الكتاب: بحوث حديثية المؤلف: الدكتور ماهر ياسين الفحل أعده للشاملة: أبو أكرم الحلبي   [الكتاب مرقم آليا] ---------- من بحوث ماهر الفحل ماهر الفحل الكتاب: بحوث حديثية المؤلف: الدكتور ماهر ياسين الفحل أعده للشاملة: أبو أكرم الحلبي   [الكتاب مرقم آليا] مثل ابن الصلاح للاضطراب قائلاً: ((ومن أمثِلتِه: ما رويناه عن إسماعيل بن أمية (1) ، عن أبي عَمْرو بن مُحَمَّد ابن حريث (2) عن جده حريث (3) ، عن أبي هُرَيْرَة، عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المُصَلِّي: ((إذا لَمْ يجد عصاً ينصبها بَيْنَ يديه فليخط خطاً)) فرواه بشر (4) بن المفضل (5) ، وروح (6) ابن القاسم (7) ، عن إسماعيل هكذا، ورواه سُفْيَان الثَّوْرِيّ (8) عَنْهُ، عن أبي عَمْرو ابن حريث، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَة. ورواه حميد (9)   (1) هُوَ إسماعيل بن أمية بن عَمْرو بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي: ثِقَة ثبت (التقريب:425) (2) أبو عَمْرو بن مُحَمَّد بن حريث، أو ابن محمد بن عَمْرو بن حريث وَقِيْلَ: أبو مُحَمَّد بن عَمْرو بن حريث: مجهول. تهذيب الكمال 8/383 (8129) ، والتقريب (8272) . (3) حريث العذري، اختلف في اسم أبيه، فقيل سليم أو سليمان أو عمارة، مختلف في صحبته. تهذيب الكمال 2/88 (1158) ، وميزان الاعتدال 1/475، والتقريب (1183) . (4) بشر بن المفضل بن لاحق الرقاشي، أبو إسماعيل الرقاشي البصري: ثقة، مات سنة (186 هـ‍) أو (187 هـ‍) . الطبقات، لابن سعد 7/290، وسير أعلام النبلاء 9/36 و 37، والتقريب (703) . (5) عِنْدَ أبي دَاوُد (689) ، وابن خزيمة (812) . قُلْتُ: وَهُوَ كَذلِكَ في رِوَايَة وهيب بن خالد عِنْدَ عَبْد بن حميد (1436) . (6) روح بن القاسم التميمي العنبري أبو غياث البصري: ثقة، مات سنة (141 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (150 هـ‍) . تهذيب الكمال 2/497 (1923) ، وسير أعلام النبلاء 6/404، والتقريب (1970) . (7) طريق روح ذكره المزي في تهذيب الكمال 2/89. (8) عِنْدَ أحمد 2/249 و 254 و 266، وابن خزيمة (812) مقروناً بمعمر. (9) حميد بن الأسود بن الأشقر البصري، أبو الأسود الكرابيسي: صدوق يهم قليلاً وذكره ابن حبان في الثقات. الثقات، لابن حبان 6/190، وتهذيب الكمال 2/299 (1507) ، والتقريب (1542) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 بن الأسود (1) ، عن إسماعيل، عن أبي عَمْرو بن مُحَمَّد بن حريث بن سليم، عن أبيه (2) ، عن أبي هُرَيْرَة. ورواه وهيب (3) و (4) عبد الوارث (5) ، عن إسماعيل، عن أبي عَمْرو بن حريث، عن جده حُريث (6) . وَقَالَ عَبْد الرزاق (7) ، عن ابن جريج: سَمِعَ إسماعيل، عن حريث بن عَمَّار، عن أبي هُرَيْرَة. وفيه من الاضطراب أكثر مِمَّا ذكرناه (8) ، والله أعلم)) (9) .   (1) عِنْدَ ابن ماجه (943) ، والبَيْهَقِيّ 2/270. (2) وَفِي رِوَايَة ابن ماجه: ((عن جده)) . (3) وهيب بن خالد بن عجلان، أبو بكر البصري الكرابيسي: ثقة ثبت، مات سنة (165 هـ‍) ، وَقِيْلَ بعدها. الجرح والتعديل 9/34، وسير أعلام النبلاء 8/223، والتقريب (7487) . وحديثه عِنْدَ عَبْد بن حميد (1436) . (4) الإِمَام الحَافِظ عَبْد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري، أَبُو عبيدة البصري، ولد سنة (102 هـ‍) ، ومات سنة (180 هـ‍) . تهذيب الكمال 5/13 و14 (4183) ، وسير أعلام النبلاء 8/300 و301، والتقريب (4251) . (5) ذكرها البَيْهَقِيّ في السُّنَن الكبرى 2/271. (6) الحافظ ابن الصَّلاح مقلد في هَذَا الحافظ البَيْهَقِيّ في كبرى سننه 2/271، وإلا فرواية وهيب موافقة لرواية بشر بن المفضل كَمَا نوهنا قَبْلَ قليل. (7) المصنف (2286) . (8) كرواية سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ عِنْدَ أحمد 2/249 - وغيره، ورواية معمر بن راشد عِنْدَ أحمد 2/249 و254 و266 مقروناً بالثوري كَمَا سبق، وابن خزيمة (812) . وكرواية ذاوُد بن علبة الَّتِي ذكرها المزي في التهذيب2/89.وفيه أيضاً اختلاف عَلَى سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ في إسناده، واختلاف عَلَى عَلِيّ بن المديني أيضاً. (9) مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيْث:192-193طبعتنا، و66 ط نور الدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 … وَقَدْ أطال الحافظ العراقي النفس في ذكر أوجه الخلاف الواردة في هَذَا الحَدِيْث (1) ، وكأنه ينحو منحى ابن الصَّلاح في عدِّ هَذَا اضطراباً، وَقَدْ تعقّب الحافظُ ابنُ حجر العسقلانيُّ الحافظين الجليلين ابن الصَّلاح والعراقي، فَقَالَ: ((جَمِيْع من رَواهُ عن إسماعيل بن أمية، عن هَذَا الرجل إنما وقع الاختلاف بينهم في اسمه أو كنيته. وهل روايته عن أبيه أو عن جده أو عن أبي هُرَيْرَة بلا واسطة وإذا تحقق الأمر فِيهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حقيقة الاضطراب، لأن الاضطراب هُوَ: الاختلاف الَّذِي يؤثر قدحاً. واختلاف الرواة في اسم رَجُل لا يؤثر؛ ذَلِكَ لأَنَّهُ إن كَانَ ذَلِكَ الرجل ثِقَة فَلاَ ضير، وإن كَانَ غَيْر ثِقَة فضعف الحَدِيْث إنما هُوَ من قبل ضعفه لا من قبل اختلاف الثِّقات في اسمه فتأمل ذَلِكَ. ومع ذَلِكَ كله فالطرق الَّتِي ذكرها ابن الصَّلاح، ثُمَّ شَيْخُنَا قابلة لترجيح بعضها عَلَى بَعْض، والراجحة مِنْها يمكن التوفيق بينها فينتفي الاضطراب أصلاً ورأساً)) (2) . … أقول: كلام الحافظ ابن حجر صواب، إذ إن الأصح عدم التمثيل بهذا الحَدِيْث؛ لأن حريثاً مَجْهُوْل لا يعرف (3) ، وعلى فرض التسليم بصحبته -فيكون عدلاً- فإن الرَّاوِي عَنْهُ مَجْهُوْل لَمْ يرو عَنْهُ غَيْر إسماعيل بن أمية، لذا فإن كلام الحَافِظ ابن حجر صواب، فاختلافهم كَانَ في تسمية ذات وَاحِدَة فإن كَانَ ثِقَة لَمْ يضره الاختلاف في اسمه، وإن كَانَ غَيْر ثِقَة فَقَدْ ضعف لغير الاضطراب. والحال هنا كَذلِكَ (4) .   (1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/291-293طبعتنا، و 1/241-244 ط العلمية. (2) النكت عَلَى كِتَاب ابن الصَّلاح 2/772-773. (3) انظر: تقريب التهذيب (1183) (4) انظر: تعليق محقق شرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي: 200. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 … وعند تحقيقنا لكتاب " شرح التبصرة والتذكرة " للحافظ العراقي وقفنا عَلَى تعليقة جاءت في حاشية إحدى النسخ (1) نصها: ((هَذَا الحَدِيْث صححه الإمام أحمد، وابن حبان، وغيرهما من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وكأنهم رأوا هَذَا الاضطراب لَيْسَ قادحاً)) . … أقول: تصحيح الإمام أحمد نقله عَنْهُ ابن عَبْد البر (2) ، أما تصحيح ابن حبان فَهُوَ أَنَّهُ خرجه في صَحِيْحَه (3) ، وصححه كَذلِكَ ابن خزيمة (4) ، وعلي بن المديني (5) ، وَقَالَ ابن حجر: ((هُوَ حَسَن)) (6) .   (1) وَهِيَ الَّتِي رمزنا لَها بالرمز (ص) وَقَدْ صورناها عن الأصل المحفوظ في مكتبة أوقاف بغداد -حرسها الله- وَهِيَ تحمل الرقم (2951) وَهِيَ تقع في (166) ورقة. خطها نسخي واضح جداً، عَلَى حواشيها آثار المقابلة، وعليها نقولات من بَعْض الشروح وتوضيحات، وَهِيَ نسخه قليلة الخطأ والسقط، أهمل ناسخها كِتَابَة اسمه وتاريخ النسخ، عَلَى طرتها ختم المدرسة الأمينية. (2) في التمهيد 4/199، والاستذكار 2/271، وانظر: خلاصة البدر المنير 1/157. (3) الإحسان (2359) و (2374) وط الرسالة (2361) و (2376) ، وموارد الظمآن (407) و (408) . (4) صَحِيْح ابن خزيمة (811) و (812) . (5) فِيْمَا نقله ابن عَبْد البر في التمهيد4/199والاستذكار2/271وابن الملقن في خلاصته البدر المنير1/157. (6) بلوغ المرام: 58 (220) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 … عَلَى أن آخرين قَدْ ضعفوا هَذَا الحَدِيْث مِنْهُمْ ابن عُيَيْنَةَ (1) ، وَقَالَ السرخسي: ((هَذَا الحَدِيْث شاذ)) (2) . قَالَ ابن حجر: ((أشار إلى ضعفه سُفْيَان بن عيينة، والشَّافِعيّ والبَغَوِيّ، وغيرهم (3)) ) . وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: ((وإن كَانَ جاء بِهِ حَدِيث وأخذ بِهِ أحمد بن حَنْبَل فَهُوَ ضَعِيْف)) (4) . وضعفه كَذلِكَ النَّوَوِيّ (5) . أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء (حكم استتار المصلي بالخط إذا لَمْ يجد مَا ينصبه) وَقَدْ ترتب عَلَى حكم من حكم باضطراب الحَدِيْث، اختلاف فقهي في حكم سترة المصلي، فالسُّترة -بالضم- مأخوذة من السِّتْر، وَهِيَ في اللغة: مَا استترت بِهِ من شيء كائناً مَا كَانَ، وكذا الستار والستارة، والجمع السَّتائر والسّتَر (6) . وَفِي الاصطلاح الشرعي: هِيَ مَا يغرز أو ينصب أمام المصلي من عصا أو غَيْر ذَلِكَ، أو مَا يجعله المصلي أمامه لمنع المارين بَيْنَ يديه (7) .   (1) سُنَن أبي دَاوُد 1/184 عقب (690) . عَلَى أن الدارقطني حكم عَلَى الحَدِيْث من طريق أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَة. بعدم الثبوت، فلعله عنى هَذَا الطَّرِيق بخصوصه. أو أراد عموم مَا ورد في الخط. (2) المبسوط 1/192. (3) التلخيص الحبير 1/681 ط العلمية، طبعة شعبان 1/305. (4) إكمال المعلم 2/414. (5) انظر: شرح صَحِيْح مُسْلِم 2/135 ط الشعب، و 4/217 ط كراتشي. (6) مقاييس اللغة 3/132، لسان العرب 4/343، وتاج العروس 11/498-499، ومتن اللغة 3/103 مادة (ستر) . (7) قواعد الفقه للبركتي:319، وحاشية الطحطاوي عَلَى مراقي الفلاح:200، والشرح الصغير للدردير 1/334، والموسوعة الفقهية 24/177. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 والسترة في الصَّلاَة مشروعه لمنع المارين، قَالَ ابن عَبْد البر: ((السترة في الصَّلاَة سنة مسنونة معمول بِهَا)) (1) ، وَقَدْ وردت أحاديث صَحِيْحَة بِهَا (2) ، وَقَدِ اختلف أهل العِلْم فيمن لَيْسَ لديه شيء يجعله سترة لَهُ، هَلْ يشرع لَهُ أن يخط خطاً؟ فَقَدْ ذهب الأوزاعي (3) ، وسعيد بن جبير (4) ، والإمام أحمد (5) ، والشَّافِعيّ في القديم (6) ، وأبو ثور (7) إلى أن المصلي إذا لَمْ يجد مَا يستتر بِهِ يخط خطاً. والحجة لَهمُ الحَدِيْث السابق، قَالَ ابن عَبْد البر: ((هَذَا الحَدِيْث عِنْدَ أحمد بن حَنْبَل، ومن قَالَ بقوله حَدِيث صَحِيْح، وإليه ذهبوا، ورأيت أن عَلِيّ بن المديني كَانَ يصحح هَذَا الحَدِيْث ويحتج بِهِ)) (8) . وذهب آخرون إلى عدم مشروعية الخط في الصَّلاَة، مِنْهُمُ: الليث بن سعد (9) والإمام مَالِك، وَقَالَ: ((الخط باطل)) (10) . والإمام أبو حَنِيْفَة وأصحابه (11) ، والإمام الشَّافِعيّ بمصر، وَقَدْ قَالَ: ((لا يخط بين يديه خطاً إلا أن يَكُون في ذَلِكَ حَدِيث ثابت فيتبع)) (12) . الدكتور ماهر ياسين الفحل العراق /الأنبار/الرمادي/ص. ب 735 al-rahman@uruklink.net   (1) التمهيد 4/193. (2) ساقها ابن عَبْد البر في التمهيد 4/193-198 وتكلم عن أحكامها، ومقدار الدنو مِنْها، وحكم استقبالها، والصمد إليها، وعن صفتها وارتفاعها وغلظها. وساق ابن الأثير في جامع الأصول 5/519 (3739-3748) عَشْرَة أحاديث فِيْهَا. (3) التمهيد 4/198. (4) التمهيد 4/198. (5) التمهيد 4/199، والمغني 2/70، وشرح الزَّرْكَشِيّ 1/422. (6) المجموع 3/245-246، ونهاية المحتاج 2/52-53. (7) التمهيد 4/198. (8) التمهيد 4/199. (9) التمهيد 4/198، والمغني 2/70. (10) المدونة 1/113، وانظر: أسهل المدارك 1/228. (11) الحجة عَلَى أهل المدينة 1/88، والمبسوط 1/192، وشرح فتح القدير 1/289. (12) المجموع 3/246. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 حَدِيْث همام بن يحيى (1) ، عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس، قَالَ: ((كَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء وضع خاتمه)) . رَوَاهُ أبو داود (2) ، وابن ماجه (3) ، والترمذي (4) ، والنسائي (5) ، وابن حبان (6) ، والحاكم (7) ، والبيهقي (8) . قَالَ أبو داود عقب تخريجه لهذا الْحَدِيْث: ((هَذَا حَدِيْث منكر، وإنما يعرف عن ابن جريج، عن زياد بن سعد (9) ، عن الزهري، عن أنس، أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتماً من وَرِقٍ ثُمَّ ألقاه، والوهم فِيْهِ من همام، وَلَمْ يروه إلا همام)) (10) .   (1) هُوَ همام بن يحيى بن دينار العوذي، أبو عَبْد الله، توفي سنة (164 هـ‍) : ثقة ربما وهم. سير أعلام النبلاء 7/296، وتذكرة الحفاظ 1/201، والتقريب (7319) . (2) في سننه (19) . (3) في سننه (303) . (4) في جامعه (1746) ، وفي الشمائل (93) بتحقيقي. (5) أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، أبو عَبْد الرحمان النسائي الحافظ صاحب السنن، ولد سنة (215 هـ‍) ، وتوفي سنة (303 هـ‍) . انظر: تذكرة الحفاظ 2/698 - 701، وسير أعلام النبلاء 14/125-135، والتقريب (47) . والحديث أخرجه في المجتبى 8/178، وفي الكبرى (9542) . (6) في صحيحه (1410) وفي طبعة الرسالة (1413) . (7) في مستدركه 1/187. (8) في سننه 1/94 و 95. (9) هُوَ زياد بن سعد بن عَبْد الرحمان الخراساني ثُمَّ المكي: ثقة ثبت، قَالَ عَنْهُ ابن عيينة: كَانَ زياد بن سعد أثبت أصحاب الزهري. تهذيب الكمال 3/50 (2033) ، وسير أعلام النبلاء 6/323، والتقريب (2080) . (10) سنن أبي داود 1/5 عقب (19) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1 والحديث الَّذِيْ عناه أبو داود أخرجه: أحمد (1) ، ومسلم (2) ، وأبو عوانة (3) ، وابن حبان (4) ، وأبو الشيخ (5) من الطريق الَّتِيْ أشار إِلَيْهَا أبو داود، عن أنس بألفاظ مختلفة والمعنى واحد: ((أنه أبصر في يد رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - خاتماً من وَرِق يوماً واحداً، فصنع الناس خواتيمهم من وَرِق. قَالَ فطرح رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم)) . عَلَى أن نسبة الوهم فِيْهِ إلى همام فِيْهِ نظر، وهذا الْحَدِيْث مشتمل عَلَى ما يأتي: إن توهيم همام في متن الْحَدِيْث وإسناده إنما يتجه فِيْمَا لَوْ صحت دعوى تفرده ومخالفته متناً وإسناداً، ولكننا نجد أن هماماً متابع عَلَيْهِ متناً وإسناداً، فَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِم (6) - ومن طريقه البيهقي (7) - وأخرجه البغوي (8)   (1) في مسنده 3/206. (2) في صحيحه 6/152 (2093) (60) . (3) في مسنده 5/490. (4) في صحيحه (5501) ، وفي طبعة الرسالة (5492) ، وَقَالَ فِيْهِ: ((خاتماً من ذهب)) . (5) عَبْد الله بن مُحَمَّد بن جعفر بن حبان، أبو مُحَمَّد، الإمام المسند الحافظ، محدث أصبهان، ولد سنة (274 هـ‍) ، ومات سنة (369 هـ‍) سير أعلام النبلاء 16/276، وطبقات الحفاظ: 382 (864) ، وشذرات الذهب 3/69. والحديث أخرجه في أخلاق النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: 138. (6) في مستدركه 1/187. (7) في سننه 1/95. (8) هُوَ الحافظ المفسر، حسين بن مسعود بن مُحَمَّد بن الفراء البغوي الشَّافِعِيّ، أبو مُحَمَّد، ويلقب محيي السنة، من أشهر مصنفاته: " شرح السنة " و " معالم التنْزيل في التفسير "، توفي سنة (516 هـ‍) . انظر: سير أعلام النبلاء 19/439، والبداية والنهاية 12/171، وطبقات المفسرين: 38. والحديث أخرجه في شرح السنة (189) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 من طريق يحيى بن المتوكل البصري (1) ، عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس، بِهِ مرفوعاً. إلا أن البيهقي ضعّف هَذِهِ المتابعة (2) ، ظناً مِنْهُ أن يحيى هَذَا هُوَ: ابن المتوكل، يكنى أبا عقيل، مكثر في الرِّوَايَة عن بُهَيَّة (3) ، وَهُوَ مدني، ويقال: كوفي، ضعفه ابن المديني والنسائي، وَقَالَ ابن معين: ليس بشيء، ووهاه أحمد، وليّنه أبو زرعة (4) . وَلَمْ يصب البيهقي في ظنه هَذَا، فيحيى هَذَا هُوَ آخر باهلي بصري، يكنى أبا بكر، ذكره ابن حبان في ثقاته (5) ، قَالَ العراقي: ((ولا يقدح فِيْهِ قَوْل ابن معين: لا أعرفه، فَقَدْ عرفه غيره، وروى عَنْهُ نحو من عشرين نفساً)) (6) . وَقَالَ ابن حبان: ((وَكَانَ راوياً لابن جريج)) (7) ، وفرّق هُوَ وابن معين بينهما (8)   (1) هُوَ أبو بكر يحيى بن المتوكل الباهلي البصري: صدوق يخطئ، من التاسعة، مات بالمصيصة. التاريخ الكبير 8/306، وتهذيب الكمال 8/82 تمييز، والتقريب (7634) . (2) السنن الكبرى 1/95. (3) التقييد والإيضاح: 108. (4) هُوَ الحَافِظ عبيد الله بن عَبْد الكريم بن يزيد بن فرّوخ، ولد سنة (200 هـ‍) صاحب " العلل "، إماماً في النقد، وَقَالَ إسحاق بن راهويه: كُلّ حَدِيْث لا يحفظه أبو زرعة فليس لَهُ أصل، توفي سنة (260هـ‍) ، وَقِيْلَ: (264 هـ‍) . طبقات الحنابلة 1/191 و 194، وسير أعلام النبلاء 13/65 و 78، والعبر 2/34-35. ونص كلامه في " الكامل " 9/39، والميزان 4/404. (5) 7/632. (6) التقييد والإيضاح: 108، وانظر: سؤالات ابن الجنيد، ليحيى بن معين (926) . (7) الثقات 7/612. (8) سؤالات ابن الجنيد (926) و (927) . والذي يظهر أن ابن عدي قَدْ حصل لَهُ خلط بينهما، فنراه يجعل الترجمة هكذا: ((يحيى بن المتوكل الباهلي مولى آل عمر مديني يكنى أبا عقيل)) . ثُمَّ يسوق سنداً يقول فِيْهِ: ((حَدَّثَنَا الحسين بن عَبْد الله ابن يزيد، حَدَّثَنَا موسى بن مروان، حَدَّثَنَا يحيى بن المتوكل البصري)) . الكامل 9/39. وهكذا نجده جعل الباهلي مدنياً، وَهُوَ بصري، وساق سند البصري في ترجمة المديني، والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 فمن هَذَا يظهر أن حال يحيى يصلح للمتابعة والاعتضاد، لاسيما وَقَدْ نص العلماء عَلَى عدم اشتراط أعلى مراتب الثقة في المُتابِع (1) . أما قَوْل ابن معين: ((لا أعرفه)) ، فأراد بِهِ غَيْر المتبادر إلى الذهن وَهُوَ جهالة العين، فَقَدْ عنى جهالة الحال (2) ولذا قَالَ العراقي – كَمَا نقلناه آنفاً –: ((قَدْ عرفه غيره)) . وبهذا تظهر صحة متابعة يحيى بن المتوكل لهمام، وعدم صحة دعوى تفرد همام بالمتن والإسناد، فيتجه الحمل – والحالة هَذِهِ – إلى من فوقه وَهُوَ ابن جريج، وَهُوَ مدلس (3) . والذي يبدو أن الخطأ في هَذَا الْحَدِيْث من ابن جريج، ولاسيما أن ابن المتوكل وهماماً بصريان (4) ، وَقَدْ نص العلماء عَلَى أن رِوَايَة البصريين عن ابن جريج فِيْهَا خلل من جهة ابن جريج لا من جهة أهل البصرة (5) . وبيانه: أن ابن جريج دلّس للبصريين الواسطة بينه وبين الزهري، وَهُوَ زياد بن سعد، وصرّح بِهِ لغيرهم. كَمَا أنه – وعند تحديثه لأهل البصرة – لَمْ يَكُنْ متقناً لحفظ الْمَتْن فأخطأ فِيْهِ، لذا قَالَ النسائي عقب تخريجه: ((هَذَا حَدِيْث غَيْر محفوظ)) (6) . فانحصر الخطأ في تدليس ابن جريج، ولهذا نجد الحافظ ابن حجر يقول: ((ولا علة لَهُ عندي إلا تدليس ابن جريج، فإن وجد عَنْهُ التصريح بالسماع فلا مانع من الحكم بصحته في نقدي)) (7) .   (1) شرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي: 129. (2) النكت عَلَى كتاب ابن الصَّلاَحِ 2/678. (3) انظر: جامع التحصيل: 108 (33) ، وطبقات المدلسين: 41 (83) ، وإتحاف ذوي الرسوخ: 37 (85) . (4) انظر: ثقات ابن حبان 7/612، وتقريب التهذيب (7319) . (5) انظر: النكت عَلَى كتاب ابن الصَّلاَحِ 2/677. (6) السنن الكبرى 5/456 عقب (9542) . (7) النكت عَلَى كتاب ابن الصَّلاَحِ 2/678. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 ومما يزيدنا يقيناً بكون الخطأ في هَذَا الْحَدِيْث من ابن جريج: أن أكثر الحفاظ عَلَى تضعيف روايته عن الزهري مطلقاً، فَقَالَ أبو زرعة الرازي: ((أخبرني بعض أصحابنا، عن قريش بن أنس (1) ، عن ابن جريج، قَالَ: ما سَمِعْتُ من الزهري شيئاً، إنما أعطاني الزهري جزءاً فكتبته وأجازه)) (2) . وَقَالَ يحيى بن سعيد القطان: ((كَانَ ابن جريج لا يصحح أنه سَمِعَ من الزهري شَيْئاً. قَالَ – يعني الفلاس (3) - فجهدت بِهِ في حَدِيْث ((إن ناساً من اليهود غزوا مع رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - فأسهم لَهُمْ)) ، فَلَمْ يصحح أنه سَمِعَ من الزهري)) (4) . وَقَالَ ابن معين: ((ليس بشيء في الزهري)) (5) . ونقل ابن محرز عن ابن معين أنه قَالَ: ((كَانَ يحيى بن سعيد لا يوثقه في الزهري)) (6) . ومما تجدر الإشارة إِلَيْهِ أن أكثر الحفاظ يرون أن الزهري نفسه أخطأ في هَذَا الْحَدِيْث، إذ خالف جمهور الرُّوَاة عن أنس في لفظ الْحَدِيْث عَلَى النحو الآتي:   (1) قريش بن أنس الأنصاري، وَقِيْلَ: الأموي، أبو أنس من أهل البصرة، مات سنة (208 هـ‍) وَقِيْلَ: (209 هـ‍) ، قَالَ ابن حبان: كَانَ شيخاً صدوقاً إلا أنه اختلط في آخر عمره. المجروحين 2/223 و 224، وتهذيب الكمال 6/118 (5462) ، وتاريخ الإِسْلاَم: 300 وفيات سنة (208 هـ‍) . (2) الجرح والتعديل 5/357-358 (1687) . (3) هُوَ الحافظ الناقد أبو حفص عمرو بن علي بن بحر بن كنيز الباهلي البصري الصيرفي الفلاس، ولد سنة نيف وستين ومئة، وتوفي سنة (249 هـ‍) . الجرح والتعديل 6/249، وسير أعلام النبلاء 11/470 و 472، والعبر 1/454. (4) تقدمة الجرح والتعديل: 245. (5) تاريخ يحيى بن معين – رِوَايَة الدارمي -: (13) . (6) سؤالات ابن محرز 1/554. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 رَوَاهُ ثابت عن أنس بن مالك: ((أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - صنع خاتماً من وَرِق، فنقش فِيْهِ: مُحَمَّد رَسُوْل الله، ثُمَّ قَالَ: لا تنقشوا عَلَيْهِ)) . الْحَدِيْث أخرجه: عَبْد الرزاق (1) ، وأحمد (2) ، والترمذي (3) ، وأبو الشيخ (4) ، والبيهقي (5) ، والبغوي (6) . ورواه عَبْد العزيز بن صهيب (7) ، عن أنس بن مالك: ((أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتماً من فضة، ونقش فِيْهِ: مُحَمَّد رَسُوْل الله، وَقَالَ: إني اتخذت خاتماً من ورق ونقشت فِيْهِ: مُحَمَّد رَسُوْل الله، فلا ينقشن أحد عَلَى نقشه)) . أخرجه: ابن (8)   (1) في مصنفه (19465) . (2) في مسنده 3/161. (3) في الجامع الكبير (1745) . (4) في أخلاق النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: 134 و 139. (5) في السنن الكبرى 10/128، وفي شعب الإيمان (6339) . (6) في شرح السنة (3137) . وَقَدْ أخرجه عَبْد بن حميد (1359) عن ثابت مقروناً بحميد عن أنس قَالَ: ((كَانَ نقش خاتم النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -: مُحَمَّد رَسُوْل الله)) . وأخرجه عَبْد بن حميد (1358) ، ومسلم 6/152 (2095) (63) عن ثابت عن أنس: ((هكذا كَانَ خاتم النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم - وأشار بيساره ووضع إبهامه عَلَى ظهر خنصره)) . (7) هُوَ عَبْد العزيز بن صهيب البناني، مولاهم، البصري الأعمى: ثقة، توفي سنة (130 هـ‍) . التاريخ الكبير 6/14، وتهذيب الكمال 4/519 (4041) ، والتقريب (4102) . (8) هُوَ الحافظ أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن سعد بن منيع البغدادي، صاحب الطبقات، ولد بَعْدَ سنة (160 هـ‍) ، وقيل سنة (168 هـ‍) ، وتوفي سنة (230 هـ‍) . الجرح والتعديل 7/262، والفهرست: 111-112، وسير أعلام النبلاء 10/664 – 666. والحديث أخرجه في الطبقات الكبرى 1/475. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 سعد، وابن أبي شيبة (1) ، وأحمد (2) ، والبخاري (3) ، ومسلم (4) ، وابن ماجه (5) ، والنسائي (6) ، وأبو يعلى (7) ، وأبو عوانة (8) ، وابن حبان (9) ، وأبو الشيخ (10) ، وأبو نعيم (11) ، والبيهقي (12) .   (1) في مصنفه (25090) . (2) في مسنده 3/101 و 186 و 290. (3) في الصَّحِيْح 7/202 (5874) و 7/203 (5877) ، وفي خلق أفعال العباد: 102. (4) في الصَّحِيْح 6/150 (2092) و 6/151 (2092) . (5) في سننه (3640) . (6) في المجتبى 8/176 و 193، وفي الكبرى (9510) (9534) . (7) هُوَ الإمام الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي، صاحب " المسند " و " المعجم "، ولد سنة (210 هـ‍) ، وتوفي سنة (307 هـ‍) . العبر 2/140، وسير أعلام النبلاء 14/174 و 179، ومرآة الجنان 2/186-187. والحديث أخرجه في مسنده (3896) و (3936) و (3943) . (8) في مسنده 5/499 و 500. (9) في الإحسان (5506) و (5507) ، وفي طبعة الرسالة (5497) و (5498) . (10) في أخلاق النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: 139. (11) هُوَ الإمام أبو نعيم أحمد بن عَبْد الله بن أحمد بن إسحاق المهراني الأصبهاني، صاحب " الحلية "، ولد سنة (330 هـ‍) ، وتوفي سنة (430 هـ‍) . وفيات الأعيان 1/91-92، وسير أعلام النبلاء 17/453-454 و 462، وشذرات الذهب 3/245. والحديث أخرجه في تاريخ أصبهان 2/70. (12) في السنن الكبرى 10/128، وفي شعب الإيمان (6338) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 ورواه قتادة عن أنس بن مالك، قَالَ: ((لما أراد النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب إلى الروم، قِيْلَ لَهُ: إنهم لن يقرؤا كتابك إذا لَمْ يَكُنْ مختوماً، فاتخذ خاتماً من فضة ونقشه: مُحَمَّد رَسُوْل الله، فكأنّما أنظر إلى بياضه في يده)) . الْحَدِيْث أخرجه: ابن سعد (1) ، وابن الجعد (2) ، وأحمد (3) ، والبخاري (4) ، ومسلم (5) ، وأبو داود (6) ، والترمذي (7) ، والنسائي (8)   (1) في الطبقات الكبرى 1/471 و 475. (2) هُوَ الحافظ الحجة أبو الحسن علي بن الجعد البغدادي الجوهري مولى بني هاشم، صاحب " المسند "، ولد سنة (134 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (136 هـ‍) ، وتوفي سنة (230 هـ‍) . طبقات ابن سعد 7/338-339، والجرح والتعديل 6/178، وسير أعلام النبلاء 10/459-460 و 467. والحديث أخرجه في الجعديات (955) و (956) و (957) و (958) . (3) في مسنده 3/168 و 170 و 180 و 198 و 223 و 275. (4) في صحيحه 1/25 (65) و 4/54 (2938) و 7/202 (5872) و 7/203 (5875) و 9/83 (7162) . (5) في صحيحه 6/151 (2092) و (56) و (57) و (58) . (6) في سننه (4214) و (4215) . (7) في الجامع الكبير (2718) ، وفي الشمائل (90) و (92) بتحقيقي، وفيه: ((أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يتختم في يمينه)) . (8) في المجتبى 8/174و193، وفي الكبرى (5860) و (8848) و (9521) و (9525) و (11512) . وأخرجه النسائي في المجتبى 8/193، وفي الكبرى (2520) من طريق قتاده عن أنس قَالَ: ((كأني أنظر إلى بياض خاتم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - في أصبعه اليسرى)) . وفي المجتبى 8/193، وفي الكبرى (9519) من طريق قتادة أَيْضاً عن أنس: ((ان النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم - كَانَ يتختم في يمينه)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 ، وأبو يعلى (1) ، وأبو عوانة (2) ، والطحاوي (3) ، وابن حبان (4) ، والطبراني (5) ، وأبو الشيخ (6) ، والبيهقي (7) ، والبغوي (8) . ورواه ثمامة (9)   (1) في مسنده (3009) و (3075) و (3154) و (3271) و (3272) . (2) في مسنده 4/198 و 198 و 5/490 و 491 و 492. (3) في شرح معاني الآثار 4/264. (4) في الإحسان (6401) ، وفي طبعة الرسالة (6392) . (5) هُوَ الحافظ الرحال الجوال، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، صاحب المعاجم الثلاثة، ولد سنة (260 هـ‍) ، وتوفي سنة (360 هـ‍) . المنتظم 7/54، وسير أعلام النبلاء 16/119 و 129، ومرآة الجنان 2/279-280. والحديث أخرجه في الأوسط (6524) ، وفي طبعة دار الكتب العلمية (6528) . (6) في أخلاق النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: 139. (7) في السنن الكبرى 10/128. (8) في شرح السنة (3131) و (3132) . (9) هُوَ ثمامة بن عَبْد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري: صدوق، من الرابعة. الجرح والتعديل 2/466، وتهذيب الكمال 1/416 (839) ، والتقريب (853) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 بن عَبْد الله، عن أنس بن مالك: ((أن أبا بكر (1) - رضي الله عنه - لما استخلف بعثه إلى البحرين وكتب لَهُ هَذَا الكتاب وختمه بخاتم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ نقش الخاتم ثلاثة أسطر: مُحَمَّد: سطر، ورسول: سطر، والله: سطر)) . أخرجه ابن سعد (2) ، والبخاري (3) ، والترمذي (4) ، والطحاوي (5) ، وابن حبان (6) ، وأبو الشيخ (7) ، والبغوي (8) .   (1) هُوَ خليفة رَسُوْل الله- صلى الله عليه وسلم - وصاحبه في الضيق والطريق والغار، عَبْد الله بن عثمان بن عامر القرشي، أَبُو بكر الصديق بن أبي قحافة، ولد بَعْدَ عام الفيل بسنتين وستة أشهر، وتوفي سنة (13 هـ‍) . طبقات ابن سعد 3/169، ومعجم الصَّحَابَة 8/2859، وتاريخ الإِسْلاَم: 87 (عهد الخلفاء الراشدين) ، والإصابة2/341. (2) في الطبقات 1/474-475. (3) في صحيحه 4/100 (3106) ، و 7/203 (5878) . وقع في رِوَايَة أخرى عِنْدَ البخاري 7/203 (5879) من طريق ثمامة عن أنس بلفظ: ((كَانَ خاتم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - في يده وفي يد أبي بكر بعده وفي يد عمر بَعْدَ أبي بكر فلما كَانَ عثمان جلس عَلَى بئر أريس قَالَ فأخرج الخاتم فجعل يعبث بِهِ فسقط قَالَ فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فنَزح البئر فَلَمْ نجده)) . (4) في الجامع الكبير (1747) (1748) ، وفي الشمائل (91) بتحقيقي. (5) في شرح معاني الآثار 4/264. (6) في الإحسان (1411) و (5505) و (6402) ، وفي طبعة الرسالة (1414) و (5496) و (6393) . (7) في أخلاق النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: 139-140، وفي الصفحة 135 وقع فِيْهِ أن النقش كَانَ: ((لا إله إلا الله مُحَمَّد رَسُوْل الله)) . (8) في شرح السنة (3136) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 ورواه حميد (1) الطويل، عن أنس بن مالك: ((أن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم - كَانَ خاتمه من فضة وَكَانَ فصه مِنْهُ)) . أخرجه ابن سعد (2) والحميدي (3) ، وأحمد (4) ، والبخاري (5) ، وأبو داود (6) ، والترمذي (7) ، والنسائي (8) ، وأبو يعلى (9) ، وابن حبان (10) ، وأبو الشَّيْخ (11) ، والبغوي (12) . ورواه أبان بن أبي عياش، عن أنس بن مالك: ((أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - اصطنع خاتماً كله من فضة وَقَالَ: لا يصنع أحد عَلَى صفته)) . أخرجه ابن سعد (13) . فكل هَذِهِ الروايات عن أنس ليس فِيْهَا: أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - طرح خاتم الوَرِق.   (1) هُوَ أَبُو عبيدة حميد بن أبي حميد الطويل البصري، مولى طلحة الطلحات، اختلف في اسم أبيه، ولد سنة (68 هـ‍) ، وتوفي سنة (140 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (142 هـ‍) : ثقة مدلس. الجرح والتعديل 3/221، وسير أعلام النبلاء 6/163 و 168، والتقريب (1544) . (2) في الطبقات الكبرى 1/472. (3) هُوَ الإمام الحافظ عَبْد الله بن الزبير بن عيسى، أبو بكر القرشي الأسدي الحميدي المكي، صاحب "المسند"، توفي سنة (219هـ‍) . التاريخ الكبير5/96-97، والعبر 1/377، وسير أعلام النبلاء 10/616. والحديث أخرجه في مسنده (1214) . (4) في مسنده 3/99 و 266. (5) في صحيحه 7/201 (5869) . (6) في سننه (4217) . (7) في الجامع الكبير (1740) ، وفي الشمائل (89) بتحقيقي. (8) في المجتبى 8/173 و 174 و 193، وفي الكبرى (9515) و (9516) و (9517) و (9518) . (9) في مسنده (3827) . (10) في الإحسان (6400) ، وفي طبعة الرسالة (6391) . (11) في أخلاق النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: 137. (12) في شرح السنة (3139) . (13) في الطبقات الكبرى 1/472. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 أما رِوَايَة الزهري عن أنس، فاختلف عَلَيْهِ في روايته، إِذْ رَوَاهُ إبراهيم (1) ابن سعد (2) ، وزياد بن سعد (3) ، وشعيب بن أبي حمزة (4) ، ومحمد بن   (1) هُوَ إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عَبْد الرحمان بن عوف الزهري، أَبُو إسحاق المدني: ثقة، حجة، وَقَدْ تُكَلَّمَ فِيْهِ بلا قادح، ولد سنة (108 هـ‍) ، وتوفي سنة (183 هـ‍) . تهذيب الكمال 1/110-112 (170) ، والكاشف 1/212 (138) ، والتقريب (177) . (2) عِنْدَ أحمد 3/160 و 223، ومسلم 6/151 (2093) (59) ، وأبي داود (4221) ، والنسائي 8/195، وفي الكبرى (9544) ، وأبي يعلى (3538) و (3565) ، وأبي عوانه 5/488 و489، وابن حبان (5499) ، وفي طبعة الرسالة (5490) . وَقَدْ وقع عِنْدَ النسائي (9506) من طريق إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن أنس: ((أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - رأى في يد رجل خاتم ذهب فضرب إصبعه بقضيب كَانَ مَعَهُ حَتَّى رمى بِهِ)) . قَالَ أبو حاتم في " العلل " 1/485 (1453) : ((هكذا رَوَاهُ إبراهيم بن سعد، عن الزهري أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: والخطأ من عَبْد العزيز أبي سلمة العمري، وَالصَّحِيْح من حَدِيْث الزهري، عن أبي إدريس، عن رجلٍ من أصحاب النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -)) . وذكر في " العلل " لابن أبي حاتم: إن الخاتم كَانَ حديداً. أقول: الرِّوَايَة الَّتِيْ ذكرها أبو حاتم هِيَ عِنْدَ النسائي (9505) . وأخرجه النسائي (9507) ، من طريق الزهري، أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - … الخ. وَقَالَ النسائي: ((وهَذَا مرسل أشبه بالصواب والله - سبحانه وتعالى - أعلم)) . وفي رِوَايَة أبي يعلى زاد هَذَا اللفظ في الْحَدِيْث (3538) . (3) كَمَا تقدم تخريجه في طريق ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس، بِهِ. (4) عِنْدَ أحمد 3/225، وأبي عوانة 5/493. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 عَبْد الله (1) ، أربعتهم عن الزهري، عن أنس بن مالك: ((أنه رأى في إصبع رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - خاتماً من وَرِق يوماً واحداً، ثُمَّ إن الناس اضطربوا الخواتم من وَرِق، فلبسوها، فطرح النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم)) . وهذا لفظ رِوَايَة مُسْلِم. في حِيْنَ رَوَاهُ يونس، عن الزهري، عن أنس: ((إن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتماً من وَرِق، وله فص حبشي ونقشه: مُحَمَّد رَسُوْل الله)) . وجاء في بعض الروايات: كَانَ يجعل فصه مِمَّا يلي كفه. واختلف عَلَى يونس في رِوَايَة هَذَا الْحَدِيْث، فرواه عَبْد الله بن وهب (2) ، وعثمان (3) بن عمر (4) ، عن يونس، عن الزهري، عن أنس بلفظ: ((إن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتماً من وَرِق لَهُ فص حبشي ونقشه: مُحَمَّد رَسُوْل الله)) . ورواه سليمان (5)   (1) عِنْدَ أبي الشيخ في أخلاق النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: 137. (2) عِنْدَ ابن سعد 1/472، وأحمد 3/225، ومسلم 6/152 (2094) ، وأبي داود (4216) ، والترمذي (1739) ، وفي الشمائل (87) بتحقيقي، والنسائي 8/193 وفي الكبرى (9512) ، وأبي يعلى (3537) ، وأبي الشيخ: 136، والبغوي (3140) . (3) هُوَ عثمان بن عمر بن فارس بن لقيط العبدي، أَبُو مُحَمَّد البصري، وأصله من بخارى: ثقة، صالح، توفي سنة (209 هـ‍) . تهذيب الكمال 5/130 (4437) ، والكاشف 2/11 (3727) ، والتقريب (4504) . (4) عِنْدَ ابن سعد 1/472، وابن أبي شيبة (25120) ، وابن ماجه (3641) ، والنسائي 8/172 و 193، وفي الكبرى (9513) ، وأبي يعلى (3544) . (5) هُوَ أبو مُحَمَّد سليمان بن بلال القرشي التيمي المدني، مولى عَبْد الله بن أبي عتيق: ثقة، إمام، توفي سنة (172 هـ‍) . الثقات 6/388، وتهذيب الكمال 3/266 و 267 (2480) ، والكاشف 1/457 (2073) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 بن بلال (1) ، وطلحة (2) بن يحيى (3) ، عن يونس، عن الزهري، عن أنس: ((إن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - لبس خاتم فضة في يمينه، فِيْهِ فص حبشي، كَانَ يجعل فصه مِمَّا يلي كفه)) ، في حين تفرد الليث (4) ، عن يونس، عن الزهري، عن أنس، بِهِ، بنحو رِوَايَة إبراهيم بن سعد ومن تابعه. وَقَدْ جمع ابن حجر (5) بعض أقوال العلماء في التوفيق بَيْنَ الروايتين: الأول: قَالَهُ الإسماعيلي (6) هُوَ: أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتماً من وَرِق عَلَى لون من الألوان وكره أن يتخذ أحد مثله فلما اتخذوا مثله رماه ثُمَّ بعد أن رموا خواتيمهم اتخذ خاتماً آخر ونقشه ليختم بِهِ.   (1) عِنْدَ مُسْلِم 6/152 (2094) عقب (62) ، وابن ماجه (3646) ، وأبي يعلى (3536) ، وابن حبان (6403) ، وفي طبعة الرسالة (6394) ، والبغوي (3145) . (2) هُوَ طلحة بن يحيى بن النعمان بن أبي عياش الزرقي الأنصاري المدني: صدوق، يهم من السابعة. تهذيب الكمال 3/515 (2972) ، والكاشف 1/515 (2483) ، والتقريب (3037) . (3) عِنْدَ مُسْلِم 6/152 (2094) (62) ، والنسائي 8/173، وفي الكبرى (9514) ، وأبي يعلى (3584) ، وأبي الشيخ: 137، والبغوي (3141) . (4) هُوَ الإمام الحافظ أبو الحارث الليث بن سعد بن عَبْد الرحمان الفهمي، ولد سنة (94 هـ‍) وَقِيْلَ: (93 هـ‍) ، وتوفي سنة (175 هـ‍) . الثقات 7/360، وتهذيب الكمال 6/184 (5605) ، وسير أعلام النبلاء 8/136. وحديثه عِنْدَ البخاري 7/201 (5868) . (5) فتح الباري 10/320-321. (6) هُوَ الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني الإسماعيلي، صاحب " الصَّحِيْح "، ولد سنة (277 هـ‍) ، وتوفي سنة (371 هـ‍) . المنتظم 7/108، وسير أعلام النبلاء 16/292 و 293 و 296، ومرآة الجنان 2/298. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 الثاني: هُوَ أنه اتخذ الخاتم للزينة فلما تبعه الناس عَلَى ذَلِكَ ألقاه وألقوا بَعْدَ ذَلِكَ خواتيمهم، فلما احتاج إلى ختم اتخذ خاتماً آخر. الثالث: وَهُوَ قَوْل المهلب والنووي (1) والكرماني (2) . ذَلِكَ أنه لما طرح خاتم الذهب اتخذ مكانه خاتم الفضة؛ لأنَّهُ لا يستغني عن الختم عَلَى كتبه فيكون طرح الخاتم الَّذِي في رِوَايَة الزهري يقصد بِهِ خاتم الذهب فَقَدْ جعله الموصوف –أي خاتم الذهب– في قوله: ((فطرح خاتمه فطرحوا خواتيمهم)) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض (3) : ((وهذا يشاع لَوْ جاء الكلام مجملاً)) ، وأشار إلى أن رِوَايَة الزهري لا تحتمل هَذَا التأويل (4) .   (1) شرح صَحِيْح مُسْلِم 4/803. (2) هو مُحَمَّد بن يوسف بن علي الكرماني، من مؤلفاته: " الكواكب الدراري في شرح صَحِيْح البخاري " و " ضمائر القرآن " و " النقود والردود في الأصول "، ولد سنة (717 هـ‍) ، وتوفي سنة (786 هـ‍) . الدرر الكامنة 4/310، وشذرات الذهب 6/294، والأعلام 7/153. (3) هو العلامة الحافظ القاضي أَبُو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي الأندلسي ثُمَّ السبتي المالكي من مؤلفاته: " الشفا في شرف المصطفى " و " والإلماع "، ولد سنة (476 هـ‍) ، ومات سنة (544 هـ‍) = سير أعلام النبلاء 20/212، وتاريخ الإِسْلاَم: 198 وفيات سنة (544هـ‍) ، والبداية والنهاية 12/202. (4) إكمال المعلم 6/610. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 وذهب ابن حجر إلى تأويل رابع: هُوَ أنه اتخذ خاتم الذهب للزينة وتتابع الناس فِيْهِ، فوقع تحريمه فطرحه، وَقَالَ: ((لا ألبسه أبداً)) ، فطرح الناس خواتيمهم تبعاً لَهُ، ثُمَّ احتاج إلى الخاتم لأجل الختم، فاتخذه من فضة ونقش فِيْهِ اسمه الكريم، فتبعه الناس أَيْضاً عَلَى تِلْكَ الخواتيم المنقوشة، فرمى بِهِ حَتَّى رمى الناس تِلْكَ الخواتيم المنقوشة حَتَّى لا تفوته مصلحة نقش اسمه بوقوع الاشتراك، فلما عدمت خواتيمهم جميعاً رجع إلى خاتمه الخاص بِهِ فصار يتختم بِهِ. الدكتور ماهر ياسين الفحل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 رَوَى شعبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((لا وضوء إلا من صوت أو ريح)) (1) . هكذا رَوَى شعبة الْحَدِيْث مختصراً، نبّه عَلَى ذَلِكَ حفاظ الْحَدِيْث ونقاده، فأبو حاتم الرازي يَقُوْل: ((هَذَا وهم، اختصر شعبة مَتْن هَذَا الْحَدِيْث، فَقَالَ: ((لا وضوء إلا من صوت أو ريح)) ، ورواه أصحاب سهيل عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إِذَا كَانَ أحدكم في الصَّلاَة فوجد ريحاً من نفسه فَلاَ يخرجن حَتَّى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) )) (2) . وَقَالَ البَيْهَقِيّ: ((هَذَا مختصر)) (3) . إلا أن الحَافِظ ابن التركماني قَالَ: ((لَوْ كَانَ الْحَدِيْث الأول مختصراً من الثاني، لكان موجوداً في الثاني مَعَ زيادة، وعموم الحصر المذكور في الأول لَيْسَ في الثاني، بَلْ هما حديثان مختلفان)) (4) . وتابعه عَلَى هَذَا التعليل الشوكاني، فَقَالَ: ((شعبة إمام حافظ واسع الرِّوَايَة، وَقَدْ رَوَى هَذَا اللفظ بهذه الصيغة المشتملة عَلَى الحصر، ودينه، وإمامته، ومعرفته بلسان العرب يرد ما ذكره أبو حاتم)) (5) . وأيّد هَذَا الشَّيْخ أبو إسحاق الحويني في تحقيقه لـ " منتقى " ابن الجارود (6) .   (1) أخرجه الطيالسي (2422) ، وابن الجعد (1643) ، وأحمد 2/410 و 435 و 471، وابن ماجه (515) ، والترمذي (74) ، وابن الجارود (2) ، وابن خزيمة (27) ، والبيهقي 1/117 و 220. (2) علل الْحَدِيْث 1/47 (107) . (3) السنن الكبرى 1/117. (4) الجوهر النقي 1/117. (5) نيل الأوطار 1/224. (6) غوث المكدود 1/17. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1 وَإِذَا ذهبنا نستجلي حقيقة الأمر بطريق البحث العلمي المستند إِلَى حقائق الأمور وقواعد أصحاب هَذَا الفن، نجد أن أبا حاتم الرازي لَمْ يحكم بهذا الحكم من غَيْر بينة، إِذْ أشار في تضاعيف كلامه إِلَى أن مستنده في الحكم بوهم شعبة واختصاره للحديث: مخالفته لجمهور أصحاب سهيل، وهذا هُوَ المنهج العلمي الَّذِي يتبعه أَئِمَّة الْحَدِيْث في مَعْرِفَة ضبط الرَّاوِي، وذلك من خلال مقارنة روايته برواية غيره، وهذا يقتضي جمع الطرق، والحكم عن تثبت، لا بالتكهن والتجويز العقلي الخلي عن البرهان والدليل. وبغية الوصول إِلَى الحكم الصائب تتبعنا طرق هَذَا الْحَدِيْث، فوجدنا سبعة من أصحاب سهيل رووه عن سهيل خالفوا في رواياتهم رِوَايَة شعبة، وهم: جرير بن عَبْد الحميد بن فرط الضبي، عِنْدَ مُسْلِم (1) ، والبيهقي (2) . حماد بن سلمة، عِنْدَ: أَحْمَد (3) ، والدارمي (4) ، وأبي داود (5) . خالد بن عَبْد الله الواسطي، عِنْدَ ابن خزيمة (6) . زهير بن معاوية، عِنْدَ أبي عوانة (7) . عَبْد العزيز بن مُحَمَّد الدراوردي، عِنْدَ التِّرْمِذِيّ (8) ، وابن خزيمة (9) ، وابن المنذر (10) . مُحَمَّد بن جعفر، عِنْدَ البَيْهَقِيّ (11) . يَحْيَى بن المهلب البجلي، عِنْدَ الطبراني في " الأوسط " (12) .   (1) في صحيحه 1/190 (362) (99) . (2) في سننه 1/117. (3) في مسنده 2/414. (4) في سننه (727) . (5) في سننه (177) . (6) في صحيحه (24) و (28) . (7) في مسنده 1/267. (8) في جامعه (75) ، وسياق الإِمَام التِّرْمِذِيّ للرواية المختصرة وتعقيبه بالرواية المطولة، ينبه بِذَلِكَ ذهن الباحث عَلَى وجود كلتا الرِّوَايَتَيْنِ، لا أنَّهُ صحح كلا الرِّوَايَتَيْنِ!!! (9) في صحيحه (24) . (10) في الأوسط (149) . (11) في سننه 1/161. (12) 2/157 (1565) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 2 ورِوَايَة الجمع أحق أن تتبع ويحكم لها بالسلامة من الخطأ. ولا يطعن هَذَا في إمامة شعبة ودينه، فهذا أمر وهذا أمر آخر، ومن ذا الَّذِي لا يخطئ. ولا يشترط أن يَكُوْن لفظ الْحَدِيْث المختصر موجوداً في الْحَدِيْث المختصر مِنْهُ، بَلْ يكفي وجود المعنى، إِذْ لربما اختصر الرَّاوِي الْحَدِيْث، ثُمَّ رَوَى اللفظ المختصر بالمعنى، فَلاَ يبقى رابط بَيْنَهُمَا سوى المعنى، وهذا ما نجده في حديثنا هَذَا، وبه يندفع اعتراض ابن التركماني ومن قلّده. الدكتور ماهر ياسين الفحل … العراق /الأنبار/الرمادي/ص.ب 735 al-rahman@uruklink.net … … … … … … الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 حَدِيث عَلِيٍّ - رضي الله عنه -: ((ينضح من بول الغلام، ويغسل بول الجارية)) . قَالَ الإمام التِّرْمِذِي: ((رفع هشام الدستوائي هَذَا الحَدِيْث عن قتادة وأوقفه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، وَلَمْ يرفعه)) (1) . وَقَالَ الحافظ ابن حجر: ((إسناده صَحِيْح إلا أَنَّهُ اختلف في رفعه ووقفه، وَفِي وصله وإرساله، وَقَدْ رجح البُخَارِيّ صحته وكذا الدَّارَقُطْنِيّ)) (2) . والرواية المرفوعة: رواها معاذ بن هشام (3) ، قَالَ: حَدَّثَني أبي (4) ، عن قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود (5) ، عن أبيه (6)   (1) جامع التِّرْمِذِي عقب حَدِيث (610) . (2) التلخيص الحبير طبعة العلمية 1/187، وطبعة شعبان 1/50. (3) هُوَ معاذ بن هشام بن أبي عَبْد الله الدستوائي، البصري، وَقَدْ سكن اليمن، (صدوق رُبَّمَا وهم) ، مات سنة مئتين، أخرج حديثه أصحاب الكُتُب الستة. التقريب (6742) . (4) هُوَ هشام بن أبي عَبْد الله: سَنْبَر – بمهملة ثُمَّ نون موحدة، وزن جَعْفَر –، أبو بَكْر البصري الدستوائي، (ثِقَة، ثبت) ، مات سنة مئة وأربع وخمسين، أخرج حديثه أصحاب الكُتُب الستة. الطبقات لابن سعد 7/279-280، وتذكرة الحفاظ 1/164، والتقريب (7299) . (5) هُوَ أبو حرب بن أبي الأسود الديلي، البصري، (ثِقَة) ، قِيلَ: اسمه محجن، وَقِيلَ: عطاء، مات سنة ثمان ومئة، أخرج حديثه مُسْلِم وأصحاب السُّنَن الأربعة. التقريب (8042) . (6) هُوَ أَبُو الأسود الديلي – بكسر المُهْمَلَة وسكون التحتانية –، ويقال: الدؤلي 0 بالضم بعدها همزة مفتوحة –، البصري، اسمه: ظالم بن عَمْرو بن سُفْيَان، ويقال: عَمْرو بن ظالم، ويقال: بالتصغير فِيْهِمَا، ويقال: عَمْرو بن عُثْمَان، أو عُثْمَان بن عَمْرو: (ثِقَة، فاضل، مخضرم) ، مات سنة تسع وستين، أخرج حديثه أصحاب الكُتُب الستة. التقريب (7940) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1 ، عن عَلِيّ بن أبي طالب، مرفوعاً (1) . قَالَ البزار: ((هَذَا الحَدِيْث لا نعلمه يروى عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، إلا من هَذَا الوجه بهذا الإسناد، وإنما أسنده معاذ بن هشام، عن أبيه، وَقَدْ رَواهُ غَيْر معاذ بن هشام، عن قتادة، عن أبي حرب، عن أبيه، عن عَلِيّ، موقوفاً)) (2) . أقول: إطلاق البزار في حكمه عَلَى تفرد معاذ بن هشام بالرفع غَيْر صَحِيْح إِذْ إن معاذاً قَدْ توبع عَلَى ذَلِكَ تابعه عَبْد الصمد بن عَبْد الوارث (3) عِنْدَ أحمد (4) ، والدارقطني (5) ، لذا فإن قَوْل الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ أدق حِيْنَ قَالَ: ((يرويه قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، رفعه هشام بن أبي عَبْد الله من رِوَايَة ابنه معاذ وعبد الصمد بن عَبْد الوارث، عن هشام، ووقفه غيرهما عن هشام)) (6)   (1) هذِهِ الرِّوَايَة أخرجها: أحمد 1/ 97 و 137، وأبو دَاوُد (378) ، وابن ماجه (525) ، والترمذي (610) ، وَفِي علله الكبير (38) ، والبزار (717) ، وأبو يعلى (307) ، وابن خزيمة (284) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/92، وابن حبان (1372) ، وطبعة الرسالة (1375) ، والدارقطني 1/129، والحاكم 1/165-166، والبيهقي 2/415، والبغوي (296) . (2) البحر الزخار 2/295. (3) هو أبو سهل التميمي العنبري عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد، توفي سنة (207 هـ‍) . الطبقات الكبرى 7/300، وسير أعلام النبلاء 9/516، وشذرات الذهب 2/17. (4) المُسْنَد 1/76. (5) السُّنَن 1/129؟ (6) علل الدَّارَقُطْنِيّ 4/184-185 س (495) . تنبيه: مَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ من أن غَيْر معاذ وعبد الصمد روياه عن هشام موقوفاً فإني لَمْ أجد هَذَا في شيء من كتب الحَدِيْث، ولعله وهمٌ من الدَّارَقُطْنِيّ يفسر ذَلِكَ قوله في السُّنَن 1/129 لما ساق رِوَايَة معاذ: ((تابعه عَبْد الصمد، عن هشام، ووقفه ابن أبي عروبة، عن قتادة)) . فلو كَانَتْ ثمة مخالفة قريبة لما ذهب إلى رِوَايَة ابن أبي عروبة، والله أعلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 2 والرواية الموقوفة: رواها يَحْيَى بن سعيد، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، عن عَلِيّ، فذكره موقوفاً (1) . فالرواية الموقوفة إسنادها صَحِيْح عَلَى أن الحَدِيْث مرفوعٌ صححه جهابذة المُحَدِّثِيْنَ: البُخَارِيّ والدارقطني - كَمَا سبق - وابن خزيمة (2) ، وابن حبان (3) ، والحاكم (4) - وَلَمْ يتعقبه الذهبي –، ونقل صاحب عون المعبود عن المنذري (5) قَالَ: ((قَالَ البُخَارِيّ: سعيد بن أبي عروبة لا يرفعه وهشام يرفعه، وَهُوَ حافظ)) (6) .   (1) وهذه الرِّوَايَة الموقوفة أخرجها عَبْد الرزاق (1488) ، وابن أبي شَيْبَة (1292) ، وأبو دَاوُد (377) ، والبيهقي 2/415. (2) صَحِيْح ابن خزيمة (284) ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يحكم عَلَيْهِ بلفظه، إلا انا قلنا ذَلِكَ عَنْهُ لالتزامه الصحة في كتابه قَالَ العماد بن كَثِيْر في اختصار علوم الحَدِيْث: 27، وطبعة العاصمة 1/109: ((وكتب أخر التزم أصحابها صحتها كابن خزيمة، وابن حبان)) . وَقَالَ الحافظ ابن حجر في نكته عَلَى كِتَاب ابن = =الصَّلاح 1/291: ((حكم الأحاديث الَّتِي في كِتَاب ابن خزيمة وابن حبان صلاحية الاحتجاج بِهَا)) . عَلَى أن الكِتَاب فِيهِ بَعْض مَا انتقد عَلَيْهِ. (3) صحيحه (1372) ، وطبعة الرسالة (1375) ، وانظر الهامش السابق. (4) المستدرك 1/165-166. (5) هو أبو مُحَمَّد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري الشامي الأصل، ولد سنة (581 هـ‍) ، من مصنفاته " المعجم "، واختصر " صحيح مسلم " و " سنن أبي داود "، توفي سنة (656هـ‍) . سير أعلام النبلاء 23/319 و 320، والعبر 5/232، وتذكرة الحفاظ 4/1436. (6) عون المعبود 1/145. