومصدقٌ بالسِّحرِ". رواه ابن حبان وغيره، وقد تقدم بتمامه في "شرب الخمر" [21 - الحدود/ 6]. 2540 - (23) [صحيح] وعن جبير بن مطعمٍ رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يدخُلُ الجنَّة قاطعٌ". قال سفيان: يعني قاطع رحم. رواه البخاري ومسلم والترمذي.   (1) وقع في "المجمع" (8/ 152): "فقراء"، وهو خطأ مطبعي، والصواب ما هنا، فإنه كذلك في رواية ابن حبان و"أوسط الطبراني"، انظر "الصحيحة" (917 و978). الحديث: 2538 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 674 4 - (الترغيب في كفالة اليتيم ورحمته، والنفقة عليه، والسعي على الأرملة والمسكين). 2541 - (1) [صحيح] عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنا وكافِلُ اليَتيم في الجنَّةِ هكذا"، وأشار بالسَّبابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بينَهما. رواه البخاري وأبو داود والترمذي، [وقال: "حديث حسن صحيح"] (1). 2542 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كافِلُ اليَتيمِ له أو لِغَيْرِه؛ أنا وهو كهاتَيْنِ في الجنَّة" (2). وأشارَ مالِكٌ بالسبَّابَةِ والوُسْطَى. رواه مسلم. ورواه مالك عن صفوان بن سليم مرسلاً. 2543 - (3) [صحيح لغيره] وعن زُرارة بن أبي أوفى عن رجل من قومه يقال له: مالكٌ -أو ابن مالك-، سمع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ ضَمَّ يتيماً بين مسلمين في طعامِهِ وشرابِهِ حتى يستغني عنه؛ وجبتْ له الجنةُ. .، ومن أدركَ والدَيْه أو أحَدهما ثم لم يبرهما؛ دخل النار، فأبعده الله، وأيما مسلم أعتق رقبة مسلمة كانت فكاكه من النار".   (1) وقعت هذه الزيادة في الأصل عقب حديث رواه الترمذي عن ابن عباس، وضعفه بـ (حنش)، ولم يُذكر هذا التضعيف من الأصل. (2) قلت: زاد أحمد: "إذا اتقى الله". انظر "الأحاديث الصحيحة" (962). الحديث: 2541 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 675 رواه أبو يعلى والطبراني وأحمد مختصراً بإسناد حسن (1). [مضى 16 - البيوع/ 5]. 2544 - (4) [حسن لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ يشكو قَسوةَ قلبِهِ. قال: "أتُحِبُّ أنْ يلينَ قلبُك، وتُدرِكَ حاجتَك؟ ارْحَمِ اليتيمَ، وامسَحْ رأْسه، وأطْعِمْهُ مِنْ طَعامِك؛ يَلِنْ قلبُكْ، وتُدرِكْ حاجتَك". رواه الطبراني من رواية بقية، وفيه راوٍ لم يُسَمَّ. 2545 - (5) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رجُلاً شكا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسْوةَ قلْبِه. فقال: "امْسَحْ رأْسَ اليَتيمِ، وأَطْعِمِ المسكينَ". رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 2546 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الساعي على الأرْمَلةِ والمسْكينِ؛ كالمجاهِدِ في سبيلِ الله، -وأَحْسِبهُ قال:- وكالقائمِ لا يَفتُرُ، وكالصائم لا يُفطِرُ". رواه البخاري ومسلم (2). [حسن] وابن ماجه؛ إلا أنه قال:   (1) قلت: كيف وفيه علي بن زيد الذي في الحديث قبله في الأصل، -وهو في "الضعيف" هنا-، وقد صرح المؤلف بذلك فيما تقدم، وقوله: "مختصراً" إنما هو رواية له، وهي التي تقدمت هناك، لكن قد أخرجه أحمد في رواية أخرى (5/ 29) بتمامه، وهي عنده قبيل روايته المتقدمة، فكأن المؤلف ذهل عنها. ثم إن الحديث صحيح بشواهده دون لفظة (البتة)، وقد حذفتها مشيراً إليها بالنقط، وتناقض فيه الثلاثة المعلقون فحسنوه فيما تقدم، وضعفوه هنا، ودسوا في نقلهم لكلام الهيثمي ما ليس فيه، ولعله لعيّهم، ودون قصد منهم! (2) قلت: فاته الترمذي، أخرجه في "البر والصلة" وصححه. الحديث: 2544 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 676 "الساعي على الأرْملَةِ والمسكينِ؛ كالمجاهدِ في سبيل الله، وكالذي يقومُ الليلَ ويَصومُ النهارَ". 2547 - (7) [حسن لغيره] ورُوي عن المطلب بن عبد الله المخزومي قال: دخلت على أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: يا بني! ألا أحدثك بما سمعت من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قلت: بلى يا أُمَّه. قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من أنفقَ على بنتين أو أختين أو ذواتي قرابةٍ، يحتسبُ النفقةَ عليهما حتى يغنيَهما من فضل الله، أو يكفيهما؛ كانتا له ستراً من النار". رواه أحمد والطبراني. وتقدم لهذا الحديث نظائر في "النفقة على البنات" [17 - النكاح/ 5، ومضى هذا هناك]. الحديث: 2547 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 677 5 - (الترهيب من أذى الجار، وما جاء في تأكيد حقه). 2548 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ كانَ يؤمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ؛ فلا يُؤْذي جارَهُ، ومَنْ كانَ يؤمِنُ بالله واليوم الآخِرِ؛ فلْيُكْرِمْ ضيْفَهُ، ومَنْ كانَ يُؤمِنُ بالله واليومِ الآخِر؛ فليَقُلْ خيراً أوْ لِيَسْكُتْ". رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: "ومَنْ كانَ يؤمِنُ بالله واليومِ الآخِر؛ فلْيُحسِنْ إلى جارِهِ". 2549 - (2) [صحيح] وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه: "ما تقولون في الزنا؟ ". قالوا: حرامٌ، حرَّمَهُ الله ورسولُه، فهو حَرامٌ إلى يومِ القِيامَة. قال: فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لأَنْ يزنيَ الرجلُ بعَشْرِ نِسْوَةٍ؛ أيْسرُ عليه من أنْ يزنيَ بامْرأَةِ جارهِ". قال: "ما تقولونَ في السرِقَةِ؟ ". قالوا: حرَّمَها الله ورسولُه، فهي حَرامٌ. قال: "لأنْ يَسْرِق الرجلُ مِنْ عشْرةِ أبْياتٍ؛ أيسرُ عليه منْ أنْ يَسرقَ مِنْ جارِه". رواه أحمد -واللفظ له، ورواته ثقات-، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط". [مضى الشطر الأول منه 21 - الحدود/ 7]. الحديث: 2548 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 678 2550 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "والله لا يؤْمنُ، والله لا يؤْمنُ، والله لا يؤْمِنْ". قيلَ: مَنْ يا رسولَ الله؟ قال: "الَّذي لا يأْمَن جارُه بوائِقَهُ". [صحيح] رواه أحمد، والبخاري ومسلم، وزاد أحمد: قالوا: يا رسول الله! وما بوائقه؟ قال: "شرّه" (1). [صحيح] وفي رواية لمسلم: "لا يدخلُ الجنَّةَ مَنْ لا يَأْمَنُ جارُه بوائِقَهُ". 2551 - (4) [صحيح] وعن أبي شريح الكعبي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "والله لا يؤمِنُ، والله لا يؤمِنُ، والله لا يؤمِنُ". قيلَ: يا رسولَ الله! لقد خابَ وخَسِرَ، مَنْ هذا؟ قال: "مَنْ لا يَأْمَنُ جارُه بوائِقَه". قالوِا: وما بوائقه؟ قال: "شَرُّه". رواه البخاري (2).   (1) قلت: وكذلك أخرجه الحاكم (1/ 10 و4/ 165)، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وصنيع المؤلف يوهم أنهما أخرجاه بهذا السياق دون الزيادة، وليس كذلك، أما البخاري فلم يسق لفظه مطلقاً، ثم إنه لم يوصله، وإنما علقه عقب حديث أبي شريح الآتي بعده، وأما مسلم فليس عنده إلا الرواية المختصرة الآتية (1/ 49)، وهي عند البخاري أيضاً في "الأدب المفرد" (121). وراجع "الفتح" (10/ 364) إن شئت، و"العجالة" (191/ 1 - 2). (2) قلت: لكن ليس عنده "خاب وخسر"، وأنا أظن أن المؤلف دخل عليه حديث في حديث، فقد جاءت هذه الزيادة في حديث أبي ذر المتقدم في (18 - اللباس/ 2). وكذلك أخرجه أحمد (4/ 31 و6/ 385)، وعنده: "قالوا: وما بوائقه؟. ."؛ دون البخاري. انظر "الفتح". الحديث: 2550 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 679 2552 - (5) [صحيح لغيره] وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما هو بِمؤْمِنٍ منْ لَمْ يأْمَنْ جارُه بوائِقَهُ". رواه أبو يعلى من رواية ابن إسحاق. (البوائق) جمع (بائقة)، وهي: الشر وغائلته كما جاء في حديث أبي هريرة المتقدم. 2553 - (6) [صحيح] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "والذي نفسي بيده لا يؤمِنُ عبدٌ حتى يُحِبَّ لِجارِه -أو قال: لأَخيه- ما يُحِبُّ لِنَفْسِه". رواه مسلم. 2554 - (7) [حسن] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيمَ لسانُه، ولا يستقيمُ لسانُه ولَا يدخلُ الجنةَ حتى يأمنَ جارُه بوائِقَه". رواه أحمد، وابن أبي الدنيا في "الصمت"؛ كلاهما من رواية علي بن مسعدة. 2555 - (8) [صحيح] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المؤمِنُ مَنْ أمِنَهُ الناسُ، والمسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المسْلِمونَ مِنْ لِسانِه ويَدِهِ، والمهاجِرُ مَنْ هَجر السُّوءَ، والذي نفْسي بيده لا يدْخلُ الجنَّةَ عبدٌ لا يَأْمَنُ جارُه بوائِقَهُ". رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وإسناد أحمد جيد، تابع عليَّ بن زَيد حميدٌ ويونسُ بن عبيد (1).   (1) ومن طريقهما صححه ابن حبان والحاكم والذهبي. انظر "الصحيحة" (549). الحديث: 2552 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 680 2556 - (9) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كان يقول: "اللهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِنْ جارِ السوءِ في دارِ المُقامَةِ، فإنَّ جارَ البادِيَةِ يَتحوَّلُ". رواه ابن حبان في "صحيحه" (1). 2557 - (10) [حسن] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أوَّل خَصْمَيْن يومَ القِيامَة جَارانِ". رواه أحمد -واللفظ له- والطبراني بإسنادين أحدهما جيد. 2558 - (11) [صحيح لغيره] وعن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يشكو جارَهُ. قال: "اطْرَحْ متاعَك على الطريقِ". فطَرحَهُ، فجعلَ الناسُ يَمرُّون عليه ويلْعَنونَهُ، فجاءَ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! [ما] (*) لقيتُ منَ الناسِ. قال: "وما لقيتَ منهم؟ ". قال: يَلْعَنُونَني. قال: "قد لَعنكَ الله قَبْلَ الناسِ"، فقال: إنِّي لا أعودُ، فجاء الذي شكاهُ إلى النبيُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: ارْفَعْ مَتاعَك فقد كُفِيتَ. [صحيح لغيره] رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن (2) بنحوه؛ إلا أنه قال:   (1) قلت: فاته البخاري في "الأدب المفرد"، والنسائي، وقد خرجته في "الصحيحة" (1443). (2) فاته أيضاً البخاري في "الأدب المفرد" (رقم - 125)، والحاكم (4/ 166) وقال: "صحيح على شرط مسلم"! ووافقه الذهبي! (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس في المطبوع، وقد زاده الشيخ مشهور في طبعته وقال: هو مثبت في (المجمع) و (المعجم الكبير) للطبراني الحديث: 2556 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 681 "ضَعْ متاعَك على الطريقِ -أو على ظهرِ الطريقِ-". فوضَعه، فكانَ كلُّ مَنْ مرَّ بِه قال: ما شأْنُكَ؟ قال: جاري يؤذيني. قال: فيدْعو عليه. فجاءَ جارُه فقال: رُدَّ متاعَك؛ فإنِّي لا أوذيك أبداً. 2559 - (12) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رَجلٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يشكو جارَه، فقال له: "اذهبْ فاصْبِرْ". فأتاه مرَّتين أوْ ثلاثاً؛ فقال: "اذهَبْ فاطْرَحْ متاعَك في الطريقِ". فَفَعل، فجعلَ الناسُ يمرُّون ويسْأَلونَه، فيُخْبِرُهمِ خَبَر جارِه، فجعَلُوا يَلْعَنونَهُ: فعلَ الله به وفَعلَ، وبعضُهم يدْعُو عليهِ. فجاءَ إليْهِ جارُه فقال: ارْجع فإنَّك لَنْ ترى منِّي شيئاً تكْرَهُه. رواه أبو داود -واللفظ له-، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم" (1). 2560 - (13) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجلٌ: يا رسول الله! إنَّ فلانة يُذكرُ مِنْ كثرةِ صلاتِها وصدَقَتِها وصِيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها. قال: "هيَ في النارِ". قال: يا رسولَ الله! فإنَّ فلانَةَ يُذكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيامِها [وصَدَقتها] (2) وصَلاتِها، وأنَّها تَتَصدَّقُ بالأثْوارِ مِنَ الأقِط، ولا تُؤْذي جيرانَها [بلسانها]. قال: "هي في الجَنَّةِ".   (1) قلت: ورواه البخاري أيضاً في "الأدب المفرد" (رقم 124)، وأبو يعلى (ق 309/ 2). (2) هذه الزيادة والتي بعدها استدركتهما من "المسند" (2/ 440). الحديث: 2559 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 682 رواه أحمد والبزار، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد" (1). [صحيح] ورواه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح أيضاً. ولفظه -وهو لفظ بعضهم-: قالوا: يا رسولَ الله! فلانَةٌ تصَومُ النهارَ، وتَقومُ اللَّيلَ، وتُؤذِي جيرانها؟ قال: "هيَ في النارِ". قالوا: يا رسولَ الله! فلانَةٌ تُصلِّي المكتوباتِ، وتَصَّدَّقُ بالأَثْوارِ مِنَ الأقِطِ، ولا تُؤْذي جيرانَها. قال: "هي في الجنَّةِ". (الأثوار) بالمثلثةِ جمع (ثَوْر): وهي القطعة من الأقطِ. و (الأَقِطُ) بفتح الهمزة وكسر القاف وبضمها أيضاً وبكسر الهمزة والقاف معاً وبفتحهما: هي شيءٌ يتخذ من مخيض اللبن الغنمي. 2561 - (14) [صحيح لغيره] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما آمنَ بي مَنْ باتَ شَبْعاناً وجارُه جائعٌ إلى جَنْبِه وهو يعلَمُ". رواه الطبراني والبزار، وإسناده حسن. 2562 - (15) [صحيح لغيره] وعن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ أنَّه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس المؤمِنُ الذي يشْبَعُ وجارُه جائعٌ".   (1) قلت: ورواه البخاري أيضاً في "الأدب المفرد" (119) وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة" (190). الحديث: 2561 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 683 رواه الطبراني وأبو يعلى، ورواته ثقات (1). 2563 - (16) [صحيح لغيره] ورواه الحاكم من حديث عائشة؛ ولفظه: "ليسَ المؤمِنُ الذي يَبِيتُ شَبعاناً وجارُه جائعٌ إلى جَنْبِه". 2564 - (17) [حسن] ورُوي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كمْ مِنْ جارٍ مُتعلِّق بجارِه يقولُ: يا ربِّ! سَلْ هذا: لمَ أغْلقَ عني بابَهُ، ومَنَعني فَضْلَهُ؟! ". رواه الأصبهاني (2). 2565 - (18) [صحيح] وعن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ كانَ يؤمِنُ بالله واليوم الآخِرِ؛ فلْيُحسِنْ إلى جارِهِ، ومَنْ كانَ يؤمنُ بالله واليومِ الآخِرِ؛ فلْيُكْرِم ضيْفَهُ، ومَنْ كانَ يُؤْمِنَ بالله واليومِ الآخِرِ؛ فلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَسْكُتْ". رواه مسلم (3). 2566 - (19) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ كانَ يؤمِنُ بالله واليومِ الآخِر؛ فلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَنْ كانَ يؤمِنُ بالله واليوم الآخِرِ؛ فلْيَقُلْ خَيراً أوْ لِيَصْمُتْ، ومَنْ كانَ يُؤْمِنْ بالله واليومِ الآخِرِ؛ فلْيُكْرِمْ جارَهُ".   (1) كذا قال، وفيه تساهل معروف من المؤلف كالهيثمي، واغتر بهما الجهلة المقلدة، ففيه مجهول! وفاته البخاري في "الأدب المفرد"، فراجع "الصحيحة" (149). (2) فاته البخاري في "الأدب المفرد"، لكن إسناد الأصبهاني خير منه، وبيانه في "الصحيحة" (2646). (3) قلت: وكذا البخاري في "الأدب المفرد" (رقم - 102)، وتقدم من حديث أبي هريرة في أول الباب بلفظ البخاري، والطرف الأول منه من رواية مسلم عن أبي هريرة. الحديث: 2563 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 684 رواه أحمد بإسناد حسن. 2567 - (20) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن يأْخُذ عنِّي هذه الكلماتِ فيعملُ بهنَّ، أو يُعلِّم مَنْ يعملُ بِهنَّ؟ ". فقال أبو هريرة: قلتُ: أنا يا رسولَ الله. فأخذَ بيدي فَعَدَّ خمْساً؛ فقال: "اتَّقِ المحارِمَ تكُنْ أعْبَد الناسِ، وارضَ بما قسمَ الله لكَ تكُنْ أغْنَى الناسِ، وأحْسِنْ إلى جارِكَ تكُنْ مؤمِناً، وأحبَّ للناسِ ما تُحِبُّ لنفْسِكَ تكُنْ مسْلِماً، ولا تكثِرِ الضحِكَ؛ فإنَّ كثرَة الضَّحِكِ تُميتُ القلْبَ". رواه الترمذي وغيره من رواية الحسن عن أبي هريرة. وقال الترمذي: "الحسن لم يسمع من أبي هريرة". ورواه البزار (1) والبيهقي بنحوه في "كتاب الزهد" عن مكحول عن واثلة عنه، وقد سمع مكحول من واثلة. قاله الترمذي وغيره. لكن بقية إسناده فيهم ضعف. 2568 - (21) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خيرُ الأصْحابِ عند الله خيرُهم لصاحِبِه، وخيرُ الجيرانِ عند الله خيرُهم لِجارِه". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم".   (1) كذا وقع هنا، ولم أره في "كشف الأستار" بعد مزيد البحث عنه، فأظنه خطأ من بعض النساخ، فقد تقدم (21 - الحدود/ 4) معزواً لابن ماجه والبيهقي، وهو الصواب إن شاء الله تعالى. الحديث: 2567 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 685 2569 - (22) [صحيح] وعن مُطَرِّف -يعني ابن عبد الله- قال: كان يَبلُغُني عنْ أبي ذرٍّ حديثٌ، وكنتُ أشْتَهي لقاءَهُ، فلَقيتُه، فقلتُ: يا أبا ذر! كان يَبْلُغُني عنكَ حديثٌ، وكنتُ أشْتَهي لقاءَك. قال: لله أبوك، لقد لَقيتَني فهاتِ. قلتُ: حديثٌ بلَغني أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حدَّثَك، قال: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ يُحبُّ ثلاثَةً ويُبْغِضُ ثلاثَةً". قال: فَما إِخالُني أكْذِبُ على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال: فقلتُ: فَمن هؤلاءِ الثلاثةُ الذين يُحبُّهُم الله عزَّ وجلَّ؟ قال: "رجلٌ غزا في سبيلِ الله صابِراً محْتَسِباً فقاتَل حتى قُتِلَ، وأنتُمْ تَجِدونَه عندَكم مكْتوباً في كتابِ الله عزَّ وجلَّ، ثمَّ تلا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}. قلتُ: وَمَن؟ قال: "رجلٌ كانَ له جارُ سوءٍ يُؤْذيِه فيَصْبِرُ على أذاهُ حتى يكْفِيَهُ الله إيَّاه بحياةٍ أوْ موتٍ" فذكر الحديث. رواه أحمد، والطبراني واللفظ له، وإسناده وأحد إسنادي أحمد رجالهما محتج بهم في "الصحيح". ورواه الحاكم وغيره بنحوه، وقال: "صحيح على شرط مسلم". 2570 - (23) [صحيح] وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما زال جبريلُ عليه السلامُ يوصيني بالجار حتى ظنَنْتُ أنَّه سيُوَرِّثُهُ". رواه البخاري ومسلم والترمذي، ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث عائشة وحدها. الحديث: 2569 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 686 2571 - (24) [صحيح] وابن ماجه أيضاً وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة. 2572 - (25) [صحيح] وعن رجلٍ من الأنْصار (1) قال: خرجتُ مع (2) أهْلي أريدُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإذا [أنا] بِه قائمٌ، وإذا رجلٌ مقْبِلٌ عليه، فظنَنْتُ أنَّ لهما حاجةً، فجلستُ، فوالله لقد قامَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى جعلتُ أرْثي لهُ مِنْ طولِ القِيامِ، ثُمَّ انْصرَف، فقُمْتُ إليه، فقلتُ: يا رسولَ الله! لقد قامَ بكَ هذا الرجلُ حتى جعلتُ أرْثي لك مِنْ طولِ القِيامِ. قال: "أتدْري مَنْ هذا؟ ". قلتُ: لا. قال: " [ذاك] جبريلُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ما زالَ يوصيني بالجارِ حتى ظَنَنْتُ أنَّه سيُوَرِّثُه، أَمَا إنَّك لو سلِّمْتَ عليه لَردَّ عليكَ السلامَ". رواه أحمد بإسناد جيد، ورواته رواة "الصحيح". 2573 - (26) [صحيح] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على ناقَتِه الجَدعاءِ في حِجَّةِ الوَداعِ يقول: "أوصيكُم بالجَارِ"، حتَّى أكْثَر، فقلتُ: إنَّه يوَرِّثُهُ. رواه الطبراني (3) بإسناد جيد.   (1) الأصل: (الأنصاري)، والتصويب من "المسند" والمخطوطة و"مكارم الأخلاق" (ص 35 و36). (2) كذا الأصل، وهو كذلك في الرواية في "المسند" (5/ 365)، وفي رواية أخرى عنده (5/ 32): "من" ولعلها أصح، والزيادة أصح، والزيادة الأولى منهما والأخرى من الثانية، والسياق مركب منهما. (3) قلت: في "المعجم الكبير" (8/ 130/ 7523)، ورواه أحمد (5/ 267) مختصراً، وسندهما حسن أو صحيح. الحديث: 2571 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 687 2574 - (27) [صحيح] وعن مجاهد: أنَّ عبدَ الله بنَ عَمْرو رضي الله عنهما ذُبِحَتْ لهُ شاةٌ في أهْلِهِ، فلمَّا جاءَ قال: أهْدَيْتُم لِجارِنا اليَهودِيَّ، أهْديْتُم لِجارِنا اليَهوديِّ؟ سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما زال جبريلُ يوصيني بالجَارِ حتى ظنَنْتُ أنَّه سيُوَرِّثُهُ". رواه أبو داود، والترمذي واللفظ له، وقال: "حديث حسن غريب" (1). (قال الحافظ): "وقد روي هذا المتن من طرق كثيرة وعن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم". 2575 - (28) [صحيح لغيره] وعن نافع بن عبد الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مِنْ سعادَةِ المرْءِ؛ الجارُ الصالحُ، والمرْكَبُ الهنيءُ، والمسْكنُ الواسعُ". رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح" (2). 2576 - (29) [صحيح] وعن سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أربعٌ مِنَ السعادَةِ: المرأةُ الصالِحَةُ، والمسْكَنُ الواسعُ، والجارُ الصالِحُ، والمرْكَبُ الهَنيءُ. وأربعٌ مِنَ الشَّقاءِ: الجارُ السوءُ، والمرأَةُ السوءُ، والمركَبُ السوءُ، والمسْكَنُ الضيِّقُ". رواه ابن حبان في "صحيحه" [مضى 17 - النكاح/ 2].   (1) قلت: فاته البخاري في "الأدب المفرد" (128). (2) والبخاري أيضاً في "الأدب المفرد" (116)، وانظر "الصحيحة" (282/ 1803). الحديث: 2574 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 688 6 - (الترغيب في زيارة الإخوان والصالحين، وما جاء في إكرام الزائرين (1)). 2577 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ رجُلاً زارَ أخاً له في قَرْيَةٍ [أخرى]، فأرْصَد الله تعالى [له] على مَدرَجتِه مَلَكاً، فلمَا أتى عليه قال: أينَ تُريدُ؟ قال: أريدُ أخاً لي في هذه القَرْيَةِ، قال: هَلْ لك عليه مِنْ نِعْمةٍ تَربُّها؟ قال: لا، غير أني أحْبَبْتُه في الله، قال: فإنِّي رسولُ الله إليكَ؛ بأنَّ الله قد أحبَّك كما أحْبَبْتَهُ فيه". رواه مسلم. (المَدْرَجَةُ) بفتح الميم والراء: الطريق. وقوله: (تَرُبُّها): أي: تقوم بها وتسعى في صلاحها. 2578 - (2) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال: رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ عادَ مريضاً، أو زارَ أخاً له في الله؛ ناداه منادٍ: أنْ طِبْتَ وطابَ مَمْشاكَ، وتَبوَّأْتَ مِنَ الجنَّةِ مَنْزِلاً". رواه ابن ماجه والترمذي -واللفظ له- وقال: "حديث حسن"، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلهم من طريق أبي سنان عن عثمان بن أبي سودة عنه. 2579 - (3) [حسن صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ عبدٍ أتى أخاه يزورُه في الله، إلا ناداهُ [منادٍ] (2) مِنَ السماءِ: أَنْ طِبْتَ وطابَتْ لَكَ الجنَّةُ، وإلا قالَ الله في مَلكُوتِ عرشِه: عَبْدي زارَ فِيَّ،   (1) انظر أحاديث هذه الفقرة في "الضعيف". (2) سقطت من الأصل، واستدركتها من "زوائد البزار" (2/ 389/ 1918)، والسياق له، ومنه الزيادة الثانية، ولفظ أبي يعلى (4140): "فلم أرض له بقرى دون الجنة". الحديث: 2577 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 689 وعَليَّ قِرَاهُ، فَلمْ يَرْضَ [الله] له بثَوابٍ دونَ الجنَّةِ". رواه البزار وأبو يعلى بإسناد جيد. 2580 - (4) [حسن لغيره] وعن أنس أيضاً عنِ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ألا أُخْبِرُكم بِرِجالِكُم في الجنَّة؟ ". قلنا: بَلى يا رسولَ الله! قال: "النبيُّ في الجنَّةِ، والصدِّيقُ في الجنَّةِ، والرجلُ يزورُ أخَاه في ناحيةِ المِصْرِ لا يزورُه إلا لله في الجنةِ" الحديث. رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير"، وتقدم بتمامه في "حق الزوجين" [17 - النكاح/ 3]. 2581 - (5) [صحيح] وعن معاذ بن جبلٍ رضيَ الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "قال الله تبارَك وتَعالى: وجَبَتْ محَبَّتي لِلْمُتحابِّينَ فِيَّ، وللمُتَجالِسينَ فِيَّ، ولِلْمُتَزاوِرِينَ فِيَّ، ولِلْمُتَباذِلينَ فيَّ". رواه مالك بإسناد صحيح، وفيه قصة أبي إدريس، وسيأتي بتمامه في "الحب في الله" مع حديث عمرو بن عبسة [23 - الأدب/ 31]. 2582 - (6) [صحيح] وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "انطلقوا بنا إلى بني واقفٍ نزور البصيرَ. رجل كان مكفوفَ البصرِ". رواه البزار بإسناد جيد (1).   (1) قلت: أسنده من حديث جابر بن عبد الله أيضاً (1919 - 1920)، وهو الأرجح كما كنت فصلته في "الصحيحة" (515). الحديث: 2580 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 690 2583 - (7) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "زُرْ غِبَّاً تَزْدَدْ حُبّاً". رواه الطبراني. 2584 - (8) [صحيح] ورواه البزار من حديث أبي هريرة، ثم قال: "لا يُعلم فيه حديث صحيح". (قال الحافظ): "وهذا الحديث قد رُوي عن جماعة من الصحابة، وقد اعتنى غير واحد من الحفاظ بجمع طرقه والكلام عليها، ولم أقف له على طريق صحيح كما قال البزار، بل له أسانيد حسان عند الطبراني وغيره، وقد ذكرت كثيراً منها في غير هذا الكتاب (1). والله أعلم". 2585 - (9) [حسن] وروى ابن حبان في "صحيحه" عن عطاء قال: دخلتُ أنا وعُبَيْدُ بْن عُمَيْرٍ على عائشة رضي الله عنها، فقالتْ لعُبَيْدِ بْنِ عُمَيرٍ: قد آنَ لك أنْ تَزورَنا. فقال: أقولُ يا أُمَّهْ كما قال الأوَّلُ: "زُرْ غِبَّاً تَزْدَدْ حُبّاً". قال: فقالتْ: دعونا مِنْ بَطالَتِكم هذه. قال ابن عُمَيْرٍ: أخْبِرينا بأعْجَبِ شيْءٍ رأَيتيهِ مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فذكر الحديث في نزول {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. [مضى تمامه 13 - القراءة/ 6 دون ما هنا].   (1) قلت: وقد خرجت بعضها في "الروض النضير" (برقم - 278). الحديث: 2583 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 691 7 - (الترغيبُ في الضيافَةِ وإكرامِ الضيفِ، وتأكيد حقِّهِ، وترهيبُ الضيفِ أنْ يُقيم حتى يُؤْثِمَ أهْلَ المنزل). 2586 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ كان يؤمن بالله واليومِ الآخِرِ؛ فليُكْرِمْ ضيْفَهُ، ومَنْ كانَ يؤمِنْ بالله واليومِ الآخِر؛ فلْيَصِلْ رحِمَهُ، ومَنْ كانَ يؤمِنُ بالله واليوم الآخِرِ؛ فلْيَقُلْ خيراً أوْ ليصْمُتْ". رواه البخاري ومسلم (1). [مضى هنا/ 3]. 2587 - (2) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: دخل عليَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ألَمْ أُخْبَرْ أَنَّك تقومُ اللَّيلَ وتصومُ النهارَ؟ ". قلتُ: بَلى. قال: "فلا تَفْعَلْ، قُمْ ونَمْ، وصُمْ وأَفْطِرْ؛ فإنَّ لَجَسدِكَ عليكَ حقّاً، وإنَّ لِعَيْنِكَ عليكَ حقّاً، وإنَّ لزَوْرِكَ عليك حقّاً، وإنَّ لزَوْجِكَ عليك حقَّاً" الحديث. رواه البخاري واللفظ له، ومسلم وغيرهما. [مضى بلفظ مسلم 9 - الصوم/ 12]. قوله: "وإنَّ لزورك عليك حقاً" أي: وإن لزوارك وأضيافك عليك حقاً، يقال للزائر: (زَوْر) بفتح الزاي سواء فيه الواحد والجمع. 2588 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إنِّي مَجْهودٌ. فأرْسَل إلى بعض نسائه فقالتْ: لا والَّذي بعَثك بالْحَقِّ ما عندي إلا ماءٌ، ثم أرسل إلى أُخْرى،   (1) سبق تخريجه وبيان أنه ليس فيه عند مسلم جملة "فليصل رحمه". الحديث: 2586 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 692 فقالَتْ مثلَ ذلك، حتى قُلْنَ كلُّهُنَّ مثلَ ذلك: لا والذي بعَثَك بالْحَقِّ ما عندي إلا ماءٌ. فقال: "مَنْ يُضِيفُ هذا اللَّيْلَةَ رحِمَهُ الله؟ ". فقامَ رجلٌ مِنَ الأنْصارِ فقال: أنا يا رسولَ الله، فانطلَق بِه إلى رَحْلِه، فقال لامْرأَته: هل عندَكِ شيءٌ؟ قالت: لا إلا قُوتَ صِبياني، قال: فَعَلِّلِيهم بشيءٍ، فإذا أرادوا العَشَاء فَنَوِّمِيهِمْ، فإذا دَخَل ضيْفُنا فأَطْفئيِ السِّراج، وأَريهِ أنَّا نأْكُلُ. -وفي رواية:- فإذا أَهْوى لِيَأْكلَ فقومي إلى السِّراج حتى تُطْفِئيهِ، قال: فَقَعدوا وَأَكَلَ الضيفُ وباتا طاوِييْنِ، فلمَّا أصبَح غدا عليَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "قد عَجِبَ الله مِنْ صَنيعِكُما بضَيْفِكُما"، -زاد في رواية: فنزَلَتْ هذه الآيةُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} -. رواه مسلم وغيره (1). 2589 - (4) [صحيح] وعن أبي شريحٍ خويلد بن عمروٍ رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ كانَ يؤمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فلْيُكْرِمْ ضيفَهُ، جائزتُه يومٌ وليلَةٌ، والضيافَةٌ ثلاثَة أيَّامٍ، فما كان بَعد ذلك فهو صَدَقةٌ، ولا يحلُّ له أنْ يَثوِيَ عنده حتّى يُحْرِجَهُ". رواه مالك، والبخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي وابن ماجه.   (1) قال الناجي: "كذا رواه البخاري أيضاً بنحوه في موضعين". قلت: وليس عند مسلم (6/ 128) جملة التنويم، وإنما هي عند البخاري في رواية (4889)، ولمسلم مختصرها، وهو رواية للبخاري (3798)، وفيها قوله: "وباتا طاويين". والحديث في "الصحيحة" برقم (3272). الحديث: 2589 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 693 قال الترمذي: "ومعنى (لا يثوي): لا يقيم حتى يشتد على صاحب المنزل، و (الحرج): الضيق" انتهى. (وقال الخطابي): " [معناه] (*) لا يحل للضيف أن يقيم عنده بعد ثلاثة أيام من غير استدعاء منه حتى يضيق صدره فيبطل أجره" انتهى. (قال الحافظ): "وللعلماء في هذا الحديث تأويلان: أحدهما: أنه يعطيه ما يجوز به ويكفيه في يوم وليلة إذا اجتاز به، وثلاثة أيام إذا قصده. والثاني: يعطيه ما يكفيه يوماً وليلة يستقبلهما بعد ضيافته". 2590 - (5) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "للِضيْفِ على مَنْ نَزل به من الحقّ ثلاثٌ، فما زادَ فهو صدَقةٌ، وعلى الضيْفِ أنْ يَرْتَحِلَ؛ لا يُؤْثِمُ أهْلَ المَنْزِلِ". رواه أحمد (1) وأبو يعلى والبزار، ورواته ثقات سوى ليث بن أبي سليم. 2591 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أيُّما ضيْفٍ نزلَ بقومٍ فأصْبَح الضيفُ مَحْروماً؛ فله أنْ يأْخُذَ بقدرِ قِراهُ، ولا حَرَج عليه".   (1) لم أره عنده من حديث أبي هريرة، ولا عزاه إليه الهيثمي في "المجمع" (8/ 176)، وإنما رواه (4/ 31) من حديث أبي شريح المتقدم آنفاً نحوه. وهو رواية لمسلم. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس في المطبوع، وأثبته الشيخ مشهور في طبعته وقال: هي في الأصل (المنيرية)، وسائر الطبعات الحديث: 2590 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 694 رواه أحمد ورواته ثقات، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 2592 - (7) [صحيح] وعن أبي كريمة -وهو المقدام بن معد يكرب الكندي- رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليلةُ الضيْفِ حقٌّ على كل مسْلِمٍ، فمَنْ أصْبَح بِفنائِه فهو عليه دَيْنٌ، إنْ شاءَ اقْتَضَى (1)، وإنْ شاءَ تَركَ". رواه أبو داود وابن ماجه. 2593 - (8) [صحيح لغيره] وعن التَّلِبِّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الضيافةُ ثلاثة أيام حقٌّ لازمٌ، فما كان بعد ذلك فصدقة". رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بإسناد فيه نظر (2). 2594 - (9) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ كانَ يؤمِنْ بالله واليوم الآخِرِ؛ فلْيُكْرِمْ ضيفَهُ -قالها ثلاثاً-". قال رجلٌ: وما كَرامَة الضيفِ يا رسولَ الله؟ قال: "ثلاثَةُ أيّامٍ، فما زادَ (3) بعدَ ذلك فهوَ صدَقَة". رواه أحمد مطولاً ومختصراً بأسانيد أحدها صحيح، والبزار وأبو يعلى.   (1) الأصل: (قضى)، وهو تصحيف ظاهر؛ كما قال الناجي، ولم يتنبه لذلك المعلقون الثلاثة لعجمتهم! (2) قلت: لكن يشهد له الحديث (4 و5)، وزيادة: "حق لازم" يشهد لمعناها كل أحاديث الباب، على أنها لم ترد في رواية "الأوسط" (3/ 288) وهو رواية لأبي نعيم في "المعرفة" (3/ 215/ 1292). (3) في "المسند" (3/ 76): "فما جلس"، وهو في بعض نسخ الكتاب، وهو لفظ "مجمع الزوائد" كما قال الناجي (191/ 2). الحديث: 2592 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 695 2595 - (10) [صحيح] وعن عبد الله -يعني ابن مسعود- رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الضيافَةُ ثلاثَةُ أيَّامٍ، فما زادَ فهو صَدَقةٌ، وكلُّ معروفٍ صدَقةٌ". رواه البزار، ورواته ثقات. (قال الحافظ): وتقدم "باب في إطعام الطعام" [8 - الصدقات/ 17]، وفيه غير ما حديث يليق بهذا الباب، لم نُعِدْ منها شيئاً. 8 - (الترهيب من أنْ يحتقر المرء ما قدم إليه، أو يحتقر ما عنده أنْ يقدمه للضيف). [لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا]. الحديث: 2595 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 696 9 - (الترغيب في زرع وغرسِ الأشجار المثمرةِ). 2596 - (1) [صحيح] عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِنْ مسلم يغْرِسُ غَرساً؛ إلا كانَ ما أُكِلَ منه لَهُ صدقَةً، وما سُرِقَ منه؛ له صدقَة، [وما أكل السبُعُ منه؛ فهو له صدقة، وما أكل الطير منه؛ فهو له صدقة] (1)، ولا يَرزَؤه أحدٌ؛ إلا كانَ له صدقَةً إلى يومِ القِيامَةِ". [صحيح] وفي رواية: "فلا يغرِسُ المسلمُ غَرْساً فيأكُلُ منه إنسانٌ ولا دابَّةٌ ولا طيرٌ؛ إلا كانَ له صدَقةً إلى يومِ القِيامةِ". [صحيح] وفي رواية له: "لا يَغْرِسُ مسلمٌ غَرساً ولا يَزرَعُ زَرْعاً فيأْكُلُ منه إنسانٌ ولا دابَّةٌ ولا شيْءٌ؛ إلا كانَتْ لَهُ صدقةً". رواه مسلم. (يَرْزَؤه) بسكون الراء وفتح الزاي بعدهما همزة معناه: يصيب منه وينقصه. 2597 - (2) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ مسلمٍ يغرِس غرساً، أو يزرَعُ زَرْعاً، فيأكُلُ منه طيرٌ أوْ إنْسانٌ، إلا كانَ له به صدَقَةٌ". رواه البخاري ومسلم والترمذي.   (1) سقطت من الأصل واستدركتها من "مسلم" (5/ 27)، لكن ليس فيه قوله: "إلى يوم القيامة"، فالظاهر أنها خطأ من الناسخ؛ انتقل بصره إلى الرواية التي تليها. ولم يتنبه لهذا كله المقلدون الثلاثة الذين همهم تسويد السطور!! الحديث: 2596 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 697 2598 - (3) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَغْرِسُ مسلمٌ غَرساً، ولا يَزرَعُ زَرْعاً، فيأكُلُ منه إنْسانٌ ولا طائرٌ ولا شَيْءٌ؛ إلا كانَ لَه أجْرٌ". رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن. 2599 - (4) [حسن صحيح] وعن خلادِ بنِ السائبِ عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ زرَع زرعاً فأَكَل منه الطيرُ أوِ العافِيَةُ (1)؛ كانَ له صدقَةٌ". رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد حسن (2). 2600 - (5) [حسن صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: أنَّ رجلاً مرَّ به وهو يغْرسُ غَرْساً بدِمَشْقَ فقال له: أتَفْعلُ هذا وأنتَ صاحِبُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: لا تَعْجَلْ عليَّ، سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ غَرس غَرْساً لَمْ يأكُلْ منه آدَمِيُّ ولا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ الله؛ إلا كانَ لَهُ به صَدقَة". رواه أحمد، وإسناده حسن بما تقدم.   (1) (العافية) و (العوافي): كل طالب رزق من إنسان أو بهيمة أو طائر. (2) يشهد له أحاديث الباب وحديث جابر: "من أحيا أرضاً ميتة له بها أجر، وما أكلت منه العافية فله به أجر". وهو مخرج في "الصحيحة" (568)، ورواه البزار في (2/ 267) يلفظ: "فله منها صدقة". الحديث: 2598 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 698 [حسن لغيره] وتقدم في "كتاب العلم" [1/ 3] وغيره حديث أنس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سبعٌ يجري للعبدِ أجرُهن وهو في قبره بعد موته: من علّم علماً؛ أو كرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته". رواه البزار وأبو نعيم والبيهقي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 699 10 - (الترهيب من البخل والشح، والترغيب في الجود والسخاء). 2601 - (1) [صحيح] عن أنسٍ، أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "اللهُمَّ إني أعوذُ بكَ مِنَ البُخلِ، والكَسَلِ، وأرْذَلِ العُمُر، وعذابِ القَبْرِ، وفتْنَةِ المَحْيا والممَاتِ". رواه مسلم وغيره. 2602 - (2) [صحيح] وعن جابر رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اتَّقوا الظُّلْمَ؛ فإنَّ الظُّلْمَ ظُلماتٌ يومَ القِيامَةِ، واتَّقوا الشُّحَّ؛ فإنَّ الشُّحَّ أهْلَك مَنْ كانَ قَبْلَكُم؛ حمَلَهُم على أنْ سَفَكوا دماءَهُم، واسْتَحلُّوا محارِمَهُم". رواه مسلم (1). (الشح) مثلث الشين: هو البخل والحرص. وقيل: (الشح): الحرص على ما ليس عندك، والبخل بما عندك. 2603 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إيَّاكُمْ والفُحْشَ والتفحُّشَ، فإنَّ الله لا يُحِبُّ الفاحِشَ والمتفَحُّشَ، وإيَّاكُمْ والظُّلمَ، فإنَّه هو الظُّلماتُ يومَ القِيامَةِ، وإيَّاكُمْ والشُّحَّ، فإنَّه دعا مَنْ كانَ قَبلَكُم فَسَفكوا دِماءَهم، ودَعا مَنْ كان قَبْلَكُم فَقَطَّعوا أرْحامَهُمْ، ودَعا مَنْ كانَ قبْلَكُم فاسْتَحَلوا حُرُماتِهِمْ". رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم واللفظ له، وقال: "صحيح الإسناد" (2).   (1) قلت: والبخاري في "الأدب المفرد" (483 و488). (2) قلت: فاته أيضاً البخاري في "الأدب المفرد" (470 و487). الحديث: 2601 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 700 2604 - (4) [صحيح] وعن عبد الله بن عمر [و] (1) رضي الله عنهما قال: خطَبَنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "إيَّاكُمْ والظُّلْمَ، فإنَّ الظُّلْمَ ظلُماتٌ يومَ القِيامَةِ، وإيَّاكُمْ والفُحْشَ والتَّفَحُّشَ، وإيَّاكُمْ والشُّحَّ، فإنَّما هلَكَ مَنْ كان قَبْلَكُم بالشُّحِّ، أَمَرهُم بالقَطيعةِ فقَطَّعوا، وأَمَرهُم بالبُخْلِ فبَخِلوا، وأمَرهُمْ بالفُجورِ فَفَجَروا". فقامَ رجلٌ فقالَ: يا رسولَ الله! أيُّ الإِسْلامِ أفْضَل؟ قال: "أنْ يَسْلَم المسلمونَ مِنْ لِسانِكَ وَيدِكَ". فقال ذلك الرجل أو غَيْرُه: يا رسولَ الله! أيُّ الهِجْرَةِ أفْضَلُ؟ قال: "أنْ تَهْجُرَ ما كَرِهَ ربُّكَ، والهِجْرَة هِجْرتَانِ: هجْرَةُ الحاضِرِ، وهِجْرَةُ البَادِي، فهِجْرَةُ البادِي أنْ يُجيبَ إذا دُعيَ، ويُطيعَ إذا أمِرَ، وهِجْرَةُ الحاضِرِ أعْظَمُها بَلِيَّةً، وأفضَلُها أجراً". رواه أبو داود مختصراً، والحاكم واللفظ له، وقال: "صحيح على شرط مسلم". 2605 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "شرُّ ما في الرجلِ؛ شحٌّ هالعٌ، وجُبْنٌ خالعٌ". رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه".   (1) قلت: سقطت من الأصل، واستدركتها من "المستدرك" من ثلاث روايات له (1/ 11/ و415)، ومن أبي داود وغيرهما، وقد خلط الشيخ الناجي هنا -على خلاف عادته- فزعم أن الحديث عند الحاكم عن (ابن عمر) من رواية بكر بن عبد الله عنه، وأن بكراً لم يرو عن (ابن عمرو بن العاص)، وكل ذلك وهم، وإنما رواه الحاكم عن أبي كثير زهير بن الأقمر عن ابن عمرو، وكذا رواه جمع، وتفصيل هذا مما لا مجال له هنا، فانظر "الصحيحة" (858) إن شئت البيان، وهو في "صحيح أبي داود" (1489)، وأمَّا المقلدون فلا يزالون في غفلتهم ساهون! الحديث: 2604 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 701 قوله: "شحٌّ هالع" أي: محزن، والهلع أشد الفزع (1). وقوله: "جبن خالع": هو شدة الخوف وعدم الإقدام، ومعناه: أنَّه يخلع قلبه من شدة تمكنه منه. 2606 - (6) [حسن] وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يجتَمعُ غبارٌ في سبيلِ الله ودُخانُ جهَنَّم في جوْفِ عبدٍ أبداً، ولا يجتَمعُ شُحٌّ وإيمانٌ في قلبِ عبدٍ أبداً". رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، واللفظ له. ورواه أطول منه بإسناد على شرط مسلم. وتقدم في "الجهاد" [12/ 6 - باب]. 2607 - (7) [حسن لغيره] ورُوي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثٌ مُهْلِكاتٌ، وثلاث مُنْجِياتٌ، وثلاثٌ كفَّاراتٌ، وثلاثٌ دَرجاتٌ، فأمَّا المُهْلِكاتُ: فشحٌّ مطاعٌ، وهوى مُتَّبَعٌ، وإعْجابُ المَرْءِ بِنَفْسِهِ" الحديث. رواه الطبراني في "الأوسط". وتقدم في "باب انتظار الصلاة" حديث أنسٍ بنحوه [5 - الصلاة/ 22]. 2608 - (8) [صحيح لغيره] ورُوي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خصلتان لا يجتمعان في مؤمنٍ: البخلُ، وسوءُ الخُلُقِ". رواه الترمذي وغيره، وقال الترمذي:   (1) كذا الأصل بالفاء؛ وهو تصحيف. قال الناجي: "ولعله من بعض النساخ، وإنما هو (الجزع) بلا شك". الحديث: 2606 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 702 "حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث صدقة بن موسى". (1) 2609 - (9) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المؤمِنُ غِرٌّ كريمٌ، والفاجِرُ خَبٌّ لَئيمٌ" (2). رواه أبو داود، والترمذي وقال: "حديث غريب". (قال الحافظ): "لم يضعفه أبو داود، ورواتهما ثقات سوى بشر بن رافع، وقد وثق". قوله: "غِرٌّ كريم" أي: ليس بذي مكرٍ ولا فطنةٍ للشر، فهو ينخدع لانقياده ولينه. و (الخَبّ) بفتح الخاء المعجمة وقد تكسر: هو الخدّاع الساعي بين الناس بالشر والفساد.   (1) انظر "الصحيحة" (278). (2) قال الجوهري وغيره: (اللئيم): الدنيء الأصل، الشحيح النفس. الحديث: 2609 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 703 11 - (الترهيب من عَوْدِ الإنسان في هِبَتِهِ). 2610 - (1) [صحيح] عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الذي يَرْجعُ في هِبَتِه؛ كالكلْبِ يرجعُ في قَيْئِه". وفي رواية: "مثَلُ الذي يعودُ في هِبَتِهِ؛ كَمثَلِ الكلْبِ يَقيءُ ثُمَّ يَعودُ في قَيْئِه فيأكلُه". رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ولفظ أبي داود: "العائِدُ في هِبَتِهِ؛ كالعائدِ في قَيْئِه". قال قتادة: ولا نعلم القيء إلا حراماً. 2611 - (2) [صحيح] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: حَمَلْتُ على فرسٍ في سبيلِ الله، [فأضاعه الذي كان عنده،] فأردْتُ أنْ أشْتَرِيَهُ، فظنَنْتُ أنَّه يَبيعُه بِرُخْصٍ، فسألتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال: "لا تَشْتَرِه، ولا تَعُدْ في صدَقَتِكَ، وإنْ أعْطاكَه بِدرْهَمٍ، فإن العائِدَ في صدَقَتهِ؛ كالعائد في قَيْئه". رواه البخاري ومسلم. (1) قوله: "حملت على فرس في سبيل الله" أي: أَعطيتُ فرساً لبعض الغزاة، ليجاهد عليه. 2612 - (3) [صحيح] وعن ابن عمر وابن عباسٍ رضي الله عنهم؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يَحِلُّ لرجلٍ أن يُعطِيَ لرجل عَطيَّةً، أو يَهبَ هِبةً ثُمَّ يرجعُ فيها، إلا   (1) قلت: والسياق للبخاري (2623) إلا في بعض الأحرف، والزيادة منه، وقوله: "ولا تعد في صدقتك" إنما هو عند مسلم (5/ 63). الحديث: 2610 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 704 الوالِدُ فيما يُعْطي ولَدَهُ، وَمَثَلُ الذي يرجعُ في عطِيَّتِه أو هِبَتِهِ؛ كالكَلْبِ يأكُلُ، فإذا شَبعَ قاءَ ثمَّ عاد في قَيْئه". رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح" (1). 2613 - (4) [حسن] وعن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن عبد الله بنِ عَمْروٍ رضي الله عنهما عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مثلُ الذي يَسْتَرِدُّ ما وَهَب؛ كمثَلِ الكَلْبِ؛ يَقيءُ فيأكُلُ قيئَهُ، فإذا اسْتَردَّ الواهِبُ فلْيوقِفْ، فَلْيَعْرِفْ بِما اسْتَرَدَّ، ثُمَّ لْيَدفْعَ إليه ما وهَب". رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.   (1) قلت: ليس عند الترمذي: "ومثل الذي. . ."، ولم يصححه، وإنما صحح حديث ابن عباس المتقدم. وهو مخرج في "الإرواء" (1622). الحديث: 2613 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 705 12 - (الترغيب في قضاء حوائج المسلمين وإدخال السرور عليهم، وما جاء فيمن شفَعَ فأُهْدِىَ إليه). 2614 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "المسلمُ أخو المسلمِ لا يظْلِمه، ولا يسْلِمُه (1)، مَنْ كان في حاجة أخيه؛ كانَ الله في حاجَتِه، ومَنْ فَرَّجَ عنْ مسلمٍ كرْبةً؛ فرَّجَ الله عنه بها كُربَةً مِنْ كُرَبِ يومِ القِيامَةِ، ومَنْ سَتَر مسلِماً؛ سَتَرهُ الله يومَ القِيامَةِ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود. [حسن لغيره] وزاد فيه رزين العبدري: "ومَنْ مَشى مَعَ مَظْلومٍ حتى يُثْبِتَ له حقَّه؛ ثَبَّتَ الله قدمَيْهِ على الصِّراطِ يومَ تزولُ الأقْدامُ". ولم أر هذه الزيادة في شيء من أصوله، إنما رواه ابن أبي الدنيا والأصبهاني كما سيأتي [أواخر الباب]. 2615 - (2) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مسلمٍ كُربةً مِنْ كُرَبِ الدنيا؛ نَفَّسَ الله عنه كُرْبةً مِنْ كُربِ يومِ القِيامَةِ، ومَن يَسَّر على مُعْسرٍ في الدنيا؛ يَسَّر الله عليه في الدنيا والآخِرَةِ، ومَنْ سَتَر على مسلمٍ في الدنيا؛ سَتَر الله عليه في الدنيا والآخِرَةِ، والله في عَوْنِ العبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عونِ أَخيه". رواه مسلم وأبو داود والترمذي -واللفظ له- والنسائي وابن ماجه، والحاكم وقال:   (1) انظر التعليق المتقدم (21 - الحدود/ 3). الحديث: 2614 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 706 "صحيح على شرطهما". [مضى بتتمة له ج 1/ 3 - العلم/ 1]. 2616 - (3) [حسن لغيره] وروي عن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لله عند أقوامٍ نعماً أقرها عندهم؛ ما كانوا في حوائج المسلمين ما لم يملّوهم، فإذا ملّوهم نقلها إلى غيرهم". رواه الطبراني. 2617 - (4) [حسن لغيره] وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ لله أقْواماً اختَصَّهُم بالنِّعَمِ لمنَافعِ العِبادِ، يُقرُّهُم فيها ما بَذلُوها، فإذا مَنَعُوها نَزَعها منهم، فَحوَّلها إلى غَيْرِهِمْ". رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط". ولو قيل بتحسين سنده لكان ممكناً. 2618 - (5) [حسن] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِنْ عبدٍ أنْعم الله عليه نِعْمةً فأسْبَغَها عليه، ثُمَّ جعلَ مِنْ حوائجِ الناسِ إليه فتَبَرَّمَ؛ فقدْ عرَّض تلكَ النِّعْمَة لِلزَّوالِ". رواه الطبراني بإسناد جيد. 2619 - (6) [صحيح لغيره] وعن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه عنْ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يزالُ الله في حاجَةِ العبْدِ ما دامَ في حاجَةِ أَخيه". رواه الطبراني، ورواته ثقات. الحديث: 2616 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 707 2620 - (7) [صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "على كلِّ مسلم صدَقَةٌ". قيلَ: أرأيْتَ إنْ لَمْ يَجِدْ؟ قال: "يَعْتمِلُ بيده فيَنفَعُ نفْسَه ويتَصدَّقُ". قال: أرأيْتَ إِنْ لَمْ يسْتَطعْ؟ قال: "يُعينُ ذا الحاجَةِ الملْهوفَ". قال: قيلَ له: أرأيتَ إنْ لَم يسْتَطعْ؟ قال: "يأمُرُ بالمعروفِ أوِ الخيرِ". قال: أرأيتَ إنْ لَمْ يفْعَلْ؟ قال: "يُمْسِكُ عنِ الشرِّ، فإنها صدَقَةٌ". رواه البخاري ومسلم. 2621 - (8) [حسن لغيره] وروي عن عمر رضي الله عنه مرفوعاً: "أفْضلُ الأعْمالِ إدخالُ السرورِ على المؤمِن؛ كَسَوْتَ عوْرَتَهُ، أوْ أشْبَعْتَ جَوْعَتَهُ، أو قَضَيْتَ لَهُ حاجةً". رواه الطبراني في "الأوسط". [مضى ج 1/ 8 - الصدقات/ 17/ 11]. 2622 - (9) [حسن لغيره] ورواه أبو الشيخ من حديث ابن عمر، ولفظه: "أحبُّ الأعْمالِ إلى الله عزَّ وجلَّ: سرورٌ تُدخِلُه على مسلمِ، أوْ تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً، أو تَطْرُدُ عنه جَزَعاً، أوْ تَقْضي عنه دَيْناً". الحديث: 2620 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 708 [مضى هناك]. 2623 - (10) [حسن لغيره] ورُوِيَ عنْ عبدِ الله بنِ عمر رضي الله عنهما: أنَّ رجلاً جاءَ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! أيُّ الناسِ أحبُّ إلى الله؟ [وأيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟] (1)، فقال: "أحبُّ الناسِ إلى الله أنْفَعُهم لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعْمالِ إلى الله عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدْخِلُه على مسلمٍ، تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عنه دَيْناً، أوْ تَطْرُدُ عنه جُوعاً، ولأَنْ أَمْشي مَعَ أخٍ في حاجَة؛ أحَبُّ إليَّ مِنْ أنْ أعْتَكِفَ في هذا المسجِدِ -يعني مسجدَ المدينَةِ- شَهْراً، ومَنْ كَظَم غيْظَهُ- ولو شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أمْضاهُ-؛ ملأَ الله قلْبَهُ يومَ القيامَةِ رِضاً، ومَنْ مَشى مَع أخيه في حاجَةٍ حتى يَقْضِيَها له؛ ثَبَّتَ الله قدَميْه يومَ تزولُ الأقْدامُ". رواه الأصبهاني، واللفظ له. ورواه ابن أبي الدنيا عن بعض أصحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (2)، ولَمْ يُسَمِّهِ.   (1) قال الناجي: "سقط هذا هنا ولا بد منه". قلت: وهو في "ترغيب الأصبهاني" (1/ 475 - 476). (2) قلت: وذا لا يضر، لأن الصحابة كلهم عدول كما هو مقرر في علم المصطلح، وعليه يؤخذ على المؤلف تضعيفه للحديث بتصديره إياه بقوله: (روي)، وتقصيره في عزوه للأصبهاني دون الطبراني، وقد أخرجه في "معاجمه الثلاثة"، وهو مخرج عندي في "الروض النضير" (481)، والتضعيف غير مسلَّم بالنسبة لإسناد ابن أبي الدنيا، فإنه حسن كما هو مبين في "الصحيحة" (906)، وجهل هذا الفرق المعلقون الثلاثة، فصدروا تخريجهم للحديث بالتصريح بقولهم: "ضعيف، رواه. . ."! الحديث: 2623 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 709 2624 - (11) [صحيح] وعنْ أَبِي أمامَة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ شَفَع شفَاعَةً لأَحدٍ فأُهْديَ له هَديَّةٌ عليها فَقَبلَها؛ فقد أتى باباً عظيماً مِنْ أبوابِ الربا (1) ". رواه أبو داود عن القاسم بن عبد الرحمن عنه. * * * [وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وصلى الله على محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم]. انتهى المجلد الثاني من "صحيح الترغيب والترهيب" والحمد لله عز وجل، ويليه إن شاء الله المجلد الثالث والأخير، وأوله: "23 - كتاب الأدب وغيره"   (1) الأصل: (الكبائر)، والتصويب من "أبي داود" (3541) و"المسند" (5/ 261). وكالعادة غفل عنه المسودون! الحديث: 2624 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 710 صَحِيحُ التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب تأليف محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله الجُزء الثالث مكتَبة المَعارف لِلنَشْرِ والتوزيْع لِصَاحِبَهَا سَعد بن عَبْد الرحمن الراشِد الريَاض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1 جميع الحقوق محفوظة للناشر، فلا يجوز نشر أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه أو تسجيله بأية وسيلة، أو تصويره أو ترجمته دون موافقة خطية مُسبقة من الناشر. الطبعة الأولى 1421 هـ - 2000 م (ح) مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، 1421 هـ فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر الألباني، محمد ناصر الدين صحيح الترغيب والترهيب للمنذري - الرياض 864 ص، 17.5 × 25 سم ردمك: 9 - 04 - 858 - 9960 (مجموعة) 3 - 07 - 858 - 9960 (ج 3) 1 - الحديث - شرح ديوي 237.3 2 - الحديث - جوامع الفنون 0277/ 21 أ - العنوان رقم الإيداع: 0277/ 21 ردمك: 9 - 04 - 858 - 9960 (مجموعة) 3 - 07 - 858 - 9960 (ج 3) مكتبة المعَارف للنّشْرِ والتوزيع هاتف: 4114535 - 4113350 فاكس 4112932 - صَ. بَ: 3281 الريَاض الرمز البريدي 11471 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 2 23 - كتاب الأدب وغيره. 1 - (الترغيب في الحياء وما جاء في فضله، والترهيب من الفحش والبذاء). 2625 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرَّ على رجلٍ مِن الأنصارِ وهو يعِظُ أخاه في الحَياء، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دَعْهُ فإنَّ الحياءَ مِنَ الإيمانِ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 2626 - (2) [صحيح] وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الحياءُ لا يأْتي إلا بِخَيْرٍ". رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: "الحياءُ خَيرٌ كُلُّهُ". 2627 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الإيمانُ بِضْعٌ وسبْعونَ أوْ بِضْعٌ وستُّونَ شُعْبةً، فأفضَلُها قولُ لا إله إلا الله، وأدْناها إماطَةُ الأَذى عنِ الطريقِ، والحياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. الحديث: 2625 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 2628 - (4) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الحياءُ مِنَ الإيمانِ، والإيمانُ في الجنَّةِ، والبِذاءُ (1) مِنَ الجفَاءِ، والجَفاءُ في النارِ". رواه أحمد، ورجاله رجال "الصحيح"، والترمذي، وابن حبان في "صحيحه"؛ وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". 2629 - (5) [صحيح] وعن أبي أُمامةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الحياءُ والعِيُّ شُعْبَتانِ مِنَ الإيمانِ، والبِذاءُ والبَيانُ شعْبتانِ مِنَ النِّفَاقِ". رواه الترمذي (2) وقال: "حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث أبي غسان محمد بن مطرف. و (العِيّ): قلة الكلام، و (البذاء): هو الفحش في الكلام. و (البيان): هو كثرة الكلام، مثل هؤلاء الخطباء الذين يخطبون فيتوسعون في الكلام، ويتفصّحون فيه من مدح الناس فيما لا يرضي الله" انتهى. 2630 - (6) [صحيح لغيره] ورُوي عن قرة بن إياس رضي الله عنه قال: كنا عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذُكرَ عنده الحياءُ، فقالوا: يا رسول الله! الحياءُ من الدين؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بل هو الدِّينُ كلُّه". ثم قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) (البذَاء) كالمباذأة: المفاحشة. كما في "القاموس"، و (الجفاء) ضد البر. كما في "مختار الصحاح". (2) قلت: وجمع آخرون منهم الحاكم وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وأما الجهلة الثلاثة فخبطوا كعادتهم خبط عشواء، فقالوا: "حسن بشواهده"، وقد بينت جهلهم هذا وخلطهم لهذا الحديث بحديث أبي أمامة الآخر المذكور في "الضعيف"، وهو موضوع، فخلطوا بين الصحيح والموضوع، وتوسطوا بينهما فحسنوه، وقد توليت بيان ذلك كله في "الضعيفة" (6884). الحديث: 2628 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 "إن الحياءَ والعفافَ والعِيَّ -عيَّ اللسان، لا عيَّ القلبِ-، والفقهَ (1) من الإيمانِ، وإنهن يزِدْنَ في الآخرةِ، وَينْقُصْنَ من الدنيا، وما يَزِدْنَ في الآخرةِ أكثرُ مما يَنقُصْنَ من الدنيا. وإنّ الشُّحَّ والعَجْزَ والبذاء من النفاق، وإنهن يَزِدْنَ في الدنيا، وَينْقُصْنَ من الآخرة، وما يَنْقُصْنَ من الآخرةِ أكثر مما يَزِدْنَ من الدنيا". رواه الطبراني باختصار، وأبو الشيخ في "الثواب"، واللفظ له. 2631 - (7) [حسن لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ". . . لو كان الفحشُ رجلاً لكان رجلاً سوءاً". رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، وأبو الشيخ أيضاً، وفي إسنادهما ابن لهيعة، وبقية رواة الطبراني محتج بهم في "الصحيح". 2632 - (8) [صحيح لغيره] وعن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه؛ قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقاً، وخُلُق الإسْلامِ الحَيَاءُ". رواه مالك. 2633 - (9) [صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه وغيره عن أنسٍ مرفوعاً. 2634 - (10) [صحيح لغيره] ورواه أيضاً من طريق صالح بن حسان عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباسٍ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فذكره.   (1) الأصل: "العفة"، وهو تكرار لا معنى له، والتصحيح من "مكارم ابن أبي الدنيا"، ولعل الأنسب للسياق وللمصادر الأخرى بلفظ: "والعمل" كما في رواية "تاريخ البخاري"، و"كبير الطبراني"، و"حلية الأصبهاني"، وثلاثة كتب البيهقي، منها "السنن"، وليس عندهم لفظ "العجز" إلا عند ابن أبي الدنيا، وفي "الشعب" مكانها: "والفحش"، وسياق الطبراني لا اختصار فيه إلا هذه اللفظة. الحديث: 2631 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 2635 - (11) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما كانَ الفُحْشُ في شيْءٍ إلا شانَهُ، وما كانَ الحَياءُ في شيْءٍ إلا زانَهُ". رواه ابن ماجه، والترمذي وقال: "حديث حسن غريب". ويأتي في الباب بعده أحاديث في ذم الفحش إن شاء الله تعالى. 2636 - (12) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الحياءُ والإيمانُ قُرَناءُ جميعاً، فإذا رُفعَ أحدُهما رُفعَ الآخَرُ". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط الشيخين". 2637 - (13) [صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الأوسط" من حديث ابن عباس. 2638 - (14) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اسْتَحْيوا مِنَ الله حقَّ الحَياءِ". قال: قلنا: يا نبيَّ الله! إنَّا لَنْستَحْيي والحمدُ لله. قال: "ليسَ ذلك، ولكنَّ الاسْتِحْياءَ مِنَ الله حقَّ الحَياءِ؛ أنْ تَحفظَ الرأْسَ وما وَعَى، وتَحْفَظَ البَطْنَ وما حَوى، ولتَذْكُرِ الموْتَ والبِلَى، ومَنْ أرادَ الآخِرةَ تركَ زِينةَ الدنيا، فَمَنْ فعلَ ذلك فقد استحيى مِنَ الله حقَّ الحَياءِ". رواه الترمذي وقال: "هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث أبَان بن إسحاق عن الصباح بن محمد". (قال الحافظ): "أبان بن إسحاق فيه مقال، والصباح مختلف فيه، وتُكُلِّم فيه لرفعه هذا الحديث، وقالوا: الصواب عن ابن مسعود موقوف. [مضى 16 - البيوع/ 5]. ورواه الطبراني مرفوعاً من حديث عائشة (1). والله أعلم".   (1) قلت: ولفظه أخصر من حديث ابن مسعود، لكن فيه زيادة كما سيأتي في (24 - التوبة/ 8)، ومن أجلها أوردته في الكتاب الآخر. الحديث: 2635 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 2 - (الترغيب في الخلق الحسن وفضله، والترهيب من الخلق السيّئ وذمّه). 2639 - (1) [صحيح] عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سألتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البِرِّ والإثْمِ؟ فقال: "البِرُّ حسنُ الخُلُقِ، والإثْمُ ما حاكَ في صدْرِكَ، وكرِهْتَ أنْ يَطَّلعَ عليه الناسُ". رواه مسلم والترمذي. 2640 - (2) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: لَمْ يَكُنْ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاحشاً، ولا مُتَفَحِّشاً، وكان يقول: "إنَّ مِنْ خِيارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أَخْلاقاً". رواه البخاري ومسلم والترمذي. 2641 - (3) [صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما شيْءٌ أثْقَلُ فيِ ميزانِ المؤمِنِ يومَ القيامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسنٍ، وإنَّ الله يَبْغَضُ الفاحِشَ البَذِيء". رواه الترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". [صحيح] وزاد في رواية له: "وإنَّ صاحِبَ حُسنِ الخُلق لَيبْلُغُ بهِ درجةَ صاحِبِ الصومِ والصلاةِ". ورواه بهذه الزيادة البزار بإسناد جيد لم يذكر فيه: "الفاحش البذيء". [صحيح] ورواه أبو داود مختصراً قال: الحديث: 2639 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 "ما مِنْ شيْءٍ أثْقَلُ في الميزانِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ". (البذيء) بالذال المعجمة ممدوداً: هو المتكلم بالفحش ورديء الكلام. 2642 - (4) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أكْثَرِ ما يُدخِلُ الناسَ الجنَّةَ؟ فقال: "تَقْوى الله وحُسنُ الخُلُقِ". وسُئِلَ عن أكْثَرِ ما يُدخِلُ الناسَ النارَ؟ فقال: "الفَمُ والفَرْجُ". رواه الترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي في "الزهد" وغيره. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب". 2643 - (5) [صحيح] وعنها [يعني عائشة رضي الله عنها] قالتْ: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ المؤمنَ ليُدرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه درَجةَ الصائمِ القائمِ". [صحيح] رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، ولفظه: "إنَّ المؤمِنَ لَيُدرِكُ بحسْنِ الخُلُقِ درَجاتِ قائمِ الليْلِ وصائمِ النهارِ". 2644 - (6) [حسن لغيره] ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة؛ إلا أنه قال: "إنَّ الرجُلَ لَيُدْرِكُ بحسْنِ خُلُقِه درَجةَ القائِم باللَّيْلِ، الظامِئ بالهَواجِرِ". 2645 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله لَيُبْلغُ العَبْدَ بحُسْنِ خُلُقِهِ درجَةَ الصومِ والصلاةِ". الحديث: 2642 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 رواه الطبراني في "الأوسط"، [والحاكم] وقال: "صحيح على شرط مسلم". 2646 - (8) [حسن صحيح] ورواه أبو يعلى من حديث أنسٍ، وزاد في أوله: "أكْمَلُ المؤمِنين إيماناً أَحْسَنُهم خُلُقاً". 2647 - (9) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ المسلمَ المسدِّدَ لَيُدْرِكُ درجَةَ الصوَّامِ القوَّامِ بآياتِ الله بِحُسْنِ خُلُقِهِ، وكرمِ ضَريبَتِه". رواه أحمد، والطبراني في "الكبير"، ورواة أحمد ثقات؛ إلا ابن لهيعة. (1) (الضَّرِيبَة): الطبيعة وزناً ومعنىً. 2648 - (10) [حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنا زعيمٌ بِبَيْتٍ في رَبَضِ الجنَّة لِمَنْ تركَ المِراءَ وإنْ كان مُحِقاً، وبِبَيْتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرك الكَذِبَ وإنْ كانَ مازِحاً، وبِبَيْتٍ في أعْلى الجنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ". رواه أبو داود واللفظ له، وابن ماجه والترمذي (2)، وتقدم لفظه [3 - العلم/ 11]، وقال: "حديث حسن".   (1) قلت: لكنه قد رواه عنه عبد الله بن المبارك، وهو صحيح الحديث عنه كما كنت بينته في "الصحيحة" (522)، وغفل المعلقون الثلاثة كعادتهم عن هذا، فضعفوا الحديث. (2) قلت: لكنه عنده من رواية أنس كما تقدم التنبيه عليه هناك (3 - العلم/ 11) حيث ذكر لفظ الترمذي من حديث أبي أمامة أيضاً! وانطلى الأمر على الحافظ الناجي هنا (193/ 2) وهناك! الحديث: 2646 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 2649 - (11) [صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ مِنْ أحبِّكُمْ إليَّ، وأقْرَبِكُم منِّي مجْلِساً يومَ القيامة؛ أحْسَنَكُم أخْلاقاً" الحديث. رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". 2650 - (12) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما؛ أنَّه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ألا أُخْبِرُكم بأحَبِّكُم إليَّ وأقْرَبِكُم منِّي مجْلِساً يومَ القِيامَة؟ ". فأعادَها مرَّتَيْنِ أو ثلاثاً. قالوا: نعم يا رسولَ الله! قال: "أَحْسَنُكم خُلُقاً". رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه". 2651 - (13) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أخُبِرُكُم بخِيارِكم؟ ". قالوا: بَلى يا رسولَ الله! قال: "أطْوَلُكم أعْماراً، وأحْسَنُكُمْ أَخْلاقاً". رواه البزار، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلاهما من رواية ابن إسحاق؛ ولم يصرح فيه بالتحديث (1). 2652 - (14) [صحيح] وعن أسامة بن شريكٍ رضي الله عنه قال: كنَّا جُلوساً عند النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كأَنَّما على رُؤوسِنا الطيرُ، ما يتكَلَّمُ منّا   (1) قلت: وكذلك رواه أحمد (2/ 235 و403)، لكن له شاهد من حديث جابر صححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي. الحديث: 2649 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 مُتَكلِّمٌ، إذ جاءَهُ أُناسٌ فقالوا: مَنْ أحبُّ عبادِ الله إلى الله تعالى؟ قال: "أحْسَنُهم خُلُقاً". رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في "الصحيح"، وابن حبان في "صحيحه". [صحيح] وفي رواية لابن حبان بنحوه، إلا أنه قال: قالوا: يا رسولَ الله! فما خيرُ ما أُعْطِيَ الإنْسانُ؟ قال: "خُلُقٌ حَسَنٌ". ورواه الحاكم والبيهقي بنحو هذه، وقال الحاكم: "صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه، لأنَّ أسامة ليس له سوى راوٍ واحد". كذا قال؛ وليس بصواب، فقد روى عنه زياد بن علاقة وابن الأقمر وغيرهما. 2653 - (15) [حسن] وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: كنتُ في مجْلسٍ فيه النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسمرة وأبو أمامة، فقال: "إنَّ الفُحْشَ والتَّفَحُّشَ ليسا مِنَ الإسْلامِ في شَيْءٍ، وإنَّ أَحْسَن الناسِ إسْلاماً أحْسَنُهم خُلُقاً". رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد جيد، ورواته ثقات. 2654 - (16) [حسن] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما: أن معاذ بن جبل رضي الله عنه أراد سفراً فقال: يا نبيَّ الله! أوصني، قال: "اعْبدِ اللهَ لا تشركْ به شيئاً". قال: يا نبي الله! زِدني، قال: "إذا أَسَأتَ فأحسِنْ". الحديث: 2653 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 قال: يا نبي الله! زِدني، قال: "استَقِمْ، وليَحْسُنْ خُلُقُكَ". رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 2655 - (17) [حسن لغيره] وعن أبي ذرٍّ قال: قال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اتَّقِ الله حيْثُما كنتَ، وأتْبعِ السيِّئة الحَسنةَ تَمْحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". 2656 - (18) [صحيح لغيره] وعن عمير بن قتادة رضي الله عنه: أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله! أيُّ الصلاةِ أفْضَلُ؟ قال: "طولُ القُنوتِ". قال: فأيُّ الصدقة أفْضَلُ؟ قال: "جُهْدُ المُقِلِّ". قال: أيُّ المؤمنينَ أكْمَلُ إيماناً؟ قال: "أحْسَنُهم خُلُقاً". رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية سويد بن إبراهيم أبي حاتم، ولا بأس به في المتابعات. 2657 - (19) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "اللهُمَّ كما أحْسَنْتَ خَلْقي؛ فأحْسِنْ خُلُقي". رواه أحمد، ورواته ثقات. 2658 - (20) [حسن لغيره] وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ أحبَّكم إليَّ؛ أحاسِنُكم أَخْلاقاً، الموَطّؤونَ أكْنافاً، الذين يَأْلِفونَ الحديث: 2655 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 ويُؤْلَفون، وإنَّ أَبْغَضَكُم إليَّ؛ المشَّاؤونَ بالنمِيمَةِ، المفَرِّقونَ بينَ الأحِبَّةِ؛ الملْتَمِسونَ لِلْبُرآءِ العَيْبَ". رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط". 2659 - (21) [حسن لغيره] ورواه البزار من حديث عبد الله بن مسعودٍ باختصار. ويأتي في "النميمة" [18 - باب] إن شاء الله حديث عبد الرحمن بن غَنْم بمعناه. 2660 - (22) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَكْمَلُ المؤمِنينَ إيماناً أحْسَنُهم خُلقاً، وخيارُكم خيارُكُمْ لأَهْلِه". رواه أبو داود، والترمذي واللفظ له، وقال: "حديث حسن صحيح". [حسن صحيح] والبيهقي؛ إلا أنه قال: "وخياركم خياركم لنسائهم". والحاكم دون قوله: "وخياركم خياركم لأهله". [مضى 17 - النكاح/ 3]. ورواه بدونه أيضاً محمد بن نصر المروزي (1) 2661 - (23) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّكم لن تَسَعوا الناسَ بأموالكم، ولكنْ يسعهم منكم بَسْطُ الوجه، وحُسْنُ الخُلُق". رواه أبو يعلى والبزار من طرق أحدها حسن جيد.   (1) يعني في "تعظيم قدر الصلاة". وقال المؤلف في الأصل: "وزاد فيه: وإن المرء ليكون مؤمناً؛ وإنّ في خلقه شيئاً، فينقص ذلك من إيمانه". ولما كانت هذه الزيادة منكرة فقد حذفتها، وبينت نكارتها في "الضعيفة" (6767). الحديث: 2659 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 2662 - (24) [صحيح لغيره] وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ أَحبَّكُم إليَّ وأَقْرَبكم منِّي في الآخِرَة محاسِنُكُمْ أخْلاقاً، وإنَّ أَبْغَضَكُم إليَّ وأبْعَدَكُم منِّي في الآخِرَة أسْوَؤكم أَخْلاقاً، الثَرْثارون المتَفَيْهِقون المتَشَدِّقونَ". رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح"، والطبراني، وابن حبان في "صحيحه". 2663 - (25) [حسن صحيح] ورواه الترمذي من حديث جابرٍ وحسَّنه؛ لم يذكر فيه: "أسْوَؤكُم أخْلاقاً". وزاد في آخره: قالوا: يا رسولَ الله! قد علمنا (الثرثارون) و (المتشدِّقون)، فما (المتفيهقون)؟ قال: "المتكبّرون". (الثرثار) بثاءين مثلثتين مفتوحتين: هو الكثير الكلام تكلُّفاً. و (المتشدِّق): هو المتكلم بملء شدقه تفاصحاً وتعظيماً لكلامه. و (المتفيهق): أصله من (الفهق)؛ وهو الامتلاء، وهو بمعنى المتشدِّق؛ لأنه الذي يملأ فمه بالكلام، ويتوسع فيه إظهاراً لفصاحته وفضله، واستعلاءً على غيره. ولهذا فسره النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمتكبِّر. الحديث: 2662 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 3 - (الترغيب في الرفق والأناة والحلم). 2664 - (1) [صحيح] عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله رفيقٌ يُحِبُّ الرفْقَ في الأمْرِ كُلِّهِ". رواه البخاري ومسلم. [صحيح] وفي رواية لمسلم: "إنَّ الله رفيقٌ يُحبُّ الرفْقَ، ويُعْطي على الرفقِ ما لا يُعْطي على العُنْفِ، وما لا يُعْطي على ما سِواهُ". 2665 - (2) [صحيح] وعنها أيضاً عنِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الرفْقَ لا يكونُ في شيْءٍ إلا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إلا شَانَهُ". رواه مسلم (1). 2666 - (3) [حسن لغيره] وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ لَيُعْطي على الرفْقِ ما لا يُعْطِي على الخَرْقِ، وإذا أحَبِّ الله عَبْداً أعطاهُ الرفْقَ، ما مِنْ أهْلِ بَيْتٍ يُحْرَمون الرفْقَ؛ إلا حُرِموا الخَيْرَ". رواه الطبراني، ورواته ثقات. [صحيح] ورواه مسلم وأبو داود مختصراً: "مَنْ يُحْرَمِ الرفْقَ؛ يُحْرَمِ الخَيْرَ". زاد أبو داود: "كلَّه". 2667 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ أُعْطِيَ حظَّه مِنَ الرفْقِ فقد أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الخَيْر، ومَنْ حُرِمَ حَظَّهُ   (1) قلت: ورواه أبو داود وأحمد، وفيه عنده (6/ 125 و171) قصة، فانظر "الصحيحة" (524). الحديث: 2664 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 مِنَ الرفْقِ فَقد حُرِمَ حظَّه مِنَ الخَيْرِ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". 2668 - (5) [صحيح لغيره] وعن أبي أُمامَةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ الرفْقَ ويرضاهُ، ويُعينُ عليه ما لا يُعينُ على العُنْفِ". رواه الطبراني من رواية صدقة بن عبد الله السمين، وبقية إسناده ثقات. 2669 - (6) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لها: "يا عائشةُ! ارْفِقي؛ فإنَّ الله إذا أرادَ بأهْلِ بيْتٍ خَيْراً أدْخَلَ عليهمُ الرفْقَ". رواه أحمد. 2670 - (7) [حسن صحيح] والبزار من حديث جابر، ورواتهما رواة الصحيح. 2671 - (8) [حسن صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما أُعْطِيَ أهْلُ بيتٍ الرفْقَ إلا نَفَعَهُمْ". رواه الطبراني بإسناد جيد. 2672 - (9) [حسن صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما كانَ الرفْقُ في شيْءٍ قَطُّ إلا زانَه، ولا كانَ الخَرْقُ في شَيْءٍ قَطُّ إلا شانَهُ، وإنَّ رَفيقٌ يحبُّ الرفْقَ". رواه البزار بإسناد لين، وابن حبان في "صحيحه"؛ وعنده: "الفحش" مكان "الخرق"، ولم يقل: "وإنَّ الله. . ." إلى آخره. 2673 - (10) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بالَ أعْرابِيُّ في المسْجِد، فقامَ الناسُ إليه لِيَقعوا فيه، فقالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الحديث: 2668 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 "دَعوهُ، وأرِيقوا على بَوْلهِ سَجْلاً مِنْ ماءٍ -أوْ ذَنُوباً مِنْ ماءٍ-، فإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرينَ، ولَمْ تُبْعَثوا مُعَسِّرينَ. رواه البخاري. (السَّجْلُ) بفتح السين المهملة وسكون الجيم: هي الدلو الممتلئة ماء. و (الذَّنُوب) بفتح الذال المعجمة: مثل السجل، وقيل: هي الدلو مطلقاً، سواءٌ كان فيها ماء أو لم يكن، وقيل: دون الملأى. 2674 - (11) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: يسِّروا ولا تُعَسِّروا، وبَشِّروا ولا تُنَفِّروا". رواه البخاري ومسلم. 2675 - (12) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما خُيِّر رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أمْرَيْنِ قَطُّ، إلا أَخَذ أيْسَرهُما ما لَمْ يكُنْ إثْماً، فإنْ كانَ ثَمَّ إِثْمٌ، كانَ أبْعَد الناسِ مِنْه، وما انْتَقَم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنفْسِه في شيْءٍ قَطُّ، إلا أَنْ تُنْتَهكَ حُرمَةُ الله فيَنْتَقِمُ لله تَعالى. رواه البخاري ومسلم. 2676 - (13) [صحيح لغيره] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أخْبِرُكُم بِمَنْ يَحْرُمُ على النارِ -أوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عليه النارُ-؟ تَحْرُمُ على كلِّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". [صحيح لغيره] وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه في إحدى رواياته: "إنَّما تَحْرُمُ النارُ على كُلِّ هَيِّنٍ لَيّن قَريبٍ سَهْلٍ". الحديث: 2674 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 2677 - (14) [حسن] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "التأَنِّي منَ الله والعَجَلَةُ مِنَ الشيْطانِ، وما أحَدٌ أكثرُ معاذيرَ مِنَ الله، وما مِنْ شيءٍ أحبُّ إلى الله مِنَ الحَمْدِ". رواه أبو يعلى، ورواته رواة "الصحيح". 2678 - (15) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأَشَجِّ: "إنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبِّهما الله ورَسولُه: الحِلمُ والأَنَاةُ". رواه مسلم. 2679 - (16) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: كنتُ أمْشي معَ رَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليه بُرْدٌ نَجْرانِيٌّ غَليظُ الحاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أعْرابِيٌّ، فجذَبَهُ بِردائه جَذْبةً شديدةً، فنَظرْتُ إلى صفْحَة عُنُقِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد أثّر بها حاشِيَةُ الرِداءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِه، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّد مُرْ لي مِنْ مالِ الله الذي عِنْدَك، فالْتَفَتَ إليْه فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَر له بعَطَاءٍ. رواه البخاري ومسلم. 2680 - (17) [صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: كأنِّي أَنْظُر إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْكي نبِيّاً مِنَ الأنْبِياءِ ضَرَبهُ قومُه فأدْموهُ وهو يَمْسَحُ الدَّمَ عنْ وَجْهِهِ ويقولُ: "اللهم اغفر لِقَوْمي فإنَّهم لا يَعْلَمونَ". رواه البخاري ومسلم. 2681 - (18) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليسَ الشديدُ بالصُّرعَةِ، إنَّما الشديدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عندَ الغَضَبِ". رواه البخاري ومسلم. (قال الحافظ): "وسيأتي" [10 -] باب في الغضب ودفعه" إن شاء الله تعالى". الحديث: 2677 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 4 - (الترغيب في طلاقة الوجه وطيب الكلام، وغير ذلك مما يذكر). 2682 - (1) [صحيح] عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تَحقِرنَّ مِنَ المعروفِ شَيئاً، ولوْ أَنْ تَلْقى أَخاك بوَجْهٍ طَليقٍ (1) ". رواه مسلم. 2683 - (2) [صحيح لغيره] وعن الحسن عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مِنَ الصَّدقَةِ أنْ تُسلِّم على الناسِ وأَنْتَ طَليقُ الوَجْهِ". رواه ابن أبي الدنيا، وهو مرسل. (2) 2684 - (3) [صحيح لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلُّ معروفٍ صدقَةٌ، وإنَّ مِنَ المعْروفِ أنْ تَلْقى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ، وأنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ في إناءِ أخيكَ". رواه أحمد، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". وصدره في "الصحيحين" من حديث حذيفة وجابر (3).   (1) كذا الأصل، وفي "مسلم": (طَلْق). لكن قال النووي. "روي على ثلاثة أوجه: إسكان اللام، وكسرها، و (طليق) بزيادة ياء، ومعناه: سهل منبسط". قلت: والحديث في "مسند أحمد" (5/ 173) كرواية "مسلم" الأولى: (طلْق). (2) قلت: لكن يشهد له ما بعده من الأحاديث. (3) قال الناجي: "ليس كذلك، إنما رواه البخاري منفرداً به عن مسلم من حديث جابر مختصراً، وليس هو من حديث حذيفة عند واحد منهما، فيتعين إفراد "الصحيح"، وإسقاط ذكر حذيفة". فأقول: قلده الثلاثة المعلقون -ولا يملكون غيره! وهو وهم، فقد رواه مسلم (3/ 82) عن حذيفة أيضاً! الحديث: 2682 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 2685 - (4) [صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَبَسُّمُكَ في وجْهِ أخيكَ لكَ صدقَةٌ، وأمْرُكَ بالمعروف ونهْيُكَ عنِ المنْكَرِ صدقَةٌ، وإرْشادُكَ الرجُلَ في أرضِ الضَّلالِ لكَ صدقَةٌ، وإماطَتُك الأَذى والشوكَ والعَظْمَ عنِ الطريقِ لك صَدقَةٌ، وإفْراغُكَ مِنْ دَلْوِكَ في دَلْوِ أخيكَ لكَ صدَقَةٌ". رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه" وزاد: "وبَصرُكَ للرجُلِ الرديءِ البَصرِ لكَ صدَقَةٌ". 2686 - (5) [صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ تَبَسُّمَك في وجهِ أخيكَ يُكْتَبُ لَك به صدَقَةٌ، [وإن إفراغك من دَلوك في دلو أخيك يكتب لك به صدقة] (1)، وإماطَتُكَ الأَذى عنِ الطريقِ يُكْتَبُ لكَ به صدَقَةٌ، وإنَّ أمْرَكَ بالمعروفِ صدقَةٌ، [ونهيك عن المنكر يكتب لك به صدقة]، وإرشادَكَ الضَّالَّ يُكْتَبُ لكَ بِه صَدقَةٌ". رواه البزار والطبراني من رواية يحيى بن أبي عطاء، وهو مجهول. 2687 - (6) [صحيح] وعن أبي جُرَيّ الهجيمي رضي الله عنه قال: أتَيْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلتُ: يا رسول الله! إنا قومٌ مِنْ أهلِ الباديَةِ، فعلِّمْنا شيئاً ينْفَعُنا الله بِه؟ فقال: "لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْروفِ شَيْئاً، ولوْ أنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ في إناءِ المُسْتَقي، ولوْ أَنْ تُكَلِّمَ أخاكَ ووَجْهُك إليه مُنْبَسِطٌ، وإيَّاك وإسْبالَ الإزارِ؛ فإنَّه مِنَ   (1) سقطت من الأصل هي والتي بعدها، واستدركتهما من "كشف الأستار" (2/ 454/ 956) -والسياق له-، والطبراني في "الأوسط" (9/ 8338/157)، و"مجمع الزوائد" (3/ 134). الحديث: 2685 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 المَخِيلَةِ، ولا يُحِبُّها الله، إنِ امْرؤٌ شَتَمك بما يَعْلَمُ فيك، فلا تَشْتُمْهُ بما تَعْلَمُ فيه؛ فإنَّ أجْرَهُ لكَ، وَوبَالَهُ على مَنْ قَالَهُ". رواه أبو داود، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". والنسائي مفرقاً، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له. [صحيح لغيره] وفي رواية للنسائي (1): فقال: "لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المعروفِ شَيْئاً أنْ تَأتِيَه ولوْ أنْ تَهبَ صِلَة الحَبْلِ، ولوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ في إناءِ المُسْتَقي، ولَوْ أَنْ تَلْقَى أخاكَ المسلِمَ وَوَجْهُكَ بِسْطٌ إليه (2)، ولَوْ أَنْ تُؤْنِسَ الوَحْشَانَ بِنَفْسكَ، ولَوْ أَنْ تَهبَ الشِّسَعَ". 2688 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ". . . والكلمةُ الطيِّبَةُ صَدقَةٌ". رواه البخاري ومسلم في حديث. [مضى 5 - الصلاة/ 9]. 2689 - (8) [صحيح] وعن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اتَّقوا النارَ ولَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فبِكَلِمَةٍ طيِّبَةٍ". رواه البخاري ومسلم. 2690 - (9) [صحيح] وعن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده قال: قلتُ: يا رسولَ الله! حدثني بشَيْءٍ يوجِبُ لي الجنَّةَ؟ قال: "موجِبُ الجنَّةِ؛ إطْعامُ الطَّعامِ، وإفْشاءُ السَّلامِ، وحسْنُ الكَلامِ".   (1) وهي رواية لأحمد، وإسناده صحيح، فهي أولى بالعزو، وقد خرجتهما في "الصحيحة" (3422). (2) أي: منبسط منطلق كما في "النهاية". الحديث: 2688 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 رواه الطبراني بإسنادين رواة أحدهما ثقات، وابن أبي الدنيا في "كتاب الصمت" والحاكم؛ إلاَّ أنَّهُما قالا: "عليكَ بحُسْنِ الكَلامِ، وبَذْلِ الطَّعامِ". وقال الحاكم: "صحيح، ولا علة له". (1) 2691 - (10) [صحيح لغيره] ورواه البزار من حديث أنس قال: قال رجل للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: علِّمْني عَملاً يُدْخِلُني الجنَّةَ؟ قال: "أطْعِمِ الطعامْ، وأفْشِ السلامْ، وأطِبِ الكَلامْ، وصَلِّ بالليل والناسُ نِيامْ؛ تَدخُلِ الجنَّةَ بسَلام". 2692 - (11) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ في الجنَّة غُرفةً يُرى ظاهِرُها مِنْ باطِنها، وباطِنُها مِنْ ظاهِرها". فقال أبو مالك الأشْعريِّ: لِمَنْ هِيَ يا رسولَ الله؟ قال: "لِمَنْ أطابَ الكَلامْ، وأطْعَمَ الطعامْ، وباتَ قائماً والناسُ نِيامْ". رواه الطبراني، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". وتقدمت جملة من أحاديث هذا النوع في [6 - النوافل/ 11] "قيام الليل" و [8 - الصدقات/ 17] "إطعام الطعام".   (1) قلت: ووافقه الذهبي في "تلخيصه" (1/ 23) خلافاً لقول الجهلة: "وتعقبه الذهبي فقال: علته أن هانئ بن يزيد -والد شريح- ليس له راوٍ غير ابنه"! والواقع أن هذه العلة -إنما حكاها الحاكم عن الشيخين، ثم ردها، ووافقه الذهبي!! والحديث مخرج في "الصحيحة" رقم (1939). ثم إنَّ جملة "وحسن الكلام" في رواية الطبراني أضافها المؤلف من روايته الأخرى. الحديث: 2691 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 5 - (الترغيب في إفشاء السلام وما جاء في فضله، وترهيب المرء من حب القيام له). 2693 - (1) [صحيح] عن عبدِ الله بْنِ عَمْرِو بنِ العاصي رضي الله عنهما: أنَّ رجلاً سأَل رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ الإسْلامِ خَيرٌ؟ قال: "تُطْعِمُ الطعامَ، وتَقْرأُ السلامَ، على مَنْ عَرَفتَ ومَنْ لَمْ تَعْرِفْ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. 2694 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تَدْخُلونَ الجنَّةَ حتى تُؤمِنوا، ولا تُؤمِنوا حتى تَحابُّوا، ألا أدُلُّكُم على شَيْءٍ إذا فَعَلْتُموه تحابَبْتُم؟ أَفْشوا السلامَ بَيْنَكُم". رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه. 2695 - (3) [حسن لغيره] وعنِ ابْنِ الزبيرِ (1) رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "دَبَّ إليْكُم داءُ الأُمَمِ قَبْلَكُم؛ البَغْضَاءُ وَالحَسَدُ، والبغضاء هيَ الحالِقَةُ، ليسَ حالِقَةَ الشعَرِ، ولكنْ حالِقَةُ الدينِ. والذي نفْسي بيده لا تَدْخلونَ الجَنَّة حتى تُؤمِنوا، ولا تؤْمنوا حتَّى تحابُّوا، ألا أُنَبِّئُكُم بِما يُثَبِّتُ لكم ذلك؟ أَفْشوا السلامَ بَيْنَكُم". رواه البزار بإسناد جيد.   (1) كذا وقع عند البزار (رقم - 2002 - كشف الأستار)، ورواه الترمذي وغيره لكن قالوا: (عن الزبير بن العوام)، وأشار إلى هذه الرواية البزار، وذكر الترمذي الخلاف في ذلك، ومداره على مولى للزبير لا يعرف، لكن للحديث شاهد من حديث أبي هريرة عند البخاري في "الأدب المفرد" (رقم - 260). الحديث: 2693 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 2696 - (4) [حسن] وعن البراء رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أفْشوا السلامَ تَسْلَموا". رواه ابن حبان في "صحيحه" (1). 2697 - (5) [صحيح] وعن أبي يوسف عبد الله بن سلامٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يا أيُّها الناسُ! أَفْشوا السلامَ، وأطْعِموا الطعامَ، وصَلُّوا باللَّيْلِ والناسُ نِيامٌ؛ تَدْخُلوا الجنَّةَ بِسَلامٍ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". 2698 - (6) [صحيح لغيره] وعن عبدِ الله بْنِ عَمْروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اعبُدوا الرحمن، وأفْشوا السلامَ، وأطْعِموا الطعامَ، تدْخلوا الجِنَانَ". رواه الترمذي وصحَّحه، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له. (قال الحافظ): "وتقدم غير ما حديث من هذا النوع في [8 - الصدقات/ 17] "إطعام الطعام" وغيره". 2699 - (7) [صحيح] وعن أبي شُرَيْحٍ رضي الله عنه أنَّه قال: يا رسولَ الله! أخْبِرْني بِشيءٍ يوجِبُ لي الجنَّةَ؟ قال: "طِيبُ الكَلامِ، وبَذْلُ السَّلامِ، وإطْعامُ الطَّعامِ". رواه الطبراني، وابن حبان في "صحيحه" في حديث، والحاكم وصحَّحه، وتقدم [قبل ثمانية أحاديث]. (2)   (1) قلت: فاته البخاري في "الأدب المفرد" (رقم - 787). (2) سبق هناك بيان أن الحديث صحيح رداً على الجهلة الذين نسبوا إلى الذهبي أنَّه رد على الحاكم تصحيحه وأعله! ومن تمام جهلهم أنهم هناك حسنوه بشواهده!! أما هنا فقالوا: "حسن"!! الحديث: 2696 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 [صحيح] وفي رواية جيدة للطبراني قال: قلتُ: يا رسولَ الله! دُلَّني على عَملٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ؟ قال: "إنَّ مِنْ موجِبَاتِ المَغْفِرَةِ بَذْلَ السلامِ، وحُسْنَ الكَلامِ". 2700 - (8) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "حقُّ المسلمِ على المسلمِ خَمْسٌ: ردُّ السلامِ، وعيادَةُ المريضِ، واتِّباعُ الجَنائِزِ، وإجابَةُ الدعْوَةِ، وتشميتُ العاطِسِ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود. [صحيح] ولمسلم: "حقُّ المسلم على المسْلِم سِتٌّ". قيلَ: وما هُنَّ يا رسولَ الله؟ قال: "إذا لَقِيتَهُ فسلِّمْ عليه، وإذا دعَاك فأجِبْهُ، وإذا اسْتَنْصَحكَ فانْصَحْ لَهُ، وإذا عَطَسَ فحَمِدَ الله فشَمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعُدْهُ، وإذا ماتَ فاتْبَعْهُ". ورواه الترمذي والنسائي بنحو هذه. (1) 2701 - (9) [حسن] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أفْشوا السلامَ كَيْ تعلوا". رواه الطبراني بإسناد حسن. (2)   (1) قلت: لعله سقط من الناسخ أو الطابع عزوه لمسلم، فقد عزاه إليه فيما يأتي (25 - الجنائز/ 13). (2) وكذا قال الحافظ في "التلخيص" (4/ 64)، ونحوه قول الهيثمي (8/ 30): "وإسناده جيد". وعنده كالأصل: (تعلوا). وعند الحافظ: (تسلموا)، فإن صح هذا فهو كحديث البراء المتقدم في الباب برقم (4)، فإني لم أقف عليه في "المعجم الكبير" لأن المجلد الذي فيه أحاديث أبي الدرداء لم يطبع بعد. الحديث: 2700 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 2702 - (10) [حسن] وعنِ الأغَرِّ -أغَرِّ مُزَيْنَةَ- رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرَ لي بجَرِيبٍ مِنْ تَمرٍ، عند رجلٍ مِنَ الأنْصارِ، فمَطَلني بِه، فكلَّمتُ فيه رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "اُغْدُ يا أبا بكْرٍ، فخُذْ له تَمْرَهُ". فوَعدني أبو بكْرٍ المسْجِدَ إذا صَلَّيْنا الصُّبْحَ، فوجَدْتُه حيثُ وَعدني، فانْطلَقْنا، فكُلَّما رأى أبو بكرٍ رجُلاً مِنْ بعيدٍ سلَّم عليه، فقالَ أبو بَكْرٍ رضي الله عنه: أمَا ترى ما يصيبُ القومُ عليكَ مِنَ الفَضلِ؟ لا يَسْبِقْكَ إلى السلامِ أحَدٌ، فكنَّا إذا طَلَع الرجُلُ مِنْ بعيدٍ بادَرْناهُ بالسلام قَبْلَ أنْ يُسلِّمَ علينا. رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وأحد إسنادي "الكبير" رواته محتج بهم في "الصحيح". 2703 - (11) [صحيح] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ أوْلى الناسِ بالله مَنْ بَدأَهُمْ بالسلامِ". رواه أبو داود، والترمذي وحسنه. ولفظه: قيل: يا رسول الله! الرجُلانِ يَلْتَقِيانِ أيَّهما يَبْدَأُ بالسَلام؟ قال: "أوْلاهُما بالله تعالى". 2704 - (12) [صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُسَلِّم الراكِبُ على الماشي، والماشي على القاعِدِ، والماشِيانِ أيُّهما بَدأ فهو أَفْضَلُ". رواه البزار، وابن حبان في "صحيحه" (1).   (1) فيه عنده عنعنة أبي الزبير، لكنه قد صرّح بالتحديث عند "البزار" (2006)، وكذا عند البخاري في "الأدب المفرد" (983 و994)، لكن وقع عنده موقوفاً. الحديث: 2702 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 2705 - (13) [حسن صحيح] وعن عبد الله -يعني ابن مسعودٍ- رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "السلامُ اسْمٌ مِنْ أسْماءِ الله تعالى؛ وضَعَه في الأرْضِ، فأفْشوهُ بَيْنَكُم، فإنَّ الرجلَ المسلمَ إذا مَرَّ بقومٍ فسلَّم عليهم فَردُّوا عليه؛ كانَ لَهُ عليهم فَضْلُ درَجَةٍ بتَذْكيرهِ إيَّاهُم السلامَ، فإنْ لَمْ يَردُّوا عليهِ ردَّ عليه مَنْ هُوَ خيرٌ مِنْهُمْ". رواه البزار والطبراني، وأحد إسنادي البزار جيد قوي. 2706 - (14) [حسن صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "كنَّا إذا كنَّا معَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتُفَرِّقُ بيْنَنا شجَرةٌ، فإذا الْتَقيْنا يُسَلِّم بعْضُنا على بَعْضٍ". رواه الطبراني بإسناد حسن. 2707 - (15) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا انْتَهى أحَدُكُم إلى المْجلِس فَلْيُسَلِّمْ، فإذا أرادَ أنْ يقومَ فَلْيُسلِّمْ، فليْسَتِ الأولى بأَحَقِّ مِنَ الآخِرَةِ". رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، والنسائي. 2708 - (16) [صحيح لغيره] وروى أحمد من طريق ابن لهيعة عن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنَّه قال: "حقٌّ على مَنْ قامَ على جماعَةٍ أنْ يُسَلِّم عليهم، وحقٌّ على مَنْ قام مِنْ مَجْلِسٍ أنْ يُسَلِّمَ". فقامَ رجلٌ ورسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتكَلَّمُ فلَمْ يُسَلِّم، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما أسْرَعَ ما نَسِيَ". الحديث: 2705 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 2709 - (17) [صحيح موقوف] وعن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه قال: يا بُنيَّ! إذا كنتَ في مجْلسٍ ترجو خَيْرَهُ فَعجِلَتْ بكَ حاجَةٌ؛ فقُلْ: السلامُ عليكُمْ؛ فإنَّك شريكُهُم فيما يُصيبونَ في ذلك المَجْلِسِ. رواه الطبراني موقوفاً هكذا ومرفوعاً، والموقوف أصح. 2710 - (18) [صحيح] وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: (السلامُ عليكُمْ). فردَّ عليه، ثُمَّ جلَس. فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عَشْرٌ". ثُمَّ جاءَ آخرُ فقال: (السلامُ عليكُمْ ورَحْمَةُ الله). فردَّ، فجَلَس. فقال: "عِشرونَ". ثُمَّ جاءَ آخَرُ فقال: (السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبَركاتُه). فردَّ، فجلَس، فقال: "ثَلاثون". رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، والنسائي، والبيهقي وحسنه أيضاً. 2711 - (19) [صحيح لغيره] ورُوي عن سهل بن حنيفٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ قال: (السلامُ عليكُمْ) كُتِبَتْ له عَشْرُ حسنَاتٍ، ومَنْ قال: (السلامُ عليكُمْ ورحمةُ الله) كتِبَتْ له عشرونَ حَسنةً، ومَنْ قال: (السلامُ عليكُمْ ورحمةُ الله وبركاتُه) كُتِبَتْ له ثلاثونَ حَسنةً". رواه الطبراني. 2712 - (20) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رجُلاً مرَّ على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في مجلسٍ فقال: (سلامٌ عليكم). الحديث: 2709 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 فقال: "عشْرُ حسَناتٍ". ثُمَّ مرَّ آخَرُ فقال: (سلامٌ عليكم ورحمةُ الله). فقال: "عِشرونَ حسنَةً". ثُمَّ مرَّ آخَرُ فقال: (سلامٌ عليكُمْ ورحمةُ الله وبَركاتُه)، فقال: "ثلاثونَ حسنةً". فقامَ رجُلٌ مِنَ المْجلِسِ ولَمْ يُسَلِّمْ؛ فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما أوْشَكَ ما نَسِيَ صاحِبُكُم. إذا جاءَ أحدُكم إلى المْجلِسِ فلْيُسَلِّمْ، فإنْ بَدا له أنْ يجْلِسَ فلْيَجْلِسْ، وإنْ قامَ فَلْيُسَلِّمْ، فليْسَتِ الأولى بأحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ". رواه ابن حبان في "صحيحه". (ما أوْشَكَ) أي: ما أسرع. 2713 - (21) [صحيح] وعنِ ابْنِ عَمْروٍ (1) عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أرْبعون خَصْلَةً، أعلاهُنَّ مَنيحَةُ العَنزِ، ما مِنْ عاملٍ يعملُ بخَصْلَةٍ منها رَجاءَ ثوابِها، أوْ تصديقَ موْعودِها؛ إلا أدْخَلَهُ الله بها الجنَّة". قال حسَّانُ: فعدَدْنا ما دونَ مَنيحَةِ العَنْزِ مِنْ ردِّا لسلامِ، وتشْميتِ العاطِسِ، وإماطَةِ الأذَى عنِ الطريقِ، ونحوِهِ، فَما اسْتَطَعْنا أنْ تَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَة. رواه البخاري وغيره. (العنز): الأنثى من المعز.   (1) الأصل: (ابن عمر)، وهو خطأ صححته من (البخاري - الهبة)، وكذلك رواه أبو داود (1683)، وأحمد (2/ 160). وحسان المذكور في الحديث هو ابن عطية كما وقع مصرّحاً به في إسناده. الحديث: 2713 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 2714 - (22) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أعْجَزُ الناسِ مَنْ عَجِزَ في الدُّعاءِ، وأبْخَلُ الناسِ مَنْ بَخِلَ بالسَّلامِ". رواه الطبراني في "الأوسط" وقال: "لا يروى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا بهذا الإسناد". (قال الحافظ): "وهو إسناد جيد قوي". 2715 - (23) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مغفلٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أسْرَقُ الناسِ الذي يَسْرِقُ صلاتَهُ". قيلَ: يا رسولَ الله! وكيفَ يسرِقُ صلاتَهُ؟ قال: "لا يُتِمُّ ركوعَها ولا سُجودَها، وأبْخَلُ الناسِ مَنْ بَخِلَ بالسَّلامِ". رواه الطبراني بإسناد جيد. [مضى برواية معاجميه الثلاثة 6 - الصلاة/ 34]. 2716 - (24) [حسن] وعن جابرٍ رضي الله عنه: أنَّ رجلاً أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إنَّ لِفُلانٍ في حائطي عِذْقاً، وإنَّه قد آذاني، وشقَّ عليَّ مكانُ عِذْقِه، فأرسلَ إليه رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "بِعْني عِذْقَك الذي في حائط فلانٍ". قال: لا. قال: "فهَبْهُ لي". قال: لا. قال: "فبِعْنيهِ بِعذْقٍ في الجنَّة". قال: لا. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما رأيْتُ الذي هو أبْخَلَ مِنْكَ إلا الذي يَبْخَلُ بالسَّلامِ". الحديث: 2714 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 رواه أحمد والبزار، وإسناد أحمد لا بأس به (1). (قال الحافظ): "وتقدم في [14 - الذكر/ 14] "ما يقول إذا دخل بيته" أحاديث من السلام، فأغنى عن إعادتها هنا". 2717 - (25) [صحيح] وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أحبَّ أنْ يَتَمثَّل (2) له الرجالُ قِياماً؛ فلْيتَبَّوأْ مقْعَدَهُ مِنَ النارِ". رواه أبو داود بإسناد صحيح، والترمذي وقال: "حديث حسن".   (1) قلت: ووجهه أن فيه زهير بن محمد التميمي الخراساني؛ وقد ضُعِّف في رواية الشاميين عنه، وهذا ليس منها، فإنه من رواية أبي عامر العقدي عنه، واسمه عبد الملك بن عمرو القيسي، وهو بصري، وهو مخرج في "الصحيحة" (3383)، وجهل ذلك المعلقون الثلاثة، وزعموا أنه "حسن بشواهده"، وكذبوا، ولكنها (شنشنة. .). (2) كذا الأصل، وكأنه مركب من رواية أبي داود والترمذي، فإن لفظ هذا: "من سره أن يتمثل. . ."، ولفظ أبي داود: "من أحب أن يمْثُل. . ."، أفاده الناجي وقال: "و (يمثل) بفتح الياء وإسكان الميم وضم المثلثة؛ أي: ينتصبوا. يقال: مثل يمثل مثولاً فهو ماثل إذا انتصب قائماً، بوزن قعد يقعد قعوداً فهو قاعد". وهذا الحديث وأكثر أحاديث الباب أخرجها البخاري في "الأدب المفرد". الحديث: 2717 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 6 - (الترغيب في المصافحة، والترهيب من الإشارة في السلام، وما جاء في السلام على الكفار). 2718 - (1) [صحيح لغيره] عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِنْ مسلمَيْنِ يَلْتَقيانِ فيتَصافَحانِ؛ إلا غُفِرَ لهما قَبْلَ أنْ يَتَفرَّقا". رواه أبو داود والترمذي؛ كلاهما من رواية الأجلح عن أبي إسحاق عن البراء. وقال الترمذي: "حديث حسن غريب". 2719 - (2) [حسن] وعنه [يعني أنس بن مالكٍ رضي الله عنه] قال: كانَ أصْحابُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا تلاقَوْا تَصافَحوا، وإذا قَدِموا مِنْ سَفَرٍ تعانَقوا. رواه الطبراني (1)، ورواته محتج بهم في "الصحيح". 2720 - (3) [صحيح لغيره] وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ المؤمِنَ إذا لَقِيَ المؤمِنَ فسلَّمَ عليه، وأخَذَ بيدِه فصافَحَهُ؛ تناثَرتْ خطاياهُما كما يتَناثَرُ ورَقُ الشَّجَرِ". رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً. 2721 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَ حُذَيْفَةَ، فأرادَ أنْ يُصافحَه، فَتَنَحَّى حُذَيْفَةُ، فقال: إنِّي كنتُ، جُنُباً. فقال:   (1) قلت: يوهم بإطلاقه أنه في "المعجم الكبير" له، وليس كذلك، فإنه إنما رواه في "الأوسط"، وهو مخرج في "الصحيحة" برقم (2647). الحديث: 2718 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 "إنَّ المسلمَ إذا صافَح أخاه تحاتَّتْ خطاياهُما كما يتَحاتُّ ورَقُ الشَّجَرِ". رواه البزار من رواية مصعب بن ثابت (1). 2722 - (5) [صحيح] وعن قتادة قالَ: قلتُ لأنسِ بْنِ مالكٍ رضي الله عنه: أكانَتِ المُصَافَحةُ في أصْحابِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: نعم. رواه البخاري والترمذي. 2723 - (6) [حسن] ورُوي عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قال: "ليسَ مِنَّا مَنْ تَشبَّهَ بِغَيْرِنا، لا تَشبَّهُوا باليهودِ ولا بالنَّصارى، فإنَّ تسليمَ اليهودِ الإشارَةُ بالأصابعِ، وإنَّ تسليمَ النصارى [الإشارة] (2) بالأكُفِّ". [حسن لغيره] رواه الترمذي، والطبراني وزاد: "ولا تَقُصُّوا النَّواصي، واحْفوا الشوارِبَ، واعْفوا الَّلحى، ولا تَمْشوا في المساجِدِ والأسْواقِ وعليكم القُمُصُ إلا وتحتها الأُزُرُ". 2724 - (7) [حسن لغيره] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تسليمُ الرجل بأصْبَعٍ واحدٍ يشيرُ بِها فِعْلُ اليَهودِ". رواه أبو يعلى، ورواته رواة "الصحيح"، والطبراني واللفظ له.   (1) قلت: وقد وجدت له شاهداً من حديث حذيفة نفسه بسند جيد؛ خرجته في "الصحيحة" (526). (2) زيادة من الترمذي (2696). الحديث: 2722 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 2725 - (8) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تَبْدؤوا اليهودَ والنَّصارى بالسلامِ، وإذا لَقيتُم أحدَهم في طريقٍ، فاضْطَرُّوهُم إلى أضْيَقِهِ". رواه مسلم -واللفظ له-، وأبو داود والترمذي. 2726 - (9) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا سلَّم عليكُمْ أهلُ الكِتابِ؛ فقولوا: وعلَيْكُمْ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه. ومن نوع هذين الحديثين كثير ليس من شرط كتابنا فتركناها. الحديث: 2725 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 7 - (الترهيب أن يَطَّلعَ الإنسانُ في دارٍ قبْلَ أنْ يَسْتَأْذِنَ). 2727 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنِ اطَّلَع في بيتِ قومٍ بغيرِ إذْنِهم؛ فقد حلَّ لَهُمْ أنْ يَفْقَؤوا عيْنَه". رواه البخاري (1) ومسلم، وأبو داود؛ إلا أنَّه قال: "فَفَقَؤوا عيْنَه، فقد هُدِرَتْ". [صحيح] وفي رواية للنسائي: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنِ اطَّلَع في بيْتِ قومٍ بغير إذْنِهم، فَفَقؤوا عَيْنَه؛ فلا دِيَةَ له ولا قصاصَ". 2728 - (2) [صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيما رجلٍ كَشَفَ سِتْراً، فأدخلَ بصرَه قبل أن يؤذنَ له؛ فقد أتى حدّاً لا يحلُّ له أنْ يأتيَهُ، ولو أن رجلاً فقأَ عينَه لهُدِرَتْ، ولو أن رجلاً مرّ على بابٍ لا سترَ له، فرأى عورةَ أهلِهِ فلا خطيئةَ عليه، إنما الخطيئةُ على أهلِ المنزلِ". رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح"؛ إلا ابن لهيعة. ورواه الترمذي وقال: "حديث غريب حسن (2)، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة".   (1) ليس هذا لفظه، وإنما هو لمسلم فقط؛ كما قال الناجي (195/ 1)، فانظر "إرواء الغليل" (رقم - 2289). (2) قلت: التحسين المذكور لم يرد في بعض المطبوعات من "السنن"، فلعلها كانت في نسخة المؤلف منه، وهو اللائق بحال إسناده، لأنه فيه من رواية قتيبة بن سعيد، وهو صحيح الحديث عن ابن لهيعة كما قال الذهبي، ولذلك خرجته في "الصحيحة" (3463). الحديث: 2727 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 2729 - (3) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ رجلاً اطَّلَع مِنْ بعضِ حُجَر النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقامَ إليه النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمشْقَصٍ أوْ بِمشاقِصَ، فكأنِّي أنْظر إليه يَخْتِلُ الرجلَ ليَطْعَنَهُ. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، ولفظه: أنَّ أعرابياً أتى بابَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فألْقَم عينَه خَصاصةَ البابِ، فبصُرَ به النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فتوَخّاه بِحديدَةٍ أوْ عودٍ لَيَفْقَأَ عيْنَهُ، فلمّا أنْ أبْصَره انْقَمَع، فقال له النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أمَا إنَّك لو ثَبَتَّ لفَقَأْتُ عينَك". (المِشْقَصُ): بكسر الميم بعدها شين معجمة ساكنة وقاف مفتوحة: هو السهم له نصل عريض. وقيل: طويل. وقيل: هو النصل العريض نفسه. وقيل: الطويل. (يَخْتِلُه): بكسر التاء المثناة فوق، أي: يخدعه ويراوغه. و (خَصاصة الباب): بفتح الخاء المعجمة وصادين مهملتين: هي الثقب فيه والشقوق، ومعناه أنّه جعل الشقَّ الذي في الباب محاذياً عينَه. (توخَّاه): بتشديد الخاء المعجمة، أي: قصده. 2730 - (4) [صحيح] وعن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه: أنَّ رجلاً اطَّلَع على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حُجرٍ في حُجرَةِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومعَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِدرَاةٌ (1) يحُكُّ بها رأْسَهُ، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو علِمْتُ أنَّك تنظُر لَطَعَنْتُ بها في عيْنِكَ، إنَّما جُعِلَ الاسْتِئذانُ مِنْ أجْلِ البَصَرٍ". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.   (1) المِدْراة و (المدْرى): شيء يعمل من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه يسرح به الشَّعر المتلبد، ويستعمله من لا مشط له. كذا في "النهاية". الحديث: 2729 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 2731 - (5) [حسن] وعن عبد الله بن بُسرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا تَأْتُوا البيوتَ مِنْ أبْوابِها، ولكنِ ائْتوها مِنْ جَوانبِها، فاسْتَأْذِنوا، فإنْ أُذِنَ لكُم فادْخُلوا، وإلا فارْجِعِوا". رواه الطبراني في "الكبير" من طرق أحدها جيد (1).   (1) قلت: ليراجع إسناده إن أمكن فإن "مسند عبد الله بن بُسر" من "المعجم الكبير" لم يطبع بعد؛ فإني أخشى أن يكون شاذاً، فقد أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" وغيره بسند صحيح من فعله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما بينته في "المشكاة" (4673/ التحقيق الثاني). الحديث: 2731 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 8 - (الترهيب من أن يستمع حديث قوم يكرهون أنْ يسمعه). 2732 - (1) [صحيح] عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ تَحَلَّم (1) بِحُلْمٍ لَمْ يَرهُ، كُلِّفَ أنْ يْعقِدَ بين شَعيرتَيْنِ، ولَنْ يَفْعَل، ومنِ اسْتَمعَ إلى حديثِ قومٍ وهُمْ له كارِهون صُبَّ في أذُنَيْهِ الآنُكُ يومَ القِيامَةِ، ومَنْ صَوَّرَ صورَةً عُذِّبَ، أو كُلِّفَ أنْ يَنْفُخَ فيها الروحَ، وليسَ بنافِخٍ". رواه البخاري وغيره. (الآنُك) بمد الهمزة وضم النون: هو الرصاص المذاب.   (1) أي: من تكلف الحلم، لأن باب التفعل للتكلف، وقوله: (لم يره) جملة وقعت صفة لتحلم. وقوله: (كُلف) على صيغة المجهول؛ أي: كلف يوم القيامة، أي: يعذب بذلك، وذكر التكليف نوع من العذاب. (ولن يفعل) أي: ولن يقدر على ذلك. وقوله: (وكلف) يحتمل أن يكون عطفاً تفسيرياً لقوله: (عذب) وأنْ يكون نوعاً آخر. والله أعلم. الحديث: 2732 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 9 - (الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط). 2733 - (1) [صحيح] عن عامرِ بْنِ سَعْدٍ قال: كان سعدُ بْنُ أبي وقَّاصٍ في إِبِلهِ (1)، فجاءَهُ ابْنُه عُمَرُ، فلمّا رآهُ سعدٌ قال: أعوذ بالله مِنْ شَرِّ هذا الراكِبِ، فنَزَل، فقالَ لَهُ. أنزْلْتَ في إبِلِكَ وغَنَمِكَ؛ وتركتَ الناسَ يتَنازَعونَ المُلْكَ بيْنَهُم؟! فضرَب سَعْدٌ في صَدْرِه، فقال: اسْكتْ، سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ الله يُحِبُّ العبدَ التَّقِيَّ الغَنِيَّ الخَفِيَّ". رواه مسلم. (الغني) أي: الغني النفس القنوع. 2734 - (2) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رجلٌ: أيُّ الناسِ أفْضَلُ يا رسولَ الله؟ قال: "مؤمِنٌ يجاهِدُ بنفْسِهِ ومالِه في سبيل الله". قال: ثُمَّ مَن؟ قال: "ثُمَّ رجلٌ مُعْتزِلٌ في شِعْبٍ مِنَ الشِّعابِ يعبُدُ ربَّه". وفي رواية: "يتَّقي الله، ويدعُ الناسَ مِنْ شَرِّهِ". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. ورواه الحاكم بإسناد على شرطهما؛ إلا أنه قال:   (1) الأصل: (بيته)، والتصحيح من "صحيح مسلم" (8/ 214)، وأحمد أيضاً (1/ 168). وله عنده (1/ 177) طريق أخرى. الحديث: 2733 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه سئل: أيُّ المؤمنين أفضل؟ قال: "الذي يجاهد بنفسه وماله، ورجلٌ يعبدُ ربَّه في شِعْبٍ من الشِّعابِ، وقد كفى الناسَ شرَّه" [مضى 12 - الجهاد/ 9]. 2735 - (3) [صحيح] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يوشِكُ أنْ يكونَ خيرُ مالِ المسلمِ غَنَمٌ يَتَتَبَّعُ بها شَعَفَ الجِبال، ومواقعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بدينهِ مِنَ الفِتَنِ". رواه مالك والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه. (شَعَف الجبال) بالشين المعجمة والعين المهملة مفتوحتين: هو أعلاها ورؤوسها. 2736 - (4) [صحيح] وعن أبي هريرة عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنَّه قال: "مِنْ خيرِ معاشِ الناسِ لهم رجلٌ مُمْسِكٌ عِنانَ فرسِه في سبيلِ الله، يطيرُ على مَتْنِه، كلَّما سمعَ هَيْعَةً أو فَزْعَةً طارَ عليه يَبْتَغي القَتْلَ أوِ الموْتَ مظَانَّهُ، (1) ورجلٌ في غُنَيْمَةٍ في رأسِ شَعْفَةٍ مِنْ هذه الشَّعَفِ، أو بطْنِ وادٍ مِنْ هذه الأوْديَةِ، يقيمُ الصلاةَ، وُيؤْتي الزكاةَ، ويعبدُ ربَّه حتى يأتيَهُ اليَقينُ، ليسَ مِنَ الناس إلا في خَيْرٍ". رواه مسلم. وتقدم بشرح غريبه في الجهاد. [12 - الجهاد/ 9]. 2737 - (5) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ألا أخْبِرُكُم بخَيرِ الناسِ؟ رجلٌ مُمْسِكٌ بعِنانِ فَرسِه في سبيلِ الله. ألا أخبِرُكُم بالَّذي يَتْلوهُ؟ رجُلٌ معْتَزِلٌ في غُنَيْمَةٍ لَهُ يُؤَدِّي حقَّ الله فيها، ألا أُخْبِرُكم بِشَرِّ الناسِ؟ رجلٌ يُسْأَلُ بالله ولا يُعْطِي".   (1) انظر تفسيره ودلالته على جواز العمليات الفدائية فيما تقدم. الحديث: 2735 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 رواه النسائي والترمذي -واللفظ له- وقال: "حديث حسن غريب". [صحيح] وابن حبان في "صحيحه" ولفظه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَج عليهم وهُمْ جلوسٌ في مَجْلِسٍ لهم فقال: "ألا أُخْبِرُكم بخَيْرِ الناسِ مَنْزِلاً؟ ". قالوا: بَلى يا رسولَ الله! قال: "رجُلٌ آخِذٌ برأسِ فَرسِه في سبيلِ الله حتى يموتَ أو يُقْتَلَ. ألا أُخْبِرُكُم بالَّذي يليه؟ ". قُلْنا: بلى يا رسولَ الله! قال: "امْرؤٌ معْتَزِلٌ في شِعْب؛ يقيمُ الصلاةَ، ويُؤْتي الزكاةَ، ويَعْتَزِلُ شرورَ الناسِ. ألا أُخبِركُم بشرِّ الناس؟ ". قلنا: بلى يا رسولَ الله! قال: "الذي يُسأل بالله ولا يُعْطِي". ورواه ابن أبي الدنيا في "كتاب العزلة" من حديثه. ورواه أيضاً هو والطبراني من حديث أم مبشر الأنصارية أطول منه. [مضى 12 - الجهاد/ 9]. 2738 - (6) [صحيح] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ جاهَد في سبيلِ الله كان ضامناً على الله، ومَنْ عادَ مريضاً كان ضامِناً على الله، ومَنْ دخَل على إِمامِه يُعَزِّرُه كان ضامِناً على الله، ومَنْ جلَس في بَيْتِه لَمْ يَغْتَبْ إنْساناً كانَ ضامِناً على الله". [مضى هناك]. رواه أحمد والطبراني، وابن خزيمة في "صحيحه"، وابن حبان واللفظ له. [صحيح] وعند الطبراني: الحديث: 2738 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 "أوْ قَعَد في بَيْتِه فسَلِمَ الناسُ منه وسَلِمَ مِنَ الناسِ". وهو عند أبي داود بنحوه، وتقدم لفظه [هناك/ 6]. 2739 - (7) [صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الأوسط" من حديث عائشة، ولفظه: قال: "خصالٌ ستٌّ؛ ما من مسلمٍ يموتُ في واحدة منهنّ؛ إلا كان ضامناً على الله أن يدخلَ الجنةَ، -فذكر منها:- ورجل في بيته لا يغتاب المسلمين، ولا يَجُرُّ إليهم سَخَطاً ولا نقمةً". 2740 - (8) [حسن لغيره] وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "طوبى لِمَنْ مَلكَ لِسانَهُ، ووَسِعَهُ بيتُه، وبكى على خَطيئَتِه". رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير"، وحسن إسناده. (1) 2741 - (9) [صحيح لغيره] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! ما النجاةُ؟ قال: "أمْسِكْ (2) عليكَ لِسانَكَ، ولْيَسَعْكَ بيتُكَ، وابْكِ على خطيئَتِكَ". رواه الترمذي وابن أبي الدنيا والبيهقي؛ كلهم من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد [عن القاسم عن أبي أمامة عنه]. وقال الترمذي: "حديث حسن".   (1) كذا في الأصل، وليس في المعجمين المذكورين التحسين المزبور، ولكنه في "الصغير" وثق رجاله، فكأن المصنف استلزم منه التحسين. والله أعلم. (2) كذا في (الترمذي) طبعة حمص، وكذلك في شرحه: (العارضة)، لكنْ في "تحفة الأحوذي" (املك). وكذلك عزاه إليه الحافظ المزي في "تحفته" (7/ 308)، وتبعه النابلسي في "الذخائر"، والسيوطي في "الجامع"، وهو الراجح الذي مال إليه الحافظ الناجي (ق 197/ 2). ويؤيده أنه وقع كذلك في "المسند" من هذه الرواية وغيرها. انظر "الصحيحة" (890 و891) وحديث ابن عباس الآتي (2464). راجع "عزلة الخطابي". الحديث: 2739 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 2742 - (10) [صحيح لغيره] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ بين أيديكم فِتناً كَقِطَعِ الليلِ المظْلِمِ، يصبحُ الرجلُ فيها مؤمِناً ويُمسِي كافِراً، ويُمْسِي مؤمِناً ويُصْبِحُ كافِراً، القاعِدُ فيها خيرٌ مِنَ القائمِ، والقائمُ فيها خيرٌ مِنَ الماشي، والماشي فيها خيرٌ مِنَ الساعي". قالوا: فما تَأْمُرنا؟ قال: "كونوا أحْلاسَ بُيوتِكم". رواه أبو داود. وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة في "الصحاح" وغيرها. (الحِلْسُ): هو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القِتب. يعني الزموا بيوتكم في الفتن، كلزوم الحلس لظهر الدابة. 2743 - (11) [صحيح] وعن المقداد بن الأسود قال: ايم الله (1) لقد سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ السعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، إنَّ السعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، إنَّ السعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، ولَمنِ ابْتُلِيَ فصَبر فواهاً". رواه أبو داود. (واهاً): كلمة معناها التلهف، وقد توضع للإعجاب بالشيء. 2744 - (12) [حسن صحيح] وعن ابن عَمروٍ (2) رضي الله عنهما قال: بيْنَما نحنُ حولَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ ذَكَر الفِتْنَةَ فقال: "إذا رأيتُم الناسَ قد مَرِجَتْ عُهودُهم، وخَفَّتْ أماناتُهم، وكانوا هكذا"، وشبَّك بين أصابِعه.   (1) هذا من ألفاظ القَسَم، كقولك: لعمر الله، وعهد الله. (2) الأصل: (ابن عباس)، والتصحيح من "السنن"، راجع "الأحاديث الصحيحة" (205). الحديث: 2742 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 قال: فقُمْتُ إليه فقلْتُ: كيفَ أفْعَلُ عند ذلك جعلَني الله تبارَك وتعالى فداكَ؟ قال: "الْزَمْ بيتَك، وابْكِ على نَفْسِكَ، وامْلُكْ عليكَ لِسانَكَ، وخُذْ ما تَعْرِفُ، ودَعْ ما تُنْكِرُ، وعليكَ بأمْرِ خاصَّةِ نَفْسِكَ، ودَعْ عنكَ أَمْرَ العامَّةِ". رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن. (مرجت) أي: فسدت. والظاهر أن معنى قوله: (خفت أماناتهم) أي: قلَّت؛ من قولهم خف القوم: أي قلوا. والله أعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 10 - (الترهيب من الغضب، والترغيب في دفعه وكظمه، وما يفعل عند الغضب). 2745 - (1) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رجلاً قالَ لِلنَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أوْصني؟ قال: "لا تَغْضَبْ". فردَّدَ مراراً، قال: "لا تَغْضَبْ". رواه البخاري. 2746 - (2) [صحيح] وعن حميد بن عبد الرحمن عن رجلٍ مِنْ أصْحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: قال رجلٌ: يا رسول الله! أوْصني. قال: "لا تَغْضَبْ". قال: فَفَكَّرْتُ حينَ قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما قالَهُ، فإذا الغَضَبُ يجْمَعُ الشَّرِّ كُلِّه. رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح". 2747 - (3) [حسن] وعن ابن عمر [و] رضي الله عنهما: أنَّه سأل رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما يُباعِدُني مِنْ غَضَبِ الله عزَّ وجلَّ؟ قال: "لا تَغْضَبْ". رواه أحمد وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنَّه قال: "ما يَمْنَعُني". الحديث: 2745 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 2748 - (4) [صحيح] وعن جارية بن قدامة: أنَّ رجُلاً قال: يا رسولَ الله! قُلْ لي قوْلاً، وأقْلِلْ، لَعلِّي أَعِيَه؟ قال: "لا تَغْضَبْ". فأعادَ عليه مِراراً، كلُّ ذلك يقولُ: "لا تَغْضَبْ". رواه أحمد -واللفظ له- ورواته رواة "الصحيح"، وابن حبان في "صحيحه". [صحيح] ورواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"؛ إلا أنه قال: عن الأحنف بن قيس عن عمه -وعمه جارية بن قدامة- أنه قال: يا رسول الله! قل لي قولاً ينفعني الله به، فذكره. [صحيح] وأبو يعلى؛ إلا أنه قال: عن جارية بن قدامة: أخبرني عم أبي أنه قال للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . فذكر نحوه. ورواته أيضاً رواة "الصحيح". 2749 - (5) [صحيح لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قالَ رجلٌ لِرسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دُلَّني على عَملٍ يُدخِلُني الجنَة؟ قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تَغْضَبْ، ولَك الجَنَّةُ". رواه الطبراني بإسنادين أحدهما صحيح. 2750 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليسَ الشديدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشديدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَه عند الغَضَبِ". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" مختصراً: "ليس الشديدُ مَن غَلَبَ الناسَ، إنما الشديدُ من غَلَبَ نفسَه". الحديث: 2748 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 (قال الحافظ): " (الصُّرَعة) بضم الصاد وفتح الراء: هو الذي يصرع الناس كثيراً بقوَّته. وأما (الصُّرْعة) بسكون الراء: فهو الضعيف الذي يصرعه الناس حتى لا يكاد يثبت مع أحد. وكل من يكثر عنه الشيء يقال فيه: (فُعَلَة) بضم الفاء وفتح العين مثل (حُفَظَة) و (خُدَعَة) و (ضُحَكَة) وما أشبه ذلك، فإذا سكنت ثانيه فعلى العكس، أي الذي يفعل به ذلك كثيراً". 2751 - (7) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً. . . وكان فيما قال: "إن الدنيا حلوةٌ خضرةٌ، وإن (1) الله مستخلفُكُم فيها فناظرٌ كيف تعملون. ألا فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء". وكان فيما قال: "ألا يمنعَنّ رجلاً هيبةُ الناسِ أَنْ يقولَ بحقٍّ إذا عَلِمَه". قال: فبكى أبو سعيد وقال: وقد والله رأينا أشياء فَهِبْنا، وكان فيما قال: "ألا إنه ينصبُ لكلّ غادرٍ لواءٌ [يوم القيامة] بقدرِ غَدْرَتِه، ولا غَدْرَةَ أعظمُ من غَدْرةِ إمام عامةٍ يُركَزُ لَواؤه عند اسْتِه. . . . . . . . . . . .". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". (2) 2752 - (8) [صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِنْ جُرْعَةٍ أعْظَمُ أجْراً عند الله مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ كظَمها عبدٌ ابْتِغاءَ وجْهِ الله". رواه ابن ماجه، ورواته محتج بهم في "الصحيح".   (1) الأصل: "إن الدنيا خضرة حلوة، إن الله"، والتصحيح من "الترمذي". (2) كذا قال، وهو وإن كان يعني أنه حسن لغيره، فلا يصح ذلك على إطلاقه، لأن كثيراً من فقراته المشار إليها بنقاط هنا لا شاهد لها، ولذلك أوردته كاملاً في "الضعيف" هنا، وأوردت هنا ما هو ثابت منه، وما بين المعكوفتين سقط من الأصل، فاستدركته. الحديث: 2751 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 2753 - (9) [حسن لغيره] وعن معاذ بن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ كَظم غَيْظاً وهو قادِرٌ على أن يُنْفِذَهُ؛ دعاهُ الله سبحانَه على رؤوس الخَلائق [يومَ القِيامَةِ] (1) حتى يُخَيِّرَهُ مِنَ الحورِ العِينِ ما شاءَ". رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن ماجه؛ كلهم من طريق أبي مرحوم -واسمه عبد الرحيم بن ميمون- عن سهل بن معاذ عنه. ويأتي الكلام على سهل وأبي مرحوم إنْ شاء الله تعالى. [يعني في آخر كتابه]. 2754 - (10) [صحيح] وعن سليمان بن صُرَدٍ رضي الله عنه قال: اسْتَبَّ رجلانِ عند النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجعَل أحدُهما يَغْضَبُ وَيحْمَرُّ وجْهُه، وتنْتَفِخُ أوْداجُه، فنظَر إليه النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "إنِّي لأعْلَمُ كَلِمةً لوْ قالَها لذَهَب ذا عنهُ؛ (أعوذُ بالله مِنَ الشيْطانِ الرَجيمِ) ". فقامَ إلى الرجلِ رجلٌ مِمَّنْ سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: هل تدْري ما قالَهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آنِفاً؟ قال: لا. قال: "إنِّي لأَعْلَمُ كَلِمةً لو قالَها لَذهَب ذا عنه؛ (أعوذُ بالله مِنَ الشيْطانِ الرجيم) ". فقال له الرجلُ: أمَجْنوناً تَراني؟ رواه البخاري ومسلم (2).   (1) سقطت من الأصل وكذا من مطبوعة (عمارة)، واستدركتها من أبي داود (4777)، والترمذي (2022 و2495)، وابن ماجه (4186). (2) قال الناجي: "إنما هذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري أخصر منه. و (صرد) مصروف غير معدول". قلت: هو عند البخاري في "بدء الخلق"، وكذلك رواه أبو داود (4781). وقوله: (وتنتفخ أوداجه) إنما هو في رواية أخرى لمسلم. وقد صححت منه بعض الأخطاء كانت في الأصل. الحديث: 2753 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 11 - (الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر). 2755 - (1) [صحيح] عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تَقاطَعوا، ولا تَدابَرُوا، ولا تَباغَضوا، ولا تَحاسَدُوا، وكونوا عبادَ الله إِخْواناً، ولا يَحِلُّ لمسْلمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فوْقَ ثلاثٍ". رواه مالك والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. ورواه مسلم أخصر منه. (1) [صحيح لغيره] والطبراني، وزاد فيه: "يَلْتَقِيانِ فيُعْرِضُ هذا ويُعْرِضُ هذا، وخيرُهُم الَّذي يَبْدأُ بالسلامِ. . " (2). قال مالك: (3) "ولا أَحْسِبُ التدابُرَ إلا الإعْراضَ عنِ المسْلمِ؛ يُدْبِرُ عنه بِوَجْهِهِ". 2756 - (2) [صحيح] وعن أبي أيوبَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يَحِلُّ لمسلمٍ أنْ يَهْجُر أخاه فوقَ ثلاثِ ليالٍ، يَلْتَقِيانِ؛ فيُعْرِضُ هذا، ويُعْرِضُ هذا، وخيرُهما الَّذي يَبْدأُ بالسلامِ". رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي وأبو داود.   (1) قلت: لا فرق بين رواية مسلم والبخاري إلا في أنه لم يذكر الجملة الأولى، ولكنها قد ثبتت عنده (8/ 9) من طريقين عن أنس. (2) قلت: هنا زيادة بلفظ: "والذي يبدأ بالسلام يسبق إلى الجنة" فحذفتها لنكارتها، كما بينت في "الضعيفة" (6770)، ثم هي في "الأوسط" لا في "الكبير" كما يوهمه إطلاق المؤلف. (3) في "الموطأ" (3/ 100). الحديث: 2755 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 2757 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَحِلُّ لمسلمٍ أنْ يَهْجُر أخاه فوقَ ثلاثٍ، فَمنْ هجَر فوْقَ ثلاثٍ فماتَ؛ دخَل النارَ". رواه أبو داود والنسائي بإسناد على شرط البخاري ومسلم. روفي رواية لأبي داود: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يحلُّ لمؤمنٍ أن يهجرَ مؤمناً فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث فليلْقَه فليسلمِ عليه، فإن رَدَّ عليه السلامَ فقد اشتركا في الأجرِ، وإن لم يردّ عليه فقد باء بالإثم، وخرج المسلِّمُ من الهجر". 2758 - (4) [حسن صحيح] وعن عائشةَ رضي الله عنها؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يكونُ لمسْلم أنْ يَهْجُر مسلماً فوقَ ثلاثَةِ أيَّامٍ، فإذا لَقِيَهُ سلَّم عليه ثلاثَ مراتٍ؛ كلُّ ذلك لا يَرُدُّ عليه؛ فقد باءَ بإثْمِهِ". رواه أبو داود. 2759 - (5) [صحيح] وعن هشام بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَحِلُّ لمسْلمٍ أنْ يَهْجُرَ مسلِماً فوْقَ ثلاثِ لَيالٍ، فإنَّهُما ناكِبانِ عنِ الحقِّ. ما داما على صِرامِهِما، وأَوَّلُهما فَيْئاً يكونُ سَبْقُه بالْفَيءِ كَفارَةً له، وإنْ سلَّم فلَمْ يَقْبَلْ ورَدَّ عليه سلامَهُ؛ ردَّتِ عليهِ الملائكةُ، وردَّ على الآخَرِ الشيطانُ، فإنْ ماتا على صِرامِهما؛ لَمْ يدخُلا الجنَّة جميعاً أبداً". رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح"، وأبو يعلى والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنه قال: "لم يدخلا الجنة ولم يجتمعا في الجنة". ورواه أبو بكر بن أبي شيبة؛ إلا أنَّه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الحديث: 2757 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 "لا يَحِلُّ أنْ يَصْطَرِما فوقَ ثلاثٍ، فإنِ اصْطَرما فوقَ ثلاثٍ؛ لَمْ يَجْتَمعا في الجنَّةِ أبَداً، وأيما بدأَ صاحِبَه كُفِّرَتْ ذنوبُه، وإنْ هو سلَّم فلَمْ يَرُدَّ عليه ولَمْ يقبَلْ سلامَهُ؛ ردَّ عليه الملَكُ، ورَدَّ على ذلك الشيْطانُ". 2760 - (6) [صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَحلُّ الهجرُ فوقَ ثلاثةِ أيَّامٍ، فإنِ الْتَقيا فسلَّم أحدُهما فَردَّ الآخَرُ اشْتَركا في الأَجْرِ، وإنْ لمْ يَرُدَّ بَرِئَ هذا مِنَ الإِثْم، وباءَ به الآخَرُ -وأحسبه قال:- وإنْ ماتا وهُما مُتَهاجِرانِ لا يَجْتَمِعانِ في الجنَّةِ". رواه الطبراني في "الأوسط"، والحاكم، واللفظ له وقال: "صحيح الإسناد". 2761 - (7) [حسن لغيره] وعن فضالة بن عبيدٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ هَجَر أخاه فوقَ ثلاثٍ فهو في النارِ، إلا أنْ يَتداركَهُ الله برَحْمَتِه". رواه الطبراني، ورواته رواة "الصحيح". 2762 - (8) [صحيح] وعن أبي حراشٍ حدرد بن أبي حدرد الأسلمي رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ هَجر أخاه سَنةً؛ فهو كَسَفْكِ دَمِه". رواه أبو داود والبيهقي. 2763 - (9) [صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ الشيطانَ قد يَئسَ أنْ يَعْبُدَه المصلُّون في جزيرَةِ العَربِ؛ ولكن في التحريشِ بَيْنَهُم". رواه مسلم. الحديث: 2760 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 (التحريش): هو الإغراء وتغيير القلوب والتقاطع. 2764 - (10) [صحيح لغيره موقوف] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لا يتهاجَرُ الرجلانِ قد دخلا في الإسلام؛ إِلا خرجَ أحدُهما منه حتى يرجعَ إلى ما خرج منه، ورجوعُه أن يأتيه فيسلم عليه. رواه الطبراني موقوفاً بإسناد جيد. 2765 - (11) [صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو أنّ رجلين دخلا في الإسلامِ فاهتجرا؛ لكان أحدُهما خارجاً من الإسلامِ حتى يرجعَ. يعني الظالم منهما". رواه البزار، ورواته رواة "الصحيح". 2766 - (12) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تُعْرَضُ الأعْمالُ في كلِّ [يوم] اثْنَينٍ وخميسٍ، فيَغْفِرُ الله عزَّ وجلَّ في ذلك اليومِ لِكُلِّ امْرئٍ لا يُشْرِكُ بالله شيْئاً، إلا امْرأً كانَتْ بينَهُ وبينَ أخيهِ شَحْنَاءُ فيقولُ: ارْكُوا (1) هذَيْن حتّى يَصْطَلِحا". رواه مالك ومسلم -واللفظ له-. وأبو داود والترمذي وابن ماجه بنحوه. وفي رواية لمسلم: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تُفْتَح أبوابُ الجنَّةِ يومَ الاثْنَيْنِ والخَميسِ، فيُغْفرُ لِكُلِّ عبدٍ لا يُشرِكُ بالله   (1) الأصل هنا وفيما تقدم (9 - الصيام/ 10): (اتركوا)، وكأنه رواية بالمعنى، والتصحيح من "مسلم"، قال الناجي (196/ 1): "هو بالراء الساكنة وضم الكاف والهمزة في أوله همزة وصل أي: أخروا. يقال: ركاه يركوه ركواً: إذا أخَّره". ولم يتنبه لهذا التصحيح المعلقون الثلاثة كما هي عادتهم! لا هنا ولا هناك، كما لم يستدركوا الزيادة!! الحديث: 2764 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 شيْئاً، إلا رجلاً كان بينَهُ وبين أخيه شَحْناءُ، فيقالُ: أَنْظِروا هذَيْنِ حتّى يصْطَلِحا، أنْظِروا هذَيْنِ حتى يَصْطَلِحا، أنْظِروا هذين حتّى يَصْطَلِحا". [مضى 9 - الصيام/ 10]. قال أبو داود: "إذا كانت الهجرة لله فليس من هذا بشيء، فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هجر بعض نسائه أربعين يوماً، وابن عمر هجر ابناً له إلى أن مات" انتهى. 2767 - (13) [حسن صحيح] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يطَّلعُ الله إلى جَميعِ خَلْقهِ ليلةَ النصْفِ مِنْ شَعْبانَ، فيغْفِرُ لجميعِ خَلْقِه إلا لِمُشْرِكٍ أو مُشاحِنِ". رواه الطبراني في "الأوسط"، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي. 2768 - (14) [صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه بلفظه من حديث أبي موسى الأشعري. 2769 - (15) [صحيح لغيره] والبزار والبيهقي من حديث أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه بنحوه؛ بإسناد لا بأس به (1). 2770 - (16) [صحيح لغيره] وعن مكحول عن كثير بن مرة عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "في لَيْلَةِ النصْفِ مِنْ شَعبانَ يَغْفِرُ الله عزَّ وجلَّ لأَهْلِ الأرْضِ؛ إلا مشْرِكٍ أوْ مُشاحِنٍ". رواه البيهقي وقال: "هذا مرسل جيد".   (1) قلت: وقد أخرج هذه الأحاديث الإمام الدارقطني في جزء النزول، وقد استنسخت منه نسخة إعداداً لها لتحقيقها. الحديث: 2767 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 2771 - (17) [صحيح لغيره] (قال الحافظ): ورواه الطبراني والبيهقي أيضاً عن مكحول عن أبي ثعلبة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يطَّلعُ الله إلى عِبادِه لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبانَ؛ فيَغْفِرُ لِلْمُؤمِنينَ، ويُمْهِلُ الكافِرينَ، ويَدعُ أهْلَ الحِقْدِ بحِقْدِهم حتَّى يَدعُوهُ". قال البيهقي: "وهو أيضاً بين مكحول وأبي ثعلبة مرسل جيد". (قال الحافظ): "ويأتي [هنا/ 21] في "باب الحسد" حديث أنس الطويل إن شاء الله تعالى". الحديث: 2771 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 12 - (الترهيب من قوله لمسلم: يا كافر!). 2772 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا قال الرجلُ لأَخِيهِ: يا كافِرُ! فقد باءَ بِها أحدُهما، فإنْ كانَ كما قالَ، وإلا رجَعَتْ عليهِ". رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي. 2773 - (2) [صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه؛ أنه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ومَنْ دعا رجلاً بالكفْرِ أو قال: عدوَّ الله! وليسَ كذلك؛ إلا حارَ عليهِ". رواه البخاري، ومسلم في حديث. (1) (حارَ) بالحاء المهملة والراء، أي: رجع. 2774 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ قال لأخيه: يا كافِر! فقد باءَ بِها أحَدُهُما". رواه البخاري. 2775 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما أَكفَر رجلٌ رجلاً؛ إلَا باءَ أحَدُهُما بِها: إنْ كان كافِراً، وإلا كَفَر بتَكْفِيرِه". رواه ابن حبان في "صحيحه". 2776 - (5) [صحيح] وعن أبي قِلابَة؛ أنَّ ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أخْبَره: أنَّه بايَع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحتَ الشجَرةِ، وأنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:   (1) قلت: واللفظ له، ولفظ البخاري (6045): "إلا ارتدت عليه"، وهو مخرج في "الصحيحة" (2891). الحديث: 2772 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 "مَنْ حلَف على يمينٍ بِملَّةٍ غير الإسْلامِ كاذِباً متَعَمِّداً فهو كما قالَ، ومَنْ قتل نَفْسَهُ بشيْءٍ عُذِّبَ به يومَ القِيامَةِ، وليس على رجلٍ نذْرٌ فيما لا يَمْلِكُ، ولعنُ المؤمِنِ كَقَتْلِهِ، ومَنْ رمى مؤمِناً بكُفْرٍ؛ وكَقَتْلِه، ومَنْ ذَبحَ نفْسَه بشيْء عُذِّبَ به يومَ القِيامَةِ". رواه البخاري ومسلم. [صحيح] ورواه أبو داود والنسائي باختصار، والترمذي وصححه، ولفظه: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليسَ على المرْءِ نذرٌ فيما لا يَمْلِكُ، ولاعِنُ المؤمِنِ كقاتِلِه، ومَنْ قذَفَ مُؤْمِناً بِكُفْرٍ فهو كَقاتلِه، ومَنْ قتَل نفْسَه بشَيْءٍ عَذَّبه الله (1) بما قَتلَ به نَفْسَه يومَ القِيامَةِ". [مضى 21 - الحدود/ 10]. 2777 - (6) [صحيح لغيره] وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا قال الرجلُ لأَخيه: يا كافِرُ! فهو كَقَتْلِهِ". رواه البزار، ورواته ثقات.   (1) الأصل: (عُذِّب)، والصواب ما أثبتُّ، وهكذا تقدم هناك، وهو مما غفل عنه الغُفَّل الثلاثة. الحديث: 2777 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 13 - (الترهيب من السباب واللعن سيما لمعيّن، آدمياً كان [أو دابة] أو غيرهما، وبعض ما جاء في النهي عن سبِّ الديك والبرغوث (1) والريح، والترهيب من قذف المحصنة والمملوك). 2778 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "المستَبَّانِ ما قالا فعلى البادِئ منهُما؛ حتى يَتعدَّى المظلُومُ". رواه مسلم وأبو داود والترمذي. 2779 - (2) [صحيح] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سِبابُ المُسْلمِ فُسوقٌ، وقِتالُه كُفْرٌ". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. 2780 - (3) [حسن] وعن عبد الله بن عمروٍ رفعه قال: "سِبابُ المسْلمِ كالمُشْرِفِ على الهَلَكَةِ". رواه البزار بإسناد جيد. 2781 - (4) [صحيح] وعن عياض بن حمارٍ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا نبيَّ الله! الرجلُ يَشْتُمُني وهُوَ دوني، أعَليَّ مِنْ بأْسٍ أَنْ أنْتَصِرَ منه؟ قال: "المسْتَبَّانِ شيْطانانِ يتَهاتَرانِ، ويَتكاذَبانِ". رواه ابن حبان في "صحيحه".   (1) انظر حديثه في "الضعيف". الحديث: 2778 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 2782 - (5) [صحيح] وعن أبي جُرَيّ جابر بن سليم رضي الله عنه قال: رأيتُ رجلاً يصْدُرُ الناسُ عنْ رأْيِه، لا يقولُ شيْئاً إلا صدَروا عنه، قلتُ: مَنْ هذا؟ قالوا: رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلتُ: عليكَ السلامُ يا رسولَ الله! قال: "لا تَقُلْ: عليكَ السلامُ، [فإنَّ] (عليكَ السلامُ) تَحيَّةُ الميِّتِ، قُلْ: السلامُ عَليْكَ". قال: قلتُ: أنتَ رسولُ الله؟ قال: "أنا رسولُ الله الذي إذا أصابَك ضُرٌّ فدعوتَهُ؛ كَشف عنكَ، وإنْ أصابَك عَامُ سَنَةٍ فدعَوْتَه؛ أنْبَتَها لك، وإذا كنْتَ بأرضِ قفرٍ أو فلاةٍ، فَضَلَّتْ راحِلَتُكَ، فَدَعَوْتَه؛ ردَّها عليك". قال: قلتُ: اعْهدْ إِليَّ. قال: "لا تَسُبَّنَّ أحَداً". [قال:] فما سَبَبْتُ بعده حُرّاً ولا عبداً، ولا بعيراً ولا شاةً. قال: "ولا تَحقرَنَّ شيئاً مِنَ المعروفِ، وأنْ تُكلِّم أخاك وأنْتَ مُنْبَسِطٌ إليه وجْهُكَ؛ إنَّ ذلك مِنَ المعروفِ، وارْفَعْ إزارَك إلى نِصْفِ الساقِ، فإنْ أبَيْتَ فإلى الكعْبينِ، وإيَّاك وإسْبالَ الإِزار، فإنَّها مِنَ المَخِيلَةِ، وإنَّ اللهَ لا يحبُّ المَخِيلَةَ، وإنِ امْرؤٌ شَتَمك وعَيَّرَكَ بما يعْلَمُ فيك، فلا تُعَيِّرْهُ بما تَعْلَمُ فيه، فإنَّما وبالُ ذلِكَ عليهِ". رواه أبو داود واللفظ له، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". وابن حبان في "صحيحه"، والنسائي مختصراً. [صحيح لغيره] وفي رواية لابن حبَّان نحوه، وقال فيه: "وإن امْرؤٌ عيَّركَ بشَيْءٍ يَعْلَمُه فيك، فلا تُعَيِّرْهُ بشَيْءٍ تَعْلَمُه فيه، ودَعْهُ الحديث: 2782 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 يكونُ وبَالُه عليه، وأجْرُهُ لكَ، ولا تَسُبَّنَّ شَيْئاً". قال: فما سَبَبْتُ بعدَ ذلك دابَّةً ولا إنْساناً. (السَّنة): هي العام المقحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئاً، سواء أنزل غيث أو لم ينزل. (المخيلة): بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة من (الاختيال): وهو الكبر واستحقار الناس. 2783 - (6) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ مِنْ أكْبرِ الكبائرِ أنْ يلْعنَ الرجلُ والِدَيْهِ". قيلَ: يا رسولَ الله! وكيفَ يلْعَنُ الرجلُ والديه؟ قال: "يَسبُّ أبا الرجلِ فيَسبُّ أباه، ويسبُّ أُمَّهُ فيسُبُّ أُمَّهُ". رواه البخاري وغيره. [مضى 21 - البر/ 2]. 2784 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا ينْبَغي لِصِدِّيقٍ أنْ يكونَ لَعَّاناً". رواه مسلم وغيره. [صحيح] والحاكم وصححه، ولفظه: قال: "لا يَجْتَمعُ أنْ تكونوا لعَّانِينَ صِدِّيقينَ". 2785 - (8) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ: مرَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأبي بكْرٍ وهو يلْعَنُ بعضَ رقيقِهِ، فالْتَفتَ إليه وقال: "لعَّانينَ وصِدِّيقينَ؟! كلا وربِّ الكَعْبةِ". فعَتقَ أبو بكرٍ رضي الله عنه يومَئذٍ بعضَ رَقيقِهِ. قال. ثُمَّ جاءَ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: لا أَعود. رواه البيهقي (1).   (1) قلت: في "الشعب" (4/ 294/ 5154)، ولقد أبعد النجعة، فقد أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (319)، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (4/ 42/ 1 - 2)، وسنده صحيح. الحديث: 2783 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 2786 - (9) [صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يكونُ اللعَّانون شُفَعاءَ ولا شُهَداء يومَ القِيامَةِ". رواه مسلم وأبو داود ولم يقل: "يوم القيامة". 2787 - (10) [صحيح] وعن ابن عمر (1) رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يكون المؤمِنُ لعَّاناً". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". 2788 - (11) [صحيح] وعن جُرمُوذ الجهني رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! أوْصِني؟ قال: "أوصيكَ لا تكونُ لَعَّاناً". رواه الطبراني من رواية عبيد بن هودة عن جرموذ، وقد صححها ابن أبي حاتم، وتكلم فيها غيره، ورواته ثقات. (2) ورواه أحمد، فأدخل بينهما رجلاً لَمْ يُسَمَّ. 2789 - (12) [حسن لغيره] وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تلاعنوا بلعنةِ الله، ولا بغضبه، ولا بالنار". رواه أبو داود، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". رووه كلهم من رواية الحسن البصري عن سمرة، واختلف في سماعه منه. (3)   (1) الأصل: (ابن مسعود) والصواب ما أثبت، انظر "تخريج السنة" لابن أبي عاصم (رقم 1014)، فقد ذكرت هناك لفظ حديث ابن مسعود ومن خرَّجه من الأئمة. (2) قلت: وكذا رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (3/ 41/ 1). (3) قلت: لكن له شاهد مرسل صحيح، خرجته مع الحديث في "الصحيحة" (892). الحديث: 2786 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 2790 - (13) [صحيح] وعن ثابت بن الضَّحَّاكِ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ حلَف على يمينٍ بملَّةٍ غيرِ الإسْلامِ كاذِباً متَعَمِّداً؛ فهو كما قالَ، ومنْ قتلَ نفْسهُ بشَيْءٍ؛ عُذِّبَ به يومَ القِيامَةِ، وليسَ على رجلٍ نَذرٌ فيما لا يَمْلِكُ، ولَعْنُ المؤمِنِ كَقَتْلِهِ". رواه البخاري ومسلم. وتقدم [هنا/ 12]. 2791 - (14) [صحيح] وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كنَّا إذا رأيْنا الرجُلَ يلعنُ أخاه، رأيْنا أنْ قد أتَى باباً مِنَ الكَبائِر. رواه الطبراني بإسناد جيد. 2792 - (15) [حسن لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن العبدَ إذا لَعَنَ شيئاً صعدتِ اللعنةُ إلى السماءِ، فتُغْلَقُ أبوابُ السماءِ دونها، ثم تهبطُ إلى الأرض فتغلقُ أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإن لم تجدْ مساغاً رجعت إلى الذي لُعِنَ، فإن كان أهلاً، وإلا رجعت إلى قائلها". رواه أبو داود. 2793 - (16) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن اللَّعنَة إذا وُجِّهتْ إلى مَنْ وُجِّهَتْ إليه؛ فإنْ أصابَتْ عليه سَبيلاً، أوْ وجَدتْ فيه مَسْلَكاً، وإلا قالَتْ: يا ربِّ! وُجِّهتُ إلى فلانٍ فلَمْ أجِدْ فيه مَسْلَكاً، ولَمْ أجِدْ عليه سَبيلاً، فيقالُ لها: ارْجِعي مِنْ حيثُ جِئْتِ". رواه أحمد، وفيه قصة، وإسناده جيد إنْ شاء الله تعالى. 2794 - (17) [صحيح] وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه قال: بينما رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعضِ أسْفارِه، وامْرأَةٌ مِنَ الأنْصارِ على ناقَةٍ، فَضَجِرَتْ فلعَنتْها، فسمعَ ذلك رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: الحديث: 2790 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 "خُذوا ما علَيْها ودَعوها فإنَّها مَلْعونَةٌ! ". قال عمران: فكأَنِّي أراها الآن تَمْشي في الناسِ ما يَعْرِضُ لها أحَدٌ. رواه مسلم وغيره. 2795 - (18) [حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: سارَ رَجلٌ مع النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلعنَ بعيرَه، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا عبدَ الله! لا تَسِرْ معنا على بَعيرٍ ملْعونٍ". رواه أبو يعلى وابن أبي الدنيا بإسناد جيد. 2796 - (19) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفَرٍ يسيرُ، فلَعن رجلٌ ناقَةً، فقال: "أينَ صاحِبُ الناقَةِ؟ ". فقال: الرجلُ: أنا. فقال: "أخَّرْها، فقد أُجيبَ فيها". رواه أحمد بإسناد جيد. 2797 - (20) [صحيح] وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تَسبُّوا الديكَ؛ فإنَّه يوقِظُ للِصلاةِ". رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنه قال: "فإنَّه يَدْعُو للِصلاةِ". ورواه النسائي مسنداً ومرسلاً. 2798 - (21) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عنه: أنَّ ديكاً صرخَ عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسبَّهُ رجلٌ، "فنهى عن سبِّ الدِّيكِ". الحديث: 2795 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 رواه البزار بإسناد لا بأس به، والطبراني؛ إلا أنه قال فيه: "لا تَلْعَنْه، ولا تسبّه؛ فإنه يدعو إلى الصلاة". 2799 - (22) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّ ديكاً صرَخ قريباً مِنْ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال رجلٌ: اللهمَّ الْعَنْهُ. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَهْ! كلا، إنَّه يدْعو إلى الصَّلاةِ". رواه البزار، ورواته رواة "الصحيح"؛ إلا عباد بن منصور. 2800 - (23) [صحيح] وعن ابْنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهما: أنَّ رجُلاً لعنَ الريحَ عند رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "لا تلْعَنِ الريحَ؛ فإنَّها مأمورَةٌ، مَنْ لَعنَ شيْئاً ليسَ له بأهْلٍ؛ رجعَتِ اللعْنَةُ عليهِ". رواه أبو داود والترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديت غريب، لا نعلم أحداً أسنده غير بشر بن عمر". (قال الحافظ): "وبشر هذا ثقة، احتج به البخاري ومسلم وغيرهما، ولا أعلم فيه جرحاً". 2801 - (24) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اجْتَنِبوا السبعَ الموِبقاتِ". قالوا: يا رسولَ الله! وما هُنَّ؟ قال: "الشركُ بالله، والسِّحرُ، وقتلُ النفْسِ التي حرَّمَ الله إلا بالحقّ، وأكْلُ الرِّبا، وأكْلُ مالِ اليَتيمِ، والتَّولِّي يومَ الزحْفِ، وقذفُ المْحصَناتِ الغافِلاتِ المؤمِنَاتِ". الحديث: 2799 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 رواه البخاري ومسلم. [مضى 12 - الجهاد/ 11]. وفي كتاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي كتبه إلى أهل اليمن قال: "وإنَّ أكْبَر الكبائِر عندَ الله يوم القِيامَة: الإشْراكُ بالله، وقتلُ النفْسِ المؤمِنَة بغيرِ الحقّ، والفرارُ في سبيلِ الله يومَ الزحْفِ، وعقوقُ الوالدينِ، ورميُ المحصَنَةِ، وتعلُّمُ السِّحْرِ" الحديث. رواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده. [مضى هناك]. 2802 - (25) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ قَذَفَ مَمْلوكَهُ بالزنا يُقام عليه الحدُّ يومَ القيامَة؛ إلاَّ أنْ يكونَ كما قالَ". رواه البخاري ومسلم والترمذي، وتقدم لفظه في "الشفقة" [20 - القضاء/ 10]. (قال الحافظ): ". . . وتقدم في "الشفقة" أحاديث من هذا الباب لم نعِدْها هنا". الحديث: 2802 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 14 - (الترهيب من سبِّ الدهر). 2803 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال الله تعالى: يسبُّ بنو آدَم الدهرَ، وأنَا الدَّهْرُ، بِيَدي الليلُ والنَّهارُ". وفي رواية: "أُقَلِّبُ لَيْلَهُ ونَهارَهُ، وإذا شئتُ قَبَضْتُهُما". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. وفي رواية لمسلم: "لا يَسُبُّ أحدُكم الدهرَ؛ فإن الله هو الدَّهْرُ". [صحيح] وفي رواية للبخاري: "لا تُسَمُّوا العِنَبَ الكرْمَ، ولا تقولوا: خَيْبَةَ الدَّهرِ؛ فإنَّ الله هو الدَّهْرُ". 2804 - (2) [صحيح] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال الله عزَّ وجلَّ: يُؤْذيني ابْنُ آدَم؛ يقول: يا خَيْبَةَ الدَّهْرِ! فلا يَقُلْ أحدُكم: يا خَيْبَةَ الدهْرِ؛ فإنِّي أنا الدهْرُ، أُقَلِّبُ ليلَهُ ونَهارَهُ". رواه أبو داود، والحاكم (1) وقال: "صحيح على شرط مسلم". [صحيح] ورواه مالك مختصراً؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يَقُلْ أحدُكم يا خَيْبَةَ الدهْرِ؛ فإنَّ الله هو الدَّهْرُ"   (1) قلت: لم يروه بهذا التمام إلا الحاكم وزاد: "وإذا شئت قبضتهما". ثم إن في هذا التخريج من المؤلف رحمه الله قصوراً وأوهاماً، أهمها أن الحديث رواه مسلم بلفظ الحاكم وزيادته كما بينته في "الصحيحة" (523)، ولم يتنبه لهذا الحافظ الناجي، بله المقلدة الثلاثة. الحديث: 2803 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 [صحيح لغيره] وفي رواية للحاكم: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقول الله: استقرضت عبدي فلم يقرضني، وشتمني عبدي وهو لا يدري ما يقول: وادهراه! وادهراه! وأنا الدهر". قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم". (1) [حسن] ورواه البيهقي. ولفظه: قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تَسُبُّوا الدَّهْر، قال الله عزَّ وجلَّ: أنا الدَّهْرُ، الأيَّامُ واللَّيالي أُجَدِّدُها وأُبْلِيها، وآتي بِمُلوكٍ بَعْدَ مُلوكٍ". (قال الحافظ): "ومعنى الحديث أن العرب كانت إذا نزلت بأحدهم نازلة وأصابته مصيبة أو مكروه يسب الدهر؛ اعتقاداً منهم أن الذي أصابه فعلُ الدهر، كما كانت العرب تستمطر بالأنواء وتقول: مُطِرنا بنوء كذا، اعتقاداً أن ذلك فعل الأنواء، فكان هذا كاللعن للفاعل، ولا فاعل لكل شيء إلا الله تعالى خالق كل شيء وفاعله، فنهاهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك. وكان ابن داود (2) ينكر رواية أهل الحديث: "وأنا الدهر" بضم الراء ويقول: لو كان كذلك كان (الدهر) اسماً من أسماء الله عز وجل، وكان يرويه: "وأنا الدهرَ أقلب الليل والنهار" بفتح راء الدهر على الظرف؛ معناه: أنا طولَ الدهر والزمان، أقلب الليل والنهار. ورجح هذا بعضهم. ورواية من قال: "لا، فإن الله هو الدهر". يرد هذا، والجمهور على ضم الراء. والله أعلم".   (1) كذا قال! وفيه عنعنة محمد بن إسحاق، ولم يحتج به مسلم، وإنما روى له متابعة، وبالعنعنة رواه أحمد أيضاً وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة" (3477) بمتابعة إبراهيم بن طهمان لابن إسحاق، ولهذا نقلته إلى هذا "الصحيح". (2) قلت: أبو بكر محمد بن داود الظاهري مشهور هو وأبوه رضي الله عنهما. كذا في "العجالة" (196/ 2). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 15 - (الترهيب من ترويع المسلم، ومن الإشارة إليه بسلاحٍ ونحوه جادّاً أو مازحاً). 2805 - (1) [صحيح] عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدَّثنا أصْحابُ محمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنَّهم كانوا يسيرون معَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنامَ رجلٌ منهم، فانْطَلق بعضُهم إلى حَبْلٍ معه فأَخَذَهُ، فَفَزِعَ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يحلُّ لمسلمٍ أنْ يُرَوِّعَ مسْلِماً". رواه أبو داود. 2806 - (2) [حسن صحيح] وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما قال: كنَّا معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مسيرٍ، فَخفَقَ رجلٌ على راحِلَتِه، فأخذَ رجلُ سَهْماً مِنْ كِنانَته، فانْتَبه الرجلُ فَفَزِعَ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَحِلُّ لرجلٍ أنْ يُرَوِّعَ مسْلِماً". رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات. 2807 - (3) [صحيح لغيره] ورواه البزار من حديث ابن عمر مختصراً: "لا يَحِلُّ لمسلمٍ أو مؤْمِن أَنْ يُرَوِّعُ مسْلِماً". (خَفَقَ) الرجل: إذا نَعس (1).   (1) هذا تجوّز في العبارة، والذي قاله الجوهري وغيره من أهل اللغة: " (خفق الرجل): إذا حرك رأسه وهو ناعس". ذكره الناجي. الحديث: 2805 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 2808 - (4) [حسن] وعن عبد الله بن السائب بن يزيدَ عن أبيه عن جده رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يأخُذَنَّ أحدُكم متَاعَ أخيهِ لاعِباً ولا جادّاً". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". 2809 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يُشِرْ أحدُكم إلى أخيه بالسِّلاحِ؛ فإنَّه لا يَدْري لعلَّ الشيْطانَ يَنْزِع في يَدِه فيَقَعُ في حُفْرَةٍ مِنَ النارِ". رواه البخاري ومسلم. (يَنْزِع) بالعين المهملة وكسر الزاي؛ أي: يرمي، وروي بالمعجمة مع فتح الزاي، ومعناه أيضاً يرمي ويفسد، وأصل النزع الطعن والفساد. 2810 - (6) [صحيح] وعنه قال: قال أبو القاسم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أشارَ إلى أخيهِ بحَديدَةٍ؛ فإنَّ الملائكة تَلْعَنُه حتى يَنْتَهيَ، وإنْ كان أخاه لأَبيهِ وأُمِّهِ". رواه مسلم. 2811 - (7) [صحيح] وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا تواجَه المسلمان بسَيْفَيْهِما، فالقاتِلُ والمقْتولُ في النارِ". وفي رواية: "إذا المسلمانِ حَمَل أحدُهما على أخيه السلاحَ؛ فهُما على حرْفِ جَهنَّم، فإذا قَتَل أحَدُهُما صاحبَه؛ دخلاها جَميعاً". الحديث: 2808 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 قال: فقلْنا: -أو قيلَ:- يا رسولَ الله! هذا القاتلُ، فما بالُ المقْتولِ؟ قال: "إنَّه قدْ أرادَ قَتْلَ صاحبِه". رواه البخاري ومسلم. 2812 - (8) [صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سِبابُ المؤمِنِ فُسوقٌ، وقِتالُهُ كُفْرٌ". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. والأحاديث من هذا النوع كثيرة تقدم بعضها. الحديث: 2812 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 16 - (الترغيب في الإصْلاحِ بين الناسِ). 2813 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلُّ سُلامى مِنَ الناسِ عليه صَدقَةٌ كلَّ يومٍ تَطْلُعُ فيه الشمسُ، يَعْدِلُ بينَ الاثْنَيْنِ صدقَةٌ، ويعينُ الرجُلَ في دابَّتِه فيَحْمله عليها، أو يَرْفَعُ له علَيْها متَاعَةُ صدقَةٌ، والكلِمَةُ الطيَّبَةُ صَدقَةٌ، وبِكُلِّ خطوَةٍ يَمْشيها إلى الصلاةِ صَدقَةٌ، ويُميطُ الأَذَى عنِ الطريقِ صَدقَةٌ". رواه البخاري ومسلم. (يعدل بين الاثنين) أي: يصلح بينهما بالعدل. 2814 - (2) [صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أخْبِرُكم بأفْضَلَ مِنْ درَجَةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقَةِ؟ ". قالوا: بَلى؟ قال: "إصْلاحُ ذاتِ البَيْنِ؛ فإنَّ فسادَ ذاتِ البيْنِ هِيَ الحالِقَةُ". رواه أبو داود والترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث صحيح". [حسن لغيره] قال: ويروى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنه قال: "هي الحالقةُ، لا أقول تحلقُ الشعرَ، ولكنْ تحلقُ الدينَ" انتهى. (1) 2815 - (3) [صحيح] وعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيطٍ رضي الله عنها؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لَمْ يَكْذِبْ مَنْ نَمَى بينَ اثْنَيْنِ لِيُصْلِحَ".   (1) وصله الترمذي وغيره عن الزبير، وقيل: (ابن الزبير)، وقد مضى في الكتاب برواية البزار (5 - باب). الحديث: 2813 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 وفي رواية: "ليسَ بالكاذِبِ مَنْ أصْلَح بينَ الناسِ فقالَ خيْراً، أوْ نَمَى خَيْراً". رواه أبو داود (1). (قال الحافظ): "يقال: (نميت الحديث) بتخفيف الميم: إذا بلغته بخير على وجه الإصلاح، وبتشديدها، إذا كان على وجه إفساد ذات البين. كذا ذكر ذلك أبو عبيد وابن قتيبة والأصمعي والجوهري وغيرهم". 2816 - (4) [حسن] ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما عُمِلَ شَيءٌ أفْضَلَ مِنَ الصلاةِ، وصَلاحِ ذاتِ البَيْنِ، وخُلُقٍ جائزٍ بَيْنَ المسْلمِين". رواه الأصبهاني (2). 2817 - (5) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أفْضَلُ الصدقَةِ إصْلاحُ ذاتِ البَيْنِ". رواه الطبراني والبزار، وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وحديثه هذا حسن لحديث أبي الدرداء المتقدم. 2818 - (6) [حسن لغيره] وروي عن أنس رضي الله عنه: أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأبي أيوبَ:   (1) قال الناجي: "هذا عجيب! فقد رواه بنحو هذا اللفظ البخاري ومسلم والترمذي والنسائي". قلت: وهو مخرج في "الصحيحة" (545) بزيادة في التخريج والتحقيق. (2) قلت: في "الترغيب" (1/ 104/ 180)، ولقد أبعد النجعة، فقد أخرجه البخاري في "التاريخ"، وسنده حسن كما بينته في "الصحيحة" (1448)، مع شاهد له صحيح قاصر عن أبي الدرداء، وتقدم قبله بحديث. الحديث: 2816 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 "ألا أدلُّك على تجارةٍ؟ ". قال: بلى. قال: "صِلْ بين الناسِ إذا تفاسدوا، وقرِّب بينهم إذا تباعدوا". رواه البزار. 2819 - (7) [حسن لغيره] والطبراني، وعنده (1): "ألا أدلُّك على عملٍ يرضاه الله ورسوله؟ ". قال: بلى. . فذكره 2820 - (8) [حسن لغيره] ورواه الطبراني أيضاً والأصبهاني عن أبي أيوبَ قال: قال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أبا أيّوب! ألا أَدُلُّكَ على صدَقةٍ يُحِبُّها الله ورسولُه؟ تُصْلِحُ بينَ الناسِ إذا تَباغَضُوا وتفَاسَدوا". لفظ الطبراني. ولفظ الأصبهاني: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أدُلُّكَ على صدَقَةٍ يحِبُّ الله مَوْضِعَها؟ ". قال: قلتُ: بَلى بأبي أنتَ وأمِّي! قال: "تُصْلِحُ بينَ الناسِ؛ فإنَّها صدقَةٌ يُحِبُّ الله مَوْضِعَها" (2). 17 - (الترهيب من أن يعتذر إلى المرء أخوه فلا يقبل عذره). [لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا].   (1) ظاهر كلامه أنه عنده من حديث أنس، وليس كذلك، وإنما هو في "المعجم الكبير" (8/ 307/ 7999) من حديث أبي أمامة، وفيه من لا يعرف، ولفظه: "تصلح" مكان: "صِلْ". (2) قلت: له خمسة طرق أحدها مرسل صحيح، خرجتها في "الصحيحة" (2644). الحديث: 2819 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 18 - (الترهيب من النميمة). 2821 - (1) [صحيح] عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صلى الله عيه وسلم -: "لا يَدْخُلُ الجنَّة نَمَّامٌ -وفي رواية: قَتَّاتٌ-". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي. (قال الحافظ): " (القتَّاتُ) و (النَّمَّامُ) بمعنى واحد. وقيل: (النمام): الذي يكون مع جماعة يتحدَّثون حديثاً فيَنِمُّ عليهم. و (القتات): الذي يتسمع عليهم، وهم لا يعلمون، ثم يَنِمُّ". 2822 - (2) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بقبرينِ يُعَذَّبانِ، فقالَ: "إنَّهما يُعَذَّبانِ، وما يُعَذَّبانِ في كبيرٍ، بَلى إنَّه كبيرٌ، أمَّا أحَدُهما فكانَ يَمْشي بالنَّميمَةِ، وأما الآخَرُ فكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِه. . ." الحديث. رواه البخاري -واللفظ له-، ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" بنحوه. [مضى لفظه 4 - الطهارة/ 4]. 2823 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنَّا نَمْشي معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فمَررْنا على قبرْينِ، فقامَ، فقُمْنا مَعَهُ، فجعَلَ لَوْنُه يَتَغيَّرُ، حتى رُعِدَ كُمٌّ قَميصِه. فقُلْنا: مالَك يا رسولَ الله؟! فقال: "أمَا تَسْمعونَ ما أسْمَعُ؟ ". فقلنا: وما ذاك يا نبيَّ الله؟ قال: "هذانِ رجُلانِ يُعَذِّبانِ في قبورِهما عذاباً شديداً، في ذَنْبٍ هَيِّنٍ". قلنا: فيمَ ذاك؟ قال: "كانَ أحدُهما لا يَسْتَنْزِهُ مِنَ البَوْلِ، وكان الآخَرُ يُؤذي الناسَ بلِسانِه، الحديث: 2821 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 وَيمْشي بيْنَهُم بالنمِيمَةِ". فدعا بجريدَتَيْنِ مِنْ جرائِد النخلِ، فجعَل في كلِّ قبرٍ واحِدةً. قلنا: وهلْ يَنْفَعُهم ذلك؟ قال: "نعم؛ يُخَفِّفُ عنهما ما دامَتا رَطِبَتَيْنِ". رواه ابن حبان في "صحيحه". قوله: (في ذنب هيّن) أي: هين عندهما وفي ظنهما؛ لا أنه هيّن في نفس الأمر، فقد تقدم في حديث ابن عباس قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بَلى إنَّه كبيرٌ". وقد أجمعت الأمة على تحريم النميمة، وأنها من أعظم الذنوب عند الله تعالى. 2824 - (4) [حسن لغيره] وعن عبد الرحمن بن غَنْمٍ يبلُغُ بِه النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خيارُ عبادِ الله الذين إذا رُؤوا ذُكِرَ الله، وشرارُ عبادِ الله المشَّاؤونَ بالنَّميمَةِ، المفَرِّقونَ بينَ الأحِبَّةِ، البَاغونَ لِلْبُرآءِ العَيْبَ". رواه أحمد عن شهر عنه، وبقية إسناده محتج بهم في "الصحيح". 2825 - (5) [حسن لغيره] ورواه أبو بكر بن أبي شيبة وابن أبي الدنيا عن شهر عن أسماء عنِ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ إلا أَنَّهما قالا: "المفْسِدونَ بينَ الأَحِبَّةِ". 2826 - (6) [حسن لغيره] والطبراني من حديث عبادة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 2827 - (7) [حسن لغيره] وابن أبي الدنيا أيضاً في "كتاب الصمت" عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وحديث عبد الرحمن أصح، وقد قيل: إن له صحبة. الحديث: 2824 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 [صحيح] وتقدم في "باب الإصلاح" [هنا/ 16] حديث أبي الدرداء عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ألا أُخْبِرُكُم بأفْضَلَ مِنْ درجَةِ الصيامِ والصلاةِ والصدَقَةِ؟ ". قالوا: بَلى. قال: "إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ؛ فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالِقَةُ". [حسن لغيره] رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، والترمذي وصححه، ثم قال: ويروى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنه قال: "هي الحالقة، لا أقولُ تحلقُ الشعرَ، ولكن أقولُ تحلقُ الدينَ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 19 - (الترهيب من الغيبة والبَهت وبيانهما. والترغيب في ردهما). 2828 - (1) [صحيح] عن أبي بكرة رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في خُطبَتِه في حِجَّةِ الوَداعِ: "إنَّ دماءَكُم وأمْوالَكُم وأعْراضَكُم حَرامٌ عليْكُم، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُم هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بلدِكُمْ هذا، ألا هَلْ بَلَّغْتُ". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 2829 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كلُّ المسْلِم على المسْلِمِ حَرامٌ؛ دَمُه وعِرْضُه ومالُه". رواه مسلم والترمذي في حديث [يأتي هنا/ 21]. 2830 - (3) [صحيح لغيره] وعن البراء بن عازِبٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الرِّبا اثْنانِ وسبْعونَ باباً؛ أدْناها مِثْلُ إتْيانِ الرجلِ أُمَّهُ، وإنَّ أرْبَى الرِّبا اسْتَطالَةُ الرجُلِ في عْرِضِ أَخِيهِ". رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية عمر بن راشد. [مضى 16 - البيوع/ 19]. 2831 - (4) [صحيح لغيره] وروي عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: خَطَبنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَر أمْرَ الرِّبا، وعظَّمَ شَأْنَهُ وقال: "إنَّ الدِّرْهَم يصيبُه الرجلُ مِنَ الرِّبا أعْظَمُ عندَ الله في الخَطيئَةِ مِنْ ستٍّ وثَلاثينَ زَنْيَةً يَزْنيها الرجُلُ، وإنَّ أَرْبى الرِّبى عِرْضُ الرجُلِ المسْلِمِ". رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب ذم الغيبة" [مضى أيضاً هناك]. 2832 - (5) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مِنْ أرْبى الرِّبا اسْتَطالَةُ المرْءِ في عِرْضِ أَخيهِ". الحديث: 2828 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 [صحيح لغيره] رواه البزار بإسنادين أحدهما قوي، وهو في بعض نسخ أبي داود؛ إلا أنه قال: "إنَّ مِنْ الكَبائِر اسْتِطالةُ الرجُلِ في عِرْضِ رجلٍ مسلمٍ بغيرِ حَقٍّ، ومِنَ الكبائر السُّبَّتان بالسُّبَّة". [صحيح لغيره] رواه ابن أبي الدنيا أطول منه. ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الرِّبا سَبْعون حُوْباً، وأيْسَرُها كَنِكاحِ الرجُلِ أُمَّهُ، وإنَّ أرْبى الربا عِرْضُ الرجلِ المسْلِمِ". (الحُوب) بضم الحاء المهملة: هو الإثم. 2833 - (6) [صحيح] وعن سعيد بن زيدٍ رضي الله عنه عنِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن مِنْ أربى الرِّبا الاسْتِطالَةَ في عِرْضِ المسْلِمِ بغيرِ حَقٍّ". رواه أبو داود. 2834 - (7) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قلتُ للنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كذا وكذا -قال بعضُ الرواةِ: تعني قصيرَة- فقال: "لقد قلْتِ كَلمةً لوْ مُزِجَتْ بماءِ البَحْرِ لَمزَجَتْهُ". قالتْ: وحكيتُ لَهُ إنْساناً فقال: "ما أُحِبُّ أنِّي حَكَيتُ إنْساناً؛ وأنَّ لي كذا وكذا". رواه أبو داود والترمذي والبيهقي، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". 2835 - (8) [حسن لغيره] وعن عائشة أيضاً: أنه اعتَلَّ بعيرٌ لصفيةَ بنت حُيَيّ، وعندَ زينبَ فضلُ ظهرٍ، فقال النبي الحديث: 2833 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لزينب: "أعطيها بعيراً". فقالتْ: أنا أُعطي تلك اليهودية؟! فغضب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فهجرها ذا الحجة، والمحرم، وبعض صفر. رواه أبو داود عن سمية عنها. وسمية لم تنسب. 2836 - (9) [حسن لغيره] وعن عَمْرِو بْنِ شعيبٍ عن أبيه عن جده: أنَّهم ذَكروا عندَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً فقالوا: لا يَأْكُلُ حتى يُطْعَمَ، ولا يَرْحَلُ حتى يُرَحَّلَ له! فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اغْتبْتُموه". فقالوا: يا رسول الله! إنَّما حدَّثْنا بِما فيه. قال: "حسْبُكَ إذا ذكَرْتَ أخاكَ بِما فيه". رواه الأصبهاني بإسناد حسن. 2837 - (10) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: كنَّا عند النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقامَ رجلٌ، فوقَع فيه رجلٌ مِنْ بَعْدِه، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَخَلَّلْ! ". فقال: وممَّا أتَخَلَّلُ؟ ما أكَلْتُ لحماً! قال: "إنَّك أكَلْتَ لَحْمَ أخيكَ". حديث غريب، رواه أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني -واللفظ له-، ورواته رواة "الصحيح". (1)   (1) قلت: له شاهد قوي من حديث أنس بن مالك نحوه، وفيه أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى لحم المستغاب بين أنياب من استغابه. وهو مخرج في "الصحيحة" (2608). الحديث: 2836 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 2838 - (11) [صحيح] وعن عمرو بن العاصي رضي الله عنه: أنَّه مرَّ على بَغْلٍ مَيْتٍ فقال لبعْضِ أصْحابِه: لأَنْ يأكُلَ الرجلُ مِنْ هذا حتى يَمْلأ بَطْنَهُ، خيرٌ له مِنْ أنْ يأكُلَ لحْمَ رجلٍ مسْلِمَ. رَواه أبو الشيخ ابن حيان وغيره موقوفاً. 2839 - (12) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لمَّا عُرِجَ بي مَرَرتُ بقومٍ لَهُم أظْفارٌ مِنْ نُحاسٍ، يَخْمِشونَ وُجوهَهُم وصدورَهُم، فقلتُ: مَنْ هؤلاءِ يا جبريلُ؟ قال: هؤلاءِ الذين يأْكلونَ لُحومَ الناسِ، ويقَعونَ في أعْراضِهِمْ". رواه أبو داود؛ وذكر أن بعضهم رواه مرسلاً. 2840 - (13) [حسن لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنَّا معَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فارْتَفَعتْ ريحٌ مُنْتِنَةٌ. فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتَدْرونَ ما هذِه الريحُ؟ هذه ريحُ الذين يَغْتابونَ المؤْمِنيْنَ". رواه أحمد وابن أبي الدنيا، ورواة أحمد ثقات. 2841 - (14) [حسن صحيح] وعن أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه قال: بينا أنا أماشي رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو آخذٌ بِيَدي، ورجُلٌ عَنْ يَسارِه، فإذا نحنُ بقبرينِ أمامَنا، فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّهُما لَيُعَذَّبانِ، وما يُعَذَّبانِ في كبيرٍ، وبَلى، فأيُّكم يَأْتيني بجَريدَةٍ؟ "، فاسْتَبَقْنا، فسَبَقْتُه فأتَيْتُه بِجَريدَةٍ، فكسَرها نِصْفَيْنِ، فألقى على ذا القَبرِ قِطعَةً، وعلى ذا القَبْرِ قِطْعَةً، وقال: الحديث: 2838 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 "إنَّه يُهَوِّنُ عليهما ما كانَتا رَطِبَتَيْنِ، وما يُعَذَّبانِ إلا في الغِيْبَةِ والبَوْلِ". رواه أحمد وغيره بإسناد رواته ثقات [مضى بلفظ "الأوسط" 4 - الطهارة/ 4]. 2842 - (15) [صحيح لغيره] وعن يعلى بن سيابة (1) رضي الله عنه: أنَّه عَهِد النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأتى على قَبْرٍ يُعَذَّبُ صاحِبُهُ، فقال: "إنَّ هذا كان يأكُلُ لُحومَ الناسِ". ثُمَّ دعا بجريدةٍ رَطْبَةٍ فوضَعَها على قبْرِه وقال: "لعلَّه أنْ يُخَفِّفَ عنه ما دامَتْ هذه رَطْبَةً". رواه أحمد والطبراني، ورواة أحمد ثقات؛ إلا عاصم بن بهدلة. (قال الحافظ): "وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة مشهورة في الصحاح وغيرهما عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وفي أكثرها "أنهما يعذبان في النميمة والبول". والظاهر أنه اتفق مروره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرة بقبرين يعذب أحدهما في النميمة، والآخر في البول، ومرة أخرى بقبرين يعذب أحدهما في الغيبة والآخر في البول. والله أعلم". 2843 - (16) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أتدرونَ مَنِ المفْلِسُ؟ ". قالوا: المفْلِسُ فينا مَنْ لا درْهَمَ له ولا مَتاعَ. فقال: "إنَّ المفْلِسَ مِنْ أُمَّتي مَنْ يأْتي يومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ وصيامٍ وزَكاةٍ، ويأْتي قد شَتَم هذا، وقذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفَكَ دَم هذا، وضرَبَ هذا،   (1) (السَّيابة) بفتح المهملة والباء الأخيرة المخففة وبالموحدة بوزن (السحابة): هي البلحة. قاله الجوهري وغيره، ويعلى هذا صحابي مشهور ثقفي، و (سيابة) أمه في قول ابن معين وغيره؛ نسب إليها؛ وهو ابن مرة. قاله الناجي. الحديث: 2842 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 فيُعْطَى هذا منْ حَسَناته، وهذا مِنْ حَسناتِه، فإنْ فَنِيَتْ حسَناتُه قَبْلَ أنْ يَقْضِيَ ما عليه؛ أُخِذ مِنْ خَطاياهُم فطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النارِ". رواه مسلم والترمذي وغيرهما. 2844 - (17) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أتَدرونَ ما الغيبَةُ؟ ". قالوا: الله ورسولُه أعْلَمُ. قال: "ذِكْرُكَ أخاكَ بما يَكْرَهُ". قيلَ: أفَرأيتَ إنْ كان في أخي ما أَقولُ؟ قال: "إنْ كان فيه ما تقولُ فقدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يكُنْ فيه ما تقولُ فقد بَهَتَّهُ". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة، وعن جماعة من الصحابة، اكتفينا بهذا عن سائرها، لضرورة البيان. 2845 - (18) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ قالَ في مؤمِنٍ ما ليسَ فيه؛ أسْكَنَهُ الله رَدْغَةَ الخَبالِ، حتّى يَخْرُج مِمَّا قالَ". رواه أبو داود في حديث [مضى 20 - القضاء/ 8]. (1) والحاكم بنحوه وقال: "صحيح الإسناد" (1). (رَدْغَةُ الخَبالِ): هي عصارة أهل النار، كذا جاء مفسراً مرفوعاً (2)، وهو بفتح الراء وإسكان الدال المهملة وبالغين المعجمة، (والخبال) بفتح الخاء المعجمة وبالموحدة.   (1) هنا زيادة حذفتها لما تقدم هناك. (2) قلت: يشير إلى حديث جابر المتقدم (21 - الحدود/ 6). الحديث: 2844 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 2846 - (19) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خمسٌ ليس لهن كفارةٌ: الشكُّ بالله، وقتلُ النفسِ بغيرِ حقٍّ، وبَهْتُ مؤمنٍ، والفرارُ من الزحفِ، ويمينٌ صابرةٌ يَقْتَطعُ بها مالاً بغير حق". رواه أحمد من طريق بقية، وهو قطعة من حديث [مضى بتمامه 12 - الجهاد/ 11]. 2847 - (20) [صحيح لغيره] وعن أسماءَ بنتِ يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من ذَبَّ عن عِرْضِ أخيه بالغَيبة؛ كان حقاً على الله أنْ يعتقه من النار". رواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا والطبراني، وغيرهم. 2848 - (21) [صحيح لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ ردَّ عنْ عِرضِ أخيهِ؛ ردَّ الله عن وجْهِهِ النارَ يومَ القِيامَةِ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". وابن أبي الدنيا وأبو الشيخ في "كتاب التوبيخ"، ولفظه: قال: "مَن ذبَّ عَنْ عِرْضِ أخيه؛ ردَّ الله عنهُ عذابَ النارِ يومَ القِيامَةِ". (1) 2849 - (22) [حسن لغيره موقوف] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: من نصر أخاه المسلمَ بالغيب؛ نصرَهُ اللهُ في الدنيا والآخرة. رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً (2).   (1) هنا زيادة: "وتلا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}، فحذفتها لأني لم أجد لها شاهداً. (2) ورواه بعضهم مرفوعاً. انظر "الصحيحة" (1217). الحديث: 2846 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 20 - (الترغيب في الصمت إلا عن خير، والترهيب من كثرة الكلام). 2850 - (1) [صحيح] عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! أيُّ المسلمينَ أَفْضَلُ؟ قال: "مَنْ سَلِمَ المسلمون مِنْ لِسانِه ويدِهِ" (1). رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. 2851 - (2) [صحيح] وعن عبد الله بْنِ عَمْرِو بنِ العاصِ رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "المسلمُ مَنْ سلِمَ المسلمونَ مِنْ لِسانِه ويدِه، والمهاجِرُ (2) مَنْ هجَرَ ما نَهى الله عَنْهُ". رواه البخاري ومسلم. 2852 - (3) [صحيح] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سألتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلتُ: يا رسولَ الله! أيُّ الأعْمالِ أفْضَلُ؟ قال: "الصلاةُ على ميقاتِها". قلتُ: ثُمَّ ماذا يا رسولَ الله؟ قال: "أنْ يَسْلَم الناسُ مِنْ لِسَانِكَ".   (1) معناه: من لم يؤذ مسلماً بقول ولا فعل، وخص اليد بالذكر لأن معظم الأفعال بها. (2) (المهاجر) في الأصل: هو الذي فارق عشيرته ووطنه. وهذا من أصعب الأمور الشاقة على النفس، ففيه الحث على التخلق بالصفات الحميدة، والتباعد عن الصفات الذميمة. فإن قيل: ما حكم المسلمات في ذلك لأنه اقتصر على جمع التذكير؟ يقال: إن هذا من باب التغليب؛ فإن المسلمات يدخلن فيه كما في سائر النصوص والمخاطبات. الحديث: 2850 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 رواه الطبراني بإسناد صحيح، وصدره في "الصحيحين". [مضى لفظهما 5 - الصلاة/ 14]. 2853 - (4) [صحيح] وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: جاءَ أعْرابيٌّ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! علّمْني عمَلاً يُدْخِلُني الجنَّةَ؟ قال: "إنْ كنتَ أقْصَرْتَ الخُطْبَةَ لقد أعْرَضْتَ المسأَلَة، أَعْتقِ النَّسمَةَ، وفُكَّ الرقَبَة، فإنْ لَمْ تُطِقْ ذلك فأطْعِمِ الجائعَ، واسْقِ الظمْآنَ، وأمُرْ بالمعْروفِ، وانْهَ عنِ المنكَرِ، فإنْ لمْ تُطِقْ ذلك فَكُفَّ لِسانَك إلا عَنْ خَيْرٍ" مختصر. رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي. وتقدم بتمامه في "العتق" [16 - البيوع/ 25]. 2854 - (5) [صحيح لغيره] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! ما النجاةُ؟ قال: "أمْسكْ (1) عليكَ لِسانَكَ، ولْيَسَعْكَ بيتُكَ، وابْكِ على خطيئَتِكَ". رواه أبو داود والترمذي وابن أبي الدنيا في "العزلة" وفي "الصمت"، والبيهقي في "كتاب الزهد" وغيره؛ كلهم من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عنه. وقال الترمذي:   (1) كذا وقع هنا، وكذلك فيما تقدم (23 - الأدب/ 9) وقد أعاده كذلك فيما يأتي (24 - الزهد/ 7)، وهو في بعض نسخ "الترمذي"، وفي نسخ أخرى "املك"، وهو الأرجح كما سبق بيانه فيما تقدم. وقد زاد في التخريج هنا (أبو داود)، وما أراه إلا وهماً، فإني لم أجده عنده، ولا وجدت أحداً عزاه إليه. بل رأيت ابن الأثير في "الجامع" (9344) والسيوطي في "جامعه" والنابلسي في "الذخائر" عزوه للترمذي فقط. وغفل عن هذا -كعادتهم- مدعو التحقيق- فاكتفوا في التعليق هنا على القول: "سبق تخريجه برقم (4037) "! وهناك ليس لأبي داود ذكر!! ثم إن للحديث طريقاً أخرى مخرجة في "الصحيحة" كما تقدم. الحديث: 2853 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 "حديث حسن غريب". [مضى هنا/ 9]. 2855 - (6) [حسن لغيره] وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "طوبى لمنْ ملَكَ لِسَانَهُ، وَوَسِعَهُ بيتُه، وبَكى على خَطيئَتِه". رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير"، وحسن إسناده. [مضى هناك مع التعليق عليه]. 2856 - (7) [صحيح] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ يَضْمَنْ لي (1) ما بَيْنَ لَحْيَيْهِ وما بين رِجْلَيْهِ؛ أضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ". رواه البخاري والترمذي. [مضى 21 - الحدود/ 7]. 2857 - (8) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ وقاهُ الله شرَّ ما بيْنَ لَحْيَيْهِ، وشرَّ ما بينَ رِجْلَيْهِ؛ دَخَل الجنَّةَ". رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه". [مضى هناك]. [صحيح لغيره] ورواه ابن أبي الدنيا؛ إلا أنَّه قال: "مَنْ حَفِظَ ما بَيْن لَحْيَيْهِ". 2858 - (9) [صحيح موقوف] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: والذي لا إله غَيْرُه ما على ظَهْرِ الأرْضِ شيْءٌ أحْوَجُ إلى طولِ سَجْنٍ مِنْ لِسَانٍ. رواه الطبراني موقوفاً بإسناد صحيح.   (1) أي: يؤدي الحق الذي عليه. وقوله: (لحييه) هو بفتح اللام وسكون الحاء المهملة تثنية (لحي)، وهما العظمان في جانبي الفم، والمراد بما بينهما اللسان، وبما (بين رجليه): الفرج. ولا شك أن أعظم البلاء على الإنسان في الدنيا اللسان والفرج، فمن وقي من شرهما فقد وقي أعظم الشر. نسأل الله الحماية. الحديث: 2855 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 2859 - (10) [صحيح لغيره] وعن عطاءِ بْنِ يَسارٍ؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ وقاهُ الله شرَّ اثْنَينْ وَلَجَ الجنَّةَ". فقال رجل: يا رسولَ الله! ألا تُخْبِرُنا؟ فسكَتَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأعادَ رسولُ الله مقالَتَهُ. فقال الرجلُ: ألا تُخْبِرُنا يا رسولَ الله؟ ثمَّ قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثلَ ذلك أيْضاً. ثمَّ ذهَب الرجلُ يقولُ مقالَتَهُ، فأسْكَتَهُ رجلٌ إلى جَنْبِه قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ وقاهُ الله شرَّ اثْنَيْنِ؛ وَلَجَ الجنَّةَ: ما بَيْنَ لَحْيَيْهِ وما بيْنَ رِجْلَيْهِ، ما بيْنَ لَحْيَيْهِ وما بَيْنَ رِجْلَيْهِ". رواه مالك مرسلاً هكذا. (وَلَجَ الجنَّة) أي: دخل الجنة. 2860 - (11) [حسن صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ حَفِظَ ما بَيْنَ فَقْمَيْهِ وفَرْجَه؛ دخَلَ الجنَّةَ". رواه أحمد والطبراني وأبو يعلى -واللفظ له-، ورواته ثقات. وفي رواية للطبراني: قال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أُحَدِّثُك بثِنْتَيْن مَنْ فَعَلهُما دخَلَ الجَنَّةَ؟ ". قلنا: بَلى يا رسولَ الله! قال: "يَحْفَظُ الرجلُ ما بَيْنَ فَقْمَيْهِ، وما بينَ رِجْلَيْهِ". [مضى 21 - الحدود/ 7]. والمراد بـ (ما بين فقميه): هو اللسان، وبـ (ما بين رجليه): هو الفرج. و (الفَقْمان) بفتح الفاء وسكون القاف: هما اللَّحْيان. 2861 - (12) [حسن صحيح] وعن أبي رافعٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ حَفظَ ما بين فَقْمَيْه وفَخذَيْه؛ دخَلَ الجَنَّة". رواه الطبراني بإسناد جيد. الحديث: 2859 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 2862 - (13) [حسن صحيح] وعن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! حدِّثني بأمرٍ أعْتَصِمُ به. قال: "قُلْ: ربِّي الله، ثُمَّ اسْتَقِمْ". قال. قلتُ: يا رسولَ الله! ما أخْوَفُ ما تَخافُ عَليَّ؟ فأَخَذ بلسانِ نَفْسِه ثُمَّ قال: "هذا". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 2863 - (14) [حسن صحيح] وعنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! أيَّ شيْءٍ أتَّقي؟ فأشارَ بيدِه إلى لِسانِهِ. رواه أبو الشيخ ابن حيان في "الثواب" بإسناد جيد. (1) 2864 - (15) [صحيح] وعن الحارث بن هشامٍ رضي الله عنه أنَّه قال لِرَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أخْبِرْني بأمْرٍ أعْتَصِمُ به. فقالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "امْلِكْ هذا". وأشارَ إلى لسانِهِ. رواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد. 2865 - (16) [حسن] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَسْتقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يَسْتَقيمَ قلْبُه، ولا يَسْتَقيم قلْبُه حتى يَسْتَقيمَ لِسَانُه، ولا يدخُلُ الجنَّةَ رجلٌ لا يأْمَنُ جارُهُ بواثِقَهُ".   (1) قلت: لقد أبعد النجعة، فقد رواه أحمد (3/ 413 و4/ 384 - 385). وأما قول الثلاثة: "رواه ابن أبي الدنيا في الصمت رقم (1) "، فهو من تخاليطهم، فإنما هو عنده بالرواية التي قبل هذه! الحديث: 2862 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 رواه أحمد، وابن أبي الدنيا في "الصمت"؛ كلاهما من رواية علي بن مسعدة الباهلي عن قتادة عنه. [مضى 22 - البر/ 5]. 2866 - (17) [صحيح لغيره] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: كنتُ معَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سَفَرٍ، فأصْبَحْتُ يَوْماً قَريباً منهُ ونحنُ نَسيرُ، فقلتُ: يا رسول الله! أخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجنَّةَ، ويُباعِدُني مِنَ النارِ؟ قال: "لقد سَأَلْتَ عن عَظيمٍ، وإنَّه لَيَسيرٌ على مَنْ يَسَّرَهُ الله عليه. تَعْبُدُ الله ولا تُشْرِكُ به شَيْئاً، وتقيمُ الصلاةَ، وتُؤْتي الزكاةَ، وتصومُ رَمضانَ، وتحجُّ البَيْتَ". ثُمَّ قال: "ألا أَدُلُّكَ على أبْوابِ الخَيْرِ؟ ". قلتُ: بَلى يا رسولَ الله! قال: "الصومُ جُنَّةٌ، والصَدقَةٌ تطْفِئُ الخَطيئَةَ كما يُطْفِئُ الماءُ النارَ، وصلاةُ الرجُل مِنْ جوفِ اللّيْلِ (1) ". ثُمَّ تَلا قَوْلَهُ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} حتَّى بَلَغَ {يَعْمَلُونَ}، ثُمَّ قالَ:   (1) قلت: في الأصل وطبعة عمارة زيادة: "شعار الصالحين"! قال الناجي (197/ 2): "هذه الزيادة مقحمة في الحديث بلا شك، لم تسمع فيه قط، قلد المؤلف فيها صاحب "جامع الأصول"، ولا أدري من أين أخذها هو. والمعنى أن صلاة الرجل في جوف الليل تطفئ الخطيئة أيضاً كالصدقة". والحديث في "جامع الأصول" برقم (7274)، وقد أوهم المعلق عليه أن لهذه الزيادة أصلاً بقوله فيها: "ليست في أكثر نسخ "الترمذي"! والصواب القطع بأنها مقحمة في الحديث لا أصل لها فيه؛ لا عند الترمذي ولا عند غيره. وقد أفسد المعلقون الثلاثة لقلة فهمهم، وعدم رجوعهم إلى الأصول كلام الشيخ الناجي، فأوهموا أنه أراد جملة "وصلاة. . الصالحين"! وهي ثابتة عند مخرجيها؛ إلا الزيادة فقط، فتنبه. الحديث: 2866 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 "ألا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وعَمُودِه وذِرْوَةِ سَنامِهِ؟ ". قلْتُ: بَلى يا رسولَ الله! قال: "رأسُ الأمْرِ الإسْلامُ، وعَمودُهُ الصلاةُ، وذِرْوَةُ سَنامِهِ الجِهَادُ". ثمَّ قالَ: "ألا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذلكَ كُلِّه؟ ". قلتُ: بَلى يا رسولَ الله! قال: "كُفَّ عليكَ هذا". وأشارَ إلى لسانِهِ. قلتُ: يا نَبِيَّ الله! وإنَّا لمُؤاخَذُونَ بِما نَتَكلَّمُ بِهِ؟ قال: "ثَكِلَتْكَ (1) أُمُّكَ، وهل يَكُبُّ الناسَ في النارِ على وجُوهِهِمْ -أو قالَ: على مَناخِرِهمْ- إلا حَصائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟ ". رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه؛ كلهم من رواية أبي وائل عن معاذ. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". [مضى طرف منه 8 - الصدقات/ 9]. (قال الحافظ): "وأبو وائل أدرك معاذاً بالسن، وفي سماعه منه عندي نظر، وكان أبو وائل بالكوفة، ومعاذ بالشام. والله أعلم. قال الدارقطني: "هذا الحديث معروف من رواية شهر بن حوشب عن معاذ، وهو أشبه بالصواب على اختلاف علمه فيه". كذا قال! وشهر -مع ما قيل فيه- لم يسمع معاذاً. ورواه البيهقي وغيره عن ميمون بن أبي شيبة عن معاذ. وميمون هذا كوفي ثقة ما أراه   (1) بفتح الثاء المثلثة وكسر الكاف؛ أي: فقدتك. و (الثكل): فقد الولد، دعا عليه بالموت، والموت يعم كل أحد، فإذن الدعاء عليه كلا دعاء، وهو في الحقيقة لا يقصد به الدعاء، بل من الألفاظ التي تجري على ألسنة العرب، ولا يراد بها الدعاء، كقولهم: "ترِبت يداك"، و"قاتلك الله". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 سمع من معاذ، بل ولا أدركه؛ فإنّ أبا داود قال: "لم يدرك ميمونُ بن أبي شيبة عائشةَ"، وعائشة تأخرت بعد معاذ نحواً من ثلاثين سنة. وقال عمرو بن علي: كان يحدِّث عن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس عندنا في شيء منه يقول: "سمعتُ"، ولم أُخْبَرْ أنَّ أحداً يزعم أنه سمعَ مِنْ أصحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" انتهى. [حسن لغيره] ورواه الطبراني مختصراً قال: يا رسول الله! أكلُّما نتكلَّمُ به يُكتَبُ علينا؟ قال: "ثكلَتْكَ أمُّكَ، وهل يكبُّ الناسَ على مناخرِهمْ في النارِ إلا حَصائدُ ألسِنَتِهمْ؟ (1) إنَّك لنْ تزالَ سالماً ما سكَتَّ، فإذا تكلَّمْتَ كُتِبَ لك أو عليك". ورواه أحمد وغيره عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غَنْم: أن معاذاً سأل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! أيُّ الأعمالِ أفْضَلُ؟ فقال: الصلاةُ بعدَ الصلاةِ المفْروضَةِ؟ قال: "لا، ونِعِمَّا هيَ". قال: الصومُ بعدَ صيامِ رمضانَ؟ قال: "لا، ونِعمَّا هي". قال: فالصدَقةُ بعدَ الصدقَةِ المفروضَةِ؟ قال: "لا، ونِعمَّا هي". قال: يا رسولَ الله! أيُّ الأعْمال أفْضَلُ؟ قال: فأخْرَج رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسانَهُ ثُمَّ وضَع إصْبَعَهُ عليه.   (1) (الحصائد): ما يقتطعونه من الكلام الذي لا خير فيه، واحدتها (حصيدة)، تشبيهاً بما يحصد من الزرع، وتشبيهاً للسان وما يقتطعه من القول بحد المنجل الذي يحصد به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 فاسْتَرْجَعَ معاذٌ فقال: يا رسولَ الله! أنُؤاخَذُ بما نقول كلِّه، ويكتَبُ علينا؟ قال: فضَرب رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنكِبَ معاذٍ مراراً، فقال: "ثكِلَتْكَ أمُّك يا ابْنَ جَبلٍ! وهل يَكُبُّ الناسَ على مناخرِهمْ في نارِ جهنَّمَ إلا حصائُد ألسِنَتِهِمْ؟! ". 2867 - (18) [صحيح] وعن أسود بن أصرم رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! أوصِني قال: "تَمْلِكُ يَدَك". قلتُ: فما أمْلِكُ إذا لَمْ أمْلِكْ يَدي؟ قال: "تَملِك لسانَك". قال: قلتُ: فماذا أمْلِكُ إذا لمْ أمْلِكْ لساني؟ قال: "لا تبسُطْ يَدك إلا إلى خيرٍ، فلا تقُلْ بِلسانِكَ إلاَّ مَعْروفاً". رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني بإسناد حسن، والبيهقي. (1) 2868 - (19) [صحيح لغيره] وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: . . . . . . . . . . . . . . . . قلت: يا رسول الله! أوصني. قال: "أوصيك بتقوى الله؛ فإنها زين لأمرك كله". قلت: يا رسول الله! زدني. قال: عليك بتلاوة القرآن، وذكر الله عز وجل؛ فإنه ذكرٌ لك في السماءِ، ونور لك في الأرض". . . . . . . . . . . . . . . . .   (1) قلت: تحسينه فقط فيه نظر، وإن تبعه الهيثمي (10/ 300)، وقلدهما الثلاثة المعلقون! ذلك لأنَّ أحد إسنادي الطبراني صحيح، رجاله كلهم ثقات، وكذلك البيهقي في "الشعب" (4/ 240/ 4931)، وبيان هذا في "الصحيحة" (891). الحديث: 2867 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 قلت: يا رسول الله! زدني. قال: "وإياك وكثرةَ الضحكِ، فإنه يميتُ القلبَ، ويُذْهِبُ بنورِ الوجه". قلت: زدني، قال: "قل الحق وإن كان مراً". قلت: زدني. قال: "لا تخف في الله لومة لائم". رواه أحمد والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، واللفظ له وقال: "صحيح الإسناد". [مضى 20 - القضاء/ 5]. (1) 2869 - (20) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! أوْصنِي. قال: "عليكَ بتقوى الله، فإنَّها جِماعُ كلِّ خيرٍ، وعليك بالجِهادِ في سبيلِ الله، فإنَّها رَهْبانِيَّةُ المسْلِمينَ، وعليك بذِكْرِ الله وتِلاوَةِ كتابِهِ، فإنَّه نورٌ لكَ في الأرضِ، وذِكرٌ لكَ في السماءِ. . . " (2). رواه الطبراني في "الصغير"، وأبو الشيخ في "الثواب"؛ كلاهما من رواية ليث بن أبي سليم. ورواه ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ أيضاً موقوفاً عليه مختصراً. 2870 - (21) [حسن لغيره] وعن معاذٍ رضي الله عنه؛ أنَّه قال: يا رسول الله! أوْصِني. قال:   (1) قلت: عزوه لأحمد والحاكم فيه نظر بينته في الأصل، والمثبت هنا منه فلشواهده، وهو بتمامه في الكتاب الآخر "الضعيف". (2) إلى هنا رواه أحمد أيضاً من طريق آخر، وهو مخرج في "الصحيحة" (555)، وله شاهد من حديث أبي ذر، وهو الذي تراه قبيل هذا. الحديث: 2869 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 "اعْبُدِ الله كأنَّك تَراهُ، واعْدُدْ نَفْسَك في المَوْتَى، وإنْ شِئْتَ أَنْبَأْتُكَ بما هو أَمْلَكُ بِكَ مِنْ هذا كُلِّهِ؟ ". قال: "هذا". وأشارَ بيدِهِ إلى لِسَانِه. رواه ابن أبي الدنيا بإسناد جيد. 2871 - (22) [حسن] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه رفعه قال: "إذا أصبحَ ابن آدمَ فإنَّ الأعْضاءَ كلَّها تُكَفِّر (1) اللِّسَانَ فتقولُ: اتَّقِ الله فينا، فإنَّما نحنُ بِكَ، فإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنا، وإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنا". رواه الترمذي وابن أبي الدنيا وغيرهما، وقال الترمذي: "رواه غير واحد عن حماد بن زيد، ولم يرفعوه". قال: "وهو أصح". 2872 - (23) [صحيح] وعن أبي وائلٍ عن عبد الله: أنَّه ارْتَقى الصَّفا، فأخذَ بِلسَانِه فقال: يا لسانُ! قُلْ خيراً تَغْنَمْ، واسْكُتْ عنْ شرٍ تَسْلَمْ، مِن قَبْلِ أنْ تَنْدَمَ. ثُمَّ قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أكثرُ خطايا (2) ابْنِ آدَم في لِسانِه". رواه الطبراني، ورواته رواة "الصحيح"، وأبو الشيخ في "الثواب"، والبيهقي بإسناد حسن.   (1) أي: تخضع وتذل. قال الجوهري: " (التكفير): أن يخضع الإنسان كغيره كما يكفر العلج للدهاقين: يضع يده على صدره ويتطامن له". ذكره الناجي. (2) الأصل: (خطأ)، والتصويب من الطبراني وغيره. انظر "الصحيحة" (534). وغفل عن هذا المعلقون الثلاثة، فأثبتوا الخطأ في طبعتهم المزخرفة الظاهر! مع أنَّ الناجي قد نبَّه على ذلك. الحديث: 2871 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 2873 - (24) [صحيح] وعن أسْلَمَ: أنَّ عمَر دخَل يوماً على أبي بكرٍ الصِّديقِ رضي الله عنهما، وهو يجْبِذُ لِسانَهُ! فقال عمر: مه! غَفَر الله لكَ. فقال له أبو بكرٍ: إنَّ هذا أورَدَني (1) المَوارِدِ. رواه مالك وابن أبي الدنيا والبيهقي. [صحيح] وفي لفظ للبيهقي: قال: إنَّ هذا أوْرَدني (2) الموَارِدِ، إنَّ رسولُ الله - صلى الله عليه ولم - قال: "ليسَ شيْءٌ مِنَ الجَسدِ إلا يشكو ذَرَبَ اللِّسانِ على حِدَّتِهِ". (مه) أي: اكفف عما تفعله. و (ذرب اللسان) بفتح الذال المعجمة والراء جميعاً: هو حدَّته وشرّه وفحشه. 2874 - (25) [صحيح] وعن ابن عمروٍ (3) رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ صَمتَ نَجا". رواه الترمذي وقال: "حديث غريب"، والطبراني، ورواته ثقات. 2875 - (26) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ العبدَ لَيتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ ما يتَبيَّنُ فيها؛ يَزِلُّ بها في النارِ أبْعَدَ ما بينَ   (1) الأصل في الموضعين: (شر الموارد)! وهي زيادة لا أصل لها في شيء من تلك المصادر، ولا في غيرها مما هو مخرج في "الصحيحة" (535). (2) الأصل في الموضعين: (شر الموارد)! وهي زيادة لا أصل لها في شيء من تلك المصادر، ولا في غيرها مما هو مخرج في "الصحيحة" (535). (3) الأصل: (ابن عمر). قال الناجي (198/ 1): "وهو وهم بلا شك، إنما هو عبد الله بن عمرو بن العاص، والحديث سنده مصري، فيه ابن لهيعة، ويرويه أبو عبد الرحمن عنه، وروايته عنه عند مسلم والأربعة مشهورة، ولا رواية له عن ابن عمر، فاستفد هذا". قلت: وقد رواه عن ابن لهيعة بعض العبادلة، وقرنه أحدهم مع عمرو بن الحارث، كما بينته في "الصحيحة" (536). الحديث: 2873 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 المشْرِقِ والمغْرِبِ". رواه البخاري ومسلم والنسائي. [حسن صحيح] ورواه ابن ماجه والترمذي؛ إلا أنهما قالا: "إنَّ الرجلَ لَيتكلَّمُ بالكَلِمَةِ لا يَرى بها بأْساً؛ يَهْوِي بها سَبْعينَ خَرِيفاً". قوله: (ما يتبين فيها)؛ أي: ما يتفكر هل هي خير أو شر؟ 2876 - (27) [صحيح لغيره] وروى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ". . . . إن العبدَ ليتكلمُ بالكلمةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ لا يلقي لها بالاً؛ يهوي بها في جهنم". رواه مالك، والبخاري واللفظ له، والنسائي، والحاكم وقال: [حسن صحيح] "صحيح على شرط مسلم"، ولفظه: "إن الرجلَ ليتكلمُ بالكلمةِ ما يظنُّ أن تبلغَ ما بَلَغَتْ؛ يهوي بها سبعين خريفاً في النار". 2877 - (28) [حسن] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ألا هل عسى رجلٌ منكم أنْ يتَكلَّم بالكَلِمَةِ يُضْحكُ بها القوْمَ؛ فيَسْقُطُ بها أبْعدَ منَ السماءِ، ألا عَسى رجلٌ يتكلَّمُ بالكَلِمَةِ يُضحِكُ بها أصْحابَة؛ فيَسْخَطُ اللهَ بها عليهِ؛ لا يَرْضَى عنه حَتَّى يُدْخِلَهُ النارَ". رواه أبو الشيخ أيضاً بإسناد حسن. ورواه عن علي بن زيد عن الحسن مرسلاً. 2878 - (29) [حسن] وعن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الرجلَ لَيتكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوانِ الله ما كانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ ما الحديث: 2876 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 بلَغتْ، يكتُبُ الله تعالى لهُ بها رضْوانَهُ إلى يومِ يَلْقَاهُ، وإنَّ الرجلَ ليتَكلَّمُ بالكلِمَةِ مِنْ سخَطِ الله ما كان يظُنُّ أنْ تبلُغَ ما بلغَتْ، يكْتبُ الله له بها سخَطهُ إلى يومِ يَلْقاهُ". رواه مالك والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 2879 - (30) [صحيح] وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ الله كرِهَ لكم ثلاثاً: قيلَ وقالَ، وإضاعَةَ المالِ، وكثْرةَ السُّؤَالِ". رواه البخاري واللفظ له، ومسلم وأبو داود (1). 2880 - (31) [صحيح] ورواه أبو يعلى وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة بنحوه (2). 2881 - (32) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المرْءِ تركُهُ ما لا يَعْنيهِ". رواه الترمذي وقال: "حديث غريب".   (1) عزوه لأبي داود خطأ جزم به الناجي. فانظر "العجالة" (198/ 1). (2) قال الناجي: "هذا عجيب، فهو في مسلم". وأقول: هو طرف من حديث عنده (5/ 130)، وهو مخرج في "الصحيحة" (685)، وقد أورده الهيثمي في "الموارد"، وليس على شرطه، فكأنه غفل عن كونه في مسلم تبعاً للمؤلف! الحديث: 2879 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 (قال الحافظ): "رواته ثقات إلا قرة بن حيويل، ففيه خلاف. وقال ابن عبد البر النمري: هو محفوظ عن الزهري بهذا الإسناد من رواية الثقات" انتهى. فعلى هذا يكون إسناده حسناً، لكن قال جماعة من الأئمة: الصواب أنه عن علي بن حسين عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسل. كذا قال أحمد وابن معين والبخاري وغيرهم. وهكذا رواه مالك عن الزهري عن علي بن حسين. ورواه الترمذي أيضاً عن قتيبة عن مالك به. وقال: "وهذا عندنا أصح من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة". والله أعلم". 2882 - (33) [صحيح لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: تُوفّيَ رجلٌ، فقال رجلٌ آخر -ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسمع-: أبشرْ بالجنةِ، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أوَ لا تدري؟! فلعله تكلم فيما لا يعنيه، أو بخل بما لا يَنْقُصُه". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". (قال الحافظ): "رواته ثقات. 2883 - (34) [حسن لغيره] وروى ابن أبي الدنيا وأبو يعلى عن أنسٍ أيضاً قال: "استشهد رجلٌ منا يوم أُحُدٍ، فوجد على بطنه صخرة مربوطةٌ من الجوع، فمسحت أمُّه التراب عن وجهه وقال: هنيئاً لك يا بني الجنةَ! فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما يدريك؟! لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه، وبمنع ما لا يضرُّه". 2884 - (35) [صحيح لغيره] وروى أبو يعلى أيضاً والبيهقي عن أبي هريرة قال: قُتل رجل على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شهيداً، فبكت عليه باكيةٌ، فقالت واشهيداه! فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما يدريك أنه شهيد؟! لعله كانَ يتكلم فيما لا يَعْنيه، أو يبخل بما لا يَنقصه". الحديث: 2882 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 21 - (الترهيب من الحسد، وفضل سلامة الصدر). 2885 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إيَّاكمْ والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديثِ، ولا تحسسوا، ولا تَجَسَّسوا، ولا تَنافَسُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَروا، وكونوا عبادَ الله إخْواناً كما أمَركُمْ. المسْلِمُ أخو المسلِمِ، لا يظْلمُه، ولا يَخْذُلُه، ولا يَحْقِرُه، التقوى ههُنا، التقْوى ههُنا، التقْوى هَهُنا -ويشيرُ إلى صدْره-[ثلاث مرات]. بِحَسْبِ امْرئٍ مِنَ الشرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المسْلِمَ، كلُّ المسلمِ على المسلمِ حَرامٌ دَمُه وعِرْضُهُ ومالُه". رواه مالك والبخاري ومسلم -واللفظ له، وهو أتم الروايات (1) -، وأبو داود والترمذي. 2886 - (2) [حسن] وعنه؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يَجْتَمعُ في جوفِ عبدٍ غُبارٌ في سبيلِ الله وفَيْحُ جهنَّمَ، ولا يجتَمعُ في جوفِ عبدٍ الإيمانُ والحَسدُ". رواه ابن حبان في "صحيحه"، ومن طريقه البيهقي (2).   (1) هذا يوهم أنَّه كذلك في حديث واحد، وإنما هو ملفق متناً وسنداً من ثلاث روايات، فمن أوله إلى قوله: (إخواناً) في حديث مستقل من طريق "الموطأ"، وقوله: (كما أمركم) في رواية أخرى، وفيها (أمركم الله)، وقوله: (المسلم أخو المسلم. . .) إلى آخره في أثناء رواية ثالثة، وعند مسلم: (التقوى ههنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات). والأول لفظ البخاري. لكنْ أبدل (تنافسوا) بـ (تناجشوا)، وعند أبي داود (الظن، والتحسس، والتجسس) فقط، وعند الترمذي ذكر (الظن) فقط. ذكره الناجي (198/ 2). وانظر "الإرواء" (2516). (2) قلت: لقد أبعد النجعة، فقد أخرجه النسائي أيضاً في "الجهاد" (2/ 55). الحديث: 2885 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 2887 - (3) [حسن] وعن ضمرة بن ثعلبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما لَمْ يتَحاسَدُوا". رواه الطبراني، ورواته ثقات. 2888 - (4) [حسن لغيره] وعن [ابن] (1) الزبير رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "دبَّ إليكم داءُ الأمَمِ قبلَكُم: الحسَدُ والبَغْضاءُ، والبغْضَاءُ هي الحالِقَةُ، أما إنِّي لا أقولُ: تَحلِقُ الشعرَ، ولكنِ تحلق الدينَ". رواه البزار بإسناد جيد، والبيهقي، وغيرهما. [مضى هنا/ 5]. 2889 - (5) [صحيح] وعن عبدِ الله بن عَمْروٍ رضي الله عنهما قال: قيلَ: يا رسول الله! أيُّ الناسِ أفضَلُ؟ قال: "كلُّ مَخْمومِ القلْبِ، صدوق اللِّسانِ". قالوا: (صدوقُ اللِّسانِ) نَعرِفه، فما (مَخْمومُ القَلْبِ)؛ قال: "هو التقيُّ النقيُّ، لا إثْمَ فيه، ولا بَغْيَ، ولا غِلَّ، ولا حَسَد". رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، والبيهقي وغيره أطول منه. [يأتي هنا/ 24].   (1) سقطت من الأصل هنا، وثبتت فيما تقدم (22 - البر/ 5)، وهو الصواب المطابق لما في "كشف الأستار" (2002)، ولم يتنبه لذلك الحافظ الناجي حيث وقع في نسخته في الموضعين كما وقع هنا (194/ 1 و198/ 2). الحديث: 2887 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 22 - (الترغيب في التواضع، والترهيب من الكبر والعجب والافتخار). 2890 - (1) [صحيح لغيره] عن عياضِ بن حمارٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله أوْحَى إليَّ أنْ تَواضَعوا؛ حتّى لا يَفْخَر أحَدٌ على أحَدٍ، ولا يَبْغي أحَدٌ على أحَدٍ". رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه. 2891 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما نَقصت صدقَةٌ مِنْ مالٍ، وما زادَ الله عبْداً بِعَفْوٍ إلا عِزّاً، وما تَواضَع أحَدٌ لله إلا رفَعَهُ الله". رواه مسلم والترمذي. [مضى 8 - الصدقات/ 9]. 2892 - (3) [صحيح] وعن ثوبانَ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ ماتَ وهو بريءٌ مِنَ الكِبْرِ والغُلولِ والدَّيْنِ دخَلَ الجَنَّةَ". رواه الترمذي -واللفظ له-، والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". وقد ضبطه بعض الحفاظ (الكنز) بالنون والزاي، وليس بمشهور. وتقدم الكلام عليه في "الدِّين". [مضى 16 - البيوع/ 15]. 2893 - (4) [صحيح موقوف] وعن طارق قال: خَرجَ عمرُ رضي الله عنه إلى الشام، ومَعَنا أبو عُبَيْدَة، فأتَوا على مَخاضَةٍ، وعُمَرُ على ناقَةٍ لهُ، فنزَل وخَلعَ خفَّيْهِ فوضعهُما على عاتِقِهِ (1)،   (1) كذا الأصل تبعاً لأصله "مستدرك الحاكم" (1/ 61 - 62)، وقد استنكرت هذه الجملة "فوضعهما على عاتقه"، والظاهر أنها خطأ من بعض النساخ، والصواب ما في "شعب الإيمان" (6/ 291/ 8196): "فأمسكهما بيده"، ونحوه في "الحلية" (1/ 47). الحديث: 2890 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 وأخذ بزِمامِ ناقَتِه فخاضَ [بها المخَاضةَ] فقال أبو عُبَيْدَة: يا أميرَ المؤمنينَ! أأنْتَ تفعَل هذا؟ ما يَسُرُّني أنَّ أهْلَ البلَدِ اسْتَشْرَفوكَ! فقالَ: أَوَّهْ لو يَقلْ (1) ذا غيرُك أبا عُبيدَةَ جعَلْتُه نَكالاً لأمَّةِ مُحمَّد، إنَّا كنَّا أذلَّ قومٍ فأعَزَّنا الله بالإِسْلامِ، فمهْما نَطْلُبِ العِزَّ بغيرِ ما أعَزَّنا الله به أذَلَّنا الله. رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". 2894 - (5) [صحيح] وعن عمرَ بنِ الخطَّابِ رضي الله عنه -لا أعلَمُه إلا رفَعهُ- قال: "يقولُ الله تبارَك وتعالى: مَنْ تواضَع لي هكذا -وجعلَ يزيدُ باطِنَ كفِّهِ إلى الأرْضِ وأدْناها- رفَعْتُه هكذا -وجعَل باطِنَ كفِّه إلى السَّماءِ ورفَعَها نَحْوَ السَّماءِ-". رواه أحمد والبزار، ورواتهما محتج بهم في "الصحيح". 2895 - (6) [حسن لغيره] وعن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ آدَميٍّ إلا في رأْسِه حَكَمَةٌ بيد مَلَكٍ، فإذا تَواضَع قيلَ لِلْمَلَكِ: ارْفَعْ حَكَمَتَهُ، وإذا تكَبَّر قيلَ لِلْمَلِكِ: ضَعْ حَكَمَتهُ". رواه الطبراني. 2896 - (7) [حسن لغيره] والبزار بنحوه من حديث أبي هريرة، وإسنادهما حسن (2).   (1) الأصل (أواه ولو يقول)، والتصحيح من "المستدرك" (1/ 61 - 62). قال في "النهاية": " (أوْهِ) كلمة يقولها الرجل عند الشكاية والتوجع، وهي ساكنة الواو مكسورة الهاء، وربما قلبوا الواو ألفاً فَقالوا: (آهِ من كذا)، وربما شددوا الواو وكسروها وسكنوا الهاء وقالوا: (أوِّهْ)، وربما حذفوا الهاء وقالوا: (أوّ)، وَبعضهم يفتح الواو مع التشديد فيقول: (أوَّه) ". (2) كذا قال، وفيه نظر بينته في "الصحيحة" (538)، وبخاصة حديث البزار عن ابن عباس، ففي إسناده ضعيف، وفي متنه زيادة منكرة، ولذلك خرجته في "الضعيفة" (6259). الحديث: 2894 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 (الحَكَمَةُ) بفتح الحاء المهملة والكاف: هي ما تجعل في رأس الدابة كاللجام ونحوه. 2897 - (8) [صحيح لغيره] وعن جابرٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ مِنْ أحبَّكم إليَّ وأقرَبِكُم منِّي مجْلِساً يومَ القيامَةِ أحاسِنَكم أخْلاقاً، وإنَّ أبغَضكُم إليَّ وأبْعَدكُم منِّي مجْلِساً يومَ القِيامَةِ الثِّرثارونَ، والمتَشَدِّقونَ، والمتَفَيْهِقُونَ". قالوا: يا رسولَ الله! قد علِمْنا الثرثارونَ والمتشدِّقُونَ، فما المتَفَيْهِقونَ؟ قال: "المتَكَبِّرُونَ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". ورواه أحمد والطبراني، وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي ثعلبة وتقدم. [هنا/2]. (الثِّرْثَارُ) بثائين مثلثتين مفتوحتين وتكرير الراء: هو الكثير الكلام تكلفاً. و (المتَشَدِّقُ): هو المتكلم بملء شدقيه تفاصحاً وتعاظماً واستعلاءً على غيره، وهو معنى (المتَفَيْهِقِ) أيضاً. 2898 - (9) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "العِزُّ إزارُه، والكِبْرِياءُ رداؤه، فَمنْ يُنازِعُني [بشيء منهما] (1) عَذَّبْتُه". رواه مسلم.   (1) هذه الزيادة من "الأدب المفرد" للبخاري (145/ 552)، وكان الأصل: "يقول الله عز وجل: العز إزاري، والكبرياء ردائي" فصححته منه ومن مسلم (8/ 35 - 36)، والظاهر أنه من تصرف بعض النساخ ناظرين إلى رواية البرقاني، ومن هذا القبيل زيادة: "عن الله عز وجل"، كنت نقلتها من بعض نسخ "الأدب" في "الصحيحة" (541)، وهي في "مسند أحمد" من طريق آخر كما تراه هناك. الحديث: 2897 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 ورواه البُرقاني في "مستخرجه" من الطريق الذي أخرجه مسلم، ولفظه: "يقولُ الله عزَّ وجلَّ: العِزُّ إزاري، والكِبْرِياءُ رِدائي، فَمَنْ نازَعَني شيْئاً مِنْهُما عَذَّبْتُه". [صحيح لغيره] ورواه أبو داود وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة وحده: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال الله تعالى: الكِبْرياءُ رِدائي، والعَظَمَةُ إزاري، فَمن نَازَعني واحداً مِنْهُما قَذفْتُه في النارِ". 2899 - (10) [صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقولُ الله جلَّ وعَلا: الكِبْرِياءُ رِدائي، والعَظَمَةُ إزاري، فَمَنْ نازَعني واحداً مِنْهُما ألقَيْتُه في النارِ". رواه ابن ماجه -واللفظ له-، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلاهما من رواية عطاء بن السائب (1). 2900 - (11) [صحيح] وعن فَضالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثَةٌ لا تسأل (2) عنهم: رجلٌ نازَعَ الله رِداءَهُ، فإنَّ رداءَهُ الكِبْرُ، وإزارَهُ العِزُّ، ورجلٌ في شكٍّ مِنْ أَمْرِ الله، والقَنوطُ مِنْ رَحْمَتِهِ (3) ". رواه الطبراني -واللفظ له-، وابن حبان في "صحيحه" أطول منه (4).   (1) قلت: يشير إلى أنه كان اختلط، لكن قد رواه عنه سفيان الثوري، وهو ممن سمع منه قبل الاختلاط. أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما عنه، ومنه يتبين تقصير المؤلف في تخريجه. انظر "الصحيحة" (541). (2) الأصل: (يسأل الله)، والتصويب من "الطبراني" (18/ 307) وغيره. (3) أي: اليائس من رحمته تعالى، وهو الثالث. (4) وكذلك أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" وغيره. انظر "الصحيحة" (542). الحديث: 2899 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 2901 - (12) [صحيح] وعن حارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ألا أُخْبِرُكُمْ بأهْلِ النارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مستَكبرٍ". رواه البخاري ومسلم. (العُتُلّ) بضم العين والتاء وتشديد اللام: هو الغليظ الجافي. و (الجَوَّاظُ) بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة: هو الجَموع المنوع. وقيل: الضخم المختال في مشيته. وقيل: القصير البطين. 2902 - (13) [صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يدخلُ الجنَّةَ الجوَّاظُ، ولا الجَعْظَرِيُّ". قال: والجوَّاظُ: الغليظُ الفَظُّ. رواه أبو داود. 2903 - (14) [صحيح لغيره] وعن سُراقَةَ بن مالكٍ بن جُعْشَمٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يا سُراقَةُ! ألا أُخْبِرُكَ بأهْلِ الجنَّةِ وأهْلِ النارِ؟ ". قلتُ: بَلى يا رسولَ الله! قال: "أمَّا أهْلُ النارِ؛ فكُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مُستَكبرٍ، وأمَّا أهْلُ الجَنَّةِ؛ فالضُّعفَاء المغْلوبونَ". رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بإسناد حسن، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 2904 - (15) [صحيح لغيره] وعن حذيفة رضي الله عنه قال: كنَّا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جنازةٍ قال: الحديث: 2901 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 "ألا أخبركم بشَرِّ عبادِ اللهِ؟ الفظُّ المستكبرُ. ألا أخبرُكم بخيرِ عبادِ اللهِ؟ الضعيفُ المستضعفُ، ذو الطمرين (1)، لا يؤبه له، لو أقسمَ على اللهِ لأبرّه". رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح"؛ إلا محمد بن جابر. 2905 - (16) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قال: "احْتَجَّتِ الجَنَّةُ والنارُ، فقالَتِ النارُ: فيَّ الجبَّارونَ والمتَكَبِّرونَ. وقالَتِ الجنَّةُ: فيَّ ضُعَفاءُ المسْلمِينَ ومساكِينُهمْ. فقَضى الله بَيْنَهُما: إنَّكِ الجنَّةُ رَحْمَتي؛ أرْحَمُ بِكِ مَنْ أشَاءُ، وإنَّكِ النارُ عَذابي؛ أُعذِّبُ بِكِ مَنْ أَشاءُ، ولِكلَيْكُما عليَّ مِلْؤُها". رواه مسلم (2). 2906 - (17) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثَةٌ لا يكلِّمُهم الله يومَ القيامَةِ، ولا يزكِّيهمْ، ولا ينْظُر إليْهِمِ، ولهمْ عذابٌ أَليمٌ: شيخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ، وعائلٌ مسْتَكْبِرٌ". رواه مسلم والنسائي. [مضى 21 - الحدود/ 7]. (العائل) بالمد: هو الفقير. 2907 - (18) [حسن] وعنه قالَ: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أربَعةٌ يُبْغِضُهُم الله: البَيَّاعُ الحَلافُ، والفَقيرُ المخْتَالُ، والشيْخُ الزَّاني،   (1) تثنية (الطمر): وهو الثوب الخَلَق. (2) قلت: أخرجه في "الجنة"، إلا أنه لم يَسُقْ لفظه، وإنما أحال على لفظ حديث أبي هريرة قبله، وقد أخرجه بهذا اللفظ أحمد (3/ 79) عن أبي سعيد، وإسناده إسناد مسلم. الحديث: 2905 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 والإمامُ الجَائرُ". رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه". [مضى 20 - القضاء/ 2]. 2908 - (19) [صحيح] وعن سلمانَ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثَةٌ لا يدْخُلونَ الجَنَّةَ: الشيخُ الزَّاني، والإمامُ الكَذَّابُ، والعائلُ المزهوُّ". رواه البزار بإسناد جيد. (المَزْهُوّ): هو المعجب بنفسه المتكبر. [مضى 22 - الحدود/ 7]. 2909 - (20) [حسن] وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: الْتَّقى عبدُ الله بنُ عُمَر، وعبدُ الله بْنُ عَمْرو بنِ العاصي رضي الله عنْهُمْ على المَرْوَةِ، فتَحدَّثا، ثُمَّ مَضى عبدُ الله بْنُ عَمْروٍ، وبَقِيَ عبدُ الله بْنُ عُمَر يَبْكي، فقال له رجلٌ: ما يُبْكيكَ يا أبا عَبْدِ الرَّحْمنِ؟ قال: هذا -يعني عبدَ الله بْنَ عَمْروٍ- زعَم أنَّهُ سَمعَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "مَنْ كانَ في قَلْبِهِ مثقالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ؛ كَبَّهُ الله على وجْهِهِ في النارِ". رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح". [صحيح لغيره] وفي أخرى له أيضاً رواتها رواة "الصحيح": سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يدخلُ الجنةَ إنسانٌ في قَلْبِه مِثْقالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ". 2910 - (21) [حسن] وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه: أنَّه مَرَّ في السوقِ وعليه حُزْمَةٌ مِنْ حطَبٍ، فقيلَ لَهُ: ما يَحْمِلُكَ على هذا الحديث: 2908 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 وقد أغْناكَ الله عَنْ هذا؟ قال: أَرَدْتُ أَنْ أدْمَغَ الكِبْرَ، سمِعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "لا يدخلُ الجنَّةَ مَنْ في قلْبِهِ خَرْدَلَةٌ مِنْ كِبْرٍ". [حسن صحيح] رواه الطبراني بإسناد حسن، (1) والأصبهاني؛ إلا أَنَّهُ قال: "مثقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ". 2911 - (22) [حسن] وعن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده [عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (2) قال: "يُحْشَرُ المتَكَبِّرونَ يومَ القِيامَةِ أمْثَالَ الذَّرِّ في صُوَر الرجَالِ، يَغْشاهُمُ الذُّلُّ من كُلِّ مكانٍ، فيُساقُون إلى سِجْنٍ في جهنَّمَ يقالُ له: (بُولَسُ)، تَعْلوهُمْ نارُ الأَنْيارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصارَةِ أهْلِ النارِ: طينَةِ الخَبالِ". رواه النسائي والترمذي -واللفظ له-، وقال: "حديث حسن". (بُوْلَسُ) بضم الباء الموحدة وسكون الواو وفتح اللام بعدها سين مهملة. و (الخَبَالُ) بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة. 2912 - (23) [صحيح] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يدخلُ الجَنَّةَ مَنْ كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ". فقال رجلٌ: إنَّ الرجلَ يُحِبُّ أنْ يكونَ ثَوْبُه حَسناً، ونَعْلُه حَسَناً؟ قال:   (1) قلت: وكذا رواه عبد الله بن أحمد في "الزهد" (ص 182)، فهو بالعزو أولى، لا سيما ومن طريقه أخرجه الطبراني في رواية، وهو مخرج في "الصحيحة" (3257). (2) زيادة من الترمذي وغيره سقطت من الأصل. قال الناجي (199/ 2): "هذا أحد المواضع التي سقط فيها ذكر رفع الحديث من هذا الكتاب، وهي ثابتة في الأصول المنقول عنها، ولا أدري سبب ذلك". قلت: وهو مما غفل عنه المغفلون الثلاثة، فالحديث موقوف عندهم!! الحديث: 2911 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 "إن الله جَميلٌ يحِبُّ الجمَالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ الناسِ". رواه مسلم والترمذي. (بَطَرُ الحَقِّ) بفتح الباء الموحدة والطاء المهملة جميعاً: هو دفعه ورده. و (غَمْطُ الناسِ) بفتح الغين المعجمة وسكون الميم وبالطاء المهملة: هو احتقارهم وازدراؤهم، وكذلك (غمصهم) (1) بالصاد المهملة. [صحيح لغيره] وقد رواه الحاكم فقال: "ولكِنَّ الكِبْرَ مَنْ بَطَرَ الَحقِّ وَازْدَرى الناسَ". وقال: "احتجا برواته". (2) 2913 - (24) [صحيح] وعنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "بيْنَما رجلٌ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكم يَجُرُّ إزارَهُ مِنَ الخُيَلاءِ خُسِفَ بِهِ، فهو يتَجَلْجَلُ في الأرْضِ إلى يومِ القِيامَةِ". رواه البخاري والنسائي وغيرهما. (الخُيَلاءُ) بضم الخاء المعجمة وتكسر وبفتح الياء ممدوداً: هو الكبر والعجب. و (يتَجَلْجَلُ) بجيمين، أي: يغوص وينزل فيها. 2914 - (25) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بينا رجلٌ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكم خَرجَ في بُرْدَيْنِ أخْضَرَيْنِ يَخْتالُ فيهِما؛ أَمَر الله الأَرْضَ فأخَذَتْهُ، فهو يَتَجلْجَلُ فيها إلى يَوْمِ القِيامَةِ".   (1) قلت: وهو لفظ الترمذي: "وغمص الناس". فلو نبَّه عليه المؤلف لكان حسناً. (2) قلت: ووافقه الذهبي!! وهو من أوهامهما، فإن (يحيى بن جعدة) -راويه عن ابن مسعود- ليس من رجالهما كما في "كاشف الذهبي" وغيره، ثم هو لم يسمع من ابن مسعود كما قال ابن معين وأبو حاتم. الحديث: 2913 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 رواه أحمد والبزار بأسانيد، رواة أحدها محتج بهم في "الصحيح". (1) 2915 - (26) [صحيح لغيره] وعن جابر رضي الله عنه أحسبه رفعه: "إنَّ رجلاً كانَ في حُلَّةٍ. . .، فَتَبخْتَر واخْتَالَ فيها، فَخَسف الله بِه الأَرْضَ، فهو يَتَجلْجَلُ فيها إلى يومِ القِيامَةِ". رواه البزار، ورواته رواة "الصحيح". 2916 - (27) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "بينما رجلٌ يمشي في حُلَّةٍ تُعْجِبُه نَفْسُه، مُرَجَّلٌ رأْسَه يَخْتالُ في مِشْيَتِه، إذْ خسَف الله بِهِ، فهو يَتَجَلْجَلُ في الأرْضِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ". رواه البخاري ومسلم. (مرجَّل) أي: ممشط. 2917 - (28) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ جَرَّ ثوبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ الله إليهِ يوَمَ القِيامَةِ". فقال أبو بَكْرٍ رضي الله عنهُ: يا رسول الله! إنَّ إزاري يَسْتَرْخي، إلا أنْ أتَعاهَدَهُ؟ فقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُه خُيَلاءَ". رواه مالك والبخاري -واللفظ له، وهو أتم-، ومسلم والترمذي والنسائي. وتقدم في "اللباس" أحاديث منها هذا، [18/ 1].   (1) قلت: وهو للبزار (3/ 364/ 2951) من طريق أبي صالح عنه؛ وليس فيه "بردين أخضرين"، وإنما قال: "حلة"، والسياق لأحمد (3/ 40) وفيه عطية العوفي، وهو ضعيف يتقوى بما قبله دون (البردين الأخضرين). الحديث: 2915 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 2918 - (29) [صحيح] وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "مَنْ تَعظَّم في نَفْسِه أوِ اخْتَال في مِشْيَتِه؛ لَقِي الله تبارك وتعالى وهو عليه غَضْبانُ". رواه الطبراني في "الكبير" -واللفظ له، ورواته محتج بهم في "الصحيح"-، والحاكم بنحوه وقال: "صحيح على شرط مسلم" (1). 2919 - (30) [صحيح لغيره] وعن خوْلَةَ بنْتِ قيْسٍ رضي الله عَنْها؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا مشَتْ أُمَّتي المُطَيْطاءَ، وخَدمَتْهُمْ فارِسُ والرومُ، سُلِّطَ بعضُهُمْ على بعْضٍ". رواه ابن حبان في "صحيحه". 2920 - (31) [صحيح لغيره] ورواه الترمذي وابن حبان أيضاً من حديث ابن عمر. (المُطَيْطاءَ) بضم الميم وفتح الطاءين المهملتين بينهما ياء مثناة تحت ممدوداً ويقصر: هو التبختر ومد اليدين في المشي. 2921 - (32) [حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَوْ لَمْ تُذْنِبوا لخَشيتُ علَيْكُم ما هو أكَبَرُ منْهُ؛ العُجْبُ". رواه البزار بإسناد جيد. 2922 - (33) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لَينْتَهِيَنَّ أقْوامٌ يفْتَخِرونَ بآبائِهِمُ الَّذين مَاتوا، إنَّما هم فَحْمُ جَهَّنم، أو   (1) قلت: إنما هو على شرط البخاري، وفاته أنه رواه أحمد، والبخاري في "الأدب المفرد". انظر "الصحيحة" (543). الحديث: 2918 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 لَيكونُنَّ أهْونَ على الله مِنَ الجُعَلِ الذي يُدَهْدهُ الخُرْءَ بأنْفِهِ، إنَّ الله [قد] (1) أذْهَبَ عنكم عُبِّيَّةَ الجاهِليَّةِ وفَخْرَها بالآباءِ، إنَّما هو مؤمِنٌ تَقِيٌّ، وفاجِرٌ شَقِيٌّ، الناسُ [كلُّهُمْ] (2) بنو آدَمَ، وآدَمُ خُلِقَ مِنَ التُّرابِ". رواه أبو داود، والترمذي واللفظ له، وقال: "حديث حسن". وستأتي أحاديث من هذا النوع في "الترهيب من احتقار المسلم"، إن شاء الله. (الجُعَلُ) بضم الجيم وفتح العين المهملة: هو دويبة أرضية. (يُدَهْدِهُ) أي: يدحرج؛ وزنه ومعناه. و (العُبِّيَّةُ) بضم العين المهملة وكسرها وتشديد الباء الموحدة وكسرها وبعدها ياء مثناة تحت مشددة أيضاً: هي الكبر والفخر والنخوة.   (1) زيادتان من "الترمذي". (2) زيادتان من "الترمذي". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 23 - (الترهيب من قوله لفاسق أو مبتدع: يا سيدي، أو نحوها من الكلمات الدالة على التعظيم). 2923 - (1) [صحيح] عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تقولوا للْمنافِقِ: سَيِّداً، فإنَّه إنْ يَكُ سَيِّداً؛ فقدْ أسْخَطْتُم ربَّكم عزَّ وجَلَّ". [صحيح لغيره] رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح، والحاكم، ولفظه قال: "إذا قال الرجلُ للْمنافِقِ: يا سيِّد! فقدْ أغْضَبَ ربَّه". وقال: "صحيح الإسناد". كذا قال (1).   (1) يشير إلى أن في إسناد الحاكم ضعيفاً، وهو كذلك، ولكنه لا يضر، لأنه قد توبع عند الأوَّلين، انظر "الصحيحة" (371). الحديث: 2923 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 24 - (الترغيب في الصدق، والترهيب من الكذب). 2924 - (1) [صحيح] عن عبد الله بن كعب بن مالكٍ قال: سمعتُ كَعْبَ بنَ مالك يُحدِّثُ حديثَهُ حينَ تخلَّفَ عَنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزْوَةِ (تبوك)، قال كعبُ بْنُ مالك: لَمْ أتَخلَّفْ عنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غَزْوَةٍ غَزاها قَطُّ إلا في غَزْوَةِ (تَبوك)، غيرَ أنِّي قد تخلَّفتُ في غزْوَةِ (بَدْرٍ)، ولَمْ يُعاتِبْ أَحداً تَخلَّفَ عنْها، إنَّما خَرَج رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون يريدونَ عِيرَ قُريشٍ، حتَّى جمَعَ الله بيْنَهُمْ وبينَ عَدوِّهم على غير ميعاد، ولقدْ شَهِدْتُ معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلةَ العقَبةِ حين تَواثَقْنا على الإسْلامِ، وما أُحِبُّ أنَّ لي بها مَشهدَ (بَدْرٍ)، وإنْ كانَتْ (بَدْرُ) أَذْكَرُ في الناسِ مِنْها. وكانَ مِنْ خَبري حينَ، تخَلَّفْتُ عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في (1) غزوَةِ (تبوك) أنِّي لَم أَكُنْ قَطُّ أَقْوى ولا أيْسَرَ مِنِّي حينَ تَخلَّفْتُ عنه في تِلكَ الغَزْوةِ، والله ما جَمَعْتُ قبلها راحِلَتَيْنِ قَطُّ، حتى جمعتُهما في تلكَ الغَزْوَةِ، -ولَمْ يكُنْ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يريدُ غزوةً إلا وَرَّى (2) بِغَيْرِها حتَّى كانَتْ تِلْكَ الغزوة- (3) فغَزاها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حرٍّ شَديدٍ، واسْتَقْبَل سَفَراً بَعيداً ومَفازاً، واسْتقْبلَ عَدُوّاً كثيراً، فَجَلَى لِلْمُسْلِمينَ أمرَهُمْ؛ ليتَأهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهْم، وأخْبَرهُمْ بَوجْهِهِمُ الَّذي يُريدُ، والمسلمونَ مَع رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثيرٌ، ولا يَجْمَعُهم كتابٌ حافِظٌ   (1) الأصل: (من)، والتصحيح من "مسلم - التوبة" وقد صححت منه أحرفاً أخرى وقعت في الأصل خطأ، لا ضرورة للتنبيه عليها. (2) أي: أوهم غيرها كما يأتي من المؤلف في شرح غريبه. (3) ما بين المعترضتين لم يرد في رواية مسلم هذه، ولذلك لم يذكرها المؤلف فيها في "مختصر مسلم" (1918)، وإنما هي في رواية أخرى لمسلم، لكن اللفظ للبخاري في "المغازي". الحديث: 2924 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 -يريد بذلك الديوانَ-، قال كعبٌ: فَقَلَّ رجل يريدُ أنْ يَتَغَيَّبَ إلا ظَنَّ (1) أنَّ ذلك سَيَخْفَى [له] ما لَمْ يَنْزِلْ فيهِ وَحْيٌ مِنَ الله عزَّ وجَلَّ. وغَزا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلكَ الغزوةَ حينَ طابَتِ الثمارُ والظلالُ، فأنا إليْها أَصْعَرُ (2)، فتَجهَّزَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون مَعَهُ، وطَفِقْتُ أَغدو لِكَيْ أتَجَهَّزَ مَعهُمْ، فأرْجعُ ولَمْ أَقْضِ مِنْ جهازِي شَيْئاً، وأَقُولُ في نفسي: أنا قادِرٌ على ذلك إذا أرَدْتُ، فلَمْ يَزَلْ ذلك يتَمادى بِي حتَّى اسْتَمَرَّ بالناسِ الجِدُّ، فأصْبَح رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غادِياً والمسلمونَ معَهُ ولَمْ أقْضِ مِنْ جَهازي شيْئاً، ثُمَّ غدوْتُ فرجَعْتُ ولَمْ أقْضِ شَيْئاً، فَلَمْ يَزَلْ ذلك يَتَمادى بي حتَّى أسْرعوا وتَفَارَطَ (3) الغَزْوُ، فَهَمَمْتُ أنْ أرْتَحِلَ فأدْرِكَهم، -فيا لَيْتَني فعلْتُ- ثُمَّ لَمْ يُقدَّرْ لي ذلك. وطفِقْتُ إذا خَرجْتُ في الناسِ بعدَ خُروجِ رَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْزُنُني أَنِّي لا أرى لي أُسْوَةً إلا رَجُلاً مَغْموصاً (4) عليه في النِّفاقِ، أو رَجُلاً مِمَّنْ عَذر الله مِنَ الضُعفَاءِ، ولَمْ يَذْكُرْني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بلَغَ (تبوكَ)، فقالَ وهو جالِسٌ في القْوِم بـ (تبوك): "ما فَعَلَ كَعْبُ بنُ مالكٍ؟ "، فقالَ رجلٌ مِنْ بَني سَلِمَةَ: يا رَسولَ الله! حبَسهُ بُرْداهُ، والنَّظرُ في عِطْفَيْهِ. فقال له معاذُ بْنُ جَبلٍ: بئْسَ ما قُلْتَ، والله يا رسولَ الله! ما علِمْنا عليهِ إلا خَيْراً. فسكَتَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فبيَنْا هو على ذلك رأى رجُلاً مُبَيِّضاً يزولُ   (1) لفظ مسلم: (يظن). (2) أي: أميل كما يأتي في الكتاب. (3) أي: فات، وكان الأصل: (وتفاوت)، والتصحيح من "الصحيحين". (4) بالغين المعجمة والصاد المهملة: أي: مطعوناً عليه في دينه متهماً بالنفاق كما في "الفتح" وغيره. ووقع في الأصل (مغموضاً) بالضاد المعجمة وبذلك قيده المؤلف كما يأتي، وهو من أوهامه رحمه الله، وتبعه عليه وعلى غيره مما يأتي التنبيه عليه المعلقون الثلاثة!! الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 به السَّرابُ، فقال رسولُ اللهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كُنْ أبا خَيْثَمَة". فإذا هو أبو خَيْثَمِةَ الأنْصارِيّ، وهو الذي تَصدَّقَ بصاعِ التمْرِ حينَ لَمَزَه المُنافِقونَ. قال كعبٌ: فلمَّا بلَغني أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد تَوجَّه قافِلاً مِنْ (تبوك) حَضَرني بَثِّي، فطَفِقْتُ أتَذكر الكَذِبَ، وأقولُ: بِمَ أَخْرُج مِنْ سخَطِه غَداً؟ وأسْتَعينُ على ذلك بِكُلِّ ذي رأيٍ مِنْ أَهْلي، فلمَّا قيل: إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أظلَّ (1) قادِماً، زاحَ عنِّي الباطِلُ، حتَّى عَرَفْتُ أنِّي لَنْ أنْجُوَ منهُ بِشَيْءٍ أَبداً، فأجْمَعْتُ صِدْقَهُ. وأصَبح رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قادِماً، وكانَ إذا قدِمَ مِنْ سَفَرٍ بدأ بالمسْجِدِ فركَع فيه ركْعَتين، ثُمَّ جلَس لِلناسِ، فلمَّا فَعلَ ذلك جاءَه المخلَّفون، فَطفِقوا يَعْتَذِرونَ إليه وَيحْلِفونَ له، وكانوا بِضْعَةً وثَمانينَ رجُلاً، فَقبِلَ مِنْهُمْ علانِيَتَهُمْ، وبايَعَهُمْ واسْتَغْفَر لَهُمْ، ووَكَلَ سَرائِرَهُمْ إلى الله، حتَّى جِئْتُ، فلمَّا سَلَّمْتُ تَبَسَّمَ تَبسُّمَ المُغْضَبِ ثُمَّ قال: "تعالَ". فجئْتُ أمْشي حتى جَلَسْتُ بيْنَ يديْهِ، فقال لي: "ما خَلَفكَ؟ ألَمْ تَكُنْ قد ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ ". قلتُ: يا رسول الله! إنِّي والله لو جلَسْتُ عندَ غيرِكَ مِنْ أهْل الدنيا لرأَيْتُ أنِّي سَأخْرُج مِنْ سخَطِهِ بِعُذْرٍ، ولقدْ أُعطِيْتُ جَدلاً، ولكنِّي والله لقدْ علِمْتُ لَئْن حدَّثْتُكَ اليومَ حَديثَ كذبٍ ترضَى به عنِّي؛ ليوشِكنَّ اللهُ أن يُسْخِطكَ عليَّ، ولَئِنْ حدَّثتْكُ حديثَ صدق تَجِدُ عليَّ فيه؛ إنّي لأَرْجو فيه عُقْبى الله عزَّ وجلَّ -في رواية: عفو الله- والله ما كانَ لي مِنْ عُذْرٍ، ما كنْتُ قَطُّ أَقْوى   (1) أي: دنا قدومه، كأنه ألقي على ظله. و (زاخ) بالزاي، أي: زال. ووقع في الأصل بالراء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 ولا أَيْسَر مِنِّي حين تَخلَّففْتُ عنكَ. قال: فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أمَّا هذا فَقدْ صدَقَ، فَقُمْ حتى يَقْضِيَ الله فيكَ". فقُمْتُ، وثارَ رِجالٌ مِنْ بني سَلِمَةَ فاتَّبعوني فقالوا: والله ما علمْناكَ أذْنَبْتَ ذَنْباً قبلَ هذا، لقدْ عَجَزْتَ في أنْ لا تكونَ اعتذرْتَ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِما اعْتَذَر [به] إليْهِ المُخلَّفونَ! فقدْ كان كافيكَ ذَنْبَكَ استغفارُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَ، قال: فوالله ما زالوا يُؤَنِّبونَني حتَّى أرَدْتُ أنْ أرْجعَ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأُكَذِّب نفسي. قال: ثمَّ قلتُ لهمْ: هَلْ لَقِيَ هذا مَعي أحَدٌ؟ قالوا: نَعَمْ، لَقِيَهُ معكَ رَجلانِ قالا مثلَ ما قُلْتَ، فقيلَ لَهُما مثلَ ما قيلَ لكَ. قال: قلتُ مَنْ هُما؟ قالوا: مُرارَةُ بْنُ رَبيعَةَ العامِريّ (1) وهِلالُ بْنُ أُميَّةَ الواقِفيّ. قال: فذكروا لي رَجُلَيْنِ صالِحينِ قد شَهِدا (بَدْراً) فيهما أُسْوَةٌ. قال: فَمضَيْتُ حينَ ذَكروهُما لي. قال: ونَهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسلمينَ عَنْ كلامِنا أيُّها الثَلاثةُ مِنْ بينِ مَنْ تَخلَّفَ عنه. قال: فاجْتَنَبَنَا الناسُ، وقال: تَغَيَّروا لنا حتّى تَنَكَّرَتْ لي في نفسي الأرْضُ، فما هِيَ بالأرضِ التي أعْرِفُ. فلَبثْنا على ذلك خَمْسينَ لَيلَةً، فأمَّا صاحِبايَ فاسْتكانا وقَعَدا في بُيوتِهِما يَبْكِيانِ، وأمَّا أنا فكُنْتُ أَشَبَّ القومِ وأجلدَهُم، فكنتُ أَخْرجُ فأشْهَدُ الصلاةَ وأطوفُ في الأسْواقِ، ولا يُكَلِّمُني أحَدٌ، وآتي رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في مَجْلسِه بعدَ الصلاةِ فأُسَلِّمُ (2)، فأقولُ في نَفْسي: هلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السلام أمْ لا؟ ثُمَّ أُصلِّي قريباً منه وأسارِقُهُ النظَر، فإذا أقْبَلْتُ على صلاتي نَظَر إليَّ، فإذا التفَتُّ نحوَهُ أعْرضَ عنِّي، حتَّى إذا   (1) كذا وقع في "مسلم"، وهو خطأ، والصواب ما في رواية البخاري: ". . . بن الربيع العَمري" انظر "فتح الباري" -غزوة تبوك، و"العجالة" (200/ 1)، وهو مما غفل عنه مدعو التحقيق! (2) في مسلم: (فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 طالَ عليَّ ذلك مِنْ جَفْوَة المسلمين مَشَيْتُ حتى تَسوَّرْتُ جِدارَ حائطِ أبي قَتادةَ، وهو ابْنُ عمِّي، وَأحَبُّ الناسِ إليَّ، فسلَّمْتُ عليه، فَوالله مال رَدَّ عليَّ السلام، فقلتُ له: يا أبا قتادة! أَنْشُدُكَ بالله! هل تَعْلِّمُني أنِّي أُحِبُّ الله ورسولَه؟ قال: فَسكتَ. فعُدْتُ فناشَدْتُه، فسكَتَ، فعُدْتُ فناشَدْتُه، فقال: الله ورسولُه أَعْلَمُ. فَفاضتْ عينايَ، وتَولَّيْتُ حتَّى تَسوَّرْتُ الجِدارَ. فبينا أنا أمْشي في سوقِ المَدينَة إذا نَبَطِيٌّ مِنْ أنْباطِ أهْلِ الشامِ، مِمَّنْ قَدِمَ بطعام يبيعُه بالمدينَة يقولُ: مَنْ يَدُلُّ على كعْبِ بْنِ مالكٍ؟ قال: فطَفَقَ الناسُ يُشيرونَ لَهُ إليَّ حتَّى جاءَني فدَفَع إليَّ كتاباً مِنْ مَلِك غَسَّانَ، وكنْتُ كاتِباً فقَرأْتُه، فإذا فيه: أمَّا بَعْدُ فإنَّهُ قد بلَغَنا أن صاحِبَكَ قد جَفاك، ولَمْ يَجْعَلْكَ الله بدارِ هَوانٍ ولا مَضْيَعةٍ، فالْحَقْ بِنا نواسِكَ، قال: فَقُلْتُ حين قَرْأتُها: وهذه أيْضاً مِنَ البَلاءِ، فَتَيمَّمْتُ (1) بها التَنُّورَ فَسَجرْتُها [بها]، حتَّى إذا مَضَتْ أرْبَعونَ مِنَ الخَمْسينَ، واسْتَلْبَثَ الوَحْيُ إذا [رسولُ] رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتيني، فقالَ: إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَاْمُرك أَنْ تَعْتَزِلَ امْرأَتَك. قال: فقلتُ: أُطَلِّقُها أمْ ماذا أفْعَل؟ قال: لا، بَلِ اعْتَزِلْها فلا تَقْرَبَنَّها، وأرْسَل إلى صاحِبيَّ بِمْثلِ ذلك. قال: فقلتُ لامْرَأتي: الْحَقي بأَهْلِكِ فكوني عندَهُمْ حتى يَقْضِيَ الله في هذا الأَمْرِ. قال: فجاءَتِ امْرأَةُ هِلالِ بْنِ أمَيَّةَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَتْ: يا رسولَ الله! إنَّ هلالَ بْنَ أُمَيَّةَ شيخٌ ضَائعٌ؛ ليسَ له خادِمٌ، فهل تَكْرَهُ أنْ أخْدِمَهُ؟ قال: "لا، ولكِنْ لا يَقْرَبَنَّكِ".   (1) هذا لفظ البخاري. وأما مسلم -والسياق له- فلفظه: (فتياممتُ)، قال الناجي (200/ 1): "وهو في جميع نسخ "مسلم" في بلادنا، وهي لغة في (تيممت) التي هي لفظ البخاري والموجود في نسخ "الترغيب"، وليس بجيد منه". قلت: ويؤيده أنه وقع على الصواب في "مختصر مسلم" للمؤلف (رقم - 1918 - بتحقيقي). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 قالتْ: إنَّه والله ما بِه حَركَةٌ إليَّ، ووالله ما زالَ يَبْكي مُنْذُ كانَ مِنْ أمْرِه ما كانَ إلى يَوْمِه هذا. قال: فقال لي بعضُ أهْلي: لوِ اسْتَأْذَنْتَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[في امرأتك] فقد أَذِنَ لامْرَأةِ هلالِ بْنِ أُمَيَّةَ أنْ تَخْدِمَهُ. قال: فقلتُ: لا أسْتَأْذِن فيها رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما يُدْريني ما [ذا] يقولُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا اسْتَأْذَنْتُه فيها وأنا رجلٌ شاب؟ قال: فلَبِثْتُ بذلك عَشْرَ لَيالٍ، فكَمُلَ لَنا خمسونَ لَيلة مِنْ حِينِ نَهى عنْ كلامِنَا. قال: ثمَّ صَلَّيْتُ صلاةَ الفَجْرِ صباحَ خَمْسينَ لَيلة على ظهْرِ بَيْتٍ مِنْ بيُوتِنا، فبينَا أنا جالِسٌ على الحالِ التي ذَكَرَ الله عزَّ وجلَّ مِنَّا، قد ضَاقَتْ عَليَّ نَفْسي وضاقَتْ عليَّ الأرْضُ بما رَحُبَتْ، سمعتُ صوتَ صارِخ أوْفَى على (سَلْع) يقولُ بأعْلى صوتِه: يا كَعْبَ بْنَ مالكٍ! أبْشِرْ. قال: فَخَررْتُ ساجِداً وعَرَفتُ أَنْ قد جاءَ فَرجٌ. قال: فآذَنَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الناسَ بتوبةِ الله علينا حينَ صلَّى صلاةَ الفَجْرِ، فذهَبَ الناسُ يُبَشِّرونَنا، فذَهب قِبَلَ صاحِبَيَّ مُبَشِّرونَ، ورَكض رجلٌ إليَّ فَرساً، وسَعى ساعٍ مِنْ أسْلمَ قِبَلي، وأَوْفَى على الجبَلَ، فكانَ الصوتُ أَسْرعَ مِنَ الفَرسِ، فلمَّا جاءَني الذي سمعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُني، نَزَعْتُ له ثَوْبَيَّ فكَسَوْتُهما إيَّاه بِبَشَارَتِه، والله ما أمْلكُ غيرَهُما يومَئذٍ، واسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْن فَلَبسْتُهما. وانْطَلقْتُ أتأمَّم رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَتلقَّاني الناسُ فَوْجاً فَوْجاً يُهنِّئوني بالتوبَةِ، وَيقولُونَ: لتَهنِئك توبةُ الله عليك. حتَّى دخلنا المسجدَ، فإذا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حولَه الناسُ، فقامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْد [الله] يُهَرْوِلُ حَتّى صافَحَني وهَنَّأَنِي، والله ما قامَ إليَّ رجلٌ مِنَ المهاجِرينَ غيرُه، قال: فكان كَعْبٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 لا يَنْساها لِطَلْحَةَ، قال كَعْبٌ: فلمَّا سَلَّمْتُ على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: وهو يبرُقُ وَجهُهُ مِنَ السرورِ: "أبْشِرْ بخيرِ يَوْمٍ مَرَّ عليكَ منْذُ وَلَدتْكَ أُمُّكَ". قال: فقُلْتُ: أمِنْ عِنْدِكَ يا رسولَ الله! أمْ مِنْ عِنْدِ الله؟ قال: "بَلْ مِنْ عندِ الله". وكانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا سُرَّ اسْتَنارَ وَجْهُهُ، حتى كأنَّ وجههُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، قال: وكنَّا نَعْرِف ذلك مِنْهُ. قال: فلمَّا جَلستُ بينَ يَديْهِ؛ قلتُ: يا رسولَ الله! إنَّ مِنْ توبَتي أنْ أَنْخَلعَ مِنْ مالي صَدَقةً إلى الله وإلى رسولهِ. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أمْسِكْ عليكَ بَعْض مالِكَ، فهوَ خَيْرٌ لكَ". قال: فقلْتُ: فإنِّي أمسِكُ سَهْميَ الذي بخَيْبَر. قال: وقلتُ: يا رسولَ الله! إنَّما أنْجاني الله بالصدْقِ، وإنَّ مِنْ تَوْبَتي أنْ لا أُحدِّثَ إلا صِدْقاً ما بَقيتُ. قال: فَوَالله ما علمْتُ [أن] أحداً [من السلمين] أبْلاهُ الله في صِدْقِ الحَديثِ مُنْذ ذكرتُ ذلك لِرَسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[إلى يومي هذا] أحْسَنَ ممَّا أبْلاني الله [به]، والله ما تَعمَّدْتُ كَذبةً منذ قلتُ ذلك لرَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومي هذا، وإنِّي لأَرْجو أنْ يَحْفَظني اللَّه فيما بَقِيَ. قال: فَأنْزلَ الله عزَّ وجلَّ: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}، حتى بلَغَ {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ}، حتى بلَغَ {[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}. قال كعبْ: والله ما أنْعَم الله على مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بعدَ إذْ هَداني الله للإِسْلامِ أَعْظَمَ في نفْسي مِنْ صدْقي لِرَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ لا أكونَ كَذَبْتُهُ فأهْلِكَ كما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 هَلَك الذين كَذبوا، إنَّ الله قال لِلَّذين كَذَّبوا حينَ أَنْزلَ الوحَي شَرَّ ما قالَ لأَحدٍ، فقال: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}. قال كَعْبٌ: كنَّا خُلِّفْنا أيُّها الثَلاثَةُ عَنْ أمْرِ أولئكَ الذين قَبِلَ منهمْ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينَ حَلَفوا له، فبايَعَهُمْ واسْتَغْفَر لَهُمْ، وأَرْجأَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرَنا حتَّى قَضَى الله تعالى فيه، فبذلك (1) قال الله عزَّ وجَلَّ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وليسَ الذي ذكَره مما خُلِّفَنا تَخَلُّفُنا عَنِ الغَزْوِ، وإنَّما هو تَخْليفُه إيَّانا، وإرْجَاؤه أَمْرَنا عَمَّنْ حَلَف له واعْتَذَرَ إليه، فقَبِلَ مِنْهُ". رواه البخاري، ومسلم، واللفظ له. ورواه أبو داود والنسائي بنحوه مفرقاً مختصراً. وروى الترمذي قطعة من أوله ثم قال: "وذكر الحديث". قوله: (وَرَّى) عن الشيء: إذا ذكره بلفظ يدل عليه أو على بعضه دلالة خفية عند السامع. (المَفَازُ) والمفازة هي: الفلاة لا ماء بها. (يَتَمادَى بي) أي: يتطاول ويتأخر. وقوله: (تَفَارَطَ الغزو) أي: فات على من أراده وَبَعُدَ عليه إدراكه. (المَغْمُوْضُ) بالغين والضاد المعجمتين (2): هو المعيب المشار إليه بالعيب.   (1) الأصل: (بذلك)، والتصويب من "الصحيحين"، وهو مما غفل عنه المدعون التحقيق! كالذي بعده!! (2) قوله في الصاد أنها معجمة خطأ كما تقدم، قال الناجي: "وإنما هو بالصاد المهملة بلا خلاف بين أهل اللغة والغريب". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 (ويزولُ به السَّرابُ) أي: يظهر شخصه خيالاً فيه. (أوْفَى على سَلْعٍ) أي: طلع عليه. و (سلع): جبل معروف في أرض المدينة. (أُيَمِّمُ) أي: أقصد. (أرجأ أمرنا): أخره، والإرجاء: التأخير. وقوله: (فأنا إليه أَصْعَر) بفتح الهمزة والعين المهملة جميعاً، وسكون الصاد المهملة: أي أميل إلى البقاء فيها واشتهي ذلك؛ و (الصعر): الميل، وقال الجوهري: في الخد خاصة. 2925 - (2) [صحيح لغيره] وعن عبادةَ بنِ الصامتِ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اضْمَنوا لي سِتّاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ؛ أَضْمَنْ لَكُمُ الجَنَّةَ: اصْدُقوا إذا حَدَّثْتُم، وأوْفوا إذا وَعَدْتُم، وأدُّوا إذا ائْتُمِنْتُم، واحْفَظوا فروجَكُمْ، وغُضُّوا أبصارَكُمْ، وكُفُّوا أيدِيَكُمْ". رواه أحمد وابن أبي الدنيا، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم والبيهقي؛ كلهم من رواية المطلب بن عبد الله بن حنطب عنه. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". (قال الحافظ): "المطلب لم يسمع من عبادة". [مضى 17 - النكاح/ 1]. 2926 - (3) [صحيح لغيره] وعن أنسِ بْنِ مالكٍ رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تَقَبَّلوا لي سِتّاً أَتَقبَّل لكُمْ بِالجَنَّةِ: إذا حَدَّثَ أحدُكم فلا يَكْذِبْ، وإذا وَعَد فلا يُخْلِفْ، وإذا ائْتُمِنَ فَلا يَخُنْ، غُضُّوا أبْصارَكُم، وكُفُّوا أْيدِيَكُمْ، واحْفَظُوا فُروجَكُمْ". رواه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو يعلى والحاكم والبيهقي، ورواتهم ثقات؛ إلا سعد بن سنان. الحديث: 2925 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 2927 - (4) [حسن لغيره] وعن أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أنا زعيمٌ ببَيْتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرك الكَذِبَ وإنْ كان مازِحاً". رواه البيهقي بإسناد حسن. (1) ورواه أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن ماجه في حديث تقدم في "حسن الخلق". [مضى 23 - الأدب/ 2]. 2928 - (5) [حسن لغيره] عن عبد الرحمن بن الحارث عن (2) أبي قُرادٍ السلَميِّ رضي الله عنه قال: كنَّا عندَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدَعا بِطَهورٍ، فَغَمس يَدَه فَتَوضَّأَ، فتتبَّعناهُ فَحَسوْنَاهُ، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما حَمَلكُمْ على ما فَعَلْتُمْ؟ ". قلنا: حُبُّ الله ورسولِه. قال: "فإنْ أَحْبَبْتُمْ أنْ يُحِبُّكُمُ الله ورسولُه؛ فأَدُّوا إذا ائْتُمِنْتُم، واصْدُقوا إذا حَدَّثْتُم، وأحْسِنوا جِوارَ مَنْ جاوَرَكُمْ". رواه الطبراني (3). 2929 - (6) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمر [و] رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أربَعٌ إذا كُنَّ فيكَ فلا عليكَ ما فاتَكَ مِنَ الدنيا: حِفْظُ أمانَةٍ، وصِدقُ   (1) قلت: لا أدري ما وجه تقديم البيهقي على الآخرين، وهم أعلى طبقة منه، لا سيما وهو قد رواه (6/ 242/ 8017) بسنده عن أبي داود، وهذا في "سننه" (4800). (2) الأصل: (بن)، والتصحيح من "المعجم الأوسط"، وكذا في كنى "الإصابة" من رواية ابن أبي عاصم وابن السكن. وفي رواية غيرهم عن عبد الرحمن بن أبي قراد. انظر "الصحيحة" (2998). (3) أي في "الأوسط" كما تقدم، وكذا في "المجمع" (4/ 145). الحديث: 2927 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 حديثٍ، وحُسْنُ خَليقَةٍ، وعِفَّةٌ في طُعْمَةٍ". رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي بأسانيد حسنة. [مضى 16 - البيوع/ 5]. 2930 - (7) [صحيح] وعن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما قال: حَفِظْتُ مِنْ رَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دَعْ ما يُرِيبُكَ إلى ما لا يُريبُكَ، فإنَّ الصدْقَ طُمأْنِينَةٌ، والكَذِبَ رِيبَةٌ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، [مضى 16 - البيوع/ 6]. 2931 - (8) [صحيح] وعنْ عبدِ الله بْنِ عَمْروٍ بْنِ العَاصِ رضيَ الله عنهما قال: قلنا: يا نَبِيَّ الله! مَنْ خَيرُ الناسِ؟ قال: "ذو القَلبِ المَخْمُوم، واللِّسانِ الصَادقِ". قال: قلنا: يا نبيَّ الله! قد عرفنا اللِّسانَ الصادِقَ، فما القلبُ المَخْموم؟ قال: " [هو] التقيُّ النقيُّ؛ الذي لا إِثْمَ فيه، ولا بَغْيَ ولا حَسَدَ". قال: قلنا: يا رسول الله! فَمَنْ على أَثَرِهِ؟ قال: "الذي يَشْنَأُ الدنيا، ويُحِبُّ الآخِرَةَ". قلنا: ما نَعْرِفُ هذا فينا إلا رافع مَوْلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَنْ على أَثَرِهِ؟ قال: "مؤمِنٌ في خُلُقٍ حَسَنٍ". قلنا: أمَّا هذه فإنها فينا. (1) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وتقدم لفظه [هنا/ 21]، والبيهقي وهذا لفظه، وهو أتم.   (1) الأصل: (ففينا)، والتصحيح من "شعب الإيمان" (5/ 264)، ومنه الزيادة. الحديث: 2930 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 2932 - (9) [صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عليكُم بالصدْقِ؛ فإنَّ الصدْق يَهْدي إلى البرِّ، والبِرّ يَهْدي إلى الجنَّةِ، وما يَزالُ الرجلُ يَصْدُقُ، وَيتَحرَّى الصِدْقَ حتى يُكْتَبَ عندَ الله صِدِّيقاً، وإيَّاكُمْ والكَذِب! فإنَّ الكَذِبَ يَهدِي إلى الفُجورِ، وإنَّ الفُجورَ يَهْدِي إلى النارِ، وما يزالُ العَبْد يَكْذِبُ ويتَحرَّى الكَذِبَ، حتى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كذَّاباً". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي، وصححه واللفظ له. 2933 - (10) [صحيح] وعن أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عليكُمْ بالصدْقِ؛ فإنَّه مَع البِرِّ، وهُما في الجنَّةِ، وإيَّاكمْ والكَذِبَ؛ فإنَّه مَعَ الفجورِ، وهُما في النارِ". رواه ابن حبان في "صحيحه". 2934 - (11) [صحيح لغيره] وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عليكم بالصدقِ فإنه يهدي إلى البِرِّ، وهما في الجنةِ، وإيَّاكم والكَذِبَ فإنه يهدي إلى الفُجورِ، وهما في النار". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن. 2935 - (12) [صحيح] وعن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه قال: قال النبيِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رأيتُ الليلةَ رجُلَيْن أتَياني قالا لي (1): الذي رأيْتَه يُشَقُّ شِدْقُهُ فكذَّابٌ، يكذِبُ بالِكذْبَةِ تُحمَلُ عنهُ حتى تَبْلُغَ الآفاقَ، فيُصْنَعُ به هكَذا إلى يومِ القِيامَةِ".   (1) لفظة (لي) ليست في البخاري. قاله الناجي (200/ 1). قلت: وكذلك ليس عنده لفظة (هكذا)، وكذا (الليلة)، وإنما هذه في الحديث المطول المتقدم. الحديث: 2932 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 رواه البخاري هكذا مختصراً في "الأدب" من "صحيحه". وتقدم بطوله في "ترك الصلاة" [5 - الصلاة/ 40]. 2936 - (13) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "آيَةُ المنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حدَّث كَذَبَ، وإذا وَعَد أخْلَف، وإذا ائتُمنَ خان (1) ". رواه البخاري ومسلم. وزاد مسلم في رواية له: "وإنْ صامَ وصلَّى وزَعَم أنَّهُ مُسلِمٌ". 2937 - (14) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما؛ أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أربعٌ مَنْ كُنَّ فيه كان مُنافِقاً خالِصاً، ومَنْ كان فيه خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِفاقِ حتَّى يَدَعها: إذا ائْتُمِنَ خانَ، وإذا حدَّث كَذبَ، وإذا عاهدَ غَدر، وإذا خَاصم فَجَر". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 2938 - (15) [حسن لغيره] وعن أنسِ بْنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه فهو مُنافِقٌ، وإنْ صامَ وصَلَّى، وحَجَّ واعْتَمَر، وقال: إنِّي مسْلمٌ: إذا حدَّثَ كذَبَ، وإذا وَعَد أخْلفَ، وإذا ائْتُمِنَ خَانَ". رواه أبو يعلى من رواية يزيد الرقاشي، وقد وثق، ولا بأس به في المتابعات.   (1) الأصل: "وإذا عاهد غدر"! قال الناجي: "هذا تحريف قبيح، ليس في هذا الحديث بلا نزاع: "وإذا عاهد غدر"، إنما بدله: "وإذا ائتمن خان"، وأما اللفظ المذكور فإنما هو في حديث ابن عمرو الذي بعده". قلت: وسيأتي قريباً على الصواب هنا في (30 - إنجاز الوعد). الحديث: 2936 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 2939 - (16) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يُؤْمِنُ العَبْدُ الإِيْمانَ كُلِّهُ حتَّى يَتْرُكَ الكَذبَ في المُزاحَةِ، والمِراءَ وإنْ كانَ صادِقاً". رواه أحمد والطبراني. 2940 - (17) [صحيح لغيره] ورواه أبو يعلى من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يبلُغُ العبدُ صريحَ الإيمانِ حتَّى يدَعَ المُزاحَ والكَذِبَ، ويَدعَ المِراءَ وإنْ كانَ مُحقّاً". وفي أسانيدهم من لا يحضرني حاله، ولمتنه شواهد كثيرة. 2941 - (18) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كانَ مِنْ خُلُقٍ أبْغَضَ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الكَذِبِ، ما اطَّلَعَ على أحَدٍ مِنْ ذلك بِشَيْءٍ فيَخْرُجَ مِنْ قَلْبِهِ، حتَّى يَعْلَمَ أنَّه قَدْ أَحْدَثَ تَوْبَةً. رواه أحمد والبزار واللفظ له. [صحيح] وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قالت: ما كانَ مِنْ خُلُقٍ أبغَضَ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الكَذِب، ولقد كانَ الرجلُ يكذِبُ عندَه الكِذْبَةَ، فما يزَالُ في نَفْسِه، حتَّى يَعْلَمَ أنَّهُ قد أحْدَثَ فيها تَوْبةً. [صحيح لغيره] ورواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، ولفظه: قالتْ: "ما كانَ شيءٌ أبْغَضَ إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الكَذِبِ، وما جَرَّبَهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أحدٍ وإنْ قَلَّ فيَخْرُج لَهُ مِنْ نَفْسِه، حتى يُجَدِّدَ لَهُ تَوْبَةً". الحديث: 2939 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 2942 - (19) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "مَنْ قالَ لِصَبِيٍّ. تعالَ هاكَ، ثمَّ لَمْ يُعْطِهِ، فَهِيَ كِذْبَةٌ". رواه أحمد وابن أبي الدنيا؛ كلاهما عن الزهري عن أبي هريرة، ولم يسمع منه. 2943 - (20) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن عامرٍ رضي الله عنه قال: دَعَتْني أمِّي يَوْماً ورسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاعِدٌ في بيْتِنا، فقالَتْ: ها تعالَ أُعْطيكَ. فقالَ لَها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما أرَدْتِ أنْ يُعْطيَهُ؟ ". قالتْ: أرَدْتُ أَنْ أعْطِيَهُ تَمْراً، فقالَ لها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أما إنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئاً كتِبَتْ عليكِ كَذِبَةً". رواه أبو داود والبيهقي عن مولى عبد الله بن عامر -ولم يسمياه- عنه. ورواه ابن أبي الدنيا فسماه زياداً. 2944 - (21) [حسن] وعن بَهْزِ بْنِ حكيمٍ عن أبيه عن جدِّه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "وْيلٌ لِلَّذي يُحَدِّثُ بالحديثِ لِيُضْحِكَ به القومَ فيَكْذِبُ، ويلٌ لَهُ، وْيلٌ لَهُ". رواه أبو داود والترمذي -وحسنه- والنسائي والبيهقي. 2945 - (22) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُم الله يَوْمَ القيامَةِ، ولا يُزَكِّيهمْ، ولا يَنْظُرُ إلَيْهِم، ولَهُمْ عَذابٌ أليمٌ؛ شيخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ، وعائلٌ مسْتَكْبِرٌ". رواه مسلم وغيره. [مضى 21 - الحدود/ 7]. الحديث: 2942 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 2946 - (23) [صحيح] وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثَةٌ لا يَدْخُلونَ الجَنَّةَ؛ الشيْخُ الزَّاني، والإِمامُ الكذابُ، والعائِل المَزْهُوُّ". رواه البزار بإسناد جيد. [مضى هناك وهنا في الأدب/ 22]. (العَائِل): هو الفقير. (المَزْهُوُّ): هو المعجب بنفسه المتكبر. الحديث: 2946 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 25 - (ترهيب ذي الوجهين وذي اللسانين). 2947 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَجدونَ الناسَ مَعادِنَ، خِيَارُهُمْ في الجاهِلِيَّةِ خيارُهُمْ في الإسْلامِ إذا فَقِهُوا، وتَجِدونَ خِيَارَ الناسِ في هذا الشأْنِ أشَدَّهُم له كَراهَةً، وتَجِدونَ شرَّ الناسِ ذا الوجْهَيْنِ؛ الذي يأْتي هؤُلاءِ بِوَجْهٍ، وهؤُلاءِ بِوَجْهٍ". رواه مالك والبخاري ومسلم. 2948 - (2) [صحيح] وعن محمد بن زيدٍ: أنَّ ناساً قالوا لجَدِّه عبدِ الله بْنِ عُمرَ رضيَ الله عنهما: إنَّا نَدْخُلُ على سُلْطانِنا فنقول بِخِلافِ ما نَتَكَلَّمُ إذا خَرَجْنا مِنْ عِنْدِهم؟ فقال: "كنَّا نَعُدُّ هذا نِفاقاً على عَهْدِ رَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". رواه البخاري. 2949 - (3) [صحيح لغيره] وعن عمار بن ياسرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ كانَ له وَجْهانِ في الدنيا؛ كانَ لَهُ يومَ القيامَةِ لِسانانِ مِنْ نارٍ". رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه". 2950 - (4) [صحيح لغيره] ورُوي عن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ كانَ ذا لِسانَيْن؛ جَعَل الله له يومَ القِيامَةِ لِسانَيْنِ مِنْ نارٍ". رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب الصمت" والطبراني والأصبهاني وغيرهم. الحديث: 2947 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 26 - (الترهيب مِنَ الحلفِ بغير الله سِيَّما بالأمانَةِ، ومِنْ قولِه: "أنا بريء من الإسلام" أو "كافر"، ونحو ذلك). 2951 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله تعالى ينهاكُمْ أنْ تَحلِفوا بآبائكمْ، مَنْ كانَ حالِفاً فلْيَحْلِفْ بالله، أوْ لِيَصْمُتْ". رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. [حسن] وفي رواية لابن ماجه عنه (1) قال: سمعَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً يحلِفُ بأبيه فقال: "لا تَحْلِفوا بآبائكمْ، مَنْ حلَف بالله فَلْيَصْدُقْ، ومَنْ حُلِفَ لَهُ بالله فَلْيَرْضَ، ومَنْ لَمْ يَرْضَ بالله فليْسَ مِنَ الله". 2952 - (2) [صحيح] وعنه (2): أنه سمعَ رجلاً يقولُ: لا والكَعْبَةِ. فقال ابْنُ عمر: لا تحلِفْ بغير الله؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ حلَف بغيرِ الله فقد كفَر أوْ أشْرَك". رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما".   (1) الأصل: (من حديث بريدة)، والتصحيح من "ابن ماجه" (2101). (2) أي: ابن عمر، وهذا يعني أن ابن عمر نفسه هو الذي روى قصته مع الرجل، وهذا خطأ مخالف للرواية، فإنها من طريق سعد بن عبيدة أن ابن عمر سمع. . . الحديث. هكذا هو عند الترمذي (1535)، والسياق له، ونحوه رواية ابن حبان (1177 - موارد)، فالصواب أن يبدأ الحديث بقوله: "وعن سعد بن عبيدة أن ابن عمر. . ". الحديث: 2951 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 [صحيح لغيره] وفي رواية للحاكم: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "كلُّ يمينٍ يُحلَفُ بها دونَ الله شِرْكٌ". 2953 - (3) [صحيح موقوف] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: لأَنْ أحْلِفَ بالله كاذِباً أحَبُّ إليَّ مِنْ أنْ أحْلِفَ بغيرِهِ وأنا صادِقٌ. رواه الطبراني موقوفاً، ورواته رواة "الصحيح". 2954 - (4) [صحيح] وعن بريدة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ حلفَ بالأمانَةِ فليسَ مِنَّا". رواه أبو داود. 2955 - (5) [صحيح] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ حلفَ فقال: إنِّي بَريءٌ مِنَ الإسلام، فإنْ كان كاذِباً فهو كما قال، وإنْ صادقاً فلَنْ يرجعَ إلى الإسْلامِ سالماً". رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما" (1). 2956 - (6) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ حلَف على يمينٍ فهو كما حلَف؛ إنْ قال: هو يهوديٌّ؛ فهو يهَوديٌّ، وإنْ قال: هو نَصرانيٌّ؛ فهو نَصرانيٌّ، وإن قال: هو بريءٌ مِنَ الإسْلامِ؛ فهو بريءٌ مِنَ الإسْلامِ، ومَنْ دَعى دعاءَ الجاهِلِيَّةِ، فإنَّه مِنْ جُثا (2) جهنَّم". قالوا: يا رسولَ الله! وإنْ صامَ وصلَّى؟ قال:   (1) قلت: فاته النسائي؛ فإنه أخرجه في "الأيمان والنذور" من "سننه". (2) قال في "النهاية": " (الجُثا) جمع (جثوة) بالضم: وهو الشيء المجموع". الحديث: 2953 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 "وإنْ صامَ وصلّى". رواه أبو يعلى والحاكم -واللفظ له- وقال: "صحيح الإسناد". كذا قال. 2957 - (7) [صحيح] وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ حلَف بِملَّةٍ غيرِ الإسْلامِ كَاذِباً؛ فهو كما قالَ. . .". رواه البخاري ومسلم في حديث، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. [مضى بتمامه 21 - الحدود/ 10]. الحديث: 2957 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 27 - (الترهيب من احتقار المسلم، وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى). 2958 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "المسْلمُ أخو المسْلم، لا يَظْلِمُه، ولا يَخْذُلهُ، ولا يَحْقِرُه، التَّقْوى ههُنا، التَقْوى ههُنا، التَقْوى ههُنا، -ويشيرُ إلى صدْره [ثلاث مرات] (1) -، بحَسْبِ امْريء مِنَ الشرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلّ المسْلمِ على المسْلمِ حَرامٌ؛ دَمُه وعِرْضُه ومَالهُ". رواه مسلم وغيره. 2959 - (2) [صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يدخُل الجنَّةَ مَنْ في قلْبِه مثقالُ ذَرَّة مِنَ كِبْرٍ". فقال رجلٌ: إن الرجلَ يحبَّ أنْ يكونَ ثَوْبُه حَسناً ونَعْلُه حَسناً؟ فقال: "إن الله تعالى جَميلٌ يحِبُّ الجمالَ، الكِبْرُ بَطرُ الحَقِّ، وغَمْطُ الناسِ". [صحيح لغيره] رواه مسلم والترمذي والحاكم؛ إلا أنه قال: "ولكِنَّ الكِبرَ مَنْ بطَر الحَقِّ، وازْدَرى الناسَ". وقال الحاكم: "احتجا برواته". (بطَر الحقِّ): دَفْعهُ وردُّه. و (غَمْطُ الناسِ) بفتح الغين المعجمة وسكون الميم وبالطاء المهملة: هو احتقارهم وازدراؤهم؛ كما جاء مفسراً عند الحاكم. [مضى هنا/ 22].   (1) زيادة من مسلم. انظر "الضعيفة" (6906). الحديث: 2958 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 2960 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا سمعتَ الرجلَ يقول: (هَلَك الناسُ)، فهو أَهْلَكُهم". رواه مالك ومسلم (1)، وأبو داود وقال (2): "قال أبو إسحاق: سمعته بالنصب والرفع، ولا أدري أيهما قال. يعني بنصب الكاف من (أهلكهم) أو رفعها". وفسره مالك: "إذا قال ذلك معجباً بنفسه مزدرياً بغيره فهو أشد هلاكاً منهم، لأنه لا يدري سرائر الله في خلقه" انتهى. 2961 - (4) [صحيح] وعن جُنْدُبِ بْنِ عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال رجلٌ: والله لا يَغْفِرُ الله لِفُلانٍ، فقالَ الله عزَّ وجلَّ: مَنْ ذا الَّذي يَتأَلَى عَليَّ أنْ لا أغْفِرَ له؟ إنِّي قد غَفَرْتُ له، وأحْبَطْتُ عَملكَ". رواه مسلم. 2962 - (5) [صحيح لغيره] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ أنْسابَكُم هذه ليسَتْ بِسِبابٍ على أحَدٍ، وإنَّما أنْتُم وَلدُ آدَم، طَفُّ الصَّاعِ (3) لَمْ تَمْلؤُوه، ليسَ لأَحدٍ فَضْلٌ عَلى أحَدٍ إلا بالدِّينِ، أو عَملٍ صَالِحٍ،   (1) قلت: وكذا البخاري في "الأدب المفرد" (759) من طريق مالك، وهو في "الموطأ" (3/ 251) وعنه الآخرون، لكن له عند مسلم (2623) متابع. (2) قلت: يعني أبا داود كما هو ظاهر، وهو خطأ، فإن قول أبي إسحاق المذكور لم يرد في "سنن أبي داود"، وإنما في "صحيح مسلم" عقب الحديث، ولفظه: "قال أبو إسحاق: لا أدري (أهلكَهم) بالنصب أو (أهلكُهم) بالرفع". وأبو إسحاق هذا هو إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه الزاهد راوي "صحيح مسلم". أفاده الناجي. (3) بفتح الطاء المهملة وتشديد الفاء: هو أن يقرب أن يمتلئ فلا يفعل، قاله الناجي. وفي "النهاية": "والمعنى: كلكم في الانتساب إلى أب واحد بمنزلة واحدة في النقص والتقاصر عن غاية التمام، وشبههم بالكيل الذي لم يبلغ أن يملأ المكيال". الحديث: 2960 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 [حسْبُ الرجل أنْ يكون فاحشاً بذيّاً، بخيلاً، جباناً] (1) ". رواه أحمد والبيهقي؛ كلاهما من رواية ابن لهيعة (2). ولفظ البيهقي قال: "ليسَ لأَحَدٍ على أَحَدٍ فَضْلٌ إلا بِالدِّينِ أو عَملٍ صَالحٍ. حَسْبُ الرجلِ أنْ يكونَ فاحِشاً بذيّاً بَخِيلاً". وفي رواية له: "ليسَ لأَحَدٍ على أحَدٍ فضْلٌ إلا بِدِينٍ أوْ تَقْوىً، وكَفى بالرجلِ أنْ يكونَ بَذيّاً فاحِشاً بَخيلاً". قوله: (طفُّ الصَّاعِ) بالإضافة، أي: قريب بعضكم من بعض. 2963 - (6) [حسن لغيره] وعن أبي ذرّ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "انظر! فإنَّك لسْتَ بِخَيْرٍ مِنْ أحْمَر ولا أسْودَ، إلا أن تَفْضُلَهُ بِتَقْوى". رواه أحمد، ورواته ثقات مشهورون، إلا أن بكر بن عبد الله المزني لم يسمع من أبي ذر. 2964 - (7) [صحيح لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خطَبنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أوْسَطِ أيَّامِ التشْرِيقِ خُطْبَةَ الوَداعِ فقال: "يا أيُّها النَّاسُ! إنَّ ربَّكُمْ واحِدٌ، وإنَّ أباكُمْ واحِدٌ، ألا لا فَضْلَ لِعَربيٍّ على عجميٍّ، ولا لِعَجَمِيٍّ على عَربيٍّ، ولا لأَحْمرَ على أسْوَدَ، ولا لأَسْودَ على أحْمرَ؛ إلا بِالتقْوى، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، ألا هَلْ بلَّغْت؟ ". قالوا: بَلى يا رسولَ الله. قال:   (1) زيادة من "المسند" (4/ 145)، وكذا الطبراني (17/ 295/ 814). (2) قلت: لكن رواه عنه ابن وهب في "الجامع"، وهو صحيح الحديث عنه كما ذكر غير ما واحد من الحفاظ، وقد خرجته في "الصحيحة" (1038)، وعزاه في "منهاج السنة" (4/ 201) لأبي داود، وما أظنه إلا وهماً. الحديث: 2963 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 "فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ"، ثم ذكرَ الحديثَ في تحريمِ الدماءِ والأمْوالِ والأعْراضِ. رواه البيهقي وقال: "في إسناده بعض من يجهل" (1). [صحيح] وتقدم في أول "كتاب العلم" [3/ 1] حديث أبي هريرة الصحيح، وفيه: "مَنْ بَطَّأَ به عَملُه؛ لَمْ يُسْرِعْ به نَسَبُه". 2965 - (8) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه قال: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ أذْهَبَ عنكُم عُبِّيَّةَ الجاهِليَّةِ وفَخْرَها بالآباءِ، الناسُ بَنو آدَم، وآدَمُ مِنْ تُرابٍ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وفاجِرٌ شَقِيٌّ، لَينتَهُنَّ أقْوامٌ يَفْتَخِرونَ برجالٍ إنَّما هم فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جهَنّمَ، أوْ لَيكونُنَّ أهْونَ على الله مِنَ الجِعْلانِ (2)؛ التي تَدفَعُ النَّتَن بأُنُفها". رواه أبو داود والترمذي -وحسَّنه، وتقدم لفظه، [هنا/ 22]- والبيهقي بإسناد حسن أيضاً، واللفظ له. وتقدم معنى غريبه في "الكِبر" [هناك في آخره].   (1) قلت: يشير إلى شيبة أبي قلابة، لكن رواه أحمد وغيره من غير طريقه، وهو مخرج في "الصحيحة" (2700). (2) بكسر أوله وإسكان ثانيه، وهو جمع (الجُعَل) مثل: صُرَد وصِرْدان، ونُغَر ونِغْران. كذا في "العجالة". وبلفظ المفرد وقع في رواية الترمذي المتقدمة. وهو دويبة أرضية كما سبق من المؤلف (ص 111). الحديث: 2965 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 28 - (الترغيب في إماطة الأذى عن الطريق، وغير ذلك مما يذكر). 2966 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الإيمانُ بِضْعٌ وستُّونَ أو سَبْعونَ شُعْبةً، أدْناها إماطَةُ الأَذى عنِ الطريقِ، وأرْفَعُها قولُ: "لا إلهَ إلا الله". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. (أَمَاطَ) الشيء عن الطريق؛ نحّاه وأزاله. والمراد بـ (الأذى): كل ما يؤذي المار كالحجر والشوكة والعظم والنجاسة، ونحو ذلك. 2967 - (2) [صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عُرِضَتْ عليَّ أعمالُ أُمَّتي حَسنُها وسيِّئُها، فوجَدْتُ في محاسِنِ أعمالِها الأَذَى يُماطُ عَنِ الطريقِ، ووجدْتُ في مساوِئ أعْمالِها النُّخَامَةُ تكونُ في المسْجِدِ لا تُدْفَنُ". رواه مسلم وابن ماجه. 2968 - (3) [صحيح] وعن أبي بَرْزةَ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا نبيَّ الله! إنِّي لا أدْري نَفْسي تَمْضي أَوْ أبْقَى بَعْدَكَ؛ فَزوِّدْني شيْئاً ينْفَعُني الله بِهِ، فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "افعلْ كَذا، افعَلْ كَذا، وأمِرّ الأَذَى عنِ الطريقِ". وفي رواية: قال أبو برزة: قلت: يا نبيَّ الله! عَلِّمْني شيْئاً أَنْتَفعُ بِه، قال: "اعْزِلِ الأَذى عَنْ طريقِ المسْلمِينَ". الحديث: 2966 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 رواه مسلم وابن ماجه. 2969 - (4) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلُّ سُلامى مِنَ الناسِ عليهِ صَدقَةٌ كُلَّ يوم تَطْلُع فيهِ الشمْسُ؛ يَعْدِلُ بينَ الاثْنَيْنِ صدَقةٌ، ويُعينُ الرجلَ في دابَّتِهِ فيَحْمِلُهُ عليها، أوْ يَرْفَعُ له عليها مَتاعَهُ صدقَةٌ، والكَلمةُ الطيِّبَةُ صدَقةٌ، وبِكُلِّ خُطْوَةٍ يَمْشيها إلى الصلاةِ صدَقةٌ، ويُميطُ الأَذى عنِ الطريقِ صدَقةٌ". رواه البخاري (1) ومسلم. 2970 - (5) [صحيح لغيره] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليْسَ مِنْ نَفْسِ ابْنِ آدم إلا عَليْها صدَقَةٌ في كلِّ يومِ طلَعتْ فيهِ الشمسُ". قيل: يا رسولَ الله! مِنْ أيْنَ لنا صدَقةٌ نتصَدَّقُ بها كلَّ يومٍ؟ فقال: "إنَّ أبْوابَ الخيرِ لَكثيرَةٌ: التسبيحُ والتحميدُ والتكبيرُ والتهليلُ، والأمْرُ بالمعروفِ، والنهيُ عَنِ المنكَرِ، وتُميطُ الأَذى عَنِ الطريقِ، وتُسْمعُ الأصَمَّ، وتَهدِي الأعْمى، وتَدُلُّ المسْتَدِلَّ على حاجَتِه، وتَسْعَى بِشِدَّةِ ساقَيْكَ معَ اللهْفانِ المسْتَغيثِ، وتَحمِلُ بشِدَّةِ ذِراعَيْكَ معَ الضعيف؛ فهذا كلُّه صدَقة مِنْكَ على نفْسكَ". رواه ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي مختصراً (2). [صحيح لغيره] وزاد (3) في رواية:   (1) في "الجهاد - باب من أخذ بالركاب ونحوه"، والسياق له، ومسلم في "الزكاة" (رقم - 56). (2) قلت: عزوه لأحمد (5/ 168) أولى لأن إسناده صحيح وأعلى، ومتنه أتم، وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد"، والترمذي نحوه وحسنه، وهو مخرج في "الصحيحة" (575). (3) كذا الأصل بصيغة الإفراد أي البيهقي، ولعل الصواب (وزادا)، فقد رواها ابن حبان أيضاً (864 و865)، ورقم الرواية الأولى (862). الحديث: 2969 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 "وتَبسُّمُكَ في وجْهِ أخيكَ صدقَةٌ، وإماطَتُكَ الحَجَر والشوْكَةَ والعَظْمَ عنْ طريقِ النَّاسِ صَدقةٌ، وهديُكَ الرجُلَ في أرضِ الضالَّةِ لكَ صَدقةٌ". 2971 - (6) [صحيح] وعن بريدة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "في الإنْسانِ ستُّونَ وثَلاثُمائةِ مِفْصَلٍ، فعَليْهِ أنْ يتَصدَّقَ عَنْ كلِّ مِفْصَلٍ منها صدقَةً". قالوا: فَمنْ يُطيقُ ذلك يا رسولَ الله؟ قال: "النُّخاعَةُ في المسْجِد تَدْفِنُها، والشيءُ تُنَحِّيهِ عَنِ الطريقِ، فإنْ لَمْ تَقْدِرْ فركْعَتا الضُّحى تُجزي عَنْكَ". رواه أحمد -واللفظ له- وأبو داود، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". 2972 - (7) [حسن لغيره] وعن المستنير بن أخضر بن معاوِيةَ عن أبيه قال: كنتُ معَ مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ رضي الله عنه في بعضِ الطُّرُقاتِ، فمَررْنا بأَذىً، فأَماطَ أو نَحَّاهُ عنِ الطريقِ، فرأيْتُ مِثْلَهُ، فأخَذْتُه فنَحَّيْتُه، فأخَذَ بيَدي وقال: يا ابْنَ أَخي! ما حَمَلك على ما صَنَعْتَ؟ قلتُ: يا عَمِّ! رأيْتُك صَنَعْتَ شَيْئاً فصَنَعْتُ مثلَهُ. فقال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ أماطَ أذىً مِنْ طريقِ المسْلمينَ؛ كُتِبَتْ له حسنَةٌ، ومَنْ تُقُبِّلَتْ منهُ حَسنَة؛ دخَل الجَنَّةَ". رواه الطبراني في "الكبير" هكذا. ورواه البخاري في "كتاب الأدب المفرد"، فقال: "عن المستنير بن أخضر بن معاوية ابن قرة عن جده". (قال الحافظ): "وهو الصواب". الحديث: 2971 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 2973 - (8) [حسن] وعن أبي شيبة الهروي قال: كان معاذٌ يمشي ورجلٌ معَهُ، فَرفَع حَجراً مِنَ الطريقِ فقال: ما هذا؟ فقال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "مَنْ رفَع حَجراً مِنَ الطريقِ؛ كتِبَتْ له حَسنَةٌ، ومَنْ كانَتْ له حَسنَةٌ؛ دَخَل الجَنَّةَ". رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات. 2974 - (9) [حسن لغيره] ورواه في "الأوسط" من حديث أبي الدرداء؛ إلا أنَّه قال: "مَنْ أخْرجَ مِنْ طريقِ المسْلمِين شَيْئاً يُؤذِيهِمْ، كتَب الله لَه بِه حَسنَةً، ومَنْ كتَب لهُ عِنْدَهُ حَسنَةً أدْخَلَهُ بِها الجنَّةَ". 2975 - (10) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أن رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خُلِقَ كلُّ إنسان منْ بني آدَم على ستِّينَ وثلاثِمِائَةِ مِفْصَلٍ، فَمَنْ كَبَّر الله، وحَمِدَ الله، وهَلَّلَ الله، وسبَّحَ الله، واسْتَغْفَر الله، وعَزَلَ حَجراً عَنْ طرِيقِ المسْلمِينَ، أوْ شَوْكَةً أوْ عَظْماً عَنْ طريقِ المسْلمِينَ، وأمرَ بمعْروفٍ، أو نَهى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَد تلْكَ الستينَ والثلاثِمِائَةِ؛ فإنَّه يُمْسي يَوْمَئذٍ وقد زَحْزَحَ نفْسَه عنِ النارِ". قال أبو توبة وربما قال: "يمشي". يعني بالمعجمة. رواه مسلم والنسائي. 2976 - (11) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "بينما رجلٌ يَمشي بِطريقٍ وَجَدَ غُصْنَ شوْكٍ، فأخَّرهُ؛ فشكَر اللهُ له، فَغفَرَ لهُ". رواه البخاري ومسلم. الحديث: 2973 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 [صحيح] وفي رواية لمسلم قال: "لقد رأيتُ رجلاً يتقَلَّبُ في الجنَّةِ في شَجرةٍ قطَعها مِنْ ظَهْرِ الطريقِ، كانَتْ تُؤْذي المسْلمِينَ". وفي أخرى له: "مَرَّ رجلٌ بِغُصْنِ شجَرةٍ على ظَهْرِ الطريقِ، فقالَ: والله لأُنَحِّيَنَّ هذا عنِ المسْلمِينَ؛ لا يُؤذيهِم، فأُدْخِلَ الجنَّةَ". [حسن صحيح] ورواه أبو داود ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نَزعِ رجلٌ لَمْ يَعْملْ خَيراً قَطُّ غُصْنَ شَوْكٍ عَنِ الطَريقِ -إمَّا قال: "كانَ في شجرةٍ فَقطَعهُ [فألقاه]، وإمّا: -كان مَوْضوعاً فأماطَهُ؛ فشكرَ الله ذلك لَه، فأدْخَلهُ الجنَّةَ". 2977 - (12) [حسن صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: كانَتْ شَجرةٌ تُؤْذي الناسَ، فأتاها رجلٌ فَعزَلها عَنْ طريقِ الناسِ، قال: قال نبيُّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فلقد رأيْتُه يتقلَّبُ في ظِلِّها في الجَنَّةِ". رواه أحمد وأبو يعلى، ولا بأس بإسناده في المتابعات. الحديث: 2977 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 29 - (الترغيب في قتل الوزغ، وما جاء في قتل الحيات وغيرها مما يذكر). 2978 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ قَتلَ وزَغَةً في أوَّلِ ضرْبةٍ فلَهُ كذا وكذا حَسنةً، ومَنْ قتَلها في الضربَةِ الثانيةِ فلَهُ كَذا وكَذا حسنةً؛ لِدونِ الحسَنةِ الأولى، ومَنْ قَتلها في الضربَةِ الثالِثَةِ، فلَهُ كذا وكذا حسنةً؛ لِدونِ الثانِيَةِ". رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه. [صحيح] وفي رواية لمسلم: "مَنْ قتلَ وزغاً في أوَّلِ ضرْبَةٍ كُتِبَتْ له مئَةُ حَسنةٍ، وفي الثانية دونَ ذلك، وفي الثالِثَةِ دونَ ذلِكَ. (1) (الوَزَغُ): الكبار من سام أبرص. 2979 - (2) [صحيح لغيره] وعن سائِبَةَ مولاةِ الفاكهِ بْنِ المغيرة: أنَّها دخَلتْ على عائِشةَ رضي الله عنها فَرأَتْ فى بَيْتِها رُمْحاً موضوعاً، فقالتْ: يا أمَّ المؤمنينَ! ما تصْنَعينَ بِهذا؟ قالَتْ: أقْتُل به الأَوْزاغَ؛ فإنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخْبرَنا:   (1) قال المؤلف عقبها: "وفي أخرى لمسلم وأبي داود أنه قال: "في أول ضربة سبعين حسنة". (قال الحافظ): "وإسناد هذه الرواية الأخيرة منقطع؛ لأن سهيلاً قال: حدثتني أختي عن أبي هريرة. وفي بعض نسخ مسلم: (أخي)، وعند أبي داود: (أخي أو أختي) على الشك. وفي بعض نسخ: (أخي وأختي) بواو العطف، وعلى كل تقدير فأولاد أبي صالح -وهم سهيل وصالح وعباد وسودة- ليس منهم من سمع من أبي هريرة، وقد وجد في بعض نسخ "مسلم" في هذه الرواية: قال سهيل: حدثني أبي؛ كما في الروايتين الأوليين. وهو غلط. والله أعلم". الحديث: 2978 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 "أنَّ إِبْراهيمَ عليه السلامُ لما أُلْقِيَ في النارِ لَمْ تكُنْ دابَّةٌ في الأرضِ إلا أطْفأَتِ النارَ عنهُ غيرَ الوَزَغِ؛ فإنَّه كان يَنْفُخ عليهِ، فأمَر رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقَتْلِهِ". رواه ابن حبان في "صحيحه"، والنسائي بزيادة. 2980 - (3) [صحيح] وعن أم شريك رضي الله عنها: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمَر بقتْلِ الأوْزاغِ، وقال: "كان يَنْفخُ على إبْراهيمَ". رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم والنسائي باختصار ذكر النفخ. 2981 - (4) [صحيح] وعن عامر بن سعدٍ عن أبيه رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمَر بقَتْلِ الوزَغِ، وسمَّاهُ فُوَيْسِقاً. رواه مسلم وأبو داود. 2982 - (5) [صحيح لغيره] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اقْتُلوا الحيَّاتِ كلَّهُنَّ، فمَنْ خافَ ثأرهُنَّ فليسَ مِنِّي". رواه أبو داود والنسائي والطبراني بأسانيد رواتها ثقات؛ إلا أن عبد الرحمن بن عبد الله ابن مسعود لم يسمع من أبيه. 2983 - (6) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما سالَمْناهُنَّ منذُ حارَبْناهُنَّ -يعني الحيَّاتِ-، ومَنْ تركَ قَتْلَ شيْءٍ مِنْهُنَّ خِيفَةً؛ فليسَ مِنَّا". رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه". الحديث: 2980 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 2984 - (7) [صحيح لغيره] وعن ابْن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ تَركَ الحيَّاتِ مخافَة ظُلْمِهِنَّ؛ فليسَ مِنَّا، ما سالَمْناهُنَّ منذُ حارَبْناهُنَّ". رواه أبو داود، ولم يجزم موسى بن مسلم -راويه- بأن عكرمة رفعه إلى ابن عباس. 2985 - (8) [صحيح] ويروى عن ابن عباسٍ: "الجِنَّانُ مَسْخُ الجنِّ، كما مُسِخَتِ القِردَةُ مِنْ بني إسْرائيلَ" (1). 2986 - (9) [صحيح] وعن نافعٍ قال: كان ابنُ عُمَر يقتل الحيَّاتِ كلُّهُنَّ حتى حدَّثنا أبو لُبابَة: "أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى عَنْ قَتْلِ جِنّانِ البيُوتِ"، فأمْسكَ. رواه مسلم. [صحيح] وفي رواية له [و] (2) لأبي داود: قال أبو لبابة: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نهى عن قتْلِ الجِنَّانِ التي تكونُ في البيُوتِ، إلا الأبْترَ وذا الطُّفْيَتَيْنِ (3) فإنَّهما اللَّذان يخْطُفانِ البصَرَ، وُيتبعانِ ما في بطونِ النساءِ". 2987 - (10) [صحيح] وعن أبي السائب: أنَّه دخلَ على أبي سعيدٍ الخدْريِّ في بيْتِه، قال: فوجَدْتُه يصلِّي، فجلَسْتُ أنْتَظِرُه حتى يَقْضِيَ صلاتَهُ، فسمعْتُ تحريكاً في عَراجينَ (4) في   (1) قلت: رواه أحمد بسند صحيح عنه موقوفاً، وقد صح عنه مرفوعاً. وهو مخرج في "الصحيحة" (1824). (2) سقطت من الأصل، ومع ظهوره لم يتنبه له المعلقون الثلاثة مع عزوهم الحديث لمسلم (2233) وأبي داود (5253) بالأرقام، مما يؤكد أنهم ينقلونها لإيهام القراء أنهم يحققون، ولا شيء منه البتة! هداهم الله. (3) يأتي تفسيره بعد حديث. (4) جمع (العرجون): وهو العود الأصفر الذي فيه شماريخ العذق. كما في "النهاية". وقال: أراد بها الأعواد التي في سقف البيت، شبهها بالعراجين. الحديث: 2984 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 ناحيَةِ البيْتِ، فالتفتُّ فإذا حيَّةٌ، فوثَبْتُ لأقْتُلَها، فأشارَ إليَّ أنِ اجْلِسْ فجلَسْتُ، فلمَّا انْصرَف أشارَ إلى بيْتٍ في الدارِ فقالَ: أترى هذا البيْتَ؟ فقلتُ: نعم. قال: كان فيهِ فتىً منَّا حديثُ عهد بعُرْسٍ، قال: فخرجْنا معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الخَنْدَقِ، فكانَ ذلك الفتَى يسْتَأْذِنُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأنْصافِ النهارِ فيرجعُ إلى أهْلِه، فاسْتأْذَنُه يَوْماً، فقالَ لَهُ: "خُذْ عليكَ سِلاحَكَ، فإنِّي أخْشَى عليك قرَيْظَةَ". فأخذَ الرجلُ سِلاحَهُ ثمَّ رَجَع، فإذا امْرأَتُه بينَ البابَيْن قائِمةً، فأهْوى إلَيْها بالرُّمْحِ لِيَطْعَنها به، وأصابَتْهُ غَيْرة، فقالَتْ له: اكفُفْ علَيْكَ رُمْحَك، وادْخُلِ البَيْتَ حتى تَنْظُرَ ما الَّذي أخْرَجَني، فدَخَل فإذا بحَيَّةٍ عَظيمَةٍ مَنْصوبَةٍ على الفراشِ، فأهْوى إليْها بالرُّمْحِ، فانْتَظمها بِهِ ثُمَّ خَرج، فَركزَهُ في الدارِ، فاضْطَربَتْ عليهِ، فما يُدْرى أيُّهمَا كانَ أسْرَع مَوْتاً الحيَّةُ أَمِ الفَتى. قال: فجئْنا رَسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذَكرْنا ذلك له، وقُلْنا: ادْعُ الله أنْ يُحْيِيَهُ لَنا. فقال: "اسْتَغْفِروا لِصاحِبِكُم". ثُمَّ قال: "إنَّ بالمدينَة جِنّاً قدْ أسْلَموا، فإذا رأيْتُم منهُمْ شَيْئاً فآذِنُوهُ ثَلاثَةَ أيَّامٍ، فإنْ بَدا لَكُمْ بعدَ ذلك فاقْتُلوه، فإنَّما هو شَيْطانٌ". وفي رواية نحوه وقال فيه: إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ لهذهِ البيوتِ عَوامِرَ، فإذا رأيْتُم مِنْها شَيْئاً فَحرِّجُوا عليها ثَلاثاً، فإنْ ذَهَب، وإلا فاقْتُلوهُ فإنَّهُ كافِرٌ". وقال لهم: "اذْهَبوا فادْفِنوا صاحِبَكُمْ". رواه مالك ومسلم وأبو داود. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 2988 - (11) [صحيح] وعنِ ابْنِ عمر رضي الله عنهما: أنَّه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطُبُ على المنبَرِ يقولُ: "اقْتلوا الحيَّاتِ، واقْتُلوا ذا الطُّفْيَتَيْنِ والأبْتَر، فإنَّهما يَطْمِسَان البَصَر، ويُسْقِطانِ الحَبَل". قال عبد الله: فبَيْنا أنا أُطارِدُ حَيَّةً أقْتُلها ناداني أبو لُبَابَة: لا تَقْتُلْها. فقلْتُ: "إنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمَرَ بقَتْلِ الحيّاتِ". قال: "إنَّه نَهى بعد ذلكَ عَنْ ذاوتِ البُيوتِ، وهُنَّ العَوامِرُ". رواه البخاري ومسلم. ورواه مالك وأبو داود والترمذي بألفاظ متقاربة. [صحيح] وفي رواية لمسلم قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمُرُ بقَتْلِ الكِلاب يقول: "اقْتُلوا الحيَّاتِ والكِلابَ، واقْتلُوا ذا الطُّفْيَتَيْنِ والأبْتَر، فإنَّهما يَلْتَمسَان البَصَر، وَيَسْتَسْقِطان الحُبالى". -قال الزهري: ونُرى ذلك من سُمَّيْهِما والله أعلم- قال سالم: قال عبدُ الله بنُ عُمَرَ: فلبِثْتُ لا أتْركُ حيَّةً أراها إلا قتلْتُها، فبينا أنا أطارِدُ حَيَّةً يوماً مِنْ ذواتِ البيُوتِ مَرَّ بي زيدُ بْنُ الخطَّابِ أوْ أبو لُبابَةَ وأنا أطارِدُها، فقال: مَهْلاً يا عبد الله! فقلتُ: "إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمَر بِقَتْلِهِنَّ". قال: "إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى عنْ ذَواتِ البُيوتِ". [صحيح] وفي رواية لأبي داود قال: الحديث: 2988 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 إنَّ ابْنَ عمر وَجَد بعد ما حدَّثَهُ أبو لُبابَة حيَّةً في دارِه، فأمَر بِها فأُخْرِجَتْ إلى البَقيع. قال نافعٌ: ثُمَّ رأيتُها بعدُ في بَيْتِهِ. (الطُّفْيَتَانِ) بضم الطاء المهملة وإسكان الفاء: هما الخطان الأسودان في ظهر الحية. وأصل (الطفية): خُوْصَةُ المُقْل (1)، شبه الخطين على ظهر الحية بخوصتي المُقل. وقال أبو عمر النمري: "يقال: إن ذا الطفيتين جنس يكون على ظهره خطان أبيضان". و (الأَبْتَرُ): هو الأفعى. وقيل: جنس أبتر كأنه مقطوع الذنب. وقيل: هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب إذا نظرت إليه الحامل ألقت. قال النضر بن شميل. وقوله: " (يلتمسان البصر) معناه: يطمسانه بمجرد نظرهما إليه بخاصية جعلها الله فيهما". (قال الحافظ): "قد ذهب طائفة من أهل العلم إلى قتل الحيات أجمع؛ في الصحارى والبيوت بالمدينة وغير المدينة، ولم يستثنوا في ذلك نوعاً ولا جنساً ولا موضعاً، واحتجوا في ذلك بأحاديث جاءت عامة كحديث ابن مسعود المتقدم وأبي هريرة وابن عباس. وقالت طائفة: تقتل الحيات أجمع إلا سواكن البيوت بالمدينة وغيرها، فإنهن لا يقتلن، لما جاء في حديث أبي لبابة وزيد بن الخطاب من النهي عن قتلهن بعد الأمر بقتل جميع الحيات. وقالت طائفة: تنذر سواكن البيوت في المدينة وغيرها، فإن بَديْنَ بعد الإنذار قُتِلْنَ، وما وجد منهن في غير البيوت يقتل من غير إنذار.   (1) في اللسان: "و (المقل) حمل (الدَّوم)، واحدته فعلة، و (الدوم): شجرة تشبه النخلة في حالاتها". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 وقال مالك: يقتل ما وجد منها في المساجد. واستدل هؤلاء بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ لهذه البُيوتِ عوامِرَ، فإذا رأيْتُم منها شَيْئاً فحرِّجوا عليها ثلاثاً فإنْ ذَهَب وإلا فَاقْتُلوهُ". واختار بعضهم أن يقول لها ما ورد في حديث أبي ليلى المتقدم (1). وقال مالك: يكفيه أن يقول: أُحرج عليك بالله واليوم الآخر أن لا تبدو لنا ولا تؤذينا. وقال غيره: يقول لها أنت في حرج إن عدت إلينا فلا تلومينا أن نضيق عليك بالطرد والتتبع. وقالت طائفة: لا تنذر إلا حيات المدينة فقط؛ لما جاء في حديث أبي سعيد المتقدم من إسلام طائفة من الجن بالمدينة، وأما حيات غير المدينة في جميع الأرض والبيوت فتقتل من غير إنذار، لأنا لا نتحقق وجود مسلمين من الجن ثَمَّ، ولقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خَمسٌ مِنَ الفَواسِقِ تُقْتَلُ في الحِلِّ والحَرمِ". وذكر منهن الحية. وقالت طائفة: يقتل الأبتر وذو الطفيتين من غير إنذار، سواء كن بالمدينة وغيرها لحديث أبي لبابة: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نَهى عنْ قتْلِ الجِنَّانِ التي تكون في البُيوتِ، إلا الأَبْتَر وذَا الطُّفْيَتَيْنِ". ولكل من هذه الأقوال وجه قوي، ودليل ظاهر. والله أعلم". 2989 - (12) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ نَملةً قرصَتْ نبيّاً مِنَ الأَنْبِياءِ، فأَمر بقَرْيةِ النَّمْلِ فأُحْرِقَتْ، فأَوْحَى الله إليه [أ] في أنْ قَرَصَتْكَ نَمْلةٌ أحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأمَمِ تُسَبِّحُ؟! ". (زاد في رواية:) "فَهَلا نَملَةً واحِدَةً؟ ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.   (1) قلت: هو في "الضعيف"، فراجعه في هذا الباب، فيكتفى بالتخريج المذكور في الحديث الصحيح رقم (10 - هنا). الحديث: 2989 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 وفي رواية لمسلم وأبي داود: قال: "نزَلَ نبيٌّ مِنَ الأَنْبياءِ تَحْتَ شَجرةٍ، فلَدغَتْهُ نَمْلةٌ، فأمر بِجِهَازِهِ فأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِها، ثُمَّ أَمر فأُحْرِقَتْ، فأَوْحى الله إليهِ: هلا نَملةً واحِدةً؟ ". (قال الحافظ): "قد جاء من غير ما وجه أن هذا النبي هو عزير عليه السلام. وفي قوله: (فهلا نملة واحدة) دليل على أن التحريق كان جائزاً في شريعتهم، وقد جاء في خبر (1): "أنَّه مرَّ بِقَرْيَةٍ أوْ بمدينَةٍ أهْلكَها الله تعالى فقال: يا ربِّ كانَ فيهِمْ صِبْيانٌ ودَوابٌّ ومَنْ لَمْ يَقْتَرِفْ ذَنْباً، ثُمَّ إنَّهُ نَزلَ تحْتَ شَجَرةٍ، فجَرتْ بِهِ هذه القِصَّةُ التي قدَّرهَا الله على يَديْهِ، تَنْبيهاً له على اعتِراضِه على بَديعِ قُدْرَةِ الله وقَضائه في خَلْقِهِ، فقال: إنَّما قَرصَتْكَ واحِدَةٌ فهلا قَتلْتَ واحِدةً؟ ". وفي الحديث تنبيه على أن المنكر إذا وقع في بلد لا يؤمَن العقاب العام". 2990 - (13) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: "أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى عَنْ قتلِ أرْبعٍ مِنَ الدوابِّ: النملةِ، والنحْلَةِ، والهُدْهُدِ، والصُّرَدِ". رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه". (الصُّرَدُ) بضم الصاد المهملة وفتح الراء: طائر معروف ضخم الرأس والمنقار، له ريش (2) عظيم نصمه أبيض ونصفه أسود.   (1) قلت: ما أراه إلا من الإسرائيليات، وقد حكى الحافظ في "الفتح" (6/ 255) قولين في اسم المذكور، قيل هو العزير. وروى الحكيم الترمذي أنه موسى عليه السلام. قال الحافظ: وبذلك جزم الكلاباذي في "معاني الأخبار"، والقرطبي في "التفسير". قلت: ولا وجه للجزم بشيء من ذلك ما دام أنه غير مرفوع، فتنبه. ثم أشار الحافظ إلى تضعيف هذا الخبر بقوله: "ويقال: إن لهذه القصة سبباً، وهو أن النبي مر. . فذكره". (2) قال الناجي (201/ 2): "كذا وجد هنا، وكذا في "حواشي السنن" له، وهو تصحيف، وإنما هو: (له برثُن) بضم الموحدة والمثلثة بينهما مهملة ساكنة، وآخره نون. قال الأصمعي: (البراثن) من السباع والطير، وهي بمنزلة الأصابع من الإنسان، قال: و (المخلب): ظفر البرثن". الحديث: 2990 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 (قال الخطابي): "أما نهيه عن قتل النمل، فإنما أراد نوعاً منه خاصاً، وهو الكبار ذوات الأرجل الطوال؛ لأنها قليلة الأذى والضرر. وأما النحلة فلما فيها من المنفعة، وأما الهدهد والصرد، فإنما نهى عن قتلهما لتحريم لحمهما، وذلك أن الحيوان إذا نُهِيَ عن قتله ولم يكن ذلك لحرمة ولا لضرر فيه، كان ذلك لتحريم لحمه". 2991 - (14) [صحيح] وعن عبد الرحمن بن عثمان (1) رضي الله عنه: "أنَّ طبيباً سأل النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ضِفْدعٍ يَجْعَلُها في دَواءٍ؟ فَنهاهُ عَنْ قَتْلِها". رواه أبو داود والنسائي. (قال الحافظ): "الضفدع بكسر الضاد والدال؛ وفتح الدال ليس بجيد. والله أعلم".   (1) الأصل: (بن عبادة)، قال الناجي: "وهو تصحيف قبيح بلا شك، وإنما هو ابن عثمان ابن عبيد الله القرشي التيمي ابن أخي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة". الحديث: 2991 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 30 - (الترغيب في إنجاز الوعد والأمانة، والترهيب من إخلافه، ومن الخيانة والغدر وقتل المعاهد أو ظلمه). 2992 - (1) [صحيح لغيره] عن أنسٍ بن مالكٍ رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تَقَبَّلُوا إليَّ ستّاً أتَقبَّلْ لكمُ بِالجَنَّةِ: إذا حدَّثَ أحدُكم فلا يكْذِبْ، وإذا وَعد فلا يُخْلِفْ، وإذا ائْتُمِنَ فلا يَخُنْ" الحديث. رواه أبو يعلى والحاكم والبيهقي. وتقدم في "الصدق" [هنا/ 24 - باب]. 2993 - (2) [صحيح لغيره] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اضْمَنوا لي ستّاً أَضْمَنْ لكُم الجَنَّةَ: اصدُقوا إذا حَدَّثْتُم، وأَوفوا إذا وَعَدتُم، وأدُّوا إذا ائْتُمِنْتُم" الحديث. رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم والبيهقي. وتقدم [17 النكاح/ 1]. 2994 - (3) [صحيح] وعن حذيفة قال: حدثنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الأمانَة نَزلَتْ في جَذْرِ قُلوبِ الرجَالِ، ثُمَّ نَزلَ القُرآنُ، فَعَلِموا مِنَ القُرآنِ، وَعَلِموا مِنَ السُنَّةِ". ثُمَّ حدَّثنا عنْ رَفْع الأمانَةِ؛ فقال: "ينامُ الرجَلُ النومَةَ، فَتقْبَضُ الأمانَة مِنْ قَلْبِهِ، فيظَلُّ أَثرُهَا مثلَ الوَكْتِ، ثمَّ ينامُ الرجل النَّومةَ، فتقبضُ الأمانةُ من قلبه، فيظلُّ أثرها مثل أثر المَجْل، كجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ على رجْلِكَ فنَفِطَ (1)، فتراه مُنْتَبِراً وليسَ فيهِ شيْءٌ، -ثُمَّ   (1) يقال: (نفطت يده -من باب تعب- نفطاً ونفيطاً): إذا صار بين الجلد واللحم ماء. وتذكير الفعل المسند إلى (الرِّجل) وكذا تذكير قوله: (فتراه منتبراً) مع أن (الرجل) مؤنثة باعتبار معنى العضو. الحديث: 2992 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 أخَذَ حَصاةً فَدَحْرَجَها على رِجْلِه -فيصْبِحُ الناسُ يَتبايَعونَ لا يَكادُ أحَدٌ يُؤَدِّي الأمَانَة، حتَّى يقالَ: إنَّ في بني فُلان رَجلاً أميناً، حتَّى يقالَ لِلرجُلِ: ما أظْرَفَهُ! ما أعْقَلَهُ! وما في قلبهِ مثقالُ حَبَّةٍ مِنْ خرْدَلٍ مِنْ إيمانٍ". رواه مسلم وغيره (1). (الجَذْرُ) بفتح الجيم وإسكان الذال المعجمة: هو أصل الشيء. و (الوَكْتُ) بفتح الواو وإسكان الكاف بعدها تاء مثناة: هو الأثر اليسير. و (المَجْلُ) بفتح الميم وإسكان الجيم: هو تنفط اليد من العمل وغيره. وقوله: (منتبراً) بالراء، أي: مرتفعاً. 2995 - (4) [حسن] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "القتلُ في سبيلِ الله يكفّرُ الذنوبَ كلَّها، إلا الأمانة". قال: "يؤتى بالعبدِ يومَ القيامةِ وإن قُتِلَ في سبيل الله، فيقالُ: أدِّ أمانَتَك، فيقول: أيْ ربِّ! كيف وقد ذهبتِ الدنيا؟ فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فيُنْطَلَقُ به إلى الهاويةِ، وتُمثَّلُ له أمانتُه كهيئتها يوم دُفِعَتْ إليه، فيراها فيعرفها، فيهوي في أثرها حتى يدركَها، فيحملها على منكبيه، حتى إذا ظنَّ أنه خارجٌ؛ زلت عن منكبيه، فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين". ثم قال: "الصلاةُ أمانةٌ، والوضوءُ أمانةٌ، والوزنُ أمانةٌ، والكيلُ أمانةٌ -وأشياءُ عدَّدها-، وأشدُّ ذلك الودائع".   (1) قال الناجي: "وكذا البخاري، لكن ليس عنده دحرجة الحصاة". قلت: أخرجه كذلك في ثلاثة مواطن: "الرقاق" و"الفتن" و"الاعتصام"، وأخرجه الترمذي (2180) بتمامه وقال: "حديث حسن صحيح"، وأحمد (5/ 383)، وابن ماجه أيضاً (4053)؛ إلا أنه أوقف جملة الحصاة فقال: "ثم أخذ حذيفة كفاً من حصى فدحرجه على ساقه"، وإسناده صحيح. الحديث: 2995 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 قال -يعني زاذان-: فأتيت البراء بن عازب فقلت: ألا ترى إلى ما قال ابن مسعود؟ قال: كذا، قال: كذا. قال: صَدَق، أما سمعت الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}؟! رواه أحمد والبيهقي موقوفاً. [مضى 16 - البيوع/ 19]. (1) وذكر عبد الله ابن الإمام أحمد في "كتاب الزهد"؛ أنه سأل أباه عنه؟ فقال: "إسناده جيد". 2996 - (5) [صحيح] وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خَيْرُكم قَرْني، ثُمَّ الَّذينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكونُ بَعْدَهُم قومٌ يشْهَدُون ولا يُسْتَشْهَدونَ، وَيخُونُونَ ولا يُؤْتَمَنُونَ، وَينْذُرون ولا يُوفُونَ، وَيظْهَرُ فيهِمُ السِّمَنُ". رواه البخاري ومسلم. 2997 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "آيةُ المنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حدَّثَ كذَب، وإذا وَعَد أخْلَفَ، وإذا ائْتُمِنَ خانَ". رواه البخاري ومسلم. وزاد مسلم في رواية: "وإنْ صامَ وصلّى وزَعم أنَّهُ مسلمٌ" [مضى هنا/ 24].   (1) قلت: لم يعزه المصنف هناك لأحمد، ولا ذكر عنه تجويده لإسناده، فاستدركه الناجي ثمة عليه، فكان الأَولى به أن يعزوه إليه، ونقل الثلاثة تجويد الإمام أحمد إياه، ثم تعالوا عليه بجهل بالغ، تقدم بيانه هناك. الحديث: 2996 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 2998 - (7) [حسن لغيره] ورواه أبو يعلى من حديث أنسٍ؛ ولفظه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيهِ فهو مُنافِقٌ، وإنْ صام وصلَّى وحَجَّ واعْتَمَر، وقالَ: إنِّي مسلمٌ" فذكر الحديث. [مضى هناك]. 2999 - (8) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما؛ أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أربعٌ مَنْ كُنَّ فيه كان مُنافِقاً خالِصاً، ومَنْ كانَتْ فيه خَصْلَةُ مِنْهُنَّ كانَتْ فيه خَصلَةٌ مِنَ النِّفاقِ حتّى يَدعَها: إذا ائْتُمِنَ خانَ، وإذا حَدَّثَ كَذَب، وإذا عاهَد غَدَر، وإذا خاصَم فَجَر". رواه البخاري ومسلم. [مضى هناك]. 3000 - (9) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا جمَع الله الأوَّلينَ والآخِرينَ يومَ القِيامَة يُرفَعُ لِكُل غادرٍ لِواءٌ، فقيلَ: هذه غَدْرَة فلانِ ابْنِ فلانٍ (1) ". رواه مسلم وغيره (2).   (1) الأصل وكثير من نسخ "مسلم": (فلان بن فلان) بإسقاط ألف (ابن) وهو خطأ، لأنه إنما تسقط بين اسمين علمين. قال الناجي (202/ 1): "هذا أحد المواضع التي لا تحذف فيها الألف من (ابن) كتابة، ومنه حديث الصعود بالروح فيقولون: فلان ابن فلان، وكذلك الكريم ابن الكريم ابن الكريم. . . يؤتى بالألف في (ابن) من الأربعة بخلاف تتمة الحديث المذكور: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فإنها تحذف إلا أن تقع (ابن) أول السطر". (2) قلت: ورواه البخاري في مواطن مختصراً ومطولاً أتمها في "الأدب"، لكن ليس عنده ما قبل "يُرفع. . .". الحديث: 2998 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 3001 - (10) [صحيح] وفي رواية لمسلم (1): "لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يومَ القِيامَةِ يُعْرَفُ به؛ يُقالُ: هذه غَدْرَةُ فُلانٍ". 3002 - (11) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "اللَّهُم إنِّي أعوذُ بِكَ مِنَ الجوعِ؛ فإنَّه بئسَ الضَّجيعُ، وأعوذُ بِكَ مِنَ الخيانَةِ؛ فإنَّها بئْسَتِ البِطانَةُ". رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه. 3003 - (12) [صحيح] وعن يزيد بن شريكٍ قال: رأيتُ عليّاً رضي الله عنه على المنبَرِ يخطُبُ فسمعتُه يقولُ: لا والله ما عندنا مِنْ كتابٍ نَقرؤه إلا كتابَ الله، وما في هذه الصحيفَةِ، فَنَشرها، فإذا فيها أسْنانُ الإبِلِ، وأشياءُ مِنَ الجِراحَاتِ، وفيها: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ذِمَّةُ المسْلِمِينَ واحِدَةٌ، يَسْعَى بها أَدْناهُمْ، فَمنْ أخْفَر مُسْلِماً فعلَيْهِ لَعْنَةُ الله والملائكَةِ والناسِ أجْمَعينَ، لا يَقْبَلُ الله منهُ يومَ القِيامَةِ عَدْلاً ولا صَرْفاً" الحديث. رواه مسلم وغيره (2). يقال: (أَخْفَرَ بالرجل): إذا غدره ونقض عهده.   (1) هذا يوهم أنها من حديث ابن عمر أيضاً، وإنما هي من حديث ابن مسعود، كما قال الناجي (202/ 1)، ولذلك أعطيته رقماً خاصاً، وهي عند البخاري أيضاً في آخر "الجزية". وقد خفي هذا والذي قبله على الجهلة المقلدة! (2) قلت: بل رواه البخاري مع مسلم وغيرهما كما تقدم في "النكاح" (17/ 8) بأتم مما هنا. الحديث: 3001 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 3004 - (13) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: ما خطَبنَا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا قالَ: "لا إيمانَ لِمَنْ لا أمَانَةَ لَهُ، ولا دِينَ لِمَنْ لا عهْدَ لَهُ". رواه أحمد والبزار، والطبراني في "الأوسط"، وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنه قال: "خطَبنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال في خطْبَتِه" فذكر الحديث. ورواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" من حديث ابن عمر، وتقدم. (1) 3005 - (14) [صحيح] وعن بريدة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما نقَضَ قَوْمٌ العَهْدَ إلا كانَ القتْل بيْنَهُم، ولا ظَهرتِ الفَاحِشَةُ في قوْمٍ إلا سُلِّطَ عليهِمُ الموتُ، ولا مَنَع قومٌ الزكاة إلا حُبِسَ عنهمُ القَطْرُ". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". [مضى 21 - الحدود/ 8]. 3006 - (15) [حسن] وعن صفوان بن سليمِ عن عِدَّةٍ مِنْ أبْناءِ أصْحابِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنْ آبائهم [دِنْيةً] (2)؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " [ألا] مَنْ ظَلَم مُعاهَداً أوِ انْتقَصَهُ، أوْ كلَّفَهُ فوْقَ طاقَتِه، أوْ أخَذ منهُ شَيْئاً بغير طيبِ نَفْسٍ؛ فأنا حَجيجُهُ يَوْمَ القِيامَةِ". رواه أبو داود، والأبناء مجهولون (3). 3007 - (16) [حسن] وعن عمرو بن الحمِق رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أيُّما رجلٍ أمَّنَ رجلاً على دَمِه ثُمَّ قَتَلَه؛ فأنا مِنَ القاتِلِ بَريءٌ، وإنْ كانَ المقْتولُ كافِراً".   (1) في "الضعيف" (5 - الصلاة/ 13). (2) بوزن (قِنْية) منصوبة على المصدرية في موضع الحال، أي: لاصقو النسب. (3) قلت: لَكنهم بلغوا حد التواتر الذي لا تشترط فيه العدالة، ففي "سنن البيهقي" أنهم ثلاثون، ولذلك قال العراقي: إسناده جيد كما في "العجالة"، وانظر "غاية المرام" (471). الحديث: 3004 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 رواه ابن ماجه وابن حبان في "صحيحه" واللفظ له. وقال ابن ماجه: "فإنَّه يَحْمِلُ لِواءَ غَدْرٍ يومَ القِيامَةِ". 3008 - (17) [صحيح] وعن أبي بكرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ قَتَل نَفْساً مُعاهَدةً بغير حَقِّها لَمْ يَرِحْ رائِحَةَ الجنَّةِ، وإنَّ رِيحَ الجنَّةِ ليوجَدُ مِنْ مَسيرَةِ مِئَةِ عامٍ" (1). رواه ابن حبان في "صحيحه" (2). وهو عند أبي داود والنسائي بغير هذا اللفظ، وتقدم [21 - الحدود/ 9 آخره]. قوله: (لم يرح)؛ قال الكسائي: "هو بضم الياء؛ من قوله: أرحتُ الشيء، فأنا أريحه إذا وجدتَ ريحه". وقال أبو عمرو: " (لم يَرِح) بكسر الراء؛ من رُحت أريح إذا وجدتَ الريح". وقال غيرهما: "بفتح الياء والراء، والمعنى واحد، وهو شم الرائحة". 3009 - (18) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ألا من قتل نفساً معاهدةً له ذمة الله وذمة رسوله؛ فقد أخفر بذمة الله؛ فلا يُرَحْ رائحةَ الجنَّة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفاً". رواه ابن ماجه والترمذي، واللفظ له، وقال: "حديث حسن صحيح" (3).   (1) في الأصل هنا رواية أخرى بلفظ: "خمسمئة عام"، وهي من حصة الكتاب الآخر، أما الجهلة الثلاثة فقد ساقوهما مساقاً واحداً، وحسنوا الحديث بالروايتين، وذلك من الأدلة الكثيرة جداً على جهلهم بهذا العلم الشريف. (2) قلت: وكذا الحاكم (1/ 44) وقال: "صحيح على شرط مسلم". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. (3) وصححه الحاكم أيضاً (2/ 127). ووافقه الذهبي، وفيه نظر مبين في الأصل، لكن له شاهد من حديث أبي بكرة تقدم في (21 - الحدود/ 9 آخره). الحديث: 3008 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 31 - (الترغيب في الحب في الله تعالى، والترهيب من حبِّ الأشرار وأهلِ البدع لأن المرء مع من أحب). 3010 - (1) [صحيح] عن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَد بِهنَّ حلاوَةَ الإيمانِ: مَنْ كانَ اللهُ ورَسولُهُ أحبَّ إليهِ ممَّا سواهُما، ومَنْ أحبَّ عَبْداً لا يُحِبُّهُ إلا لله، ومَنْ يكَرهُ أنْ يعودَ في الكفْرِ بعدَ أنْ أنْقذَهُ الله منه؛ كما يكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النارِ". [صحيح] وفي رواية: "ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيهِ وَجَد حلاوَةَ الإيمانِ وطَعْمَهُ: أنْ يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليهِ ممَّا سِواهُما، وأنْ يُحِبَّ في الله ويُبْغِضَ فى الله، وأنْ توقَدَ نارٌ عظيمةٌ فيقَعَ فيَها؛ أحبَّ إليه مِنْ أنْ يُشرِكَ بالله شَيْئاً". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (1). 3011 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله تعالى يقولُ يومَ القيامَةِ: أيْنَ المُتحابُّونَ بَجَلالي؟ اليومَ أُظِلُّهم في ظِلِّي يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلِّي". رواه مسلم. 3012 - (3) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ سَرَّهُ أنْ يَجِدَ حلاوةَ الإيمانِ؛ فلْيُحِبَّ المرْءَ لا يُحِبُّهُ إلا لله". رواه الحاكم من طريقين، وصحح أحدهما.   (1) قلت: الرواية الثانية هي للنسائي وحده دون الآخرين، كما حققه الناجي، وقد خرجتها في "الصحيحة" (3423). الحديث: 3010 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 3013 - (4) [صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُم الله في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: الإمامُ العادِلُ، وشابٌّ نَشَأ في عبادَةِ الله، ورجلٌ قلْبُه مُعلَّقٌ في المساجِدِ، ورجُلانِ تَحابَّا في الله اجْتَمعا عليهِ وتَفَرَّقا عليهِ، ورجلٌ دَعتْهُ امْرأَةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمالٍ فقال: إنِّي أخافُ الله، ورجلٌ تَصَّدقَ بصدَقةٍ فأخْفاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ ما تُنْفِقُ يَمينُه، ورجلٌ ذَكرَ الله خالِياً ففَاضَتْ عَينْاهُ". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. [مضى 5 - الصلاة/ 10]. 3014 - (5) [حسن صحيح] وعن أنسِ بْنِ مالكٍ رضي الله عنهُ قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما تَحابَّ رجلانِ في الله إلا كانَ أحبَّهما إلى الله عزَّ وجلَّ أشَدّهما حبّاً لِصاحِبِه". رواه الطبراني وأبو يعلى، ورواته رواة "الصحيح"؛ إلا مبارك بن فضالة. ورواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم؛ إلا أنَّهما قالا: "كانَ أفْضَلَهُما أشَدّهما حُبّاً لِصاحِبِه". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". 3015 - (6) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خيرُ الأصْحابِ عندَ الله خيرُهُم لِصاحِبهِ، وخيرُ الجيرانِ عندَ الله خيرُهم لِجاره". رواه الترمذي وحسنه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". الحديث: 3013 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 3016 - (7) [صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه يرفعه قال: "ما مِنْ رجُلَيْنِ تحابَّا في الله بظَهْرِ الغَيْبِ إلا كانَ أحبَّهُما إلى الله أشدُّهما حُبّاً لِصَاحِبِه". رواه الطبراني (1) بإسناد جيد قوي. 3017 - (8) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنَّ رجُلاً زارَ أخاً لَهُ في قَرْيةٍ أخْرى، فأرْصَدَ الله [له] على مَدْرَجَتِه مَلَكاً، فلمَّا أتَى عليهِ قال: أيْنَ تريدُ؟ قال: أريدُ أخاً لي في هذه القرَيةِ، قال: هَلْ لكَ عليه مِنْ نعْمةٍ تَرُبُّها؟ قال: لا؛ غيرَ أنّي أُحِبَّه في الله، قال: فإنِّي رسولُ الله إليَكَ أنَّ الله قدْ أَحبَّك كما أحْبَبْتَهُ فيه". رواه مسلم. (المدْرَجَةُ) بفتح الميم والراء: هي الطريق. وقوله: (ترُبها): أي: تقوم بها وتسعى في صلاحها. [مضى 22 - البر/ 6]. 3018 - (9) [صحيح] وعن أبي إدريس الخولاني قال: دخلْتُ مسجدَ (دِمشْقَ) فإذا فَتىً بَرَّاقُ الثنايَا وإذا الناسُ مَعُه، فإذا اخْتَلَفوا في شَيْءٍ أسْنَدوهُ إليه، وصَدروا عَنْ رأْيِهِ، فسأَلْتُ عنه؟ فقيلَ: هذا مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ، فلمَّا كانَ مِنَ الغَدِ هَجَّرتُ، فوَجَدْتُه قد سَبَقني بالتَهْجيرِ (2) ووجدْتُه يُصلِّي، فانْتَظَرْتُه حتى قَضى صلاتَه، ثُمَّ جِئْتُه مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فسلَّمْتُ عليه، ثُمَّ قلْتُ لَهُ: والله إنِّي لأُحِبُّكَ لله، فقال: آلله؟ فقلتُ: الله، فقال: آلله؟ فقلتُ: الله، فأخَذَ بِحَبْوَةِ رِدائي فجذَبَني إليه فقال: أَبْشِرْ فإنِّي سمعتُ رسولَ   (1) أي: في "الأوسط" (رقم 5275 - ط). (2) هو السير في الهاجرة نصف النهار عند اشتداد الحر. الحديث: 3016 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "قال الله تبارَك وتعالى: وجَبتْ مَحبَّتي لِلْمُتحابِّينَ فيَّ، وللمُتجالِسينَ فيَّ، وللمُتَزَارينَ فيَّ، وللمتباذِلين فيَّ". رواه مالك بإسناد صحيح، وابن حبان في "صحيحه" (1). 3019 - (10) [صحيح] وعن أبي مسلمٍ قال: قلتُ لمعاذٍ: والله إنِّي لأُحِبُّكَ لغير دُنْيا أرْجو أنْ أُصيبَها منكَ، ولا قرابَةٍ بيني وبينَك، قال: فلأيِّ شَيْءٍ؟ قلتُ: لله، قال: فجَذَب حبوتي، ثم قال: أبشِرْ إنْ كنتَ صادِقاً؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "المتحابُّون في الله في ظلِّ العرشِ يومَ لا ظِلِّ إلا ظِلُّه، يَغْبِطُهُم بِمكَانِهم النبيُّونَ والشُّهداءُ". قال: ولقيتُ عبادةَ بنَ الصامتِ فحدثتُه بحديث معاذ، فقال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ عن ربِّه تبارَك وتعالى: "حَقَّتْ (2) مَحبَّتي على المتحابِّين فيَّ، وحَقَّتْ مَحبَّتي على المُتَناصِحينَ فيَّ، وحَقَّتْ مَحبَّتي على المُتَباذِلينَ فيَّ، هُمْ على مَنابِرَ مِنْ نورٍ، يَغْبِطُهُم النَّبيُّونَ والشُّهداءُ والصِّديقُونَ". رواه ابن حبان في "صحيحه". [صحيح] وروى الترمذي حديث معاذ فقط، ولفظه: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "قالَ الله عزَّ وجلَّ: المتَحابُّون في جَلالي لَهُم منابِرُ مِنْ نورٍ، يَغْبِطُهُم النَّبِيُّونَ والشُهداءُ". وقال: "حديث حسن صحيح".   (1) قلت: وأحمد، والحاكم (4/ 168 - 170)، وصححه، ووافقه الذهبي. (2) بفتح الحاء؛ أي: وجبت، مثل اللفظ الآخر، قاله الناجي. قلت: ويقال: بالضم كما في قوله تعالى: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}. الحديث: 3019 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 3020 - (11) [صحيح] وعن عبادةَ بنِ الصامت رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأثِرُ عَنْ رَبّه تبارَك وتَعالى يقولُ: "حَقَّتْ مَحَبَّتي لِلْمُتحابِّينَ فيَّ، وحَقَّتْ محبَّتي للمُتَواصِلينَ فيَّ، وحَقَّتْ محبَّتي للمتَزاوِرينَ فيَّ، وحَقَّتْ محبَّتي للمُتَباذِلينَ فيَّ". رواه أحمد بإسناد صحيح. 3021 - (12) [حسن صحيح] وعن شرحبيل بن السَّمْط: أنه قال لعمرو بن عبسة: هل أنتَ مُحدِّثي حديثاً سمعتَهُ مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليسَ فيه نِسْيانٌ ولا كَذِبٌ؟ قال: نَعْم؛ سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "قال الله عزَّ وجلَّ: قد حَقَّتْ محبَّتي للَّذينَ يتَحابُّونَ مِنْ أجْلي، وقد حَقَّتْ مَحبَّتي لِلَّذينَ يَتَزاوَرونَ مِنْ أجْلي، وقد حَقَّتْ مَحبَّتي لِلَّذينَ يتَباذَلون مِنْ أَجْلي، وقد حَقَّتْ محبَّتي للَّذينَ يَتصادَقون مِنْ أجْلي". رواه أحمد، ورواته ثقات، والطبراني في "الثلاثة"، واللفظ له، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (1) 9022 - (13) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن لله جُلساءَ يومَ القيامَة عن يمين العرشِ، وكلتا يدي الله يمينٌ، على منابرَ من نورٍ، وجوهُهم من نور، ليسوا بأنبياءَ ولا شهداءَ ولا صديقين". قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال: "هم المتحابون بجلال اللهِ تبارك وتعالى".   (1) لم أره عنده من حديث عمرو بن عبسة. وأما المعلقون الثلاثة فزعموا أنه "رواه الحاكم (4/ 169) "! وهذا من تخاليطهم الكثيرة، فإن الموجود عنده في المكان المشار إليه إنما هو حديث أبي إدريس المتقدم قبل حديثين. الحديث: 3020 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 رواه أحمد بإسناد لا بأس به (1). 3023 - (14) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ مِنْ عبادِ الله عباداً لَيْسوا بأنْبِياءَ، يَغْبِطُهم الأنْبِياءُ والشُهَداءُ". قيل: مَنْ هُمْ؟ لَعلَّنا نُحِبُّهم؛ قال: "هُمْ قومٌ تَحابُّوا بِنُورِ الله، مِنْ غَيرِ أرْحامٍ ولا أَنْسابٍ، وجوهُهُم نُورٌ، على منابِرَ مِنْ نُورٍ، لا يخافُونَ إذا خافَ الناسُ، ولا يَحْزَنونَ إذا حَزِنَ الناسُ، ثمَّ قَرأَ: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ". رواه النسائي وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له، وهو أتم. 3024 - (15) [صحيح] وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال الله عزَّ وجلَّ: المتَحابُّون بِجَلالي في ظِلِّ عَرْشي، يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلِّي". رواه أحمد بإسناد جيد. 3025 - (16) [حسن] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَيَبْعَثنَّ الله أقْواماً يومَ القِيامَةِ في وُجوهِهِمُ النورُ، على مَنابِرِ اللُّؤْلُؤِ، يَغْبطُهُم الناسُ، لَيْسوا بأنْبِياءَ ولا شُهَداءَ". قال: فَجثَى أعْرابِيٌّ على رُكْبَتيْهِ، فقالَ: يا رسولَ الله! جَلِّهِمْ لنا نَعْرِفْهُمْ؟ قال: "هُم المتَحابُّونَ في الله مِنْ قَبائلَ شَتَّى، وبِلادٍ شَتَّى يَجْتَمِعونَ، على ذِكْرِ الله يَذْكُرونَهُ". رواه الطبراني بإسناد حسن (2).   (1) عزوه لأحمد وهم أو خطأ من بعض الناسخين، وإنما رواه الطبراني كما قال الهيثمي، وهو في معجمه "الكبير" (12/ 134/ 12686)، وفيه عنعنة حبيب بن أبي ثابت، لكن له شواهد يتقوى بها، منها حديث عمرو بن عبسة المتقدم (14 - الذكر/ 2). (2) وكذا قال الهيثمي (10/ 77). الحديث: 3023 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 3026 - (17) [صحيح لغيره] وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ مِنْ عبادِ الله لأُناساً ما هُمْ بأنْبِياءَ ولا شُهدَاءَ، يَغْبِطُهُم الأَنبِياءُ والشُّهَداءُ يومَ القِيامَةِ بمكانِهِمْ مِنَ الله". قالوا: يا رسولَ الله! فخَبِّرْنا مَنْ هُمْ؟ قال: "هُم قومٌ تَحابُّوا بِرُوحِ الله على غَيْرِ أرْحامٍ بَيْنَهُمْ، ولا أَمْوالٍ يَتَعاطَونَها، فوالله إنَّ وجُوهَهُم لَنورٌ، وإنَّهم لَعلى نورٍ، ولا يَخافُونَ إذا خافَ الناسُ، ولا يَحْزَنُونَ إذا حَزِنَ الناسُ. وقَرأَ هذهِ الآيَةَ: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ". رواه أبو داود. 3027 - (18) [صحيح لغيره] وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنه قال: "يا أيها الناس! اسمعوا، واعقلوا، واعلموا أن لله عز وجلّ عباداً ليسوا بأنبياءَ ولا شهداءَ، يَغْبِطُهم النبيون والشهداءُ على منازلهم وقربهم من الله". فجثى رجلٌ من الأعرابِ من قاصيةِ الناسِ، وألوى إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله! ناسٌ من الناسِ ليسوا بأنبياءَ ولا شهداءَ، يغبطهم الأنبياءُ والشهداءُ على مجالسهم وقربهم من الله، انْعَتْهم لنا، حلّهم لنا -يعني صفهم لنا، شكِّلْهم لنا-، فسُرَّ وجه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسؤال الأعرابي، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هم ناس من أفناءِ الناس (1) ونوازع القبائل، لم تصل بينهم أرحامٌ متقاربةٌ، تحابوا في الله وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامةِ منابرَ من نور فيجلسون عليها، فيجعل وجوهَهم نوراً، وثيابَهم نوراً، يفزعُ الناس يومَ القيامةِ   (1) أي: لا يُعلم من هم. و (النوازع): الذي ينزع إلى أهله وعشيرته؛ أي: يشتاق ويحن. الحديث: 3026 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 ولا يفزعون، وهم أولياءُ الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون". رواه أحمد وأبو يعلى بإسناد حسن، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (1) 3028 - (19) [حسن] وعن معاذ بْنِ أَنَسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ أَعْطَى لله، ومَنَع لله، وأحَبَّ لله، وأبْغَضَ لله، وأنْكَحَ لله؛ فقَدِ اسْتَكْمَلَ إيْمانَهُ". رواه أحمد والترمذي وقال: حديث "منكر"، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد"، والبيهقي وغيرهم. 3029 - (20) [حسن صحيح] وعن أبي أُمامَة رضيَ الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ أَحبَّ لله، وأبْغَضَ لله، وأعْطَى لله، ومَنَع لله؛ فقدِ اسْتَكْمَل الإِيْمانَ". رواه أبو داود. 3030 - (21) [حسن لغيره] وعن البراءِ بْنِ عازِبٍ رضي الله عنه قال: كُنَّا جلوساً عِندَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "أيُّ عُرَى الإسْلامِ أَوْثَقُ؟ ". قالوا: الصَلاةُ. قال: "حَسنةٌ؛ وما هِيَ بِها". قالوا: صِيامُ رَمَضانَ. قال:   (1) كذا قال، ولم يروه الحاكم من حديث أبي مالك، وإنما من حديث ابن عمر (4/ 170 - 171)، وقد خرجتهما في "الصحيحة" (3464). الحديث: 3028 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 "حَسنٌ؛ وما هُوَ بِهِ". قالوا: الجِهادُ. قال: "حسَنٌ؛ وما هُوَ بِهِ". قال: "إنَّ أوْثَقَ عُرى الإيمانِ أنْ تُحِبُّ في الله، وتُبْغِضَ في الله". رواه أحمد والبيهقي؛ كلاهما من رواية ليث بن أبي سُليم. 3031 - (22) [حسن لغيره] ورواه الطبراني من حديث ابن مسعودٍ أخصر منه. 3032 - (23) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ رجلاً سأَلَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: متى الساعَةُ؟ قال: "وما أعْدَدْتَ لَها؟ ". قال: لا شَيْءَ، إلا أنِّي أُحِبُّ الله ورسولَهُ. فقال: "أنتَ معَ مَنْ أحْبَبْتَ". قال أنسٌ: فَما فَرِحْنا بَشَيْءٍ فَرَحَنا بقولِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنتَ معَ مَنْ أحْبَبْتَ". قال أنسٌ: فأنا أُحِبُّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبا بكرٍ وعُمَرَ، وأرْجو أَنْ أكونَ مَعَهُم بِحُبِّي إيَّاهُم [وإنْ لَمْ أَعْمَلْ عَملَهُمْ] (1). رواه البخاري ومسلم. [صحيح] وفي رواية للبخاري: "أنَّ رجلاً مِنْ أهْلِ البادِيَةِ (2) أتى النبيَّ فقالَ: يا رسولَ الله! مَتى الساعَةُ قائمةٌ؟ قال:   (1) زيادة من "البخاري"، والسياق له، وقد أخرجه في "مناقب عمر"، والرواية الأخرى له أخرجها في "الأدب"، وكان في الأصل بعض الأخطاء فصححتها منه. (2) هو الأعرابي الذي بال في المسجد؛ كما في حديث آخر ذكره في "فتح الباري". الحديث: 3031 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 "وْيلكَ! وما أعْدَدْتَ لَها؟ ". قال: ما أَعْدَدْتُ لَها، إلا أنِّي أُحِبُّ الله ورسولَهُ. قال: "إنَّكَ معَ مَنْ أَحْبَبْتَ". فقلنا (1): ونحنُ كذلك؟ قال: "نعم". فَفَرِحْنا يَوْمَئذٍ فَرَحاً شَديداً. ورواه الترمذي (2)، ولفظُه: قال: رأيتُ أصْحابَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرِحوا بِشَيْءٍ لَمْ أَرهُم فَرِحُوا بِشَيْءٍ أَشَدَّ منهُ. قال رجلٌ: يا رسول الله! الرجلُ يُحِبُّ الرجلَ على العَمَلِ مِنَ الخَيْرِ يَعْمَلُ به ولا يَعْمَلُ بِمِثْلِهِ؟ فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المرءُ معَ مَنْ أَحبَّ". 3033 - (24) [صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! كيفَ تَرى في رجلٍ أحبَّ قوماً ولَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المرءُ معَ مَنْ أَحبَّ". رواه البخاري ومسلم.   (1) الأصل: (قال)، والتصحيح من البخاري، ورواه أحمد (3/ 192) بلفظ: "قال: قال أصحابه". (2) كذا الأصل، ولعله سبق قلم أو خطأ من الناسخ؛ فإن اللفظ المذكور إنما هو لأبي داود في "الأدب" رقم (5127 - حمص)، وأما الترمذي فرواه (2386) نحو رواية البخاري الثانية، وصححه. الحديث: 3033 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 3034 - (25) [صحيح لغيره] ورواه أحمد بإسناد حسن مختصراً من حديث جابرٍ: "المرءُ مَعَ مَنْ أحَبَّ". 3035 - (26) [صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله! الرجلُ يُحِبُّ القومَ ولا يَسْتَطيعُ أنْ يَعمَل بِعَملِهِمْ؟ قال: "أنتَ يا أبا ذرٍّ مَعَ مَنْ أحْبَبْتَ". قال: فإنِّي أحِبُّ الله ورسولَهُ. قال: "فإنَّك مَعَ مَنْ أحْبَبْتَ". قال: فأعادَها أبو ذرٍّ، فأعادَها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه أبو داود. 3036 - (27) [حسن] وعن أبي سعيدٍ الخدْرِيِّ رضيَ الله عنه؛ أنَّه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "لا تُصاحِبْ إلا مُؤْمِناً، ولا يَأْكُلْ طعَامَك إلاَّ تَقِيٌّ". رواه ابن حبان في "صحيحه" (1). 3037 - (28) [صحيح لغيره] وعن عليّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثٌ هُنَّ حَقٌّ: لا يَجْعَلُ الله مَنْ لَهُ سَهْمٌ في الإسْلامِ كَمَنْ لا سَهْمَ لَهُ، ولا يَتَولى الله عبْداً فيُولِّيهِ غَيْرَهُ، ولا يُحبُّ رجلٌ قَوْماً إلا حُشِرَ مَعَهُمْ". رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط" بإسناد جيد.   (1) قال الناجي (203/ 1): "عزوه إلى ابن حبان -وقد رواه أبو داود والترمذي وحسنه- عجيب، مع أنه ذكره في "مختصر السنن"، لكن الذي وقع له في هذا الكتاب لم يقع له في غيره"! الحديث: 3034 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 3038 - (29) [صحيح لغيره] ورواه في "الكبير" من حديث ابن مسعودٍ. (1) 3039 - (30) [صحيح لغيره] وعن عائِشَة رضيَ الله عنها؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثٌ أحْلِف علَيْهِنَّ: لا يَجعَلُ الله مَنْ له سَهْمٌ في الإسْلامِ كَمَنْ لا سَهْمَ لهُ، وأسْهُمُ الإسْلامِ ثَلاثَةٌ: الصلاةُ، والصومُ، والزكاةُ، ولا يَتولَّى الله عبْداً في الدنيا فيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ يَوْمَ القِيامَةِ، ولا يُحِبُّ رجلٌ قوماً إلا جَعَلهُ الله مَعَهُمْ" الحديث. رواه أحمد بإسناد جيد. [مضى 5 - الصلاة/ 13].   (1) قلت: الظاهر من إطلاقه أنه يعني: مرفوعاً، والواقع أنه أخرجه في "الكبير" (9/ 175 - 176) من طريق عبد الرزاق، وكذلك رواه هذا في "المصنف" (11/ 199/ 20318)، وكذلك ذكره الهيثمي (1/ 38) وأعلّه بالانقطاع. ثم رواه الطبراني بإسناد آخر، ولكنه موقوف منقطع أيضاً، إلا أنه في حكم المرفوع. وقد رواه البيهقي في "الشعب" (6/ 489 - 490) من الوجه الأول. الحديث: 3038 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 32 - (الترهيب من السحر، وإتيان الكهان والعرافين والمنجمين بالرمل والحصى أو نحو ذلك وتصديقهم). 3040 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اجْتَنِبوا السبْعَ الموِبقَاتِ". قالوا: يا رسولَ الله! وما هُنَّ؟ قال: "الشركُ بالله، والسِحْرُ، وقَتلُ النَفْسِ التي حَرَّمَ الله إلا بِالْحَقِّ، وأكْلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليَتيمِ، والتَولِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المحصَناتِ الغافِلاتِ المؤْمِنَاتِ". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. [16 - البيوع/ 19]. 3041 - (2) [صحيح لغيره] وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليسَ مِنّا مَنْ تَطيَّر أوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أو تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ لَهُ، أو سَحَر أوْ سُحِرَ لَهُ، ومَنْ أتى كاهِناً فصدَّقَهُ بما يقولُ؛ فقدْ كَفَر بما أُنْزِلَ على محمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". رواه البزار بإسناد جيد. 3042 - (3) [صحيح لغيره] ورواه الطبراني من حديث ابن عباسٍ دون قوله: "ومن أتى" إلى آخره، بإسناد حسن. 3043 - (4) [صحيح لغيره] وروى ابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده: في كتابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي كتبَه إلى أهلِ اليمنِ في الفرائضِ والسننِ والدياتِ والزكاة، فذكر فيه: "وإن أكبَر الكبائِر عندَ اللهِ يومَ القيامةِ: الإشراكُ باللهِ، وقتلُ النفسِ الحديث: 3040 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 المؤمنةِ بغيرِ الحقِّ، والفرارُ في سبيلِ اللهِ يومَ الزحفِ، وعقوقُ الوالدين، ورميُ المحصنة، وتعلمُ السحرِ، وأكلُ الربا، وأكلُ مالِ اليتيم". [مضى 12 - الجهاد/ 11]. 3044 - (5) [صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ أتى كاهِناً فصدَّقَهُ بما قالَ؛ فقد كفَر بما أُنْزِلَ على محمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". رواه البزار بإسناد جيد قوي. 3045 - (6) [حسن لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَنْ ينالَ الدَرجاتِ العُلى مَنْ تَكَهَّنَ، أوِ اسْتَقْسَم، أو رَجَع مِنْ سَفرٍ تَطَيُّراً". رواه الطبراني بإسنادين رواةُ أحدهما ثقات. 3046 - (7) [صحيح] وعن صفية بنت أبي عبيد عن بعضِ أزْواجِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (1) قال: "مَنْ أتى عَرَّافاً فسألَهُ عنْ شَيْءٍ فصَدَّقَهُ (2)؛ لَمْ تُقْبَلْ له صلاةٌ أرْبَعينَ يَوْماً" (3). رواه مسلم. (العَرَّافُ) بفتح العين المهملة وتشديد الراء كالكاهن، وقيل: هو الساحر. وقال البغوي:   (1) سقطت من الأصل واستدركتها من "مسلم" ومن "مختصره" المؤلف (رقم - 1496 - بتحقيقي). قال الناجي: "وهو أحد المواضع العجيبة التي سقط منها ذكر الرفع في هذا الكتاب، لا شك في ذلك ولا خفاء لا سيما إتيانه بعد ذكر الأنثى بقوله: (قال) ". (2) كذا الأصل، وليس في مسلم "فصدقه"، وفيه "ليلة" بدل "يوماً". وإنما هو في "مسند أحمد" (4/ 68 و5/ 380) بلفظ الكتاب وزيادته، وخفي هذا على المعلقين الثلاثة!! (3) كذا الأصل، وليس في مسلم "فصدقه"، وفيه "ليلة" بدل "يوماً". وإنما هو في "مسند أحمد" (4/ 68 و5/ 380) بلفظ الكتاب وزيادته، وخفي هذا على المعلقين الثلاثة!! الحديث: 3044 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 "العراف: هو الذي يدّعي معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها كالمسروق من الذي سرقه، ومعرفة مكان الضالة ونحو ذلك. ومنهم من يسمي المنجم كاهناً" انتهى. 3047 - (8) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أَتى عَرَّافاً أَوْ كاهِناً فَصدَّقَهُ بِما يقولُ؛ فقد كَفَر بِما أُنْزِلَ على مُحمَّدٍ". رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وفي أسانيدهم كلام ذكرته في "مختصر السنن"، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". 3048 - (9) [صحيح موقوف] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: مَنْ أَتى عَرَّافاً أوْ ساحِراً أوْ كاهِناً، فسَألَهُ فصَدَّقَهُ بما يقولُ؛ فَقَدْ كَفر بِما أُنْزِل على مُحمِّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". رواه البزار وأبو يعلى بإسناد جيد موقوفاً. 3049 - (10) [صحيح] وعنه قال: "مَنْ أَتى عَرَّافاً (1) أوْ كاهِناً، يُؤْمِنُ بِما يَقول؛ فقدْ كَفَر بِما أُنْزِلَ على محمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات.   (1) في الأصل زيادة: (أو ساحراً)، فحذفتها لعدم ورودها عند الطبراني في "الكبير" (10/ 93/ 10005)، ولا في "الأوسط" أيضاً (2/ 270/ 1476)، ولا في "المجمع" (5/ 118)، وإنما هي في الرواية التي قبلها. الحديث: 3047 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 3050 - (11) [حسن لغيره] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَدخُل الجنَّةَ مدْمِنُ خَمْرٍ، ولا مؤمِنٌ بِسِحْرٍ، ولا قاطعُ رَحِمٍ". رواه ابن حبان في "صحيحه". 3051 - (12) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنِ اقْتَبس عِلْماً مِنَ النجومِ؛ اقْتَبسَ شُعْبَةً مِنَ السحْرِ زادَ ما زَادَ". رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما. (قال الحافظ): "والمنهي عنه من علم النجوم هو ما يدَّعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية في مستقبل الزمان، كمجيء المطر، ووقوع الثلج، وهبوب الريح، وتغيّر الأسعار، ونحو ذلك. ويزعمون أنهم يدركون ذلك بسير الكواكب واقترانها وافتراقها وظهورها في بعض الأزمان. . وهذا علم استأثر الله به، لا يعلمه أحد غيره، فأما ما يدرك من طريق المشاهدة؛ من علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة، وكم مضى من الليل والنهار، وكم بقي فإنه غير داخل في النهي. والله أعلم" (1).   (1) قلت: ومن ذلك عندي التنبؤ بنزول المطر، وتساقط الثلج، وهبوب الرياح، ونحوها، فإن لمعرفة ذلك اليوم موازين دقيقة سخرها الله للناس في هذا الزمان، مثل الساعات التي يعرف بها الوقت، فلا علاقة لذلك البتة بعلم النجوم المذموم. الحديث: 3050 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 33 - (الترهيب من تصوير الحيوانات والطيور في البيوت وغيرها) (1). 3052 - (1) [صحيح] عن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الذينَ يَصْنَعونَ هذه الصُّوَرَ (2) يُعَذَّبُون يومَ القِيامَة؛ يُقالَ لَهُمْ: أَحْيُوا ما خَلَقْتُمْ". رواه البخاري ومسلم. 3053 - (2) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قَدِمَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ سَفرٍ وقد سَترتُ سَهْوةً لي بقرامٍ فيه تَماثِيلُ، فلمَّا رآهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَلوَّن وجْهُهُ، وقال: "يا عائشةُ! أشدُّ الناسِ عَذاباً عندَ الله يومَ القِيامَةِ؛ الَّذينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ الله". قالتْ: فَقطَّعْناهُ، فجعَلْنا منهُ وِسَادةً أوْ وِسادَتَيْنِ. وفي رواية: قالَتْ: دَخَل علَيَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي البيتِ قِرامٌ فيه صوَرٌ، فتَلوَّنَ وجْهُهُ ثُمَّ تناوَل الستْرَ فَهَتَكَهُ، وقال:   (1) قلت: سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة، وسواء صورت بالقلم والريشة، أو بالآلة، كل ذلك حرام إلا ما لابد منه كلعب البنات ونحوها؛ كما كنت بينته في "آداب الزفاف" ثم في "غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام"، والتفريق بين الصور الفوتوغرافية والصور اليدوية ظاهرية عصرية ابتلي بها كثير ممن يدعي العلم، ولم يتفقهوا بالسنة المحمدية، وما مثلهم إلا مثل من يبيح الأصنام والتماثيل التي صنعت بالآلة، ولم تُنحت باليد! وأنا حين أقول هذا أعلم أن هناك من اشتط في الضلال، فأباح الصور والتماثيل بزعم أنها حرمت تحريماً زمنياً، وهؤلاء لا وزن لهم، لأنهم خرقوا بذلك إجماع السلف، وخالفوا أحاديث الباب. (2) أي: غير المجسمة، أو التي لا ظل لها، بدليل القرام في حديث عائشة الآتي بعده، وأما المجسمة فهي داخلة فيه من باب أولى. فتنبه. الحديث: 3052 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 "إنَّ مِنْ أشدِّ الناسِ عَذاباً يومَ القيامَةِ الَّذينَ يصَوِّرونَ هذه الصُّوَرَ". وفي أخْرى: أنَّها اشْتَرتْ نُمْرُقةً فيها تصاويرُ، فلمَّا رآها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قامَ على البابِ فلَمْ يَدْخُلْ، فَعرْفتُ في وَجْهِهِ الكَراهِيَةَ. قالتْ: فقلتُ: يا رسولَ الله! أتوبُ إلى الله وإلى رسولِه، ماذا أذْنَبْتُ؟ فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. "ما بالُ هذه النُّمرُقَةِ؟! ". فقلتُ: اشْتَريْتُها لَكَ لِتَقْعُدَ علَيها وتَوَسَّدها، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ أصْحابَ هذهِ الصُّورِ يُعَذَّبُونَ يومَ القِيامَةِ؛ فيُقالُ لَهُمْ: أَحْيُوا ما خَلَقْتُمْ". وقال: "إنَّ البيْتَ الَّذي فيه الصُّوَرُ لا تَدْخُلُه الملائِكَةُ" (1). رواه البخاري ومسلم. (السَّهْوَةُ) بفتح السين المهملة: هي الطاق في الحائط يوضع فيه الشيء. وقيل: هي الصفة. وقيل: المخدع بين البيتين. وقيل: بيت صغير كالخزانة الصغيرة. و (القِرامُ) بكسر القاف: هو الستر. و (النُّمْرُقَةُ) بضم النون والراء أيضاً -وقد تفتح الراء- وبكسرهما: هي المخدَّة. 3054 - (3) [صحيح] وعن سعيد بن أبي الحسن قال: جاءَ رجلٌ إلى ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهما فقالَ: إنِّي رجلٌ أصَوِّرُ هذهِ الصُّوَرَ، فأَفْتِني فيها، فقالَ لَهُ: ادْنُ مِنِّي، فدَنا، ثُمَّ قال: ادْن مِنِّي، فدنا حَتَّى وضَع يَدهُ على رَأْسِه وقالَ: أُنَبِّئُكَ بما سمِعْتُ مِنْ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،   (1) زاد أبو بكر الشافعي: "قالت: فما دخل حتى أخرجتها". انظر "آداب الزفاف". والمراد بـ"الصورة" هنا هي المطرزة، كما يدل عليه السياق، فهي غير مجسمة، فتنبه. الحديث: 3054 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 سمِعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "كلُّ مُصَوِّرٍ في النارِ، يجْعَلُ لَه بِكلِّ صورَةٍ صوَّرَها نَفْساً فتُعذِّبه في جَهنَّمَ". قال ابنُ عبَّاسٍ: فإنْ كنتَ لا بُدَّ فاعِلاً، فاصْنَع الشَّجَر وما لا نَفْسَ لَهُ. رواه البخاري ومسلم. (1) وفي رواية للبخاري (2) قال: كنتُ عندَ ابْنِ عبَّاسٍ إذْ جاءَهُ رجلٌ فقال: يا أبا (3) عبَّاسٍ: إنِّي رجلٌ إنَّما معيشَتي مِنْ صَنْعَةِ يَدي، وإنِّي أصْنَعُ هذه التصاويرَ؟ فقال ابْنُ عبَّاسٍ: لا أحدِّثُكَ إلا ما سمِعْتُ مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سمعْتُه يقول: "مَنْ صَوَّرَ صورَةً فإنَّ الله مُعَذِّبُهُ حتى يَنْفُخَ فيها الروحَ، وليْسَ بِنَافِخٍ فيها أَبداً". فَربا الرجلُ رَبْوَةً شَديدةً [واصفر وجهه]، فقال: وَيْحكَ! إنْ أبَيْتَ إلا أنْ تَصْنعَ فعليكَ بهذا الشجَرِ، وكلِّ (4) شيْءٍ ليسَ فيه روحٌ.   (1) هذا اللفظ لمسلم فقط (6/ 161)، لم يرو البخاري الا الرواية الآتية، وبذلك جزم الناجي، وغفل عنه الغافلون -كعادتهم- في تعليقهم، وأكدوا جهلهم فيما سموه بـ "تهذيب الترغيب" (ص 518) فنسبوا الروايتين للشيخين بالأرقام فزادوا في الخطأ أنهم نسبوا الثانية لمسلم أيضاً!! (2) قال الناجي: "هذه العبارة موهمة أن السياق الأول للشيخين، وأن الثاني رواية أخرى للبخاري، وليس هو عند كل منهما إلا من طريق واحد، لكن اللفظ الأول لمسلم، والثاني للبخاري لا غير". قلت: وهو عند أحمد (1/ 308) باللفظ الأول. (3) الأصل: (ابن)، والتصحيح من "البخاري" آخر (البيوع)، والزيادة منه، وغفل عن هذا كله مدعو التحقيق. (4) كذا الأصل بإثبات الواو، وهو رواية أبي نعيم، وأما رواية البخاري فحَذَفَتْها على أنه بدل كل من بعض، وقد جوّزه بعض النحاة. انظر "الفتح". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 (رَبَا) الإنسان: إذا انتفخ غيظاً أو كبراً. 3055 - (4) [صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "إن أشَدَّ الناسِ عَذَاباً يومَ القِيامَةِ؛ المصَوِّرونَ. رواه البخاري ومسلم. 3056 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "قال الله تعالى: ومَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَب يَخْلُقُ كَخَلْقي، فلْيَخْلُقوا ذَرَّةً، ولْيَخْلُقوا حَبَّةً، ولْيَخْلُقوا شَعيرَةً". رواه البخاري ومسلم. 3057 - (6) [صحيح] وعن حيان بن حصين قال: قال لي عليٌّ رضي الله عنه: ألاَّ أبْعَثُكَ على ما بَعثَني عليهِ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ "أنْ لا تدعَ صورَةً إلا طَمَسْتَها، ولا قَبْراً مُشْرِفاً إلا سَوَّيتَهُ". رواه مسلم وأبو داود والترمذي. 3058 - (7) [صحيح] وعن أبي طلحة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تدخُل الملائكةُ بيتاً فيهِ كلْبٌ ولا صورَةٌ". رواه البخاري ومسلم، والترمذي والنسائي وابن ماجه. وفي رواية لمسلم: الحديث: 3055 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 "لا تدخلُ الملائِكةُ بَيْتاً فيهِ كلْبٌ، ولا تَماثيلُ (1) ". 3059 - (8) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: واعدَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِبريلُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يأتِيَهُ، فراثَ عليهِ حتَّى اشْتَدَّ على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَخرَج، فلَقِيَهُ جِبْريلُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَشكا إليْهِ، فقالَ: "إنَّا لا نَدْخُل بيتاً فيهِ كلْبٌ ولا صورَةٌ". رواه البخاري. (راثَ) بالثاء المثلثة غير مهموز؛ أي: أبطأ. 3060 - (9) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَتاني جبريلُ عليه السلامُ فقال لي: أتَيْتُكَ البارِحَةَ فلَمْ يَمْنَعْني أنْ أكونَ دخلتُ إلا أنَّه كانَ على البَابِ تَماثيلُ، وكانَ في البيْتِ قِرامُ سِتْرٍ فيه تَماثيلُ، وكان في البيتِ كَلْبٌ، فَمُرْ برَأْسِ التمثَالِ الذي في البيْتِ يُقَطَّعْ فيصيرَ كَهَيْئَةِ الشجرةِ، ومُرْ بالستْرِ فلْيُقطَّعْ فيُجْعَلَ منهُ وسادَتَيْنِ مَنْبوذَتَيْنِ توطآنِ، ومُرْ بالكَلْبِ فلْيُخْرَجْ". رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". وتأتي أحاديث من هذا النوع في [41 - باب] "اقتناء الكلب" إن شاء الله تعالى.   (1) أي: صور. قال الناجي: (203/ 2): "وكذا البخاري، لكن لفظه: (ولا صورة تماثيل)، وله في رواية: (ولا تصاوير)، وفي أخرى: (بيتاً فيه الصور) ". الحديث: 3059 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 3061 - (10) [صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يَخْرجُ عُنقٌ مِنَ النارِ يومَ القِيامَةِ لهُ عَيْنانِ تُبْصِرانِ، وأُذُنانِ تَسْمَعانِ، ولسانٌ ينْطِقُ، يقولُ: إنِّي وُكِّلْتُ بثَلاثَةٍ: بِمَنْ جعَل مَع الله إلهاً آخَر، وبكُلِّ جَبَّارٍ عَنيدٍ، وبالمُصَوِّرِينَ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح غريب" (1). (عُنُقٌ) بضم العين والنون؛ أي: طائفة وجانب من النار.   (1) قلت: ورواه أحمد أيضاً. انظر "الصحيحة" (512)، وكان في الأصل بعض الأخطاء فصححتها من الترمذي. الحديث: 3061 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 34 - (الترهيب من اللعب بالنرد (1)). 3062 - (1) [صحيح] عن بريدة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ لَعِبَ بالنَّرْدَشيرِ؛ فكأنَّما صَبَغ يَدَهُ في لحمِ خنزيرٍ ودَمِهِ (2) ". رواه مسلم. وله ولآبي داود وابن ماجه: "فكأنَّما غَمسَ يَدهُ في لَحْمِ خِنْزيرٍ ودَمِهِ". 3063 - (2) [حسن] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ لَعِبَ بنَرْدٍ أوْ نرْدَشيرٍ؛ فقد عَصَى الله ورسولَهُ". رواه مالك -واللفظ له-، وأبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي، ولم يقولوا: "أو نردشير". وقال الحاكم: "صحيح على شرطهما". (قال الحافظ): "قد ذهب جمهور العلماء إلى أن اللعب بالنرد حرام، ونقل بعض مشايخنا الإجماع على تحريمه، واختلفوا في اللعب بالشطرنج، فذهب بعضهم إلى إباحته؛ لأنه يستعان به في أمور الحرب ومكائده، لكن بشروط ثلاثة: أحدها: أن لا يؤخر بسببه صلاة عن وقتها.   (1) (النرد) بفتح النون وسكون الراء: لعب معروف، ويسمى: الكعاب، والنردشير. قال النووي: (النردشير) هو النرد، فـ (النرد) عجمي معرب و (شير) معناه حلو. (2) الأصل: (دم خنزير)، والتصحيح من مسلم (7/ 50)، والفرق بين روايته والرواية التي بعدها هو في لفظ (غمس) فقط. ولم يتنبه لهذا المعلقون الثلاثة! لا هنا ولا فيما سموه بـ"التهذيب"، بل جاؤوا بتخليط آخر فنسبوا الرواية الأولى على خطئها للثلاثة المذكورين وبالأرقام!! الحديث: 3062 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 والثاني: أن لا يكون فيه قمار. والثالث: أن يحفظ لسانه حال اللعب عن الفحش والخناء ورديء الكلام، فمتى لعب به أو فعل شيئاً من هذه الأمور كان ساقط المروءة مردود الشهادة. وممن ذهب إلى إباحته سعيد بن جبير والشعبي، وكرهه الشافعي كراهة تنزيه. وذهب جماعات من العلماء إلى تحريمه كالنرد وقد ورد ذكر الشطرنج في أحاديث لا أعلم لشيء منها إسناداً صحيحاً ولا حسناً. والله أعلم". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 35 - (الترغيب في الجليس الصالح، والترهيب من الجليس السيّئ، وما جاء في من جلس وسط الحلقة، وأدب المجلس وغير ذلك). 3064 - (1) [صحيح] عن أبي موسى رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّما مَثلُ الجَليس الصَّالحِ والجَليسِ السُّوءِ كَحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكيرِ، فحامِلُ المِسْكِ إمَّا أنْ يُحذِيكَ، وإمَّا أنْ تَبْتَاع مِنْهُ، وإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحاً طَيِّبَةً، ونَافِخُ الكير إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثيابَكَ، وإمَّا أنْ تَجِد مِنْهُ ريحاً خَبيثَةً". رواه البخاري ومسلم. (يحذيك) أي: يعطيك. 3065 - (2) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ومثَلُ الجَليس الصَّالحِ كمثلِ صاحِبِ المِسْكِ، إنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْهُ شَيْءٌ أصابَك مِنْ ريحِهِ، ومَثلُ الجَليسِ السُّوءِ كَمثَلِ صاحِبِ الكيرِ، إنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ سَوادِهِ أصابَكَ مِنْ دُخانِهِ". رواه أبو داود والنسائي. 3066 - (3) [صحيح] وعن الشرِيد بن سُوَيدٍ رضي الله عنه قال: مَرَّ بي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا جالِسٌ، وقد وضَعْتُ يديَ اليُسْرى خلْفَ ظهْرِي واتَّكَأْتُ على ألْيَةِ يَدي، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تَقْعُدْ قِعْدَةَ المَغْضوبِ علَيْهِمْ". رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه" وزاد: قال ابن جريج: الحديث: 3064 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 "وضَعَ راحَتَيْه على الأَرْضِ [وراء ظهره] (1) ". 3067 - (4) [حسن لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقامَ لَهُ رجلٌ عَنْ مَجْلِسِه، فذهَب لِيَجْلِسَ فيهِ، فنَهاهُ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه أبو داود. 3068 - (5) [صحيح] وفي روايةٍ له عن سعيد بن أبي الحسن قال: جاءَ أبو بكرةَ في شهادَةٍ، فقامَ لَهُ رجلٌ مِنْ مَجْلسِه، فأبى أنْ يَجْلِسَ فيهِ، وقال: "إنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى عَنْ ذا". 3069 - (6) [صحيح] وعن ابن عمر أيضاً قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يُقيمَنَّ أحَدُكم رجلاً مِنْ مَجْلِسه ثُمَّ يَجْلِسُ فيه، ولكنْ تَوسَّعُوا وتَفَسَّحوا؛ يَفْسَحِ الله لَكُمْ". وفي رواية: قال: وكان ابن عمر إذا قام له رجلٌ مِنْ مَجْلِسِه لَمْ يَجْلِسْ فيهِ. رواه البخاري ومسلم. 3070 - (7) [حسن لغيره] وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: "كنا إذا أتينا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جلسَ أحدُنا حيث ينتهي".   (1) زيادة من (ابن حبان/ 5645 - الإحسان)، وسقطت من "الموارد" (1956) أيضاً، ولم أفهم لهذه الجملة هنا معنى، لأن ابن جريج هو الذي روى السياق الأول: "يدي اليسرى". فلعل الأصل: "وقال ابن جريج مرة. ."، والله أعلم. انظر التعليق على كتابي "صحيح الموارد" (32 - الأدب/ 15). الحديث: 3067 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه". 3071 - (8) [حسن] وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يَحِلُّ لرجلٍ أنْ يُفَرِّقَ بيْنَ اثْنَيْنِ إلا بِإذْنِهِما". رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن". [حسن] وفي رواية لأبي داود: "لا يَجْلِسْ بَيْنَ رجُلَيْنِ إلا بإذْنِهِما". 3072 - (9) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا قامَ أحدُكُم مِنْ مَجْلسٍ ثُمَّ رجَع إليه؛ فهوَ أحَقُّ بِه". رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه. 3073 - (10) [صحيح] وعن وهب بن حذيفة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الرجلُ أحَقُّ بمَجلِسه، فإذا خَرجَ لحاجَتِه ثُمَّ رجَع؛ فهوَ أحَقُّ بمَجلِسه". رواه الترمذي وابن حبان في "صحيحه". 3074 - (11) [حسن لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "خيرُ المَجالِس أَوْسَعُها". رواه أبو داود. 3075 - (12) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ أيضاً؛ أن رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إيَّاكمْ والجلوسَ بالطُّرقاتِ". قالوا: يا رسولَ الله! ما لَنا بُدّ مِنْ مَجالِسنا نتحدَّثُ فيها؟ فقال رسولُ الحديث: 3071 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنْ أَبَيْتُمْ؛ فأَعْطوا الطريقَ حَقَّهُ". قالوا: وما حَقُّ الطريقِ يا رسولَ الله؟ قال: "غَضُّ البصَرِ، وكفُّ الأَذى، وردُّ السلامِ، والأَمْرُ بالمعروفِ، والنهيُ عَنِ المنكَرِ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 36 - (الترهيب من أن ينام المرء على سطح لا تحجير له، أو يركب البحر عند ارتجاجه). 3076 - (1) [صحيح لغيره] عن عبد الرحمن بن عليّ -يعني ابن شيبان- عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ باتَ على ظهْرِ بيْتٍ ليسَ له حِجارٌ، (1) فقدْ بَرِئَتْ منهُ الذِّمَّةُ". رواه أبو داود. (قال الحافظ): "هكذا وقع في روايتنا "حجار" بالراء بعد الألف. وفي بعض النسخ "حجاب" بالباء الموحدة، وهو بمعناه". 3077 - (2) [صحيح] وروي عن جابرٍ رضي الله عنه قال: "نهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ ينامَ الرجلُ على سطْحٍ ليس بمَحْجُورٍ علَيْهِ". رواه الترمذي وقال: "حديث غريب". 3078 - (3) [حسن] وروي عن أبي عمران الجَوْني قال: كنَّا بفارِس وعلينا أميرٌ يُقالُ له: (زُهَيْرُ بْنُ عَبْدِ الله)، فأبْصَر إنْساناً فوْقَ بَيْتٍ أوْ إجّارٍ ليسَ حوله شَيْءٌ، فقال لي: سمعتَ في هذا شيْئاً؟ قلتُ: لا. قال: حدَّثَني رجلٌ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ باتَ فوْقَ إِجَّارٍ أو فوْقَ بيْتٍ ليسَ حوْلَهُ شيءٌ يرُدُّ رِجلَهُ؛ فقد بَرِئَتْ منهُ الذِّمَّةُ، ومَنْ رَكِبَ البَحْرَ بَعْدَ ما يَرتَجُّ؛ فقد بَرِئَتْ منه الذِمَّةُ". رواه أحمد مرفوعاً هكذا وموقوفاً، ورواتهما ثقات، والبيهقي مرفوعاً.   (1) أي: فوقع فمات كما يأتي في الحديث الآتي آخر الباب. الحديث: 3076 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 [حسن لغيره] وفي رواية للبيهقي عن أبي عمران أيضاً قال: كنتُ مَع زُهَيْر الشَّنَوِي (1)، فأتَيْنا على رجلٍ نائمٍ على ظهْرِ جِدَارٍ، وليسَ لَهُ ما يَدْفَعُ رجْلَيْهِ، فضرَبَهُ بِرِجْلِه، ثُمَّ قال: قُمْ، ثُمَّ قال زهيرٌ: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ باتَ على ظَهْرِ جِدارٍ وليسَ لَهُ ما يَدْفَعُ رِجْلَيْه، فوقَعَ فَمات؛ فقد بَرِئَتْ منهُ الذِّمَّة، ومَنْ رَكِبَ البَحْرَ في ارْتِجَاجِهِ، فَغَرِقَ؛ فقد بَرِئَتْ منه الذِّمَّةُ". قال البيهقي: "ورواه شعبة عن أبي عمران عن محمد بن أبي زهير، وقيل: عن محمد بن زهير بن أبي علي، وقيل: عن زهير بن أبي جبل عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقيل غير ذلك (2) ". (الإِجَّارُ) بكسر الهمزة وتشديد الجيم: هو السطح. و (ارتجاج البحر): هيجانه.   (1) بفتح الشين المعجمة والنون وكسر الواو، وأصله (الشنائي) بهمزة مقصورة، والأول على إرادة التسهيل، وهو منسوب إلى (أزد شَنُوءة) بمعجمة مفتوحة ثم نون مضمومة ثم همزة ممدودة ثم هاء تأنيث. كذا في "العجالة". (2) قلت: قد اتفق ثلاثة من الثقات على روايته عن أبي عمران عن زهير بن عبد الله عن الرجل كما في الرواية الأولى، وصرح بعضهم أنه صحابي، وجهالة الصحابي لا تضر، فتصدير المؤلف الحديث بصيغة التمريض؛ لا وجه له، انظر "الصحيحة" (828). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 37 - (الترهيب من أن ينام الإنسان على وجهه من غير عذر). 3079 - (1) [حسن صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مَرَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجلٍ مضْطَجعٍ على بطْنِهِ، فغَمزَهُ برِجْلهِ، وقال: "إنَّ هذه ضِجْعَةٌ لا يحِبّها الله عزَّ وجلَّ". رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه" واللفظ له (1). وقد تكلم البخاري في هذا الحديث. 3080 - (2) [حسن لغيره] وعن يعيش بن طخفة بن قيسٍ الغفاري قال: . . . كان أبي مِنْ أصحابِ الصُّفَّةِ. قال: فبينا أنا مُضْطَجعٌ مِنَ السَّحرِ على بَطْني إذ جاءَ رجلٌ يُحرِّكني بِرجْلِه، فقال: "إنَّ هذه ضِجْعَةٌ يُبْغِضُها الله". قال: فَنظرْتُ فإذا هو رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه أبو داود، واللفظ له. ورواه النسائي عن قيس بن طغفة (بالغين المعجمة) قال: حدثني أبي فذكره، وابن ماجه عن قيس بن طهفة (بالهاء) عن أبيه مختصراً.   (1) قلت: وفاته أنه رواه الترمذي (2769) باللفظ المذكور، وكذا ابن أبي شيبة (9/ 115/ 6730)، والحاكم (4/ 271) وصححه، وأقره الذهبي، وأعله البخاري في "التاريخ" (2/ 2/ 366)، ثم البيهقي في "الشعب" (4/ 177/ 4720) بما لا يقدح؛ لأنه من رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وقد صرح محمد بن عمرو بالتحديث في رواية لأحمد (2/ 287)، وهي رواية الترمذي، وأشار إلى مخالفة يحيى بن أبي كثير، فرواه عن أبي سلمة عن يعيش ابن طخفة، وهي الآتية بعده. لكن الحاكم دفع هذه المخالفة بأنه اختلف في إسناده على يحيى بن أبي كثير، ووافقه الذهبي. الحديث: 3079 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 ورواه ابن حبان في "صحيحه" عن قيس بن طغفة (بالغين المعجمة) عن أبيه كالنسائي. قال أبو عمر النمري: "اختلف فيه اختلافاً كثيراً، واضطرب فيه اضطراباً شديداً. فقيل: طهفة بن قيس (بالهاء)، وقيل: طحفة (بالحاء). وقيل: طغفة (بالغين). وقيل: طقفة (بالقاف والفاء). وقيل: قيس بن طخفة. وقيل: عبد الله بن طخفة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقيل: طهفة عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وحديثهم كلهم واحد قال: كنتُ نائماً بالصُّفَّةِ فركَضَني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرجْلِه وقال: "هذه نوْمَةٌ يُبْغِضُها الله". وكانَ مِنْ أهْلِ الصُّفَّةِ. ومِنْ أَهْلِ العِلْمِ مَنْ يقولُ: إنَّ الصُّحْبَةَ لأبيه عبد الله، وإنهَ صاحبُ القِصَّةِ" انتهى. وذكر البخاري فيه اختلافاً كثيراً وقال: "طغفة (بالغين) خطأ. والله أعلم". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 38 - (الترهيب من الجلوس بين الظل والشمس، والترغيب في الجلوس مستقبل القبلة). 3081 - (1) [صحيح] عن أبي عياض عن رجلٍ مِنْ أصحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى أنْ يَجْلِسَ الرجلُ بيْنَ الضَّحِّ والظِّلِّ، وقال: "مَجْلِسُ الشيْطانِ". رواه أحمد بإسناد جيد. 3082 - (2) [صحيح لغيره] والبزار بنحوه من حديث جابر. 3083 - (3) [حسن صحيح] وابن ماجه بالنهي وحده من حديث بريدة. (الضَّحّ) بفتح الضاد (1) المعجمة وبالحاء المهملة: هو ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض. وقال ابن الأعرابي: "هو لون الشمس". 3084 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا كانَ أحدُكم في الفَيْءِ -وفي رواية: في الشمس- (2)، فقَلصَ عنهُ الظِّلُّ، فصارَ بعضُه في الشمسِ وبعضُه في الظِّلِّ؛ فلْيَقُمْ". رواه أبو داود، وتابعيُّه مجهول (3).   (1) قال الناجي: كذا وقع: (بفتح الضاد)، وهو خطأ بلا خلاف فيه، إنما هو عند أهل اللغة بكسرها على وزن (الظل) ". (2) قلت: والسياق يأباها، فهي شاذة. فتأمل. (3) قلت: هذا التعبير غير دقيق لأنه يشعر أن الراوي عنه غير تابعي كما هو الغالب، وليس الأمر كذلك هنا، لأنه عند أبي داود (4821) من طريق محمد بن المنكدر قال: حدثني من سمع أبا هريرة يقول. . . فإن ابن المنكدر تابعي أيضاً. وأما الحاكم فرواه من طريق أخرى لكنها معلولة. انظر "الصحيحة" (838). الحديث: 3081 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 [صحيح] والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". ولفظه: "نهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يجلِسَ الرجلُ بينَ الظِّلِّ والشمْسِ". 3085 - (5) [حسن] وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ لكلِّ شيْءٍ سيِّداً، وإنَّ سيِّد المَجالِسِ قِبالَةَ القِبْلَةِ". رواه الطبراني بإسناد حسن. الحديث: 3085 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 39 - (الترغيب في سكنى الشأم (1) وما جاء في فضلها). 3086 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اللهُمَّ بارِكْ لنا في شامِنَا، [اللهم] (2) باركْ لنا في يَمَنِنا". قالوا: وفي نَجْدِنا؟ (3) قال: "اللَّهمَّ بارِكْ لنا في شامِنَا، وبارِكْ [لنا] في يَمَنِنَا". قالوا: وفي نَجْدِنا؟ قال: "هنالك الزلازِلُ والفِتَنُ، وبِها -أو قال: منها- يَخْرُج قرنُ الشيْطانِ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن [صحيح] (4) غريب". 3087 - (2) [صحيح] وعن ابن حوالة -وهو عبد الله- قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سَيَصيرُ الأمْرُ أنْ تكونوا أجْناداً مُجنَّدَةً، جُندٌ بِالشامِ، وجندٌ باليَمَنِ، وجُنْدٌ بالعِراقِ". قال ابن حوالة: خِرْ لي يا رسول الله! إنْ أدْرَكتُ ذلك. فقال:   (1) بسكون الهمزة، وتخفف؛ الإقليم الشمالي من شبه (جزيرة العرب)، ويشمل سوريا والأردن وفلسطين إلى عسقلان. انظر "معجم البلدان". (2) الأصل: (وبارك)، والتصويب من (الترمذي) والبخاري أيضاً في رواية له، وهو مما فات المؤلف عزوه إليه، وهو مخرج في "الصحيحة" (2246)، كما فات ذلك كله المعلقين الثلاثة، لأنهم مقلدة لا يحسنون البحث والتحقيق، إنما هم مجرد نقلة كما يأتي في التعليق (4). (3) أي: (عراقنا) كما في رواية للطبراني وغيره. انظر كتابي "تخريج فضائل الشام" رقم (8). (4) قلت: سقطت من الأصل، واستدركتها من "الترمذي" (3948)، وقد استدركها المعلقون الثلاثة -على خلاف عادتهم، ولكن لحداثتهم بالتحقيق لم يحصروها بين معكوفتين أولاً! ثم إنهم استدركوها بواسطة "عجالة الإملاء" ثانياً. وفات المؤلف عزوه لـ (البخاري)، فإنه أخرجه نحوه في "الفتن". انظر المصدر السابق. الحديث: 3086 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 "عليكَ بالشام فإنَّها خِيرَةُ الله مِنْ أرْضِهِ، يَجْتَبِي إليْها خِيرَتَهُ منْ عِبَادِه، فأمَّا إنْ أبَيْتُم فعلَيْكُم بِيَمَنِكُم، واسْقوا مِنْ غُدُرِكم (1)، فإنَّ الله تَوكَّل (وفي رواية: تكفَّل) لي بالشامِ وأهْلِهِ". رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 3088 - (3) [صحيح لغيره] وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنَّه قامَ يوماً في الناسِ فقال: يا أيُّها الناسُ! توشِكونَ أنْ تكونوا أجْناداً مجنَّدَةً، جُنْدٌ بالشامِ، وجُنْدٌ بالعراقِ، وجندٌ باليَمنِ". فقال ابنُ حَوالةَ: يا رسول الله! إنْ أدْرَكني ذلك الزمانُ فاخْتَرْ لي قال: "إنِّي أختارُ لكَ الشامَ، فإنَّه خِيرَة المسْلمِينَ، وصَفْوَةُ الله مِنْ بلادِه، يَجْتَبي إليْها صَفْوَتَهُ مِنْ خَلْقِه. فَمَنْ أبى فَلْيَلْحَقْ بيَمَنِه، ولَيَسْقِ مِنْ غُدُرِهِ، فإنَّ الله قد تكفَّل لي بالشامِ وأهْلِه". رواه الطبراني، ورواته ثقات. (2) 3089 - (4) [حسن صحيح] ورواه البزار والطبراني أيضاً من حديث أبي الدرداء بنحوه بإسناد حسن. 3090 - (5) [صحيح لغيره] وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُجنَّد الناسُ أجناداً، جندٌ باليمَنِ، وجُنْدٌ بالشامِ، وجندٌ بالمشْرِقِ،   (1) بضمتين، وكذا (الغدران) جمع (غدير): وهو القطعة من الماء يغادرها السيل، أي يتركها. كذا في "العجالة". (2) كذا قال! وتبعه الهيثمي (10/ 59)، وفيه فضالة بن شريك، قال أبو حاتم: "لا أعرفه". ولم يوثقه أحد! الحديث: 3088 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 وجندٌ بالمغْرِبِ". فقال رجلٌ: يا رسولَ الله! خِرْ لي، إنِّي فَتىً شَابٌّ، فلَعلِّي أُدْرِكُ ذلك، فأيُّ ذلك تَأْمُرُني؟ قال: "عليكَ بالشَّامِ". رواه الطبراني من طريقين إحداهما حسنة. [صحيح] وفي رواية له عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يقولُ لِحُذَيْفَةَ بْنِ اليَمان ومعاذِ بْنِ جَبلٍ وهُما يَسْتَشِيرانِه في المَنْزلِ، فأَوْمَأَ إلى الشَّام، ثُمَّ سَألاه؟ فأَوْمَأَ إلى الشام، قال: "عليكم بالشامِ؛ فإنَّها صَفْوَةُ بلادِ الله، يسْكُنُها خِيرَتُه مِنْ خَلْقِهِ، فَمَنْ أبى فَلْيَلْحَقْ بيَمَنِه، وليسْقِ مِنْ غُدُرِهِ، فإنَّ الله تكَفَّل لي بالشام وأهْلِهِ". 3091 - (6) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ستكونُ هجرةٌ بعدَ هجرةٍ، فخيارُ أهلِ الأرضِ ألزَمُهم مُهاجَر (1)! إبراهيمَ، ويبقى في الأرض أشرارُ أهلِها تلفظُهم أَرَضُوهم، وتَقْذَرُهم نَفْسُ اللهِ، وتحشرهم النارُ مع القردة والخنازير". رواه أبو داود عن شهر عنه، والحاكم عن أبي هريرة عنه، وقال: "صحيح على شرط الشيخين". كذا قال! (2)   (1) بفتح الجيم: موضع المهاجرة، ويريد بلاد الشام، لأن إبراهيم عليه السلام لما خرج من أرض العراق مضى إلى الشام وأقام به. "نهاية". (2) يشير المؤلف إلى أنه ليس على شرط الشيخين لأن فيه عنده (4/ 510 - 511) (عبد الله بن صالح المصري)، لم يرو له الشيخان، وروى له البخاري تعليقاً، ثم إن فيه ضعفاً من قبل حفظه، وهو عنده (4/ 486) من طريق (شهر) أيضاً، وإن من أوهام الشيخ الناجي أنه أنكر في "عجالته" (205/ 1) أن يكون الحاكم رواه عن أبي هريرة عن ابن عمرو!! ومن تخليطات الثلاثة وخبطهم أنهم = الحديث: 3091 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 3092 - (7) [صحيح] وعنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنِّي رأيْتُ كأنَّ عَمودَ الكتابِ انْتُزِع مِنْ تحتِ وسادَتي، فأتْبَعْتُه بَصرِي، فإذا هو نورٌ ساطعٌ، عُمِدَ بِه إلى الشامِ، ألا وإنَّ الإيمانَ إذا وقَعَتِ الفِتَنُ بالشَّامِ". رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". (1) 3093 - (8) [صحيح لغيره] ورواه أحمد من حديث عمرو بن العاصي. 3094 - (9) [صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بينا أنا نائِمٌ رأيتُ عمود الكِتابِ احْتُمِل مِنْ تحْتِ رأْسي فَعُمِدَ به إلى الشام، ألا وإنَّ الإِيمانَ حِينَ تَقَعُ الفِتَنُ بالشامِ". رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح". 3095 - (10) [صحيح] وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً ونحنُ عنْدَهُ: "طويى لِلشَامِ، إنَّ ملائِكَةَ الرَّحْمنِ باسِطَةٌ أجْنِحَتها علَيْهِ".   = عزوه للحاكم بالرقم الأول وقالوا: "وفيه شهر بن حوشب. . ."، وإنما هذا عنده بالرقم الآخر كما تقدم. ثم إنهم ضعفوه لجهلهم بالطريق التي صححها الحاكم، ولا علقوا عليه!! وقد خرجته من طريقيه مع شاهد له في "الصحيحة" (3203). (1) هنا في الأصل: "وفي رواية للطبراني: "إذا وقعت الفتن فالأمن بالشام")، فحذفته لضعفه، وهو مخرج في "الضعيفة" (6776)، وخلط هنا المعلقون كعادتهم غير متقين ربهم في حديث نبيهم فشملوا الصحيح والضعيف بقولهم: "حسن. . " دون تمييز!! فجاروا على الصحيح، فأنزلوه من رتبته، وتكرموا فرفعوا من رتبة الضعيف!! الحديث: 3092 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 رواه الترمذي وصححه، وابن حبان في "صحيحه". 3096 - (11) [صحيح] وعن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سَيَخْرُج عليكُم في آخِرِ الزَّمانِ نارٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُر الناسَ". قال: قلنا: بما تأْمُرنا يا رسولَ الله؟ قال: "عليكم بالشامِ". رواه أحمد والترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". 3097 - (12) [صحيح] وعن أبي الدرداء؛ أنه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "يومُ (1) المَلْحَمةِ الكُبْرى فُسْطاطُ المسْلِمينَ بأرْضٍ يقالُ لها: (الغوْطَةُ)؛ فيها مَدينَةٌ يقال لها: (دِمَشْق)؛ خيرٌ مَنازِلِ المسْلمينَ يَوْمَئذٍ". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". قوله: "فسطاط المسلمين" بضم الفاء؛ أي: مجتمع المسلمين.   (1) الأصل وطبعة عمارة (في)، والتصحيح من "المستدرك". وسنده ضعيف، وقد أبعد المؤلف النجعة، فقد رواه أبو داود وأحمد بلفظ: "فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى. . .". وسندهما صحيح، وهو مخرج في "فضائل الشام" (الحديث - 15). الحديث: 3096 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 40 - (الترهيب من الطيرة). 3098 - (1) [صحيح] عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطيَرةُ شِرْكٌ، الطيَرةُ شِرْكٌ، وما مِنّا إلا، ولكنَّ الله يُذْهبُه بالتُّوكُّلِ". رواه أبو داود واللفظ له، والترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". (قال الحافظ): "قال أبو القاسم الأصبهاني (1) وغيره: "في الحديث إضمار، والتقدير: وما منا إلا وقد يقع في قلبه شيء من ذلك؛ يعني قلوب أمته، ولكن الله يذهب ذلك عن قلب كل من يتوكل على الله، ولا يثبت على ذلك". هذا لفظ الأصبهاني، والصواب ما ذكره البخاري وغيره أن قوله: "وما منا. . . ". إلى آخره من كلام ابن مسعود؛ مدرج غير مرفوع. (قال الخطابي): وقال محمد بن إسماعيل: "كان سليمان بن حرب ينكر هذا الحرف ويقول: ليس من قول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكأنه قول ابن مسعود". وحكى الترمذي عن البخاري أيضاً عن سليمان بن حرب نحو هذا (2) ". 3099 - (2) [حسن لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَنْ ينالَ الدَّرجاتِ العُلى مَنْ تَكَهَّنَ أو اسْتَقْسَمَ، أوْ رَجع مِن سَفرٍ تَطَيُّراً". رواه الطبراني والبيهقي، وأحد إسنادي الطبراني ثقات. [مضى 32 - باب].   (1) في كتابه "الترغيب والترهيب" (1/ 309)، وصححت منه خطأً كان في الأصل. (2) قلت: والراجح عندي أنه مرفوع من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما هو مبين في "الأحاديث الصحيحة" (430)؛ ولذلك جعلته بين الأهلة". الحديث: 3098 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 41 - (الترهيب من اقتناء الكلب إلا لصيد أو ماشية). 3100 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنِ اقْتَنى كَلْباً إلا كلبَ صَيْدٍ أو مْاشِيَةٍ، فإنَّه يَنْقصُ مِنْ أَجْرِهِ كلُّ يومٍ قيراطانِ". رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي. (1) وفي رواية للبخاري: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن اقْتَنى كلباً ليْسَ بِكَلْبِ ماشِيَةٍ أوْ ضارية (2)؛ نَقَصَ كلَّ يومٍ مِنْ عمله قِيراطَان". ولمسلم: "أيُّما أَهْل دارٍ اتَّخَذوا كلباً إلا كَلْبَ ماشِيَة أوْ كلْبَ صائدٍ؛ نَقصَ منْ عَمَلِهمْ كلَّ يومِ قِيراطانِ". 3101 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أَمْسكَ كَلْباً فإنَّه يَنْقُص مِنْ عَملِه كلَّ يومٍ قيراطٌ؛ إلا كَلْبَ حرْثٍ أوْ ماشِيَةٍ". رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: "مَنِ اقْتَنى كَلْباً ليس بِكَلْبِ صَيْدٍ ولا ماشِيَةٍ ولا أرْضٍ؛ فإنَّه يُنْقَصُ مِنْ أجْرِه قِيراطَان كلَّ يومٍ".   (1) قلت: والسياق له؛ إلا أنه قال: "نقص. . " إلى آخره، ليس عنده: "فإنه ينقص"، وهو عند البخاري (5481)؛ إلا أنه قال: "إلا كلب ماشية أو ضارياً". ومنه يبدو أن المؤلف لفق الحديث من روايتين! وقد مضى له أمثلة. (2) الأصل: (صيد)، والتصويب من البخاري (5480 - فتح). الحديث: 3100 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 3102 - (3) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: إنِّي لَمِمَّنْ يرفَعُ أغْصانَ الشجرةِ عَنْ وَجْهِ رَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يَخْطُبُ فقالَ: "لَوْلا أنَّ الكِلابَ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ لأَمَرْتُ بِقَتْلِها، فاقْتُلوا مِنْها كلَّ أَسْودَ بَهِيمٍ، وما مِنْ أهْلِ بيْتٍ يَرْتَبِطونَ كَلْباً؛ إلا نَقصَ مِنْ عَملِهمْ كلَّ يومٍ قيراطٌ إلا كَلْبَ صيْدٍ، أوْ كلبَ حَرْثٍ، أو كلْبَ غَنمٍ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، وابن ماجه، إلا أنه قال: "وما مِنْ قوم اتَّخذوا كلْباً إلا كَلْبَ ماشِيَةِ، أو كلْبَ صَيْدٍ، أو كلْبَ حَرْثٍ؛ إلاَّ نقَصَ مِنْ أُجورِهِم كلَّ يومٍ قِيراطَانِ". 3103 - (4) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: واعدَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِبرْيلُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ساعَةٍ أن يَأْتِيَهُ، فجاءَتْ تلكَ الساعةُ ولَمْ يَأتِه، قالَت: وكانَ بِيَدِهِ عصاً فطَرَحها مِنْ يَدِه، وهو يقول: "ما يُخْلِفُ الله وعدَه ولا رُسلُه". ثُمَّ الْتَفَتَ فإذا جَرْوُ كَلْبٍ تحتَ سَريرِه، فقال: "متى دَخَل هذا الكلْبُ؟ ". فقلتُ: والله ما دريتُ؟ فأمرَ به فأُخْرِجَ، فجاءَهُ جِبْريلُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وَعَدْتَني فجلَسْتُ لكَ ولَمْ تأتني"، فقال: منَعني الكلبُ الذي كانَ في بَيْتِكَ، إنَّا لا نَدْخل بَيْتاً فيه كَلْبٌ ولا صورَةٌ. رواه مسلم. الحديث: 3102 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 3104 - (5) [صحيح] وعن بريدة رضي الله عنه قال: احْتَبسَ جبريلُ على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال لَهُ: "ما حَبسَك؟ "، فقالَ: "إنَّا لا ندخُلُ بَيْتاً فيه كلْبٌ". رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح". 3105 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتاني جِبْريلُ فقال: إنِّي كنتُ أَتيْتُك البارِحَةَ فلَمْ يَمْنعني أنْ أكونَ دخلتُ عليك البيتَ الذي كنتَ فيه إلا أنَّه كانَ في بابِ البَيْتِ تِمثالُ الرجالِ، وكانَ في البيتِ قِرامُ سِتْرٍ فيه تَماثيلُ، وكان في البيتِ كلْبٌ، فَمُرْ برأْسِ التمثالِ الذي بالبابِ فليُقَطَّعْ فيصيرَ كهَيْئَةِ الشجَرةِ، ومُرْ بالسّتْرِ فلْيُقَطَّعْ، ويُجْعَل منه وسادَتَيْنِ منتَبَذَتَيْن تُوطآنِ، ومُرْ بالكَلْبِ فيُخرَجَ". فَفعلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان ذلك الكلبُ جَرواً للحُسيْنِ أو للحَسن تحت نَضَدٍ له، فأُمِرَ به فأُخْرِجَ". رواه أبو داود والترمذي، واللفظ له وقال: "حديث حسن صحيح"، والنسائي وابن حبان في "صحيحه". [مضى هنا/ 33]. (الَّضَد) بفتح النون والضاد المعجمة: هو السرير؛ لأنه ينضد عليه المتاع. 3106 - (7) [حسن صحيح] وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: دخلتُ على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليه الكآبةُ، فسألتهُ ما له؟ فقال: "لم يأتني جبريلُ منذ ثلاثٍ". فإذا جرو كلبٍ بين بيوته. . .، فبدا له جبريلُ عليه السلام، فهشَّ إليه رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: الحديث: 3104 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 "ما لكَ لم تأتني؟ ". فقال: "إنا لا ندخلُ بيتاً فيه كلبٌ ولا تصاويرُ". رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح" (1). ورواه الطبراني في "الكبير" بنحوه. وقد روى هذه القصة غير واحد من الصحابة بألفاظ متقاربة، وفيما ذكرنا كفاية.   (1) قلت: في إسناده (5/ 203) (الحارث بن عبد الرحمن)، وهو العامري، ليس من رجال "الصحيح"، وقد وثقه غير واحد، ولم يروِ عنه إلا واحد، والقصة محفوظة عن جمع من الصحابة كما أشار إلى ذلك المؤلف، لكن ليس في شيء من طرقهم قوله في الكلب: "فأمر به فقتل"، فهو منكر، أو شاذ على الأقل، ولذلك حذفته مشيراً إليه بالنقط، ولا يقويه رواية الطبراني التي عقب بها المؤلف، فإنها عنده في "المعجم الكبير" (1/ 125/ 387) من طريق خالد بن يزيد العمري. . . ولفظه: "قال أسامة: فوضعت يدي على رأسي فصحت، فقال: ما لك يا أسامة؟ فقلت: كلب، فأمر به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقتل. . ."، فإن العمري هذا كذاب، وهو مخرج في "الضعيفة" (6778). وانظر "صحيح الترغيب" هنا، و"آداب الزفاف" (190 - 197/ المكتبة الإسلامية - عمان). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 42 - (الترهيب من سفر الرجل وحده أو مع آخر فقط، وما جاء في: خير الأصحاب عدة (1)). 3107 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو أنَّ الناسَ يعلَمونَ مِنَ الوِحْدَةِ ما أعَلَمُ، ما سارَ راكبٌ بلَيلٍ وَحْدَهُ". رواه البخاري والترمذي، وابن خزيمة في "صحيحه". 3108 - (2) [حسن صحيح] وعن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده: أنَّ رجلاً قَدمَ مِنْ سَفرٍ، فقال له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ صَحِبْتَ؟ ". قال: ما صَحِبْتُ أحَداً. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الراكبُ شيطانٌ، والراكبانِ شَيْطانان، والثلاثَةُ رَكبٌ". رواه الحاكم وصححه، وروى المرفوع منه مالك وأبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه" وبوب عليه: "باب النهي عن سفر (2) الاثنين، والدليل على أن ما دون الثلاثة من المسافرين عصاة؛ إذ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أعلم أن الواحد شيطان والاثنين شيطانان، ويشبه أن يكون معنى قوله: "شيطان" أي: عاص كقوله: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} معناه: عصاة الإنس والجن" اانتهى. 3109 - (3) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الواحِدُ شيْطانٌ، والاثْنانِ شَيْطانانِ، والثلاثَةُ رَكْبٌ". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم".   (1) يشير بذلك إلى حديث ابن عباس: خير الصحابة أربعة. . . "، وهو في "الضعيف". (2) الأصل: (سير)، وكذا في مطبوعة "صحيح ابن خزيمة" (4/ 151)، والصواب ما أثبته كما يدل عليه السياق. الحديث: 3107 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 43 - (ترهيب المرأة من أن تسافر وحدها بغير محرم). 3110 - (1) [صحيح] عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَحِلُّ لامْرَأةٍ تُؤْمِنُ بالله واليوم الآخِرِ أنْ تُسافِرَ سَفَراً يكونُ ثلاثَةَ أيّامٍ فَصاعِداً إلا ومَعها أبوها، أوْ أخوها، أوْ زوجُها، أو ابْنُها، أوْ ذو مَحْرَمٍ منها". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه. وفي رواية للبخاري ومسلم: "لا تُسافِر المرأَةُ يومَيْنِ مِنَ الدهر إلا ومَعها ذو مَحْرَمٍ منها أوْ زَوْجُها" (1). 3111 - (2) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يَحِلُّ لامْرأَةٍ تُؤْمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ أنْ تُسافِرَ ثلاثاً إلا ومَعها ذو مَحْرَمٍ منها". رواه البخاري ومسلم وأبو داود.   (1) قال الناجي (205/ 2): "اللفظ الأول ليس في "البخاري" بلا شك، إنما هو في مسلم وأبي داود والترمذي، وهو عند ابن ماجه بلفظ: "لا تسافر المرأة"، وأما لفظه الثاني فلمسلم، ورواه الشيخان أيضاً نحوه في حديث دون قوله: (من الدهر) ". قلت: وأما المعلقون الثلاثة، المدعون للتحقيق، فلم يتورعوا عن التدليس وتعمية الحقيقة على القراء عمداً أو جهلاً، فقالوا: "رواه البخاري (1197)، ومسلم (827) "!! والرقم الأول يشير إلى الحديث الذي أشار إليه الناجي، وفيه حديث الباب مختصراً جداً بلفظ: "لا تسافر المرأة يومين إلا معها زوجها أو ذو محرم": والرقم الثاني يشير إلى حديث آخر في النهي عن الصلاة بعد العصر والفجر! وصواب رقم الرواية الأولى عند مسلم (1340)، والأخرى (1338/ 2)، وهم اغتروا بالرقم الذي وضعه (محمد فؤاد عبد الباقي)، وهو غير دقيق لأنه يشير إلى طرف من الحديث الذي جاء في "الحج" كاملاً، وتقدم الطرف الذي أشار إليه في "الصلاة"! وهم لحداثتهم وجهلهم لا ينتبهون لمثل هذه الاصطلاحات! الحديث: 3110 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 3112 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَحِلُّ لامْرأَةٍ تُؤْمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ تسافِرُ مسيرَةَ يومٍ وليلَةٍ إلا مَعَ ذي مَحْرَمٍ عليها". [صحيح] وفي رواية: "مسيرَةَ يَوْمٍ". [صحيح] وفي أخرى: "مسيرَةَ ليلةٍ إلا ومَعها رجلٌ ذو مَحْرَمٍ منها". رواه مالك، والبخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه". (1)   (1) هنا في الأصل: "وفي رواية لأبي داود وابن خزيمة: أن تسافر بريداً". وهي شاذة، فحذفتها من هنا، وبيان ذلك في "الضعيفة" (2727)، وأما الجهلة الثلاثة فشملوها بالتصحيح! الحديث: 3112 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 44 - (الترغيب في ذكر الله لمن ركب دابته). 3113 - (1) [حسن صحيح] عن أبي لاسٍ الخزاعي رضي الله عنه قال: حَملَنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على إِبِلٍ مِنْ إبِل الصَّدقةِ بُلَّحٍ، فقلنا: يا رسولَ الله! ما نَرى أنْ تَحمِلَنا هذه. فقال: "ما مِنْ بَعيرٍ إلا في ذِرْوَتِه شيطانٌ، فاذْكروا اسْمَ الله عزَّ وجلَّ إذا رَكِبْتُموها كما أمرَكمُ الله، ثُمَّ امْتَهِنوها لأنْفُسِكُمْ، فإنَّما يَحْمِلُ اللهُ عَزَّ وجلَّ". رواه أحمد والطبراني، وابن خزيمة في "صحيحه" (1). قوله: (بُلَّحٍ) هو بضم الموحدة وتشديد اللام بعدها حاء مهملة، ومعناه: أنها قد أعيت وعجزت عن السير، يقال: (بَلَّحَ الرجل) بتخفيف اللام وتشديدها؛ إذا أعيا فلم يقدر أن يتحرك. واسم أبي لاسٍ -بالسين المهملة- عبد الله بن غَنَمَةٍ، وقيل: زياد، له حديثان عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أحدهما هذا. 3114 - (2) [حسن صحيح] وعن محمد بن حمزة بن عمروٍ الأسلمي؛ أنه سمع أباه يقول: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "على كلِّ بعيرٍ شيطانٌ، فإذا ركِبْتُموها فسَمُّوا الله عزَّ وجلَّ، ولا تَقْصُروا عنْ حَاجاتِكُمْ". رواه أحمد والطبراني وإسنادهما جيد.   (1) قلت: وعلقه البخاري في "صحيحه"، انظر "مختصري لصحيح البخاري (1/ ص 434 - 242 معلق) "، وهو مخرج في "الصحيحة" (2271). الحديث: 3113 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 45 - (الترهيب من استصحاب الكلب والجرس في سفر وغيره). 3115 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تَصْحَبُ الملائِكَةُ رُفقةً فيها كلبٌ أو جَرسٌ". رواه مسلم وأبو داود والترمذي. 3116 - (2) [صحيح] وعنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الجَرَسُ مزاميرُ الشيْطانِ". رواه مسلم وأبو داود والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه". 3117 - (3) [حسن لغيره] وعن أم حبيبة رضي الله عنها عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تَصْحَبُ الملائِكَةُ رُفْقَةً فيها جَرَسٌ". رواه أبو داود والنسائي. [حسن صحيح] وابن حبان في "صحيحه". ولفظه: قال: "إنَّ العيرَ التي فيها الجَرسُ لا تَصْحَبُها الملائكَةُ". 3118 - (4) [صحيح] وعن عائشةَ رضي الله عنها: "أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمَر بالأجْراسِ أنْ تُقَطَّعَ مِنْ أعْناقِ الإِبِل يومَ بَدْرٍ". رواه ابن حبان في "صحيحه" (1). 3119 - (5) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه: "أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بقَطْعِ الأجْراسِ". رواه ابن حبان في "صحيحه" أيضاً.   (1) قلت: وأحمد أيضاً (6/ 150). الحديث: 3115 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 3120 - (6) [حسن لغيره] وعن بُنانة مولاة عبد الرحمن بن حيان (1) الأنصاري: أنها كانت عند عائشة إذ دُخِل عليها بجارية وعليها جلاجل يصوتن، فقالت: لا تُدْخِلْنَها عليَّ إلا أنْ تُقَطّعْنَ جَلاجِلَها، وقالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا تدخُلُ الملائكةُ بيتاً فيه جَرَسٌ". رواه أبو داود. (بُنانة): بضم الباء الموحدة ونونين. 3121 - (7) [صحيح لغيره] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تَصْحَبُ الملائكةُ رُفْقةً فيها جُلْجُلٌ (2) ". [صحيح لغيره] وفي رواية: قال أبو بكر بن أبي شيخ: كنتُ جالساً مع سالمٍ فمرَّ بنا ركبٌ لأُمِّ البنين مَعهُم أجْراسٌ، فَحدَّث سالِمٌ عن أبيه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تصحبُ الملائكةُ رَكْباً معهم جُلْجُلٌ". كمْ تَرى معَ هؤلاءِ مِنْ جُلْجُلٍ؟! رواه النسائي.   (1) بفتح المهملة والمثناة التحتية كما في "العجالة" (206/ 2)، ووقع في الأصل بالموحدة! وفي مطبوعة حمص: (حسان)! وعلى هامشه: "في نسخة (حيان) بالياء". (2) هو الجرس الصغير الذي يعلق في أعناق الدواب وغيرها. كما في "النهاية". الحديث: 3120 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 46 - (الترغيب في الدُّلْجة -وهو السير بالليل-، والترهيب من السفر أوله (1)، ومن التعريس في الطرق، والافتراق في المنزل، والترغيب في الصلاة إذا عَرَّسَ الناس). 3122 - (1) [صحيح لغيره] عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عليكم بالدُّلْجةِ؛ فإنَّ الأرضَ تُطوى باللَّيْلِ". رواه أبو داود (2). 3123 - (2) [صحيح لغيره] وعن جابرٍ -هو ابن عبد الله- رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تُرْسِلوا فَواشِيَكُم [وصِبْيانَكُمْ] (3) إذا غابَتِ الشمسُ حتّى تذهبَ   (1) قلت: هذا مما لم يظهر لي دلالة أحاديث الباب عليه. وإن كان قد سبقه إلى ذلك جمع كالبغوي وغيره، وهي وغيرها مما ذكروا -خاصة بحالة الإقامة- بقرينة حبس الصبيان وغيرهم، كالأمر بغلق الأبواب وغيره مما جاء في "الصحيحين" وغيرهما، وما زال المسلمون منذ العهد الأول إلى اليوم يسافرون أول الليل، لا يفرقون بينه وبين وسطه وآخره، ويدل عليه عموم قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل"، وهو الذي مال إليه ابن الأثير، وقد شرحت ذلك في "الضعيفة" تحت الحديث (6847). (2) قلت: وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقد أُعلَّ بما لا يقدح كما بينته في "الصحيحة" (681 و682). (3) زيادة من "مسلم". و" (الفواشي) جمع (فاشية): وهي الماشية التي تنتشر من المال كالإبل والبقر والغنم السائمة، لأنها تفشو؛ أي: تنتشر في الأرض"؛ كما في "النهاية". وكان الأصل (مواشيكم)، فصححته من "مسلم" و"أبي داود" و"المسند" أيضاً (3/ 312 و386 و395). وفيه عنعنة أبي الزبير عن جابر، وأبو الزبير مدلس، وقد عنعنه، لكن قد صرح في رواية الحميدي في "مسنده" بالتحديث، لكن ليس فيها ذكر (فواشيكم)، وكذلك لم ترد في حديث عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار عن جابر عند الشيخين وغيرهما، فأخشى أن لا تكون محفوظة، فإن وجد لها طريق آخر أو شاهد، وإلا فهي منكرة أو شاذة كما حققته في "الصحيحة" (3454). الحديث: 3122 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 فَحْمةُ العشَاءِ، فإنَّ الشياطين تَعْبَثُ (1) إذا غابَتِ الشمسُ حتى تَذْهَبَ فَحْمَةُ العِشَاءِ". (2) رواه مسلم وأبو داود والحاكم، ولفظه: "احْبِسوا صبْيانَكُم حتى تَذْهَبَ فوْعَةُ العشَاءِ (2)، فإنَّها ساعَةٌ تَخْتَرِقُ فيها الشَياطينُ". وقال: "صحيح على شرط مسلم". 3124 - (3) [صحيح لغيره] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أقِلُّوا الخُروجَ إذا هَدَأتِ الرِّجْلُ، إنَّ الله يَبُثُّ في لَيْلهِ مِنْ خَلْقِه ما شاءَ". رواه أبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه" واللفظ له، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 3125 - (4) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا سافَرْتُمْ في الخِصْبِ فأعْطوا الإبِلَ حَظَّها مِنَ الأَرْضِ، وإذا سافَرْتُمْ في الجَدْبِ فأسْرِعوا علَيها السَيْرَ، وبادِروا بها نِقْيَها، وإذا عَرَّسْتُم فاجْتَنِبوا الطريقَ؛ فإنَّها طريقُ الدَّوابِّ ومَأْوى الهوامِّ باللَّيْلِ". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. (نِقْيَها) بكسر النون وسكون القاف بعدها ياء مثناة تحت؛ أي: مخّها، ومعناه:   (1) كذا الأصل. وفي نقل الناجي (تبعث) وقال: "كذا وجد في نسخ "الترغيب"، وإنما لفظ مسلم (تنبعث) من الانبعاث، ولفظ أبي داود (تعيث) من العيث". قلت: وما في الأصل لفظ أحمد. (2) قوله: (فوعة العشاء) بالفاء والواو: أوله. و (تخترق) أي: تنتشر، وهي بمعنى (فحمة العشاء). قال في "النهاية": "هي إقباله وأول سواده، يقال للظلمة التي بين صلاتي العشاء: (الفحمة)، وللظلمة التي بين العتمة والغداة (العَسْعَسْة) ". الحديث: 3124 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 أسرعوا حتى تصلوا مقصدكم قبل أن يذهب مخّها من ضَنْك السير والتعب. 3126 - (5) [حسن لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إيَّاكُمْ والتعريسَ على جَوادّ الطريقِ. . .، (1) فإنَّها مأْوى الحيّاتِ والسِّبَاعِ، وقضاءَ الحاجَةِ عليها؛ فإنَّها الملاعِنُ". رواه ابن ماجه؛ ورواته ثقات. (التعريس): هو نزول المسافر آخر الليل ليستريح. 3127 - (6) [صحيح] وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: كان الناسُ إذا نَزلوا تفرَّقوا في الشِّعابِ والأوْدِيَةِ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ تَفُرُّقَكُم في الشِّعابِ والأوْدِيَةِ إنَّما ذلكم مِنَ الشيْطانِ". فلَمْ يَنْزِلوا بعدَ ذلك مَنْزِلاً إلا انْضَمَّ بعضُهُم إلى بَعْضٍ. رواه أبو داود والنسائي (2).   (1) هنا في الحديث: "والصلاة عليها".، فحذفته، لأنه لا شاهد معتبر له. وأما المعلقون الثلاثة الظلمة فقالوا: "حسن بشاهده المتقدم"، وليس فيه الصلاة كما ترى! (2) فاته أحمد في "المسند" (4/ 193)، وزاد: "حتى إنك لتقول: لو بسطت عليهم كساء لعمهم، أو نحو ذلك". الحديث: 3126 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 47 - (الترغيب في ذكر الله لمن عَثَرت دابته). 3128 - (1) [صحيح] عن أبي المليِح عن أبيه رضي الله عنه قال: كنتُ رديفَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعَثَرَ بَعيرُنا، فقلتُ: تَعِسَ الشيطانُ، فقال لي النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تَقُلْ تَعِسَ الشيطانُ؛ فإنَّه يَعْظُم حتى يَصيرَ مثلَ البَيْتِ، ويقولُ: بقُوَّتي، ولكنْ قُلْ: بِسْمِ الله؛ فإنَّه يَصْغُر حتى يَصيرَ مِثْلَ الذُّبابِ". رواه النسائي (1)، والطبراني، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 3129 - (2) [صحيح] وعن أبي تميمة الهجيمي عَمَّنْ كان رِدفَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: كنتُ رِدْفَهُ على حمارٍ فَعَثَرَ الحِمارُ، فقلتُ: تَعِسَ الشيطانُ. فقال لي النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تَقُلْ تَعِسَ الشيطانُ؛ فإنَّك إذا قلتَ: تَعِسَ الشيطانُ؛ تَعاظَم في نَفْسِهِ، وقال: صرَعْتُه بقُوَّتي، وإذا قلتَ: بِسْمِ الله؛ تَصاغَرتْ إليه نَفْسُهُ حتى يكونَ أَصْغَرَ مِنْ ذُبابٍ". [صحيح] رواه أحمد بإسناد جيد، والبيهقي، والحاكم؛ إلا أنه قال: "وإذا قيلَ: بِسْمِ الله؛ خَنَسَ حتى يصيرَ مِثْلَ الذبابِ". وقال: "صحيح الإسناد".   (1) أي: في "اليوم والليلة"؛ كما في "العجالة". الحديث: 3128 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 48 - (الترغيب في كلمات يقولهن من نزل منزلاً). 3130 - (1) [صحيح] عن خولة بنت حكيمٍ رضي الله عنها قالَتْ: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ نَزلَ مَنْزِلاً ثُمَّ قال: (أعوذُ بِكَلِماتِ الله التامَّاتِ مِنْ شَرِّ ما خَلقَ)؛ لَمْ يَضُرَّهُ شيْءٌ حتى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِه ذلكَ". رواه مالك ومسلم والترمذي، وابن خزيمة في "صحيحه". الحديث: 3130 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 49 - (الترغيب في دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب سيما المسافر). 3131 - (1) [صحيح] عن أم الدرداء قالت: حدثني سيدي (1)؛ أنه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إذا دعا الرجلُ لأَخيه بِظَهْرِ الغَيْبِ قالتِ الملائِكَةُ: ولكَ بِمِثْلٍ". رواه مسلم، وأبو داود واللفظ له. (قال الحافظ): "أم الدرداء هذه هي الصغرى، تابعية، واسمها (هُجيمة) ويقال: (جهيمة) بتقديم الجيم، ويقال: (جمانة) ليس لها صحبة، إنما الصحبة لأم الدرداء الكبرى، واسمها (خيرة) وليس لها في البخاري ولا مسلم حديث، قاله غير واحد من الحفاظ". 3132 - (2) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثَلاثُ دَعواتٍ مُسْتَجاباتٌ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوةُ الوالِدِ، ودَعوَةُ المظْلومِ، ودَعْوَةُ المُسافِرِ". رواه أبو داود والترمذي في موضعين وحسنه في أحدهما. [مضى 15 - الدعاء/ 6]. 3133 - (3) [حسن] وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثَةٌ تُسْتَجابُ دَعْوَتُهم: الوالِدُ والمُسافِرُ والمظْلومُ". رواه الطبراني في حديث بإسناد جيد. [مضى 20 - القضاء/ 5].   (1) تعني زوجها أبا الدرداء. وهي الصغرى كما قال المؤلف، وأما أم الدرداء الكبرى فهي زوجته أيضاً، وقد توفيت قبله، فتزوج بعدها الصغرى. انظر "العجالة". الحديث: 3131 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 50 - (الترغيب في الموت في الغربة). 3134 - (1) [حسن] عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: ماتَ رجلٌ بالمدينَةِ مِمَّنْ وُلدَ بها، فَصلَّى عليه رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قال: "يا لَيْتَهُ ماتَ بِغَيْر مَوْلِدِه". قالوا: ولِمَ ذاكَ يا رسولَ الله؟ قال: "إنَّ الرجلَ إذا ماتَ بغيرِ مَوْلِده قِيسَ لَهُ مِنْ (1) مَوْلِدِه إلى مُنْقَطَع أثَرِه (2) في الجنَّةِ". رواه النسائي واللفظ له، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه".   (1) الأصل: (قيس بين مولده)، والتصحيح من "النسائي" (1/ 259)، وكذا هو في المصدرين الآخرين. ومع خطأ ما في الأصل وفساد معناه لم يتنبه له الثلاثة المعروفون، فأثبتوه كما هو (3/ 667)! (2) أي: أجله. قال السندي رحمه الله: "لعله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يرد بذلك: يا ليته مات بغير المدينة، بل أراد يا ليته كان غريباً مهاجراً إلى المدينة ومات بها، فإن الموت في غير مولده فيمن مات بالمدينة كما يتصور بأن يولد في المدينة ويموت في غيرها -كذلك يتصور بأن يِولد في غير المدينة ويموت بها، فليكن التمني راجعاً إلى هذا الشق حتى لا يخالفَ الحديثُ حديث فضل الموت بالمدينة المنورة". وأقول: إرجاع التمني إلى الشق المذكور ينافيه قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا ليته مات بغير مولده" أي: بغير المدينة، فكيف يحمل على من مات في المدينة؟! والذي يبدو لي أن الحديث على ظاهره، وأنه لا ينافي فضل الموت بالمدينة، لأن هذا الفضل خاص بمن سكنها وصبر على لأوائها حتى الممات كما أشار إلى ذلك المؤلف فيما تقدم [11 - الحج/ 15]: "الترغيب في سكنى المدينة حتى الممات. . ."، وحينئذ فإذا مات هذا الساكن في المدينة في الغربة يكون أفضل له مما لو مات فيها. والله أعلم. الحديث: 3134 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 24 - كتاب التوبة والزهد. 1 - (الترغيب في التوبة والمبادرة بها وإتْباع السيئة الحسنة). 3135 - (1) [صحيح] عن أبي موسى رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ يَبسُطُ يَدهُ بالليلِ لِيَتوبَ مُسيءُ النهارِ، ويَبْسُطُ يدَهُ بالنهارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ الليلِ حتى تَطْلُعَ الشمسُ منْ مَغْرِبِها" (1). رواه مسلم والنسائي. 3136 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ تابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشمسُ مِنْ مَغْرِبِها؛ تابَ الله عَليْهِ". رواه مسلم. 3137 - (3) [حسن] وعن صفوان بن عسَّالٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ مِنْ قِبَلِ المغْرِبِ لَباباً مَسِيرَةُ عَرْضِهِ أرْبعونَ عاماً، أوْ سَبعون سنَةً، فَتَحهُ الله عزَّ وجلَّ للتوْبَةِ يومَ خَلقَ السَّمواتِ والأَرْضَ، فلا يُغْلِقُه حتى تَطْلُعَ الشمسُ منهُ". رواه الترمذي في حديث، والبيهقي واللفظ له، (2) وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".   (1) حقيقة التوبة: العزم على أن لا يعاود الذنب، والإقلاع عنه في الحال، والندم عليه في الماضي، وإن كان في حق آدمي فلا بد من أمر رابع، وهو التحلل منه، هكذا فسرها كثير من العلماء. (2) قلت: أخرجه في "الشعب" (5/ 400/ 7076) مرفوعاً. وقوله: (أو سبعون سنة) شك من بعض الرواة، وأكثر الرواة على (أربعون عاماً) كما حققته في "الضعيفة" تحت لفظ ثالث منكر تحت رقم (6951). الحديث: 3135 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 وفي رواية له وصححها أيضاً: قال زِرٌّ -يعني ابن حبيش-: فما بَرِح -يعني صفوان- يحدثني حتى حدثني: "أنَّ الله جعَلَ بالمغْرِبِ باباً عَرْضُهُ مسيرَةُ سَبْعين عاماً لِلتوبَةِ، لا يُغْلَقُ ما لَمْ تَطْلُع الشمسُ مِنْ قِبَلِه، وذلك قولُ الله تَعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} الآية". وليس في هذه الرواية ولا الأولى (1) تصريح برفعه كما صرح به البيهقي، وإسناده صحيح أيضاً. 3138 - (4) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لوْ أخْطَأْتُمْ حتَّى تبلُغَ السماءَ، ثُمَّ تُبْتُمْ؛ لَتابَ الله عليْكُمْ". رواه ابن ماجه بإسناد جيد. 3139 - (5) [حسن] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوابُونَ". رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم؛ كلهم من رواية علي بن مسعدة، وقال الترمذي: "حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة عن قتادة". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد".   (1) قلت: يعني روايتي الترمذي؛ بخلاف رواية البيهقي الصريحة في الرفع، وقوله: "وإسناده صحيح" فيه تسامح، وإنما هو حسن فقط لأن فيه عندهم جميعاً عاصم بن أبي النجود، ومن طريقه رواه أحمد (4/ 239 - 240)، وابن ماجه (4070)، والحميدي في "مسنده" (881)؛ كلهم صرحوا برفعه إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثم المحفوظ في الحديث (أربعين عاماً) كما تقدم آنفاً. الحديث: 3138 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 3140 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ عبْداً أصابَ ذَنباً فقالَ: يا ربِّ! إنِّي أذْنَبْتُ ذَنْباً فاغْفِرْهُ لي، فقال لهُ ربُّه: عَلمَ عبْدي أنَّ لَهُ ربًّا يَغْفِرُ الذَنبَ ويأخُذُ بِه، فَغفَر لَهُ، ثُمَّ مكَثَ ما شاءَ الله ثُمَّ أَصابَ ذَنْباً آخَرَ، ورُبَّما قال: ثُمَّ أذْنَب ذَنْباً آخَرَ، فقال: يا ربِّ! إنِّي أذْنَبْتُ ذَنْباً آخَر فاغْفِرْهُ لي، قال ربُّه: عَلِمَ عَبْدي أنَّ لَهُ ربّاً يغْفِرُ الذنْبَ ويأْخُذُ بِهِ؛ فَغَفَر لَهُ، ثُمَّ مكَثَ ما شاءَ الله، ثُمَّ أصابَ ذَنْباً آخَرَ ورُبَّما قال: ثُم أذْنَب ذَنباً آخَرَ، فقال: يا ربِّ! إنِّي أذْنبْتُ ذَنْباً فاغْفِرْهُ لي، فقال ربُّه: علِمَ عبْدي أنَّ لَهُ ربّاً يغْفِرُ الذنْبَ ويأْخُذُ بِه، فقال ربُّه: غَفَرْتُ لِعَبْدي، فلْيَعْمَلْ ما شَاءَ". رواه البخاري ومسلم. قوله: "فليعمل ما شاء" معناه والله أعلم أنه ما دام كلما أذنب ذنباً استغفر وتاب منه ولم يعد إليه بدليل قوله: "ثم أصاب ذنباً آخر" فليفعل -إذا كان هذا دأبه- ما شاء؛ لأنه كلما أذنب كانت توبته واستغفاره كفارة لذنبه، فلا يضره، لا أنه يذنب الذنب فيستغفر منه بلسانه من غير إقلاع ثم يعاوده؛ فإن هذه توبة الكذابين. 3141 - (7) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ المؤمِنَ إذا أذْنَبَ ذَنْباً كانَتْ نُكْتَةٌ سَوْداءُ في قلْبِهِ، فإنْ تابَ ونَزَع واسْتَغْفر صُقِلَ مِنْها، وإنْ زاد زادَتْ حتى يُغَلَّفَ قلْبُه، فذلك الرَّانُ الَّذي ذكرَ الله في كتابِه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ". رواه الترمذي وصححه، والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم واللفظ له من طريقين قال في أحدهما: "صحيح على شرط مسلم". [مضى 15 - الدعاء/ 2]. [حسن] ولفظ ابن حبان وغيره: الحديث: 3140 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 "إنَّ العَبْدَ إذا أخْطَأ خَطيئَةً يُنْكَتُ في قَلْبهِ نُكْتَةٌ، فإنْ هُوَ نَزعَ واسْتَغْفَر وتابَ صُقِلَتْ، فإنْ عادَ زِيدَ فيها حتّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ" الحديث. 3142 - (8) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قالتْ قريشٌ لِلنَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ادْعُ لنا ربَّك يَجْعَلْ لنا الصَّفا ذَهَباً، فإنْ أصْبحَ ذَهباً اتَّبَعْناك، فدعَا ربَّه، فأتاهُ جبريلُ عليه السلامُ فقال: إنّ ربَّك يُقْرِئُكَ السلامَ ويقولُ لَك: إنْ شئْت أصْبَح لهُم الصَّفا ذَهباً، فَمْن كَفَر منهم عَذَّبْتُه عَذاباً لا أعَذِّبُه أحَداً مِنَ العَالَمينَ، وإنْ شئْتَ فَتَحْتُ لهم بابَ التوْبَةِ والرحْمَةِ، قال: "بَلْ بابَ التوْبَةِ والرحْمَةِ". رواه الطبراني (1)، ورواته رواة "الصحيح". 3143 - (9) [حسن] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله يقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ ما لَمْ يُغَرْغِرْ". رواه ابن ماجه والترمذي وقال: "حديث حسن [غريب] " (2). (يُغَرْغِرْ) بغينين معجمتين، الأولى مفتوحة والثانية مكسورة، وبراء مكررة، معناهُ: ما لم تبلغ روحه حلقومه، فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به.   (1) لقد أبعد النجعة وإن تبعه الهيثمي (10/ 196)، فقد أخرجه أحمد أيضاً فى "المسند" (1/ 242 و345)، وصححه الحاكم (4/ 240)، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. (2) زيادة من الترمذي (3531)، وفاته "المستدرك" (4/ 257)، وصححه، ووافقه الذهبي، وكذا ابن حبان (2449 - موارد). الحديث: 3142 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 3144 - (10) [حسن لغيره] وعن معاذِ بْنِ جَبلٍ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! أوْصِني. قال: "عليكَ بتَقْوى الله ما اسْتَطَعْتَ، واذْكرِ الله عندَ كلِّ حَجرٍ وشَجَرٍ، وما عَمِلْتَ مِنْ سوءٍ فأَحْدِثْ له تَوْبَةً، السرُّ بالسرِّ، والعَلانِيَةُ بالعَلانِيَةِ". رواه الطبراني بإسناد حسن؛ إلا أن عطاء لم يدرك معاذاً. ورواه البيهقي فأدخل بينهما رجلاً لم يسمَّ (1). 3145 - (11) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "التائِبُ مِنَ الذنْبِ كمَنْ لا ذنْبَ لَهُ". رواه ابن ماجه والطبراني؛ كلاهما من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ولم يسمع منه. ورواة الطبراني رواة "الصحيح". 3146 - (12) [صحيح] وعن حميدٍ الطويل قال: قلتُ لأنسِ بن مالكٍ: أقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الندمُ تَوْبَةٌ"؟ قال: نَعَمْ. رواه ابن حبان في "صحيحه". 3147 - (13) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مَعْقِل (2) قال: دخلت أنا وأبي على ابن مسعود، فقال له أبي: سمعتَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:   (1) قلت: لكن له طرق يتقوى بها، ويأتي من طريق أخرى قريباً، ولبعضه شاهد عن أبي ذر تقدم (8 - الصدقات/ 4)، وله طريق ثالث يأتي بلفظ آخر في "الضعيف". (2) الأصل: (مغفل)، وكذا وقع في "المستدرك" (4/ 243)، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتنا، وأبوه معقل هو ابن مقرن المزني صحابي معروف، وعلى الصواب أخرجه ابن ماجه (4252)، وأحمد (1/ 376 و423 و433)، وهذا التصحيح مما غفل عنه أولئك المعلقون الثلاثة، فأثبتوا التصحيف!! وهذا مما يدل على بالغ جهلهم، لأن (مغفلاً) لم يدرك النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -!!! الحديث: 3144 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 "الندمُ توبةٌ"؟ قال: نَعَمْ. رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 3148 - (14) [صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس أحدٌ أحبَّ إليه المدحُ مِنَ الله، مِنْ أجْلِ ذلك مَدَح نَفسَه، وليسَ أحدٌ أغْيَرَ مِنَ الله، مِنْ أجْلِ ذلك حَرَّم الفَواحِشَ (1)، وليس أحدٌ أحبَّ إليه العُذْرُ (2) مِنَ الله، مِنْ أجْلِ ذلك أنْزلَ الكِتابَ وأرْسَل الرُّسُلَ". رواه مسلم. 3149 - (15) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "والَّذي نفْسي بِيَدهِ لَوْ لَمْ تُذنِبوا لَذَهبَ الله بِكُمْ، ولَجاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبونَ فيَسْتَغْفِرونَ الله، فيَغْفِرُ لَهُمْ". رواه مسلم وغيره. 3150 - (16) [صحيح] وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه: أنَّ امْرأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتتْ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهِي حُبْلَى مِنَ الزنا؛ فقالَتْ: يا رسول الله! أصَبْتُ حدّاً، فأقِمْهُ علَيَّ، فدعا نبيُّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِيَّها؛ فقال: "أحْسِنْ إلَيْها، فإذا وَضَعَتْ فأْتِني بها". فَفَعل، فَأمَر بِها نَبيُّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشُدَّتْ عَليْها ثِيابُها، ثُمَّ أَمَر بها فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلّى علَيْها، فقال له عمر: تُصلِّي علَيْها يا رسولَ الله! وقد زَنَتْ؟ قال: "لَقدْ تابَتْ تَوْبةً لو قُسِمَتْ بينَ سَبْعينَ مِنْ أهْلِ المدينَةِ لَوَسِعَتْهُم، وهل   (1) زاد مسلم في رواية: "ما ظهر منها وما بطن"، ورواه البخاري (4634) بالزيادة، دون جملة العذر. لكن أخرجه (7416) بتمامه من حديث المغيرة نحوه. (2) أي: الاعتذار. الحديث: 3148 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 وجدْتَ [توبةً] (1) أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل! ". رواه مسلم. 3151 - (17) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّ نبيَّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كانَ فيمَنْ كان قبْلَكُم رجلٌ قتلَ تسْعَةً وتسعينَ نَفْساً، فسأَل عَنْ أعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ؟ فدُلَّ على راهبٍ، فأتاهُ فقالَ: إنَّه قَتل تِسْعةً وتِسْعينَ نَفساً، فهلْ له مِنْ تَوْبَة؟ فقال: لا! فَقَتَلَهُ، فكَمَّلَ به مئَةً. ثُمَّ سأل عَنْ أعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ؟ فَدُلَّ على رجلٍ عالِمٍ، فقال: إنَّه قَتل مِئَةَ نَفسٍ، فهلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فقال: نَعَمْ؛ مَنْ يَحولُ بَيْنَهُ وبينَ التوبَةِ؟ انْطَلقْ إلى أرْضِ كذا وكذا؛ فإنَّ بِها أُناساً يَعبُدونَ الله، فاعْبُدِ الله معَهم، ولا تَرْجعْ إلى أرْضِك؛ فإنَّها أرضُ سوءٍ. فانْطلَقَ حتَّى إذا نَصَفَ الطريق، أَتاهُ الموتُ، فاخْتَصَمتْ فيه ملائكةُ الرحمةِ وملائكة العَذابِ، فقالتْ ملائكةُ الرحمةِ: جاءَ تائباً مُقْبِلاً بقَلْبِه إلى الله تعالى، وقالتْ ملائِكَةُ العَذابِ: إنَّه لَمْ يَعْمَلْ خيراً قَطُّ، فأتاهم مَلَكٌ في صورَةِ آدَمِيٍّ، فجَعَلوهُ بَيْنَهُم، فقال: قِيسوا ما بَيْن الأرْضَين، فإلى أيَّتِهِما كانَ أَدْنى فهُوَ لَه، فقاسوا! فوَجَدوهُ أَدْنَى إلى الأَرْضِ الَّتي أَراد (2)، فَقبَضَتْهُ ملائِكَةُ الرحمةِ".   (1) سقطت من الأصل، واستدركتها من (مسلم)، ورواه جمع آخر من أصحاب السنن وغيرهم، وهو مخرج في "الإرواء" (7/ 366/ 2333). (2) أي: بشبر؛ كما في الرواية التالية وهي لمسلم، وكذا البخاري (3470)، وفيها جملة النأي الآتية؛ جعلها من الحديث المسند. وهو رواية لمسلم (8/ 104)، وفيها تصريح قتادة بسماعه للحديث من أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد، فلا أدري لم آثر المؤلف روايته عن الحسن المشعرة بأن الجملة مدرجة؟! وسياق الأولى لمسلم. الحديث: 3151 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 [صحيح] (وفي رواية): "فكان إلى القرية الصالحةِ أقربَ بشبر، فَجُعِلَ من أهلها". [صحيح] وفي رواية: "فأوحى الله إلى هذه أنْ تَباعَدي، وإلى هذه أنْ تَقرَّبي، وقال: قيسوا بيْنَهُما، فوجَدوه إلى هذِه أقْربَ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ له". وفي رواية: قال قتادة: قال الحسن: "ذُكِرَ لنا أنَّه لمَّا أتاهُ ملَكُ الموْتِ نَأى بصَدْرِهِ نَحْوَها". رواه البخاري ومسلم وابن ماجه بنحوه. 3152 - (18) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال الله عزَّ وجلَّ: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدي بي، وأنَا معَهُ حيث يذكُرني، -والله! للهُ أَفْرَحُ بتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحدِكم يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلاةِ-، ومَنْ تَقرَّبَ إليَّ شِبْراً تَقَرَّبتُ إليهِ ذراعاً، ومَنْ تَقرَّبَ إليَّ ذراعاً تَقرَّبتُ إليه باعاً؛ وإذا أقْبلَ إليَّ يَمْشي أقْبَلْتُ إليه أهَرْوِلُ" (1). رواه مسلم واللفظ له، والبخاري بنحوه. (2)   (1) قلت: فيه دلالة ظاهرة على أن لله قُرْباً يقوم به، بفعله القائم بنفسه. وهذا مذهب السلف وأئمة الحديث والسنة، خلافاً للكلابية وغيرهم ممن يمنع قيام الأفعال الاختيارية بذاته تعالى، ومن ذلك نزوله تعالى إلى السماء الدنيا. انظر "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (5/ 240 - 250)، ومنه دنوه عشية عرفة، وكل ذلك خاص بالمؤمنين، فراجع كلامه فإنه هام جداً. (2) قلت: ولفظه (7405): "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة". قلت: وكذلك رواه مسلم أيضاً (8/ 62)، وأحمد (2/ 251 و413 و480)، وله عنده طريق أخرى (2/ 482). ومن لفظ البخاري المذكور يتبين أن قول المؤلف: "والبخاري نحوه" فيه تساهل، لأنه ليس فيه = الحديث: 3152 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 3153 - (19) [صحيح] وعن شريحٍ -هو ابن الحارث- قال: سمعت رجلاً من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال الله عزَّ وجلَّ: يا ابْنَ آدَم! قُمْ إليَّ أمْشِ إليك، وامْشِ إليَّ أُهَرْوِلْ إليْكَ". رواه أحمد بإسناد صحيح.   = (جملة التوبة)، فكان ينبغي الإشارة إلى ذلك بمثل قوله: "باختصار" أو نحوه، هذا هو المعهود عند العلماء بصورة عامة، ويتأكد ذلك هنا بصورة خاصة؛ لأن هذه الجملة مدرجة في هذا الحديث، فقد أخرجه مسلم في مكان آخر (8/ 91): حدثني سويد بن سعيد: حدثني. . فذكره بإسناده الصحيح عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. . فعُصِّبَتِ العلة بسويد لأنه كان يتلقن ما ليس من حديثه كما قال الأئمة النقاد، وظننت أنه مما لقنه، وقد وجدت مع البحث والتحقيق أنه قد سبقه إلى هذا الإدراج زهير بن محمد الخراساني، أخرجه أحمد عن شيخيه: عبد الله بن عمرو (2/ 524)، وروح بن عبادة (2/ 534)، قالا: ثنا زهير به. وزهير هذا وإن كان الغالب على حديثه الاستقامة فيما رواه غير الشاميين عنه، كهذا فإن الشيخين بصريان، لكن ذلك لا ينفي إنه يشذ أحياناً، ولذلك قال الذهبي في "الكاشف": "ثقة يغرب، ويأتي بما ينكر". فغلب على ظني أن هذا الحديث مما ينكر عليه، وأنه دخل عليه حديث في حديث، فإن الجملة المذكورة قد جاءت عن جمع من الصحابة منفردة عن الحديث القدسي، وهو مخرج في "الضعيفة" تحت الحديث (3048)، والحديث القدسي رواه الأعمش: سمعت أبا صالح عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظه الذي ذكرته أعلاه، وله عند أحمد (2/ 482) طريق آخر نحوه مختصراً. وفي أخرى له (2/ 550) التصريح بالفصل بينهما، فذكر الجملة مرفوعاً، ثم قال: "وقال أبو القاسم: قال الله عز وجل. . " نحوه. (تنبيه): من الحداثة في هذا العلم إشارة المعلقين الثلاثة إلى أن الحديث في مسلم برقم (2675) أي في طبعة (محمد عبد الباقي)، وهو في موضعين منه أحدهما في مكانه المناسب لتسلسل الأرقام: وهو بجنب حديث الأعمش، والآخر بجنب حديث (سُويد)! وهذا من سوء الترقيم الذي لا يتنبه له الثلاثة، فيضلون القراء لأنهم لا يرجعون بداهة إلا إلى الموضع الأول، فلا يجدون ثمة إلا حديث البخاري، فينسبون الخطأ إلى المؤلف، وإنما هو منهم، والله المستعان. وخطأ آخر أنهم عزوا لفظه للبخاري أيضاً فيما سموه "تهذيب الترغيب. . " فقالوا (543): "رواه البخاري (. . . . .) ومسلم (. . . .) "!! الحديث: 3153 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 3154 - (20) [صحيح] وعن أنسٍ بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لله أَفْرَحُ بتَوبَةِ عبدِه مِنْ أَحَدِكُم سَقَط على بَعيرِهِ وقَدْ أضَلَّهُ بأرْضِ فَلاةٍ". رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: "لله أشَدُّ فَرحاً بتوْبَةِ عَبْدهِ حينَ يَتوبُ إليْهِ مِنْ أحَدِكُم كانَ على راحِلَتِه بأرْضِ فَلاةٍ، فانْفَلتَتْ عنه، وعلَيْها طَعامُه وشرَابُه، فأَيِسَ مِنْها، فأتى شَجرةً فاضْطَجَع في ظِلِّها قَدْ أَيِسَ مِنْ راحِلَتِه، فبينَما هو كذلِكَ إذا هُوَ بها قائمةً عندَهُ، فأخَذَ بِخُطامِها ثُمَّ قال مِنْ شِدَّةِ الفَرحِ: اللَّهُمَّ أنْتَ عَبْدي وأنا ربُّكَ! أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الفَرحِ". 3155 - (21) [صحيح] وعن الحارث بن سويدٍ عن عبد الله (1) رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "لله أفْرَحُ بتوبَةِ عَبْدِه المؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ نَزل في أرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهلكةٍ، معه راحِلَتُه، عليها طعَامُه وشَرابُه، فوضَع رأْسَه فنَام نَوْمةً، فاسْتَيقظَ وقد ذهبَتْ راحِلَتُه، فطَلبَها حتّى إذا اشْتَدَّ عليه الحرُّ والعَطَشُ أوْ ما شاءَ الله؛ قال: أرجعُ إلى مكاني الَّذي كنتُ فيه فأنامُ حتّى أموتَ، فوضَع يدَه على ساعِدهِ ليَمُوتَ، فاسْتَيْقَظ فإذا راحِلَتُه عندَهُ عليها زادُه وشَرَابُه! فالله أشَدُّ فَرحاً بتَوْبَةِ العَبْدِ المؤْمِنِ مِنْ هذا بِراحِلَتِه". رواه البخاري ومسلم. (الدّوِّيَّة) بفتح الدال المهملة وتشديد الواو والياء جميعاً: هي الفلاة القفر والمفازة.   (1) هو ابن مسعود رضي الله عنه. الحديث: 3154 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 3156 - (22) [حسن] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أَحْسَن فيما بَقيَ؛ غُفِرَ له ما مَضى، ومَنْ أَساءَ فيما بَقِيَ؛ أُخِذَ بِما مَضى وما بَقِيَ". رواه الطبراني بإسناد حسن. 3157 - (23) [صحيح] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ مثَل الذي يَعملُ السّيئاتِ ثُمَّ يعملُ الحَسنَاتِ، كمثَل رجُل كانَتْ عليه دِرْعٌ ضَيِّقَة قد خَنَقتْهُ ثُمَّ عمِلَ حسنةً فانْفكَّتْ حَلَقَةٌ، ثُمَّ عَمِلَ حسنةً أُخْرى فانْفكَّتْ أُخْرى، حتى يَخْرُج إلى الأَرْضِ". رواه أحمد والطبراني بإسنادين رواة أحدهما رواة "الصحيح". 3158 - (24) [حسن] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما: أنَّ معاذَ بْنَ جبلٍ أرادَ سفَراً فقال: يا رسول الله! أوْصِني. قال: "اعْبدِ الله ولا تُشرِكْ به شيْئاً". قال: يا رسولَ الله! زِدْني، قال: "إذا أَسأْتَ فأحْسِنْ، ولْيَحْسُنْ خُلُقك". رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 3159 - (25) [حسن لغيره] ورواه الطبراني بإسناد رواته ثقات (1) عن أبي سلمة عن معاذٍ قال: يا رسول الله! أوصِني. قال: "اعْبُدِ الله كأنَّك تَراهُ، واعْدُدْ نفْسَك في الموْتَى، واذْكُرِ الله عندَ كُلِّ   (1) الأصل: "ورواه الطبراني بإسناد، ورواته ثقات، وعن". وهو خطأ ظاهر من الطابع أو الناسخ. الحديث: 3156 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 حَجرٍ وعندَ كُلِّ شَجرٍ، وإذا عمِلْتَ سَيِّئَةً فاعْمَلْ بِجَنْبِها حَسَنةً، السرُّ بالسرِّ، والعلانِيَةُ بالعَلانِيَةِ". وأبو سلمة لم يدرك معاذاً (1). 3160 - (26) [حسن] وعن أبي ذرٍّ ومعاذ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنهما عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اتَّقِ الله حيثُما كنْتَ، وأَتْبعِ السيِّئَةَ الحَسنةَ تَمْحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حَسنٍ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". 3161 - (27) [حسن لغيره] وروى أحمد بإسناد جيد عن أبي ذرٍّ (2) رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ستَّةَ أيَّام ثُمَّ اعْقِلْ يا أبا ذرٍّ! ما يُقالُ لكَ بَعْدُ". فلمَّا كانَ اليوم السابعُ؛ قال: "أوصيكَ بتقوى الله في سرِّ أمْرِكَ وعلانِيَته، وإذا أسَأْتَ فأَحْسِنْ، ولا تَسْأَلنَّ أحداً شيْئاً وإنْ سَقَط سَوْطُكَ، ولا تَقْبِضْ أمانَةً". [8 - الصدقات/ 4]. 3162 - (28) [صحيح] وعن أبي ذرٍّ (3) رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله! أوْصِني. قال:   (1) قلت: وكذا قال الهيثمي، ووافق المؤلف على إعلاله بالانقطاع، لكن له طرق أخرى وشواهد خرجتها في "الصحيحة" (1475)، يرتقي بها إلى درجة الحسن، وقد مضى نحوه من طريق أخرى قريباً. (2) الأصل: (ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما)، وهو خطأ من الطابع أو الناسخ. (3) الأصل: (أبي الدرداء)، والتصويب من "المسند"، قال الناجي (209/ 2): "هذا عجيب، إنما هو أبو ذر صحفه بأبي الدرداء". قلت: وهو مخرج في "الصحيحة" (رقم - 1373). الحديث: 3160 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 "إذا عَمِلْتَ سيِّئَةً فأتْبِعْها حَسنةً تَمْحُهَا". قال: قلتُ: يا رسولَ الله! أمِنَ الحَسنَاتِ لا إله إلا الله! قال: "هي أفْضَلُ الحَسنَاتِ". رواه أحمد عن شمر بن عطية عن بعض أشياخه عنه. 3163 - (29) [صحيح] وعن عبد الله (1) رضي الله عنه قال: إنَّ رجلاً أصابَ مِنِ امْرأَةٍ قُبْلَةً، -وفي رواية-: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! إنِّي عالَجْتُ امْرأَةً في أَقْصى المدينَةِ، وإنِّي أصَبْتُ مِنْها ما دونَ أنْ أمَسَّها، فأنا هذا؛ فاقْضِ فيَّ ما شئْتَ. فقال له عُمَرُ: لقد سَتَرك الله لوْ سَترْتَ نفْسَك. قال: فَلَمْ يَرُدَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئاً، فقامَ الرجلُ فانْطلَق، فأتْبَعَهُ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجُلاً فدَعاه، فَتَلا عليْهِ هذه الآيَةَ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}. فقال رجل (2) منَ القومِ: يا نَبِيَّ الله! هذا له خاصَّةً؟ قال: "بَلْ لِلناسِ كافَّةً". رواه مسلم وغيره.   (1) هو ابن مسعود رضي الله عنه، وكان الأصل: (أبي هريرة)، وهذا خطأ محض لعله من النساخ، فإنه لم ينبه عليه الناجي، والتصحيح من "مسلم". وكذلك رواه أبو داود (4468)، والترمذي (3111) وقال "حديث حسن صحيح". (2) في الرواية الأولى (8/ 101): أنه الرجل نفسه، وفي أخرى لمسلم: (معاذ). وهي رواية لأحمد (1/ 449)، وفي أخرى له (1/ 445) أنه عمر. وهي رواية لمسلم. والله أعلم. الحديث: 3163 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 3164 - (30) [صحيح] عن أبي طويل شطب الممدود؛ أنَّه أتى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أرأيتَ مَنْ عمِلَ الذنوبَ كلَّها ولَمْ يتْرُكْ منها شيْئاً وهو في ذلك لَمْ يَتْرُكْ حاجَّةً ولا داجّةً (1) إلا أتاها، فَهلْ لذلِكَ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قال: "فهلْ أسْلَمْتَ؟ ". قال: أمَّا أنا فأشْهَدُ أنْ لا إله إلا الله، وأنَّك رسولُ الله. قال: "تَفْعَلُ الخَيْراتِ، وتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ؛ فَيَجْعَلُهُنَّ الله لَك خَيْراتٍ كلَّهُنَّ". قال: وغَدَراتي وفَجَراتي؟ قال: "نعم". قال: الله أكبَرُ، فما زالَ يُكَبِّرُ حتَّى تَوارى. رواه البزار، والطبراني واللفظ له، وإسناده جيد قوي. و (شطب) قد ذكره غير واحد في الصحابة، إلا أن البغوي ذكر في "معجمه" أن الصواب (2) عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير مرسلاً: أن رجلاً أتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طويل شطب و (الشطب) في اللغة الممدود، فصحفه بعض الرواة وظنه اسم رجل. والله أعلم.   (1) هكذا جاء في رواية بالتشديد. قال الخطابي: (الحاجَّة): القاصدون البيت. و (الداجَّة): الراجعون، والمشهور بالتخفيف، وأراد بـ (الحاجة): الحاجة الصغيرة، وبـ (الداجة): الحاجة الكبيرة. كذا في "النهاية". (2) في "الإصابة" عن "المعجم": "أظن أن الصواب. . "، وهذا أقرب، والله أعلم، وانظر "الصحيحة" (3391). الحديث: 3164 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 2 - (الترغيب في الفراغ للعبادة والإقبال على الله تعالى، والترهيب من الاهتمام بالدنيا والانهماك عليها). 3165 - (1) [صحيح] عن معقل بن يسارٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقولُ ربُّكم: يا ابْنَ آدَمَ! تَفرَّغ لِعبَادَتي؛ أمْلأْ قلْبَكَ غِنىً، وأمْلأْ يَديْكَ رِزْقاً، يا ابْنَ آدَم! لا تُباعِدْ مِنِّي، أَمْلأْ قلْبَك فَقْراً، وأمْلأ يديْك شُغْلاً". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 3166 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: تلا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ} الآية قال: "يقولُ الله: ابْنَ آدَمَ! تَفَرَّغْ لعبادَتي؛ أمْلأْ صَدْرَك غِنىً، وأسُدَّ فَقْرَكَ، وإلا تَفْعَلْ؛ ملأْتُ صدرَك شُغْلاً، ولَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ". رواه ابن ماجه والترمذي، واللفظ له، وقال: "حديث حسن". وابن حبان في "صحيحه" باختصار؛ إلا أَنَّه قال: "مَلأْتُ بَدنَك شُغْلاً". والحاكم والبيهقي في "كتاب الزهد"، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". 3167 - (3) [صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما طلَعتْ شمسٌ قَطُّ إلا بُعِثَ بجَنْبتَيها مَلَكانِ؛ إنَّهُما لَيُسمِعَانِ أهلَ الأرْضَ إلا الثَّقلَيْنِ: يا أيُّها الناسُ! هَلُمُّوا إلى ربِّكم؛ فإنَّ ما قلَّ وكفَى، خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وأَلْهَى، وما غَربَتْ شَمْسٌ قَطُّ إلا وبُعِثَ بَجَنْبَتيها مَلَكانِ يُنادِيَانِ: اللَّهُمَّ عَجَّلْ لِمُنْفِقٍ خَلَفاً، وعَجَّلْ لِمُمْسِكٍ تَلَفاً". رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم واللفظ له، وقال: الحديث: 3165 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 "صحيح الإسناد". ورواه البيهقي من طريق الحاكم، ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِنْ يَومٍ طلعَتْ شَمسُه إلا وكان بَجَنْبَتَيْها مَلَكانِ يُنادِيان نِداءً يسْمَعُه ما خَلقَ الله كلُّهم غيرُ الثَّقلَيْنِ: يا أيُّها الناسُ! هَلُمُّوا إلى ربِّكُم، إنَّ ما قلَّ وكفَى خَيرٌ مِمّا كثرَ وأَلْهى، ولا آبَتِ الشمسُ إلا وكان بِجَنْبَتَيْها مَلَكانِ يُنادِيَانِ نِداءً يَسْمَعهُ خَلْقُ الله كلُّهم غيرُ الثَّقلَيْنِ: اللهُمَّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وأَعْطِ مُمْسِكاً تلَفاً، وأنْزَل الله في ذلك قُرْآناً في قولِ المَلكَيْنِ: "يا أيُّها الناسُ هَلُمُّوا إلى رَبِّكُمْ" في سورةِ {يونُس}: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وأنْزل الله في قوْلِهما "اللهُمَّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلفاً، وأَعْطِ مُمْسِكاً تلَفاً": {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} إلى قولِهِ {لِلْعُسْرَى} ". [مضى 8 - الصدقات/ 15]. 3168 - (4) [صحيح] وعن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ كانَتِ الدنيا هَمَّه فَرَّقَ الله عليه أَمْرَهُ، وجَعلَ فَقْرَهُ بيْنَ عَيْنَيْهِ؛ ولمْ يأْتِهِ مِنَ الدنيا إلا ما كُتبَ له، ومَنْ كانَتِ الآخِرَة نيَّتَهُ جمَع الله له أمْرَهُ، وجعَل غِنَاهُ في قلْبِه؛ وأتَتْهُ الدنيا وهِيَ راغِمَةٌ". رواه ابن ماجه، ورواته ثقات. [مضى 3 - العلم/ 3]. [صحيح لغيره] والطبراني (1) ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) هذا الإطلاق يوهم أنه في "المعجم الكبير"، وليس هو إلا في "المعجم الأوسط" (8/ 7267/133) من طريق أخرى عن زيد في حديث له، وإسناد ابن ماجه صحيح، وصححه ابن حبان في حديث سبق هناك في "3 - العلم". الحديث: 3168 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 "إنَّه مَنْ تكُنِ الدنيا نِيَّتَهُ يَجْعلُ الله فَقْرَهُ بيْنَ عَيْنَيْهِ، ويُشَتِّتْ عليه ضَيْعَتَهُ، ولا يأْتِه مِنْها إلا ما كتِبَ له، ومَنْ تَكُنِ الآخِرَة نيتَهُ يَجْعَلُ الله غِناهُ في قلْبِه، وَيكْفيهِ ضَيْعَتَهُ، وتأتيهِ الدنيا وهيَ راغِمَةٌ". رواه في حديث بإسناد لا بأس به. ورواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه، وتقدم لفظه في "العلم" [3 - باب]. قوله: "شتَّتَ عليه ضَيْعَتَه" بفتح الضاد المعجمة وإسكان المثناة تحت. معناه: فرَّق عليه حاله وصناعته ومعاشه، وما هو مهتم به، وشعَّبه عليه ليكثر كده، ويعظم تعبه. 3169 - (5) [صحيح لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ كانَتِ الآخِرَة هَمَّه؛ جعَل الله غِناهُ في قلْبِه، وجَمَع له شَمْلَهُ، وأَتَتْهُ الدنيا وهي راغِمَةٌ، ومَنْ كانتِ الدنيا هَمَّه؛ جعَلَ الله فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيهِ، وفرَّقَ عليه شَمْلَهُ، ولَمْ يأْتِهِ مِنَ الدنيا إلا ما قُدِّرَ له". رواه الترمذي عن يزيد الرّقَاشي عنه. ويزيد قد وثق ولا بأس به في المتابعات. ورواه البزار، ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ كانَتْ نيَّتَه الآخِرةُ؛ جعَل الله تبارَك وتعالى الغِنَى في قَلْبِه، وجَمَع لَهُ شَمْلَهُ، ونَزَع الفقر مِنْ بَيْن عَيْنَيْهِ، وأتَتْهُ الدنيا وهي راغِمَةٌ، فلا يُصْبِحُ إلا غَنِياً ولا يُمْسي إلا غَنِيّاً، ومَنْ كانَتْ نيَّتَه الدنيا؛ جَعَل الله الفَقْرَ بيْنَ عَيْنَيْهِ، فلا يُصْبِحُ إلا فَقيراً، ولا يُمسي إلا فَقيراً". ورواه الطبراني بلفظ تقدم في "الاقتصاد" [16/ 4]. 3170 - (6) [حسن لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ جَعل الهَمَّ هَمًّا واحِداً؛ كَفاهُ الله هَمَّ دُنْياهُ، ومَنْ تَشعَّبَتْهُ الهُمومُ لَم الحديث: 3169 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 يُبالِ الله في أيِّ أوْدِيَةِ الدنيا هَلَك". رواه الحاكم والبيهقي من طريقه وغيرها وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". 3171 - (7) [حسن لغيره] ورواه ابن ماجه في حديث عن ابن مسعود. وفي رواية له عن ابن مسعود أيضاً قال: سمعتُ نَبيَّكُم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ جعلَ الهُمومَ همّاً واحِداً هَمَّ المعادِ؛ كَفاهُ الله هَمَّ دُنْياهُ، ومَنْ تَشعَّبَتْ بهِ الهمُومُ [في] أحوالِ الدنيا؛ لَمْ يُبالِ الله في أيِّ أوْدِيَتِهِ هَلَك". (قال الحافظ): "وتقدم في [16 - البيوع/ 4] "الاقتصاد في طلب الرزق" وغيره غير ما حديث يليق بهذا الباب، ويأتي في "الزهد" [هنا/ 6] إن شاء الله تعالى أحاديث". الحديث: 3171 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 3 - (الترغيب في العمل الصالح عند فساد الزمان). 3172 - (1) [صحيح لغيره] عن أبي ثعلبة الخشني قال:. . . قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ". . . . فإنّ من ورائكم أيامَ الصبرِ، الصبرُ فيهن مثلُ القبضِ على الجمرِ، للعاملِ فيهن مثلُ أجرِ خمسين رجلاً يعملون مثلَ عمله". رواه ابن ماجه، والترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، وأبو داود، وزاد: قيل: يا رسول الله! أجرُ خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال: "بل أجر خمسين منكم". 3173 - (2) [صحيح] وعن معقل بن يسارٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "عِبادَةٌ في الهَرَجِ كَهِجْرَةٍ إلَيَّ". رواه مسلم والترمذي (1) وابن ماجه. (الهَرَجُ): هو الاختلاف والفتن، وقد فُسِّر في بعض الأحاديث بالقتل؛ لأن الفتن والاختلاف من أسبابه، فأقيم المسيَّب مقام السبب.   (1) وقال (2202): "حديث حسن صحيح". وأخرجه أحمد أيضاً (5/ 25 و27) بلفظ: "العمل. . .". وفي رواية: "العبادة في الفتنة. . .". الحديث: 3172 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 4 - (الترغيب في المداومة على العمل وإن قل). 3174 - (1) [صحيح] عن عائشةَ رضي الله عنها قالَتْ: كان لِرَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حصيرٌ وكان يُحَجِّره (1) باللَّيْلِ فيُصَلِّي عليه، ويَبسُطُه بالنهارِ فيَجْلِسُ عليه، فجعَل الناسُ يثوبُون إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصَلُّونَ بصَلاتِه حتَّى كَثُروا، فأقْبلَ عَليْهِمْ فقال: "يا أيُّها الناسُ! خُذوا مِنَ الأَعْمالِ ما تُطيقونَ؛ فإنَّ الله لا يَمَلّ حتى تَمَلُّوا، وإنَّ أحبَّ الأَعْمالِ إلى الله ما دَامَ وإنْ قَلَّ". [صحيح] وفي رواية: "وكانَ آلُ مُحَمَّدٍ إذا عَمِلُوا عَملاً أثبَتُوهُ" (2). [صحيح] وفي رواية: قالتْ: إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئلَ: أيُّ الأَعْمالِ أحَبُّ إلى الله؟ قال: "أدْوَمُه وإنْ قَلَّ". [صحيح] وفي رواية: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "سدِّدُوا وقارِبُوا، واعْلَموا أنَّه لَنْ يُدخِلَ أحدَكم عَملُه الجنَّةَ، وإنَّ أحَبَّ الأعْمالِ إلى الله أدْوَمُها وإنْ قَلَّ".   (1) أي: يجعله لنفسه دون غيره، "نهاية". وقال الحافظ: "أي: يتخذه مثل الحجرة". (2) هذه الرواية هي تمام الرواية الأولى عند مسلم (رقم - 215)، ولكن الرواية الأولى ليست بهذا السياق عنده، ولا عند البخاري، وقد أخرجها في "اللباس"، وفي "الأذان" بعضه، وقد جمعت بين روايتيه في "مختصري لصحيح البخاري" (رقم - 383)، فكأن المصنف لفَّق بين روايتي الشيخين فجعل منهما رواية واحدة، وهذا ليس بجيد، وقد أشار إلى ذلك الناجي في "العجالة"، (ق 209/ 2). الحديث: 3174 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 رواه البخاري ومسلم. [صحيح] ولمالك والبخاري أيضاً: قالت: "كان أحبّ العمل (1) إلى [رسول] الله [- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] الَّذي يدومُ عليهِ صاحِبُه". [صحيح] ولمسلم: "كانَ أحبَّ الأَعْمالِ إلى الله أدْوَمُها وإنْ قَلَّ، وكانَتْ عائشَةُ إذا عمِلَتِ العملَ لَزِمَتْهُ". [حسن صحيح] ورواه أبو داود. ولفظه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اكْلُفوا مِنَ العَملِ ما تَطيقُونَ؛ فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تَملُّوا، وإنَّ أحَبَّ العَملِ إلى الله أدْوَمُه وإنْ قَلَّ. وكَانَ إذا عمِلَ عَملاً أثْبَتَهُ". [صحيح] وفي رواية له [عن علقمة] (2) قال: سَألتُ عائشةَ: كيفَ كانَ عملُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ هَلْ كان يَخُصُّ شيْئاً مِنَ الأيَّامِ؟ قالتْ: لا، كانَ عمله دِيمةً، وأيُّكمْ يَسْتَطيعُ ما كانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستطيع؟! ورواه الترمذي، ولفظه: "كان أحبَّ الأَعْمالِ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما ديمَ عليْهِ".   (1) الأصل: (الأعمال)، والتصحيح من موطأ مالك والبخاري، ومنهما الزيادتان، وغفل عن هذا كله، وعن الذي بعده المعلقون الثلاثة! (2) سقطت من الأصل، واستدركتها من "أبي داود" (1370)، وقد روى هذه الشيخان والترمذي؛ كما قال الناجي. قلت: وكذلك عندهما الرواية التى قبلها، وهي المكان المشار إليه من "المختصر" دون جملة الإثبات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 [صحيح لغيره] وفي رواية له: سُئلَتْ عائشةُ وأُمُّ سلَمةَ: أيُّ العَملِ كانَ أحبَّ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالتا (1): "ما دِيمَ عليهِ وإنْ قَلَّ". (يُحَجِّره) أي: يتخذه حجرة وناحية ينفرد عليه فيها. (يثوبون) بثاء مثلثة ثم واو ثم باء موحدة؛ أي: يرجعون إليه ويجتمعون عنده. 3175 - (2) [صحيح] وعن أم سلمة قالت: "ما ماتَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى كان أكْثَرُ صَلاتِه وهو جالِسٌ، وكانَ أحبَّ العَملِ إليهِ ما داوَمَ عليه العَبْدُ وإنْ كان شَيْئاً يَسيراً". رواه ابن حبان في "صحيحه" (2).   (1) الأصل: (قال)، والتصحيح من الترمذي، وفي طبعة الثلاثة (4/ 31) (قالا)! ومن تظاهرهم بالتحقيق قالوا في التعليق: "في (ح): قالت"! ومن نظر فيما تقدم من التصحيحات في هذا الحديث فقط برواياته يتبين له كم هم متشبعون بما لم يعطوا، ولا سيما إذا علم الناظر أنهم شملوا كل هذه الروايات بكلمة "صحيح" مع اختلاف مراتبها!! (2) قلت: وإسناده صحيح، وكذلك رواه النسائي في "قيام الليل" لكن ليس عنده "وإن كان شيئاً يسيراً"، وإنما هي عنده من حديث عائشة، وكذلك رواه أحمد (6/ 113)، والأصح حديث أم سلمة. الحديث: 3175 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 5 - (الترغيب في الفقر وقلة ذات اليد، وما جاء في فضل الفقراء والمساكين والمستضعفين وحبهم ومجالستهم). 3176 - (1) [صحيح] عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ بينَ أيْديكم عَقَبةً كَؤوداً لا يَنْجو منها إلا كلُّ مُخِفٍّ". رواه البزار بإسناد حسن. 3177 - (2) [صحيح] وعن أمِّ الدرْداءِ عن أبي الدرْداءِ قالت: قلتُ لَهُ: ما لكَ لا تَطْلُبُ ما يطْلُب فلانٌ وفُلانٌ؟ قال: إنِّي سمِعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ وراءَكُمْ عقَبةً كَؤُوداً لا يَجُوزُها المُثْقِلونَ". فأنا أُحِبُّ أنْ أتَخفِّفَ لتِلكَ العقَبةِ. رواه الطبراني بإسناد صحيح. (الكَؤُودُ) بفتح الكاف وبعدها همزة مضمومة: هي العقبة الصعبة. 3178 - (3) [صحيح] وعن أبي أسماء: أنه دخل على أبي ذر وهو بـ (الربذة) وعندَهُ امْرأَةٌ سَوْداءُ مُسْغَبَة (1) ليسَ عليها أَثرُ المحاسِنِ ولا الخَلوقِ، فقال: ألا تَنْظرونَ إلى ما تَأْمُرني هذه السويداءُ؟ تأْمُرني أنْ آتيَ العِراقَ، فإذا أتَيْتُ العِراقَ مالوا على بدُنْياهُمْ، وإنَّ   (1) الأصل، (مُشْعَثَة)، والمثبت من "المسند"، وفي "المجمع" (10/ 258): (بشعة)، ولعل الصِواب ما أثبت؛ فإنه الموافق لما في "جامع المسانيد" (13/ 797). ثم رأيت الناجي نقله بلفظ: "مُشنَّعَة" وقال: "هو بضم الميم وفتح الشين والنون المشددة، قال ابن الأثير: في "النهاية": أي قبيحة، يقال: منظر شنيع وأشنع وشنع"، واعتمده المعلقون دون أي تعليق أو تحقيق! الحديث: 3176 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 خَليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهِدَ إليَّ: أنَّ دونَ جِسْرِ جَهنَّمَ طَريقاً ذا دَحْضٍ ومَزَلَّةٍ، وإنا أنْ نأْتي عليه وفي أحْمالِنا اقْتِدارٌ واضْطِمارٌ أَحْرى أنْ نَنْجُوَ مِنْ أَنْ نَأْتِيَ عليه ونَحْنُ مَواقِيرُ (1). رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح". (الدَّحضُ) بفتح الدال وسكون الحاء المهملتين وبفتح الحاء أيضاً وآخره ضاد معجمة: هو الزلق. 3179 - (4) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّ النَّبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله لَيَحْمي عبدَهُ المؤْمِنَ الدنيا وهو يُحِبُّه، كما تَحْمونَ مريضَكُم الطعامَ والشرابَ". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 3180 - (5) [صحيح لغيره] وعن رافع بن خديجٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا أحبَّ الله عزَّ وجلَّ عبْداً حَماهُ الدُّنْيا، كما يَظلُّ أحدُكم يَحْمي سَقيمَهُ الماءَ". رواه الطبراني بإسناد حسن. 3181 - (6) [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم بلفظه من حديث قتادة (2)، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد".   (1) جمع (موقر)، يقال: رجل موقر: ذو وقر؛ أي: حمل. (2) الأصل: (أبي قتادة)، وهو خطأ. قال الناجي (210/ 1): "وهو قتادة بن النعمان الأنصاري الظفري أخو أبي سعيد لأمه، فكان يتعين نسبته". والحديث رواه الترمذي وابن ماجه أيضاً كما في "المشكاة" (5250)، وفي ترجمة قتادة هذا أخرجه الطبراني (19/ 12/ 17). الحديث: 3179 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 3182 - (7) [صحيح] وعن ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اطلَعْتُ في الجنَّةِ، فرأَيْتُ أكْثَر أهْلِها الفقَراءَ، واطَّلَعْتُ في النارِ فرأيتُ أكثَر أهْلِها النساءَ". رواه البخاري ومسلم. 3183 - (8) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "هَلْ تَدْرونَ أوَّلَ مَنْ يَدْخل الجنَّةَ مِنْ خَلْقِ الله عزَّ وجلَّ؟ ". قالوا: الله ورسولُه أعْلَمُ. قال: "الفقَراءُ المُهاجِرونَ الَّذين تُسَدُّ بِهمُ الثُّغورُ، وتُتَّقى بِهمُ المَكارِهُ، ويموتُ أحَدُهم وحاجَتُه في صَدْرِه؛ لا يَسْتَطيعُ لَها قَضاءً، فيقولُ الله عزَّ وجلَّ لِمَنْ يشاءُ مِنْ ملائكَتِه: ائْتُوهُمْ فَحيُّوهُمْ، فتقولُ الملائِكَة: ربَّنا نَحْنُ سكَّانُ سَمائكَ، وخيرَتُك (1) مِنْ خَلْقِكَ، أفَتَأْمُرنا أَنْ نأْتِيَ هؤلاءِ فَنسَلَّمَ علَيْهِمْ؟ قال: إنَّهُمْ كانوا عِباداً يَعْبدوني ولا يُشْرِكونَ بي شيْئاً، وتُسَدُّ بهم الثُّغورُ، وتُتَّقى بِهمُ المكارِهُ، ويموتُ أحَدُهم وحاجَته في صَدْرِه؛ لا يَسْتَطيعُ لها قَضاءً، قال: فَتَأْتِيهمُ الملائِكَةُ عند ذلك فيَدْخلون علَيْهِمْ مِنْ كلِّ بابٍ {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} ". رواه أحمد والبزار، ورواتهما ثقات، وابن حبان في "صحيحه".   (1) فيه إشارة قوية إلى تفضيل جنس الملائكة على جنس بني آدم، وعليه يدل مفهوم قوله تعالى: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}، وفي المسألة خلاف معروف. الحديث: 3182 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 3184 - (9) [صحيح] وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ حَوْضي ما بَيْن (عَدَنٍ) إلى (عَمَّانَ)، (1) أكْوابُه عددُ النُّجومِ: ماؤهُ أشَدُّ بياضاً مِنَ الثلْجِ، وأحْلَى مِنَ العَسلِ، وأكْثَرُ الناسِ وُروداً عليه (2) فُقَراءُ المُهاجِرِينَ". قلنا: يا رسولَ الله! صِفْهُم لَنا؟ قال: "شُعْثُ الرُّؤوسِ، دُنْسُ الثيابِ، الَّذينَ لا يَنْكحِون المتَنَغِّماتِ، ولا تُفْتَحُ لَهُم السُّدَد، الَّذينَ يُعطُونَ ما عَلَيْهِم، ولا يُعطَوْنَ ما لَهُمْ". رواه الطبراني، ورواته رواة "الصحيح"، وهو في الترمذي وابن ماجه بنحوه. (السُّدَدُ) هنا: هي الأبواب. 3185 - (10) [صحيح] وعن أبي سلاَّمٍ الأسْوَدِ؛ أنَّه قال لِعُمَرَ بن عبدِ العَزيزِ: سمعتُ ثوبانَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "حَوْضي ما بَيْن (عَدَنٍ) إلى (عَمَّانَ البَلْقاءِ)، ماؤه أشَدُّ بَياضاً مِنَ اللَّبَنِ، وأحْلى مِنَ العَسَلِ، وأوانِيه عَدَدُ النجومِ، مَنْ شَرِبَ منهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمأْ   (1) بالفتح والتشديد، وهي (عَمَّان البلقاء) كما في الحديث الذي بعده، وهى عاصمة الأردن اليوم. (2) كذا الأصل، وفي الطبراني (2/ 98/ 1443): "أول من يرده"، وفي إسناده ضعف وانقطاع بيَّنه ابن أبي عاصم في "السنة" (2/ 327/ 710)، لكنه ثبت بإسناد صحيح في طريق أخرى للحديث عند الطبراني (2/ 96/ 1437)، وفي "الأوسط" أيضاً (1/ 398/251)، بل وفي "المسند" (5/ 275) وغيره، وهو الآتي في الكتاب بعده عن أبي سلام، وله عنه طريق آخر بسند صحيح أيضاً كما في "الظلال" (2/ 225/ 706)، وله شاهد من حديث ابن عمر، يأتي في (26 - البعث/ 4 - فصل). نعم قد جاءت جملة (الأكثر وروداً) عند الطبراني (2/ 96/ 1437) من طريق أخرى عن أبي سلاَّم، وإسنادها صحيح، لكنها شاذة عندي لمخالفتها للطرق المتقدمة، فالظاهر -والله أعلم- أنها من تلفيقات المؤلف بين الروايات، وقد سبقت له أمثلة، وأنها سبق ذهن أو قلم. الحديث: 3184 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 بَعْدَها أبداً، وأوَّلُ الناسِ وُروداً عليهِ فُقراء المُهاجِرينَ، الشُّعْثُ رُؤُوساً، الدُّنْسُ ثِياباً، الَّذين لا يَنْكِحون المُنَعَّماتِ، ولا تُفْتَحُ لَهُم السُّدَدُ". قال عمر: لكني قدْ نَكَحْتُ المنعَّماتِ فاطِمَة بِنْتَ عَبْدِ المَلِكِ، وفُتِحَتْ إليَّ السُّدَدُ، لا جَرمَ أنّي لا أَغْسِلُ رَأْسي حتَّى يَشْعَثَ، ولا ثَوْبي الَّذي يَلي جَسَدي حتى يَتَّسِخَ. رواه الترمذي وابن ماجه، والحاكم واللفظ له، وقال: "صحيح الإسناد". 3186 - (11) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يَدْخُلُ فُقراءُ أُمَّتي الجنَّةَ قَبْلَ أغْنِيائِهم بأرْبَعينَ خَرِيفاً". فقيلَ: صِفْهُم لنا؟ قال: "الدَّنِسَةُ ثِيابُهم، الشَّعِثَةُ رُؤوسُهم، الَّذين لا يُؤْذَنُ لهم على السُّداتِ، ولا يَنْكحونَ المُنعَّمَاتِ، تُوَكَّلُ بِهِمْ مشارِقُ الأَرْضِ ومغَارِبُها، يُعطُونَ كُلَّ الذى علَيْهم، ولا يُعطَوْن كلَّ الذي لَهُمْ". رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، ورواته ثقات. [صحيح] ورواه مسلم مختصراً: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "إنَّ فقراءَ أُمَّتي المهاجِرينَ، يَسْبِقونَ الأَغْنِياءَ يومَ القِيامَةِ بأرْبَعينَ خَرِيفاً". ورواه ابن حبان في "صحيحه" مختصراً أيضاً، وقال: "بأربعين عاماً". 3187 - (12) [حسن] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يَجْتَمِعونَ يومَ القِيامَةِ فيُقالُ: أينَ فُقراءُ هذه الأُمَّةِ؟ قال: فيُقالُ لَهُمْ: الحديث: 3186 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 ماذا عمِلْتُم؟ فيَقولُون: ربَّنا ابْتَليْتَنا فصَبرْنا، ووَلَّيْتَ السلْطانَ والأمْوالَ غيرَنا، فيقولُ الله جلَّ وعَلا: صدَقْتُم، قال: فيَدْخُلونَ الجَنَّةَ قبْلَ الناسِ، وتَبْقَى شِدَّةُ الحِسَابِ على ذَوي الأَمْوالِ والسُّلْطانِ". قالوا: فأيْنَ المؤمِنونَ يَوْمَئذٍ؟ قال: "توضَعُ لَهُم كَراسيُّ مِنْ نُورٍ، وتُظَلِّلُ عليهِمُ الغَمائمُ، يكونُ ذلكَ اليومُ أقْصَرَ على المؤمِنين مِنْ ساعَةٍ مِنْ نَهارٍ". رواه الطبراني وابن حبان في "صحيحه". 3188 - (13) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: كنتُ عندَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً وطلَعَتِ الشَمْسُ، فقال: "يأْتي قومُ يومَ القِيامَةِ، نورُهم كنورِ الشمْسِ". قال أبو بَكْرٍ: نحن هُمْ يا رسولَ الله؟ قال: "لا؛ ولَكُمْ خَيرٌ كثيرٌ؛ ولكِنَّهُم الفُقراءُ المهاجِرونَ الَّذينَ يُحْشَرونَ مِنْ أَقْطارِ الأَرْضِ" فذكر الحديث. رواه أحمد، والطبراني وزاد: "ثم قال: طوبَى لِلْغُرَباء". قيلَ: مَنِ الغُرَبَاءُ؟ قال: "أناسٌ صالِحونَ قليلٌ، في ناسٍ سَوءٍ كثيرٍ، مَنْ يَعْصيهِمْ أكْثَرُ ممَّنْ يُطيعُهُمْ". وأحد إسنادي الطبراني رواته رواة "الصحيح". 3189 - (14) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يدْخُل فُقَراءُ المسْلمِينَ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِياءِ بنِصْفِ يومٍ، وهو خَمْسُمِئَةِ عامٍ". الحديث: 3188 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 رواه الترمذي وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". (قال الحافظ): "ورواته محتج بهم في (الصحيح) ". 3190 - (15) [صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه بزيادة من حديث موسى بن عبيدة عن عبد الله ابن دينار عن عبد الله بن عمر. 3191 - (16) [صحيح] وعن أسامة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قُمْتُ على بابِ الجنَّةِ، فكانَ عامَّةُ مَنْ دخَلها المساكينُ، وأصحابُ الجَدِّ مَحْبوسونَ، غير أنَّ أصْحَابَ النارِ قد أُمِرَ بِهِمْ إلى النارِ، وقُمْتُ على بابِ النارِ، فإذا عامَّةُ مَنْ دخَلها النسَاءُ". رواه البخاري ومسلم. (الجَدّ) بفتح الجيم: هو الحظ والغنى. 3192 - (17) [حسن لغيره] وروي عن أنسٍ رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اللهم أحْيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشُرني في زُمرة المساكين يوم القيامة. . . . . .". رواه الترمذي، وقال: "حديث غريب". (1) [صحيح لغيره] وتقدم فى صلاة الجماعة [5/ 16] حديث ابن عباسٍ عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أتاني الليلةَ (2) رَبِّي".   (1) يعني ضعيف، وهو كما قال، لكن الشطر الأول منه حسن لشواهده، وهي مخرجة في "الإرواء" (3/ 358 - 363). (2) هنا زيادة: "آت من"، ولا أصل لها في الحديث، وقد تكررت بتكرر الحديث كما نبهت هنا، وغفل عن ذلك كله الغافلون الثلاثة! ولعلها آخر غفلاتهم. الحديث: 3190 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 وفي رواية: "رأيتُ ربِّي في أحسَنِ صورَةٍ" فذكر الحديث؛ إلى أنْ قال: "قال: يا مُحّمَّدُ! قلتُ: لبَّيْكَ وسَعْديكَ، فقال: إذا صلَّيْتَ قلِ: اللَّهُمَّ إني أسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْراتِ، وتَرْكَ المنْكَراتِ، وحبِّ المسَاكِينِ، وإذا أَرَدْتَ بعبادِكَ فِتْنَةً فاقْبِضْني إليكَ غَيْرَ مَفتونٍ" الحديث. رواه الترمذي وحسنه. 3193 - (18) [حسن لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "اللهُمَّ أحْيني مِسْكيناً، وتَوفَّنِي مِسْكيناً، واحْشُرْني في زُمْرَةِ المَساكِينِ". رواه ابن ماجه. 3194 - (19) [صحيح] وعن عائذ بن عمروٍ: أنَّ أبا سُفْيانَ أتى على سلمانَ وصُهَيْبٍ وبِلالٍ في نَفَرٍ فقالوا: [والله] (1) ما أَخَذَتْ سيوفُ الله مِنْ عُنُقِ عَدوِّ الله مَأْخَذها! فقالَ أبو بَكْرٍ رضي الله عنه: أتَقولونَ هذا لَشيْخِ قُريش وسَيِّدِهمْ؟! فأتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخْبَرهُ، فقال: "يا أبا بَكْرٍ! لَعلَّكَ أغْضبْتَهُم، لِئنْ كُنْتَ أغْضَبْتَهُم لقد أغْضَبْتَ ربَّكَ". فأتاهُمْ أبو بَكْرٍ فقال: يا إخْوَتاهُ! أغضَبْتكم؟ قالوا: لا، يَغْفِرُ الله لَك يا أَخي. رواه مسلم وغيره. 3195 - (20) [صحيح] وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: أوْصاني خَليلي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِصال مِنَ الخَيْرِ؛ أوْصاني:   (1) زيادة من "مسلم". الحديث: 3193 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 "أنْ لا أنْظُرَ إلى مَنْ هو فَوْقي وأَنْظُرَ إلى مَنْ هو دوني، وأوْصاني بحبِّ المساكِينَ والدُّنوِّ منْهُم، وأوْصاني أنْ أَصِلَ رَحِمي وإنْ أدْبَرتْ" الحديث. رواه الطبراني، وابن حبان في "صحيحه". [مضى نحوه 8 - الصدقات/ 4]. 3196 - (21) [صحيح] وعن حارثة بن وهبٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ألا أُخْبِركُم بأهْلِ الجنَّةِ؟ كلُّ ضَعيفٍ مُتَضَعَّف (1)، لوْ أقْسَمَ (2) على الله لأَبَرَّهُ، أَلا أُخْبِركُمْ بأهْلِ النَارِ؟ كلُّ عُتُلٍّ جَوّاظٍ مُسْتَكبِرٍ". رواه البخاري ومسلم وابن ماجه. [مضى الشطر الثاني منه 23 - الأدب/ 22]. (العُتُلّ) بضم العين والتاء وتشديد اللام: هو الجافي الغليظ. و (الجَوَّاظ) بفتح الجيم وتشديد الواو وآخره ظاء معجمة: هو الضخم المختال في مشيته. وقيل: القصير البطين. وقيل: الجموع المنوع. 3197 - (22) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: سمعتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أهلُ النارِ كلُّ جَعْظرِيٍّ جَوَّاظٍ مسْتَكْبِرٍ جَمَّاعٍ مَنَّاعٍ، وأهلُ الجنَّةِ الضُّعَفاءُ المَغْلُوبونَ". رواه أحمد والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". (الجَعْظَريّ) بفتح الجيم وإسكان العين المهملة وفتح الظاء المعجمة. قال ابن فارس: "هو المنتفخ بما ليس عنده".   (1) الأصل: "مستضعف". (2) وفي نسخة: (لو يقسم) بدل (لو أقسم). الحديث: 3196 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 3198 - (23) [صحيح لغيره] وعن حذيفة رضي الله عنه قال: كنا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جنازةٍ فقال: "ألا أخبرُكم بشرِّ عباد الله؟ الفظّ المستكبر. ألا أخبرُكم بخيرِ عبادِ الله؟ الضعيفُ المستضعفُ ذو الطَّمرين، لا يؤبَهُ له، لو أقسم على الله لأبرَّه". رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح"؛ إلا محمد بن جابر. (الطَّمر) بكسر الطاء: هو الثوب الخَلَق. [مضى هناك]. 3199 - (24) [صحيح لغيره] وعن سراقة بن مالك بن جعشُمٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يا سُراقَةُ! ألا أُخْبِرُكَ بأهْلِ الجنَّةِ وأهْلِ النارِ؟ ". قلتُ: بَلى يا رسولَ الله! قال: "أمَّا أهلُ النارِ، فكلُّ جَعْظَريٍّ جَوّاظ مُسْتَكْبِرٍ، وأمَّا أهل الجنَّةِ فالضُّعَفاءُ المغلوبونَ". رواه الطبراني في "الكبير"، و"الأوسط"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم" [مضى ثمة]. 3200 - (25) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "احْتَجَّتِ الجنَّةُ والنارُ؛ فقالتِ النارُ: فيَّ الجبّارونَ والمتكَبِّرونَ، وقالتِ الجنَّةُ: فى ضُعفَاء المسْلِمينَ ومساكِينُهم، فقَضى الله بينَهُما: إنَّكِ الجنَّةُ رَحْمَتي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أشَاءُ، وإنَّكِ النارُ عَذابي، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشاءُ، ولِكلَيْكُما عليَّ مِلْؤها". رواه مسلم. [مضى ثمة]. الحديث: 3198 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 3201 - (26) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّه لَيأتي الرجلُ العظيمُ السَّمين يومَ القِيامَةِ؛ لا يَزِنُ عند الله جَناحَ بَعوضَةٍ، [اقْرؤوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}] (1) ". رواه البخاري ومسلم. 3202 - (27) [صحيح] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: مَرَّ رجلٌ على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال لرجُلٍ عنده جالسٍ: "ما رأيُكَ في هذا؟ ". فقال: رجلٌ مِنْ أشْراف الناسِ؛ هذا والله حَرِيٌّ إنْ خَطب أنْ يُنْكَحَ، وإنْ شَفَع أنْ يُشَفع، وإنْ قال أنْ يُسْمَع لِقَوْلِه! [قال:] فسكَتَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثمَّ مَرَّ رجلٌ، فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما رأيُكَ في هذا". فقال: يا رسولَ الله! هذا رجلٌ مِنْ فقراءِ المسْلِمينَ، هذا حَرِيٌّ إنْ خَطب أنْ لا يُنْكَحَ، وإنْ شَفَع أنْ لا يُشَفَّع، وإنْ قال أنْ لا يُسْمعَ لِقَولِهِ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هذا خيرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ [من] (2) مِثْلِ هذا". رواه البخاري ومسلم وابن ماجه.   (1) زيادة من "الصحيحين" لعل المصنف سها عنها، ولم يتنبه لها الغافلون! (2) زيادة من "البخاري" (6447)، ولم يعزه المزي في "التحفة" (4/ 114/ 4720)، ولا الحافظ في "الفتح"، ومن قبلهما البيهقي في "الشعب" (7/ 330 - 331) إلا للبخاري، فعزوه لمسلم من أوهام المؤلف، تبعه عليه الخطيب التبريزي في "المشكاة" (5236)، وهو مما فات الشيخ الناجي التنبيه عليه، وعزاه الثلاثة للبخاري رقم (5091)، ولفظه يختلف عن لفظه هنا، وهذا من تحقيقهم المزعوم! الحديث: 3201 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 3203 - (28) [صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أبا ذرٍّ! أترى كَثْرةَ المالِ هو الغِنَى؟ ". قلتُ: نعم يا رسولَ الله! قال: "فترى قِلَّةَ المالِ هو الفَقْرُ؟ ". قلتُ: نَعم يا رسولَ الله! قال: "إنَّما الغِنى غِنَى القَلْبِ، والفَقْر فَقْرُ القَلْبِ". ثُمَّ سأَلني عن رجُلٍ مِنْ قُرْيشٍ؛ قال: "هل تَعْرِفُ فلاناً؟ ". قلتُ: نعم يا رسولَ الله! قال: "فكيفَ تَراه -أو تُراه-؟ ". قلتُ: إذا سأَل أُعطِيَ، إذا حَضَر أُدخِلَ. قال: ثمَّ سألَنيٍ عن رجُلٍ مِنْ أهْلِ الصُّفَّةِ؛ فقال: "هلْ تعرِفُ فلاناً؟ ". قلتُ: لا والله ما أعْرِفُه يا رسولَ الله! فما زالَ يُحلِّيه وَينْعَتُه حتى عَرفْتُه، فقلْتُ: قد عَرفْته يا رسولَ الله! قال: "فكيفَ تَراهُ -أو تُراه-؟ ". قلتُ: هو رجلٌ مسكينٌ مِنْ أهْلِ الصُّفَّة قال: "فهو خيرٌ مِنْ طِلاع الأرْضِ (1) مِنَ الآخَرِ". قلتُ: يا رسول الله! أفلا يُعطَى مِنْ بَعْض ما يُعْطَى الآخَرُ؟ فقال: "إذا أعطِيَ خَيْراً فهو أَهْلُه، وإذا صُرِفَ عنهُ فَقَدْ أُعطِيَ حسَنَةً". رواه النسائي مختصراً، وابن حبان في "صحيحه" واللفظ له.   (1) أي: ما يملؤها حتى يطلع عنها ويسيل. "نهاية". الحديث: 3203 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 3204 - (29) [صحيح] وعنه قال: قال لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "انْظُرْ أرْفَعَ رجلٍ في المسْجِدِ". قال: فنظَرْتُ، فإذا رجلٌ عليه حُلَّةٌ؛ قلتُ: هذا. قال: قالَ لي: "انْظُرْ أوْضَعَ رجُلٍ في المسْجِد". قال: فنَظَرْتُ، فإذا رجلٌ عليه أخْلاقٌ (1)؛ قال: قلتُ: هذا. قال: فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَهذا عندَ الله خَيْرٌ يومَ القِيامَةِ مِنْ مِلءِ الأرْضِ مثْلَ هذا". رواه أحمد بأسانيد رواتها محتج بهم في "الصحيح"، وابن حبان في "صحيحه". 3205 - (30) [صحيح] وعن مصعب بن سعد قال: رأى سعدٌ رضي الله عنه أنَّ له فَضْلاً على مَنْ دُونَهُ. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هَلْ تُنْصَرونَ وتُرْزَقونَ إلا بِضُعَفائِكُمْ". رواه البخاري، والنسائي وعنده: فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّما تُنْصَرُ هذه الأُمَّةُ بَضُعَفائِها؛ بِدَعْوَتِهِمْ وصَلاتِهِمْ وإخْلاصِهِمْ". [مضى 1 - الإخلاص/ 1]. 3206 - (31) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ابغوني في ضعفائكم؛ فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم". رواه أبو داود والترمذي (2) والنسائي.   (1) أي: ثياب بالية. (2) وقال (1702): "حديث حسن صحيح"، وهو مخرج في "الصحيحة" (780). الحديث: 3204 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 3207 - (32) [صحيح] وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: كنتُ في أصْحابِ الصُّفَّةِ، فلقد رأيتُنا وما مِنَّا إنْسانٌ عليه ثَوب تامٌّ، وأخَذَ العَرَقُ في جلودِنا طريقاً مِنَ الغُبارِ والوَسَخِ؛ إذْ خَرج عَليْنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "لِيُبْشِرْ فُقَراءُ المُهاجِرينَ"، إذْ أَقْبَل رجلٌ عليه شارَةٌ حَسنةٌ، فجعَلَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يَتَكلَّمُ بِكَلامٍ إلا كَلَّفَتْهُ نَفْسُه أنْ يأْتيَ بِكَلامٍ يَعْلو كلامَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فلمَّا انْصَرفَ قال: "إنَّ الله لا يُحِبُّ هذا وأضْرابَهُ، يَلْوُونَ ألْسِنَتَهُم لِلنَاسِ لَيَّ البَقَرِ بِلِسانِها المَرْعَى، كذلك يَلْوِي الله تَعالى ألْسِنَتَهُم وَوُجُوهَهُم في النارِ". رواه الطبراني بأسانيد أحدها صحيح (1). 3208 - (33) [صحيح] وعن العرباض بن سارية رضيَ الله عنه قال: كانَ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخرجُ إلينا في الصُّفَّةِ وعلينا الحَوْتَكِيَّةُ، فقال: "لوْ تَعْلَمونَ ما ذُخِرَ لَكُمْ ما حَزِنْتُم على ما زُوِيَ عنكُم، ولَتُفْتَحَنَّ عليكم (2) فارِسُ والرومُ". رواه أحمد بإسناد لا بأس به. (الحَوْتَكِيَّة) بحاء مهملة مفتوحة ثم واو ساكنة ثم تاء مثناة فوق، قيل: هي عمّة يتعمَّمها الأعراب يسمونها بهذا الاسم. وقيل: هو مضاف إلى رجل يسمى (حوتكاً) كان يتعمَّمها. و (الحوتك): القصير.   (1) قلت: وهو كما قال؛ إلا في قوله: "بأسانيد" فليس له إلا إسناد واحد، وإن تبعه الهيثمي، وقلدهما الثلاثة إلا فيما أصابا، فقالوا: "حسن"!! وهو في "الصحيحة" (3426). (2) وكذا في "المجمع" (1/ 261). وفي "المسند" (4/ 128): (لكم)، ولعله أصح، وكان الأصل (دخر) بالدال المهملة فصححته منه، وهو في "الصحيحة" (2168). الحديث: 3207 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 وقيل: هي خميصة منسوبة إليه أو إلى القِصَر، وهذا أظهر، والله أعلم. 3209 - (34) [صحيح] وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اللَّهُمَّ مَنْ آمَنَ بِكَ، وشَهِدَ أنِّي رَسولُك، فحبِّبْ إليهِ لقاءَك، وسَهِّلْ عليه قَضاءَك، وأَقْلِلْ لَهُ مِنَ الدنْيا، (1) ومَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِكَ، ويَشْهَدْ أنِّي رسولُكَ؛ فَلا تُحبِّبْ إليه لِقاءَك، ولا تُسَهِّلْ عليهِ قَضاءَك، وكَثِّرْ عليه مِنَ الدنْيا". رواه ابن أبي الدنيا والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، وأبو الشيخ في "الثواب". 3210 - (35) [صحيح] وعن محمود بن لبيدٍ؛ أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اثْنَتان يَكْرَهُهُما ابْنُ آدَم: الموْتُ؛ والموْتُ خيرٌ مِنَ الفِتْنَةِ، ويكْرَهُ قِلَّةَ المالِ؛ وقِلَّةُ المالِ أَقلُّ لِلْحِسابِ". رواه أحمد بإسنادين، رواة أحدهما محتج بهم في "الصحيح". ومحمود له رؤية، ولم يصح له سماع فيما أرى، وتقدم الخلاف في صحبته في [1 - الإخلاص/ 2/ 11] "باب الرياء" وغيره. والله أعلم. 3211 - (36) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رُبَّ أشْعَثَ (2) مَدْفوعٍ بالأَبْوابِ، لوْ أَقْسَم على الله لأَبَرَّهُ". رواه مسلم.   (1) قد يُشْكِل هذا مع دعائه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لخادمه أنس بالمال والولد كما هو معروف، ومخرج في "الصحيحة" (2241)، ولا إشكال؛ لأن هذا خاص أولاً، ثم هو - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلم أن من يدعو له ليس ممن يخشى عليه الفتنة؛ كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} فتنبه. (2) كان في الأصل زيادة: (أغبر)، فحذفتها لعدم ورودها في مسلم (8/ 36 و154)، ومن = الحديث: 3209 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 3212 - (37) [صحيح لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "رُبَّ أشعثَ أَغْبَر ذي طِمْرَيْن مُصَفَّحٍ (1) عَنْ أبْوابِ النّاسِ، لَوْ أَقْسَم على الله لأَبرَّهُ". رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته رواة "الصحيح"؛ إلا عبد الله بن موسى التيمي. (قال الحافظ): "ويأتي بقية أحاديث هذا الباب في الباب بعده إن شاء الله تعالى".   = طريقه البغوي في "شرح السنة" (13/ 269)، وقال: "حديث صحيح"، وقد سقط منه شيخ مسلم (سُويد بن سعيد)، ومن طريقه -دونها- أخرجه البيهقي في الشعب (7/ 331/ 10482)؛ لكن تابعه ابن وهب دونها أيضاً بلفظ: "رب أشعثَ ذي طمرين، لو أقسم. . ". أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (6449)، وله طريق آخر عن أبي هريرة، وشاهد من طرق عنه مخرجة في "تخريج مشكلة الفقر" (79/ 125). (1) أي: معرض عنه مدفوع. الحديث: 3212 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 6 - (الترغيب في الزهد في الدنيا والاكتفاء منها بالقليل، والترهيب من حبِّها والتكاثر فيها والتنافس، وبعض ما جاء في عيش النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المأكل والملبس والمشرب، ونحو ذلك). 3213 - (1) [حسن لغيره] عن سهلِ بْنِ سعْدٍ الساعدِيِّ رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! دُلَّني على عَملٍ إذا عمِلْتُه أحَبَّني الله، وأحَبَّني الناسُ؟ فقال: "ازْهَدْ في الدنْيا يُحِبَّك الله، وازْهَدْ فيما في أيْدي الناسِ يُحِبَّكَ الناسُ". رواه ابن ماجه، وقد حسَّن بعض مشايخنا إسناده، وفيه بُعد؛ لأنه من رواية خالد بن عمرو القرشي الأموي السعيدي، عن سفيان الثوري، عن أبي حازم عن سهل، وخالد هذا قد تُرك واتهم، ولم أر من وثّقه؛ لكن على هذا الحديث لامعة من أنوار النبوة، ولا يمنع كون راويه ضعيفاً أن يكون النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاله، وقد تابعه عليه محمد بن كثير الصنعاني عن سفيان، ومحمد هذا قد وثَّق على ضعفه، وهو أصلح حالاً من خالد. والله أعلم. 3214 - (2) [حسن لغيره] وعن ابراهيم بن أدهم قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! دُلَّني على عَملٍ يُحِبُّني الله عليه وُيحِبُّني الناسُ عليه؟ فقال: "أمَّا العَملُ الَّذي يُحِبُّكَ الله عليه فالزُّهْدُ في الدُّنيا، وأمَّا العَملُ الذي يُحِبُّك الناسُ علَيهِ فانْبِذْ إلَيْهِمْ ما في يَديْكَ مِنَ الحُطَامِ". رواه ابن أبي الدنيا هكذا معضلاً. الحديث: 3213 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 ورواه بعضهم عنه عن منصور عن ربعي بن حراش قال: جاء رجل، فذكره مرسلاً. 3215 - (3) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمر [و] رضي الله عنهما -لا أَعْلَمُه إلا رفَعه- قال: "صَلاحُ أوَّلِ هذهِ الأمَّةِ بالزُّهْدِ واليَقينِ، وهلاكُ آخِرِها بالبخْلِ والأَمَلِ". رواه الطبراني، وإسناده محتمل للتحسين، ومتنه غريب. 3216 - (4) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الدنيا حلْوَةٌ خَضرَةٌ، وإنَّ الله تَعالى مُسْتَخْلِفُكم فيها، فَينْظُرَ كيفَ تعْملُونَ، فاتَّقوا الدُّنيا، واتُّقوا النساءَ؛ [فإنَّ أوَّلَ فِتْنَةِ بَني إسْرائيلَ كانَتْ في النسَاء] (1) ". رواه مسلم. 3217 - (5) [صحيح] والنسائي وزاد: "فما تَركتُ بَعْدي فِتْنَةً أضَرَّ على الرجالِ مِنَ النساءِ" (2). 3218 - (6) [صحيح] وعن عمرة بنت الحارث رضي الله عنها قالتْ: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) زيادة من "مسلم" (2742) سقطت من قلم المؤلف، وكذلك رواه أحمد (3/ 22) من الوجه الذي رواه مسلم، وأخرجه هو (3/ 19)، والترمذي (2192) وصححه، وابن ماجه (4000) من طريق أخرى عن أبي سعيد دون الزيادة. ولم أجد الحديث في "صغرى النسائي"، فلعله في "الكبرى" له. (2) هذه الزيادة ليست تمام الحديث الذي قبله كما حققه الحافظ الناجي رحمه الله، بل هو حديث مستقل عن صحابي آخر، وهو أسامة بن زيد عند الشيخين وغيرهما، وهو مخرج في الصحيحة" (2701). الحديث: 3215 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 "الدنيا حُلْوَةٌ خَضِرةٌ، فَمنْ أخذَها بِحَقِّها؛ بارَك الله لَهُ فيها، ورُبَّ مُتَخَوِّضٍ في مالِ الله ورَسولِه لَهُ النارُ يَوْمَ القِيامَةِ". رواه الطبراني بإسناد حسن (1). 3219 - (7) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الدنيا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، فَمنْ أخَذَها بِحَقِّه بُورِكَ لَهُ فيها، ورُبَّ مُتَخَوِّضٍ فيما اشْتَهَتْ نَفْسُه ليسَ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ إلا النارُ". رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات. 3220 - (8) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لا يُصيبُ عبدٌ مِنَ الدُّنيا شيْئاً إلا نَقَص مِنْ دَرَجاتِهِ عندَ الله؛ وإنْ كانَ عليه كَريِماً. رواه ابن أبي الدنيا، وإسناده جيد، وروي عن عائشة مرفوعاً، والموقوف أصح. 3221 - (9) [حسن] وعن أبي عسيبٍ رضي الله عنه قال: خَرَج رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلاً فَمرَّ بي فَدعاني، فخَرجْتُ إليه، ثمَّ مَرَّ بأبي بَكْرٍ رحِمَهُ الله فدعَاهُ، فخرَج إلَيْهِ، ثُمَّ مَرَّ بعُمَر رَحِمَهُ الله فدَعاهُ، فَخرَج إلَيْهِ، فانْطَلقَ حتَّى دخَل حائِطاً لِبَعْضِ الأَنْصارِ، فقالَ لِصاحِبِ الحائِطِ: أطْعِمْنا [بسراً]، فجاءَ بعذْقٍ فَوضَعَهُ، فأَكَل رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابُهُ، ثُمَّ دَعا بِماءٍ بارِدٍ فشَرِبَ، فقال:   (1) قلت: ورواه عبد الله في "زوائد المسند" وغيره، وله شاهد من حديث خولة عند الترمذي وصححه، والبخاري مختصراً، وهو في "الصحيحة" (1592). الحديث: 3219 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 "لتُسْأَلنَّ عن هذا يوم القيامَةِ". قال: فأخَذَ عُمرُ رَحمةُ الله العِذْقَ فَضَرب بِه الأَرْضَ، حتَّى تَناثَر البُسْرُ قِبَلَ رَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ثمَّ قالَ: يا رسول الله! إنَّا لَمسؤولونَ عَنْ هذا يومَ القِيامَةِ؟ قال: "نَعمْ، إلا مِنْ ثَلاثٍ: خِرْقَةٍ كَفَّ بها [الرجلُ] عَوْرَتَهُ، أوْ كِسْرَةٍ سَدَّ بها جَوْعَتَهُ، أوْ جُحْرٍ يَتدخَّلُ فيه مِنَ الحَرَّ والقَرِّ". رواه أحمد، ورواته ثقات. 3222 - (10) [حسن] وعن أبي عبد الرحمن الحُبُلي (1) قال: سمعتُ عبد الله بن عمرو بن العاصي وسألهُ رجلٌ فقال: ألَسْتُ مِنْ فُقَراءِ المهاجِرينَ؟ فقال له عبد الله: ألَك امْرأَةٌ تَأْوي إلَيْها؟ قالَ: نَعَمْ. قال: ألَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنه؟ قال: نَعمْ. قال: فأَنْتَ مِنَ الأَغْنِياءِ. قالَ: فإنَّ لي خادِماً. قال: فأنْتَ مِنَ المُلوكِ. رواه مسلم موقوفاً. 3223 - (11) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أوَّلُ ما يحاسَبُ به العبدُ يومَ القِيامَةِ؛ أنْ يُقالَ لَهُ: ألَمْ أُصِحَّ لكَ جسْمَك، وأرْوِكَ مِنَ الماءِ البارِدِ؟ ". رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد".   (1) الأصل: (الجيلي)، وفي طبعة عمارة (الجُبُلي)، وفي كنى "التقريب" (الحَبَلي)، وكل ذلك خطأ، والصواب ما أثبتنا، وهو بضم المهملة والموحدة. الحديث: 3222 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 3224 - (12) [حسن] وعن أبي سفيان عن أشياخه قال: قدم سعدٌ على سلمانَ يعوده، قال: فبَكَى، فقال سعدٌ: ما يُبْكيكَ يا أبا عبد الله؟ تُوفِّيَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو عَنْكَ رَاضٍ، وتَرِدُ عليهِ الحوْضَ، وتَلْقَى أصْحابَكَ، فقال: ما أبْكي جَزَعاً مِنَ الموْتِ، ولا حِرْصاً على الدنيا؛ ولكنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عهِدَ إليْنا عَهْداً قال: "لِيَكُنْ بُلغةُ (1) أحدِكم مِنَ الدنيا كَزادِ الراكِبِ"، وحَوْلي هذهِ الأساوِدُ! قال: وإنَّما حولَهُ إجَّانَةٌ (2) وجَفْنَةٌ ومَطْهَرةٌ! فقال سعد: اعْهَدْ إلَيْنا، فقال: يا سَعْد! اُذْكُرِ الله عندَ هَمَّكَ إذا هَمَمْتَ، وعند يَدَيْكَ إذا قَسَمْتَ، وعند حُكْمِكَ إذا حكَمْتَ. رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". كذا قال. قوله: (وحولي هذه الأساود) قال أبو عبيد: "أراد الشخوص من المتاع، وكل شخص سواد، من إنسان أو متاع أو غيره". 3225 - (13) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: اشتَكى سَلْمانُ، فعادَهُ سَعْدٌ، فَرآهُ يَبْكي، فقالَ لَهُ سعدٌ: ما يُبْكيكَ يا أَخي؟ ألَيْسَ قد صَحِبْتَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أليسَ، أليسَ؟   (1) بضم الموحدة: ما يتبلغ به من العيش. (2) بكسر الهمزة وتشديد الجيم وفتحها وبالنون: شيء تغسل فيه الثياب. و (الجفنة) كالقصعة بفتح أولها. و (المطهرة): إداوة الماء، ذكرها الجوهري بفتح الميم وكسرها ثم قال: والفتح أعلى. كذا في "العجالة" (211/ 1). الحديث: 3224 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 قال سلْمانُ: ما أبْكي واحِدَةً مِنِ اثْنَتَيْنِ، ما أبْكي ضَنّاً على الدُّنْيا، ولا كَراهِيَةَ الآخِرَةِ؛ ولكِنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهِدَ إليْنا عَهْداً، ما أَراني إلا قد تَعَدَّيْتُ. قال: وما عَهِدَ إليْك؟ قال: عَهِدَ إليْنا أنَّه: "يكْفي أحدَكم مثل زاد الراكِبِ". ولا أُراني إلا قَدْ تَعدَّيْتُ. وأمَّا أنتَ يا سَعْدُ! فاتَّقِ الله عندَ حُكْمِكَ إذا حَكَمْتَ، وعندَ قَسْمِكَ إذا قَسَمْتَ، وعند هَمِّكَ إذا هَمَمْتَ. قال ثابت: فبلَغَني أنَّه ما تَرك إلا بِضْعَةً وعِشْرينَ دِرْهَماً مع نُفَيقَةٍ كَانَتْ عنْدَهُ. رواه ابن ماجه، ورواته ثقات احتج بهم الشيخان؛ إلا جعفر بن سليمان، فاحتج به مسلم وحده. [صحيح موقوف] (قال الحافظ): "وقد جاء في "صحيح ابن حبان": أن مال سلمان رضي الله عنه جُمع، فبلغ خمسةَ عشر درهماً. (1) وسيأتي إن شاء الله تعالى [آخر هذا الباب] ". وفي الطبراني: أن متاع سلمان "بيع فبلغ أربعة عشر درهماً" (2). 3226 - (14) [صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما طَلعتْ شمسٌ قَطُّ إلا بُعِثَ بَجَنْبتَيْها مَلكانِ يُنادِيانِ يُسْمِعانِ أهْلَ   (1) هذا طرف الحديث الآتي في الفصل التالي في هذا الباب. (2) قلت: هذا لم يصح إسناده كما سيأتي هناك في "الضعيف". الحديث: 3226 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 الأَرْضِ إلاَّ الثَّقَليْنِ: يا أيّها الناسُ! هَلُمُّوا إلى ربُّكُمْ؛ فإنَّ ما قلَّ وكفَى، خيرٌ مِمَّا كَثُر وأَلْهَى". رواه أحمد في حديث تقدم [8 - الصدقات/ 15]، ورواته رواة "الصحيح"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد. 3227 - (15) [صحيح] وعن فضالة بن عبيدٍ؛ أنَّه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "طُوبى لِمَنْ هُدِيَ للإسْلامِ، وكانَ عَيْشُه كَفَافاً وقَنَعَ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم" (1) [مضى هناك]. 3228 - (16) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قد أفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ ورُزِقَ كَفافاً، وقَنَّعَهُ الله بِما أَتاهُ". رواه مسلم والترمذي وابن ماجه. [مضى هناك]. (2) (الكَفَافُ): الذي ليس فيه فضل عن الكفاية. روى أبو الشيخ ابن حيان في "كتاب الثواب" عن سعيد بن عبد العزيز أنه سئل: ما الكفاف من الرزق؟ قال: شبع يوم، وجوع يوم. (3)   (1) قلت: وصححه ابن حبان أيضاً (2541 - موارد). (2) وهو مخرج في "الصحيحة" (رقم 129)، وأخرجه الحاكم أيضاً (4/ 122). (3) قلت: وعن أبي الشيخ رواه أبو نعيم في "الحلية" (6/ 126)، ورواه ابن عساكر في "التاريخ" (21/ 207)، ولعل الأولى تفسير (الكفاف) بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أصبح منكم آمناً في سربه. . عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا"، حسنه الترمذي، وتقدم (8 - الصدقات/4). الحديث: 3227 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 3229 - (17) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قوتاً، -وفي روايةٍ-: كَفافاً". رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه. 3230 - (18) [صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يَتْبَعُ الميتَ ثَلاثٌ: أهْلُهُ، ومالُه، وعَملُه، فيَرْجعُ اثْنانِ، وَيبْقَى واحِدٌ، يَرْجعُ أهْلُه ومالُه، وَيبْقَى عمَلُه". رواه البخاري ومسلم. 3231 - (19) [حسن صحيح] وعن النعمانِ بْنِ بَشيرٍ رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ عَبْدٍ ولا أَمَةٍ إلا ولهُ ثَلاثة أخِلاَّء؛ فخلَيلٌ يقولُ: أنَا معكَ، فَخُذْ ما شِئْتَ ودع ما شِئْتَ؛ فذلِكَ مالُه. وخليلٌ يقولُ: أنا معَكَ، فإذا أتيْتَ بابَ المَلِك تركتُكَ؛ فذلك خَدمُه وأهْلُه. وخليلٌ يقولُ: أنا معَك حيْثُ دخَلْتَ وحيثُ خَرْجت؛ فذلِكَ عَملُه". رواه الطبراني في "الكبير" بأسانيد أحدها صحيح. [حسن صحيح] ورواه في "الأوسط"، ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَثَلُ الرجلِ ومثلُ الموْتِ؛ كَمَثَلِ رجُلٍ لَهُ ثلاثَةُ أخِلاّء؛ فقالَ أحَدُهم: هذا مالي؛ فَخذْ منه ما شئْتَ، وأَعْطِ ما شِئتَ، ودع ما شِئْتَ، وقال الآخَرُ: أنا مَعكَ أخْدِمُك؛ فإذا مِتَّ تركْتُكَ، وقال الآخَرُ: أنا مَعَك؛ أدْخُل مَعكَ، وأخْرُج معَكَ إن مِتَّ وإنْ حَيِيْتَ، فأمَّا الَّذي قال: هذا مالي فَخُذْ منه ما شِئْتَ، ودعْ ما شِئْتَ، فهو مالُه، والآخَرُ عَشيرَتُه، والآخَرُ عَملُه، يَدْخل الحديث: 3229 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 معَهُ ويَخرُج مَعَهُ حيْثُ كانَ" (1). 3232 - (20) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مثَلُ ابْنِ آدَم ومالِه وأهلِه وعملِه كرجُلٍ لَهُ ثَلاثَةُ إخْوَةٍ، أو ثَلاثَةُ أصْحابٍ، فقال أحَدُهم: أنا معَك حياتَكَ، فإذا مِتَّ فلسْتُ منكَ ولَسْتَ منِّي؛ فهو مالُه، وقالَ الآخَرُ: أنا مَعَك، فإذا بَلغْتَ تِلْكَ الشجرةَ فلَسْتُ منكَ ولسْتَ مِنِّي، وقال الآخَرُ: أنا معَكَ حيَّا ومَيِّتاً". رواه البزار، ورواته رواة "الصحيح" (2). 3233 - (21) [صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقولُ العبْدُ: مالي مالي! إنَّما لَهُ مِنْ مالِه ثلاثٌ: ما أَكلَ فأفْنَى، أوْ لَبِسَ فأبلَى، أوْ أَعْطَى فأقنى، وما سِوى ذلك فهو ذاهِبٌ وتارِكه للِناسِ". رواه مسلم. 3234 - (22) [صحيح] وعن عبد الله بن الشِّخِّير رضي الله عنه قال: أتيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يقرأ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} قال: "يقولُ ابْنُ آدَم: مالي مالي! وهلْ لكَ يا ابْنَ آدم مِنْ مالِكَ إلا ما أكَلْتَ فأفْنَيْتَ، أو لَبِسْتَ فأبْلَيْتَ، أوْ تَصَدَّقْتَ فَأمْضَيْتَ؟! ". رواه مسلم والترمذي والنسائي. وتقدمت أحاديث من هذا النوع في "الصدقة" وفي "الإنفاق".   (1) قلت: مضى له شاهد من حديث أنس (8 - الصدقات/ 15). (2) وكذا في "مجمع الزوائد" (10/ 252)، وفيه محمد بن عجلان، ولم يحتجا به، وهو مخرج في "الصحيحة" (2481). الحديث: 3232 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 3235 - (23) [صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بالسوقِ [داخلاً من بعض العالية] (1) والناسُ كَنَفَتَيْه، فَمرَّ بجَدْيٍ أسَكَّ مَيِّتٍ، فتناوَله بأُذُنِهِ ثُمَّ قال: "أيُّكُمْ يُحِبُّ أنَّ هذا لَهُ بِدرهَمٍ؟ ". فقالوا: ما نُحِبُّ أَنَّه لَنا بشَيْءٍ، وما نَصْنَعُ به؟ قال: "أتُحِبُّون أنَّه لَكُمْ؟! ". قالوا: والله لوْ كان حيّاً لكانَ عَيْباً فيه؛ لأنَّهُ أسَكُّ، فكيفَ وهو مَيِّتٌ؟ فقال: "والله للدُّنْيا أهْوَنُ على الله مِنْ هذا علَيْكُمْ". رواه مسلم. قوله: (كَنَفَتيَه) أي: عن جانبيه. و (الأَسَكّ) بفتح الهمزة والسين المهملة أيضاً وتشديد الكاف: هو الصغير الأذن. 3236 - (24) [صحيح لغيره] وعن ابْنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهما قال: مَرَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ قد ألْقاها أهْلُها، فقال: "والَّذي نَفْسي بيَدِه للدُّنْيا أهْوَنُ على الله مِنْ هذهِ على أهْلِها". رواه أحمد بإسناد لا بأس به. 3237 - (25) [صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: مَرَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدِمنةِ قومٍ فيها سَخْلَةٌ ميتةٌ، فقال: "ما لأهلها فيها حاجة؟ ".   (1) زيادة من مسلم (8/ 210). الحديث: 3235 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 قالوا: يا رسول الله! لو كانَ لأهلِها فيها حاجةٌ ما نبذوها، فقال: "والله للدُّنيا أهونُ على الله من هذه السخلةِ على أهلها، فلا ألفِينّها أهلكت أحداً منكم". رواه البزار (1). 3238 - (26) [صحيح لغيره] والطبراني في "الكبير" من حديث ابن عمر بنحوه، ورواتهما ثقات. (2) 3239 - (27) [صحيح لغيره] ورواه أحمد من حديث أبي هريرة، ولفظه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرّ بسَخْلَةٍ جَرْباءَ قد أخْرَجها أهْلُها، فقال: "أتَرونَ هذه هَيِّنَةً على أهْلِها؟ ". قالوا: نَعمْ. قال: "للَدُّنْيا أهْوَنُ على الله مِنْ هذه على أَهلِها". (3) (الدِّمنة) بكسر الدال: هي مجتمع الدِّمْن، وهو السرجين المبلد بعضه على بعض (4). و (السخلة): الأنثى من ولد الضأن. وقوله: (فلا ألفينها) بالفاء وتشديد النون، أي: فلا أجدنها.   (1) وقال البزار: "قد روي هذا الحديث من وجوه، وأعلى من رواه أبو الدرداء، وإسناده صحيح شاميون، وفيه زيادة: (فلا ألفينها. .). .". وهو مخرج في "الصحيحة" (3392). (2) قلت: يعني هذا وحديث أبي الدرداء الذي قبله، وليس فيه الزيادة التي في حديث أبي الدرداء، ولذلك فكان الأَولى ذكره عقب حديث ابن عباس المتقدم، أو حديث أبي هريرة الآتي. (3) في الأصل هنا قوله: "وفي رواية للطبراني من حديث ابن عمر أيضاً نحوه، وزاد فيه: "ولو كانت تعدل عند الله مثقال حبة من خردل لم يعطها إلا لأوليائه وأحبابه من خلقه". قلت: وهو ضعيف جداً، فيه (البابلتي) ومن هو أشد ضعفاً منه، وهو مخرج في "الضعيفة" (6693). (4) يعني: المزبلة. الحديث: 3238 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 3240 - (28) [صحيح لغيره] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَوْ كانَتِ الدنْيا تَعدِلُ عندَ الله جَناحَ بَعوضَةٍ، ما سَقى كافِراً مِنْها شُرْبَةَ ماءٍ". رواه ابن ماجه، والترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح". 3241 - (29) [صحيح] وعن سلمان رضي الله عنه قال: جاءَ قومٌ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَ لَهُمْ: "ألَكُمْ طَعامٌ؟ ". قالوا: نَعَمْ. قال: "فلكُمْ شرابٌ؟ ". قالوا: نَعَمْ. قال: ["فَتُصَفُّونه؟ "، قالوا: نعم. قال] "وَتَبَرَّزونَه؟ (1) ". قالوا: نَعَمْ. قال: "فإنَّ معادَهُما كمَعادِ الدُّنْيا؛ يقومُ أحدُكم إلى خَلفِ بَيْتِه، فيُمْسِكُ أنْفَهُ مِنْ نَتَنِهِ". رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في "الصحيح". 3242 - (30) [صحيح لغيره] وعن الضَّحاك بن سفيانَ رضي الله عنه؛ أنّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "يا ضحَّاكُ! ما طعَامُك؟ ".   (1) الأصل: "وتبردونه"، والتصويب من الطبراني (6/ 304 - 305)، والزيادة منه، وغفل عن هذا كله المدعون! الحديث: 3240 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 قال: يا رسولَ الله! اللَّحْمُ واللَّبَنُ. قال: "ثمَّ يصيرُ إلى ماذا؟ ". قال: إلى ما قَدْ علِمْتَ. قال: "فإنَّ الله تعالى ضَرَب ما يَخْرُج مِنِ ابْنِ آدَمَ مَثلاً لِلدنْيا". رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح"؛ إلا علي بن زيد بن جدعان [مضى ج 2/ 19 - الطعام/ 7]. 3243 - (31) [صحيح لغيره] وعن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ مَطْعَم ابْنِ آدَمَ جُعِلَ مثَلاً للدُّنيا، وإنْ قَزَّحَهُ ومَلَحَهُ، فانْظُرْ إلى ما يَصيرُ". رواه عبد الله بن أحمد، وابن حبان في "صحيحه". قوله: (قزَّحَهُ) بتشديد الزاي: هو من (القزح) وهو التابل، يقال: قزحت القدر إذا طرحت فيها الأبزار. (ومَلَحه) بتخفيف اللام معروف. [مضى هناك]. 3244 - (32) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ الدنْيا مَلْعونَةٌ، ملعونٌ ما فيها؛ إلا ذِكْرَ الله ومَا والاه، وعالِمٌ أو متَعَلَّمٌ". رواه ابن ماجه، والبيهقي، والترمذي وقال: "حديث حسن". [مضى 3 - العلم/ 1]. 3245 - (33) [صحيح] وعن المستورد أخي بني فهرٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما الدنْيا في الآخِرَةِ (1) إلا كَما يَجْعَلُ أَحَدُكُم إصْبَعَهُ هذهِ في اليَمِّ   (1) أي: ما الدنيا بالنسبة للآخرة في قصر مدتها وفناء لذتها، ودوام الآخرة ودوام لذتها ونعيمها. الحديث: 3243 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 -وأشار يحيى بن يحيى بالسبابة-، فَلْيَنْظُر بِمَ يَرْجِعُ". رواه مسلم. 3246 - (34) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تَعِسَ عبدُ الدِّينارِ، وعبدُ الدرْهَمِ، وعبدُ الخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعطَ سَخِطَ، تَعِسَ وانْتكَس، وإذا شِيك فلا انْتَقشَ، طوبى لِعبد آخِذٍ بِعِنانِ فَرسِه في سبيلِ الله، أشْعَثَ رأسُه، مُغْبَرَّةٍ قَدماهُ، إنْ كانَ في الحِراسَةِ كانَ في الحِراسَةِ، وإنْ كانَ في الساقَةِ كان في الساقَةِ؛ إنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ له، وإنْ شَفَع لَمْ يُشَفَّعْ". رواه البخاري. وتقدم مع شرح غريبه في "الرباط" [ج 2/ 12 - الجهاد/ 1]. 3247 - (35) [صحيح لغيره] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من أحبَّ دُنياه؛ أضرَّ بآخرته، ومن أحبَّ آخرتَه؛ أضرَّ بدُنياه، فآثِروا ما يبقى على ما يفْنى". رواه أحمد، ورواته ثقات، والبزار، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، والبيهقي في "الزهد" وغيره، كلهم من رواية المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبي موسى، وقال الحاكم: "صحيح على شرطهما". (قال الحافظ): "المطلب لم يسمع من أبي موسى (1)، والله أعلم".   (1) قلت: نعم، ولكني وجدت له شاهداً عزيزاً من حديث أبي هريرة، خرجته في "الصحيحة" (3287)، وأشرت تحته إلى حديث أبي موسى هذا الذي كنت أخرجته في "الضعيفة" (5650) لانقطاعه، ورددتُ فيه على أحد الدكاترة الذي حسنه اعتباطاً -كما يفعل الثلاثة- وهو يرى إعلال المؤلف إياه بالانقطاع، ولكنه كتمها، ونقل عنه قوله: "ورجاله ثقات" فقط!! الحديث: 3246 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 3248 - (36) [صحيح] وعن أبي مالك الأشْعَريِّ رضيَ الله عنه: أنهُ لمَّا حضَرتْهُ الوَفاةُ قال: يا مَعْشَر الأشْعَرِّيين! ليُبلِّغِ الشاهِدُ الغائِبَ؛ إنِّي سمِعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "حلاوَةُ الدنيا مُرَّةُ الآخِرَةِ، ومُرَّةُ الدنْيا حلاوَةُ الآخِرَةِ". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 3249 - (37) [صحيح] وعن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ في قولِه تعالى: {إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} قال: "في الدنيا". رواه ابن حبان في "صحيحه"، وهو في مسلم (1) بمعناه في آخر حديث يأتي إن شاء الله تعالى [مضى ج 2/ 16 - البيوع/ 3]. 3250 - (38) [صحيح] وعن كعب بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما ذِئْبانِ جائِعانِ أرْسِلا في غَنَمٍ، بأفْسدَ لها مِنْ حِرْصِ المَرْءِ على المالِ والشرف لدينه". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وابن حبان في "صحيحه". 3251 - (39) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضيَ الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما ذئْبانِ ضارِيَانِ جائِعانِ باتا في زَريبَةِ غَنَمٍ، أغْفَلها أهْلُها، يَفْتَرِسان ويأكُلانِ؛ بَأسْرَعَ فيها فَساداً مِنْ حُبِّ المالِ والشرَفِ في دينِ المَرْءِ المسْلِمِ". رواه الطبراني واللفظ له، وأبو يعلى بنحوه، وإسنادهما جيد.   (1) كذا قال هنا، وقال فيما مضى: "وهو في (الصحيحين) "، وهو الصواب كما سيأتي هناك في الحديث الثالث من الأحاديث الستة آخر الكتاب. نسأل الله حسن الخاتمة ودخول الجنة برحمته وفضله. الحديث: 3248 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 3252 - (40) [حسن صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما ذئْبانِ ضارَيانِ في حَظيرَةٍ يَأْكلانِ ويُفْسِدانِ؛ بأضَرَّ فيها مِنْ حُبِّ الشرفِ وحُبِّ المالِ في دينِ المَرْءِ المسْلِمِ". رواه البزار بإسناد حسن. 3253 - (41) [صحيح] وعن كعب بن عياضٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ لِكلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وفِتْنَةُ أمَّتي المالُ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 3254 - (42) [صحيح] وعن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رحِمَ الله مَنْ سمعَ مقالَتي حتَّى يُبَلِّغها غَيْرَهُ، ثلاثاً لا يَغِلُّ عليهِنَّ قلتُ امْرئٍ مسْلمِ: إخْلاصُ العَملِ لله، والنصْحُ لأئِمَّةِ المسْلمينَ، واللُّزومُ لِجمَاعَتهِمْ، فإنَّ دُعاءَهُمْ يُحِيطُ مَنْ وراءَهم. إنَّه مَنْ تكُنِ الدنْيا نِيَّتَهُ يَجْعلِ الله فَقْرَهُ بيْنَ عينيْهِ، ويشَتِّتْ عليه ضَيْعَتَهُ، ولا يَأْتِيهِ منها إلا ما كتِبَ له. ومَنْ تَكُنِ الآخِرَةُ نِيَّتَه يَجْعَلِ الله غِناهُ في قَلْبِه، ويَكْفِيه ضَيْعَتَهُ، وتأتيه الدنيا وهي راغِمَةٌ". رواه ابن ماجه، وتقدم لفظه وشرح غريبه في "الفراغ للعبادة" [هنا/2]، والطبراني واللفظ له، وابن حبان في "صحيحه"، وتقدم لفظه في سماع الحديث [3 - العلم/ 3]. 3255 - (43) [صحيح] وعن عمرو بن عوفٍ الأنصاري رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعَثَ أبا عبيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ رضيَ الله عنه إلى البَحرينِ يأتي بجِزْيتها، فقَدمَ بِمالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فسمِعَتِ الأَنْصارُ بِقُدومِ أبي عُبَيْدَة، فوافَوْا صلاةَ الفَجرِ معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلمَّا صَلّى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصرَفَ، فَتعَّرضوا له، فَتَبَسَّمَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينَ رآهُمْ، ثم قال: الحديث: 3252 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 "أَظُنّكُم سمِعْتُم أنَّ أبا عُبَيْدَة قَدِمَ بشَيْءٍ مِنَ البَحْرَيْنِ؟ ". قالوا: أجَلْ يا رسولَ الله! فقال: "أبْشِروا وأَمِّلوا ما يَسرُّكم، فوَالله ما الفَقْرَ أخْشَى عليكُمْ؛ ولكِنْ أخْشَى أنْ تُبْسَط الدنيا عليكُم كما بُسِطَتْ على مَنْ كانَ قَبْلَكُم، فتَنافَسُوها كما تَنافَسُوها، فتُهْلِكَكُمْ كما أَهْلَكَتْهُمْ". رواه البخاري ومسلم. 3256 - (44) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما أخْشى عليكُم الْفَقْرَ؛ ولكِنْ أخْشى عليكُمُ التكَاثُرَ، وما أَخْشى عليكُمُ الخَطأَ؛ ولكنْ أخْشَى عليكُمْ التَّعَمُّدَ". رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 3257 - (45) [صحيح لغيره] وعن عوفِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أصحابه فقال: "آلفقرَ تخافون أو العوز، أم تهمكم الدنيا؟ فإن الله فاتحٌ عليكم فارسَ والرومَ، وتصب عليكم الدنيا صباً حتى لا يُزيغكم بعدي إنْ أزاغكم (1) إلا هي". رواه الطبراني، وفي إسناده بقية. (2) (العَوَز) بفتح العين والواو: هو الحاجة.   (1) الأصل: (بعد أن زغتم)، وكذا هو عند الطبراني (18/ 52/ 93)، والمثبت من "المسند" (6/ 24)، وإسناده جيد، فكان ينبغي عزوه من المصنف إليه لسلامته من تدليس بقية الذي أعله به، وقد تبعه -مع الأسف- الهيثمي، واغتر بهما المعلقون الثلاثة فضعفوا الحديث بسببه! (2) وكذا في "المجمع"، وفاتهما عزوه لأحمد، وقد صرح بالتحديث (6/ 24)، انظر "الصحيحة" (688). الحديث: 3256 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 3258 - (46) [صحيح لغيره] وعن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أنَّه كانَ يُعْطي الناسَ عَطاءَهُم، فجاءَهُ رجَلٌ فأعْطاهُ ألْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قال: خُذْها؛ فإنِّي سمِعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "إنَّما أَهْلَك مَنْ قبْلَكُم الدينارُ والدِرْهَمُ، وهما مُهْلِكاكُمْ". رواه البزار بإسناد جيد. 3259 - (47) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: جلسَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنْبَر وجلَسْنَا حولَهُ فقال: "إنَّ مِمَّا أخافُ عليكُمْ ما يَفْتَحُ الله عليكُم مِنْ زَهْرَةِ الدنْيا وزينَتِها". رواه البخاري ومسلم في حديث. 3260 - (48) [صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: كنتُ أمْشي مَعَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حَرَّةٍ بالمَدينَة، فاسْتَقْبَلَنا أُحُدٌ، فقالَ: "يا أبا ذرّ! ". قلتُ: لبَّيْكَ يا رسولَ الله! قال: "ما يَسُرُّني أنَّ عندي مثلَ أُحُدٍ هذا ذَهباً، يَمْضي عليه ثالِثَةٌ وعِنْدي منهُ دينارٌ؛ إلا شَيْءٌ أرْصدُه لِدَيْنٍ؛ إلا أنْ أقولَ في عبادِ الله هكذا، وهكذا، وهكذا -عنْ يَمينِه، وعنْ شمَالِه، وعنْ خَلْفِهِ-". ثُمَّ سارَ فقال: "إنَّ الأكْثَرينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يومَ القِيامَةِ إلاَّ مَنْ قال هكذا، وهكَذا، وهكذا -عنْ يَمينِه، وعنْ شِمالَهِ، ومِنْ خَلْفِهِ-، وقَليلٌ ما هُمْ". ثم قال لي: "مكانَك لا تَبْرَحْ حتى آتِيَكَ" الحديث. رواه البخاري واللفظ له، ومسلم، وفي لفظ لمسلم: قال: انْتَهَيْتُ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو جالِسٌ في ظلِّ الكَعْبَةِ، فلمَّا رآني قال: الحديث: 3258 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 "هُمُ الأَخْسَرونَ ورَبِّ الكَعْبَةِ". قال: فجئْتُ حتى جلَسْتُ، فلَمْ أتقَارَّ (1) أنْ قُمْتُ، فقلتُ: يا رسول الله! فِداكَ أبي وأمِّي، مَنْ هُمْ؟ قال: "هُم الأكْثَرون أمْوالاً، إلا مَنْ قال هكذا، وهكذا، وهكذا -مِنْ بَيْنِ يديْه، ومِنْ خَلْفه، وعَنْ يَمينِه، وعَنْ شِمالِهِ-، وقليلٌ ما هُمْ" الحديث. [حسن] ورواه ابن ماجه مختصراً: "الأكْثَرونَ هُم الأَسْفَلونَ يومَ القِيامَةِ، إلا مَنْ قال هكذا، وهكذا". (2) 3261 - (49) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنتُ أمْشي مَعَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نَخْلٍ لِبَعْضِ أهْلِ المدينَةِ، فقال: "يا أبا هريرة! هلَكَ المكْثِرونَ إلا مَنْ قال هكذا، وهكذا، وهكذا -ثلاثَ مَرَّاتٍ، حثا بكفَّيْهِ عَنْ يَمينِه، وعنْ يَسارِه، ومِنْ بيْنِ يدَيْهِ- وقليلٌ ما هُمْ" الحديث. رواه أحمد، ورواته ثقات، وابن ماجه بنحوه. 3262 - (50) [صحيح لغيره] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نحن الآخِرون (3)، الأوَّلونَ يومَ القِيامَةِ، وإنَّ الأكْثَرينَ همُ الأسْفَلونَ، إلا مَنْ قالَ هكذا، وهكذا -عَنْ يَمينِه؛ وعنْ يَسارِه، ومِنْ خَلْفِهِ، وبيْنَ يَديْهِ، ويَحْثي بثَوبه-". رواه ابن حبان في "صحيحه". [صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه باختصار، وقال في أوله:   (1) أي: لم ألبث. أصله (أتقارر)، فأدغمت الراء في الراء. (2) في آخر الحديث زيادة: "وكسبه من طيب"، فحذفتها لشذوذها، ومخالفتها لطرق الحديث الأخرى، وهي مخرجة في "الصحيحة" (1766)، وفاتني هناك التنبيه على شذوذها، فليستدرك. (3) أي: ظهوراً في الدنيا، (الأولون يوم القيامة) أي: دخولاً الجنة، وقد جاء هذا نصاً عن أبي هريرة في مسلم (3/ 7). الحديث: 3261 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 "ويْلٌ للمُكْثِرين". (قال الحافظ): "وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة تدور على هذا المعنى اختصرناها". فصل في عيش السلف (1). 3263 - (51) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ما شَبعَ آلُ مُحمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَعامٍ ثلاثَةَ أيَّام تِباعاً حتى قُبِضَ". وفي رواية: قال أبو حازم: رأيتُ أبا هريرة يُشيرُ بإصْبَعِه مِراراً يقول: "والذي نَفْسُ أبي هريرةَ بيده ما شَبِعَ نبيُّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[وأهلُه] ثلاثَة أيَّامٍ تباعاً مِنْ خبْزِ حِنْطَةٍ حتى فارَقَ الدنْيا". رواه البخاري ومسلم (2). 3264 - (52) [صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبيتُ اللَّياليَ المتَتَابِعَةَ وأهْلُه طاوِينَ، لا يَجِدونَ عَشاءً، وإنَّما كانَ أكْثَر خُبْزِهم الشعيرُ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". 3265 - (53) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ: "ما شبعَ آلُ محمَّدٍ مِنْ خُبْزِ الشعيرِ يَوميْنِ مُتَتابِعَيْنِ حتى قُبِضَ رسولُ الله".   (1) أي: في كيفية معيشتهم في أيام حياتهم، وبيان كيفية معيشة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أيام حياته إلى وقت قبض روحه الشريفة -بأبي وأمي أفديه-. (2) ذكر الناجي (ق 211/ 2) أن الحديث من أفراد مسلم بالروايتين، ففاته أن الرواية الأولى عند البخاري في أول "كتاب الأطعمة"، وهو ثاني حديث منه؛ وقد أخرجه الترمذي أيضاً (2359) وقال: "حديث حسن صحيح". الحديث: 3263 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 رواه البخاري ومسلم. [صحيح] وفي رواية لمسلم: قالت: "لقد ماتَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما شَبعَ مِنْ خُبزٍ وزَيْتٍ في يومٍ واحدٍ مرَّتَيْنِ". 3266 - (54) [صحيح لغيره] وعن عبد الرحمن بن عوفٍ رضي الله عنه قال: "خَرجَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولَمْ يَشْبَعْ هو ولا أَهْلُه مِنْ خُبْزِ الشعيرِ" رواه البزار بإسناد حسن. 3267 - (55) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّه مَرَّ بقومٍ بينَ أيْديِهمْ شاةٌ مَصْلِيَّةٌ، فَدعَوهُ فأبى أنْ يأكُلَ، وقال: "خَرج رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الدنْيا ولَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبزِ الشعيرِ". رواه البخاري والترمذي. (مَصْليَّة) أي: مشويَّة. 3268 - (56) [صحيح لغيره] ورُوي عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "ما شبعَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في يوم شبعتين حتى فارق الدنيا". رواه الطبراني. 3269 - (57) [صحيح لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما كان يَبْقَى على مائدَةِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خُبْزِ الشعيرِ قَليلٌ ولا كَثيرٌ". رواه الطبراني بإسناد حسن. [صحيح لغيره] وفي رواية له: "ما رُفِعَتْ مائدَةُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منْ بيْنِ يَديْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلَيْها فُضْلَةٌ مِنْ طَعامٍ قَطُّ". الحديث: 3266 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 [صحيح لغيره] ورواه ابن أبي الدنيا؛ إلا أنه قال: "وما رُفعَ بين يَديْهِ كِسْرَةٌ فَضْلاً حتى قُبِضَ". 3270 - (58) [صحيح] وللترمذي وحسَّنه من حديث أبي أمامة قال: "ما كان يَفْضُلُ عَنْ أهْلِ بيْتِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُبْزُ الشعيرِ". 3271 - (59) [حسن] وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: أتيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرأيتُه متَغَيِّراً فقلتُ: بأبي أنْتَ؛ ما لي أراكَ متَغَيِّراً؟ قال: "ما دخَل جَوْفي ما يدخُل جوْفَ ذاتِ كَبِدٍ منذُ ثَلاثٍ". قال: فذهَبْتُ فإذا يهَودِيٌّ يَسْقي إِبِلاً لَهُ، فسَقَيْتُ له على كلِّ دَلْوٍ بتَمْرَةٍ، فَجمَعْتُ تَمْراً؛ فأتَيْتُ بِه النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "مِنْ أيْنَ لك يا كَعْبُ؟ "، فأخْبرتُه، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتُحِبُّني يا كعْبُ؟ ". قلتُ: بأبي أنْتَ؛ نَعَمْ. قال: "إنَّ الفَقْرَ أسْرَعُ إلى مَنْ يُحِبُّني مِنَ السيْلِ إلى مَعادِنِه، وإنَّهُ سَيُصيبُكَ بَلاءٌ، فأعِدَّ له تَجْفافاً". قال: فَفَقَدَهُ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ما فَعلَ كعْبٌ؟ ". قالوا: مريضٌ، فخَرجَ يَمْشي حتَّى دخَل عليْه، فقالَ لَهُ: "أبْشِرْ يا كعْبُ! ". فقالتْ أمَّهُ: هَنيئاً لكَ الجَنَّةَ يا كعْبُ! فقالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ هذه المُتأَلِّيَةُ على الله؟ ". قلتُ: هِيَ أمِّي يا رسولَ الله! قال: الحديث: 3270 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 "ما يُدْريكِ يا أمَّ كَعْبٍ؟ لَعلَّ كعْباً قال ما لا يَنْفَعُه، ومَنَع ما لا يُغْنِيهِ". رواه الطبراني، ولا يحضرني الآن إسناده، إلا أن شيخنا الحافظ أبا الحسن رحمه الله كان يقول: إسناده جيد. (1) 3272 - (60) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "لَمْ ياْكُلِ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على خِوانٍ (2) حتَّى ماتَ، ولَمْ يأْكُلْ خُبزاً مُرَقِّقاً حتى مات". [صحيح] وفي رواية: "ولا رأَى شاةً سَميطاً بعَيْنِه قَطُّ". رواه البخاري. 3273 - (61) [صحيح] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: "ما رأى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّقيِّ (3) مِنْ حينِ ابْتَعَثهُ الله تعالى حتَّى قَبضَهُ الله". فقيلَ: هلْ كانَ لكُم في عَهْدِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْخُلٌ؟ قال: "ما رأى رسولُ الله مُنْخُلاً مِنْ حِينِ ابْتَعَثهُ الله تعالى حتى قَبَضهُ الله". فقيلَ: فكيفَ كنتُمْ تأْكُلونَ الشعيرَ غيرَ منْخولٍ؟ قال: كنَّا نَطْحَنُه ونَنْفُخه، فَيطيرُ ما طَار، وما بَقِيَ ثَرَّيْناهُ. رواه البخاري. (النَّقِيُّ): هو الخبز الأبيض الحواري.   (1) قلت: وكذا قال الهيثمي، وهو مخرج في "الصحيحة" (3103). (2) (الخوان): بكسر الخاء المعجمة: هو ما يوضع عليه الطعام. (3) هو خبز الدقيق الحواري، وهو النظيف الأبيض. الحديث: 3272 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 (ثَرَّيْنَاهُ) بثاء مثلثة مفتوحة وراء مشددة بعدها ياء مثناة تحت ثم نون، أي: بللناه وعجنّاه. 3274 - (62) [حسن صحيح] وروي عن أم أيمن (1) رضي الله عنها: أنَّها غَرْبَلَتْ دَقيقاً، فصَنَعتْهُ للنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَغيفاً، فقال: "ما هذا؟ ". قالتْ: طعامٌ نَصْنَعُه بأرْضِنا، فأحْبَبْتُ أن أصْنَع لك منة رَغيفاً، فقال: "رُدِّيهِ فيهِ ثُمَّ اعْجِنيهِ". رواه ابن ماجه، وابن أبي الدنيا في "كتاب الجوع"، وغيرهما. 3275 - (63) [صحيح] وعن النعمانِ بن بَشيرٍ رضي الله عنهما قال: ألَسْتُمْ في طعامٍ وشَرابٍ ما شِئْتُمْ؟ لقد رأيتُ نَبِيَّكُمْ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ ما يَمْلأُ بَطْنَهُ. رواه مسلم والترمذي. [صحيح] وفي رواية لمسلم عن النعمان قال: ذكر عمرُ ما أصابَ الناسُ مِنَ الدنْيا؛ فقالَ: "لقد رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَظَلُّ اليومَ يَلْتَوِي ما يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ ما يَمْلأُ بَطْنَهُ". (الدَّقَلُ) بدال مهملة وقاف مفتوحتين: هو رديء التمر. 3276 - (64) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أرسلَ إلينا آلُ أبي بكرٍ بقائِمَةِ شاةٍ لَيْلاً، فأمْسَكْتُ، وقطعَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو   (1) هي بركة الحبشية، خادمة أم حبيبة رضي الله عنها. الحديث: 3274 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 قالتْ: فأمْسكَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقطَعتُ، قال: فيقولُ الذي تُحدِّثهُ: هذا على غيرِ مِصْباح؟ [قالتْ عائشةُ: إنَّه لَيأْتي على آلِ محمَّدٍ الشهرُ ما يخْتَبِزَونَ خُبْزاً، ولا يطْبُخون قدراً] (1) ". رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح". والطبراني وزاد: فقلتُ: يا أمّ المؤْمنين! على [غيرِ] مصْباحٍ؟ قالتْ: لو كان عندَنا دُهْنُ مصباحٍ لأكَلْناه (2). 3277 - (65) [صحيح] وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها؛ أنها كانت تقول: والله يا ابْنَ أختي! إنْ كنّا لنَنْظُر إلى الهلالِ، ثمَّ الهلالِ، ثمَّ الهلالِ؛ ثلاثَة أهِلَّةٍ في شهْرَيْن، وما أُوقدَ في أبْياتِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نارٌ. قلتُ: يا خالة! فما كان يُعِيشُكُم؟ قالتْ: الأسْوَدان: التمرُ والماءُ، إلا أنَّه كان لِرسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جيرانٌ منَ الأنْصارِ، وكانَتْ لهم مَنايحُ، فكانوا يُرْسِلونَ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ألْبانِها، فيَسْقِينَاه". رواه البخاري ومسلم. 3278 - (66) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ: مَنْ حدَّثكُم أنّا كنّا نشْبَعُ مِنَ التمْرِ فقد كَذَبَكُم؛ فلمَّا افْتَتَحَ رسولُ الله   (1) زيادة من "المسند" (6/ 94) لا أدري لم أسقطها المؤلف، وهي موضع الشاهد. (2) قلت: هذه الزيادة عند أحمد أيضاً (6/ 217) في رواية، وفيها كالتي قبلها لفظة (غير)، وسقطت من رواية الطبراني، يعني في "الأوسط" (9/ 403)، ولذلك جعلتها بين معكوفتين، ووقعت في الأصل في قوله بعدُ: ". . . غير مصباح لأكلناه"! وهو خطأ واضح. الحديث: 3277 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قُريظَةَ) أصَبْنا شيْئاً منَ التمْرِ والوَدَكِ. رواه ابن حبان في "صحيحه". 3279 - (67) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: جئتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً فوجَدْتُه جالِساً وقدْ عَصَب بَطْنَهُ بِعِصابَةٍ، فقلتُ لبعْضِ أصْحابه: لِمَ عصَب رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بطْنَهُ؟ فقالوا: منَ الجوعِ. فذهبتُ إلى أبي طَلْحَة وهو زَوْجُ أمِّ سُلَيم، فقلتُ: يا أَبتاه! قد رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عصَب بطْنَهُ بعِصابَةٍ؛ فسألتُ بعض أصْحابه؟ فقالوا: مِنَ الجوع، فدخَل أبو طَلْحةَ على أمِّي فقال: هلْ مِنْ شَيْءٍ؟ فقالت: نعم، عندي كِسَرٌ مِنْ خبْزٍ وتمراتٌ، فإنْ جاءَنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحدَهُ أشْبَعْناهُ، وإنْ جاءَ آخَرُ معَه قَلَّ عنهم" فذكر الحديث. رواه البخاري ومسلم (1). 3280 - (68) [صحيح] ورواه [يعني حديث ابن عباس الذي في "الضعيف"] ابن حبان في "صحيحه" مختصراً من حديث أبي هريرة، ولفظهُ: قال: جلَس جِبْريلُ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنظَر إلى السَّمَاءِ، فإذا مَلَكٌ يَنْزِلُ، فقال لَهُ جبريلُ. هذا المَلَكُ ما نزَل مُنْذُ خُلِقَ قَبْلَ هذه الساعَة، فلمّا نَزل قال: يا مُحمَّد! أرْسلَني إليك ربُّكَ؛ أمَلِكاً أجْعَلُكَ، أمْ عَبْداً رسولاً؟ قال لَهُ جبريلُ: تواضَعْ لِرَبِّكَ يا محمَّدٍ! فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا بَلْ عبْداً رسولاً". 3281 - (69) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) قال الناجي: "هذا لمسلم وحده، ولم يروه البخاري إلا بمعناه، فكان يتعين عزوه لمسلم فقط". الحديث: 3279 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 "لقد أُخِفْتُ في الله وما يُخافُ أَحَدٌ، ولقد أوذيتُ في الله وما يُؤْذَى أَحَدٌ، ولقد أتَتْ عليَّ ثلاثون مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ ولَيْلةٍ؛ وما لي ولبِلالٍ طعامٌ يأْكُله ذو كَبِدٍ، إلاّ شَيْءٌ يُوارِيه إبْطُ بِلال". رواه الترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح. ومعنى هذا الحديث: حين خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هارباً مِنْ مَكَّة ومعه بِلالٌ؛ إنَّما كان معَ بِلالٍ مِنَ الطعامِ ما يَحْمل تَحْتَ إبْطِه" انتهى. 3282 - (70) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: نامَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على حَصيرٍ، فقامَ وقد أثَّرَ في جَنْبِه، قُلْنا: يا رسولَ الله لوِ اتَّخَذْنا لكَ وِطاءً (1)، فقال: "ما لي وللدُنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكِبٍ اسْتَظلَّ تحْتَ شَجَرةٍ، ثُمَّ راح وتركَها". رواه ابن ماجه والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". 3283 - (71) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخَل عليه عُمر وهو على حَصيرٍ قد أثَّرَ في جَنْبِه، فقال: يا رسولَ الله! لو اتَّخذْتَ فِراشاً أوْثَر مِنْ هذا، فقال: "ما لي وللِدُّنْيا، ما مَثَلي وَمَثْلُ الدنيا إلا كَراكبٍ سافَر في يومٍ صائفٍ، فاسْتَظلَّ تحتَ شجَرةٍ ساعةً، ثُمَّ راحَ وتركَها". رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي. 3284 - (72) [حسن] وعنه قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: دخلتُ على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على حَصيرٍ، قال: فجلسْتُ، فإذا عليه   (1) هو ما يُفترش على الأرض. الحديث: 3282 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 إزارُه، وليسَ عليه غيرُه، وإذا الحصيرُ قد أثَّر في جَنْبِه، وإذا أنا بقَبضةٍ مِنْ شَعيرٍ نَحْوَ الصاعِ، وقَرَظٍ في ناحِيَةٍ في الغُرْفَةِ، وإذا إهابٌ مُعَلَّقٌ، فابْتَدرتْ عينايَ، فقال: "ما يُبْكيكَ يا ابْنَ الخطَّابِ؟ ". فقال: يا نبيَّ الله! وما لي لا أبْكي وهذا الحَصيرُ قد أثَّر في جنْبِكَ، وهذه خِزانَتُكَ لا أرى فيها إلا ما أَرى، وذاك كِسْرى وقيصَرُ في الثِّمارِ والأَنْهارِ، وأنتَ نبيُّ الله وصفْوَتُه، وهذه خِزانَتُكَ. قال: "يا ابْنَ الخطَّابِ! أما تَرضى أنْ تكونَ لنا الآخِرَةُ ولهمُ الدُنْيا؟ ". [قلتُ: بَلَى]. [حسن] رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم" (1). ولفظه: قال عمرُ رضي الله عنه: اسْتَأْذَنْتُ على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدخلْتُ عليهِ في مَشْرُبَةٍ، وإنَّه لمضْطَجعٌ على خَصَفَةٍ (2) إنَّ بعضَهُ لَعلى التُّرابِ، وتحتَ رأْسِه وِسادَةٌ مَحشُوَّةٌ لِيفاً، وإنَّ فوْقَ رأْسِهِ لإهَاباً عَطِناً (3)، وفي ناحِيَةِ المَشْرُبَةِ قَرَظٌ، فسلَّمْتُ عليهِ فجلَسْتُ فقلْتُ: أنتَ نبيُّ الله وصفْوَتُه، وكِسْرى وقيْصَرُ على سُررِ الذَّهَبِ وفرُشِ الديباجِ والحَريرِ! فقال:   (1) قلت: فيه تقصير ووهم؛ فإن الحديث في "صحيح مسلم" (1479) في آخر الحديث الطويل في إيلائه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واعتزاله نساءه، فلا وجه لاستدراك الحاكم عليه، ولا لعدم عزوه إليه. (2) حصير من الخوص. (3) أي: منتناً. في "النهاية": يقال: عَطِن الجلد، فهو عطن ومعطون: إذا مرق شعره وأنتن في الدباغ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 "أولئك عُجِّلَتْ لهُمْ طيِّباتُهم، وهي وشِيكَةُ الانْقِطَاعِ، وإنَّا قومٌ أُخِّرتْ لنا طيِّباتُنا في آخِرَتِنا". 3285 - (73) [صحيح لغيره] ورواه ابن حبان في "صحيحه" عن أنسٍ: أن عمر دخل على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكر نحوه. (المَشْرُبَةُ) بفتح الميم والراء وبضم الراء أيضاً: هي الغرفة. (وشِيكَةُ الانْقِطاعِ) أي: سريعة الانقطاع. 3286 - (74) [صحيح] وعنها قالت [يعني عن عائشة رضي الله عنها]: "إنَّما كان فِراشُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي ينامُ عليه أَدَماً حَشْوُه لِيفٌ". وفي رواية: "كان وسادُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي يَتَّكِئُ عليه مِنْ أَدَمٍ حشْوُهُ لِيفٌ". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 3287 - (75) [حسن لغيره] وعنها قالت: دخلَتْ عليَّ امْرأَةٌ مِنَ الأَنْصارِ، فرأتْ فِراشَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قطيفَةً (1) مَثْنِيَّةً (2)، فَبعثَتْ إليَّ بِفراشٍ حشْوهُ الصُّوفُ، فدخَل عليَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:   (1) كساء له خمْل. (2) (مثنيّة) أي: معطوف بعضه على بعض، يقال: ثنى الشيء -كرمى- عطفه ورد بعضه على بعض، وكأن ذلك لِيَلين، وهذا واضح، وأما الشيخ عمارة فجاء بعجيب من العبارة، فإنه قال: "مثنية: مربوطة بحبلين بَأحد طرفيها، ويسمى ذلك الحبل: الثناية، ومنه حديث عمر: "كان ينحر بدنته مثنية": أي معقولة بعقالين"! وهذا خلط غريب لا داعي لإطالة القول في بطلانه، وبيان عدم علاقة هذا المعنى بالكلمة هنا. الحديث: 3285 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 "ما هذا يا عائشةُ؟! ". قالتْ: قلتُ: يا رسولَ الله: فلانةُ الأنْصارِيَّةُ دخلَتْ فرأَتْ فراشَكَ، فذهبَتْ فبعَثتْ إليَّ بهذا، فقال: "رُدِّيهِ يا عائشةُ! فوالله لوْ شِئْتُ لأَجْرى الله معي جبالَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ". رواه البيهقي من رواية عباد بن عباد المهلبي عن مجالد بن سعيد. ورواه أبو الشيخ في "الثواب" عن ابن فضيل عن مجالد عن يحيى بن عباد عن امرأة من قومهم لم يسمِّها قالت: "دخلتُ على عائشةَ فمسَسْتُ فِراشَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا هو خَشِنٌ، وإذا داخِلُه بَردِيٌّ أوْ ليفٌ، فقلتُ: يا أمَّ المؤْمنينَ! إنَّ عندي فِراشاً أحْسَنَ مِنْ هذا وألْيَن" فذكره أطول منه. 3288 - (76) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ: "خرجَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذاتَ غَداةٍ وعليه مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شعْرٍ أسْودَ". رواه مسلم وأبو داود والترمذي ولم يقل: (مرحل). (المِرْط) بكسر الميم وإسكان الراء: هو كساء من صوف أو خَزّ يؤتزر به. و (المرحَّل) بتشديد الحاء المهملة مفتوحة: هو الذي فيه صور الرحال. [مضى ج 2/ 18 - اللباس/ 7]. 3289 - (77) [صحيح] وعن أبي بردة بن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه قال: أخْرَجتْ لنا عائشةُ كِساءً مُلَبَّداً وإزاراً غَليظاً فقالتْ: "قُبِضَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذَيْنِ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم. الحديث: 3288 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 قوله: (مُلَبَّداً) أي: مرقعاً، وقد لَبَدْتُ الثوب بالتخفيف، ولَبَّدته بالتشديد، يقال للرقعة التي يرقع بها صدر القميص: (اللِّبْدة)، والرقعة التي يرقع بها قَبُّ القميص: (القَبيلة). [مضى هناك]. 3290 - (78) [صحيح] وعن أسماء بنتِ أبي بكرٍ رضي الله عنهما قالتْ: "صنَعْتُ سُفْرةً (1) لِرسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بَيْتِ أبي بكرٍ (2) حين أرادَ أنْ يُهاجِرَ إلى المَدينَةِ، فلَمْ نَجِدْ لسُفْرَتِه ولا لِسقائِه ما نَرْبُطُهما بهِ، فقلتُ لأبي بكرٍ: والله ما أجِدُ شيْئاً أرْبُطُ به إلا نِطاقي. قال: فشُقِّيه باثْنَيْن، وارْبطي بِواحدٍ السِقاءَ، وبالآخَرِ (3) السُّفْرةَ. ففَعَلْتُ. فلِذلك سُمِّيَتْ ذات النطاقين. رواه البخاري. (النِّطَاقُ) بكسر النون: شيء تشدُّ به المرأة وسطها لترفع به ثوبها عن الأرض عند قضاء الأشغال. 3291 - (79) [صحيح] عن عبد الواحد بن أيمن قال: حدثني أبي قال: دخلتُ على عائِشةَ رضي الله عنها وعليها دِرْعُ قِطْرٍ ثمنُ (4) خمسةِ   (1) (السفرة): طعام يتخذه المسافر، وأكثر ما يحمل في جلد مستدير، فنقل اسم الطعام إلى الجلد وسمي به. (2) قال الناجي: "إنما لفظه: للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر". قلت: لعل هذا في بعض نسخ البخاري، وإلا فلفظ الكتاب هو الموجود في النسخ المعروفة اليوم، ومنها نسخة "الفتح" (2979)، ومنه صححت بعض الأخطاء. (3) الأصل: (وبواحد)، والتصويب من البخاري (الجهاد/ باب حمل الزاد. . .). (4) كان الأصل هكذا: "عن عائشة أن رجلاً دخل عليها وعندها جارية لها، عليها درع ثمنه"، وهذا خطأ فاحش وتحريف عجيب، لا أجد له سبباً إلا الاعتماد على الذاكرة، وعدم الرجوع إلى الأصول، وأفحش ما فيه جعل أول القصة من مسند عائشة وإنما هو من مسند أيمن والد عبد الواحد، وقد سبق له قريباً نحوه في الباب (الحديث رقم 5). الحديث: 3290 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 دَراهم، فقالت: ارْفَعْ بصَرك إلى جارِيَتي، انْطرْ إليْها فإنَّها تُزهَى (1) أنْ تَلْبِسَه في البيْتِ، وقد كان لي منْهُنَّ دِرْعٌ على عَهْدِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فما كانَتِ امْرأَةٌ تُقَيِّنُ (2) بالمَدينَةِ إلا أرْسلَت إليَّ تَسْتَعيرُه. رواه البخاري. 3292 - (80) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: تُوفِّيَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما في بيتي من (3) شيْءٍ يأكُله ذو كَبِدٍ إلا شَطْرُ شعيرٍ في رَفٍّ لي، فأكَلْتُ منهُ حتَّى طالَ عليَّ، فكِلْتُه فَفَنِيَ. رواه البخاري ومسلم والترمذي. 3293 - (81) [صحيح] وعن عمرو بن الحارث رضي الله عنه قال: "ما تَرك رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنْد مَوْتهِ درْهماً ولا دِيناراً ولا عبْداً ولا أَمَةً ولا شيْئاً؛ إلا بَغْلَتهُ البَيضاءَ التي كانَ يرْكَبُها، وسلاحَهُ، وأرْضاً جعَلها لابْنِ السبيلِ صدَقةً". رواه البخاري. 3294 - (82) [صحيح] وعن عُلَيِّ بْنِ رَباحٍ قال: سمعتُ عمْرَو بْنَ العاصي رضي الله عنه يقول: لقد أصْبَحْتم وأمْسَيْتُم تَرْغَبون فيما كانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزهَدُ فيه،   (1) بضم أوله، أي: تأنف وتتكبر. وهو من الحروف التي جاءت بلفظ البناء للمفعول، وإن كانت بمعنى الفاعل مثل (عُني) بالأمر "فتح". وكان الأصل (تزهو). (2) أي: تزين لزفافها، و (التقيين): التزيين. (3) الأصل: (ليس عندي)، والتصويب من البخاري (3097)، وكذا رواه ابن ماجه (3345)، ولفظ مسلم (8/ 218): "رفي" مكان "بيتي"، وهو رواية للبخاري (6451)، والترمذي نحوه (2469)، وصححه، وكذا ابن حبان (8/ 110/ 6381). الحديث: 3292 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 أصْبَحْتم تَرْغَبونَ في الدنيا، وكانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزْهَدُ فيها، والله ما أتَتْ على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةٌ مِنْ دَهرِهِ إلا كانَ الذي علَيْهِ أكْثَرُ مِنَ الذي له". قال: فقال بعضُ أصْحابِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد رأيْنا رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَسْلِفُ". رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح". [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" مختصراً: "كان نَبِيُّكُمْ أزْهَدَ الناسِ في الدنْيا، وأصْبَحْتُم أرْغَبَ الناسِ فيها". 3295 - (83) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "تُوفِّي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودِرْعُه مَرْهونَةٌ عندَ يَهودِيٍّ في ثلاثينَ صاعاً مِنْ شَعيرٍ" (1). رواه البخاري ومسلم والترمذي. 3296 - (84) [صحيح] وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: خرَج رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذاتَ يومٍ أوْ ليلةٍ، فإذا هو بأَبي بكْرٍ وعُمرَ رضي الله عنهما فقال: "ما أخْرجَكُما مِنْ بُيوتِكما هذه الساعَةَ؟ ". قالا: الجوعُ يا رسولَ الله! فقال: "وأنا والَّذي نفْسي بيَدِه [لـ] أخرجني الذي أخْرَجَكُما، قوموا". فقاموا معَهُ، فأتَوْا رجُلاً مِنَ الأنْصارِ، فإذا هو ليْسَ في بَيْتِه، فلمَّا رأتْهُ المرْأَةُ قالَتْ: مَرْحَباً وأهْلاً، فقال لها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) زاد البخاري في رواية: "لأهله". الحديث: 3295 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 "أينَ فلانٌ؟ ". قالَتْ: ذهبَ يَسْتَعْذِبُ لَنا [مِنَ] الماءِ، إذْ جاءَ الأنْصارِيُّ، فنظَر إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصاحِبَيْهِ ثم قال: الحمدُ لله، ما أحَدٌ اليومَ أكرمَ أضْيافاً منِّي، فانْطلقَ فجاءَهُمْ بِعِذْقٍ فيه بُسْرٌ وتَمْرٌ ورُطَبٌ، وقال: كلُوا [من هذه] وأخَذَ المدية، فقال له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إيَّاك والحَلُوب". فذبَح لَهُمْ، فأكَلوا مِنَ الشَّاةِ ومِنْ ذلك العِذْق، وشَرِبُوا، فلمَّا أنْ شَبِعوا ورَوُوا، قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي بكْرٍ وعُمَر رضي الله عنهما: "والّذي نفسي بيده لتُسْأَلُنَّ عن هذا النَّعيمِ يومَ القِيامَة، [أخْرَجكُمْ منْ بُيوتِكُم الجوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعوا حتّى أصَابَكُم هذا النعِيمُ] " (1). رواه مالك بلاغاً باختصار، ومسلم واللفظ له، والترمذي بزيادة. والأنصاري المبهم هو أبو الهيثم بن التَّيِّهان بفتح المثناة فوق وكسر المثناة تحت وتشديدها. كذا جاء مصرحاً به في "الموطأ" والترمذي. 3297 - (85) [صحيح لغيره] وفي "مسند أبي يعلى" و"معجم الطبراني" من حديث ابن عباسٍ أنه أبو الهيثم. 3298 - (86) [صحيح لغيره] وكذا في "المعجم" أيضاً من حديث ابن عمر. وقد رويت هذه القصة من حديث جماعة من الصحابة مصرح في أكثرها بأنه أبو الهيثم. (العِذْقُ) هنا بكسر العين: وهو الكِباسة والقِنو، وأما بفتح العين: فهو النخلة. وتقدم حديث جابر في "الترهيب من الشبع" [19 - الطعام/ 7].   (1) زيادة من "مسلم". الحديث: 3297 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 3299 - (87) [صحيح موقوف] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: رأيتُ عُمَر -وهو يومَئذٍ أميرُ المؤْمِنينَ- وقد رقَعَ بين كَتِفَيْهِ برِقاعٍ ثَلاثٍ، لَبَّد بَعْضَها على بَعْضٍ. رواه مالك. [مضى ج 2/ 18 - اللباس/ 7]. 3300 - (88) [صحيح لغيره موقوف] وعن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: رأيت عثمانَ بنَ عفانَ يوم الجمعة على المنبر عليه إزارٌ عَدَني غليظٌ، ثمنُه أربعةُ دراهمَ أو خمسةٌ، ورَيْطَةٌ (1) كوفيةٌ مُمَشّقةٌ، ضَرِبَ اللحمِ، طويلَ اللحيةِ، حَسَنَ الوجه. رواه الطبراني بإسناد حسن (2)، وتقدم في [ج 2/ 18/ 7] "اللباس" مع شرح غريبه. 3301 - (89) [صحيح] ورواه [يعني حديث ابن عمر الذي في "الضعيف"] ابن حبان في "صحيحه" عن عطاء بن السائب أيضاً عن أبيه عن علي قال: جَهَّز رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاطمة في خميلةٍ، ووسادةِ أَدَم حشوها ليف. 3302 - (90) [صحيح] وعن سهل بن سعدٍ قال: كانَتْ فينا امْرأَةٌ تجعلُ [على أربِعاءَ] (3) في مَزْرَعةٍ لها سِلْقاً، فكانَتْ إذا   (1) (الرَّيْطَة): كل ملاءة ليست بِلفْقَيْن. وقيل: كل ثوب رقيق لين، والجمع: (ريَط، ورياط)؛ كما في "النهاية". و (كوفية): هي نسيج يلبس على الرأس تحت العقال، أو يدار حول الرقبة، وهي مولّدة كما في "الوسيط". (2) قلت: فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف؛ إلا ما استثني، وقد عزاه المؤلف فيما مضى للبيهقي، وهو عنده من رواية ابن وهب عنه، وهي صحيحة، ولذلك صححته هناك مطلقاً، وهنا لغيره، وهذا من الدقة التي جريتُ عليها في هذه الطبعة، ونصصت عليها في المقدمة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأما المعلقون الثلاثة فحسنوه هنا وهناك تقليداً للمؤلف والهيثمي! دون تفريق بين الروايتين! (3) جمع (ربيع) وهو النهر الصغير، وهي زيادة من البخاري كالتي بعدها. الحديث: 3299 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 كان يومُ الجُمعَةِ تَنْزِعُ أصولَ السِّلقِ فتجْعَلُه في قدرٍ، ثمَّ تجْعَلُ [عليه] قبضَةً مِنْ شَعيرٍ تَطْحَنُها، فتكونُ أصولُ السِّلْقِ عَرقَهُ (1). -قال سهل:- كنّا نَنْصَرِفُ مِنْ صَلاة الجُمعَةِ فنُسَلِّم عليها، فتُقَرَبُ ذلك الطعامَ إلَيْنا [فنلْعَقُه]، فكنّا نَتَمنَّى يوَم الجُمعَةِ لطِعامِها ذلك. وفي رواية: "ليسَ فيها شَحْمٌ ولا وَدَكٌ، فكنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الجُمعَةِ". رواه البخاري (2). 3303 - (91) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: والَّذي لا إله إلا هو إنْ كُنْتُ لأعْتَمِدُ بِكَبِدي على الأرْضِ مِنَ الجُوعِ، وإنْ كنتُ لأشُدُّ الحَجر على بَطْني مِنَ الجوعِ، ولقدْ قعدْتُ يوماً على طريقِهمُ الذي يخْرُجونَ مِنْه، فمرَّ بي أبو بكْرٍ فسألتُه عَنْ آيةٍ في كتاب الله ما سألْتُه إلاَّ ليُشْبِعَني، فمرّ فلم يفعل؛ ثم مرَّ عمر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعَني، ثمَّ مرَّ أبو القاسِمِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتَبسَّم حينَ رآني، وعرفَ ما في وَجْهِي، وما في نَفْسي، ثمَّ قال: "يا أبا هريرة! ". قلت: لبَّيْكَ يا رسولَ الله! قال: "اِلحْقْ".   (1) أي: عَرْق الطعام، و (العَرْق): اللحم الذي على العظم، والمراد أن السِّلق يقوم مقامه عندهم. "فتح". (2) في آخر "الجمعة"، والرواية الأخرى في "المزارعة"، وله روايات أخرى فيها زيادات أخر وقد جمعتها في الرواية الأولى في كتابي "مختصر البخاري" (رقم - 482). والحديث من أفراد البخاري كما صرح بذلك الحافظ في "الفتح"، خلافاً لما يوهم صنيع النابلسي في "الذخائر". الحديث: 3303 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 ومَضى فاتَّبَعْتُه، فدخَل، فاسْتَأْذَن، فأُذِنَ له، فدخَل فوجَد لَبناً في قَدَحٍ، فقال: "مِنْ أيْنَ هذا اللَّبَنُ؟ ". قالوا: أهداهُ لك فلانٌ أو فلانَةٌ. قال: "يا أبا هريرة! ". قلتُ: لَبَّيْكَ يا رسولَ الله! قال: "الْحَقْ إلى أهْلِ الصُّفَّةِ فادْعُهم لي". قال: وأهلُ الصُّفَّةِ أضْيافُ الإسْلامِ، لا يَأْوون على أهْلٍ ولا مالٍ، ولا على أحَدٍ، إذا أتَتْهُ صدَقةٌ بعَث بِها إلَيْهِمْ، ولَمْ يتَناوَلْ مِنْها شيْئاً، وإذا أتَتْهُ هَديَّةٌ أرسَلَ إلَيْهِمْ وأصاب مِنْها وأشْرَكَهُم فيها، فساءَني ذلك، فقلتُ: وما هذا اللَّبَنُ في أهْلِ الصُّفَّةِ، كنتُ أَحَقَّ أنْ أُصيبَ مِنْ هذا اللَّبَنِ شَرْبةً أتقَوَّى بها، فإذا جاؤا أمَرني فكنتُ أنا أُعطيهِمْ، وما عَسى أنْ يَبْلُغَني مِنْ هذا اللَّبَنِ؟ ولَم يَكُنْ مِنْ طاعةِ الله وطاعَةِ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدٌّ، فأتَيْتُهم، فدَعَوْتُهمْ، فأقْبَلوا، واسْتَأذَنوا، فأَذِنَ لَهُمْ، وأخَذوا مَجالِسَهُمْ مِنَ البَيْتِ. قال: "يا أبا هريرة! ". قلتُ: لبَّيْكَ يا رسولَ الله! قال: "خُذْ فأَعْطِهِمْ". فأخَذْتُ القَدَح فجعلْتُ أُعطيهِ الرجُلَ، فيَشْرَبُ حتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يردُّ عليَّ القدحَ، حتّى انْتَهَيْتُ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد رَوى القومُ كلُّهم، فأخَذ القَدح فوضَعهُ على يَدِه فتَبسَّم، فقال: "يا أبا هريرة! ". فقلتُ: لبَّيْكَ يا رسولَ الله! قال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 "بقيتُ أنا وأنْتَ". قلتُ: صدقتَ يا رسولَ الله! قال: "اُقْعُدْ فاشْرَبْ". فشرِبْتُ، فقال: "اشْرَبْ". فشربْتُ، فما زالَ يقولُ: "اشْرَبْ" حتى قلتُ: لا والَّذي بعثَك بالحَقِّ لا أجِدُ له مسْلَكاً. قال: "فأرِني". فأعطَيْتُه القَدح، فَحمِدَ الله تعالى وسَمَّى وشرِبَ الفَضْلَةَ. رواه البخاري (1) وغيره، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". 3304 - (92) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: إنَّ الناسَ كانوا يقولون: أكْثَر أبو هريرةَ، وإنِّي كنتُ ألْزَمُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِشِبَع بَطْني، حينَ لا آكُلُ الخَميرَ، ولا ألْبَسُ الحريرَ، ولا يخْدِمُني فلانٌ وفلانَةُ، وكنتُ أُلْصِقُ بَطْني بالحَصْباءِ مِنَ الجُوعِ، وإنْ كنتُ لأسْتَقْرِئ الرجُلَ الآية هِيَ مَعي لِكَيْ يَنْقَلِبَ بي فيُطْعِمَني، وكانَ خيرَ الناسِ لِلْمساكِين جَعْفَرُ ابْنُ أبي طالِبِ، كان يَنْقَلِبُ بنا فَيُطْعِمُنا ما كانَ في بَيْتِه، حتَّى إنْ كان لَيُخْرِج إلَيْنا العُكَّةَ (2) الَّتي ليسَ فيها شَيْءٌ فنَشقُّها، فنَلْعَقُ ما فيها. رواه البخاري.   (1) في "الرقاق"، وأحمد (2/ 515). (2) هي وعاء من جلود مستدير يختص بالسمن والعسل، وهو بالسمن أخص. "نهاية". الحديث: 3304 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 3305 - (93) [صحيح موقوف] وعن محمد بن سيرين قال: كنَّا عندَ أبي هريرةَ رضيَ الله عنه وعليه ثَوْبانِ مُمَشِّقانِ مِنْ كُتَّانٍ، فمَخطَ في أحَدِهما، ثُمَّ قال: بخٍ بخٍ! يَمتَخِطُ أبو هريرةَ في الكَتَّانِ! لقَدْ رأيتُني وإنِّي لأخِرُّ فيما بين مِنْبرِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحُجرةٍ عائِشةَ مِنَ الجوعِ مَغْشيّاً عليَّ، فيَجيءُ الجائي فيَضعُ رجْلَهُ على عُنقي يَرى أنَّ بيَ الجنونَ، وما هو إلا الجوعُ. رواه البخاري، والترمذي وصححه. (المِشق) بكسر الميم: المغرة، و (ثوب ممشّق): مصبوغ بها. 3306 - (94) [صحيح] وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا صلَّى بالناسِ يَخِرُّ رِجالٌ مِن قامَتِهم في الصلاة منَ الخَصاصَةِ، وهُمْ أصْحابُ الصَّفَّة، حتى يقولَ الأَعْرابُ: هؤلاءِ مَجانينَ (1) أو مَجانُون، فإذا صلَّى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصَرف إلَيْهِم، فقال: "لو تَعْلَمونَ ما لَكُمْ عندَ الله لأحْبَبْتُم أنْ تَزْدادوا فاقَةً وحاجةً". رواه الترمذي، وقال: "حديث صحيح"، وابن حبان في "صحيحه". (الخَصاصَةُ) بفتح الخاء المعجمة وصادين مهملتين: هي الفاقة والجوع. 3307 - (95) [صحيح موقوف] وعن عبد الله بن شقيقٍ قال: أقمتُ معَ أبي هريرةَ رضي الله عنه بالمدينَةِ سنَةً، فقال لي ذاتَ يَوْمٍ ونحنُ عند حُجرة عائشةَ: لقدْ رأَيْتُنا وما لَنا ثيابٌ إلا البُردُ المتَفتَّقَةُ، وإنَّه لَيأْتي على أحدِنا الأيَّامُ ما يَجِدُ طعاماً يُقيمُ به صلْبَهُ حتّى إنْ كانَ أحدُنا ليأْخذ الحَجر فيشُدَّ بهِ على أخْمَصِ بطْنِه، ثُمَّ يشُدَّه بثَوْبه لِيُقيمَ صُلْبَهُ. رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح".   (1) قال في "النهاية": "جمع تكسير لـ (مجنون)، وأما (مجانون) فشاذ كما شذ (شياطون) في (شياطين) ". الحديث: 3305 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 3308 - (96) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: نَظر رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الجوع في وجُوه أصْحابِه فقال: "أبْشِروا؛ فإنَّهُ سيَأْتى عليكُم زَمانٌ يُغْدى على أحدِكم بالقَصْعَةِ مِنْ الثَّريدِ، ويُراح عليه بمِثْلِها". قالوا: يا رسولَ الله! نحن يومئذٍ خيرٌ؟ قال: "بلْ أنْتم اليومَ خيرٌ منكُم يومَئذٍ". رواه البزار بإسناد جيد، [مضى 19 - الطعام/ 7]. 3309 - (97) [صحيح لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: بعثَنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمَّر علينا أبا عبيْدةَ رضي الله عنه نَتَلَقَّى (1) عيراً لِقُرَيْشٍ، وزَوَّدَنا جِراباً مِنْ تَمْرٍ، لمْ يَجِد لنا غَيرَهُ، فكانَ أبو عُبَيْدةَ يُعطينا تمرةً تمرةً، فقَيلَ لَهُ: كيف كُنتُمْ تَصنَعونَ بِها؟ قال: نَمُصُّهَا كما يَمُصُّ الصبيُّ، ثمَّ نَشْرَبُ عليها مِنَ الماءِ فَتكْفينا يَوْمَنا إلى الليلِ، وكنَّا نَضْرِبُ بعِصيِّنا الخَبَطَ ثُمَّ نَبُلُّه [بالماء] فنأكُلُه، فذكر الحديث. رواه مسلم. (2) 3310 - (98) [حسن موقوف] وعن محمد بن سيرين قال: إنْ كانَ الرجلُ مِنْ أصْحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأتي عليه ثلاثةُ أيّامٍ لا يَجِدُ شَيْئاً يأكُلُه، فيأخُذ الجِلْدةَ فيَشْويها فيأكُلُها، فإذا لَمْ يَجدْ شيْئاً أخَذً حَجراً فشدَّ صُلْبَهُ.   (1) الأصل: (نلتقي)، وكذا فى مطبوعة (عمارة)، وكذا الثلاثة المعلقون، وهو خطأ ظاهر كما قال الناجي، والتصحيح من "مسلم" (رقم 1935)، وأبي داود أيضاً (3840). (2) قلت: غمزه الناجي بأنه من رواية أبي الزبير عن جابر. يشير إلى أن (أبا الزبير) مدلس، وفاته أنه صرح بالتحديث في رواية صحيحة لأحمد (3/ 311)، والبيهقي (9/ 251)، فكان ينبغي للمؤلف أن يعزوه إلى أحدهما على الأقل. الحديث: 3308 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب الجوع" بإسناد جيد. 3311 - (99) [صحيح] وعن سعد بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه قال: إنِّي لأوَّلُ العَربِ رمى بسَهْمٍ في سبيلَ الله، ولقد كنَّا نَغْزو معَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما لنا طعامٌ إلا ورَقُ الحُبْلَةِ وهذا السَّمُر، حتَّى إنْ كان أحدُنا ليضَعُ كما تَضعُ الشاءُ، ما لَهُ خِلْطٌ (1). رواه البخاري ومسلم. (الحُبْلَة) بضم الحاء المهملة وإسكان الباء الموحدة، و (السَّمُر) بفتح السين المهملة وضم الميم؛ كلاهما من شجر البادية. 3312 - (100) [صحيح] وعن خالد بن عميرٍ العَدَوي قال: خطَبنا عتبةُ بنُ غَزْوانَ رضيَ الله عنه -وكانَ أميراً بالبَصْرَةِ-، فحمِد الله وأثْنى عليه ثمَّ قال: أمَّا بعدُ؛ فإنَّ الدنيا قد آذَنَتْ بصُرْم، وولَّت حَذَّاءَ، ولم يَبْقَ منها إلا صُبابَةٌ كصُبابَةِ الإناءِ يتَصابُّها صاحبُها، وإنَّكُمْ منْتَقِلونَ منها إلى دارٍ لا زَوالَ لها، فانْتَقِلوا بخيرِ ما بِحضْرتكم (2)؛ فإنَّه قد ذُكِرَ لنا: أنَّ الحَجر يلْقى مِنْ شَفير (3) جَهَنَّم فيَهْوِي فيها سَبْعينَ عاماً لا يُدرِكُ لها قَعْراً، والله لتُمْلأَنَّ، أفعجِبْتُم؟ ولقد ذُكرَ لنا: أنَّ ما بينَ مِصْراعَيْنِ مِنْ مصاريعِ الجنَّةِ مسيرةُ أرْبَعين عاماً، وليَأْتِيَنَّ عليها   (1) (الخِلط): ما خالط الشيء. وفي "النهاية": "أي لا يختلط نجوهم بعضه ببعض لجفافه ويبسه". (2) الأصل: (يحضرنّكم)، والتصحيح من مسلم (2967)، وأحمد أيضاً (4/ 174). (3) في مسلم: (شفة)، والمثبت رواية أحمد، والمعنى واحد. الحديث: 3311 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 يومُ وهو كَظيظٌ مِنَ الزِّحامِ. ولقد رأَيتُني سابعَ سبْعَةٍ معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما لنا طعامٌ إلا ورَقُ الشَّجر، حتى قَرِحَتْ أشْداقُنا، فالْتَقطْتُ بُرْدَةً فشقَقْتُها بيني وبين سعدِ بْنِ مالكٍ، فاتَّزَرْتُ بِنِصْفِها، واتَّزَر سَعْدٌ بِنصْفِها، فما أصْبَح اليومَ منَّا أحدٌ إلا أصْبَح أميراً على مصْرٍ منَ الأمْصارِ، وإنِّي أعوذُ بالله أنْ أكونَ في نفسي عَظيماً، وعند الله صَغيراً، [وإنَّها لَمْ تكنْ نبوَّة قَطُّ إلا تنَاسَختْ حتى يكونَ آخرُ عاقِبَتِها مُلْكاً، فَستَخْبُرونَ وتُجرّبونَ الأمراء بَعْدَنا] (1). رواه مسلم وغيره. (آذنَتْ) بمد الألف، أي: أعلمت. (بصُرْمٍ) هو بضم الصاد وإسكان الراء: بانقطاع وفناء. (حَذَّاءَ) هو بحاء مهملة مفتوحة ثم ذال معجمة مشددة ممدوداً: يعني سريعة. و (الصُّبابَةُ) بضم الصاد: هي البقية اليسيرة من الشيء. (يتصابُّها) بتشديد الموحدة قبل الهاء، أي: يجمعها. و (الكَظِيظُ) بفتح الكاف وظائين معجمتين: هو الكثير الممتلئ. 3313 - (101) [صحيح] وعن خَباب بن الأرتّ رضي الله عنه قال: هاجَرْنا معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نلتَمِسُ وجْهَ الله، فوقَع أجْرُنا على الله، فمنَّا مَنْ ماتَ؛ لَم يأْكُلْ مِنْ أجْرِه شيْئاً، منهم مُصعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يومَ أُحُدٍ، فلم نَجِدْ ما نُكَفِّنُه به (2) إلا بُرْدَةً، إذا غَطَّيْنا بها رأسَهُ خرجَتْ رِجْلاه، وإذا غْطَّيْنا رجْلَيهِ خرجَ رأْسُه، فأمرَنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نُغَطِّيَ رأْسَه، وأنْ نَجْعلَ على   (1) زيادة من مسلم وأحمد، ولم يتنبه لهذا ولا للتصحيح المذكور المغفلون الثلاثة!! (2) أي: فوق ثيابه التي استشهد فيها. الحديث: 3313 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 رجْلَيْهِ مِنَ الإذْخِرِ، ومِنَّا مَنْ أيْنَعتْ له ثَمَرَتُهُ، فهو يَهْدُبُها. رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود باختصار. (البُرْدَة) كساء مخطط من صوف، وهي النَّمِرة. (أيْنَعَتْ) بياء مثناة تحت بعد الألف؛ أي: أدركت ونضجت. (يَهْدُبُها) بضم الدال المهملة وكسرها بعدها موحدة؛ أي: يقطعها ويجنيها. 3314 - (102) [حسن] وعن إبراهيم -يعني ابن الأشتر-: أنَّ أبا ذرٍّ حضره الموتُ وهو بـ (الرَّبَذَةِ)، فبكَتِ امْرأَتُه، فقال: ما يُبْكيكِ؟ فقالتْ: أبْكي؛ فإنَّه لا يَدَ لي بنَفْسِكَ، وليسَ عندي ثَوْبٌ يَسعُ لك كفَناً! قال: لا تَبْكي؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[ذات يوم، وأنا عنده في نفر] يقول: "ليموتَنَّ رجلٌ منكم بفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ، يشْهَدُه عِصابةٌ مِنَ المؤمنينَ". قال: فكلُّ مَنْ كانَ معي في ذلك المجلسِ ماتَ في جماعَةٍ وفُرقَةٍ، فلَمْ يَبْقَ منهم غَيْري، وقد أصْبَحْتُ بالفَلاةِ أموتُ، فراقِبي الطريقَ؛ فإنَّكِ سَوْفَ تَرَيْن ما أقولُ، فإنّي والله ما كَذَبتُ، ولا كُذِّبتُ، قالتْ: وأنَّى ذلك وقد انْقطَع الحاجُّ؟ قال: راقِبي الطريق. قال: فبينَما هيَ كذلك إذا هي بالقومِ تَخُبُّ (1) بهم رواحلُهم كأنَّهمِ الرُّخُمُ (2)، فأقْبلَ القومُ حتى وقَفوا عليْها، فقالوا: ما لك؟ فقالَتِ: امْرؤٌ مِن   (1) بضم المعجمة على غير القياس من (الخبب) محركة: ضرب من العَدْو، أو هو أن ينقل الفرس أيامنه جميعاً وأياسره جميعاً، كما في "القاموس" وشرحه. ووقع في "المسند" (تخد) بالدال المهملة بدل الموحدة ولعله تصحيف؛ فقد وقع في "المجمع" (9/ 331) أو "موارد الظمآن" (2260) كما هنا. ومن المحتمل أنه تحريف من (تجد)، فإنه هكذا وقع في "المستدرك" (3/ 345) وفيه: "أن ابن المديني قال: قلت ليحيى بن سليم: (تجد أو تخب؟) قال: بالدال". والمعنى: تسرع. (2) نوع من الطير معروف موصوف بالغدر، والموق (الغباوة)، وقيل: بالقذر. كما في "النهاية"، ولعل وجه التشبيه بالرخم ما كانوا عليه من الوساخة بسبب السفر. الحديث: 3314 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 المسْلمِين تُكَفِّنونَهُ وتؤجرون فيه. قالوا: ومَنْ هو؟ قالَتْ: أبو ذرٍّ، فَفَدَوْهُ بآبائِهم وأمَّهاتِهِمْ، ووَضَعوا سِياطَهُم في نحورِها يبْتَدرِونَهُ، فقال: أبْشروا، فإنَّكم النَّفَرُ الَّذين قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيكُم ما قال، ثمَّ [قد] أصبحتُ اليومَ حيثُ تَروْنَ، ولَوْ أنَّ لي ثوباً مِنْ ثِيابي يَسَعُ كَفني لَمْ أُكفَّنْ إلا فيه، فأُنشِدُكمْ بالله لا يُكَفِّنُني رجل منكمْ كان عريفاً أوْ أميراً أوْ بريداً، فكلُّ القوم قد نالَ من ذلك شيئاً إلا فتيً مِنَ الأنْصارِ، وكانَ معَ القوم، قال: أنا صاحَبُكَ، ثوبان في عَيْبتي مِنْ غَزْل أُمِّي، وأجَدُ ثَوبَي هذَيْن اللَّذَين عليَّ. قال: أنتَ صاحِبي [فكفنِّي] (1). رواه أحمد -واللفظ له- ورجاله رجال الصحيح، والبزار بنحوه باختصار. (العَيْبَةُ) بفتح العين المهملة وإسكان المثناة تحت بعدها موحدة: هي ما يجعل المسافر فيها ثيابه. 3315 - (103) [صحيح موقوف] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لقد رأيتُ سَبْعين مِنْ أهْلِ الصُّفَّةِ ما مِنْهُم رجلٌ عليه رِداءٌ، إمَّا إزازٌ وإمَّا كِساءٌ، قد رَبَطوا في أعْناقِهِم، منها ما يَبْلُغ نِصْفَ الساقَيْنِ، ومِنْها ما يَبْلُغ الكَعْبَيْنِ، فيَجْمَعهُ بيَدِه كراهِية أَنْ تُرى عَوْرَته. رواه البخاري، والحاكم مختصراً وقال: "صحيح على شرطهما". 3316 - (104) [صحيح] وعن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال: اسْتكْسَيْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكَساني خَيْشَتَيْن، فلقد رأيْتُني وأنا أكْسَى أصْحابَي. رواه أبو داود من رواية إسماعيل بن عياش.   (1) زيادة من "المسند". الحديث: 3315 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 (الخَيْشَة) بفتح الخاء المعجمة وإسكان المثناة تحت بعدهما شين معجمة: هو ثوب يتخذ من مُشاقة (1) الكتان يغزل غليظاً وينسج رقيقاً. [مضى ج 2/ 18 - اللباس/ 7]. 3317 - (105) [صحيح] وعن يحيى بن جعدة قال: عاد خبَّاباً ناسٌ مِنْ أصْحابِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: أبْشرْ يا أبا عبدِ الله! تَرِدُ على محمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحوضَ، فقال: كيفَ بِهذا وأشارَ إلى أعْلى البيْتِ وأسْفَلِه؟ وقد قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنما يكْفي أحدَكُم كزادِ الراكِبِ". رواه أبو يعلى والطبراني بإسناد جيد. 3318 - (106) [حسن لغيره] وعن أبي وائل قال: جاءَ معاويةُ إلى أبي هاشمِ بْنِ عُتْبَةَ وهو مريضٌ يعودُهُ، فوجَده يَبْكي، فقال: يا خال! ما يُبْكيكَ؟ أوَجَعُ يُشْئزُك، أمْ حِرْصٌ على الدنيا؟ قال: كلاَّ، ولكنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهِد إلَيْنا عَهْداً لَمْ آخُذْ به. قال: وما ذاك؟ قال: سمِعْتُه يقول: "إنما يكْفي مِن جَمْعِ المالِ خادمٌ ومرْكَبٌ في سبيلِ الله". وأجِدُني اليومَ قد جَمعْتُ. رواه الترمذي والنسائي. ورواه ابن ماجه عن أبي وائل عن سمرة بن سهم عن رجل من قومه لم يُسَمِّيه قال: نزلت على أبي هاشم بن عتبة فجاءه معاوية، فذكر الحديث بنحوه.   (1) ما سقط من الكتان ونحوه بعد مشقه بالممشقة. الحديث: 3317 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 ورواه ابن حبان في "صحيحه" عن سمرة بن سهم قال: نزلت على أبي هاشم بن عتبة وهو مطعون فأتاه معاوية فذكر الحديث. (1) (يُشْئزُك) بشين معجمة ثم همزة مكسورة وزاي؛ أي: يقلقك؛ وزنه ومعناه. 3319 - (107) [صحيح] وعن عامر بن عبد الله: أنَّ سلمان الخيرَ رضي الله عنه حينَ حضَرهُ الموتُ عَرفوا منهُ بعض الجَزعِ، فقالوا ما يُجزِعُكَ يا أبا عبدِ الله! وقد كانَتْ لك سابقَةٌ في الخيرِ؟ شهِدْتَ معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مغازيَ حسَنةً، وفُتوحاً عِظاماً. قال: يُجْزِعُني أنْ حَبيبَنا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينَ فارقَنا عَهِدَ إليْنا، قال: "لَيَكْفي المرء منكُم كزادِ الراكِبِ". فهذا الَّذي أجْزَعني. فجُمعَ مالُ سلْمانَ فكان قيمَتُه خمْسَةَ عَشرَ دِرْهَماً. رواه ابن حبان في "صحيحه". (قال الحافظ): "ولو بسطنا الكلام على سيرة السلف وزهدهم لكان من ذلك مجلدات، لكنه ليس من شرط كتابنا، وإنما أملينا هذه النبذة استطراداً تبركاً بذكرهم، ونموذجاً من سيرهم، والله الموفق من أراد، لا رب غيره".   (1) في الأصل هنا: (وذكره رزين فزاد فيه: "فلما ماتَ حُصِر ما خَلَّفَ فبلغَ ثلاثين درهماً، وحَسَبْتُ فيه القَصْعَةَ التي كان يَعْجنُ فيها، وفيها يأكل"). الحديث: 3319 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 7 - (الترغيب في البكاء من خشية الله). 3320 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "سبعةٌ يظِلُّهم الله في ظلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: الإمامُ العادِلُ، وشابٌّ نَشأَ في عبادَةِ الله عزَّ وجلَّ، ورجلٌ قلبُه مُعلَّقٌ بالمساجد، ورجُلان تحابَّا في الله؛ اجْتَمَعا على ذلك وتفرَّقا عليه، ورجلٌ دَعتْهُ امْرأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمالٍ فقالَ: إنِّي أخافُ الله، [ورجلٌ تصَدَّق بصَدقَة فأخْفاها حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ ما تُنِفقُ يمينُه] (1)، ورجلٌ ذَكَر الله خالِياً ففاضَتْ عَيناهُ". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 3321 - (2) [حسن لغيره] وعن أبي ريحانة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "حُرّمت النارُ على عين دمعتْ أو بكتْ من خشية الله، وحرّمت النار على عينٍ سهرت في سبيل الله، -وذكر عيناً ثالثة-". رواه أحمد، واللفظ له، والنسائي، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". [مضى ج 2/ 12 - الجهاد/ 2]. 3322 - (3) [صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "عَينان لا تَمَسهما النارُ: عينٌ بكَتْ مِنْ خشْيَةِ الله، وعينٌ باتَتْ تحْرُسُ في سبيلِ الله". رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن غريب". [مضى ج 2/ 12 - الجهاد/ 2]. 3323 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "حُرِّمَ على عَيْنَين أن تنالَهُما النارُ: عينٌ بكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وعينٌ باتَتْ   (1) سقطت من الأصل، فاستدركتها مما سبق في (5 - الصلاة/ 10) وغيره. الحديث: 3320 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 تحْرسُ الإسْلامَ وأهْلَه مِنَ الكُفْرِ". رواه الحاكم، وفي سنده انقطاع. [مضى هناك]. 3324 - (5) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَلجُ النارَ رجلٌ بكَى مِنْ خَشْيَةِ الله حتى يعودَ اللَّبَنُ في الضِّرْعِ، ولا يجْتَمعُ غبارٌ في سبيلِ الله ودُخانُ جَهنَّمَ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". والنسائي، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". [مضى ج 2/ 12 - الجهاد/ 6]. (لا يَلِجُ) أي: لا يدخل. 3325 - (6) [حسن صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عَيْنانِ لا تَمَسَّهما النارُ: عينٌ باتَتْ تَكْلأُ في سبيلِ الله، وعينٌ بكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله". رواه أبو يعلى ورواته ثقات. والطبراني في "الأوسط"؛ إلا أنَّه قال: "عَيْنانِ لا ترَيانِ النارَ" [مضى ج 2/ 12 - الجهاد/ 2]. 3326 - (7) [حسن لغيره] وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثةٌ لا ترى أعيُنهم النارَ: عينٌ حرسَتْ في سبيل الله، وعين بكت من خشيةِ الله، وعينٌ كَفَّت عن محارم الله". رواه الَطبراني، ورواته ثقات؛ إلا أن أبا حبيب العنقري (1) لا يحضرني حاله الآن. [مضى هناك].   (1) راجع له التعليق تحت حديثه المتقدم في (ج 2/ 12 - الجهاد/ 2). الحديث: 3324 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 3327 - (8) [حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليسَ شيءٌ أحبَّ إلى الله مِنْ قَطْرتَيْنِ وأَثَرْينِ: قطْرةِ دموعٍ مِنْ خَشْيَةِ الله وقطْرةِ دَمٍ تُهرَاقُ في سبيلِ الله. وأمَّا الأَثرانِ: فأَثَرٌ في سبيلِ الله، وأَثَرٌ في فريضَةٍ مِنْ فرائضِ الله". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". 3328 - (9) [صحيح موقوف] وعن ابن أبي مليكة قال: جلسنا إلى عبد الله بن عمروٍ في الحِجْر فقال: ابْكوا، فإنْ لَمْ تجدوا بُكاءً فتَباكَوْا، لوْ تَعْلَموا العِلْم لَصلَّى أحَدُكم حتى يَنْكَسِرَ ظَهْرُه، ولَبَكى حتى ينْقَطعَ صوْتُه. رواه الحاكم موقوفاً (1) وقال: "صحيح على شرطهما". 3329 - (10) [صحيح] وعن مطرف عن أبيه قال: "رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلِّي ولصَدْرِه أزيزٌ كأزيزِ الرِّحا مِنَ البُكاءِ". رواه أبو داود واللفظ له، والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحيهما"، وقال بعضهم: "ولجوفِه أزيزٌ كأزيزِ المرجلِ". قوله: "أزيز كأزيز الرحا" أي: صوت كصوت الرحا، يقال: أزَّت الرحا إذا صوتت. و (المرجل): القِدر، ومعناه: إن لجوفه حنيناً كصوت غليان القدر إذا اشتد. [مضى ج 1/ 5 - الصلاة/ 34].   (1) الأصل: (مرفوعاً)، وهو خطأ ظاهر مخالف لسياق الحاكم، ومع ذلك غفل عنه الثلاثة! نعم قد روى أحد الضعفاء جملة البكاء عن ابن أبي مليكة بإسناد آخر عن سعد بن أبي وقاص مرفوعاً. رواه ابن ماجه (4196)، وهو عنده في رواية أخرى (1337) قطعة من حديث تقدم في "ضعيف الترغيب" (13 - قراءة القرآن/ 4)، وكذلك رويت الجملة في حديث لأنس بن مالك يأتي في "الضعيف" (27 - صفة النار/ 11 - فصل). الحديث: 3327 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 3330 - (11) [صحيح] وعن عليّ رضي الله عنه قال: ما كانَ فينا فارِسٌ يومَ بَدْرٍ غيرَ المِقْدادِ، ولقد رأيْتُنا وما فينا إلا نائمٌ، إلا رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحْتَ شجَرةٍ يصَلي وَببْكي حتَّى أصْبحَ. رواه ابن خزيمة في "صحيحه". [مضى هناك]. 3231 - (11) [صحيح لغيره] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! ما النَّجاة؟ قال: "أمْسِكْ (1) عليك لِسانَكَ، ولْيَسعْكَ بيتُك، وابْكِ على خطيئَتِك". رواه الترمذي وابن أبي الدنيا والبيهقي؛ كلهم من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم عنه. وقال الترمذي: "حديث حسن غريب". [مضى 23 - الأدب/ 9]. 3332 - (13) [حسن لغيره] وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "طوبى لِمَنْ ملكَ لسانَهُ، ووسِعَهُ بيْتُه، وبَكى على خطيئَتِه". رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير"، وحسن إسناده. [مضى هناك].   (1) كذا ذكره المؤلف هنا وفيما تقدم أيضاً. وهو كذلك في بعض نسخ الترمذي، وفي أخرى (املك)، وهو الأرجح كما تقدم بيانه في التعليق على الحديث هناك. الحديث: 3330 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 8 - (الترغيب في ذكر الموت وقصر الأمل، والمبادرة بالعمل، وفضل طول العمر لمن حسن عمله، والنهي عن تمني الموت). 3333 - (1) [حسن صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أكْثروا ذِكْرَ هاذِمِ (1) اللَّذَّات. يعني الموْتَ". رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه. [حسن] ورواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن، وابن حبان في "صحيحه" وزاد: "فإنَّهُ ما ذَكَرهُ أحَدٌ في ضِيقٍ إلا وَسَّعَهُ، ولا ذَكره في سَعَةٍ إلا ضيَّقها عَلَيْهِ". 3334 - (2) [حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بمجلِسٍ وهم يضْحَكُونَ، فقال: "أكثِروا مِنْ ذِكْرِ هاذمِ اللَّذَّاتِ -أحْسِبُه قال:-، فإنَّه ما ذَكَرة أحَدٌ في ضِيْقٍ مِنَ العَيْشِ إلا وَسَّعَهُ، ولا في سَعَةٍ إلا ضَيَّقَهُ علَيْهِ". رواه البزار بإسناد حسن والبيهقي باختصار. 3335 - (3) [حسن] ورواه [يعني حديث ابن عمر الذي في "الضعيف"] ابن ماجه مختصراً بإسناد جيد، (2) والبيهقي في "الزهد" (3)، ولفظه:   (1) أي: قاطع، وهو بالذال المعجمة، وقيل: بالمهملة، والأول هو الذي جزم به جمع كما في "عجالة الإملاء" للشيخ الناجي (213/ 1 - 2). (2) كذا قال، وفيه مجهول كما قال البوصيري، والعمدة على رواية البيهقي -وكذا البزار- فإن سندها حسن، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. (3) قلت: لقد أبعد النجعة، فقد أخرجه من هو أعلى منه كما يأتي. الحديث: 3333 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 أن رجلاً قال للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ المؤمنين أفضلُ؟ قال: "أحسنُهم خُلُقاً". قال: فأيُّ المؤمنين أكيَسُ؟ قال: "أكثرهم للموت ذِكِرْاً، وأحسنُهم لما بعده استعداداً، أولئك الأكياسُ". 3336 - (4) [؟] وذكره رزين في كتابه بلفظ البيهقي من حديث أنس، ولم أره. 3337 - (5) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اسْتَحْيوا مِنَ الله حَقَّ الحَياء". قال: قلْنا: يا نبيَّ الله! إنَّا لنَسْتَحْيِي والحمدُ لله. قال: "ليسَ ذلك، ولِكنَّ الاسْتِحْياءَ مِنَ الله حقَّ الحَياءِ؛ أنْ تحفَظَ (1) الرأْسَ وما وَعى، وتَحفظَ (1) البطْنَ وما حَوى، ولتَذْكُرِ (1) الموتَ والبِلى، ومَنْ أرادَ الآخِرَة تركَ زينَةَ الدنْيا، فَمنْ فَعل ذلك؛ فقدِ اسْتَحْيا مِنَ الله حَقَّ الحَياءِ". رواه الترمذي وقال: "حديث غريب، وإنما نعرفه من حديث أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد". (قال الحافظ): "أبان والصباح مختلف فيهما، وقد قيل: إن الصباح إنما رفع هذا الحديث وهماً منه، وضُعِّفَ برفعه، وصوابه موقوف. والله أعلم". [مضى 23 - الأدب/ 1]. 3338 - (6) [حسن] وعن البراء رضي الله عنه قال: كنَّا معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جَنازَةٍ، فجلسَ على شفيرِ القَبْرِ، فبَكى حتَّى بَلَّ الثَّرى، ثُمَّ قال: "يا إخْواني! لِمثْلِ هذا فأَعِدُّوا". رواه ابن ماجه بإسناد حسن.   (1) في الأصل الأفعال الثلاثة بياء المضارعة (يحفظ) و. . . إلخ، وغفل عنه الثلاثة مع ذكرهم رقم الترمذي (2460). لكن لفظ أحمد والحاكم: "ولكن من استحى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما حوى. . ." إلخ. الحديث: 3336 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 3339 - (7) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما -لا أَعْلَمُه إلا رَفَعه- قال: "صلاحُ أول هذه الأمَّةِ بالزّهادَةِ واليَقينِ، وهَلاكُ آخِرِها بالبُخْلِ والأَمَلِ". رواه الطبراني؛ وفي إسناده احتمال للتحسين. [مضى هنا/ 6]. 3340 - (8) [حسن لغيره] ورواه ابن أبي الدنيا والأصبهاني؛ كلاهما من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نَجا أوَّلُ هذه الأُمَّةِ باليَقينِ والزُّهْدِ، وَيَهْلِكُ آخِرُ هذه الأُمَّةِ بالبُخْلِ والأَملِ". 3341 - (9) [صحيح] وعن عبد الله بن عمر قال: أخَذ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمنْكِبَيَّ، فقال: "كُنْ في الدنيا كأنَّكَ غريبٌ أو عابِرُ سبيلٍ". وكانَ ابْنُ عمر يقولُ: إذا أمْسَيْتَ فلا تَنْتَظِر الصَّباحَ، وإذا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِر المساءَ، وخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرضِكَ، ومِنْ حيَاتِكَ لموتِكَ. رواه البخاري. [حسن لغيره] والترمذي، ولفظه: قال: أخَذَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَعْضِ جَسدِي، فقال: "كُنْ في الدنيا كأنَّكَ غريبٌ أو عابرُ سَبيل، وعُدَّ نفْسَك في أصْحابِ القُبورِ (1) "، -وقال لي:- "يا ابْنَ عُمرَ! إذا أصْبَحْتَ فلا تُحَدِّثْ نَفْسَك بالمساءِ، وإذا أمْسَيْتَ فلا   (1) ذكره في "المشكاة" (5274) برواية البخاري! وإنما عنده الشطر الأول منه كما رأيت. وهكذا على الصواب ذكره في مكان آخر (1604)، فاقتضى التنبيه. الحديث: 3339 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 تُحَدِّثْ نفسَك بالصباحِ، وخُذْ منْ صحَّتِكَ قبلَ سَقْمِك (1)، ومِنْ حياتِكَ قَبْلَ موْتِك، فإنكَ لا تَدْري يا عبد اللهَ ما اسمك غَداً". ورواه البيهقي وغيره بنحو الترمذي. 3342 - (10) [حسن لغيره] وعن معاذٍ قال: قلتُ: يا رسول الله! أوْصِني؟ قال: "اعْبُدِ الله كأنَّك تَراهُ، واعْدُدْ نفْسَك في المَوْتَى، واذْكرِ الله عند كلِّ حَجرٍ، وعندَ كلِّ شَجرٍ، وإذا عمِلْتَ سيِّئَة فاعْمَلْ بِجَنْبِها حَسنةً، السِّرُّ بالسِّرِّ، والعَلانِيَةُ بالعَلانِيَةِ". رواه الطبراني بإسناد جيد؛ إلا أن فيه انقطاعاً بين أبي سلمة ومعاذ. [مضى هنا/ 1]. 3343 - (11) [صحيح] وعن عبد الله بن عَمْروٍ (2) رضي الله عنهما قال: مَرَّ بي النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا أُطَيِّنُ حائطاً لي أنَا وأمِّي، فقال: "ما هذا يا عبدَ الله؟ ". فقلتُ: يا رسولَ الله! وهى، فنحنُ نُصْلِحُه (3). فقال: "الأمْرُ أسْرَعُ مِنْ ذلِكَ". [صحيح] وفي رواية قال:   (1) قلت: لقوله: "خذ من صحتك. . ." إلخ شاهد من حديث ابن عباس يأتي قريباً بلفظ: "اغتنم خمساً قبل خمس. . ." الحديث. (2) الأصل ومطبوعة (عمارة): (ابن عمر)، والصواب ما أثبتناه، فإنه كذلك في كل المصادر التي ذكرها المؤلف إلا "ابن ماجه"، فإنه وقع فيه (4160) كما في الأصل، ولعله خطأ مطبعي. ويؤيده أن الإمام أحمد أخرجه في "مسند عبد الله بن عمرو بن العاص" (2/ 161). (3) كذا الأصل، والسياق لأبي داود، وفيه: "شيء أصلحه". ولفظ الترمذي: "قد وهى فنحن نصلحه"، فالظاهر أن المؤلف ركب من رواية أبي داود والترمذي سياقاً واحداً، وليس هذا بجيد، وإن كان هو يكثر من ذلك. الحديث: 3342 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 مَرَّ علينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحنُ نُعالِجُ خُصَّا لنَا وهَى، فقال: "ما هذا؟ ". فقلْنا: خُصٌّ لنا وهى، فنحنُ نُصْلِحُه. فقال: "مما أَرى الأمْرَ إلا أَعْجَل مِنْ ذلِكَ". رواه أبو داود، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه". 3344 - (12) [صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: خطَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطّاً مُرَبَّعاً، وخطَّ خطّاً في الوسَطِ خارِجاً منه، وخطَّ خُطُطاً صِغاراً إلى هذا الَّذي في الوَسَطِ منْ جانِبِه الَّذي في الوَسَطِ فقال: "هذا الإنْسانُ، وهذا أَجلُه مُحيطٌ به، أوْ قَدْ أحاطَ بِهِ، وهذا الَّذي هو خارِجٌ أمَلُه، وهذه الخُطُطُ الصِغارُ الأَعْراضُ، فإنْ أخْطَأَهُ هذا نَهَشهُ هذا، وإنْ أَخْطأهُ هذا نَهَشُه هذا". رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه. وهذه صورَةُ ما خطَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وآلهِ وسلَّم: أجله الإنسان. . . أمله أجله (1) الأعراض. . . أجله أجله   (1) قلت: هذه الصورة غير مطابقة لقوله: "وخط خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط"، فالصواب جعل الخطوط الصغيرة في داخل المربع. ومع وضوح هذا فقد عرض الحافظ في "الفتح" خمس صور أخرى أقربها إلى ما ذكرنا الأولى منها، لولا أن فيها خطوطاً أخرى حول الخط الخارج ولم تذكر في الحديث، وقال: "والأول المعتمد". الحديث: 3344 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 3345 - (13) [صحيح] وعنْ أنَسٍ رضيَ الله عنه قال: خطَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطّاً وقال: "هذا الإنْسانُ". وخطَّ إلى جَنْبِه خطّاً، وقال: "هذا أجَلُه". وخطَّ آخَر بعيداً منه، فقال: "هذا الأمَلُ، فبينَما هو كذلك إذ جاءَهُ الأقْرَبُ". رواه البخاري واللفظ له، والنسائي بنحوه. 3346 - (14) [حسن صحيح] وعنه قال: قالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هذا ابْن آدمَ، وهذا أجَلُه -ووضع يده عند قفاه ثم بسطها (1) وقال:- وثّمَّ أملُهُ، وثَمَّ أملُه". رواه الترمذي وابن حبان في "صحيحه"، ورواه النسائي أيضاً وابن ماجه بنحوه. 3347 - (15) [صحيح لغيره] وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هل تدرونَ ما مَثَل هذهِ وهذهِ؟ ". ورَمى بحَصاتَيْنِ. قالوا: الله رسولُه أعْلَمُ. قال: "هذا الأَمُل، وذاكَ الأَجَلُ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". 3348 - (16) [حسن] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اقْتَربَتِ الساعَةُ، ولا تَزْدادُ مِنْهُم إلا بُعْداً". رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في "الصحيح".   (1) زاد ابن ماجه (4232): "أمامه"، ورواه أحمد بلفظ: "ثم رمى بيده أمامه"، وهو مخرج في "الصحيحة" (3428). الحديث: 3345 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 3349 - (17) [صحيح] وعن عبدِ الله (1) عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الجنَّةُ أقْرَبُ إلى أحَدِكُمْ مِنْ شِراكِ نَعْلِه، والنارُ مِثْلُ ذلكَ". رواه البخاري وغيره. 3350 - (18) [حسن لغيره] ورواه [يعني حديث سعد بن أبي وقاص الذي في "الضعيف"] الطبراني من حديث ابن عمر قال: أتى رجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! حدِّثْني بحديثٍ، واجْعَلْه موجَزاً؟ فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صَلِّ صَلاةَ مُودِّعٍ، فإنَّكَ إنْ كنْتَ لا تَراهُ فإنَّه يراكَ، وايْأَس مِمّا في أيْدي الناسِ تكُنْ غَنِيَّاً، وإيَّاك وما يُعْتَذرُ مِنْهُ". 3351 - (19) [حسن لغيره] وروى الطبراني عن رجل من بني النخع قال: سمعتُ أبا الدرداءِ حينَ حضرَتْهُ الوَفاةُ قال: أحدِّثكُم حديثاً سمِعْتُه مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمِعْتُه يقول: "اعْبدِ الله كأنَّك تَراه، فإنْ لَمْ تكُنْ تَراه فإنَّه يراكَ، واعْدُدْ نفْسَك في الموْتَى، وإيَّاك ودَعْوةَ المظْلومِ فإنَّها تُسْتَجابُ" الحديث. 3352 - (20) [صحيح لغيره موقوف] وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: نزلنا من المدائن على فرسخٍ، فلما جاءت الجمعةُ حضر [أبي، و] (2)   (1) هو ابن مسعود رضي الله عنه الراوي للحديث قبله، فكان ينبغي عطفه عليه فيقال: "وعنه" كما هي عادته في مثله، وإلا أوهم أنه غيره كما لا يخفى. (2) سقطت من الأصل، واستدركتها من "ذم الدنيا" (65/ 157)، و"الحلية" و"تفسير الطبري" (27/ 51)، وسنده صحيح دون إسناد الحاكم، فقد رده الذهبي (4/ 609) بما لا ضرورة لبيانه هنا. ومن تخاليط الجهلة أنهم نقلوا (4/ 143) عن الذهبي أنه أعله بالانقطاع بين أبي قلابة وأبي ذر، وهذا حديث آخر اختلط عليهم بهذا!! وانظر تخريج هذا الأثر في تعليق الدكتور ضياء السلفي على "الزهد" لأبي داود (ص 267). والحديث مخرج عندي في "الضعيفة" تحت الحديث (4872). الحديث: 3349 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 حضرتُ [معه]، فَخَطَبَنا حذيفةُ، فقال: إن اللهَ عز وجل يقول: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}، ألا وإن الساعةَ قد اقتربت، ألا وإن القمرَ قد انشقَّ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراقٍ، ألا وإن اليومَ المضمارُ، وغداً السباقُ. فقلت لأبي: أيَسْتَبِق الناسُ غداً؟ قال: يا بني! إنك لجاهل، إنما يعني العملَ اليومَ، والجزاءَ غداً. فلما جاءتِ الجمعة الأخرى حَضَرْنا، فَخَطَبَنا حذيفةُ، فقال: إن الله يقول: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراقٍ، ألا وإنّ اليومَ المضمارُ، وغداً السباق، ألا وإن الغايةَ النارُ، والسابقُ من سبق إلى الجنةِ. رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 3353 - (21) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "بادِروا بالأَعْمالِ فِتناً كَقِطَعٍ الليلِ المظْلمِ، يُصْبِح الرجلُ مؤِمناً ويُمْسي كافِراً، ويُمْسي مؤْمِناً ويصْبح كافِراً، يَبيعُ دينَهُ بعَرضٍ مِنَ الدنْيا". رواه مسلم. 3354 - (22) [صحيح] وعنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "بادِروا بالأَعْمالِ سِتّاً: طلوعَ الشمْس مِنْ مَغْرِبها، أو الدخانَ، أو الدَّجَّالَ، أوِ الدابَّةَ، أو خاصَّةَ أحَدِكُم (1)، أو أمْرَ العامَّةِ (2) ". رواه مسلم.   (1) أي: الواقعة التي تخص أحدكم، قيل: يريد الموت أو الشواغل الخاصة به. (2) (أو أمر العامة) أي: الفتنة التي تعم الناس، وهي الساعة كما قال قتادة عند أحمد في رواية له في الحديث (2/ 337 و372 و407 و511). الحديث: 3353 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 3355 - (23) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عمْهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجلٍ وهو يَعِظُه: "اغْتَنِمْ خَمْساً قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرمِكَ، وصِحَّتَك قبل سَقْمِكَ، وغِناكَ قبْلَ فقْرِكَ، وفَراغَك قَبْلَ شُغْلِكَ، وحياتَك قَبْلَ مَوْتِكَ". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". 3356 - (24) [صحيح] وعن مصعب بن سعدٍ عن أبيه -قال الأعْمش: ولا أعلمه إلا- عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الَتَّؤُدَةُ في كلِّ شيْءٍ خَيْرٌ، إلا في عَملِ الآخِرَةِ". رواه أبو داود والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: "صحيح على شرطهما". (قال الحافظ): "لم يذكر الأعمش فيه من حدَّثهُ، ولم يجزم برفعه". (1) (التّؤُدَة) بفتح المثناة فوق وبعدها همزة مضمومة ثم دال مهملة مفتوحة وتاء تأنيث: هي التأني والتثبت وعدم العجلة. 3357 - (25) [صحيح] وعن أنسٍ رضيَ الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا أرادَ الله بعبدٍ خيراً اسْتَعْمَلَهُ". قيل: كيفَ يَسْتَعْمِلهُ؟ قال: "يُوَفِّقُه لِعَملٍ صالح قَبْلَ الموْتِ". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". 3358 - (26) [صحيح] وعن عمرو بن الحمق رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا أحبَّ الله عبداً عَسَلَه" (2).   (1) انظر الجواب عن هذه العلة في "الصحيحة" (1794). (2) هو بتخفيف السين كما قال الناجي. الحديث: 3355 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 قالوا: ما عَسَلهُ يا رسولَ الله؟ قال: "يُوَفِّقُ له عملاً صالِحاً بينَ يَديْ أَجَلَه (1) حتى يَرْضَى عنهُ جِيرانُه -أو قال: مَن حَوْلَهُ-". رواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم والبيهقي من طريقه وغيرهما. (عَسَلَه) بفتح العين والسين المهملتين من (العَسْل): وهو طيب الثناء. وقال بعضهم: "هذا مثَلُ، أي وفَّقه الله لعمَل صالحٍ يتحفه به، كما يتحف الرجل أخاه إذا أطعمه العَسَل". 3359 - (27) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أعْذَرَ (2) الله إلى امرئٍ أخَّر أجَلهُ حتى بلغَ ستينَ سنَةً". رواه البخاري. 3360 - (28) [صحيح] وعن سهلٍ مرفوعاً: "مَنْ عُمِّرَ مِنْ أمَّتي سَبْعينَ سنَةً؛ فقد أعْذَر الله إليه في العُمُرِ". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". 3361 - (29) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أُنَبِّئُكُمْ بخَيْرِكُمْ؟ ". قالوا: نَعَمْ. قال: "خِيارُكُمْ أَطْوَلُكم أعْماراً، وأحْسَنكُم أعْمالاً".   (1) الأصل: (رحلته)، والتصحيح من "الحاكم" (1/ 340)، والسياق له. ولفظ ابن حبان والبيهقي: (موته)، وهذا رواه في "الزهد" (308/ 818) من غير طريق الحاكم. (2) (الإعذار): إزالة العذر، وفيه إشارة إلى قوله تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}، والمعنى: أنه لم يبق له اعتذار، كأن يقول: لو مد لي في الأجل لفعلت ما أُمرت به. الحديث: 3359 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح"، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي. [مضى نحوه 23 - الأدب/ 2]. 3362 - (30) [صحيح] ورواه الحاكم من حديث جابر؛ وقال: "صحيح على شرطهما". 3363 - (31) [صحيح لغيره] وعن أبي بَكْرةَ رضي الله عنه: أنَّ رجلاً قال: يا رسولَ الله! أيُّ الناسِ خَيرٌ؟ قال: "مَنْ طالَ عُمُره، وحَسُنَ عَملُه". قال: فأيُّ الناسِ شَرٌّ؟ قال: "مَنْ طالَ عُمرهُ، وساءَ عَملُه". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، والطبراني بإسناد صحيح، والحاكم، والبيهقي في "الزهد" وغيره. 3364 - (32) [صحيح] وعن عبدِ الله بن بُسرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خيرُ الناسِ مَنْ طالَ عمُره وحَسُنَ عَملُه". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". 3365 - (33) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانَ رجلان مِنْ (بَلِيٍّ) [حي] (1) من (قضاعة) أسْلَما معَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاسْتشُهِدَ أَحَدُهما وأُخِّر الآخَرُ سنَةً. قال طَلْحة بنُ عُبَيْدِ الله: [فأُريتُ الجنَّةَ] فرأيتُ المؤخَّر مِنْهما أدخِلَ الجنَّةَ قبْلَ الشهيدِ. فتَعجَّبْتُ لذلك، فأصْبَحْتُ فذكرتُ [ذلك] للنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أليْسَ قد صامَ بعدَهُ رمضانَ؟ وصلَّى ستَّةَ آلافِ رَكْعَةً، وكذا وكذا ركعةً صلاةَ سَنَةٍ؟ ". رواه أحمد بإسناد حسن. [مضى 5 - الصلاة/ 13].   (1) سقطت من "المسند" كما تقدم بيانه هناك في (5 - الصلاة). الحديث: 3362 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 3366 - (34) [صحيح] ورواه ابن ماجه وابن حبان في "صحيحه" والبيهقي؛ كلهم عن طلحة بنحوه أطول منه؛ وزاد ابن ماجه وابن حبان في آخره: "فَلَما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض". [مضى هناك]. 3367 - (35) [حسن صحيح] وعن عبد الله بنِ شدَّادٍ: أنَّ نَفراً مِنْ بني عُذْرةَ (1) ثلاثَةً أَتَوُا النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأسْلَموا. قال: فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ يَكْفِيهمْ؟ ". قال طَلْحَةُ: أنا. قال: فكانوا عندَ طَلْحَة، فبعثَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْثاً فخرَج فيهِ أحَدُهم فاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ بعَثَ بَعْثاً فخَرج فيه آخَرُ فاسْتُشْهِدَ، ثمَّ ماتَ الثالِثُ على فِراشِه. قال طَلْحَةُ. فرأيتُ هؤلاءِ الثلاثَة الَّذينَ كانوا عِندي في الجنَّةِ، فرأيتُ الميِّتَ على فراشِه أمامَهُمْ، ورأيتُ الذي اسْتُشْهِدَ أخيراً يَليهِ، ورأْيتُ أوَّلَهم آخرَهُمْ. قال: فداخَلَني مِنْ ذلك! فأتَيْتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكرتُ ذلك لَهُ، فقال: "وما أنْكرتَ مِنْ ذلك؟ ليسَ أحَدٌ أفْضَلَ عِنْد الله عزَّ وجلَّ مِنْ مؤْمنٍ يُعَمِّرُ في الإسْلامِ؛ لِتَسْبيحهِ وتَكْبيرِهِ وتَهْليلهِ". رواه أحمد وأبو يعلى، ورواتهما رواة "الصحيح". وفي أوله عند أحمد إرسال كما مرَّ (2)، ووصله أبو يعلى بذكر طلحة فيه.   (1) هو عذرة بن سعد هُذَيم بن زيد، وإنما قيل: سعد هُذَيم؛ لأن سعداً هذا حضنه عبد حبشي اسمه هذيم فغلب عليه كما في "اللباب"، ووقع في مطبوعة (عمارة): (عَذرة) بفتح المهملة، وهو خطأ ظاهر. (2) يعني في أول الحديث، وكونه مرسلاً ظاهر؛ لأن عبد الله بن شداد -وهو ابن الهاد- تابعي لم يدرك القصة، لكن يشهد له ما قبله، إن لم يكن تلقاها عن طلحة كما يشعر بذلك قوله فيما بعد: "قال طلحة. . ." ويؤيده رواية أبي يعلى (2/ 9)، فإنها موصولة كما ذكر المؤلف، والله أعلم. الحديث: 3366 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 3368 - (36) [صحيح] وعن أم الفضل رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخلَ على العبَّاسِ وهو يَشْتَكي، فتمنَّى الموْتَ، فقال: "يا عبَّاسُ عمَّ رسولِ الله! لا تَتمنَّ الموْتَ، إنْ كُنْتَ مُحْسِناً تَزْدادُ إحْسَاناً إلى إحْسانِكَ خيرٌ لَك، وإنْ كنْتَ مُسيئاً فأنْ تُؤَخَّرَ تَسْتَعتِبُ (1) مِنْ إساءَتِكَ خيرٌ لك، لا تَتَمنَّ الموْتَ". رواه أحمد، والحاكم واللفظ له، وهو أتم، وقال: "صحيح على شرطهما". 3369 - (37) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يَتمنَّى أحدُكم الموْتَ، إمَّا محْسِناً فلعَلَّهُ يزدادُ، وإمَّا مُسيئاً فلعلَّه يَسْتَعْتِبُ". رواه البخاري واللفظ له، ومسلم. [صحيح] وفي رواية لمسلم: "لا يتَمنَّى أحدُكم الموْتَ ولا يدْعو بهِ مِنْ قَبْلِ أنْ يَأْتِيَهُ، وإنَّه إذا ماتَ انْقطَع عَملُه، وإنَّه لا يريدُ المؤمِنَ عُمرُه إلا خيراً". 3370 - (38) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَتَمنَّى أحدُكم الموتَ لضُرٍّ نزَل بهِ، فإنْ كانَ ولا بدَّ فاعِلاً فلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أحْيِني ما كانتِ الحَياةُ خَيْراً لي، وتَوفَّني إذا كانَتِ الوَفاةُ خَيْراً لي". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.   (1) أي: تطلب الرضا برجوعك عن الإساءة. الحديث: 3368 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 9 - (الترغيب في الخوف، وفضله). 3371 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "سبعةٌ يظِلُّهم الله في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه -فذكرهم إلى أن قال:- ورجلٌ دَعَتْهُ امْرأَةٌ ذاتَ مَنْصِبٍ وجمالٍ فقالَ: إنِّي أخافُ الله". رواه البخاري ومسلم، وتقدم بتمامه [5 - الصلاة/ 10]. 3372 - (2) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خرجَ ثلاثَةٌ فيمَنْ كانَ قبْلَكُم يَرْتادون لأَهْلِهم، فأصابَتْهُم السماءُ، فلَجؤُوا إلى جَبلٍ، فوقَعتْ عليهِمْ صَخْرَةٌ، فقال بَعْضُهم لِبعْضٍ: عفَا الأَثَرُ، ووقَع الحَجرُ، ولا يَعْلَمُ بمكانِكُمْ إلا الله، فادْعوا الله بأوْثَقِ أعْمالِكُم. فقالَ أحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ! إنْ كنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ كانَتِ امْرأَةٌ تُعْجِبُني، فطَلْبتُها فأبَتْ عليَّ، فجَعَلْتُ لها جُعْلاً، فلمَّا قَرَّبَتْ نَفْسَها تَركْتُها، فإنْ كنتَ تعلَمُ أنِّي إنَّما فعلْتُ ذلك رجاءَ رحْمَتِكَ، وخشيةَ عذابِكَ، فافرُجْ عنَّا، فزال ثُلثُ الحَجَرِ. وقال الآخَرُ: اللهُمَّ! إنْ كُنْتَ تعلَمُ أنَّه كان لي والدانِ، فكنتُ أَحلِبُ لَهما في إنائِهما، فإذا أتَيْتُهما وهما نائِمان قُمْتُ حتى يَسْتَيْقِظا، فإذا اسْتَيْقظا شَربا، فإنْ كنتَ تَعْلَمُ أنِّي فعلتُ ذلك رجاءَ رحْمَتِكَ، وخشْيةَ عذابِكَ، فافْرُجْ عنَّا، فزالَ ثُلثُ الحَجَرِ. وقال الثالِثُ: اللَّهُمَّ! إنْ كنتَ تعلَمُ أنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجيراً يوماً فعَمِلَ إلى نِصْفِ النهارِ، فأعْطَيْتُه أجْراً فسَخِطَهُ، ولَمْ يأْخُذهُ، فَوَفَّرتُها عليه حتَّى صارَ مِنْ كلِّ (1) المالِ، ثُمَّ جاءَ يطلُب أجْرَهُ، فقلتُ خُذْ هذا كُلَّهُ، ولو شِئْتُ لَمْ أُعْطِهِ إلا   (1) الأصل: (صارت ذلك المال)، والتصويب من "الموارد" ومما تقدم. الحديث: 3371 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 أَجْرَهُ الأوَّلَ، فإنْ كنْتَ تعلَمُ أنِّي فعلْتُ ذلك رَجاءَ رحْمَتِكَ، وخشْيَةَ عذابِكَ فافْرُجْ عنَّا، فزالَ الحَجرُ، وخَرجوا يتَماشُونَ". رواه ابن حبان في "صحيحه"، [مضى ج 2/ 22 - البر/ 1]. ورواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث [ابن] عمر بنحوه، وتقدم (برقم 1). 3373 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كان رجُلٌ يُسرِفُ على نَفْسِه، فلما حضَره الموْتُ؛ قال لِبَنيهِ: إذا أنا مِتُّ فأحْرِقوني، ثُمَّ اطْحَنوني، ثُمَّ ذُرُّوني في الريحِ، فوَالله لئنْ قدِرَ الله عليَّ لَيُعَذِّبَنِّي عَذاباً ما عذَّبَه أحَداً، فلمَّا ماتَ فُعِلَ به ذلك، فأمرَ الله الأرْضَ فقالَ: اجْمَعي ما فيكِ [منه]، ففَعلَتْ، فإذا هو قائِمٌ، فقال: ما حَملكَ على ما صَنعْتَ؟ قال: خَشيتُكَ يا ربِّ! -أو قال: مخَافَتُك-، فَغُفِرَ لَهُ". (1) وفي رواية: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال رجلٌ لَمْ يعملْ حسنةً قَطُّ لأهْلهِ: إذا ماتَ فحرِّقوه، ثُمَّ اذْرُوا نِصْفَه في البرِّ، ونِصْفهُ في البَحْرِ، فوالله لَئنْ قَدِرَ الله عليه لَيُعَذِّبَنَّه عَذاباً لا يُعَذِّبُه أحداً مِنَ العالَمينَ، فلمّا ماتَ الرجلُ فَعلوا به ما أمَرَهُم، فأمرَ الله البَرَّ فَجمعَ ما فيه، وأمرَ البَحْرَ فَجَمَعَ (2) ما فيهِ، ثمَّ قالَ: لِمَ فعَلْتَ هذا؟ قال: مِنْ خَشْيَتِكَ يا ربِّ! وأنتَ أَعْلَمُ، فعَفَر الله تعالَى له". رواه البخاري ومسلم (3). ورواه مالك والنسائي بنحوه.   (1) وفي حديث حذيفة وأبي مسعود البدري: "قال: يا ربِّ! لم يكن لك أحد أعصى لك مني، ولا أحد أجرأ على معاصيك مني، فرجوت أن أنجو، فقال الله: تجاوزوا عن عبدي، فغفر له". أخرجه ابن فضيل الضبي في "الدعاء" (108 - 109) بسند صحيح، وأصله في "البخاري" (3452). (2) الأصل: (أن يجمع)، وكذا في طبعة الثلاثة! وهو خطأ مخالف لما في "الصحيحين" و"الموطأ"، والحديث مخرج في "الصحيحة" (30480). (3) قلت: والرواية الثانية له (8/ 97)، وصححت منه بعض الأخطاء كانت في الأصل، والأولى للبخاري في آخر "الأنبياء"، والزيادة منه. الحديث: 3373 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 3374 - (4) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ رجلاً كانَ قبلَكم رَغَسَه الله مالاً، فقال لِبَنيه لمَّا حُضِر: أيُّ أبٍ كنتُ لكُم؟ قالوا: خيرَ أبٍ. قال: فإنِّي لَمْ أعْمَلْ خيراً قَطُّ، فإذا مُتَّ فأحْرِقوني، ثُمَّ اسْحَقُوني، ثُمَّ ذَرُّوني في يومٍ عاصِفٍ، فَفعَلوا، فَجمَعهُ الله؛ فقال: ما حَملَك؟ قال: مخَافَتُك. فتلَقَّاه برَحْمَتِه". رواه البخاري ومسلم. (رَغَسه) بفتح الراء والغين المعجمة بعدهما سين مهملة. قال أبو عبيدة: معناه أكثر له منه، وبارك له فيه. 3375 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يقول الله عزَّ وجلَّ: إذا أرادَ عبدي أنْ يعْمَل سيِّئَةً فلا تكْتُبوها عليه حتَّى يَعْمَلَها، فإنْ عمِلَها فاكْتُبوها بِمِثْلِها، وإنْ تَركَها مِنْ أَجْلي فاكْتُبوها لَهُ حسنةً" الحديث. رواه البخاري ومسلم. وفي لفظ مسلم: "إنْ تَركها فاكْتُبوها لَهُ حسنَةً، إنَّما تَركها مِنْ جَرَّايَ". أي: من أجلي. وتقدم بتمامه في "الإخلاص" (1) [1/ 1/ الحديث 8]. 3376 - (6) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فيما يروي عن ربَّه جل وعلا؛ أنه قال: "وعزَّتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين، إذا خافني في الدنيا أمَّنته   (1) كانت هذه الجملة في الأصل عقب قوله: "البخاري ومسلم" فوضعتها هنا لتشمل لفظ مسلم أيضاً لأنه تقدم أيضاً. الحديث: 3374 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 يوم القيامة، وإذا أمِنني في الدنيا أخفته في الآخرة". رواه ابن حبان في صحيحه. 3377 - (7) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة أيضاً قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ خافَ أَدْلَجَ، ومَنْ أدْلَج بلَغ المَنْزِلَ، ألا إنّ سِلْعَةَ الله غاليةً، ألا إنَّ سِلْعَة الله الجنَّةُ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". (أَدْلَجَ) بسكون الدال: إذا سار من أول الليل. ومعنى الحديث: أن من خاف ألزمه الخوف السلوك إلى الآخرة، والمبادرة بالأعمال الصالحة خوفاً من القواطع والعوائق. 3378 - (8) [حسن موقوف صحيح] وعن بهز بن حكيم قال: أمَّنا زُرارةُ بنُ أوفى رضي الله عنه في مسجد (بني قُشير)، فقرأ: {المدثر}، فلما بلغ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ}؛ خرَّ ميّتاً. رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (1) 3379 - (9) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لو يَعلَمُ المؤْمِنُ ما عندَ الله مِنَ العُقوبَةِ ما طمعَ بجنَّتَهِ أحَدٌ، ولَوْ يعلَمُ   (1) قلت: ليس في النسخة المطبوعة من "المستدرك" (2/ 506) هذا التصحيح، ولا حكاه السيوطي في "الدر" (6/ 282) عنه، وعن الحاكم البيهقي في "الشعب" (1/ 531/ 939)، ورواه من طريق ابن أبي الدنيا، وإسناده حسن، رجاله ثقات، فيه (عتاب - تحرف فيه إلى غياث) بن المثنى، وهو القشيري، وهكذا على الصواب وقع في "طبقات ابن سعد" (7/ 150)، ولم يوثقه أحد، لكن روى عنه جمع، وعزوا أثره هذا إلى الترمذي، ولم أره في "سننه". وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد "الزهد" (247)، وعنه أبو نعيم في "الحلية" (2/ 298)، ومن طريقه المزي في "التهذيب" (19/ 294). وبهز بن حكيم حسن الحديث، وتابعه أبو جناب القصاب -واسمه عون بن ذكوان- عند ابن حبان في "ثقاته" (4/ 266)، وعبد الله أيضاً في "الزوائد" من طريق هدبة بن خالد القيسي عنه. وإسناده صحيح. الحديث: 3377 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 الكافِرُ ما عندَ الله مِنَ الرحْمَةِ ما قنِطَ مِنْ جنته [أَحَد] ". رواه مسلم (1). 3380 - (10) [حسن] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قرأَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} حتى خَتَمها، ثُمَّ قال: "إنِّي أرى ما لا تَرَوْنَ، وأسْمَعُ ما لا تَسْمَعونَ، أطَّتِ السَّماءُ، وحُقَّ لَها أنْ تَئطَّ، ما فيها موْضعُ قَدم إلا مَلَكٌ واضعٌ جَبْهَتهُ ساجِداً لله، والله لوْ تعلَمون ما أعْلَمُ لَضَحِكْتُم قليلاً، ولبَكيْتُم كَثيراً، وما تَلذَّذْتُم بالنساءِ على الفُرش، ولَخرجْتُم إلى الصُّعُداتِ تَجْأَرونَ إلى الله، والله لوَدْدِتُ أنّي شَجرةٌ تُعْضَدُ". رواه البخاري باختصار (2)، والترمذي؛ إلا أنه قال: "ما فيها موضع أربع أصابع". والحاكم، واللفظ له وقال: "صحيح الإسناد". (أطَّتْ) بفتح الهمزة وتشديد الطاد المهملة من (الأطيط): وهو صوت القَتَب والرحل ونحوهما إذا كان فوقه ما يثقله. ومعناه: أن السماء من كثرة ما فيها من الملائكة العابدين أثقلها حتى أطَّت.   (1) قلت: ورواه الترمذي (3536) وأبن حبان في "صحيحه" (2503 - موارد) مثله، قال الناجي: "ورواه البخاري في حديث. . ."، ثم ذكره بنحوه. وهو مخرج في "الصحيحة" (1634)، ومن شاء الوقوف على لفظه فليرجع إلى "صحيح الجامع الصغير" رقم (1759 - الطبعة الأولى الشرعية). (2) قلت: هذا وهم، فليس له من هذا الحديث شيء من رواية أبي ذر، كما يدل على ذلك صنيع الحافظ المزِّي في "التحفة". نعم له منه قوله: "لو علمتم. . . ولبكيتم كثيراً" من حديث غيره من الصحابة، مثل حديث أنس الآتي بعده، وحديث عائشة في خطبة الكسوف. انظره إن شئت في "مختصر البخاري" (552)؛ ولذلك تعجب منه الناجي وقال: "فيجب حذف البخاري منه". الحديث: 3380 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 و (الصُعُدات) بضم الصاد والعين المهملتين: هي الطرقات. 3381 - (11) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: خطَبَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُطْبةً ما سمِعْتُ مثْلَها قَطُّ، فقال: "لوْ تَعْلَمونَ ما أعلَمُ لَضَحِكْتُم قَليلاً، ولبَكَيْتُمْ كَثيراً". فَغطى أصْحابُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجُوهَهُم لهُم خَنِيْنٌ. رواه البخاري ومسلم. [صحيح] وفي رواية: بَلغَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنْ أصْحابِه شيْءٌ، فَخَطب فقالَ: "عُرِضَتْ عليَّ الجنَّةُ والنارُ، فلَمْ أرَ كاليَوْمِ في الخَيْرِ والشَرِّ (1)، ولو تَعْلَمُونَ ما أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَليلاً ولبَكَيْتُمْ كثيراً". فما أتى على أصْحابِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومُ أشَدُّ مِنْه، غَطُّوا رُؤوسَهُم ولَهُمْ خنيَنٌ. (الخَنِينُ) بفتح الخاء المعجمة بعدها نون: هو البكاء مع غنة بانتشار الصوت من الآنف.   (1) أي: لم أر خيراً أكثر مما رأيته اليوم في الجنة، ولا شراً أكثر مما رأيته اليوم في النار. الحديث: 3381 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 10 - (الترغيب في الرجاء وحسن الظن بالله عز وجل سيما عند الموت). 3382 - (1) [حسن لغيره] عن أنسٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "قال الله تعالى: يا ابْنَ آدمَ! إنَّك ما دَعْوتَني ورجَوْتَني غفرْتُ لَك على ما كانَ فيكَ (1) ولا أُبالي. يا ابْنَ آدمَ! لو بَلغَتْ ذُنوبُكَ عَنانَ السماءِ ثمَّ اسْتَغْفَرْتَني غفَرْتُ لكَ [ولا أُبالي] (2). يا ابْنَ آدَم! لَوْ أتَيْتَني بقُرابِ الأَرضِ خَطايا ثُمَّ لَقيتَني لا تُشْرِكُ بي شيْئاً لأَتَيْتُك بقُرابِها مَغْفِرَةً". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". (قُراب الأرض) بكسر القاف، وضمها أشهر: هو ما يقارب ملأها، [مضى ج 2/ 14 - الذكر/ 16]. 3383 - (2) [حسن صحيح] وعن أنسٍ أيضاً: أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل على شابٍّ وهو في الموتِ فقال: "كيفَ تَجِدُكَ؟ ". قال: أرجو الله يا رسولَ الله! وإنِّي أخافُ ذُنوبي، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَجْتَمِعانِ في قَلْبِ عبدٍ في مِثْلِ هذا المَوْطِن إلا أعْطاهُ الله ما يَرْجو، وأمَّنَهُ مِمَّا يخَافُ". رواه الترمذي وقال: "حديث غريب"، وابن ماجه وابن أبي الدنيا؛ كلهم من رواية جعفر بن سليمان الضَّبعي عن ثابت عن أنس.   (1) الأصل ومطبوعة عمارة والثلاثة المعلقين: (منك)، وكذلك وقع فيما تقدم، وفي "الجامع الصغير" وغيره، وهو مخالف لما أثبتناه نقلاً عن "الترمذي" (3534) وغيره، ولشاهد له من حديث أبي ذر، وهو مخرج مع حديث الباب في "الصحيحة" (127)، وقد نبه على هذا الخطأ الناجي رحمه الله. (2) سقطت من الأصل ومن مطبوعة الثلاثة! واستدركتها من "الترمذي" ومما تقدم. الحديث: 3382 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 (قال الحافظ): "إسناده حسن، فإن جعفراً صدوق صالح، احتج به مسلم، ووثقه النسائي، وتكلم فيه الدارقطني وغيره". (قال الحافظ:) "وتقدم في الباب قبله حديث الغار وغيره، وفي الباب أحاديث كثيرة جداً تقدمت في هذا الكتاب ليس فيها تصريح بفضل الخوف والرجاء، وإنما هي ترغيب أو ترهيب في لوازمهما ونتائجهما لم نُعد ذلك، فليطلبه من شاء". 3384 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ قال: "قال الله عزَّ وجلَّ: أنا عندَ ظَنِّ عبدي بي، وأنا مَعُه حين (1) يذكُرُني" الحديث. رواه البخاري ومسلم. [مضى ج 2/ 14 - الذكر/ 1]. 3385 - (4) [صحيح] وعن جابر رضي الله عنه: أنَّه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبلَ موْتِه بثلاثَة أيَّامٍ يقول: "لا يَموتُنَّ أحدُكم إلا وهو يُحْسِنُ الظَّنِّ بُالله عزَّ وجلَّ". رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه. 3386 - (5) [صحيح] وعن حيان أبي النضر قال: خرجْتُ عائداً لِيَزِيدَ بْنِ الأَسْودِ، فلَقِيتُ واثِلَة بْنَ الأسْقَع وهو يريدُ عِيادَتَهُ، فدخَلْنا عليه، فلمَّا رأى واثِلَةَ بَسط يَدَه، وجعلَ يُشيرُ إليَهِ، فأقْبَل واثلَةُ حتى جَلَس، فأخَذ يَزيدُ بكَفَّيْ واثِلَة، فجعَلَهُما على وَجْهِه، فقال لَه واثِلَةُ: كيفَ ظَنُّك بالله؟ قال: ظَنِّي بالله والله حسَنٌ، قال: فأبْشِرْ، فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "قال الله جلَّ وعَلا: أنا عندَ ظَنِّ عبْدي بي، إنْ ظَنَّ خيراً فَلَهُ، وإنْ ظَنَّ شَرّاً فله". رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي.   (1) الأصل: (حيث)، والمثبت لفظ مسلم، ولفظه فيما تقدم: (إذا)، وهو للبخاري. الحديث: 3384 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 25 - كتاب الجنائز وما يتقدمها. 1 - (الترغيب في سؤال العفو والعافية). 3387 - (1) [حسن صحيح] وعن معاذ بن رفاعة عن أبيه قال: قام أبو بكر الصديق (1) على المنبر ثم بكى فقال: قام فينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامَ أوَّلِ على المنْبَر، ثُمَّ بَكى: فقال: "سَلوا الله العَفْوَ والعافِيَةَ، فإَنَّ أحداً لَمْ يُعْطَ بعدَ اليقينِ خَيْراً مِنَ العافِيَةِ". رواه الترمذي من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل. وقال حديث "حسن غريب". ورواه النسائي من طرق وعن جماعة من الصحابة وأحد أسانيده صحيح (2). 3388 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِنْ دَعْوَةٍ يدعو بها العبدُ أفْضَلُ مِنْ (3) (اللهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ المُعافاةَ في الدُّنْيا والآخرَةِ) ". رواه ابن ماجه بإسناد جيد.   (1) الأصل: (وعن أبي بكر رضي الله عنه أنه قام)، والتصويب من "الترمذي" (3553)، وهو تصرف غير حسن من المؤلف سبق له غيره، وغفل عن ذلك الثلاثة كعادتهم، فأثبتوا الخطأ! (2) قلت: وقد خرجت بعضها في "إرواء الغليل" (2/ 222)، وخرج بعضها الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة". (3) قلت: هنا في الأصل: "اللهم أني أسألك العفو والعافية. وفي رواية". فحذفتها لأنه لا أصل لها في (ابن ماجه)، بل ولا في غيره، وإنما عند (ابن ماجه) ما أثبته فقط، وهو مخرج في "الصحيحة" (1138)، وقد غفل عنها الثلاثة أيضاً فأثبتوها! الحديث: 3387 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 3389 - (3) [صحيح] وعن أبي مالكٍ الأشجعي عن أبيه: أنَّ رجلاً أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! كيفَ أقوالُ حينَ أسْأَلُ ربِّي؟ قال: "قلِ: (اللهُمَّ اغْفِرْ لي، وارْحَمْني، وعَافِني، وارزُقْني) -ويَجْمَعُ أصابِعَهُ إلا الإبْهامَ- فإنَّ هؤلاءِ تَجْمَعُ لكَ دُنْياكَ وآخِرَتَكَ". رواه مسلم. 3390 - (4) [حسن صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا عبّاسُ عَمَّ النبيِّ! أكْثِرْ مِنَ الدعاء بالعافِيَةِ". رواه ابن أبي الدنيا، والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري". 3391 - (5) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قلتُ: يا رسولَ الله! أَرأَيْتَ إنْ علمتُ ليلةَ القدْرِ؛ ما أقولُ فيها؟ قال: "قولي: (اللهُمَّ إنَّك عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ؛ فاعْفُ عَنِّي) ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". الحديث: 3389 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 2 - (الترغيب في كلماتٍ يقولهنَّ من رأى مبتلىً). 3392 - (1) [صحيح لغيره] عن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ رأى صاحِبَ بلاءٍ فقال: (الحمدُ لله الَّذي عَافاني مِمَّا ابْتَلاك به، وفَضَّلني على كَثيرٍ مِمَّنْ خَلق تَفْضيلاً)؛ لَمْ يُصِبْهُ ذلكَ البَلاءُ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". 3393 - (2) [صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه من حديث ابن عمر (1).   (1) هنا في الأصل جملة: (ورواه البزار، والطبراني في "الصغير" من حديث أبي هريرة وحده، وقال فيه: "فإنه إذا قال ذلك شكر تلك النعمة"، وإسناده حسن). قلت: بل هو ضعيف، فيه (عبد الله بن عمر العمري) المكبَّر، وبه أعله الحافظ، والمحفوظ: "لم يصبه ذلك البلاء"، وهو المذكور أعلاه. وحديث العمري هذا مخرج في "الضعيفة" (6889)، وأما الجهلة فخلطوا كعادتهم بين المحفوظ والمنكر، وشملوهما بقولهم: "حسن"!! الحديث: 3392 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 3 - (الترغيب في الصبر سيّما لمن ابتليَ في نفسه أو ماله، وفضل البلاء والمرض والحمى، وما جاء فيمن فقد بصره). 3394 - (1) [صحيح] عن أبي مالكٍ الأشعري رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الطُّهورُ شَطْرُ الإيمانِ، والحمدُ لله تَمْلأُ الميزانَ، وسُبْحانَ الله والحمدُ لله تمْلآنِ -أو تَمْلأُ- ما بين السماءِ والأرْضِ، والصلاةُ نورٌ، والصدَقةُ بُرْهانٌ، والصبرُ ضِيَاءٌ، والقُرْآنُ حُجَّة لكَ أوْ عليكَ، كلُّ الناسِ يَغْدو، فبائعُ نَفْسَه؛ فمُعْتِقُها أوْ مُوِبقها". رواه مسلم. [مضى 4 - الطهارة/ 7]. 3395 - (2) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ومَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله، وما أُعْطِيَ أحدٌ عَطاءً خيراً وأوْسَعَ مِنَ الصبْرِ". رواه البخاري ومسلم في حديث تقدم في "المسألة" [8 - الصدقات/ 4]. 3396 - (3) [صحيح] ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة مختصراً: "ما رَزقَ الله عبداً خيراً له ولا أوْسَعَ مِنَ الصبْرِ". وقال: "صحيح على شرطهما". 3397 - (4) [صحيح موقوف] وعن علقمة قال: قال عبد الله: الصبْرُ (1) نصْفُ الإيمانِ، واليَقينُ الإيمانُ كُلُّه. رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته رواة "الصحيح"، وهو موقوف، وقد رفعه بعضهم.   (1) هو العمل مقروناً بالإيمان. الحديث: 3394 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 3398 - (5) [صحيح] وعن صهيبٍ الرومي رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عَجباً لأَمْرِ المؤمِنِ، إنَّ أَمْرَهُ كلَّهُ له خَيْرٌ، وليسَ ذلك لأَحدٍ إلاَّ لِلْمؤْمِنِ؛ إنْ أَصابَتْهُ سرَّاءُ شَكَر فكانَ خَيْراً له، وإنْ أصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَر فكانَ خيراً لَهُ". رواه مسلم. 3399 - (6) [صحيح] وعن كعبِ بْنِ مالكٍ قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَثلُ المؤْمِنِ كمثَلِ الخَامة مِنِ الزرْعِ، تُفَيِّئُها (1) الريحُ؛ تَصْرعُها مرَّةً، وتَعْدِلُها أُخْرى، حتى تَهيجَ -وفي رواية: حتى يأْتِيَهُ أجَلُه-، ومثلُ الكافِرِ (2) كمثْلِ الأَرْزَة المُجْذِية (3) على أصْلها، لا يُصِيبُها شَيْءٌ حتى يكونَ انْجِعافُها مَرَّةً واحِدَةً". رواه مسلم. (4) 3400 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَثلُ المؤْمِنِ كمثَلِ الزرْعِ؛ لا تزَالُ الرِياحُ تُفَيِّئهُ، ولا يَزال المؤْمِنُ يُصيبُه بَلاءٌ، ومَثَلُ المنافِقِ كَمَثَلِ شَجرة الأرْزِ؛ لا تَهْتَرُّ حتى تُسْتَحْصَد". رواه مسلم، (5) والترمذي واللفظ له، وقال: "حديث حسن صحيح".   (1) أي: تميلها. (تصرعها) أي: تخفضها، يعني بالبلاء. (تهيج) أي: تيبس. (2) قلت: وفي الرواية المذكورة: (المنافق). انظر "صحيح مسلم" (8/ 136). (3) هي الثابتة المنتصبة المستقرة. و (الأرزة) هي شجرة الصنوبر على الأشهر كما يأتي من المؤلف في الحديث التالي، وبذلك جزم ابن القيم في "إعلام الموقعين". و (انجعافها): انقلاعها. (4) قلت: وأخرجهما البخاري أيضاً، كما في "الصحيحة" (2283). (5) قلت: وأخرجهما البخاري أيضاً، كما في "الصحيحة" (2283). الحديث: 3398 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 (الأَرْزُ) بفتح الهمزة وتُضم (1) وإسكان الراء بعدهما زاي: هي شجرة الصنوبر، وقيل: شجرة الصنوبر الذكر خاصة. وقيل: شجرة العرعر. والأول أشهر. 3401 - (8) [حسن] وعن أم سلمة رضي الله عنها قالتْ: سمِعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما ابْتَلى اللهُ عبداً بِبَلاءٍ وهو على طريقَةٍ يكْرَهُها؛ إلا جَعل الله ذلك البَلاءَ كفَّارةً وطَهوراً ما لَمْ يُنْزِل ما أصابَهُ مِنَ البَلاءِ بِغَيْرِ الله، أوْ يَدْعو غيرَ الله في كَشْفِه". رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب المرض والكفارات". وأم عبد الله ابنة أبي ذئاب لا أعرفها. 3402 - (9) [صحيح] وعن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! أيُّ الناس أشدُّ بَلاءً؟ قال: "الأَنبِياءُ! ثُمَّ الأَمْثَلُ فالأَمْثَلُ، يُبْتَلى الرجلُ على حَسْبِ دينِه، فإنْ كانَ دينُهُ صُلْباً اشْتَدَّ بَلاؤه، وإنْ كان في دينِه رِقَّةٌ ابْتَلاهُ الله على حَسْبِ دينِه، فما يَبْرَحُ البَلاءُ بالعَبْدِ حتى يَمْشِيَ على الأرْضِ وما عليهِ خَطيئَةٌ". رواه ابن ماجه وابن أبي الدنيا، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". ولابن حبان في "صحيحه" من رواية العلاء بن المسيب عن أبيه عن سعد قال: سئِلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ الناسِ أشَدُّ بَلاءً؟ قال: "الأنبياءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فالأَمْثَلُ، يُبْتَلى الناسُ على قَدْرِ دينِهمْ، فَمَنْ ثَخُنَ   (1) قال الناجي (215/ 1): "لم يذكر الأكثرون سوى الفتح". الحديث: 3401 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 دينُه اشْتَدَّ بَلاؤه، ومَنْ ضَعُفَ دينُه ضَعُفَ بَلاؤه، وإنَّ الرجُلَ لَيُصيبُه البَلاءُ حتَّى يَمْشِيَ في الناسِ ما عليه خَطيئَةٌ". 3403 - (10) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه: أنه دخلَ على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو مَوْعوكٌ عليه قَطيفَةٌ، فوضَع يدَه فَوْقَ القَطيفَةِ، فقال: ما أشَدَّ حُمَّاك يا رسول الله! قال: "إنَّا كذلك يُشَدَّدُ علينا البَلاءُ، ويضاعَفُ لنا الأَجْرُ". ثم قال: يا رسولَ الله! مُنْ أشدُّ الناسِ بلاءً؟ قال: "الأَنبِياءُ". قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قال: "العُلَماءُ". قال: ثُمَّ مَنْ؟ قال: "الصالِحونَ، وكان أحدُهم يُبْتَلى بالقَمْلِ حتى يَقْتُلَه، وُيبْتَلى أحدُهم بالفَقْرِ حتى ما يجِدَ إلا العَباءةَ يلبَسُها، ولأَحدُهم كان أشدَّ فَرحاً بالبَلاءِ مِنْ أحَدِكُمْ بالْعَطاءِ". رواه ابن ماجه، وابن أبي الدنيا في "كتاب المرض والكفارات"، والحاكم واللفظ له، وقال: "صحيح على شرط مسلم". وله شواهد كثيرة. 3404 - (11) [حسن] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يوَدُّ أهلُ العافِيَةِ يومَ القِيامَةِ، حِينَ يُعطَى أهْلُ البَلاءِ الثوابَ؛ لوْ أنَّ جُلودَهُمْ كانَتْ قُرِضَتْ بالمقَاريضِ". الحديث: 3403 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 رواه الترمذي وابن أبي الدنيا من رواية عبد الرحمن بن مغراء، وبقية رواته ثقات. وقال الترمذي: "حديث غريب". (1) 3405 - (12) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من يُرِدِ الله به خَيْراً يُصِبْ منه". رواه مالك والبخاري. (يصب منه) أي: يوجه إليه مصيبة ويصيبه ببلاء. 3406 - (13) [صحيح] وعن محمود بن لبيدٍ؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا أحبَّ الله قوْماً ابْتَلاهُم، فَمَنْ صبَر فلَهُ الصَّبْرُ، ومَنْ جَزِعَ فلَهُ الجَزَعُ". رواه أحمد، ورواته ثقات، ومحمود بن لبيد رأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واختلف في سماعه منه. 3407 - (14) [حسن] وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مَع عِظَمِ البَلاء، وإنَّ الله تعالى إذا أحبَّ قوماً ابْتَلاهُمْ، فَمنْ رَضِيَ فلَهُ الرِّضا، ومَنْ سَخِطَ فله السخَطُ". رواه ابن ماجه والترمذي وقال: "حديث حسن غريب". 3408 - (15) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الرجُلَ لَيكونُ له عندَ الله المنزِلَةُ، فما يَبْلُغها بِعَمَلٍ، فما يَزالُ يَبْتَليهِ بما يَكْرَهُ حتّى يُبْلِغَهُ إيَّاها". رواه أبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه" من طريقه، وغيرهما.   (1) في الأصل هنا قوله: ورواه الطبراني في "الكبير" عن ابن مسعود موقوفاً عليه، وفيه رجل لم يسم". وهو ضعيف. الحديث: 3405 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 3409 - (16) [صحيح لغيره] وعن محمد بن خالدٍ عن أبيه عن جده -وكانت له صحبةٌ مِنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -- قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ العبدَ إذا سبَقتْ له مِنَ الله منزلةٌ فلَمْ يَبْلُغْها بعَملٍ؛ ابْتَلاهُ الله في جسَدهِ أوْ مالِه أو في وَلدِه، ثُمَّ صبَر على ذلك حتى يُبلِغَهُ المنْزِلَة التي سَبَقتْ له مِنَ الله عزَّ وجلَّ". رواه أحمد وأبو داود وأبو يعلى، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، ومحمد بن خالد لم يرو عنه غير أبي المُلَيْحِ الرقِّي، ولم يرو عن خالد إلا ابنه محمد. والله أعلم. 3410 - (17) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما يُصِيبُ المؤْمِنَ مِنْ نَصَب ولا وَصَب، ولا هَمّ ولا حَزَنٍ، ولا أَذىً ولا غَمٍّ، حتى الشوْكَةِ يُشاكُها؛ إلا كَفَّر الله بها مِنْ خطَاياهُ". رواه البخاري. [صحيح] ومسلم، ولفظه: "ما يصيبُ المؤْمِنَ مِنْ وَصبٍ ولا نَصَبٍ، ولا سَقَمٍ، ولا حَزَنٍ، حتى الهَمِّ يُهَمُّه؛ إلا كُفِّرَ بهِ مِنْ سيِّئاتِه". 3411 - (18) [صحيح] ورواه ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة وحده. وفي روايةٍ له: "ما مِنْ مؤْمِنٍ يُشاكُ بشَوْكَةٍ في الدنْيا يَحْتِسبُها؛ إلا قُصَّ بِها مِنْ خَطاياهُ يومَ القِيامَةِ". (النَّصَب): التعب. (الوَصَب): المرض. الحديث: 3409 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 3412 - (19) [حسن صحيح] وعن أبي بُردة قال: كنتُ عند معاوَيةَ، وطبيبٌ يعالِجُ قُرْحةً في ظَهْرِه، وهو يَتَضرَّرُ، فقلْتُ له: لوْ بعضُ شبابِنا فعلَ هذا لَعِبْنا ذلك عليهِ! فقال: ما يَسُرُّني أنِّي لا أجِدُه، سمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما مِنْ مُسْلمٍ يُصيبُه أذَىً مِنْ جَسَدِه؛ إلا كانَ كَفَّارةً لِخَطاياهُ". رواه ابن أبي الدنيا. [حسن صحيح] وروى المرفوع منه أحمد بإسناد رواته محتج بهم في "الصحيح"؛ إلا أنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما مِنْ شَيْءٍ يصيبُ المؤْمِنَ في جَسدِهِ يُؤْذيه؛ إلا كَفَّرَ الله بِه عنْهُ مِنْ سيِّئاتِه". ورواه الطبراني، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". 3413 - (20) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالَتْ: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِنْ مُصيبةٍ تصيبُ المسلمَ؛ إلا كَفَّر الله عنه بها، حتّى الشوْكَةِ يُشاكُها". رواه البخاري ومسلم. [صحيح] وفي رواية لمسلم: "لا يصيبُ المؤْمِنَ شوكةٌ فما فَوْقَها؛ إلا قَصَّ (1) الله بها مِنْ خَطيئَتِه". [صحيح] وفي أخرى:   (1) الأصل: (نقص)، والمعنى واحد، وصححت هذا وغيره من "مسلم"، وغفل عنه النقلة الجهلة! الحديث: 3412 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 "إلا رفَعهُ الله بها درجةً، وحَطَّ عنه بِها خَطيئَةً". [صحيح] وفي أخْرى له: قال: دخلَ شَبابٌ مِنْ قرْيشٍ على عائشَةَ وهي بِمِنىً وهُمْ يَضْحَكونَ، فقالَتْ: ما يُضْحِكُكُم؟ قالوا: فلانٌ خَرَّ على طُنُبِ فُسْطاطٍ فكادَتْ عُنُقُه أوْ عَيْنُه أنْ تَذْهَب! فقالَتْ: لا تَضْحَكوا، فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ مسلمٍ يُشاكُ شوكةً فَما فَوْقَها؛ إلا كُتِبَتْ له بها درَجةٌ، ومُحيَتْ عنه بها خَطِيئَةٌ". 3414 - (21) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما يزالُ البَلاءُ بالمؤْمِنِ والمُؤْمِنَةِ في نفْسهِ ووَلَدِه ومَالهِ حتى يَلْقَى الله تعالى وما علَيْهِ خَطيئَةٌ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". 3415 - (22) [حسن صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِنْ شَيْءٍ يصيبُ المؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ ولا حَزَنٍ ولا وَصَبٍ، حتى الهمِّ يُهَمُّه؛ إلا يُكَفِّرُ الله عنه به [من] سيِّئَاتِهِ". رواه ابن أبي الدنيا، والترمذي وقال: "حديث حسن" (1).   (1) قلت: لكنه شاذ بهذا اللفظ، فإنه في "الصحيحين" بلفظ "من سيئاته، وقد تقدم قريباً قبل خمسة أحاديث. نعم له شواهد في الباب تقوِّيه، واعتقادي أن الترمذي إنما حسنه لذلك، لأنه اقتصر على قوله: "حسن"، ولم يقل: "حسن غريب" كما هو اصطلاحه المذكور في آخر كتابه. والله أعلم، ثم زال الشذوذ بالزيادة التي استدركتها من "كفارات ابن أبي الدنيا" (75/ 127) و"شعب البيهقي" (7/ 157 - 158)، وكذا أحمد (3/ 4 و44)، فانظر "الصحيحة" (2503). الحديث: 3414 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 3416 - (23) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "وَصبُ المؤْمِنِ كفَّارَةٌ لِخَطاياهُ". رواه ابن أبي الدنيا، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 3417 - (24) [صحيح] وعن عائشة أيضاً؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا اشْتَكى المؤمِنُ؛ أخْلَصَهُ الله مِنَ الذُّنوبِ كما يُخلِّصُ الكيرُ خَبَثَ الحديدِ". رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني واللفظ له، وابن حبان في "صحيحه". 3418 - (25) [صحيح] وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أُريكَ امْرأَةً مِنْ أهْل الجنَّةِ؟ قلتُ: بلى. قال. هذهِ المرأة السَّوْداءُ، أتَتِ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَتْ: إنِّي أُصرَعُ، وإنِّي أَتَكَشَّفُ، فادْعُ الله لي. قال: "إنْ شِئْتِ صَبرْتِ ولَكِ الجَنَّةُ، وإنْ شئْتِ دعوتُ الله أن يُعافِيَكِ". فقالَتْ: أصْبرُ. فقالَتْ: إنِّي أَتَكَشَّفُ، فادْعُ الله لي أنْ لا أَتَكشَّفَ، فدعَا لها. رواه البخاري ومسلم (1). 3419 - (26) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءَتِ امْرأةٌ بِها لَمَمٌ (2) إلى رَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَتْ: يا رسول الله! ادْعُ الله لي. فقال:   (1) قلت: وكذا أحمد (1/ 346 - 347). (2) (اللمم): طرف من الجنون يَلُمُّ بالإنسان، أي: يقرب منه ويعتريه. "نهاية"، وإن من جهل المعلقين الثلاثة تفسيرهم (اللمم) هنا بقولهم: "مقاربة المعصية، ويعبر به عن الصغيرة"! وهذا باطل هنا بداهة. والله المستعان على فساد الزمان، وتكلم (الرويبضة) فيه! الحديث: 3416 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 "إنْ شِئْتِ دَعَوْتُ الله فشَفاكِ، وإنْ شِئْتِ صَبَرْتِ ولا حسابَ عليْكِ". قالت: بَل أصْبِرُ ولا حسابَ عَليَّ. رواه البزار، وابن حبان في "صحيحه". 3420 - (27) [صحيح لغيره] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا مَرِضَ العبدُ أوْ سافَر؛ كُتِبَ له مثلُ ما كانَ يعْمَلُ مُقيماً صَحيحاً". رواه البخاري وأبو داود. (1) 3421 - (28) [صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ أحَدٍ مِنَ الناسِ يُصابُ بِبَلاءٍ في جَسَده؛ إلا أمَر الله عزَّ وجلَّ الملائكةَ الَّذين يَحْفَظونَهُ؛ قال: اكْتُبوا لِعَبْدي في كلِّ يوْمٍ ولَيْلَةٍ ما كانَ يَعْمَلُ مِنْ خَيْرٍ ما كانَ في وثاقِي". رواه أحمد واللفظ له، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". [صحيح] وفي رواية لأحمد: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ العبدَ إذا كان على طريقةٍ حَسَنةٍ مِنَ العبادَةِ، ثُمَّ مَرِضَ، قيلَ لِلْملَكِ الموكَّلِ بِه: اكْتُبْ مثلَ عمَلِه إذا كان طليقاً حتى أطْلِقَه، أو أكْفِتَة إليَّ". وإسناده حسن. قوله: "أَكْفِتَه إليَّ" بكاف ثم فاء ثم تاء مثناة فوق؛ معناه: أضمّه إليَّ وأقبضه. 3422 - (29) [حسن صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا ابْتَلى الله عزَّ وجلَّ العبدَ المسْلمَ ببلاءٍ في جسَدِه، قال الله عزَّ وجلَّ   (1) قلت: فيه إبراهيم السكسكي، وفيه كلام معروف، فانظر "الإرواء" (2/ 346)، و"الروض النضير" (1015 و1018). الحديث: 3420 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 لِلْملَكَ: اكْتُبْ لَهُ صالِحَ عمَلِه الذي كانَ يَعمَلُ، وإنْ شفاه غَسَله وطَهَّرَهُ، وإنْ قَبضَهُ غَفَر لَهُ ورَحِمَهُ". رواه أحمد، ورواته ثقات. 3423 - (30) [حسن] وعن أبي الأشْعَثِ الصَّنْعانيِّ: أنَّه راحَ إلى مَسْجِد دِمَشْقَ وهَجَّر الرواحَ، فلَقِيَ شدَّادَ بْنَ أوْسٍ والصنابحيّ معَه، فقلتُ: أيْن تُريدانِ يْرحَمُكُما الله تعالى؟ فقالا: نريدُ ههُنا، إلى أخٍ لنا مِنْ مضَرَ نعودُه، فانْطلَقْتُ معهما حتى دخَلا على ذلك الرجل، فقالا له: كيفَ أصْبَحْتَ؟ فقال: أصْبَحْتُ بِنِعْمَةٍ، فقال شدَّادُ: أبْشِرْ بكفَّاراتِ السيِّئَات وحطِّ الخَطايا، فإنِّي سمِعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ الله يقول: [إني] (1) إذا ابْتَلَيْتُ عبداً مِنْ عِبادي مؤْمِناً فَحَمَدني على ما ابْتَلَيْتُه، [فإنَّه يقومُ مِنْ مضْجَعِه ذلك كيَوْمَ ولَدتْهُ أمُّه مِنَ الخَطايا، ويقولُ الربُّ عزَّ وجلَّ [للحفَظَة]: أنا قَيَّدْتُ عبدي [هذا] وابْتَلَيْتُه، (1)، فأجْروا له كما كُنْتُم تُجْرونَ له وهو صحِيحٌ". رواه أحمد من طريق إسماعيل بن عياش عن راشد الصنعاني (2) والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وله شواهد كثيرة.   (1) زيادة من "المسند" (4/ 123) و"المعجم الأوسط" (5/ 357 - 358)، وفيه زيادة (للحفظة) و"المعجم الكبير" (7/ 336/ 7136)، وفيها الزيادة الثانية، وهذا كله مما فات استدراكه على المعلقين الثلاثة، مع أن وضوح انقطاع الكلام في الأصل، مما لا يخفى على كل من عنده ذرة من فهم، مما يكفي أن يحملهم على البحث والاستدراك، لو كانوا يعلمون وينصحون. (2) هو من (صنعاء دمشق)، وليس من (صنعاء اليمن) كما يشعر به كلام المؤلف، وصرح به الهيثمي، واغتر به الجهلة. الحديث: 3423 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 3424 - (31) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال الله تبارك وتعالى: "إذا ابْتَلْيتُ عبدي المؤْمِنَ فلَمْ يَشكُني إلى عُوّادِه؛ أطْلَقْتُه مِنْ إساري، ثُمَّ أَبْدَلْتُه لَحْماً خيراً مِنْ لَحْمِه، ودَماً خيراً مِنْ دمِه، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ العَملَ". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". 3425 - (32) [صحيح لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يَمْرَضُ مؤْمِنٌ ولا مؤْمِنَةٌ ولا مسْلِمٌ ولا مُسْلِمَةٌ إلا حطَّ الله به خطيئَتَهُ". [صحيح] وفي رواية: "إلا حطَّ الله عنه مِنْ خَطاياهُ". [صحيح لغيره] رواه أحمد والبزار وأبو يعلى وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنه قال: "إلا حطَّ الله بذلك خَطاياه، كما تَنْحَطُّ الوَرَقَةُ عَنِ الشجرةِ". 3426 - (33) [صحيح لغيره] وعن أسد بن كرزٍ رضي الله عنه؛ أنه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "المريضُ تَحاتُّ خَطاياه كما يتَحاتُّ ورَقُ الشجرِ". رواه عبد الله بن أحمد في "زوائده"، وابن أبي الدنيا بإسناد حسن. 3427 - (34) [صحيح] وعن أم العلاء -وهي عمة حكيم بن حِزام- (1) وكانَتْ مِنَ المُبَايِعاتِ رضي الله عنها- قالتْ: عادَني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا مريضَةٌ فقال: "أبْشِري يا أمَّ العلاء! فإنَّ مَرضَ المسلمِ يُذْهِبُ الله بِه خطاياهُ كما تُذهِبُ   (1) كذا الأصل بالزاي، والصواب (حرام) بالراء كما حققه الناجي (216/ 2 - 217/ 1). الحديث: 3424 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 النارُ خَبَث الذهبِ (1) والفِضَّةِ". رواه أبو داود. 3428 - (35) [صحيح] وعن أبي هريرة قال: لما نَزلَتْ {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} بَلغَتْ مِنَ المُسْلِمين مَبْلَغاً شَديداً، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قارِبُوا وسَدِّدُوا، ففي كلِّ ما يُصَابُ بِه المُسْلِمُ كَفَّارَة، حتى النَّكبَةِ يُنْكَبُها، أوِ الشوكةِ يُشاكُها". رواه مسلم. 3429 - (36) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رجلاً تلا هذه الآية: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}، فقال: إنَّا لَنُجْزى بكلِّ ما عمِلْنا هَلكْنا إذاً، فَبلغَ ذلك رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَ: "نَعم، يُجْزَى به في الدنيا مِنْ مُصيبَةٍ؛ في جَسدهِ مِمّا يُؤْذِيِه". رواه ابن حبان في "صحيحه". 3430 - (37) [صحيح] وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: يا رسولَ الله! كيفَ الصلاحُ بعدَ هذه الآية: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} الآية؛ وكلُّ شيْءٍ عمِلْناهُ جُزِينَا به؟ فقال:   (1) الأصل: (الحديد)، والتصويب من "أبي داود" (3092)، وإنما جاءت في بعض الروايات عند الطبراني وغيره، ولعلها أصح. وقد سقطت فيما يأتي بعد عشرة أحاديث، وليس فيه هناك قوله هنا: "وهي عمة حكيم بن حزام"، ولا هو في "أبي داود"، فهو من المؤلف، وكذلك فعل في "مختصر السنن" (4/ 274)، وقال: "حسن". وهو مخرج في "الصحيحة" (714). الحديث: 3428 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 "غَفر الله لك يا أبا بكْرٍ! ألَسْتَ تَمْرَضُ؟ ألسْتَ تَحْزَنُ؟ ألَسْتَ يُصيبُكَ اللأْواءُ؟ ". قال: قلتُ: بلى. قال: "هو ما تُجْزَوْنَ به". رواه ابن حبان في "صحيحه" أيضاً (1). (اللأْواء) بهمزة ساكنة بعد اللام وهمزة في آخره ممدودة: هي شدة الضيق. 3431 - (38) [حسن لغيره] وعن عطاء بن يسارٍ؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا مَرِضَ العبدُ بعثَ الله إليه مَلَكيْنِ فقال: انْظُروا ما يقولُ لِعُوَّادِه؟ فإنْ هُوَ إذا جَاؤوهُ حَمِدَ الله وأثْنى عليه، رَفعا ذلك إلى الله، وهو أعْلَمُ، فيقولُ: لِعَبْدي عَليَّ إنْ تَوَفَّيْتُه [أن] أُدْخلَهُ الجنَّةَ، وإنْ أنا شَفَيْتُه أنْ أُبدِلَه لحْماً خيراً مِنْ لَحْمِه، ودَماً خيراً مِنْ دَمِه، وأنْ أُكَفِّر عنْهُ سيِّئَاتِه". رواه مالك مرسلاً، وابن أبي الدنيا، وعنده: "فيقولُ الله عزَّ وجلَّ: إنَّ لِعَبْدي هذا عليَّ إنْ أنا تَوفَّيْتُه أدْخلْتُه الجنَّةَ، وإنْ أنا رَفَعْتُه أنْ أُبْدِلَه لَحْماً خيراً مِنْ لَحْمِه، ودَماً خيراً مِنْ دَمهِ، وأغْفِرَ لَه " (2). 3432 - (39) [صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: دخلتُ على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[وهو يوعك]، فمسَسْتُه [بيدي]، فقلتُ: يا رسولَ الله! إنَّك تُوعَكُ وَعْكاً شديداً، فقال: "أجل؛ إنِّي أوعَكُ كما يوعَكُ رجُلانِ منكمْ".   (1) قلت: فاته أحمد والترمذي، وأخرجه الضياء في "المختارة" (رقم 64 و65 - بتحقيقي). (2) يشهد له أحاديث الباب، وبخاصة حديث أبي هريرة المتقدم قبل ستة أحاديث. الحديث: 3431 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 قلتُ: ذلك بأنَّ لك أجْرَيْن؟ قال: "أجلْ؛ ما مِنْ مسلمٍ يُصيبُه أذىً مِنْ مَرضٍ فما سِواهُ؛ إلا حطَّ الله به سيِّئاتِه كما تَحُطُّ الشجرةُ ورَقَها". رواه البخاري ومسلم (1). 3433 - (40) [حسن صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه: أنَّ رجلاً مِنَ المسْلمين قال: يا رسولَ الله! أرأيْتَ هذه الأعْراضَ التي تصيبُنا، ما لَنا بها؟ قال: "كفَّاراتٌ". قال أُبَيٌّ (2): يا رسولَ الله: وإنْ قلَّت؟ قال: "وإنْ شَوْكةً فما فَوْقَها". فدعا على نَفْسِه أنْ لا يفارِقَهُ الوَعْكُ حتى يَمُوتَ، وأنْ لا يُشْغِلَهُ عَنْ حَجّ ولا عُمْرةٍ، ولا جهادٍ في سبيل الله، ولا صَلاةٍ مكْتوبَةٍ في جَماعَةٍ. قال: فما مَسَّ إنْسانٌ جَسَده إلا وجَد حَرَّها حتَّى ماتَ. رواه أحمد وابن أبي الدنيا وأبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه" (3). (الوَعْك): الحمى. 3434 - (41) [حسن] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "صُداعُ المؤْمن، أو شوكة يُشاكُها، أو شَيءٌ يُؤْذيه؛ يَرْفَعُه الله بها يومَ   (1) قلت: واللفظ له، والزيادات منه وتصحيح بعض الأخطاء. (2) يعني أُبيّ بن كعب كما صرحت رواية ابن أبي الدنيا في "الكفارات" (ق 66/ 2). (3) قلت: وثبت إسناده الحافظ في ترجمة (أُبيّ) من "الإصابة"، وحسن إسناد شاهده الآتي بعد عشرة أحاديث. انظر طبعة البجاوي منه. الحديث: 3433 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 القِيامةِ درجةً، وُيكَفِّر عنه بِها ذُنوبَهُ". رواه ابن أبي الدنيا، ورواته ثقات. 3435 - (42) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ الله لَيَبْتَلي عبْدَه بالسِّقَمِ حتى يُكَفِّرَ ذلك عنه كلُّ ذَنْبٍ". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". 3436 - (43) [صحيح] وعن أبي أُمامة الباهِليِّ رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ عبد يُصْرَعُ صَرْعَةً مِنْ مَرضٍ؛ إلا بعَثَهُ الله مِنْها طاهِراً". رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات. 3437 - (44) [صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخلَ على أمِّ السائِب -أو أمِّ المسيِّب- فقال: "ما لَكِ تُزَفْزِفينَ؟ ". قالَت: الحُمَّى؛ لا باركَ الله فيها، فقال: "لا تَسُبِّي الحُمَّى؛ فإنَّها تُذْهِبُ خَطايا بني آدَم؛ كما يُذْهِبُ الكيرُ خَبَث الحَديدِ". رواه مسلم. (تزفزفين) روي براءين وبزاءين، ومعناهما متقارب، وهو الرعدة التي تحصل للمحموم. 3438 - (45) [صحيح] وعن أمِّ العلاء رضي الله عنه قالتْ: عادَني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا مريضَةٌ، فقال: "أبْشِري يا أمَّ العَلاءِ! فإنَّ مَرضَ المسْلِم يُذهِبُ الله بِه خَطاياه؛ كما الحديث: 3435 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 تُذْهِبُ النارُ خَبَث [الذّهَبِ و] الفِضَّةِ". (1) رواه أبو داود. [مضى قبل عشرة أحاديث]. 3439 - (46) [حسن صحيح] وعن عبد الرحمن بن أبي بكرٍ رضي الله عنهما؛ أن رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّما مثَلُ العَبْدِ المؤْمِنِ حين يُصيبُه الوَعْكُ والحُمّى؛ كحديدَةٍ تدْخُلُ النارَ، فَيذْهَبُ خَبثُها ويَبْقَى طِيبُها". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 3440 - (47) [صحيح لغيره] وعن فاطمة الخزاعية (2) قالتْ: عادَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرأَةً مِنَ الأنْصارِ وهي وَجِعَةٌ، فقال لها: "كيفَ تَجِدينَكِ؟ ". قالتْ: بخَيْرٍ، إلا أنَّ أُمَّ مِلْدَمٍ قد بَرَّحَتْ بي (3). فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اصْبِري؛ فإنَّها تُذْهِبُ خَبَثَ ابْنِ آدَم؛ كما يُذْهِبُ الكيرُ خَبثَ الحَديدِ". رواه الطبراني، ورواته رواة "الصحيح". 3441 - (48) [حسن] وعنه [يعني الحسن البصري] قال: "كانوا يَرْجونَ في حُمَّى ليلَةٍ كفَّارةً لِما مَضى مِنَ الذُّنوبِ". رواه ابن أبي الدنيا أيضاً، ورواته ثقات.   (1) هذا لفظ أبي داود، ولفظ الطبراني في "الكبير" (25/ 141/ 340): "خبث الحديد". ولعله أصح. (2) قلت: فاطمة هذه ليست صحابية، ولا هي من رواة "الصحيح"، فقول المؤلف والهيثمي: "ورواته رواة الصحيح" يوهم أنها صحابية فتنبه، ولا تكن من الغافلين! كما فعل الثلاثة، فإنهم سكتوا عن قول المذكورين، بل وقالوا: حسن! (3) أي: الحمى أصابني منها (البُرحاء): وهو شدتها. الحديث: 3439 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 3442 - (49) [صحيح] وعن جابرٍ رضيَ الله عنه قال: اسْتَأْذَنَتِ الحُمَّى على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "مَنْ هذه؟ ". قالَتْ: أَمُّ مِلْدَمٍ، فأَمر بِها إلى أَهْلِ قُبا، فَلَقُوا منها ما يَعْلَمُ الله، فأتَوْهُ فشَكَوْا ذلك إلَيْهِ، فقال: "ما شِئْتُمْ؛ إنْ شِئْتُم دَعَوْتُ الله فكشَفَها عنْكُم، وإنْ شِئْتُم أنْ تكونَ لَكُمْ طَهوراً". قالوا: أوَ تَفْعَلُه؟ قال: "نَعَمْ". قالوا: فدَعْها. رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح"، وأبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه". 3443 - (50) [صحيح] ورواه الطبراني بنحوه من حديث سلمان، وقال فيه: فشَكُو الحُمَّى إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ما شِئْتُم، إنْ شِئْتُم دَعْوتُ الله فَدفَعها عنْكُمْ، وإنْ شِئْتُم تركْتُموها وأسْقِطَتْ بَقيَّة ذنوبكُمْ". قالوا: فدَعْها يا رسولَ الله! 3444 - (51) [حسن لغيره] وعن محمد بن معاذ بن أُبيّ بن كعبٍ عن أبيه عن جده أنه قال: يا رسول الله! ما جَزاءُ الحُمّى؟ قال: "يُجْزِي الحَسنَاتِ على صاحِبها ما اخْتَلجَ عليه قدَمٌ، أو ضَرَب عليه عِرْقٌ". قال أبيٌّ: اللهُمَّ إنّي أسْأَلُك حُمّىً لا تَمْنَعُني خُروجاً في سبيلِكَ، ولا الحديث: 3442 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 خُروجاً إلى بَيْتِكَ، ولا مَسْجدِ نبِيِّك. قال: فلَمْ يُمَسَّ أُبيٌّ قَطُّ إلا وِبه حُمَّى. رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وسنده لا بأس به، محمد وأبوه ذكرهما ابن حبان في "الثقات". وتقدم حديث أبي سعيدٍ بقصة أُبَيّ أيضاً [قبل عشرة أحاديث]. 3445 - (52) [صحيح لغيره] وعن أبي رَيْحانَة رضيَ الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الحُمّى مِنْ فَيْحِ جَهنَّمَ، وهيَ نَصيبُ المؤْمِنِ مِنَ النارِ". رواه ابن أبي الدنيا والطبراني؛ كلاهما من رواية شهر بن حوشب عنه. 3446 - (53) [صحيح لغيره] وعن أبي أمامَةَ رضيَ الله عنه عَنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الحمَّى كِيرٌ مِنْ جهَنَّم، فما أصابَ المؤْمِنَ منها؛ كان حظُّه مِنْ جَهنَّمَ". رواه أحمد بإسناد لا بأس به. 3447 - (54) [صحيح لغيره] وعن عائشة رضيَ الله عنها؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الحُمَّى حَظُّ كلِّ مؤْمِنٍ مِنَ النَارِ". رواه البزار بإسناد حسن. فصل 3448 - (55) [صحيح] عن أنسٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ قال: إذا ابْتَليْتُ عبدي بحَبيبَتَيْهِ فصَبر؛ عَوَّضْتُه مِنْهُما الجنَّةَ. يريدُ عَيْنَيْهِ". رواه البخاري، والترمذي ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقولُ الله عزَّ وجلَّ: إذا أخَذْتُ كريمَتَيْ عَبْدي في الدنْيا؛ لَمْ يَكُنْ له الحديث: 3445 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 جَزاءٌ عندي إلا الجَنَّةَ". 3449 - (56) [صحيح لغيره] وفي روايةٍ له (1): "مَنْ أذْهَبْتُ حَبِيبَتَيْه فصَبر واحْتَسب؛ لَمْ أرْضَ له ثَواباً دونَ الجنَّةِ". 3450 - (57) [حسن لغيره] وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يعني عن ربِّه تبارك وتعال؛ أنَّه قال: "إذا سلَبْتُ مِنْ عبدي كريمَتَيْهِ، وهو بهما ضَنِينٌ، لَمْ أرْضَ له ثواباً دونَ الجنَّة إذا هو حَمِدَني علَيْهِما". رواه ابن حبان في "صحيحه". 3451 - (58) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يَذْهَبُ الله بحَبِيبتَيْ عبدٍ فيَصْبِرُ ويحْتَسِبُ؛ إلا أدْخَلَهُ الله الجنَّةَ". رواه ابن حبان في "صحيحه". 3452 - (59) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقول الله: إذا أخذتُ كريمتَيْ عبدي فصبَر واحْتَسب؛ لَمْ أرْضَ له ثواباً دونَ الجنَّةِ". رواه أبو يعلى، ومن طريقه ابن حبان في "صحيحه".   (1) يعني الترمذي عن أنس، وهذا من أوهامه رحمه الله، فإن هذه الرواية إنما هي عنده (رقم - 2403) من حديث أبي هريرة، وصححه، أورده عقب حديث أنس الذي قبلها وحسنه؛ لأن طريقه غير طريق رواية البخاري، لكن له شاهد حسن عن أبي أمامة، وآخر عن ابن عباس يأتي بعد حديث، ونحوه حديث العرباض الذي عقبه. الحديث: 3449 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 4 - (الترغيب في كلمات يقولهن من آلمه شيء من جسده). 3453 - (1) [صحيح] عن عثمان بن أبي العاصي رضي الله عنه: أنَّه شكا إلى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجعاً يجِدُه في جَسدِه منذ أسْلَم، فقال له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ضَعْ يدكَ على الذي تألم مِنْ جَسدِك وقل: (بِسْمِ الله) ثلاثاً، وقُلْ سبع مراتٍ: (أعوذُ بالله وقدْرَتِه مِنْ شرِّ ما أجِدُ وأحاذِرُ) ". رواه مالك والبخاري (1) ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. وعند مالك: "أعوذُ بِعزَّةِ الله وقُدْرَتِه مِنْ شرِّ ما أجِدُ". قال: فَفَعلْتُ ذلك فأَذْهَبَ الله ما كان بي، فلَمْ أزَلْ آمُر بها أهْلي وغيرهم. وعند الترمذي وأبي داود مثل ذلك، وقالا في أول حديثهما: أتاني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبي وجَعٌ قد كاد يُهْلِكُني، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "امْسَحْ بِيَمينِك سَبْعَ مرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْ: (بعزَّةِ الله وقُدْرَتِه) " الحديث. 3454 - (2) [حسن لغيره] وعن محمد بن سالمٍ قال: قال لي ثابت البُنَاني: يا محمد! إذا اشْتَكَيْتَ فضَعْ يَدك حيثُ تَشْتَكي، ثُمَّ قُلْ: (بِسْمِ الله، أعوذُ بِعزَّةِ الله وقُدرَتِه، مِنْ شرِّ ما أجِدُ مِنْ وجَعي هذا)؛ ثُمَّ ارْفَعْ يَدك، ثُمَّ أَعِدْ ذلك وِتْراً؛ فإنَّ أنسَ بْنَ مالكٍ حدَّثني: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حدَّثَه بذلك. رواه الترمذي.   (1) ذِكْر البخاري هنا لعله سبق قلم من المؤلف أو الناسخ فإنه لم يروه البتة، ولذلك لم يعزه إليه المصنفَ نفسه في "مختصر السنن"، كما نبه عليه الناجي رحمه الله. الحديث: 3453 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 5 - (الترهيب من تعليق التمائم والحروز). 3455 - (1) [صحيح] وعن عقبة [يعني ابن عامر] أيضاً: أنَّه جاءَ في ركْبِ عَشْرَةٍ إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبايع تِسْعَةً، وأمسكَ عَنْ رجلٍ منهم، فقالوا: ما شَأْنُه؟ فقال: "إنَّ في عَضُدِه تَميمَةً"، فقطَّعَ الرجُلُ التَّميمَةَ، فبايَعهُ، رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قال: "مَنْ عَلَّقَ فقد أَشْرَكَ". رواه أحمد، والحاكم واللفظ له، ورواة أحمد ثقات. (التميمة) يقال: إنها خرزة كانوا يعلقونها، يرون أنها تدفع عنهم الآفات، واعتقاد هذا الرأي جهل وضلالة، إذ لا مانع إلا الله، ولا دافع غيره. ذكره الخطابي. 3456 - (2) [حسن لغيره] وعن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى (1) قال: دخلتُ على عبد الله بن عُكَيْمٍ [أبي معبد الجهني نعوده] وبه حُمْرةٌ (2)، فقلتُ: ألا تُعَلِّقُ شيئاً؟ (3). فقال: الموت أقرب مِنْ ذلك، قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ تعَلَّقَ شيئاً وُكِلَ إلَيْهِ".   (1) الأصل ومطبوعة الثلاثة: (عيسى بن حمزة)، والتصويب من الترمذي وكتب الرجال، وعزوه لأبي داود وهم كما بينته في "غاية المرام في تخريج الحلال والحرام" (297)، وذكرت له فيه شاهداً من حديث الحسن البصري، وقد وصله بعض الضعفاء عن أبي هريرة مرفوعاً بأتم منه، وقد مضى في الكتاب الآخر (23 - الأدب/ 32). (2) هي داء من جنس الطواعين يعتري الناس، فيحمر موضعه ويرم. (3) الأصل: (تميمة)، وهو خطأ صححته من الترمذي، والطبراني (22/ 385 / 960)، وفي الأصل أيضاً: (نعوذ بالله من ذلك)، ولم أره، والمثبت من الترمذي. الحديث: 3455 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 رواه أبو داود، والترمذي؛ إلا أنَّه قال: فقلْنا: ألا تُعلِّقُ شَيْئاً؟ فقال: الموتُ أقْربُ مِنْ ذلك. وقال الترمذي: "لا نعرفه إلا من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى". قال أبو سليمان الخطابي: "والمنهي عنه من الرقى ما كان بغير لسان العرب، فلا يدرى ما هو؟ ولعله قد يدخله سحر أو كفر، فأما إذا كان مفهومَ المعنى، وكان فيه ذكر الله تعالى، فإنه مستحب متبّرك به. والله أعلم". 3457 - (3) [صحيح] وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنَّه دخَل على امْرأَتِه وفي عُنقِها شيءٌ مَعْقودٌ، فجذَبَهُ فقَطَّعه، ثم قال: لقد أصْبَح آلُ عبدِ الله أَغْنياء أنْ يُشرِكوا بالله ما لَمْ يُنزِّل بِهِ سُلْطاناً، ثم قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّ الرُّقى والتَّمائِمَ والتِّولَةَ شِرْكٌ". قالوا: يا أبا عبدِ الرحمن! هذه الرُّقَى والتمائم قد عَرْفناهُما؛ فما (التِّوَلَة)؟ قال: شيءٌ تَصْنَعُه النِساءُ يتَحبَّبْن إلى أزْواجِهِنَّ. رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم باختصار عنه وقال: "صحيح الإسناد". (1)   (1) قلت: قد حققت صحته في "الصحيحة" (2972)، كما حققت ضعف رواية أخرى مطولة هي في الأصل قبل هذه، فكانت من حصة "ضعيف الترغيب"، وأما الثلاثة الجهلة، فسووا بين الروايتين، فقالوا في كل منهما: "حسن بشواهده"! رغم أن هذه صححها ابن حبان والحاكم، والذهبي أيضاً، كما أن الرواية الأخرى أعلها المؤلف بالجهالة، فحسنوها خبط عشواء (خبط لزق) كما يقولون في سوريا! الحديث: 3457 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 (التِّوَلَةُ) بكسر المثناة فوق وبفتح الواو: شيء شبيه بالسحر أو من أنواعه، تفعله المرأة ليحبّبها إلى زوجها. 3458 - (4) [صحيح موقوف] وعن عائشةَ رضي الله عنها قالَتْ: ليسَ التميمَةُ ما يُعلَّقُ به بعدَ البَلاءِ، إنَّما التميمَةُ ما يُعَلَّقُ به قَبْلَ البَلاءِ. رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". الحديث: 3458 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 6 - (الترغيب في الحجامة، ومتى يحتجم). 3459 - (1) [صحيح] عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنْ كانَ في شيء مِنْ أدْوِيَتِكُم خيرٌ؛ ففي شَرْطَةِ مِحْجَم (1)، أوْ شَرْبةٍ مِنْ عَسلٍ، أو لَذعَةٍ (2) بنارٍ، وما أُحِبُّ أنْ أَكتَوِيَ". رواه البخاري ومسلم. 3460 - (2) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنْ كانَ في شيْءٍ مما تداوَيْتُم به خيرٌ فالحجَامةُ". رواه أبو داود وابن ماجه. 3461 - (3) [حسن] وعن سَلْمى خادِمِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَتْ: ما كانَ أحَدٌ يَشْتَكي إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجَعاً في رأسِه إلا قال: "احْتَجِمْ". ولا وَجعاً في رِجْلَيْه إلا قال: "اخضُبْهُما". رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال:   (1) في "النهاية": "بالكسر؛ الآلة التي يجتمع فيها دم الحجامة عند المصّ. و (المحجم) أيضاً مشرط الحجام". قلت: ومن الظاهر أن الثاني هو المراد هنا. (2) بالذال المعجمة والعين المهملة، وقع في طبعة عمارة: (لدغة) بالمهملة ثم المعجمة! واللدغ إنما هو للحية، لا للنار. الحديث: 3459 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 "حديث غريب، إنما نعرفه من حديث فائد". (قال الحافظ): "إسناده غريب". (1) (فائد) هو مولى عبيد الله بن علي بن أبي رافع، يأتي الكلام عليه وعلى شيخه عبد الله بن علي. [يعني في آخر كتابه]. 3462 - (4) [صحيح لغيره] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: حَدَّثَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ليلة أُسْرِيَ به أنَّه: "لَمْ يَمُرَّ على مَلأٍ مِنَ الملائكَةِ إلا أَمروه: أنْ مُرْ أُمَّتكَ بالْحِجَامَةِ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". (قال الحافظ): "عبد الرحمن لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود، وقيل: سمع". 3463 - (5) [صحيح لغيره] وقال [يعني ابن عباس]: إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيثُ عُرِجَ به ما مَرَّ على مَلأ مِنَ الملائِكَةِ إلا قالوا: علَيْكَ بالحِجامَةِ. وقال: "إنَّ خَيْرَ ما تَحْتَجِمون فيه يَوْمَ سَبْعَ عَشْرَة، ويومَ تِسْعَ عَشْرَة، ويومَ إحْدى وعِشْرينَ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عباد بن منصور. يعني الناجيَّ". وروى ابن ماجه منه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي بمَلأٍ مِنَ المَلائِكَةِ إلا كُلُّهم يقولُ لي: عليْكَ يا مُحَمَّد بِالْحِجَامَةِ".   (1) قلت: بل هو حسن، وبيانه في "الصحيحة" (2059). الحديث: 3462 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 ورواه الحاكم بتمامه مفرقاً في ثلاثة أحاديث، وقال في كل منها: "صحيح الإسناد". 3464 - (6) [حسن] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْتَجِمُ في الأخْدَعَيْنِ والكاهِلِ، وكان يَحْتَجِمُ لِسَبْعَ عَشْرةَ وتِسْعَ عَشْرةَ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". وأبو داود، ولفظه: "أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجم ثَلاثاً في الأخْدَعيْنِ والكاهِل". قال معمر: احْتَجْمتُ، فذهَب عَقلي حتى كنْتُ أُلقِّنُ فاتِحةَ الكتابِ في صَلاتي. وكانَ احْتَجمَ على هامَتِه. (الهامة): الرأس. و (الأخدع) بخاء معجمة ودال وعين مهملتين؛ قال أهل اللغة: "هو عرق في سالفة العنق (1) ". و (الكاهل): ما بين الكتفين. 3465 - (7) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنِ احْتَجم لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنَ الشهْرِ كان لَه شفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". ورواه أبو داود أطول منه قال: "مَنِ احْتَجم لِسبعَ عَشْرةَ وتِسْعَ عَشْرةَ وإحدى وعِشرينَ كان شِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ".   (1) (السالفة): جانب العنق، وهما سالفتان، وهما عرقان باطنان غير ظاهرين. الحديث: 3464 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 3466 - (8) [حسن لغيره] وعن نافع؛ أن ابن عمر رضي الله عنهما قال له: يا نافعُ! تَبَيَّغَ بيَ الدمُ فالْتَمِسْ لي حجَّاماً، واجْعَلْهُ رَفيقاً إنِ اسْتَطعْتَ، ولا تَجْعَلْة شَيْخاً كبيراً، ولا صبِيّاً صغيراً، فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الحِجامَةٌ على الريِّقِ أمْثَل، وفيها شفاءٌ وبَركَةٌ، وتَزيدُ في العَقْل وفي الحِفْظِ، واحْتَجِموا على بَركةِ الله يومَ الخميسِ، واجْتَنِبوا الحِجَامة يومَ الأرِبْعاءِ والجُمُعَةِ والسبْتِ والأحَدِ تحرِّياً، واحْتَجِموا يومَ الاثْنَيْنِ والثُّلاثَاءِ؛ فإنَّه اليومُ الذي عافى الله فيه أيّوبَ، وضربَه بالبَلاءِ يومَ الأربعاءِ، فإنَّه لا يَبْدو جُذَامٌ ولا بَرَصٌ إلا يومَ الأربعاءِ، وليلةَ الأرِبْعاءِ". رواه ابن ماجه عن سعيد بن ميمون -ولا يحضرني فيه جرح ولا تعديل- عن نافع. وعن الحسن بن أبي جعفر عن محمد بن جحادة عن نافع. ويأتي الكلام على الحسن ومحمد. ورواه الحاكم عن عبد الله بن صالح: حدثنا عطاف بن خالد عن نافع. (قال الحافظ): "عبد الله بن صالح هذا كاتب الليث، أخرج له البخاري في "صحيحه"، واختلف فيه، وفي عطاف، ويأتي الكلام عليهما". [يعني في آخر كتابه]. (تبيّغ به الدم): إذا غلبه حتى يقهره. وقيل: إذا تردد فيه مرة إلى هنا، ومرة إلى هنا فلم يجد مخرجاً، وهو بمثناة فوق مفتوحة ثم موحدة ثم مثناة تحت مشدّدة ثم غين معجمة. الحديث: 3466 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 7 - (الترغيب في عيادة المرضى وتأكيدها، والترغيب في دعاء المريض). 3467 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "حقُّ المسْلمِ على المسلمِ خمْسٌ: ردُّ السلامِ، وعيادَةُ المريضِ، واتِّباعُ الجَنائز، وإجابَةُ الدعْوةِ، وتشْميتُ العاطِسِ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه. [صحيح] وفي رواية لمسلم: "حقُّ المسلم على المسْلم سِتٌّ". قيلَ: وما هُنَّ يا رسولَ الله؟ قال: "إذا لَقِيتَهُ فسلمْ عليه، وإذا دَعاك فأجبْهُ، وإذا اسْتَنْصَحكَ فانصَحْ له، وإذا عَطسَ فحمِدَ الله فشمِّتْهُ (1)، وإذا مرِضَ فعُدْهُ، وإذا ماتَ فاتَّبِعْهُ". ورواه الترمذي والنسائي بنحو هذا. [مضى 23 - الأدب/ 5]. 3468 - (2) [صحيح] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ يقولُ يومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَم! مرِضْتُ فلَمْ تَعُدْني (2). قال: يا ربِّ! كيفَ أعودُك وأنْتَ ربُّ العالمَينَ؟ قال: أما علِمْتَ أنَّ عبْدي فلاناً مرِضَ فلَمْ تَعُدْه؟ أما عَلِمْتَ أنَّك لوْ عُدْتَهُ لوجَدْتَني عنده؟ يا ابْنَ آدَم! اسْتَطْعَمْتُكَ فلم تُطْعِمني. قال: يا ربِّ! وكيفَ أُطْعِمُكَ   (1) وفي رواية للبخاري: "فحق على كل مسلم سمعه أن يشمِّتهُ". انظر "فتح الباري" (10/ 550). وهذا نص في أن التشميت ليس من فروض الكفاية، بل هو فرض عين على كل من سمع حَمْدَه. (2) أضاف المرض إليه، والمراد العبد تشريفاً له وتقريباً. كما تقدم هناك. الحديث: 3467 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 وأنتَ ربُّ العالَمينَ؟ قال: أما عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعمَك عَبدي فلانٌ فَلمْ تُطْعِمْهُ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو أَطْعَمْتَهُ لوَجْدتَ ذلك عِنْدي؟ يا ابْنَ آدَم! اسْتَسْقَيتُكَ فلَمْ تَسْقِني. قال: يا ربِّ! وكيفَ أَسْقيكَ وأنْتَ ربُّ العَالمين؟ قال: اسْتَسْقاكَ عَبْدي فلانٌ فلَمْ تَسْقِه، أما إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذلك عندي". رواه مسلم. [مضى 8 - الصدقات/ 17]. 3469 - (3) [حسن صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عودوا المريضَ، واتَّبِعوا الجنائِزَ تُذَكِّركُمُ الآخِرَةَ". رواه أحمد والبزار وابن حبان في "صحيحه". 3470 - (4) [صحيح] وعنه؛ أنَّه سمِعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "خَمْسٌ مَنْ عمِلَهُنَّ في يومٍ كتبَهُ الله مِنْ أهلِ الجنَّةِ: مَنْ عادَ مريضاً، وشهِدَ جنازةً، وصامَ يوماً، وراحَ إلى الجُمعَةِ، وأعْتَق رقَبةً". رواه ابن حبان في "صحيحه". [مضى 7 - الجمعة/ 1]. 3471 - (5) [صحيح] وعن معاذ بْنِ جبلٍ رضيَ الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خمْسٌ مَنْ فَعل واحدةً مِنْهُنَّ كان ضامِناً على الله عزَّ وجلَّ: مَنْ عادَ مريضاً، أو خَرج معَ جَنازَةٍ، أوْ خَرج غازِياً، أوْ دخَل على إِمامٍ يريدُ تَعْزيرَه وتوْقيرَه، أو قعَد في بَيْتِه فسَلِمَ الناسُ مِنْهُ وسَلِمَ مِنَ الناسِ". رواه أحمد والطبراني -واللفظ له-، وأبو يعلى وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحيهما". [مضى ج 2/ 12 - الجهاد/ 6]. الحديث: 3469 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 3472 - (6) [صحيح] وروى أبو داود نحوه من حديث أبي أمامة. وتقدم في "الأذكار". [ج 2/ 14/ 14]. 3473 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أصْبَح منكمُ اليومَ صائماً؟ ". فقال أبو بكْرٍ: أنا. فقال: "مَنْ أطْعَم منكمُ اليومَ مسكيناً؟ ". فقال أبو بكْرٍ: أنا. فقال: "مَنْ تَبعَ منكمُ اليومَ جَنازَةً؟ ". قال أبو بكْرٍ: أنا. قال: "مَنْ عادَ منكم اليومَ مَريضاً؟ ". قال أبو بكْرٍ: أنا. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما اجْتَمعتْ هذه الخِصالُ قَطُّ في رجلٍ [في يوم] (1) إلا دخَل الجَنَّةَ". رواه ابن خزيمة في "صحيحه". [مضى 8 - الصدقات/ 17] (2). 3474 - (8) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ عاد مريضاً؛ ناداه منادٍ منَ السماءِ: طِبْتَ وطابَ مَمْشاكَ، وتَبوَّأْتَ مِنَ الجنَّةِ مَنْزِلاً". رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه واللفظ له، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلهم من   (1) زيادة من "الأدب المفرد" للبخاري ومعناها في "صحيح مسلم". (2) قلت: وقد علقت هناك أنه رواه مسلم أيضاً، وأنه نبه عليه الناجي، وقد تعقبه هنا أيضاً (217/ 2) متعجباً من اقتصاره على ابن خزيمة وهو في مسلم، وقال: "ووقع له مثله في "إطعام الطعام"، ونبهت عليه هناك. وكذا ذكره في "تشييع الميت"، ولم يتنبه". يعني فيما يأتي (13 - باب). الحديث: 3472 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 طريق أبي سنان -وهو عيسى بن سنان القَسْملي- عن عثمان بن أبي سودة عنه. [حسن لغيره] ولفظ ابن حبان عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا عادَ الرجلُ أخاه أو زارَه قالَ الله تعالى: طِبْتَ وطابَ مَمْشَاكَ، وتبوَّأْتَ مَنْزِلاً في الجنَّةِ". 3475 - (9) [صحيح] وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ المْسلِمَ إذا عادَ أخاه المسْلِمَ لَمْ يَزلْ في خُرْفَةِ الجنَّةِ حتى يرجعَ". قيلَ: يا رسولَ الله! وما خرْفَة الجَنَّةِ؟ قال: "جَناها". رواه أحمد، ومسلم -واللفظ له-، والترمذي. (خُرْفَةُ الجَنَّةِ) بضم الخاء المعجمة وبعدها راء ساكنة: هو ما يُخْتَرف من نخلها؛ أي يُجتنَى. 3476 - (10) [صحيح] وعن عليّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما مِنْ مسلم يعودُ مسلِماً غَدوةً؛ إلا صلّى (1) عليه سَبْعون ألفَ ملَكٍ حتى يُمْسِيَ، وإنْ عادَ عَشِيَّةً؛ إلا صَلّى عليهِ سَبْعون ألْفَ ملَكٍ حتى يُصْبِحَ، وكانَ له خَريفٌ (2) في الجَنَّةِ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب، وقد رُوي عن علي موقوفاً" انتهى. ورواه أبو داود موقوفاً على عليّ، ثم قال: "وأُسنِدَ هذا عن علي مِنْ غير وجه صحيح عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".   (1) أي: دعا وبَرَّك. (2) أي: مخروف من ثمرها، فعيل بمعنى مفعول. الحديث: 3475 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 ثم رواه مسنداً بمعناه. [صحيح موقوف] ولفظ الموقوف: ما مِنْ رجلٍ يعودُ مريضاً مُمْسياً إلا خرَج معه سَبْعون ألفَ ملَكٍ يَسْتَغفِرونَ له حتى يُصْبِحَ، وكان له خريفٌ في الجنَّةِ، ومَنْ أتاه مُصْبِحاً خَرج معه سَبْعُون ألفَ مَلَكٍ يسْتَغْفِرونَ لَه حتى يُمْسِيَ، وكانَ له خريفٌ في الجَنَّةِ. [صحيح] ورواه بنحو هذا أحمد وابن ماجه مرفوعاً، وزادا في أوله: "إذا عادَ المسْلِمُ أخاه مَشى في خرافَةِ الجَنَّةِ حتى يجلِسَ، فإذا جلَس غَمرتْهُ الرحْمَةُ" الحديث. وليس عندهما " وكان له خريف في الجنة". [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" مرفوعاً أيضاً، ولفظه: "ما مِنْ [امرئ] مسْلِمٍ يعوُد مسْلِماً؛ إلا ابتَعَثَ الله إليه سَبْعين ألفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عليه، في أيِّ ساعاتِ النَّهارِ حتى يُمْسِيَ، وفي أيِّ ساعاتِ اللَّيْلِ حتى يُصْبِحَ". ورواه الحاكم مرفوعاً بنحو الترمذي وقال: "صحيح على شرطهما". قوله: (في خِرافة الجنة) بكسر الخاء، أي: في اجتناء ثمر الجنة، يقال: خَرَفْتُ النخلة أخرفها، فشبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب، بما يحوزه المخترف من الثمر. هذا قول ابن الأنباري. 3477 - (11) [صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال وسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ عادَ مريضاً لَمْ يَزلْ يخوضُ في الرحْمَةِ حتى يَجْلِسَ؛ فإذا جلَس اغْتَمسَ فيها". الحديث: 3477 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 رواه مالك بلاغاً، وأحمد، ورواته رواة "الصحيح"، والبزار، وابن حبان في "صحيحه". 3478 - (12) [صحيح لغيره] ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة بنحوه. ورواته ثقات. 3479 - (13) [صحيح] وعن كعْبِ بْنِ مالكٍ رضيَ الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ عادَ مريضاً خاضَ في الرحْمَةِ، فإذا جلَس عندَهُ اسْتَنْقَع فيها". رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط". (1)   (1) في الأصل هنا قوله: (ورواه فيهما أيضاً من حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه، وزاد فيه: "فإذا قام من عنده، فلا يزال يخوض فيها حتى يرجع من حيث خرج". وإسناده إلى الحسن أقرب). قلت: فيه ضعف وانقطاع، ولذلك حذفته. الحديث: 3478 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 8 - (الترغيب في كلماتٍ يُدعى بهن للمريض، وكلمات يقولهن المريضُ). 3480 - (1) [صحيح] عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ عادَ مريضاً لَمْ يحضُرْ أجلُه فقال عنده سبْعَ مراتٍ: (أسأَلُ الله العظيمَ ربَّ العرشِ العظيمِ أنْ يَشفِيَك)؛ إلاَّ عافاه الله مِنْ ذلك المرضِ". رواه أبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري". (قال الحافظ): "فيما دعا به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمريض، أو أمر به أحاديث مشهورة ليست من شرط كتابنا، أضربنا عن ذكرها". 3481 - (2) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما؛ أنهما شهدا على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه قال: "مَنْ قال: (لا إله إلا الله والله أكْبَرُ)، صدَّقَهُ ربُّه؛ فقال: لا إله إلا أَنا وأنا أكْبَرُ، وإذا قال: (لا إله إلاَّ الله وَحْدَهُ)، قال: يقولُ الله: لا إله إلا أنا وَحْدي، وإذا قال: (لا إله إلا الله وحْدَهُ لا شريكَ له)، قال: يقولُ: صدَقَ عبْدي، لا إله إلاَّ أنَا وَحْدي لا شريكَ لي، وإذا قالَ: (لا إله إلا الله وحده لا شريكَ لَه، لَهُ الملْكُ، ولَهُ الحَمْدُ)، قال: يقول: لا إله إلا أنا، ليَ المُلْكُ وليَ الحَمْدُ، وإذا قال: (لا إله إلا الله، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بالله)، قال: لا إله إلاّ أنا ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بي". وكان يقول: الحديث: 3480 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 "مَنْ قالَها في مَرضِهَ ثُمَّ ماتَ لَمْ تَطْعَمْهُ النارُ". رواه الترمذي (1) وقال: "حديث حسن"، وابن ماجه والنسائي وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم. [صحيح لغيره] وفي رواية للنسائي (2) عن أبي هريرة وحده مرفوعاً: "مَنْ قالَ: (لا إله إلا الله والله أكْبَرُ، لا إله إلا الله وحدَهُ، لا إله إلا الله ولا شريك له، لا إله إلا الله لَهُ الملْكُ، ولَهُ الحَمْدُ، لا إله إلا الله، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله) -يَعْقِدُهُنَّ خَمْساً بأصابِعهِ"- ثم قال: "مَنْ قالَهُنَّ في يومٍ أوْ في ليلَةٍ، أوْ في شَهْرٍ؛ ثُمَّ ماتَ في ذلك اليومِ أو في تلكَ الليلَةِ أوْ في ذلكَ الشهرِ غُفِرَ له ذَنْبُه".   (1) قلت: رواه مرفوعاً وموقوفاً، وإسناد الموقوف صحيح، وهو في حكم المرفوع كما هو ظاهر، وهو مخرج في "الصحيحة" (1390). (2) يعني في "عمل اليوم" كما قيده الناجي في "العجالة" (219/ 1)، وأفاد أن قول المؤلف (مرفوعاً) وهم، وأن الصواب أن يقال موقوفاً. قلت: وأظنه قد وهم، والتبس عليه برواية بأخرى، أما هذه فقد جاء فيها الرفع صراحة، بلفظ (150/ 26): ". . عن أبي هريرة يرفع الحديث إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من قال .. " الحديث، وكذا هو في "السنن الكبرى" (6/ 12/ 9857). وأما الرواية الأخرى الموقوفة، فهي عنده بعد روايتين من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن الأغرّ عن أبي هريرة. . نحوه موقوفاً، وإسناده إسناد الترمذي الموقوف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 9 - (الترغيب في الوصية والعدل فيها، والترهيب من تركها أو المضارة فيها (1)، وما جاء فيمن يعتق ويتصدق عند الموت). 3482 - (1) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما حقُّ امْرئٍ، مسلم لَه شيْءٌ (2) يوصي فيه يَبيتُ لَيْلَتيْنِ، -وفي رواية: ثلاث ليالٍ- إلا ووَصِيَّتِّه مكْتوبَةٌ عنده". قال نافع: سمعتُ عبدَ الله بنَ عُمرَ يقول: ما مرَّتْ عليَّ ليلَةٌ منذُ سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ ذلك إلا وعندي وصِيَّتي مكْتوبَةٌ. (3) رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 3483 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! أيُّ الصدَقَةِ أعْظَمُ أجْراً؟ قال: "أنْ تَصَّدَّقَ وأنتَ صحيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشى الفَقْرَ وتأَمَلُ الغِنى، ولا تُمهِلُ حتى إذا بَلَغْتَ الحُلْقومَ، قلْتَ: لِفُلانٍ كذا، ولِفلانٍ كَذا، وقدْ كان لِفُلانٍ (4) ". [صحيح] رواه البخاري ومسلم والنسائي، وابن ماجه بنحوه، وأبو داود؛ إلا أنه قال: "أن تصَّدَّق وأنتَ صحيحٌ حريصٌ، تأملُ البقاءَ، وتخشى الفقر".   (1) انظر حديثه في "الضعيف". (2) زاد مسلم (5/ 70) في رواية: "يريد أن"، والرواية التالية له. (3) هذه الزيادة هي أولاً من أفراد مسلم عن البخاري، وهي ثانياً ليست من رواية نافع عنده، وإنما من رواية سالم عن أبيه، وكذلك رواه النسائي (2 - محور 125) وأحمد (2/ 4). (4) هنا في الأصل زيادة: (كذا)، ولا أصل لها عند أحد مخرجيه، وغفل عنها مدعو التحقيق كعادتهم. الحديث: 3482 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 10 - (الترهيب من كراهية الإنسان الموت، والترغيب في تلقِّيه بالرضا والسرور إذا نزل حباً للقاء الله عز وجل). 3484 - (1) [صحيح] عن عائشة رضي الله عنها قالَتْ: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أحبَّ لِقاءَ الله أحبَّ الله لِقاءَهُ، ومَنْ كَرِهَ لِقاءَ الله كَرِهَ الله لقاءَهُ". فقلت: يا نبيَّ الله! أكَراهِيَةُ الموْتِ؟ فكلُّنا يكْرَهُ الموْتَ. قال: "ليسَ ذلِكَ، ولكنَّ المؤْمنَ إذا بُشِّرَ برحْمَةِ الله ورضْوانِه وجنَّتِه أحَبَّ لِقاءَ الله، فأحبَّ الله لقاءَهُ، إنَّ الكافِرَ إذا بُشِّرَ بعذَابِ الله وسَخَطِه كَرِهَ لِقاءَ الله، وكَرِهَ الله لِقاءَهُ". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. 3485 - (2) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أَحبَّ لِقاءَ الله أحبَّ الله لقاءَهُ، ومَنْ كَرِهَ لقاءَ الله كَرِهَ الله لِقاءَهُ". قلنا: يا رسولَ الله! كلُّنا يكْرَهُ الموْتَ؟ قال: "ليسَ ذلك كراهِيَةُ الموْتِ، ولكنَّ المؤْمِنَ إذا حُضِرَ جاءَهُ البَشيرُ مِنَ الله، فليسَ شيْءٌ أحَبَّ إليهِ مِنْ أنْ يكونَ قد لَقِيَ الله فأحَبَّ الله لِقاءَهُ، وإنَّ الفاجِرَ أوِ الكافِرَ إذا حُضِرَ جاءَهُ ما هو صائِرٌ إليهِ مِنَ الشَّرِّ، أو ما يَلْقَى مِنَ الشرِّ، فكَرِه لقاءَ الله، فكَرِهَ الله لِقاءَهُ". رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح"، والنسائي (1) بإسناد جيد؛ إلا أنه قال: قيل: يا رسولَ الله! وما مِنَّا أحدٌ إلا يكْرَهُ الموتَ؟ قال:   (1) يعني في "الرقائق" من "السنن الكبرى" كما في "التحفة"، وليس في المطبوع منه "الرقائق" كما تقدم أكثر من مرة. الحديث: 3484 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 "إنَّهُ ليسَ بكراهيَةِ الموْتِ، إن المؤْمِنَ إذا جاءَهُ البُشْرى مِنَ الله عزَّ وجلَّ لَمْ يكُنْ شيْءٌ أحبَّ إليْهِ مِنْ لِقاءِ الله، وكانَ اللهُ للِقائه أحَبَّ، وإنَّ الكافِرَ إذا جاءَهُ ما يكْرَهُ لَمْ يكُنْ شَيْءٌ أكرَه إليه مِنْ لِقاءِ الله، وكانَ الله عزَّ وجلَّ لِلِقائه أكْرهَ". 3486 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني عنِ الله عزَّ وجلَّ: "إذا أحبَّ عبْدي لِقائي أحْبَبْتُ لِقاءَهُ، إذا كَرِهَ لِقائي كرِهْتُ لقَاءَهُ. رواه مالك والبخاري -واللفظ له- ومسلم والنسائي. 3487 - (4) [صحيح] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ أحبَّ لِقاءَ الله أحبَّ الله لِقاءَهُ، ومَنْ كَرِهَ لقاءَ الله كَرِهَ الله لقاءَهُ". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. 3488 - (5) [صحيح] وعن فضالة بن عبيدٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اللَّهُمَّ مَنْ آمَنْ بِكَ، وشَهِد أَنّي رسولُك؛ فحبِّبْ إليه لِقاءَك، وسَهَّلْ عليه قَضاءَكَ، وأقْلِلْ له مِنَ الدنْيا، ومَنْ لَمْ يُؤمِنْ بِكَ، ولَمْ يشْهَدْ أنِّي رسولُك؛ فلا تُحَبِّبْ إليه لِقاءَكَ، ولا تُسَهِّلْ عليه قضاءَك، وأكْثِرْ لَه مِنَ الدنْيا". رواه ابن أبي الدنيا والطبراني، وابن حبان في "صحيحه". [مضى 24/ 5 - الفقر]. الحديث: 3486 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 11 - (الترغيب في كلماتٍ يقولهن من مات له ميت). 3489 - (1) [صحيح] عن أم سلمة رضي الله عنها قالتْ: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا حضَرْتُم المريضَ أوِ الميِّتَ فقولوا خيراً، فإنَّ الملائِكَة يُؤمِّنونَ على ما تَقولُونَ". قالَتْ: فلمَّا ماتَ أبو سلَمة أتَيْتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلتُ: يا رسول الله! إنَّ أبا سلَمةَ قد ماتَ، قال: "قولي: اللهُمَّ اغْفِرْ لي ولَهُ، وأعْقِبْني مِنهُ عُقْبى (1) حسَنَةً". فقلتُ ذلك، فأعْقَبني الله مَنْ هو خيرٌ لي مِنْه؛ مُحمَّداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه مسلم هكذا بالشك، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه: "الميت" بلا شك. 3490 - (2) [صحيح] وعنها قالت: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما مِنْ عبدٍ تُصيبُه مُصيبَةٌ فيقول: (إنَّا لله وإنَّا إليْهِ راجِعونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْني في مُصيبَتي، وأخْلِفْ لي خيراً مِنْها)؛ إلا آجَرُه الله تعالى في مصيبَتِه وأخْلَفَ له خيراً منها". قالت: فلمّا ماتَ أبو سلَمة: قلْتُ: أيُّ المسلمينَ خيرٌ مِنْ أبي سلَمة؟ أَوّلُ بَيْتٍ هاجَر إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ إنِّي قلْتُها، فأخْلَف الله لي خيراً منه رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه مسلم وأبو داود والنسائي (2).   (1) أي: بدلاً صالحاً. (2) لم أره في "الصغرى" له، ولا عزاه إليه في "الذخائر"، فالظاهر أنه في "الكبرى" له، وأما أبو داود فرواه مختصراً (3119)، وأما مسلم فرواه برقم (918) بلفظين جعلهما المؤلف سياقاً = الحديث: 3489 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 3491 - (3) [حسن لغيره] وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا ماتَ ولدُ العبدِ قال الله تعالى لملائكته: قبضتُم ولدَ عبدي؟ فيقولون: نعم، [فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم] (*) فيقولُ: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسموه بيتَ الحمد". رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه". [مضى ج 2/ 17 - النكاح/ 9 آخره].   = واحداً! وقد رواه أحمد (6/ 309) بنحوه. ثم رأيت الناجي قد شرح التلفيق المذكور، وصرَّح بأن النسائي إنما رواه في "اليوم والليلة" لا في "السنن" نحوه. ثم طبعت "السنن الكبرى"، وفيه "عمل اليوم والليلة"، فهو فيه (6/ 264/ 10909) منه. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس في المطبوع، وأثبته الشيخ مشهور في طبعته وقال: «وهو موجود في المنيرية، وموطن سابق، وكذلك في جامع الترمذي وصحيح ابن حبان وغيرهما» الحديث: 3491 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 12 - (الترغيب في حفر القبور وتغسيل الموتى وتكفينهم). 3492 - (1) [صحيح] و [رواه] الحاكم، وقال: "صحيح على شرط مسلم"، [يعني حديث أبي رافع الذي في "الضعيف" (1)]، ولفظه: "مَنْ غَسَّلَ مَيِّتاً فكتَم عليه غَفَر الله له أربعين مَرَّةً، ومَنْ كفَّنَ مَيِّتاً كساهُ الله مِنْ سُنْدُسٍ وإسْتَبْرقٍ في الجنَّةِ، ومَنْ حَفَر لِمَيِّتٍ قَبْراً فأجَنَّهُ فيه أجْرى الله لَهُ مِنَ الأَجْرِ كأجرِ مسْكَنٍ أسْكَنُه إلى يوم القِيامَةِ". 3493 - (2). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . (2)   (1) قلت: ولفظه فيه: "أربعين كبيرة"، وهو شاذ، والمحفوظ المثبت أعلاه، واحتفظت بهذا هنا، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (ص 69)، وجعلت ذاك في "الضعيف"، وهو مخرج في "الضعيفة" (6781)، وفيه الرد على من خلط بينهما في التخريج أو في الحكم كالمعلقين الثلاثة. (2) تنبيه: حُذف نص هذا الحديث بعدما تبين لي ضعفه أخيراً والكتاب جاهز للطبع. الحديث: 3492 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 13 - (الترغيب في تشييع الميت وحضور دفنه). 3494 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "حقُّ المسْلم على المسْلم سِتٌّ". قيلَ: وما هُنَّ يا رسولَ الله؟ قال: "إذا لَقيتَهُ فسَلِّمْ عليه، وإذا دَعاكَ فأجِبْهُ، وإذا اسْتَنْصَحك فانْصَحْ له، وإذا عَطِسَ [فحمد الله] (1) فشَمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعدْهُ، وإذا مات فاتَّبِعْهُ". رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. [مضى 23 - الأدب/ 5 وهنا 7 - باب]. 3495 - (2) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "المسْلمُ أخو المسْلمِ؛ لا يَظْلِمُه، ولا يَخْذُله"، -ويقول:- "والَّذي نَفْسي بيَدِهِ ما توادَّ اثْنانِ فيُفَرَّق بيْنَهما إلا بذَنْبٍ يُحْدِثُه أحَدُهُما". وكان يقول: "للمُسْلِم على المسْلمِ سِتٌّ: يُشَمِّتُه إذا عَطسَ، ويعودُه إذا مَرِضَ، وينْصَحُه إذا غَابَ أوْ شَهِدَ، ويُسَلِّمُ عليه إذا لَقِيَهُ، ويُجيبُه إذا دَعاهُ، وَيتَّبِعُه إذا ماتَ". رواه أحمد بإسناد حسن. 3496 - (3) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "خَمْسٌ مَنْ عَمِلَهُنَّ في يومٍ كتَبهُ الله مِنْ أهْلِ الجنَّةِ: مَنْ عادَ مريضاً، وشهِدَ جَنازةً، وصامَ يوماً، وراحَ إلى الجُمعَةِ، وأعْتَق رقَبةً".   (1) زيادة من مسلم، ولم يستدركها الثلاثة مع أنها مهمة جداً!! لأن التشميت لا يجب إلا بها، كما في الحديث الثاني أيضاً. الحديث: 3494 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 رواه ابن حبان في "صحيحه". [مضى 7 - الجمعة/ 1 وهنا/ 7 باب]. 3497 - (4) [صحيح] وعنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عُودوا المَرْضى، واتَّبِعوا الجَنائِزَ؛ تُذَكِّرْكُمُ الآخِرَةَ". رواه أحمد والبزار، وابن حبان في "صحيحه"، وتقدم هو وغيره في "العيادة" [هنا/ 7]. 3498 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ شهدَ الجَنازَة حتى يُصَلِّى علَيْها، فلهُ قيراطٌ (1)، ومَنْ شَهِدَها حتى تُدْفَنَ فلَهُ قِيراطَانِ". قيلَ: وما القِيراطَانِ؟ قال: "مِثْلُ الجبلَيْنِ العَظيمَيْنِ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. [حسن] وفي رواية لمسلم وغيره: "أصغرُهما مثلُ أحُد". [صحيح] وفي رواية للبخاري: "مَنِ اتَّبعَ جَنازَة مسْلمٍ إيماناً واحْتِساباً وكان مَعهُ حتى يُصَلِّى عليها ويُفْرغَ مِنْ دَفْنِها؛ فإنَّه يرْجعُ مِنَ الأجْرِ بقيراطَيْنِ، كلُّ قيراطٍ مثلُ أُحُدٍ، ومَنْ صَلَّى   (1) في "النهاية": (القيراط): جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف عشره في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءاً من أربعة وعشرين". وفي "المعجم الوسيط": "هو معيار في الوزن وفي القياس اختلفت مقاديره باختلاف الأزمنة، وهو اليوم في الوزن أربع قمحات، وفي وزن الذهب خاصة ثلاث قمحات، وفي القياس جزء من أربعة وعشرين، وهو من الفدان خمس وسبعين ومئة متر". الحديث: 3497 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 عليها ثُمَّ رجَع قبل أن تُدْفَن فإنَّه يرجعُ بقيراطٍ". 3499 - (6) [صحيح] وعن عامر بن سعد بن أبي وقاصٍ: أنه كان قاعداً عند ابن عمر إذ طلع خَبّاب صاحب المقصورة فقال: يا عبدَ الله بْنَ عُمَر! ألا تَسْمَعُ ما يقولُ أبو هريرة؟ يقول: إنَّه سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ خرجَ معَ جنازةٍ مِنْ بَيْتِها، وصلَّى عليها، واتَّبَعها حتى تُدْفَن؛ كانَ له قيراطانِ مِنْ أجْرٍ، كلُّ قيراطٍ مثلُ أُحدٍ، ومَنْ صلَّى عليها ثُمَّ رجَع كانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مثلُ أُحدٍ". فأرسَل ابْنُ عمر خَبَّاباً إلى عائشةَ يَسْألُها عنْ قولِ أبي هريرةَ ثم يرجعُ إليه فيُخْبِرَهُ بما قالَتْ، وأخذَ ابْنُ عمر قَبْضَةً مِنْ حَصى المسْجِد يقَلِّبُها في يَدِه حتى رَجَع [إليه الرسول]، فقال: قالَتْ عائشة: صدَق أبو هريرة، فضرَب ابْنُ عمر بِالحْصى الذي كان في يديهِ الأرضَ؛ ثُمَّ قال: لقد فَرَّطْنا في قراريطَ كثيرةٍ. رواه مسلم. 3500 - (7) [صحيح] وعن ثوبان رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ صلّى على جَنازَةٍ فلهُ قيراطٌ، وإنْ شَهِد دَفْنَها فلَهُ قيراطَانِ؛ القيراط مثْلُ أُحُدٍ". رواه مسلم وابن ماجه. 3501 - (8) [صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه أيضاً من حديث أُبَيّ بن كعبٍ، وزاد آخره: "والَّذي نَفْسُ محمَّدٍ بيده القيراطُ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ هذا". الحديث: 3499 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 3502 - (9) [صحيح] وعن ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ تَبعَ جنازَةً حتَّى يُصلِّى عليها؛ فإنَّ له قيراطاً". فسُئلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن القيراطِ؟ قال: "مِثْلُ أُحُدٍ". [صحيح] وفي رواية: قالوا: يا رسولَ الله! مثلَ قرايطنا هذه؟ قال: "لا، بَلْ مثلَ أُحُدٍ أوْ أعْظمَ مِنْ أُحُدٍ". رواه أحمد، ورواته ثقات. 3503 - (10) [صحيح] وعن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أصْبَح منكمُ اليومَ صائماً؟ ". قال أبو بكْرٍ: أنا. فقال: "مَنْ أطعَم منكمُ اليومَ مِسْكيناً؟ ". قال أبو بكْرٍ: أنا. فقال: "مَنْ عادَ منكُم اليومَ مَريضاً؟ ". فقال أبو بكْرٍ: أنا. فقال: "مَنْ تَبعَ منكمُ اليومَ جَنازَةً؟ ". قال أبو بكْرٍ: أنا. فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما اجْتَمعَتْ هذهِ الخِصالُ قَطُّ في رجُلٍ [في يوم] إلا دَخل الجَنَّةَ". رواه ابن خزيمة في "صحيحه". [مضى 8 - الصدقات/ 17 (1) وهنا/ 7].   (1) وبيَّنا هناك أنه رواه مسلم أيضاً. الحديث: 3502 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 14 - (الترغيب في كثرة المصلِّين على الجنازة، وفي التعزية). 3504 - (1) [صحيح] عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما منْ مَيِّتٍ يُصلِّي عليهِ أُمَّةٌ مِنَ المسْلِمينَ يَبْلُغونَ مِئةً، كلُّهم يَشْفَعون لَهُ، إلا شُفِّعوا فيه". رواه مسلم والنسائي والترمذي وعنده: "مئة فما فوقها" (1). 3505 - (2) [صحيح] وعن كريبٍ: أن ابن عباس رضي الله عنهما ماتَ لَهُ ابْنٌ بـ (قُديد) أو بـ (عُسفان) فقال: يا كُرَيْبُ! انْظُرْ ما اجْتَمع لَهُ مِنَ الناسِ؟ قال: فَخَرجْتُ فإذا ناسٌ قد اجْتَمعوا، فأخْبَرْتُه فقال: تقولُ هم أرْبَعون؟ قال: قلتُ: نعم. قال: أخْرِجوه؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما مِنْ رجلٍ مسلمٍ يموتُ فيقومُ على جَنازَتِه أرْبعونَ رجلاً لا يُشْرِكونَ بالله شيئْاً؛ إلا شَفعهُم الله فيه". رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه. 3506 - (3) [صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِنْ رجلٍ يُصَلّي عليه مئَةٌ؛ إلا غَفر الله له". رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه مبشر بن أبي المليح؛ لا يحضرني حاله (2).   (1) قلت: وقال: "حسن صحيح"، وقد أوقفه بعضهم ولم يرفعه". (2) قلت: أورده البخاري في "التاريخ"، وابن أبي حاتم، وابن حبان في "الثقات" (7/ 507) من رواية شعبة عنه. ولحديثه هذا شاهد صحيح من حديث أبي هريرة كما بينته في "أحكام الجنائز" (ص 126 - 127 - المعارف). الحديث: 3504 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 3507 - (4) [حسن صحيح] وعن الحكم بن فروخ قال: صلى بنا أبو المُلَيح على جنازَةٍ فظَنَّنا أنَّه قد كَبِّرَ، فأقْبَل علينا بِوجْهِه فقال: أقيموا صُفوفَكُم، ولْتَحْسُنْ شَفاعَتُكم. قال أبو المليح: حدَّثني عبدُ الله عَنْ إحْدى أمهَّاتِ المؤْمِنين وهيَ مَيْمونَةُ زوجُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَتْ: أخْبرَني النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ ميِّتٍ يُصَلِّي عليه أُمَّة مِنَ الناسِ إلا شُفِّعوا فيه". فسألْتُ أبا المليح عن الأُمَّة؟ قال: أرْبَعُونَ. رواه النسائي. 3508 - (5) [حسن لغيره] وروى ابن ماجه عن عمرو بن حزم عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من مؤمنٍ يعزِّي أخاه بمصيبةٍ؛ إلا كساه الله من حُلَلٍ الكرامة يوم القيامة". (1)   (1) انظر الكلام على إسناده، وبعض رواته في "الصحيحة" (195/ الطبعة الجديدة)، فإنه عزيز قد لا تجده في مكان آخر. الحديث: 3507 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 15 - (الترغيب في الإسراع بالجنازة وتعجيل الدفن). 3509 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضيَ الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أسْرِعوا بالجنازَةِ، فإنْ تَكُ صالِحةً فخيرٌ تُقَدِّمونَها إلَيْهِ، وإنْ تَكُ سِوى ذلك فَشَرٌّ تَضعونَهٌ عنْ رِقابِكُمْ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 3510 - (2) [صحيح] وعن عُيينة بن عبد الرحمن عن أبيه: أنَّه كان في جَنازَة عُثْمانَ بْنِ أبي العاصي رضِيَ الله عنه، وكنَّا نَمْشي مشياً خَفيفاً، فلَحِقَنا أبو بَكْرةَ رضيَ الله عنه فرفَع سَوْطَه (1) وقال: لقد رأَيْتُنا ونحنُ معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَرمُلُ رَمَلاً. رواه أبو داود والنسائي.   (1) الأصل: (صوته)، وكذا في مطبوعة (عمارة)، والتصويب من "سنن أبي داود" والنسائي، وروايته أتم، وهي رواية لأبي داود، وهي مخرجة في "أحكام الجنائز" (ص 94 - المعارف). الحديث: 3509 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 16 - (الترغيب في الدعاء للميت وإحسان الثناء عليه، والترهيب من سوى ذلك). 3511 - (1) [صحيح] عن عثمانَ بْنِ عفَّانَ رضي الله عنه قال: كان النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا فَرغ مِنْ دَفْن الميَّت وقَف عليه فقال: "اسْتَغْفِروا لأَخيكُم، واسْأَلوا لهُ بالتَّثْبيتِ؛ فإنَّه الآنَ يُسْألُ". رواه أبو داود. 3512 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مَرُّوا على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَنازَةٍ فأثْنَوا علَيْها خيراً، فقال: "وجَبَتْ". ثُمَّ مَرُّوا بأُخْرى فأَثْنوا علَيها شرّاً. فقال: "وجَبَتْ". ثُمَّ قال: "إنَّ بعضَكُم على بعْضٍ شَهِيدٌ". رواه أبو داود واللفظ له، وابن ماجه. 3513 - (3) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: مُرَّ بجَنازَةٍ فأثْنِيَ عليها خيرٌ، فقالَ نبيُّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وَجَبَتْ، وجَبَتْ، وجَبَتْ". ومُرَّ بجَنازَةٍ فأثْنِيَ عليها شرٌّ، فقالَ نبيُّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وجَبتْ، وجَبتْ، وجَبتْ". فقال عمرُ: فداكَ أبي وأمِّي يا رسولَ الله! مُرَّ بجَنازةٍ، فأُثنِيَ عليها خيرٌ، فقلتَ: "وجَبتْ وجَبتْ وجَبتْ"، ومُرَّ بجنازَةٍ فأثنِيَ عليها شَرٌّ، فقلتَ: "وَجبتْ الحديث: 3511 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 وجَبتْ وجبتْ". فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أثْنَيْتُم عليه خَيراً وجَبتْ لَهُ الجَنَّةُ، ومَنْ أثْنَيْتُم عليه شرّاً وجَبتْ له النارُ، أنْتُمْ شُهداءُ الله في الأرْضِ". رواه البخاري ومسلم -واللفظ له-، والترمذي والنسائي وابن ماجه. 3514 - (4) [صحيح] وعن أبي الأسودِ قال: قَدِمْتُ المدينَةَ فجلسْتُ إلى عُمَر بْنِ الخطَّابِ رضي الله عنه، فَمرَّتْ بهِمْ جَنازَةٌ، فأثْنَوا على صاحِبها خيْراً، فقالَ عُمَرُ رضي الله عنه: وجَبتْ، ثُمَّ مُرَّ بأُخْرى فأثْنَوْا على صاحِبِها خَيْراً، فقال عُمَرُ: وجَبتْ، ثُمَّ مُرَّ بالثالِثَةِ فأثْنوا على صاحِبها شرّاً، فقال عمر: وجَبتْ. قال أبو الأسْوَدِ: فقلتُ: ما وجَبتْ يا أمير المؤْمِنينَ؟ قال: قلتُ كما قالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيُّما مسْلمٍ شَهِدَ له أربَعةُ نفَرٍ بخَيْرٍ أدْخَلهُ الله الجَنَّةَ". قال: فقلْنا: وثلاثَةٌ؟ فقال: "وثلاثَةٌ". فقلنا: واثْنانِ؟ قال: "واثْنانِ". ثُمَّ لَمْ نَسْأَلهُ عنِ الواحِد. رواه البخاري. 3515 - (5) [حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ مسْلمٍ يموتُ فيَشْهَدُ له أرْبعةُ أهْلِ أبْياتٍ مِنْ جِيرانِه الأَدْنَيْنَ أنَّهم لا يعلَمون إلا خيراً؛ إلا قالَ الله: قد قبِلْتُ عِلْمَكُم فيه، وغفَرْتُ له ما لا تَعْلَمون". رواه أبو يعلى وابن حبان في "صحيحه". الحديث: 3514 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 3516 - (6) [حسن لغيره] وروى أحمد عن شيخ من أهل البصرة لم يسمِّه عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرويه عن ربَّه عزَّ وجلَّ: "ما مِنْ عبدٍ مسلمٍ يموتُ فيشْهَدُ له ثلاثَةُ أبْياتٍ مِنْ جيرانِه الأَدْنَيْنَ بخيرٍ؛ إلا قالَ الله عزَّ وجلَّ: قد قبِلْتُ شهادَة عِبادي على ما عَلِموا، وغَفرْتُ له ما أعْلَمُ". 3517 - (7) [صحيح] وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا دُعِيَ إلى جَنازَةٍ سأَل عنْها؟ فإنْ أثنِيَ عليها خَيرٌ قامَ فصَلى عليها، وإنْ أثْنِيَ عليها غيرُ ذلك قال لأهليها: "شأْنُكُمْ بِها". ولَمْ يُصَلِّ عليها. رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح". 3518 - (8) [صحيح] وعن مجاهدٍ قال: قالت عائشة رضيَ الله عنها: ما فعلَ يزيدُ بْنُ قيْسٍ لعَنَهُ الله؟ قالوا: قد ماتَ، قالَتْ: فأسْتَغْفِرُ الله. فقالوا لَها: ما لكِ لَعَنْتيهِ ثُمَّ قلْتِ: أسْتَغْفِرُ الله؟ قالَتْ: إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تَسُبُّوا الأَمْواتَ، فإنَّهمْ أفْضَوْا إلى ما قَدَّموا". [صحيح] رواه ابن حبان في "صحيحه"، وهو عند البخاري دون ذكر القصة، ولأبي داود: "إذا ماتَ صاحِبُكم فدَعُوه، لا تَقَعوا فِيهِ". (قال الحافظ): وتقدم حديث أم سلمة الصحيح [هنا/ 11]، قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا حضرتم الميت فقولوا خيراً، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون". الحديث: 3516 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 17 - (الترهيب من النياحة على الميت والنعي ولطم الخدِّ وخمش الوجه وشقِّ الجيب). 3519 - (1) [صحيح] عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الميِّتُ يُعَذَّبُ في قَبْرِه بما نِيحَ عليه -وفي روايةٍ: ما نيحَ علَيْهِ-". رواه البخاري ومسلم، وابن ماجه، والنسائي وقال: "بالنياحة عليه". 3520 - (2) [صحيح] وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ نيحَ عليهِ، فإنَّهُ يُعذَّبُ بما نيحَ عليه يومَ القِيامَةِ" (1). رواه البخاري ومسلم. 3521 - (3) [صحيح موقوف] وعن النعمانِ بْن بشيرٍ رضيَ الله عنهما قال: أُغْمِيَ على عبدِ الله بن رَواحةَ فجعَلَتْ أخْتُه تَبْكي: واجبَلاهُ! واكذا! واكذا! تُعدِّدُ عليه، فقال حين أفاقَ: ما قُلتِ شيئاً إلا قيلَ لي: أنتَ كذلك؟! رواه البخاري. وزاد في رواية: فلمَّا مات لم تَبْكِ عليهِ. (2) 3522 - (4) [حسن لغيره] وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من مَيِّتٍ يموتُ فيقومُ باكيهِمْ فيقولُ: واجَبَلاهُ! واسَيِّداهُ! أو نَحْوَ   (1) فيه إشعار بأن العذاب المذكور هو في يوم القيامة، فتفسيره بألم الميت في قبره مع أنه يستلزم علمه بنوح أهله عليه، فهذا مع كونه مما لا دليل عليه، فإنه لا يساعد عليه القيد المذكور (يوم القيامة). فتنبه لهذا ولا تكن للرجال مقلداً، فالحق أن العذاب فيه وفي غيره على ظاهره، إلا أنه مقيد بمن لم ينكر ذلك في حياته، توفيقاً بينه وبين قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. (2) أي: بعد هذه القصة، فإنه مات شهيداً في غزوة مؤتة كما هو معروف في كتب الحديث والسيرة. الحديث: 3519 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 ذلك، إلا وُكِّلَ به ملَكانِ يَلْهَزانِه: أهكذا أنْتَ؟! ". رواه ابن ماجه، والترمذي واللفظ له، وقال: "حديث حسن غريب". (اللَّهز): هو الدفع بجميع اليد في الصدر. 3523 - (5) [حسن لغيره] وعنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الميِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكاءِ الحيِّ، إذا قالَتْ: واعَضُداهُ! وامانِعَاهُ! واناصِراهُ! واكاسِيَاهُ! جُبِذَ الميتُ فقيلَ: أناصِرُها أنْتَ؟! أكاسِيها أنْتَ؟! ". رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 3524 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اثْنَتان في الناسِ هُما بِهمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ في النَّسَبِ، والنِّياحَةُ على الميِّتِ". رواه مسلم. 3525 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثَةٌ مِنَ الكُفْرِ بالله: شَقُّ الجيْبِ، والنِّياحَة، والطَّعْنُ في النَّسبِ". رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". وفي رواية لابن حبان: "ثلاثَةٌ هِيَ الكُفْرُ". وفي أخرى: "ثَلاثٌ مِنْ عمَلِ الجاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُهُنَّ أهْلُ الإسْلامِ" فذكر الحديث. (الجيب): هو الخرق الذي يخرج الإنسان منه رأسه في القميص ونحوه. الحديث: 3523 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 3526 - (8) [حسن] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما افْتَتَحَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكةَ، رنَّ إبليسُ رنَّةً اجتمعتْ إليه جنوده. فقال: ايأَسوا أن تَرُدُّوا أمة محمدٍ على الشركِ بعدَ يومِكم هذا، ولكنِ افتنوهم في دينهم، وأفشوا فيهم النّوح. رواه أحمد بإسناد حسن. (1) 3527 - (9) [حسن] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمارٌ عند نعمة، ورنَّةٌ عند مصيبةٍ". رواه البزار، ورواته ثقات. 3528 - (10) [صحيح] وعن أبي مالكٍ الأشعريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أربَعٌ في أُمَّتي مِنْ أمْرِ الجاهِلِيَّةِ لا يتْركونَهُنَّ (2): الفَخْرُ في الأحْسابِ، والطَّعْنُ في الأَنْسابِ، والاسْتِسْقاءُ بالنُّجومِ، والنِّياحَةُ". -وقال:- النائِحَةُ إذا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ موتِها؛ تُقامُ يَوْمَ القِيامَةِ وعليها سِرْبالٌ مِنْ قَطِرانٍ، ودِرْعٌ مِنْ جَربٍ". رواه مسلم.   (1) كذا قال! وليس هو في "مسند أحمد"، وإنما هو في "المعجم الكبير"، وكذا أبو يعلى في "المسند الكبير"، والضياء في "المختارة"، وهو مخرج في "الصحيحة" (3417). (2) وكذا في "صحيح مسلم" (934)، وهو الصواب، وفي نقل الناجي (222/ 1): (لا يتركوهن)، وقال: "كذا في النسخ، وإنما لفظ الحديث والصواب: (يتركوهن) وهو ظاهر"! كذا قال، وهو غير ظاهر، لأنه إن أراد (لا النافية) فهو خطأ محض لا يخفى على مثله، وإن أراد أنها (لا الناهية) التي تستلزم حذف نون الرفع؛ فهو خطأ أيضاً، لأن المراد الإخبار وليس النهي وإن كان المراد به النهي ضمناً، فلعل في عبارته شيئاً من السقط، أو ما لم أفهمه. ثم بدا لي أن عبارته على ظاهرها، يعني بحذف لا إطلاقاً، بتقدير: يجب أن يتركوهن. والله أعلم. الحديث: 3526 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 [صحيح لغيره] وابن ماجه، ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "النياحَةُ مِنْ أمْرِ الجاهِليَّةِ، وإنَّ النائِحةَ إذا ماتَتْ ولَمْ تَتُبْ؛ قَطَّعَ الله لها ثِياباً مِنْ قَطِرانٍ، ودرْعاً مِنْ لَهبِ النارِ". (القَطِرانُ) بفتح القاف وكسر الطاء، قال ابن عباس: "هو النحاس المذاب". وقال الحسن: "هو قطران الإبل"، وقيل غير ذلك. 3529 - (11) [صحيح] وعن أمِّ سلَمة رضي الله عنها قالتْ: لمَّا ماتَ أبو سلَمة قُلْتُ: غريبٌ وفي أرْضِ غُرْبَةٍ، لأبْكِيَنَّه بُكَاءً يُتَحَدَّثُ عنه، فكُنْتُ قد تَهيَّأْتُ لِلْبُكاءِ عليه إذ أقْبَلَتِ امْرأَةٌ تريدُ أنْ تُساعِدَني، فاسْتَقْبَلها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أتُريدينَ أنْ تُدخلي الشيْطانَ بيْتاً أخْرَجهُ الله منه؟ ". فكفَفْتُ عنِ البُكاءِ، فلَمْ أبْكِ. رواه مسلم. 3530 - (12) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لمّا جاءَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتلُ زَيْدِ بْن حارِثَةَ وجَعْفَرِ بْنِ أبي طالبٍ وعبدِ الله بْنِ رَواحَة؛ جلسَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعْرَفُ فيه الحُزْنُ؛ قالَتْ: وأنا أطَّلعُ مِنْ شَقِّ البابِ فأتاه رجلٌ فقال: أيْ رسولَ الله! إنَّ نِساءَ جَعْفَر -وذكر بُكاءَهُنَّ -فأمَره أنْ يَنْهاهُنَّ، فذهَب الرجل ثُمَّ أتى فقال: والله لقد غَلبْنَني أو غَلَبْنَنا. فزعَمْتُ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "فاحْثِ في أفْواهِهِنَّ التراب". فقلتُ: أرْغَمَ الله أنْفكَ، فوالله ما أنت بفاعلٍ، ولا تركتَ رسولَ اللهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ العَنا. الحديث: 3529 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 رواه البخاري ومسلم. (1) 3531 - (13) [حسن] وعن حذيفةَ رضي الله عنه؛ أنَّه قالَ إذْ حُضِر: إذا أنا مِتُّ فلا يُؤَذِّنْ عليَّ أحَدٌ (2)، إنِّي أخافُ أنْ يكونَ نَعْياً. وإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهى عنِ النَّعْي. رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". (3) [حسن] ورواه ابن ماجه؛ إلا أنه قال: كان حذَيْفَةُ إذا ماتَ لَهُ الميِّتُ قال: لا تُؤْذِنُوا بِه أحَداً؛ إنِّي أخافُ أنْ يكونَ نَعْياً؛ إنِّي سَمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأُذنيَّ هاتَيْنِ يَنْهى عنِ النَّعْيِ. 3532 - (14) [صحيح] وعن أنسِ بْنِ مالكٍ رضي الله عنه: أنَّ عمرَ رضيَ الله عنه لمَّا طُعِنَ عَوَّلَتْ (4) عليه حَفْصَةُ، فقالَ لها عمر: يا حَفْصَةُ! أما سَمِعْتِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "إنَّ المعوَّلَ عليه يُعَذَبُ"؟ قالَتْ: بَلى. رواه ابن حبان في "صحيحه" (5). 3533 - (15) [صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليسَ مِنّا مَنْ ضرَب الخُدودَ، وشَقَّ الجيوبَ، ودَعا بدَعْوى الجاهِلِيَّةِ". رواه البخاري ومسلم، والترمذي والنسائي وابن ماجه.   (1) قلت: واللفظ للبخاري في رواية (1305). (2) إلى هنا يختلف عما في الترمذي فإنه بلفظ: "إذا مت فلا تُؤذنوا بي أحداً". ورواه أحمد بنحو لفظ ابن ماجه الآتي: وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (ص 44). (3) هنا زيادة: "وذكره رزين فزاد فيه: فإذا مت فصلوا علي، وسلُّوني إلى ربي سلاّ"، حذفتها لأني لا أعرف لها سنداً، وإن من الثابت أن السنة إدخال الميت من مؤخر القبر، كما هو مبين فى كتابي "أحكام الجنائز" (190). (4) عولت: بَكَتْ وصاحَتْ. (5) قلت: قد رواه مسلم لكن دون قوله: "قالت: بلى". وكذلك رواه أحمد (1/ 39). الحديث: 3531 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 3534 - (16) [صحيح] وعن أبي بردة قال: وَجِعَ (1) أبو موسى الأشعري رضي الله عنه ورأْسُه في حِجْرِ امْرأةٍ مِنْ أهلِه، فَأَقْبَلَتْ تَصيحُ بِرَنَّةٍ، فلَمْ يَسْتَطعْ أنْ يَرُدَّ عليها شيْئاً، فلمَّا أفاقَ قال: أنا بَريءٌ مِمَّنْ بَرِئَ مِنْه رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بريءٌ مِنَ الصالِقَة، والحالِقَةِ، والشاقَّةِ. [صحيح] رواه البخاري ومسلم وابنِ ماجه، والنسائي؛ إلا أنه قال: أبْرَأُ إليكُمْ كما بَرِئَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليسَ مِنّا مَنْ حَلَقَ، ولا خَرَق، ولا صَلَقَ". (الصالِقَةُ): التي ترفع صوتها بالندب والنياحة. و (الحالِقَةُ): التي تحلق رأسها عند المصيبة. و (الشاقَّةُ) التي تشقّ ثوبها. 3535 - (17) [صحيح] وعن أَسِيد بن أبي أسِيد التابعي عنِ امْرأَةٍ مِنَ المبايِعات قالَتْ: "كان فيما أخَذ علينَا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المعْروفِ الذي أَخذَ علَيْنا: أنْ لا نَخْمِشَ وجْهاً، ولا نَدْعُوَ ويْلاً، ولا نَشُقَّ جَيْباً، ولا نَنْشُرَ شَعْراً". رواه أبو داود. 3536 - (18) [صحيح] وعن أبي أمامة: "أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَن الخامِشَة وجْهَها، والشاقَّةَ جَيْبَها، والداعِيةَ بالوْيلِ والثُّبورِ". رواه ابن ماجه وابن حبان في "صحيحه".   (1) أي: مرض مرضاً شديداً حتى أغمي عليه كما يدل عليه السياق، بل في رواية النسائي الآتية: (أغمي على أبي موسى. . .). الحديث: 3534 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 18 - (الترهيب من إحداد المرأة على غير زوجها فوق ثلاث). 3537 - (1) [صحيح] عن زينب بنت أبي سلمة قالَتْ: دخلتُ على أمِّ حبَيبةَ زوْجِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينَ تُوفِّيَ أبوها أبو سفيانَ بْنُ حَرْبٍ فدعَتْ بطيبٍ فيه صُفْرةٌ خَلوقٌ (1) أوْ غَيْرُهُ، فدهَّنَتْ منه جارَيةً، ثُمَّ مَسَّتْ بعارِضَيْها (2)، ثُمَّ قالَتْ: والله ما لي بالطيبِ مِنْ حاجَةٍ، غيرَ أنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ على المِنْبَرِ: "لا يَحِلُّ لامْرأَةٍ تؤْمِنُ بالله واليومِ الآخِر أن تُحِدَّ على مَيِّتٍ فوْقَ ثلاثِ لَيالٍ، إلا على زوْجٍ أرْبعةَ أشْهُرٍ وعَشْراً". قالت زينبُ: ثمَّ دخلتُ على زْينبَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها حينَ تُوُفِّيَ أخُوها، فدعَتْ بِطيب فَمَسَّتْ منه ثُمَّ قالَتْ: أما والله ما لي بالطِّيبِ مِنْ حاجَةٍ غير أنِّي سمعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ على المِنْبَرِ: "لا يَحِلُّ لامْرأَةٍ تُؤْمِنُ بالله واليومِ الآخِر أنْ تُحِدَّ على مَيِّتٍ فَوْقَ ثلاثٍ، إلا على زوجٍ أربعةَ أشْهرٍ وعَشْراً". رواه البخاري ومسلم وغيرهما.   (1) الخلوق: طيبٌ معروف مركَبٌ يُتَّخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصفرة، "نهاية" (2/ 71). (2) عارضا الإنسان: صفحتا خدَّيه، "نهاية" (3/ 212). الحديث: 3537 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 19 - (الترهيب من أكل مال اليتيم بغير حق). 3538 - (1) [صحيح] عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "يا أبا ذَرّ! إنِّي أرَاك ضَعيفاً، وإنِّي أُحِبُّ لكَ ما أحِبُّ لنَفْسي، لا تأَمَّرَنَّ (1) على اثْنَيْنِ، ولا تَوَلِّيَنَّ مالَ اليَتيم". رواه مسلم وغيره. 3539 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اجْتَنِبوا السبعَ الموبِقَاتِ". قالوا: يا رسولَ الله! وما هُنَّ؟ قال: "الشركُ بالله، والسحرُ، وقتلُ النفْسِ التي حرَّمَ الله إلا بالْحَقِّ، وأكْلُ الرِّبا، وأكْلُ مالِ اليَتيم، والتولِّي يومَ الزَّحْفِ، وقذفُ المُحْصَناتِ الغافِلاتِ المؤْمِنَاتِ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. [مضى 16 - البيوع/ 19]. 3540 - (3) [حسن لغيره] ورواه البزار؛ ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الكَبائرُ سَبْعٌ: أوَّلُهنَّ الإشْراك بالله، وقتْلُ النَّفْسِ بغيرْ حقِّها، وأكْلُ الرِّبا، وأكْلُ مالِ اليَتيم، والفرارُ يومَ الزَّحْفِ، وقذفُ المحصناتِ، والانْتِقالُ إلى الأَعْرابِ بعد هِجْرَتِه". (2) [مضى ج 2/ 12 - الجهاد/ 11]. (الموِبِقَات): المهلكات.   (1) بحذف إحدى التاءين، أي: لا تتأمرن. وكذلك قوله: (تولين) أي: تتولين. وكان الأصل وتبعه عمارة: (تؤمرن) و (تلين)، فصححته من "مسلم" (1826). (2) قلت: وتعقبه الناجي (222/ 1 - 2) بأنه رواه أحمد أيضاً، وأخشى أن يكون وهم، لأنني استعنت عليه بالفهارس المعروفة فلم أعثر عليه في "المسند". فالله أعلم. الحديث: 3538 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 3541 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتبَ إلى أهْلِ اليَمن بكتابٍ فيه: "إنَّ أكْبَر الكبائِر عندَ الله يومَ القيامَة: الإِشْراكُ بالله، وقتلُ النفْسِ المؤمِنَةِ بغيرِ الحَقِّ، والفرارُ في سبيلِ الله يومَ الزَّحْفِ، وعُقوقُ الوالِدَيْنِ، ورَميُ المُحْصَنَةِ، وتعلُّمُ السِحْر، وأكْلُ الرِّبا، وأكْلُ مالِ اليَتيمِ" فذكر الحديث. وهو كتاب طويل فيه ذكر الزكاة والديات وغير ذلك (1). رواه ابن حبان في "صحيحه". [مضى ج 2/ 12 - الجهاد/ 11].   (1) قلت: وفي ثبوت إسناده نظر ليس هذا مجال بيانه، وإنما صححت هذا القدر منه لشواهده، فلا يشكلنَّ عليك إذا ما رأيت غير هذا منه في "الضعيف"، لأنه الأصل، ويكون مما لم نقف له على شاهد. الحديث: 3541 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 20 - (الترغيب في زيارة الرجال القبور، والترهيب من زيارة النساء لها واتباعهنّ الجنائز). 3542 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: زارَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبرَ أمِّه فبَكى وأبْكَى مَنْ حولَهُ، فقال: "اسْتَأْذَنْتُ ربِّي في أنْ أسْتَغْفِرَ لها، فلَمْ يأْذَنْ لي، واسْتَأْذَنْتُه في أنْ أزورَ قَبْرَها فأَذِنَ لي، فَزُوروا القبورَ؛ فإنَّها تُذَكِّرُ المَوْتَ". رواه مسلم وغيره. 3543 - (2) [حسن صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنِّي نَهيْتُكم عن زيارَةِ القبورِ فزوروها؛ فإنَّ فيها عِبْرةً". رواد أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح". 3544 - (3) [صحيح] وعن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد كنتُ نَهيْتُكم عَنْ زيارَةِ القُبورِ، فقد أُذِنَ لمحمَّدٍ في زيارَةِ قَبْرِ أُمِّه، فزوروها، فإنَّها تذَكِّرُ الآخِرَة". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". (قال الحافظ): "قد كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن زيارة القبور نهياً عاماً للرجال والنساء، ثم أذن للرجال في زيارتها، واستمر النهي في حق النساء. وقيل: كانت الرخصة عامة (1). وفي هذا كلام طويل ذكرته في غير هذا الكتاب. والله أعلم".   (1) قلت: وهذا هو الصواب عندنا لوجوه أربعة ذكرتها في "أحكام الجنائز" (ص 229 - 235)، لكن ذلك مقيد بأن لا يكثرن من الزيارة لحديث "لَعَنَ زوَّارات القبور" الآتي، كما هو مبين هناك. الحديث: 3542 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 3545 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَن زوّارتِ القُبورِ". رواه الترمذي وابن ماجه أيضاً، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلهم من رواية عمر بن أبي سلمة -وفيه كلام- عن أبيه عن أبي هريرة. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". الحديث: 3545 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 21 - (الترهيب من المرور بقبور الظالمين وديارهم ومصارعهم مع الغفلة عما أصابهم، وبعض ما جاء في عذاب القبر ونعيمه وسؤال منكرٍ ونكيرٍ عليهما السلام). 3546 - (1) [صحيح] عن ابن عمرَ رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأَصْحابِه -يعني لمّا وصلوا الحِجْرَ ديارَ ثَمودٍ-: "لا تَدْخلوا على هؤلاءِ المُعَذَّبَين إلا أنْ تكونوا باكينَ؛ فإنْ لَمْ تكونوا باكين فلا تَدْخُلوا علَيْهِمْ؛ لا يُصِيبُكُمْ ما أصابَهُمْ". رواه البخاري ومسلم. وفي رواية قال: (1) لما مرَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بـ (الحِجْرِ) قال: "لا تَدْخلوا مساكِنَ الَّذين ظَلمُوا أنْفُسَهم أنْ يُصيبَكُم ما أصابَهُمْ، إلا أنْ تكونوا باكينَ". ثمَّ قَنَعَ رأْسَهُ وأسْرَع السَّيْرَ حتَّى أجازَ الوادي. فصل 3547 - (2) [صحيح] عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ يهودِيَّة دخلَتْ عليها فذكرتْ عذابَ القَبْرِ، فقالَتْ لها: أعاذكِ الله مِنْ عذابِ القبْرِ. قالَتْ عائشةُ: فسألْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عذابِ القبْرِ؟ فقال:   (1) قلت: هذه الرواية للبخاري (4419) دون مسلم. الحديث: 3546 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 "نعم، عذابُ القبْرِ حَقٌّ". قالَتْ: فما رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدُ صلَّى صَلاةً إلا تَعوَّذَ مِنْ عَذابِ القَبْرِ". رواه البخاري ومسلم. 3548 - (3) [حسن صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الموْتَى لَيُعَذَّبونَ في قبورِهمْ، حتى إنَّ البهائم لَتَسْمَعُ أصْواتَهُم". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن (1). 3549 - (4) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لولا أنْ لا تدافَنوا لَدعْوتُ الله أنْ يُسْمِعَكُمْ عذابَ القَبرِ". رواه مسلم. 3550 - (5) [حسن] وعن هانئٍ مولى عثمان بن عفان قال: كان عثمانُ رضيَ الله عنه إذا وقَفَ على قبرٍ بَكى حتى يَبُلَّ لحْيَتَهُ، فقيلَ له: تذْكُرُ الجنَّةَ والنارَ فلا تَبْكي، وتبكي من هذا (2)؟ فقال: إنِّي سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "القبرُ أوَّلُ (3) منازِل الآخِرْةِ، فإنْ نَجا منه فما بعْدَهُ أيْسَرُ مهُ، وإنْ لَمْ يَنْجُ منه فما بَعْدَهُ أشَدُّ".   (1) في أكثر النسخ: (صحيح حسن) كما في "العجالة"، وقال: "وفي بعضها (حسن) فقط، وهو الأشبه". قد يكون كذلك، ولكنه بلا شك صحيح لغيره، فإن له شواهد معروفة، وقد خرجته في "الصحيحة" (1377). (2) الأصل: (وتذكر القبر فتبكي)، والتصحيح من الترمذي (3309). (3) الأصل هنا: (منزلٍ من)، والتصحيح من الترمذي. الحديث: 3548 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 قال: وسمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما رأيتُ مَنْظَراً قَطُّ إلا القَبرُ أَفْظَعُ مِنْهُ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب" (1). 3551 - (6) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ أحدَكم إذا ماتَ عُرِضَ عليه مَقْعَدُه بالغَداة والعَشِيِّ، إنْ كانَ مِنْ أهْلِ الجنَّةِ فمِنْ أهْلِ الجنَّةِ، وإنْ كانَ مِنْ أهْلِ النارِ فَمِنْ أهْلِ النارِ، فيُقالُ: هذا مَقْعدُك حتّى يَبْعَثَك الله يومَ القِيامَةِ". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. وأبو داود دون قوله: "فيقال. . ." إلى آخره. 3552 - (7) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن المؤمنَ في قبره لفي روضةٍ خضراءَ، فيُرَحِّبُ له [في] قبرهِ سبعين ذراعاً، وينوّرُ له كالقمرِ ليلةَ البدرِ. أتدرون فيم أنزلت هذه الآية: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} -قال:- أتدرونَ ما المعيشة الضَّنْكُ؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:   (1) في الأصل هنا قوله: (وزاد رزين فيه مما لم أره في شيء من نسخ الترمذي: قال هانئ: وسمعت عثمان ينشد على قبرٍ: فإن ننجُ منها ننجُ من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا إخالك ناجياً) قلت: قال الناجي (ق 222/ 2): "وكذا رواه ابن ماجه، والزيادة في آخره ليست عندهما، بل ولا عند (رزين)، إنما قلد صاحب "جامع الأصول" في نسبتها إليه توهماً لا أعرف سببه". قلت: ولذلك حذفتها من هنا، وخفي ذلك على من حقق "الجامع" سواء منهم من حقق الطبعة المصرية أو الشامية، وهو فيها برقم (8690)، الأمر الذي يدل على أنهم كانوا لا يرجعون في تحقيقهم إلى الأصول! هذا وقد فات الناجي رحمه الله أن ينّبه أيضاً على أن سياق الحديث يختلف عنه في "الترمذي" كما تقدم مني. الحديث: 3551 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 عذابُ الكافرِ في قبرهِ، والذي نفسي بيده! إنه يُسلط عليه تسعةٌ وتسعون تنيناً، أتدرون ما التنين؟! تسعون (1) حيةٌ، لكل حيةٍ سبعُ رؤوسٍ يلسعونه ويخدشونه إلى يوم القيامة". رواه أبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه" واللفظ له؛ كلاهما من طريق دراج عن ابن حجيرة. (2) 3553 - (8) [حسن] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر فَتَّانَ القبرِ، فقال عمر: أتُرَدُّ علينا عقولنا يا رسولَ الله؟ فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نعم كهَيْئتِكَ اليَوْمَ". فقال عمر: بفيهِ الحَجَر! رواه أحمد من طريق ابن لهيعة، والطبراني بإسناد جيد (3). 3554 - (9) [صحيح لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله! تُبتلى هذه الأمة في قبورِها، فكيف بي وأنا امرأة ضعيفةٌ؟ قال: " {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} ". رواه البزار، ورواته ثقات.   (1) الأصل: (سبعون)، وكذا في "موارد الظمآن إلى زوائد صحيح ابن حبان" (782)، والتصحيح من "مجمع الزوائد" (3/ 55) برواية أبي يعلى، و"تفسير ابن كثير" برواية ابن أبي حاتم و"المجمع" أيضاً برواية أخرى للبزار. وغفل عن هذا الجهلة كعادتهم! (2) قد تبين لي بعد لأي أن رواية دراج عن ابن حجيرة مستقيمة كما قال أبو داود؛ لذلك حسنتُ حديثه هذا؛ بخلاف روايته عن أبي الهيثم؛ فهي ضعيفة كما حققته في "الصحيحة" تحت الحديث (3350). (3) قلت: فاته ابن حبان (778)، وإسناده أصح من إسناد أحمد، وكذا الطبراني (13/ 44/ 106)؛ فإنه عندهما من طريق ابن وهب متابعاً لابن لهيعة. الحديث: 3553 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 3555 - (10) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ العبدَ إذا وُضعَ في قبرِهِ وتولَّى عنه أصحابُه، وإنَّه ليسْمَعُ قرْعَ نِعالِهمْ إذا انْصَرفوا؛ أَتاه مَلَكانِ، فَيُقْعِدانهِ، فيقُولانِ لَهُ: ما كنتَ تَقولُ في هذا الرجلِ محمَّدٍ؟ فأمَّا المؤْمِنُ فيقولُ: أشْهَدُ أنَّه عَبْدُ الله ورسولُه، فيُقالُ له: انْظُرْ إلى مَقْعَدِكَ مِنَ النارِ أبْدلَكَ الله بِهِ مَقْعَداً مِنَ الجنَّةِ؛ -قال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: -فيراهُما جميعاً. وأمَّا الكافِرُ أوِ المُنافِقُ فيقولُ: لا أدري، كنْتُ أقولُ ما يقولُ الناسُ فيه! فيقالُ: لا دَرَيتَ ولا تَلَيْتَ، ثمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حديدٍ ضَربَةً بين أذُنَيْهِ فيصيحُ صَيْحةً يسمَعُها مَنْ يَليه إلا الثَّقلَيْنِ". رواه البخاري واللفظ له، ومسلم (1). وفي رواية: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ المؤْمِنَ إذا وُضعَ في قبرِه أتاه ملَكٌ فيقولُ له: ما كنتَ تعبُد؟ فإنِ الله هَداه قال: كُنتُ أعْبدُ الله، فيقولُ له: ما كنتَ تَقول في هذا الرجُلِ؟ فيقولُ: هو عبدُ الله ورسولُه، فما يُسْأَل عَنْ شيْءٍ غيرها، فيُنْطَلقُ به إلى بيتٍ كان لَهُ في النارِ فيُقال له: هذا [بيتك] كان لَك في النار، ولكنَّ الله عصَمَك فأبْدلَك بِه بيْتاً في الجنَّةِ، فيراه فيقولُ: دَعوني حتَّى أذْهبَ فأُبَشِّرَ أهْلي، فيقالُ له: اسْكُنْ. قال: وإنَّ الكافِرَ أوِ المُنافِقَ إذا وُضعَ في قبْرهِ أتاه مَلَكٌ فينْتَهِرُه فيقولُ له: ما كنتَ   (1) قلت: أخرجه في "الجنة" رقم (2870) لكن دون قوله: (وأما الكافر أو المنافق. .)، فلو عزاه لأبي داود (4752) والنسائي في "الجنائز" لكان أولى، فإنهما أخرجاه بتمامه، وكذا البخاري، وهو مخرج في "الصحيحة" (1344). وهو في "مختصر البخاري" برقم (641). الحديث: 3555 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 تعبُد؟ فيقولُ: لا أدْري! فيقالُ [له]: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ. فيقالُ له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ؟ فيقولُ: كنتُ أقولُ ما يقولُ الناسُ! فيضرِبُه بمِطراقٍ (1) [من حديد] بيْن أذُنَيْهِ فيصيحُ صيْحَةً يسمَعُها الخَلْقُ غيرُ الثَّقلَيْنِ" (2). ورواه أبو داود نحوه، والنسائي باختصار. 3556 - (11) [صحيح] ورواه أحمد بإسناد صحيح من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ بنحو الرواية الأولى، وزاد في آخره: فقال بعضُ القوْمِ: يا رسولَ الله! ما أحَدٌ يقومُ علَيْهِ ملَكٌ في يدِه مطْراقٌ إلا هيل (3). فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} ". 3557 - (12) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالَتْ: جاءَتْ يهودِيَّة اسْتَطْعَمتْ على بابي فقالَتْ: أطْعِموني أعاذَكُم الله مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، ومِنْ فِتْنَةِ عذاب القبْرِ. قالَتْ: فلَمْ أَزَلْ أحْبِسُها حتّى جاءَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلتُ: يا رسوْلَ الله! ما تقولُ هذه اليَهودِيَّةُ؟ قال: "وما تقولُ؟ ". قلتُ: تقولُ: أعاذَكُم الله مِنْ فتْنَةِ الدَّجَّالِ، ومِنْ فتْنَةِ عذابِ القَبْرِ. قالت عائشة: فقامَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرفَع يَديْه مدّاً، يَسْتَعيذُ بالله مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ،   (1) آلة الطرق. وهو بمعنى (المطرقة). (2) قلت: لم يعز هذه الرواية لأحد، وظاهر قوله: "وفي رواية. . ." أنها للشيخين، وهو خطأ وإنما هي لأبي داود (رقم - 4751) مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ، والزيادات منه، ومن تفاهة تخريجات المعلقين الثلاثة أنهم عزو الحديث لأبي داود برقم (3231)، وهذا ليس فيه من هذا الحديث الطويل ولا حرف واحد! (3) أي: فقد عقله. الحديث: 3556 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 ومِنْ عذابِ القَبْرِ. ثُمَّ قال: "أمّا فِتْنَةُ الدَّجَّال، فإنَّه لَمْ يكُنْ نَبِيٌّ إلا [قد] حَذَّر أُمَّتَهُ، وسأُحَدِّثُكُمُـ[ـوهُ] بحَديثٍ لَمْ يُحذِّرْهُ نبيٌّ أمِّتهُ: إنَّه أَعْوَرُ، وإنَّ الله ليْسَ بأَعْورَ، مكتوبٌ بيْنَ عَيْنَيْهِ كافِرُ، يَقْرَؤهُ كلُّ مؤْمِنٍ. فأمَّا فِتْنَةُ القَبرِ، فبِي تُفْتَنون، وعَنِّي تُسْأَلون، فإذا كانَ الرجلُ الصالِح أُجِلسَ في قبره غيرَ فَزِعٍ ولا مشْعوفٍ، ثُمَّ يقال لهُ: فيمَ كنتَ؟ فيقول في الإسْلامِ. فيقالُ: ما هذا الرجلُ الذي كانَ فيكُم؟ فيقولُ: مُحمَّد رسولُ الله، جاءَنا بالبَيِّناتِ مِنْ عندِ الله فصدَّقْناه، فَيُفْرَجُ له فُرجَةٌ قِبَلَ النارِ، فيَنْظُر إليها يحَطِمُ بعضُها بعْضاً، فيقالُ له: انْظُرْ إلى ما وقَاك الله، ثُمَّ يُفْرَجُ له فُرْجَةٌ إلى الجنَّةِ، فيَنْظُرُ إلى زَهْرَتِها وما فيها، فيُقالُ له: هذا مَقْعدُكَ منها، ويُقالُ: على اليَقين كنتَ، وعليه مِتَّ، وعليه تُبْعَثُ إنْ شاءَ الله. وإذا كانَ الرجلُ السوءُ، أُجلِسَ في قبرهِ فَزِعاً مشْعوفاً فيُقالُ له: فيمَ كنتَ؟ فيقولُ: سمعتُ الناسَ يقولون قولاً فقلتُ كما قالوا، فيُفْرَجُ له فُرجةٌ إلى الجنَّةِ، فيَنْظُر إلى زَهْرَتِها وما فيها، فيقالُ له: انْظُر إلى ما صرَف الله عنك، ثُمَّ يُفْرَجُ له فُرجَةٌ قِبَلَ النارِ، فينْظُر إليْها يَحطِمُ بعضُها بعْضاً، ويقالُ [له]: هذا مَقْعَدُك منها، على الشَّكُّ كنْتَ، وعليه مِتَّ، وعليه تُبْعَثُ إنْ شاءَ الله، ثُمَّ يُعَذَّبُ". رواه أحمد بإسناد صحيح. قوله: "غير مشعوف" هو بشين معجمة بعدها عين مهملة وآخره فاء، قال أهل اللغة: " (الشعف): هو الفزع حتى يذهب بالقلب". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 3558 - (13) [صحيح] وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خَرجْنا مع رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جَنازَةِ رجلٍ مِنَ الأنْصارِ، فانْتَهيْنا إلى القَبْرِ، ولمَّا يُلحَدْ بعدُ، فجلسَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجلَسْنا حولَه كأنَّما على رؤوسِنا الطيرُ، وبيدهِ عودٌ ينْكُتُ به في الأرْضِ، فرفَع رأْسَهُ فقال: "اسْتَعيذوا بالله مِنْ عذابِ القَبْر، (مرتين أو ثلاثاً) ". [صحيح] زاد في رواية (1): وقال: "وإنَّه لَيَسْمَعُ خفْقَ نعالِهم إذا وَلَّوا مُدْبِرينَ، حينَ يُقال له: يا هذا! مَنْ ربُّك؟ وما دينُك؟ ومَنْ نَبِيُّك؟ ". [صحيح] وفي رواية (2): "ويأتيهِ ملَكانِ فيُجْلِسانِه، فيقولانِ له: مَنْ ربُّكَ؟ فيقولُ: ربِّيَ الله. فيقولانِ لَهُ: وما دينُكَ؟ فيقولُ: دينيَ الإسْلامُ، فيقولانِ له: ما هذا الرجلُ الَّذي بُعِثَ فيكُمْ؟ فيقولُ: هو رسولُ الله، فيقولان له: وما يُدْريكَ؟ فيقولُ: قرأتُ كِتابَ الله، وآمنتُ وصدَّقْتُ". [صحيح] زاد في رواية (3): "فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}، فيُنادي مُنادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أنْ صَدق عَبْدي، فأَفْرِشُوهُ مِنَ الجَنَّةِ وألْبِسوهُ مِنَ الجنَّةِ، وافْتَحوا لَهُ باباً إلى الجنَّةِ، فيأْتيه مِنْ رَوْحِها وطيبِها، ويُفْسَحُ له في قَبرِه مَدَّ بَصرِه.   (1) قلت: يعني جريراً الراوي عن الأعمش، وأما أصل الرواية فهي عن أبي معاوية عنه. فاحفظ هذا فإنه يسهل عليك فهم ما يأتي من التعليق. على أن الناجي قد تعقب المؤلف في قوله هنا وفيما يأتي بقوله -وقد أحسن-: "ينبغي أن يقول: "وفي لفظ"، فإنه حديث واحد". (2) كان الأولى أن يقول: (وفي الرواية الأولى)؛ أي رواية أبي معاوية التي بدأ المؤلف بها. (3) قلت: يعني جريراً الراوي عن الأعمش، وأما أصل الرواية فهي عن أبي معاوية عنه. فاحفظ هذا فإنه يسهل عليك فهم ما يأتي من التعليق. على أن الناجي قد تعقب المؤلف في قوله هنا وفيما يأتي بقوله -وقد أحسن-: "ينبغي أن يقول: "وفي لفظ"، فإنه حديث واحد". الحديث: 3558 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 وإنَّ الكافِرَ -فذكر موتَهُ قال:- فتُعادُ روحه في جَسَدِه، ويأتيهِ مَلكانِ فيُجْلِسانِه، فيقولانِ [له]: مَنْ ربُّك؟ فيقولُ: هاه، هاه (1)، لا أدْري. فيقولان: ما دينُك؟ فيقولُ: هاه، هاه، لا أدْري. فيقولانِ له: ما هذا الرجلُ الذي بُعثَ فيكُمْ؟ فيقولُ: هاه، هاه، لا أدري. فينادي منادٍ مِنَ السماءِ: أنْ قد كذَبَ، فأفْرِشوهُ مِنَ النارِ، وألْبِسوهُ منَ النارِ، وافْتَحوا له باباً إلى النارِ. فَيأْتيه مِنْ حَرِّها وسَمُومِها، ويُضَيَّقُ عليه قَبْرُه حتى تَخْتَلِفَ فيه أضْلاعُه، -زاد (2) في رواية:- ثُمَّ يُقَيَّضُ لَه أعْمى أبْكَمُ معَه مِرْزَبَةٌ (3) مِنْ حديدٍ، لو ضُرِبَ بها جبلٌ لصارَ تُراباً، فيضرِبُه بِها ضَربةً يسْمَعُها ما بينَ المشْرِقِ والمغْربِ إلا الثَّقَليْنِ، فيصيرُ تُراباً، ثُمَّ تعادُ فيه الروحُ". رواه أبو داود. [صحيح] ورواه أحمد بإسناد رواته محتج بهم في "الصحيح" أطول من هذا، ولفظه قال: خَرجْنا معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكَر مثلَهُ إلى أنْ قال: فرفَع رأْسَه فقالَ: "اسْتَعيذوا بالله من عَذابِ القَبْرِ. (مرتين أو ثلاثاً) ". ثُمَّ قال: "إنَّ العبْدَ المؤمِنَ إذا كانَ في انْقِطاع مِنَ الدُّنيا وإقْبالٍ مِنَ الآخِرَةِ نَزل إليه مِلائكةٌ مِنَ السماء بِيضُ الوُجوهِ، كأنَّ وُجوهَهُم الشمسُ، معَهم كَفَنٌ مِنْ أكفانِ الجَنَّةِ، وحَنوطٌ مِنْ حَنوطِ الجنَّةِ، حتى يَجْلِسوا منه مَدَّ البَصِر، ثُمَّ يَجيءُ مَلَكُ الموْتِ عليه السلامُ؛ حتى يجْلِس عند رأْسِهِ فيقولُ: أيَّتُها النَّفْسُ   (1) هي كلمة وعيد، وهي أيضاً حكاية الضحك والنوح كما في "اللسان". ويأتي نحوه آخر الحديث من المؤلف. (2) انظر تعليق رقم (1 و3) في الصفحة السابقة. (3) بتخفيف الباء: وهي المطرقة الكبيرة كما تقدم قريباً تحت الحديث (8). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 الطيِّبَةُ! اُخْرُجي إلى مَغْفرَةٍ مِنَ الله ورِضْوانٍ، (قال:) فَتَخْرجُ فتَسيلُ كما تسيلُ القَطْرَةُ منْ في السِّقاءِ، فيأخُذُها، فإذَا أخَذَها لَمْ يَدَعوها في يَدِه طَرْفَةَ عينٍ حتى يأْخُذوها فيَجْعَلوها في ذلك الكَفَنِ، وفي ذلك الحَنوطِ، ويَخْرجُ منها كأطيبِ نَفحةِ مِسكٍ وُجِدَتْ على وجْهِ الأرْضِ، (قال:) فيصْعَدون بها، فلا يَمُرُّونَ [يعني بها] على مَلأٍ مِنَ الملائكَةِ إلا قالوا: ما هذا الروحُ الطيِّب؟ فيقولون: فلانُ ابْنُ فلانٍ، بأحْسَنِ أسْمائه التي كانَ يسَمُّونَه بها في الدُّنيا، حتى يَنْتَهوا بِها إلى السماءِ الدُّنيا، فيَسْتَفْتِحونَ له، فيُفْتَح ل هـ[ـم]، فَيُشَيِّعهُ مِن كلِّ سماءٍ مُقَرِّبوها إلى السماءِ الَّتي تَليهِا، حتى يَنْتَهيَ بِها إلى السماءِ السابِعَةِ، فيقول الله عزَّ وجَلَّ: اكْتُبوا كتاب عبْدي في عَلِّيِّينَ، وأَعيدوه إلى الأرْضِ [فإنِّي منها خلَقْتُهم، وفيها أعيدُهم، ومنها أُخْرِجُم تارَةً أُخْرى، فتُعادُ روحُه] (1) في جَسده، فيَأْتيه مَلَكانِ فيُجْلِسانِه، فيقولانِ: مَنْ ربُّكَ؟ فيقولُ: ربِّيَ الله، فيقولانِ: ما دينُكَ؟ فيقولُ: دينيَ الإسْلامُ، فيقولانِ: ما هذا الرجلُ الذي بُعِثَ فيكُمْ؟ فيقولُ: هو رسولُ الله، فيقولان له. وما عَملك (2)؟ فيقولُ: قرأتُ كتابَ الله فآمَنْتُ به، وصدَّقْتُه. فينادي منادٍ مِنَ السَّماءِ: أنْ صَدق عَبْدي، فأفْرِشوهُ مِنَ الجنَّةِ، [وألبسوه من الجنة]، وافْتَحوا لَه باباً إلى الجنَّة، -قال:- فَيأْتيهِ مِنْ رَوْحِها وطيبها، وُيفْسَحُ له في قبرِه مَدَّ بصَرهِ، -قال:- ويأْتيهِ رجُلٌ حَسنُ الوَجْهِ، حَسنُ الثِّيابِ، طَيِّبُ الريحِ، فيقولُ: أبْشِرْ بالَّذي يَسرُّكَ، هذا يومُك الَّذي كنتَ تُوعَدُ. فيقولُ: مَنْ أنْتَ؟ فوجْهُك الوَجْهُ يَجيءُ بالْخَيْرِ، فيقولُ: أنا عَمَلُكَ الصالِحُ. فيقولُ: ربِّ أقِم الساعَةَ، حتَّى أرْجعَ إلى أهْلي ومالي.   (1) زيادة من "المسند"، ومنه الزيادات الأخرى ضل عنها الثلاثة، مع أنهم عزوه إلى "المسند" بالجزء والصفحة (4/ 287)!!! وانظر "أحكام الجنائز" (ص 198 - 202). (2) الأصل: (ما يدريك)، والتصويب من "المسند". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 وإنَّ العَبْد الكافِرَ إذا كان في انْقِطاعٍ مِنَ الدنيا، وإقْبال مِنَ الآخِرَة نَزل إليه [مِنَ السَماءِ] ملائكةٌ سُودُ الوجوهِ، معَهم المُسوحُ، فيَجْلِسونَ منه مَدَّ البَصرِ، ثُمَّ يَجيءُ مَلَك المَوْتِ حتى يَجْلِسَ عند رَأْسِه، فيقولُ: أيَّتُها النفْس الخَبيثَةُ! اخْرُجي إلى سخَطٍ مِنَ الله وغَضَب [قال:] فَتُفَرِّقُ في جَسَدِه، فيَنْتَزِعُها كما يُنْتَزَعُ السَّفودُ مِنَ الصوفِ المبْلولِ، فيأْخُذها، فإذا أخذَها لَمْ يَدعوها في يَدهِ طَرْفةَ عَيْنٍ حتى يَجْعَلوها في تِلْكَ المسُوح، وَيخرُج منها كأنْتَنِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ على وَجْهِ الأرْضِ، فيَصْعَدون بِها فلا يَمُرُّونَ بها على ملأ مِنَ الملائِكةِ إلا قالوا: ما هذا الروحُ الخَبيثُ؟ فيقولون: فلانُ ابْن فلانٍ، بأقْبَحِ أسْمائِه التي كانَ يُسَمَّى بِها في الدنيا، حَتَّى يُنْتَهى به إلى السماء الدنيا، فيُسْتَفْتَحُ لَهُ، فلا يُفْتَحُ لَهُ، ثُمَّ قَرأَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، فيقولُ الله عزَّ وجلَّ: اكتُبوا كتابَه في سجِّينٍ في الأَرْضِ السفْلى، فتُطْرَحُ روحُه طَرْحاً، ثُمَّ قرأ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}، فتُعادُ روحُه في جَسَده، ويَأْتيه مَلَكانِ فيُجْلِسانِه، فيَقولانِ لهُ: مَنْ رَبُّك؟ فيقولُ: هاه، هاه، لَا أدْري، قال: فيقولان له: ما دينُكَ؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدْري، قالَ: فيقولانِ له: ما هذا الرجلُ الَّذي بُعثَ فيكم؟ فيقولُ: هاه، هاه، لا أدري، فينادي منادٍ مِنَ السماءِ: أنْ كَذَبَ، فأَفْرِشوهُ مِنَ النارِ، وافْتَحوا له باباً إلى النارِ، فيأتيه مِنْ حَرِّها وسَمومِها، ويُضَيَّقُ عليه قبرُه حتى تَخْتلِفَ فيه أضْلاعُه، ويأتيهِ رجل قبيحُ الوجْهِ، قبيحُ الثِيابِ، مُنْتِنُ الريح، فيقولُ له: أبشِرْ بالذي يَسُوؤكَ، هذا يومُكَ الذي كنتَ توعَدُ، فيقولَ: مَن أنْتَ؟ فوجْهُكَ الوجْة يجيءُ بالشَرِّ، فيقول: أنا عملُكَ الخَبيث. فيقولُ: ربِّ لا تُقمِ الساعَةَ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 [صحيح] وفي رواية له بمعناه، وزاد: "فيأتيهِ آتٍ قبيحُ الوجْه قبيحُ الثياب، منتنُ الريح، فيقولُ: أبشِرْ بهَوانٍ مِنَ الله وعذَاب مُقيمٍ، فيقول: [وأنت فـ] بَشَّركَ الله بالشرِّ مَنْ أنْتَ؟ فيقولُ: أنا عَملُكَ الخَبيثُ، كنتَ بَطيئاً عَنْ طاعَةِ الله سَريعاً في مَعصِيَتِه، فجزَاك الله شرّاً. ثُمَّ يُقَيَّضُ له أعْمى أصَمُّ في يديهِ مِرْزَبَةٌ لو ضُرِبَ بها جَبلٌ كان تُراباً، فيضرِبُه ضَرْبَةً فيصيرُ تُراباً، ثُمَّ يعُيدُه الله كما كان، فيضرِبُه ضرْبةً أُخْرى؛ فيصيحُ صَيْحةً يسْمَعُه كلُّ شيْءٍ إلا الثقلَيْنِ. -قال البراء-: ثمَّ يُفتَح له بابٌ مِنَ النارِ، ويُمَهَّدُ له مِنْ فُرشِ النارِ". (قال الحافظ): "هذا الحديث حديث حسن، رواته محتج بهم في "الصحيح" كما تقدم، وهو مشهور بالمنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء. كذا قال أبو موسى الأصبهاني رحمه الله. والمنهال روى له البخاري حديثاً واحداً. وقال ابن معين: المنهال ثقة. وقال أحمد العِجلي: كوفي ثقة، وقال أحمد بن حنبل: تركه شعبة على عمد. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: لأنه سُمع من داره صوتُ قراءةٍ بالتطريب. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: أبو بشر أحب إليَّ من المنهال، وزاذان ثقة مشهور، ألانَهُ بعضهم، وروى له مسلم حديثين في (صحيحه). قوله: (هاه هاه): هي كلمة تقال في الضحك، وفي الإيعاد، وقد تقال للتوجع، وهو أليق بمعنى الحديث. والله أعلم. 3559 - (14) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ المؤْمِنَ إذا قُبِضَ أتَتْه ملائكةُ الرحمَة بِحَريرَةٍ بيْضاءَ، فيقولونَ: اخْرجي إلى رَوْحِ الله، فتَخْرُج كأَطْيَبِ ريحِ المِسْكِ حتى إنَّه لَيُناوِلُه بَعْضُهم الحديث: 3559 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 بَعْضاً، فيَشُمُّونَهُ، حتى يأْتون به بابَ السماءِ، فيقولونَ: ما هذه الريحُ الطيِّبَةُ التي جاءَتْ مِنَ الأرْضِ؟ ولا يَأْتُونَ سماءً إلا قالوا مِثْلَ ذلك، حتى يأْتُونَ بِه أرْواحَ المُؤْمِنينَ، فلَهُم أشَدّ فَرحاً مِنْ أَهْلِ الغائِبِ بغائِبهمْ، فيقولون: ما فَعل فلانُ؟ فيقولونَ: دَعوهُ حتى يَسْتَريحَ؛ فإنَّه كانَ في غَمِّ الدنْيا، فيقولُ: قد ماتَ، أما أتاكُم؟ فيقولون: ذُهِبَ به إلى أُمِّه الهاوِيَةِ. وأما الكافِرُ، فَتَأْتيهِ ملائكَةُ العَذابِ بمِسَحٍ، فيقولون: اخْرُجي إلى غَضَبِ الله، فتَخْرُج كأنْتَنِ ريحِ جيفَةٍ، فيذْهَبُ به إلى بابِ الأرْضِ". رواه ابن حبان في "صحيحه"، وهو عند ابن ماجه بنحوه بإسناد صحيح. 3560 - (15) [حسن] وعن أبي هريرة أيضاً؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا قُبرَ الميِّتُ -أو قالَ: أحدُكُم- أتاه ملَكان أسْوَدان أزْرَقان، يقالُ لأحَدِهما المُنْكَرُ، وللآخَرِ النَّكيرُ، فيقولان: ما كُنْتَ تقولُ في هذا الرجُلِ؟ فيقول ما كانَ يقولُ: هو عبدُ الله ورسولُه، أشْهَدُ أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محَمَّداً عبدُه ورسولُه. فيقولان: قد كنّا نعلَمُ أنَّك تقولُ هذا، ثُمَّ يُفْسَحُ له في قبْرهِ سبْعونَ ذراعاً في سبْعينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ له فيه، ثُمَّ يقالُ له: نَمْ، فيقولُ: أرْجعُ إلى أهْلي فأُخْبِرهُم؟ فيقولان: نَمْ كنَوْمَةِ العَروسِ الذي لا يوقِظُه إلا أحَبُّ أهْلِه إلَيْه، حتى يَبْعَثَهُ الله مِنْ مَضْجَعِه ذلك. وإنْ كانَ منافِقاً قال: سمعتُ الناسَ يقولون قولاً فقُلْتُ مِثْلَهُ: لا أدري! فيقولان: قد كنَّا نعلَمُ أنَّك تقولُ ذلك، فيُقالُ للأَرْضِ: الْتَئِمي عليه، فتَلْتَئم عليه، فتَخْتَلِفُ أضْلاعُه، فلا يَزالُ فيها مُعَذباً حتى يَبْعَثَهُ الله مِنْ مضْجَعِه ذلك". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، وابن حبان في "صحيحه". الحديث: 3560 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 (العروس): يطلق على الرجل وعلى المرأة، ما داما في أعراسهما. 3561 - (16) [حسن] وعن أبي هريرة أيضاً عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الميِّتَ إذا وُضعَ في قبْرِه إنَّه يَسْمعُ خَفْقَ نِعالهم حينَ يُوَلُّون مدْبِرينَ، فإنْ كان مؤْمِناً كانتِ الصلاةُ عند رأْسِه، وكانَ الصيامُ عنْ يَمينِه، وكانَتِ الزكاةُ عَنْ شِمالَه، وكان فعلُ الخيرات منَ الصدقة والصلاةِ والمعْروفِ والإحْسانِ إلى الناسِ عند رجْلَيْهِ، فيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رأْسِه فتقولُ الصلاةُ: ما قِبلي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتى عَنْ يَمينِه فيقولُ الصيامُ: ما قِبَلي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتى عنْ يَسارِه فتقولُ الزكاةُ: ما قِبَلي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رجْلَيْه فيقولُ فِعْلُ الخيْراتِ مِنَ الصدَقَةِ والصلاةِ والمعْروفِ والإحْسانِ إلى الناسِ: ما قِبَلي مَدْخَلٌ، فيقالُ لَهُ: اجلِسْ، فيَجْلِسُ قد مَثُلَتْ لَهُ الشمْسُ، وقد آذَنَتْ (1) للْغُروبِ، فيُقال له: أرأَيْتَكَ هذا الَّذي كانَ قِبَلَكُم؛ ما تقولُ فيه، وماذا تَشْهَدُ عليه؟ فيقولُ: دعوني حتّى أُصَلِّي، فيقولونَ: إنَّكَ سَتفْعَلُ، أخْبِرْنا عَمَّا نسْأَلُك عنه؛ أرأَيْتَك هذا الرجُلَ الَّذي كان قِبَلَكُمْ؛ ماذا تَقُولُ فيه، وماذا تَشْهَدُ عليه؟ قال: فيقولُ: محَمَّدٌ؛ أشْهَدُ أنَّه رسولُ الله، - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنَّه جاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عندِ الله، فيُقالُ له: على ذلك حَيِيْتَ، وعلى ذلك مُتَّ، وعلى ذلك تُبْعَثُ إنْ شاءَ الله، ثُمَّ يُفْتَحُ له بابٌ مِنْ أبْوابِ الجَنَّةِ فيقُالُ له: هذا مَقْعَدُكَ مِنْها، وما أَعَدَّ الله لَك فيها، فَيزْدادُ غِبْطَةٌ وسروراً، ثُمَّ يُفْتَحٌ له بابٌ مِنْ أبْوابِ النارِ، فيُقالُ له: هذا مقْعَدُكَ وما أعدَّ الله لك فيها لَوْ عَصْيتَهُ، فيَزْدادُ غِبْطَةً وسُروراً،   (1) وقع في نسخة الناجي (دنت) من (الدنو). وقال: "وهو الصواب بلا شك، وفي النسخ (آذنت) من (الإيذان)، وهو تصحيف ظاهر". قلت: وعلى الصواب وقع في "مستدرك الحاكم" (1/ 379). الحديث: 3561 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 ثُمَّ يُفْسَحُ له في قَبْرِه سَبْعون ذِراعاً، وُينَوَّرُ له فيه، ويُعادُ الجَسدُ لِما بُدِئَ مِنْهُ، فتُجْعَلُ نَسَمتُه في النَّسَم الطيِّبِ، وهي طيرٌ تَعْلُق (1) مِنْ شَجَر الجَنَّةِ، فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} " الآية. وإنَّ الكافِرَ إذا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رأْسِه لَمْ يوجَدْ شَيْءٌ، ثُمَّ أُتِيَ عَنْ يَمينِه فلا يُوجَدُ شَيْءٌ، ثُمَّ أُتِيَ عَنْ شِمالِه فلا يُوجَدُ شَيْءٌ، ثُمَّ أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْه فلا يَوجَدُ شَيْءٌ، فيُقالُ لَهُ: اجْلِسْ، فيَجْلِسُ مَرْعوباً خائفاً، فيقالُ: أرأَيْتَك هذا الرجلَ الّذي كانَ فيكُم؛ ماذا تقولُ فيه؟ وماذا تَشْهَدُ عليه؟ فيقولُ: أيُّ رجلٍ؟ ولا يَهْتَدي لاسْمِه، فيقالُ له: مُحَمَّدٌ، فيقول: لا أدْري، سمعتُ الناسَ قالوا قولاً، فقُلْتُ كما قالَ الناسُ! فيقُالُ لَهُ: على ذلك حَيِيْتَ، وعليه مِتَّ، وعليه تُبْعثُ إنْ شاءَ الله، ثُمَّ يُفْتَحُ له بابٌ مِنْ أبوابِ النار فيُقالُ له: هذا مَقْعَدُك مِنَ النار، وما أعَدَّ الله لك فيها، فيَزْدادُ حَسْرةً وثُبوراً، ثُمَّ يُفْتَح لَهُ بابٌ مِنْ أبوابِ الجنَّةِ، فَيُقالُ له: هذا مَقْعَدُك مِنْها، وما أَعَدَّ الله لَك فيها لوْ أطَعْتَهُ، فيَزْدادُ حَسْرةً وثُبوراً، ثُمَّ يُضَيَّق عليه قَبرُه حتى تَخْتَلِفَ فيه أضْلاعُه، فتلك المعيشَةُ الضنكة التي قالَ الله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} ". رواه الطبراني في "الأوسط"، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له، وزاد الطبراني: "قال أبو عمر يعني الضرير: قلت لحماد بن سلمة: كان هذا من أهل القبلة؟ قال:   (1) قال الناجي: "بفتح اللام؛ أي: تأكل. كذا وجد في بعض النسخ، وفي بعضها بضم اللام، والضم هو المشهور المقدم في كتب اللغة والغريب. .". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 نعم. قال أبو عمر: كان يشهد بهذه الشهادة على غير يقين يرجع إلى قلبه؛ كان يسمع الناس يقولون شيئاً فيقوله". [حسن] وفي رواية للطبراني: "يُؤتَى الرجُلُ في قَبرِه، فإذا أُتِيَ مِنْ قِبلَ رأْسِه دفَعتْهُ تِلاوةُ القُرآنِ، وإذا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ يديْهِ دفَعتْهُ الصدَقَةُ، وإذا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رجلَيْهِ دَفعهُ مشْيُه إلى المسَاجِدِ. . ." الحديث. (النَّسَمة) بفتح النون والسين: هي الروح. قوله (تعلُق) بضم اللام؛ أي: تأكل. (قال الحافظ): "وقد أملينا في "الترهيب من إصابة البول الثوب" وفي "النميمة" جملة من الأحاديث في أن عذاب القبر من البول والنميمة، لم نعد من تلك الأحاديث هنا شيئاً، والأحاديث في عذاب القبر وسؤال الملكين كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية. والله الموفق، لا ربَّ غيره". 3562 - (17) [حسن لغيره] وقد روي عن ابن عمروٍ (1) رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ مسْلمٍ يموتُ يومَ الجُمعَةِ أوْ ليلَةَ الجُمعَةِ إلا وقَاهُ الله فِتْنَة القَبْرِ". رواه الترمذي، وغيره، وقال الترمذي: "حديث غريب، وليس إسناده بمتصل" (2).   (1) الأصل وطبعة عمارة: (ابن عمر)، وهو خطأ. (2) قلت: لكن له طريق أخرى وشواهد عند أحمد وغيره، كما في "المشكاة" و"أحكام الجنائز"، وأخرجه الضياء في "المختارة". الحديث: 3562 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 22 - (الترهيب من الجلوس على القبر، وكسر عظم الميت). 3563 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لأَنْ يجلِسَ أحدُكم على جَمرةٍ فتَحْرِقَ ثيابَهُ فتَخْلُصَ إلى جِلْدِه؛ خَيرٌ له مِنْ أنْ يَجْلِسَ على قَبْرٍ". رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. 3564 - (2) [صحيح] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لأَنْ أمْشي على جَمْرَةٍ أو سَيْفٍ، أو أخْصِفَ نَعْلي بِرجْلي؛ أحَبُّ إليَّ مِنْ أنْ أمْشِيَ على قَبْرٍ". رواه ابن ماجه بإسناد جيد. 3565 - (3) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "لأَنْ أطأَ على جَمْرَةٍ أحبُّ إليَّ مِنْ أنْ أطأ على قبْرِ مسْلمٍ". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن، وليس في أصلي رفعُه. 3566 - (4) [صحيح لغيره] وعن عمارة بن حزم رضي الله عنه قال: رآني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: جالساً على قبرٍ فقال: "يا صاحبَ القبرِ! انزلْ مِن على القبرِ، لا تؤذي (1) صاحبَ القبرِ، ولا يؤذيك".   (1) كذا الأصل بإثبات حرف العلة، وكذا هو في "جامع المسانيد" لابن كثير (ج 9/ 315/ 6832) و"أطراف المسند" لابن حجر (5/ 13/ 6521)، والحديث ليس في المطبوع من "معجم الطبراني الكبير". و (لا) هنا نافية بمعنى النهي، ولم يُذكر في بعض الروايات الصحيحة. الحديث: 3563 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 رواه الطبراني في "الكبير" من رواية ابن لهيعة (1). 3567 - (5) [صحيح] وروي عن عائشة رضي الله عنها قالَتْ: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كَسْرُ عَظْمِ المِّيتِ ككَسْرِه حَيّاً". رواه أبو داود وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه".   (1) قال الناجي (224/ 1): "وقد رواه بمعناه أحمد من حديث عمرو بن حزم". قلت: لم أره في "مسند أحمد"، ولا عزاه إليه الهيثمي (3/ 61)، وإنما لـ"الطبراني"، وقد رواه الطحاوي في "شرح المعاني" عن ابن لهيعة أيضاً. وقد أشار البغوي في "شرح السنة" (5/ 410) إلى تضعيف هذا الحديث. وراجع لهذا تعليقي على "المشكاة" (1/ 541) الذي استفاد منه المعلق على "الشرح" دون أن ينبه عليه كما هي عادته! وقد وجدت لابن لهيعة متابعاً قوياً، وطريقاً أخرى فيها: "ولا يؤذيك"، مما استوجب ذكره في هذا "الصحيح" والحمد لله. وهو مخرج في "الصحيحة" (2960). الحديث: 3567 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 26 - كتاب البعث وأهوال يوم القيامة. (قال الحافظ): "وهذا الكتاب بجملته ليس صريحاً في "الترغيب والترهيب"، وإنما هو حكاية أمور مهولة تَؤُول بالسعداء إلى النعيم، وبالأشقياء إلى الجحيم، وفي غضونها ما هو صريح فيها أو كالصريح، فلنقتصر على إملاء نُبَذٍ منه يحصل بالوقوف عليها الإحاطة بجميع معاني ما ورد فيه على طرف من الإجمال، ولا يخرج عنها إلا زيادةٌ شاذة في حديث ضعيف أو منكر، إذ لو استوعبنا منه كما استوعبنا من غيره من أبواب هذا الكتاب لكان ذلك قريباً مما مضى، ولخرجنا عن غير المقصود إلى الإطناب الممل. والله المستعان، وجعلناه فصولاً (1) ". 1 - فصل في النفخ في الصور وقيام الساعة 3568 - (1) [صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: جاءَ أعْرابيٌّ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ما الصُّورُ؟ قال: "قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ". رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه". 3569 - (2) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كيفَ أنْعَمُ وقدِ التَقم صاحِبُ القْرنِ القَرنَ، وحنى جَبْهَتَهُ، وأصْغَى سَمْعَهُ؛ يَنْتَظرُ أنْ يُؤْمَر فَينْفُخَ؟! ". فكأنَّ ذلك ثَقُلَ على أصْحابِه فقالوا: كيفَ نَفْعَلُ يا رسول الله! أوَ نَقولُ؟ قال: "قولوا: حَسْبُنا الله، ونِعْمَ الوكيلُ، على الله توَكَّلْنا -وربَّما قالَ: توكَّلْنا   (1) قلت: وعلى ذلك، فقد رأينا أن نعامل الفصول هنا معاملتنا للأبواب، من حيث إعطاء رقم لكل فصل؛ رقمه المتسلسل. الحديث: 3568 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 على الله-". رواه الترمذي، واللفظ له، وقال: "حديث حسن"، وابن حبان في "صحيحه". 3570 - (3) [صحيح لغيره] ورواه أحمد، والطبراني من حديث زيد بن أرقم. 3571 - (4) [صحيح لغيره] ومن حديث ابن عباس أيضاً. 3572 - (5) [صحيح لغيره] وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ". . . فوالذي نفسي بيده إن الرجلين ينشران الثوبَ فلا يطويانه، وإن الرجل لَيمْدُرُ حوضَه فلا يسقي منه شيئاً أبداً، والرجل يحلبُ ناقته فلا يشربه أبداً". رواه الطبراني بإسناد جيد رواته ثقات مشهورون. (1) (مَدَر) الحوض، أي: طيَّنه لئلا يتسرب منه الماء. 3573 - (6) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لتَقومُ الساعَةُ وثوبُهما بَيْنَهُما لا يَتبايَعانِه ولا يَطْويانِه، ولَتَقومُ الساعَةُ وقدِ انْصرَف بلَبنِ لَقْحَتِه لا يَطْعَمُه، ولَتقومُ الساعَةُ يلوط حَوْضَهُ لا يَسْقيه، ولَتقومُ الساعَةُ وقد رفَع لُقْمَتَهُ إلى فيه لا يَطْعَمُها". رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه" (2).   (1) كذا قال! ومثله قول الهيثمي: ". . ورجاله رجال الصحيح؛ غير محمد بن عبد الله مولى المغيرة، وهو ثقة". قلت: لم يوثقه أحد، بل صرح بجهالته جمع كما بينته في "الضعيفة" (5009)؛ وأما الجهلة فحسنوه! ولا أدري لمَ لم يصححوا هذا وأمثاله؟! بل هم أنفسهم لا يدرون! (خبط عشواء)! نعم يمكن أن يكون عذرهم أنهم وجدوا للشطر المثبت هنا شاهداً من حديث أبي هريرة الآتي بعده، ولكنه عذر أقبح من ذنب؛ لأنه شاهد قاصر ليس فيه ما يشهد لهذا، ولهم من مثله كثير، وقد مضى التنبيه على ما تيسر منه، فمن عيهم وجهلهم أُتوا!! (2) قلت: والسياق لابن حبان، ورواه البخاري (6506) في حديث نحوه، ومسلم (8/ 210) دون الجملة الأخيرة. الحديث: 3570 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 (لاطَه) بالطاء المهملة بمعنى: مَدَرَه (1). 3574 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما بينَ النَّفْخَتَيْنِ أربَعون". قيل: أربَعون يوماً؟ قال أبو هريرة: أبَيْتُ، قالوا: أربعونَ شَهْراً؟ قال: أبَيْتُ، قالوا: أربعون سنَةً؟ قال: أبَيْتُ. ثُمَّ ينْزِلُ مِنَ السماءِ ماءٌ فيَنْبُتونَ كما يَنْبُت البَقْلُ، وليسَ مِنَ الإنْسانِ شيْءٌ إلا يَبْلَى إلاَّ عَظْمٌ واحِدٌ، وهو عَجْبُ الذَّنَبِ، منه يُرَكَّبُ الخَلْقُ يومَ القِيامَةِ. رواه البخاري ومسلم. ولمسلم قال: "إنَّ في الإنْسانِ عَظْماً لا تأْكُله الأرْضُ أبداً، فيه يُرَكَّبُ الخَلْقُ يومَ القِيامَةِ". قالوا: أيُّ عظْمٍ هو يا رسولَ الله؟ قال: "عَجْبُ الذَّنَبِ". [صحيح] ورواه مالك وأبو داود، والنسائي باختصار وقال: "كلُّ ابْنِ آدَم تأْكُله الأرْضُ إلا عَجْبُ الذَّنَبِ، منه خُلِقَ، وفيه يَركَّبُ". (عَجْب الذَّنب) بفتح العين وإسكان الجيم بعدها باء أو ميم، وهو العظم الحديد الذي يكون في أسفل الصلب، وأصل الذنب من ذوات الأربع. 3575 - (8) [صحيح] وعنه [يعني أبا سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه]: أنَّه لمّا حضَره الموتُ دَعا بثِيابٍ جُدُدٍ فلَبِسَها، ثُمَّ قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:   (1) و (المدر): هو الطين المتماسك. الحديث: 3574 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 "الميِّتُ يُبْعَثُ في ثيابِه التي يَموتُ فيها". رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، وفي إسناده يحيى بن أيوب، وهو الغافقي المصري، احتج به البخاري ومسلم وغيرهما، وله مناكير، وقال أبو حاتم: "لا يحتج به". وقال أحمد: "سيئ الحفظ". وقال النسائي: "ليس بالقوي". وقد قال كل من وقفت على كلامه من أهل اللغة: إن المراد بقوله: "يبعث في ثيابه التي قبض فيها"؛ أي: في أعماله. قال الهروي: "وهذا كحديثه الآخر: "يبُعث العبد على ما مات عليه". قال: وليس قول من ذهب إلى الأكفان بشيء، لأن الميت إنما يكفن بعد الموت" انتهى. (قال الحافظ): "وفِعل أبي سعيد راوي الحديث يدل على إجرائه على ظاهره، وأن الميت يبعث في ثيابه التي قبض فيها. وفي "الصحاح" وغيرها أن الناس يبعثون عراة؛ كما سيأتي في الفصل بعده إن شاء الله. فالله سبحانه أعلم" (1).   (1) قلت: انظر وجهاً آخر للجمع في "الفتح" (11/ 383). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 2 - فصل في الحشر وغيره. 3576 - (1) [صحيح] وعنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطُبُ على المِنْبَرِ يقولُ: "إنَّكُمْ ملاقو الله حُفاةً عُراةً غُرْلاً -زاد في رواية: مُشاةً-". [صحيح] وفي رواية قال: قامَ فينا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَوْعِظَةٍ فقال: "يا أَيُّها الناسُ! إنَّكم مَحْشورونَ إلى الله حُفاةً عُراةً غُرْلاً {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}، ألا وإنَّ أَوَّلَ الخَلائِقِ يُكْسَى [يوم القيامة] إبْراهيمُ عليه السلامُ، ألا وإنَّهُ سيُجَاءُ برِجالٍ مِنْ أُمَّتي فيُؤْخذ بِهمِ ذاتَ الشمالِ، فأقولُ: يا ربِّ! أَصْحابي! فيقولُ: إنَّكَ لا تَدْري ما أحْدَثوا بَعْدَك، فأقولُ كما قال العَبْدُ الصالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إلى قوله: {العَزِيزُ الحَكِيمُ}، قال: فيُقال لي: إنَّهم لَمْ يزالوا مُرْتَدِّين على أعْقابِهم مُنْذُ فارَقْتَهُم". (1) 3577 - (2) [صحيح] زاد في رواية: "فأقول: سُحْقاً سُحْقاً". (2)   (1) قلت: هذه الرواية سياقها لمسلم (8/ 157)، وللبخاري (6526) نحوه. واللفظ الأول للبخاري (6525)، والزيادة عنده في الرواية التي قبلها (6524)، وفيها ما في اللفظ الأول، وهو كذلك عند مسلم (8/ 156)، ولذلك فقوله: "زاد في رواية: مشاة" لغو لا فائدة منه تذكر. (2) لم أجد هذه الزيادة في "الصحيحين" عن ابن عباس، ولا ذكرها الحافظ في شرحه إياه من "الفتح" (11/ 385)، كما هي عادته في استقصاء الزيادات، وقد زدت عليه في الاستقصاء في كتابي "مختصر صحيح البخاري" في كل أحاديث "الصحيح" ومنها هذا، وليس فيه الزيادة (2/ 210/ 1427)، فالظاهر أن المؤلف أخذها من بعض الأحاديث الأخرى، وهي في حديث الحوض ورد أقوام عنه؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عند البخاري (6584)، ومسلم (7/ 96). وعلق البخاري عقبه فقال: "وقال ابن عباس: (سحقاً): بعداً، يقال: (سحيق): بعيد، (سحقه وأسحقه): أبعده". الحديث: 3576 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 رواه البخاري ومسلم. ورواه الترمذي والنسائي بنحوه. (الغُرْل) بضم الغين المعجمة وإسكان الراء: جمع أغرل، وهو الأقلف. 3578 - (3) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يُحْشَرُ الناسُ حُفاةً عُراةً غُرْلاً". قالَتْ عائشةُ: فقلتُ: الرجالُ والنساءُ جَميعاً ينظُر بعضُهم إلى بَعْضٍ؟ قال: "الأمْرُ أشَدُّ مِنْ أنْ يَهُمِّهُمْ ذلك". وفي رواية: "مِنْ أنْ يَنْظُرَ بعْضُهم إلى بَعْضٍ". رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه. 3579 - (4) [حسن لغيره] وعن سودةَ بنتِ زمعةَ رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُبعثُ الناسُ حُفاةً عُراةً غُرْلاً، قد ألجمَهم العرقُ، وبلغ شُحوم الآذانِ". فقلت: يُبصِرُ بعضُنا بعضاً؟ فقال: "شُغِلَ الناسُ، {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} ". رواه الطبراني، ورواته ثقات. (1) 3580 - (5) [صحيح] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُحْشَرُ الناسُ يومَ القِيامَةِ على أرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْراءَ كقُرْصَةِ النَّقِيِّ لَيْسَ فيها عَلَمٌ لأَحَدٍ".   (1) قلت: فيه من لم يوثقه غير ابن حبان، ومع ذلك جوَّد إسناده ابن كثير، وله شاهد من حديث عائشة، خرجتهما في "الصحيحة" (3469). الحديث: 3578 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 [صحيح] وفي رواية: قال سهل أو غيره: "ليس فيها مَعْلمٌ لأحدٍ". رواه البخاري ومسلم. (1) (العفراء): هي البيضاء، ليس بياضها بالناصع. و (النقي): هو الخبز الأبيض. و (المعلم) بفتح الميم: ما يجعل علماً وعلامة للطريق والحدود. وقيل: (المعلم) الأثر، ومعناه: أنها لم توطأ قبل، فيكون فيها أثر أو علامة لأحد. 3581 - (6) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ رجلاً قال: يا رسولَ الله! قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ} أيُحْشَرُ الكافِرُ على وَجْهِهِ؟ قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألَيْسَ الَّذي مَشَّاهُ على الرِّجْلَيْنِ في الدنيا قادراً على أنْ يُمَشِّيَهُ على وَجْهِه؟ ". قَال قَتادةُ حين بلَغَهُ: بَلى وعزَّةِ رَبِّنا. رواه البخاري ومسلم. 3582 - (7) [حسن] وعن بهز بن حكيمٍ عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنَّكُم تُحْشَرون رِجالاً ورُكْباناً، وتُجَرُّونَ على وُجوهِكُمْ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". 3583 - (8) [حسن] وعن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يُحْشَرُ المتَكَبِّرونَ يوم القِيامَةِ أمْثالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرجالِ، يَغْشاهُم الذُّلُّ مِنْ كلِّ مَكانٍ، يُساقونَ إلى سِجْنٍ في جَهنَّم يُقالُ له: (بُولَسُ)، تَعْلُوهُمْ نَارُ   (1) قلت: الرواية الأولى لمسلم (8/ 127)، والأخرى للبخاري (6521)، و (العَلَم) و (المَعْلَم) بمعنى واحد. الحديث: 3581 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 الأَنْيارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أهْلِ النار: طينَةِ الخَبَالِ". رواه النسائي، والترمذي وقال: "حديث حسن". وتقدم مع غريبه في "الكبر" [23 - الأدب/ 22]. 3584 - (9) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُحْشَرُ الناسُ (1) على ثلاثِ طَرائِقَ. راغِبين وراهبينَ، واثْنانِ على بَعيرٍ، وثلاثَةٌ على بعيرٍ، وأربَعةٌ على بعيرٍ، وعَشَرَةٌ على بعيرٍ، وتَحْشُر بَقِيَّتَهم النارُ، تَقيلُ معَهُمْ حيثُ قالوا، وتَبيْتُ معَهُمْ حيثُ باتوا، وتُصْبِحُ معَهُمْ حيث أصْبَحوا، وتُمْسي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا". رواه البخاري ومسلم. (الطرائق): جمع طريقة: وهي الحالة. 3585 - (10) [صحيح] وعنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يَعْرَقُ الناسُ يَوْمَ القِيامَة حتى يَذْهَبَ في الأرْضِ عَرَقُهم سبْعينَ ذِراعاً، وإنَّهُ يُلْجِمُهُم حتى يَبْلُغَ آذانَهُمْ". رواه البخاري ومسلم.   (1) هنا في الأصل زيادة: (يوم القيامة)، ولا أصل لها عند الشيخين، ولا عند غيرهما ممن أخرج الحديث، وهم قرابة عشرة من الحفاظ، إلا النسائي؛ فإنه تفرد بها، وهي شاذة رواية ودراية كما حققته في "الصحيحة" (3395)، ولذلك قال الناجي (224/ 2): "هذا الحديث أدخله في "باب الحشر الأخروي" جماعة، منهم البخاري ومسلم والبيهقي في "البعث والنشور"، وليست لفظة (يوم القيامة) عندهم بلا خلاف، وإنما هي عند النسائي في "باب البعث" أواخر "الجنائز" فقط، ثم ساق بعده حديث أبي ذر الذي هو في الأصل" يعني قبل حديث عمرو بن شعيب المتقدم أيضاً، وهو في "المشكاة - التحقيق الثاني" (5548)، وهو يشير بذلك إلى شذوذ هذه الزيادة (يوم القيامة)، وهي حرية بذلك، فإن الحديث رواه جمع من الثقات عند الشيخين بدونها؛ بخلاف رواية النسائي، فإن رجاله وإن كانوا ثقات، فقد تفرد بهذه الزيادة أحدهم مخالفاً الثقات المشار إليهم عند الشيخين، أضف إلى ذلك أن هذه الزيادة تنافي بقية الحديث، الدال على أن ذلك قبل يوم القيامة، كما شرحه العسقلاني وغيره، وإن خفي عليه ورودها في النسائي! وخفي هذا كله على الجهلة الثلاثة، فأثبتوا الزيادة وعزوها للشيخين بالأرقام!! الحديث: 3584 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 3586 - (11) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} قال: "يقومُ أحَدُهم في رَشْحِهِ إلى أنْصافِ أُذُنَيْهِ". رواه البخاري، ومسلم واللفظ له. ورواه الترمذي مرفوعاً وموقوفاً (1)، وصحح المرفوع. 3587 - (12) [صحيح] وعن المقداد رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: "تدنو الشمسُ يومَ القِيامَةِ مِنَ الخَلْقِ، حتّى تكونَ مِنْهُم كمقدْارِ ميلِ. -قال سُلَيمِ (2) بن عامر: فوالله ما أدْري ما يَعني بالمِيل؟ مسافةَ الَأَرْضِ أوَ المَيلَ التي تُكْحَلُ به العينُ؟ قال:- فَيكونُ الناسُ على قدرِ أعْمالِهِم في العَرقِ، فمنْهُم مَنْ يكونُ إلى كَعْبَيْه، ومنهُمْ مَنْ يكونُ إلى رُكْبَتَيْهِ، ومنْهُمْ مَنْ يكونُ إلى حَقْوَيهِ، ومنهم مَنْ يُلْجِمُهَ العَرقُ إلْجاماً"، وأشارَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده إلى فِيْهِ. رواه مسلم. 3588 - (13) [صحيح] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله يقول: "تَدْنو الشمسُ مِنَ الأرْضِ فيعْرَقُ الناسُ، فمِنَ الناسِ مَنْ يبلُغ عَرَقُه عَقِبَيْهِ، ومنهم مَنْ يبلُغُ [إلى] نصْفِ السَّاقِ، ومنهم مَنْ يبلُغُ إلى رُكْبتَيْه، ومنهم مَنْ يبلُغ العَجُزَ، ومنهم مَنْ يبلُغُ الخاصِرَةَ، ومنهم مَنْ يبلُغ منْكِبيْهِ، ومنهم مَنْ يبلغٌ عُنُقَهُ، ومنهم مَنْ يبلُغُ وسطَ فيهِ (3)، -وأشار بيده فألْجَمها فاهُ،   (1) قوله: "وموقوفاً" فيه نظر بينته في "التعليق الرغيب". (2) بضم أوله كما في "الخلاصة" وغيره. وفتحه خطأ كما وقع في طبعة عمارة، وطبعة مقلديها الثلاثة! (3) انظر التعليق التالي. الحديث: 3586 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 رأيْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُشيرُ هكذا-، ومنهم مَنْ يغَطِّيه عَرقُه"، وضرَب بيده إشارةً فأمَرَّ يدَه فَوقْ رأْسِه مِنْ غَيْرِ أنْ يصيبَ الرأْسَ، دَوَّرَ راحَتَه يَميناً وشِمَالاً. رواه أحمد والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (1) 3589 - (14) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} مقدارَ نِصْفِ (2) يومٍ مِنْ خَمْسينَ ألْفِ سنَةٍ، فيهون ذلك على المؤمن كَتَدَلِّي الشمس للغروبِ إلى أَن تغربَ". رواه أبو يعلى بإسناد صحيح، وابن حبان في "صحيحه". 3590 - (15) [حسن] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تَجْتَمِعونَ يومَ القيامَةِ فيُقالُ: أيْنَ فُقراءُ هذه الأُمَّةِ ومسَاكينها؟ فيقُومون، فيقالُ لَهُم: ماذا عمِلْتُم؟ فيقولون: ربَّنا ابْتَلَيْتَنا فصَبرْنا، وولَّيْتَ الأمْوال والسُّلْطانَ غَيْرَنا، فيقولُ الله جلَّ وعَلا: صدقْتُم، قال: فيدْخلُون الجَنَّةَ قبلَ الناسِ، وتَبقَى شِدَّة الحِسَابِ، على ذَوي الأمْوال والسلْطانِ. قالوا: فأيْنَ المؤْمنِونَ يومَئذٍ؟ قال: تُوضَعُ لَهُم كراسِيُّ مِنْ نورٍ، ويظَللُ عليهم الغَمائم، يكونُ ذلك اليومُ أقصرَ على المؤْمِنين مِنْ ساعَةٍ مِنْ نَهارٍ". رواه الطبراني، وابن حبان في "صحيحه". [مضى 24 - التوبة/ 5].   (1) قلت: ووافقه الذهبي في "التلخيص"، واللفظ له، وكان في الأصل بعض الأخطاء فصححتها منه، وبقيت كما هي في طبعة الثلاثة المزخرفة، وهي مفسدة للمعنى كقوله: "وسطه - وأشار بيده فألجمها فاه-"، فيالهم من محققين ثلاثة! وكم لهم من مثله! والله المستعان. (2) كذا في هذا الحديث، وكذلك جاء في بعض الآثار في "الدر المنثور" (6/ 324)، وهو مخرج في "الصحيحة" (2817). الحديث: 3589 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 (قال الحافظ): "وقد صح أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمئة عام. وتقدم ذلك في (الفقر) [هناك] ". 3591 - (16) [صحيح] وعن عبد الله بْنِ مسعودٍ رضيَ الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يجمعُ الله الأوَّلينَ والآخِرين لِميقَاتِ يومٍ مَعْلومٍ، قياماً أرْبعينَ سنةً، شاخِصَةً أبْصارُهم [إلى السماء]، يَنْتَظِرونَ فَصْل القَضاءِ. -قال-: ويَنْزِلُ الله عزَّ وجلَّ في ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ مِنَ العَرْشِ إلى الكُرْسيَّ، ثُمَّ يُنادي منادٍ: أيُّها الناسُ! ألَمْ تَرْضَوْا مِنْ ربِّكُم الَّذي خَلَقَكُمْ ورزَقَكُمْ وأمَرَكُمْ أنْ تَعْبُدوه ولا تُشْرِكوا به شَيْئاً أنْ يوليَ كلَّ أناسٍ منكم ما كانوا [يتولون و] يَعْبُدونَ في الدنيا، ألَيْسَ ذلك عَدْلاً مِنْ ربِّكم؟ قالوا: بَلى، فيَنْطَلِقُ كلُّ قومٍ إلى ما كانوا يَعْبُدونَ ويتَولَّونَ في الدنيا، -قال:- فيَنْطَلِقونَ، ويُمَثَّلُ لهم أشْباهُ ما كانوا يَعْبدونَ، فمنهُمْ مَنْ يَنْطَلِقُ إلى الشمْسِ، ومنهم مَنْ يَنْطَلِقُ إلى القَمرِ، والأوثانِ مِنَ الحِجارَةِ، وأشْباهِ ما كانوا يَعْبدُونَ، -قال:- وُيمثَّلُ لِمنْ كانَ يعْبدُ عيسى شَيْطانُ عيسى، ويُمَثَّلُ لِمَنْ كانَ يعبدُ عُزَيراً شيطانُ عُزَيْرٍ، ويبقَى مُحمَّدٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأُمَّتُه، قال: فيتَمثَّلُ الربُّ تبارك وتعالى، فيأْتِيهِمْ فيقولُ: ما لَكُم لا تَنْطَلِقونَ كما انْطلَق الناسُ؟ قال: فيقولون: إنَّ لَنا إلهاً ما رَأيناهُ [بعد]. فيقولُ: هَلْ تَعْرِفُونَهُ إنْ رأيْتُموه؟ فيقولون: إنَّ بيْنَنا وبينَهُ علامَةٌ إذا رأْيْناها، عَرْفناه، قال: فيقولُ: ما هِي؟ فيقولون: يكْشِفُ عنْ ساقِهِ، [قال:] فعندَ ذلك يَكْشِفُ عنْ الحديث: 3591 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 ساقِه (1)، فيَخِرُّ كلُّ مَنْ كان لظهره طبقٌ ساجداً (2)، ويَبْقَى قومٌ ظُهوُرهم كصَياصي البَقَرِ، يُريدونَ السجود فلا يَسْتَطيعون، {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ}. ثم يقولُ: ارْفَعوا رؤوسَكُم، فَيرفَعونَ رؤوسَهُم، فيُعْطيهِمْ نورَهُم على قدْرِ أعْمالِهْمِ، فمنهُمْ مَنْ يُعْطى نورَه مثلَ الجَبلِ العظيمِ؛ يَسْعى بَيْنَ أيْديهِمْ، ومنهم مَنْ يُعْطى نورَه أصْغَرَ مِنْ ذلك، ومنهم مَنْ يُعْطى مثلَ النخْلَةِ بيمينه، ومنهم مَنْ يُعطَى أصْغَرَ منْ ذلك حتى يكونَ آخِرُهُم رجلاً يُعْطى نورَه على إبْهامٍ قدَمِه، يضيءُ مرَّةً، ويُطْفَأُ مرَّةً، فإذا أضاءَ قدمُه قدِمَ [ومشى]، وإذا طفِئ قامَ، قال: والربُّ تبارَك وتعالى أمامَهُمْ حتى يُمَرَّ بهِمْ إلى النار فيَبْقَى أثَرُه (3) كَحَدِّ السَيْفِ [دَحْض مَزَلة] قال: فيقولُ: مُرُّوا، فيَمُرُّونَ على قدرِ نورِهِمْ، منهم مَنْ يَمُرُّ كَطَرْفَةِ العَيْنِ، ومنهم مَنْ يَمُرُّ كالبَرْقِ، ومنهم مَنْ يَمُرُّ كالسحابِ، ومنهمْ مَنْ يمُرُّ كانْقِضاضِ الكَوْكَبِ، ومنهم مَنْ يَمُر كالريحِ، ومِنْهُمْ مَنْ يَمُر كشَدِّ الفَرَسِ، ومِنْهُم مَنْ يَمُرُّ كشَدِّ الرَّجُل، حتى يمرَّ الذي يُعْطى نورَه   (1) فيه إشارة إلى قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ. . .} الآية، وبيان أن الساق فيها إنما هو ساق الله جل جلاله، ففيه رد صريح على من يتأوله بغير ما صرح به هذا الحديث وغيره مما كنت خرجته في "الصحيحة" (583 و584) ولم أكن قد وقفت على إسناد حديث ابن مسعود هناك إلا موقوفاً، فها هو قد وقفنا عليه مرفوعاً والحمد لله عند الطبراني بسند صحيح في بعض طرقه، وصححه الهيثمي، وحسنه ابن القيم، وهو مخرج في "الصحيحة" (3129). (2) الأصل: (مشركاً يرائي لظهره)، والتصحيح من "الطبراني الكبير" (9/ 418)، و"التوحيد" لابن خزيمة (ص 155)، و"المستدرك" (4/ 590)، ومعنى (الطبق): فقار الظهر. كما في "النهاية". ولفظه في "المجمع" (10/ 341): "فيخر كل من كان نظر"؛ أي: نظر إلى الله. (3) كذا الأصل تبعاً لأصله "المعجم الكبير"، وهو غير واضح، فلعل فيه سقطاً. ولفظه في "المستدرك" بعد قوله: "وإذا طفئ قام": (فيمرون على الصراط، والصراط كحد السيف دحض مزلة). فلعل هذا هو الصواب. ويظهر أن الخطأ قديم لأنه كذلك في "المجمع" وغيره. والله أعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 على ظهر [إبهام] قدمِه يَحْبو على وجْهِهِ وَيديْهِ ورجْلَيْه، تَخِرُّيَدٌ وتَعَلَّقُ يَدٌ، وتَخِرُّ رِجْل، وتَعَلَّقُ رِجْلٌ، وتُصيبُ جوانِبَهُ النارُ، فلا يزالُ كذلك حتى يَخلُصَ، فإذا خلَصَ وقفَ عليها فقالَ: الحمدُ لله الذي أْعطاني ما لَمْ يُعْطِ أحَداً؛ إذْ أنْجاني منْها بعد إذ رأَيْتها. قال: فيَنْطلقُ به إلى غديرٍ عند بابِ الجنَّةِ فيغْتَسِلُ، فيعودُ إليه ريحُ أهْلِ الجنَّةِ وألْوانُهم، فيرى ما في الجنَّة مِنْ خِلال البابِ، فيقولُ: ربِّ أَدْخلني الجنَّةَ. فيقولُ الله [له]: أتَسْأَلُ الجنَّةَ وقد نَجَّيْتُكَ مِنَ النارِ؟ فيقولُ: رَبِّ اجْعَلْ بَيْني وبيْنَها حِجاباً حتى لا أسْمعَ حَسيسَها. قال: فيدْخُلُ الجنَّةَ، ويرى أوْ يُرفَعُ له مَنْزِلٌ أمامَ ذلك كأنَّ ما هو فيه بالنسبَةِ إلَيْهِ حُلُمٌ، فيقولُ: ربِّ! أعْطِيْ ذلك المنْزِلَ. فيقولُ [له]: لعَلَّكَ إنْ أَعطَيتُكَهُ تَسْأَلُ غيرَه؟ فيقول: لا وعِزَّتِكَ لا أسْألُك غَيرَهُ، وأنِّي مَنزِلٌ أحْسن منه؟ فيُعْطاه، فينزلُه، ويرى أمامَ ذلك منزلاً، كأنَّ ما هو فيه بالنسبةِ إليْهِ حُلُمٌ. قال: ربِّ أعْطِني ذلك المنْزِلَ، فيقولُ الله تبارَك وتعالى له. لعلَّكَ إنْ أعطيتُكَهُ تَسْأَلُ غيرَه؟ فيقولُ: لا وعزَّتِك [لا أسألك]، وأنِّي مَنزِلٌ أحْسَن منه؟ فيُعْطاه فينزله، ثُمَّ يسْكتُ. فيقولُ الله جلَّ ذِكْرُه: ما لَك لا تَسْأَلُ؟ فيقولُ: ربِّ! قد سأَلْتُكَ حتى استَتْحيَيْتُكَ، [وأقسمت لك حتى استحييتك] فيقول الله جلَّ ذِكْرُه: ألَمْ ترضَ أنْ أعْطيَكَ مثلَ الدنيا منذُ خَلْقتُها إلى يومِ أفْنَيْتُها وعَشَرةَ أضْعافِه؟ فيقولُ: أتَهْزَأُ بي وأنْتَ ربُّ العِزَّة؟ [فيضْحَكُ الرَّبُّ عزّ وجلّ من قوله". قال: فرأيتُ عبد الله بنَ مسعودٍ إذا بَلَغَ هذا المكانَ مِنْ هذا الحديثِ ضَحِكَ، فقالَ لهُ رجلٌ. يا أبا عبدِ الرحمنِ! قَدْ سمعتُكَ تُحدّثُ هذا الحديثَ مراراً، كلّما بَلَغْتَ هذا المكانَ ضَحِكْتَ؟ فقالَ: إني سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 يحدّث هذا الحديثَ مراراً كلّما بَلَغَ هذا المكانَ مِنْ هذا الحديثِ ضَحِكَ حتى تبدوَ أضراسُه]، (1) قالَ: فيقولُ الربُّ جلَّ ذِكْرُه: لا، ولكنِّي على ذلك قادِرٌ، فيقولُ: ألحِقْني بالناسِ، فيقولُ: الْحَقْ بالناسِ. فيَنْطَلِقُ يرْمُل في الجنَّةِ، حتى إذا دَنا مِنَ الناسِ رُفِعَ له قَصْرٌ مِنْ دُرَّةٍ، فيَخِرُّ ساجِداً، فيقولُ له: ارْفَعْ رأْسَك، مالَك؟ فيقولُ: رأيتُ ربِّي أو تَراءى لي ربِّي، فيقالُ: إنَّما هو منزِلٌ مِنْ منازِلكَ. قال: ثُمَّ يلقى رجُلاً فيتَهيَّأُ لِلسُّجودِ له، فيقالُ لَه: مَهْ! فيقولُ: رأيتُ أنَّك مَلَكٌ مِنَ الملائِكَةِ، فيقولُ: إنَّما أنا خازِنٌ مِنْ خُزَّانِكَ، وعبدٌ مِنْ عَبيدِك، تحت يدي ألفُ قَهْرمانٍ على [مثل] ما أنا عليهِ. قال: فيَنْطَلِقُ أمامَهُ حتى يَفتَحَ له بابَ القَصْرِ، قال: وهو مِنْ دُرَّةٍ مُجَوَّفَةٍ، سقائِفُها وأبْوابُها وأغْلاقُها ومفاتيحُها منها، تَسْتَقْبِلُه جوْهَرةٌ خَضْراءُ، مُبَطَّنَةٌ بحمراء، (فيها سبْعون باباً، كلُّ بابٍ يُفْضي إلى جَوْهَرةٍ خَضْراءَ، مُبَطَّنةٍ،) (2) كلُّ جَوْهرةٍ تُفْضي إلى جَوْهَرةِ على غيرِ لَوْنِ الأُخْرى، في كلِّ جوهَرةٍ سرُرٌ وأزْواجٌ ووَصائفُ، أدْناهُنَّ حوْراءُ عَيْناءُ، عليها سبْعونَ حُلَّةً، يُرى مُخَّ ساقِها منْ وراءِ حُلَلِها، كَبِدُها مِرْآتُه، وكَبِدُه مِرْآتُها، إذا أَعْرضَ عنها إعراضَةً ازْدادَتْ في عَيْنِه سبْعينَ ضِعْفاً عمّا كانَتْ قبلَ ذلك، فيقولُ لها: والله لقد ازْدَدْتِ في عيني سَبْعين ضِعْفاً، وتقولُ له: وأنتَ [والله] لَقدِ ازْدَدْتَ في عيْني سَبْعين   (1) قلت: هذا المقطع كأن إسقاطه كان متعمِّداً من بعض الناسخين، لأنه لا مثيل له إلا لمن أراد الاختصار، ولا وجه له في مثل هذا الحديث الطويل، لا سيما وقد ثبت فيما يأتي، وقد أعاده المؤلف (28 - صفة الجنة/ فصل 2/ 1) بتمامه. (2) ما بين الهلالين لم يرد في "السنة" للإمام أحمد، ولا في "المجمع"، فلعلها مقحمة من بعض النساخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 ضِعْفاً، فيقالُ له: أشرِفْ، أَشرِفْ. فيُشْرِفَ، فيُقالُ له: مُلْكُكَ مسيرةُ مئَةِ عامِ، يَنْفذُه بَصَرُكَ". قال: فقال له عمر: ألا تَسْمَعُ ما يُحدِّثُنا ابْنُ أمِّ عبدٍ يا كعْبُ عن أدْنَى أهْلِ الجنَّةِ مَنزِلاً، فكيفَ أعْلاهُم؟ قال: يا أميرَ المؤْمِنينَ ما لا عَيْنٌ رأَتْ ولا أُذُنٌ سمِعَتْ، فذكر الحديث. رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني من طرق أحدها صحيح، واللفظ له، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". (1)   (1) قلت: ووافقه الذهبي، وهو مخرج في "الصحيحة" (3129)، والزيادات من "الطبراني" و"المجمع". وتمام الحديث يأتي حيث أعاده المؤلف في "صفة الجنة" (رقم 3704). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 3 - فصل في ذكر الحساب وغيره. 3592 - (1) [حسن صحيح] وعن أبي برزة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامَة حتى يُسْأَلَ عن أربَعٍ: عن عُمُرهِ فيمَ أفْناه؟ وعن عِلْمِه ماذا عَمِلَ بِه؟ (1) وعَنْ مالِه مِنْ أيْنَ اكْتَسَبَهُ، وفيمَ أنْفقَهُ؟ وعنْ جِسْمِه فيمَ أبْلاهُ؟ ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". [مضى 3 - العلم/ 9]. 3593 - (2) [صحيح لغيره] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَنْ تزولَ قدما عبدٍ يومَ القيامَةِ حتى يُسْأَلَ عن أربِع خِصالٍ: عَنْ عمُرهِ فيمَ أَفْنَاهُ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ؟ وعنْ مَالِه مِنْ أيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيمَ أَنفَقَهُ؟ وعَنْ علْمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ". رواه البزار، والطبراني بإسناد صحيح، واللفظ له. [مضى هناك]. 3594 - (3) [صحيح] وعن عائشةَ رضيَ الله عنها؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ نُوقِشَ الحِسابَ عُذِّب". فقلتُ: أليسَ يقولُ الله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}؟ فقال: "إنَّما ذلك العَرْضُ، وليْسَ أحَدٌ يُحاسَبُ يوَم القِيامَةِ إلا هَلَك". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.   (1) كذا وقع هنا، ووقع فيما تقدم: "وعن علمه فيم فعل"، وهو الذي في الترمذي (2/ 67). وما هنا لفظ أبي يعلى والخطيب، إلا أنهما قالا: "فيه" مكان "به". وهو مخرج مع الذي بعده في "الصحيحة" (946). الحديث: 3592 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 3595 - (4) [صحيح لغيره] وعن ابنِ الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ نوقِشَ الحِساب هَلكَ". رواه البزار، والطبراني في "الكبير" بإسناد صحيح. 3596 - (5) [صحيح لغيره] وعن عُتْبَة بن عبد رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لو أنَّ رجلاً يَخِرُّ على وجْهِهِ مِنْ يومِ وُلدَ إلى يومِ يمَوتُ هَرَماً في مَرْضاةِ الله عزَّ وجلَّ لَحَقَرَهُ يومَ القِيامَةِ". رواه الطراني، ورواته ثقات؛ إلا بقية. (1) 3597 - (6) [صحيح] وعن محمد بن أبي عَميرة -وكان مِنْ أصْحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أحسبه رفعه إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -- (2) قال: "لوْ أنَّ رجلاً خَرّ على وجْهِه مِنْ يومِ وُلِدَ إلى يومِ يَموتُ هَرَماً في طاعَةِ الله عزَّ وجلَّ لَحقَرهُ ذلك اليومَ، ولَوَدَّ أنَّهُ رُدَّ إلى الدنْيا كَيْما يَزْدادَ مِنَ الأجْرِ والثوابِ". رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح". 3598 - (7) [صحيح] وعن عائشة زوج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنَّها كانَتْ تقول: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سدِّدوا وقارِبوا وأبْشِروا، فإنَّه لَنْ يُدخِلَ أحداً الجنةَ عَملُه".   (1) قلت: قد صرح بالتحديث عند أحمد (4/ 185)، فكان بالعزو إليه أولى، وقد رواه آخرون أعلى طبقة من الطبراني، وهو مخرج في "الصحيحة" (446)، ومن جهل المعلقين الثلاثة أنهم ضعفوا هذا الحديث بعلة العنعنة، مع أن الهيثمي قد قال (10/ 225): "رواه أحمد، وإسناده جيد"، ولكنهم لم يقفوا عليه!! (2) هذه الجملة ليست في "المسند" (4/ 185)، وفيه مكانها: "قال"، وكذا في "أطراف المسند" لابن حجر (4/ 287/ 5915)، فهو موقوف في حكم المرفوع، وسقط إسناده من "جامع المسانيد" (11/ 151)، ولم يتنبه له الدكتور المعلق! وكذلك لم يتنبه المعلقون الثلاثة للجملة الزائدة على "المسند" مع عزوهم إياه بالجزء والصفحة!! الحديث: 3595 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 قالوا: ولا أنْتَ يا رسولَ الله؟ قال: "ولا أنا؛ إلا أَنْ يَتَغمَّدني الله برَحْمَتِه". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 3599 - (8) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَنْ يَدخُل الجنَّةَ أحَدٌ إلا برحْمَةِ الله". قالوا: ولا أَنْتَ يا رسولَ الله؟ قال: "ولا أنا؛ إلا أنْ يَتغمَّدنيَ الله برحمَتهِ. وقال بيده فوق رأْسِه". رواه أحمد بإسناد حسن. (1) 3600 - (9) [صحيح لغيره] ورواه البزار والطبراني من حديث أبي موسى. 3601 - (10) [صحيح لغيره] والطبراني أيضاً من حديث أسامة بن شريك. 3602 - (11) [صحيح لغيره] والبزار أيضاً من حديث شريك بن طارق بإسناد جيد. (2) 3603 - (12) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لَتُؤدِّنَّ الحقوقُ إلى أهْلِها يومَ القِيامَةِ، حتى يُقادَ لِلشَّاةِ الجَلْحاءِ مِنَ الشاةِ القَرْنَاءِ". رواه مسلم والترمذي.   (1) قلت: فيه عطية العوفي، لكنه أبعد النجعة، فقد أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة، كما تراه مخرجاً وغيره من أحاديث الباب مجموعاً زياداتها في سياق واحد في "الصحيحة" (2602)، وبيان أنه لا ينافي الآيات المصرحة بأن دخول الجنة بالعمل، فراجع فإنه مهم. (2) قلت: هو كما قال إن ثبتت صحبة (شريك بن طارق) هذا، ففيها خلاف كما في "الإصابة"، وعنه أخرجه الطبراني أيضاً (7/ 369 - 370). الحديث: 3599 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 [صحيح] ورواه أحمد، ولفظه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يُقْتَصُّ لِلْخَلْقِ بَعْضِهِمْ مِنْ بعْضٍ، حتى للْجماءِ (1) مِنَ القَرْناءِ، وحتى للذَّرَّةِ مِنَ الذَّرَّةِ". ورواته رواة "الصحيح". (الجلحاء): التي لا قرن لها. 3604 - (13) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليَخْتَصمَنَّ كلُّ شيءٍ يومَ القيامَةِ، حتى الشاتانِ فيما انْتَطحَتا". رواه أحمد بإسناد حسن. 3605 - (14) [صحيح لغيره] ورواه أحمد أيضاً وأبو يعلى من حديث أبي سعيد. 3606 - (15) [صحيح] وعن عائشة رضيَ الله عنها: أنَّ رجلاً مِنْ أصْحابِ رسولهِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جلسَ بينَ يديْهِ، فقال: [يا] رسولَ الله! إنَّ لي مَمْلوكين يكذِّبونَني وَيخونونني وَيعْصونَني، وأضْرِبُهم وأشْتُمهمْ، فكيفَ أنا منهم؟ فقالَ له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُحسَبُ ما خَانوك وعَصوْك وكذَّبوكَ وعِقابُك إيَّاهُم، فإنْ كان عقابُكَ إيَّاهُمْ دونَ ذُنوِبهم؛ كان فَضْلاً لَك [عليهم]، وإنْ كان عِقابُك إيَّاهُم بقدْرِ ذنوبهم؛ كانَ كفافاً، لا لَك ولا عَليْكَ، وإنْ كان عِقابُكَ إيَّاهُمْ فوقَ ذُنوبِهِم؛ اقْتصَّ لَهم منكَ الفضْلُ الذي بَقِيَ قِبَلَكَ". فجعل الرجلُ يَبْكي بينَ يدَيْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويهْتِفُ. فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) الشاة التي لا قرن لها. الحديث: 3604 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 "ما لَك؟ ما تَقْرأُ (1) كِتابَ الله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}؟ ". فقال الرجلُ: يا رسولَ الله! ما أجِدُ شيْئاً خيراً مِنْ فِراقِ هؤلاء -يعني عبيدَهُ-[إني] أشْهِدُك أنَّهم كلَّهم أحْرارٌ. رواه أحمد والترمذي، وقال الترمذي: "حديث غريب لا نعرفه الا من حديث عبد الرحمن بن غزوان، وقد روى أحمد بن حنبل هذا الحديث عن عبد الرحمن بن غزوان" انتهى. (قال الحافظ): "وإسناد أحمد والترمذي متصلان، ورواتهما ثقات؛ عبد الرحمن هذا يكنى أبا نوح؛ ثقة احتج به البخاري، وبقية رجال أحمد ثقات احتج بهم البخاري ومسلم". [مضى 20 - القضاء/ 10]. 3607 - (16) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من ضرب مملوكه سوطاً ظلماً اقتُصَّ منه يوم القيامة". رواه البزار؛ والطبراني بإسناد حسن. [مضى هناك]. 3608 - (17) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن أنيسٍ رضي الله عنه؛ أنَّه سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يَحْشُر الله العِبادَ يومَ القيامَةِ -أو قال: الناسَ- عُراةً غُرلاً بُهْماً". قال: قلنا: وما (بُهْماً)؟ قال: "ليسَ معَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ ينادِيهمْ بصوتٍ يسْمَعُه مَنْ بَعدَ كما يسمَعُه مَنْ   (1) كذا الأصل وغيره، وفي "المسند" (6/ 280) والسياق هنا له: (ما له؟ ما يقرأ؟)، والزيادات منه، وأما سياق الترمذي فقد تقدم في (20 - القضاء/ 10 - باب/ 40 - حديث) مع التعليق عليه، فراجعه. الحديث: 3607 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 قَرُبَ: أنا الديَّان، أنا المَلِكُ، لا يَنْبَغي لأحَدٍ مِنْ أهْلِ النارِ أنْ يدخُلَ النارَ ولهُ عندَ أحدٍ مِنْ أهْلِ الجنَّةَ حقٌّ؛ حتى أَقُصَّهُ منْه، ولا يَنْبغي لأحَدٍ مِنْ أهْلِ الجنَّة أنْ يَدْخُلَ الجنَّةَ ولأَحَدٍ مِنْ أهْلِ النارِ عندَه حَقٌّ حتى أقُصَّهُ منه، حتى اللَّطْمَةَ". قال: قلنا: كيفَ، وإنَّما نأْتي عراةً غُرْلاً بُهْماً؟! قال: "الحسَناتُ والسَّيِّئَاتُ". رواه أحمد بإسناد حسن. [صحيح] وتقدم في "الغيبة" [23 - الأدب/ 19] حديث عن أبي هريرة عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "المفْلِسُ مِنْ أُمَّتي مَنْ يأتي يومَ القِيامَة بصَلاةٍ وصِيامٍ وزَكاةٍ، ويأْتي قد شَتَم هذا، وقذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفَك دَم هذا، وضرَب هذا، فيُعطى هذا مِنْ حسَناتِه، وهذا منْ حسَناتِه، فإنْ فَنِيَتْ حَسناتُه قَبْلَ أنْ يَقْضِيَ ما عليه؛ أُخِذَ مِنْ خطاياهُم فطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النارِ". رواه مسلم وغيره. 3609 - (18) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسولَ الله! هَلْ نرى ربَّنَا يومَ القِيامَةِ؟ فقال: "هَلْ تُضارُّونَ في رُويَة الشمْسِ في الظهيرَة ليسَتْ في سحَابَة؟ ". قالوا: لا. قال: "فهل تُضارُّونَ في رُوْيَةِ القَمرِ ليلةَ البَدْرِ ليسَ في سحَابَةٍ؟ ". قالوا: لا. قال: الحديث: 3609 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 "فوَالَّذي نَفْسي بيَدِه! لا تُضارُّون في رُؤْيَةِ ربِّكم إلا كما تُضارُّون في رُؤية أحَدِهما، فيَلْقَى العبدُ ربَّه فيقولُ: أيْ (فُلْ)! ألَمْ أُكْرِمْكَ وأسَوِّدْكَ وأزوِّجْكَ وأسخِّرْ لكَ الخيلَ والإبِلَ، وأذَرْكَ ترأسُ وتربَع؟ فيقولُ: بَلى يا ربِّ، فيقولُ: أظنَنْتَ أنَّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقولُ: فإنِّي أنْساكَ كما نَسيتَني. ثم يَلْقى الثاني فيقولُ: أيْ (فُلٌ!) ألَمْ أُكْرِمْكَ وأسوِّدك وأُزوِّجْكَ وأسخِّرْ لكَ الخيلَ والإبِلَ، وأذَرْكَ ترأَسُ وتَرْبَع؟ فيقولُ: بلَى يا ربّ، فيقولُ: أظنَنْتَ أنَّك ملاقيَّ؟ فيقول: لا. فيقول: إني أنساكَ كما نسيتني. ثُم يَلقى الثالث فيقول له مثل ذلك، فيقول: يا ربِّ! آمنتُ بِكَ وبِكتابِكَ وبرسُلِك، وصلَّيْتُ، وصُمْتُ، وتصدَّقْتُ، ويثْني بخيرِ ما اسْتَطاعَ. فيقول: ههُنا إذاً. ثمَّ يقولُ: الآن نَبْعَثُ شاهدنا (1) عليك. فيتفَكَّرُ في نَفْسه: مَنْ ذا الَّذي يَشْهَد عليَّ؟ فيُخْتَمُ على فيهِ، ويقالُ لِفَخذِه [ولحمه، وعظامه]: انْطِقي. فيَنْطِقُ فخِذُه ولَحْمُه وعِظامُه بعَملِه. وذلك ليُعْذِرَ مِنْ نَفْسِه، وذلك المُنافِقُ، وذلك الذي يَسْخَطُ الله عليه". رواه مسلم. (تَرْأَس) بمثناة فوق ثم راء ساكنة ثم همزة مفتوحة؛ أي: تصير رئيساً. (وتَرْبَع) بموحدة بعد الراء مفتوحة: معناه يأخذ ما يأخذه رئيس الجيش لنفسه، وهو ربع المغانم، ويقال له: المرباع.   (1) الأصل: (شاهداً)، والتصحيح من (مسلم)، وقال الناجي (225/ 2). "كذا وجد، وإنما هو (شاهدنا) ". وفي الأصل ألفاظ تختلف عنه بعض الشيء، وزيادات حذفتها لم أر من الضرورة التنبيه عليها، وأما المعلقون الثلاثة، فلم يصححوا شيئاً كعادتهم، وزادوا -ضغثاً على إبالة- أنهم عزوه لمسلم برقم (182)، وهذا رقم الحديث الآتي، وهو في "كتاب الإيمان"! وإنما رقمه (2968) في "كتاب الزهد"! الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 3610 - (19) [صحيح] وعنه أيضاً: أن الناس قالوا: يا رسولَ الله! هلْ نرى ربَّنا يومَ القيامَةِ؟ قال: "هل تُمارُون في القمرِ ليلةَ البدْرَ ليسَ دونَهُ سحَابٌ؟ ". قالوا: لا يا رسولَ الله. قال: "هل تُمارونَ في الشمسِ ليسَ دونَها سَحاب؟ ". قالوا: لا. قال: "فإنَّكم تَروْنَه كذلك. يُحشَرُ الناسُ يومَ القيامَةِ، فيقول: مَنْ كان يعبدُ شيْئاً فلْيتَّبعْ، فمنهم مَنْ يَتّبعُ الشمْسَ ومنهم مَنْ يَتَّبع القَمرَ، ومنهم مَنْ يتَّبعُ الطواغِيتَ، وتَبْقَى هذه الأمَّة فيها مُنافِقوها، فيَأْتيهمُ الله فيقولُ: أنا ربُّكم، فيقولون: هذا مكانُنا حتى يأتينا ربُّنا، فإذا جاءَ ربُّنا عَرفْناه، فيأتيهمُ الله فيقول: أنا ربُّكم. فيقولون: أنْتَ ربُّنا، فيدْعوهُم. ويضربُ الصراط بينَ ظهرانَيْ جهَنَّم، فأكونُ أوَّلَ مَنْ يَجوزُ مِنَ الرسُل بأُمَّتِه، ولا يَتكَلَّمُ يومَئذٍ أحَدٌ إلا الرسُلُ، وكلامُ الرسُلِ يومَئذِ: اللهُمَّ سلِّم سَلِّم، وفي جَهنم كلاليبُ مثلُ شَوْكِ السَّعْدانِ، هل رأيْتُم شوكَ السَّعْدانِ؟ ". قالوا: نعم. قال: "فإنَّها مثلُ شوْكِ السَّعْدانِ غير أنَّه لا يعلَم قدْرَ عِظَمِها إلا الله، تخطَفُ الناسَ بأعْمالِهم، فمنهم مَنْ يوبَقُ بعَمله (1)، ومنهم مَنْ يُخَرْدَلُ (2) ثُمَّ يَنْجو، حتى إذا أرادَ الله رحمةَ مَنْ أراد مِنْ أَهْلِ النارِ؛ أمر الله الملائكةَ أنْ يُخْرِجوا مَنْ كان يعبدُ الله، فيخرجونَهُم، [ويعرفونهم] بآثارِ السجودِ، وحرَّمَ الله على النارِ أنْ تأْكُلَ أثَر السجودِ، فيَخْرجونَ مِنَ النارِ، [فكلُّ ابنِ آدمَ تأكُلُه النارُ إلا   (1) أي: يهلك. (2) أي: يصرع كما يأتي من المؤلف. الحديث: 3610 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 أثرَ السجودِ، فيخرجون من النارِ] وقد امتُحِشوا، فيُصَبُّ عليهم مَاءُ الحَياةِ، فيَنْبِتونَ كما تنبُتُ الحِبَّةُ في حَميلِ السَّيْلِ. ثم يَفرغ الله مِنَ القَضاءِ بينَ العِبَادِ، وَيبْقَى رجلٌ بينَ الجَنَّةِ والنَّارِ، -وهو آخِرُ أهْلِ النارِ دخولاً الجَنّة- مُقْبِلٌ بوَجْهِه قِبَلَ النارِ، فيقولُ: يا ربِّ! اصْرِفْ وَجْهي عنِ النارِ فقَدْ قَشَبني ريحُها، وأحْرَقني ذَكاها (1). فيقولُ: هَلْ عَسَيْتَ إنْ فعِلَ ذلك بك أنْ تَسْأَلَ غير ذلك؟ فيقولُ: لا وعِزَّتِكَ. فيُعطي الله ما يشاءُ مِنْ عهدٍ وميثاقٍ، فيصرِفُ الله وجهَهُ عنِ النارِ. فإذا أقْبلَ به على الجنَّةِ رأى بَهْجَتها، سكتَ ما شاءَ الله أنْ يَسْكُتَ، ثمَّ قالَ: يا ربِّ! قدِّمْني عند باب الجنَّة! فيقولُ الله: أليسَ قد أعْطَيْتَ العهدَ والميثاقَ أنْ لا تسأَلَ غيرَ الذي كنتَ سأَلْتَ؟ فيقولُ: يا ربِّ! لا أكونُ أشْقَى خلقِك. فيقولُ: فما عَسَيْتَ إنْ أعطَيتُكَ ذلك أنْ تسأَل غَيرَهُ؟ فيقولُ: لا وعِزَّتِكَ لا أسْأَلُكَ غير هذا، فيُعْطي ربَّه ما شاءَ مِنْ عهْدٍ وميثاقٍ، فيُقَدِّمُه إلى بابِ الجنَّة، فإذا بلَغ بابَها رأى زَهْرَتها وما فيها مِنَ النَّضْرَةِ والسرورِ، فسكتَ ما شاءَ الله أَنْ يسْكتَ، فيقول: يا ربِّ أدْخِلْني الجنَّةَ! فيقول الله: ويْحكَ يا ابْنَ آدَم ما أغْدَرك! ألَيْس قد أعْطَيْتَني العهودَ [والميثاق] أن لا تَسْأَلَ غيرَ الذي أعطيتَ؟ فيقولُ: يا ربِّ! لا تَجْعَلْني أشْقَى خَلْقِك، فيَضْحَكُ الله منه، ثمَّ يأْذَنُ له في دُخول الجَنَّةِ، فيقولُ: تمنَّ، فيَتَمنّى، حتى إذا انْقطَعَتْ أُمنِيَّتُه، قال: تَمنَّ مِنْ كذا وكذا، يذَكِّرُه ربُّه حتى إذا انْتَهتْ به الأماني، قال الله: لكَ ذلك ومِثلُهُ معَهُ". قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة: إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال الله: لكَ ذلك وعَشَرةُ أمْثالِه". قال أبو هريرة: لَمْ أحْفَظْ مِنْ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلاَّ قولَه:   (1) أي: شدَّة حرها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 "لكَ ذلك ومثْلُهُ معَهُ". قال أبو سعيد: أشْهَد أنِّي سمعتُه مِنْ رسولِ الله يقول: "لكَ ذلك وعَشَرةُ أمْثالِه". قال أبو هريرة: "وذلك الرجلُ آخِرُ أهْلِ الجنَّة دُخولاً الجنَّةَ". رواه البخاري (1). (أي فُل) أي: يا فلان، حذفت منه الألف والنون لغير ترخيم، إذ لو كان ترخيماً لما حذفت الألف. قال الأزهري: "ليست ترخيم (فلان)، ولكنها كلمة على حدة تُوقعها بنو أسْد على الواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد، وأما غيرهم فيثني ويجمع ويؤنث". (أسوِّدك) بتشديد الواو وكسرها؛ أي: أجعلك سيداً في قومك. (السَّعدان): نبت ذو شوك معقف. (المخردل): المرمي المصروع. وقيل: المقطع، يقال: لحم خراديل؛ إذا كان قطعاً. والمعنى: أنه تقطعه كلاليب الصراط حتى يهوي في النار. (امتُحِش) بضم التاء وكسر الحاء المهملة بعدها شين معجمة أي: احترق. وقال الهيثم: "هو أن تُذهب النار الجِلدَ، وتُبدي العظم". (الحِبَّة) بكسر الحاء: هي البقول والرياحين. وقيل: بزر العشب. وقيل: نبت   (1) في مواطن من "صحيحه"، وهذا السياق في "الأذان" منه، دون قول أبي هريرة في آخره: "وذلك الرجل. . ."، فإنه عنده في "التوحيد". ثم إن في عزوه تقصيراً ظاهراً؛ فإنه في مسلم أيضاً كما تقدم بيانه في التعليق على الحديث الذي قبله، وسيعزوه إليه المؤلف أيضاً في (27/ 16 - فصل)، والنسائي كما قال الحافظ الناجي. ورواه أحمد أيضاً (2/ 275 - 276 و533 - 534). وفيه عنده قول أبي هريرة المشار إليه، وكذلك هو عند مسلم (299). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 [ينبت] (1) في الحشيش صغير. وقيل: جميع بزور النبات. وقيل: بزر ما نبت من غير بذر، وما بُذر تفتح حاؤه. (حَميلُ السيل) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم: هو الزَّبَد، وما يلقيه على شاطئه. (قَشَبني ريحها) أي: آذاني. (ذكاها) بذال معجمة مفتوحة مقصور: هو إشعالها ولهبها. 3611 - (20) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسولَ الله! هَلْ نَرى ربَّنا يومَ القيامَةِ؟ قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نَعم، فهلْ تُضارُّونَ في رُؤيَةِ الشمْسِ بالظهيرَة صَحْواً ليسَ مَعها سحاب؟ وهَلْ تُضارُّون في رُؤْيَةِ القَمرِ ليلَة البدْرِ صَحْواً ليسَ فيها سحَابٌ؟ ". قالوا: لا يا رسولَ الله. قال: "فما تُضارُّون في رُؤْيَةِ الله تعالى يومَ القيامَةِ إلا كما تُضارُّون في رُؤْيَةِ أحَدِهما، إذا كانَ يومُ القيامَة أذَّن مؤَذِّنٌ: لتَتَّبعْ كلُّ أُمَّةٍ ما كانَتْ تعبُد، فلا يَبْقَى أحدٌ كان يعبدُ غيرَ الله مِنَ الأصْنامِ والأنْصاب إلا يتَساقَطون في النارِ، حتى إذا لَمْ يَبْقَ إلا مَنْ كان يعبدُ الله مِنْ بَرٍّ وفاجِرٍ وغُبَّرِ (2) أهْلِ الكِتابِ. فيُدعَى اليهودُ، فيُقالُ لهم: ما كنتُمْ تعبُدونَ؟ قالوا: كنَّا نعبدُ عُزَيراً ابنَ الله! فيُقالُ: كذَبْتُم ما اتَّخَذ الله مِنْ صاحِبَةٍ ولا ولَدٍ، فماذا تَبْغونَ؟ قالوا: عَطِشْنا يا ربَّنا فاسْقِنا، فيُشارُ إليهِم ألا تَرِدون؟ فيُحْشَرون إلى النارِ كأنَّها سرابٌ يحطِمُ بعضُها بعضاً، فيتَساقطونَ في النارِ.   (1) زيادة من "النهاية". (2) أي: بقاياهم، جمع (غابر). وكان الأصل: (وغيْر)، وهو تحريف مفسدٌ للمعنى كما لا يخفى. الحديث: 3611 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 ثُمَّ تُدعى النَّصارَى فيقالُ لَهُمْ: ما كنْتمْ تعبُدون؟ قالوا: كنَّا نَعبُد المسيحَ ابْنَ الله! فيقالُ لهم: كذَبْتُم ما اتَّخذ الله مِنْ صاحبَة ولا وَلدٍ، فماذا تَبْغونَ؟ فيقولون: عطِشْنا يا ربَّنا فاسْقِنا، فيُشارُ إليْهِم: أَلا تَرِدون؟ فيُحْشَرون إلى جَهنَّم كأنَّها سرابٌ يَحطِمُ بعضُها بعضاً، فيتَساقطونَ في النارِ. حتّى إذا لَم يَبْق إلا مَنْ كانَ يعبدُ الله مِنْ بَرٍّ وفاجِر أتاهُم الله في أدْنى صورَةٍ مِنَ التي رأوْهُ فيها، قال: فما تَنْتَظِرون؟ تَتْبَعُ كلُّ أمَّةٍ ما كانَتْ تعبدُ، قالوا: يا ربَّنا! فارَقْنا الناسَ في الدنيا أفْقَرَ ما كنّا إلَيْهِم، ولَمْ نُصاحِبْهُم، فيقول: أنا ربُّكم، فيقولون: نَعوذُ بالله مِنْكَ، لا نُشْرِكُ بالله شيئاً -مرتين أو ثلاثاً-، حتّى إنَّ بعضَهُم ليَكادُ أنْ يَنْقَلِبَ (1). فنقولُ: هَلْ بينَكم وبَيْنَهُ آيَةٌ فتَعْرِفونَهُ بها؟ فيقولون: نعم، فيُكْشَفُ عَنْ ساقٍ (2)، فلا يَبْقَى مَنْ كان يَسْجُد لله مِنْ تِلْقاءِ نَفْسه إلا أَذِنَ الله له بالسُّجودِ، ولا يَبْقى مَنْ كان يَسْجُد اتِّقاءً ورِياءً إلا جعَل الله ظَهْرَه طبقَةً واحِدةً، كُلَّما أرادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ على قَفاه. ثم يَرفَعون رؤُوسَهُمْ وقد تحوَّلَ في صورَتِه التي رأَوْهُ فيها أوَّلَ مرَّة، فقال: أنا ربُّكم، فيقولون، أنْتَ ربُّنا، ثُمَّ يُضرَبُ الجِسْرُ على جَهنَّم، وتَحِلُّ (3) الشفاعَةُ، ويقولون: اللهُمَّ سلِّم سلِّم". قيلَ: يا رسولَ الله! وما الجِسْرُ؟ قال: "دَحْضٌ مَزَلَّةٌ، فيه خطاطيفُ، وكَلاليبُ، وحَسَكٌ تكون بنَجْدٍ، فيها شُوَيْكَةٌ يقال لها: السَّعْدانُ، فيمرُّ المؤمِنونَ كطَرْفِ العَيْنِ، وكالبَرْقِ، وكالريحِ، وكالطيْرِ، وكأجاويدِ الخَيْلِ، والرِّكابِ، فناجٍ مُسَلَّم، ومَخدُوشٌ مرسَلٌ،   (1) أي: يرجع عن الصواب للامتحان الشديد الذي جرى. (2) أي: ساق الرب جل جلاله؛ كما سبق ذلك صراحة في حديث ابن مسعود المتقدم (2 - فصل). (3) أي: تقع ويؤذن فيها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 ومكدوشٌ في نارِ جَهنَّم (1). حتى إذا خلَص المؤْمنون مِنَ النارِ، فوالَّذي نَفْسي بيَدِهِ ما مِنْ أحدٍ منكم بأشدَّ [لي] مُناشَدَة لله في اسْتِقْصاءِ (2) الحقِّ مِنْ المؤْمِنينَ لله يومَ القيامَةِ لإخْوانِهمُ الذينَ في النارِ -وفي رواية: فَما أْنتُم بأشَدَّ [لي] مُناشَدَةَ لله في الحَقِّ قد تَبيَّن لَكُمْ مِنَ المؤْمِنينَ يومَئذٍ لِلْجَبَّارِ إذا رَأَوْا أنَّهم قد نَجوا في إِخْوانِهم- (3) يَقولون: ربَّنا كانوا يَصومون مَعنا، ويُصَلُّون، وَيَحُجُّون، فيُقالُ لَهُمْ: أخْرِجوا مَنْ عَرفْتُم، فتُحَرّمُ صوَرُهُم على النارِ، فَيُخْرِجونَ خَلْقاً كثيراً قد أخَذتِ النارُ إلى نِصْفِ ساقَيْه، وإلِى ركْبَتيهِ، ثُمَّ يقولون: ربّنا ما بَقِيَ فيها أحَدٌ مِمَّنْ أمَرْتَنا به، فيُقال: ارْجِعوا، فَمَنْ وجَدْتُم في قَلْبِه مثقالَ دينارٍ مِنْ خيرٍ فأخْرِجوه. فيُخْرِجُون خَلْقاً كثيراً، ثم يقولون: ربّنا لَم نَذَرْ فيها أحداً مِمَّنْ أمَرْتَنا، ثُمَّ يقولُ: ارْجِعوا، فمَنْ وجدْتُم في قلْبِه مثقْالَ نصفِ دينارٍ مِنْ خيرٍ فأخْرِجوه، فيُخْرِجونَ خلْقاً كَثيراً، ثم يقولون: ربَّنا لَمْ نَذَرْ فيها مِمَّنْ أمَرْتَنا أحداً، ثم يقول: ارْجِعوا، فَمْن وَجدْتُم في قلْبهِ مثقالَ ذَرَّةٍ مِنْ خيرٍ فأخْرِجُوه. فيُخْرِجونَ خَلْقاً كثيراً، ثُمَّ يقولون: ربَّنا لَمْ نَذرْ فيها خيراً". -وكان أبو سعيد يقول: إنْ لَمْ تُصدِّقوني بهذا الحديثِ فاقْرؤا إنْ شِئْتُم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا   (1) معناه: أنهم ثلاثة أقسام: قسم يسلم فلا يناله شيء أصلاً، وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص، وقسم يكردس ويلقى فيسقط في جهنم. (2) أي: تحصيله من خصمه والمتعدي عليه. وكان الأصل (استيفاء)، فصححته من مسلم (302)، وغفل عنه الغافلون الثلاثة! (3) هذه الرواية للبخاري في "التوحيد" (7439)، وما بعدها استمرار لرواية مسلم (1/ 141 - 117). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 عَظِيمًا} -، فيقولُ الله عزَّ وجلَّ: شَفَعَتِ الملائكةُ، وشَفَعَ النبيُّون، [وشفع المؤمنون]، ولَمْ يَبقْ إلا أَرْحَمُ الراحِمين، فيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النار، فيُخْرِجُ منها قوْماً مِنَ النارِ لَمْ يَعْملوا خَيْراً قَطُّ قدْ عادوا حُمَماً فيُلْقيهِمْ في نهرٍ في أفْواهِ الجنَّةِ يقال له: (نَهْرُ الحَياةِ)، فيخرجُون كما تخرجُ الحِبَّة في حَميلِ السَّيْلِ، ألا تروْنَها تكونُ إلى الحَجرِ أوْ إلى الشَّجرِ، ما يكونُ إلى الشَّمْسِ أصيْفَرُ وأُخَيْضَرُ، وما يكون منها إلى الظلِّ يكونُ أبيضَ". فقالوا: يا رسولَ الله! كأنك كنتَ تَرعى بالبادِيَةِ!! قال: "فيَخْرجُون كاللُّؤْلُؤِ في رِقابِهمُ الخَواتيمُ، يَعرفهم أهل الجنة (1): هؤلاءِ عُتقَاءُ الله الذين أدْخَلهُم الله الجنَّةَ بغيرِ عَمَلٍ عَملوهُ ولا خيرٍ قدَّموه. ثم يقولُ: ادْخُلوا الجنَّةَ فما رأيْتُموه فهو لكم. (2) فيقولون: ربَّنا أعْطَيْتَنا ما لمْ تُعْطِ أحداً مِنَ العالَمين؟ فيقول: لَكُم عنِدْي أفْضَلَ مِنْ هذا! فيقولون: يا ربَّنا! أيُّ شَيْءٍ أفْضَل مِنْ هذا؟ فيقولُ: رِضايَ، فلا أسْخَطُ عليكم أبَداً". رواه البخاري، ومسلم واللفظ له (3). (الغُبَّر) بغين معجمة مضمومة ثم باء موحدة مشددة مفتوحة: جمع (غابر): وهو الباقي. وقوله: (دَحْضٌ مَزَلَّة): (الدحْض) بإسكان الحاء: هو الزلق. و (المزلة): هو المكان الذي لا يثبت عليه القدم إلا زلت.   (1) قلت: فيه اختصار بينته رواية البخاري: "فيدخلون الجنة، فيقول أهل الجنة". (2) إلى هنا تنتهي رواية البخاري نحوه. وانظر تفاهة تخريجه من المعلقين الثلاثة فيما يأتي. (3) قلت: نعم، لكن الرواية الأخرى ليست له، وإنما هي للبخاري في "التوحيد" -كما تقدم. وإن من جهل المعلقين الثلاثة بفن التخريج فضلاً عن التحقيق والتصحيح أنهم عزوها للبخاري برقم (4581) أي في "التفسير"! وهي فيه إلى قوله: " (مرتين أو ثلاثاً) "!! الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 (المكدوش) بشين معجمة: هو المدفوع في نار جهنم دفعا عنيفاً. (الحُمَم) بضم الحاء المهملة وفتح الميم: جمع (حممة)، وهي الفحمة. وبقية غريبه تقدم. [في آخر حديث أبي هريرة الذي قبله]. 3612 - (21) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: كنا عند رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فضَحِكَ، فقال: "هل تدرونِ ممَّ أضْحَكُ؟ ". قلنا: الله ورسولُه أعلمُ. قال: "منْ مخاطَبةِ العبد ربَّه؛ يقولُ: يا ربِّ! ألَمْ تُجِرْني مِنَ الظُّلْمِ؟ يقول: بلَى. فيقولُ: إنِّي لا أجيَزُ (1) على نفْسي شاهِداً إلا مني. فيقولُ: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}، وبالكرامِ الكاتِبين شُهوداً. -قال:- فيُخْتَم على فيهِ، ويقالُ لأَرْكانِه: انْطِقي. فتَنْطِقُ بأعْمالِه، ثُمَّ يُخَلَّى بينَهُ وبينَ الكَلامِ، فيقولُ: بُعْداً لكُنَّ وسُحْقاً؛ فعَنْكُنَّ كنتُ أناضِلُ". رواه مسلم. (أناضل) بالضاد المعجمة: أجادل وأخاصم وأدافع.   (1) هنا في الأصل زيادة (اليوم)، ولا أصل لها في "مسلم" (8/ 217)، ولا عند غيره ممن أخرج الحديث، كالنسائي في "الكبرى" (6/ 508)، والبيهقي في "الأسماء" (ص 217)، وغفل عنها الجهلة -كالعادة- فأثبتوها! الحديث: 3612 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 4 - فصل في الحوض والميزان والصراط (1). 3613 - (1) [صحيح] عن عبد الله بنِ عَمْرِو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "حوضي مسيرةُ شهرٍ، ماؤهُ أبيضُ من اللبنِ، وريحهُ أطيبُ من المسكِ، وكيزانهُ كنجومِ السماءِ، من شربَ منه لا يظمأُ أبداً". وفي رواية: "حَوْضي مسيرَة شهرٍ، وزواياه سَواءٌ، وماؤُه أبيض مِنَ الوَرِقِ". رواه البخاري ومسلم. (2) 3614 - (2) [صحيح] وعن أبي أُمامةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله وعَدني أنْ يُدخِلَ الجنَّةَ مِنْ أُمَّتي سبْعين ألفاً بغير حِساب". فقال يزيدُ بْن الأخْنَس: والله ما أولئك في أمَّتِك إلا كالذُّبابِ الأصْهَبِ في الذُّبابِ. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد وعَدني سَبْعين ألفاً، مع كلِّ ألْفٍ سَبْعونَ ألفاً، وزادَني ثلاث حَثَياتٍ". قال: فما سَعَةُ حوضِكَ يا نبيَّ الله؟ قال: "كما بينَ (عَدَنٍ) إلى (عَمَّانَ)، وأوسَعُ، وأوْسَعُ". يشيرُ بيده. قال: "فيه مَثْعبَانِ مِنْ ذهبٍ وفِضَّةٍ".   (1) فيه إشارة إلى أن الصراط بعد الحوض، وهو الذي جزم به الحافظ في "الفتح" (11/ 405 - 406). (2) قال الناجي (ق 226/ 2): "رواه البخاري باللفظ الأول، ومسلم بالثاني". الحديث: 3613 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 قال: فما ماءُ حوضِك يا نبيَّ الله؟ قال: "أشدُّ بياضاً مِنَ اللَّبَنِ، وأحْلى [مذاقةً] مِنَ العَسلِ، وأطيبُ رائحةً مِنَ المِسْكِ، مَن شربَ منه شَربَةً لَمْ يظْمَأْ بعدها أبداً، ولمْ يَسوَدَّ وجْهُه أَبداً". [صحيح] رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح"، وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال: عن أبي أمامة؛ أن يزيد بن الأخنس قال: يا رسولَ الله! ما سعَةُ حوْضِكَ؟ قال: "ما بين (عَدَنٍ) إلى (عمَّانَ)، وإنَّ فيه مثْعَبَيْن مِنْ ذهبٍ وفِضةٍ". قال: فما ماء حوضِكَ يا نبي الله؟ قال: "أشدُّ بيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وأحْلى مَذاقةً مِنَ العَسلِ، وأطيبُ رائحةً مِنَ المِسْكِ، مَنْ شرِبَ منه لمْ يظمأْ أبداً، ولمْ يسْوَدَّ وجْهُه أبداً". (المَثْعَب) بفتح الميم والعين المهملة جميعاً بينهما ثاء مثلثة وآخره موحدة: وهو مسيل الماء. 3615 - (3) [صحيح] وعن ثوبان رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنِّي لَبِعُقْرِ حَوْضي أذودُ الناسَ لأَهْلِ اليَمَن، أضْرِب بِعصايَ حتى يَرْفَضَّ (1) عَليْهِم". فسُئل عَنْ عَرْضِه؟ فقال: "مِن مقامي إلى (عَمَّانَ) ". وسُئل عن شَرابه؟ فقال:   (1) أي: يسيل الحوض عليهم. الحديث: 3615 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 "أشدُّ بياضاً مِنَ اللَّبنِ، وأحْلى مِنَ العَسلِ، يَغُتُّ فيه مِيزابان يَمُدَّانِه مِنَ الجَنَّةِ، أحدُهما مِنْ ذَهبٍ والآخَرُ مِن وَرِقٍ". رواه مسلم. [صحيح] وروى الترمذي وابن ماجه، والحاكم -وصححه- عن أبي سلام الحبشي قال: بعَث إليَّ عُمَرُ بْنُ عبدِ العَزيز، فحُمِلْتُ على البَريدِ، فلمَّا دخْلتُ إليه قلتُ: يا أميرَ المؤْمِنينَ لقد شقَّ على مرْكبي البريدَ، فقال: يا أبا سلامٍ! ما أردْتُ أنْ أشُقَّ عليكَ، ولكنِّي بلَغني عنكَ حديثٌ تُحدِّثُه عن ثَوْبانَ عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحَوْضِ، فأحْبَبْتُ أنْ تُشافِهَني به. فقلْتُ: حدَّثني ثَوْبانُ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "حَوْضي مثلُ ما بينَ (عَدَنٍ) إلى (عَمَّانَ البَلْقاءِ)، ماؤُه أشَدُّ بَياضاً مِنَ الثلْجِ، وأحْلى مِنَ العسَلِ، وأكْوابُه عددُ نُجوم السماءِ، مَنْ شرِبَ منه شَرْبةً لَمْ يظمأْ بعدَها أبداً، أوَّلُ الناسِ وُروداً عليه فُقراءُ المهاجرِينَ؛ الشُّعْثُ رُؤوساً، الدُّنَّسُ ثِياباً، الذين لا يَنْكِحونَ المنعَّماتِ، ولا يُفْتَح لهم أبْوابُ السُّدَدِ". فقال عُمَرُ: قد أُنْكِحْتُ المنعَّماتِ: فاطمةَ بنتِ عَبدِ المَلِكِ، وفُتِحتْ لي أبْوابُ السُّدَدِ، لا جَرَم لا أغْسِلُ رأْسي حتى يَشْعَثَ، ولا ثَوْبيَ الذي يَلي جَسَدي حتى يتَّسِخَ". (عُقْر الحوض) بضم العين وإسكان القاف: هو مؤخره. (أذود الناس لأهل اليمن) أي: أطردهم وأدفعهم لِيَرِدَ أهل اليمن. (يرفضّ) بتشديد الضاد المعجمة؛ أي: يسيل ويترشش. (يغُتُّ فيه ميزابان) هو بغين معجمة مضمومة ثم تاء مثناة فوق؛ أي: يجريان فيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 جرياً له صوت، وقيل: يدفقان فيه الماء دفقاً متتابعاً دائماً، من قولك: غت الشارب الماء جرعاً بعد جرع. (الشُّعث) بضم الشين المعجمة: جمع (أشعث)، وهو البعيد العهد بدَهن رأسه، وغسل وتسريح شعره. (الدُّنُس) بضم الدال والنون: جمع (دنس): وهو الوَسخ. 3616 - (4) [صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "حَوْضي كما بينَ (عَدَنٍ) و (عَمّانَ)، أبردُ مِنَ الثلْجِ، وأحلىِ مِنَ العَسلِ، وأطيبُ ريحاً مِنَ المسْكِ، أكْوابُه مثلَ نجومِ السماءِ، مَنْ شرِب منه شَربةً لَمْ يظمأْ بعدَها أبداً، أوَّلُ الناسِ عليه ورُوداً صَعاليكُ المُهاجِرين". قال قائِلٌ: مَنْ هُم يا رسولَ الله؟ قال: "الشَّعِثَةُ رُؤوسُهم، الشَّحِبَةُ وجُوهُهمْ، الدَّنِسَة ثِيابُهم، لا تُفْتَحُ لهم السُّدَدُ، ولا يَنْكِحونَ المَنعَّماتِ، الذين يُعطُون كلَّ الَّذي علَيْهِمْ، ولا يَأْخُذون كلَّ الَّذي لَهُمْ". رواه أحمد بإسناد حسن. قوله: (الشَّحِبَةُ وجوههم) بفتح الشين المعجمة وكسر الحاء المهملة بعدها باء موحدة: هو من الشحوب، وهو تغير الوجه من جوع أو هزال أو تعب. وقوله: (لا تفتح لهم السدد) أي: لا تفتح لهم الأبواب. 3617 - (5) [صحيح لغيره] وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "حَوْضي كما بينَ (عَدَنٍ) و (عَمَّانَ)، فيه أكاويبُ عددُ نجومِ السماءِ، مَنْ شَرِب منهُ لَمْ يظْمَأْ بعدَه أَبَداً، وإنَّ مِمَّنْ يرِدُهُ عليَّ مِنْ أُمَّتي: الشَّعِثَةُ الحديث: 3616 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 رؤُوسُهم، الدَّنِسَةُ ثِيابُهم، لا يَنْكِحونَ المنعَّماتِ، ولا يَحْضُرونَ السُّدَدَ -يعني أبوابَ السُلْطان-[الذين يُعطون كل الذي عليهم، ولا يُعْطَون كل الذي لهم] (1) ". رواه الطبراني، وإسناده حسن في المتابعات. (الأكاويب): جمع كوب، وهو كوب لا عروة له، وقيل: لا خرطوم له، فإذا كان له خرطوم فهو إبريق. 3618 - (6) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما بينَ ناحِيتَيْ حَوْضي كما بينَ (صَنْعاءَ) و (المدينَةِ) ". [صحيح] وفي رواية: "مثلَ ما بين (المدينَةِ) و (عَمَّانَ) ". [صحيح] وفي رواية: "تُرى فيه أباريقُ الذهبِ والفِضَّةِ كعددِ نجومِ السماءِ". [صحيح] زاد في رواية: "أوْ أكثرَ مِنْ عَددِ نُجومِ السماءِ". رواه البخاري ومسلم وغيرهما (2). 3619 - (7) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أعطيتُ الكَوْثرَ، فضرْبتُ بيدي فإذا هِيَ مِسْكَةٌ ذَفِرَةٌ (3)، وإذا حَصْباؤُها   (1) سقطت من الأصل، واستدركتها من "المعجم الكبير" (8/ 140/ 7546)، و"مجمع الزوائد" (10/ 366). (2) قال الناجي رحمه الله: "هذه الألفاظ كلها لمسلم، ولفظ البخاري: "إن قدر حوضي كما بين (أيلة) و (صنعاء) من اليمن، وإن فيه أباريق كعدد نجوم السماء". (3) أي: طيبة الريح. الحديث: 3618 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 اللُّؤْلُؤُ، وإذا حافَّتاه -أظُنُّه قال:- قِبابٌ، يجري (1) على الأرْضِ جَرْياً ليس بِمَشْقوقٍ". رواه البزار، وإسناده حسن في المتابعات. ويأتي أحاديث الكوثر في "صفة الجنة" إن شاء الله تعالى. 3620 - (8) [صحيح لغيره] وعن عتبة بن عبدٍ السلمي رضي الله عنه قال: جاءَ أعْرابيٌّ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ما حَوْضُك الذي تُحدِّثُ عنه؟ فقال: "هو كما بينَ (صَنْعاءَ) إلى (بُصْرى)، ثُمَّ يمدُّني الله فيه بكُراعٍ، لا يَدْري بَشَرٌ مِمَّنْ خُلِق أيُّ طرفَيْه". قال: فكبَّر عُمَرُ رضْوانُ الله عليه. فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أمَّا الحوْضُ فيزْدَحِمُ عليه فُقراءُ المُهاجِرينَ الَّذين يُقْتَلون في سبيلِ الله، ويموتون في سبيلِ الله، وأرْجو أنْ يورِدَني الله الكُراعَ فأشْربَ منه". رواه ابن حبان في "صحيحه". (الكُراع) بضم الكاف: هو الأنف الممدد من الحرة؛ استعير هنا (2). والله أعلم. 3621 - (9) [حسن صحيح] وعن أبي برزة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما بينَ ناحِيَتيْ حَوْضي كما بَيْنَ (أيْلَةَ) إلى (صَنْعاءَ) مسيرةَ شَهْرٍ،   (1) الأصل: (تجري)، وكذا في "المجمع"، والتصحيح من "كشف الأستار" (4/ 179/ 3488)، و"مسند أحمد" (3/ 152)، وسنده صحيح كسند البزار، وانظر "الصحيحة" (2513). (2) يشير هنا إلى أن أصل معنى (الكراع): ما دون الركبة إلى الكعب من الإنسان، ومن البقر والغنم: مستدق الساق العاري من اللحم، وتوضيح ابن الأثير في "النهاية" أوضح، حيث قال: "و (الكراع): جانبٌ مستطيل من الحَرَّة، تشبيهاً بالكراع، وهو ما دون الركبة من الساق". الحديث: 3620 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 عَرْضُه كَطوله، فيه مِرْزابانِ يَنْبَعِثانِ منَ الجنَّةِ مِنْ وَرِقٍ وذَهَبٍ، أبيضُ مِنَ اللَّبنِ، وأبردُ مِنَ الثلْجِ، فيه أباريقُ عددَ نُجومِ السماءِ". رواه الطبراني، وابن حبان في "صحيحه" من رواية أبي الوازع -واسمه جابر بن عمرو- عن أبي برزة، واللفظ لابن حبان. 3622 - (10) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ لي حَوْضاً ما بينَ (الكعْبَةِ) و (بيتِ المقْدِسِ)، أبيضُ مِنَ اللَّبَنِ، آنِيَتُه عَددَ النُّجومِ، وإنَي لأَكْثَرُ الأنْبِياء تَبَعاً يومَ القِيامَةِ". رواه ابن ماجه من حديث زكريا عن عطية -وهو العوفي- عنه. 3623 - (11) [صحيح] ولمسلم [يعني من حديث أبي هريرة الذي في "الضعيف"] قال: "تَرِدُ عليُّ أمَّتي الحَوْضَ، وأنا أذودُ الناسَ عنه كما يذودُ الرجلُ إبِلَ الرجُلِ عَنْ إبِلِه". قالوا: يا نبيَّ الله! تَعْرِفنا؟ قال: "نعم، لكُمْ سيما ليْسَتْ لأحَدٍ غيركُمْ، تَرِدونَ عليَّ غُرَّاً محَجّلينَ مِنْ آثارِ الوُضوءِ، ولَيُصَدَّنَّ عنِّي طائفَةٌ منكم فلا يَصلِونَ، فأقولُ: يا ربِّ! هؤلاءِ مِنْ أصْحابي، فيجيبُني مَلَكٌ فيقولُ: وهَلْ تَدْري ما أحْدَثوا بَعْدَكَ؟ ". 3624 - (12) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ وهو بين ظهرانَيْ أصْحابِه: "إنِّي على الحوضِ أنْظُرُ مَنْ يَرِدُ عليه منكم، فوَالله ليُقْتَطَعَنَّ دوني الحديث: 3622 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 رجالٌ؛ فلأَقولنَّ: أيْ ربِّ! منِّي ومِنْ أُمَّتي، فيقولُ: إنك لا تَدْري ما أحْدَثوا بَعْدَك؛ ما زالوا يَرْجِعون على أعْقابِهِم". رواه مسلم. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. 3625 - (13) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: سألْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يَشْفَع لي يومَ القيامَةِ فقال: "أنا فاعِلٌ إنْ شاءَ الله". قلتُ: فأيْنَ أطْلُبكَ؟ قال: "أوَّلُ ما تَطْلُبني على الصراطِ". قلتُ: فإنْ لَمْ ألْقَكَ على الصراطِ؟ قال: "فاطْلُبْني عندَ الميزانِ". قلتُ: فإنْ لَمْ ألْقَك عندَ المِيزانِ؟ قال: "فاطْلُبْني عند الحَوْضِ؛ فإني لا أُخْطِي (1) هذه الثلاثَ المواطِنَ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب" (2). والبيهقي في "البعث" وغيره. 3626 - (14) [صحيح لغيره] وعن سلمانَ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يوضعُ الميزانُ يومَ القيامةِ، فلو وُزِنَ فيه السموات والأرض لوُسِعَتْ،   (1) قال الناجي: "الياء غير مهموزة هنا، أي: لا أجاوز". (2) قلت: وضعفه بجهل بالغ صاحب "التوصل"، فلا تغتر به، فإنه خاوي الوفاض -رحمه الله وعفا عنه-. وأما الجهلة الثلاثة فحسنوه تقليداً، وأعلوه تعالماً، وانظر "الصحيحة" (2630). الحديث: 3625 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 فتقول الملائكةُ: يا رب! لمن يزنُ هذا؟ فيقولُ الله تعالى: لمن شئتُ من خلقي، فيقولون: سبحانَكَ! ما عبدناك حَقَّ عبادتِكَ". رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". (1) 3627 - (15) [صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "يوضَعُ الصراطُ على سواءِ جهَنَّم، مثلَ حدِّ السيْفِ المرْهَفِ، مَدْحَضَةٌ مَزلَّةٌ، عليه كلاليبُ مِنْ نارٍ يَخْطَفُ بها؛ فمُمْسَكٌ يَهْوي فيها، ومَصْروعٌ، ومنهم مَنْ يمرُّون كالبَرْقِ فلا يَنْشَبُ ذلك أنْ يَنْجُو، ثم كالريحِ فلا ينْشَبُ ذلك أنْ يَنْجو، ثم كَجَرْيِ الفَرسِ، ثم كَرمَلِ الرجُلِ، ثم كمشْيِ الرجُلِ، ثم يكونُ آخرُهُم إنساناً رجلٌ قد لوَّحَتْهُ النارُ، ولقِي فيها شرّاً حتى يُدخِلَهُ الله الجنَّةَ بفَضْلِ رحمَتهِ، فيقالُ له: تَمَنَّ وسَلْ. فيقولُ: أيْ. ربِّ! أتَهْزَأُ منِّي وأنتَ ربُّ العِزَّةِ؟ فيُقال له: تَمنَّ وسَلْ، حتَّى إذا انْقطَعَتْ به الأماني قال: لَكَ ما سأَلْتَ ومثلُهُ مَعُه". رواه الطبراني بإسناد حسن، وليس في أصلي رفعه. وتقدم بمعناه في حديث أبي هريرة الطويل [3 - فصل/ 19 - حديث]. 3628 - (16) [صحيح] وعن أم مُبَشِّر الأنْصارية رضي الله عنها؛ أنَّها سمعَتْ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول عند حفصة: "لا يدخلُ النارَ إنْ شاءَ الله مِنْ أصْحابِ (2) الشجَرةِ أَحدٌ؛ الذين بايَعوا تَحْتَها".   (1) قلت: ووافقه الذهبي، وفيه نظر، لكن له طريق آخر خرجته في "الصحيحة" (941). (2) الأصل: (أهل)، والتصحيح من "مسلم" (2469). الحديث: 3627 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 قلتُ: بلَى يا رسول الله! فانْتَهرها. فقالَتْ حَفْصَةُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد قال الله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} ". رواه مسلم وابن ماجه. 3629 - (17) [صحيح] وعن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يجْمَعُ الله الناسَ" فذكر الحديث إلى أن قالا: "فيأتونَ محمداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيقومُ ويؤْذَنُ له، وتُرسَلُ معَه الأمانَةُ والرَّحِمُ، فتقومَان جَنْبَتيِ الصراطِ يميناً وشِمالاً، فيمرُّ أوَّلُكم كالبَرْقِ". قال: قلتُ: بأبي أنتَ وأمِّي! أيُّ شيْءٍ كمرِّ البرق؟ قال: "ألَمْ تَروْا إلى البَرْقِ كيف يَمُرُّ وَيرْجعُ في طرْفَةِ عَيْنٍ، ثم كَمرِّ الريحِ، ثم كمرِّ الطَّيْرِ، وشدّ الرجال، تَجْري بِهم أعْمالُهم، ونبيُّكم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائِمٌ على الصراطِ يقولُ: ربِّ سلِّم سلِّم، حتى تعجِزَ أعْمالُ العبادِ، حتى يَجيءَ الرجلُ فلا يَسْتَطيع السيرَ إلا زَحْفاً، قال: وفي حافَّتَيِ الصراطِ كَلاليبُ مُعلَّقَةٌ مأْمورَةٌ بأخْذِ مَنْ أُمِرتْ بِه، فمَخْدوشٌ ناجٍ، ومَكْدوشٌ فى النارِ، والذي نفْسُ أبي هريرة بيده إنَّ قَعْرَ جهَنَّم لَسبْعون خَريفَاً". رواه مسلم، ويأتي بتمامه في "الشفاعة" إن شاء الله. [صحيح] وتقدم حديث ابن مسعودٍ [2 - فصل] في "الحشر" [آخر حديث فيه]، وفيه: الحديث: 3629 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 "والصراطُ كَحدِّ السيْفِ دَحْضٌ مزَلَّةٌ، قال: فيَمُرُّونَ على قدْرِ نورِهِمْ، فمنهم مَنْ يَمُرُّ كانْقِضاضِ الكوْكَبِ، ومنهم مَنْ يَمُرُّ كالطَّرْفِ، ومنهم مَنْ يمرُّ كالريحِ، ومنهم مَنْ يمُرُّ كشَدِّ الرَّجُلِ، ويرمُل رَمْلاً، فيمرُّون على قدْرِ أعْمالِهم، حتى يمرَّ الذي نورُه على إبْهامِ قدمهِ؛ تَخِرُّ يدٌ وتَعَلَّقُ يدٌ، وتخِرُّ رِجْلٌ وتَعلَّقُ رِجْلٌ، فتصيبُ جوانِبَهُ النارُ". رواه ابن أبي الدنيا والطبراني، والحاكم، واللفظ له. 3630 - (18) [صحيح] وروى الحاكم أيضاً بإسناد ذكر أنه على شرط مسلم عن المسيب قال: سألتُ مُرَّةَ عن قولِه تَعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}؟ فحدَّثني أنَّ ابْنَ مسْعودٍ حدَّثَهُم أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يَرِدُ الناسُ النارَ، ثم يَصْدُرون عَنْها بأَعْمالِهمْ، وأوَّلُهم كلَمْحِ البَرْقِ، ثم كمرِّ الريحِ، ثم كَحضرِ الفَرسِ، ثم كالراكِبِ في رَحْلِه، ثمَّ كشَدِّ الرجُّل، ثم كمَشْيِه". 3631 - (19) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يَلْقى رجلٌ أباهُ يومَ القِيامَة فيقولُ: يا أبَتِ! أيَّ ابْنٍ كنتُ لَك؟ فيقولُ: خيرَ ابْنٍ، فيقول: هَلْ أنْتَ مطيعي اليَوْمَ؟ فيقولُ: نعم، فيقولُ: خُذْ بأُزْرَتي، فيأخذ بأُزْرَتِه، ثُمَّ يَنْطَلِقُ حتى يأْتِيَ الله تعالى؛ وهو يَعْرِضُ (1) الخَلْقِ، فيقول:   (1) الأصل: (بعض الخلق)، والتصويب من "المستدرك" (4/ 589)، وكذا (البزار) (1/ 66/ 97)، و"الفتح" (499 و500). الحديث: 3630 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 يا عَبْدي! اُدْخُلْ مِنْ أيِّ أبوابِ الجَنَّةِ شِئْتَ. فيقولُ: أيْ ربِّ! وأَبي مَعي؛ فإنَّك وعَدْتَني أنْ لا تُخزِني. قال: فيَمْسَخُ الله أباه ضَبُعاً، فيَهْوي في النارِ، فيأْخُذُ بأنْفِه، فيقولُ الله: يا عَبْدي! أبوكَ هُوَ؟ فيقولُ: لا وعِزَّتِكَ". رواه الحاكم، وقال: "صحيح على شرط مسلم". وهو في البخاري؛ إلا أنه قال: "يَلْقى إبراهيمُ أباه آزَرَ"، فذكر القصة بنحوه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 5 - فصل في الشفاعة وغيرها. (قال الحافظ): "كان الأولى أن يقدم ذكر الشفاعة على ذكر الصراط؛ لأن وضع الصراط عند الإذن في الشفاعة العامة من حيث هي، ولكن هكذا اتفق الإملاء. والله المستعان". 3632 - (1) [صحيح] عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلُّ نبيٍّ سألَ سُؤالاً -أو قال:- لِكلِّ نبيٍّ دعْوَةٌ قد دَعاها لأُمَّتِه، وإنِّي اخْتَبأْتُ دَعْوتي شَفاعةً لأُمَّتي". رواه البخاري ومسلم. 3633 - (2) [صحيح] وعن أم حبيبة رضي الله عنها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه قال: "أُرِيتُ ما يَلْقى أُمَّتي مِنْ بَعدي، وسَفْكَ بعْضِهم دماء بَعْضٍ؛ فأحْزَنَني، وسبقَ ذلك مِنَ الله عزَّ وجلَّ، كما سبقَ في الأُمَمِ قَبْلَهُم، فسأَلْتُه أنْ يوليَني فيهِمْ شَفاعةً يومَ القِيامَةِ، فَفَعَلَ". رواه البيهقي في "البعث"، وصحح إسناده. (1) 3634 - (3) [صحيح] وعن عبد الله بن عَمْروٍ رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامَ غَزْوَةِ تَبوك قامَ مِنَ الليْل يُصَلِّي، فاجْتَمع رِجالٌ مِنْ أصْحابِه يَحْرسونَه، حتى صلّى وانْصَرفَ إليْهِمْ، فقال لَهُمْ: "لقد أُعْطِيتُ اللَّيْلَةَ خَمْساً ما أُعْطيهُنَّ أحَدٌ قبلي، أمَّا أنا فأُرْسِلْتُ إلى   (1) قلت: قد رواه من هو أعلى طبقة منه كشيخه الحاكم، بل وابن أبي عاصم في "السنة"، وغيرهما، وهو مخرج في "الصحيحة (1440). الحديث: 3632 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 الناسِ كلِّهم عامَّةً؛ وكان مَنْ قَبلي إنَّما يُرْسَلُ إلى قَوْمِه، ونُصِرْتُ على العدوِّ بالرُّعْبِ ولو كان بَيْني وبيْنَهُ مسيرَةُ شهرٍ لَمُلئ منه [رُعْباً]، وأُحِلَّتْ ليَ الغَنائمُ آكلُها، وكان مَنْ قَبْلي يعظِّمونَ أكْلها، وكانوا يَحْرِقونَها، وجُعِلَتْ لي الأرضُ مساجِدَ وطَهوراً؛ أينما أدْركتْني الصلاةُ تَمسَّحْتُ وصلَّيْتُ؛ وكان مَنْ قَبلْي يَعظِّمونَ ذلك، إنَّما كانوا يُصَلَّون في كنائِسهِم وبِيَعِهِمْ، والخامِسَة هِيَ ما هِيَ؟ قيلَ لي: سَلْ؛ فإنَّ كلَّ نبيٍّ قد سأَلَ، فأخَّرْتُ مَسْأَلتي إلى يَومِ القِيامَةِ، فهِيَ لَكُمْ، ولِمَنْ شَهِدَ أنْ لا إله إلا الله". رواه أحمد بإسناد صحيح. 3635 - (4) [صحيح لغيره] وعن عبد الرحمن بن أبي عقيلٍ رضي الله عنةُ قال: انْطلَقْتُ في وفدٍ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتَيْناهُ، فأَنَخْنا بِالبَابِ، وما في الناسِ أبغَضُ إلينا مِنْ رَجُلٍ يَلِجُ عليه، فما خَرجْنا حتّى ما كانَ في الناسِ أحَبَّ إلينا مِنْ رجُلٍ دخلَ عليه، فقال قائلٌ منَّا: يا رسولَ الله! ألا سأَلْتَ ربَّك مُلْكاً كمُلْك سليمانَ؟ قال: فضَحِكَ ثُمَّ قال: "فلَعلَّ لِصاحِبِكُم عندَ الله أفْضَلَ مِنْ مُلْكِ سُلَيْمانَ، إنَّ الله لَمْ يَبْعَثْ نبيّاً إلا أَعْطاه دَعْوَةً، مِنْهُم مَنِ اتَّخذَها دُنْيا فأُعْطِيَها، ومنهم مَنْ دعا بِها على قوْمِه إذْ عَصَوْه فأُهْلِكوا بِها، فإنَّ الله أعْطاني دَعْوةً، فاخْتَبأْتُها عِنْدَ ربِّي شَفاعةً لأُمَّتي يومَ القيامةِ". رواه الطبراني والبزار بإسناد جيد. (1) 3636 - (5) [صحيح لغيره] وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أُعْطيتُ خَمْساً لَمْ يُعطَهُنَّ أحدٌ قَبلْي: جُعِلَتْ لي الأرضُ طَهوراً   (1) قلت: وابن أبي عاصم في "السنة" (2/ 393 - 394/ 824). الحديث: 3635 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 ومسْجداً، وأُحِلَّتْ ليَ الغنائم، ولَمْ تُحَل لنبيِّ كان قَبْلي، ونُصِرْتُ بالرُّعْبِ مسيرَةَ شَهْرٍ على عدوِّي، وبُعِثْتُ إلى كلِّ أَحْمرَ وأسْوَد، وأُعْطيتُ الشَّفاعَةَ؛ وهي نائِلَةٌ مِنْ أُمَّتي مَنْ لا يُشْرِكُ بالله شَيْئاً". رواه البزار، وإسناده جيد؛ إلا أن فيه انقطاعاً. والأحاديث من هذا النوع كثيرة جداً في "الصحاح" وغيرها. 3637 - (6) [صحيح لغيره] وعن عوف بن مالكٍ الأشجعي رضي الله عنه قال: سافَرْنا معَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَفراً، حتى إذا كانَ في اللَّيلِ أرِقَتْ عيْنايَ فلَمْ يأتِني النومُ؛ فقَمْتُ، فإذا لَيْس في العَسْكَرِ دابَّة إلا وضَع خَدَّه إلى الأرضِ، وأَرى وقْعَ كلَّ شيْءٍ في نَفْسي، فقلتُ: لآتِينَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلأَكْلأنَّه اللَّيْلَةَ، حتى أُصْبِحَ، فخرجْتُ أتَخلَّلُ الرِجالَ حتى خرجْتُ مِنَ العَسْكَرِ، فإذا أنا بسَوادٍ، فتَيَمَّمْتُ ذلك السَّوادَ، فإذا هو أبو عُبَيْدَة بْنُ الجَرَّاحِ ومعاذ بْن جَبَلٍ، فقالا لي: ما الَّذي أخْرجَك؟ فقلتُ: الذي أخْرَجكما، فإذا نَحنُ بغَيْضَةٍ منَّا غيرِ بَعيدَةٍ، فمشَيْنا إلى الغَيْضَةِ، فإذا نحن نَسْمَعُ فيها كدَوِيِّ النَحْلِ وحَفيف (1) الرِياحِ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ههُنا أبو عُبَيْدَة بْنِ الجَرَّاح؟ ". قلنا: نعم. قال: "ومعاذُ بنُ جَبلٍ؟ ". قلنا: نعم. قال: "وعوفُ بْنُ مالكٍ؟ ".   (1) الأصل: (وخفيق)، وفي "المجمع" (10/ 369)، والتصويب من "معجم الطبراني" (18/ 58/ 107). الحديث: 3637 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 قلنا: نَعمْ، فخرجَ إليْنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا نَسْأَلُهُ عَنْ شيْءٍ، ولا يَسْأَلُنا عنْ شَيْءٍ حتى رجَع إلى رَحْلِه فقال: "ألا أُخْبركُمْ بما خَيَّرني ربِّي آنِفاً؟ ". قلنا: بلى يا رسولَ الله! قال: "خَيَّرني بينَ أنْ يُدخِلَ ثلُثَيْ (1) أُمَّتي الجنَّةَ بغيرِ حسابٍ ولا عذَابٍ، وبينَ الشَّفاعَةِ". قلنا: يا رسولَ الله! ما الذي اخْترْتَ؟ قال: "اخْتَرْتُ الشَّفاعَةَ". قلنا جَميعاً: يا رسول الله! اجْعَلْنا مِنْ أهلِ شَفاعَتِكَ. قال: "إنَّ شفاعَتي لكلِّ مسلمٍ". رواه الطبراني بأسانيد أحدها جيد، وابن حبان في "صحيحه" بنحوه؛ إلا أن عنده (الرجلين) معاذ بن جبل وأبو موسى، وهو كذلك في بعض روايات الطبراني، وهو المعروف. [صحيح] وقال ابن حبان في حديثه: فقال معاذ: بأبي أنْتَ وأمِّي يا رسولَ الله! قد عرفْتَ منزِلَتي فاجْعَلْني منهُم. قال: "أنْتَ منهُمْ". قال عوفُ بن مالك وأبو موسى: يا رسول الله! قد عرفتَ أنَّا تركْنا أمْوالَنا وأهْلينا وذَرارينا نؤْمِنُ بالله ورسولِه، فاجْعلنا منهمْ. قال:   (1) كذا الأصل و"المجمع" أيضاً، وفي "المعجم": (ثلث)، وسواء كان هذا أو ذاك، فهو منكر، فيه (فَرَج بن فضالة) وهو ضعيف، والمحفوظ في هذه القصة من طرق: (نصف أمتي) كما في رواية ابن حبان الآتية وغيرها. فانظر "السنة" لابن أبي عاصم (2/ 388 - 391 - الظلال)، و"المعجم الكبير" (18/ 126 و133 و134 و136)، و"المجمع" (10/ 368 - 370). وغفل عن ذلك الجهلة الثلاثة! الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 "أنْتُما مِنْهُمْ". قال: فانْتَهْينا إلى القومِ، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتاني آتٍ مِنْ ربِّي، فخيَّرني بينَ أنْ يُدخِلَ نصفَ أُمَّتي الجنَّةَ، وبين الشَّفاعَةِ، فاخترتُ الشفاعَة". فقال القومُ: يا رسول الله! اجْعَلْنا منهم. فقال: "أنْصِتُوا". فأنْصَتوا حتى كأنَّ أحداً لمْ يتكلَّمْ، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هيَ لِمنْ ماتَ لا يشْرِكُ بالله شَيْئاً". 3638 - (7) [صحيح] وعن سلمان رضي الله عنه قال: "تُعطى الشمسُ يومَ القيامَةِ حرَّ عَشْرَ سنينَ، ثمَّ تُدنى مِنْ جَماجِم الناسِ". قال: فذكر الحديث، قال: "فيأتونَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيقولون: يا نبيَّ الله! أنتَ الذي فتحِ الله لك، وغفَر لكَ ما تقدَّمَ مِنْ ذنبِكَ وما تأَخَّر، وقد ترى ما نحنُ فيه، فاشْفع لنا إلى ربِّك. فيقولُ: أنا صاحِبُكم، فيخرُجِ يجوسُ بينَ الناس حتى ينْتَهِيَ إلى بابِ الجنَّة، فيأْخُذ بحَلقةٍ في البابِ مِنْ ذهبٍ، فيَقْرعُ الباب، فيقول: مَنْ هذا؟ فيقولُ: مُحمَدٌ، فيُفْتَحُ له حتى يقومَ بينَ يديِ الله عزَّ وجلَّ، فيسجدُ، فينادَى: ارْفَعْ رأْسَك، سَلْ تعْطَهْ، واشْفَعْ تشَفَّعْ، فَذلك المَقامُ المحمودُ". رواه الطبراني بإسناد صحيح. 3639 - (8) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنِّي لقائمٌ أنتَظرُ أُمَّتي تَعبُر، إذْ جاءَ عيسى عليه السلامُ، قال: فقال: هذه الأنبياءُ قد جاءَتْك يا محمَّدُ! يسْألونَ -أوْ قال:- يجْتَمعونَ إليْك تدعو الله أنْ يفَرِّقَ بين جَمْعِ الأُمَمِ إلى حيث يَشاءُ؛ لِعظَمِ ما هم فيهِ، فالخَلْق الحديث: 3638 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 ملْجَمونَ في العَرقِ، فأما المؤْمِنُ فهو عليه كالزَّكْمَةِ، وأما الكافِرُ فيتغَشَّاه الموتُ. قال: يا عيسى! انْتظِرْ حتى أرْجعَ إليكَ، قال: وذهبَ نبيُّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقامَ تحتَ العرشِ، فلَقِيَ ما لَمْ يلقَ ملَكٌ مصْطفى، ولا نبيٌ مرسَلٌ، فأوحى الله إلى جبريلَ عليه السلامُ: أنِ اذْهَبْ إلى محمَّدٍ فقل له: ارْفَعْ رأْسَك، سَلْ تُعْطَهْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ. -قال:- فشُفِّعتُ في أُمَّتي أنْ أُخْرِج منْ كلِّ تسعةٍ وتسْعين إنْساناً واحِداً، قال: فما زِلْتُ أتردَّدُ على ربِّي فلا أقومُ فيه مقَاماً إلا شُفِّعتُ، حتى أعْطاني الله مِنْ ذلك أنْ قال: أدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مِن خلْقِ الله مَنْ شَهِدَ أن لا إله إلا الله يوماً واحداً مُخْلِصاً، ومات على ذلك". رواه أحمد، ورواته محتجٌ بهم في "الصحيح". 3640 - (9) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يدخُل مِنْ أهلِ هذه القبلَةِ النارَ مَنْ لا يحصي عددَهم إلا الله، بِما عَصُوا الله واجْتَرؤا على معصيتِهِ، وخالَفوا طاعَته، فيؤْذنُ لي في الشَّفاعة، فأثني على الله ساجِداً كما أُثْني عليه قائماً، فيقالُ لي: ارْفع رأْسَك، وسَلْ تُعْطَهُ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ". رواه الطبراني في "الكبير" و"الصغير" بإسناد حسن. 3641 - (10) [حسن] وعن أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه قال: أصْبَح رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذاتَ يوم، فصلَّى الغداةَ، ثم جلَس، حتى إذا كانَ مِنَ الضُّحى ضَحِك رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وجلَس مكانَه حتى صلّى الأولى والعصرَ والمغرِبَ، كل ذلك لا يتكَلَّمُ حتى صلّى العِشاءَ الآخِرَة ثم قام إلى الحديث: 3640 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 أهْلِه. فقال الناسُ لأبي بكْرٍ رضي الله عنه: سَلْ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ما شأْنُه صنَع اليومَ شيئاً لمْ يصْنَعْهُ قَطُّ؟ فقال: "نعم؛ عُرِضَ عليَّ ما هو كائنٌ مِنْ أمرِ الدنيا والآخِرَةِ، فجُمعَ الأوَّلونَ والآخِرونَ بصعيدٍ واحد، حتى انْطَلقوا إلى آدمَ عليه السلام والعَرقُ يكاد يُلجِمُهم، فقالوا: يا آدمُ! أنتَ أبو البَشر، اصْطفاكَ الله، اشْفَعْ لنا إلى ربِّك. فقال: قد لَقيتُ مثلَ الذي لَقيتُم، انْطَلقوا إلى أبيكُم بعدَ أبيكُم؛ إلى نوحٍ {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}. فينْطَلقونَ إلى نوحٍ عليه السلامُ، فيقولون: اشْفَعْ لنا إلى ربِّك؛ فإنَّه اصْطفاكَ الله، واسْتَجاب لك في دُعائك، فلم يدَعْ على الأرِض مِنَ الكافرين دَيّاراً. فيقولُ: ليسَ ذاكُمْ عندي، فانطَلِقوا إلى إبْراهيم؛ فإنَّ الله اتَّخَذَهُ خليلاً. فينْطَلقونَ إلى إبْراهيمَ عليه السلامُ فيقولُ: ليسَ ذاكُمْ عندي، فانْطَلِقوا إلى موسى؛ فإنَّ الله [قد] كلَّمه تكْليماً. فينْطَلِقونَ إلى موسى عليه السلامُ فيقولُ: ليْسَ ذاكُمْ عندي، ولكنِ انْطَلقوا إلى عيسى ابن مريم؛ فإنَّه كان يُبْرِئُ الأكْمه والأبْرصَ، ويحيي الموْتى، فيقولُ عيسى؛ ليسَ ذاكُمْ عندي، ولكنِ انْطَلقوا إلى سيِّد وَلَدِ آدم؛ فإنَّهُ أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عنه الأرضُ يومَ القيامَةِ، انْطَلِقوا إلى محمدٍ فلْيَشْفَعْ لكم إلى ربُّكُمْ. قال: فينْطَلِقون إليَّ، وآتي جبريلَ، فيأتي جبريلُ ربَّه فيقول: ائْذن له، وبشِّرْه بالجنَّةِ. قال: فينطَلِقُ به جبريلُ فيخِرُّ ساجداً قدرَ جُمعَةٍ، ثمَّ يقولُ الله تبارَك وتعالى: يا محمَّد! ارْفَعْ رأْسَك، وقلْ تُسمَعْ، واشْفَعْ تُشفَّعْ. فيرفع رأْسَهُ، فإذا نظَر إلى ربِّه خرَّ ساجداً قدرَ جُمعةٍ أُخرى، فيقولُ الله: يا محمَّدُ! ارْفَعْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 رأْسَكَ، وقلْ تُسمَعْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ. فيذهَبُ لِيَقعَ ساجِداً، فيأخُذ جبريلُ بضَبْعيهِ (1)، ويفتَحُ الله عليه مِنَ الدُّعاء ما لَمْ يفتَحْ على بَشرٍ قَطُّ، فيقول: أيْ ربِّ! جعلْتَني سَيِّدَ ولدِ آدَم ولا فَخْرَ، وأوَّلَ منْ تنشَقُّ عنه الأرضُ يومَ القِيامة ولا فخرَ، حتى إنهُ لَيَرِدُ عليَّ الحوضَ أكثرُ ما بين (صنْعاءَ) (وأيْلَةَ)، ثم يقالُ: ادْعوا الصدِّيقين، فيَشْفَعون، ثم يقالُ: ادْعوا الأنْبِياءَ، فيَجيءُ النبيُّ معه العِصابَةُ، والنبيُّ معه الخمسةُ والستَّةُ، والنبيُّ [ليس] معه أحدٌ، ثم يُقالُ: ادْعوا الشُّهداءَ، فيشفَعونَ فيمَنْ أرادوا، فإذا فعَلتِ الشهداءُ ذلك يقولُ الله جلَّ وعلا: أنا أرْحَمُ الراحمين، أدْخِلوا جنَّتي مَنْ كان لا يُشْرِكُ بي شيْئاً، فيدخلونَ الجنَّة. ثم يقول الله تعالى: انْظُروا في النار؛ هلْ فيها مِنْ أحدٍ عمِلَ خيراً قطُّ؟ فيجدون في النار رجلاً، فيقال له: هلْ عمِلْتَ خيراً قطُّ؟ فيقولُ: لا، غيرَ أنِّي كنتُ أُسامِحُ الناسَ في البيْعِ، فيقولُ الله: اسْمَحوا لعبْدي كإسمْاحِه (2) إلى عَبيدي. ثم يُخرَج منَ النار آخَرُ، فيقال له: هلْ عملتَ خيراً قطُّ؟ فيقول: لا، غيرَ أنِّي كنتُ أمرتُ ولدي: إذا متُّ فأَحْرِقوني بالنارِ ثم اطْحَنوني، حتى إذا كنتُ مثلَ الكُحْلِ اذْهبوا بي إلى البَحْرِ فذرّوني في الريحِ، فقال الله: لِمَ فعلْتَ ذلك؟ قال: مِنْ مخافَتِكَ. فيقولُ: انظرْ إلى مُلْكِ أعْظَمِ مَلِكٍ؛ فإنَّ لك مثلَهُ وعشرةَ أمْثالِه، فيقول: لِمَ تسْخَرُ بي وأنتَ المَلِكُ؟ فذلك الذي ضحِكْتُ منه مِنَ الضُّحى".   (1) تثنية (الضَّبع): وهو ما بين الإبط إلى نصف العضد من أعلاها. (2) في "النهاية": " (الإسماح) لغة في السماح، يقال: سمح وأسمح إذا جاد وأعطى عن كرم وسخاء". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 رواه أحمد والبزار وأبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه" وقال: "قال إسحاق -يعني ابن إبراهيم-: هذا من أشرف الحديث. وقد رَوى هذا الحديث عِدَّة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحو هذا، منهم حذيفة وأبو مسعود (1) وأبو هريرة وغيرهم" انتهى. (العِصابة) بكسر العين: الجماعة لا واحد له. قاله الأخفش. وقيل: هي ما بين العشرة أو العشرين إلى الأربعين. 3642 - (11) [صحيح] وعن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يجمعُ الله تبارك وتعالى الناسَ، -قال:- فيقومُ المؤمنونَ حتى تُزْلَف لهم الجنَّة، فيأْتونَ آدمَ فيقولون: يا أبانا! اسْتَفْتِح لنا الجنَّة، فيقولُ: وهل أخْرجَكم مِنَ الجنَّة إلا خطيئَة أبِيكم؟ لستُ بِصاحبِ ذلك، اذْهَبوا إلى النّبي إبراهيمَ خَليلِ الله. قال: فيقولُ إبْراهيمُ: لستُ بصاحِب ذلك، إنما كنتُ خليلاً مِنْ وراءَ وراءَ، اعْمَدوا إلى موسى الذي كلَّمهُ الله تكْليماً. قال: فيأْتون موسى، فيقولُ: لستُ بصاحبِ ذلك، اذْهَبوا إلى عيسى كلمَةِ الله ورُوحِهِ، فيقولُ عيسى: لستُ بصاحِب ذلك. فيأتون محمَّداً، فيقومُ، فيؤْذَنُ له، وترسَلُ الأمانَة والرَّحِمُ، فيقومان جَنْبَتي الصِّراطِ يميناً وشمالاً، فيمرُّ أوَّلُكم كالبرْقِ". قال: قلتُ: بأبي وأمي! أيُّ شيْءٍ كالبرقِ؟ قال: "ألمْ تروْا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجعُ في طرفَةِ عيْنٍ؟ ثم كمرِّ الطيرِ، وشدِّ الرجالِ، تجري بهم أَعمالُهم، ونبيُّكم قائمٌ على الصراطِ يقولُ: ربِّ سَلِّم   (1) كذا الأصل، وكذا في "موارد الظمآن في زوائد ابن حبان" (2589)، ولولا ذلك لرأيت أن الصواب (ابن مسعود)، فقد مضى حديثه بنحوه آخر الفصل (2)، ثم تأكدتُ من صواب الرأي حين رأيته موافقاً لما في "الإحسان". فالحمد لله، بينما غفل عنه المعلقون على "الموارد" طبعة المؤسسة وغيرها! فبالأولى أن يغفل عنه الجهلة الثلاثة! الحديث: 3642 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 سَلِّم، حتى تعجزَ أعمالُ العبادِ؛ حتى يجيءَ الرجلُ فلا يسْتطيعُ السيرَ إلا زَحْفاً. قال: وفي حافَّتيِ الصراطِ كلاليبُ معلَّقةٌ مأْمورَةٌ بأخْذِ مَنْ أمِرَتْ به، فمخْدوشٌ ناجٍ، ومكْدوشٌ في النارِ. والَّذي نفس أبي هريرة بيده إنَّ قعْرَ جهَنَّم لَسبعون خَريفاً". رواه مسلم. [مضى 4 - فصل/ 16 - حديث]. 3643 - (12) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنا سيّدُ ولَدِ آدمَ يومَ القيامَة ولا فخْرَ، وبيدي لواءُ الحمْدِ ولا فخْرَ، وما مِنْ نبيِّ يومَئذٍ آدمَ فمَنْ سِواهُ إلا تحتَ لِوائي، وأنا أوَّلُ مَنْ تنْشَقُّ عنه الأرضُ ولا فخْرَ. . . قال: فآخذُ بحَلقَةِ بابِ الجنَّة فأُقَعْقِعُها،. . . (1) فأخِرُّ ساجِداً، فيُلْهِمُني الله مِنَ الثنَاءِ والحَمْدِ، فيقالُ لي: ارْفَعْ رأسَك، سَلْ تُعْطَه، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، وقلْ يُسمَع لِقولِكَ، وهو المقامُ المحمودُ الذي قال الله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". [صحيح لغيره] وروى ابن ماجه صدره قال: "أنا سيِّدُ ولَدِ آدمَ ولا فَخْرَ، وأنا أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عنه الأرضُ يومَ القِيامَةِ ولا فَخْرَ، وأنا أوَّلُ شافعٍ، وأوَّلُ مشفَّعٍ ولا فَخْرَ، ولواءُ الحمْدِ بيدي يومَ القِيامَةِ ولا فَخْرَ". وفي إسنادهما علي بن زيد بن جدعان.   (1) هنا في الأصل، وكذا في الموضع الأول جمل رويت في الحديث لم أجد لها شاهداً، بل فيها ما ينكر، فهي من حصة الكتاب الآخر، والمحتفظ به هنا له شواهد، فانظر "الصحيحة" (1570 و1571) و"الموارد" (2127). وأما الجهلة فحسنوه مطلقاً دون استثناء! الحديث: 3643 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 3644 - (13) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنَّا معَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في دعوةٍ فرُفِعَ إليهِ الذِّراع، -وكانتْ تُعْجِبُه- فنهسَ منها نهْسَةً وقال: "أنا سيِّدُ الناسِ يومَ القيامَةِ، هل تدرونَ مِمَّ ذاك؟ يجمعُ الله الأوَّلينَ والآخِرين في صعيدٍ واحدٍ، فيبصرُهم الناظِرُ، ويسمَعُهم الداعي، وتدْنو منهمُ الشمسُ، [فيبلغُ الناسُ مِن الغَمِّ والكربِ ما لا يُطيقونَ ولا يحْتَمِلونَ]، فيقولُ [بعض] الناسِ: ألا تروْنَ إلى ما أنْتُم فيه وإلى ما بلَغكُمْ؟! ألا تَنظُرون مَنْ يَشْفَعُ لكم إلى ربِّكم؟ فيقولُ بعضُ الناسِ [لِبَعْضٍ]: أبوكم آدَمُ، فيأتونَهُ فيقولون: يا آدَمُ! أنتَ أبو البَشرِ، خلقكَ الله بيده، ونفَخ فيكَ مِنْ روحِه، وأمرَ الملائكةَ فسجَدوا لكَ، وأسْكنَك الجنَّةَ، ألا تَشْفَعُ لنا إلى ربِّك؟ ألا تَرى ما نحنُ فيه وما بلَغْنا؟ فيقول: إنَّ ربِّي غضِبَ اليومَ غَضَباً لَمْ يَغْضَب قبْلَه مثلَهُ، ولا يغضَبُ بعدَه مثلَهُ، وإنَّه نَهاني عنِ الشجرَةِ فعَصيْتُ، نَفْسي نَفْسي نَفْسي، اذْهَبوا إلى غيري، اذْهَبوا إلى نوحٍ. فيَأتونَ نوحاً، فيقولون: يا نوحُ! أنْتَ أوَّلُ الرسُل إلى أهْلِ الأرض، وقد سمَّاك الله عبداً شكوراً، ألا ترى إلى ما نحنُ فيه، ألا ترى ما بلَغْنا، ألا تشْفعُ لنا إلى ربِّك؟ فيقول: إنَّ ربِّي غضِبَ اليومَ غضَباً، لَمْ يغضَبْ قبْلَه مثلَهُ، ولن يغضَبَ بعدَهُ مثْلَه، وإنَّه قد كان لي دَعوَة دعوتُ بها على قَوْمي، نفسي نفسي نفسي، اذْهَبوا إلى غَيْري، اذْهَبوا إلى إبْرهيمَ. فيأْتُون إبْراهيمَ فيقولون: [يا إبراهيم!] أنتَ نبيُّ الله وخليلهُ مِنْ أهْلِ الأرْضِ، اشْفَعْ لنا إلى ربِّك، ألا ترى ما نحنُ فيه؟ فيقولُ لهُمْ: إنَّ ربِّي قد غضِبَ اليومَ غضَباً، لمْ يغضَبْ قبلهُ مثلَهُ، ولَنْ يغضَب بعدَه مِثلَهُ، وإنِّي كنت الحديث: 3644 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 كَذَبْتُ ثلاثَ كَذَباتٍ -فذَكرَها- نفْسي نفْسي نفْسي، اذْهَبوا إلى غيري، اذْهَبوا إلى موسى. فيأتونَ موسى فيقولون: يا موسى! أنْتَ رسولُ الله، فضَّلكَ الله بِرسالاتِه وبِكَلامِه على الناسِ، اشْفَعْ لنا إلى ربِّك، ألا ترى إلى ما نحنُ فيه؟ فيقولُ: إن ربِّي قد غضِبَ اليومَ غضَباً لَمْ يَغضبْ قبلَهُ مثلَهُ، ولَن يغضبَ بعدَهُ مثلَهُ، وإنِّي قد قتَلْتُ نفْساً لَمْ أُومَرْ بقَتْلِها، نفْسي نفْسي نفْسي، اذْهَبوا إلى غيرْي، اذْهبوا إلى عيسى. فيأْتونَ عيسى فيقولون: يا عيسى! أنْتَ رسولُ الله، وكلِمَتُهُ ألْقاها إلى مريم وروحٌ منه، وكلَّمتَ الناسَ في المهْدِ [صبياً]، اشْفَعْ لنا إلى ربِّك، ألا ترى ما نحنُ فيه؟ فيقولُ عيسى: إنَّ ربِّي قد غضِبَ اليومَ غضَباً لَمْ يغْضَبْ قبلَهُ مثلَهُ، ولن يغضبَ بعدَه مثلَه -ولَمْ يذكُر ذَنْباً-، نفْسي نفْسي نفسي، اذْهَبوا إلى غيري، اذْهَبوا إلى مُحمَّدٍ. فيأْتوني فيقولون: يا محمَّد! أنتَ رسولُ الله، وخاتَمُ الأَنْبِياءِ، وقد غَفر الله لك ما تقدَّم مِنْ ذنْبِكَ وما تأَخَّر، اشْفَعْ لنا إلى ربِّك، ألا ترى إلى ما نحنُ فيه؟ فأنْطَلِقُ فآتي تحت العْرشِ، فأقَعُ ساجِداً لربي ثم يَفتحُ الله عليَّ مِنْ محامِدِه، وحُسْنِ الثَّناءِ عليه شيئاً لَمْ يفتَحْهُ على أحَدٍ قبْلي، ثُمَّ يقالُ: يا محمَّدُ! ارْفَعْ رأْسَك، سَلْ تُعطَهْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ. فأرفَعُ رأْسي فأقولُ: أُمَّتي يا ربّ! أمَّتي يا ربّ! (1) فيقالُ: يا محمّد! أدْخِلْ مِنْ أمَّتِكَ مَنْ لا حِساب عليهِمْ مِنَ البابِ الأيْمَنِ مِنْ أبْوابِ الجنَّةِ، وهم شركاءُ الناسِ فيما سِوى ذلك مِنَ الأبْوابِ". ثم قال:   (1) هنا في الأصل: (أمتي يا رب!) للمرة الثالثة، وهي ليست في "الصحيحين". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 "والَّذي نفْسي بيدِه! إنَّ ما بينَ المصْراعَيْنِ مِنْ مصاريعِ الجنَّةِ كما بينَ (مَكَّةَ) و (هَجَر)، أو كما بين (مكَّةَ) و (بُصْرى) ". رواه البخاري ومسلم. (1) 3645 - (14) [صحيح] وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يقول إبْراهيمُ يومَ القِيامَةِ: يا ربَّاه! فيقولُ الربُّ جلَّ وعَلا: يا لَبَّيْكاهُ! فيقول إبراهيمُ: يا ربِّ! حَرقتَ بَنِيَّ، فيقولُ: أخْرِجوا مِنَ الناسِ مَنْ كانَ في قلْبِه ذرَّةٌ أو شعيرَةٌ مِنْ إيمانٍ". رواه ابن حبان في "صحيحه"، ولا أعلم في إسناده مطعناً. 3646 - (15) [صحيح] وعن عبد الله بن شقيقٍ قال: جلستُ إلى قومٍ أنا رابِعُهم، فقال أحدُهم: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ليدخُلَنَّ الجنَّةَ بشفاعةِ رجلٍ مِنْ أُمَّتي أكثرُ مِنْ بني تَميمٍ". قلنا: سواكَ يا رسولَ اللهَ؟ قال: "سوايَ". قلتُ: أنتَ سمعْتَ هذا مِنْ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: نَعَمْ. فلمَّا قامَ قُلْتُ: مَنْ هذا؟ قالوا: ابنُ الجَدْعاءِ، أو ابن أبي الجدعاء. رواه ابن حبان في "صحيحه"، وابن ماجه؛ إلا أنه قال: عن شقيق عن عبد الله بن أبي الجدعاء.   (1) قلت: والسياق للبخاري من روايتين له لفق بينهما المؤلف، إحداهما في "الأنبياء" (3340)، وتنتهي بقول نوح عليه السلام: "ولن يغضب مثله بعده"، وما بعده هي الرواية الأخرى في "التفسير" (4712)، ورواية مسلم (1/ 127 - 128) تامة، فلا أدري لماذا آثر المؤلف عليها التلفيق. الحديث: 3645 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 3647 - (16) [صحيح] وعن أبي أمامةَ رضيَ الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لَيدخُلَنَّ الجنَّةَ بشفاعَةِ رجلٍ ليسَ بنبِيٍّ مثلُ الحيَّيْنِ (ربيعَةَ) و (مُضَرَ) ". فقال رجلٌ: يا رسولَ الله! أوَ ما ربيعَةُ مِنْ مُضَرٍ؟ قال: "إنَّما أقولُ ما أَقولُ". رواه أحمد بإسناد جيد. 3648 - (17) [صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضيَ الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الرجلَ ليشفَعُ لِلرجلَيْنِ والثلاثَةِ". رواه البزار، ورواته رواة "الصحيح". 3649 - (18) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه [أيضاً] قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "شفاعَتي لأَهْلِ الكبائِر مِنْ أُمَّتي". رواه أبو داود والبزار والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي. 3650 - (19) [صحيح لغيره] ورواه ابن حبان أيضاً والبيهقي من حديث جابر. قال الحافظ: "وتقدم في "الجهاد" [ج 2/ 12/ 14] أحاديث في شفاعة الشهداء، وأحاديث الشفاعة كثيرة، وفيما ذكرناه غُنية عن سائرها. والله الموفق". الحديث: 3647 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 كتاب صفة الجنة والنار (1). (الترغيب في سؤال الجنة والاستعاذة من النار). 3651 - (1) [صحيح] عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يعلِّمهم هذا الدعاءَ كما يعلِّمُهم السورةَ مِنَ القرآنِ: "قولوا: اللهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ جهنَّم، وأعوذُ بِكَ مِنْ عذابِ القبْرِ، وأعوذُ بِكَ مِنْ فتْنَةِ المسيحِ الدَّجالِ، وأعوذُ بِكَ مِنْ فتنَةِ المحيا والممَاتِ". رواه مالك ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 3652 - (2) [صحيح] وعن عبد الله بن مسعودٍ قال: قالتْ أمُّ حبيبةَ زوجُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (2): اللهُمَّ أمْتِعْني بزوجي رسولِ الله، وبأبي أبي سفيانَ، وبأَخي معاوِيةَ. فقال: " [قد] سألتِ الله لآجالٍ مضْروبَةٍ، وأيّامٍ معدودَةٍ، وأرزاقٍ مقْسومَةٍ، لن يُعَجِّلَ الله شيئاً قبل حِلَّه، ولا يَؤخِّرُ [شيئاً عَنْ حِلِّهِ]، ولو كنتِ سألتِ الله أنْ يعيذَكِ مِنْ [عذابٍ في] النارِ، وعذابٍ [في] القبرِ؛ كان خيراً وأفْضلَ". رواه مسلم.   (1) قد جعلته كتابين: (كتاب صفة النار) و (كتاب صفة الجنة) كما يأتي بيانه، فهذه الأحاديث الخمسة كالمقدمة لهما. ولذلك لم أعطه رقمه هنا اكتفاء بما يأتي لكل منهما. (2) الأصل: "وعن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا أقول"، وهذا خطأ لا أصل له في "مسلم"، والصواب ما أثبتُّه، ومنه استدركت الزيادات، وكذلك أخرجه أحمد في "مسند ابن مسعود" (1/ 390 و413 و433 و445 و466). وغفل عن هذا كله الجهلة الثلاثة! الحديث: 3651 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 3653 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما اسْتَجارَ عبدٌ منَ النارِ سبعَ مراتٍ إلا قالتِ النارُ: يا ربِّ! إنَّ عبدَك فلاناً اسْتجارَ منِّي؛ فأجِرْهُ، ولا سأل عبدٌ الجنَّةَ سبعَ مراتٍ إلا قالَتِ الجنَّةُ: يا ربِّ! إن عبدَك فلاناً سألني؛ فأدْخِلْه الجنَّةَ". رواه أبو يعلى بإسناد على شرط البخاري ومسلم. (1) 3654 - (4) [صحيح لغيره] وعن أنَسِ بْنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ سألَ الله الجنَّةَ ثلاثَ مراتٍ قالتِ الجنَّةُ: اللَّهُمَّ أدْخِلْهُ الجنَّة، ومنِ اسْتَجار مِنَ النارِ ثلاثَ مراتٍ قالَتِ النارُ: اللهُمَّ أجِرْهُ مِنَ النارِ". رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه" -ولفظهم واحد-، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد". 3655 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ لله ملائكةً سيَّارةً يتْبَعون مجالِسَ الذكْرِ"، فذكر الحديث إلى أن قال: "فيسأَلُهُم الله عزَّ وجلَّ -وهو أعَلمُ-: منْ أينَ جئْتُم؟ فيقولون: جئْنا مِنْ عندِ عبادٍ لكَ يسبِّحونَك، ويكبِّرونَك، ويهَلِّلونَك، وَيحْمَدونَك، ويسْألونَك. قال: فما يسْأَلوني؟ قالوا: يَسْألونَك جَنَّتكَ. قال: وهلْ رأَوْا جنَّتي؟ قالوا: لا   (1) قلت: وهو كما قال، ووافقه جمع من الحفاظ، خلافاً لبعض المعاصرين الذين ليس لهم قدم راسخة في هذا العلم الشريف فضعفوه لوهم توهموه، وقد رددت عليهم مفصلاً في المجلد السادس رقم (2506)، واغتر بالتضعيف المذكور المعلقون الثلاثة، ألهمهم الله التوبة، مما جنوا على السنة. الحديث: 3653 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 أيْ ربِّ! قال: فكيفَ لوْ رأَوْا جنَّتي؟ قالوا: ويسْتَجيرونَك. قال: وممَّ يسْتجيروني؟ قالوا: مِنْ نارِك يا ربِّ! قال: وهلْ رأَوْا ناري؟ قالوا: لا. قال: فكيفَ لوْ رأوْا ناري؟ قالوا: ويسْتَغْفرونك. قال: فيقولُ قد غَفرتُ لهم، وأعطيْتهم ما سَألوا، وأجَرْتُهم مِمَّا اسْتَجاروا" الحديث. رواه البخاري، ومسلم واللفظ له. وتقدم بتمامه في "الذكر" [ج2/ 2/14]. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 [27 - كتاب صفة النار] (1). (الترهيب من النار أعاذنا الله منها بمنِّه وكرمه [ويشتمل على فصول]). 3656 - (1) [صحيح] عن أنسٍ رضي الله عنه قال: "كان أكثرُ دعاءِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {رَبَّنَا (2) آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ". رواه البخاري. 3657 - (2) [صحيح] وعن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اتَّقوا النارَ". قال: وأشاح، ثمَّ قال: "اتَّقوا النارَ". ثم أعْرضَ وأشاحَ (ثلاثاً)، حتى ظننّا أنه ينظُر إليْها، ثم قال: "اتَّقوا النارَ، ولوْ بشِقِّ تمرَةٍ، فمنْ لَمْ يجِدْ؛ فبكلِمَةٍ طيِّبَةٍ". رواه البخاري ومسلم. (أشاح) بشين معجمة وحاء مهملة؛ معناه: حَذِر النار كأنه ينظر إليها. وقال الفراء: المشيح على معنيين: المقبل إليك، والمانع لما وراء ظهره. قال: وقوله (أعرض وأشاح) أي: أقبل.   (1) الأصل: (كتاب صفة الجنة والنار) كما تقدم، فرأينا أن نجعل كتابين: "كتاب صفة النار" و"كتاب صفة الجنة" ليناسب ذلك ما يأتي من أبواب وفصول، ولسهولة التبويب في الهامش العلوي، وتفاؤلاً بحسن الخاتمة، وغير ذلك. (2) لفظ البخاري في هذا السياق: (اللهم آتنا. . .). أخرجه في "الدعاء"، وأخرجه في "تفسير البقرة" بلفظ: "كان يقول: (اللهم ربنا آتنا. . .) ". وباللفظ الأول أخرجه مسلم أيضاً (2690)، والبخاري في "الأدب المفرد" (677)، وأخرجه أبو داود بلفظ البخاري الثاني، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1359). الحديث: 3656 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 3658 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلَتْ هذه الآية: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} دعا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشاً فاجْتَمعوا، فَعَمَّ وخصَّ، فقال: "يا بني كعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ! أنْقِذوا أنْفُسَكم مِنَ النار، يا بَني مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ! أنْقذوا أنفُسَكم منَ النار، يا بني هاشِمٍ! أنْقذوا أنفُسَكم مِنَ النارِ، يا بني عبدِ المطلبِ! أنْقِذوا أَنفُسَكمَ مِنَ النارِ، يا فاطمَةُ! أنْقِذي نفْسَكِ مِنَ النارِ؛ فإنِّي لا أمْلِكَ لَكُمْ مِنَ الله شيْئاً". رواه مسلم واللفظ له، والبخاري والترمذي والنسائي بنحوه. 3659 - (4) [صحيح] وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطبُ يقول: "أنذرْتُكم النارَ، أنذرْتُكم النارَ". حتى لو أنَّ رجلاً كان بالسوقِ لسَمِعَه مِنْ مقامي هذا؛ حتى وقَعَتْ خميصَةٌ كانَتْ على عاتِقِه عند رِجْلَيْهِ. رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم" (1). 3660 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّما مثَلي ومثَلُ أُمَّتي؛ كمثَلِ رجل اسْتَوْقَد ناراً، فجعلَتِ الدوابُّ والفَراشُ يقَعْنَ فيها، فأنا آخِذٌ بِحُجَزِكم، وأَنْتم تَقَحَّمونَ فيها". رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: "مَثَلي (2) كَمَثَلِ رجلٍ اسْتَوْقَد ناراً، فلمَّا أضاءَتْ ما حولَهُ جعل الفَراشُ   (1) قلت: وهو كما قال، وفاته أنه أخرجه الدارمي أيضاً والطيالسي وأحمد في "مسنديهما". (2) الأصل: (إنما مثلي)، والمثبت من مسلم (7/ 63 - 64) و"المسند" (2/ 312) أيضاً، و"صحيفة همام" (29/ 4)، والزيادة منها، والزيادة التي فيها من "المسند" و"الصحيفة". وغفل عن ذلك كله المعلقون الثلاثة! الحديث: 3658 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 وهذه الدوابُّ [التي [يقعن] في النار] يَقَعْنَ فيها، وجعلَ يَحْجِزُهنَّ وَيغْلِبْنَهُ فيتَقَحَّمْن فيها". قال: "فذلكُم مَثَلي ومَثلُكم؛ أنا آخِذٌ بَحُجَزِكُم عنِ النار: هلُمَّ عنِ النارِ، هلَمَّ عنِ النارِ، فتَغْلِبوني وتقْتَحِمونَ فيها". 3661 - (6) [صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَثَلي ومثَلُكم كمثْلِ رجُلٍ أوقد ناراً؛ فجعلَ الجنادبُ والفَراشُ يقَعْنَ فيها وهو يذُبُّهُنَّ عنها، وأَنا آخِذٌ بحُجَزِكم عنِ النارِ وأنتُم تَفَلَّتون مِنْ يَدي". رواه مسلم. (الحُجَزُ) بضم الحاء وفتح الجيم: جمع (حُجْزة): وهي معقد الإزار. 3662 - (7) [حسن لغيره] ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما رأيتُ مثلَ النارِ نامَ هارِبُها، ولا مثلَ الجنَّةِ نامَ طالبُها". رواه الترمذي وقال: "هذا حديث إنما نعرفه من حديث يحيى بن عبيد الله -يعني ابن موهب التيمي-". (قال الحافظ): "قد رواه عبد الله بن شَريك عن أبيه عن محمد الأنصاري والسُّدِّي عن أبيه عن أبي هريرة. أخرجه البيهقي وغيره". 3663 - (8) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه قالَ: "والَّذي نفْسي بيدِه! لو رآيْتُم ما رأيْتُ؛ لضَحِكْتُم قَليلاً، ولبَكَيْتُم كثيراً". قالوا: وما رأيتَ يا رسولَ الله؟ قال: "رأيتُ الجنَّةَ والنارَ". رواه مسلم وأبو يعلى. الحديث: 3661 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 3664 - (9) [حسن لغيره] وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه قال لِجبريلَ: "ما لي لا أرى ميكائيلَ ضاحِكاً قَطُّ؟ ". قال: ما ضَحِكَ ميكائيلُ منذ خُلِقَتِ النارُ. رواه أحمد من رواية إسماعيل بن عياش، وبقية رواته ثقات. 3665 - (10) [صحيح] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُؤْتَى بالنارِ يومَ القِيامَةِ لها سبْعون ألْفَ زِمامٍ، معَ كلِّ زِمامٍ سبْعونَ ألْفَ ملَكٍ يجُرُّونَها". رواه مسلم والترمذي. الحديث: 3664 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 1 - فصل في شدة حرها وغير ذلك. 3666 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "نارُكم هذه -ما يوقِدُ بنو آدَمِ- جزْءٌ واحدٌ مِنْ سبْعينَ جزءاً مِنْ نارِ جَهنَّمَ". قالوا: والله إنْ كانَتْ لَكافِيَةً. قال: "إنَّها فُضِّلَتْ عليها بِتِسْعٍ وستِّين جُزْءاً، كلُّهُنَّ مثلُ حَرِّها". رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي، (1) وليس عند مالك: "كلهن مثل حرها". [صحيح] ورواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي، فزادوا فيه: "وضُربَتْ بالبَحْرِ مرَّتَيْنِ، ولولا ذلك ما جَعل الله فيها منفَعةً لأَحَدٍ". [صحيح] وفي رواية للبيهقي: أنَّ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تحسَبون أنَّ نارَ جهنَّمِ مثلُ نارِكم هذه؟! هيَ أشدُّ سَواداً مِنَ القارِ، هي جزءٌ مِنْ بِضْعَةٍ وستِّين جُزْءاً منها، أو نيِّفِ وأرْبَعين". شكَّ أبو سهل. (قال الحافظ): "وجميع ما يأتي في صفةَ الجنة والنار معزوّاً إلى البيهقي فهو مما ذكره في "كتاب البعث والنشور"، وما كان من غيره من كتبه أعزوه إليه إن شاء الله". 3667 - (2). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . (2) 3668 - (3) [صحيح] وعنه؛ عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لو كانَ في هذا المسْجِدِ مِئَة ألفٍ أوْ يَزيدونَ، وفيهم رجلٌ مِنْ أهْلِ النارِ فتَنفَّس، فأصابَهُم نَفَسُهُ؛ لاحْتَرق المسْجِدُ ومَنْ فيه".   (1) قلت: اللفظ المذكور إنما هو عند أحمد (2/ 313)، ومسلم أيضاً (8/ 149 - 150). ورواية البيهقي الآتية هي في "البعث والنشور" بسند صحيح. (2) حُذف نص هذا الحديث بعدما تبين لي أخيراً أنه شاذ والكتاب جاهز للطبع. الحديث: 3666 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 رواه أبو يعلى، وإسناده حسن، وفي متنه نكارة. [صحيح لغيره] ورواه البزار. ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو كانَ في المسْجِد مِئةُ ألْفٍ أو يزيدونَ، ثم تَنفِّسَ رجلٌ مِنْ أهْلِ النارِ؛ لأحْرَقَهُمْ". 3669 - (4) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لمّا خلَق الله الجنَّة والنارَ، أرسلَ جبريلَ إلى الجنَّةِ فقال: انظرْ إليْها وإلى ما أعَددْتُ لأَهْلِها فيها، قال: فجاءَ فنظَر إليها وإلى ما أعدَّ الله لأَهْلِها فيها، قال: فرجَع إليْهِ، قال: وعِزَّتِكَ! لا يَسْمَعُ بها أحَدٌ إلا دخَلها! فأمَر بها فَحُفَّتْ بالمكَارِه. فقال: ارْجعْ إليْها فانْظُر إلى ما أعَددْتُ لأَهْلها فيها. قال: فرجَع إليها فإذا هِيَ قد حُفَّتْ بالمكارِه، فرجَع إليه فقال: وعِزَّتِكَ! لقد خِفتُ أنْ لا يَدْخُلَها أحَدٌ! وقال: اذْهَبْ إلى النارِ فانْظُرْ إليْها وإلى ما أعَدَدْتُ لأَهْلِها فيها، قال: فنظَر إليها، فإذا هي يَرْكَبُ بعضها بعضاً، فرجعَ إليه فقال: وعِزَّتِكَ لا يسمَعُ بها أحدٌ فيدْخُلَها، فأمَر بها فحُفَّتْ بالشَّهواتِ، فقال: ارْجعْ إليها، فرجَع إليها، فقال: وعِزَّتِك! لقد خَشيتُ أنْ لا يَنْجُوَ منها أحَدٌ إلا دخَلَها". رواه أبو داود والنسائي، والترمذي واللفظ له، وقال: "حديث حسن صحيح". الحديث: 3669 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 2 - فصل في ظلمتها وسوادها وشررها (1). 3670 - (1) [صحيح] ورواه مالك والبيهقي في "الشعب" مختصراً مرفوعاً (2) [يعني عن أبي هريرة] قال: "أترونَها حمراء كنارِكم هذه؟! لَهِيَ أشدُّ سواداً من القار. و (القار) الزفت". 3 - فصل في أوديتها وجبالها. [لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا].   (1) انظر حديثه في "الضعيف". (2) قلت: كذا الأصل: (مرفوعاً)، وهو في "الموطأ" في "صفة جهنم" (3/ 156) موقوف غير مرفوع، ولكنه في حكم المرفوع. قال الباجي -كما في "تنوير الحوالك"-: "مثل هذا لا يعلمه أبو هريرة إلا بتوقيف". ولكني لم أره في "الشعب" لا مرفوعاً ولا موقوفاً، وإنما رواه في "البعث والنشور" (273/ 551) مرفوعاً في حديث لأبي هريرة تقدم في أول الفصل السابق في رواية للبيهقي، فالظاهر أن قوله: "الشعب" من تحريف النساخ، أو وهم من المنذري. الحديث: 3670 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 4 - فصل في بُعْدِ قعرها. 3671 - (1) [صحيح] عن خالد بن عميرٍ قال: خطبَ عُتبةُ بنُ غزوانَ رضي الله عنهُ فقال: إنَّه ذُكِرَ لنا: "أنَّ الحجرَ يُلْقى مِنْ شَفَةِ جهَنَّم، فيهْوي فيها سَبْعينَ عاماً ما يُدْرِكُ لها قعْراً، والله لَتُملأَنَّ، أفَعجِبْتُم؟ ". رواه مسلم هكذا. [صحيح لغيره] ورواه الترمذي عن الحسن قال: قال عتبة بن غزوان على منبرنا هذا -يعني منبر البصرة- عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الصخْرَةَ العظيمَةَ لتُلْقى من شَفيرِ جهَنَّم، فتَهْوي فيها سبْعين عاماً وما تُفْضي إلى قرارِها". قال: وكان عمر يقول: أكْثِروا ذكرَ النارِ؛ فإنَّ حرَّها شديدٌ، وإنَّ قعرَها بعيدٌ، وإنَّ مقامِعَها حديدٌ. قال الترمذي: "لا نعرف للحسن سماعاً من عتبة بن غزوان. وإنما قدم عتبة بن غزوان البصرة في زمن عمر، وَوُلِدَ الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر". 3672 - (2) [صحيح لغيره] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لو أنَّ حجَراً قُذِفَ به في جهَنَّم؛ لَهَوى سبعين خَرِيفاً (1) قبلَ أنْ يبلُغَ قعْرَها".   (1) كان هنا في الأصل زيادة: (فيه) فحذفتها لعدم ورودها في المصادر المذكورة، واللفظ لأبي يعلى (7243)، وهو مخرج في "الصحيحة" مع بعض شواهده تحت الحديث (1612). الحديث: 3671 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 رواه البزار وأبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي؛ كلهم من طريق عطاء ابن السائب. 3673 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنَّا عندَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسمعْنا وجْبةً، فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتدْرون ما هذا؟ ". قلنا: الله ورسولُه أعلَمُ. قال: "هذا حَجرٌ أرسلَهُ الله في جهَنَّم منذُ سَبْعينَ خريفاً، فالآنَ حينَ انْتَهى إلى قَعْرِها". رواه مسلم. 3674 - (4) [صحيح لغيره] وعن معاذِ بْنِ جَبلٍ رضي الله عنه؛ أنَّه كان يخبرُ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "والَّذي نفْسي بيده! إنَّ بُعْدَ ما بينَ شفيرِ النارِ إلى أنْ يبْلُغَ قعرَها كصخْرةٍ زِنَةِ سبْع خَلِفات بشُحومِهنَّ ولحومِهِنَّ وأوْلادِهِنَّ، تَهوي فيما بينَ شفير النارِ إلى أن تبلُغَ قعرَها سبْعينَ خريفاً". رواه الطبراني، ورواته رواة "الصحيح"؛ إلا أن الراوي عن معاذ لم يسم. (1) (الخَلِفات): جمع (خَلِفة)، وهي الناقة الحامل. (2)   (1) قلت: ورواه ابن المبارك في "الزهد" (86/ 301 - حماد) عن الزهري قال: بلغنا أن معاذ ابن جبل. . الحديث. (2) هذا السطر فى الأصل فى نهاية حديث هو من حصة "الضعيف"، وأخرجته هنا لضرورة الشرح. الحديث: 3673 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 5 - فصل في سلاسلها (1) وغير ذلك. 3675 - (1) [صحيح] وعن ابن مسعودٍ: في قوله تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} قال: "هِيَ حجارَة مِنْ كبْريتٍ، خلَقها الله يومَ خلَق السَّمواتِ والأرْضَ في السماءِ الدُّنيا، يُعِدُّها لِلْكافِرينَ". رواه الحاكم موقوفاً وقال: "صحيح على شرط الشيخين". (2)   (1) انظر أحاديثه في "الضعيف". (2) قلت: ووافقه الذهبي في "تلخيصه" (2/ 261 و494)، لكن لفظه: "إن الحجارة التي سمى الله في القرآن: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}: حجارة من كبريت، خلقها الله تعالى عنده كيف شاء، أو كما شاء". وهكذا رواه البيهقي في "البعث" (273/ 553) عن الحاكم، وكذلك رواه نعيم بن حماد في "زوائد الزهد" (87 - 88)، وإنما أخرجه باللفظ الذي في الكتاب -حرفاً بحرف- ابن جرير الطبري في "تفسيره" (1/ 131)! وأما الجهلة فأقروا لفظ الكتاب، وعزوه للحاكم بالرقم! مصححاً منه له مع موافقة الذهبي إياه. أما هم فقالوا: "حسن"! أنصاف حلول!! جروا عليه في طبعتهم هداهم الله. الحديث: 3675 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 6 - فصل في ذكر حيَّاتها وعقاربها. 3676 - (1) [حسن] عن عبد الله بن الحارث بن جزءٍ الزبيدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنّ في النارِ حياتٍ كأمثالِ أعناق البُخْتِ، تلسعُ إحداهن اللسعةَ فيجدُ حَرّها سبعين خريفاً، وإن في النار عقاربَ كأمثالِ البغال الموكفةِ تلسعُ إحداهن اللسعةَ فيجد حُمُوّتَها أربعين سنةً". رواه أحمد والطبراني من طريق ابن لهيعة عن دراج عنه. ورواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم من طريق عمرو بن الحارث عن دراج عنه، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". (1) 3677 - (2) [صحيح موقوف] وعن يزيد بن شجرة قال: إن لجهنمَ لجُباباً، في كلُّ جُبٍّ ساحلاً كساحلِ البحرِ، فيه هوامُّ وحيّاتٌ كالبخاتي (2)، وعقاربُ كالبغالِ الدُّلْمِ (3)، فإذا سألَ أهلُ النارِ التخفيفَ قيلَ: اخرجوا إلى الساحلِ، فتأخذهم تلك الهوامُّ بشفاههم وجنوبهم (4) وما شاء الله من ذلك، فتكشطُها، فيرجعون، فيبادرون إلى معظم النيرانِ، ويُسَلِّطُ عليهم الجَرَبُ، حتى إن أحدهم لَيَحُكُّ جلده حتى يبدو العظم، فيقالُ: يا فلان!   (1) قلت: ووافقه الذهبي (4/ 593). وذلك لأن (دراجاً) سمعه من عبد الله بن الحارث، ليس من روايته عن (أبي الهيثم)، فتنبه! وهو مخرج في "الصحيحة" (3429). (2) جمع (بُخت): وهي جِمال طوال الأعناق. "نهاية". (3) أي: السود، جمع (أدلم). قاله الناجي. (4) الأصل: (وقلوبهم)، والمثبت نسخة، وهو رواية البيهقي في "البعث" (298/ 617)، والحاكم (3/ 494) بنحوه. الحديث: 3676 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 هل يؤذيك هذا؟ فيقول: نعم، فيقال له: ذلك بما كنت تؤذي المؤمنين. رواه ابن أبي الدنيا (1). (قال الحافظ): "ويزيد بن شجرة الرهاوي مختلف في صحبته. والله أعلم". 3678 - (3) [صحيح] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه، في قوله تعالى: {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ}؛ قال: "زِيدوا عَقَارِبَ؛ أنْيابُها كالنَّخْلِ الطِّوالِ". رواه أبو يعلى، والحاكم موقوفاً وقال: "صحيح على شرط الشيخين".   (1) قلت: قد رواه الحاكم أيضاً في "المستدرك" (3/ 494)، والبيهقي في "البعث" (298 - 299) بسند صحيح عن يزيد بن شجرة، وقد روي عنه بزيادات في أسانيدها مقال، خرجتها في "الضعيفة" (3740). وأن من إقدام الجهلة الثلاثة على ما لا علم لهم به قولهم في تعليقهم على هذا الحديث: "ضعيف موقوف، رواه ابن أبي الدنيا"! فلا هم بينوا السبب، ولا هم نقلوه عن أحد! (خبط لزق)! وإنما هو الهوى! الحديث: 3678 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 7 - فصل في شراب أهل النار. 3679 - (1) [حسن] وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن الحميمَ ليُصَبُّ على رؤوسهم، فينفذُ الحميمُ حتى يخلصَ إلى جوفه فيسلُتُ ما في جوفه حتى يمرق من قدميه، وهو (الصَّهرُ)، ثم يعاد كما كان". رواه الترمذي. والبيهقي؛ إلا أنه قال: "فيخلصُ، فينفذُ الجمجمةَ حتى يخلصَ إلى جوفه". روياه من طريق أبي السمح -وهو دراج- عن ابن حجيرة، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب صحيح". (1) (الحميم): هو المذكور في القرآن في قوله تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}. وروي عن ابن عباس وغيره أن " (الحميم): الحار الذي يحرق". وقال الضحاك: " (الحميم): يغلي منذ خلق الله السماوات والأرض إلى يوم يسقونه، ويصب على رؤوسهم". وقيل: هو ما يجتمع من دموع أعينهم في حياض النار فيُسقَونه. وقيل غير ذلك. 3680 - (2) [صحيح] ورواه [يعني حديث أسماء بنت يزيد الذي في "الضعيف"] ابن حبان في "صحيحه" من حديث عبد الله بن عَمرو، أطول منه؛ إلاّ أنَّه قال:   (1) قلت: فاته عزوه للحاكم (2/ 387)، -وبخاصة أن البيهقي رواه عنه- وقال: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي. وإنما هو حسن فقط؛ لأنه من رواية دراج عن ابن حجيرة، وليس عن أبي الهيثم، ولذلك خرجته في "الصحيحة" (3470). الحديث: 3679 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 " [فإن] (*) عادَ في الرابِعَةِ كان حقّاً على الله أنْ يَسقيَهُ مِنْ طينَةِ الخَبالِ يومَ القِيامَةِ". قالوا: يا رسولَ الله! وما طينَةُ الخَبالِ؟ قال: "عُصارَةُ أهْلِ النارِ". وتقدم في "شرب الخمر" [ج 2/ 21 - الحدود/ 6/ 28 - حديث]. 8 - فصل في طعام أهل النار. [لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا].   (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في المطبوع، والمنيرية (مَنْ)، والتصويب من (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان)، أفاده الشيخ مشهور في هامش طبعته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 9 - فصل في عِظَمِ أهلِ النارِ وقُبْحِهم فيها. 3681 - (1) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما بينَ مَنْكِبيِ الكافِر [في النار] مسيرَةُ ثلاثَة أيُّامٍ للراكِبِ المُسْرع". رواه البخاري واللفظ له، (1) ومسلم وغيرهما. (المنكب): مجتمع رأس الكتف والعضد. 3682 - (2) [صحيح لغيره] وعنه؛ عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ضِرْسُ الكافِرِ مثلُ (أُحُدٍ)، وفَخِذُه مثل (البَيْضَاءِ)، ومقْعَدهُ مِنَ النار كما بينَ (قَدِيدَ) و (مكَّةَ)، وكثافة جلده (2) اثْنانِ وأرْبعون ذِراعاً بِذراع الجَبَّارِ". رواه أحمد واللفظ له. [صحيح] ومسلم، ولفظه: قال: "ضِرسُ الكافِر -أوْ نابُ الكافِر- مثلُ أُحدٍ، وغِلْظُ جِلْدِه مسيرَةً ثلاث". (3) [حسن] والترمذي ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ضرسُ الكافرِ يومَ القِيامَةِ مثلُ (أُحُدٍ)، وفَخذُه مثلُ (البَيْضَاءِ)، ومقْعَدُه مِنَ النارِ مسيرَةُ ثلاثٍ مثلَ (الرَّبذَةِ) ".   (1) قلت: لا وجه لهذا القيد، والصواب حذفه، لأن لفظ مسلم مثله تماماً؛ إلا أنه زاد: "في النار" في رواية (8/ 154)، وهي عند البيهقي أيضاً في "البعث" (300/ 619). وفي رواية له (618): "مسيرة خمسمئة عام"! وهي شاذة. (2) الأصل: (جسده)، والتصحيح من "المسند" (2/ 334). (3) قوله: "مسيرة ثلاث" شاذ لمخالفته سائر الروايات، وبخاصة منها الرواية الأولى المصرحة بأن هذه مسافة ما بين منكبي الكافر! ويمكن أن يكون قوله: "جلده" تحريف "جسده" فيصح. وانظر "الضعيفة" (6783)، وغفل عن هذا وعما قبله الجهلة الثلاثة! الحديث: 3681 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 وقال: "حديث حسن غريب. قوله: (مثل الربذة): يعني كما بين المدينة والربذة. و (البيضاء): جبل" انتهى. [صحيح] وفي رواية للترمذي قال: "إنَّ غِلْظَ جِلْدِ الكافِر اثْنان وأرْبعون ذِراعاً، وإنَّ ضِرْسَه مثلُ أحُدٍ، وإنَّ مجْلِسَه مِنْ جَهنَّم ما بينَ (مكَّةَ) و (المدينَةِ) ". وقال في هذه: "حديث حسن غريب صحيح". [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال: " [غلظُ] (1) جِلْدِ الكافِرِ اثْنانِ وأرْبعونَ ذِراعاً بذِراع الجبَارِ، وضرسُه مثلُ (أُحدٍ) ". [حسن] ورواه الحاكم وصححه، ولفظه -وهو رواية لأحمد بإسناد جيد-: قال: "ضِرسُ الكافِر يومَ القِيامَةِ مثلُ (أُحد)، وعَرضُ جلْدهِ سبْعونَ ذِراعاً، وعضُده مثلُ (البَيْضاءِ)، وفخذُه مثل (وَرِقانَ) (2)، ومَقعَدُه مِنَ النارِ ما بَيْني وبينَ (الرَّبذَةِ) ". قال أبو هريرة: وكان يقال: "بطْنُه مثلُ بَطْنِ (إضَم) (3) ". (الجبار): مَلِك باليمن له ذراع معروف المقدار. كذا قال ابن حبان وغيره. وقيل: ملك بالعجم.   (1) سقطت من الأصل، واستدركتها من "الموارد" (2616) وغيره، وسقطت من "الإحسان" أيضاً، من طبعتيه، وهو سقط فاحش مفسد للمعنى كما هو ظاهر، فمن الغريب أن يخفى على المعلق عليه، فضلاً عن المعلقين الثلاثة!! (2) بكسر المهملة: جبل أسود معروف بين (العرج) و (الرويثة)، على يمين المار من المدينة النبوية. كذا في "العجالة" (229/ 1 - 2). (3) بكسر الهمزة وفتح الضاد: اسم جبل أو موضع. كما في "النهاية". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 3683 - (3) [حسن لغيره] وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مقعدٌ الكافر في النار مسيرةٌ ثلاثة (1) أيام، وكلُّ ضرس مثلُ (أُحُدٍ)، وفخذه مثل (وَرِقان)، وجلده سوى لحمه وعظامه أربعون ذراعاً". رواه أحمد وأبو يعلى والحاكم؛ كلهم من رواية ابن لهيعة. (2) 3684 - (4) [صحيح موقوف] وعن مجاهدٍ قال: قال ابن عباسٍ: أتدري ما سَعَةُ جهَنَّم؟ قلتُ: لا، قال: أجَلْ (3)، والله ما تدْري، إنَّ بين شحْمَةِ أُذُنِ أحدِهم وبينَ عاتِقِه مسيرَةَ سبْعينَ خَريفاً، تجْري فيه أوْدِيَةُ القيْحِ والدمِ. قلتُ: أنْهارٌ؟ قال: بلْ أَوْدِيَةٌ. رواه أحمد بإسناد صحيح، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد".   (1) قلت: من قلة الفقه استشهاد المعلق على "أبي يعلى" (2/ 526) لهذا الحديث بحديث: "وغلظ جلده مسيرة ثلاث"! مع تضعيفه لإسناده، فأين الشاهد من المشهود؟! (2) قلت: هذا التعميم خطأ لأن الحاكم (4/ 598) لم يروه عن ابن لهيعة، وإنما عن (دراج أبي السمح)، فالصواب إعلاله بـ (أبي الهيثم)، فإنه من روايتهما عنه. لكن الحديث له شاهد هنا في "الصحيح"، ولذلك نقلته إليه. (3) الأصل: (أجل والله والله)، والتصويب من "المسند" (6/ 117)، و"المستدرك" (2/ 436)، ووافقه الذهبي على تصحيحه. الحديث: 3683 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 10 - فصل في تفاوتهم في العذاب، وذكر أهونهم عذاباً. 3685 - (1) [صحيح] عن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ أهونَ أهل النارِ عَذاباً رجلٌ في أخْمصِ قدميْهِ جمْرتانِ يغْلي منهما دِماغُه، كلما يغْلي المرْجَلُ بالقُمْقُمِ". رواه البخاري، ومسلم، ولفظه: "إنَّ أهْونَ أهْلِ النارِ عذَاباً مَنْ له نَعْلان وشِراكانِ مِنْ نارٍ يَغْلي منهُما دِماغُه، كما يغْلي المِرْجَلُ، ما يَرى أنَّ أحداً أشدُّ منه عذاباً، وإنَّه لأهْوَنُهم عذاباً". 3686 - (2) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنّ أهْونَ أهْلِ النارِ عذاباً رجلٌ منْتَعِلٌ بنَعلَيْن مِنْ نارٍ، يغْلي منهما دِماغُه مع أجْزاء (1) العذابِ، ومنهم مَنْ في النارِ إلى كعْبَيْهِ معَ أجْزاءِ العَذابِ، ومنهم مَنْ في النارِ إلى رُكْبَتيْه مَعَ أجْزاءِ العَذابِ، ومنهم مَنْ [في النارِ إلى أرنَبَتِهِ معَ إجراءِ العَذابِ، ومنهمْ مَنْ في النارِ إلى صدْرِه مع إجراءِ العَذاب] (2) قدِ اغْتَمرَ". رواه أحمد والبزار، ورواته رواة "الصحيح". وهو في مسلم مختصراً:   (1) كذا الأصل بالزاي، وكذا في "كشف الأستار" (4/ 186/ 3502) و"مختصره" (2/ 477/ 2247) و"المجمع" (10/ 395) برواية البزار وحده. وفي "المسند" (3/ 13 و78): (إجراء) بالراء المهملة، ولم يتبين لي. (2) زيادة من "المسند" (3/ 78)، والحديث في "المستدرك" (4/ 581) بنحوه، وقال: "صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حجر أيضاً في "المختصر". الحديث: 3685 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 "إن أدْنى أهلِ النارِ عذاباً منْتَعِلٌ بنَعليْنِ مِنْ نارٍ يغْلي دماغُه مِنْ حرِّ نَعْلَيْهِ". (1) 3687 - (3) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ أدْنى أهلِ النارِ عذاباً: الذي لهُ نعْلانِ مِنْ نارٍ يغْلي منهما دماغُه". رواه الطبراني بإسناد صحيح، وابن حبان في "صحيحه". 3688 - (4) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أهْونُ أهلِ النارِ عذاباً أبو طالبٍ، وهو منْتَعِلٌ بنَعْلَيْن، يغْلي منهُما دِماغُه". رواه مسلم. 3689 - (5) [صحيح] وعن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "منهمْ مَنْ تأخُذه النارُ إلى كعْبَيهِ، ومنهم مَنْ تأخُذه النارُ إلى ركْبتَيهِ، ومنهم مَنْ تأخُذه النار إلى حُجْزَتِه، (2) ومنهم مَنْ تأخُذه النار إلى تَرقُوَتِه". رواه مسلم. وفي رواية له:   (1) قلت وفي طريق أخرى لمسلم (1/ 135) أنه قال ذلك في عمه أبي طالب، وهي في حديث ابن عباس الآتي بعده بحديث. وهو مخرج في "الصحيحة" مع حديث آخر بمعناه (54 و55). (2) في الأصل: "ومنهم من تأخذه النار إلى عنقه"، ولا أصل لها في مسلم (8/ 150) في هذه الرواية، وإنما في الرواية التالية عنده. وكذلك الرواية الأولى عند أحمد (5/ 10) و"المعجم الكبير" (7/ 282/ 6969) و"البعث" (268/ 541)، ليس عندهم الزيادة. وغفل عنها الجهلة! الحديث: 3687 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 "منهم مَنْ تأْخذُه النارُ إلى كعْبَيهِ، ومنهم من تأخذُه إلى حُجْزَتِه، ومنهم منْ تأْخذُه إلى عُنقِه". 3690 - (6) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يُؤْتى بأنْعَمِ أهْلِ الدنيا مِنْ أهْلِ النارِ، فيُصبَغُ في النارِ صَبْغَةً، ثم يُقال له: يا ابْن آدم! هلْ رأيْتَ خيراً قطُّ؟ هل مرَّ بكَ نعيمٌ قَطُّ؟ فيقولُ: لا والله يا ربِّ! ويُؤْتى بأشَدِّ الناسِ بؤساً في الدُّنيا مِنْ أهْلِ الجنَّةِ، فيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجنَّةِ، فيُقالُ له: يا ابْن آدَم! هَلْ رأيْتَ بُؤْساً قطُّ؟ هل مَرَّ بك مِنْ شدَّةٍ قَطُّ؟ فيقولُ: لا والله يا ربِّ! ما مرَّ بي بُؤْسٍ قَطُّ، ولا رآيتُ شِدَّةً قَطُّ". رواه مسلم. (1)   (1) وكذا رواه ابن أبي الدنيا في "صفة النار" (ق 148/ 2)، والبيهقي في "البعث" (241/ 481). الحديث: 3690 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 11 - فصل في بكائهم وشهيقهم. 3691 - (1) [صحيح] عن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: "إنَّ أهلَ النارِ يَدْعونَ مالِكاً، فلا يُجيبُهم أرْبَعين عاماً، ثم يقول: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}، ثمَّ يَدْعونَ ربَّهم فيقولونَ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}، فلا يُجيبُهم مثلَ الدُّنيا، ثُمَّ يقول: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}، ثُمَّ يَيْأَسُ القومُ فما هو إلا الزفيرُ والشَّهيقُ، تُشْبِهُ أصواتُهم أصواتَ الحميرِ، أوَّلها شهيقٌ، وآخِرها زَفيرٌ". رواه الطبراني موقوفاً، ورواته محتج بهم في "الصحيح"، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما". (الشهيق) في الصدر. و (الزفير) في الحلق. وقال ابن فارس: "الشهيق ضد الزفير؛ لأن الشهيق ردّ النفس، والزفير إخراج النفس". الحديث: 3691 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 [28 - كتاب صفة الجنة] . (الترغيب في الجنة ونعيمها، ويشتمل على فصول). 3692 - (1) [صحيح] عن أبي بَكْرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ قتلَ نفساً مُعاهَدةً بغيرِ حقِّها؛ لمْ يَرَحْ رائحةَ الجنَّةِ، فإنَّ ريحَ الجنَّةِ ليوجَدُ مِنْ مسيرَةِ مِئَةِ عامٍ". (1) [مضى ج 2/ 21 - الحدود/ 9]. وتقدم غير ما حديث فيه ذكر رائحة الجنة في أماكن متفرقة من هذا الكتاب، لم نُعدها.   (1) هنا في الأصل رواية لابن حبان بلفظ: "خمسمئة عام"، وهي ضعيفة من حصة الكتاب الآخر. وقد شملها مع هذا اللفظ بالتحسين الجهلة الثلاثة! وذلك أنهم أحالوا في التخريج إلى (23 - كتاب الأدب/ 30) برقمهم (4425). وقد نبهت على هذا هناك. الحديث: 3692 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 1 - فصل في صفة دخول أهل الجنة وغير ذلك. 3693 - (1) [صحيح] وعن خالد بن عمير قال: خَطبنا عتبةُ بنُ غزوانَ رضي الله عنه فحمِدَ الله وأثْنى عليه ثم قال: أما بعد؛ فإنَّ الدنيا قد آذَنتْ بصَرمٍ، وولَّتْ حَذّاءَ، ولمْ يَبْقَ منها إلا صُبابَةٌ كصُبابَةِ الإناءِ يتصابُّها صاحِبُها، وإنكم منتَقِلون منها إلى دار لا زَوال لَها، فانْتَقلوا بخيرِ ما بحضرَتِكم، ولقد ذُكرِ لَنا أنَّ مصْراعين مِنْ مصاريعِ الجنَّة بينهما مسيرَةُ أرْبعين سنةً، وليأْتِينَّ عليه يومٌ وهو كَظيظٌ من الزحَام. رواه مسلم هكذا موقوفاً، وتقدم بتمامه في "الزهد" [24/ 6]. 3694 - (2) [صحيح لغيره] ورواه أحمد وأبو يعلى من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، محْتصراً، قال: "ما بينَ مصْراعينِ في الجنَّةِ لمسيرَةُ أرْبعينَ سنةً". وفي إسناده اضطراب. 3695 - (3) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "والذي نفْسُ محمَّدٍ بيدِه! إنَّ ما بينَ مصْراعَيْنِ مِنْ مصاريع الجنَّةِ لَكَما بينَ (مكَّةَ) و (هَجَر) (1) "، أو (هَجَرٍ) و (مكة) ". رواه البخاري ومسلم في حديث.   (1) قال الناجي: "هجر" هذه مصروفة وتعرّف فيقال: (الهجر)، والنسبة إليها (هجري). وهي مدينة عظيمة من بلاد اليمن، وهي قاعدة (البحرين)، وهي غير (هجر) المذكورة في حديث (القلّتين)، تلك قرية من قرى المدينة كانت القلال تصنع فيها، وهي غير مصروفة. فاستفد هذا". الحديث: 3693 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 وابن حبان (1) مختصراً؛ إلا أنه قال: "لَكَما بين (مكةَ) و (هَجَر)، أو كما بين (مكةَ) و (بصرى) ". [مضى 26/ آخر الشفاعة]. 3696 - (4) [صحيح] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليدْخُلَنَّ الجنَّة مِنْ أُمَّتي سبْعونَ ألْفاً -أو سبْعُمِئَةِ ألْفٍ- مُتَماسِكون، آخِذٌ بعضُهم بِبَعْضٍ، لا يدخُل أوَّلُهم حتى يدْخُلَ آخِرُهُم، وجوهُهم على صورةِ القمَر ليلةَ البدِرَ". رواه البخاري ومسلم. 3697 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ أوَّلَ زُمْرَةٍ يَدخلونَ الجنَّة على صورةِ القَمرِ ليلةَ البدرِ، والذين يلونَهم على أشدِّ كوكَبٍ درِّيٍّ في السماءِ إضاءَةً، لا يبولون، ولا يتَغوَّطون، ولا يمْتَخِطونَ، ولا يَتْفُلونَ، أمْشاطُهم الذهَبُ، ورشْحُهم المسْكُ، ومَجامِرهُم الأَلُوَّة، أزْواجُهم الحورُ العينُ، أخلاقُهم على خُلُقِ رجُلٍ واحدٍ، على صورَةِ أبيهم آدَم؛ سِتّونَ ذِراعاً في السمَاءِ". [صحيح] وفي رواية: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أوَّلُ زُمرةٍ تَلجُ الجنةَ صوَرُهُم على صورَةِ القمرِ ليلةَ البدْرِ، لا يَبْصُقون فيها، ولا يمْتَخِطونَ، ولا يتَغوَّطون، آنِيتُهم فيها الذهَبُ، أمْشاطُهم مِنَ الذهبِ   (1) الأصل: (ماجه)، والتصحيح من "العجالة" (229/ 2)، وليس هو عند ابن ماجه، وعليه فقوله: "مختصراً" يوهم أن ابن حبان لم يروه بتمامه، وليس كذلك، فقد أخرجه (8/ 129 - 131) مطولاً كما رواية الشيخين، ومختصراً (9/ 7346/241) كما ذكر المؤلف، وهو الطرف الأخير من الحديث الطويل، وقد مضى في (26 - البعث/ 5 - فصل الشفاعة/ الحديث 12)، وقد خفي هذا على الهيثمي فأورد المختصر في "الموارد" (2619)، وليس على شرطه. الحديث: 3696 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 والفِضَّةِ، ومَجامِرُهُم الأَلُوَّةُ، ورشْحُهم المسْكُ، لكلِّ واحدٍ منهم زَوْجَتان، يُرى مخُّ سُوقِها مِنْ وراءِ اللَّحْم مِنَ الحُسْنِ؛ لا اخْتلافَ بينَهُم، ولا تَباغُضَ، قلوبُهم قلبُ واحِدٌ، يسَبِّحونَ الله بكْرةً وعشِيّاً". رواه البخاري ومسلم -واللفظ لهما-، والترمذي وابن ماجه. وفي رواية لمسلم: أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أوَّلُ زمرَةٍ يدْخلونَ الجنَّة مِنْ أُمَّتي على صورَة القَمرِ ليلَة البدْرِ، ثم الذين يَلُونَهُمْ على أشدِّ نَجْمٍ في السماءِ إضاءَةً، ثمَّ هُمْ بعدَ ذلك منازِلُ"، فذكر الحديث، وقال: "قال ابن أبي شيبة: "على خُلق رجل"، يعنى بضم الخاء. وقال أبو كريب: "على خَلق"، يعني بفتحها". (الأُلُوة) بفتح الهمزة وضمها وبضم اللام وتشديد الواو وفتحها: من أسماء العود الذي يتبخَّر به. قال الأصمعي: أراها كلمة فارسية عرَّبت. 3698 - (6) [صحيح لغيره] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يدخلُ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ جُرْداً مُرداً مكَحَّلين، بني ثلاث وثلاثينَ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". 3699 - (7) [صحيح] ورواه أيضاً من حديث أبي هريرة. وقال: "غريب"، ولفطه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أهلُ الجنَّة جرْدٌ مرْدٌ كُحْلٌ، لا يَفْنى شبَابُهم، ولا تَبْلى ثِيابُهم". 3700 - (8) [حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يدخلُ أهْلُ الجنَّةِ الجنَّةَ جُرْداً مُرْداً بِيضاً جعاداً، (1) مكَحَّلين، أبْناءَ   (1) جمع (جعد)، وهو هنا جعد الشَّعر، وهو ضد السَّبَط. الحديث: 3698 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 ثلاثٍ وثلاثين، وهم على خَلْقِ آدَم؛ سِتّونَ ذِراعاً (1) ". رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي؛ كلهم من رواية علي بن زيد بن جدعان عن ابن المسيب عنه. 3701 - (9) [حسن لغيره] وعن المقدام رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِنْ أحدٍ يموتُ سِقْطاً ولا هَرِماً -وإنَّما الناسُ فيما بينَ ذلك- إلا بُعِثَ ابْنَ ثلاثٍ وثلاثينَ سنةً، فإنْ كان مِنْ أهْلِ الجنَّة كان على مِسْحَةِ آدَم، وصورَةِ يوسُفَ، وقلبِ أيُّوبَ، ومَنْ كانَ مِنْ أهْلِ النار عُظِّموا وفُخِّموا كالَجِبَالِ". رواه البيهقي بإسناد حسن. (2)   (1) هنا في الأصل جملة: "عرض سبعة أذرع"، حذفتها لأني لم أجد لها شاهداً. (2) كذا قال، وفيه نظر، وإنما هو حسن بمتابعات عند الطبراني وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة" (2512). الحديث: 3701 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 2 - فصل فيما لأدنى أهل الجنة فيها. 3702 - (1) [صحيح] وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ موسى عليه السلامُ سأَل ربَّه: ما أدْنى أهْلِ الجنَّةِ منزلةً؟ قال: رجلٌ يَجيءُ بعدَ ما أُدْخِلَ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ فيقالُ له: ادْخُلِ الجنَّة. فيقولُ: ربِّ! كيف وقد نَزلَ الناسُ منازِلَهُم، وأخَذوا أخَذاتِهم؟ فيقال له: أتَرْضى أنْ يكونَ لك مثلُ مَلِكٍ مِنْ ملوكِ الدنيا؟ فيقولُ: رضيتُ ربِّ. فيقولُ له: لكَ ذلك، ومثلُه، ومثلُه، ومثلُه، [ومثله] (1)، فقال في الخامِسَة: رضيتُ ربِّ. فيقولُ: هذا لَك وعَشَرَةُ أمْثالِه، ولكَ ما اشْتَهَتْ نفْسُك، ولَذَّتْ عينُك. فيقولُ: رضيتُ ربِّ. قال: ربِّ! فأعْلاهُم منزلةً؟ قال: أولئك الَّذين أردْتُ، غرسْتُ كرامَتَهم بيدِي، وختَمْتُ عليها، فلَمْ تَرَ عينٌ، ولَمْ تسْمَعْ أذُنٌ، ولَمْ يَخْطُرْ على قلبِ بَشرٍ. [قال: ومصداقُه في كتابِ الله عزَّ وجلَّ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} الآية] (2) ". رواه مسلم. 3703 - (2) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ أدْنى أهلِ الجنَّة منزلةً رجلٌ صرفَ الله وجْهَه عنِ النارِ قبَلَ الجنَّةِ، ومَثَّلَ له شجرةً ذاتَ ظِلٍّ، فقال: أيْ رَبِّ! قَرِّبني مِنْ هذه الشجَرةِ أكونُ في ظلِّها"، فذكر الحديث في دخوله الجنَّةَ وتمنِّيه، إلى أنْ قال في آخره: "فإذا انْقطَعتْ به الأَماني قال الله: هو لكَ وعشَرَةُ أمْثالِه". قال:   (1) زيادتان من "صحيح مسلم". (2) زيادتان من "صحيح مسلم". الحديث: 3702 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 "ثم يدخُل بيتَه فتدخلُ عليه زوْجَتاه مِنَ الحُورِ العينِ فتقولانِ: الحمدُ لله الذي أحْياكَ لَنا، وأحْيانا لك. قال: فيقولُ: ما أُعْطِي أحَدٌ مثلَ ما أعطيتُ". رواه مسلم. 3704 - (3) [صحيح] وعن عبد الله بن مسعودٍ عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يجمعُ الله الأوَّلين والآخِرينَ لميقاتِ يوم معلومٍ قياماً أرْبعينَ سنةً، شاخِصةً أبْصارُهم، ينتظرون فصل القضاء"، فذكر الحديث (1) إلى أن قال: "ثم يقولُ -يعني الربُّ تبارَك وتعالى-: ارْفَعوا رؤوسَكم، فيرفَعون رؤوسَهُم، فيعطيهمْ نورَهُم على قدرِ أعْمالِهم، فمنهم مَنْ يُعطى نورَهُ مثلَ الجَبلِ العظيمِ يسْعى بين يديْهِ، ومنهم مَنْ يُعطَى نورَه أصغَر مِنْ ذلك، ومنهم مَنْ يُعطى مثلَ النخْلَةِ بيمينه، ومنهم مَنْ يعطى [نوراً] أصغَر مِنْ ذلك، حتى يكون آخرُهم رجلاً يُعْطى نورَه على إبْهامِ قدَمهِ، يضيءُ مرَّةً ويُطْفأُ مرَةً، فإذا أضاءَ قدَّم قدَمَه [فمشى]، وإذا طفِئَ قام، [قَال: والرب عز وجل أمامهم، حتى يُمَرَّ في النار فيبقى أثَرُهُ كَحدِّ السيفِ؛ دحضٌ مَزَلّة، قال: ويقول: مُروا] (2). فيَمرُّون على قدرِ نورِهْم، منهم مَنْ يَمرُّ كطَرْفَةِ العَيْنِ، ومنهم من يمُرّ كالبرقِ، ومنهم مَنْ يمرُّ كالسحابِ، ومنهم مَنْ يمرُّ كانْقِضاضِ الكَوكب، ومنهم مَنْ يمرّ كالريحِ، ومنهم من يمرُّ كشدِّ الفَرسِ، ومنهم مَنْ يمرُّ كشدِّ الرجُلِ، حتى يمرُّ الذي يُعطى نورَه على إبهام قدمه يَحْبو على وجْهِهِ ويديه ورجْلَيْهِ، تَخِرُّ يدٌ وتَعَلَّقُ يَدٌ، وتَخِرُّ رجلٌ، وتعلَّق رجلٌ، وتصيبُ جوانِبَه النارُ، فلا يَزال كذلك حتى يخْلُصَ، فإذا خَلَص وقفَ عليها فقال: الحمدُ لله الذي أعْطاني ما لَمْ يُعْطِ أحداً؛ إذْ نَجَّاني منها بعدَ إذْ رأيتُها. قال: فيُنْطَلَق به إلى غديرٍ عند بابِ الجنَّة فيغتَسِلُ، فيعوذ إليه ريحُ أهْلِ الجنَّة   (1) تقدم هذا التمام في أول (26 - البعث / 2/ 3519). (2) في العبارة شيء فانظر التصويب في "البعث". الحديث: 3704 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 وألْوانهم، فيرى ما في الجنَّة مِنْ خلال الباب، فيقولُ: ربِّ أدْخِلْني الجنَّة. فيقولُ [الله] له: أتسْألُ الجنَّةَ وقد نجَّيْتك مِن النارِ؟ فيقول: ربِّ اجْعل بيني وبينَها حجاباً لا أسْمَعُ حسيسَها. قال: فيدخُل الجنَّة ويرى أو يُرفع له منزلٌ أمامَ ذلك كأنَّ ما هو فيه إليه حُلُم. فيقولُ: ربِّ أعْطني ذلك المنزل: فيقول لَه: لعلَّك إنْ أعْطيتُكَه تسألُ غيرَه؟ فيقول: لا وعِزَّتِكَ لا أسألُك غيره، وإنِّي منزلٌ أحْسَن منه؟! فيُعْطاهُ فينزِلُه، ويرى أمامَ ذلك منزلاً كأنَّ ما هو فيه [بالنسبة] إليه حُلُم، قال: ربِّ أعْطِني ذلك المنزلَ. فيقولُ الله تباركَ وتعالى له: فلَعلَّك إنْ أعطيتُكَهُ تسأَلُ غيره؟ فيقولُ: لا وعِزَّتِكَ [لا أسألك غيره]، وأنِّي منزلٌ أحسنُ منه؟! فيُعطاه فينزله، [قال: ويرى أو يرفعُ له أمامَ ذلك منزلٌ آخر، كأَنما هو إليه حلمٌ، فيقولُ: أعطني ذلكَ المنزلِ، فيقولُ الله جلَّ جلالُه: فلعلك إن أعطيتُكَهُ تسأل غيره، قال: لا وعِزَّتِكَ لا أسأل غيره، وأي منزل يكونُ أحسنَ منه؟! قال: فيعطاه فينزله،] ثمَّ يسْكُت فيقولُ الله جلَّ ذكرُه. ما لَك لا تسْأَل؟ فيقول: ربِّ! قد سألتك حتى استَحْييتُك، وأقسَمْتُ [لك] حتى اسْتَحْيَيتُك. فيقول الله جلَّ ذكره: ألَمْ ترضَ أنْ أعْطيَكَ مثلَ الدنيا منذُ خلقْتُها إلى يومِ أفْنَيْتها وعشرةَ أضْعافِه؟ فيقولُ: أتهزَأُ بي وأنْتَ ربُّ العِزَّة؟ فيضْحَكُ الربُّ تعالى مِنْ قولِه". -قال: فرأيتُ عبدَ الله بَن مسْعودٍ إذا بلَغ هذا المكان مِنْ هذا الحديث ضَحِك، [فقالَ له رجلٌ: يا أبا عبد الرحمن! قد سمعتكَ تحدّث هذا الحديثِ مراراً؛ كلما بلغت هذا المكان ضَحِكْتَ؟ فقال: إني سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحدّث هذا الحديث مراراً، كلما بَلَغَ هذا المكان من هذا الحديثِ ضَحِكَ] (1) حتى تبدوَ أضْراسُه- قال:   (1) هذه الزيادة واللاتي قبلها استدركتها من "المعجم الكبير"، ومنه صححت بعض الأخطاء كانت في الأصل. وقد يكون فاتني شيء فمعذرة لأني بشر أخطئ وأصيب. أولاً، وثانياً فإني لا أزال مريضاً من رمضان الماضي سنة (1418) إلى هذا الشهر/ رجب (1419)، سائلاً المولى سبحانه أن يعافيني ويعيد إلي نشاطي في خدمة السنَّة المطهرة، إنه سميع مجيب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 "فيقول الربُّ جلَّ ذِكْرُه: لا، ولكنِّي على ذلك قادِرٌ، سَلْ، فيقولُ: أَلْحِقْني بالناسِ فيقول: الْحَقْ بالناسِ. فينطَلِقُ يرمُل في الجنَّة، حتى إذا دَنا مِن الناس رُفع له قصرٌ مِنْ درَّةٍ؛ فيَخِرُّ ساجِداً، فيقالُ له: ارْفَعْ رأسَك، ما لَك؟ فيقول: رأيتُ ربِّي -أو تراءى لي ربي-، فيُقال [له]: إنَّما هو منزِلٌ مِنْ منازِلِكِ، قال: ثم يَلْقى رجلاً فيتهيَّأُ للسجودِ له، فيقالُ له: مَهْ! [ما لك؟] فيقولُ: رأيتُ أنَّك ملَك مِنَ الملائكةِ! فيقول: إنَّما أنا خازِنٌ مِنْ خُزَّانِكَ، وعبدٌ مِنْ عبيدِك، تحتَ يدي ألْفُ قَهْرَمانٍ على مثل ما أنا عليه. قال: فينطَلقُ أمامَه حتى يَفْتَح لهُ القَصْرَ، قال: وهو مِنْ دُرَّةٍ مجوَّفة، سقائفهِا وأبْوابُها وأَغلاقُها ومفاتيحُها منها، تسْتَقْبِله جوْهَرةٌ خضْراءُ مُبَطَّنةٌ بحَمْراءَ، (فيها سبْعونَ باباً، كلُّ بابٍ يُفْضي إلى جوهرةٍ خَضْراءَ مُبَطَّنَةٍ) (1)، كلُّ جوْهَرةٍ تُفْضي إلى جَوْهَرةٍ على غير لَوْنِ الأُخْرى، في كلِّ جوهرةٍ سررٌ وأزْواجٌ ووصائِفُ، أدْناهُنَّ حَوْراءُ عَيْناءُ، عليها سَبْعون حُلَّة، يُرى مخَّ ساقِها مِنْ وراءِ حُلَلِها، كبِدُها مِرْآتُه، وكبِدُه مِرْآتُها، إذا أعْرضَ عنها إعْراضَةً ازدادَتْ في عيْنه سبْعين ضِعْفاً [عما كانت قبلَ ذلِكَ، إذا أعْرضَتْ عنه إعراضةً ازدادَ في عينِها سبعينَ ضِعْفاً عما كان قَبْلَ ذلك، فيقولُ لها: والله لقد ازددتِ في عيني سبعين ضِعْفاً، وتقول له: وأنتَ والله لقد ازددتَ في عيني سبعين ضعفاً]،   (1) ما بين الهلالين غير وارد في "المجمع" ولا في "السنة" للإمام أحمد، فلعلها مقحمة من بعض النساخ. واعلم أن هذا الحديث يفضح المعلقين الثلاثة ويؤكد ما قلته مراراً بأنهم جهلة ومعتدين على السنة، فإنهم لم يستدركوا ولم يصححوا فيه شيئاً مطلقاً، مع تيسر ذلك عليهم ولو بعض الشيء؛ لأنهم رجعوا في تخريجه إلى "المجمع"، و"المستدرك"، و"البعث". ولكنهم مجرد نقلة، لذلك اكتفوا بتحسين الحديث، مع أنهم نقلوا التصحيح من باب (أنصاف حلول)، أما أن يرجعوا إلى الطبراني ويعرفوا أنه عنده بسندين خلافاً لما نقلوه عن الهيثمي -أحدهما صحيح كما قال المنذري- فهيهات هيهات!! وهو مخرج في "الصحيحة" كما تقدم في "البعث". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 فيُقال له: أشْرِفْ، فيُشْرِفَ، فيقال له: مُلْكُكَ مسيرَةُ مئةِ عامٍ، يَنْفُذه بَصَرُكَ". قال: فقال عمر: ألا تسمَعُ ما يحدِّثنا ابْنُ أمِّ عبْدٍ يا كعبُ! عن أدْنى أهْلِ الجنَّةِ منزِلاً، فكيفَ أعْلاهُم؟ قال: يا أميرَ المؤْمِنينَ! ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ولا أُذنٌ سمِعَتْ، إنَّ الله جلَّ ذكرُه خلق داراً جعلَ فيها ما شاءَ مِنَ الأزْواجِ والثمراتِ والأشْرِبَةِ، ثمَّ أطْبَقها فلَمْ يَرها أحَدٌ مِنْ خلْقهِ لا جبريلُ ولا غيرُه مِنَ الملائكة، ثم قرأ كعب: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. قال: وخلَقَ دونَ ذلك جنَّتَيْنِ، وزيَّنَهما بِما شاءَ، وأراهُما مَنْ شاءَ مِنْ خَلْقِه، ثم قال: فَمنْ كان كتابُه في علِّيِّين نزلَ في تلك الدارِ التي لَمْ يَرها أحَدٌ، حتى إنَّ الرجُلَ منْ أهْلِ علِّيِّين ليخرجُ فيسيرُ في مُلْكِهِ، فلا تبْقَى خَيْمَةٌ مِنْ خِيَمِ الجنَّة إلا دخَلها مِنْ ضوْءِ وجْهِهِ، فيسْتَبْشِرون بريحه، فيقولون: واهاً لهذا الريحِ! هذا ريحُ رجُلٍ مِنْ أهْلِ عِلِّيِّين، قد خرجَ يسيرُ في ملْكِه. قال: ويحَك يا كعبُ! إنَّ هذه القُلوبَ قد اسْتَرْسلَت فاقْبِضْها، فقال كعب: [والذي نفسي بيده] إنَّ لِجَهنَّم يومَ القيامَةِ لزفْرةً ما مِنْ ملَكٍ مقرَّب، ولا نبيٍّ مُرْسَلٍ، إلا خَرَّ لركْبتَيْهِ، حتى إنَّ إبراهيمَ خليلَ الله لَيقولُ: ربِّ! نفْسي نفْسي، حتى لو كانَ لك عملُ سبعينَ نبِيّاً إلى عَملِك لظَنَنْتَ أن لا تَنْجوَ. رواه ابن أبي الدنيا والطبراني والحاكم هكذا عن ابن مسعودٍ مرفوعاً، وآخره من قوله: "إن الله جل ذكره خلق داراً" إلى آخره موقوفاً على كعب. وأحد طرق الطبراني صحيح، واللفظ له، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 وهو في مسلم بنحوه باختصار عنه. (1) 3705 - (4) [صحيح] وروى البيهقي من حديث يحيى بن أبي طالب: حدثنا عبد الوهاب: أنبأنا سعيد بن أبي عَروبة عن قتادة عن أبي أيوب عن عبدِ الله بْنِ عمروٍ قال: "إنَ أدْنَى أهْلِ الجنَّةِ منزلةً مَنْ يَسْعى عليه ألْفُ خادمٍ، كلُّ خادِمٍ على عمَلٍ ليسَ عليه صاحبُه. قال: وتلا هذه الآية {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا} " (2).   (1) قلت: وفيه جملة الضحك التي حكاها ابن مسعود جواباً لمن سأله، وهو مخرج في "الصحيحة" أيضاً (3129). (2) أخرجه أيضاً الحسين المروزي وابن جرير الطبري بإسناد صحيح عن ابن عمرو موقوفاً، وهو مخرج في "الضعيفة" تحت الحديث (5305). الحديث: 3705 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 3 - فصل في درجات الجنة وغرفها. 3706 - (1) [صحيح] عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ أهْلَ الجنَّةَ ليتراءَوْنَ أهْلَ الغُرَفِ مِنْ فوقِهم، كما تَتَراءَونَ الكَوْكبَ الدُّرِّيِّ الغابِرَ في الأُفُقِ مِنَ المَشْرِقِ والمغربِ، لِتفَاضُلِ ما بيْنَهُم". قالوا: يا رسولَ الله! تلك منازِلُ الأنْبِياءِ لا يبْلُغها غيرُهم؟ قال: "بلى، والَّذي نفْسي بيده! رِجال آمنوا بالله وصدَّقوا المرْسَلِينَ". رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لهما: "كما تَراءَوْن الكوْكَبَ الغارِبَ". بتقديم الراء على الباء. 3707 - (2) [صحيح لغيره] ورواه الترمذي من حديث أبي هريرة بنحوه وصححه؛ إلا أنه قال: "إنَّ أهْلَ الجنَّةِ لَيتراءَوْن في الغُرْفَةِ كما يتراءون الكَوْكَبَ الشَّرقيِّ أوِ الكوْكَبَ الغربيِّ الغارِبَ في الأُفقِ أو الطالعَ في تفاضُلِ الدرجَاتِ" الحديث. وفي بعض النسخ: "والكوكبَ الغربيَّ أوِ الغارِبَ". على الشك. (الغابر) بالغين المعجمة والباء الموحدة، المراد به هنا هو الذاهب الذي تدلّى للغروب. 3708 - (3) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ أهْلَ الجنَّة ليَتراءَوْن في الجنَّة كما تَراءَوْنَ أو تروْن الكوكَبَ الدرِّيِّ الغارِبَ في الأُفُقِ الطالع في تفاضُلِ الدرجاتِ". قالوا: يا رسول الله! أولئك النبِيُّونَ؟ قال: "بلى، والَّذي نفْسي بيَدهِ! وأقْوامٌ آمَنوا بِالله، وصدَّقوا المرسَلين". الحديث: 3706 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح". وتقديره: كما يرون الكوكب الطالع الدّري الغارب. ورواه الترمذي، وتقدم لفظه (آنفاً). (1) [حسن صحيح] (قال الحافظ): "وتقدم من هذا النوع غير ما حديث صحيح في [6 - النوافل/ 11] "قيام الليل" و [8 - الصدقات/ 17] "إطعام الطعام"، وغير ذلك، مثل حديث أبي مالك عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ في الجنَّةِ غُرفاً يُرى ظاهِرُها مِنْ باطنها، وباطِنُها مِنْ ظاهِرِها، أعدَّها الله لِمَنْ أطْعَم الطعامْ، وأفْشى السلامْ، وصلَّى بالليلِ والناسُ نِيامْ"، وحديث عبد الله بن عمرو بنحوه". 3709 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ في الجنَّة مِئةَ درَجةٍ أعدَّها الله لِلْمُجاهدين في سبيلِ الله، ما بين الدرَجَتَيْن كما بينَ السماءِ والأرْضِ". رواه البخاري. 3710 - (5) [صحيح لغيره] وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "في الجنَّةِ مِئة درجَةٍ، ما بينَ كلِّ درجَتْينِ مِئةُ عامٍ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، والطبراني في "الأوسط"؛ إلا أنه قال: "ما بينَ كلِّ درَجتَيْنِ مسيرَةُ خَمْسِمِئَةِ عامٍ".   (1) روايته ورواية أحمد (2/ 335 و339) من طريق واحدة، فلا وجه للتفريق بينهما. الحديث: 3709 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 4 - فصل في بناء الجنة وترابها وحصبائها وغير ذلك. 3711 - (1) [حسن لغيره] عن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: قلنا: يا رسولَ الله! حدَّثْنا عنِ الجنَّةِ، ما بِناؤها؟ قال: "لَبِنَةٌ ذهَبٌ، ولَبِنَةٌ فِضَّةٌ، وملاطُها المسْكُ، وحَصْباؤها اللُّؤْلُؤ والياقوتُ، وتُرابُها الزعْفَران، مَنْ يدخُلُها يَنْعَمُ ولا يَبْأَسُ، وُيخلَّدُ؛ لا يموتُ، لا تبْلى ثِيابُه، ولا يَفْنى شَبابُه" الحديث. رواه أحمد واللفظ له، والترمذي والبزار، والطبراني في "الأوسط"، وابن حبان في "صحيحه"، وهو قطعة من حديث عندهم. 3712 - (2) [صحيح لغيره] وروى ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة موقوفاً قال: "حائِطُ الجنَّة لَبِنَةُ مِنْ ذَهبٍ، ولَبِنَةُ مِنْ فِضَّةٍ، ودُرُجُها الياقوتُ واللُّؤْلُؤ، قال: وكنّا نحدِّثُ أنَّ رضْراضَ أنْهارِها اللُّؤْلُؤ، وترابَها الزعْفَرانُ". (الرضراض) بفتح الراء بضادين معجمتين، و (الحصباءُ) ممدوداً: بمعنى واحد، وهو الحصى، وقيل: الرضراض: صغارها. 3713 - (3) [حسن لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سئلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنِ الجنَّةِ؟ فقال: "مَنْ يدخل الجنَّة يحيى فيها لا يموتُ، وَينعَمُ فيها لا يَبْأسُ، لا تَبلى ثِيابُه، ولا يَفْنى شبَابُه". قيلَ: يا رسولَ الله! ما بِناؤها؟ قال: الحديث: 3711 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 "لَبِنَةٌ مِنْ ذَهب، ولَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، ومِلاطُها المِسْكُ، وتُرابُها الزعْفَرانُ، وحَصْباؤها اللُّؤْلُؤ والياقوتُ". رواه ابن أبي الدنيا والطبراني، وإسناده حسن بما قبله. (المِلاط) بكسر الميم: هو الطين الذي يجعل بين سافي البناء، يعني أن الطين الذي يجعل بين لبن الذهب والفضة في الحائط مسك. 3714 - (4) [صحيح] وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: "خلق الله تبارك وتعالى الجنةَ لَبنةً من ذهب، ولَبِنَةً من فِضّةٍ، وملاطُها المسكُ، وقالَ لها: تكلمي، فقالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}، فقالتَ الملائكةُ: طوبى لك منزل الملوك". رواه الطبراني، والبزار -واللفظ له- مرفوعاً وموقوفاً. وقال: "لا نعلم أحداً رفعه إلا عدي بن الفضل، يعني عن الجريري عن أبي نضرة عنه. وعدي بن الفضل ليس بالحافظ، وهو شيخ بصري" انتهى. [صحيح لغيره] (قال الحافظ): "قد تابع عديِّ بنَ الفضل على رفعه وهبُ بن خالد عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد، ولفظه: قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن اللهَ عز وجلَّ أحاطَ حائطَ الجنةِ لبنةً من ذهبٍ، ولبنةً من فضةٍ، ثم شقق فيها الأنهار، وغرسَ فيها الأشجار، فلما نظرت الملائكة إلى حُسنها قالت: طوبى لك منازل الملوك". خرجه البيهقي وغيره، ولكن وقفه هو الأصح المشهور. والله أعلم". الحديث: 3714 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 5 - فصل في خيام الجنة وغرفها وغير ذلك. 3715 - (1) [صحيح] عن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ لِلْمؤْمِنِ في الجنَّة لخَيمةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ واحِدَةٍ مجوَّفَةٍ، طولُها في السماءِ سِتونَ مِيلاً، لِلْمُؤمِن فيها أهْلونَ، يطوفُ عليهِم المؤْمِنُ فلا يَرى بعضُهم بَعْضاً". رواه البخاري ومسلم، والترمذي؛ إلا أنه قال: "عرضها ستون ميلاً". وهو رواية لهما. (1)   (1) قلت: تفرد بها عبد العزيز بن عبد الصمد عن أبي عمران الجوني بسنده عن أبي موسى، أخرجه البخاري (4879)، ومسلم (8/ 148)، والترمذي (2530) وصححه، وخالفه همام بن يحيى عند الشيخين، والدارمي أيضاً (2/ 336) وابن أبي شيبة (13/ 105 - 106)، وأحمد (4/ 400 و411 و419)، والبيهقي في "البعث" (181/ 232)؛ كلهم عنه عن أبي عمران الجوني بالرواية الأولى: "طولها في السماء ستون ميلاً". وخالفه أيضاً أبو قدامة الحارث بن عبيد عن أبي عمران بلفظ همام. أخرجه مسلم وأبو نعيم في "الجنة" (230/ 398). وروايتهما أرجح كما لا يخفى، لا سيما ولفظ رواية عبد العزيز بن عبد الصمد موافقة لهما في رواية أحمد (4/ 411) عنه، وهي من تحديثه عن (علي بن عبد الله)، وهو ابن المديني الثقة الثبت الإمام. والله أعلم. ثم إن لفظ حديث همام عند البخاري وقع في متن "فتح الباري" (6/ 318): "ثلاثون ميلاً"! وعليه جرى الشارح (ص 323)، فيبدو لي أنه خطأ قديم في بعض نسخ البخاري، والصواب ما عند الآخرين، فإن البخاري رواه عن شيخه حجاج بن منهال، وقد رواه من طريقه أبو نعيم بلفظهم المتقدم، وقال عقبه: "رواه البخاري في "الصحيح" عن الحجاج بن منهال". لكن يشكل عليه أن البخاري قال عقبه: "قال أبو عبد الصمد والحارث بن عبيد عن أبي عمران: ستون ميلاً". فغاير بين هذا وبين الذي عقب عليه، فالأمر يحتاج بعد إلى مزيد من التحقيق ولم يمدنا بشيء منه الحافظ ابن حجر على خلاف عادته فى الجمع بين الروايات. وفوق كل ذي علم عليم. وأما الجهلة فعزوا إلى البخاري الرواية الثانية دون الأولى! الحديث: 3715 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 3716 - (2) [صحيح] وفي رواية له [يعني ابن أبي الدنيا] وللبيهقي [يعني عن ابن عباسٍ قال]: "الخيمةُ دُرَّةٌ مجوَّفةٌ فرسخٌ في فرسخٍ، لها أربعة آلافِ مصراعٍ من ذهب". وإسناد هذه أصح. 3717 - (3) [حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمرٍ ورضي الله عنهما قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ في الجنَّةِ غرفاً يُرى ظاهِرُها مِنْ باطِنها، وباطِنُها مِنْ ظاهِرِها". فقال أبو مالكٍ الأشعري: لِمَنْ هيَ يا رسولَ الله؟ قال: "لِمَنْ أطابَ الكلامْ، وأطْعَم الطَعامْ، وبْاتَ قائماً والناسُ نيِامْ". رواه الطبراني والحاكم، وقال: "صحيح على شرطهما". [مضى 6 - النوافل/ 11]. 3718 - (4) [حسن صحيح] ورواه أحمد وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي مالكٍ الأشعري؛ إلا أنَّه قال: "أعَدَّها اللهُ لِمَنْ أطْعَم الطعامْ، وأفْشى السلامْ، وصلَّى بالليْلِ والناسُ نِيامْ". [مضى هناك]. الحديث: 3716 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 6 - فصل في أنهار الجنة. 3719 - (1) [صحيح] عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الكوثَرُ نهرٌ في الجنَّةِ، حافَّتاهُ مِنْ ذَهبٍ، ومَجْراهُ على الدرِّ والياقوتِ، تُرْبتُه أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، ومَاؤه أحْلى مِنَ العَسلِ، وأبَيضُ من الثَّلْجِ". رواه ابن ماجه، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". 3720 - (2) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "بينا أنا أسيرُ في الجنَّةِ، إذا أنا بنَهَرٍ حافَّتاه قِبابُ اللُّؤْلُؤِ المجوَّفِ، فقلتُ: ما هذا يا جبريلُ؟ قال: هذا الكوْثَرُ الَّذي أعْطاكَ ربُّك، قال: فضربَ المَلَكُ بيده، فإذا طينُه مِسْكٌ أُذْفُر". رواه البخاري. 3721 - (3) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنْهارُ الجنَّة تخرُج مِنْ تحتِ تلالِ -أو مِنْ تحتِ جبالِ- المسْكِ". رواه ابن حبان في "صحيحه". 3722 - (4) [حسن] ورُوي عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه رضيَ الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "في الجنَّةِ بَحرٌ لِلْماءِ، وبحرٌ لِلَّبَنِ، وبَحْرٌ لِلْعَسلِ (1)؛ وبَحْرٌ لِلْخَمْر، ثم   (1) كذا الأصل وطبعة عمارة، والصواب: (بحر الماء، وبحر اللبن. .) إلخ كما قال الناجي، وعلى الصواب وقع عند غير البيهقي كما يأتي. الحديث: 3719 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 تُشَقَّقُ الأنهارُ مِنْها بَعْدُ". رواه البيهقي (1). 3723 - (5) [صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: لَعلكم تَظُنُّونَ أنَّ أنْهارَ الجنَّةِ أخدودٌ في الأرْضٍ؟ لا والله، إنَّها لسائِحَةٌ على وجْهِ الأرْضِ، إحدى حافَّتيْها اللَّؤْلُؤ، والأُخْرى الياقوتُ، وطينُه المِسْكُ الأُذْفرُ. قال: قلت: ما الأُذْفُرُ؟ قال: الَّذي لا خِلْطَ له. رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً. ورواه غيره مرفوعاً، والموقوف أشبه بالصواب (2). 3724 - (6) [حسن صحيح] وعنه قال: سُئلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما الكوْثَرُ؟ قال: "ذاكَ نهرٌ أعْطانيهِ الله -يعني في الجنة-، أشَدُّ بيَاضاً مِنَ اللَّبنِ، وأحْلى مِنَ العسَلِ، فيه طيرٌ أعْناقُها كأعْناق الجُزُر". قال عمر: إنَّ هذه لَناعِمَةٌ. قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أكَلَتُها أَنْعَمُ مِنْها". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". (الجزُرُ) بضم الجيم والزاي: جمع جزور، وهو البعير.   (1) قلت: لقد أبعد المصنف النجعة، فقد أخرجه أيضاً ابن حبان (2623 - موارد)، والترمذي (2574) وصححه، وأحمد (5/ 5) كلهم بلفظ (بحر الماء. . .)، وهو الصواب كما سبق. (2) قلت: إسناد المرفوع غير إسناد الموقوف، وكل منهما صحيح، فلا يعلّ بالموقوف، لا سيّما وهو في حكم المرفوع، فانظر "الصحيحة" (2513). الحديث: 3723 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 7 - فصل في شجر الجنة وثمارها. 3725 - (1) [صحيح] عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ في الجنَّةِ شجرةً يسيرُ الراكِبُ في ظِلِّها مِئَةَ عام لا يقْطَعُها، إنْ شئْتُم فاقْرؤوا: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} ". رواه البخاري والترمذي. 3726 - (2) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ في الجنَّةِ شجرةً يسيرُ الراكِبُ الجَوادَ المُضَمِّرَ السريعَ مِئَةَ عامٍ لا يَقْطَعُها". [صحيح لغيره] رواه البخاري ومسلم، والترمذي، وزاد: " [قال:] وذلِكَ الظِّلُّ المَمْدودُ". 3727 - (3) [حسن لغيره] وعن أسماءَ بنتِ أبي بكر رضي الله عنهما قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكر سِدرةَ المنتهى، فقال: "يسيرُ الراكب في ظلِّ الفَنَنِ منها مئةَ سنةٍ، أو يستظلُّ بها مئة راكبٍ -شك يحيى-، فيها فراش الذهب، كأن ثمارها القِلال". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح غريب". (الفَنَن) بفتح الفاء والنون: هو الغصن. 3728 - (4) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقولُ الله: أعددْتُ لِعبادِيَ الصالِحين ما لا عَيْنٌ رأَتْ، ولا أُذُنٌ سمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قلبِ بَشرٍ، اقْرَؤوا إنْ شئْتُم: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}، الحديث: 3725 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 وموْضعُ سَوْطٍ مِنَ الجنَّةِ خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها، واقْرَؤوا إنْ شِئْتم: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} ". رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وروى البخاري ومسلم بعضه. 3729 - (5) [صحيح لغيره] وعن عُتْبة بن عبدٍ رضي الله عنه قال: جاءَ أعْرابيٌّ إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ما حوضُكَ الَّذي تُحدِّثُ عنه؟ -فذكر الحديث (1) إلى أنْ قال:-، فقال الأعرابي: يا رسولَ الله! فيها فاكهَةٌ؟ قال: "نعم، وفيها شَجرةٌ تُدعى طُوبى، هي تطابِقُ الفِرْدَوْسَ". فقال: أيَّ شَجرِ أرْضِنا تُشْبِهُ؟ قال: "ليسَ تشْبِهُ شيئاً منْ شجرِ أرْضِكَ، ولكن أتَيْتَ الشامَ؟ ". قال: لا يا رسولَ الله! قال: "فإنَّها تُشبِهُ شجرةً بالشامِ تُدعى (الجَوْزَة)، تَنْبت على ساقٍ واحدٍ، ثم ينتشِرُ أعْلاها". قال: فما [عِظم] (2) أصلها؟ قال: "لو ارتحلَتْ جَذعةٌ مِنْ إبلِ أهْلِك، لما قَطعتْها حتى تنْكَسِر تَرْقُوَتُها هَرماً". قال: فيها عِنَبٌ؟ قال: "نعم". قال: فما عِظَمُ العُنْقودِ مِنْها؟ قال: "مسيرَةُ شهرٍ للْغُرابِ الأَبْقَع، لا يقَعُ ولا ينْثَني ولا يفْتُر". قال: فما عِظَمُ الحبَّةِ منه؟ قَال:   (1) تقدم في (26 - البعث/ 4 - فصل الحوض). (2) هذه الزيادة والتي بعدها من "المعجم الأوسط" و"الكبير"، و"المجمع" (10/ 413 - 414). الحديث: 3729 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 "هل ذبَح أبوكَ مِنْ غَنمهِ تيْساً عَظيماً؟ ". [قال: نعم. قال:] "فسلَخ إهَابَهُ، فأعطاه أمَّك؟ فقال: ادْبُغي هذا، ثمَّ افْري لنا مِنه ذَنُوباً نروي [به] ماشيتَنا؟ ". قال: نعم. قال: فإنَّ تلك الحبَّة تُشْبِعُني وأهلَ بَيْتي؟ فقال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وعامَّة عشيرَتِكَ". رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" -واللفظ له-، والبيهقي بنحوه، وابن حبان في "صحيحه" بذكر الشجرة في موضع، والعنب في آخر، ورواه أحمد باختصار. قوله: "افْرِي لنا منه ذَنوباً" أي: شقي واصنعي. و (الذَّنُوب) بفتح الذال المعجمة: هو الدلو. وقيل: لا يُسمى ذنوباً إلا إذا كانت ملأى، أو دون الملأى. 3730 - (6) [حسن لغيره] وعن عبد الله بن أبي الهُذيل قال: كنَّا معَ عبدِ الله -يعني ابن مسعود- بـ (الشامِ) أو بـ (عَمَّانَ)، فتذاكروا الجَنَّةَ، فقال: "إنَّ العُنقودَ مِنْ عناقِيدها مِنْ ههُنا إلى (صَنْعَاءَ) ". رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً. 3731 - (7) [حسن لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "عُرِضَتْ عليَّ الجنَّة فذهبتُ أتناوَلُ منها قطْفاً أُريكُموه، فحيلَ بيْني وبينَه". فقال رجلٌ: يا رسولَ الله! ما مَثَلُ الحبَّة مِنَ العِنَبِ؟ قال: "كأعْظَم دَلْوٍ فَرَتْ أُمُّك قَطُّ". رواه أبو يعلَى بإسَناد حسن (1).   (1) فيه نظر بينته في الأصل، لكن يشهد لآخره حديث عتبة الذي قبله بحديث، وأما أوله فله شواهد كثيرة في قصة صلاته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الكسوف، ورؤيته فيها الجنة والنار، ولي فيها جزء. الحديث: 3730 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 3732 - (8) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما في الجنَّة شجَرةٌ، إلا وساقُها مِنْ ذَهبٍ". رواه الترمذي وابن أبي الدنيا، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلهم من طريق زياد بن الحسن بن فرات، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب". 3733 - (9) [صحيح لغيره] وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: نزَلْنا (الصَّفَاحَ)، (1) فإذا رجلٌ نائم تحتَ شجَرةٍ قد كادَتِ الشمسُ تبْلُغه، قال: فقلتُ لِلْغُلامِ: انْطلِقْ بهذا النَّطْع فأظلَّه، قال: فانْطَلَقَ فأَظلَّهُ، فلمّا استَيْقظَ فإذا هو سَلْمانُ رضي الله عنه، فأتيْتُه أسلِّمُ عليه، فقال: يا جَرير! تواضَعْ لله، فإنَّه مَنْ تواضَع لله في الدنيا رفَعهُ الله يومَ القِيامَةِ. يا جرير هل تدري ما الظلُماتُ يومَ القِيامَةِ؟ قلتُ: لا أدري. قال: ظلْمُ الناسِ بينَهُم، ثم أخَذ عوْيداً لا أكادُ أراهُ بين أصْبَعيْه فقال: يا جريرُ! لو طلَبْتَ في الجنَّةِ مثلَ هذا لَمْ تجدْهُ. قلتُ: يا أبا عبدِ الله! فأينَ النخلُ والشجرُ؟ قال: أصولُها اللُّؤْلُّؤ والذهَبُ، وأعلاهُ الثمرُ. رواه البيهقي بإسناد حسن. 3734 - (10) [صحيح لغيره] وعن البراءِ بنِ عازبٍ رضي الله عنه؛ في قوله تعالى: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} قال:   (1) بكسر الصاد وتخفيف الفاء: موضع بين (حُنين) وأنصاب الحرم، يسرة الداخل إلى مكة: "نهاية". الحديث: 3732 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 "إن أهل الجنة يأكلونَ من ثمار الجنةِ قياماً وقعوداً ومضطجعين [على أي حال شاؤوا] (1) ". رواه البيهقي موقوفاً بإسناد حسن. 3735 - (11) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: "نَخلُ الجنَّة جذُوعُها مِنْ زمُرُّدٍ خضْرٍ، وكَرَبُها ذهَبٌ أحمرُ، وسعْفُها كِسْوةٌ لأهْلِ الجنَّةِ، منها مُقَطَّعَاتُهم وحُلَلُهم، وثمرُها أمثالُ القِلالِ والدلاء أشدُّ بيَاضاً مِنَ اللَّبنِ، وأحْلى مِنَ العَسلِ، وألْيَنُ مِنَ الزبْدِ، ليس فيها عَجَمَ (2) ". رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً بإسناد جيد، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". (الكرب) بفتح الكاف والراء بعدهما باء موحدة: هو أصول السعف الغلاظ العراض. 3736 - (12) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنَّه قال له رجلٌ: يا رسولَ اللهَ! ما طوبى؟ قال: "شجرةٌ مسيرَةُ مِئَةُ سنةٍ، ثيابُ أهلِ الجنَّة تخرج مِنْ أكْمامِها". رواه ابن حبان في "صحيحه" من طريق دراج عن أبي الهيثم. (3)   (1) زيادة من "البعث" للبيهقي (174/ 313)، وفي إسناده: "شريك عن أبي إسحاق". و (شريك) ضعيف، و (أبو إسحاق) مختلط مدلس، وقد عنعنه -وحسنه الجهلة! تقليداً-. لكن قد تابعه جمع عنه، منهم شعبة عنه، قال: سمعت البراء به نحوه. أخرجه الطبري (29/ 39)، وابن أبي شيبة (13/ 140/ 15930)، والحسين المروزي (511/ 1454)، وعلي بن الجعد في "سنده" (1/ 374/ 448)، وعنه ابن أبي الدنيا (30/ 52). فهو إسناد صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة أيضاً (15932)، وهناد (1/ 92/ 100)، وعبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (211)، وأبو نعيم (351)، والحاكم (2/ 511) عن شريك وغيره، وصححه. (2) هو بتحريك العين والجيم. قال ابن السكيت: والعامة تقول: (عَجْم) بالتسكين! وهو النَّوى. (3) قلت: لكن الحديث له شواهد يتقوى بها، أما الشطر الأول منه فقد صح عن جمع من الصحابة كما تقدم في أول الفصل، وأما الشطر الآخر، فله شاهدان من حديث عبد الله بن عمرو، صححه الحاكم والذهبي، ومن حديث جابر، عند البزار وغيره، وهما مخرجان في "ضعيف أبي داود" (434)، و"الروض النضير" (248)، وشاهد ثالث في "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" (1/ 319). الحديث: 3735 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 8 - فصل في أكل أهل الجنة وشربهم وغير ذلك. 3737 - (1) [صحيح] عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يأكلُ أهلُ الجنَّةِ ويشرَبون، ولا يمْتَخِطون، ولا يتَغوَّطون، ولا يَبُولونَ، طعامُهم ذلك جُشاءٌ كريحِ المسْكِ، يُلْهَمون التسبيحَ والتكبيرَ، كما تُلْهَمون النَّفَس". رواه مسلم وأبو داود. 3738 - (2) [حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إنَّ الرجلَ مِنْ أهلِ الجنَّةِ لَيشتَهي الشرابَ مِنْ شرابِ الجنَّةِ فيَجيءُ الإبريقُ فيقَعُ في يدهِ، فيشْرَبُ ثم يعودُ إلى مَكانِه. رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً بإسناد جيد. 3739 - (3) [صحيح] وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ مِنْ أهْلِ الكتابِ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا أبا القاسِمِ! تزْعُم أنَّ أهلَ الجنَّةِ يأكلُون ويشْرَبون؟ قال: "نعم؛ والَّذي نفْسُ محمَّدٍ بيَدِه، إنَّ أحَدهُم لَيُعْطى قوَّة مِئَةِ رجلٍ؛ في الأكْلِ والشُّرْبِ والجمَاعِ". قال: فإنَّ الذي يأكُل ويشْرَبُ تكونُ له الحاجَةُ، وليسَ في الجنَّةِ أذَىً؟ قال: "تكون حاجَةُ أحدِهم رشْحاً يفيضُ مِنْ جُلودِهم كرشْحِ المسْكِ، فيضْمُر بَطْنُه". الحديث: 3737 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 رواه أحمد والنسائي، ورواته محتج بهم في "الصحيح". و [رواه] الطبراني بإسناد صحيح (1). [صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، ولفظهما: أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ مِنَ اليهودِ فقال: يا أبا القاسِم! ألسْتَ تزعُم أنَّ أهلَ الجنَّة يأكُلون فيها ويشْرَبون؟ -ويقولُ لأَصْحابِه: إنْ أقَرَّ لي بهذا خصَمْتُه-، فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بلى والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيده، إنَّ أحَدهُم لَيُعْطى قوةَ مِئَةِ رجلٍ في المطْعَمِ والمشْربِ والشهوَةِ والجِماعِ". فقال اليهوديُّ: فإنَّ الذي يأْكُل ويشْرَبُ تكونُ له الحَاجةُ! فقال له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "حاجَتُهم عَرَقٌ يَفيضُ مِنْ جُلودِهِمْ مثلَ المسْكِ، فإذا البطْنُ قد ضَمَرَ". ولفظ النسائي نحو هذا. 3740 - (4) [حسن] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ طيرَ الجنَّة كأمْثال البُخْتِ ترعى في شجرِ الجنَّةِ". فقال أبو بكْرٍ: يا رسول الله! إنَّ هذه لطيرٌ ناعِمَةٌ. فقال: "أكَلَتُها أنْعَمُ منها -قالها ثلاثاً-، وإنِّي لأرْجو أنْ تكونَ مِمَّنْ يأكُلُ مِنْها". رواه أحمد بإسناد جيد.   (1) قلت: نعم، ولكن لا وجه للتفريق بين رواية الطبراني واللذين قبله، فإنهم جميعاً أخرجوه من طريق الأعمش عن ثمامة بن عقبة عن زيد بن أرقم. وقد صححه ابن القيم أيضاً، وأما الجهلة فرغم تصحيح المنذري، فقد اقتصروا على قولهم: "حسن"، يتظاهرون بالاجتهاد، وهم لا يحسنون شيئاً حتى التقليد! وإن مما يوْكد هذا أنهم شملوا بالتحسين رواية أخرى للطبراني؛ هي في الأصل عقب هذه فيها متهم، وخرجتها في "الضعيفة" (5330). الحديث: 3740 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 [حسن صحيح] والترمذي وقال: "حديث حسن"، ولفظه: قال: سُئلَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما الكَوثَرُ؟ قال: "ذاكَ نهرٌ أعْطانيهِ الله -يعني في الجنَّةِ-، أشدَّ بيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وأحْلى مِنَ العَسلِ، فيه طيرٌ أعْناقُها كأعْناقِ الجُزُر". قال عمر: إنَّ هذه لَناعِمَةٌ. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أكَلَتُها أنْعَمُ مِنْها" [مضى 6 - فصل]. (البُخْت) بضم الموحدة وإسكان الخاء المعجمة: هي الإبل الخراسانية. 3741 - (5) [؟ موقوف] وعن أبي أُمامة رضي الله عنه: إنَّ الرجلَ مِنْ أهْلِ الجنَّةِ ليشْتَهي الطير مِنْ طيورِ الجنَّة، فيقعُ في يدِه متَفلَّقاً (1) نَضِجاً. رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً. 3742 - (6) [صحيح لغيره] وعن سُلَيْم بن عامرٍ قال: كانَ أصْحابُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولون: إنَّ الله لينفَعُنا بالأَعْرابِ ومسائِلهم، قال: أقْبَل أعْرابيٌّ يوماً فقالَ: يا رسولَ الله! ذكر الله في الجنَّةِ شجرةً مؤذِيَةً، وما كنتُ أرى أنَّ في الجنَّة شجرةً تُؤْذي صاحِبَها! قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وما هي؟ ". قال: السِّدرُ؛ فإنَّ له شوْكاً مُؤْذِياً. قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   (1) في "الدر المنثور" (6/ 156): "مقليّاً"، ولعله الصواب. وعزاه لابن أبي الدنيا في "صفة الجنة"، ولم أجده في النسخة المطبوعة منه، وحسنه الجهلة من كيسهم! وعزوه لابن جرير تقليداً لغيرهم! وقد توسعت قليلاً في الكلام على هذا الحديث في "الضعيفة" تحت الحديث (6784). الحديث: 3741 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 "أليسَ الله يقول: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ}، خَضَدَ الله شوْكَهُ، فجعلَ مكانَ كلِّ شوْكَةٍ ثمرةً؛ فإنَّها لتُنْبِتُ ثَمراً، تَفَتَّق الثمرةُ مِنْها عنِ اثْنَيْنِ وسبْعينَ لَوْناً مِنْ طعامٍ، ما فيها لونٌ يُشْبِه الآخَرَ". رواه ابن أبي الدنيا، وإسناده حسن. 3743 - (7) [صحيح] ورواه أيضاً عن سُلَيْم بن عامر عن أبي أمامة الباهلي عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله (1).   (1) قلت: أخرجه الحاكم أيضاً (2/ 476) وصححه، ووافقه الذهبي. الحديث: 3743 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 9 - فصل في ثيابهم وحللهم. 3744 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنْ يدخلِ الجنَّةَ يَنْعَمْ ولا يبْأَسْ، لا تَبلى ثيابُه، ولا يفْنى شَبابُه، في الجنَّةِ ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أذُنٌ سمعَتْ، ولا خطَر على قلْبِ بشَرٍ". رواه مسلم. (1) 3745 - (2) [صحيح لغيره] وعن عبد الله -يعني ابن مسعودٍ- رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أوَّل زمْرَةٍ يدخلونَ الجنَّة كأنَّ وجوهَهُم ضوءُ القمرِ ليلَة البدرِ، والزُّمرةُ الثانِيَةُ على لونِ أحْسَنِ كوْكَبٍ دُرِّيٍّ في السمَاءِ، لِكُلِّ واحِدٍ منهم زَوْجَتانِ مِنَ الحُورِ العينِ، على كلِّ زوْجةٍ سبْعون حُلَّة، يُرى مخُّ [سوقهما] (*) مِنْ وراءِ لحومهما وحُلَلِهما؛ كما يُرى الشرابُ الأحْمَرُ في الزُّجاجَة البَيْضَاءِ". رواه الطبراني بإسناد صحيح، والبيهقي بإسناد حسنَ (2). وتقدم حديث أبي هريرة المتفق عليه بنحوه [هنا 1 - فصل، ويأتي 11 - فصل]. [صحيح] ويأتي حديث أنسٍ المرفوع [11 - فصل]: "ولو اطّلَعتِ امْرأَةٌ مِنْ نساءِ الجنَّةِ إلى الأرض لملأَتْ ما بينَهُما ريحاً، ولأضاءَتْ ما بيْنَهُما، ولَنَصيفُها -يعني خِمارَها- على رأسِها خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها". رواه البخاري ومسلم.   (1) قلت: لو عزاه لأحمد أيضاً لأصاب، لأن السياق له (2/ 369 - 370)، ومسلم إنما رواه مفرقاً (8/ 143) بإسنادين مختلفين عن أبي هريرة، انظر "الصحيحة" (1986). أما الجهلة الثلاثة فاكتفوا في عزوه لمسلم برقم (2836)، وهو الشطر الأول منه فقط! (2) كذا قال! ولم أره في "البعث" للبيهقي إلا من حديث أبي هريرة (195/ 370)، نحوه دون جملة الزجاجة. وسنده في نقدي صحيح. وأما تصحيحه لإسناد الطبراني؛ فلا وجه له وإن تبعه البيهقي، وقلدهما هنا الجهلة! لأن فيه (أبو إسحاق السبيعي) مدلس مختلط. انظر "الصحيحة" (1736). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في المطبوع (ساقِها) وصححها الشيخ مشهور في طبعته، وقال: «والمثبت من كبير الطبراني» الحديث: 3744 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 10 - فصل في فِراش الجنة. 3746 - (1) [حسن موقوف] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه: في قوله عز وجل: {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ}؛ قال: أخبِرْتُم بالبَطائِن، فكيف بالظَّهائِر؟ رواه البيهقي موقوفاً بإسناد حسن. الحديث: 3746 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 11 - فصل في وصف نساء أهل الجنة. 3747 - (1) [صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لغَدوةٌ في سبيلِ الله أو روْحَةٌ؛ خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها، ولَقابُ قوْسِ أحَدِكم أو موضعُ قِيدِه -يعني سَوْطِه- مِنَ الجنَّةِ خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها، ولوِ اطَّلَعتِ امْرأَةٌ مِنْ نِساءِ أهْل الجنَّةِ إلى الأرضِ لملأَتْ ما بينَهُما ريحاً، ولأَضاءَتْ ما بيْنَهُما، ولَنَصيفُها على رأْسِها خيرٌ مِنَ الدُّنيا وما فيها". رواه البخاري ومسلم. (1) [مضى ج2/ 12 - الجهاد/ 6]. (النصيف): الخمار. و (القاب): هو القَدْر. وقال أبو معمر: "قاب القوس من مقبضه إلى رأسه". 3748 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ أوَّلَ زمرَةٍ يدخلونَ الجنَّةَ على صورَةِ القَمرِ ليلةَ البدْر، والتي تَليها على أضْوَءِ كوكَبٍ دُرِّيٍّ في السَماءِ، ولكلِّ امْرئٍ منهم زوْجَتانِ اثْنَتانِ؛ يُرى مُخُّ سوقِهِما مِنْ ورَاءِ اللَّحْمِ، وما في الجنَّةِ أعْزَبُ". رواه البخاري ومسلم. (2)   (1) زاد المصنف هنا: "والطبراني مختصراً بإسناد جيد؛ إلا أنه قال: ولتاجها على رأسها خير من الدنيا وما فيها"، فحذفته لأنه ليس من شرط هذا "الصحيح". أخرجه الطبراني في ترجمة شيخه (بكر بن سهل الدمياطي) من "المعجم الأوسط" (4/ 113/ 3172)، وهو ضعيف كما قال النسائي، فيكون لفظه منكراً لمخالفته للفظ "الصحيحين"، فأتعجَّب من المؤلف كيف جود إسناده، ومن الحافظ في "الفتح" (11/ 442) كيف سكت عن إسناده ومخالفته! وأما الجهلة فعرجوا عنها إلى الإحالة بقولهم: "سبق تخريجه برقم (1906)! وليس هناك لهذه الزيادة ذكر! (2) قلت: والسياق لمسلم (8/ 146)، وليس عند البخاري (3245 و3246 و3254 و3327) جملة الأعزب. الحديث: 3747 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 12 - فصل في غناء الحور العين. 3749 - (1) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ أزْواجَ أهْلِ الجنَّةِ ليُغَنِّينَ أزْواجَهُنَّ بأحْسنِ أصواتٍ ما سمِعَها أحدٌ قَطُّ، إنَّ مِمّا يُغَنِّينَ به: نحنُ الخيْراتُ الحِسَانُ، أزواجُ قومٍ كِرام، ينظُرونَ بقُرَّةِ أعْيان. وإنَّ مِمّا يُغَنِّينَ به: نحنُ الخالِداتُ فلا نَمُتْنَهْ. نَحنُ الآمِناتُ فلا نَخَفْنَهْ. نحنُ المُقيماتُ فلا نَظْعَنَّهْ". رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، ورواتهما رواة "الصحيح" (1). 3750 - (2) [صحيح لغيره] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الحورَ في الجنَّة يُغَنِّين يقلنَ: نحنُ الحورُ الحِسانْ، هُدينا لأزْواجٍ كِرام". رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني (2) واللفظ له، وإسناده مقارب (3).   (1) في هذا الإطلاق نظر -كنظائره- بينته في غير ما موضع، فإن شيخ الطبراني فيه (عمارة ابن وثيمة) ليس من رواة "الصحيح"، وقد روى عنه جمع، له ترجمة مختصرة في "تاريخ الإسلام" (21/ 230 - 231)، وسكت عنه، ومثله يسلّكون حديثه، لا سيما والطبراني قد أشار إلى أنه لم يتفرد به. والله أعلم (2) هذا الإطلاق يوهم أنه في "معجمه الكبير"، والواقع أنه في "الأوسط" (7/ 257/ 6493). (3) كذا الأصل، وفي نقل الناجي عنه أنه قال: "وإسناده ثقات". ولعل ما أثبتناه أقرب إلى الصواب لأن فيه عون بن الخطاب؛ ولم يوثقه أحد إلا أن يكون ابن حبان، كَما قد يشير إلى ذلك قول الهيثمي: "ورجاله وثقوا". ثم رأيته في "ثقات ابن حبان" (7/ 279). وله شواهد مخرجة في "الروض النضير" (496). الحديث: 3749 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 ورواه البيهقي عن ابنٍ لأنس بن مالك -لم يسمِّه- عن أنس. 3751 - (3) [صحيح موقوف] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إنّ في الجنَّة نَهْراً طولَ الجنَّة، حافَّتاه العَذارى، قيامٌ مُتَقابِلاتٌ، يَغنِّين بأحْسَنِ أصواتٍ يسمعُها الخَلائِقُ، حتى ما يروْنَ أنَّ في الجنَّة لَذَّةً مثلَها. قلنا: يا أبا هريرة! وما ذاكَ الغِناءُ؟ قال: إنْ شاءَ الله التسبيحُ والتحْميدُ والتقديسُ وثناءٌ على الربِّ عزَّ وجلَّ. رواه البيهقي موقوفاً (1).   (1) في "البعث" (213/ 425) بإسناد صحيح مخرج في "الضعيفة" تحت حديث آخر عن أبي أمامة نحوه برقم (5028). وإن من جهالات المعلقين الثلاثة وجرأتهم على قفو ما لا علم لهم به قولهم (4/ 449/ 5542): "ضعيف موقوف، رواه البيهقي في البعث والنشور (425) "!! الحديث: 3751 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 13 - فصل في سوق الجنة. 3752 - (1) [صحيح] عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ في الجنَّة لَسوقاً يأتُونَها كلَّ جمُعَةٍ، فتهبُّ ريحُ الشَّمالِ؛ فتحْثو في وُجوهِهم وثيابِهم؛ فيزْدادونَ حُسْناً وجمَالاً، فيرْجِعونَ إلى أهْليهم وقدِ ازْدادوا حُسْناً وجمالاً، فتقول لهم أهْلوهُم: والله لقد ازْدَدْتُم بعدَنا حُسْناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازدَدْتُم بعدنا حُسْناً وجَمالاً". رواه مسلم. 3753 - (2) [صحيح] وعن أنس بن مالكٍ [أيضاً] رضي الله عنه قال: "يقولُ أهْلُ الجنَّة: انْطلِقوا إلى السوقِ. فينطلقون إلى كُثْبانِ المسْكِ، فإذا رجَعوا إلى أزْواجِهِم قالوا: إنَّا لنجدُ لَكُنَّ ريحاً ما كانَتْ لَكُنَّ. قال: فَيَقُلْنَ: وأنتُم لقد رجَعْتُم بريحٍ ما كانَتْ لكم إذْ خرجْتُم مِنْ عِنْدِنا". رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً بإسناد جيد. 3754 - (3) [صحيح] وعنه قال: "إنَّ في الجنَّةِ لَسُوقاً كُثْبانَ مِسْكٍ يخْرجُون إليها، ويجْتَمِعون إليها، فيَبْعَثُ الله ريحاً فيُدْخِلُها بُيوتَهم؛ فيقولُ لهم أهْلوهُم إذا رَجعوا إليْهِم: قد ازدَدْتُمْ حسْناً بعدَنا. فيقولون لأَهْليهم: قدِ ازدَدْتُم أيْضاً حسْناً بَعْدَنا". رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً أيضاً، والبيهقي. الحديث: 3752 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 14 - فصل في تزاورهم (1) ومراكبهم. 3755 - (1) [حسن لغيره] وعن عبد الرحمن بنِ ساعدةَ رضي الله عنه قال: كنتُ أحبُّ الخيلَ، فقلتُ: يا رسول الله! هل في الجنةِ خيلٌ؟ فقال: "إنْ أدخلَكَ اللهُ الجنةَ يا عبد الرحمن؛ كانَ لك فيها فرسٌ من ياقوتٍ، له جناحان يطير بك حيث شئتَ". رواه الطبراني، ورواته ثقات. (2) 3756 - (2) [حسن لغيره] وعن سليمانَ بنِ بريدةَ عن أبيه: أن رجلاً سأل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! هل في الجنةِ من خيلٍ؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنِ اللهُ أدخلكَ الجنةَ؛ فلا تشاءُ أن تُحملَ فيها على فرسٍ من ياقوتةٍ حمراءَ يطير بك في الجنةِ حيث شئتَ؛ إلا كان". قال: وسأله رجل فقال: يا رسول الله! هل في الجنةِ من إبلٍ؟   (1) انظر حديثه في "الضعيف". (2) قلت: وكذا قال الهيثمي. وفي إسناده اختلاف، والمحفوظ أنه عن (عبد الرحمن بن سابط) مرسلاً، وأن من قال: (عبد الرحمن بن ساعدة) أخطأ. لكن يشهد له حديث بريدة الذي بعده، وقد خرجتهما في "الصحيحة" (3001). وأما ما نقله الجهلة عن الهيثمي؛ أنه قال: "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح؛ غير إسماعيل بن بهرام، وهو ثقة"؛ فهو من سوء نقلهم، فإن هذا إنما قاله الهيثمي في حديث طارق بن شهاب المذكور عند الهيثمي عقب هذا في باب آخر! وإن مما يحسن التنبيه عليه أن في الأصل أربعة أحاديث في (تزاورهم)، لكنها من حق الكتاب الآخر. فتنبه. ولهم من مثل هذا النقل والخلط الشيء الكثير. الحديث: 3755 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 قال: فلم يقل له ما قال لصاحبه، قال: "إن يُدخِلَكَ اللهُ الجنةَ؛ يكن لك فيها ما اشتهت نفسُك، ولذَّت عينُك". رواه الترمذي من طريق المسعودي عن علقمة بن مرثد عنه، ومن طريق سفيان عن علقمة عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "نحوه بمعناه؛ وهذا أصح من حديث المسعودي"؛ يعني المرسل. 3757 - (3) [صحيح لغيره] ورُوي عن أبي أيوبَ رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعرابيٌّ فقال: يا رسول الله! إني أحِبُّ الخيلَ، أفي الجنَّةِ خيلٌ؟ قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنْ دخلتَ الجنَّة أُتيتَ بفرَسٍ مِنْ ياقوتَةٍ، له جَناحانِ، فحُمِلْتَ عليه ثم طارَ بك حيثُ شِئْتَ". رواه الترمذي. 15 - فصل في زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى. [ليس تحته حديث على شرط كتابنا] الحديث: 3757 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 16 - فصل في نظر أهل الجنة إلى ربهم تبارك وتعالى. 3758 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ ناساً قالوا: يا رسولَ الله! هلْ نرى ربَّنا يومَ القيامة؟ فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هَلْ تُضارّون في رُؤْيَةِ القمرِ ليلةَ البدِر؟ ". قالوا: لا يا رسول الله! قال: "هَل تُضارّونَ في الشمْسِ ليسَ دونَها سَحابٌ؟ ". قالوا: لا. قال: "فإنكم تَروْنَه كذلك"، فذكر الحديث بطوله. [مضى 26 - البعث/ 3/ 19]. رواه البخاري ومسلم. 3759 - (2) [صحيح] وعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا دخَل أهْلُ الجنَّةِ الجنَّةَ، يقولُ الله عزَّ وجلَّ: تُريدون شيْئاً أزيدُكم؟ فيقولون: ألَمْ تبيِّضْ وجوهَنا؟ ألَمْ تُدخلْنا الجنَّةَ وتُنَجِّنا مِنَ النارِ؟ قال: فيُكْشَفُ الحِجابُ، فما أُعْطوا شيْئاً أحبَّ إليْهِم من النظَرِ إلى ربِّهم. ثُمَّ تلا هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ". رواه مسلم والترمذي والنسائي. 3760 - (3) [صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ في الجنَّة خَيْمةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مجوَّفَةِ، عَرْضُها ستّونَ ميلاً، في كلِّ زاويةٍ منْها أهلٌ ما يرونَ الآخَرين، يَطوفُ عليهم المؤْمِنُ، وجنَّتانِ مِنْ فِضَّةٍ آنيتُهما وما فيهِما، وجنَّتانِ مِنْ ذَهبٍ آنِيَتُها وما فيهِما، وما بينَ القوْمِ وبين أنْ يَنظُروا إلى الحديث: 3758 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 ربَّهم إلا رِداءُ الكِبْرياءِ على وجْهِه في جَنَّاتِ عَدْنٍ". رواه البخاري واللفظ له، ومسلم والترمذي. 3761 - (4) [حسن لغيره] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتاني جبريلُ عليه السلامُ وفي يده مِرآةٌ بيْضاءُ، فيها نُكْتَةٌ سوْداءُ؛ فقلتُ: ما هذه يا جبريلُ؟ قال: هذه الجُمعَةُ يَعْرِضُها عليك ربُّك لتكونَ لك عيداً ولِقَومِكَ مِنْ بْعدِك، تكونُ أنَت الأوَّل، وتكونُ اليهودُ والنَّصارى مِنْ بعْدِك. قال: ما لنا فيها؟ قال: فيها خيرٌ لكم، فيها ساعةٌ مَنْ دعا ربَّه فيها بخيرٍ هو له قِسْمٌ إلا أَعْطاهُ إيَّاه، أو ليسَ له بِقِسْمٍ إلا ادُّخِرَ له ما هو أَعْظَمُ منه، أو تعَوَّذَ فيها مِنْ شرٍّ هو عليه مكتوبٌ؛ إلا أعاذَهُ، أو ليس عليه مكتوبٌ؛ إلاّ أعاذَهُ مِنْ أَعْظم منه. قلتُ: ما هذه النكتَةُ السوْداءُ فيها؟ قال: هذه الساعَةُ تقومُ يومَ الجُمعَةِ، وهو سيِّد الأيَّامِ عندَنا، ونحن ندْعوه في الآخِرَة: (يومَ المزيدِ). قال: قلتُ: لمَ تدعونَه يومَ المزِيدِ؟ قال: إنَّ ربَّك عزَّ وجلَّ اتَّخذ في الجنَّة وادياً أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أْبيضَ، فإذا كان يومُ الجمُعَةِ نزل تبارَك وتعالى مِنْ علِّيِّينَ على كرسيِّه، ثم حَفَّ الكرْسيَّ بِمنابِرَ مِنْ نُورٍ، وجاءَ النَبِيُّون حتى يَجْلِسوا (1) عليها، ثم حفَّ المنابِر بكراسيِّ مِنْ ذَهبٍ، ثم جاءَ الصِّدِّيقون والشُّهداءُ، حتى يجْلسوا (2) عليها، ثم يجيءُ أهْلُ الجَنَّة حتى يجلسوا (3) على الكَثيبِ، فيتَجَلَّى لهم ربُهم تبارَك وتعالى حتى يُنْظَرَ إلى وجْهِهِ، وهو   (1) كذا الأصل، وكذلك في "كشف الأستار" (4/ 194 - 196)، وهو جار على أن (حتى) ناصبة هنا، لكن في ققل الناجي (231/ 1) بلفظ (حتى يجلسون) بالنون في الثلاثة مواضع وقال: "كذا وجدت هذه الألفاظ هنا بالنون بتقدير أن لفظة (حتى) ليست الناصبة، ورأيتها كلها بالألف بخط شيخنا ابن حجر في "مجمع الزوائد" للهيثمي. والله أعلم". (2) كذا الأصل، وكذلك في "كشف الأستار" (4/ 194 - 196)، وهو جار على أن (حتى) ناصبة هنا، لكن في ققل الناجي (231/ 1) بلفظ (حتى يجلسون) بالنون في الثلاثة مواضع وقال: "كذا وجدت هذه الألفاظ هنا بالنون بتقدير أن لفظة (حتى) ليست الناصبة، ورأيتها كلها بالألف بخط شيخنا ابن حجر في "مجمع الزوائد" للهيثمي. والله أعلم". (3) كذا الأصل، وكذلك في "كشف الأستار" (4/ 194 - 196)، وهو جار على أن (حتى) ناصبة هنا، لكن في ققل الناجي (231/ 1) بلفظ (حتى يجلسون) بالنون في الثلاثة مواضع وقال: "كذا وجدت هذه الألفاظ هنا بالنون بتقدير أن لفظة (حتى) ليست الناصبة، ورأيتها كلها بالألف بخط شيخنا ابن حجر في "مجمع الزوائد" للهيثمي. والله أعلم". الحديث: 3761 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 يقولُ: أنا الَّذي صدَقْتُكم وَعْدي، وأتممْتُ عليكم نِعْمَتي، هذا محل كرامَتي، فسَلوني؛ فيسأَلُونَه الرِّضا، فيقولُ عزَّ وجلَّ: رِضائي أَحَلَّكم دارِي، وأنالَكُم كرامتي، فسلوني؛ فيسأَلُونه حتى تنْتَهي رغبَتُهم. فيفتَحُ لهم عند ذلك ما لا عينٌ رأَتْ ولا أذُنٌ سمِعَتْ، ولا خَطَر على قلْبِ بَشرٍ إلى مقدارِ مُنصَرفِ الناسِ يَومَ الجُمعَةِ، ثم يصْعَدُ الرب تبارك وتعالى على كرسيِّه، فيصعَدُ معه الشُّهداءُ والصِّدِّيقون -أحسبه قال:- ويرجع أهل الغرف إلى غرفِهم دُرَّةٍ بيضاءَ، لا فصْمَ فيها ولا وَصْمَ، أو ياقوتةٍ حمراءَ، أو زبرجدةٍ خضراءَ، منها غُرَفُها وأبْوابُها، مطَّردةٌ فيها أنْهارُها، متَدلّية فيها ثمارُها، فيها أزْواجُها وخَدمُها، فليسوا إلى شيْءٍ أحْوجَ منهم إلى يومِ الجُمعةِ ليزْدادوا فيه كرامةٌ، وليزْدادوا فيه نظراً إلى وجْهِه تباركَ وتعالى، ولذلك دُعيَ (يومَ المزِيد) ". رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني في "الأوسط" بإسنادين أحدهما جيد قوي، وأبو يعلى مختصراً ورواته رواة "الصحيح"، والبزار، واللفظ له. (الفَصْم) بالفاء: هو كسر الشيء من غير أن تفصله. و (الوَصْم) بالواو: الصدع والعيب. 3762 - (5) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ يقولُ لأَهْلِ الجنَّة: يا أهلَ الجنَّة! فيقولونَ: لبَّيْكَ ربَّنا وسعْدَيْكَ، والخيرُ في يديْك! فيقولُ: هل رَضيتُم؟ فيقولون: وما لَنا لا نَرْضى يا ربَّنا! وقد أعْطَيْتَنا ما لَمْ تُعطِ أحَداً مِنْ خَلْقِكَ؟ فيقولُ: ألا أُعْطيكم أفْضلَ مِنْ ذلك؟ فيقولون: وأيُّ شيْءٍ أفْضَلُ مِنْ ذلك؟! فيقولُ: أُحِلُّ عليكم رِضْواني فلا أسْخَطُ عليكم بعده أبداً". رواه البخاري ومسلم والترمذي. الحديث: 3762 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 17 - فصل في أن أعلى ما يخطر على البال أو يجوزه العقل من حسن الصفات المتقدمة فالجنة وأهلها فوق ذلك. 3763 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال الله عزَّ وجلَّ: أعددْتُ لِعباديَ الصالحينَ ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أُذُنٌ سمعَتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشَرٍ. واقْرؤوا إنْ شئْتُم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} ". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. 3764 - (2) [صحيح] وعن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه قال: شهِدتُ من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مجَلِساً وصفَ فيه الجنَّة حتى انْتَهى، ثم قال في آخِر حديثه: "فيها ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أذُنٌ سمعَتْ، ولا خطرَ على قلْبِ بشَرٍ"، ثم قرأَ هاتَيْن الآيتين: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ". رواه مسلم. 3765 - (3) [صحيح] وعن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لو أنَّ ما يُقِلُّ ظُفُرٌ ممَّا في الجنَّة بدا؛ لَتزخْرَفَ له ما بينَ خَوافِقِ السماواتِ والأرْضِ، ولوْ أنَّ رجلاً مِنْ أهْلِ الجنَّةِ اطَّلَع فبدا سِوارُه؛ لطَمسَ ضَوْءَ الشمسِ كما تطْمِسُ الشمسُ ضوءَ النُّجومِ". الحديث: 3763 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 رواه ابن أبي الدنيا والترمذي وقال: "حديث حسن غريب". (1) 3766 - (4) [صحيح لغيره] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "في الجنَّةِ ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أذنٌ سمعَتْ، ولا خطرَ على قلبِ بَشرٍ". رواه الطبراني والبزار بإسناد صحيح. 3767 - (5) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قِيْدُ سَوطِ أحدِكم في الجنَّة خيرٌ من الدنيا وما فيها ومثلِها مَعَها، ولَقابُ قوسِ أحَدِكم مِنَ الجنَّة خيرٌ مِنَ الدنيا ومثلِها مَعها، ولَنَصِيفُ امرأةٍ من الجنَّةِ خيرٌ من الدنيا ومثلِها معها". قلتُ: يا أبا هريرة! ما النَّصيفُ؟ قال: الخِمارُ. [حسن صحيح] رواه أحمد بإسناد جيد، والبخاري، ولفظه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لَقابُ قوسٍ في الجنَّةِ خيرٌ مِمَّا تطْلُع عليه الشمسُ". وقال: "لغَدْوةٌ أوْ رَوْحَة في سبيل الله خيرٌ مِمّا تطلُع عليه الشمسُ أو تغربُ". [حسن صحيح] ورواه الترمذي وصححه، ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ (2) موضع سوطٍ في الجنَّةِ خيرٌ منَ الدنيا وما فيها، واقْرؤوا إنْ شئْتم: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} ".   (1) قلت وهو كما قال، بل أعلى، فإن له طرقاً أخرى كما في "الصحيحة" (3396)، ورغم تحسين الترمذي فقد جزم المعلقون الثلاثة بضعفه! مع أنهم عزوه لـ "تاريخ البخاري"، وهو عنده بإسناد جيد، ومن غير طريق الترمذي! أصلحهم الله تعالى، فقد أفسدوا كثيراً. (2) الأصل: (وموضع)، والتصويب من "الترمذي" (3017). الحديث: 3766 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 [صحيح] ورواه الطبراني في "الأوسط" مختصراً بإسناد رواته رواة "الصحيح"، ولفظه: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لموضعُ سوطٍ في الجنَّةِ خيرٌ مِمَّا بينَ السماءِ والأرضِ". وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال: "غَدوَةٌ في سبيلِ الله أوْ رَوْحَةٌ خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها، ولَقابُ قَوْسِ أحَدِكم أوْ موضِعُ قدم مِنَ الجنَّةِ خيرٌ مِنَ الدنْيا وما فيها، ولوْ أَنَّ امْرأَةً اطَّلَعتْ إلى الأرْضِ مِنْ نِساءِ أَهْلِ الجنَّة لأَضاءَتْ ما بيْنَهُما، ولملأَتْ ما بيْنَهُما ريحاً، ولَنَصيفُها على رأْسِها خيرٌ مِنَ الدنْيا وما فيها". 3768 - (6) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لَغَدْوَةٌ (1) في سبيلِ الله أوْ رَوْحَةٌ خيرٌ مِنَ الدُنيا وما فيها، ولَقابُ قَوْسِ أحَدِكُم أو موضعُ قدمِه في الجنَّةِ خيرٌ مِنَ الدُنيا وما فيها، ولَوْ أنَّ امْرأَةً مِنْ نِساءِ أهْلِ الجَنَّةِ اطَّلعَتْ إلى الأرضِ لأضاءَت ما بينهما، (2) ولمَلأتْ ما بَيْنَهُما ريحاً، ولَنَصيفُها -يعني خمارَها- خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها". رواه البخاري ومسلم، والترمذي وصححه، واللفظ له. (3) (القاب) هنا؛ قيل: هو القِدّ، وقيل: من مقبض القوس إلى سيته، ولكل قوس قابان، و (القد) بكسر القاف وتشديد الدال: هو السوط.   (1) الأصل: "غدوة" و"لأضاءت الدنيا وما فيها، والتصحيح من "الترمذي " (1651)، وقد نبه عليه الحافظ الناجي (ق 231/ 2) رحمه الله، وغفل عنه الجهلة الثلاثة. وعلى الصواب وقع عند البخاري (2796 و6568)، وكذا أحمد في "المسند" (3/ 141 و157 و264)، وليس عند مسلم (6/ 36) منه إلا جملة الغدوة. (2) الأصل: "غدوة" و"لأضاءت الدنيا وما فيها، والتصحيح من "الترمذي " (1651)، وقد نبه عليه الحافظ الناجي (ق 231/ 2) رحمه الله، وغفل عنه الجهلة الثلاثة. وعلى الصواب وقع عند البخاري (2796 و6568)، وكذا أحمد في "المسند" (3/ 141 و157 و264)، وليس عند مسلم (6/ 36) منه إلا جملة الغدوة. (3) قلت: هذا اللفظ أورده الهيثمي في "الموارد" (2629 و2630)؛ ولا وجه لذلك، فإنه ليس على شرطه، كما نبه عليه الحافظ ابن حجر في هامشه. الحديث: 3768 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 ومعنى الحديث: ولقدر قوس أحدكم، أو قدر الموضع الذي يوضع فيه سوطه؛ خير من الدنيا وما فيها. [صحيح لغيره] وقد رواه البزار مختصراً بإسناد حسن قال: "موضعُ سوْطٍ في الجنَّةِ خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها". 3769 - (7) [صحيح] وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: "ليسَ في الجنَّةِ شيءٌ مما في الدنيا إلا الأسْماءُ". رواه البيهقي (1) موقوفاً بإسناد جيد.   (1) قلت: أخرجه في "البعث" (1/ 368) من طريق وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس. وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري كما حققته في "الصحيحة" (2188)، وأما الجهلة الثلاثة فقالوا بغير علم: "حسن موقوف"! ثم إنه قد رواه من هو أولى بالعزو من البيهقي، وهو هناد بن السري قال في "الزهد" (1/ 349): حدثنا وكيع به، وأخرجه الضياء في "المختارة". انظر "الصحيحة". الحديث: 3769 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 18 - فصل في خُلودِ أهل الجنة فيها، وأهل النار فيها، وما جاء في ذبح الموت. 3770 - (1) [صحيح لغيره] عن معاذ بْنِ جَبلٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثَهُ إلى اليمَنِ، فلمّا قَدِمَ عليهم قال: "يا أيُّها الناسُ! إنِّي رسولُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليكم يخبركم أنَّ المردَّ إلى الله؛ إلى جنَّةٍ أو نارٍ، خلودٍ بلا مَوتٍ، وإقامَةٍ بلا ظَعْنٍ". رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد جيد؛ إلا أن فيه انقطاعاً. وتقدم [4 - فصل] حديث أبي هريرة في "بناء الجنة"، وفيه: "مَنْ يدخلْها يَنْعَمْ ولا يَبْأسُ، ويخلُدْ لا يموتُ، لا تَبْلى ثِيابُه، ولا يَفْنى شَبابُه". وحديث ابن عمر أيضاً بمثله. 3771 - (2) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ وأبي هريرة رضي الله عنهما عنِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا دخَل أهْلُ الجنَّةِ الجنَّةَ يُنادي منادٍ: إنَّ لكم أنْ تَصحّوا فلا تَسْقَموا أبداً، وإنَّ لكم أنْ تَحيَوْا فلا تَموتوا أبداً، وإنّ لكم أنْ تَشِبُّوا فلا تَهرَموا أبداً، وإنَّ لكم أنْ تَنْعَموا فلا تَبْأَسوا أبداً، فذلك قولُ الله عزَّ وجلَّ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ". رواه مسلم (1) والترمذي.   (1) والسياق له في "صفة الجنة" (8/ 148)، والآية في (سورة الأعراف/ 43)، ونص الآية عند الترمذي (3241): {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا. . .}، وهي في (سورة الزخرف/ 72). فتنبه. الحديث: 3770 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 3772 - (3) [صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُؤْتى بالموتِ يومَ القِيامَة كهَيْئَةِ كَبْشٍ أمْلَحَ، فيُنادي منادٍ: يا أهْلَ الجَنَّة! فيَشْرَئبُّونَ وينظُرون، فيقولُ: هل تَعْرِفونَ هَذا؟ فيقولون: نَعم؛ هذا المَوْتُ، وكلُّهم قد رأوه، ثم ينادي منادٍ: يا أهْلَ النارِ! فيَشْرَئبُّونَ وينْظُرون، فيقولُ: هَلْ تعرفون هذا؟ فيقولون: نَعم؛ هذا الموتُ، وكلُّهم قد رأَوْه، فَيُذْبَحُ بيْنَ الجَنَّةِ والنارٍ، ثم يقولُ: يا أهْلَ الجنَّةِ! خلودٌ فلا مَوْتَ، ويا أَهْل النار! خلودٌ فلا مَوْت، ثم قرأ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}، وأشارَ بيدِه إلى الدنيا". رواه البخاري ومسلم والنسائي. (يشرئبّون) بشين معجمة ساكنة ثم راء ثم همزة مكسورة ثم موحدة مشددة؛ أي: فيمدّون أعناقهم لينظروا. 3773 - (4) [حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُؤْتى بالموتِ يومَ القيامَةِ فيوقَفُ على الصِّراطِ، فيُقالُ: يا أهْلَ الجنَّةِ! فيطَّلِعونَ خائِفين وجلين أنْ يُخْرَجوا مِنْ مَكانِهم الذي هُمْ فيه، ثم يُقالُ: يا أهْلَ النارِ! فيطَّلِعونَ مسْتَبْشِرين فرِحين أنْ يُخْرَجوا مِنْ مَكانِهمُ الَّذي هُمْ فيه، فيُقالُ: هل تَعْرِفونَ هذا؟ قالوا: نعم؛ هذا الموتُ، قال: فيُؤمَرُ به فَيُذْبَحُ على الصِّراطِ، ثم يُقالُ لِلْفَريقيْن كِلاهُما (1): خُلودٌ فيما تَجِدُونَ، لا موتَ فيها أبداً". رواه ابن ماجه بإسناد جيد.   (1) كذا الأصل، وهو الموافق لـ "سنن ابن ماجه" (4327)، وكذا في "المسند" (2/ 261). الحديث: 3772 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 3774 - (5) [صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُؤْتَى بالموْتِ يومَ القِيامَةِ كأنَّه كَبْشٌ أَملَحُ، فَيُوقَفُ بينَ الجنَّةِ والنار، ثم ينادي منادٍ: يا أهْلَ الجنَّة! فيقولونَ: لَبَّيْكَ ربَّنا؛ قال: فيقالُ: هَلْ تعرفون هذا؟ فيقولونَ: نعم ربَّنا؛ هذا الموتُ، ثمَّ ينادي منادٍ: يا أهْلَ النار! فيقولون: لَبَّيْكَ رَبَّنا، قال: فيُقالُ: هَلْ تَعْرِفون هذا؟ فيقولون: نعم رَبَّنا؛ هذا الموتُ، فيُذْبَحُ كما يُذْبَحُ الشاةُ، فَيَأْمَن هؤلاءِ، وينقَطعُ رجالُ هؤلاءِ". رواه أبو يعلى واللفظ له، والطبراني والبزار، وأسانيدهم صحاح (1). 3775 - (6) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا صارَ أهْل الجنَّةِ إلى الجنَّةِ، وأهلُ النارِ إلى النار جِيءَ بالمْوتِ حتى يُجْعَلَ بين الجنَّةِ والنارِ، ثم يُذْبَحُ، ثمَّ ينادي منادٍ: يا أهْلَ الجنَّة! لا موت، يا أهْل النارِ! لا مَوتَ، فيزْدادُ أهْلُ الجنَّةِ فرَحاً إلى فرَحِهم، و [ويزداد] أهْلُ النارِ حُزْناً إلى حُزْنِهمْ". وفي رواية: أنَّ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يُدخِلُ الله أهْلَ الجنَّةِ الجنَّةَ، و [يدخل] أهلَ النارِ النارَ، ثم يقومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُم، فيقول: يا أهْلَ الجنَّة! لا موتَ، ويا أهْلَ النارِ! لا مَوْتَ، كلٌّ خالِدٌ فيما هو فيه". رواه البخاري ومسلم. (2)   (1) قلت: وهو كما قال، ونحوه كلام الهيثمي الذي نقله الجهلة، ومع ذلك تجاهلوه وتوسطوا كعادتهم فقالوا: "حسن"! هداهم الله وعرَّفهم بأنفسهم، وقديماً قالوا: من عرف نفسه فقد عرف ربه. (2) قلت: الرواية الأولى لهما، والزيادة منهما، (خ 6548، م 2850)، والأخرى لمسلم، والزيادة منه، والبخاري نحوه (6544) دون قوله: "كل خالد فيما هو فيه"، وغفل عن هذا كله المعلقون الثلاثة على عادتهم! الحديث: 3774 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 (ولنختم) الكتاب بما ختم به البخاري رحمه الله كتابَه، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كَلِمَتَانِ حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمنِ، خَفِيفَتانِ عَلى اللِّسَانِ، ثَقيلَتانِ في المِيزَانِ: سُبْحانَ الله وبِحَمْدِه، سُبْحانَ الله العَظيمِ". [مضى ج 2/ 14 - الذكر/ 7]. (قال الحافظ) زكي الدين عبد العظيم مملي هذا الكتاب رضي الله عنه: "وقد تمَّ ما أرادنا الله به من هذا الإملاء المبارك، ونستغفر الله سبحانه مما زل به اللسان، أو داخله ذهول، أو غلب عليه نسيان؛ فإن كل مصنّف -مع التؤدة والتأني وإمعان النظر، وطول التفكر- قلَّ أن ينفكّ عن شيء من ذلك، فكيف بالمملي مع ضيق وقته، وترادف همومه، واشتغال باله، وغربة وطنه، وغيبة كتبه؟! وقد اتفق إملاء عدة من الأبواب في أماكن كان الأليق بها أن تذكر في غيرها، وسبب ذلك عدم استحضارها في تلك الأماكن، وتذكُّرِها في غيرها، فأمليناه حسب ما اتفق، وقدمنا فهرست الأبواب أول الكتاب لأجل ذلك. وكذلك تقدم في هذا الإملاء أحاديث كثيرة جداً صحاح، وعلى شرط الشيخين أو أحدهما، وحسانٌ؛ لم ننبه على كثير من ذلك، بل قُلت غالباً: "إسناده جيد"، أو "رواته ثقات"، أو "رواة (الصحيح) "، أو نحو ذلك، وإنما منع من النص على ذلك تجويز وجود علّة لا تحضرني مع الإملاء. (1)   (1) قلت: هذا نص من المؤلف رحمه الله أن قوله هو، وكذلك غيره: "رواته ثقات. . ." لا يعني تقوية الحديث، وقد شرحت ذلك في مقدمة هذا الكتاب، فارجع إليه فإنه هام. لكن قرنه مع هذا القول ما قبله: "وإسناده جيد" ليس بجيد، لأنه نص في تقوية الحديث، كقوله: "إسناده حسن" كما هو معروف في علم (مصطلح الحديث)، فتنبه! الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 وكذلك تقدم أحاديث كثيرة غريبة وشاذة متناً وإسناداً، لم أتعرَّض لذكر غرابتها وشذوذها (1)، والله أسأل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به؛ إنه ذو الطول الواسع، والفضل العظيم". ... انتهى بفضل الله ومنّه كتاب "صحيح الترغيب والترهيب" والتعليق عليه، سائلاً المولى سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا أن يُحْسن ختامي، وختامَ ذريتي، وأقاربي، وأحبابي حيثما كانوا، وأن يدخلنا جميعاً الجنةَ بسلامٍ {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}. وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.   (1) قلت: وقد استدركت ذلك ما استطعت في هذا الكتاب كما تقدم، وذلك في الكتاب الآخر "ضعيف الترغيب" بصورة أبين وأوسع كما سيرى القراء إن شاء الله تعالى إذا يسر الله طبعه ونشره، وعسى أن يكون ذلك قريباً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535