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 أقول: هكذا صَحّح الأئمة رفع هَذَا الحَدِيْث، مَعَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ موقوفاً أيضاً؛ وهذا يدل عَلَى أن الحَدِيْث إذا صَحَّ رفعه، ووقفه، فإن الحكم عندهم للرفع، وَلاَ تضر الرِّوَايَة الموقوفة إلا إذا قامت قرائن تدل عَلَى أن الرفع خطأ. أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء (كيفية التطهر من بول الأطفال) وما دمت قَدْ فصلت القَوْل في حَدِيث عَلِيّ - رضي الله عنه - مرفوعاً وموقوفاً فسأذكر اختلاف الفُقَهَاء في كيفية التطهر من بول الأطفال (1) . وقبل أن أذكر آراء الفُقَهَاء، أذكر جملة من الأحاديث المتعلقة بالمسألة لأحيل عَلَيْهَا عِنْدَ الإشارة إلى الأدلة طلباً للاختصار. فأقول: صَحَّ عن عائشة زوج النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا قَالَتْ: ((أتي النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بصبي، فبال عَلَى ثوبه، فدعا النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بماء فأتبعه إياه)) . رَواهُ مَالِك (2) ، وزاد أحمد وَمُسْلِم وابن ماجه في روايتهم: ((وَلَمْ يغسله)) (3) . صَحَّ عن أم قيس (4)   (1) عَلَى أني قَدْ ذكرت هذِهِ المسألة في: " أثر علل الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء ": 216-222 بتفصيل أخصر من هَذَا. (2) الموطأ برواية الليثي 1/109 (164) ، ومن طريق مَالِك أخرجه البُخَارِيّ 1/65 (222) ، وأخرجه الحميدي (164) ، وأحمد 6/46 و 212، والبخاري 7/108 (5468) ، وَمُسْلِم 1/164 (286) ، وَالنَّسَائِيّ 1/157، وَفِي الكبرى (284) (292) ، والطحاوي 1/93، والبيهقي 2/414. (3) مُسْنَد أحمد 6/52 و 210، وصحيح مُسْلِم 1/164 (286) ، وسنن ابن ماجه (523) . (4) هي أم قيس بنت محصن بن حرثان الأسدية أخت عكاشة بن محصن أسلمت بمكة وهاجرت. أسد الغابة 5/609-610، وتهذيب الكمال 8/600 (8595) ، والإصابة 4/485. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 بنت محصن ((أَنَّهَا أتت بابن صَغِير لَهَا –لَمْ يأكل الطعام– إلى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فأجلسه في حجره، فبال عَلَى ثوبه؛ فدعا رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - بماءٍ، فنضحه وَلَمْ يغسله)) . رَواهُ مَالِك، والشيخان: البُخَارِيّ وَمُسْلِم (1) . حَدِيث عَلِيّ - رضي الله عنه - وَقَدْ سبق: ((ينضح من بول الغلام، ويغسل من بول الجارية)) . صَحَّ عن أبي السمح (2) - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام)) . أخرجه: أبو دَاوُد (3) ، وابن ماجه (4) ، وَالنَّسَائِيّ (5) ، وابن خزيمة (6) ،   (1) موطأ الإِمَام مَالِك برواية الليثي (165) ، وأخرجه أيضاً البُخَارِيّ 1/66 (223) و 7/161 (5693) ، وَمُسْلِم 1/164 (287) و 7/24 (287) (86) ، والحميدي (343) ، وأحمد 6/355 و 356، والدارمي (747) ، وأبو دَاوُد (374) ، وابن ماجه (524) ، والترمذي (71) ، وَالنَّسَائِيّ 1/157، وَفِي الكبرى (291) ، وابن خزيمة (285) و (286) ، وأبو عوانة 1/202، والطحاوي 1/92، والطبراني في الكبير 25/ (436) و (437) و (438) و (439) و (440) و (441) و (443) و (444) ، والبيهقي 2/414. (2) هُوَ أبو السمح، خادم رَسُوْل الله (، قِيلَ اسمه: زياد، صَحَابِيّ، حديثه عند أبي دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ وابن ماجه. تهذيب الكمال 8/328 (8009) ، وتجريد أسماء الصحابة 2/175، والتقريب (8147) . (3) في سننه (376) . (4) في سننه (526) . (5) في المجتبى 1/158، وَفِي الكبرى (293) . (6) صحيحه (283) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 والدارقطني (1) ، والمزي (2) . وَقَد اختلف الفُقَهَاء في الأحكام المستفادة من هذِهِ الأحاديث عَلَى مذاهب أشهرها مَا يأتي: المذهب الأول: يرى أن التطهير من بول الرضيع – كالتطهير من بول الكبير – إنما يَكُون بغسله، وَلاَ فرق في ذَلِكَ بَيْنَ بول رضيع أكل الطعام أو لَمْ يأكل، كَمَا أَنَّهُ لا فرق في ذَلِكَ بَيْنَ الذكر والأنثى. وإلى ذَلِكَ ذهب أبو حَنِيْفَة، وَهُوَ المشهور عن مَالِك عَلَى خِلاَف بَيْنَهُمَا في كيفية الغسل الَّذِي يجزئ في التطهير من النجاسة، فإن أبا حَنِيْفَة يشترط لتطهير النجاسة غَيْر المرئية تعدد مرات غسلها – ثلاثاً أو سبعاً والعصر بَعْدَ كُلّ غسلة (3) ، وَلَمْ يشترط مَالِك أكثر من صب الماء عَلَى النجاسة بحيث يغمرها، ويذهب لونها وطعمها ورائحتها وَلاَ يشترط لإزالة النجاسة إمرار اليد والعصر، ونحو ذَلِكَ (4) . وَقَدْ حملوا: ((إتباع الماء)) و ((نضحه)) و ((رشه)) ، هذِهِ الألفاظ كلها حملوها عَلَى مَعْنَى الغسل، وَقَدْ أفاض الطحاوي في إيراد الآثار الدالة عَلَى أن هذِهِ الألفاظ قَدْ تطلق ويراد بِهَا الغسل (5) .   (1) في سننه 1/130. (2) هو جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمان بن يوسف القضاعي الكلبي، ولد سنة (654هـ‍) ، من مصنفاته " تهذيب الكمال " و " الأطراف "، توفي سنة (742 هـ‍) . =تذكرة الحفاظ 4/1498 و 1500، والدرر الكامنة 4/457، وشذرات الذهب 6/136. والحديث أخرجه في تهذيب الكمال 8/328 (3) المبسوط 1/92-93، وبدائع الصنائع 1/87، والاختيار 1/36، وفتح القدير 1/134، وحاشية الدر المختار 1/310. (4) المدونة الكبرى 1/24، والمنتقى 1/44-45، والاستذكار 1/402-403، وبداية المجتهد 1/61-62. (5) شرح معاني الآثار 1/92، وما بعدها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 لَكِن هَذَا يؤخذ عَلَيْهِ: ان هذِهِ الألفاظ، وإن كَانَتْ تطلق أحياناً عَلَى الغسل فإن الحال في مسألتنا هذِهِ لا يحتمل ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ يؤدي إِلَى تناقض تتنَزه عَنْهُ نصوص الشريعة؛ فحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عَنْهَا قَدْ جاء بلفظ: ((فدعا النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بماءٍ فأتبعه وَلَمْ يغسله)) فإذا جَعَلَ أتبعه بمعنى غسله فإن المَعْنَى حينئذ يَكُون فغسله وَلَمْ يغسله. وَكَذَلِكَ حَدِيث أم قيس بنت محصن قَدْ جاء بلفظ: ((فنضحه وَلَمْ يغسله)) فلو حمل النضح عَلَى مَعْنَى الغسل لكان التقدير: فغسله وَلَمْ يغسله، وهذا تناقض غَيْر معقول. وأيضاً فإن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - عطف الغسل عَلَى النضح في حَدِيث عَلِيّ - رضي الله عنه -، وعطف الرش عَلَى الغسل في حَدِيث أبي السمح - رضي الله عنه -، والعطف يَقْتَضِي المغايرة. فلو أريد بهما مَعْنَى واحدٌ، لكان عبثاً يتنَزه عَنْهُ الشارع (1) . المذهب الثَّانِي: نُسِبَ إلى الشَّافِعيّ قَوْلٌ: بأن بول الصبي الَّذِي لَمْ يأكل الطعام طاهر. ونسبت رِوَايَة إلى الإمام مَالِك: أَنَّهُ لا يغسل بول الجارية وَلاَ الغلام قَبْلَ أن يأكلا الطعام. لَكِنْ ذكر الباجي (2) أن هذِهِ الرِّوَايَة عن مَالِك شاذة (3) . وذكر النَّوَوِيّ أن نقل هَذَا القَوْل عن الشَّافِعيّ باطل (4) . لِذلِكَ لا حاجة للتعليق عَلَى هَذَا المذهب. المذهب الثَّالِث:   (1) فقه الإمام سعيد بن المسيب 1/37 (2) هو الحافظ أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعيد التجيبي الذهبي الباجي ولد سنة (403 هـ‍) من مصنفاته " المنتقى في الفقه " و " المعاني في شرح الموطأ " و " الاستيفاء "، توفي سنة (474 هـ‍) . وفيات الأعيان 2/408، وتذكرة الحفاظ 3/1178 و 1180، وشذرات الذهب 3/344. (3) المنتقى شرح الموطأ 1/128. (4) شرح صَحِيْح مُسْلِم 1/583-584. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 ينضح بول الطفل الرضيع الَّذِي لَمْ يأكل الطعام، فإذا أكل الطعام كَانَ حكم بوله كحكم بول الكبير يغسل. وَقَدْ فسّر هَذَا المذهب النضح: بأنه غمر مَوْضِع البول ومكاثرته بالماء مكاثرة لا يَبْلُغ جريانه وتردده وتقطره. فَهُوَ بمعنى الغسل الَّذِي سبق ذكره عن مَالِك (1) . وَقَدْ اعتمد هَذَا المذهب حَدِيث أم قيس بنت محصن، فَقَدْ جاء بلفظ: ((أَنَّهَا أتت بابن لَهَا صَغِير لَمْ يأكل الطعام ... الخ)) . وَقَد اعترض ابن حزم – القائل: بأن النضح يكفي في التطهير من بول الذكر كبيراً أو صغيراً –: بأن تخصيص ذَلِكَ بالصبي الَّذِي لَمْ يأكل لَيْسَ من كلام النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، لِذلِكَ فالحديث لا دلالة فِيهِ عَلَى هَذَا التحديد (2) . ويجاب عَلَى ذَلِكَ: بأنه نجاسة الأبوال المستتبعة لوجوب غسلها، كُلّ ذَلِكَ مستيقن بالأحاديث العامة الدالة عَلَى ذَلِكَ، كحديث ابن عَبَّاس في القبرين اللذين أخبر رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - أن صاحبيهما يعذبان، وَقَالَ: ((أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنْزه من البول)) . أخرجه البُخَارِيّ وَمُسْلِم (3) . وحديث أبي هُرَيْرَة مرفوعاً: ((استنْزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب   (1) المغني 1/734-735، والحاوي 2/320-321، والتهذيب 1/206. (2) المحلى 1/101. (3) صَحِيْح البخاري 1/65 (218) و 2/119 (1361) و 2/124 (1378) و 8/20 (6052) ، وصحيح مُسْلِم 1/166 (292) . وأخرجه أحمد 1/225، وعبد بن حميد (620) ، والدارمي (745) ، وأبو دَاوُد (20) ، والترمذي (70) ، وَالنَّسَائِيّ 1/28 و 4/116 وَفِي الكبرى (27) و (2195) و (2196) و (11613) ، وابن ماجه (347) ، وابن خزيمة (55) و (56) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 القبر مِنْهُ)) . رَواهُ أحمد (1) ، وابن ماجه (2) ، وابن خزيمة (3) ، والدارقطني (4) ، والحاكم (5) ، وصححه البُخَارِيّ (6) . وحديث ابن عَبَّاس مرفوعاً: ((تَنَزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبْر مِنْهُ)) . أخرجه: البزار (7) ، والطبراني (8) ، والدارقطني (9) ، والحاكم (10) . فنجاسة بول الآدمي ووجوب غسله كُلّ ذَلِكَ متيقن بهذه الأحاديث، وتخصيص بول الصبي الَّذِي لَمْ يأكل الطعام بالنضح متيقن بحديث أم قيس بنت محصن، وما عدا ذَلِكَ مشكوك فِيهِ، فَلاَ يترك اليقين للشك. والاكتفاء بالنضح في التطهير من بول الرضيع خصه أحمد وجمهور الشافعية بالصبي الَّذِي لَمْ يأكل الطعام، أما بول الصبية فَلاَ يجزئ فِيهِ إلا الغسل (11) . أما الشَّافِعيّ نَفْسه فَقَدْ نَصَّ عَلَى جواز الرش عَلَى بول الصبي مَا لَمْ يأكل الطعام، واستدل عَلَى ذَلِكَ بالحديث، ثُمَّ قَالَ: ((وَلاَ يبين لي في بول الصبي والجارية فرق من السُّنَّة الثابتة، وَلَوْ غسل بول الجارية كَانَ أحب إليَّ احتياطاً، وإن رش عَلَيْهِ مَا لَمْ تأكل الطعام أجزأ، إن شاء الله تَعَالَى)) (12) .   (1) المُسْنَد 2/326 و 388 و 389. (2) في سننه (348) . (3) كَمَا ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح 1/336، وَهُوَ لَيْسَ في المطبوع من صَحِيْح ابن خزيمة، فلعله مِمَّا سقط من المطبوع، لَكِنْ الحافظ ابن حجر فاته أن يعزوه لابن خزيمة في " إتحاف المهرة " 14/485 و15/520 وَلَمْ يتنبه المحققون عَلَى ذَلِكَ. (4) في سننه 1/128. (5) المستدرك 1/183. (6) نقله عَنْهُ التِّرْمِذِي في علله الكبير: 45 (37) . (7) كشف الأستار (243) . (8) في الكبير 11/ (11104) و (11120) . (9) في سننه 1/128. (10) المستدرك 2/183-184. (11) المغني 1/734، وروضة الطالبين 1/31، وحاشية الجمل 1/188-189. (12) المجموع 2/590، وحاشية الجمل 1/188-189. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 وَقَدْ ذكر النَّوَوِيّ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – أَنَّهُ لَمْ يذكر عن الشَّافِعيّ غَيْر هَذَا (1) ، وَقَالَ البَيْهَقِيّ: ((والأحاديث المسندة في الفرق بَيْنَ بول الغلام والجارية في هَذَا الباب إذَا ضُمَّ بعضها إلى بَعْض قويت، وكأنها لَمْ تثبت عِنْدَ الشَّافِعيّ – رَحِمَهُ اللهُ – حِيْنَ قَالَ: ((وَلاَ يتبين لي في بول الصبي والجارية فرق من السُّنَّة الثابتة)) (2) . وقول الشَّافِعيّ هَذَا مرويٌّ عن النخعي، وَهُوَ رِوَايَة عن الأوزاعي، ووجه لبعض الشافعية، ووصفه النَّوَوِيّ: بأنه ضَعِيْف (3) . وهنا يأتي دور حَدِيث عَلِيّ - رضي الله عنه - ومثله حَدِيث أبي السمح - رضي الله عنه - خادم النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فهي أحاديث ثابتة، وَقَدْ فرقت بَيْنَ بول الصبي وبين بول الصبية. وَقَدْ ثبت هَذَا عِنْدَ أحمد؛ لِذلِكَ أخذ بِهِ وفرق بَيْنَهُمَا فِي الحكم، أما الشَّافِعيّ فَقَدْ صرح بأنه لَمْ يثبت عِنْدَهُ من السُّنَّة مَا يفرق بَيْنَهُمَا؛ لِذلِكَ رأى أن النضح يكفي فِيْهِمَا - وإن كَانَ الأحب إليه غسل بول الصبي احتياطاً -؛ وَلَوْ ثبت عِنْدَ الشَّافِعيّ هذِهِ الأحاديث لأخذ بِهَا، فهذا هُوَ شأنه وشأن الفُقَهَاء كافة لا يتخطون السُّنَّة الثابتة عندهم إلى غيرها، مَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عندهم معارض؛ ولذلك أطبق أصحاب الشَّافِعيّ عَلَى الفرق في الحكم بَيْنَ بول الصبي والصبية لما ثبتت عندهم هذِهِ الأحاديث (4) . الدكتور ماهر ياسين الفحل … العراق /الأنبار/الرمادي/ص. ب 735 al-rahman@uruklink.net … … … … … … … …   (1) المصدر السابق. (2) السُّنَن الكبرى 2/416. (3) المجموع 2/590. (4) أثر علل الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء: 216-221. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 حَدِيْث هشام بن خالد (1) ، عن بقية بن الوليد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عَبَّاسٍ (2) قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا جامع أحدُكم زوجته أو جاريته فلا يَنْظُرْ إلى فَرْجِها، فإنّ ذَلِكَ يُوْرِثُ العمى)) . رَوَاهُ من هَذِهِ الطريق ابن أبي حاتم في " العلل " (3) ، وابن حبان في " المجروحين " (4) ، وابن عدي في " الكامل " (5) ، والبيهقي في " السنن الكبرى " (6) ، وابن عساكر (7) في " تاريخ دمشق " (8) .   (1) هُوَ أَبُو مروان هشام بن خالد الأزرق الدمشقي السلامي، مولى بني أمية: صدوق، ولد سنة (153 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (154 هـ‍) ، وتوفي سنة (249 هـ‍) . تهذيب الكمال 7/401 (7169) ، وميزان الاعتدال 4/298، والتقريب (7291) . (2) حبر الأمة البحر، أبو العباس عَبْد الله، ابن عم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - العباس بن عَبْد المطلب القرشي الهاشمي، ولد قَبْلَ الهجرة بسنتين، وتوفي سنة (67 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (68 هـ‍) . معجم الصحابة، لابن قانع 8/2905، وسير أعلام النبلاء 3/331 و 359، والإصابة 2/330. (3) 2/295 (2394) . (4) 1/231، طبعة السلفي. (5) 2/265. ومن طريقه ابن الجوزي في " الموضوعات " 2/271. (6) 7/94 و 95. (7) الإمام الحافظ علي بن الحسن بن هبة الله، أبو القاسم الدمشقي الشَّافِعِيّ، المعروف بابن عساكر، ولد سنة (499 هـ‍) وصنف الكثير، فمن ذَلِكَ " تاريخ دمشق " و " تبيين كذب المفتري " وغيرهما، توفي سنة (571 هـ‍) . انظر: وفيات الأعيان 2/309، وسير أعلام النبلاء 20/554، وشذرات الذهب 4/239. (8) 46/303، ورواه مرة أخرى 65/369 من طريق هشام بن عمار، عن بقية، بِهِ. قَالَ الألباني: ((فلا أدري هَذِهِ متابعة من هشام بن عمار لهشام بن خالد، أم أن قوله: ((عمار)) محرف عن خالد، كَمَا أرجح)) . سلسلة الأحاديث الضعيفة (195) . ولعل ما رجحه الألباني هُوَ الأقرب، فما رَوَاهُ من طريقه وَهُوَ نسخة من عدة أحاديث، رواها ابن حبان في " المجروحين " 1/231، وابن عدي في الكامل 2/265 من طريق هشام بن خالد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1 والحديث هَذَا أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1) ، وَقَالَ أبو حاتم - بَعْدَ أن أورده مع حديثين آخرين -: ((هَذِهِ الثلاث الأحاديث موضوعة لا أصل لها، وَكَانَ بقية يدلس، فظن هؤلاء أنه يقول في كُلّ حَدِيْث ((حَدَّثَنَا)) وَلَمْ يفتقدوا الخبر مِنْهُ)) (2) . وَقَالَ ابن حبان: ((يشبه أن يَكُوْن بقية سمعه من إنسان ضعيف عن ابن جريج، فدلس عَنْهُ، فالتزق كُلّ ذَلِكَ بِهِ)) (3) . وَقَالَ ابن عدي بَعْدَ روايته: ((حدثناه بهذا الإسناد ثلاثة أحاديث أخر مناكير، وهذه الأحاديث يشبه أن تكون بَيْنَ بقية وابن جريج بعض المجهولين أو بعض الضعفاء؛ لأن بقية كثيراً ما يدخل بَيْنَ نفسه وبين ابن جريج بعض الضعفاء أو بعض المجهولين)) (4) . فمن هَذَا كله يتضح أن بقية قَدْ دلسه عن بعض الواهين، أو لربما دلّس مشيخة ابن جريج، لاسيما وَقَدْ عنعن ابن جريج، وَهُوَ لا يكاد يدلس إلا عن مطعون فِيْهِ (5) . أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (نظر الزوج إلى فرج زوجته أو حليلته) : اختلف الفقهاء في جواز نظر الزوج إلى فرج زوجته أو ملك يده عَلَى مذهبين: الأول: يكره للزوج النظر إلى فرج زوجته، كَمَا يكره للزوجة النظر إلى فرج زوجها، وإليه ذهب الشافعية (6) ، والحنابلة (7) . الثاني: ذهب جمهور الفقهاء إلى إباحة نظر كُلّ من الزوجين إلى فرج الآخر، ونظر المالك إلى فرج مملوكته، ونظر المملوكة إلى فرج مالكها. وبه قَالَ   (1) 2/271. (2) علل الْحَدِيْث 2/295 (2394) . (3) المجروحين 1/231، طبعة السلفي. (4) الكامل 2/265. (5) انظر: ميزان الاعتدال 1/333، ونصب الراية 4/248، والسلسلة الضعيفة (195) ، والتعليق عَلَى تهذيب الكمال 4/562. (6) نهاية المحتاج 6/195، ومغني المحتاج 3/134، والإقناع، للشربيني 2/404. (7) المغني 6/557. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2 الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، والظاهرية (3) . ومع ذَلِكَ فإن الحنفية قالوا: الأولى عدم النظر (4) . الدكتور ماهر ياسين الفحل   (1) بدائع الصنائع 5/118. (2) شرح منح الجليل 2/5. (3) المحلى 10/33. (4) المبسوط، للسرخسي 10/148. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 حَدِيْث المسح عَلَى الجوربين هُوَ: ما تفرد بِهِ (1) أبو قيس: عَبْد الرحمان بن ثروان (2) ، عن هزيل بن شرحبيل (3) ، عن المغيرة بن شعبة (4) ، قَالَ: ((توضّأ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ومسح عَلَى الجوربين)) .   (1) وَقَدْ نص عَلَى تفرده الإمام المبجل أحمد بن حَنْبَل فِيْمَا نقل عَنْهُ ابنه عَبْد الله، إِذْ قَالَ: ((حدّثت أبي بهذا الْحَدِيْث، فَقَالَ أبي: ليس يروى هَذَا إلا من حَدِيْث أبي قيس، قَالَ أبي: إن عَبْد الرحمان بن مهدي [أبى] أن يحدث بِهِ يقول: هُوَ منكر)) . السنن الكبرى، للبيهقي 1/284. وكذلك أشار إلى تفرده الإمام الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ في " علله ": ((وَهُوَ مِمَّا يغمز عَلَيْهِ بِهِ؛ لأن المحفوظ عن المغيرة المسح عَلَى الخفين)) . العلل 7/112، وفيه: ((يعد)) بدل ((يغمز)) ، وأشار في الحاشية أن في نسخة (هـ‍) : ((يغمز)) ، ولعل ما ترك هُوَ الصواب، والله أعلم. (2) قَالَ فِيْهِ الإمام أحمد: ((يخالف في أحاديثه)) ، وَقَالَ ابن معين: ((ثقة)) ، وَقَالَ العجلي: ((ثقة ثبت)) ، وَقَالَ أبو حاتم: ((ليس بقوي، هُوَ قليل الْحَدِيْث، وليس بحافظ، قِيْلَ لَهُ: كيف حديثه؟ فَقَالَ صالح هُوَ لين الْحَدِيْث)) ، وَقَالَ النسائي: ((ليس بِهِ بأس)) ، وذكره ابن حبان في الثقات 5/96. انظر: تهذيب الكمال 4/382، وَقَدْ جمع الحافظ ابن حجر في التقريب (3823) أقوال النقاد فَقَالَ: ((صدوق ربما خالف)) . (3) هزيل - بالتصغير -، ابن شرحبيل الأودي الكوفي: ثقة مخضرم. الثقات 5/514، والكاشف 2/335 (5954) ، والتقريب (7283) . (4) هُوَ الصَّحَابِيّ الجليل المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، توفي سنة (50 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (49 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (51 هـ‍) . معجم الصحابة 13/4853، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 2/91 (1027) ، والإصابة 3/452-453. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 1 وَقَدْ رَوَاهُ من هَذَا الوجه: ابن أبي شيبة (1) ، والإمام أحمد (2) ، وعبد بن حميد (3) ، وأبو داود (4) ، وابن ماجه (5) ، والترمذي (6) ، والنسائي (7) ، وابن المنذر (8) ، وابن خزيمة (9) ، والطحاوي (10) ، وابن حبان (11) ، والطبراني (12) ، وابن حزم (13) ، والبيهقي (14) .   (1) في مصنفه (1973) . (2) في مسنده 4/252. (3) كَمَا في المنتخب من المسند (398) . (4) في سننه (159) . (5) في سننه (559) . (6) في جامعه (99) . (7) في هامش المجتبى 1/83 من نسخة، وَهُوَ في الكبرى (130) ، وَهُوَ من رِوَايَة ابن الأحمر كَمَا ذكر المزي في تحفة الأشراف 8/493 (11534) . وَلَمْ يذكره أبو القاسم ابن عساكر. وَقَالَ ابن حجر في النكت الظراف 8/493: ((ذكره المزي في اللحق)) . (8) في الأوسط 1/465 (488) . (9) في صحيحه (198) . (10) في شرح المعاني 1/97. (11) في صحيحه (1335) وفي طبعة الرسالة (1338) . (12) في الكبير 20/ (996) . (13) في المحلى 2/81-82. (14) السنن الكبرى 1/283. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2 هكذا تفرد بِهِ أبو قيس، عن شرحبيل (1) ، وَقَدْ صححه بعض أهل العلم مِنْهُمْ: الترمذي (2) ، وابن خزيمة وابن حبان (3) ، وغيرهم (4)   (1) انظر: تحفة الأشراف 8/198 (11534) ، وإتحاف المهرة 13/443 (16983) . وَقَالَ الإمام أحمد: ((ليس يروى هَذَا إلا من حَدِيْث أبي قيس)) تهذيب السنن 1/121-122. (2) فَقَدْ قَالَ في جامعه 1/144: ((حسن صحيح)) . (3) إذ أخرجاه في صحيحيهما. (4) كالقاسمي في رسالته: ((المسح عَلَى الجوربين)) ، والعلامة أحمد مُحَمَّد شاكر في تعليقه عَلَى جامع الترمذي 1/167، وشعيب الأرناؤوط في تعليقه عَلَى السير 17/480-481، أما شَيْخُنَا الدكتور بشار فَقَد اضطرب حكمه جداً في هَذَا الْحَدِيْث فَقَالَ في تعليقه عَلَى جامع الترمذي 1/144 المطبوع عام 1996 (كَذَا) معقباً عَلَى قَوْل الإمام الترمذي: ((كَذَا قَالَ، وَهُوَ اجتهاده، عَلَى أن أكثر العلماء المتقدمين قَدْ عدوه شاذاً، لانفراد أبي قيس بهذه الرِّوَايَة، مِنْهُمْ: أحمد، وابن معين، وابن المديني، ومسلم، والثوري، وعبد الرحمان بن مهدي؛ لأن المعروف من حَدِيْث المغيرة: المسح عَلَى الخفين فَقَطْ، ويصحح حكمنا عَلَى ابن ماجه (559)) ) . وَقَدْ رجعنا إلى سنن ابن ماجه المطبوع عام 1998، الطبعة الأولى فوجدنا الحكم: ((إسناده صَحِيْح، رجاله رجال الصَّحِيْح، وَقَالَ أبو داود … )) 1/448، لكنا وجدنا الدكتور بشار قَالَ في آخر تحقيقه لابن ماجه 6/697: ((يرجى من القارئ الكريم اعتماد الأحكام الآتية في تعليقنا عَلَى أحاديث ابن ماجه)) ، ثُمَّ كتب: ((559- إسناده صَحِيْح لكنه شاذ، وَقَدْ قَالَ أبو داود … )) ، والغريب أن الدكتور بشار قَدْ غيّر أحكامه في هَذَا الْحَدِيْث مراراً وأصر عَلَى تصحيح سند الْحَدِيْث مع اعترافه بتفرد أبي قيس: عَبْد الرحمان بن ثروان، عَلَى أنه قَالَ في التحرير 2/311: ((صدوق حسن الْحَدِيْث)) ، وبالغ في شرح مصطلحه هَذَا في مقدمة التحرير 1/48، ومقدمة ابن ماجه 1/24 بأن راويه يحسن لَهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 3 عَلَى أنّ آخرين من جهابذة هَذَا الفن قَدْ أعلوا الْحَدِيْث بتفرد أبي قيس عن هزيل ابن شرحبيل، وأعلوا الْحَدِيْث بهذا التفرد. قَالَ علي بن المديني: ((حَدِيْث المغيرة رَوَاهُ عن المغيرة أهل الْمَدِيْنَة، وأهل الكوفة، وأهل البصرة، ورواه هزيل بن شرحبيل إلا أنه قَالَ: ((ومسح عَلَى الجوربين)) ، وخالف الناس)) (1) . وَقَالَ يحيى بن معين: ((الناس كلهم يروونه عَلَى الخفين غَيْر أبي قيس)) (2) . وَقَالَ أبو مُحَمَّد يحيى بن منصور (3) : ((رأيت مُسْلِم بن الحجاج ضعف هَذَا الخبر، وَقَالَ أبو قيس الأودي، وهزيل بن شرحبيل لا يحتملان هَذَا مع مخالفتهما الأجلّة الَّذِيْنَ رووا هَذَا الخبر عن المغيرة وقالوا: مسح عَلَى الخفين)) (4) . وَقَالَ النسائي: ((ما نعلم أن أحداً تابع أبا قيس عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة، وَالصَّحِيْح عن المغيرة: أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مسح عَلَى الخفين، والله أعلم)) (5) . وَقَالَ أبو داود: ((كَانَ عَبْد الرحمان بن مهدي لا يحدّث بهذا الْحَدِيْث؛ لأن المعروف عن المغيرة أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مسح عَلَى الخفين)) (6) .   (1) السنن الكبرى، للبيهقي 1/284. (2) السنن الكبرى، للبيهقي 1/284. (3) هُوَ أبو مُحَمَّد يحيى بن منصور بن يحيى بن عَبْد الملك القاضي بنيسابور، وَكَانَ غزير الْحَدِيْث، توفي سنة (351 هـ‍) . سير أعلام النبلاء 16/28، وتاريخ الاسلام: 66 وفيات (351 هـ‍) ، والعبر 2/299. (4) السنن الكبرى، للبيهقي 1/284. (5) السنن الكبرى، للنسائي 1/92 عقيب (130) ، وانظر: تحفة الأشراف 8/198 (11534) (6) سنن أبي داود 1/41 عقيب (159) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 4 وَقَالَ ابن المبارك: ((عرضت هَذَا الْحَدِيْث – يعني حَدِيْث المغيرة من رِوَايَة أبي قيس – عَلَى الثوري فَقَالَ: لَمْ يجئ بِهِ غَيْره، فعسى أن يَكُوْن وهماً)) (1) . وذكر البيهقي حَدِيْث المغيرة هَذَا وَقَالَ: ((إنه حَدِيْث منكر ضعّفه سفيان الثوري، وعبد الرحمان بن مهدي، وأحمد بن حَنْبَل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة حَدِيْث المسح عَلَى الخفين)) (2) . قَالَ الإمام النووي: ((وهؤلاء هم أعلام أئمة الْحَدِيْث وإن كَانَ الترمذي قَالَ: حَدِيْث حسن [صَحِيْح] فهؤلاء مقدمون عَلَيْهِ، بَلْ كُلّ واحد من هؤلاء لَوْ انفرد قدم عَلَى الترمذي باتفاق أهل الْمَعْرِفَة)) (3) . وَقَالَ المباركفوري: ((أكثر الأئمة من أهل الْحَدِيْث حكموا عَلَى هَذَا الْحَدِيْث بأنه ضعيف)) (4) . فحكم نقاد الْحَدِيْث وجهابذة هَذَا الفن عَلَى هَذَا الْحَدِيْث بالرد لتفرد أبي قيس بِهِ لَمْ يَكُنْ أمراً اعتباطياً، وإنما هُوَ نتيجة عن النظر الثاقب والبحث الدقيق والموازنة التامة بَيْنَ الطرق والروايات؛ إِذْ إن هَذَا الْحَدِيْث قَدْ رَوَاهُ الجم الغفير عن المغيرة بن شعبة، وذكروا المسح عَلَى الخفين، وهم: أبو إدريس (5) الخولاني (6) . الأسود (7)   (1) التمييز: 156. (2) تحفة الأحوذي 1/330. (3) المجموع 1/500. (4) تحفة الأحوذي 1/331. (5) القاضي عائذ الله بن عَبْد الله، أبو إدريس الخولاني، ولد في حياة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، ومات سنة (80هـ‍) . سير أعلام النبلاء: 542 وفيات (80 هـ‍) ، والتقريب (3115) . (6) وحديثه عِنْدَ الطبراني في الكبير 20/ (1085) . (7) هُوَ أَبُو سلام الأسود بن هلال المحاربي الكوفي: مخضرم، ثقة، توفي سنة (84 هـ‍) أدرك النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -. تهذيب الكمال 1/262-263 (500) ، والإصابة 1/105، والتقريب (508) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 5 بن هلال (1) . أبو أمامة (2) الباهلي (3) . بشر (4) بن قحيف (5) . بكر (6) بن عَبْد الله المزني (7) . جبير (8) بن حية الثقفي (9) . الحسن البصري (10) . حمزة (11)   (1) وحديثه عِنْدَ: مُسْلِم 1/157 (274) (76) ، والطبراني في الكبير 20/ (971) ، والبيهقي 1/83. (2) صاحب رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، نزيل حمص، صدي بن عجلان بن وهب، توفي سنة (86 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (81) . تهذيب الكمال 3/451 (2858) ، وتاريخ الإِسْلاَم: 226 و 230 وفيات (86 هـ‍) ، وسير أعلام النبلاء 3/359. (3) وحديثه عِنْدَ: أحمد 4/254، والطبراني في الكبير 20/ (858) . (4) بشر بن قحيف العامري، (ذكره ابن حبان في ثقاته) . التاريخ الكبير 2/81-82، والجرح والتعديل 2/363-364، والثقات 4/69. (5) وذكر في أطراف الغرائب والأفراد 4/301، أن اسمه: بشر بن سعيد وحديثه عِنْدَ الطبراني 20/ (984) و (985) . (6) هُوَ أَبُو عَبْد الله بكر بن عَبْد الله المزني البصري، (ثقة، ثبت، جليل) ، توفي سنة (106 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (108 هـ‍) . الثقات 4/74، وتهذيب الكمال 1/373 (735) ، والتقريب (743) . (7) وحديثه عِنْدَ: الطيالسي (691) ، وأحمد 4/247. (8) هُوَ جبير بن حية بن مسعود الثقفي: ثقة، جليل، مات في خلافة عَبْد الملك بن مروان. الثقات 4/111، وتهذيب الكمال 1/438 (884) ، والتقريب (899) . (9) وحديثه عِنْدَ الطبراني في الكبير 20/ (1050) . (10) وحديثه عِنْدَ: أبي داود (152) ، والطبراني في الكبير 20/ (1051) ، والبيهقي 1/292. (11) هُوَ حمزة بن المغيرة بن شعبة الثقفي التَّابِعِيّ: ثقة. الثقات 4/168، وتهذيب الكمال 2/296 (1498) ، والتقريب (1533) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 6 بن المغيرة بن شعبة (1) . زرارة (2) بن أوفى (3) . الزهري (4) . زياد (5) بن علاقة (6) . أبو السائب (7)   (1) وحديثه عِنْدَ الشَّافِعِيّ (74) بتحقيقنا، وعبد الرزاق (749) ، والحميدي (757) ، وابن أبي شيبة (1871) ، وأحمد 4/248 و 251 و 255، ومسلم 1/159 (274) (82) و (83) و 2/27 (274) عقيب (105) ، وأبي داود (150) ، والترمذي (100) ، والنسائي في المجتبى 1/76 و 83، وفي الكبرى (82) و (107) و (108) و (109) و (110) و (167) ، وابن الجارود (83) ، وأبي عوانة 1/259، وابن حبان (1343) و (1344) ، وطبعة الرسالة (1346) و (1347) ، والطبراني في الكبير 20/ (889) ، والدارقطني 1/192، والبيهقي 1/58 و 60 و 281. تنبيه: ورد في بعض الروايات: ((عن ابن المغيرة عن أبيه)) بدون ذكر اسمه، إلا أن الإمام النووي ذكر أن اسمه حمزة بن المغيرة. انظر: شرح النووي عَلَى صَحِيْح مُسْلِم 1/565. (2) الثقة العابد أبو حاجب البصري، زرارة بن أوفى العامري الخرشي، مات فجأة في الصَّلاَة، توفي سنة (93هـ‍) . تهذيب الكمال 3/21 (1962) ، وسير اعلام النبلاء 4/515، والتقريب (2009) . (3) عِنْدَ أبي داود (152) ، والطبراني في الكبير 20/ (1051) . (4) وحديثه عِنْدَ عَبْد الرزاق (747) . (5) هُوَ أبو مالك الكوفي، زيادة بن علاقة الثعلبي، (ثقة) ، رُمي بالنصب، توفي سنة (125 هـ‍) أو بعدها بيسير. تهذيب الكمال 3/55 (2046) ، وتاريخ الإِسْلاَم: 101 وفيات (125 هـ‍) ، والتقريب (2092) . (6) عِنْدَ الترمذي في العلل الكبير (59) ، والطبراني في الكبير 20/ (1018) . (7) أبو السائب الأنصاري المدني، مولى ابن زهرة، ويقال اسمه: عَبْد الله بن السائب، (ثقة) . الثقات 5/561، وتهذيب الكمال 8/316 (7975) ، والتقريب (8113) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 ، مولى هشام بن زهرة (1) . سالم (2) بن أبي الجعد (3) . سعد (4) بن عبيدة (5) . أبو سفيان (6) : طلحة بن نافع (7) . أبو سلمة (8) . أبو الضحى (9) مُسْلِم بن صبيح (10) .   (1) عِنْدَ: أحمد 4/254، وأبي عوانة 1/257، والطبراني في الكبير 20/ (1078) و (1079) و (1080) و (1081) . (2) هُوَ سالم بن أَبِي الجعد الغطفاني الأشجعي مولاهم الكوفي، (ثقة، وَكَانَ يرسل كثيراً، وَكَانَ يدلس) ، مات سنة (97 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (98 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (101 هـ‍) . تهذيب الكمال 3/92 (2126) ، والميزان 2/109 (3045) ، وطبقات المدلسين: 31 (48) . (3) وحديثه عِنْدَ: ابن أبي شيبة (1856) ، والطبراني في الكبير 20/ (972) . (4) هُوَ أبو حمزة سعد بن عبيدة السُّلمي الكوفي: ثقة من الثالثة، مات في ولاية عمر بن هبيرة عَلَى العراق. الطبقات، لابن سعد 6/298، وتهذيب الكمال 3/126 (2204) ، والتقريب (2249) . (5) وحديثه عِنْدَ الطبراني في الكبير 20/ (997) . (6) هُوَ أَبُو سفيان الواسطي، طلحة بن نافع القرشي، ويقال المكي، الإسكاف: صدوق. انظر: الثقات 4/393، وتهذيب الكمال 3/513 (2970) ، والتقريب (3035) . (7) وحديثه عِنْدَ: ابن أبي شيبة (1856) ، والطبراني في الكبير 20/ (972) . (8) وحديثه عِنْدَ: أحمد 4/248، والنسائي 1/18-19، وفي الكبرى (16) ، والطبراني في الكبير 20/ (1062) و (1063) و (1064) ، والبغوي (184) . (9) هُوَ أبو الضحى مُسْلِم بن صبيح –بالتصغير- الهمداني الكوفي العطار: ثقة، فاضل، توفي نحو سنة مئة في خلافة عمر بن عَبْد العزيز. تهذيب الكمال 7/100-101 (6523) ، وسير أعلام النبلاء 5/71، والتقريب (6632) . (10) عِنْدَ عَبْد الرزاق (750) ، وأحمد 4/247. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 عامر بن شراحيل الشعبي (1) . عباد (2) بن زياد (3) . عَبْد الرحمان (4) بن أبي نُعْم (5) . عروة (6)   (1) وحديثه عِنْدَ: أحمد 4/245، والطبراني في الكبير 20/ (990) ، والبيهقي 1/283. (2) عَباد بن زياد، المعروف أبوه بزياد بن أبي سفيان، يكنى أبا حرب، (وثقه ابن حبان) ، توفي سنة (100 هـ‍) . الثقات 7/158، وتهذيب الكمال 4/47 (3066) ، والتقريب (3127) . (3) وحديثه عِنْدَ: مالك (الموطأ: برواية مُحَمَّد بن الحسن: 47، وبرواية أبي مصعب: 87، ورواية الليثي: 79) ، والشافعي بتحقيقنا (76) ، وأحمد 4/247، وعبد الله بن أحمد في زياداته عَلَى المسند 4/247، والنسائي في المجتبى 1/62، وابن عَبْد البر في التمهيد 11/121. تنبيه: رِوَايَة الإمام مالك: ((عن عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة، عن أبيه)) ، وَهُوَ خطأ محض. انظر: التمهيد 11/120، وتاريخ دمشق 26/228، وتهذيب الكمال 4/47، وتنوير الحوالك 1/57، وأوجز المسالك 1/245. (4) هُوَ أبو الحكم الكوفي، عَبْد الرحمان بن أبي نعم: العابد، الصدوق، مات قَبْلَ المئة. انظر: سير أعلام النبلاء 5/62، والكاشف 1/646 (3330) ، والتقريب (4028) . (5) وحديثه عِنْدَ: أحمد 4/246، وأبي داود (156) ، والطبراني في الكبير 20/ (1000) و (1001) و (1002) ، والحاكم 1/170، وأبي نعيم في الحلية 7/335، والبيهقي 1/271-272، وابن عَبْد البر في التمهيد 11/141-142. (6) أبو يعفور عروة بن المغيرة بن شعبة الثقفي التَّابِعِيّ: ثقة، مات بَعْدَ التسعين، كَانَ من أفاضل أهل بيته. الثقات 5/195، وتهذيب الكمال 5/160 (4502) ، والتقريب (4569) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 بن المغيرة بن شعبة (1) . عروة بن الزبير (2) . علي (3) بن ربيعة الوالِبي (4) . عمرو (5)   (1) وحديثه عِنْدَ: الشَّافِعِيّ (73) و (75) بتحقيقنا، والطيالسي (692) ، وعبد الرزاق (748) ، وأحمد 4/249 و 251 و 254 و 255، وعبد بن حميد (397) ، والدارمي (719) ، والبخاري 1/56 (182) و 1/62 (203) و (206) و 6/9 (4421) و 7/186 (5799) ، ومسلم 1/157 (274) (75) و 1/158 (274) (79) و (80) و (81) و 2/26 (274) (105) وأبي داود (149) و (151) ، والنسائي 1/62 و 82، وفي الكبرى (111) و (122) و (165) و (166) ، وابن خزيمة (190) و (191) و (203) و (1642) ، وأبي عوانة 1/255 و 256 و 258، وابن المنذر في الأوسط 1/441 (467) و (468) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/83، وابن حبان (1323) وطبعة الرسالة (1326) ، والطبراني في الكبير 20/ (864) و (865) و (866) و (867) و (868) و (869) و (870) و (871) و (872) و (873) و (874) و (875) و (876) و (877) و (878) و (879) و (880) و (881) و (882) ، والدارقطني 1/194 و197، وابن حزم في المحلى 2/81، والبيهقي 1/274 و 281 و 291، والبغوي (235) و (236) . (2) حديثه عِنْدَ: أحمد 4/246، وأبي داود (161) ، والترمذي (98) ، وابن الجارود (85) ، وابن المنذر في الأوسط 1/454 (475) ، والدارقطني 1/195. (3) علي بن ربيعة بن نضلة الوالبي – بلام مكسورة وموحدة – أبو المغيرة الكوفي: ثقة. الثقات 5/160، وتهذيب الكمال 5/248 (4657) ، والتقريب (4733) . (4) حديثه عِنْدَ: ابن أبي شيبة (1876) ، والطبراني في الكبير 20/ (976) و (977) . (5) هُوَ عمرو بن وهب الثقفي: ثقة، من الثالثة. الثقات 5/169، وتهذيب الكمال 5/475 (5060) ، والتقريب (5135) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 بن وهب الثقفي (1) . فضالة (2) بن عمير، أو عبيد الزهراني (3) . قَبِيصة (4) بن بُرْمة (5) . قتادة بن دعامة (6) . مُحَمَّد بن سيرين (7) . مسروق (8) بن الأجدع (9)   (1) حديثه عِنْدَ: الشَّافِعِيّ (48) بتحقيقنا، والطيالسي (699) ، وابن أبي شيبة (1877) ، وأحمد 4/244 و 247 و 248 و 249، والنسائي 1/77، وفي الكبرى (112) و (168) ، وابن خزيمة (1645) ، وابن حبان (1339) ، وطبعة الرسالة (1342) ، والطبراني في الكبير 20/ (1030) (1031) (1033) (1034) (1035) (1036) (1037) (1038) (1039) (1040) (1041) ، والدارقطني 1/192، والبيهقي 1/58، والبغوي (232) . (2) هُوَ فضالة بن عمير الزهراني، ويقال: ابن عبيد، بصري تنبيه: وَقَدْ صُحّف في الطبراني إلى فضالة بن عمرو الزهواني. التاريخ الكبير 7/124، والجرح والتعديل 7/77، والثقات 5/296. (3) حديثه عِنْدَ: الطبراني في الكبير 20/ (1028) و (1029) . (4) قبيصة بن برمة، وَقِيْلَ: ابن ثرمة، الأسدي، مختلف في صحبته، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين. الثقات 3/345، وتهذيب الكمال 6/93 (5428) ، والتقريب (5509) . (5) حديثه عِنْدَ أحمد 4/248، والطبراني في الكبير 20/ (1007) . (6) حديثه عِنْدَ عَبْد الرزاق (740) . (7) حديثه عِنْدَ أحمد 4/251. (8) هُوَ الإمام أبو عائشة مسروق بن الأجدع بن مالك بن أمية الوادعي الهمداني الكوفي، توفي سنة (62 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (63 هـ‍) : ثقة، فقيه، عابد، مخضرم. طبقات ابن سعد 6/76، وسير أعلام النبلاء 4/63 و 68، والتقريب (6601) . (9) حديثه عِنْدَ: ابن أبي شيبة (1859) ، وأحمد 4/250، والبخاري 1/101 (363) و 1/108 (388) و 4/50 (2918) و 7/185 (5798) ، ومسلم 1/158 (274) (77) و (78) ، وابن ماجه (389) ، والنسائي 1/82، وفي الكبرى (9664) ، وأبي عوانة 1/257، والطبراني في الكبير 20/ (944) و (945) و (946) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 هزيل بن شرحبيل (1) . أَبُو (2) وائل (3) . وَرّاد (4) : كاتب المغيرة (5) . وغيرهم (6) .   (1) وَهُوَ مدار حَدِيْث أبي قيس، وهذا دليل عَلَى أن الوهم من أبي قيس. حديثه عِنْدَ: الطبراني في الكبير 20/ (995) وَهُوَ من رِوَايَة أبي قيس هنا؛ فَهُوَ مضطرب بِهِ، والوهم مِنْهُ. (2) هُوَ أبو وائل الكوفي، شقيق بن سلمة الأسدي: ثقة، مخضرم، مات في زمن الحجاج بَعْدَ وقعة الجماجم، وذكر خليفة أنَّهُ توفي سنة (82 هـ‍) . انظر: الثقات 4/354، وسير أعلام النبلاء 4/161، والتقريب (2816) . (3) حديثه عِنْدَ: عَبْد بن حميد (399) ، والطبراني في الكبير 20/ (968) . (4) هُوَ أَبُو سعيد أو أبو الورد الثقفي الكوفي، كاتب المغيرة ومولاه: ثقة، من الثالثة. الثقات 5/498، وتهذيب الكمال 7/454 (7277) ، والتقريب (7401) . (5) وحديثه عِنْدَ: أحمد 4/251، وأبي داود (165) ، وابن ماجه (550) ، والترمذي (97) ، وفي العلل الكبير (70) ، وابن الجارود (84) ، وابن المنذر في الأوسط 1/453 (474) ، والطبراني في الكبير 20/ (923) و (939) ، والدارقطني 1/195، والبيهقي 1/290، وابن عَبْد البر في التمهيد 11/147-148، وفي هَذِهِ الرِّوَايَة أن النَّبِيّ (كَانَ يمسح أعلى الخفين وأسفلهما. قَالَ التِّرْمِذِيّ: ((سألت محمداً عن هَذَا الْحَدِيْث فَقَالَ: لا يصح هَذَا. روي عن ابن المبارك، عن ثور بن يزيد، قَالَ: حُدثت عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن النَّبِيّ (مرسلاً وضعف هَذَا، وسألت أبا زرعة، فَقَالَ نحواً مِمَّا قَالَ مُحَمَّد بن إسماعيل)) . انظر: العلل الكبير: 56. (6) انظر: المجتبى 1/63، والسنن الكبرى (111) كلاهما للنسائي، والمعجم الكبير، للطبراني 20/ (968) ، والسنن الكبرى، للبيهقي 1/290. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 أقول: إن اجتماع هَذِهِ الكثرة الكاثرة عَلَى خلاف حَدِيْث أبي قيس ريبةٌ قويةٌ تجعل الناقد يجزم بخطأ أبي قيس؛ فعلى هَذَا فإن رِوَايَة أبي قيس معلولة بتفرده الشديد. قَالَ المباركفوري: ((الناس كلهم رووا عن المغيرة بلفظ: ((مسح عَلَى الخفين)) وأبو قيس يخالفهم جميعاً)) (1) . وَقَدْ تكلف الشيخ أحمد شاكر فذكر أنهما واقعتان (2) ، وَهُوَ بعيد إِذْ إنهما لَوْ كانا واقعتين لرواه جمع عن المغيرة كَمَا روي عَنْهُ المسح عَلَى الخفين. ومما يقوي الجزم بإعلال حَدِيْث أبي قيس بالتفرد أنه لَمْ يرد مرفوعاً بأحاديث توازي أحاديث المسح عَلَى الخفين، فسيأتي إنه لَمْ يرد إلا من حَدِيْث أبي موسى وثوبان وبلال، وفي كُلّ واحد مِنْهَا مقال. أما حديث المسح عَلَى الخفين فهو متواتر عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ رَوَاهُ عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أكثر من ستة وستين نفساً ذكرهم الكتاني (3) .   (1) تحفة الأحوذي 1/331. (2) المسح عَلَى الجوربين: 10. (3) في نظم المتناثر 71-72. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 وَقَدْ أسند ابن المنذر (1) إلى الحسن البصري قَالَ: ((حَدَّثَنِي سبعون من أصحاب النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه - عليه السلام -: مسح عَلَى الخفين)) (2)   (1) في الأوسط 1/433 (ث 457) ، ونقله عن الحسن ابن حجر في فتح الباري 1/306، والزرقاني في شرحه 1/113. (2) بقي هناك حَدِيْث يراه غَيْر المتأمل متابعاً لحديث أبي قيس، وَهُوَ ما رَوَاهُ أبو بكر الإسماعيلي في معجم شيوخه: 163 (327) قَالَ: ((حَدَّثَنَا عَبْد الرحمان بن مُحَمَّد بن الحسين بن مرداس الواسطي أبو بكر، من حفظه إملاءً. قَالَ: سَمِعْتُ أحمد بن سنان، يقول: سَمِعْتُ عَبْد الرحمان بن مهدي، يقول: عندي عن المغيرة بن شعبة ثلاثة عشر حديثاً في المسح عَلَى الخفين. فَقَالَ أحمد الدورقي: حَدَّثَنَا يزيد بن= =هارون، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية، عن فضالة بن عمرو الزهراني، عن المغيرة بن شعبة: ((أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح عَلَى الجوربين والنعلين)) ، قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ عنده فاغتم)) . وهذه الرِّوَايَة معلة لا تصح لأمور ثلاثة: الأول: شيخ الاسماعيلي لَمْ أجد مَنْ ترجمه؛ فهو في عداد المجهولين، ويظهر من خلال ترجمته أن الإسماعيلي ليس لَهُ عَلَيْهِ حكم إِذْ لَمْ يصفه بشيء بِهِ وَلَمْ يسق لَهُ سوى هَذَا الْحَدِيْث. الثاني: إن حديثه مخالف فَقَدْ رَوَاهُ الطبراني في الكبير 20/ (1029) قَالَ: ((حَدَّثَنَا إدريس بن جعفر الطيار، قَالَ: حَدَّثَنَا يزيد بن هارون، قَالَ: أَخْبَرَنَا داود بن أبي هند، عن أبي العالية، عن فضالة بن عمرو الزهراني، عن المغيرة بن شعبة، قَالَ: كنا مع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - في مَنْزله فاتبعته فَقَالَ: ((أين تركت الناس؟)) فقلت: تركتهم بمكان كَذَا وكذا، فأناخ راحلته فنَزل، ثُمَّ ذهب فتوارى عني، فاحتبس بقدر ما يقضي الرجل حاجته، ثُمَّ جاء فَقَالَ: ((أمعك ماء؟)) قلت: نعم، فصببت عَلَى يديه فغسل وجهه، ومسح رأسه، وعليه جبة شامية قَدْ ضاقت يداها، فأدخل يده من تحت الجبة، فرفعها عن يديه، ثُمَّ غسل يديه ووجهه، ومسح عَلَى رأسه وخفيه ثُمَّ قَالَ: ((ألك حاجة؟)) ، قلت: لا، قَالَ فركبنا حَتَّى أدركنا الناس)) . الثالث: إن حَدِيْث الإسماعيلي دارت قصته عَلَى الإمام الجهبذ عَبْد الرحمان بن مهدي، وَقَدْ سبق النقل عَنْهُ أنه أعل الْحَدِيْث بتفرد أبي قيس، فلو كانت هَذِهِ القصة ثابتة والواقعة صَحِيْحة لما جعل الحمل عَلَى أبي قيس، وكذلك فإن جهابذة الْمُحَدِّثِيْنَ قَدْ عدوه فرداً لأبي قيس فلو كَانَ حَدِيْث الإسماعيلي ثابتاً لما جزموا بما جزموا. وفي الْحَدِيْث أمر آخر، وَهُوَ أن راويه عن المغيرة فضالة بن عمرو ويقال: ابن عمير، ويقال: ابن عبيد، لَمْ أجد من وثقه إلا أن ابن حبان ذكره في الثقات 5/296، وأورده البخاري في تاريخه الكبير 7/124 (558) ، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 7/77. وَلَمْ يذكرا فِيْهِ جرحاً ولا تعديلاً، ومن كَانَ حاله هكذا فهو في عداد المجهولين، والله أعلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 أثر حَدِيْث أبي قيس في اختلاف الفقهاء (حكم المسح عَلَى الجوربين) اختلف الفقهاء في جواز المسح عَلَى الجوربين عَلَى مذاهب: المذهب الأول: ذهب فريق من الفقهاء إلى جواز المسح عَلَى الجوربين، روي هَذَا عن: علي (1) بن أبي طالب (2) ، وعمار (3) بن ياسر (4) ، وأبي (5)   (1) هُوَ أمير المؤمنين، رابع الخلفاء الراشدين، وأول الناس إسلاماً من الصبيان، أبو الحسن علي بن أبي طالب بن هاشم القرشي الهاشمي، مات شهيداً سنة (40 هـ‍) . أسد الغابة 4/16، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 1/392 (4636) ، والإصابة 2/507 و 510. (2) رَوَاهُ عَنْهُ: عَبْد الرزاق (773) ، وابن أبي شيبة (1980) و (1985) و (1986) ، وابن سعد في الطبقات 6/241، وابن المنذر في الأوسط 1/462 (479) ، والبيهقي 1/285، والمحلى 2/84. (3) الصَّحَابِيّ الجليل عمار بن ياسر بن كنانة، من السابقين الأولين، توفي سنة (37 هـ‍) . معجم الصَّحَابَة 11/3922، وأسد الغابة 4/43، والإصابة 2/512. (4) رَوَاهُ عَنْهُ ابن المنذر في الأوسط 1/463. (5) هُوَ الصَّحَابِيّ الجليل عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري، أبو مسعود البدري، مات قَبْلَ الأربعين وَقِيْلَ بعدها. تهذيب الكمال 5/199 (4573) ، وسير أعلام النبلاء 2/494، والتقريب (4647) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 مسعود (1) ، وأنس بن مالك (2) ، وعبد الله بن عمر (3) ، والبراء (4) بن عازب (5) ، وبلال (6) بن رباح (7) ، وأبي أمامة (8) ، وسهل (9)   (1) رَوَاهُ عَنْهُ: عَبْد الرزاق في المصنف (774) ، وابن أبي شيبة (1988) ، وابن المنذر في الأوسط 1/462، والبيهقي 1/285. (2) رَوَاهُ عَنْهُ: عَبْد الرزاق (797) ، وابن أبي شيبة (1978) و (1982) ، والدولابي في الكنى 1/181، وابن المنذر في الأوسط 1/462، والبيهقي 1/285، وابن حزم في المحلى 2/60 و 85. (3) رَوَاهُ عَنْهُ: عبد الرزاق (776) ، وابن المنذر في الأوسط 1/462-463، وابن حزم في المحلى 2/84. (4) هُوَ الصحابي بن الصَّحَابِيّ، البراء بن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي الحارثي، يكنى أبا عمارة، توفي سنة (72 هـ‍) . معجم الصَّحَابَة 2/703، والاستيعاب 1/139-140، والإصابة 1/142. (5) رَوَاهُ عَنْهُ: عَبْد الرزاق (777) ، وابن أبي شيبة (1984) ، وابن المنذر في الأوسط 1/463، وابن حزم في المحلى 2/84. (6) بلال بن رباح الحبشي مولى أبي بكر الصديق، أحد السابقين الأولين الَّذِيْنَ عذبوا في الله، أَذَّنَ لرسول الله (طول حياته، توفي سنة (20 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (21 هـ‍) . معجم الصَّحَابَة 2/641، وسير أعلام النبلاء 1/347، وتاريخ الإِسْلاَم: 201 و 205 (عهد الخلفاء الراشدين) . (7) رَوَاهُ عَنْهُ ابن المنذر في الأوسط 1/463. (8) رَوَاهُ عَنْهُ ابن أبي شيبة (1983) و (1984) ، وابن المنذر في الأوسط 1/463. (9) هُوَ الصَّحَابِيّ الجليل أبو العباس سهل بن سعد بن مالك الأنصاري الخزرجي الساعدي، توفي سنة (88 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (91 هـ‍) . معجم الصَّحَابَة 5/1979، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 1/244 (2558) ، وسير أعلام النبلاء 3/422 و 423. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 بن سعد (1) . وَهُوَ مروي عن: نافع (2) وعطاء (3) ، وإبراهيم النخعي (4) ، وسعيد (5) بن جبير (6) ، وسفيان الثوري (7) ، وعبد الله بن المبارك (8) . وإليه ذهب: داود (9) (10) ، وابن حزم (11) . وذهب بعض الفقهاء إلى جواز المسح عَلَى الجوربين إلا أنهم اشترطوا أن يَكُوْن الجوربان صفيقين.   (1) رَوَاهُ عَنْهُ ابن أبي شيبة (1990) ، وابن المنذر في الأوسط 1/463، وانظر: المحلى 2/86. (2) رَوَاهُ عَنْهُ ابن أبي شيبة (1992) . (3) رَوَاهُ عَنْهُ ابن أبي شيبة (1991) . (4) رَوَاهُ عَنْهُ: عبد الرزاق (775) ، وابن أبي شيبة (1977) ، وانظر: الأوسط، لابن المنذر 1/464. (5) سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي، أَبُو مُحَمَّد ويقال: أبو عَبْد الله الكوفي، وَكَانَ فقيهاً عابداً ورعاً فاضلاً، توفي سنة (95 هـ‍) . الثقات 4/275، وتهذيب الكمال 3/141 (2229) ، والأعلام 3/93. (6) رَوَاهُ عَنْهُ ابن أبي شيبة (1989) . (7) انظر: الجامع الكبير، للترمذي 1/44 عقيب (99) ، والأوسط 1/464، والمحلى 2/86، وبداية المجتهد 1/14. (8) انظر المصادر السابقة. (9) هُوَ الإمام، رئيس أهل الظاهر داود بن علي بن خلف،، أَبُو سليمان البغدادي المعروف بالأصبهاني، ولد سنة (202 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (200 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (201 هـ‍) لَهُ الكثير من المصنفات مِنْهَا: "الإيضاح " و " الأصول "، توفي سنة (270 هـ‍) . الأنساب 4/77، ووفيات الأعيان 2/255 و 256 و 257، وسير أعلام النبلاء 13/97. (10) المحلى 2/86. (11) المحلى 2/86. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 وَهُوَ مروي عن سعيد بن المسيب (1) ، وإليه ذهب أبو حَنِيْفَة (2) ، والشافعي (3) ، وأحمد (4) . وَقَالَ الإمام مالك بالجواز إذا كَانَ أسفلهما مخرزاً بجلد (5) . المذهب الثاني: وَهُوَ عدم الجواز، وَهُوَ مروي عن: مجاهد، وعمرو بن دينار (6) ، والحسن بن مُسْلِم (7) ، وعطاء في آخر قوليه (8) ، والأوزاعي (9) . وَهُوَ المشهور عن مالك (10) . واحتج من قَالَ بالجواز مطلقاً بحديث أبي قيس السابق، وَقَدْ تقدم ما فِيْهِ، واحتجوا كذلك:   (1) انظر: فقه الإمام سعيد 1/98 لشيخنا العلامة الدكتور هاشم جميل. (2) هَذَا القَوْل قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيْفَة في آخر عمره، وَهُوَ مذهب أبي يوسف ومحمد. انظر: تبيين الحقائق 1/52، والمبسوط 1/102، وبدائع الصنائع 1/10، والاختيار 1/25، والهداية 1/30. (3) الأم 1/34، والحاوي 1/444، والمجموع 1/499. (4) المقنع: 15، والمغني 1/298، وشرح الزركشي 1/206. (5) نقل هَذَا عَنْهُ ابن القاسم، وَقَالَ بَعْدَ نقله: ((رجع عَنْهَا فَقَالَ: لا يمسح)) . انظر: المدونة 1/40، والكافي 1/27، والتمهيد 11/156-157، والاستذكار 1/264. (6) الثقة الثبت أبو مُحَمَّد الأثرم الجمحي، عمرو بن دينار المكي، توفي سنة (126 هـ‍) . تهذيب الكمال 5/408 (4949) ، وسير أعلام النبلاء 5/300، والتقريب (5024) . (7) هُوَ أبو علي الحسن بن مُسْلِم بن أَبِي الحسن الفارسي الحوري العراقي، كَانَ زاهداً، توفي سنة (594 هـ‍ـ) . سير أعلام النبلاء 21/301 و 302، وتاريخ الإِسْلاَم: 158-159 وفيات (94 هـ‍) ، وشذرات الذهب 4/316. (8) نقله عَنْهُمْ ابن المنذر في الأوسط 1/465. (9) الأوسط 1/465، وشرح السنة 1/458. (10) انظر: المدونة 1/40، والكافي 1/27، والتمهيد 11/157، والاستذكار 1/264، وبداية المجتهد 1/14. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 بما روي عن أبي موسى الأشعري؛ أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح عَلَى الجوربين والنعلين. رَوَاهُ: ابن ماجه (1) ، والطحاوي (2) ، والبيهقي (3) . ويجاب عَنْهُ: بأنه ضعيف؛ لأن في سنده عيسى بن سنان الحنفي، وفيه مقال (4) ، ثُمَّ إن أبا داود قَدْ حكم عَلَى هَذَا الْحَدِيْث بالانقطاع (5) ، وبيّن البيهقي هَذَا الانقطاع وَهُوَ أن الضحاك بن عَبْد الرحمان (6) لم يثبت سماعه من أبي موسى (7) . واحتجوا بما ورد عن راشد بن سعد (8)   (1) في سننه (560) . (2) في شرح معاني الآثار 1/97. (3) السنن الكبرى 1/284-285. (4) قَالَ ابن القطان: ((لَمْ تثبت عدالته، بَلْ ضعفه ابن حَنْبَل وابن معين)) . بيان الوهم والإيهام 3/600-601 (1403) ، وَقَالَ ابن حجر في التقريب (5295) : ((لين الْحَدِيْث)) . (5) سنن أبي داود 1/41 عقيب (159) . (6) هُوَ أبو زرعة الضحاك بن عَبْد الرحمان بن أبي حوشب النصري، ويقال: بن حوشب: ثقة. التاريخ الكبير 4/333، وتهذيب الكمال 3/475 (2906) ، والتقريب (2970) . (7) السنن الكبرى 1/285، وانظر: تحفة الأحوذي 1/331. (8) راشد بن سعد المقرائي الحمصي: ثقة، كثير الإرسال، توفي سنة (108 هـ‍) . التاريخ الكبير 3/292، وتهذيب الكمال 2/445 و 446 (1811) ، والتقريب (1854) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 ، عن ثوبان قَالَ: بعث رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فأصابهم البرد فلما قدموا عَلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - شكوا إِلَيْهِ ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا عَلَى العصائب والتساخين. أخرجه: الإمام أحمد (1) ، وأبو داود (2) ، والطبراني (3) ، وأبو (4) عبيد (5) ، والحاكم (6) ، والبيهقي (7) ، والبغوي (8) . قَالَ الْحَاكِم: ((هَذَا حَدِيْث صَحِيْح عَلَى شرط مُسْلِم)) (9) . وتعقبه الذهبي في السير بقوله: ((خطأ: فإن الشيخين ما احتجا براشد، ولا ثور (10) من شرط مُسْلِم)) (11)   (1) في المسند 5/277. (2) في سننه (146) . (3) في مسند الشاميين (477) . (4) الإمام الثقة أبو عبيد القاسم بن سلاّم البغدادي صاحب التصانيف الجيدة مِنْهَا: " الأموال " و " الناسخ والمنسوخ "، توفى سنة (224 هـ‍) . انظر: الثقات 9/16، وتهذيب الكمال 6/66 (5381) ، والتقريب (5462) . (5) في غريب الْحَدِيْث 1/187. (6) في المستدرك 1/169. (7) في سننه الكبرى 1/62. (8) في شرح السنة (233) (234) . (9) المستدرك 1/169. (10) ثور بن يزيد بن زياد الكلاعي الحمصي الشامي، أبو خالد، ويكنى أَيْضاً: أبا يزيد: ثقة ثبت، إلا أنَّهُ يرى القدر، توفي سنة (153 هـ‍) . طبقات خليفة: 317، وتهذيب الكمال 1/419 (846) ، والتقريب (861) . (11) سير أعلام النبلاء 4/491. فائدة: هنا مسألة ينبغي التنبيه عَلَيْهَا، وَهِيَ: ما شاع وانتشر بَيْنَ الباحثين عِنْدَ نقلهم عن الْحَاكِم تصحيحه لحديث من كتاب المستدرك: ((صححه الحاكم ووافقه الذهبي)) وهذه مسألة لَمْ تكن معروفة عِنْدَ المتقدمين بَلْ شهرها ونشرها علاّمة مصر ومحدّثها الشيخ أحمد شاكر – يرحمه الله -، ثُمَّ طفحت بِهَا كتب الشَّيْخ العلامة مُحَمَّد ناصر الدين الألباني، والشيخ شعيب الأرناؤوط، حَتَّى عمّت عِنْدَ أغلب الباحثين. وهذا خطأ ينبغي التنبيه عَلَيْهِ والتحذير مِنْهُ؛ لأن الإمام الذهبي لَمْ يحقق "المستدرك"، بَل اختصره كَمَا اختصر عدداً من الكتب، وَكَانَ من صنيع هَذَا الإمام العظيم أن يعلق أحياناً عَلَى بعض الأحاديث لا أنّه يريد تحقيقها والحكم عَلَيْهَا وتتبعها جميعها وذلك لأن الذهبي ضعّف كثيراً من الأحاديث الَّتِيْ في "المستدرك" في كتبه الأخرى ك‍" الميزان " وغيره. ثُمَّ إنه نص عَلَى أن الكتاب يعوزه تحرير وعمل. (السير 17/176) فلو أنه وافق الْحَاكِم عَلَى جميع ما سكت عَلَيْهِ لما قَالَ ذَلِكَ. وهذا دليل من مئات بَلْ ألوف من الأدلة عَلَى أن أحكام " التلخيص " بشأن تصحيح الأحاديث ليس كلام الذهبي بَلْ هُوَ كلام الْحَاكِم اختصره الذهبي فإن هَذَا الْحَدِيْث في " التلخيص " 1/169: ((عَلَى شرط م)) وفي السير ما يخالف هَذَا الحكم. ومن خطأ الشيخ أحمد شاكر في هَذَا الْحَدِيْث أنه قَالَ: ((صححه عَلَى شرط مُسْلِم، ووافقه الذهبي)) المسح عَلَى الجوربين: 5. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 إلا أن الذهبي أورد الْحَدِيْث من طريق أبي داود وَقَالَ: ((إسناده قويٌّ)) (1) . لَكِنْ أعلَّ بعض أهل العلم هَذَا الْحَدِيْث بالانقطاع فَقَدْ قَالَ ابن أبي حاتم: ((أنبأنا عَبْد الله بن أحمد بن حَنْبَل (2) فِيْمَا كتب إليَّ قَالَ: قَالَ أحمد – يعني ابن حَنْبَل –: راشد ابن سعد لَمْ يَسْمَع من ثوبان)) (3) . وَقَالَ الحافظ ابن حجر: ((قَالَ أبو حاتم: والحربي لَمْ يَسْمَع من ثوبان، وَقَالَ الخلال (4) عن أحمد: لا ينبغي أن يَكُوْن سَمِعَ مِنْهُ)) (5) . لَكِنْ يجاب عن هَذَا الحكم بالانقطاع أن الإمام البخاري قَدْ أثبت سَمَاع راشد من ثوبان فَقَالَ: ((سَمِعَ ثوبان)) (6) . واعترض عَلَى معنى الْحَدِيْث فإن من احتج بِهِ ذكر أن التساخين عِنْدَ بعض أهل اللغة هِيَ كُلّ ما يسخن بِهِ القدم من خف وجورب (7) . ويجاب عن هَذَا بأن المعجمات اللغوية وكتب غريب الْحَدِيْث أوردت للتساخين ثلاثة تفاسير: الأول: إنها الخفاف وَقَدْ اقتصرت كثير من المعجمات عَلَى ذَلِكَ. الثاني: كُلّ ما يُسَخَّن القدم من خفٍّ وجورب ونحوه. الثالث: إنها هِيَ تعريب ((تَشْكَن)) وَهُوَ اسم غطاء من أغطية الرأس نقله ابن الأثير عن حمزة الأصفهاني في كتابه " الموازنة "، ويرى أن تفسيره بالخف وهم من اللغويين العرب حَيْثُ لَمْ يعرفوا فارسيته.   (1) سير أعلام النبلاء 4/491. (2) وَهُوَ في العلل 1/133 للإمام أحمد رِوَايَة عَبْد الله. (3) المراسيل: 59 (207) . (4) هُوَ أَبُو بكر أحمد بن مُحَمَّد بن هارون البغدادي الخلال الشيخ الحنبلي، رأى أحمد بن حَنْبَل، وصنف "الجامع في الفقه" و " العلل " عن أَحْمَد بن حَنْبَل، ولد سنة (234 هـ‍) ، وتوفي سنة (311 هـ‍) . طبقات الحنابلة 2/11، وسير أعلام النبلاء 14/297-298، والعبر 2/154. (5) تهذيب التهذيب 3/226. (6) التاريخ الكبير 3/292. (7) تحفة الأحوذي 1/340. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 فاللغويون غَيْر متفقين عَلَى تفسير التساخين بالخفاف بَلْ حمزة الأصفهاني يراه وهماً والتفسير الثاني للتساخين عام يدخل فِيْهِ التفسير الأول (1) . فعلى هَذَا يَكُوْن تفسير التساخين بالجواريب بعيداً جداً، ولا يوجد ذَلِكَ في معجمات اللغة، والذين ذكروا ذَلِكَ أدخلوه في عموم التفسير الثاني للتساخين. 3. واحتجوا أَيْضاً بما روي عن أنس بن مالك، قَالَ: ((رأيت رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح عَلَى الجوربين عليهما النعلان)) . أخرجه الْخَطِيْب (2) . وأجيب: بأن سند هَذَا الْحَدِيْث تالف لأن فِيْهِ موسى بن عَبْد الله الطويل (3) ، قَالَ ابن حبان: ((رَوَى عن أنس أشياء موضوعة)) . وَقَالَ ابن عدي: ((رَوَى عن أنس مناكير، وَهُوَ مجهول)) (4) . لَكِنْ روي مثل هَذَا الْحَدِيْث من فعل أنس، فَقَدْ رَوَى: عَبْد الرزاق (5) ، وابن أبي شيبة (6) ، والدولابي (7) ، والبيهقي (8) ، عن الأزرق بن قيس (9)   (1) انظر: غريب الْحَدِيْث، لابن سلاّم 1/187، وغريب الْحَدِيْث، للخطابي 2/62، والصحاح 5/2134، ومقاييس اللغة 3/146، وشرح السنة 1/452، وأساس البلاغة: 289، والنهاية 1/189 و 2/352، واللسان 13/207 (سخن) ، والتاج 9/233 (الطبعة القديمة) . (2) في تاريخ بغداد 3/306. (3) هُوَ مجهول يكنى أبا عَبْد الله، فارسيٌّ كَانَ يحدّث ببغداد. الكامل في ضعفاء الرجال 8/69، وميزان الاعتدال 4/209، والكشف الحثيث: 432. (4) ميزان الاعتدال 4/209. (5) في مصنفه (745) و (779) . (6) في مصنفه (1978) . (7) في الكنى 1/181. (8) السنن الكبرى 1/285. (9) الأزرق بن قيس الحارثي البصري: ثقة، توفي بَعْدَ سنة مئة وعشرين. الثقات 4/62، وتهذيب الكمال 1/163 (296) ، والتقريب: (302) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 ، قَالَ: رأيت أنس بن مالك أَحَدَثَ فغسل وجهه ويديه، ومسح عَلَى جوربين من صوف، فقلت: أتمسح عليهما؟ فَقَالَ: إنهما خفان، ولكنهما من صوف)) (1) . قَالَ العلامة أحمد شاكر: ((هَذَا إسناد صَحِيْح)) (2) ، ثُمَّ قَالَ: ((هَذَا الْحَدِيْث موقوف عَلَى أنس، من فعله وقوله. ولكن وجه الحجة فِيْهِ أنه لَمْ يكتفِ بالفعل، بَلْ صرح بأن الجوربين: ((خفان، ولكنهما من صوف)) . وأنس بن مالك صحابيٌّ من أهل اللغة، قَبْلَ دخول العجمة واختلاط الألسنة، فهو يبين أن معنى (الخف) أعم من أن يَكُوْن من الجلد وحده، وأنه يشمل كُلّ ما يستر القدم ويمنع وصول الماء إِلَيْهَا؛ إِذْ إن الخفاف كانت في الأغلب من الجلد، فأبان أنس أن هَذَا الغالب ليس حصراً للخف في أن يَكُوْن من الجلد. وأزال الوهم الَّذِيْ قَدْ يدخل عَلَى الناس من واقع الأمر في الخفاف إِذْ ذاك. وَلَمْ يأت دليل من الشارع يدل عَلَى حصر الخفاف في الَّتِيْ تكون من الجلد فَقَطْ)) (3) . وهذا الفهم المستنبط من فعل أنس - رضي الله عنه - فيه رد عَلَى من اشترط الصفاقة أو التجليد أَوْ التنعيل للجوربين، وَقَدْ شدد ابن حزم النكير عَلَى من اشترط ذَلِكَ فَقَالَ: ((إنه خطأ لا معنى لَهُ؛ لأنه لَمْ يأتِ بِهِ قرآن ولا سنة ولا قياس ولا قَوْل صاحب)) (4) . وَقَدْ بوّب ابن أبي شيبة في كتابه " المصنف " (5) باباً سماه: ((من قَالَ الجوربان بمنْزلة الخفين)) ، ونقل في ذَلِكَ آثاراً عن ابن عمر وعطاء ونافع والحسن.   (1) هَذَا اللفظ للدولابي، والبقية ألفاظهم مقاربة. (2) المسح عَلَى الجوربين: 13. (3) المسح عَلَى الجوربين: 14. (4) المحلى 2/86-87. (5) 1/173 الآثار (1991) – (1994) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 ونستخلص مما تقدم: بأن الأصل هُوَ غسل الرجلين كَمَا هُوَ ظاهر القرآن، والعدول عَنْهُ لا يجوز إلا بأحاديث صحيحة كأحاديث المسح عَلَى الخفين، لذا جاز عِنْدَ جماهير أهل العلم العدول عن غسل الرجلين إلى المسح عَلَى الخفين، أما أحاديث المسح عَلَى الجوربين ففي صحتها كلام كَمَا سبق، فكيف يعدل عن غسل القدمين إلى المسح عَلَى الجوربين مطلقاً، وإلى هَذَا الفهم ذهب الإمام مُسْلِم بقوله: ((لا يترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل)) (1) . فلأجل هَذَا فإن عدداً من أهل العلم اشترطوا لجواز المسح عَلَى الجوربين قيوداً ليكونا في معنى الخفين، ويدخل الجوربان في معنى الخفين، فرأى بعضهم أن الجوربين إذا كانا مجلدين كانا في معنى الخفين، ورأى بعضهم أنهما إذا كانا منعلين كانا في معناهما، وعند بعضهم أنهما إذا كانا صفيقين ثخينين كَانَا في معناهما (2) . والذي أميل إِلَيْهِ أن الجوربين إذا كانا ثخينين فهما في معنى الخفين يجوز المسح عليهما، أما إذا كانا رقيقين فهما ليسا في معنى الخفين، وفي جواز المسح عليهما تأمل، والله أعلم. الدكتور ماهر ياسين الفحل   (1) لَمْ نقف عَلَيْهِ في المطبوع من كتاب التمييز، وذكره البيهقي في السنن الكبرى 1/284. (2) انظر: تحفة الأحوذي 2/336. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتِمّوا)) (1) . وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيْث عن أبي هُرَيْرَةَ ستة من التابعين، وحصل خلاف في لفظه عَلَى النحو الآتي: عَبْد الرَّحْمَان بن يعقوب الحرقي. ولَمْ يختلف عَلَى ابنه فِيْهِ. رَوَاهُ عَنْهُ بلفظ ((فأتموا)) ، أخرجه مالك (2) ، ومن طريقه الشافعي (3) وأحمد (4) والبخاري في القراءة خلف الإمام (5) والطحاوي (6) . وأخرجه من غَيْر طريق مالك: البخاري في القراءة (7) ومسلم (8) . مُحَمَّد بن سيرين. وَلَمْ يختلف عَلَيْهِ فِيْهِ، رَوَاهُ بلفظ: ((فاقضوا)) . وأخرج روايته أحمد (9) والبخاري في القراءة (10) ومسلم في الصَّحِيْح (11) . أبو رافع (12) . وَلَمْ يختلف عَلَيْهِ فِيْهِ، رَوَاهُ بلفظ: ((فاقضوا)) . وروايته عِنْدَ أحمد (13) . همام بن منبه (14)   (1) روايات الْحَدِيْث مطولة ومختصرة والمعنى واحد، وهذه رِوَايَة الشافعي في السنن المأثورة (66) . (2) في الموطأ (175) رِوَايَة الليثي. (3) في السنن المأثورة (67) . ومن طريق الشافعي الطحاوي في شرح المشكل (5572) . (4) في مسنده 2/237 و 460 و 529. (5) 183) و (184) . (6) في شرح المشكل (5571) . (7) 185) . (8) في صحيحه 2/100 (602) (152) . (9) في مسنده 2/382 و 427. (10) في مسنده (186) و (187) و (188) و (189) . (11) 2/100 (602) (154) . (12) هُوَ نفيع الصائغ، أبو رافع المدني نزيل البصرة: تابعي ثقة ثبت، توفي سنة نيف وتسعين. تهذيب الكمال 7/360 (7062) ، وسير أعلام النبلاء 4/414 و 415، والتقريب (7182) . (13) في مسنده 2/489. (14) هُوَ أَبُو عتبة همام بن منبه بن كامل الصنعاني أخو وهب: ثقة، توفي في سنة (132 هـ‍) . انظر: الثقات 5/510، وسير أعلام النبلاء: 5/311، والتقريب (7317) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 1 رَوَاهُ عَنْهُ عَبْد الرزاق (1) ومن طريقه مُسْلِم (2) وأبو عوانة (3) والبيهقي (4) بلفظ: ((فأتموا)) . ورواه أحمد (5) عن عَبْد الرزاق بلفظ: ((فاقضوا)) . أبو سلمة بن عَبْد الرَّحْمَان بن عوف. واختلف عَلَيْهِ في لفظه: مِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ بلفظ: ((فأتموا)) ، وممن رَوَاهُ عَلَى هَذَا الوجه: 1. الزهري: ورواه عَنْهُ: مُحَمَّد بن أبي حفصة (6) ، عِنْدَ أحمد (7) . عُقيل بن خالد الأيلي، عِنْدَ أحمد (8) والبخاري في القراءة (9) . شعيب بن أبي حمزة، وروايته أخرجها البُخَارِيّ (10) . يَحْيَى بن سعيد الأنصاري (11) ، عِنْدَ البُخَارِيّ في القراءة (12) . يزيد بن الهاد، كَمَا أخرجها البُخَارِيّ في القراءة (13) . يونس بن يزيد الأيلي، وروايته عِنْدَ مُسْلِم (14) وأبي داود (15) . معمر بن راشد الأزدي، عِنْدَ التِّرْمِذِيّ (16) .   (1) في مصنفه (3403) . (2) في صحيحه 2/100 (602) (153) . (3) في مسنده 2/83. (4) في سننه الكبرى 2/295 و 298. (5) في مسنده 2/318. (6) هُوَ أبو سلمة، مُحَمَّد بن أبي حفصة، واسم أبيه ميسرة، البصري: صدوق يخطئ. الثقات 7/407، وتهذيب الكمال 6/282-283 (5748) ، والتقريب (5826) . (7) في مسنده 2/239. (8) في مسنده 2/452. (9) 172) و (173) و (174) . (10) في الصَّحِيْح 2/9 (908) ، وفي القراءة (169) . (11) الثقة الثبت أبو سعيد الْقَاضِي، يَحْيَى بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني، توفي في سنة (142هـ‍) . انظر: تهذيب الكمال 8/43 (7431) ، وتاريخ الإسلام: 331 وفيات (144 هـ‍) ، والتقريب (7559) . (12) 170) . (13) 171) . (14) في صحيحه 2/100 (602) (151) . (15) في سننه (572) . (16) في جامعه (327) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2 2. عمر بن أبي سلمة (1) ، رَوَاهُ عَنْهُ: سعد بن إبراهيم (2) ، عِنْدَ ابن أبي شيبة (3) وأحمد (4) . أبو عوانة الوضاح بن عَبْد الله (5) ، عِنْدَ أحمد (6) . ومِنْهُمْ من رَوَاهُ عَنْهُ بلفظ: ((فاقضوا)) ، وممن رَوَاهُ عَلَى هَذَا اللفظ: 1. الزهري، ورواه عَنْهُ: يونس بن يزيد الأيلي، عِنْدَ البُخَارِيّ في القراءة (7) . سليمان (8) بن كَثِيْر العبدي، عِنْدَ البخاري في القراءة (9) . 2. عمر بن أبي سلمة، رَوَاهُ عَنْهُ: سعد بن إبراهيم، عِنْدَ عَبْد الرزاق (10) ومن طريقه أحمد (11) . 3. سعد بن إبراهيم، عِنْدَ الطيالسي (12) وأحمد (13) وأبي داود (14) .   (1) هُوَ عمر بن أبي سلمة بن عَبْد الرحمان بن عوف القرشي الزهري المدني: صدوق يخطئ، توفي سنة (132هـ‍) . الجرح والتعديل 6/117-118، وتهذيب الكمال 5/355-356 (4836) ، والتقريب (4910) . (2) هُوَ أبو إسحاق سعد بن إبراهيم بن عَبْد الرَّحْمَان بن عوف الزهري المدني: ثقة فاضل عابد، توفي سُنَّةُ (126 هـ‍‍) ، وقِيْلَ: (127 هـ‍‍) . الثقات 4/297-298، وتهذيب الكمال 3/115-116 (2183) ، والتقريب (2227) . (3) في مصنفه (7400) . (4) في مسنده 2/472. (5) هُوَ الوضاح بن عَبْد الله اليشكري، أَبُو عوانة الواسطي البزار، مولى يزيد بن عطاء اليشكري: ثقة ثبت، توفي سنة (175 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (176 هـ‍) . التاريخ الكبير 8/181، وتهذيب الكمال 7/456 و 458 (7283) ، والتقريب (7407) . (6) في مسنده 2/387. (7) 179) . (8) هُوَ أبو داود سليمان بن كَثِيْر العبدي البصري: لا بأس بِهِ، توفي سنة (163 هـ‍) . تهذيب الكمال 3/296 (2542) ، وسير أعلام النبلاء 7/294-295، والتقريب (2602) . (9) 175) . (10) في مصنفه (3405) . (11) في مسنده 2/282. (12) في مسنده (2350) . (13) في مسنده 2/382 و 386. (14) في سننه (573) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3 سعيد بن المسيب. واختلف عَلَيْهِ في لفظه، مِنْهُمْ مَن رَوَاهُ عَنْهُ بلفظ: ((فأتموا)) ، وممن رَوَاهُ عَنْهُ عَلَى هَذَا الوجه: 1. الزهري، رَوَاهُ عَنْهُ: معمر بن راشد، عِنْدَ عَبْد الرزاق (1) ومن طريقه أحمد (2) والترمذي (3) . سُفْيَان بن عيينة، في رِوَايَة الدارمي (4) من طريق أبي نُعَيْم عَنْهُ. وروي أيضاً عَنْهُ بلفظ: ((فاقضوا)) ، رَوَاهُ عَنْهُ: 1. الزهري، ورواه عن الزهري سُفْيَان بن عيينة في رِوَايَة جمع من الحفاظ عَنْهُ، وهم: عَلِيّ بن المديني، عِنْدَ البُخَارِيّ في القراءة (5) . أبو نُعَيْم الفضل بن دكين (6) ، في رِوَايَة البُخَارِيّ في القراءة (7) . الحميدي عَبْد الله بن الزبير، كَمَا في مسنده (8) . ابن أبي شيبة، في مصنفه (9) ، ومن طريقه مُسْلِم (10) . أحمد بن حنبل، في مسنده (11) . ابن أبي عمر العدني (12)   (1) في مصنفه (3404) . (2) في مسنده 2/270. (3) في جامعه (328) . (4) في سننه (1286) . (5) 178) . (6) أبو نُعَيْم الفضل بن دكين الكوفي، واسم دكين: عَمْرو بن حماد بن زهير التيمي مولاهم الأحول: ثقة ثبت، توفي سنة (218 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (219 هـ‍) . تذكرة الحفاظ 1/372-373، وسير أعلام النبلاء 10/142 و 151، والتقريب (5401) . (7) 177) . (8) 935) . (9) 7399) . (10) في صحيحه 2/100 (602) (151) . وَلَمْ يسق لفظه، وحكى البيهقي في سننه 2/297 عن مُسْلِم أنَّهُ قَالَ: ((لا أعلم هَذه اللفظة رواها عن الزهري غَيْر ابن عيينة: ((واقضوا ما فاتكم)) ، قَالَ مُسْلِم: أخطأ ابن عيينة في هَذِهِ اللفظة)) . وانظر: فتح الباري 2/118، ورده ابن التركماني. انظر: الجوهر النقي 2/297. (11) 2/238. (12) هُوَ مُحَمَّد بن يَحْيَى بن أَبِي عمر العدني، نزيل مكة: صدوق، صنف "المسند"، توفي سنة (243 هـ‍) . التاريخ الكبير 1/265، وتهذيب الكمال 6/559 (6283) ، والتقريب (6391) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 4 ، عِنْدَ الترمذي (1) . عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عَبْد الرحمان (2) عِنْدَ النسائي (3) . زهير بن حرب، عِنْدَ مُسْلِم (4) . عَمْرو الناقد (5) ، عِنْدَ مُسْلِم (6) . أبو سلمة وسعيد بن المسيب مقرونين، واختلف عَلَيْهِمَا فِيْهِ، فرواه ابن أبي ذئب عن الزهري، واختلف فِيْهِ: فرواه حماد عن ابن أبي ذئب بلفظ: ((فاقضوا)) ، هكذا رَوَاهُ أحمد (7) ، وتابع حماداً آدمُ بن أبي إياس (8) عِنْدَ البُخَارِيّ في القراءة (9) . ورواه ابن أبي فديك (10)   (1) في جامعه (329) وَلَمْ يسق لفظه. (2) هُوَ عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَان بن المسور بن محزمة الزهري البصري: صدوق، توفي سنة (256هـ‍) . تهذيب الكمال 4/272-273 (3528) ، والتقريب (3589) . (3) في المجتبى 2/114، وفي الكبرى (934) . (4) في صحيحه 2/100 (602) (151) وَلَمْ يسق لفظه. (5) هُوَ أبو عثمان البغدادي عَمْرو بن مُحَمَّد بن بكير الناقد: ثقة حافظ، توفي سنة (232هـ‍) . الأنساب 6/344، وسير أعلام النبلاء 11/147، التقريب (5106) . (6) في صحيحه 2/100 (602) (151) وَلَمْ يسق لفظه. (7) في مسنده 2/532 – 533. (8) هُوَ أبو الحسن آدم بن أبي إياس العسقلاني، أصله خراساني: ثقة عابد، توفي سنة (221 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (220هـ‍‍) . تاريخ بغداد 7/27 و 30، وتهذيب الكمال 1/159 و 161 (288) ، والتقريب (132) . (9) 176) ، ورواه في الصَّحِيْح 1/164 (636) عن آدم عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النَّبِيّ (، وعن الزهري، عن أبي سلمة عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النَّبِيّ (وَلَكِنْ بلفظ: ((فأتموا)) . (10) هُوَ أبو إسماعيل مُحَمَّد بن إسماعيل بن مُسْلِم بن أبي فديك الديلي المدني، صدوق، توفي سنة (200 هـ‍) . سير أعلام النبلاء 9/486، ومرآة الجنان 1/353، والتقريب (5736) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 5 عن ابن أبي ذئب بلفظ: ((فأتموا)) ، أخرجه الشَّافِعِيّ (1) ، وتابع ابن أبي فديك أبو النضر (2) عِنْدَ أحمد (3) . وتابع ابن أبي ذئب في روايته الثانية، إبراهيم بن سعد، عِنْدَ مُسْلِم (4) وابن ماجه (5) . وهكذا نجد أنّ الرِّوَايَة بالمعنى أثرت في صياغة الرُّوَاة لمتن الْحَدِيْث، أو المحافظة عَلَى نصه، لِذَا نجد الحَافِظ ابن حجر يلجأ إِلَى الترجيح بالكثرة خروجاً من الخلاف الَّذِي ولَّدَتْهُ الرِّوَايَة بالمعنى، فَقَالَ: ((الحاصل أنّ أكثر الروايات وردت بلفظ: ((فأتموا)) ، وأقلها بلفظ: ((فاقضوا)) … )) (6) . ويمعن أكثر في الترجيح، فَيَقُوْلُ: ((قوله: وما فاتكم فأتموا، أي: فاكملوا: هَذَا هُوَ الصَّحِيْح في رِوَايَة الزهري، ورواه عَنْهُ ابن عيينة بلفظ ((فاقضوا)) ، وحكم مُسْلِم في التمييز (7) عَلَيْهِ بالوهم في هَذِهِ اللفظة، مَعَ أنَّهُ أخرج إسناده في صَحِيْحه (8) ؛ لَكِنْ لَمْ يسق لفظه، وكذا رَوَى أحمد (9) عن عَبْد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: ((فاقضوا)) ، وأخرجه مُسْلِم عن مُحَمَّد بن رافع (10)   (1) في السنن المأثورة (66) . (2) هُوَ هاشم بن القاسم بن مُسْلِم الليثي مولاهم البغدادي، أبو النضر مشهور بكنيته، ولقبه قيصر: ثقة ثبت، ولد سنة (134 هـ‍) ، وتوفي (207 هـ‍) . تهذيب الكمال 7/385و387 (7135) ، وسير أعلام النبلاء 9/545 و546 و548، والتقريب (7256) . (3) في مسنده 2/532-533، والبخاري 2/9 (908) ، وَلَمْ يسق لفظه. (4) في صحيحه 2/100 (602) (151) ، وَلَمْ يسبق لفظه. (5) في سننه (775) . (6) فتح الباري 2/119. (7) لَيْسَ في المطبوع من التمييز. (8) 2/99 (602) (151) . (9) في مسنده 2/318. (10) هُوَ مُحَمَّد بن رافع بن أبي زياد القشيري مولاهم، أبو عَبْد الله النيسابوري: ثقة عابد، توفي سنة (245 هـ‍) . الثقات 9/102، وتهذيب الكمال 6/306 و 307 (5799) ، والتقريب (5876) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 6 عن عَبْد الرزاق بلفظ: ((فأتموا)) (1) . أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (حكم المسبوق في الصَّلاَة) : لا بدَّ لنا قَبْلَ الخوض في تفصيل أحكام المسبوق أن نتعرف عَلَى أحوال المأموم في صلاة ما، وَهُوَ لا يخلو عن ثلاث أحوال: المدرك: وَهُوَ من صلَّى جَمِيْع الصَّلاَة مَعَ الإمام. اللاَّحق: مَن فاتته الركعات كلها أو بعضها مَعَ الإمام عَلَى الرغم من ابتدائه الصَّلاَة مَعَهُ، كأن عرض لَهُ عذر كالنوم أو الزحمة أو غيرها. المسبوق: مَن سبقه الإمام بكل الصَّلاَة أو ببعضها (2) . والذي نودّ التعرف عَلَى حكم إدراكه للصلاة: المسبوق، وَقَد اختلف الفقهاء في أنّ ما أدركه هَلْ هُوَ أول صلاته أم آخر صلاته، وأنّ ما يأتي بِهِ بَعْدَ سلام الإمام هَلْ هُوَ أول صلاته أم أنَّهُ يبني عَلَى ما صلّى فتكون آخر صلاته؟ عَلَى ثلاثة أقوال: القول الأول: أنّ ما أدركه المسبوق مَعَ الإمام هُوَ أول صلاته حكماً وفعلاً، وما يقضيه بَعْدَ سلام الإمام آخر صلاته حكماً وفعلاً. وروي هَذَا عن: عمر، وعلي، وأبي الدرداء (3) ، وعطاء، ومكحول، وعمر بن عَبْد العزيز (4)   (1) فتح الباري 2/118. وانظر: الدر النقي 2/297، وعمدة القارى 5/150. (2) هَذَا التقسيم وتعريفاته عِنْدَ المالكية والحنفية. انظر: الدر المختار 1/594، والموسوعة الفقهية 8/122. (3) الصَّحَابِيّ الجليل أبو الدرداء عويمر بن زيد بن قيس، ويقال: عويمر بن عامر الأنصاري الخزرجي، هُوَ مِمَّنْ حفظ القرآن في حياة رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، توفي سنة (32 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (31 هـ‍) . معجم الصَّحَابَة 11/3930، وتاريخ دمشق 47/93و200 و201، وسير أعلام النبلاء 2/335 و 353. (4) هُوَ أمير المؤمنين الراشد الخامس، أبو حفص عمر بن عَبْد العزيز بن مروان القرشي الأموي المدني أشج بني أمية، ولد سنة (63 هـ‍) ، وتوفي (101 هـ‍) . سير أعلام النبلاء 5/114 و 115 و 148، والبداية والنهاية 9/163 وما بعدها، ومرآة الجنان 1/165 وما بعدها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 ، والزهري، وسعيد بن عَبْد العزيز (1) ، والأوزاعي، وإسحاق، وأبي ثور، وداود، وابن المنذر. وَهُوَ رِوَايَة عن الحسن البصري، وابن سيرين، وأبي قلابة (2) . وإليه ذهب الشافعية (3) وَهُوَ رِوَايَة عن مالك (4) وأحمد (5) ، وبه قَالَ الهادوية والقاسمية والمؤيد بالله والزيدية (6) . واحتجوا بِمَا ورد في لفظ حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ: ((فأتموا)) . القول الثاني: إنّ ما أدركه المسبوق مَعَ الإمام هُوَ أول صلاته بالنسبة للأفعال، وآخرها بالنسبة للأقوال، بمعنى أنَّهُ يَكُوْن قاضياً في القول بانياً في الفعل. روي هَذَا عن: ابن مسعود، وابن عمر، والنخعي، ومجاهد، والشعبي، وعبيد ابن عمير (7) ، والثوري، والحسن بن صالح (8) .   (1) هُوَ الإِمَام سعيد بن عَبْد العزيز بن أبي يَحْيَى، أبو مُحَمَّد التنوخي الدمشقي مفتي دمشق، ولد سنة (90 هـ‍) ، وتوفي سنة (167 هـ‍) . الجرح والتعديل 4/42، والعبر 1/250، وسير أعلام النبلاء 8/32 و 38. (2) المغني 2/266، والمجموع 4/220، وطرح التثريب 2/364، وفقه الإمام سعيد 1/276. (3) الحاوي الكبير 2/250 – 251، والتهذيب 2/168، وروضة الطالبين 1/341، والمجموع 4/220. (4) المدونة 1/97. (5) المغني 2/266، وطرح التثريب 2/364. (6) البحر الزخار 2/326 – 327، والسيل الجرار 1/265 – 266. (7) هُوَ عبيد بن عمير بن قتادة الليثي الجندعي المكي، أبو عاصم، ولد في حياة رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ من ثقات التابعين، توفي سنة (74 هـ‍) . طبقات ابن سعد 5/463، وتذكرة الحفاظ 1/50، وسير أعلام النبلاء 4/156 و 157. (8) الحسن بن صالح بن صالح بن حي، أبو عَبْد الله الهمداني الثوري الكوفي، ولد سنة (100 هـ‍) ، وتوفي (169هـ‍) . طبقات ابن سعد 6/375، والتاريخ الكبير 2/295، وسير أعلام النبلاء 7/361 و 371. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 وَهُوَ الرِّوَايَة الأخرى عن: الحسن البصري، وابن سيرين، وأبي (1) قلابة (2) . وبه قَالَ الحنفية (3) ، والمشهور من مذهب مالك (4) ، والأشهر في مذهب أحمد (5) ، وظاهر مذهب ابن حزم (6) . واستدلوا بالرواية الأخرى في حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ: ((فاقضوا)) . القول الثالث: أنّ ما أدركه المسبوق مَعَ أمامه هُوَ آخر صلاته قولاً وفعلاً، وما بقي أولها. روي هَذَا عن جندب بن عَبْد الله (7) ، وَهُوَ رِوَايَة عن مالك (8) وأحمد (9) . … … … … … … … الدكتور ماهر ياسين الفحل … العراق /الأنبار/الرمادي/ص. ب 735 al-rahman@uruklink.net … … … … … … … … … … … … …   (1) الثقة الفاضل عَبْد الله بن زيد بن عَمْرو أو عامر الجرمي، أبو قلابة البصري، ثقة فاضل، كَثِيْر الإرسال، توفي سنة (104 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (106 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (107 هـ‍) . الأنساب 2/73، وسير أعلام النبلاء 4/468، والتقريب (3333) . (2) المغني 2/265، والإشراف للبغدادي 1/92، وطرح التثريب 2/362. (3) المبسوط 1/35، وبدائع الصنائع 1/168، وشرح فتح القدير 1/277، وتبيين الحقائق 1/152، والبحر الرائق 1/313، وحاشية ابن عابدين 1/368. (4) مختصر خليل: 42، والشرح الكبير 1/345، والفواكه الدواني 1/207، وكفاية الطَّالِب 1/380، والثمر الداني: 150، وحاشية الدسوقي 1/345. (5) المحرر في الفقه 1/96 – 97، والمقنع: 36، والمبدع 2/49. (6) المحلى 4/74. (7) الصَّحَابِيّ أبو عَبْد الله الأزدي جندب بن عَبْد الله ويقال لَهُ جندب بن كعب. انظر: الأنساب 4/201، وتهذيب الكمال 1/483 (958) ، وسير أعلام النبلاء 3/175. (8) القوانين الفقهية: 70، وشرح الزرقاني عَلَى الموطأ 1/344. (9) المغني 2/265. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 حَدِيْث قتيبة بن سعيد، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب (1) ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة (2) ، عن معاذ بن جبل (3) : ((أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ في غزوة تبوك إذا ارتحل قَبْلَ زيغ الشمس أخّر الظهر إلى أن يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعاً، وإذا ارتحل بَعْدَ زيغ الشمس عجّل العصر إلى الظهر، وصلى الظهر والعصر جميعاً ثُمَّ سار. وَكَانَ إذا ارتحل قَبْلَ المغرب أخّر المغرب حَتَّى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بَعْدَ المغرب عجّل العشاء فصلاها مع المغرب)) . رَوَاهُ أحمد (4) ، وأبو داود (5) ، والترمذي (6) ، وابن حبان (7) ، والدارقطني (8)   (1) أبو رجاء يزيد بن أبي حبيب الأزدي، مولاهم المصري: ثقة فقيه وَكَانَ يرسل، ولد بَعْدَ سنة (50 هـ‍) ، وتوفي سنة (128 هـ‍) . تهذيب الكمال 8/118 (7570) ، وسير أعلام النبلاء 6/31، والتقريب (7701) . (2) هُوَ الصَّحَابِيّ أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي، وَهُوَ آخر من مات من الصَّحَابَة، توفي سنة (110 هـ‍) . معجم الصَّحَابَة 11/3886، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 1/289 (3056) ، والعبر 1/118. (3) الصَّحَابِيّ الجليل معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، أسلم وَهُوَ ابن ثماني عشرة سنة، توفي سنة (18 هـ‍) . معجم الصَّحَابَة 13/4596، وأسد الغابة 4/376، والإصابة 3/426-427. (4) في مسنده 5/241. (5) في سننه (1220) . (6) في الجامع (553) و (554) . (7) في صحيحه (1455) و (1590) وفي طبعة دار الرسالة (1458) و (1593) . (8) الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي الدَّارَقُطْنِيّ، من مؤلفاته كتاب "السنن" و "العلل الواردة في الأحاديث النبوية" وغيرهما، ولد في سنة (306 هـ‍) ، وتوفي سنة (385 هـ‍) . سير أعلام النبلاء 16/449 و 457، وتاريخ الإِسْلاَم: 101 وفيات (385 هـ‍) ، والأعلام 4/314. والحديث في سننه 1/392 و 393. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 1 ، والحاكم (1) ، والبيهقي (2) ، والخطيب البغدادي (3) ، والذهبي (4) ، كلهم من طريق قتيبة هَذِهِ. أقول: هَذَا الْحَدِيْث تفرد بِهِ قتيبة، عن الليث، ونص الحفاظ عَلَى ذَلِكَ: قَالَ أبو داود: ((لَمْ يروِ هَذَا الْحَدِيْث إلا قتيبة وحده)) (5) . وَقَالَ الترمذي: ((حَدِيْث معاذ حَدِيْث حسن غريب، تفرّد بِهِ قتيبة، لا نعرف أحداً رَوَاهُ عن الليث غيره. وحديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ: حَدِيْث غريب)) (6) . وَقَالَ البيهقي: ((تفرد بِهِ قتيبة بن سعيد، عن ليث، عن يزيد)) (7) . وَقَالَ الْخَطِيْب: ((لَمْ يروِ حَدِيْث يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن الليث: غَيْر قتيبة)) (8) . وأورده الحافظ ابن طاهر المقدسي في: " أطراف الغرائب والأفراد " (9) . وَقَالَ الذهبي: ((ما رَوَاهُ أحد عن الليث سوى قتيبة)) (10) . وَقَدْ أنكر هَذَا الْحَدِيْث عَلَى قتيبة سنداً ومتناً:   (1) في مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث: 119 و 120. (2) في الكبرى 3/163. (3) في تاريخ بغداد 12/466. (4) الحافظ المؤرخ العلامة المحقق أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن أحمد بن عثمان شمس الدين الذهبي من مؤلفاته: "تاريخ الإِسْلاَم" و"سير أعلام النبلاء" و"تذكرة الحفاظ"، ولد سنة (673 هـ‍) ، وتوفي سنة (748 هـ‍) . مرآة الجنان 4/231، وشذرات الذهب 6/153، والأعلام 5/326. والحديث في سير أعلام النبلاء 11/21. (5) سنن أبي داود 2/8 عقب (1220) . (6) الجامع الكبير 1/556 عقب (554) . (7) السنن الكبرى 3/163. (8) تاريخ بغداد 12/467. (9) 4/299 (4305) . لكنه لَمْ يحكم بتفرد قتيبة بِهِ. (10) سير أعلام النبلاء 11/22. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 2 أما في السند: فالرواية المحفوظة هِيَ رِوَايَة أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ. قَالَ أبو سعيد بن يونس (1) : ((لَمْ يحدث بِهِ إلا قتيبة، ويقال: إنه غلط، وإن موضع يزيد بن أبي حبيب: أبو الزبير (2)) ) (3) . وَقَالَ البيهقي: ((وإنما أنكروا من هَذَا رِوَايَة يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، فأما رِوَايَة أبي الزبير عن أبي الطفيل فهي محفوظة صحيحة)) (4) . وَقَدْ وقفت عَلَى ثمانية أنفس رووه عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ وهم:   (1) الإمام الحافظ المتقن أبو سعيد عَبْد الرحمن بن أحمد بن الإمام يونس بن عَبْد الأعلى الصدفي المصري، صاحب كتاب " تاريخ علماء مصر "، ولد سنة (281 هـ‍) ، وتوفي سنة (347 هـ‍) . الأنساب 3/538، وسير أعلام النبلاء 15/578، وتاريخ الإِسْلاَم: 381 وفيات (347 هـ‍) . (2) هو أبو الزبير مُحَمَّد بن مُسْلِم بن تدرس القرشي الأسدي المكي: صدوق، إلا أنَّهُ يدلّس، توفي سنة (128هـ‍) . تهذيب الكمال 6/503 (6193) ، وسير أعلام النبلاء 5/380 و386، والتقريب (6291) . (3) نقله الذهبي في السير 11/23. (4) السنن الكبرى 3/163. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3 مالك بن أنس (1) : ومن طريقه الشَّافِعِيّ (2) ، وعبد الرزاق (3) ، وأحمد (4) ، والدارمي (5) ، ومسلم (6) ، وأبو داود (7) ، والنسائي (8) ، وابن خزيمة (9) ، والطحاوي (10) ، والشاشي (11) ، وابن حبان (12) ، والطبراني (13) ، والبيهقي (14) . قرة (15) بن خالد (16) : عِنْدَ أبي داود الطيالسي (17) ، وأحمد (18) ، ومسلم (19) ، والبزار (20) ، وابن خزيمة (21) ، والطحاوي (22) ، والشاشي (23) ، وابن حبان (24) ، والطبراني (25) .   (1) في موطئه (383) رِوَايَة الليثي. (2) في مسنده (361) و (365) بتحقيقنا. (3) في مصنفه (4399) . (4) في مسنده 5/237. (5) في سننه (1523) . (6) في صحيحه 7/60 (706) (10) . (7) في سننه (1206) . (8) في المجتبى 1/285، وفي الكبرى (1563) . (9) في صحيحه (968) و (1704) . (10) في شرح معاني الآثار 1/160. (11) في مسنده (1339) . (12) في صحيحه (1592) وفي طبعة الرسالة (1595) . (13) في الكبير 20/49 (102) . (14) في السنن الكبرى 3/162، وفي دلائل النبوة 5/236. (15) تصحف في المطبوع من مسند أبي داود الطيالسي إلى (مرة) . (16) أبو خالد، ويقال: أبو مُحَمَّد قرة بن خالد السدوسي البصري: ثقة ضابط، توفي سنة (154 هـ‍) . الأنساب 3/259، وسير أعلام النبلاء 7/95 و 96، وتاريخ الإِسْلاَم: 576 وفيات (154 هـ‍) . (17) في مسنده (569) . (18) في مسنده 5/228. (19) في صحيحه 2/152 (706) (53) . (20) في البحر الزخار (2637) . (21) في صحيحه (966) . (22) في شرح المعاني 1/160. (23) في مسنده (1338) . (24) في صحيحه (1588) . (25) في الكبير 20/51 (108) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 4 عمرو بن الحارث (1) : عِنْدَ الطبراني (2) . هشام بن سعد (3) : عِنْدَ الإمام أحمد (4) ، وعبد بن حميد (5) ، والبزار (6) ، والشاشي (7) ، والطبراني (8) . سفيان بن سعيد الثوري: ومن طريقه أخرجه عَبْد الرزاق (9) ، وابن أبي شيبة (10) ، وأحمد (11) ، وابن ماجه (12) ، والطبراني (13) ، وأبو نعيم (14) . أبو خيثمة (15)   (1) العلامة الحافظ الثبت أبو أمية عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري، عالم الديار المصرية ومفتيها، ولد سنة (91 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (92 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (93 هـ‍) ، وتوفي سنة (147 هـ‍) . تهذيب الكمال 5/399 و 401 (4930) ، وسير أعلام النبلاء 6/349، والأعلام 5/76. (2) في الكبير 20/50 (104) . (3) هُوَ أَبُو عباد هشام بن سعد المدني القرشي، مولى آل أبي لهب، ويقال مولى بني مخزوم: صدوق، لَهُ أوهام، ورمي بالتشيع، توفي سنة (160 هـ‍) . تهذيب الكمال 7/402 و 403 (7172) ، وسير أعلام النبلاء 7/344، والتقريب (7294) . (4) في مسنده 5/233. (5) الإمام الحافظ الحجة الجوال أبو مُحَمَّد عَبْد بن حميد بن نصر، من مصنفاته: " المسند الكبير " و" التفسير "، توفي سنة (249 هـ‍) . تهذيب الكمال 5/22 (4198) ، وسير أعلام النبلاء 12/235 و 236، وتاريخ الإِسْلاَم: 341 وفيات (249 هـ‍) . والحديث في المنتخب من مسنده (122) . (6) في البحر الزخار (2639) . (7) في مسنده (1340) . (8) في الكبير 20/ 103. (9) في مصنفه (4398) . (10) في مصنفه (8229) . (11) في مسنده 5/230 و 236. (12) في سننه (1070) . (13) في الكبير 20/101. (14) في الحلية 7/88. (15) الحافظ الإمام المجود أبو خيثمة زهير بن معاوية الجعفي الكوفي، ولد سنة (95 هـ‍) ، وتوفي سنة (164 هـ‍) . الأنساب 2/95، وتهذيب الكمال 3/38 (2004) ، وسير أعلام النبلاء 8/181 و 184. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 5 زهير بن معاوية: عِنْدَ مُسْلِم (1) ، والطبراني (2) . أشعث بن سوار (3) : وروايته عِنْدَ الطبراني (4) . زيد بن أبي أنيسة (5) : كَمَا أخرجها الطبراني (6) . أقول: فَقَدْ خالف قتيبة في روايته هَذَا الْحَدِيْث عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب هؤلاء الرُّوَاة. أما الليث بن سعد فَقَدْ رَوَى أصحابه الْحَدِيْث عَنْهُ، عن هشام بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ، بِهِ. وهم: حماد بن خالد (7) : أخرجه أحمد (8) . عَبْد الله بن صالح (9) : عِنْدَ الطبراني (10) .   (1) في صحيحه 2/152 (706) (52) . (2) في الكبير 20/50 (105) . (3) أشعث بن سوار الكندي، النجار الكوفي، ويقال لَهُ: صاحب التوابيت ويقال: الأثرم: ضعيف، توفي سنة (136 هـ‍) . الأنساب 1/463، والتقريب (524) ، وشذرات الذهب 1/193. (4) في الكبير 20/50 (106) . (5) الإمام الحافظ الثبت أبو أسامة زيد بن أبي أنيسة الجزري، الرهاوي، الغنوي، وَقَالَ أبو سعد: كَانَ ثقة، فقيهاً، راويةً للعلم، توفي سنة (125 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (124 هـ‍) . الثقات 6/315، وسير أعلام النبلاء 6/88 و 89، وتاريخ الإِسْلاَم: 108 وفيات (125هـ‍) . (6) في الكبير 20/50-51 (107) . (7) هُوَ أبو عَبْد الله حماد بن خالد الخياط القرشي البصري، نَزيل بغداد، وأصله مدني وَقَالَ النسائي: ثقة. انظر: الثقات 8/206، وتهذيب الكمال 2/272 و 273 (1463) ، والكاشف 1/349 (1217) . (8) في مسنده 5/233. (9) أبو صالح عَبْد الله بن صالح بن مُحَمَّد بن مُسْلِم الجُهني، مولاهم المصري: صدوق، كثير الغلط، وكانت فِيْهِ غفلة، توفي سنة (223 هـ‍‍) . انظر: تهذيب الكمال 4/164 (3324) ، وسير أعلام النبلاء 10/405، والتقريب (3388) . (10) في الكبير 20/50 (103) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 6 يزيد بن خالد بن يزيد الرملي (1) : عِنْدَ أبي داود (2) ، والبيهقي (3) . إلا أنه قرن الليث بن سعد مع المفضل (4) بن فضالة (5) . وهكذا يتجه الحمل في إسناد هَذَا الْحَدِيْث إلى قتيبة بن سعيد لا محالة، في إبدال يزيد بن أبي حبيب موضع أبي الزبير المكي. وأما الْمَتْن: فكل من رَوَى الْحَدِيْث (6) من طريق أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ. فإنما ذكر مطلق الجمع من غَيْر تعرض لجمع التقديم في شيء من طرق الْحَدِيْث، إلا في رِوَايَة قتيبة بن سعيد. وأما رِوَايَة يزيد بن خالد الرملي – الآنفة – فَقَدْ وقع لفظها مقارباً للفظ حَدِيْث قتيبة، إلا أن الحفاظ أعلّوا هَذِهِ الرِّوَايَة، قَالَ الحافظ ابن حجر: ((وله طريق آخر عن معاذ بن جبل، أخرجها أبو داود من رواية هشام بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، وهشام مختلف فِيْهِ، وَقَدْ خالف الحفاظ من أصحاب أبي الزبير ك‍: مالك والثوري وقرة بن خالد وغيرهم. فَلَمْ يذكروا في روايتهم جمع التقديم)) (7) .   (1) هُوَ أبو خالد يزيد بن خالد بن يزيد الرملي: ثقة، عابد، توفي سنة (232 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (233 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (237 هـ‍) . الثقات 9/276، وتهذيب الكمال 8/121 (7577) ، والتقريب (7708) . (2) في سننه (1208) . (3) في سننه 3/162. (4) هُوَ أَبُو معاوية القاضي، المفضل بن فضالة بن عبيد القتباني المصري: ثقة، فاضل، عابد، ولد سنة (107 هـ‍) ، وتوفي سنة (181 هـ‍) وَقِيْلَ: (182 هـ‍) . التاريخ الكبير 7/405، وتهذيب الكمال 7/205 – 206 (6746) ، والتقريب (6858) . (5) وقع عِنْدَ البيهقي من طريق أبي داود ((المفضل بن فضالة، عن الليث بن سعد)) وَهُوَ خطأ صوابه: ((والليث بن سعد)) كَمَا في المطبوع من سنن أبي داود، وانظر: تحفة الأشراف (11320) . (6) انظر: التخاريج السابقة. (7) فتح الباري 2/583. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 7 وَقَالَ الترمذي: ((وحديث الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ: حَدِيْث غريب. والمعروف عِنْدَ أهل العلم حَدِيْث معاذ من حَدِيْث أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ، أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - جمع في غزوة تبوك بَيْنَ الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، رَوَاهُ قرة بن خالد وسفيان الثوري ومالك وغير واحد، عن أبي الزبير المكي)) (1) . وَقَالَ الذهبي: ((غلط في الإسناد، وأتى بلفظ منكر جداً)) (2) . وَقَالَ الْخَطِيْب: ((هُوَ منكر جداً من حديثه)) (3) . وَقَدْ أفاض الْحَاكِم في بيان علة الْحَدِيْث في فصل ممتع، فَقَالَ: ((هَذَا حديث رواته أئمة ثقات وَهُوَ شاذ الإسناد والمتن لا نعرف لَهُ علة نعلله بِهَا، وَلَوْ كَانَ الْحَدِيْث عِنْدَ الليث، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل لعللنا بِهِ الْحَدِيْث، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ يزيد بن أبي حبيب عن أبي الزبير لعللنا بِهِ، فلما لَمْ نجد لَهُ العلتين خرج عن أن يَكُوْن معلولاً، ثُمَّ نظرنا فَلَمْ نجد ليزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل رِوَايَة، ولا وجدنا هَذَا الْمَتْن بهذه السياقة عِنْدَ أحد من أصحاب أبي الطفيل، ولا عِنْدَ أحد ممن رَوَاهُ عن معاذ بن جبل عن أبي الطفيل، فقلنا الْحَدِيْث شاذ)) (4) . وَقَالَ أبو حاتم: ((كتبت عن قتيبة حديثاً، عن الليث بن سعد لَمْ أصبه بمصر عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه كَانَ في سفر فجمع بَيْنَ الصلاتين)) ثُمَّ قَالَ: ((لا أعرفه من حَدِيْث يزيد والذي عندي أنه دخل لَهُ حَدِيْث في حَدِيْث)) (5) .   (1) الجامع الكبير عقب (554) . (2) سير أعلام النبلاء 11/23. (3) تاريخ بغداد 12/467. (4) مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث: 120. (5) علل الْحَدِيْث 1/91 (245) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 8 وأكثر العلماء قلّدوا الْحَاكِم في تشخيص سبب النكارة، وَهُوَ أن خالداً المدائني أدخل الْحَدِيْث عَلَى الليث بن سعد، فسمعه قتيبة من الليث وَهُوَ ليس من حديثه (1) . ورد الإمام الذهبي هَذَا القَوْل، فَقَالَ: ((هَذَا التقرير يؤدي إلى أن الليث كَانَ يقبل التلقين، ويروي ما لَمْ يَسْمَع، وما كَانَ كذلك. بَلْ كَانَ حجة متثبتاً، وإنما الغفلة وقعت فِيْهِ من قتيبة، وَكَانَ شيخ صدق، قَدْ رَوَى نحواً من مئة ألفٍ، فيغتفر لَهُ الخطأ في حَدِيْث واحدٍ)) (2) . وَقَالَ أَيْضاً: ((ما علمتهم نقموا عَلَى قتيبة سوى ذَلِكَ الْحَدِيْث المعروف في الجمع في السفر)) (3) . والأصوب – والله أعلم – التعليل بما قاله أبو حاتم، من أن قتيبة دخل لَهُ حَدِيْث الليث، عن هشام بن سعد، عن أبي الزبير، فظنه حَدِيْث الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، وحمل متن حَدِيْث هشام فنسبه إلى رِوَايَة يزيد. ولهذا صرح غَيْر واحد من أئمة الْحَدِيْث أنه لَمْ يصح في جمع التقديم شيء، قَالَ أبو داود: ((ليس في جمع التقديم حَدِيْث قائم)) (4) . وَقَالَ ابن حجر: ((والمشهور في جمع التقديم ما أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وابن حبان من طريق الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل. وَقَدْ أعله جَمَاعَة من أئمة الْحَدِيْث بتفرد قتيبة عن الليث)) (5) . أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (الجمع بَيْنَ الصلاتين) اختلف الفقهاء في حكم الجمع بَيْنَ الصلاتين بعذر السفر عَلَى أقوال هِيَ:   (1) مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث: 120 – 121، وتاريخ بغداد 12/466. (2) سير أعلام النبلاء 11/24. (3) سير أعلام النبلاء 11/20. (4) التلخيص الحبير 2/52، وفي طبعة دار الكتب العلمية 2/122، وبذل المجهود 6/307، وعون المعبود 1/473. (5) فتح الباري 2/583. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 9 الأول: يجوز الجمع بَيْنَ الظهر والعصر في وقت أيهما شاء تقديماً أو تأخيراً، وكذا المغرب والعشاء، وَهُوَ قَوْل جمهور العلماء مِنْهُمْ: سعيد بن زيد (1) ، وسعد (2) ، وأسامة (3) ، ومعاذ بن جبل، وأبو موسى (4) ، وابن عَبَّاسٍ، وابن عمر. وبه قَالَ طاووس، ومجاهد، وعكرمة (5)   (1) الصَّحَابِيّ الجليل سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي العدوي، أبو الأعور، أبو الثور، من العشرة المبشرة بالجنة، توفي سنة (50 هـ‍) . معجم الصَّحَابَة 5/1908، وأسد الغابة 2/306، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 1/222 (2316) . (2) هُوَ الصَّحَابِيّ الجليل أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص بن مالك القرشي الزهري، أحد العشرة المبشرة، وأول من رمى بسهم في سبيل الله، توفي سنة (55 هـ‍) وَقِيْلَ: (56 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (57 هـ‍) . معجم الصَّحَابَة 5/1808، والاستيعاب 2/18 و 20 و 26، وسير أعلام النبلاء 1/ 92 و 124. (3) الصَّحَابِيّ الجليل مولى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي نسباً الهاشمي ولاءً، كَانَ يلقب بـ (حب رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -) ، و (الحب بن الحب) ، توفي سنة (54 هـ‍) . معجم الصَّحَابَة 1/197، والاستيعاب 1/57 و 59، والإصابة 1/31. (4) الصَّحَابِيّ الجليل عَبْد الله بن قيس بن حضّار بن حرب، أبو موسى الأشعري، توفي سنة (50 هـ‍) وَقِيْلَ: (42 هـ‍) وَقِيْلَ: (44 هـ‍) . معجم الصَّحَابَة 9/3303، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 1/330 (3487) ، والإصابة 2/359 – 360. (5) هُوَ أبو عَبْد الله القرشي، مولاهم المدني مولى ابن عَبَّاسٍ، أصله بربري: ثقة، ثبت، عالم بالتفسير، توفي سنة (105 هـ‍) وَقِيْلَ: (106 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (107 هـ‍) . انظر: سير أعلام النبلاء 5/12 و 34، وميزان الاعتدال 3/93، والتقريب (4673) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 10 ، والثوري، وإسحاق، وأبو ثور، وابن (1) المنذر (2) . وإليه ذهب مالك في المشهور عَنْهُ (3) ، والشافعية (4) ، وأحمد في أصح الروايتين (5) ، والهادوية من الزيدية (6) . الثاني: لا يجوز الجمع بَيْنَ فرضين في حال من الأحوال، إلا الظهر والعصر للحاج جمع تقديم بعرفة، والمغرب والعشاء تأخيراً بمزدلفة، وهذا الجمع بسبب النسك لا بسبب السفر. وبه قَالَ الحسن البصري (7) ، وابن سيرين (8) ، والنخعي (9) ، ومكحول (10) ، وإليه ذهب أبو حَنِيْفَة وعامة أصحابه (11) . الثالث: يجوز الجمع بَيْنَ الظهر والعصر، أو بَيْنَ المغرب والعشاء جمع تأخير لا تقديم. وَهُوَ قَوْل الأوزاعي في إحدى الروايتين عَنْهُ (12) . وإليه ذهب الإمام أحمد في   (1) هُوَ الإمام الحافظ أبو بكر مُحَمَّد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري الفقيه، صاحب التصانيف مِنْهَا: "الإجماع" و " الإشراف "، ولد سنة (242 هـ‍) ، وتوفي سنة (316 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (318 هـ‍) . وفيات الأعيان 4/207، وسير أعلام النبلاء 14/490 و 492، وتذكرة الحفاظ 3/782. (2) الأوسط 2/428، وانظر: المغني 2/112، والمجموع 4/371. (3) المدونة 1/115، وبداية المجتهد 1/124، وشرح منح الجليل 1/250. (4) الأم 1/77، والمجموع 4/371، ومغني المحتاج 1/271. (5) المحرر 1/134، والمغني 2/112، والمقنع: 39، والإنصاف 2/334، وكشاف القناع 2/3. (6) سبل السلام 2/41. (7) المغني 2/112، والمجموع 4/371. (8) المصادر السابقة. (9) المجموع 4/371. (10) المصدر نفسه. وانظر: الموسوعة الفقهية 16/286. (11) الحجة 1/160-164، وبدائع الصنائع 1/126. (12) سبل السلام 2/41. وانظر: فقه الإمام الأوزاعي 1/254. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 11 رِوَايَة (1) ، ومالك في رِوَايَة ابن القاسم واختياره (2) ، وَهُوَ ظاهر مذهب ابن حزم (3) . واستدل أصحاب المذهب الأول بحديث معاذ من رِوَايَة قتيبة، وَقَدْ تبين عدم صحته. الدكتور ماهر ياسين الفحل   (1) الاستذكار 2/200، وفتح الباري 2/580، وسبل السلام 2/42. (2) المنتقى 1/252، والمغني 2/112، وفتح الباري 2/580. (3) المحلى 3/172. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 12 حديث مؤمل بن إسماعيل، عن سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره. ورد حديث وائل بن حجر وفيه وضع اليمين على الشمال من طرق عن (بعض أهل بيت عبد الجبار، وأم عبد الجبار، وعلقمة بن وائل (1) ، وعبد الجبار بن وائل (2) ، وكليب بن شهاب) خمستهم رووه عن وائل بن حُجر (3) . زاد مؤمل (4)   (1) هُوَ علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي الكوفي: صدوق إلا أنَّهُ لَمْ يسمع من أبيه. تهذيب الكمال 5/221 (4609) ، والكاشف 2/34 (3876) ، والتقريب (4684) . (2) هُوَ عَبْد الجبار بن وائل بن حجر: ثقة لكنه أرسل عن أبيه، توفي سنة (112 هـ‍) . تهذيب الكمال 4/343 (3685) ، والكاشف 1/612 (3088) ، والتقريب (3744) . (3) هُوَ الصَّحَابِيّ الجليل وائل بن حجر بن ربيعة الحضرمي، كَانَ من ملوك اليمن، توفي في ولاية معاوية. أسد الغابة 5/81، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 2/126 (1442) ، والتقريب (7393) . (4) مؤمل بن إسماعيل، أبو عبد الرحمان البصري، مولى آل عمر بن الخطاب، حافظ عالم يخطئ، قال أبو حاتم: صدوق، شديد في السنة، كثير الخطأ، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو زرعة: في حديثه خطأ كثير، وقال أبو عبيد الآجُري: سألت أبا داود عن مؤمل بن إسماعيل، فعظمه ورفع من شأنه ثم قال: إلا أنه يهم في الشيء. وقال غيره: دفن كتبه فكان يحدث من حفظه، فكثر خطؤه. مات بمكة في رمضان سنة خمس أو ست ومئتين. انظر: التاريخ الكبير للبخاري 8/49 والتاريخ الصغير، له 2/306-307، وتهذيب الكمال 7/284 (6914) ، والكاشف للذهبي 2/309 (5747) ، وميزان الاعتدال، له 4/228-229، وسير أعلام النبلاء، له 10/110-111، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال: 393. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 1 في روايته عن سفيان الثوري، عن عاصم بن كليب (1) ، عن أبيه كليب بن شهاب (2) جملة: ((على صدره)) . إلا أن مؤملاً اضطرب في روايته عن سفيان فرواه مرة ((على صدره)) (3) ، ومرة ((عند صدره)) (4) ، ومرة بدون ذكر الزيادة (5) .   (1) عاصم بن كليب بن شهاب بن المجنون الجرمي الكوفي، كان فاضلاً عابداً، قال أبو بكر الأثرم، عن أحمد بن حنبل: لا بأس بحديثه، وقال أحمد بن سعد، عن يحيى بن معين: ثقة، وكذلك قال النسائي، وقال أبو حاتم: صالح، وقال أبو داود: كان أفضل أهل زمانه كان من العباد، قال شريك: مرجئ، وقال ابن المديني: لا يحتج بما انفرد به، وقال ابن سعد: كان ثقة يحتج به وليس بكثير الحديث. توفي سنة سبع وثلاثين ومئة. انظر: تهذيب الكمال 4/19 (3011) ، والكاشف 1/521 (2516) ، وميزان الاعتدال 2/356، وتاريخ الإسلام وفيات (137هـ‍) : 457، وتهذيب التهذيب 5/55-56. (2) كليب بن شهاب بن المجنون الجرمي الكوفي، صدوق، من الثانية، ووهم من ذكره في الصحابة، قال أبو زرعة: ثقة، وقال النسائي: كليب هذا لا نعلم أن أحداً روى عنه غير ابنه عاصم وغير إبراهيم بن مهاجر، وقال محمد بن سعد: كان ثقة من قضاعة، ورأيتهم يستحسنون حديثه ويحتجون به. انظر: تهذيب الكمال 6/174 (5580) ، والتقريب (5660) . (3) أخرج الرواية ابن خزيمة (479) . (4) أخرج الرواية أبو الشيخ في طبقات المحدثين 2/268. (5) أخرج الرواية الطحاوي في شرح المعاني 1/196 بلفظ: ((رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - حين يكبر للصلاة، يرفع يديه حيال أذنيه)) . وفي1/223 بلفظ: ((رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يكبر للصلاة، وحين يرفع رأسه من الركوع يرفع يديه حيال أذنيه)) . وفي 1/257 بلفظ: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد كانت يداه حيال أذنيه)) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 2 وتابع مؤملاً في روايته على صدره متابعة نازلة، إبراهيم بن سعيد الجوهري (1) ، عن محمد بن حجر، عن سعيد بن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، عن أمه، عن وائل. إلا أنها متابعة ضعيفة، فمحمد بن حجر قال عنه البخاري: كوفي، فيه بعض النظر (2) ، وسعيد بن عبد الجبار بن وائل بن حجر قال عنه البخاري: فيه نظر، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن عدي: ليس له كثير حديث، وقال ابن حجر: ضعيف (3) . ورواية مؤمل مع شدة فرديتها، واضطرابه فيها لا تصح لشدة مخالفته بها الرواة عن سفيان الثوري، والرواة عن عاصم بن كليب، والرواة عن وائل بن حجر. فقد رواه عن سفيان، عبد الله (4) بن الوليد (5) ، ومحمد بن يوسف الفريابي (6) ، كلاهما عن سفيان دون ذكر الزيادة.   (1) الإمام الحافظ المجود،، أبو إسحاق، إبراهيم بن سعيد، البغدادي الجوهري، وقال أبو بكر الخطيب: وكان مكثراً ثبتاً، صنف المسند، واختلف في موته، فقيل سنة أربع، وقيل سنة سبع، وقيل سنة تسع وأربعين، وقيل سنة ثلاث وخمسين. انظر: تاريخ بغداد 6/93-95، وتهذيب الكمال 1/112 (172) ، وسير أعلام النبلاء 12/149-151. والحديث أخرجه البزار كَمَا في كشف الأستار (268) ، وابن عدي في الكامل 7/344، والبيهقي 2/30. (2) انظر: الضعفاء الكبير للعقيلي 4/59، والكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي 7/343. (3) انظر: التاريخ الكبير 3/495، والكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي 4/438، وتهذيب الكمال 3/178 (2289) ، وتهذيب التهذيب 4/53-54، والتقريب (2344) . (4) هُوَ عَبْد الله بن الوليد بن ميمون، أبو مُحَمَّد المكي، المعروف بالعدني: صدوق رُبَّمَا أخطأ. تهذيب الكمال 4/316 (3631) ، والكاشف 1/606 (3046) ، والتقريب (3692) . (5) أخرجه أحمد 4/318. (6) أخرجه الطبراني في الكبير 22/ (78) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3 ورواه عن عاصم بن كليب (عبد الله بن إدريس (1) ، وشعبة بن الحجاج (2) ، وزائدة (3) بن قدامة (4) ، ومحمد (5) بن فضيل (6) ، وزهير (7) بن معاوية (8) ، وأبو عوانة (9) ، وقيس بن الربيع (10)   (1) أخرجه ابن أبي شيبة (3935) ، وابن ماجه (810) ، وابن خزيمة (477) ، وابن حبان 5/271. (2) أخرجه أحمد 4/319. (3) هُوَ زائدة بن قدامة الثقفي، أبو الصلت الكوفي: ثقة ثبت صاحب سنة، توفي سنة (161 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (160 هـ‍) . تهذيب الكمال 3/7 (1935) ، والكاشف 1/400 (1608) ، والتقريب (1982) . (4) أخرجه أحمد 4/318، والدارمي (1364) ، وأبو داود (727) ، والنسائي 2/126، وابن الجارود (208) ، وابن خزيمة (480) ، وابن حبان 5/170، والطبراني في الكبير 22/ (82) ، والبيهقي 2/28. (5) هُوَ مُحَمَّد بن فضيل بن غزوان الضبي مولاهم، أبو عَبْد الرَّحْمَان الكوفي: صدوق عارف رمي بالتشيع، توفي سنة (195 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (194 هـ‍) . تهذيب الكمال 6/478 (6139) ، والكاشف 2/211 (5115) ، والتقريب (6227) . (6) أخرجه ابن خزيمة (478) . (7) هُوَ زهير بن معاوية بن حديج، أبو خيثمة الجعفي الكوفي: ثقة ثبت، إلا أن سماعه عن أبي إسحاق بأخرة، توفي سنة (173 هـ‍) . تهذيب الكمال 3/38 (2004) ، والكاشف 1/408 (1668) ، والتقريب (2051) . (8) أخرجه أحمد 4/318، والطبراني في الكبير 22/ (84) . (9) أخرجه الطبراني في الكبير 22/ (90) . (10) قيس بن الربيع الأسدي، أبو مُحَمَّد الكوفي: صدوق، تغير لَمّا كبر وأدخل عَلَيْهِ ابنه ما لَيْسَ من حديثه فحدّث بِهِ، توفي سنة بضع وستين ومئة. تهذيب الكمال 6/133 (5492) ، والكاشف 2/139 (4600) ، والتقريب (5573) . وحديثه أخرجه الطبراني في الكبير 22/ (79) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4 ، وأبو الأحوص (1) ، وعبد الواحد بن زياد (2) ، وبشر بن المفضل (3) ، وأبو إسحاق (4)) جميعهم رووه عن عاصم بن كليب، عن كليب دون ذكر الزيادة. ورواه عن وائل (بعض أهل بيته (5) ، وعلقمة بن وائل منفرداً (6) ، وعبد الجبار بن وائل (7) ، وعلقمة بن وائل، ومولى لهم مقرونين (8)) جميعهم رووه عن وائل بن حجر دون ذكر الزيادة. فزيادة في هذا المنتهى من المخالفة لا يمكن قبولها، لاسيما وأن مدار زيادة مؤمل على سفيان الثوري، ومذهب سفيان في هذه المسألة وضع اليدين تحت السرة (9) ، فلو كانت هذه الزيادة ثابتة من طريقه لما خالفها. ويضاف إلى هذا أنني لم أجد نقلاً قوياً عن أحد من السلف يقول بوضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر؛ فهي زيادة أيضاً مخالفة بعدم عمل أهل العِلْم بِهَا، والله أعلم. أثر الحديث في اختلاف الفقهاء (موضع اليدين عند القيام في الصَّلاَة) اختلف الفقهاء في ذَلِكَ عَلَى مذاهب: المذهب الأول: توضع اليدان تحت السرة.   (1) أخرجه الطيالسي (1020) ، والطبراني في الكبير 22/ (80) . (2) هُوَ عَبْد الواحد بن زياد العبدي مولاهم البصري: ثقة، في حديثه عن الأعمش وحده مقال، توفي سنة (176 هـ‍) . تهذيب الكمال 5/7 (4173) ، والكاشف 1/672 (3501) ، والتقريب (4240) . وحديثه أخرجه أحمد 4/316، والبيهقي 2/72. (3) أخرجه أبو داود (726) و (957) ، وابن ماجه (810) ، والنسائي 3/35، والطبراني في الكبير 22/ (86) . (4) أخرجه الطبراني في الكبير 22/ (91) . (5) أخرجه أحمد 4/316، والطبراني في الكبير 22/ (76) . (6) أخرجه ابن أبي شيبة (3938) ، وأبو داود (723) ، وابن خزيمة (905) ، والطبراني في الكبير 22/ (61) . (7) أخرجه الطبراني في الكبير22/ (51) و (53) . (8) أخرجه أحمد 4/317-318. (9) انظر: المغني 1/515، والمجموع 3/259. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 5 ذهب إلى ذلك أبو هريرة (1) ، وأنس بن مالك (2) ، والإمام علي بن أبي طالب (3) - في رواية عنه – رضي الله عنهم جميعاً. وهو مذهب الإمام أبي حنيفة (4) ، وأحمد (5) -في رواية عنه-، وسفيان الثوري (6) ، وإسحاق بن راهويه (7) ، وأبي إسحاق (8) من أصحاب الشافعي، وأبي مجلز (9) ، والنخعي (10) . المذهب الثاني: توضعان فوق السرة وتحت الصدر. وهو مذهب الجمهور، قاله النووي (11) -رحمه الله-. وبه قال سعيد بن جبير (12) ،   (1) انظر المغني: 1/515، والمحلى: 4/113، والشرح الكبير 1/514. (2) المحلى: 4/113. (3) شرح مسلم: 2/39، والمغني: 1/515، والشرح الكبير 1/514، ونيل الأوطار: 2/188. (4) الهداية 1/47، والاختيار لتعليل المختار 1/49، وبدائع الصنائع: 1/201، وشرح فتح القدير: 1/201، والمحلى لابن حزم 4/114، ونيل الأوطار: 2/188، وتبيين الحقائق: 1/111. (5) المغني: 1/515، وشرح الزركشي: 1/298، ونيل الأوطار: 2/189، والمحرر 1/53. وفي رواية عن أحمد أنه يكره وضعها على الصدر كما نقل عنه. انظر: المبدع 1/432، والفروع 1/361. (6) المغني: 1/515، والشرح الكبير: 1/514، وشرح مسلم: 2/39، ونيل الأوطار: 2/188. (7) المغني: 1/515، والشرح الكبير 1/514، وشرح مسلم: 2/39، ونيل الأوطار: 2/188. (8) البحر الزخار: 2/242، وشرح مسلم: 2/39، ونيل الأوطار: 2/188. (9) ابن عبد البر في التمهيد 20/75، والمغني: 1/515. (10) المغني: 1/515. (11) شرح مسلم: 2/39. (12) ابن عبد البر في التمهيد 20/75، والمغني: 1/515، والشرح الكبير 1/514. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 6 والشافعي (1) ، وهو رواية عن مالك (2) ، ورواية عن أحمد (3) . بل هو رواية أخرى عن علي بن أبي طالب، كما قال النووي (4) . المذهب الثالث: التخيير: (تحت السرة أو فوقها) وهو قول ثالث للإمام أحمد (5) ، وهو مذهب الأوزاعي (6) ، وعطاء (7) ، وابن المنذر (8) . وقال ابن حبيب (9) : ليس لذلك موضع معروف. المذهب الرابع: الإرسال.   (1) مختصر المزني: 14، والحاوي: 2/128، والمهذب: 1/78، وشرح مسلم: 2/39،، وقال القفال: ((هذا هو الصحيح المنصوص)) المجموع 3/310، وانظر: حلية العلماء 2/96، والتهذيب في فقه الإمام الشافعي 2/89-90. (2) قال القاضي أبو محمد: المذهب وضعهما تحت الصدر وفوق السرة. المنتقى 1/281. وانظر: شرح مسلم 2/39، ونيل الأوطار: 2/189، وعن مالك رواية أخرى أنه يستحب في النفل وهو الذي رجحه البصريون من أصحابه. نقله النووي في شرح مسلم 2/39، ونقل ابن القاسم عن مالك أنه كره في الفريضة وأنه لا بأس به في النفل كما في شرح منح الجليل 1/158، وروى أشهب عنه قوله: لا بأس بذاك في النفل والفريضة، وروى مطرف وابن الماجشون أنه استحسنه، وروى العراقيون عن مالك في ذلك روايتين أحدهما: الاستحسان، والأخرى: المنع. انظر: المنتقى للباجي 1/281، والمدونة 1/74، والبيان والتحصيل 1/395. (3) المغني: 1/515، والمحرر 1/53، والشرح الكبير 1/514، وشرح مسلم: 2/39، وشرح الزركشي 1/298، ونيل الأوطار: 2/189. (4) شرح مسلم: 2/39، والتمهيد: 20/75. (5) المغني: 1/515، والمحرر 1/53، وشرح الزركشي 1/298، والشرح الكبير 1/514، ونيل الأوطار 2/189، وشرح مسلم: 2/39. (6) شرح مسلم: 2/39، ونيل الأوطار 2/189، والتمهيد 20/75، وفقه الإمام الأوزاعي 1/168. (7) التمهيد: 20/75. (8) شرح مسلم: 2/39. (9) المنتقى: 1/281. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 7 وهو مذهب ابن الزبير (1) ، والحسن البصري (2) ، والنخعي (3) ، فيما رواه عنهم ابن المنذر (4) ، وهو المروي أيضاً عن ابن سيرين (5) . وهو مذهب مالك (6) في رواية عنه في المشهور من مذهبه (7) ، وإلا فقد اضطرب النقل عنه في هذا. وهو مذهب الليث بن سعد (8) ، وابن جريج (9) ، وعطاء (10) ، والقاسمية (11) ، والناصرية (12) ، والباقر (13) . بقي أن نقول إن المؤيد بالله (14) ، والإمام يحيى (15) ، ذهبا إلى القول بالإرسال مع قولهما أنه يكره وضع اليمين على اليسار ولا تفسد الصلاة إذا ما وضعها هكذا. أما الهادوية (16) فقد ذهبوا إِلَى القول بالإرسال وأنه تبطل الصلاة إذا وضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة. المذهب الخامس: توضعان على الصدر.   (1) ابن أبي شيبة (3950) ، وابن عبد البر في التمهيد 20/74. (2) ابن أبي شيبة (3949) . (3) التمهيد: 20/76. (4) نيل الأوطار: 2/186. (5) ابن أبي شيبة (3951) . (6) ابن عبد البر في التمهيد 20/74، والمنتقى: 1/281، وبداية المجتهد: 1/99، ونيل الأوطار:2/189. (7) قال النووي: ((وهذه رواية جمهور أصحابه وهي الأشهر عندهم)) كما في شرح مسلم 2/39. (8) شرح مسلم: 2/39، والتمهيد 20/74، وفقه الإمام سعيد: 1/218. (9) مصنف عبد الرزاق (3346) ، والتمهيد 20/75. (10) عبد الرزاق (3345) . (11) البحر الزخار: 2/241، ونيل الأوطار 2/186. (12) البحر الزخار: 2/241، ونيل الأوطار 2/186. (13) البحر الزخار: 2/241، ونيل الأوطار 2/186. (14) البحر الزخار: 2/242. (15) البحر الزخار: 2/241. (16) البحر الزخار: 2/241. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 8 نسبه القرطبي للإمام علي (1) ، ولا يصح عنه (2) ، ونسبه المرغيناني للشافعي (3) ، ولا يصح عنه (4) ، ونسبه العلامة الألباني لإسحاق بن راهويه (5) ، ولا يصح عنه (6) . وهذا المذهب اختاره الصنعاني (7) ، والمباركفوري (8) ، وصاحب "عون المعبود" (9) ، والشوكاني (10) . واحتجوا بزيادة مؤمل. الدكتور ماهر ياسين الفحل   (1) تفسير القرطبي 8/7311. (2) التعليق المغني 1/285. (3) الهداية 1/47. (4) إذ لم يوجد في كتبه وفي كتب مذهبه. والمشهور من مذهبه خلاف هذا. (5) الإرواء 2/71، وصفة الصلاة: 69. (6) فقد نقل عنه النووي في شرحه لمسلم 2/39، والشوكاني في النيل 2/189 خلاف ذلك. (7) في سبل السلام 1/168. (8) تحفة الأحوذي 2/84. (9) عون المعبود 1/325. (10) نيل الأوطار 1/189. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 9 (المصلي عِنْدَ نزوله من الركوع إلى السجود، هل يَكُوْن عَلَى يديه أم ركبتيه؟) اختلاف الفقهاء في ذَلِكَ عَلَى قولين: الأول: توضع الركبتان قَبْلَ اليدين عِنْدَ النّزول إلى السجود. وبه قَالَ: مُسْلِم (1) بن يسار (2) ، وسفيان الثوري (3) ، والشافعي (4) ، وأحمد في رِوَايَة (5) ، وإسحاق بن راهويه (6) ، وَهُوَ مذهب أهل الكوفة مِنْهُمْ: أبو حَنِيْفَة (7) ، وإبراهيم النخعي (8) . ونقله الترمذي عن أكثر أهل العلم (9) ، وَهُوَ مروي عن عمر بن الخطاب (10) ، وابنه (11) ، واختاره ابن القيم وغيره (12) .   (1) هُوَ مُسْلِم بن يسار البصري، نزيل مكة، أبو عَبْد الله الفقيه، ويقال لَهُ: مُسْلِم سُكّرة، ومسلم المُصْبِح: ثقة عابد، توفي سنة (100 هـ‍) أو بعدها. سير أعلام النبلاء 4/510، والتقريب (6652) ، وطبقات الفقهاء: 94. (2) انظر: مصنف عَبْد الرزاق (2958) ، وابن أبي شيبة (2716) . (3) انظر: مختصر اختلاف العلماء، للجصاص 1/211. (4) انظر: الأم 1/113، والمهذب 1/176، والمجموع 3/421، وشرح زبد بن ارسلان 1/97. (5) وَهُوَ المشهور من مذهب الحنابلة. انظر: الكافي 1/137، والمبدع 1/452، ومنار السبيل 1/94، وكشاف القناع 1/350. (6) انظر: المغني 1/554. (7) انظر: شرح معاني الآثار 2/254، والمبسوط 1/131-132، وبدائع الصنائع 1/215، والبحر الرائق 1/335. (8) انظر: مصنف عَبْد الرزاق (2956) و (2957) ، وابن أبي شيبة (2707) . (9) انظر: جامع الترمذي 2/157 طبعة شاكر. (10) انظر: مصنف عَبْد الرزاق (2955) ، وابن أبي شيبة (2703) و (2704) . (11) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (4705) . (12) انظر: زاد المعاد 1/57، وظفر الأماني: 405. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 1 وحجتهم في ذَلِكَ: ما رواه يزيد بن هارون، عن شريك القاضي، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قَالَ: ((رأيت رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد يضع ركبتيه قَبْلَ يديه، وإذا نهض رفع يديه قَبْلَ ركبتيه)) . رَوَاهُ: الدارمي (1) ، وأبو داود (2) ، وابن ماجه (3) ، والترمذي (4) ، والنسائي (5) ، وابن خزيمة (6) ، والطحاوي (7) ، وابن حبان (8) ، والطبراني (9) ، والدارقطني (10) ، والبيهقي (11) ، والخطيب (12) ، والحازمي (13) . الثاني: توضع اليدان قَبْلَ الركبتين في السجود وبه قَالَ: الأوزاعي (14) ، ومالك (15) ، وأحمد في الرِّوَايَة الأخرى (16) ، وَهُوَ مذهب أصحاب الْحَدِيْث (17) . وَقَالَ ابن حزم: وضع اليدين قَبْلَ الركبتين فرض (18) . وَهُوَ مذهب العترة (19) .   (1) في سننه (1326) . (2) في سننه (838) . (3) في سننه (882) . (4) في الجامع الكبير (268) . (5) في المجتبى 2/206 و 234، وفي الكبرى (676) . (6) في صحيحه (626) و (629) وتحرف في الأخير إلى (سهل بن هارون) . انظر: إتحاف المهرة 13/672 (17291) وفات أصحاب المسند الجامع التنبيه على هَذَا التحريف. (7) في شرح معاني الآثار 1/255. (8) في صحيحه (1912) ، وتحرف في موارد الظمآن (487) من شريك إلى إسرائيل!!! (9) في الكبير 22/ (197) . (10) في سننه 1/345. (11) في الكبرى 2/98. (12) في موضح أوهام الجمع والتفريق 2/433. (13) في الاعتبار: 161. (14) المجموع 3/421، وانظر: فقه الإمام الأوزاعي 1/191. (15) انظر: الشرح الكبير 1/353، ومواهب الجليل 1/541، والتاج والإكليل 1/541، والفواكه الدواني 1/181، والثمر الداني 1/110. (16) انظر: المغني 1/554، ومجموعة الفتاوى الكبرى 22/449. (17) انظر: مستدرك الْحَاكِم 1/226، والشرح الكبير 1/250. (18) انظر: المحلى 4/129. (19) انظر: نيل الأوطار 2/282. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 2 واحتجوا: بما رَوَاهُ عَبْد العزيز بن مُحَمَّد الدراوردي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْد الله بن الحسن (1) ، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كَمَا يبرك البعير، وليضع يديه قَبْلَ ركبتيه)) . أخرجه أحمد (2) ، والبخاري في "التاريخ الكبير" (3) ، وأبو داود (4) ، والنسائي (5) ، والطحاوي (6) ، والدارقطني (7) ، والبيهقي (8) ، والحازمي (9) ، وابن حزم (10) ، والبغوي (11) . مناقشة الأدلة: احتج القائلون بالمذهب الأول بحديث وائل بن حجر، وأجاب بعضهم (12) عن دليل أصحاب القَوْل الثاني بأن أعله بمجموعة علل مِنْهَا: إنه معارض (13) لحديث وائل بن حجر، وحديث وائل أثبت، قَالَهُ الخطابي (14) . إن حَدِيْث أبي هُرَيْرَة مقلوب، انقلب لفظه عَلَى بعض الرُّوَاة، والصواب فِيْهِ: ((وليضع ركبتيه قَبْلَ يديه)) .   (1) هُوَ مُحَمَّد بن عَبْد الله بن الحسن العلوي الهاشمي، أبو عَبْد الله المدني، كَانَ يلقب بـ (النفس الزكية) : ثقة، قتل سنة (145 هـ‍) في نصف رَمَضَان. تهذيب الكمال 6/367 (5929) ، والكاشف 2/185 (4945) ، والتقريب (6010) . (2) في مسنده 2/381. (3) 1/139. (4) في سننه (841) . (5) في الكبرى (677) . (6) في شرح المعاني 1/254. (7) في سننه 1/344-345. (8) في سننه 2/99-100. (9) في الاعتبار: 121. (10) في المحلى 4/129. (11) في شرح السنة 3/133. (12) هُوَ ابن القيم. انظر: زاد المعاد 1/223-231، وحاشيته عَلَى سنن أبي داود 3/73-75. (13) ومعلوم لدى أهل الْحَدِيْث أن المعارضة أحد ما يعل بها الحَدِيْث مع التساوي ومع عدم إمكان الترجيح، انظر: أثر علل الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء: 147-160. (14) انظر: معالم السنن 1/178. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 3 فَقَدْ رَوَى الْحَدِيْث أبو بكر بن أَبِي شيبة (1) فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن فضيل، عن عَبْد الله بن سعيد (2) ، عن جده، عن أبي هُرَيْرَة، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إذا سجد أحدكم فليبتدئ بركبتيه قَبْلَ يديه ولا يبرك بروك الفحل)) . ثُمَّ إن ما حكاه أبو هُرَيْرَة عن فعل رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - يؤيد ما رَوَاهُ ابن أبي شيبة عَنْهُ، فرواه ابن أبي داود (3) قَالَ: حَدَّثَنَا يوسف بن عدي (4) ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن فضيل، عن عَبْد الله بن سعيد، عن أبي هُرَيْرَة، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه كَانَ إذا سجد بدأ بركبتيه قَبْلَ يديه. عَلَى فرض التسليم بكون حَدِيْث أبي هُرَيْرَة محفوظاً، فهو منسوخ بحديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه بلفظ: ((كنا نضع اليدين قَبْلَ الركبتين، فأُمرنا بوضع الركبتين قَبْلَ اليدين)) (5) . حَدِيْث أبي هُرَيْرَة مضطرب في متنه؛ لأن من الرُّوَاة من يقول فِيْهِ: وليضع يديه قَبْلَ ركبتيه، ومنهم من يقول العكس، ومنهم من يقول: وليضع يديه عَلَى ركبتيه، ومنهم من يحذف هَذِهِ الجملة أصلاً.   (1) في مصنفه (2702) . (2) هُوَ عَبْد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، أَبُو عباد الليثي، مولاهم، المدني، أخو سعد بن سعيد وَكَانَ الأكبر: متروك، وَقَالَ الذهبي: واه. تهذيب الكمال 4/149 (3293) ، والكاشف 1/558 (2752) ، والتقريب (3356) . (3) نقله ابن القيم في " الزاد " 1/227. (4) هُوَ يوسف بن عدي بن زريق بن إسماعيل ويقال: يوسف بن عدي بن الصلت بن بسطام التيمي، أبو يعقوب الكوفي، مولى تيم الله، نزيل مصر: ثقة، توفي (232 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (233 هـ‍) . تهذيب الكمال 8/194 (7739) ، والكاشف 2/400 (6441) ، والتقريب (7872) . (5) يأتي تخريجه عِنْدَ الجواب عَنْهُ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4 إن حَدِيْث أبي هُرَيْرَة معلٌ، فَقَدْ تَكَلَّمَ النقاد في رواته، قَالَ البخاري: ((مُحَمَّد بن عَبْد الله بن الحسن لا يتابع عليه، ولا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا؟)) (1) . إن لحديث وائل بن حجر شواهد، وأما حَدِيْث أبي هُرَيْرَة فليس كذلك. إن ركبة البعير ليست في يده وإن أطلقوا عَلَى اللتين في اليدين اسم الركبة فإنما هُوَ للتغليب، أما القَوْل بأن ركبتي البعير في يديه فلا يعرف عن أهل اللغة. والجواب عَلَى هَذِهِ العلل فِيْمَا يأتي: أما قولهم إنَّهُ معارض لحديث وائل، فإن حَدِيْث وائل ضعيف، فإنه ليس يروى في الدنيا بإسناد إلا من طريق شريك، وتفرد بِهِ يزيد بن هارون. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ((تفرد بِهِ يزيد عن شريك، وَلَمْ يحدث بِهِ عن عاصم بن كليب غَيْر شريك، وشريك ليس بالقوي فِيْمَا يتفرد بِهِ)) (2) . وَقَالَ الترمذي: ((لا نعرف أحداً رَوَاهُ غَيْر شريك)) (3) . وشريك يخطئ كثيراً (4) لا يحتج بتفرده فكيف وَقَدْ خالف هماماً، إِذْ رَوَاهُ همام، عن شقيق، قَالَ: حَدَّثَنِي عاصم بن كليب، عن أبيه، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بنحو حَدِيْث شريك (5) . قَالَ البيهقي: ((قَالَ عفان: هَذَا الْحَدِيْث غريب)) (6) . وشقيق: مجهول لا يعرف (7) ، سكت عَنْهُ ابن أبي حاتم (8) ، وَقَالَ ابن حجر: ((مجهول)) (9) .   (1) التاريخ الكبير 1/139. (2) سنن الدَّارَقُطْنِيّ 1/345. (3) الجامع الكبير 1/307. (4) التقريب (2787) . (5) أخرجه أبو داود عقيب (839) ، والبيهقي في السنن الكبرى 2/99. (6) السنن الكبرى للبيهقي 2/99. (7) انظر: ميزان الاعتدال 2/279 (3740) . (8) الجرح والتعديل 4/373. (9) التقريب (2819) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5 ومع ذَلِكَ نجد هماماً خالف شريكاً فأرسل الْحَدِيْث، وأسنده شريك، قَالَ البيهقي: ((هَذَا حَدِيْث يُعدُّ في أفراد شريك القاضي، وإنما تابعه همام من هَذَا الوجه مرسلاً. هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين رحمهم الله تَعَالَى)) (1) . لذا قَالَ الحازمي في " الاعتبار ": ((والمرسل هُوَ المحفوظ)) (2) . وعليه فحديث وائل فِيْهِ علتان موجبتان لضعفه: الأولى: ضعف شريك، والثانية: مخالفته لهمام في روايته. أما قوله بأن الْحَدِيْث مقلوب فما هُوَ إلا من باب التجويز العقلي، وَلَوْ فتحنا هَذَا الباب ما سلم لنا شيء من الأخبار، وَقَدْ رده الشيخ علي القاري فَقَالَ: ((وقول ابن القيم أن حَدِيْث أبي هُرَيْرَة انقلب متنه عَلَى راويه فِيْهِ نظر، إِذْ لَوْ فتح هَذَا الباب لَمْ يَبْقَ اعتماد عَلَى رِوَايَة راوٍ مع كونها صحيحة)) (3) . واستدلاله عليه بما رَوَاهُ ابن أبي شيبة وابن أبي داود لا يصلح سنداً لقوله، ففي كلا إسنادهما: عَبْد الله بن سعيد بن أبي شيبة المقبري، كَانَ القطان وابن مهدي لا يحدّثان عَنْهُ. وَقَالَ يحيى القطان: جلست إلى عَبْد الله بن سعيد بن أبي سعيد مجلساً فعرفت فِيْهِ، يعني: الكذب. وَقَالَ أحمد: منكر الْحَدِيْث متروك الْحَدِيْث. وَقَالَ أبو أحمد الْحَاكِم: ذاهب الْحَدِيْث (4) . أما القَوْل بالنسخ فَقَدْ سبقه إِلَيْهِ ابن خزيمة (5) ، والخطابي (6) ، والحديث الَّذِيْ استدلوا بِهِ عَلَى النَّسْخ رَوَاهُ ابن خزيمة والبيهقي من طريق إِبْرَاهِيْم بن إِسْمَاعِيْل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن جده، عن سلمة، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه فذكره.   (1) السنن الكبرى، للبيهقي 2/99. (2) الاعتبار: 123. (3) مرقاة المفاتيح 1/552. (4) انظر: تهذيب الكمال 4/149 (3293) . (5) صَحِيْح ابن خزيمة 1/318-319. (6) معالم السنن:1/178. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 6 وهذا الْحَدِيْث بهذا السند لا يصلح لإثبات حكم فضلاً عن نسخ غيره، إِذْ إن فِيْهِ راويين ضعيفين: الأول: إِبْرَاهِيْم بن إِسْمَاعِيْل. قَالَ ابن حبان (1) وابن نمير (2) : ((في روايته عن أبيه بعض المناكير)) . الثاني: أبوه إِسْمَاعِيْل بن يحيى. قَالَ الأزدي والدارقطني: ((متروك)) (3) . قَالَ الحازمي: ((أما حَدِيْث سعد ففي إسناده مقال، وَلَوْ كَانَ محفوظاً لدل عَلَى النَّسْخ، غَيْر أن المحفوظ عن مصعب، عن أبيه حَدِيْث نسخ التطبيق)) (4) . وَقَالَ ابن حجر: ((وهذا لَوْ صح لكان قاطعاً للنّزاع، ولكنه من أفراد إِبْرَاهِيْم ابن إِسْمَاعِيْل بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، وهما ضعيفان)) (5) . وأما قولهم باضطراب متنه، فإن الَّذِيْ اتفقت عليه كلمة الْمُحَدِّثِيْنَ أن شرط الاضطراب تساوي أوجه الرِّوَايَة من غَيْر ترجيح (6) ، فإن ترجحت إحدى الروايات بوجه من وجوه الترجيح المعتبرة انتفى الاضطراب (7) . وإذا علمنا مِمَّا مضى أن حَدِيْث مُحَمَّد بن فضيل، عن عَبْد الله بن سعيد، عن أبي هُرَيْرَة، لا تقوم الحجة بِهِ، وذلك لضعف عَبْد الله بن سعيد، فكيف تتساوى وجوه الرِّوَايَة؟!   (1) الثقات 8/83. (2) انظر: تهذيب الكمال 1/101 (145) . (3) انظر: تهذيب الكمال 1/259 (485) ، وتهذيب التهذيب 1/336. (4) الاعتبار: 122. (5) فتح الباري 2/291. (6) انظر: مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: 84 وفي طبعتنا: 192-193، وشرح التبصرة والتذكرة 1/240 وفي طبعتنا 1/290-291. (7) انظر: مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: 84 وفي طبعتنا: 226، وشرح التبصرة والتذكرة 1/240 وفي طبعتنا 1/291. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 7 أما دعوى إعلال النقاد لَهُ، فليس في كلام الإمام البخاري ما يدل عَلَى إعلاله لَهُ، فغاية مراد الإمام البخاري من قوله هَذَا تشخيص حالة التفرد، وذلك لاهتمامهم بناحية التفرد – كَمَا مضى بنا عِنْدَ كلامنا عن التفرد –. ومحمد بن عَبْد الله الملقب بالنفس الزكية (1) ثقة (2) ، لذا قَالَ ابن التركماني: ((وثّقه النسائي وقول البخاري ((لا يتابع عَلَى حديثه)) ليس بصريح في الجرح فلا يعارض توثيق النسائي)) (3) . وأما قوله: ((لا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا؟)) . فإنما يتأتى الإعلال بِهِ عَلَى شرط الإمام البخاري رحمه الله من عدم الاكتفاء بالمعاصرة، أما الجمهور فعلى مذهب الإمام مُسْلِم من الاكتفاء بالمعاصرة مع إمكان اللقاء (4) ، وما في أيدينا تطبيق لهذه القاعدة، فأبو الزناد – عَبْد الله بن ذكوان – مدنيٌّ عاش في الْمَدِيْنَة ومات فِيْهَا سنة (130 هـ‍) (5) ، ومحمد بن عَبْد الله مدنيٌّ أَيْضاً عاش في الْمَدِيْنَة، وخرج بالمدينة عَلَى أبي جعفر المنصور، واستولى عَلَى الْمَدِيْنَة سنة (145 هـ‍) وفيها قتل (6) . فالمعاصرة موجودة، وإمكان اللقاء قريب بَلْ هُوَ شبه المتحقق، حَتَّى إننا نجد الذهبي في " السير " (7) يقول: ((حدّث عن نافع وأبي الزناد)) . دعوى وجود الشواهد لحديث وائل، فهي دعوى عارية عن المفهوم عِنْدَ التحقيق العلمي، إِذْ ذكروا لَهُ أربعة شواهد هِيَ:   (1) انظر: تاريخ خليفة: 421، وتاريخ الطبري 4/427، والتحفة اللطيفة في تاريخ الْمَدِيْنَة الشريفة 1/43. (2) تقريب التهذيب (6010) . (3) الجوهر النقي 2/100. (4) انظر: مقدمة صَحِيْح مُسْلِم 1/23، والمنهل الروي: 48. (5) انظر: تهذيب الكمال 4/125-126. (6) انظر: الكامل في التاريخ 5/2 فما بعدها. (7) سير أعلام النبلاء 6/210، وانظر: الكاشف 2/185-186، وتهذيب التهذيب 9/353. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 8 الأول: ما روي من طريق العلاء بن إسماعيل العطار، عن حفص بن غياث، عن عاصم الأحول، عن أنس: ((رأيت رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه)) . رَوَاهُ: الدَّارَقُطْنِيّ (1) ، وابن حزم (2) ، والحاكم (3) ، والبيهقي (4) ، والحازمي (5) . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ((تفرد بِهِ العلاء بن إِسْمَاعِيْل، عن حفص بهذا الإسناد)) (6) وبنحوه قَالَ البيهقي (7) والعلاء مجهول لا يعرف (8) ، قَالَ ابن حجر: ((قَالَ البيهقي في " الْمَعْرِفَة " تفرد بِهِ العلاء بن إِسْمَاعِيْل العطار وَهُوَ مجهول)) (9) . وسأل ابن أَبِي حاتم أباه عن هَذَا الْحَدِيْث فَقَالَ: ((حَدِيْث منكر)) (10) . وأيضاً فَقَدْ خالف العلاء عمر بن حفص (11) –وَهُوَ من أثبت الناس في أبيه- (12) ، فرواه عن أبيه، عن الأعمش، عن إِبْرَاهِيْم، عن أصحاب عَبْد الله: علقمة والأسود قالا: حفظنا عن عمر في صلاته أنه خرَّ بَعْدَ ركوعه عَلَى ركبتيه قَبْلَ يديه (13) . فجعله من مسند عمر لا من مسند أنس.   (1) سنن الدَّارَقُطْنِيّ 1/345. (2) المحلى 4/129. (3) المستدرك 1/226. (4) السنن الكبرى، للبيهقي 2/99. (5) الاعتبار: 122. (6) سنن الدَّارَقُطْنِيّ 1/345. (7) السنن الكبرى، للبيهقي 2/99. (8) انظر: لسان الميزان 4/182. (9) التلخيص الحبير 1/271. (10) علل الْحَدِيْث، لابن أبي حاتم 1/188. (11) هُوَ عمر بن حفص بن غياث أبو حفص الكوفي: ثقة رُبَّمَا وهم، توفي سنة (222 هـ‍) . تهذيب الكمال 5/339 (4806) ، والكاشف 2/57 (4038) ، والتقريب (4880) . (12) انظر: لسان الميزان 4/183. (13) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/256. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 9 قَالَ ابن حجر: ((وخالفه عمر بن حفص بن غياث – وَهُوَ من أثبت الناس في أبيه، فرواه عن أبيه، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة وغيره، عن عمر موقوفاً عليه، وهذا هُوَ المحفوظ)) (1) . الثاني: حَدِيْث سعد بن أبي وقاص، وَقَدْ قدمنا الكلام عليه (2) . الثالث: ما رواه البيهقي (3) من طريق مُحَمَّد بن حجر، عن سعيد بن عَبْد الجبار بن وائل، عن أمه، عن وائل بن حجر: ((صليت خلف النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ سجد فكان أول ما وصل إلى الأرض ركبتاه)) . وَهُوَ سند ضعيف: مُحَمَّد بن حجر، قَالَ البخاري: ((فِيْهِ نظر)) (4) ، وَقَالَ ابن حبان: ((يروي عن عمه سعيد بن عَبْد الجبار، عن أبيه – وائل بن حجر – بنسخة منكرة، فِيْهَا أشياء لها أصول من حَدِيْث رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، وليس من حَدِيْث وائل بن حجر، وفيها أشياء من حَدِيْث وائل بن حجر مختصرة جاء بِهَا عَلَى التقصي وأفرط فِيْهِ، ومنها أشياء موضوعة ليس يشبه كلام رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز الاحتجاج بِهِ)) (5) . وفيه أَيْضاً: سعيد بن عَبْد الجبار، قَالَ النسائي: ((ليس بالقوي)) (6) . أما قوله بأن ركبتي البعير ليست في يديه، وأنه لا يعرف عن أهل اللغة ذَلِكَ، فمنقوض بتصريح كبار أئمة اللغة بأن ركبتي البعير في يديه مِنْهُمْ: الأزهري (7) ، وابن سيده (8) ، وابن منظور (9) ، وغيرهم (10) .   (1) لسان الميزان 4/183. (2) الصفحة: 237. (3) في السنن الكبرى، لَهُ 2/99. (4) التاريخ الكبير 1/69، وانظر: الضعفاء، للعقيلي 4/59، والكامل، لابن عدي 7/343. (5) المجروحين 2/284. (6) الضعفاء (265) . (7) انظر: تهذيب اللغة 10/216. (8) انظر: المحكم 7/16. (9) انظر: لسان العرب 1/223 (ركب) . (10) انظر: غريب الْحَدِيْث، للسرقسطي 2/70، والمحلى 4/129. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 10 أن يروي الحديث قوم – مثلاً – عن رجلٍ عن تابعي عن صحابي، ويرويه غيرهم عن ذلك الرجل عن تابعي آخر عن الصحابي بعينه. هذا أحد الأنواع الرئيسة التي تعتري اختلاف الأسانيد، وهو من الاختلافات التي تومئ بعدم ضبط راويها، وتخرج الحديث عن كونه عن رجل إلى رجل آخر، وهنا نقف أمام أمرين، وهما: هل أن الراوي أخطأ بهذا الاختلاف فالصواب عن أحدهما والآخر غلط؟ أم أن هذا الراوي سمع الحديث من كلا الرجلين فتارة يحدّث به عن هذا، وتارة يحدّث به عن الآخر، وكلا هذين الراويين قَدْ سمعاه من هذا الصحابي عينه. مثال ذلك: ما أخرجه الدارقطني (1) ، من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن ابن أبي صعير (2) ، عن أبي هريرة رواية (3) أنه قال: ((زكاة الفطر على الغني والفقير)) . فهذا الحديث مِمَّا اختلف فيه على الزهري. فقد رواه سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة (4) .   (1) سنن الدارقطني 2/148. (2) هُوَ أبو مُحَمَّد المدني عَبْد الله بن ثعلبة بن صعير، ويقال: ابن أبي صعير العذري، توفي سنة (87 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (89 هـ‍) . تهذيب الكمال 4/98 (3181) ، وتاريخ الإسلام: 103 وفيات (87 هـ‍) ، والتقريب (842) . (3) أي مرفوعاً إلى النبي (قال الحافظ ابن حجر في الفتح 10/336 عقيب (5889) : ((وقد تقرر في علوم الحديث أن قول الراوي رواية، أو يرويه، أو يبلغ به، ونحو ذلك محمول على الرفع)) . وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/33، وطبعتنا 1/195، وفتح الباقي 1/133، وطبعتنا 1/186. (4) هذه الرواية ذكرها الدارقطني في العلل 7/40. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 1 والحديث أخرجه: عبد الرزاق (1) ، وأحمد (2) ، والبخاري (3) ، والطحاوي (4) ، والدارقطني (5) ، والبيهقي (6) من طريق معمر، عن الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة، به. موقوفاً ثم قال: - يعني: معمراً -: وبلغني أن الزهري كان يرويه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. والحديث اختلف فيه كثيراً على الزهري غير هذا الاختلاف.   (1) في مصنفه (5761) . (2) في مسنده 2/277. (3) في تاريخه الكبير 5/37. (4) في شرح معاني الآثار 2/45. (5) سنن الدارقطني 2/149-150. (6) السنن 4/164. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 2 حَدِيْث بقية بن الوليد، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري، عن سالم (1) ، عن ابن عمر مرفوعاً (2) : ((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة أو غيرها، فَقَدْ أدرك الصلاة)) (3) . قَالَ أبو بكر بن أبي داود (4)   (1) هُوَ سالم بن عَبْد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أبو عمر أَوْ عَبْد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة، وَكَانَ ثبتاً، عابداً، فاضلاً، كَانَ يُشَبَّه بأبيه في الهدي والسمت، مات سنة (106 هـ‍) . تهذيب الكمال 3/95 (2133) ، وسير أعلام النبلاء 4/457، والكاشف 1/422 (1773) . (2) المرفوع: هُوَ ما أضيف إلى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قولاً أَوْ فعلاً أو تقريراً. انظر: الكفاية (58 ت، 21 هـ‍) ، والتمهيد 1/25، ومعرفة أنواع علم الْحَدِيْث: 54 وفي طبعتنا: 116، وإرشاد طلاب الحقائق 1/157، والتقريب: 50 وطبعتنا: 94، والاقتراح: 195، والمنهل الروي: 40، والخلاصة: 46، والموقظة: 41، واختصار علوم الْحَدِيْث: 45، ونكت الزركشي 1/411، والشذا الفياح 1/139، والمقنع 1/73، وشرح التبصرة والتذكرة 1/116، وفي طبعتنا 1/180، ونزهة النظر: 140، ونكت ابن حجر 1/511، والمختصر: 119، وفتح المغيث 1/98، وألفية السيوطي: 21، وشرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي: 143، وفتح الباقي 1/171 بتحقيقنا، وتوضيح الأفكار 1/254، وظفر الأماني: 227، وقواعد التحديث: 123. (3) أخرجه ابن ماجه (1123) ، والنسائي 1/274، وفي الكبرى (1540) ، وابن عدي في الكامل 2/267، والدارقطني 2/12. (4) هُوَ الإمام العلامة الحافظ شيخ بغداد عَبْد الله بن سليمان بن الأشعث، أبو بكر السجستاني، لَهُ مصنفات مِنْهَا: " المصاحف " و " النَّاسِخ والمنسوخ " و " البعث "، مات سنة (316 هـ‍) . طبقات الحنابلة 2/44 و 47، وسير أعلام النبلاء 13/221-222 و 231، ومرآة الجنان 2/202. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 1 : ((لَمْ يروه عن يونس إلا بقية)) (1) . أقول: بقية مدلس ممن اشتهر بتدليس التسوية (2) ، وَقَدْ أخطأ في هَذَا الْحَدِيْث من وجهين: الأول: إنه جعل الْحَدِيْث من رِوَايَة الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، ورواه الجمع الغفير من أصحاب الزهري عَنْهُ، عن أبي سلمة بن عَبْد الرحمان (3) ، عن أبي هُرَيْرَة، مرفوعاً، وهم: 1. مالك بن أنس، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ: يحيى بن يحيى الليثي (4) . أبو مصعب الزهري (5) . سويد بن سعيد (6) .   (1) سنن الدَّارَقُطْنِيّ 2/12 عقيب (12) . (2) انظر: جامع التحصيل: 150 (64) ، والتبيين في أسماء المدلسين: 47 (5) ، وطبقات المدلسين (117) . (3) هُوَ أبو سلمة بن عَبْد الرحمان بن عوف الزهري المدني، قِيْلَ: اسمه عَبْد الله، وَقِيْلَ: إسماعيل: ثقة مكثر، مات سنة (94 هـ‍) ، وَقِيْلَ سنة: (104 هـ‍) . سير أعلام النبلاء 4/287 و 290، والتقريب (8142) ، وطبقات الحفاظ: 30. (4) هُوَ الإمام يحيى بن يحيى، أَبُو مُحَمَّد الليثي، فقيه الأندلس، راوي الموطأ، ولد سنة (152 هـ‍) ، وتوفي سنة (234 هـ‍) . وفيات الأعيان 6/143 و 146، والعبر 1/419، وسير أعلام النبلاء 10/519. وروايته في موطئه (15) . (5) هُوَ الإمام الثقة، أَبُو مصعب أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث الزهري المدني، لازم الإمام مالك بن أنس، وتفقه بِهِ، وسمع مِنْهُ الموطأ، ولد سنة (150 هـ‍) ، وتوفي سنة (241 هـ‍) . العبر 1/436، وسير أعلام النبلاء 11/436، وتهذيب التهذيب 1/20. وحديثه في موطئه (16) . (6) هُوَ سويد بن سعيد بن سهل الهروي الأصل الحدثاني المنْزل: صدوق في نفسه، إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه، توفي سنة (240 هـ‍) . سير أعلام النبلاء 11/410، وميزان الاعتدال 2/248 و 251، والتقريب (2690) . وحديثه في موطئه (10) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 2 عَبْد الله بن مسلمة القعنبي (1) . عَبْد الرحمان بن القاسم (2) . مُحَمَّد بن الحسن الشيباني (3) . يحيى بن يحيى النيسابوري (4) . عَبْد الله بن يوسف التنيسي (5) .   (1) هُوَ الإمام الثبت القدوة، أبو عَبْد الرحمن عَبْد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي المدني، ولد بَعْدَ سنة (130 هـ‍) بيسير، وتوفي سنة (221 هـ‍) . التاريخ الكبير 5/212، ووفيات الأعيان 3/40، وسير أعلام النبلاء 10/257. وحديثه في موطئه (36) ، ومن طريقه أخرجه أبو داود (1121) ، ومن طريق أبي داود البيهقي 3/202، وابن حبان (1480) ، وطبعة الرسالة (1483) . (2) هُوَ عالم الديار المصرية ومفتيها، أَبُو عَبْد الله: عَبْد الرحمان بن القاسم العتقي، مولاهم المصري، صاحب الإمام مالك، ولد سنة (132 هـ‍) ، وتوفي سنة (191 هـ‍) . وفيات الأعيان 3/129، وسير أعلام النبلاء 9/120 و 125، والعبر 1/307. وحديثه في موطئه (23) . (3) هُوَ العلامة الفقيه صاحب أبي حَنِيْفَة، أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن الحسن الشيباني الكوفي، ولد سنة (132 هـ‍) ، وتوفي سنة (189 هـ‍) . الجرح والتعديل 7/227، ووفيات الأعيان 4/184، وسير أعلام النبلاء 9/134-136. وحديثه في موطئه (131) . (4) هُوَ الإمام الثبت الثقة، أبو زكريا يحيى بن يحيى بن بكر بن عَبْد الرحمان التميمي المنقري النيسابوري، ولد سنة (142هـ‍) ، وتوفي سنة (226هـ‍) . سير أعلام النبلاء 10/512، والعبر 1/397، والتقريب (7668) . وحديثه عِنْدَ مُسْلِم 2/102 (607) (161) . (5) هُوَ الإمام الحافظ المتقن، أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن يوسف الكلاعي الدمشقي، ثُمَّ التنيسي، أثبت الناس في الموطأ، توفي سنة (218 هـ‍) . الجرح والتعديل 5/205، وسير أعلام النبلاء 10/357، والتقريب (3721) . وحديثه عِنْدَ البخاري 1/151 (580) ، وفي القراءة خلف الإمام (206) و (225) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 3 يحيى بن قزعة (1) . قتيبة بن سعيد (2) . عَبْد الله بن المبارك (3) . عَبْد الله بن وهب (4) . الأوزاعي (5) . ابن جريج (6) .   (1) هُوَ يَحْيَى بن قزعة القرشي المكي: مقبول، من العاشرة، وذكره ابن حبان في ثقاته. الثقات 9/257، وتهذيب الكمال 8/78 (7497) ، والتقريب (7626) . وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة خلف الإمام (205) . (2) هُوَ الإمام الثقة الثبت، أبو رجاء قتيبة بن سعيد بن جميل الثقفي، مولاهم البلخي، ولد سنة (149 هـ‍) ، وتوفي سنة (240 هـ‍) . طبقات ابن سعد 7/379، والجرح والتعديل 7/140، والعبر 1/433. وحديثه عِنْدَ النسائي 1/274، وفي الكبرى (1537) . (3) حديثه عِنْدَ: مُسْلِم 2/102 (607) (162) ، وأبي يعلى (5988) ، والخطيب في = = تاريخه 3/69، والبيهقي 3/202. (4) عِنْدَ الطحاوي في شرح المشكل (2320) . (5) كَمَا أخرجه الدارمي (1223) ، ومسلم 2/102 (607) (162) ، والنسائي 1/274، وفي الكبرى (1538) ، وأبو يعلى (5988) ، وابن خزيمة (1849) ، والبيهقي 3/202، والخطيب في تاريخه 3/39، وقرن في رِوَايَة مُسْلِم وأبي يعلى والبيهقي والخطيب الأوزاعي بمالك ومعمر ويونس. ورواه ابن خزيمة (1850) ، والحاكم 1/291 وفيه ذكر الجمعة، وسيأتي بحث هَذِهِ الرِّوَايَة وعلتها في الاختلاف بسبب الرِّوَايَة بالمعنى. (6) هُوَ الفقيه الفاضل عَبْد الملك بن عَبْد العزيز بن جريج القرشي المكي، صاحب التصانيف، وأول من دوّن العلم بمكة، ولد سنة (80 هـ‍) ، وتوفي سنة (150 هـ‍) . التاريخ الكبير 5/422-423، والجرح والتعديل 5/356 –357، والتقريب (4193) . وحديثه عِنْدَ: عَبْد الرزاق (3370) ، والبخاري في القراءة خلف الإمام (216) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 4 سفيان بن عيينة (1) . شعيب بن أبي حمزة (2) . عَبْد الرحمان (3) بن إسحاق (4) . عَبْد الوهاب (5) بن أبي بكر (6) . عبيد الله بن عمر العمري (7) .   (1) وروايته عِنْدَ: الشَّافِعِيّ في مسنده (150) بتحقيقنا، ومن طريقه البيهقي 3/202، وأخرج الْحَدِيْث الحميدي (946) ، وأحمد 2/241، والدارمي (1224) ، ومسلم 2/102 (607) (162) ، وابن ماجه (1122) ، والترمذي (524) ، والنسائي في الكبرى (1741) ، وأبو يعلى (5962) ، وابن خزيمة (1848) ، والطحاوي في شرح المشكل (2321) ، والبغوي (401) . (2) هُوَ الثقة العابد، أبو بشر شعيب بن أَبِي حمزة الأموي، مولاهم الحمصي، قَالَ ابن مَعِيْنٍ: من أثبت الناس في الزهري، توفي سنة (162 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (163 هـ‍) . طبقات ابن سعد 7/468، والعبر 1/242، وسير أعلام النبلاء 7/187. وحديثه عِنْدَ البُخَارِيّ في " القراءة خلف الإمام " (210) ، والبيهقي 3/202. (3) هُوَ عَبْد الرحمان بن إسحاق بن عَبْد الله بن الحارث المدني، ويقال لَهُ: عباد: صدوق رمي بالقدر من السادسة. الكامل 5/489، وتهذيب الكمال 4/369 (3743) ، والتقريب (3800) . (4) عِنْدَ أبي يعلى (5966) . (5) هُوَ عَبْد الوهاب بن أبي بكر المدني، وكيل الزهري: ثقة من السابعة. الثقات 7/132، تهذيب الكمال 5/15 (4187) ، التقريب (4255) . (6) عِنْدَ الطحاوي في شرح مشكل الآثار (2318) . (7) عِنْدَ أحمد 2/376، والبخاري في القراءة (211) ، ومُسْلِم 2/102 (607) (162) ، والنسائي 1/274، وفي الكبرى (1536) و (1742) ، وأبي يعلى (5967) ، وأبي عوانة 1/372، وابن حبان (1482) ، وفي طبعة الرسالة (1485) ، والبيهقي 1/378، وفي رِوَايَة البيهقي قَالَ: ((من أدرك من الصبح ركعة … )) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 5 قرة (1) بن عَبْد الرحمان (2) . معمر بن راشد (3) . يزيد (4) بن الهاد (5) .   (1) قرة بن عَبْد الرحمان بن حيوئيل، أبو مُحَمَّد، ويقال: أبو حيوئيل المعافري المصري، أصله من الْمَدِيْنَة سكن مصر، توفي سنة (147 هـ‍) . انظر: الثقات 7/342، وتهذيب الكمال 6/117-118، وتاريخ الإِسْلاَم:256 وفيات (147 هـ‍) . (2) وروايته أخرجها ابن خزيمة (1595) ، والبيهقي 2/89 وزاد فِيْهَا (قَبْلَ أن يقيم الإمام صلبه) . (3) عِنْدَ عَبْد الرزاق (3369) و (5478) ، وأحمد 2/271 و 280، والبخاري في القراءة خلف الإمام (216) ، ومسلم 2/102 (607) (162) ، وأبي يعلى (5988) ، والبيهقي 3/202، والخطيب في تاريخه 3/39. تنبيه: في رِوَايَة مُسْلِم وأبي يعلى والبيهقي والخطيب قرن معمر بمالك والأوزاعي ويونس. وأخرجه: عَبْد الرزاق (2224) ، وأحمد 2/254، ومسلم 2/102 (608) عقيب (163) ، والنسائي 1/257، وفي الكبرى (1534) ، وابن الجارود (152) ، وابن خزيمة (985) ، وأبو عوانة 1/372 – 373. من طرق عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عَبْد الرحمان، عن أبي هُرَيْرَة، أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((من أدرك من العصر ركعة قَبْلَ أن تغرب الشمس فَقَدْ أدركها، ومن أدرك من الصبح ركعة قَبْلَ أن تطلع الشمس فَقَدْ أدركها)) . (4) هُوَ الإمام الثقة المكثر، أبو عَبْد الله يزيد بن عَبْد الله بن أسامة بن الهاد الليثي المدني، عداده في صغار التَّابِعِيْنَ، توفي سنة (139 هـ‍) . الجرح والتعديل 9/275 (1156) ، وسير أعلام النبلاء 6/188-189، والتقريب (7737) . (5) أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (212) ، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2319) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 6 فهؤلاء أحد عشر نفساً من أصحاب الزهري رووه عَنْهُ، عَلَى خلاف رِوَايَة بقية ابن الوليد، عن يونس بن يزيد، وكثرة الرُّوَاة من القرائن الَّتِيْ ترجح بِهَا الروايات (1) . ثُمَّ إنّ بقية خالف الرُّوَاة عن يونس بن يزيد، فَقَدْ رَوَاهُ عَبْد الله بن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَة (2) ، بِهِ (3) . وتابع ابن المبارك عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة ابن وهب، عن يونس (4) . ورواه مُسْلِم (5) عن أبي كريب (6) ، عن ابن المبارك، عن معمر والأوزاعي ومالك ويونس؛ أربعتهم مقرونين، عن الزهري بنحو رِوَايَة الجمع. وتابع أبا كريب عَلَى جمع هؤلاء الأربعة: العباس بن الوليد (7)   (1) انظر: التلخيص الحبير 2/26 طبعة زكي شعبان. (2) هُوَ الصَّحَابِيّ الجليل سيد الحفاظ الأثبات، أَبُو هُرَيْرَة الدوسي اليماني، اختلف في اسمه عَلَى أقوال، أرجحها: عَبْد الرحمان بن صخر، توفي سنة (60 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (59 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (58 هـ‍) . معجم الصَّحَابَة، لابن قانع 10/3673، وأسد الغابة 5/315 و 317، والإصابة 4/202. (3) رَوَاهُ البخاري في القراءة خلف الإمام (263) . (4) صَحِيْح مُسْلِم 2/102 (607) (162) ، وأخرجه البيهقي 3/203 أَيْضاً. (5) 2/102 (607) (162) . (6) الحافظ الثقة مُحَمَّد بن العلاء بن كريب، أبو كريب الهمداني الكوفي، ولد سنة (161 هـ‍) ، وتوفي سنة (248 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (247 هـ‍) . تهذيب الكمال 6/466 و 468، وسير أعلام النبلاء 11/394 و 396، وشذرات الذهب 2/119. (7) الحافظ الإمام الحجة عَبَّاسٍ بن الوليد بن نصر النرسي أبو الفضل الباهلي البصري، توفي سنة (238 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (237 هـ‍) . تهذيب الكمال 4/558، وتاريخ الإِسْلاَم 212 وفيات (237 هـ‍) ، وسير أعلام النبلاء 11/27. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 7 النرسي (1) ، وخالد (2) بن مرداس (3) . ورواه ابن ثوبان (4) ، عن الزهري ومكحول (5) مقرونين، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَة، بِهِ (6) . كرواية الأكثرين. الثاني: أنه أخطأ في متن الْحَدِيْث فرواه بلفظ: ((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة أو غيرها، فَقَدْ أدرك الصلاة)) . ولفظ الْحَدِيْث في رِوَايَة الجمع: ((من أدرك ركعة من الصلاة فَقَدْ أدرك الصَّلاَة)) أو نحوه لا ذكر في شيء من ألفاظه للجمعة، فتبين أنها من وهم بقية، يؤيده: كَانَ مذهب الزهري حمل هَذَا الْحَدِيْث المطلق عَلَى صلاة الجمعة، فيرى أنّ من أدرك من الجمعة ركعة فَقَدْ أدركها، ورواه عَنْهُ البخاري في القراءة خلف الإمام (7) بلفظ: ((ونرى لما بلغنا عن رَسُوْل الله- صلى الله عليه وسلم - أنه من أدرك من الجمعة ركعة واحدة فَقَدْ أدرك)) .   (1) عِنْدَ البيهقي 3/202. (2) أبو الهيثم البغدادي السراج، خالد بن مرداس: كَانَ صدوقاً ثقة لَهُ نسخة رواها عَنْهُ أبو القاسم البغوي، توفي سنة (231 هـ‍) . الجرح والتعديل 3/354، وتاريخ بغداد 8/307-308، وتاريخ الإِسْلاَم: 149 وفيات (231 هـ‍) . (3) عِنْدَ أبي يعلى (5988) ، والخطيب في تاريخه 3/39. (4) هُوَ مُحَمَّد بن عَبْد الرحمان بن ثوبان القرشي العامري مولاهم، أبو عَبْد الله المدني: ثقة، من الثالثة. الثقات 5/369، وتهذيب الكمال 6/397 (5984) ، والتقريب (6068) . (5) هُوَ عالم أهل الشام، أبو عَبْد الله مكحول الشامي الدمشقي الفقيه، وَقِيْلَ: كنيته أبو أيوب، وَقِيْلَ: أبو مُسْلِم، اختلف في وفاته فقيل: (112هـ‍) ، وَقِيْلَ: (113هـ‍) ، وَقِيْلَ غيرهما. طبقات ابن سعد 7/453، وتهذيب الكمال 7/216 (6763) ، وسير أعلام النبلاء 5/155. (6) أخرجه ابن حبان (1483) ، وفي طبعة الرسالة (1486) . (7) 214) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 8 ومما يدل عَلَى أنّ لا ذكر للفظ الجمعة في حَدِيْث الزهري هَذَا، أن البيهقي بَعْدَ أن رَوَى الْحَدِيْث من طريق معمر عن الزهري، نقل قَوْل الزهري عقبه: ((والجمعة من الصلاة)) . وعقَّب عَلَيْهِ فَقَالَ: ((هَذَا هُوَ الصَّحِيْح، وَهُوَ رِوَايَة الجماعة عن الزهري، وفي رِوَايَة معمر دلالة عَلَى أنّ لفظ الْحَدِيْث في الصلاة مطلق، وأنها بعمومها تتناول الجمعة كَمَا تتناول غيرها من الصلوات)) (1) . ومن هَذَا يتبين وهم بقية إسناداً ومتناً، وَقَدْ نص عَلَى هَذَا الإمام أبو حاتم الرازي، إِذْ سأله ابنه فَقَالَ: ((سألت أبي عن حَدِيْث رَوَاهُ بقية، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر (2) ، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((من أدرك ركعة من الجمعة وغيرها فَقَدْ أدرك الصلاة. فسمعت أبي يقول: هَذَا خطأ إنما هُوَ الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَة، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -)) (3) . وَقَالَ الحافظ ابن حجر: ((إن سَلِمَ من وهم بقية، ففيه تدليسه التسوية؛ لأنه عنعن لشيخه)) (4) . وَقَالَ ابن أبي حاتم أَيْضاً: ((سألت أبي عن حَدِيْث رَوَاهُ بقية، عن يونس، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((من أدرك ركعة من   (1) السنن الكبرى 3/203. (2) هُوَ الصَّحَابِيّ الجليل عَبْد الله بن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي المكي ثُمَّ المدني، أسلم صغيراً، وهاجر مع أبيه وَلَمْ يبلغ الحلم، توفي سنة (74 هـ‍) . معجم الصَّحَابَة، لابن قانع 8/2992 (521) ، وأسد الغابة 3/337، والإصابة 2/1347. (3) علل الْحَدِيْث 1/210 (607) . (4) التلخيص الحبير 2/43، وفي الطبعة العلمية 2/107. وانظر: التمهيد 7/64، ونصب الراية 1/228. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 9 صلاة الجمعة وغيرها فَقَدْ أدرك)) . قَالَ أبي: هَذَا خطأ الْمَتْن والإسناد إنما هُوَ: الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَة، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((من أدرك من صلاةٍ ركعة فَقَدْ أدركها)) ، وأما قوله: ((من صلاة الجمعة)) فليس هَذَا في الْحَدِيْث، فوهم في كليهما)) (1) . أثر هَذَا الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (المقدار الَّذِيْ تدرك بِهِ صلاة الجمعة) : اختلف الفقهاء في حكم من سبق في صلاة الجمعة عَلَى ثلاثة مذاهب: الأول: لا تصح الجمعة لِمَنْ لَمْ يدرك شيئاً من خطبة الإمام. وبه قَالَ الهادوية من الزيدية (2) . وروي عن عمر (3) بن الخطاب (4) ، ومجاهد (5)   (1) علل الْحَدِيْث 1/172 (491) . (2) سبل السلام 2/47. (3) هُوَ أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، توفي سنة (23 هـ‍) شهيداً - رضي الله عنه - وأرضاه. معجم الصَّحَابَة 10/3814، وأسد الغابة 4/52، والعبر 1/27. (4) الحاوي الكبير 3/50، والمجموع 4/558. (5) هُوَ الإمام شيخ القراء والمفسرين أبو الحجاج مجاهد بن جبر المكي مولى السائب بن أبي السائب، توفي سنة (102 هـ‍) وَهُوَ من كبار التَّابِعِيْنَ. طبقات ابن سعد 5/466، وسير أعلام النبلاء 4/449-455، وتهذيب التهذيب 10/42. والرواية عَنْهُ في: الحاوي الكبير 3/50، والمغني 2/158، والمجموع 4/558. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 10 ، وعطاء (1) ، وطاووس (2) ، ومكحول (3) . وحجتهم: أن الإجماع منعقد عَلَى أن الإمام لَوْ لَمْ يخطب بالناس لَمْ يُصلوا إلا أربعاً، فدل ذَلِكَ عَلَى أن الخطبة جزء من الصلاة (4) . وهذا الرأي مخالف لصريح السنة كَمَا يأتي. الثاني: من أدرك الإمام يوم الجمعة في أي جزء من صلاته صلى مَعَهُ ما أدرك وأكمل الجمعة فإنه أدركها، حَتَّى وإن أدركه في التشهد أَوْ سجود السهو (5) . وإليه ذهب أبو حَنِيْفَة وأبو (6) يوسف (7)   (1) انظر ما سبق. (2) طاووس بن كيسان الخولاني اليماني أحد أبناء الفرس الحميري، وَقِيْلَ: الهمداني، أَبُو عَبْد الرحمان، من كبار التَّابِعِيْنَ، وَكَانَ فقيهاً جليل القدر، نبيه الذكر، حافظاً ثقة، مات سنة (106 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (104 هـ‍) . الجرح والتعديل 4/500، وتهذيب الأسماء واللغات 1/251، ووفيات الأعيان 2/509، وانظر: الحاوي الكبير 3/50، والمغني 2/158، وحلية العلماء 2/275. (3) انظر: الحاوي الكبير 3/50، والمغني 2/158، وحلية العلماء 2/275. (4) الاستذكار 2/33. (5) تبيين الحقائق 1/222، وحلية العلماء 2/273. (6) الاستذكار 2/33، واللباب 1/114، وحلية العلماء 2/275، وشرح فتح القدير 1/419. (7) هُوَ الإمام أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي قاضي القضاة، ولد سنة (113هـ‍) ، وتوفي سنة (182 هـ‍) ، وَهُوَ أجل أصحاب أبي حَنِيْفَة. وفيات الأعيان 6/378، والعبر 1/284-285، وسير أعلام النبلاء 8/535. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 11 القاضي (1) . واستدلوا: بأن صلاة الجمعة ركعتان بجماعة، ومن أدرك الإمام قَبْلَ سلامه فَقَدْ أدرك الجماعة، غاية ما هناك أنه مسبوق، والمسبوق يصلي مع الإمام ما أدرك ثُمَّ يتم ما فاته، وما فاته هنا ركعتان لا أربع، فلا يجب عَلَيْهِ أن يصلي أكثر مِمَّا أحرم ناوياً صلاته (2) . الثالث: ذهب أكثر أهل العلم وجمهور الفقهاء إلى أن من أدرك الركعة الثانية مع الإمام فَقَدْ أدرك الجمعة، وعليه أن يأتي بركعة أخرى بَعْدَ فراغ الإمام، فإن لَمْ يدرك مِنْهَا ركعة، وذلك بأن أدرك الإمام بَعْدَ أن رفع رأسه من ركوع الركعة الثانية، فإنه يأتي بَعْدَ فراغ الإمام بأربع ركعات ظهراً؛ لأنَّهُ لَمْ يدرك الجمعة أصلاً (3) . وهذا القَوْل مروي عن: ابن مسعود (4) ، وابن عمر (5) ، وأنس (6)   (1) تبيين الحقائق 1/222، واللباب 1/114. (2) مسائل من الفقه المقارن: 137. (3) المغني 2/312، والمجموع 4/558، ومغني المحتاج 1/299. (4) هُوَ الصَّحَابِيّ الجليل البحر عَبْد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب، الهذلي أبو عَبْد الرحمان المكي المعروف بابن أم عَبْد من السابقين الأولين للإسلام، توفي سنة (32 هـ‍) . معجم الصَّحَابَة 8/2871، وأسد الغابة 3/356، وسير أعلام النبلاء 1/461 و 462. والرواية عَنْهُ في: الحاوي الكبير 3/50، والاستذكار 2/33، والمغني 2/158، والمجموع 4/558. (5) الحاوي الكبير 3/50، والاستذكار 2/33، والمغني 2/158، والمجموع 4/558. (6) هو خادم رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وآخر أصحابه موتاً، أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر الأنصاري النجاري المدني، ولد قَبْلَ الهجرة بعشر سنين، وتوفي سنة (93 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (92 هـ‍) . معجم الصَّحَابَة 1/240، والاستيعاب 1/71-72، وسير أعلام النبلاء 3/395. والرواية عَنْهُ في: الحاوي الكبير 3/50، والاستذكار 2/33، والمغني 2/158، والمجموع 4/558. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 12 ، وسعيد (1) بن المسيب (2) ، والأسود (3) بن يزيد (4) ، والحسن (5) البصري (6) ، وعروة (7)   (1) هُوَ الإمام الثبت أبو مُحَمَّد سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي، ولد لسنتين مضت من خلافة عمر بن الخطاب، وتوفي سنة (94 هـ‍) عَلَى الأصح، واتفقوا عَلَى أن مرسلاته أصح المراسيل. سير أعلام النبلاء 4/217، وتذكرة الحفاظ 1/54، وتقريب التهذيب (2396) . وانظر دراسة شَيْخُنَا العلامة الدكتور هاشم جميل1/13وما بعدها لفقه الإمام سعيد، فَقَدْ أجاد وأفاد ودلل عَلَى علم جم. (2) الاستذكار 2/33، والمغني 2/158، والمجموع 4/558. وانظر: فقه الإمام سعيد بن المسيب 2/190. (3) هُوَ الإمام القدوة أبو عمرو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وَهُوَ من المخضرمين، أدرك الجاهلية والإسلام، وَهُوَ من كبار التَّابِعِيْنَ، توفي سنة (75 هـ‍) . سير أعلام النبلاء 4/50 و 53، والبداية والنهاية 9/11، وتقريب التهذيب (509) . (4) المغني 2/158، والمجموع 4/558. (5) الحسن بن أبي الحسن البصري، واسم أبيه: يسار: ثقة، فقيه، فاضل، مشهور، وَكَانَ يرسل كثيراً ويدلس، مات سنة (110هـ‍) . تهذيب الكمال 2/114 (1200) ، وتذكرة الحفاظ 1/71، والتقريب (1227) . (6) المغني 2/158، والمجموع 4/558. (7) عروة بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، المدني، أَبُو عَبْد الله، الإمام الجليل، عالم الْمَدِيْنَة، وأحد الفقهاء السبعة، ولد سنة (23 هـ‍) ، وَقِيْلَ (29) ، توفي سنة (94 هـ‍) عَلَى الصَّحِيْح. طبقات ابن سعد 5/182، وسير أعلام النبلاء 4/421، والتقريب (4561) . والرواية عَنْهُ في: المغني 2/158، والمجموع 4/558. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 13 ، والنخعي– في إحدى الروايتين عَنْهُ (1) –، والزهري (2) ، ومالك (3) ، والأوزاعي (4) ، والثوري (5) ، وإسحاق (6) ، وأبي ثور (7) ، وأحمد (8) ، وزفر (9) بن الهذيل (10) ، ومحمد بن الحسن (11) . قَالَ أحمد: ((إذا فاته الركوع صلى أربعاً، وإذا ترك ركعة صلى إِلَيْهَا أخرى)) (12)   (1) المغني 2/158، والمجموع 4/558. (2) المصادر السابقة. وانظر: الحاوي الكبير 3/50. (3) المدونة الكبرى 1/147، والاستذكار 2/33، والمغني 2/158، والمجموع 4/558. (4) الاستذكار 2/33، والمجموع 4/558. (5) الحاوي الكبير 3/50، والاستذكار 2/33، والمغني 2/158، والمجموع 4/558. (6) الاستذكار 2/33، والمغني 2/158، والمجموع 4/558. (7) إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي البغدادي، أَبُو ثور، ويكنى أَيْضاً أبا عَبْد الله، وَكَانَ إماماً فقيهاً، وثقةً مأموناً، صاحب الشَّافِعِيّ، ولد سنة (170 هـ‍) ، ومات سنة (240 هـ‍) . تاريخ بغداد 6/56، وسير أعلام النبلاء 12/72، والتقريب (72) . وانظر: الاستذكار 2/33، والمغني 2/158، والمجموع 4/558. (8) مختصر الخرقي: 35، ودليل الطالب: 53. وانظر: الحاوي الكبير 3/50، والاستذكار 2/33، والمجموع 4/558. (9) هُوَ الإمام الفقيه أبو الهذيل زفر بن الهذيل بن قيس بن سلم العنبري: صدوق، ولد سنة (110هـ‍) ، وتوفي سنة (158 هـ‍) . سير أعلام النبلاء 8/38 و39، وميزان الاعتدال (2867) ، وشذرات الذهب1/243. (10) الحاوي الكبير 3/50، والاستذكار 2/33. (11) الهداية 1/84، وشرح فتح القدير 1/419–420. وانظر: الحاوي الكبير 3/50، والاستذكار 2/33. (12) مسائل الإمام أحمد (رِوَايَة عَبْد الله) 2/409-410 (579) . وانظر: مسائل ابن هانئ 1/89-90، والاستذكار 2/33. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 14 واستدلوا عَلَى هَذَا بما ورد في بعض طرق هَذَا الْحَدِيْث: ((من صلاة الجمعة)) ، وَقَدْ تبين عدم صحة هَذِهِ الزيادة فِيْمَا مضى، عَلَى أن لَهُمْ أدلة تفصيلية أخرى سوى هَذَا ترجّح ما ذهبوا إِلَيْهِ. الدكتور ماهر ياسين الفحل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 15 حَدِيْث العلاء بن عَبْد الرحمان (1) ، عن أبيه (2) ، عن أبي هُرَيْرَة، أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)) . أخرجه عَبْد الرزاق (3) ، وابن أبي شيبة (4) ، وأحمد (5) ، والدارمي (6) ، وأبو داود (7) ، وابن ماجه (8) ، والترمذي (9) ، والنسائي (10) ، والطحاوي (11) ، وابن حبان (12) ، والطبراني (13) ، والبيهقي (14) ، والخطيب (15) ، جميعهم من هَذِهِ الطريق. قَالَ أبو داود: ((لَمْ يجئ بِهِ غَيْر العلاء، عن أبيه)) (16) .   (1) هو أبو شبل العلاء بن عَبْد الرحمان بن يعقوب الحرقي المدني: صدوق ربما وهم، توفي سنة (138 هـ‍) . الثقات 5/247، وتهذيب الكمال 5/526-527 (5166) ، والتقريب (5247) . (2) هُوَ عَبْد الرحمان بن يعقوب الجهني المدني، مولى الحرقة: ثقة من الثالثة. الثقات 5/108-109، وتهذيب الكمال 4/492 (3985) ، والتقريب (4046) . (3) في مصنفه (7325) . (4) في مسنده (9026) . (5) في مسنده 2/442. (6) الحافظ الإمام، أحد الأعلام، أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن عَبْد الرحمان بن الفضل بن بهرام التميمي ثُمَّ الدارمي السمرقندي، ولد سنة (181 هـ‍) ، وتوفي سنة (255 هـ‍) . الثقات 8/364، تهذيب الكمال 4/189 (3371) ، وسير أعلام النبلاء 12/224. والحديث في سننه (1747) و (1748) . (7) في سننه (2337) . (8) في سننه (1651) . (9) في جامعه (738) . (10) في الكبرى (2911) . (11) في شرح معاني الآثار 2/82. (12) في صحيحه (3590) و (3592) ، وفي طبعة الرسالة (3589) و (3591) . (13) في الأوسط (6859) ، وفي طبعة دار الكتب العلمية (6863) . (14) في الكبرى 4/209. (15) في تاريخ بغداد 8/48. (16) سنن أبي داود 2/301 عقب (2337) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 1 وَقَالَ النسائي: ((لا نعلم أحداً رَوَى هَذَا الْحَدِيْث غَيْر العلاء بن عَبْد الرحمان)) (1) . وَقَالَ الترمذي: ((لا نعرفه إلا من هَذَا الوجه عَلَى هَذَا اللفظ)) (2) . وأورده الحافظ أبو الفضل بن طاهر المقدسي (3) في أطراف الغرائب والأفراد (4) . وَقَدْ أنكره الحفاظ من حَدِيْث العلاء بن عَبْد الرحمان: فَقَالَ أبو داود: ((كَانَ عَبْد الرحمان - يعني: ابن مهدي (5) - لا يحدّث بِهِ. قلت لأحمد: لِمَ؟ قَالَ: لأنَّهُ كَانَ عنده أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يصل شعبان برمضان، وَقَالَ: عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - خلافه)) (6) . وَقَالَ الإمام أحمد: ((العلاء ثقة لا ينكر من حديثه إلا هَذَا)) (7) . وَقَالَ في رِوَايَة الْمَرُّوذِيِّ (8)   (1) السنن الكبرى 2/172 عقب (2911) . (2) الجامع الكبير 2/107 عقب (738) . (3) الإمام الحافظ الجوال الرحال أبو الفضل مُحَمَّد بن طاهر بن علي بن أحمد المقدسي، من مصنفاته: "أطرف الأفراد"، توفي سنة (507 هـ‍) . تاريخ الإِسْلاَم: 169 وفيات (507 هـ‍) ، وسير أعلام النبلاء 19/361 و 364، والعبر 4/14. (4) 5/218 (5209) . (5) هُوَ الإمام الحافظ الناقد المجود أبو سعيد عَبْد الرحمان بن مهدي العنبري، وَقِيْلَ: الأزدي، مولاهم البصري اللؤلؤي، ولد سنة (135 هـ‍) ، وتوفي (198 هـ‍) . طبقات ابن سعد 7/297، والعبر 1/326، وسير أعلام النبلاء 9/192. (6) سنن أبي داود 2/301 عقب (2337) . (7) نصب الراية 2/441. (8) الإمام القدوة أبو بكر أحمد بن مُحَمَّد بن الحجاج المروذي، صاحب الإمام أحمد بن حَنْبَل، ولد في حدود المئتين، وتوفي (275 هـ‍) . طبقات الحنابلة 1/57، وسير أعلام النبلاء 13/173، والعبر 2/60. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 2 : ((سألت ابن مهدي عَنْهُ فَلَمْ يحدثني بِهِ، وَكَانَ يتوقاه. ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْد الله: هَذَا خلاف الأحاديث الَّتِيْ رويت عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -)) (1) . واستنكره ابن معين أَيْضاً (2) . وزعم السخاوي (3) أن العلاء لَمْ يتفرد بِهِ وأنّ لَهُ متابعاً في روايته عن أبيه، فَقَدْ رَوَى الطبراني (4) الْحَدِيْث قائلاً: ((حَدَّثَنَا أحمد بن مُحَمَّد بن نافع، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبيد الله ابن عَبْد الله المنكدري، حَدَّثَنِي أبي، عن أبيه، عن جده، عن عَبْد الرحمان ابن يعقوب الحرقي، عن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا انتصف شعبان فأفطروا)) . قَالَ الطبراني عقبه: ((لَمْ يروِ هَذَا الْحَدِيْث عن مُحَمَّد بن المنكدر إلا ابنه المنكدر، تفرد بِهِ ابنه: عَبْد الله)) .   (1) علل الْحَدِيْث ومعرفة الرجال: 117-118 (تحقيق السامرائي) . (2) سبل السلام 2/642، ونيل الأوطار 4/260، والفتح الرباني 10/207. وصححه الترمذي وابن حبان وابن حزم وابن عساكر وأبو عوانة والدينوري. انظر: الجامع الكبير (738) وصحيح ابن حبان (3590) و (3592) ، والمقاصد الحسنة: 35، والفتح الرباني 10/205، وَلَكِنْ أقول: إن تصحيح هَؤُلاَءِ لا يقف عمدة في وجه استنكار ثلاثة من أساطين التعليل والنقد: ابن مهدي، وابن مَعِيْنٍ، وابن حنبل. (3) المقاصد الحسنة: 57. (4) في الأوسط (1957) في طبعة دار الكتب العلمية (1936) ، وعزاه السخاوي في مقاصده: 35 إلى البيهقي في الخلافيات. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 3 والحق أن هَذَا الْحَدِيْث لا يصلح للاستشهاد، فضلاً عن أن يشد عضد رِوَايَة العلاء؛ إذ هُوَ مسلسل بالضعفاء والمجاهيل: بدءاً من شيخ الطبراني وَهُوَ: أحمد بن مُحَمَّد بْن نَافِع، لَمْ أقف لَهُ عَلَى ترجمة، إلا مَا أورده الذهبي فِي ميزان الاعتدال (1) وَقَالَ: ((لاَ أدري مَنْ ذا؟ ذكره ابن الجوزي مرة وَقَالَ: اتهموه. كَذَا قَالَ لَمْ يزد)) (2) . وعبد الله بن المنكدر – المتفرد بهذا الْحَدِيْث –، قَالَ فِيْهِ العقيلي: ((عن أبيه، ولا يتابع عَلَيْهِ)) (3) . وَقَالَ الذهبي: ((فِيْهِ جهالة، وأتى بخبر منكر)) (4) . وَقَالَ مرة: ((لا يعرف)) (5) . والمنكدر بن مُحَمَّد – الَّذِيْ لَمْ يرو هَذَا الْحَدِيْث عن أبيه غيره – قَالَ فِيْهِ أبو حاتم: ((كَانَ رجلاً صالحاً لا يقيم الْحَدِيْث وَكَانَ كثير الخطأ، لَمْ يَكُنْ بالحافظ لحديث أبيه)) (6) . وَقَالَ النسائي: ((ضعيف)) ، وَقَالَ مرة: ((ليس بالقوي)) وبنحوه قَالَ أبو زرعة (7) . وَقَالَ ابن حبان: ((قطعته العبادة عن مراعاة الحفظ والتعاهد في الإتقان، فكان يأتي بالشيء الَّذِيْ لا أصل لَهُ عن أبيه توهماً)) (8) . وَقَالَ الذهبي: ((فِيْهِ لين)) (9) . وبهذا تبين أن الشاهد غَيْر صالح للاعتبار، فهو جزماً من أوهام المنكدر بن مُحَمَّد. ويبقى الْحَدِيْث من أفراد العلاء بن عَبْد الرحمان، عن أبيه.   (1) 1/146 (569) . (2) ونحوه في المغني في الضعفاء 1/57 (448) . وانظر: لسان الميزان 1/285. (3) الضعفاء الكبير 2/303 (880) . (4) ميزان الاعتدال 2/508. (5) ديوان الضعفاء والمتروكين 2/69. (6) الجرح والتعديل 8/406. (7) ميزان الاعتدال 4/191. (8) المجروحين 3/23-24. (9) الكاشف 2/298 (5651) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 4 قَالَ ابن رجب: ((واختلف العلماء في صحة هَذَا الْحَدِيْث ثُمَّ العمل بِهِ، أما تصحيحه فصححه غَيْر واحد، مِنْهُمْ: الترمذي، وابن حبان، والحاكم، وابن عَبْد البر. وتكلم فِيْهِ من هُوَ أكبر من هؤلاء وأعلم. وقالوا: هُوَ حَدِيْث منكر، مِنْهُمْ: عَبْد الرحمان ابن مهدي، وأحمد، وأبو زرعة الرازي، والأثرم، ورده الإمام أحمد بحديث: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين)) ، فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين)) (1) . أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (حكم صوم النصف الثاني من شعبان) اختلف الفقهاء في حكم صوم النصف الثاني من شعبان عَلَى النحو الآتي: أولاً: ذهب قوم إلى كراهة الصوم بَعْدَ النصف من شعبان إلى رمضان. هكذا نقله الطحاوي (2) من غَيْر تعيين للقائلين بِهِ. وَهُوَ قَوْل جمهور الشافعية (3) . ونقله ابن حزم عن قوم (4) . ثانياً: خص ابن حزم (5) - جمعاً بَيْنَ أحاديث الباب – النهي باليوم السادس عشر من شعبان (6) .   (1) لطائف المعارف: 142. (2) شرح معاني الآثار 2/82. (3) التهذيب 3/202، وفتح الباري 4/128، إلا أنه نقل عَنْهُمْ المنع، والظاهر أنه أراد بالمنع ما هُوَ الأعم من مفهومها الخاص وَهُوَ التحريم، بقرينة أنه أفرد الروياني ونقل عَنْهُ أنه قَالَ بالتحريم، فلو كَانَ مؤدى العبارتين واحداً لما فصل بينهما. (4) المحلى 4/26. (5) الإمام البحر، ذو الفنون والمعارف أبو مُحَمَّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، من مؤلفاته: " المحلى " و " الإيصال إلى فهم الخصال " و " الأحكام "، ولد سنة (384 هـ‍) ، وتوفي سنة (456 هـ‍) . سير أعلام النبلاء 18/184 و 193 و 213، وتاريخ الإِسْلاَم: 403 وفيات (456 هـ‍) ، والأعلام 4/254. (6) المحلى 7/25. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 5 ثالثاً: ذهب الروياني (1) من الشافعية إلى تحريم صوم النصف الثاني من شعبان (2) . رابعاً: ذهب جمهور العلماء إلى إباحة صوم النصف الثاني من شعبان من غَيْر كراهة (3) . واستدل أصحاب المذاهب الثلاثة الأول بحديث عَبْد الرحمان بن العلاء، عَلَى اختلاف في تحديد نوع الحكم. وأجاب الجمهور بتضعيف حديثه، وعدم وجود ما يقتضي التحريم أو الكراهة، بَلْ وجود ما يعضد القَوْل بالاستحباب. ومذهب الجمهور هُوَ الراجح في عدم الكراهة وجواز صيام النصف الثاني من شعبان لضعف حَدِيْث العلاء وعدم صحته. والأصل الجواز حَتَّى يأتي دليل التحريم أَوْ الكراهة. … … … … … … … … … … … … … … … … … الدكتور ماهر ياسين الفحل … العراق /الأنبار/الرمادي/ص. ب 735 al-rahman@uruklink.net … … … … … … … … …   (1) هُوَ الشيخ أبو المحاسن عَبْد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الروياني، صنف الكتب المفيدة مِنْهَا: " حلية المؤمن " و " الكافي "، ولد سنة (415 هـ‍) ، وتوفي مقتولاً بجامع آمد سنة (501 هـ‍) أو (502 هـ‍) . سير أعلام النبلاء 19/260-261، وطبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة 2/287. (2) نقله ابن حجر في الفتح 4/129. (3) شرح معاني الآثار 2/82، وفتح الباري 4/129. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 6 الاختلاف في رِوَايَة حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ في كفارة الإفطار في رَمَضَان اختُلِفَ عَلَى الزهري في رِوَايَة هَذَا الْحَدِيْث، إذ رَوَاهُ بعضهم عن الزهري، عن حميد بن عَبْد الرَّحْمَان (1) ، عن أبي هُرَيْرَةَ، أنّ رجلاً أفطر في رَمَضَان، فأمره رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكفر بعتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً، فَقَالَ: لا أجد فأُتِي رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - بعرق تمر، فَقَالَ: ((خذ هَذَا فتصدق بِهِ)) ، فَقَالَ: ((يا رَسُوْل الله! ما أجد أحداً أحوج إِلَيْهِ مني)) فضحك رَسُوْل الله- صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بدت أنيابه، ثُمَّ قَالَ: ((كُلْهُ)) . والذي رَوَاهُ بهذه الرِّوَايَة مالك (2)   (1) هُوَ أبو إبراهيم حميد بن عَبْد الرحمان بن عوف القرشي الزهري المدني، أخو أبي سلمة بن عَبْد الرحمان: ثقة، توفي سنة (95 هـ‍) ، وَقِيْلَ: إنه توفي (105 هـ‍) وغلّطه ابن سعد. الطبقات 5/153 و155، والثقات 4/146، وتهذيب الكمال 2/305-306 (1516) ، والتقريب (1552) . (2) هُوَ في الموطأ (349) برواية مُحَمَّد بن الحسن الشيباني، (30) برواية عَبْد الرَّحْمَان بن القاسم، (802) برواية أبي مصعب الزهري، (464) برواية سويد بن سعيد، (815) برواية يَحْيَى الليثي. وأخرجه الشَّافِعِيّ (651) بتحقيقنا، وأحمد 2/516، والدارمي (1724) ، ومسلم 3/139 (1111) (83) ، وأبو داود (2392) ، والنسائي في الكبرى (3115) و (3119) ، وابن خزيمة (1943) ، والطحاوي 2/60، وابن حبان (3523) ، والدارقطني 2/209، وفي العلل 10/236، والبيهقي 4/225. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 1 ، ويحيى بن سعيد (1) ، وابن جريج (2) ، وأبو (3) أويس (4) ، وعبد الله (5) بن أبي بكر (6) ، وفليح (7)   (1) أخرجه البُخَارِيّ في التاريخ الصغير 1/290، والنسائي في الكبرى (3114) . (2) أخرجه أحمد 2/273، ومسلم 3/139 (1111) (84) ، وابن خزيمة (1943) ، والطحاوي 2/60، والدرقطني في العلل 10/236، والبيهقي 4/225. (3) هُوَ عَبْد الله بن عَبْد الله بن أويس بن مالك الأصبحي، أبو أويس المدني: صدوق يهم، توفي سنة (67 هـ‍) . انظر: تهذيب الكمال 4/179 (3348) ، وتاريخ الإسلام:534 وفيات (167هـ‍‍) ، والتقريب (3412) . (4) أخرجه الدارقطني 2/210، والبيهقي 4/226، وزاد في هَذِهِ الرِّوَايَة: ((أنّ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الَّذِي يفطر يوماً في رَمَضَان أن يصوم يوماً مكانه)) ، قَالَ الدارقطني: ((تابعه عَبْد الجبار بن عمر عن ابن شهاب)) ، وَقَالَ البَيْهَقِيّ: ((ورواه أيضاً عَبْد الجبار بن عَمْرو الأيلي، عن الزهري وَلَيْسَ بالقوي)) ، ورواية عَبْد الجبار سيأتي تخريجها، كَمَا أنّ هَذِهِ الزيادة موجودة في أحد الطرق عن الليث بن سعد أيضاً كَمَا سيأتي، وفي رِوَايَة هشام بن سعد أيضاً. (5) هُوَ الإِمَام أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن أَبِي بكر بن عَمْرو بن حزم الأنصاري: ثقة، توفي سنة (135 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (130 هـ‍) . تهذيب الكمال 4/97 و 98 (3178) ، وسير أعلام النبلاء 5/314-315، والتقريب (3239) . (6) ذَكَرَ هَذا الطريق الدارقطني في سننه 2/209. (7) هُوَ أَبُو يَحْيَى المدني فليح بن سليمان بن أبي المغيرة الخزاعي، أو الأسلمي ويقال فليح لقب واسمه عَبْدالملك: صدوق كَثِيْر الخطأ، توفي سنة (168 هـ‍) . انظر: الأنساب 2/330، وسير أعلام النبلاء 7/351، والتقريب (5443) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 2 بن سليمان (1) ، وعمر بن عثمان (2) المخزومي (3) ، ويزيد (4) بن عِيَاض (5) ، و (6) شبل (7) ، وعبيد الله (8) بن أبي زياد (9) ، والليث بن سعد في رِوَايَة أشهب بن عَبْد العزيز (10)   (1) ذَكَرَ هَذَا الطريق الدَّارَقُطْنِيّ في سننه 2/209. (2) وَقِيْلَ اسمه عَمْرو بن عثمان بن عَبْد الرحمان بن سعيد القرشي المخزومي، وَقِيْلَ فِيْهِ: عمر بن عثمان، ويقال: إنَّهُ الصواب: مقبول. انظر: تهذيب الكمال 5/443 (5000) ، والتقريب (5076) . (3) أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ في العلل10/236. (4) هُوَ أَبُو الحكم المدني يزيد بن عِيَاض بن جعدبة الليثي، كذّبه مالك وغيره، مات في زمن المهدي. انظر: تهذيب الكمال 8/145 (7630) ، وميزان الاعتدال 4/436، والتقريب (7761) . (5) ذَكَرَ هَذَا الطريق الدَّارَقُطْنِيّ في سننه 2/209. (6) شبل بن حامد، ويقال ابن خالد، ويقال ابن خليد، ويقال ابن معبد المزني: مقبول. انظر: التاريخ الكبير 4/257، وتهذيب الكمال 3/360 (2672) ، والتقريب (2736) . (7) ذَكَرَ هَذا الطريق الدارقطني في سننه 2/209. (8) هُوَ عبيد الله بن أَبِي زياد الشامي الرصافي؛ صدوق. انظر: تهذيب الكمال 5/35 (4223) ، والتقريب (4291) . (9) ذَكَرَ هَذا الطريق الدارقطني في سننه 2/209، وَقَالَ الدارقطني: ((إلا أنَّهُ أرسله عن الزهري)) . (10) الإمام أشهب بن عَبْد العزيز بن داود القيسي، ولد سنة (140 هـ‍) ، وَقِيْلَ سنة (150 هـ‍) ، وتوفي سنة (204 هـ‍) . انظر: وفيات الأعيان 1/238، وتهذيب الكمال 1/276 و 277، وسير أعلام النبلاء 9/500 و 501. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 3 عَنْهُ (1) ، وسفيان بن عيينة في رِوَايَة نعيم بن حماد (2) عَنْهُ (3) ، وإبراهيم بن سعد في رِوَايَة عمار بن مطر (4) عَنْهُ (5) ، كلهم عن الزهري، بِهِ. وروي مِثْل ذَلِكَ من طريق مجاهد (6)   (1) أخرجه النسائي في الكبرى (3115) ، وَهُوَ في المدونة الكبرى 1/219، قَالَ ابن عَبْد البر: ((وَهُوَ خطأ من أشهب عَلَى الليث، والمعروف فِيْهِ عن الليث كرواية ابن عيينة ومعمر وإبراهيم بن سعد ومن تابعهم)) . الاستذكار 3/194. (2) هُوَ أَبُو عَبْد الله نُعَيْم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي نزيل مصر: صدوق يخطئ كثيراً، فقيه عارف بالفرائض، توفي سنة (228 هـ‍) . التاريخ الكبير 8/100، وتهذيب الكمال 7/350 و 353 (7046) ، والتقريب (7166) . (3) كَمَا ذكره الدارقطني في سننه 2/209، وفي العلل 10/225، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ((رَوَاهُ نُعَيْم بن حماد، عن ابن عيينة، فتابعهم عَلَى أن فطره كَانَ مبهمَّا، وخالفهم في التخيير)) . (4) هُوَ أبو عثمان عمّار بن مطر العنبري الرهاوي: ضعيف لايعتبر بِمَا يرويه إلا للاستئناس. المجروحين 2/189 (839) ، والكامل 6/137، والضعفاء، للعقيلي 3/327. (5) كَمَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ في سننه 2/209. (6) أخرجه الدارقطني 2/190 – 191 وَقَالَ الدارقطني: ((المحفوظ عن هشيم عن إسماعيل عن سالم، عن مجاهد مرسلاً عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، وعن الليث، عن مجاهد، عن أبي هُرَيْرَةَ، وليث لَيْسَ بقوي)) . وروي من طريق الليث، عن عطاء ومجاهد، عن أبي هُرَيْرَةَ بنحو رِوَايَة سُفْيَان ومن تابعه، عن الزهري، أخرجه الدارقطني في " العلل " 10/246. ورواه الليث بن أَبِي سليمان، عن مجاهد، عن أبي هُرَيْرَةَ، بِهِ. وجعل الفطر بالمواقعة وخيره بَيْنَ أن ينحر بدنة أو التصدق بعشرين صاعَّا أو واحد وعشرين صاعَّا من تمر، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ في " العلل " 10/247. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 4 ومُحَمَّد (1) بن كعب (2) ، عن أبي هُرَيْرَةَ. وفي هَذِهِ الروايات الكفارة عَلَى التخيير: عتق أو صيام أو إطعام، وخالفهم من هم أكثر مِنْهُمْ عدداً فرووه، عن الزهري، عن حميد بن عَبْد الرَّحْمَان، عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((جاء رجل إِلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: هلكت يا رَسُوْل الله، قَالَ: وما أهلكك؟ قَالَ: وقعت عَلَى امرأتي فِي رَمَضَان … )) ، وجعلوا الكفارة فِيْهِ مقيدة بالترتيب، والذي رَوَاهُ بهذا اللفظ سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ (3)   (1) هُوَ أَبُو حمزة مُحَمَّد بن كعب بن سليم بن أسد القرظي المدني: ثقة عالم، توفي سنة (108 هـ‍) ، وَقِيْلَ: (117 هـ‍) ، وَقِيْلَ غَيْر ذَلِكَ. الثقات 5/351، وتهذيب الكمال 6/489 و 490 (6164) ، والتقريب (6257) . (2) أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ 2/191 من طريق أبي معشر، عن مُحَمَّد بن كعب القرظي، عن أبي هُرَيْرَةَ، بِهِ. وَقَالَ الدارقطني: ((أبو معشر هُوَ نجيح وَلَيْسَ بقوي)) . وفي هَذِهِ الرِّوَايَة: ((أن رجلاً أكل في رَمَضَان … )) . (3) أخرجه الحميدي (1008) ، وابن أبي شيبة (9786) ، وأحمد 2/241، والبخاري 8/180 (6709) و (6711) ، ومسلم 3/138 (1111) (81) ، وأبو داود (2390) ، وابن ماجه (1671) ، والترمذي (724) ، والنسائي (3117) ، وابن الجارود (384) ، وابن خزيمة (1944) ، وأبو عوانة في الجزء المفقود: 143، والطحاوي 2/61، وابن حبان (3524) ، والدارقطني 2/209 – 210، والبيهقي 4/221، والبغوي (1752) ، قَالَ الدارقطني: ((تفرد بِهِ أبو ثور، عن معلى بن مَنْصُوْر، عن ابن عيينة بقوله: ((وأهلكت)) وكلهم ثقات)) . وسيأتي كلام البيهقي عَلَى هَذِهِ الزيادة من طريق الأوزاعي. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ عن حَدِيْث سُفْيَان: ((حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ: حَدِيْث حسن صَحِيْح)) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 5 ، والليث بن سعد (1) ، ومعمر (2) ، ومنصور بن المعتمر (3)   (1) أخرجه البُخَارِيّ 8/206 (6821) ، ومسلم 3/138 (1111) (82) ، والنسائي (3116) ، وأبو عوانة في الجزء المفقود: 145، والبيهقي 4/222 من طرق عن الليث بن سعد بِهِ. ورواه البيهقي 4/226 من طريق إبراهيم بن سعد عن الليث، وفيه زيادة: ((اقض يوماً مكانه)) ، وَقَالَ البيهقي عقب الْحَدِيْث: ((وَكَذَلِكَ رَوَى عن عَبْد العزيز الدراوردي، عن إبراهيم بن سعد، وإبراهيم سَمِعَ الْحَدِيْث عن الزهري، وَلَمْ يذكر عَنْهُ هَذِهِ اللفظة فذكرها الليث بن سعد، عن الزهري. ورواها أيضاً أبو أويس المدني، عن الزهري)) كَمَا مَرَّ توضيحه من طريق أبي أويس، وسيأتي من رِوَايَة عَبْد الجبار بن عمر … (2) أخرجه عَبْد الرزاق (7457) ، وأحمد2/281، والبخاري 3/210 (2600) ، و 8/180 (6710) ، ومسلم 3/139 (1111) عقب (84) ، وأبو داود (2391) ، وأبو عوانة في الجزء المفقود من المسند:143، والدارقطني في العلل 10/238، والبيهقي 4/222–223. (3) أخرجه البُخَارِيّ 3/42 (1937) ، ومسلم 3/139 (1111) عقب (81) ، والنسائي في الكبرى (3118) ، وابن خزيمة (1945) (1950) ، وأبو عوانة: 144، والطحاوي 2/61، والدارقطني 2/210، وفي العلل 10/239، والبيهقي 4/221و222، وابن عَبْد البر في التمهيد 7/166 – 167 من طرق عن مَنْصُوْر بِهِ. قَالَ ابن حجر: ((قوله: (عن الزهري عن حميد) كَذَا الأكثر من أصحاب مَنْصُوْر عَنْهُ، وكذا رَوَاهُ مؤمل بن إسماعيل عن الثوري عن مَنْصُوْر، وخالفهم مهران بن أبي عمر فرواه عن الثوري بهذا الإسناد فَقَالَ: عن سعيد بن المسيب بدل حميد بن عَبْد الرَّحْمَان. أخرجه ابن خزيمة (1951) والدارقطني في العلل 10/239، وَهُوَ قَوْل شاذ، والمحفوظ الأول)) . فتح الباري 4/173، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ((ووهم فِيْهِ عَلَى الثوري)) العلل 10/228. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 6 ، والأوزاعي (1) ، وشعيب (2) ، وإبراهيم بن سعد (3)   (1) أخرجه البخاري 8/47 (6164) ، وأبو عوانة: 145، والطحاوي 2/61، وابن حبان (3526) (3527) ، والدارقطني 2/190، وفي العلل 10/238، والبيهقي 4/222، وابن عَبْد البر في التمهيد 7/173 – 174 من طرق عن الأوزاعي. وأخرجه البَيْهَقِيّ 4/227 من طريق مُحَمَّد بن المسيب الأرغياني، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عقبة، حَدَّثَنِي أبي، قَالَ ابن المسيب. وحدثني عَبْد السلام يعني: ابن عَبْد الحميد، أَنْبَأَنَا عمر والوليد، قالوا: أَنْبَأَنَا الأوزاعي، حَدَّثَنِي الزهري وزاد في الرِّوَايَة ((فَقَالَ: يا رَسُوْل الله هلكت وأهلكت)) ، وَقَالَ البَيْهَقِيّ عقب الْحَدِيْث: ((ضعف شَيْخُنَا أبو عَبْد الله الحَافِظ – رَحِمَهُ اللهُ – هَذِهِ اللفظة، وأهلكت وحملها عَلَى أنها أدخلت عَلَى مُحَمَّد بن المسيب الأرغياني، فَقَد= =رَوَاهُ أبو عَلِيّ الحَافِظ، عن مُحَمَّد بن المسيب بالإسناد الأول دُوْنَ هَذِهِ اللفظة. ورواه العباس بن الوليد، عن عقبة بن علقمة دُوْنَ هَذِهِ اللفظة ورواه دحيم وغيره عن الوليد بن مُسْلِم دونها ورواه أصحاب الأوزاعي كافة عن الأوزاعي دونها، وَلَمْ يذكرها أحد من أصحاب الزهري، عن الزهري إلاّ ما روي عن أبي ثور، عن معلى بن مَنْصُوْر، عن سُفْيَان بن عيينة، عن الزهري، وَكَانَ شَيْخُنَا يستدل عَلَى كونها في تِلْكَ الرِّوَايَة أيضاً خطأ بأنه نظر في كتاب الصوم تصنيف المعلى بن مَنْصُوْر بخط مشهور فوجد فِيْهِ هَذَا الْحَدِيْث دُوْنَ هَذِهِ اللفظة، وإن أصحاب سُفْيَان كافة رووه عَنْهُ دونها، والله أعلم)) . (2) أخرجه البُخَارِيّ 3/41 (1936) ، وأبو عوانة: 145، والطحاوي 2/61، وابن حبان (3529) ، والدارقطني في العلل 10/237، والبيهقي 4/224. (3) أخرجه الدارمي (1723) ، والبخاري 7/86 (5368) ، و8/29 (6087) ، وأبو عوانة: 142 و146. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 7 ، وعراك (1) بن مَالِك (2) ، وعبد الجبار (3) بن عُمَر (4) ، وعبد الرَّحْمَان (5) ابْن المسافر (6) ، والنعمان (7) بن راشد (8) ، وعقيل (9) ، ومُحَمَّد بن   (1) عراك بن مالك الغفاري المدني، ثقة فاضل، توفي في خلافة يزيد بن عَبْد الملك. تهذيب الكمال 5/149 و150 (4482) ، والكاشف 2/16-17 (3765) ، والتقريب (4549) . (2) أخرجه النسائي في الكبرى (3119) ، وأبو عوانة: 146، وابن حبان (3525) ، والدارقطني في العلل 10/236، وابن عَبْد البر في التمهيد 7/165 – 166. (3) هُوَ أَبُو عمر عَبْد الجبار بن عمر الأيلي القرشي الأموي، مولى عثمان بن عفان: ضعيف. تهذيب الكمال 4/342 (3683) ، والكاشف 1/612 (3086) ، والتقريب (3742) . (4) أخرجه أبو عوانة: 145، والبيهقي 4/226، وفيه زيادة: (واقضِ يوماً مكانه) . (5) عَبْد الرحمان بن خالد بن مسافر، ويقال اسم جده ثابت بن مسافر، أَبُو خالد ويقال أبو الوليد الفهمي المصري: صدوق، مات سنة (127 هـ‍) . انظر: تهذيب الكمال 4/395، وتهذيب التهذيب 6/165 و 166، والتقريب (3849) . (6) أخرجه الطحاوي 2/60. (7) هُوَ أبو إسحاق الرَّقي النعمان بن راشد الجَزري، مولى بني أمية: صدوق سيئ الحفظ. انظر: الثقات 7/532، وتهذيب الكمال 7/345 (7035) ، والتقريب (7154) . (8) أخرجه أبو عوانة: 145، والطحاوي 2/61. (9) أخرجه ابن خزيمة (1949) ، وأبو عوانة: 145، والدارقطني في العلل 10/237. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 8 أبي حَفْصَة (1) ، ويونس (2) ، وحجاج (3) بن أرطاة (4) ، وصالح (5) بن أبي الأخضر (6) ، ومُحَمَّد بن إسحاق (7) ، وعبيد الله بن عُمَر (8) ، وإسماعيل (9)   (1) أخرجه أحمد 2/516، وأبو عوانة: 145، والطحاوي 2/61، والدارقطني 2/210 وفي العلل 10/241 من طرق عن مُحَمَّد بن أبي حفص، وروي من طريق عَبْد الوهاب بن عطاء عن مُحَمَّد بن أبي حفصة، عن الزهري، عن أبي سلمة بدلاً من حميد بن عَبْد الرَّحْمَان أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ في العلل 10/241، وَقَالَ ابن حجر: ((والمحفوظ عن ابن أبي حفصة كالجماعة)) . فتح الباري 4/163، وانظر: علل الدَّارَقُطْنِيّ 10/230. (2) أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ في العلل 10/237، والبَيْهَقِيّ 4/224. (3) هُوَ الإمام حجاج بن أرطأة بن ثور بن هبيرة، أبو أرطأة النخعي الكوفي: صدوق كَثِيْر الخطأ والتدليس، توفي سنة (145 هـ‍) . سير أعلام النبلاء 7/68 و 73، والكاشف 1/311 (928) ، والتقريب (1119) . (4) أخرجه أحمد 2/208، وأبو عوانة: 147، والدارقطني 2/190، وفي العلل10/238، والبيهقي4/226. (5) صالح بن أبي الأخضر اليمامي مولى هشام بن عَبْد الملك نزل بالبصرة: ضعيف يعتبر به، توفي بَعْدَ سنة (140 هـ‍) . انظر: تهذيب الكمال 3/418 (2781) ، وسير أعلام النبلاء 7/303، والتقريب (2844) . (6) أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ في العلل 10/240 من طريق صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن حميد بن عَبْد الرحمان، وأبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَةَ، بِهِ. وانظر: علل الدَّارَقُطْنِيّ 10/230. (7) ذَكَرَ هَذَا الطريق الدَّارَقُطْنِيّ في سننه 2/209، وذكر ابن حجر أن هَذِهِ الرِّوَايَة عِنْدَ البزار. (8) ذَكَرَ هَذَا الطريق الدَّارَقُطْنِيّ في سننه 2/209. (9) إسماعيل بن أمية بن عَمْرو الأموي، ثقة ثبت، مات سنة (144 هـ‍) ، وَقِيْلَ قبلها. انظر: التاريخ الكبير 1/345، وتهذيب الكمال 1/221 و 222 (419) ، والتقريب (425) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 9 بن أمية (1) ، ومُحَمَّد (2) بن أبي عتيق (3) ، وموسى (4) بن عُقْبَةَ (5) ، وعبد الله (6) بن عيسى (7) ، وهَبَّار (8) بن عقيل (9) ، وإسحاق بن يَحْيَى (10) العوضي (11) ، وثابت (12)   (1) ذَكَرَ هَذَا الطريق الدَّارَقُطْنِيّ في سننه 2/209. (2) هُوَ مُحَمَّد بن عَبْد الله بن أبي عتيق القرشي التيمي المدني: مقبول. تهذيب الكمال 6/386 (5964) ، والكاشف 1/189 (4974) ، والتقريب (6047) . (3) ذَكَرَ هَذَا الطريق الدَّارَقُطْنِيّ في سننه 2/209. (4) الثقة الفقيه أبو مُحَمَّد المدني موسى بن عقبة بن أَبِي عياش الأسدي مولى آل الزبير ثقة فقيه إمام في المغازي، توفي سنة (141 هـ‍) . انظر: تهذيب الكمال 7/271 (6876) ، وتاريخ الإسلام: 499 وفيات (141 هـ‍) ، والتقريب (6992) . (5) ذَكَرَ هَذَا الطريق الدَّارَقُطْنِيّ في سننه 2/209. (6) عَبْد الله بن عيسى بن عَبْد الرحمان، أبو مُحَمَّد الكوفي: ثقة، توفي سنة (230 هـ‍) . انظر: تهذيب الكمال 4/235و236 (3460) ، وميزان الاعتدال 2/470 (4495) ، والتقريب (3523) . (7) ذَكَرَ هَذَا الطريق الدَّارَقُطْنِيّ في سننه 2/209. (8) هبّار بن عقيل بن هبيرة الحراني الحضرمي، يروي عن الزهري. المؤتلف والمختلف 3/1580 و 4/2303، والإكمال 7/310، تبصير المنتبه 4/1448. (9) ذَكَرَ هَذَا الطريق الدَّارَقُطْنِيّ في سننه 2/209. (10) إسحاق بن يَحْيَى بن علقمة الكلبي، الحمصي العوضي: صدوق. انظر: تهذيب الكمال 1/202 (384) ، وميزان الاعتدال 1/204، والتقريب (391) . (11) ذَكَرَ هَذَا الطريق الدَّارَقُطْنِيّ في سننه 2/209. (12) هُوَ ثابت بن ثوبان العنسي الشامي الدمشقي، والد عَبْد الرحمان بن ثابت: ثقة. تهذيب الكمال 1/404 (798) ، والكاشف 1/281 (682) ، والتقريب (811) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 10 بن ثوبان (1) ، وقرة بن عَبْد الرَّحْمَان (2) ، وزمعة (3) بن صَالِح (4) ، وبحر (5) السقاء (6) ، والوليد (7) بن مُحَمَّد (8) ، وشعيب بن خَالِد (9) ، ونوح (10)   (1) ذَكَرَ هَذَا الطريق الدَّارَقُطْنِيّ في سننه 2/209. (2) ذَكَرَ هَذَا الطريق الدَّارَقُطْنِيّ في سننه 2/209. (3) أبو وهب زمعة بن صالح الجندي اليماني، سكن مكة: ضعيف. انظر: تهذيب الكمال 3/31 (1988) ، وميزان الاعتدال 2/81، والتقريب (2035) . (4) ذَكَرَ هَذَا الطريق الدَّارَقُطْنِيّ في سننه 2/209. (5) بحر بن كنيز الباهلي، البصري، أَبُو الفضل المعروف بالسقاء؛ لأنَّهُ كَانَ يسقي الحجاج في المفاوز: ضعيف، مات سنة (160 هـ‍) . تهذيب الكمال 1/327و328 (628) ، وميزان الاعتدال 1/298 (1127) ، والتقريب (637) . (6) هَذَا الطريق ذكره الدَّارَقُطْنِيّ في سننه 2/209. (7) الوليد بن مُحَمَّد الموقري، أبو بشر البلقاوي، والموقر حصن بالبلقاء: متروك، مات سنة (182 هـ‍) . التاريخ الكبير 8/155 (2542) ، وتهذيب الكمال 7/483 و 485، والتقريب (7453) . (8) هَذَا الطريق ذكره الدَّارَقُطْنِيّ في سننه 2/209. (9) هَذَا الطريق ذكره الدَّارَقُطْنِيّ في سننه 2/209. (10) أبو عصمة نوح بن أبي مريم المروزي، القرشي مولاهم، يعرف بالجامع؛ لجمعه العلوم: كَانَ يضع الْحَدِيْث، توفي سنة (173 هـ‍) . الكامل 8/292، وتهذيب الكمال 7/368 و 369 (7090) ، والتقريب (7210) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 11 بن أبي مريم (1) ، جميعهم عن الزُّهْرِيّ، بِهِ قَالَ البُخَارِيّ: ((وحديث هَؤُلاَءِ أبين)) (2) ، وَكَذَلِكَ هَذِهِ اللفظة في رِوَايَة الوليد بن مُسْلِم، عن مالك والليث (3) ، وفي رِوَايَة حماد بن مسعدة (4)   (1) هَذَا الطريق ذكره الدَّارَقُطْنِيّ في سننه 2/209. . وَقَالَ الدارقطني: ((وغيرهم)) . (2) التاريخ الصغير 1/290. (3) ذكره ابن عَبْد البر في التمهيد 7/162، وَقَالَ: ((هكذا قَالَ الوليد، وَهُوَ وهم مِنْهُ عَلَى مالك، والصواب: عن مالك ما في الموطأ: أن رجلاً أفطر فخيره النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يعتق أو يصوم أو يطعم)) . (4) هُوَ أَبُو سعيد البصري حماد بن مسعدة التميمي: ثقة، توفي سنة (202 هـ‍) . انظر: سير أعلام النبلاء 9/356، وتاريخ الإسلام: 130 وفيات (202 هـ‍) ، والتقريب (1505) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 12 عن مالك (1) ، وتابع هَذِهِ الروايات هشام بن سعد؛ إلاّ أنَّهُ رَوَاهُ عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَةَ (2)   (1) أخرجه البيهقي 4/225 – 226، وَقَالَ: ((وَقَدْ رَوَى حماد بن مسعدة هَذَا الْحَدِيْث عن مالك، عن الزهري نحو رِوَايَة الجماعة)) . (2) قَالَ ابن حجر: ((وخالفهم هشام بن سعد، فرواه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هُرَيْرَةَ أخرجه أبو داود وغيره، قَالَ البزار، وابن خزيمة، وأبو عوانة: أخطأ فِيْهِ هشام بن سعد)) . وانظر: صَحِيْح ابن خزيمة 3/224، ومسند أبي عوانة الجزء المفقود: 146، والكامل لابن عدي 8/411، كَمَا أن الرُّوَاة عن هشام بن سعد قدِ اختلفوا في رِوَايَة هَذَا الْحَدِيْث أيضاً فَقَدْ رَوَاهُ ابن أبي فديك، عن هشام بن سعد عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَةَ: ((قَالَ: جاء رجل إِلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أفطر في رَمَضَان)) . أخرجه أبو داود (2393) ، وابن عدي في الكامل 8/411، والدارقطني 2/190، في حِيْنَ رَوَاهُ الْحُسَيْن بن حفص أخرجه ابن خزيمة (1954) ، والبيهقي 4/226، وأبو عامر العقدي، أخرجه أبو عوانة في الجزء المفقود: 146، والدارقطني 2/211 وفي العلل 10/241، كلاهما عن هشام بن سعد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: ((أن رجلاً أتى إِلَى رَسُوْل الله- صلى الله عليه وسلم - فحدثه أنَّهُ وقع بأهله في رَمَضَان)) . ورواه سليمان بن بلال، عن هشام بن سعد بالإسناد نفسه، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ في " العلل " 10/241، وابن عَبْد البر في " التمهيد " 7/175، وَلَمْ يذكر سبب الإفطار ولكنه جعل الكفارة عَلَى الترتيب. ورواه الدَّارَقُطْنِيّ في " العلل " 10/242 من طريق أَبِي نُعَيْم، عن هشام بن سعد، عن الزهري، عن أبي سلمة، بِهِ مرسلاً. وفي جَمِيْع الروايات عن هشام زيادة: أن رَسُوْل الله (أمره أن يصوم يوماً مكانه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 13 ، وروى هَذَا الْحَدِيْث بهذا اللفظ عن أبي هُرَيْرَةَ سعيد بن المسيب (1) أيضاً. وَقَالَ البيهقي: ((ورواية الجماعة، عن الزهري مقيدة بالوطء ناقلة للفظ صاحب الشرع أولى بالقبول لزيادة حفظهم، وأدائهم الْحَدِيْث عَلَى وجهه)) (2) . أثر حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ في اختلاف الفقهاء اختلف الفقهاء في وجوب الكفارة عَلَى مَن أفطر عامداً بغير الجماع جمهور الفقهاء (3) يرون وجوب الكفارة عَلَى مَن جامع عامداً في نهار رَمَضَان؛ وَلَكِنْ حكى العبدري (4) وغيره: أن سعيد بن جبير (5) ، والشعبي (6) ، ومُحَمَّد بن سيرين (7) ، وقتادة (8) ، والنخعي (9) ، قالوا: لا كفارة عَلَيْهِ في الوطء أو غيره، وذهب الزيدية إِلَى أنّ الكفارة مندوبة (10) . وَلَكِنَّ الفقهاء اختلفوا في الإفطارِ عامداً في رَمَضَان بغير الجماع، هَلْ يوجِب الكفارة أم لا؟   (1) أخرجه أحمد 2/208، وابن ماجه (1671) ، وابن خزيمة (1951) ، والدارقطني 2/190، وفي العلل 10/245، والبيهقي 4/225 و 226. (2) السنن الكبرى 4/225. (3) انظر: الجامع الكبير للترمذي 2/95، والمجموع 6/344. (4) هُوَ الإمام الناقد، أَبُو عامر مُحَمَّد بن سعدون بن مُرجّى بن سعدون القرشي العبدري الميورفي المغربي الظاهري، توفي سنة (524 هـ‍) . انظر: سير أعلام النبلاء 19/579 و 583، وتاريخ الإسلام: 103 وفيات (524 هـ‍) ، ومرآة الجنان 3/177. (5) انظر: الحاوي الكبير 3/276، والمغني 3/55، والمجموع 6/344. (6) انظر: الحاوي الكبير 3/276، والمغني 3/55، والمجموع 6/344. (7) انظر: المحلى 6/188. (8) انظر: المجموع 6/344. (9) انظر: الحاوي الكبير 3/276، والمغني 3/55، والمجموع 6/344. (10) انظر: البحر الزخار 3/249 و 254، والسيل الجرار 2/120. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 14 فذهب أبو حَنِيْفَةَ (1) إِلَى أنّ الكفارة تجب عَلَى مَن جامع فِي نهار رَمَضَان وَهُوَ صائم وعلى مَن أفسد صومه بأكل أو شرب مَا يتغذى أو يتداوى بِهِ، بمعنى أنّه: متى مَا حصل الفطر بِمَا لاَ يتغذى أو يتداوى بِهِ عادة فعليه القضاء دُوْنَ الكفارة؛ وذلك لأنّ وجوب الكفارة يوجب اكتمال الجناية، والجناية تكتمل بتناول ما يتغذى أو يتداوى بِهِ (2) . في حِيْن ذهب الحسن (3) ، وعطاء (4) ، والزهري (5) ، والأوزاعي (6) ، والثوري (7) ، ومالك (8) ، وعبد الله بن المبارك (9) ، وإسحاق (10) ، وأبو ثور (11) ، إِلَى أن مَن أفطر عامداً في رَمَضَان بأكل أو شرب أو جماع، فإنّ عَلَيْهِ القضاء والكفارة؛ وذلك لأنهم استدلوا بظاهر لفظ الْحَدِيْث (أنّ رجلاً أفطر في رَمَضَان) فليس فِيْهِ تخصيص فطر بشيء دُوْنَ الآخر كَمَا يمكن قياس الأكل أو الشرب عَلَى الجماع؛ بجامع مَا بَيْنَهُمَا من انتهاك لحرمة الصوم (12) .   (1) انظر: بدائع الصنائع 2/97 – 98، والهداية 1/124، والاختيار لتعليل المختار 1/131، وتبيين الحقائق 1/327، ورد المحتار 2/409. (2) انظر: المبسوط 3/138. (3) انظر: المجموع 6/330. (4) كَذَلِكَ. (5) كَذَلِكَ. (6) كَذَلِكَ، وانظر: فقه الأوزاعي 1/389. (7) انظر: الجامع الكبير للترمذي 2/95، والمجموع 6/330. (8) انظر: المدونة الكبرى 1/218 و 220، والتمهيد 7/162، والاستذكار 3/194، والمنتقى 2/52، وبداية المجتهد 1/221، والقوانين الفقهية: 117–118، وأسهل المدارك إِلَى فقه الإمام مالك 1/421. (9) انظر: الجامع الكبير 2/95. (10) انظر: الجامع الكبير 2/95، والمجموع 6/330. (11) انظر: المجموع 6/330. (12) انظر: فتح الباري 4/165. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 15 وذهب سَعِيد بن المُسَيَّبِ (1) ، وَالشَّافِعِيّ (2) ، والصحيح من مذهب أحمد (3) ، والظاهرية (4) ، إِلَى عدم وجوب الكفارة عَلَى مَن أفطر عامداً فِي رَمَضَان إلا عَلَى المجامع، وحملوا الإفطار فِي الرِّوَايَة الأولى للحديث عَلَى تقييد الرِّوَايَة الثانية بالجماع فَقَطْ. أما القياس، فَقَدْ قَالَ البغوي: ((يختص ذَلِكَ بالجماع؛ لورود الشرع بِهِ، فَلاَ يقاس عَلَيْهِ سائر أنواع الفطر كَمَا لا يقاس عَلَيْهِ سائر أنواع الفطر؛ كَمَا لا يقاس عَلَيْهِ القيء وابتلاع الحصاة مَعَ استوائهما في بطلان الصوم، ووجوب القضاء)) (5) . وفي رِوَايَة عن أحمد: أنَّهُ تجب الكفارة عَلَى المجامع في نهار رَمَضَان عامداً أم ناسياً (6) . ويتفرع عَلَى هَذَا أيضاً اختلاف الفقهاء في الكفارة هَلْ هِيَ عَلَى الترتيب أَمْ عَلَى التخيير؟ اختلف الفقهاء في تحديد الكفارة عَلَى مَن أفطر عامداً في رَمَضَان هَلْ هِيَ مقيدة بالترتيب أم أنها عَلَى التخيير؟   (1) وَهُوَ ما استنتجه الدكتور هاشم جميل من الروايات عن سعيد بن المسيب. انظر: فقه سعيد 2/216. (2) انظر: الأم 2/100 – 101، والحاوي الكبير 3/276 و 289، والتهذيب 3/167 و 170، والمجموع 6/329 و 644، وروضة الطالبين 2/377. (3) انظر: مسائل الإمام أحمد، برواية أبي داود: 93، وبرواية ابن هانئ 1/128 (621) و 1/129 (630) و 1/133 (654) ، وبرواية عَبْد الله بن أحمد 2/655 (884) ، والروايتين والوجهين: 47/ أ، والمقنع: 64، والمغني 3/55، والمحرر 1/229. (4) انظر: المحلى 6/185. (5) التهذيب 3/170، وكذا ورد النص في المطبوع مِنْهُ!! وأظن أنّ فِيْهِ تكراراً. (6) انظر: الروايتين والوجهين: 47/ أ، والمقنع: 64، والمحرر 1/229. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 16 فذهب أبو حَنِيْفَةَ (1) ، والأوزاعي (2) ، والثوري (3) ، وَالشَّافِعِيّ (4) ، وأحمد فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ (5) ، إِلَى أنّ الكفارة مقيدة عَلَى الترتيب الوارد فِي الْحَدِيْث، فهي عتق رقبة، فإن لَمْ يجد فصيام شهرين متتابعين (6) ، فإن لَمْ يستطع، فإطعام ستين مسكيناً، وَهُوَ مذهب الظاهرية (7) ، والزيدية (8) .   (1) انظر: الهداية 1/125، والاختيار لتعليل المختار 1/131، وتبيين الحقائق 1/328، ورد المحتار 2/411. (2) انظر: المغني 3/65، والمجموع 6/345، وفقه الأوزاعي 1/385. (3) انظر: المغني 3/65، والمجموع 6/345. (4) انظر: الحاوي الكبير 3/286، والتهذيب 3/167، والمجموع 6/345، وروضة الطالبين 2/379. (5) انظر: مسائل الإمام أحمد برواية عَبْد الله بن أحمد 2/652 (882) ، والروايتين والوجهين: 47/ أ، والمغني 3/65، وشرح الزركشي 2/32. (6) أجمع الفقهاء عَلَى أنّ صيام الشهرين متتابع وَلَكِنْ روي عن ابن أبي ليلى جواز تفريق الصيام؛ وذلك لورود الْحَدِيْث بصيام الشهرين، وَلَمْ يذكر الترتيب. قَالَ ابن عَبْد البر: ((وَقَدْ ذكرنا في التمهيد من ذَكَرَ التتابع في الشهرين بإسانيد حسان)) . الاستذكار 3/195، وانظر: التمهيد 7/162 و 165 و166، والمغني 3/66، والمجموع 6/345. (7) انظر: المحلى 6/197. (8) انظر: البحر الزخار 3/349. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 17 في حِيْن ذهب مالك وأصحابه (1) ، وأحمد في رِوَايَة عَنْهُ (2) إِلَى أنّ الكفارة عَلَى التخيير، أي: أنَّهُ مخيّر بَيْنَ العتق أو الصيام أو الإطعام بأيِّها كفّر فَقَدْ أوفى، واستدلوا برواية مالك وابن جريج ومَن تابعهم لحديث أبي هُرَيْرَةَ (أمره رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً) ، و (أو) هنا تقتضي التخيير، واختار مالك الإطعام؛ لأنَّهُ يشبه البدل من الصيام، فَقَالَ مالك: ((الإطعام أحب إليَّ في ذَلِكَ من العتق وغيره)) (3) ، وَعَنْهُ في رِوَايَة أخرى – جواباً لسائله –: ((الطعام، لا نعرف غَيْر الطعام لا يأخذ مالك بالعتق ولا بالصيام)) (4) . وذهب الحسن البصري (5) إِلَى التخيير بَيْنَ العتق، ونحر بدنة، واستدل بحديث أرسله هُوَ ((أنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ في الَّذِي وطئ امرأته في رَمَضَان: رقبة ثُمَّ بدنة)) (6) .   (1) انظر: الاستذكار 3/195، والتمهيد 7/162، والمنتقى 2/54، وبداية المجتهد 1/223، والقوانين الفقهية: 121، وأسهل المدارك 1/423. (2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين: 47/ أ، والمقنع: 65، والهادي: 54، والمحرر 1/230. (3) انظر: الاستذكار 3/195. (4) انظر: المدونة الكبرى 1/218، والاستذكار 3/195. (5) انظر: المحلى 6/189 – 190، والمجموع 3/345. (6) أخرجه عبد الرزاق (7463) وللحديث طريق آخر مرسل أيضاً، ذكره ابن حزم في المحلى 6/190، وَقَالَ النووي: ((حَدِيْث الحسن ضعيف جداً)) . المجموع 6/345. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 18 وروي عن الشعبي (1) ، والزهري (2) أنّ مَن أفطر في رَمَضَان عامداً فإنّ عَلَيْهِ عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكيناً، أو صيام شهرين متتابعين مَعَ قضاء اليوم. قَالَ ابْن عَبْد البر: ((وفي قَوْل الشعبي والزهري ما يقضي لرواية مالك بالتخيير في هَذَا الْحَدِيْث)) (3) . الدكتور ماهر ياسين الفحل … العراق /الأنبار/الرمادي/ص. ب 735 al-rahman@uruklink.net … … … … … …   (1) انظر: الاستذكار 3/194، وهذه الرِّوَايَة معارضة لما سبق ذكره عن الشعبي أن لا كفارة في الوطء وغيره. (2) انظر: الاستذكار 3/195. (3) كَذَلِكَ. وذكر النووي روايات أخرى عن بَعْض الصَّحَابَة والتابعين والفقهاء في ما عَلَى من أفطر في رَمَضَان عامداً بغير جماع. المجموع 6/329 – 330، وانظر: المحلى 6/189 – 191. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 19 بسم الله الرحمن الرحيم إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أَنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له. ((ونشهد أَنَّ مُحَمَّداً عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وسفيره بينه وبين عباده، المبعوث بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله الله رحمة للعالمين، وإماماً للمتقين، وحجة على الخلائق أجمعين)) (1) . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . [آل عمران:102] . {? يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} . [النساء: 1] . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} . [الأحزاب 70-71] . أما بعد: فقد جَعَلَ الله القرآن العظيم هدى من الضلالة، ونوراً للقلوب وشفاءاً لما فِي الصدور، ورحمة للمؤمنين، أخرج به من شاء من ظلمات الغي والجهل إلى نور الإيمان والعلم. والقرآن الكريم حبل الله المتين من أخذ بأمره وترك نهيه اهتدى، ومن تركه وخالفه ضل ضلالاً بعيداً.. والقرآن الكريم آخر الكِتَب؛ لذا فقد اشتمل على العلوم والمعارف النافعة الماتعة، وإن من تلك العلوم علم التفسير الْذَّي نشأ منه علم أسباب نزول القرآن، وهو أحد أنواع العلوم التي بحثت فِي مباحث علوم القرآن.   (1) من مقدمة زاد المعاد 1/34 للعلامة ابْن القيم. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 1 وهذا النوع من العلوم كبير المقدار وله أهمية كبيرة؛ لأنه يعين عَلَى تفسير الآية. وقد أُلِّفَتْ في هذا الفن كتب كثيرة متعددة كَانَ أهمها وأكثرها شيوعاً كِتَاب الواحدي. والإمام الواحدي أول من ألف كتاباً شاملاً يضم أكثر ما قيل فِي تفسير الآية من سبب النزول وَهُوَ أكثر كَتَبَ الباب شيوعاً وانتشاراً وتداولاً بَيْنَ أهل العِلْم والمختصين، وَقَدْ اعتنى بِهِ أهل العِلْم قديماً وحديثاً. طبعات الكتاب وعلى الرغم من أهمية الكتاب ونفاسته فإنه لم يطبع طبعة علمية محققةً تجلى نص الكتاب وتجعله سليماً قويماً، ويكون تحقيقه تحقيقاً علمياً رصيناً رضياً عَلَى الرغم من أَنَّ الكتاب قَدْ طبع طبعات عديدة لكنها كلها كَانَتْ غير جيدة بل ملفقة لعدة روايات. إذ إنَّ الكتاب لم يطبع عَلَى رواية واحدة. من هنا شمرنا عَنْ ساعد الجد فبحثنا فِي خزائن المخطوطات. جوهرة نفيسة حتى وقفنا على ثلاث من النسخ أحدها جوهرة نفيسة عتيقة مضبوطة متقنة فِي خزانة مكتبة أوقاف بغداد حرسها الله، برقم (2369) وهي رواية الأرغياني. الأرغياني وروايته وإن من نعم الله علينا وعميم إحسانه إلينا أن وقفنا عَلَى النسخ الخطية لإحدى أهم روايات الكتاب. وهي رواية الشيخ الإمام بدر الإسلام أبي نصر مُحَمَّد بن عبد الله الأرغياني (1) . وهي رواية نفيسة نعتقد أنها أحسن الروايات عن الواحدي فهي سماع كامل من الإمام الواحدي، أخذها عَنْهُ جماعة؛ ومما يدلنا عَلَى أفضلية هذه الرواية وجودتها أَنَّ الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني قَد اعتمد الرواية عنها حينما ألف كتابه النافع الماتع،   (1) ترجمته فِي الأنساب3/35 (4254) ، ومعجم البلدان 2/742، وطبقات الشافعية الكبرى6/108 (639) للسبكي، وطبقات الشافعية 2/309 (279) لابن قاضي شهبة، وشذرات الذهب 4/89. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 2 " العجاب فِي بيان الأسباب " (1) وهذا دليل عَلَى جودة النسخة وأصالتها واهتمام أهل العلم بها قديماً وحديثاً. أسباب نزول القرآن واشتهر كِتَاب الواحدي فِي طبعاته السابقة باسم كِتَاب: " أسباب النزول " وَهُوَ من بَاب التجوز، ونحن لا نشك أَنَّ الاسم الْذَّي سماه بِهِ مؤلفه هُوَ: " أسباب نزول القرآن " هكذا سماه بِهِ مؤلفه الواحدي نفسه فِي مقدمة الكِتَاب وخاتمته وَهَكَذَا جاء العنوان مجود الضبط فِي طرة الكِتَاب لنسخة الأصل (رِوَايَة الأرغياني) وَهِيَ بنفس خط الأصل، وَهَكَذَا سمى الكِتَاب صديق حسن خان فِي أبجد العلوم (2) . دراسة أسانيد الكتاب   (1) إن مما يؤسف له أَنَّ محقق الكتاب وَهُوَ الفاضل الدكتور عبد الحكيم الأنيس قَدْ انتقد الحافظ ابْن حجر انتقادات لاذعة ووصفهُ بأنه يتساهل فِي النصوص ويغير فيها ولا يلتزم حرفية النص، وذلك أَنَّ الدكتور الفاضل كَانَ يقابل ما ينقله ابْنُ حجر عَن الواحدي معتمداً فِي ذَلِكَ عَلَى الطبعات السقيمة الملفقة وعند تتبعنا ذَلِكَ، وجدنا جميع ما انتقص به الدكتورُ ابْنَ حجر موافق لرواية الأرغياني التي طبعنا عليها الكتاب وأردنا أَنَّ نشير إلى ذَلِكَ فِي كل موضع، لكن أغفلنا ذَلِكَ خشية تضخم الكتاب، وربما سيكون لنا بحث مستقل فِي ذَلِكَ. (2) أبجد العلوم 3/146. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 3 وعلى الرغم من المكانة التي تبوأها الإمام الواحدي فِي علوم شتى، إلا أنه لم يكن من أحلاس علم الحديث النبوي الشريف، وسبب النزول علم يعتمد عَلَى الْحَدِيْث النبوي الشريف. والإسناد فِي الْحَدِيْث من أهم المرتكزات فِي جانب النقد الحديثي، إذ من خلاله يُتَبَيَّنُ الخطأ وتستخرج من الْحَدِيْث كوامن العلل وخفايا الْمَتْن والسند، زيادة عَلَى أَنَّ أسانيد الْحَدِيْث تحتاج إِلَى مَعْرِفَة وافرة بعلم الجرح والتعديل والنقد والتعليل. من هنا حصلت هفوات كبيرة فِي كِتَاب الواحدي من الجانب الحديثي ووقعت فِي الكِتَاب طائفة كثيرة من الأسانيد الضعيفة والواهية، وَقَدْ أخذنا عَلَى عاتقنا تتبع الروايات الواردة فِي الكِتَاب ونقدها جميعاً وبيان ما فِيْهَا من صحة أو ضعف أو ما أشبه ذَلِكَ من علل حديثية أو نكت علمية تخص السند والمتن، وَلَمْ نألوا جهداً فِي ذَلِكَ، وَلَمْ نؤثر العاجل عَلَى الآجل فحكمنا عَلَى جَمِيْع أسانيد الكِتَاب بِمَا منَّ الله بِهِ علينا من مَعْرِفَة بالسنة النبوية، والحمد لله عَلَى توفيقه، وقد تضاعف علينا الجهد حتى زاد عملنا فِي الكتاب عَلَى أربع سنين، لم نبخل فيهنَّ عَلَى الكتاب بجهد أو وقت أو مال حتى خَرَجَ بهذه الحلة. وقد قدمنا بين يدي الكتاب دراسة ضمناها ثلاثة فصول: الفصل الأول: وتضمن الكلام عَلَى اسمه ونسبه وولادته ووفاته وأسرته وطلبه للعلم ورحلاته، وتكلمنا في الفصل الثاني: عَن ثقافته وشيوخه وتلاميذه وعلومه ومصنفاته ومكانته العلمية وثناء العلماء عَلَيْهِ. وفي الفصل الثالث: تكلمنا عَن سبب النزول وتناولنا تعريفه وأنواعه والحكمة من معرفته، وكيفية مَعْرِفَة أسباب النزول وصيغه، والكلام فِي تعدد السبب والنازل واحد، وتعدد النازل والسبب واحد، وَقَد تكلمنا في الفصل الجزء: 15 ¦ الصفحة: 4 الرابع: عَن دراسة الكتاب. وتناولنا الكلام فيه عَنْ أهمية الكتاب، ومنهج الواحدي فِي كتابه، ومصادره، ثُمَّ شرحنا تحقيق الكتاب ومنهج التحقيق، وتناولنا فيه اسم الكتاب وتوثيق نسبته إلى مؤلفه ووصف النسخ المعتمدة فِي التحقيق. وصف النسخ المعتمدة في التحقيق اعتمدنا في تحقيقنا لكتاب أسباب نزول القرآن عَلَى ثلاث نسخ خطية ومطبوعتين. أما المطبوعتان فهي النسخة الَّتِي قام بتحقيقها السَّيِّد أحمد صقر وطبعت في مؤسسة علوم القرآن/بيروت، الطبعة الثالثة، سَنَة 1987م، ورمزنا لها بالحرف (س) ، وأما المطبوعة الأخرى فهي الطبعة القديمة المطبوعة في دار ومكتبة الهلال / بيروت، بإشراف لجنة تحقيق التراث، الطبعة الثالثة، عام 1985، وَقَدْ رمزنا لها بالحرف هـ‍. أما النسخ الخطية فَقَد اعتمدنا عَلَى ثلاث نسخ فيما يأتي وصف لكل منها: 1- نسخة خطية من محفوظات مكتبة الأوقاف العامة في بغداد تحت الرقم [2374] وهي نسخة واضحة ومقروءة خطها نسخي عادي، تقع في [243] ورقة، نسخت في القرن السادس الهجري، وهي نسخة جيدة، إلاّ أن ناسخها أهمل بَعْض الأسانيد اختصاراً، وَهِيَ من موقوفات الوزير سليمان باشا، وَهِيَ مخرومة الآخر تنتهي بأول سورة الزلزلة، ورمزنا لها بالرمز (ص) . 2- نسخة خطية من محفوظات مكتبة الأوقاف العامة في بغداد تحت الرقم [2369] ، تقع في (124) ورقة، بمعدل (22) سطراً في الصفحة وبواقع (15) كلمة في السطر الواحدخطها نسخي واضح ومقروء، مشكولة في بعض المواطن، وعليها آثار المقابلة والتصحيح، انمحى منها قرابة ثلاثة أسطر من مقدمتها فأتمت بخط مغاير قبل صفحة العنوان، أصابت النسخة رطوبة ابتداءاً من الورقة (119) فانمحت بعض الكلمات إلى الورقة (122) فما بعدها فهي غير مقروءة تماماً. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 5 وقد ثبت عَلَى عنوان النسخة ما صورته: ((أسباب نزول القرآن تأليف الشَّيْخ الإمام الأوحد أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي، رِوَايَة الشَّيْخ الإمام بدر الإسلام أبي نصر مُحَمَّد بن عَبْد الله الإرغياني عَنْهُ، رحمة الله عَلِيهِ)) . إلا أن سند النسخة المثبت عَلَى طرتها يلفت النظر إِلَى أنها روايةعبد الجبار البيهقي، فَقَد جاء سند النسخة عَلَى النحو الآتي: ((قرأ عليَّ هذا الكتاب صاحبه الشَّيْخ الإمام الأجل الفاضل محب الدين أبو بكر عَبْد الله بن مُحَمَّد بن علي العلاف الدينوري، وسمعه ولدي أبو الفرج مُحَمَّد – جعله الله من الصالحين –، وأخبرتهما أني سمعته عَلَى شيخي الشَّيْخ الفقيه أبي الفضل منصور بن أبي الحسن بن إسماعيل الطبري المخزومي - رضي الله عنه -، وأخبرني أنه سمعه عَلَى الشَّيْخ عَبْد الجبار البيهقي، عَن المصنف -رحمه الله -، وقد أجزت لهما أن يروياه عني. وكتب مُحَمَّد بن أبي الفرج بن معالي بن بركة الفقيه الموصليّ ببغداد في يوم الخميس الموفِّي العشرين من صفر من سَنَة اثنتين وست مئة حامداً لله تعالى ومصلياً عَلَى سيدنا مُحَمَّد النبي وآله وصحبه ومُسَلِّماً)) . وكانت المقابلة والتصحيح بيد العلاف. ترجمة رجال السند: عَبْد الجبار البيهقي: هُو الإمام المفتي المعمّر الثقة أبو مُحَمَّد عَبْد الجبار بن مُحَمَّد بن أحمد الخُواري البيهقي، مولده سَنَة 445هـ‍ سمع مِنْ أبي بكر البيهقي فأكثر عنه، ومن أبي الحسن الواحدي المفسر، وأبي القاسم القشيري وغيرهم. حدّث عَنْهُ السمعاني، وابن عساكر وغيرهما، وكان متواضعاً خيّراً بصيراً بمذهب الشَّافِعِيّ، توفي سَنَة 533هـ‍أو 534هـ‍. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 6 وأرّخ وفاته السمعاني في " التحبير " سَنَة (536هـ‍) وتبعه الذهبي عَلَى ذَلِكَ في السير وتاريخ الأسلام (1) . منصور بن أبي الحسن: هُو أبو الفضل منصور بن أبي الحسن بن إسماعيل بن المظفر المخزومي الطبري الصوفي الواعظ، كَانَ مولده في آمل طبرستان ونشأ بمرو وتفقه فيها وفي نيسابور، وكان جيد الكلام في المناظرة، ثُمَّ اشتغل بالوعظ والتصوف. سمع من زاهر بن طاهر، وعبد الجبار بن مُحَمَّد الخواري، وحدَّث ببغداد والموصل والشام وبلاد خراسان وما وراء النهر، وأخذ منه: الحازمي وإلياس بن جامع الأربلي، والضياء المقدسي وخلق. وقد ضعف في روايته لصحيح مُسْلِم عَن الفراوي، توفي سَنَة 595هـ‍بدمشق (2) . ابن بركة: هُو مُحَمَّد بن أبي الفرج بن أبي المعالي معالي، فخر الدين أبو المعالي الموصلي المقريء الشَّافِعِيّ. مولده سَنَة 539هـ‍وقرأ القراءات عَلَى يَحْيَى بن سعدون القرطبي والشيخ عَبْد الصمد بن أبي الجيش، وغيرهما، وسمع من خطيب الموصل أبي الفضل الطبري، قرأ العربية عَلَى الكمال بن الأنباري، ثُمَّ قدم بغداد سَنَة 572 هـ‍‍فتفقه بها وأقام بها، وأعاد بالمدرسة النظامية وقرأ القراءات وحدّث.   (1) انظر ترجمته في: الأنساب 5/196، والتحبير 1/423، ومعجم البلدان 2/394، والعبر 4/99، وسير أعلام النبلاء 20 /71، وتاريخ الإسلام، وفيات سَنَة (536) :413، وطبقات الشافعية الكبرى 7/144، وتبصير المنتبه 2/553، والنجوم الزاهرة 5/270. (2) انظر ترجمته في: التقييد لابن نقطة: 453، والتكملة 2/160، وتاريخ إربل 1/191، وتكملة إكمال الإكمال: 134، والتدوين 4/116، والعبر 4/288، وتاريخ الإسلام وفيات سَنَة (595) : 208، وطبقات الشافعية الكبرى 4/313، ولسان الميزان 6/ 92، وشذرات الذهب 4/321. … الجزء: 15 ¦ الصفحة: 7 قَالَ ابن النجار: لَهُ مَعْرِفَة تامّة بوجوه القراءات وعللها وطرقها، وله في ذَلِكَ مصنفات، وكان فقيهاً فاضلاً حسن الكلام في مسائل الخلاف، ويعرف النحو مَعْرِفَة حسنة. وكان كيّساً متودداً متواضعاً لطيف العشرة صدوقاً. توفي سَنَة 621هـ‍ببغداد (1) . العلاف: لم نقف عَلَى ترجمة لَهُ، والظاهر مِنْ وصف ابن بركة لَهُ بـ ((الشَّيْخ الإمام الأجل الفاضل)) أنَّهُ كَانَ عَلَى شأوٍ بعيد مِن الطلب والإتقان والله أعلم (2) . وقد رمزنا لهذه النسخة بالرمز (ب) ، وَقَد اعتمدناها أصلاً في التحقيق لَمْ نحد عَنْهَا إلاّ لضرورة. وناسخ النسخة: محمد بن محمد بن حسن الأصفهاني المعروف برنْباس فقد جاء فِي خاتمة نسخة (ب) ما نصه:   (1) انظر ترجمته في: التكملة 3/128، وتلخيص مجمع الآداب 4/2406، ومعرفة القراء الكبار 2/613، وتاريخ الإسلام وفيات سنة (621 هـ‍) ص: 78، والعبر 5/86، والوافي بالوفيات 4/319، وطبقات الشافعية الكبرى 5/46، والبداية والنهاية 13/105، وغاية النهاية 2/248، والنجوم الزاهرة 6/259، وشذرات الذهب 5/96. (2) قَالَ ماهر: الَّذِي يبدو لي من خلال مكثي مَعَ تحقيق كتاب " أسباب نزول القرآن " قرابة أربع سنوات أن هَذِهِ النسخة هِيَ نسخة الأرغياني، وَهِيَ الرِّوَايَة المتقنة والأحسن عن الإمام الواحدي، وَهَكَذَا جاء عَلَى طرة الكِتَاب بنفس خط الأصل الَّذِي هُوَ خط الكِتَاب من أوله إِلَى آخره. أما سند النسخة عَلَى طرة الكِتَاب فَهُوَ بخط مغاير يخالف خص الأصل، مِمَّا يرجح لنا أن هَذِهِ النسخة تملكها العلاف، وسمعها عن شيوخه بسند رِوَايَة عَبْد الجبار البَيْهَقِيّ، وَكَانَ عَلَيْهِ أن يروي الكِتَاب من رواية البَيْهَقِيّ لا من رِوَايَة أخرى، والله أعلم. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 8 ((آخر كتاب أسباب النزول … في عشية الأحد خامس عشرين (كذا) ذي القعدة من سنة)) خمس.. وخمس مئة على يدي الفقير إلى الله تعالى محمد بن محمد بن حسن الأصفهاني المعروف برنْباس رحم الله من دعا له بالمغفرة و … والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي وآله وسلم كثيراً)) . ثم كتب تحته بخط مغاير ما نصه: ((بلغ مقابلة من أوله إلى آخره وصح الجميع بعد المعارضة والتصحيح. بحمد الله ومَنّه وفضله، وفرغ من مقابلته جميعه أبو بكر بن محمد بن علي الدينوري العلاف فِي سنة اثنتي وخمسمائة حامداً لله تعالى ومصلياً على رسوله محمد النبي وآله وصحبه وسلم)) . 3- نسخة خطية ثالثة تحتفظ بها مكتبة الأوقاف العامة في بغداد أيضاً، ورقمها [2/2410] ، تقع في (128) ورقة، خطها نسخي عادي واضح ومقروء، وهي نسخة ناقصة تنتهي عند سورة الزلزلة، وَهِيَ نسخة فِيْهَا خطأ غَيْر قليل. وقد رمزنا لها بالرمز (ث) (1) . منهج التحقيق سرنا في تحقيقنا لكتاب "أسباب نزول القرآن" عَلَى ضوء المنهج الآتي: 1- حاولنا ضبط النص قدر المستطاع مِنْ خلال مقابلة النسخ الخطية عَلَى بعضها ثُمَّ مقابلتها عَلَى النسختين المطبوعتين، وثبتنا ما تدعو إليه الحاجة مِنْ فروقات النسخ. 2- خرّجنا الآيات الكريمة من مواطنها في المصحف، مَعَ الإشارة إلى اسم السورة ورقم الآية. 3- خرجنا الأحاديث النبوية والآثار تخريجاً مستوعباً وحسب الطاقة. 4- عزونا ما نقله الواحدي من غير إسناد إلى مصادر التفسير.   (1) وَلَمْ نحاول الحصول عَلَى نسخ خطية أخرى للكتاب مَعَ توفرها في مكتبات العالم الإسلامي؛ لأننا آثرنا أن يَكُوْن الكِتَاب عَلَى رِوَايَة واحدة، وَهِيَ رِوَايَة الأرغياني، ومن خلال البحث والتتبع والنظر والمقارنة؛ تبين أنها أفضل الروايات عن الإمام الواحدي، فهي سَمَاع عن الواحدي نفسه، وَقَد اعتمدها الحَافِظ ابن حجر؛ لجودتها. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 9 5- ترجمنا لرجال بَعْض الإسناد لا سيما المتأخرون لأنهم ممن يصعب الوقوف عَلَى ترجمة لهم خدمة للقاريء. 6- قدمنا للكتاب بدراسة وافية نراها كافية كمدخل إليه. 7- لم نألُ جهداً في تقديم أي عمل يخدم الكتاب، وهذا يتجلى في الفهارس المتنوعة الَّتِيْ ألحقناها بالكتاب، بغية توفير الوقت والجهد عَلَى الباحث. 8- قمنا بشكل ما يحتاج إلى شكل في نَصِّ الكتاب. 9- علّقنا عَلَى المواطن التي اعتقدنا أنها بحاجة إلى مزيد إيضاح وبيان. 10- جعلنا الكتاب عَلَى رِوَايَة واحدة، وَهِيَ رِوَايَة الأرغياني، وَهِيَ الرِّوَايَة عينها الَّتِي اعتمدها الحَافِظ ابن حجر في كتاب " العجاب ". 11- رقمنا أحاديث الكِتَاب المسندة. وبعد هذا كله فلسنا ندعي العصمة لعملنا،ولكن حسبنا أننا بذلنا جهدنا فيه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. الدكتور ماهر ياسين الفحل الجزء: 15 ¦ الصفحة: 10 [قَالَ الشَّيْخُ الإمَامُ، نَاصِحُ الإسلامِ، نَجْمُ الْهُدَى أبُو الخطَّابِ مَحْفُوظُ بنُ أحمدَ بنِ الحسَنِ الكَلْوَاذَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللهُ -:] () الحمدُ للهِ وَلِيِّ كُلِّ نعمةٍ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمةِ () ، وعَلَى آلِهِ وأصْحابِهِ خِيَارِ الأمَّةِ وسَلَّمَ تَسليماً كَثيراً. هذَا مُخْتَصَرٌ ذَكَرْتُ فيهِ جُمَلاً مِنْ أُصولِ مَذْهَبِ الإمامِ أبي عبدِ اللهِ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبانيِّ - رضي الله عنه - في الفِقْهِ، وعُيُوناً مِنْ مَسَائِلِهِ؛ لِيَكُونَ هِدَايةً لِلْمُبْتَدِئينَ وتَذْكِرَةً لِلْمُنْتَهينَ () ، ومِنَ اللهِ تعالى أسْتَمِدُّ الْمَعُونةَ، وإيَّاهُ أسأَلُ أنْ يَنْفَعَنا وَجَمِيْعَ المسْلِمينَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ. كِتَابُ الطَّهَارَةِ () - بَابُ المِيَاهِ - قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوْراً} () ،والمِيَاهُ تَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ: مَا يَجُوزُ بهِ رَفْعُ الأحداثِ، وإزالَةُ الأنجاسِ، وهو الطَّهُورُ () الذي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ أوْ نَبَعَ مِنَ الأرْضِ وَبَقِيَ على إطلاقِهِ، فإنْ سُخِّنَ بالشَّمْسِ أوْ بالطَّاهِراتِ لَمْ تُكْرَهِ الطَّهَارَةُ بهِ، وإنْ سُخِّنَ بالنَّجَاسَاتِ كُرِهَ التَّطْهُّرُ بهِ في إحدَى الرِّوايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى لاَ يُكْرَهُ () . وَمَاءٌ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ، وهوَ مَا دُونَ القُلَّتَيْنِ إذا اسْتُعْمِلَ في رَفْعِ حَدَثٍ، فإنِ اسْتُعْمِلَ في طُهْرٍ مُسْتَحَبٍّ، ك‍: غسلِ الْجُمُعَةِ والعِيْدَيْنِ وتَجْدِيْدِ الوُضُوءِ، أو خَلَتْ بالوُضُوءِ منهُ امْرَأَةٌ، أوْ غَمسَ فيهِ يَدَهُ قائِمٌ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ قَبْلَ غَسْلِهِما ثلاثاً، فَهُوَ عَلَى إطلاقِهِ في إحدى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأخْرَى يَصِيْرُ غَيْرَ مُطَهِّرٍ () . الجزء: 16 ¦ الصفحة: 1 فإنْ خالَطَهُ طاهِرٌ يُمْكِنُ الاحْتِرازُ منهُ، فغَلَبَ على أجزَائِهِ أو طُبِخَ فيهِ سَلَبَهُ التَّطْهِيْرُ وإنْ غَيَّرَ إحدَى صِفَاتِهِ: طَعْمِهِ أو لَوْنِهِ أوْ رِيْحِهِ، فَعَلَى رِوايَتَيْنِ: إحدَاهُما أنَّهُ يُسْلِبُهُ التَّطْهِيْرُ أيضاً، والأخرَى لا يَسْلبُهُ () . فإنْ تَغَيَّرَ بطاهِرٍ لا يُخالِطُهُ كالعُوْدِ والكَافُورِ والدُّهْنِ أو طَاهِرٍ لا يُمْكِنُ الاحترازُ منهُ كالتُّرَابِ والطُّحْلُبِ وَوَرَقِ الشَّجَرِ فهُوَ مُطَهِّرٌ. ومَاءٌ نَجِسٌ () وهوَ مَا دُونَ القُلَّتَيْنِ إذا وَقَعَتْ فيهِ نَجَاسَةٌ. والقُلَّتَانِ () فَصَاعِداً إذا [تغير] () لِغَيْرِ مُلاقاةِ النجاسَةِ، فإنْ زَالَ التَّغْييرُ بنفسِهِ أو بقُلَّتَي () ماءٍ طَهُورٌ فطرَأَ عليهِ أوْ كانَ أكثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ فَنَزَحَ منهُ / 2 و / فَزَالَ التَّغْييرُ وَبَقِيَ قُلَّتَانِ طَهرَ، وإنْ ظَهَرَ فيهِ تُرابٌ فَقَطَعَ التَّغْيير لَمْ يَطْهُرْ – والقُلَّتَانِ خَمْسُ مِئَةِ رَطْلٍ بالعِرَاقِيِّ () –. وَعَنْهُ لا يَنْجسُ الماءُ إلاَّ بتَغَيُّرِ أحدِ صِفاتِهِ بالنَّجَاسَةِ، سَوَاءٌ كَانَ قَليْلاً أوْ كَثِيْراً () . بَابُ الآنِيَةِ وَكُلُّ إِنَاءٍ طَاهِرٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الأَثْمَانِ فَمُبَاحٌ اتِّخَاذُهُ واسْتِعْمَالُهُ، سَوَاءٌ كَانَ ثَمِيْناً كَاليَاقُوْتِ والبَلُّوْرِ والعَقِيْقِ، أوْ غَيْرَ ثَمِيْنٍ كَالصُّفْرِ والرَّصَاصِ والْخَشَبِ. فأمَّا آنِيَةُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ فَيَحْرُمُ اتِّخَاذُهُمَا واسْتِعْمَالُهُمَا، فَإنْ خَالَفَ وتَطَهَّرَ مِنْها، فَهَلْ تَصُحُّ طَهَارَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ () . الجزء: 16 ¦ الصفحة: 2 ومَا ضُبِّبَ بالفِضَّةِ إنْ كانَ كَثِيراً فَهوَ مُحَرَّمٌ بِكُلِّ حَالٍ، وكَذَلِكَ إنْ كَانَ يَسِيْراً لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَالْحَلقَةِ في الإنَاءِ ونَحْوِهَا، وإنْ كَانَ اليُسْرُ لِحَاجَةٍ كَشَعْبِ () قَدَحٍ وَقَبِيْعَةِ () سَيْفٍ () وَشَعِيْرَةِ سِكِّيْنٍ () ، فإنَّ ذلكَ مُبَاحٌ غَيْرَ أنَّهُ يُكْرَهُ أنْ يُبَاشِرَ مَوْضِعَ الفِضَّةِ بالاسْتِعْمَالِ، ويَسِيْرُ الذَّهَبِ مِثْلُ كَثِيْرِهِ في التَّحْرِيْمِ إلاَّ مِنْ ضَرُوْرَةٍ؛ لأنَّ النبيَّ - عليه السلام - رَخَّصَ لِعَرْفَجَةَ بنِ أَسْعَدٍ () لَمَّا قُطِعَ أنْفُهُ أنْ يَتَّخِذَ أنْفاً مِنْ ذَهَبٍ () . وذَكَرَ أبو بَكْرٍ في " التَّنْبِيْهِ " أنَّهُ يُبَاحُ يَسِيْرُ الذَّهَبِ. وَجَمِيْعُ الأوَانِي والآلاتِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَجُلُودِها نَجِسَةٌ في ظاهِرِ الْمَذْهَبِ، وأَوَانِي الكُفَّارِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ نَجَاسَتَها طاهِرَةٌ مُبَاحَةُ الاسْتِعْمَالِ، وكَذلكَ ثِيَابُهُمْ () وعنهُ الكَرَاهَةُ. ويُسْتَحَبُّ تَخْمِيْرُ الأَوَاني، فإنْ نَجسَ بَعْضُهَا واشْتَبَهَتْ عليهِ لَمْ يَتَحَرَّ على الصَّحِيْحِ مِنَ المذْهَبِ، بلْ يُرِيْقُهَا وَيَتَيَمَّمُ، وعنهُ أنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْ غَيْرِ إرَاقَةٍ () ، فإنْ كَانَ معهُ إناءانِ: ماءٌ طاهِرٌ، وماءٌ مُسْتَعْمَلٌ، أو ماءُ الشَّجَرِ وماءٌ مُطْلَقٌ، فإنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْهُما ويُصَلِّي ولاَ يَتَحَرَّ، وكذلكَ إذا كانَ مَعَهُ ثِيَابٌ بَعْضُها نَجِسٌ وَبَعْضُها طاهِرٌ واشْتَبَهَتْ عليهِ كَرَّرَ فِعْلَ الصَّلاَةِ الحاضِرَةِ في ثَوْبٍ بَعْدَ ثَوبٍ بعَددِ النَّجَسِ، وزَادَ صَلاَةً لِيَحْصُلَ لَهُ تأدِيَةُ فَرْضِهِ. بَابُ الاسْتِطَابَةِ () والْحَدَثِ الجزء: 16 ¦ الصفحة: 3 لاَ يَجُوْزُ لِمَنْ أرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ ولاَ اسْتِدْبَارُها إذا كَانَ في الفَضَاءِ، وإنْ كانَ بينَ البُنْيَانِ جازَ لَهُ ذلِكَ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ () ، والأُخْرَى لاَ يَجُوزُ لَهُ / 2 ظ / ذَلِكَ في الموضعَينِ. وإذا أرادَ دُخُولَ الخَلاءِ فإنْ كَانْ مَعَهُ ما فِيْهِ ذِكْرُ اللهِ تعالَى أَزَالَهُ () ، ويُقَدِّمُ رِجْلَهُ اليُسْرَى في الدُّخُولِ، واليُمْنَى في الخُرُوجِ، ويَقُولُ عِندَ دُخُولِهِ: ((بِسْمِ اللهِ () ، أَعُوْذُ باللهِ مِنَ الْخُبُثِ والْخَبائِثِ ومِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ)) () ، ولاَ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُو مِنَ الأرضِ () ، ويَعْتَمِدُ علَى رِجلِهِ اليُسْرَى ويَنْصِبُ اليُمْنَى، ولاَ يَتَكَلَّمُ فإنْ عَطَسَ حَمَدَ اللهَ بِقَلْبِهِ، وإذا انْقَطَعَ البَوْلُ مَسَحَ بيَدِهِ اليُسْرَى مِنْ أصْلِ الذَّكَرِ إلى رَأْسِهِ، ثُمَّ يَنْتِرُ () ذَكَرَهُ ثلاثاً، ولاَ يُطِيْلُ المقَامَ إلاَّ بقَدَرِ الحاجَةِ، فإذا خَرَجَ، قالَ: ((غُفْرَانَكَ () ، الحمدُ للهِ الَّذِي أذْهَبَ عَنِّي الأَذَى وعَافَانِي)) () ، وإذا كانَ في الفضاءِ أبْعَدَ واسْتَتَرَ عَنِ العُيُونِ () وارتَادَ مَوْضِعاً رَخْواً لِبَوْلِهِ () ، ولَمْ يَسْتَقْبِلِ الشَّمْسَ، ولاَ القَمَرَ، ولاَ يَبُوْلُ في شِقٍّ ولاَ سَرَبٍ، ولاَ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ، ولاَ في ظِلٍّ، ولاَ قارِعَةِ طَرِيْقٍ () . وإذا أرَادَ الاسْتِنْجَاءَ تَحَوَّلَ عَنْ مَوْضِعِهِ. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 4 والاسْتِنْجَاءُ واجِبٌ في كُلِّ ما يَخْرُجُ مِنَ السَّبِيْلَيْنِ إلاَّ الرِّيْحَ، والأفْضَلُ أنْ يَبْدَأَ فيهِ بالقُبُلِ وَيَسْتَجْمِرَ بالحَجَرِ، ثُمَّ يُتْبِعَهُ الماءَ، فإنْ أرادَ الاقْتِصَارَ عَلَى أحدِهِما، فالْمَاءُ أفْضَلُ، فَإنْ عَدَلَ عَنْ الماءِ إلى الحَجَرِ أَجْزَأَهُ ولاَ يُجْزِئُ أقَلُّ مِنْ ثَلاثِ مَسَحَاتٍ، وإنْ نَقِيَ بدُونِها لَمْ يُجْزِهِ فإنْ لَمْ تَزَلْ العيْنُ بالثَّلاَثِ زادَ حَتَّى يَنْقَى، وصِفَةُ مَا يَجُوزُ بهِ الاسْتِجْمَارُ أنْ يَكُونَ جامِداً طَاهِراً مُنْتَقياً غَيرَ مَطْعُومٍ لاَ حُرْمَةَ لَهُ ولاَ مُتَّصِلاً بحَيَوَانٍ، وهذا يَدْخُلُ فيهِ الْحَجَرُ وما قَامَ مَقَامَهُ مِنَ الْخَشَبِ والخِرَقِ والتُّرَابِ وغيرِهِ، ويَخْرُجُ مِنهُ المأكولاَتُ والرَّوْثُ () والرّمَّةُ () وإنْ كَانا طَاهِرَيْنِ؛ لأنَّهُما مِنْ طَعَامِ الجِنِّ، ومَا فيهِ ذِكْرُ اللهِ تعالَى مِنَ الكَاغدِ وغَيْرِهِ وعنهُ () . إنَّ الاسْتِجْمَارُ يَخْتَصُّ بالْحَجَرِ، ويَجُوزُ الاسْتِجْمَارُ إذا لَمْ يَنْتَشِرْ الخارِجُ عَنِ المخْرَجِ إلاَّ بقَدَرِ مَا جَرَتْ بهِ العَادَةُ فإنِ انْتَشَرَ إلى صَفْحَتَيْهِ ومُعْظَمِ حَشَفَتِهِ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُ الماءِ، وعَلَى أيِّ صِفَةٍ حَصَلَ الإنْقَاءُ في الاسْتِجْمَارِ أجْزَأَهُ غيرَ أنَّ الْمُسْتَحَبَّ فيهِ أنْ يُمِرَّ حَجَراً مِنْ مُقَدَّمِ صَفْحَتِهِ اليُمْنَى إلى مُؤَخَّرِهَا، ثُمَّ يُدِيْرُهُ على اليُسْرَى حَتَّى يَرْجِعَ إلى الْمَوْضِعِ الذي بَدَأَ منهُ، ثُمَّ يُمِرَّ الثَّانِي مِنْ مُقَدَّمِ صَفْحَتِهِ اليُسْرَى كذلكَ، ثُمَّ يُمِرَّ الثَّالِثَ على المسربَةِ والصَّفْحَتَيْنِ، ولاَ يَسْتَجْمِرْ بيَمِيْنِهِ وَلاَ يَسْتَعِيْنُ / 3 و / بها في ذَلِكَ () ، فإنْ خَالَفَ وَفَعَلَ أَجْزَأَهُ. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 5 فأمَّا الاسْتِعَانَةُ بِهَا في الماءِ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ؛ لأنَّ الحاجَةَ داعِيَةٌ إليْهِ، ويُفْعَلُ الاسْتِنْجَاءُ قَبْلَ الوُضُوءِ، فإنْ أخَّرَهُ إلى بعْدِهِ لَمْ يُجْزِهِ بهِ على إحدى الرِّوَايَتَيْنِ () ، والأُخْرَى يُجْزِئْهُ، فإنْ أَخَّرَهُ إلى بَعْدِ التَّيَمُّمِ، فَقِيْلَ: يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وقِيْلَ: لاَ يُجْزِئُهُ وَجْهاً واحِداً. بَابُ السِّوَاكِ وغَيْرِهِ السِّوَاكُ مَسْنُونٌ لِكُلِّ صَلاَةٍ، فَإنْ كَانَ صَائماً كُرِهَ لَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ () ، ويُسْتَحَبُّ أنْ يَسْتَاكَ عِنْدَ قِيَامِهِ مِنَ النَّوْمِ، وإذا خَلَتْ مَعِدَتُهُ مِنَ الطَّعَامِ، وإذا أكَلَ ما يُغَيِّرُ رَائِحَةَ فَمِهِ. ويَكُونُ سِوَاكُهُ بعُودِ أَرَاكٍ أوْ زَيْتُونٍ أوْ عُرْجُونٍ () ، ويَكُونُ يَابِساً قَدْ نَدِيَ بالماءِ، فإنْ كَانَ بحَيْثُ يَتَفَتَّتُ في الفَمِ أوْ يَجْرَحُهُ كُرِهَ. وإنِ اسْتَاكَ بإِصْبَعِهِ أوْ بخِرْقَةٍ لَمْ يُصِبِ السُّنَّةَ، وقِيْلَ: قَدْ أصَابَ () . ويَسْتاكُ عَرْضاً () ، ويَكْتَحِلُ وُتْراً، ويَدَّهِنُ غِبّاً، ويُسَرِّحُ شَعْرَهُ، ويَحُفُّ الشَّارِبَ، ويَنْتِفُ الإبْطَ، ويُقَلِّمُ الأَظَافِرَ، ويَحْلِقُ العَانَةَ () ، ويَنْظُرُ في المِرْآةِ، ويَتَطَيَّبُ، ويَجِبُ الخِتَانُ ويُكْرَهُ القَزَعُ () ، ويُسْتَحَبُّ التَّيَامِنُ في وُضُوئِهِ، وسِوَاكِهِ، وانْتِعَالِهِ، ودُخُولِهِ المسْجِدَ () . بَابُ صِفَةِ الوُضُوْءِ الجزء: 16 ¦ الصفحة: 6 يَجِبُ عَلَى مَنْ أرَادَ الوُضُوءَ أنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ أو الطَّهَارةِ لِكُلِّ أمْرٍ لاَ يُسْتَبَاحُ إلاَّ بالطَّهَارَةِ، كالصَّلاَةِ والطَّوَافِ ومَسِّ الْمُصْحَفِ، ويُسْتَحَبُّ أنْ يأتِيَ بالنِّيَّةِ عِنْدَ إرَادَتِهِ غَسْلَ يَدَيْهِ، فإنْ أخَّرَها إلى حينِ المضْمَضَةِ أجْزَأَهُ، ويُسْتَحَبُّ أنْ يَسْتَصْحِبَ النِّيَّةَ إلى آخِرِ طَهَارَتِهِ، فإنِ اسْتَصْحَبَ حُكْمَها دُوْنَ ذِكْرِها أجْزَأَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ يُعْقِبُ النِّيَّةَ بالتَّسْمِيَةِ، وهِيَ واجِبَةٌ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ () ، والأُخْرَى أنَّهَا سُنَّةٌ، ويَغْسِلُ كَفَّيْهِ ثَلاثاً، فإنْ كَانَ قَدْ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ كَانَ غَسْلُهُما ثلاثاً واجباً لاَ عَنْ حَدَثٍ ولاَ عَنْ نَجَسٍ لَكِنْ تَعَبُّداً، وينوي لذلكَ ويُسَمِّي في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ () ، وفي الأُخرَى: إنَّ غَسْلَهُما سُنَّةٌ، ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ ويَسْتَنْشِقُ ثلاثاً يَجْمَعُ بينَهُما بغَرْفَةٍ () واحِدَةٍ، وإنْ أحَبَّ بثلاثِ غَرْفَاتٍ لِكُلِّ عُضْوٍ ويُبَالِغَ فيهِما إلاَّ أنْ يَكُونَ صائِماً () ، وهما واجِبانِ في الطَّهَارتَيْنِ () وعنهُ أنَّ الاسْتِنْشَاقَ وَحْدَهُ واجِبٌ () / 3 ظ / وعنهُ أنَّهُما واجبانِ في الكُبْرَى مَسْنُونانِ في الصُّغْرَى () ، ثُمَّ يَغْسِلُ وجْهَهُ ثلاثاً مِنْ مُنْتَهَى شَعْرِ رَأْسِهِ إلى الْخَدَّيْنِ مِنَ اللِّحْيَيْنِ والذَّقَنِ طُولاً ومِنْ وَتَدِ الأُذُنِ إلَى وَتَدِ الأُذُنِ عَرْضاً فإنْ كَانَ عليهِ شَعْرٌ كَثِيْفٌ لَمْ يَجِبْ غَسْلُ ما تَحْتَهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَخْلِيْلُهُ وإنْ كَانَ خَفِيْفاً يَصِفُ البَشرَةَ وَجَبَ ذَلِكَ، وسَواءٌ في ذَلِكَ شَعْرُ اللِّحْيَةِ والْحَاجِبَيْنِ والشَّارِبِ والعَنْفَقَةِ () ، ويَجِبُ غَسْلُ العِذَارِ () والعَارِضِ () ومَا اسْتَرْسَلَ مِنَ الجزء: 16 ¦ الصفحة: 7 اللِّحْيَةِ، فأمَّا التَّحْدِيْفُ () والصَّدغُ () فَعَلَى وَجْهَيْنِ () ، ويسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُ دَاخِلِ عَيْنَيْهِ إذا أَمِنَ الضَّرَرَ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلاثاً ويُدْخِلُ المِرْفَقَيْنِ في الغَسْلِ، فإنْ كَانَ أقْطَعَ مِنْ دُوْنِ المِرْفَقَيْنِ غَسَلَ مَا بَقِيَ منْهُما، وإنْ كَانَ مِنَ المِرْفَقَيْنِ سَقَطَ غَسْلُ اليَدَيْنِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ فَيَبْدَأُ بيَدَيْهِ مِنْ مُقَدّمهِ، ثُمَّ يُمِرُّهُما إلى قَفَاهُ، ثُمَّ يُعِيْدُهُما إلى الموضِعِ الذي بَدَأَ منهُ ويَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بِمَاءِ رأْسِهِ، واسْتِيْعَابُ الرَّأْسِ بالمسْحِ واجِبٌ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى يُجْزِئُ مَسْحُ أكْثَرِهِ () ، وهَلْ يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ مَسْحِ الرَّأْسِ وأخْذِ ماءٍ جَدِيْدٍ للأذُنَيْنِ أمْ لاَ؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ () . [و] () يُسْتَحَبُّ لَهُ مَسْحُ عُنُقِهِ بالماءِ، وعنهُ أنَّهُ لاَ يُسْتَحَبُّ () ، ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ ثَلاثاً، ويُدْخِلُ الكَعْبَيْنِ في الغَسْلِ ويُخَلِّلُ بَيْنَ أصَابِعِهِ، ويَبْدأُ يَميْنَ يَديْهِ وَرِجْلَيْهِ. ويَجِبُ تَرْتِيْبُ الوُضُوْءِ على مَا ذَكَرْنَا، فإنْ نَكَسَهُ لَمْ يَصِحَّ علَى المشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وعَنْهُ أنَّهُ يَصِحُّ () . وتَفْرِيْقُ الوُضُوْءِ إذا كَانَ كَثِيْراً مُتَفَاحِشاً يَمْنَعُ صِحَّتَهُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: لاَ يَمْنَعْ () ، وإنْ كانَ يَسِيْراً بحيثُ لَمْ يَنْشَفْ ما غَسَلَهُ قَبْلَهُ لَمْ يَبْطلْ رِوَايَةً واحدةً () . الجزء: 16 ¦ الصفحة: 8 فإذا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ اسْتُحِبَّ لَهُ أنْ يَرْفَعَ نَظَرَهُ إلى السَّماءِ ثُمَّ يَقُولَ: ((أشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُوْلُهُ)) () . ولاَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أنْ يُنَشِّفَ أعْضاءَهُ، وهَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ () . ويُكْرَهُ لَهُ نَفْضُ يَدَيْهِ، وتُبَاحُ مُعَاوَنَتُهُ في وُضُوْئِهِ، ولاَ تُسْتَحَبُّ فَخَرَجَ مِنْ هذهِ الْجُمْلَةِ أنَّ فُرُوْضَ الوُضُوءِ على الصَّحِيْحِ مِنَ الْمَذْهَبِ عَشَرَةٌ: النِّيَّةُ، والتَّسْمِيَةُ، والْمَضْمَضَةُ، والاسْتِنْشَاقُ، وغَسْلُ الوَجْهِ، وغَسْلُ اليَدَيْنِ، ومَسْحُ جَمِيْعِ الرَّأْسِ، / 4 و / وغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ، والتَّرْتِيْبُ، والْمُوَالاَةُ. وسُنَنُهُ عَشَرَةٌ: غَسْلُ اليَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِما الإنَاءَ،والسِّوَاكُ، والْمُبَالَغَةُ في الْمَضْمَضَةِ والاسْتِنْشَاقِ، وتَخْلِيْلُ اللِّحْيَةِ، وغَسْلُ دَاخِلِ العَيْنَيْنِ، والبِدَايَةُ باليَمِيْنِ، وأخْذُ مَاءٍ جَدِيْدٍ للأُذُنَيْنِ، ومَسْحُ العُنُقِ، وتَخْلِيْلُ مَا بَيْنَ الأَصَابِعِ، والغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ والثَّالِثَةُ. بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَغَيْرِهِمَا يَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَالْجُرمُوقِ () ، وَالْجَوْرَبَيْنِ، وَالعِمَامَةِ، وَالْجَبَائِرِ، رِوَايَة وَاحَدَة. وَهَلْ يَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى القَلانِسِ الْمنومناتِ () وَالدَّنياتِ وخُمُرِ النِّسَاءِ الْمُدَارةِ تَحْتَ حُلُوقِهنَّ أَمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ () . الجزء: 16 ¦ الصفحة: 9 وَيَتَوَقَّتُ الْمَسْحُ في الْجَمِيْعِ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيْمِ، وَثَلاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيْهِنَّ لِلْمُسَافِرِ، إِلاَّ الْجَبِيْرَةَ، فَإِنَّهُ يِمْسَحُ عَلَيْهَا إِلَى حِيْنِ اللّبْسِ، في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: مِنْ حِيْنِ الْمَسْحِ بَعْدَ الْحَدَثِ () . ومَنْ مَسَحَ وَهُوَ مُقِيْمٌ، ثُمَّ سَافَرَ، أَوْ مَسَحَ وَهُوَ مُسَافِرٌ، ثُمَّ أَقَامَ، أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيْمٍ. وَعَنْهُ: في مَنْ مَسَحَ وَهُوَ مُقِيْمٌ، ثُمَّ سَافَرَ أَنَّهُ يُتِمّ مَسْحَ مُسَافِرٍ () ،فَإِنْ شَكَّ هَلْ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ في الْحَضَرِ، أَوْ في السَّفَرِ، أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الْحَدَثُ في الْحَضَرِ. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 10 [قَالَ الشَّيْخُ الإمَامُ، نَاصِحُ الإسلامِ، نَجْمُ الْهُدَى أبُو الخطَّابِ مَحْفُوظُ بنُ أحمدَ بنِ الحسَنِ الكَلْوَاذَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللهُ -:] (1) الحمدُ للهِ وَلِيِّ كُلِّ نعمةٍ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمةِ (2) ، وعَلَى آلِهِ وأصْحابِهِ خِيَارِ الأمَّةِ وسَلَّمَ تَسليماً كَثيراً. هذَا مُخْتَصَرٌ ذَكَرْتُ فيهِ جُمَلاً مِنْ أُصولِ مَذْهَبِ الإمامِ أبي عبدِ اللهِ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبانيِّ - رضي الله عنه - في الفِقْهِ، وعُيُوناً مِنْ مَسَائِلِهِ؛ لِيَكُونَ هِدَايةً لِلْمُبْتَدِئينَ وتَذْكِرَةً لِلْمُنْتَهينَ (3)   (1) ما بين المعكوفتين في أول المخطوط، والمصنف الكلواذاني - مترجم بتوسع في قسم الدراسة، وهو الشيخ الإمام العلامة الورع شيخ الحنابلة، أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن حسن العراقي الكلواذاني، ثم البغدادي، الأزجي، تلميذ القاضي أبي يعلى بن الفراء، ولد سنة 432 هـ، وتوفي سنة 510 هـ. انظر: الأنساب 4 / 642، واللباب 3 / 107، والكامل في التاريخ 10 / 524، وسير أعلام النبلاء 19 / 348 - 350، والعبر 4/ 21، وتذكرة الحفاظ 4 / 1261، والمستفاد من تاريخ بغداد 226-228، ومرآة الزمان 8/41-42، والبداية والنهاية 12/180، وذيل طبقات الحنابلة 1/116 - 127، والنجوم الزاهرة 5/212، وشذرات الذهب 4/27-28. (2) روى مسلم في صحيحه 7/90 (2355) من حديث أبي موسى الأشعري، قال: كَان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسمّي لنا نفسه أسماء، فقال: ((أنا محمد، وأحمد، والمقفى، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة)) . وانظر تخريج الحديث موسعاً في تحقيقنا لشمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - (366) ، وشرح التبصرة والتذكرة 1 / 104. (3) وبنحو هذا المعنى قال العراقي في البيت الخامس من الألفية: 5. نَظَمْتُهَا تَبْصِرَةً لِلمُبتَدِيْ تَذْكِرَةً لِلْمُنْتَهِي والْمُسْنِدِ الجزء: 17 ¦ الصفحة: 1 ، ومِنَ اللهِ تعالى أسْتَمِدُّ الْمَعُونةَ، وإيَّاهُ أسأَلُ أنْ يَنْفَعَنا وَجَمِيْعَ المسْلِمينَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ. كِتَابُ الطَّهَارَةِ (1) - بَابُ المِيَاهِ - قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوْراً} (2) ، والمِيَاهُ تَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ: مَا يَجُوزُ بهِ رَفْعُ الأحداثِ، وإزالَةُ الأنجاسِ، وهو الطَّهُورُ (3) الذي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ أوْ نَبَعَ مِنَ الأرْضِ وَبَقِيَ على إطلاقِهِ، فإنْ سُخِّنَ بالشَّمْسِ أوْ بالطَّاهِراتِ لَمْ تُكْرَهِ الطَّهَارَةُ بهِ، وإنْ سُخِّنَ بالنَّجَاسَاتِ كُرِهَ التَّطْهُّرُ بهِ في إحدَى الرِّوايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى لاَ يُكْرَهُ (4) .   (1) الطَّهارَةُ: النَّزَاهَةُ عَنِ الأدناسِ وقومٌ يَتَطَهَّرُونَ، أي: يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الأدناسِ. الصحاح2/727، والتاج12/224. (2) الفرقان: 48. (3) قال البغوي في التَّهذيب 1 / 142: ((الطَّهُورُ: هو الْمُطَهَّر، وهو اسم لِما يُتَطَهَّر بهِ، كالسَّحُورِ: اسم لِمَا يُتَسَحَّرُ بهِ، والفَطُور: اسمٌ لِمَا يُتَفَطَّرُ بهِ)) . وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق 1/187: ((الطهور: هو الطاهر في نفسه المطَهِّر لغيره، فهو من الأسماء المتعدية)) . وانظر: المغني 1/7، والإنصاف 1/21، وكشاف القناع 1/23، وشرح منتهى الإرادات 1/10. وَفِي الصحاح 2/727: ((الطهور: مَا يتطهر بِهِ، كالكافور والسحور والوقود)) . (4) هاتان الروايتان لَم يذكرهما أبو يعلى الفرّاء في كتابه " الروايتين والوجهين "، ولا المرداوي في الإنصاف. والمنقول عن الإمام أحمد: في حلية العلماء 1 / 70، وكشاف القناع 1 / 27. أما ابن قدامة في المغني 1 / 18 فنقل عن الكلوذاني ما تقدم فقال: ((ذكر أبو الخطاب في كراهية المسخن بالنجاسة روايتين على الإطلاق)) . الجزء: 17 ¦ الصفحة: 2 وَمَاءٌ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ، وهوَ مَا دُونَ القُلَّتَيْنِ إذا اسْتُعْمِلَ في رَفْعِ حَدَثٍ، فإنِ اسْتُعْمِلَ في طُهْرٍ مُسْتَحَبٍّ، ك‍: غسلِ الْجُمُعَةِ والعِيْدَيْنِ وتَجْدِيْدِ الوُضُوءِ، أو خَلَتْ بالوُضُوءِ منهُ امْرَأَةٌ، أوْ غَمسَ فيهِ يَدَهُ قائِمٌ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ قَبْلَ غَسْلِهِما ثلاثاً، فَهُوَ عَلَى إطلاقِهِ في إحدى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأخْرَى يَصِيْرُ غَيْرَ مُطَهِّرٍ (1) . فإنْ خالَطَهُ طاهِرٌ يُمْكِنُ الاحْتِرازُ منهُ، فغَلَبَ على أجزَائِهِ أو طُبِخَ فيهِ سَلَبَهُ التَّطْهِيْرُ وإنْ غَيَّرَ إحدَى صِفَاتِهِ: طَعْمِهِ أو لَوْنِهِ أوْ رِيْحِهِ، فَعَلَى رِوايَتَيْنِ: إحدَاهُما أنَّهُ يُسْلِبُهُ التَّطْهِيْرُ أيضاً، والأخرَى لا يَسْلبُهُ (2) . فإنْ تَغَيَّرَ بطاهِرٍ لا يُخالِطُهُ كالعُوْدِ والكَافُورِ والدُّهْنِ أو طَاهِرٍ لا يُمْكِنُ الاحترازُ منهُ كالتُّرَابِ والطُّحْلُبِ وَوَرَقِ الشَّجَرِ فهُوَ مُطَهِّرٌ.   (1) نقل الروايتين أبو يعلى الفراء في كتابه: " الروايتين والوجهين " ل 5 / أ، ونقل الأولى عن أبي الحارث وإسماعيل ابن سعيد، عن الإمام أحمد، ونقل الثانية عن حنبل، عن الإمام. وقد خصَّصَ ابن قدامة في المغني 1 / 80 - 82 وجوب غسل اليدين عقب النوم عن أحمد في الرواية الأخرى بما إذا كان ذلك عقب القيام من نوم الليل. قلنا: السنة تعضد ذلك، فقد روى مُسْلِم 10/160 (278) من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتَّى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده؟)) . (2) انظر: الروايتين والوجهين ل 3 / أ. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 3 ومَاءٌ نَجِسٌ (1) وهوَ مَا دُونَ القُلَّتَيْنِ إذا وَقَعَتْ فيهِ نَجَاسَةٌ. والقُلَّتَانِ (2) فَصَاعِداً إذا [تغير] (3) لِغَيْرِ مُلاقاةِ النجاسَةِ، فإنْ زَالَ التَّغْييرُ بنفسِهِ أو بقُلَّتَي (4) ماءٍ طَهُورٌ فطرَأَ عليهِ أوْ كانَ أكثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ فَنَزَحَ منهُ / 2 و / فَزَالَ التَّغْييرُ وَبَقِيَ قُلَّتَانِ طَهرَ، وإنْ ظَهَرَ فيهِ تُرابٌ فَقَطَعَ التَّغْيير لَمْ يَطْهُرْ - والقُلَّتَانِ خَمْسُ مِئَةِ رَطْلٍ بالعِرَاقِيِّ (5) -. وَعَنْهُ لا يَنْجسُ الماءُ إلاَّ بتَغَيُّرِ أحدِ صِفاتِهِ بالنَّجَاسَةِ، سَوَاءٌ كَانَ قَليْلاً أوْ كَثِيْراً (6) . بَابُ الآنِيَةِ   (1) النَّجْس والنِّجْس والنَّجَس: القذر من الناس ومن كُلّ شيء قذرته)) . اللسان 6/226 (نجس) . (2) القُلَّةُ: الجرَّة من الفخار يشربُ منها. والقلتان: مثنى قلة، وَهِيَ الحب العظيم، وَقِيلَ الجرة العظيمة، وَقِيلَ: الجرة عامة، وَقِيلَ الكوز العظيم. قَالَ أحمد بن حَنْبَل: قدر كُلّ قلة قربتان، قَالَ: وأخشى عَلَى القلتين من البول، فأما غَيْر البول فَلا ينجسه شيء. انظر: اللسان 11/565 (قلل) ، والمعجم الوسيط 2/756. (3) زيادة منا اقتضاها السياق. (4) في الأصل: ((بقلتين)) ، وما أثبتناه هُوَ الصَّحِيح؛ لأن نون المثنى تحذف عِنْدَ الإضافة، ينظر: شرح المفصل 3/35. (5) ذكر صاحب المحرر 1 / 2 رواية أخرى عن الإمام أحمد، فقال: ((وعنه أنهما أربع مئة)) ، والرطل: اثنتا عَشْرَة أوقية بأواقي العرب، والأوقية: أربعون درهماً، فذلك أربعمئةٍ وثمانون درهماً. اللسان 11/285-286 (رطل) . (6) انظر: الروايتين والوجهين ل 3 / ب. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 4 وَكُلُّ إِنَاءٍ طَاهِرٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الأَثْمَانِ فَمُبَاحٌ اتِّخَاذُهُ واسْتِعْمَالُهُ، سَوَاءٌ كَانَ ثَمِيْناً كَاليَاقُوْتِ والبَلُّوْرِ والعَقِيْقِ، أوْ غَيْرَ ثَمِيْنٍ كَالصُّفْرِ والرَّصَاصِ والْخَشَبِ. فأمَّا آنِيَةُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ فَيَحْرُمُ اتِّخَاذُهُمَا واسْتِعْمَالُهُمَا، فَإنْ خَالَفَ وتَطَهَّرَ مِنْها، فَهَلْ تَصُحُّ طَهَارَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (1) .   (1) لَمْ يذكر أبو يعلى الفراء في كتابه " الروايتين والوجهين " الوجهين، وذكر الوجهين ابن قدامة في الشرح الكبير، قائلاً: ((أحدهما: تصح طهارته، اختاره الخرقي، وَهُوَ قَوْل أَصْحَاب الرأي والشافعي وإسحاق وابن المنذر، لأن فعل للطهارة وماءها لا يتعلق بشيء من ذَلِكَ، أشبه الطهارة في الدار المغصوبة. والثاني: لا تصح اختاره أبو بَكْر؛ لأنه استعمل المحرم في العبادة فلم تصح، كَمَا لَوْ صلى في دار مغصوبة)) الشرح الكبير بهامش المغني 1/58-59. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 5 ومَا ضُبِّبَ بالفِضَّةِ إنْ كانَ كَثِيراً فَهوَ مُحَرَّمٌ بِكُلِّ حَالٍ، وكَذَلِكَ إنْ كَانَ يَسِيْراً لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَالْحَلقَةِ في الإنَاءِ ونَحْوِهَا، وإنْ كَانَ اليُسْرُ لِحَاجَةٍ كَشَعْبِ (1) قَدَحٍ وَقَبِيْعَةِ (2) سَيْفٍ (3) وَشَعِيْرَةِ سِكِّيْنٍ (4) ، فإنَّ ذلكَ مُبَاحٌ غَيْرَ أنَّهُ يُكْرَهُ أنْ يُبَاشِرَ مَوْضِعَ الفِضَّةِ بالاسْتِعْمَالِ، ويَسِيْرُ الذَّهَبِ مِثْلُ كَثِيْرِهِ في التَّحْرِيْمِ إلاَّ مِنْ ضَرُوْرَةٍ؛ لأنَّ النبيَّ - عليه السلام - رَخَّصَ لِعَرْفَجَةَ بنِ أَسْعَدٍ (5)   (1) لِما رواه البخاري 4 / 101 (3109) من حديث أنس قال: ((إن قدح النبي انكسر، فاتَّخذ مكان الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِن فِضَّةٍ)) ، وفي النهاية 2 / 477: ((أي: مكان الصدع والشق الذي فيه)) ، وشعب الصدع في الإناء إنما هُوَ إصلاحه وملاء مِنْهُ ونحو ذَلِكَ. اللسان 1/185. (2) القبيعة: التي عَلَى رأس قائم السيف، وَهِيَ التي يدخل القائم فِيْهَا، وَقِيلَ: هِيَ تَحْتَ شاربي السيف، وَقِيلَ: قبيعة السيف رأسه الذي فِيهِ منتهى اليد إِليهِ، وَقِيلَ: قبيعته مَا كَانَ عَلَى طرف مقبضه من فضة أَوْ حديد. اللسان 8/259. (3) روى ابن سعد 1 / 487، والدارمي (2461) ، وأبو داود (2583) ، والترمذي (1691) ، وحسَّنه من حديث أنس بن مالك قال: ((كانت قبيعة سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فضة)) ، وانظر: نقد الحديث في تحقيقنا للشمائل: 81. والقبيعة: هي التي تكون على رأس قائم السيف. (4) قال الجوهري في الصحاح 2 / 698: ((شعيرة السكين: الحديدة التي تُدْخَل في السيلان؛ لتكون مِسَاكاً للنصلِ)) . وانظر: التاج 12 / 190، وَفِي اللسان 4/415: ((الشعيرة: هنة تصاغ من فضة أَوْ حديد عَلَى شكل الشعيرة تدخل في السيلان فتكون مساكاً لناصب السكين والنصل)) . (5) هو: عَرْفَجَةُ بنُ أسعد بنِ كَرب - بفتح الكاف وكسر الراء بعدها موحدة -: صحابيٌّ، نزل البصرة. التقريب (4554) . الجزء: 17 ¦ الصفحة: 6 لَمَّا قُطِعَ أنْفُهُ أنْ يَتَّخِذَ أنْفاً مِنْ ذَهَبٍ (1) . وذَكَرَ أبو بَكْرٍ في " التَّنْبِيْهِ " أنَّهُ يُبَاحُ يَسِيْرُ الذَّهَبِ.   (1) هذا الحديث اختلف فيه اختلافا كثيراً: فأخرجه علي بن الجعد (3264) ، وابن أبي شيبة 8 / 499، وأحمد 4/342 و 5/23، وأبو داود (4232) ، وعبد الله بن أحمد في زياداته على المسند 5/23، وأبو يعلى (1501) و (1502) ، والطبراني في الكبير 17 / 371 من طريق عبد الرحمن بن طرفة بن عرفجة بن أسعد، أنّ جدّه عرفجة بن أسعد أصيب أنفه … مرسلاً، وهو المحفوظ، كما في تهذيب الكمال 17 / 192. وأخرجه أحمد 5/23، وأبو داود (4233) ، والترمذي (1770) وفي علله (533) ، وعبد الله بن أحمد في زياداته على المسند 5/23، والنسائي 8/163 و164، والطحاوي في شرح المعاني 4/257 و258، وابن حبان (5462) ، والطبراني في الكبير 17/ (369) و (370) ، والبيهقي 2/425 من طريق عبد الرحمن بن طرفة، عن عرفجة بن أسعد، قال: أصيب أنفي يوم الكلاب في الجاهلية … الحديث. وأخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند 5/23، والبيهقي 2/425 من طريق عبد الرحمن بن طرفة بن عرفجة، عن أبيه، عن جده. وأخرجه أبو داود (4234) ، والبيهقي 2 / 426 من طريق عبد الرحمن بن طرفة بن عرفجة بن أسعد، عن أبيه، أن عرفجة … فذكر معناه مرسلاً. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 7 وَجَمِيْعُ الأوَانِي والآلاتِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَجُلُودِها نَجِسَةٌ في ظاهِرِ الْمَذْهَبِ، وأَوَانِي الكُفَّارِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ نَجَاسَتَها طاهِرَةٌ مُبَاحَةُ الاسْتِعْمَالِ، وكَذلكَ ثِيَابُهُمْ (1) وعنهُ الكَرَاهَةُ. ويُسْتَحَبُّ تَخْمِيْرُ الأَوَاني، فإنْ نَجسَ بَعْضُهَا واشْتَبَهَتْ عليهِ لَمْ يَتَحَرَّ على الصَّحِيْحِ مِنَ المذْهَبِ، بلْ يُرِيْقُهَا وَيَتَيَمَّمُ، وعنهُ أنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْ غَيْرِ إرَاقَةٍ (2) ، فإنْ كَانَ معهُ إناءانِ: ماءٌ طاهِرٌ، وماءٌ مُسْتَعْمَلٌ، أو ماءُ الشَّجَرِ وماءٌ مُطْلَقٌ، فإنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْهُما ويُصَلِّي ولاَ يَتَحَرَّ، وكذلكَ إذا كانَ مَعَهُ ثِيَابٌ بَعْضُها نَجِسٌ وَبَعْضُها طاهِرٌ واشْتَبَهَتْ عليهِ كَرَّرَ فِعْلَ الصَّلاَةِ الحاضِرَةِ في ثَوْبٍ بَعْدَ ثَوبٍ بعَددِ النَّجَسِ، وزَادَ صَلاَةً لِيَحْصُلَ لَهُ تأدِيَةُ فَرْضِهِ. بَابُ الاسْتِطَابَةِ (3) والْحَدَثِ   (1) قال في المحرر 1 / 7: ((ولا بأس باستعمال آنية الكفَّار وثيابهم ما لم يتيقن نجاستها، وعنه الكراهة، وعنه المنع فيما ولي عوراتهم كالسراويل ونحوها، حتى يغسل دون ما علا)) . (2) جاء في المحرر 1/7: ((وإذا اشتبه طهور بنجس تيمم وَلَمْ يتحر. وهل يلزمه إعدام الطهور بخلطٍ أَوْ إراقة أم لا؟ عَلَى روايتين إحداهما: لا يلزمه، وَهُوَ المذهب. وَقِيلَ: تجري إذَا كَانَتْ أواني الطهور أكثر)) . (3) الاستطابة: سُمِّيَت استطابة من الطيب، تَقُوْل: فُلاَن يطيب جسده مِمَّا علم من الخبث، أي: يطهره، والاستطابة: الاستنجاء، وَهُوَ مشتق من الطيب؛ لأنه يطيب جسده بِذَلِكَ. اللسان 1/355. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 8 لاَ يَجُوْزُ لِمَنْ أرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ ولاَ اسْتِدْبَارُها إذا كَانَ في الفَضَاءِ، وإنْ كانَ بينَ البُنْيَانِ جازَ لَهُ ذلِكَ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1) ، والأُخْرَى لاَ يَجُوزُ لَهُ / 2 ظ / ذَلِكَ في الموضعَينِ. وإذا أرادَ دُخُولَ الخَلاءِ فإنْ كَانْ مَعَهُ ما فِيْهِ ذِكْرُ اللهِ تعالَى أَزَالَهُ (2) ، ويُقَدِّمُ رِجْلَهُ اليُسْرَى في الدُّخُولِ، واليُمْنَى في الخُرُوجِ، ويَقُولُ عِندَ دُخُولِهِ: ((بِسْمِ اللهِ (3)   (1) انظر: الروايتين والوجهين ل 7 / ب. (2) وذلك لأنه صحَّ أن نقش خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - كان: محمد (سطر) ، ورسول (سطر) ، والله (سطر) . صحيح البخاري 4/100 (3106) و 7 / 203 (5878) . وروي عن همام عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس: ((أن النبي كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه)) . الشمائل ص 76، والمغني 1 / 158-159. (3) وذلك لما رواه ابن ماجه (297) ، والترمذي (606) ، والبغوي (187) ، والمزي في تهذيب الكمال 7/90 من حديث علي بن أبي طالب مرفوعاً: ((ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء، أن يقول: بسم الله)) . وسنده ليس بذاك القوي كما قال الترمذي لضعف محمد بن حميد الرازي. وله طريق أخرى من حديث أنس بن مالك أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة: 20، والطبراني في الأوسط (2525) و (7062) ، والحديث بحث طرقه بحثاً موسعاً العلاَّمة الألباني في إرواء الغليل 1/87-90 انتهى فيه إلى تقوية الحديث فراجعه تجد فائدة. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 9 ، أَعُوْذُ باللهِ مِنَ الْخُبُثِ والْخَبائِثِ ومِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ)) (1) ، ولاَ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُو مِنَ الأرضِ (2) ، ويَعْتَمِدُ علَى رِجلِهِ اليُسْرَى ويَنْصِبُ اليُمْنَى، ولاَ يَتَكَلَّمُ فإنْ عَطَسَ حَمَدَ اللهَ بِقَلْبِهِ، وإذا انْقَطَعَ البَوْلُ مَسَحَ بيَدِهِ اليُسْرَى مِنْ أصْلِ الذَّكَرِ إلى رَأْسِهِ، ثُمَّ يَنْتِرُ (3)   (1) أخرجه ابن أبي شيبة 1/1، وأحمد 3/99 و101 و282، والدارمي (675) ، والبخاري 1/48 و8/88، وفي الأدب المفرد (692) ، ومسلم 1/195، وأبو داود (4) و (5) ، وابن ماجه (298) والترمذي (5) و (6) ، والنسائي 1/20، وفي الكبرى (19) ، وفي عمل اليوم والليلة (74) ، وابن الجارود (28) ، وأبو عوانة1/216، وابن حبان (1407) ، والبيهقي 1/95، والبغوي (186) ، من حديث أنس بن مالك، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء، قال: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)) . (2) روى الدارمي (666) ، وأبو داود (14) ، والترمذي (14) ، وفي علله الكبير (8) ، والبيهقي 1/96 من حديث الأعمش عن أنس، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتَّى يدنو من الأرض. وروي نحوه عند أبي داود (14) ، والترمذي (14) ، والبيهقي 1/96 من حديث الأعمش عن رجل، عن ابن عمر. قال الترمذي: ((وكلا الحديثين مرسل)) . (3) روى ابن أبي شيبة 1 / 161، وأحمد 4 / 347، وابن ماجه (326) من طريق عيسى بن يزداد اليماني، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا بال أحدكم فلينتر ذَكَرَهُ ثلاث مرّات)) ، وإسناده ضعيف لإرساله؛ إذ لا تصح صحبة لوالد عيسى. والنتر: جذب فيه قوة وجفوة. النهاية 5 / 12. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 10 ذَكَرَهُ ثلاثاً، ولاَ يُطِيْلُ المقَامَ إلاَّ بقَدَرِ الحاجَةِ، فإذا خَرَجَ، قالَ: ((غُفْرَانَكَ (1) ، الحمدُ للهِ الَّذِي أذْهَبَ عَنِّي الأَذَى وعَافَانِي)) (2) ، وإذا كانَ في الفضاءِ أبْعَدَ واسْتَتَرَ عَنِ العُيُونِ (3) وارتَادَ مَوْضِعاً رَخْواً لِبَوْلِهِ (4)   (1) غفرانك)) وردت مكررة في الأصل، ولم ترد في شيء من روايات الحديث، ولا كتب المذهب؛ ولأن الناسخ لم يضبب عليها ولم يصحح فوقها، فلعلها خطأ منه فآثرنا حذف التكرار. (2) الجزء الأول دليله ما أخرجه ابن أبي شيبة 1 / 2، وأحمد 6 / 155، والدارمي (686) ، والبخاري في الأدب المفرد (693) ، وأبو داود (30) ، وابن ماجه (300) ، والترمذي (7) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة (79) ، وابن خزيمة (90) ، وابن الجارود (42) ، وابن حبان (1444) ، والحاكم 1 / 158، والبيهقي 1 / 97، والبغوي (188) من حديث عائشة قالت: كان رسول الله إذا خرج من الخلاء قال: ((غفرانك)) . قال الترمذي: ((حسن غريب)) . والجزء الآخر أخرجه ابن ماجه (301) من حديث أنس بن مالك، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء، قال: ((الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني)) . وهو ضعيف. (3) روى أحمد 4 / 248، وأبو داود (1) ، وابن ماجه (331) ، والترمذي (20) ، والنسائي 1/18 من حديث المغيرة بن شعبة، قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فأتى النبي حاجته فأبعد في المذهب)) . قال الترمذي: ((حسن صحيح)) . (4) روى أحمد 4 / 396 و 399 و 414، وأبو داود (3) من طريق شعبة، عن أبي التياح الضبعي، عن رجل أسود طويل قَدِمَ مع ابن عَبَّاس، عن أبي موسى مرفوعاً: ((إذا أراد أحدُكم أن يبولَ فليرتدْ لبولِهِ)) . وعلَّق الترمذي عقب (20) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يرتاد لبوله مكاناً كما يرتاد منْزِلاً. وقوله: ((فليرتدْ)) ، أي: يطلب مكاناً ليّناً لئلا يرجع عليه رشاش بَوْله. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 11 ، ولَمْ يَسْتَقْبِلِ الشَّمْسَ، ولاَ القَمَرَ، ولاَ يَبُوْلُ في شِقٍّ ولاَ سَرَبٍ، ولاَ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ، ولاَ في ظِلٍّ، ولاَ قارِعَةِ طَرِيْقٍ (1) . وإذا أرَادَ الاسْتِنْجَاءَ تَحَوَّلَ عَنْ مَوْضِعِهِ. والاسْتِنْجَاءُ واجِبٌ في كُلِّ ما يَخْرُجُ مِنَ السَّبِيْلَيْنِ إلاَّ الرِّيْحَ، والأفْضَلُ أنْ يَبْدَأَ فيهِ بالقُبُلِ وَيَسْتَجْمِرَ بالحَجَرِ، ثُمَّ يُتْبِعَهُ الماءَ، فإنْ أرادَ الاقْتِصَارَ عَلَى أحدِهِما، فالْمَاءُ أفْضَلُ، فَإنْ عَدَلَ عَنْ الماءِ إلى الحَجَرِ أَجْزَأَهُ ولاَ يُجْزِئُ أقَلُّ مِنْ ثَلاثِ مَسَحَاتٍ، وإنْ نَقِيَ بدُونِها لَمْ يُجْزِهِ فإنْ لَمْ تَزَلْ العيْنُ بالثَّلاَثِ زادَ حَتَّى يَنْقَى، وصِفَةُ مَا يَجُوزُ بهِ الاسْتِجْمَارُ أنْ يَكُونَ جامِداً طَاهِراً مُنْتَقياً غَيرَ مَطْعُومٍ لاَ حُرْمَةَ لَهُ ولاَ مُتَّصِلاً بحَيَوَانٍ، وهذا يَدْخُلُ فيهِ الْحَجَرُ وما قَامَ مَقَامَهُ مِنَ الْخَشَبِ والخِرَقِ والتُّرَابِ وغيرِهِ، ويَخْرُجُ مِنهُ المأكولاَتُ والرَّوْثُ (2)   (1) أخرج أحمد 2 / 372، ومسلم 1 / 156 (269) ، وأبو داود (25) ، وأبو يعلى (6483) ، وابن خزيمة (67) ، وابن حبان (1415) ، والحاكم 1 / 185 - 186، والبيهقي 1 / 97، والبغوي (191) من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((اتَّقوا اللَّعَّانين، قالوا: وما اللَّعَّانان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلَّى في طريق الناس أو ظلهم)) . (2) أخرج أحمد 1/418 و427، والبخاري 1 / 51 (156) ، وابن ماجه (314) ، والنسائي 1/39 من حديث عبد الله بن مسعود، قال: أتى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الغائطَ فأمَرَني أنْ آتِيْه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست الثالث فلم أجده فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: ((هذا ركس)) . وروى الترمذي (18) من حديث ابن مسعود مرفوعاً: ((لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن)) . الجزء: 17 ¦ الصفحة: 12 والرّمَّةُ (1) وإنْ كَانا طَاهِرَيْنِ؛ لأنَّهُما مِنْ طَعَامِ الجِنِّ، ومَا فيهِ ذِكْرُ اللهِ تعالَى مِنَ الكَاغدِ وغَيْرِهِ وعنهُ (2) . إنَّ الاسْتِجْمَارُ يَخْتَصُّ بالْحَجَرِ، ويَجُوزُ الاسْتِجْمَارُ إذا لَمْ يَنْتَشِرْ الخارِجُ عَنِ المخْرَجِ إلاَّ بقَدَرِ مَا جَرَتْ بهِ العَادَةُ فإنِ انْتَشَرَ إلى صَفْحَتَيْهِ ومُعْظَمِ حَشَفَتِهِ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُ الماءِ، وعَلَى أيِّ صِفَةٍ حَصَلَ الإنْقَاءُ في الاسْتِجْمَارِ أجْزَأَهُ غيرَ أنَّ الْمُسْتَحَبَّ فيهِ أنْ يُمِرَّ حَجَراً مِنْ مُقَدَّمِ صَفْحَتِهِ اليُمْنَى إلى مُؤَخَّرِهَا، ثُمَّ يُدِيْرُهُ على اليُسْرَى حَتَّى يَرْجِعَ إلى الْمَوْضِعِ الذي بَدَأَ منهُ، ثُمَّ يُمِرَّ الثَّانِي مِنْ مُقَدَّمِ صَفْحَتِهِ اليُسْرَى كذلكَ، ثُمَّ يُمِرَّ الثَّالِثَ على المسربَةِ والصَّفْحَتَيْنِ، ولاَ يَسْتَجْمِرْ بيَمِيْنِهِ وَلاَ يَسْتَعِيْنُ / 3 و / بها في ذَلِكَ (3) ، فإنْ خَالَفَ وَفَعَلَ أَجْزَأَهُ.   (1) الرمة -بالكسر-: هي العظام البالية، والجمع: رِمَم ورِمام. الصحاح 5/1937، والنهاية 2/267. (2) انظر: الروايتين والوجهين ل 7 / ب، ونقل الجواز عن الميموني، عن الإمام، وقال في عدم الجواز: ((ونقل حنبل أنه لا يجوز وهو اختيار أبي بكر؛ لأنها عبادة تتعلّق بالأحجار، فلم يقم غيرها مقامها، ودليله: رمي الجمار. انتهى)) . (3) روى الحميدي (428) ، وأحمد 4/483 و 5/295 و296 و300 و311، والدارمي (679) و (2128) ، والبخاري 1/50 (154) و 7/146 (5630) ، ومسلم 1/155 (267) (63) ، وأبو داود (31) ، وابن ماجه (310) ، والترمذي (15) و (1889) ، والنسائي 1/25و43 من حديث أبي قتادة مرفوعاً: ((إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه ولا يستنج بيمينه)) . الجزء: 17 ¦ الصفحة: 13 فأمَّا الاسْتِعَانَةُ بِهَا في الماءِ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ؛ لأنَّ الحاجَةَ داعِيَةٌ إليْهِ، ويُفْعَلُ الاسْتِنْجَاءُ قَبْلَ الوُضُوءِ، فإنْ أخَّرَهُ إلى بعْدِهِ لَمْ يُجْزِهِ بهِ على إحدى الرِّوَايَتَيْنِ (1) ، والأُخْرَى يُجْزِئْهُ، فإنْ أَخَّرَهُ إلى بَعْدِ التَّيَمُّمِ، فَقِيْلَ: يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وقِيْلَ: لاَ يُجْزِئُهُ وَجْهاً واحِداً. بَابُ السِّوَاكِ وغَيْرِهِ السِّوَاكُ مَسْنُونٌ لِكُلِّ صَلاَةٍ، فَإنْ كَانَ صَائماً كُرِهَ لَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ (2) ، ويُسْتَحَبُّ أنْ يَسْتَاكَ عِنْدَ قِيَامِهِ مِنَ النَّوْمِ، وإذا خَلَتْ مَعِدَتُهُ مِنَ الطَّعَامِ، وإذا أكَلَ ما يُغَيِّرُ رَائِحَةَ فَمِهِ. ويَكُونُ سِوَاكُهُ بعُودِ أَرَاكٍ أوْ زَيْتُونٍ أوْ عُرْجُونٍ (3) ، ويَكُونُ يَابِساً قَدْ نَدِيَ بالماءِ، فإنْ كَانَ بحَيْثُ يَتَفَتَّتُ في الفَمِ أوْ يَجْرَحُهُ كُرِهَ. وإنِ اسْتَاكَ بإِصْبَعِهِ أوْ بخِرْقَةٍ لَمْ يُصِبِ السُّنَّةَ، وقِيْلَ: قَدْ أصَابَ (4) .   (1) انظر: الروايتين والوجهين ل 7 / ب - 8 / أ. (2) بعد هذا في الأصل كلمة مطموسة. (3) العُرْجُون: هو العود الأصفر الذي فيه شماريخ العذق. النهاية 3 / 203. (4) وحجة هذا القول ما رواه البيهقي 1 / 40 من حديث أنس مرفوعاً: ((يجزئ من السواك الأصابع)) ، وضعَّفه البيهقي نفسه، فقال: ((حديث ضعيف)) ، وله شواهد لا يفرح بها أوردها العلاّمة الألباني في إرواء الغليل (69) ، وبيَّن عللها. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 14 ويَسْتاكُ عَرْضاً (1) ، ويَكْتَحِلُ وُتْراً، ويَدَّهِنُ غِبّاً، ويُسَرِّحُ شَعْرَهُ، ويَحُفُّ الشَّارِبَ، ويَنْتِفُ الإبْطَ، ويُقَلِّمُ الأَظَافِرَ، ويَحْلِقُ العَانَةَ (2) ، ويَنْظُرُ في المِرْآةِ، ويَتَطَيَّبُ، ويَجِبُ الخِتَانُ ويُكْرَهُ القَزَعُ (3) ، ويُسْتَحَبُّ التَّيَامِنُ في وُضُوئِهِ، وسِوَاكِهِ، وانْتِعَالِهِ، ودُخُولِهِ المسْجِدَ (4) . بَابُ صِفَةِ الوُضُوْءِ   (1) وردت في ذلك أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، قال البيهقي 1 / 40: ((لا أحتج بمثلها)) . (2) وقد وردت هذه السنن في حديث خصال الفطرة عند مسلم 1 / 153 - 154 (261) . (3) القَزَع: وهو أن يحلق رأس الصبي ويترك في مواضع منه الشعر متفرقاً … وقزَعَ رأسَهُ تقزيعاً: إذا حلق شعره وبقيت منه بقايا في نواحي رأسه. الصحاح 3 / 1265. وروى البخاري 7 / 210 (5920) ، ومسلم 6 / 164 (2120) (113) ، عن ابن عمر، قال: ((سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن القَزَع)) . (4) لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: ((إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحب التيمن في طهوره، وفي ترجله إذا ترجّل، وفي انتعاله إذا انتعل)) . صحيح البخاري 1/53 (168) ، ومسلم 1/155 (268) . الجزء: 17 ¦ الصفحة: 15 يَجِبُ عَلَى مَنْ أرَادَ الوُضُوءَ أنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ أو الطَّهَارةِ لِكُلِّ أمْرٍ لاَ يُسْتَبَاحُ إلاَّ بالطَّهَارَةِ، كالصَّلاَةِ والطَّوَافِ ومَسِّ الْمُصْحَفِ، ويُسْتَحَبُّ أنْ يأتِيَ بالنِّيَّةِ عِنْدَ إرَادَتِهِ غَسْلَ يَدَيْهِ، فإنْ أخَّرَها إلى حينِ المضْمَضَةِ أجْزَأَهُ، ويُسْتَحَبُّ أنْ يَسْتَصْحِبَ النِّيَّةَ إلى آخِرِ طَهَارَتِهِ، فإنِ اسْتَصْحَبَ حُكْمَها دُوْنَ ذِكْرِها أجْزَأَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ يُعْقِبُ النِّيَّةَ بالتَّسْمِيَةِ، وهِيَ واجِبَةٌ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ (1) ، والأُخْرَى أنَّهَا سُنَّةٌ، ويَغْسِلُ كَفَّيْهِ ثَلاثاً، فإنْ كَانَ قَدْ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ كَانَ غَسْلُهُما ثلاثاً واجباً لاَ عَنْ حَدَثٍ ولاَ عَنْ نَجَسٍ لَكِنْ تَعَبُّداً، وينوي لذلكَ ويُسَمِّي في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2) ، وفي الأُخرَى: إنَّ غَسْلَهُما سُنَّةٌ، ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ ويَسْتَنْشِقُ ثلاثاً يَجْمَعُ بينَهُما بغَرْفَةٍ (3) واحِدَةٍ، وإنْ أحَبَّ بثلاثِ غَرْفَاتٍ لِكُلِّ عُضْوٍ ويُبَالِغَ فيهِما إلاَّ أنْ يَكُونَ صائِماً (4) ، وهما واجِبانِ في الطَّهَارتَيْنِ (5) وعنهُ أنَّ الاسْتِنْشَاقَ وَحْدَهُ واجِبٌ (6) / 3 ظ / وعنهُ أنَّهُما واجبانِ في   (1) انظر: الروايتين والوجهين ل 5 / أ. (2) انظر: الروايتين ل 5 / أ. (3) يقال: غرفتُ الماءَ غَرفاً واغترفتُ منه، والغَرْفَةُ: المرَّة والواحدة، والغُرْفَة - بالضمِّ -: اسم للمفعول منه؛ لأنَّكَ ما لَم تغرفه لا تسميه غرفة. الصحاح 4 / 1410. (4) لحديث لقيط بن صبرة مرفوعاً: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) . أخرجه أحمد 4 / 32، وأبو داود (143) ، والترمذي (38) ، وقال: ((حسن صحيح)) . (5) يعني: الغسل والوضوء. (6) انظر: الروايتين والوجهين ل 5 / أ، والمحرر 1 / 11. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 16 الكُبْرَى مَسْنُونانِ في الصُّغْرَى (1) ، ثُمَّ يَغْسِلُ وجْهَهُ ثلاثاً مِنْ مُنْتَهَى شَعْرِ رَأْسِهِ إلى الْخَدَّيْنِ مِنَ اللِّحْيَيْنِ والذَّقَنِ طُولاً ومِنْ وَتَدِ الأُذُنِ إلَى وَتَدِ الأُذُنِ عَرْضاً فإنْ كَانَ عليهِ شَعْرٌ كَثِيْفٌ لَمْ يَجِبْ غَسْلُ ما تَحْتَهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَخْلِيْلُهُ وإنْ كَانَ خَفِيْفاً يَصِفُ البَشرَةَ وَجَبَ ذَلِكَ، وسَواءٌ في ذَلِكَ شَعْرُ اللِّحْيَةِ والْحَاجِبَيْنِ والشَّارِبِ والعَنْفَقَةِ (2) ، ويَجِبُ غَسْلُ العِذَارِ (3) والعَارِضِ (4) ومَا اسْتَرْسَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ، فأمَّا التَّحْدِيْفُ (5) والصَّدغُ (6) فَعَلَى وَجْهَيْنِ (7) ، ويسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُ دَاخِلِ عَيْنَيْهِ إذا أَمِنَ الضَّرَرَ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلاثاً ويُدْخِلُ المِرْفَقَيْنِ في الغَسْلِ، فإنْ كَانَ أقْطَعَ مِنْ دُوْنِ المِرْفَقَيْنِ غَسَلَ مَا بَقِيَ منْهُما، وإنْ كَانَ مِنَ المِرْفَقَيْنِ سَقَطَ غَسْلُ اليَدَيْنِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ فَيَبْدَأُ بيَدَيْهِ مِنْ مُقَدّمهِ، ثُمَّ يُمِرُّهُما إلى قَفَاهُ، ثُمَّ يُعِيْدُهُما إلى الموضِعِ الذي بَدَأَ منهُ ويَمْسَحُ   (1) انظر: المصدرين السابقين. (2) العَنْفَقَة: هو الشعر الذي في الشفة السفلى، وقيل: هو الذي بينها وبين الذقن، وأصله خفة الشيء وقلّته. النهاية 3 / 309. (3) هو جانب اللحية. المعجم الوسيط 590. (4) العارض من اللحية مل ينبت عَلَى عرض اللحي فَوْق الذقن. اللسان 7/181. (5) التحذيف: هُوَ الشعر الداخل في الوجه مَا بَيْن انتهاء العذار والنزعة. المغني 1/99. (6) جاء في المغني 1/98: ((الصدغ: هُوَ الشعر الذي بَعْدَ انتهاء العذار، وَهُوَ مَا يحاذي رأس الأذنين، وينزل عن رأسها قليلاً)) . (7) لَمْ نعثر عَلَيْهِمَا في كِتَاب الروايتين والوجهين. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 17 أُذُنَيْهِ بِمَاءِ رأْسِهِ، واسْتِيْعَابُ الرَّأْسِ بالمسْحِ واجِبٌ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى يُجْزِئُ مَسْحُ أكْثَرِهِ (1) ، وهَلْ يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ مَسْحِ الرَّأْسِ وأخْذِ ماءٍ جَدِيْدٍ للأذُنَيْنِ أمْ لاَ؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ (2) . [و] (3) يُسْتَحَبُّ لَهُ مَسْحُ عُنُقِهِ بالماءِ، وعنهُ أنَّهُ لاَ يُسْتَحَبُّ (4) ، ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ ثَلاثاً، ويُدْخِلُ الكَعْبَيْنِ في الغَسْلِ ويُخَلِّلُ بَيْنَ أصَابِعِهِ، ويَبْدأُ يَميْنَ يَديْهِ وَرِجْلَيْهِ. ويَجِبُ تَرْتِيْبُ الوُضُوْءِ على مَا ذَكَرْنَا، فإنْ نَكَسَهُ لَمْ يَصِحَّ علَى المشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وعَنْهُ أنَّهُ يَصِحُّ (5) . وتَفْرِيْقُ الوُضُوْءِ إذا كَانَ كَثِيْراً مُتَفَاحِشاً يَمْنَعُ صِحَّتَهُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: لاَ يَمْنَعْ (6) ، وإنْ كانَ يَسِيْراً بحيثُ لَمْ يَنْشَفْ ما غَسَلَهُ قَبْلَهُ لَمْ يَبْطلْ رِوَايَةً واحدةً (7) .   (1) انظر: الروايتين والوجهين ل 5 / ب - 6 / أ. (2) انظر: الروايتين والوجهين 6 / أ. (3) زيادة منا؛ ليستقيم الكلام. (4) انظر: الروايتين والوجهين 6 / ب. قلنا: والأصح عدم استحباب المسح على العنق؛ لعدم ثبوت شيء في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل عدّه بعض العلماء بدعة. (5) الروايتان ذكرهما أبو يعلى الفراء، الأولي: وجوب الترتيب نقلها أبو طالب وإسحاق بن إبراهيم، والثانية: وجوب الترتيب، نقلها أبو دَاوُد وإبراهيم بن الحارث، كِتَاب الروايتين والوجهين 5 ب. (6) انظر: الروايتين والوجهين ل 7 / ب. (7) انظر: الروايتين والوجهين ل 5 / ب. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 18 فإذا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ اسْتُحِبَّ لَهُ أنْ يَرْفَعَ نَظَرَهُ إلى السَّماءِ ثُمَّ يَقُولَ: ((أشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُوْلُهُ)) (1) . ولاَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أنْ يُنَشِّفَ أعْضاءَهُ، وهَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2) . ويُكْرَهُ لَهُ نَفْضُ يَدَيْهِ، وتُبَاحُ مُعَاوَنَتُهُ في وُضُوْئِهِ، ولاَ تُسْتَحَبُّ فَخَرَجَ مِنْ هذهِ الْجُمْلَةِ أنَّ فُرُوْضَ الوُضُوءِ على الصَّحِيْحِ مِنَ الْمَذْهَبِ عَشَرَةٌ: النِّيَّةُ، والتَّسْمِيَةُ، والْمَضْمَضَةُ، والاسْتِنْشَاقُ، وغَسْلُ الوَجْهِ، وغَسْلُ اليَدَيْنِ، ومَسْحُ جَمِيْعِ الرَّأْسِ، / 4 و / وغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ، والتَّرْتِيْبُ، والْمُوَالاَةُ. وسُنَنُهُ عَشَرَةٌ: غَسْلُ اليَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِما الإنَاءَ، والسِّوَاكُ، والْمُبَالَغَةُ في الْمَضْمَضَةِ والاسْتِنْشَاقِ، وتَخْلِيْلُ اللِّحْيَةِ، وغَسْلُ دَاخِلِ العَيْنَيْنِ، والبِدَايَةُ باليَمِيْنِ، وأخْذُ مَاءٍ جَدِيْدٍ للأُذُنَيْنِ، ومَسْحُ العُنُقِ، وتَخْلِيْلُ مَا بَيْنَ الأَصَابِعِ، والغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ والثَّالِثَةُ. بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَغَيْرِهِمَا   (1) وذلك لما أخرجه أحمد 1 / 19-20، والدارمي (716) ، وأبو داود (170) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة (84) ، وأبو يعلى (180) و (249) ، وابن السني في عمل اليوم والليلة (31) من حديث عمر مرفوعاً: ((مَن توضّأ فأحسن الوضوء، ثم رفع نظره إلى السماء، فقال: ((أشهد أن لاَ إله إلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شريك له، وأشهد أنَّ مُحمَّداً عبده ورسوله، فتحت له ثمانية أبواب الجنة، يدخل من أيها شاء)) . (2) انظر: الروايتين والوجهين ل 7 / أ. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 19 يَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَالْجُرمُوقِ (1) ، وَالْجَوْرَبَيْنِ، وَالعِمَامَةِ، وَالْجَبَائِرِ، رِوَايَة وَاحَدَة. وَهَلْ يَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى القَلانِسِ الْمنومناتِ (2) وَالدَّنياتِ وخُمُرِ النِّسَاءِ الْمُدَارةِ تَحْتَ حُلُوقِهنَّ أَمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3) . وَيَتَوَقَّتُ الْمَسْحُ في الْجَمِيْعِ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيْمِ، وَثَلاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيْهِنَّ لِلْمُسَافِرِ، إِلاَّ الْجَبِيْرَةَ، فَإِنَّهُ يِمْسَحُ عَلَيْهَا إِلَى حِيْنِ اللّبْسِ، في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: مِنْ حِيْنِ الْمَسْحِ بَعْدَ الْحَدَثِ (4) . ومَنْ مَسَحَ وَهُوَ مُقِيْمٌ، ثُمَّ سَافَرَ، أَوْ مَسَحَ وَهُوَ مُسَافِرٌ، ثُمَّ أَقَامَ، أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيْمٍ. وَعَنْهُ: في مَنْ مَسَحَ وَهُوَ مُقِيْمٌ، ثُمَّ سَافَرَ أَنَّهُ يُتِمّ مَسْحَ مُسَافِرٍ (5) ، فَإِنْ شَكَّ هَلْ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ في الْحَضَرِ، أَوْ في السَّفَرِ، أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الْحَدَثُ في الْحَضَرِ.   (1) الجرموق: هُوَ مَا يلبس فَوْق الخف. الصحاح 4/1454. وجاء في التهذيب 1/433: ((هُوَ خفٌّ يلبسه فَوْق خفٍّ. (2) المثبت من الشرح الكبير 1/151، بهامش المغني وَفِي المخطوط: ((النوميات)) . (3) نقل إسحاق بن إبراهيم جواز ذَلِكَ، ونقل الميموني منع ذَلِكَ. انظر الروايتين والوجهين 7/أ. (4) الرِّوَايَة الأولى هِيَ: قَوْل الثَّوْرِيّ والشافعي وأصحاب الرأي. والثانية: رويت عن عُمَر - رضي الله عنه -، وَهِيَ اختيار ابن المنذر، الشرح الكبير 1/158. (5) الروايتان غَيْر موجودتين في " كِتَاب الروايتين والوجهين "، وهما موجودتان في الشرح الكبير من غَيْر ذكر من رواهما عن الإمام أحمد، الشرح الكبير 1/159. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 20 وَلاَ يَجُوْزُ الْمَسْحُ إِلاَّ عَلَى مَا يَسْتِرُ مَحلَّ الفَرْضِ مِنَ الرِّجْلَيْنِ، وَيثبتُ بِنَفْسِهِ، سَوَاءٌ كَانَ جلوداً، أَوْ لبوداً (1) ، أَوْ خَشَباً، أَوْ زُجَاجاً. فَإِنْ كَانَ فِيْهِ خَرْقٌ يَبْدُو مِنْهُ بَعْضُ القَدَمِ، أَوْ كَانَ الْمَقْطُوْعُ وَاسِعاً، بِحَيْثِ يُرَى مِنْهُ الكَعْبَانِ، أَوْ كَانَ الْجَوْرَبُ خَفِيْفاً يَصِفُ القَدَمَ، أَوْ وَاسِعاً يَسْقُطُ مِنْ رِجْلِهِ، لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ. فَإِنْ لبي مَعَ الْجَوْرَبَيْنِ نَعْلَيْن فَثَبَتَا بِهِمَا، جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا، فَمَتَى خَلَعَ النَّعْلَيْن بَطُلَ وُضُوْءُ هُ. وَلاَ يَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى اللَّفَائِفِ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُمَا نَعْلٌ؛ لأَنَّهَا لاَ تثبتُ بِأَنفُسِها، وَإِنَّمَا تثبُتُ بِشَدِّهَا. وَإِذَا لَبِسَ الْجُرمُوقَ فَوْقَ الْخُفِّ، أَوْ الْخُفَّ فَوْقَ الْجَوْرَبِ، جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الفَوْقانِيِّ، سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي تَحْتَهُ صَحِيْحاً، أَوْ مُخَرَّقاً، إِذَا كَانَ قَدْ لَبِسَ الفَوْقانِيَّ قَبْلَ أَنْ يُحدثَ (2) فَمَسَحَ عَلَى الذي تَحْتَهُ. وَمَنْ شَرَطَ جَوَازَ مَسْحِ العِمَامَةِ / 4 ظ / أَنْ تَكُوْنَ تَحْتَ الْحِنْكِ سَاتِرَةً لِجَمِيْعِ الرَّأْسِ إِلاَّ مَا جَرَتِ العَادَةُ بِكَشْفِهِ، كَمقدمِ الرَّأْسِ، وَالأُذُنَيْنِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَحْتَ   (1) اللبدة: هُوَ الشعر المتراكب بَيْن كتفي الأسد، واللبادة: مَا يلبس مِنْها للمطر. انظر: الصحاح 2/523 (لبد) . (2) في المخطوط: ((أحدث)) . الجزء: 18 ¦ الصفحة: 1 الْحِنْكِ، بَلْ كَانَتْ مُدوَّرةً، لا ذُؤَابَةَ لَهَا، لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ ذُؤابَةٌ فَعَلَى وَجْهَيْنِ (1) . وَالسُّنَّة أَنْ يَمْسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ، دُوْنَ أَسْفَلَيْهِ وَعَقِبهِ (2) ، فَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَوْضِعِ الأَصَابِعِ، ثُمَّ يَجُرُّهَا إِلَى سَاقِهِ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ الكَثِيْرِ مِنْ أَعْلاهُ أَجْزَأَهُ - وَكَذَلِكَ إِذَا مَسَحَ أَكْثَرَ العِمَامَةِ - وَقِيلَ: لا يُجْزِي إِلاَّ مَسْحُ جَمِيْعِهَا (3) ، وَلا يَجْزِي فِيْهِمَا مَا يُسَمَّى مَسْحاً إِلاَّ مِقْدَارَ ثَلاثَةَ أَصَابِعَ. وَإِذَا ظَهَرَ قَدَمُهُ، أَوْ رَأْسُهُ، أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ، اسْتَأْنَفَ الوُضُوْءَ، في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: يَجْزِيْهِ مَسْحُ رَأْسِهِ، وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ (4) .   (1) لحديث عَلِيّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: ((لَوْ كَانَ الدين بالرأي، لكان باطن الخفّ أولى بالمسح من ظاهره، وقد رأيتُ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح عَلَى ظاهر خُفِّه)) . والحديث أخرجه ابن أبي شَيْبَة 1/181، وأبو دَاوُد (162) ، والدارقطني 1/199، والبيهقي 1/292، وابن حزم في المحلى 2/111. (2) جاء في الشرح الكبير 1/167: ((أحدهما: جوازه؛ لأنها لا تشبه عمائم أهل الذمة، إِذْ لَيْسَ من عادتهم الذؤابة، والثاني: لا يجوز، وَهُوَ الأظهر. (3) انظر: الحاوي الكبير 1/453، والمحرر 1/13، والشرح الكبير 1/165. (4) الأولى عن صالح وحنبل وأبو دَاوُد ويوسف بن موسى، والثانية عن مُحَمَّد بن دَاوُد وجعفر بن دَاوُد المصيصي والميموني، بلفظ (أرجو) ، كِتَاب الروايتين والوجهين 11/ب. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 2 وَإِذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ بِالْجَبِيْرَةِ قَدرَ الْحَاجَةِ، مَسَحَ جَمِيْعَهَا، وَصَلَّى وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلا مدخل لِلْحَائِل في الطَّهَارَةِ الكُبْرَى، إِلاَّ الْجَبِيْرَةَ لِلضَّرُوْرَةِ. بَابُ مَا يَنقضُ الوضُوءَ وَالَّذِي يَنْقُضُ الوُضُوءَ سَبْعَةُ (1) أَشْيَاءَ: الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيْلَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ طَاهِراً كَالرِّيْحِ، أَوْ نَجَساً كَالبَوْلِ، وَالغَائِطِ، وَالْمَذِيِ، وَالوَدِيِ، وَالدُّوْدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَلِيْلاً كَانَ أَوْ كَثِيْراً، نَادِراً أَوْ مُعْتَاداً.   (1) قَالَ صاحب المقنع (16) : ((هِيَ ثَمَانِيَة)) ، وكذلك صاحب المحرر 1/13، وَقَالَ صاحب حلية الأولياء 1/180: ((والأحداث الموجبة للطهارة أربعة)) . الجزء: 18 ¦ الصفحة: 3 والثَّانِي: خُرُوجُ النَّجَاسَاتِ مِنْ بَقِيَّةِ البَدَنِ، إِنْ كَانَتْ بَوْلاً، أو عُذْرَةً، فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ قَلِيْلِهَا وكَثِيْرِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ، لَمْ ينقضْ قَلِيْلُهَا، وينقضُ كَثِيْرُهَا، وَهُوَ مَا فحشَ في النَّفِسِ، وذَكَرَ أَبُو عَلِيِّ بن أَبِي مُوْسَى (1) في " الإِرْشَادِ ": أَنَّ في قَلِيْلِهَا رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أنَّهُ يَنْقُضُ، وَالأُخْرَى: لاَ يَنْقَضُ (2) . وَالثَّالِثُ: زَوَالُ العَقْلِ، إلاّ بالنَّوْمِ اليَسِيْرِ جَالِساً، أَوْ قَائِماً، أَوْ رَاكِعاً، أَوْ سَاجِداً، وَعَنْهُ: أَنَّ نَوْمَ الرَّاكِعِ والسَّاجِدِ يَنْقَضُ بكُلِّ حَالِ، وَعَنْهُ: أَنَّ النَّوْمَ ينقضُ في سَائِرِ الأَحْوَالِ، إلاّ اليَسِيْرَ في الْجُلُوسِ (3) .   (1) هُوَ أبو عَلِيّ مُحَمَّد بن أَحْمَد بن أحمد بن أبي موسى البغدادي الهاشمي الحنبلي الْقَاضِي الشريف، آلت إِليهِ رئاسة المذهب، أخذ عن أبي الحَسَن التميمي، وغيره، وحدث عن ابن المظفر، وله من التصانيف: شرح لكتاب ابن الخرقي، والإرشاد إلى سبيل الرشاد، وَهُوَ المذكور في هَذَا الكِتَاب، وله نسخة خطية في المكتبة الوطنية، باريس برقم: 1105، الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي 1/336. تُوُفِّي في ربيع الآخر سنة 428 هـ‍. ينظر: المنهج الأحمد 2/4، شذرات الذهب 3/238. (2) ينظر في الروايتين: الشرح الكبير 1/178. (3) ينظر: كِتَاب الروايتين والوجهين 8/أ. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 4 وَالرَّابِعُ: أنْ تَمَسَّ بَشَرَتُهُ بَشَرَةَ أُنْثَى لِشَهْوَةٍ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ لا تَنْقُضُ مُلاَمَسَةُ النِّسَاءِ بِحَالٍ، وَعَنْهُ: تَنْقُضُ بكلِّ حَالٍ (1) . فأمَّا لَمْسُ الشَّعْرِ والسِّنِّ والظَّفَرِ والأَمْردِ، فَلا يَنْقُضُ، ويَتَخَرَّجُ أنْ يَنْقُضَ، إذَا كَانَ لِشَهْوَةٍ، وَفِي نَقْضِ وُضُوْءِ الْمَلْمُوسِ رِوَايَتَانِ (2) . وَالْخَامِسُ: مَسُّ فَرْجِ الآدَمِيِّ (3) ، قُبُلاً كَانَ أَوْ دُبُراً، كَبِيراً كَانَ أَوْ صَغِيراً، حَيّاً أَوْ مَيِّتاً، ولا فَرْقَ بَيْنَ بَطْنِ الكَفِّ وَظَهْرِهَا، ورَأْسِ الذَّكَرِ، وَأَصْلِهِ، في أصَحِّ الرِّوَايَتَينِ (4) . ولا ينقض / 5 و / مَسُّهُ بِذِرَاعِهِ، وعَنْهُ: أنَّهُ يَنْقُضُ (5) . وعَنْهُ: لا يَنْقُضُ مَسُّ الذكرِ الْمَقْطُوْعِ وَجْهَانِ (6) . وعَنْهُ: لا يَنْقُضُ مسُّ الفَرْجِ بِحَالٍ، فأمَّا لَمْسُ قُبُلِ الْخُنْثَى الْمشكل، فَيَنْبَنِي لَنَا عَلَى أَرْبَعَةِ أُصُولٍ: أحدها: مَسُّ النِّسَاءِ. وَالثَّانِي: مَسُّ الذَّكَرِ. والثَّالِثُ: مَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا، هَلْ يَنْقُضُ أمْ لا؟ والرَّابِعُ: هَلْ يَنْقُضُ وُضُوْءِ الْمَلْمُوسِ أمْ لاَ؟   (1) ينظر: الشرح الكبير 1/186. (2) ينتقض، ولا ينتقض، انظر: الشرح الكبير 1/188. (3) فِيهِ ثلاث روايات عن الإمام أحمد: الأولى: لا ينقض، والثانية: ينقض بك حال - وهاتان الروايتان موجودتان في هَذَا الكِتَاب- والثالثة: لا ينقض إلاّ أن يقصد مسه. ينظر: الشرح الكبير 1/183-184. (4) الروايتان غَيْر موجودتين في " كِتَاب الروايتين والوجهين ". (5) ينظر: الشرح الكبير 1/184. (6) الأول: ينقض، لبقاء اسم الذكر، والثاني: لا ينقض، لذهاب الحرمة، فَهُوَ كيد المرأة. ينظر: الشرح الكبير 1/185. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 5 وَجُمْلَتُهُ أنَّهُ مَتَى وُجِدَ في حَقِّهِ مَا يحتملُ النَّقْضَ وَمَا لا يحتملُ، تَمَسَّكْنَا بِيَقِينِ الطَّهَارَةِ، وَلَمْ نُزِلْهَا بالشَّكِّ، هَذَا إذَا قلنا: أنَّ الطَّهَارَةَ تَنْقُضُ باللَّمْسِ، فَلاَ يُتَصَوَّرُ النَّقْضُ إلاَّ إذَا مُسَّ الذَّكَرُ والقُبُلُ معاً. فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: لا مَدخَلَ للّمسِّ في النَّقْضِ، فَلا مَعْنَى لِذَكَرِ الْخُنْثَى المشكل. وَالسَّادِسُ: أَكْلُ لَحْمِ الْجَزُورِ، في أظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ (1) . فَإِنْ شَرِبَ مِنْ أَلْبَانِهَا فَعَلَى رِوَايَتَينِ (2) . وَإِنْ أَكَلَ مِنْ كَبِدِهَا أوْ طُحَالِهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ (3) . والسَّابِعُ: غَسْلُ الْمَيِّتِ. ومَنْ تَيَقَّنَ مِنَ الطَّهَارَةِ وَشَكَّ في الْحَدَثِ، أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ في الطَّهَارَةِ، بُنِيَ عَلَى اليَقِيْنِ، فَإِنْ تَيَقَّنَهَا، وَشَكَّ في السَّابِقِ مِنْهُمَا، رَجَعَ إلى حَالِهِ قَبْلَهُمَا، فَإِنْ كَانَ مُحدِثاً، فَهُوَ مُتَطهِّراً فَهُوَ مُحْدِثٌ. فَإِنْ تَيَقَّنَ أنَّه ابْتَدَأَ بِنَقْضِ الطَّهَارَةِ، وفعلها في وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَشَكَّ في السَّابِقِ مِنْهُمَا رجعَ إِلَى حَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّراً، فَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ، وإنْ كَانَ محدثاً، فَهُوَ عَلَى حَدَثِهِ. وَمَنْ أَحْدَثَ، حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ، والطَّوَافُ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ. بَابُ مَا يُوجِبُ الغُسْلَ وَيَجِبُ الغُسْلُ [في] (4) سَبْعَةِ أشْيَاءَ:   (1) في شرب لبن الجزور، وأكل كبده وطحاله وسنامه روايتان: الأولى نقلها صالح أن ينقض، والثانية نقلها عَبْد الله وحرب ويوسف بن موسى وأبو الحارث أنه لا ينقض كِتَاب الروايتين والوجهين 9/أ. (4) زيادة اقتضاها السياق. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 6 خُرُوْجُ الْمَنِي عَلَى وَجهِ الدَّفْقِ واللَّذَّةِ، فَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، نَحْو أَنْ يَخْرُجَ لِمَرَضٍ أَوْ إِبْرِدَةٍ (1) ، لَمْ يُوْجِبْ الغُسْلَ، فإِنْ أحَسَّ بانْتِقَالِ الْمَنِي عِنْدَ الشَّهْوَةِ، فأَمْسَكَ ذِكْرَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ، وَجَبَ الغُسْلُ في الْمَشْهُورِ مِنَ الرِّوَايتين (2) . فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الغُسْلِ فَهُوَ كَبَقِيَّةِ الْمَني، إذَا ظَهَرَ بَعْدَ الغُسْلِ، وَفِي ذَلِكَ ثَلاثُ رِوَايَاتٍ: أَحَدُهَا: لا يَجِبُ الغُسْلُ. وَالثَّانِي: يَجِبُ. والثَّالِثُ: إنْ ظَهَرَ قَبْلَ البَوْلِ وَجَبَ الغُسْلُ وإِنْ ظَهَرَ بَعْدَهُ لَمْ يَجِبْ (3) . وَالثَّانِي: بِتَغَيُّبِ الْحَشفَةِ في الفَرْجِ سَوَاء كَانَ قُبُلاً أَوْ دُبُراً مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ نَاطِقٍ، أَوْ بَهِيْمٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ حَيّاً أَوْ مَيِّتاً. والثَّالِثُ: / 9 و / إسْلاَمُ الكَافِرِ، سَوَاء كَانَ أصْلِيّاً، أَوْ مُرْتَدّاً، سَوَاءٌ اغْتَسَلَ قَبْلَ إِسْلاَمِهِ، أَوْ لَمْ يَغْتَسِلْ.   (1) وَهِيَ برد النَّدى والثَّرى، اللسان 3/84 (برد) . (2) ينظر: المحرر 1/18، والشرح الكبير 1/199-200. (3) ذكر أبو يعلى الفراء أن المني يخرج بَعْدَ الغسل قَبْلَ البول فِيهِ روايتان، الروايتين والوجهين 9/أ، وذكر صاحب الشرح الكبير بثلاث روايات من غَيْر تقييد بالبول في الأولى والثانية، فذكر في الأولى عدم وجوب الغسل في كُلّ حال، والثالثة وجوب الغسل إن خَرَجَ قَبْلَ البول، إلا أنه ذكر في نهاية المسألة: إن الْقَاضِي ذكر في هاتين المسألتين: أنه إن خَرَجَ بَعْدَ البول لَمْ يَجِبُ الغسل رِوَايَة واحدة، وإنْ خَرَجَ قبله فعلى روايتين، الشرح الكبير 1/201-202. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 7 وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ (1) : لا يَجِبُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ الغُسْلُ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ. وَالرَّابِعُ: الْمَوت. فَهَذِهِ يَشْتَرِكُ فِيْهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. وَتَخْتَصُّ النِّسَاءُ بِوُجُوبِ الغُسْلِ مِنَ الْحَيْضِ، والنِّفَاسِ، والوِلادَةِ، عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (2) . فأما الْمُغْمَى عَلَيْهِ والْمَجْنُونُ إذَا فَاقَا، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا يُلْزِمُهُمَا الغُسْلُ. والثَّانِي لا يُلْزِمُهُمَا.   (1) أبو بَكْر الفارسي: أحمد بن الْحُسَيْن بن سهل، من فُقَهَاء الشافعية صاحب " عيون المسائل في نصوص الشَّافِعيّ ". حكى عن محمود الخوارزمي أنه ذكر: انه تفقه عَلَى المزني، وَهُوَ أول من درس ببلخ. قَالَ: ويوافق هَذَا قَوْل من قَالَ إنه تُوُفِّي سنة خمس وثلاث مئة قَبْلَ ابن سريج. انظر: طبقات ابن قاضي شهبة 1/123، الأعلام 1/114، وطبقات الفُقَهَاء للعبادي: 45. وانظر قوله: المغني 1/206، والمحرر 1/17. (2) الظاهر أن الوجهين يعودان عَلَى الولادة فَقَطْ، فإن ابن قدامة قَالَ في المغني 1/208-209: ((ولا خِلاَف في وجب الغسل بالحيض والنفاس … فأما الولادة - إذَا عريت عن دم - فَلا يَجِبُ الغسل في ظاهر كلام الخرقي، وَقَالَ غيره: فِيْهَا وجهان)) . وَقَالَ صاحب الشرح الكبير 1/206 قَالَ: ((مسألة ((وَفِي الولادة وجهان)) يعني إذَا عريت من دمٍ)) . الجزء: 18 ¦ الصفحة: 8 والصَّحِيْحُ أنَّهُ إنْ لَمْ يُتَيَقَّنْ مِنْهُمَا الإْنْزَالُ، فَلا غُسْلَ عَلَيْهِمَا (1) . وَمَنْ لَزِمَهُ الغُسْلُ حَرُمَ عَلَيْهِ قِرَاءةَ آيَةٍ فَصَاعِداً. فَأَمَّا قِرَاءةُ بَعْضِ آيَةٍ، فَعَلَى رِوَايَتَينِ (2) . ولا يَحْرُمُ عَلَيْهِ العُبُورُ في الْمَسْجِدِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اللَّبْثُ فِيهِ، إلاَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ. بَابُ صِفَةِ الغُسْلِ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: كَامِلٌ وَمُجْزِئٌ، فَالْكَامِلُ يَأْتِي فِيهِ بِعَشَرَةِ أشْيَاءَ: النِّيَّةِ، والتِّسْمِيَةِ، وَغَسْلِ يَدَيْهِ ثَلاثاً، وَغَسْلِ مَا بِهِ مِنْ أَذًى، والوُضُوءِ، وَأَنْ يُحْثِي عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ يَرْوِي بِهَا أُصُوْلَ شَعْرِهِ، ويُفِيْضُ الْمَاءَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثَلاثاً، وَيدلكُ بَدَنَهُ بِيَدِهِ، وَيَبْدَأُ بِشِقِّهِ الأَيْمَنِ، وَيَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِع غُسْلِهِ فَيَغْسلُ قَدَمَيْهِ. والْمُجْزِي: أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ، وَيَنْوِي، ويُسَمِّي، ويعم بَدَنَهُ بِالغُسْلِ، وَبِأيِّ قَدرٍ مِنَ الْمَاءِ أَسْبغ، أَجْزَأَهُ، غَيْرَ أنَّ الْمُسْتَحَبَّ أنْ لا يَنْقُصَ في غُسْلِهِ مِنْ صَاعٍ، ولا في   (1) قَالَ في المغني 1/211: ((ولا يَجِبُ الغسل عَلَى المجنون والمغمى عَلَيْهِ، إذَا أفاقا من غَيْر احتلام، ولا أعلم في هَذَا خلافاً … ولأن زوال العقل في نَفْسه لَيْسَ بموجب للغسل، ووجود الإنزال مشكوك فِيهِ، فَلا نزول عَلَى اليقين بالشك، فإن تيقن مِنْهُمَا الإنزال، فَعَلِيْهِمَا الغُسْلُ، لأنه يَكُون من احتلام، فيدخل في جملة الموجبات المذكورة)) . (2) الأولى يحرم والثاني لا يحرم، انظر: المحرر 1/20. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 9 وُضُوئِهِ مِنْ مُدٍّ (1) . إذَا اغْتَسَلَ يَنْوِي بِغُسْلِهِ الطَّهَارَتَيْنِ، أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا، في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى لا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَأْتِي بالوُضُوءِ، إِمَّا قَبْلَ الغُسْلِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ في ذَلِكَ وُجِدَ مِنْهُ الْحَدَثُ الأَصْغَرُ، أَوْ لَمْ يُوْجَدْ (2) . مثلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَكَّرَ، أَوْ نَظَرَ، فانْتَقَلَ الْمَني، فإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ غُسْلٌ لالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وغُسْلُ جَنَابَةٍ، أَوْ وُجِدَ مِنْهُمَا عَلَى المَرْأَةِ غُسُلُ حَيضٍ، وغُسُلُ جَنَابَةٍ، أَوْ وُجِدَ مِنْهُمَا أَحْدَاثٌ تُوجِبُ الوُضُوءَ كالنَّومِ، وَخُرُوجِ النَّجَاسَاتِ، واللَّمْسِ، فَنَوَى بِطَهَارَتِهِ عَنْ أَحَدِهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ (3) : يَرْتَفِعُ مَا نَوَاهُ دُوْنَ مَا لَمْ يَنْوِهِ، وَقَالَ: تَرْتَفِعُ جَمِيْعُ الأَحْدَاثِ. وَمَنِ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعُةِ، فَهَلْ يَجْزِيهِ عَنِ الْجَنَابَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَصْلُهُمَا: إذَا نَوَى رَفْعَ تجديد (4) الوُضُوءِ، وَهُوَ مُحْدِثٌ، فَإنَّ حَدَثَهُ يَرْتَفِعُ بِذَلِكَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَين   (1) لرواية صفية بنت شَيْبَة عن عائشة (رضي الله عَنْهَا) وسالم بن أَبِي الجعد عن جابر: ((أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يغتسل بالصّاعِ ويَتَوضّأُ بالمُدِّ)) . حَدِيث عائشة أخرجه البُخَارِيّ في الغسل (251) . وحديث جابر أخرجه البُخَارِيّ في الغسل (252) ، وَالنَّسَائِيّ 1/128. (2) الروايتان غَيْر موجودتين في " كِتَاب الروايتين والوجهين ". ينظر: المقنع: 18، والشرح الكبير 1/224. (3) هُوَ أبو بَكْر الفارسي، وقد مرت ترجمته في: 23. (4) كَذَا في المخطوط. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 10 / 10 و / وَالأُخْرَى لا يَرْتَفِعُ (1) . وَيُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ، إذَا أَرَادَ أنْ يَطَأَ أُنْثَى، أَوْ يَأْكُلَ، أَوْ يَنَامَ، أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ وَيَتَوَضَّأَ (2) . بَابُ الأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَهِيَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ غُسْلاً: لِلْجُمُعَةِ، والعِيْدَيْنِ، والاسْتِسْقَاءِ، والكُسُوفَيْنِ، والغُسْلُ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ، وغَسْلِ الْمَجْنُونِ والْمُغْمَى عَلَيْهِ، إذَا أفَاقَا مِنْ غَيْرِ احْتِلامٍ، وغُسْلُ الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلاةٍ، والغُسْلُ للإحْرَامِ، وَلِدُخُولِ مَكَّةَ، والوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، والْمَبِيْتِ بِمُزْدَلِفَة، ولِرَميِ الْجِمَار، ولِلطَّوافِ. بَابُ التَّيَمُّمِ (3)   (1) الروايتان غَيْر موجودتين في " كِتَاب الروايتين والوجهين ". انظر: الشرح الكبير 1/224. (2) انظر: المقنع: 18. (3) التيمم: القصد والتوخي والتعمد. تاج العروس 9/114 (يمم) (طبعة قديمة) . وَفِي اصطلاح الفُقَهَاء: هُوَ القصد إلى مسح الوجه واليدين بشيء من الصعيد. الشرح الكبير 1/233. وَقَالَ صاحب الشرح الكبير 1/233: ((وأجمعت الأمة عَلَى جواز التيمم في الجملة)) . والأصل فِيهِ الكِتَاب والسنة والإجماع، أما الكِتَاب فلقوله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْه} (المائدة: 6) والسنة لحديث عَمَّار - رضي الله عنه - قَالَ: بعثني رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجة، فأجنبت - فلم أجد الماء - فتمرغت في الصعيد، كَمَا تمرغ الدابة الدابة، ثُمَّ أتيت النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فذكرت ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: ((أينما كَانَ يكفيك أن تَقُوْل بيديك هكذا)) ثُمَّ ضرب بيديه عَلَى الأرض ضربة واحدة. ثُمَّ مسح الشمال عَلَى اليمين. وظاهر كفيه ووجهه. رَواهُ البُخَارِيّ، باب إذَا خاف الجنب عَلَى نَفْسه المرض أو الموت أو خاف العطش تيمم 1/95-96 (346) ، وَمُسْلِم 1/193 (368) (110) أما الإجماع ((فَقَدْ أجمعت الأمة عَلَى جواز التيمم في الجملة)) . انظر: الشرح الكبير 1/233. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 11 وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَنْ جَمِيْعِ الأَحْدَاثِ، عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، أَوْ خَوْفِ الضَّرَرِ باسْتِعْمَالِهِ، ولا يَتَيَمَّمُ إلاّ بِتُرَابٍ طَاهِرٍ لَهُ غُبَارٌ يَتَعَلَّقُ بِالْوَجْهِ، فإنْ خَالَطَهُ مَا لاَ يَجُوْزُ التَّيَمُّمُ بِهِ كَالنُّوْرَةِ (1) والزِّرْنِيخِ والْجُصِّ ونحوِهَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاءِ إذَا خَالَطَتْهُ الطَّاهِرَاتُ.   (1) النّورة من الحجر الذي يحرق ويسوى من الكلس. اللسان (نور) 5/244. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 12 وَمَنْ أَرَادَ التَّيَمُّمَ لَزِمَهُ أَنْ يَنوِيَ بِتَيَمُّمِهِ اسْتِبَاحَةَ صَلاةٍ مَفْرُوْضَةٍ، فإِنْ نَوَى نَفْلاً، أَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ، لَمْ يُجِزْ أَنْ يُصَلِّيَ إلاّ نَافِلَةً، وإِنْ كَانَ جُنُباً، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْويَ الْجَنَابَةَ والْحَدَثَ، ثُمَّ يُسَمِّي، وَيَضْرِبُ بِيَدَيْهِ - وهُمَا مَفْرُوْجَتَا الأَصَابِعِ - ضَرْبَةً وَاحِدةً عَلَى التُّرَابِ وَيَمْسَحُ وَجْهَهُ بِبَاطِنِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ، وَظَاهِرِ كَفَّيْهِ، بِبِاطِنِ رَاحَتَيْهِ، هَذَا هُوَ الْمَسْنُونُ عَنْ أَحْمَدَ (1) رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ شَيْخُنَا (2) : هَذَا صِفَةُ الإجْزَاءِ (3) ، فَأَمَّا الْمَسْنُونُ فَهُوَ: أَنْ يَضْرِبَ ضَرْبَتَيْنِ (4) . يمسح بإِحْدَاهُمَا جَمِيْعَ مَا يَجِبُ غُسْلُهُ مِنَ الوَجْهِ، مِمَّا لا يشقُّ، وَيَمْسَحُ بِالأُخْرَى يَدَيْهِ إلى الْمِرْفَقَيْنْ (5) ، فَيَضَعُ بُطُوْنَ أَصَابِعِ يَدِهِ اليُسْرَى عَلَى ظُهُوْرِ أَصَابِعِ يَدِهِ اليُمْنَى، وَيَمُرُّها عَلَى ظَهْرِ الكَفِّ فَإِذَا بَلَغَ   (1) جاء في الشرح الكبير 1/276 ((المسنون عن أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - التيمم بضربة واحدة، قَالَ الأثرم: قُلْتُ لأبي عَبْد الله: التيمم ضربة واحدة؟ فَقَالَ: نعم للوجه والكفين)) . لحديث عَمَّار بن ياسر - رضي الله عنه - الموجود بهامش الصفحة 28 من هَذَا الكِتَاب. (2) هُوَ أبو يعلى الفراء، وقد ذكرنا ترجمته في مقدمة التحقيق الصفحة:، والمنهج الأحمد 2/13، وطبقات الحنابلة 2/193، وتاريخ بغداد 2/256، وشذرات الذهب 3/306. وانظر قوله في المغني 1/245. (3) يعني (المفروض) . (4) وذهب الشَّافِعيّ - رَحِمَهُ اللهُ - إلى أنَّ التيمم لا يُجْزِئ إلا بضربتين. الأم 1/49. (5) وَهُوَ الغرض، لقوله تَعَالَى: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم مِنْهُ} المائدة: 6. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 13 الكُوعَ (1) ، قَبَضَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ عَلَى حَرْف الذراع، ثُمَّ يَمُرُّهَا إلى مِرْفَقِهِ، ثُمَّ يُدِيرُ بَطْنَ كَفِّهِ إلى بَطْنِ الذِّرَاعِ، وَيَمُرُّ عَلَيْهِ، ويَرْفَعُ إبْهَامَهُ، فَإِذَا بَلَغَ الكُوْعَ أَمَرَّ الإِبْهَامَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِ يَدِهِ اليُمْنَى، ثُمَّ يَمْسَحُ بِيَدِهِ اليُسْرَى كَذلِكَ، ثُمَّ يَمْسَحُ إِحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بالأُخْرَى، ويُخَلِّلُ بَيْنَ أَصَابِعِهِمَا. وَيَجِبُ تَرْتِيبُ الوَجْهِ عَلَى اليَدَيْنِ، والْمُوَالاَةِ، / 11 ظ / في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2) .   (1) الكوع: طرف الزند الذي يلي أصل الإبهام. اللسان 8/316 (كوع) . (2) أحال صاحب الشرح الكبير 1/258 في اختلاف الرِّوَايَة في وجوب الترتيب والموالاة وعدمه إلى باب الوضوء. قَالَ: ((والتيمم مبني عَلَيْهِ [الوضوء] لأنه بدل مِنْهُ ومغيب عَلَيْهِ)) وجاء في 1/119: ((إن الترتيب في الوضوء – كَمَا ذكر الله تَعَالَى – واجب في قَوْل أحمد، قَالَ شَيْخُنا: لَمْ أر فِيهِ اختلافاً … وحكى أَبُو الخطاب رِوَايَة أخرى: أنه غَيْر واجبٍ)) وجاء في " كِتَاب الروايتين والوجهين " [5/ب] ((واختلف في وجوب ترتيب الوضوء … فنقل أبو طالبٍ وإسحاق بن إبراهيم وجوب الترتيب … ونقل أبو دَاوُد وإبراهيم بن الحارث سقوط الترتيب)) . الجزء: 18 ¦ الصفحة: 14 وَلاَ يَجُوزُ التَّيَمُّم لنافِلَةٍ في وَقْتٍ نُهِيَ عَنْ فِعْلِهَا فِيهِ، ولا لِفَرِيْضَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا. فإِذا دَخَلَ وَقْتُهَا، وَجَبَ عَلَيْهِ طَلَبُ الْمَاءِ في رَحْلِهِ، ورُفْقَتِهِ، وَمَا قَرُبَ عَنْهُ، فَإِنْ بُذِلَ لَهُ مَاءٌ، أَوْ بِيعَ مِنْهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ زِيَادَةٍ يَسِيْرَةٍ لا تُجْحِفُ بِمَالِهِ، لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وإنْ دَلَّ عَلَى مَاءٍ، لَزِمَهُ قصدُهُ، مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ، ومَالِهِ، وَلَمْ يَفتِ الوَقْتُ. فإِنْ وُجِدَ مَا يَحْتَاجُ إِليهِ للعَطَشِ، أَوْ بِيعَ مِنْهُ الْمَالُ بِزِيَادَةٍ كَثيرَةٍ، فَهُوَ كَالعَادِمِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ لا يَجِبُ الطَّلَبُ (1) . ويُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ إلى آخِرِ الوَقْتِ، إِنْ رَجَا وُجُوْدَ الْمَاءِ، وإِنْ يَئِسَ مِنْ وُجُوْدِهِ، اسْتُحِبَّ تَقْديْمُهُ. فَإِذَا تَيَمَّمَ، صَلَّى صَلاةَ الوَقْتِ، وَقَضاءَ الفَوَائِتِ، وَجَمعَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ، وتَنَفَّلَ حَتَّى يَخْرُجَ الوَقْتُ، فَإِذَا خَرَجَ اسْتَأْنَفَ التَّيَمُّمَ لِلصَّلاَةِ الأُخْرَى، في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: يُصَلِّي بِهِ حَتَّى يُحْدِثَ (2) . فَيَتَخَرَّجُ مِنْ هذِهِ الرِّوَايَةِ: أنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عِنْدَ الْمَاءِ، وأنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الوَقْتِ، وأنَّهُ إذَا نَوَى مُطْلَقاً، جَازَ أنْ يُصَلِّيَ بِهِ الفَرْضَ، ويُصَلِّي بِهِ مَا شَاءَ مِنَ الصَّلَوَاتِ في الوَقْتِ.   (1) رِوَايَة الوجوب عن صالح وابن منور، ورواية الاستحباب عن الميموني. الروايتين والوجهين 10/ أ. (2) الأولى: عن جَمَاعَة مِنْهُمْ أبو طالب والمروذي وأبو دَاوُد ويوسف بن موسى، والثانية: عن الميموني والفضل بن عَبْد الصمد. الروايتين والوجهين 10/أ. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 15 وَإِذَا نَسَى الْمَاءُ بِمَوْضِعٍ يُمكنهُ اسْتِعْمَالُهُ، وصَلَّى بالتَّيَمُّمِ، لَمْ يَجْزِهِ. وإِذَا تَيَمَّمَ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ الدُّخُولِ في الصَّلاةِ، بَطُلَ تَيَمُّمُهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الفَراغِ مِنْها، أَجْزأتْهُ صَلاتُهُ، وإنْ كَانَ فِيْهَا، لَزِمَهُ الْخُرُوجُ، وقِيْلَ: في ذَلِكَ رِوَايَتَانِ (1) . وإِذَا أَوْجَدَ مَا يَكْفِيهِ لِبَعْضِ بَدَنِهِ، لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي، إنْ كَانَ جُنُباً. وإنْ كَانَ مُحْدِثاً، فَهَلْ يَلْزمُهُ اسْتِعْمَاله؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2) . وَإِذَا كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ قَرِيْحاً غسل الصَّحِيحَ، وَتَيَمَّمَ لِلْقَرِيحِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى جرحِهِ نَجَاسَةٌ يستضرُّ بإِزَالَتِهَا، تَيَمَّمَ، وَصَلَّى، ولا إِعَادَةَ عَلَيْهِ. وإِذَا تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَصَلَّى، لَزِمَهُ الإِعَادَةُ عِنْدِي. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لاَ تَلْزَمُهُ الإِعَادَةُ (3) .   (1) الأولى عن أبي طالب المروذي وغيرهما، والثانية عن ابن منصور والميموني، وسبب وجود الاختلاف في الروايتين وعدم وجوده هُوَ رجوع الميموني عن قوله بالمعنى. الروايتين والوجهين 10/أ. (2) ينظر: الروايتين والوجهين ق1/ب – ق11/أ. (3) ينظر: المغني 1/274. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 16 وَإذَا خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ (1) ، وتَبَاطُؤَ (2) البَرْءِ باسْتِعْمَالِ الْمَاءِ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ، وإذَا خَافَ مِنْ شِدَّةِ [البَرْدِ] (3) ، تَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُسَافِراً، وَإِنْ كَانَ حَاضِراً، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ (4) . وَإِذَا حُبِسَ في الْمِصْرِ صَلَّى بالتَّيَمُّمِ وَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ (5) . وإِذَا خَشِيَ فَوَاتَ الْمَكْتُوبَةِ في الْحَضَرِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ، فَإِنْ خَافَ فَوَاتَ الْجَنَازَةِ فَعَلَى / 12 و / رِوَايَتَيْنِ (6) . وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلاَ تُرَاباً صَلَّى، وَهَلْ تَلْزَمهُ الإِعَادَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (7)   (1) جاء في "كِتَاب الروايتين والوجهين"10/ب: ((إن المريض إذَا خاف زيادة المرض فيْه روايتان الأولى جواز التيمم، ونقلت عن الميموني، والثانية مَا نقل عن الأثر من كلام يدل عَلَى أنه لا يجوز حَتَّى يخاف التلف)) . (2) تباطئ) في المخطوط. (3) زيادة اقتضاها السياق والمقام. (4) ينظر: الروايتين والوجهين ق10/أ. (5) جاء في المحرر 1/23 ((ومن حبس في المصر صلى بالتيمم، وَلَمْ يعد، ويتخرج أن يعيد، وعنه: لا يُصَلِّي حَتَّى يجد الماء، أَوْ يسافر)) . (6) غَيْر موجودتين في " كِتَاب الروايتين والوجهين ". (7) الأولى: يعيد، وَهِيَ رِواية الميموني وأحمد بن الْحُسَيْن، وَقَالَ أبو يعلى الفراء: ((وَهِيَ أصح)) . الثانية: لا يعيد، وَهِيَ رِوَايَة أبي الحارث، الروايتين والوجهين ق10/أ. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 17 وَمَنْ تَوَضَّأَ، وَلَبِسَ خُفَّيْنِ، أَوْ عِمَامَةً، ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ، ثُمَّ خَلَعَ الْخُفَّ، أَوْ العِمَامَةَ، بَطُلَ تَيَمُّمَهُ، وإِذَا اجْتَمَعَ جُنُب، وَمَيِّت، وَمَنْ عَلَيْهَا غُسْلُ الْحَيْضِ، فَلَمْ يَجِدُوا مِنَ الْمَاءِ إلاَّ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمْ، فَالْمَيِّتِ أَوْلَى بِهِ في إِحْدَى الروايتين، والأُخْرَى: الْحَي أَوْلَى بِهِ (1) . وَهَلْ يُقَدَّم الْجُنُبُ عَلَى الْحَائِضِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْجُنُبُ؛ لأنَّ غَسْلَهُ وَجَبَ بِنَصِّ القُرْآنِ، وغسل الْحَائِضِ بالاجْتِهَادِ. والثَّانِي: الْحَائِضُ لأنَّهَا تَقْضِي حَقَّ اللهِ –تَعَالَى– وَحَقَّ زَوْجِهَا في جَوَازِ وَطْئِهَا (2) . بَابُ إِزَالَةِ النَّجَاسَاتِ   (1) الأولى والثانية نقلهما مهنّا، وَقَالَ أبو يعلى الفراء: ((وَهُوَ أصح [تقديم الميت] ، لأنَّ الغسل خاتمة عمله)) . الروايتين والوجهين ق11/أ. = = وَقَالَ صاحب المغني 1/277: ((إن كَانَ ملكاً لأَحَدِهِم فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ؛ لأنَّهُ يحتاج إِليهِ لنفسه، فَلا يجوز لَهُ بذله لغيره، سَوَاء كَانَ مالكه الميت أو أحد الحيّين. (2) ينظر: المغني 1/277. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 18 لا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ في نَجَاسَةِ الكَلْبِ، والْخِنْزِيْرِ، وَمَا تولّدُ مِنْهُمَا؛ إذَا أَصَابَتْ غَيْرَ الأَرْضِ، أَنَّهَا يَجِبُ غَسْلُهَا سَبْعاً، إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ (1) . فَإِنْ جُعِلَ بَدَلُ التُّرَابِ أَشْنَاناً، أَوْ صَابُوناً، أَوْ غسلهِ ثَامِنَةً، لَمْ تَطْهُرْ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَتَطْهُرُ في الآخِرِ (2) .   (1) لحديث أبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - عن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إذَا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبع مراتٍ، أولاهن بالتراب)) . أخرجه أحمد 2/427، وَمُسْلِم 1/، كِتَاب الطهارة، باب حكم ولوغ الكلب، الحَدِيْث، وأبو دَاوُد 1/57: كِتَاب الطهارة، باب الوضوء بسؤر الكلب، وجاء في كِتَاب الروايتين والوجهين ق4/أأن الرِّوَايَة اختلفت في عدد مرات الغسل ففي رِوَايَة سبعة –وَقَالَ عَنْهَا صاحب الكِتَاب: (وَهُوَ أصح) – وَفِي أخرى ثَمَانِيَة، قَالَ: ((لما روي في خبر آخر: وليعفر الثامنة بالتراب)) . (2) الروايتان غَيْر موجودتين في الروايتين والوجهين، وهما موجودتان في المغني 1/46. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 19 واخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ في بَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ فَرُوِيَ: إِيْجَابُ غَسْلِهَا سَبْعاً، وَهَلْ يشترط التُّرَابُ عَلَى وَجْهَيْن (1) ، وَرُوِيَ: أَنَّهَا تَكَاثُرُ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ، كَالنَّجَاسَاتِ كُلِّهَا، إذَا كَانَتْ عَلَى الأَرْضِ (2) .   (1) وَهِيَ رِوَايَة حَنْبَل وأبي طالب، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد وصالح لا يَجِبُ فِيْهَا العدد، لأنها لَيْسَ من شرط إزالتها التراب. الروايتين والوجهين ق3/ب – ق4/أ. (2) جاء في المغني 1/45-46: ((وَقَالَ أبو حَنِيْفَة لا يَجِبُ العدد في شيء من النجاسات، إنما يغسل حَتَّى يغلب الظن نقاؤه من النجاسة، لأنَّه روي عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لأنها نجاسة، فلم يَجِبُ فِيْهَا العدد، كَمَا لَوْ كَانَتْ عَلَى الأرض)) . وجاء في المقنع: 19، أنها ثلاث روايات، الثالثة: غسلها ثلاثاً، وكذلك هُوَ في المحرر 1/4. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 20 وَلاَ يَطْهُرُ شَيْءٌ مِنَ النَّجَاسَاتِ بِالاسْتِحَالَةِ، إِلاَّ الْخَمْرَ إذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا، فَإنْ خُلِّلَتْ لَمْ تَطْهُرْ (1) . وَقِيلَ: وَلاَ يَطْهُرُ جِلْدُ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِالذَّكَاةِ، وَلاَ تَطْهُرُ جُلُوْدُ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى يَطْهُرُ مِنْها جِلْدُ مَا كَانَ طَاهِراً في حَالِ الْحَيَاةِ (2) . وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتُهَا (3) نَجَسٌ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَطَاهِرٌ في الأُخْرَى (4) . وعظمُ الْمَيْتَةِ وَقَرْنِهَا وَظُفُرُهَا نَجَسٌ، وَيحتملُ كَونَهَا كَالشَّعْرِ. وَصُوفُهَا، وَشَعْرُهَا، وَرِيْشُهَا طَاهِرٌ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَنُقِلَ عَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نَجَسٌ (5) . وَلاَ يَنْجَسُ الآدَمِيُّ بِالْمَوْتِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، ويَنْجَسُ بالأُخْرَى (6) . وَمَا لاَ نفسَ لَهُ سَائِلَةٌ، كَالذُّبَابِ، وَالبَقِّ، وَالعَقَارِبِ، والْخَنَافِسِ، والزَّنَابِيْرِ لا يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ، وكذلك السَّمَكُ، والْجَرَادُ.   (1) ينظر: المحرر 1/6. (2) وَهِيَ عن جَمَاعَة مِنْهُمْ صالح وعبد الله والأثرم وحنبل وابن منصور وأبو الصقر. والثانية عن الصاغاني، الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق4/ب) . (3) شيء يستخرج من بطن الجدي الرضيع أصفر، فيُعصر في صُوفةٍ مبتلَّةٍ في اللبَنِ، فيغلظ كالجبن. التاج 7/190-191 (نفح) . (4) الروايتان غَيْر موجودتين في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين. وانظر: المحرر 1/6 في اختلاف الرِّوَايَة. (5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق4/أ-ب) . (6) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين: (ق34/أ-ب) ، والمحرر 1/6، وَلَمْ يرد في المقنع: 20 إلا عدم نجاسة الآدمي بالموت. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 21 وَمَنِيُّ الآدَمِيِّ، وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ نَجَسٌ (1) . ويُجْزِئُ فَرْكُ يَابِسِهِ. وَيُجْزِئُ في بَولِ الغُلامِ، والَّذِي لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ النَّضْحُ (2) . وَإِذَا أَصَابَ أَسْفَلَ الْخُفِّ، أَوْ الْحِذَاءِ / 13 و / نَجَاسَةٌ وَجَبَ غَسْلُهُ، وَعَنْهُ: - يُجْزِئُ دَلْكُهُ بِالأَرْضِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلهُ مِنَ البَوْلِ والعَذْرَةِ، ويُجْزِئُ دَلْكُهُ من غَيْرِ ذَلِكَ (3) . ولا يُعفَا عَنِ يَسِيرِ شَيْءٍ مِنَ النَّجَاسَاتِ إِلاَّ الدَّمَ والقَيْحَ وأَثَرَ الاسْتِنْجَاءَ. واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ في رِيْقِ البَغْلِ، والْحِمَارِ، وسِبَاعِ البَهَائِمِ، وَجَوَارِحِ الطَّيْرُ، وَعَرَقِهِمْ، وَبَولِ الْخُفَّاشِ والنَّبِيْذِ وَالْمَنِي، إذَا قُلْنَا: أَنَّهُ نَجَس، فَرُوِيَ: أَنَّهُ لا يُعْفَى عَنْ يَسِيْرِ ذَلِكَ. وَرُوِيَ: أَنَّهُ كَالدَّمِ (4) .   (1) ينظر: المحرر 1/6. (2) فعن أم قيسٍ بنت محصن، أنها أتت بابن لها صَغِير لَمْ يأكل الطعام، فأجله رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - في حجره، فبال قَالَ فلم يرد عَلَى أن نضح بالماء)) . أخرجه البُخَارِيّ 1/326، كِتَاب الوضوء: باب بول الصبيان، حَدِيث (223) ، وَمُسْلِم وأبو دَاوُد (374) . (3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق24/ب) . (4) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق24/أ) ، والمقنع: 20، والمحرر 1/7. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 22 وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَرَوْثُهُ، طَاهِرٌ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ نَجَسٌ، كَبَوْلِ مَا لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ (1) . و [أسَايِرِ] (2) سِبَاعِ البَهَائِمِ، وَجَوارِحِ الطَّيْرِ، وَالبَغْلِ، والْحِمَارِ الأَهْلِيِّ، نَجَسَة، وَعَنْهُ: أَنَّهَا طَاهِرَةٌ، مَا عَدَا الكَلْبَ والْخِنْزِيْرَ (3) ، وَعَنْهُ: في البَغْلِ والْحِمَارِ أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيْهِمَا، إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَ سُؤْرِهِمَا، تَيَمَّمَ مَعَهُ (4) . وسُؤْرُ الْهِرِّ، وما دُوْنَهَا (5) في الْخِلْقَةِ (6) ، طَاهِرٌ. وَسَائِرُ الدِّمَاءِ نَجَسَةٌ إِلاَّ الكَبدَ، والطّحَالَ وَدَمَ السَّمَكِ، فأمَّا دَمُ البَرَاغِيْثِ، والبَقُّ، والذُّبَابِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ (7) .   (1) غَيْر موجودتين في " الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين "، وانظر: المقنع: 20، والمحرر 1/6. (2) هكذا وردت، والظاهر أنها جمع سؤر، إلا أننا لَمْ نجد جمع سؤر عَلَى أساير أو أسائر وإنما يجمع عَلَى: (أسْآر) ومقلوبه: آسار، ينظر: التاج 11/483 (سأر) . (3) الأولى عن حَنْبَل وصالح، والثانية عن إِسْمَاعِيْل بن سعيد وأبي الحارث. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق3/ب) . (4) الأولى: النجاسة، عن صالح وعبد الله وحنبل، والثانية: نقلها حرب، الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق3/ب) . وقوله تيمم مَعَهُ، يعني مَعَ المَوْضُوْع من هَذَا الماء. (5) في المخطوط: (وما دونهما) بالتثنية. (6) جاء في المغني 1/44: ((السنور، وما دونها في الخلقة، كالفأرة وابن عرس، فهذا ونحوه من حشرات الأرض، سؤر طاهر)) . (7) غَيْر موجودتين في " الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين ". وينظر: المحرر 1/6. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 23 وَمَا لا يَرْفَعُ الْحَدَثَ مِنَ الْمَائِعَاتِ لا يُزِيْلُ حُكْمَ النَّجَاسَةِ، وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تُزَالُ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيْلٍ كَالخَلِّ، وَنَحْوِهِ (1) . وَمَا أُزِيْلَ بِهِ النَّجَاسَةُ فَانْفَصَلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ بَعْدَ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ فَهُوَ طَاهِرٌ، إذَا كَانَ الْمَحَلُّ أَرْضاً، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَرْضٍ، فَعَلَى وَجْهِيْنِ، أصَحُّهُمَا: أنَّهُ طَاهِرٌ (2) . فَإِن انْفَصَلَ قَبْلَ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ، فَهُوَ نَجَسٌ بِكُلِّ حَالٍ. بَابُ الْحَيْضِ (3) وَكُلُّ دَمٍ تَرَاهُ الأُنْثَى قَبْلَ تِسْعِ سِنِيْنَ، وَبَعْدَ خَمْسِيْنَ سَنَةً (4) ، فَلَيْسَ بِحَيْضٍ، وأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَعَنْهُ يَوْمٌ (5) . وأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً، وَقِيلَ: سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْماً (6) .   (1) غَيْر موجودتين في " الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين ". وينظر: المقنع: 19. (2) غَيْر موجودتين في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين. (3) الحيض: دم طبيعةٍ، يخرج مَعَ الصِّحَّة من غَيْر سبب ولادةٍ من قعر الرحم، يعتاد أنثى إذَا بلغت في أوقات معلومة. انظر: كشاف القناع 1/196. (4) جاء في المقنع: 20: أكثر من تحيض بِهِ المرأة خمسون سنة، وَعَنْهُ: ستون في نساء العرب. (5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق 13/أ) ، وجاء فِيهِ: ((ويحتمل قوله: أن أقله يوم، أراد بِهِ بليلته؛ فتكون المسألة روايةٌ واحدةٌ. واليوم عِنْدَ العرب مقداره من طلوع الشمس إلى غروبها. أو من طلوع الفجر الصادق إلى غروبها. وهذا الأخير هُوَ الحد الشرعي. التاج 9/115 (يوم) (الطبعة القديمة) . (6) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق13/أ) ، وذكر صاحب أن رِوَايَة الخمسة عشر أصح. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 24 وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً (1) . ولا حَدَّ لأَكْثَرِهِ والْمُسْتَحَاضَةُ تَرْجِعُ إلى عَادَتِهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا عَادَةٌ، وَرَجَعَتْ إلى تَمْيِيزِهَا (2) ، فَكَانَ حَيْضُهَا أَيَّامَ الدَّمِ الأَسْوَدِ، واسْتِحَاضَتُهَا زَمَانَ الدَّمِ الأَحْمَرِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ ولا تَمْيِيْزٌ، وَهِيَ الْمُبْتَدِأَةُ (3) فَأَنَّهَا تَجْلِسُ أقَلَّ الْحَيْضِ في إِحْدَى الرِّوَايَاتِ، والثَّانِيَةِ: غَالِبَهُ (4) . والثَّالِثَةِ: أَكْثَرَهُ. والرَّابِعَةِ: عَادَةَ نِسَائِهَا، /14 ظ/ كَأُمِّهَا، وَأُخْتِهَا، وَخَالَتِهَا، وَعَمَّتِهَا (5) . فَإِنْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ فَنَسِيَتْ وَقْتَهَا، وَعَدَدهَا، فَهِيَ: الْمُتَحَيِّرَة، فَتَجْلِسُ أَقَلَّ الْحَيْضِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: غَالِبَهُ (6) . وَقَالَ شَيْخُنَا (7) : هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُبْتَدِأَةِ؛ لأَنَّهَا لا عَادَةَ لَهَا، ولا تَمْيِيْزَ.   (1) جاء في المقنع: 20: أكثر من تحيض بِهِ المرأة خمسون سنة، وَعَنْهُ: ستون في نساء العرب. (2) التمييز: أن يتميز أحد الدمين عن الآخر في الصفة. انظر: المغني 1/326. (3) المبتدأة: هِيَ من كَانَتْ في أول حيضٍ، أَوْ نفاس، أَوْ هِيَ التي لَمْ يتقدم لها حيض قَبْلَ ذَلِكَ. انظر: حاشية ابن عابدين 1/19 (طبعة دار إحياء التراث العربي) ، كشاف القناع 1/204 (علام الكُتُب 1983م) . (4) يعني: ستة أيام، أو سبعةً. (5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق 12/أ – ب) . (6) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق 12/ب) . (7) هُوَ: أبو يعلى الفراء. وَلَمْ نعثر عَلَى قوله في كتابه " الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين ". الجزء: 18 ¦ الصفحة: 25 فَإِنْ كَانَتْ نَاسِيَةً الوَقْتَ ذَاكِرَةً لِلْعَدَدِ، فَقَالَتْ: حَيْضِي خَمْسٌ مِنْ نِصْفِ الشَّهْرِ الأَوَّلِ، لا أَعْلَمُ عَيْنَهَا، قلنا: اجْلِسِي مِنْهُ خَمْساً بِالتَّحَرِّي في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخِر تَجْلِسُ الْخَمْسَ الأُوَلَ مِنْهُ (1) . فإنْ قَالَتْ: حَيْضِي مِنْهُ عَشْرَةٌ، لا أَعْلَمُ عَيْنَهَا، قلنا: الْخَمْسَةُ الأَوَاسِطُ (2) حَيْضٌ بِيَقِينٍ، وَبَقِيَّةُ الشَّهْرِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، والنِّصْفِ الثَّانِي طُهْرٌ بِيَقِيْنٍ. فَإِنْ قَالَتْ: حَيْضِي مِنْهُ أَحَدَ عَشَرَ يوماً، قلنا لَهَا (3) : سَبْعَةُ أيَّامٍ حَيْضٌ بِيَقِيْنٍ، وَهِيَ: مِنَ الْخَامِسِ إلى الْحَادِي عَشَرَ. وكَذَلِكَ كُلَّمَا زَادَ عَلَى ربع الشَّهْرِ، أَضْعَفْنَاهُ، وَجَعَلْنَاهُ حَيْضاً بِيَقِيْن، والبَاقِي مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَعَلَى هَذَا كُلُّ زَمَانٍ لا يَصْلُحُ لِغَيْرِ الْحَيْضِ، فَهُوَ حَيْضٌ. وَكُلُّ زَمَانٍ لا يَصْلُحُ لِغَيْرِ الطُّهْرِ، فَهُوَ طُهْرٌ. وَكُلُّ زَمَانٍ يَصْلُحُ لَهُمَا، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ مِنْهُ قَدْرَ عَادَتِهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ (4) ، وَقَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا: تَجْلِسُ مِنْ أَوَّلِهِ قَدْرَ عَادَتِهَا.   (1) غَيْر موجودتين في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين. وانظر: المغني 1/340. (2) في المخطوط: ((الأوسط)) . (3) في المخطوط: ((لَكَ)) . (4) هُوَ أبو بَكْر الفارسي مرت ترجمته: 23. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 26 وَإِنْ كَانَتْ ذَاكِرَةً لِلْوَقْتِ نَاسِيَةً لِلْعَدَدِ فَلابُدَّ أنْ تَذْكُرَ أَحَدَ طَرَفَيْهِ، وتَنْسَى الآخَرَ، فَإِنْ قَالَتْ: كُنْتُ أوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ حَائِضاً، ولا أَعْلَمُ آخِرَهُ، فَالنِّصْفُ الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِيْنٍ، واليَوْمُ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ حَيَضٌ بِيَقِيْنٍ، وَتَمَامُ النِّصْفِ الأَوَّلِ مَشْكُوكٌ فِيهِ؛ فَحُكْمُهَا فِيهِ حُكْم الْمُتَحَيِّرَةِ؛ تَجْتَهِدُ فَتَجْلِسُ مِنْهُ غَالِبَ الْحَيْضِ أَوْ أَقَلُّهُ عَلَى اخْتِلافِ الرِّوَايَتَيْنِ (1) ، فَيَكُونُ ذَلِكَ حَيْضاً مَشْكُوكاً فِيهِ، وَبَقِيَّةُ النِّصْفِ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَتْ: كُنْتُ آخِرَ يَومٍ مِنَ الشَّهْرِ حَائِضاً، ولا أَعْلَمُ أَوَّلَهُ، فَمَعْنَى الْمَسْأَلَتَيْنِ سَوَاءٌ، وإِنْ اخْتَلَفَتْ صُوْرَتُهُمَا. وَحُكْمُ الْحَيْضِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، إذَا جَلَسَتْ مِنْهُ شَيْئاً بِالتَّحَرِّي، أَوْ كَوْنَهُ أوَّلاً عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الوَجْهَيْنِ، حُكْمُ الْحَيْضِ بِيَقِيْنٍ في تَرْكِ العِبَادَاتِ (2) . وَكَذَلِكَ حُكْمُ الطُّهْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ / 15 و / حُكْمُ الطُّهْرِ بِيَقِيْنٍ في فِعْلِ العِبَادَاتِ. وَمَتَى رَأَتْ يَوْماً طُهْراً، وَيَوْماً دَماً، وَلَمْ تُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَإِنَّهَا تَضُمُّ الدَّمَ إلى الدَّمِ فَيَكُونُ حَيْضاً، والبَاقِي طُهْرٌ. وإِنْ جَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حُكْمِهَا. والْحَامِلُ لا تَحِيْضُ.   (1) رِوَايَة أقل الحيض، وَهُوَ يوم وليلة، رواها حَنْبَل، وغالب الحيض، وَهُوَ ستة أيام أو سبعة، رواها مُحَمَّد بن الحكم وعبد الله، الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق 12/ ب) . (2) انظر: المغني 1/341. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 27 وَيَجُوْزُ أنْ تَسْتَمْتِعَ مِنَ الْحَائِضِ بِمَا دُوْنَ الفَرْجِ (1) ، فَإِنْ وَطِئَهَا في الفَرْجِ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ دِيْناَراً، أَوْ نِصْفَ دِيْنَارٍ (2) في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى لا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَغْفِر الله – تَعَالَى – (3) . والْحَيْضُ يَمْنَعُ فِعْلَ الصَّلاةِ، وَوُجُوبِهَا، وفِعْلَ الصِّيَامِ، دُوْنَ وُجُوبِهِ، وَقِرَاءةَ القُرْآنِ، وَمَسَّ الْمُصْحَفِ، واللَّعْثَ في الْمَسْجِدِ، والطَّوَافَ بِالبَيْتِ، والوَطْءَ في الفَرْجِ، وسنّةُ الطَّلاقِ، والاعْتِدَادِ بِالأَشْهرِ. وَيُوْجِبُ الغُسْلَ، وَالبلُوْغَ والاعْتِدَادَ بِهِ. وإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ أُبِيْحَ لَهَا فِعْلُ الصَّوْمِ، وَلَمْ تُبِحْ بَقِيَّةُ الْمُحَرَّمَاتِ حَتَّى تَغْتَسِلَ.   (1) لقوله تَعَالَى: {فاعتزلوا النساء في المحيض} البقرة: 222، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((اصنعوا كُلّ شيء إلا النكاح)) . أخرجه مُسْلِم 1/169 (302) (16) (273) ، الحَدِيْث (2052) ، وأحمد 3/132، وأبو دَاوُد الطَيَالِسِيّ (258) . (2) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذَا وقع الرجل بأهله – وَهِيَ حائض – إن كَانَ دماً أحمر فليتصدق بدينار، وإن كَانَ أصفر فنصف دينار)) . أخرجه أحمد 1/229-230، والدارمي 1/254، وأبو دَاوُد (264) ، وَالنَّسَائِيّ 1/153. وجاء في التهذيب 1/441: ((إن كَانَ في أول الدم يتصدق بدينار، وإن كَانَ في آخره، أَوْ بعدما انقطع الدم – قَبْلَ الغسل – بنصف دينار، وَهُوَ قَوْل الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق)) . (3) انظر: الروايتين والوجهين (ق12/أ) . الجزء: 18 ¦ الصفحة: 28 وتَغْسلُ الْمُسْتَحَاضَةُ فَرْجَهَا، وَتَعْصبُهُ، وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلاَةٍ، وَتُصَلِّي مَا شَاءتْ مِنَ الفَرَائِضِ، والنَّوافِلِ؛ وكَذَلِكَ حُكْمُ مَنْ بِهِ سَلَسُ البَوْلِ، أَوْ الرِّيْحُ، والْمَذِي، والْجَرْحُ الذي لا يَرْقَى دَمُهُ، وَمَنْ بِهِ الرُّعَافُ (1) الدَّائِمُ. ولا يُبَاحُ وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ في الفَرْجِ إذَا لَمْ يَخَفِ العَنَتَ عَنْ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، ويُبَاحُ في الأُخْرَى (2) . بَابُ النِّفَاسِ (3) وأَقَلُّ النِّفَاسِ قَطْرَةٌ. وأَكْثَرُهُ أَرْبَعُوْنَ يَوْماً. فَإِنْ جَاوَزَ الدَّمَ الأَكْثَرَ، وَصَادَفَ زَمَانَ عَادَةِ الْحَيْضِ. فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةً؛ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، وَلاَ تَدْخُلْ الاسْتِحَاضَةُ في مُدَّةِ النِّفَاسِ. وَحُكْمُ النُّفَسَاءِ حُكْمُ الْحَائِضِ في جَمِيْعِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا، وَيَسْقُطُ عَنْهَا. وإِذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ في مُدَّةِ الأرْبَعِيْنَ، ثُمَّ عَادَ؛ فَالأَوَّلُ (4) نِفَاسٌ، وَالثَّانِي مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ نِفَاسٌ (5) .   (1) الرعاف: خروج الدم من الأنف. اللسان 9/123 (رعف) . (2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق12/ب) ، والعنت هنا: الزنا. (3) النفاس: اسم لدم يخرج عقيب الولادة؛ وحكمه حكم الحيض، غَيْر أنهما يختلفان بالتقدير. انظر: التهذيب 1/477. (4) في المخطوط ((والأول)) بالواو. (5) غَيْر موجودتين في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين. وانظر: المقنع: 22 وفيه: وعَنْهُ: أنه مشكوك فِيهِ، تصوم وتصلي، وتقضي الصوم المفروض. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 29 وَيُكْرَهُ الوَطْءُ في مُدَّةِ الانْقِطَاعِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ مُبَاحٌ (1) . وَإِذَا وَلَدَتْ تَوْأَمِيْنِ؛ فَالنِّفَاسُ مِنَ الأَوَّلِ، وآخِرِهِ مِنْهُ، وَحُكِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ مِنَ الأَخِيْرِ (2) ، والأَوَّلُ أَصَحُّ. كِتَابُ الصَّلاَةِ / 16 ظ / الصَّلاَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ (3) ، وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ شَرْطٌ رَابِعٌ، وَهُوَ: خُلُوُّهُمَا مِنَ الْحَيْضِ، والنِّفَاس. فَأَمَّا الكَافِرُ فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ؛ سَوَاءٌ كَانَ أَصْليّاً، أَوْ مُرْتَدّاً وَقَدْ خَرَّجَ أَبُو إِسْحَاق بنُ شَاقْلا (4) في الْمُرْتَدِّ: رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ (5) .   (1) غَيْر موجودتين في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين. ولا في الشرح الكبير، إلا أنه ورد فِيهِ: أن الْقَاضِي ذكر في تحريمه رِوَايَتَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيح أنه لا يحرم. إلا أن صاحب المحرر ذكر الرِّوَايَتَيْنِ 1/27. (2) الظاهر: أن الرِّوَايَة اختلفت في الآخر، كَمَا جاء في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق 13/ أ) . وزاد: ((فعلى هذِهِ الرِّوَايَة [الثانية] يَكُون آخره من الولد الثَّانِي، وإن زاد عَلَى الأربعين من ولادة الأول. وعلى الرِّوَايَة الأولى؛ إذَا كَانَ بَيْن الولدين أربعين يوماً؛ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الثَّانِي نفاس)) . (3) لقوله تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} النساء: 103. (4) شيخ الحنابلة، أبو إسحاق، إبراهيم بن أحمد بن عُمَر بن حمدان بن شاقلا البغدادي البزاز، كَانَ رأساً في الأصول والفروع يعرف بابن شاقلا، نِسْبَة إلى جده المذكور. تُوُفِّي في رجب سنة (369هـ‍) ، وله 54 سنة. (5) انظر: الشرح الكبير 1/378 – 379. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 30 وَمَتَى صَلَّى الكَافِرُ حَكَمْنَا بِإِسْلامِهِ؛ سَوَاءٌ كَانَ في دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ في دَارِ الإِسْلاَمِ، أَوْ صَلَّى جَمَاعَةً، أَوْ فُرَادَى (1) . وَلاَ تَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونِ (2) ؛ فَإِنْ زَالَ عَقْلُهُ بِنَوْمٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ سَكَرٍ، أَوْ شربِ دَوَاءٍ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ.   (1) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا؛ فذلك المُسْلِم)) . البُخَارِيّ 1/108 (391) ، والنَّسَائِيّ 8/105. وَفِي الكبرى (11728) ، والبيهقي 2/3. (2) لحديث النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((رُفِعَ القلم عن ثلاث: عن الصبي حَتَّى يَبْلُغ، وعن النائم حَتَّى يستيقظ، وعن المجنون حَتَّى يفيق)) . أخرجه أحمد 6/100-101، والدارمي 2/171، وأبو دَاوُد (4398) ، وَالنَّسَائِيّ 6/156. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 31 وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالصَّلاَةِ، ويُضْرَبُ عَلَى تَرْكُهَا لِعَشْر (1) . وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ (2) . وتَصَحُّ صَلاَتُهُ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ؛ فَإِنْ بَلَغَ في أَثْنَائِهَا، أَوْ صَلَّى في أَوَّلِ الوَقْتِ؛ وَبَلَغَ في آخِرِهِ؛ لَزِمَهُ إِعَادَتُهَا.   (1) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مروا أولادكم بالصّلاةِ، وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عَلَيْهَا، وهم أبناء عشر سنين، وفرِّقُوا بينهم في المضاجع)) . أخرجه أحمد2/187، وأبو دَاوُد حَدِيث (495) ، والترمذي حَدِيث (407) . (2) غَيْر موجودتين في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين، وانظر: المقنع: 22، والمحرر 1/30-31. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 1 أَوْ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَأْخِيْرُهَا عَنْ وَقْتِهَا؛ إذَا كَانَ ذَاكِراً لَهَا قَادِراً عَلَى فِعْلِهَا؛ إلاَّ مَنْ أَرَادَ الْجَمْعَ لِعُذْرٍ؛ فَإِنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا جَاحِداً لِوُجُوبِهَا؛ كَفَرَ (1) ، وَوَجَبَ قَتْلُهُ، وإِنْ تَرَكَهَا تَهَاوُناً، لا جُحُوْداً لِوُجُوبِهَا، دُعِيَ إلى فِعْلِهَا؛ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا حَتَّى تَضَايَقَ وَقْتُ التي بَعْدَهَا؛ وَجَبَ قَتْلُهُ، وَعَنْهُ: لا يَجِبُ قَتْلُهُ حَتَّى يَتْرُكَ كُلّ الصَّلَوَاتِ وَيَتَضَايَقُ وَقْتُ الرَّابِعَةِ (2) . وإِذَا وَجَبَ قَتْلُهُ؛ لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ؛ فَإِنْ تَابَ؛ وإِلاَّ قُتِلَ بالسَّيْفِ. وَهَلْ وَجَبَ قَتْلُهُ حَدّاً أوْ لِكُفْرِهِ؛ على رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لِكُفْرِهِ كَالْمُرْتَدِّ. والثَّانِيَة: حَدّاً (3) ، وحُكْمُهُ حُكْمُ أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِيْنَ. بَابُ مَوَاقِيْتِ الصَّلاَةِ الصَّلَوَاتُ الْمَكْتُوبَةُ خَمْسٌ (4)   (1) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((بَيْن العبد وبين الكفر ترك الصَّلاَة)) . أخرجه أحمد 3/370، 389، وَمُسْلِم 1/62 (82) (134) ، والبيهقي 3/366. (2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق32/ب) . (3) غَيْر موجودتين في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين، وانظر: المقنع: 22، والمحرر 1/33. (4) فَقَدْ رَوَى طلحة بن عَبْد الله قَالَ: جاء رَجُل إلى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد ثائر الرأس، يَسْمَع دوي صوته، ولا نفقه مَا يَقُول حَتَّى دنا، فإذا هُوَ يسأل عن الإسلام فَقَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خَمْسُ صلوات في اليوم والليلة)) فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غيرهنَّ؟ فَقَالَ: ((لا إلا أنْ تَطَوَّعَ … )) . البُخَارِيّ 1/18 (46) ، وَمُسْلِم 1/31-32 (11) (8) ، وأبو دَاوُد الحَدِيْث (391) ، وَالنَّسَائِيّ 1/226-228. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 2 ؛ الفَجْر، وَهِيَ: رَكْعَتَانِ، وأَوَّلُ وَقْتِهَا؛ إذَا طَلَعَ الفَجْرُ الثَّانِي، وآخِرُهُ إذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ. والتَغْلِيْسُ (1) بِهَا أَفْضَلُ، وَعَنْهُ: أَنَّ الْمُعْتَبِر بِحَالِ الْمَأْمُوْمِيْنَ، فَإِنْ أَسْفَرُوْا؛ فَالأفْضَلُ الإسْفَار (2) . ثُمَّ الظُّهْرُ، وَهِيَ: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وأَوَّلُ وَقْتِهَا إذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وآخِرُهُ إذَا صار ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ. والأَفْضَلُ تَعْجِلُهَا؛ إِلاّ في شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَعَ الغَيْمِ لِمَنْ أَرَادَ الْخُرُوْجَ إلى الْجَمَاعَةِ. ثُمَّ العَصْرُ، وَهِيَ: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَأَوَّلُ وَقْتِهَا إذَا خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ / 17 و / وآخِرُهُ إذَا صَارَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ، وَعَنْهُ: أَنَّ آخِرَهُ مَا لَمْ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَخْرُجُ وَقْتُ الاخْتِيَارِ (3) ، وِيَبْقَى وَقْتُ الْجَوَازِ إلى الغُرُوْبِ. وَهِيَ الوُسْطَى (4) . وَتَعْجِيْلُهُا أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ.   (1) الغلس: ظلام آخر الليل، وَهُوَ أول وقت الصبح. اللسان 6/156 (غلس) . (2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق13/ب) . (3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق 13/ب) . (4) اختلف في المقصود بالصلاة الوسطى، في قوله تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} (البقرة: 238) ، فمنهم من قَالَ هِيَ العصر، ومنهم من قَالَ هِيَ الظهر، ومنهم من قَالَ هِيَ المغرب، وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ. انظر: تفسير الطبري 2/553-568، والدر المنثور في التفسير بالمأثور 1/719-729. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 3 ثُمَّ الْمَغْرِبُ، وَهِيَ ثَلاَثُ رَكَعَاتٍ، وَأَوَّلُ وَقْتِهَا إذَا غَابَتِ الشَّمْسُ، وآخِرُهُ إذَا غَابَ الشَّفَقُ الأَحْمَرُ. والأَفْضَلُ تَعْجِيْلُهَا؛ إِلاَّ لَيْلَةَ النَّحْرِ في حَقِّ الْمُحْرِمِ إذَا قَصَدَ مُزْدَلِفَةَ. ثُمَّ العِشَاءُ، وَهِيَ: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ. وَأَوَّلُ وَقْتِهَا إذَا غَابَ الشَّفَقُ، وآخِرُهُ ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَعَنْهُ: نِصْفُهُ (1) . والأَفْضَلُ تَأْخِيْرُهَا إلى آخِرِهِ، ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ الاخْتِيَارِ، وَيَبْقَى وَقْتُ الْجَوَازِ إلى طُلُوعِ الفَجْرِ الثَّانِي (2) . وَمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاةِ تَكْبِيْرَةَ الإِحْرَامِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الوَقْتُ؛ فَقَدْ أَدْرَكَهَا.   (1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق 13 / ب) . (2) قَالَ البَغَوِيّ في التهذيب 2/6: ((وأبين آيةٍ في المواقيت في القُرْآن قوله عز وجل: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (الروم:17) إلى آخر الآيتين. قوله: ((سبحان الله)) أي: سبّحوا الله؛ يعني: صلُّوا لله، ((حِيْنَ تُمْسُونَ)) أراد: صلاة المغرب والعشاء. ((وحِيْنَ تُصْبِحُونَ)) : صلاة الصبح، ((وعشياً)) : صلاة العصر، {وحِيْنَ تُظْهِرُونَ} (الروم: 18) صلاة الظهر)) . = = ورُوِيَ عن عَبْد الله بن عَمْرو بن العاص، عن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((وقت الظُّهر إذَا زالت الشمس، كَانَ ظل الرجل كطوله، مَا لَمْ يحضر العصر. ووقت العصر مَا لَمْ تصفر الشمس. ووقت صلاة المغرب مَا لَمْ يغب الشفق. ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط. ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر مَا لَمْ تطلع الشمس)) . أخرجه مُسْلِم 2/105 (611) (173) ، وأحمد 2/210، وأبو دَاوُد الطَيَالِسِيّ: 297-298 (2249) ، وأبو دَاوُد (396) . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 4 وَمَنْ شَكَّ في الوَقْتِ؛ فَلاَ يُصَلِّي حَتَّى يَتَيَقَّنَ، أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُوْلُهُ. فَإِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ عِلْمٍ عِنْدَهُ بِدُخُوْلِ الوَقْتِ؛ عَمِلَ بِهِ، وإِنْ أَخْبَرَهُ عَنِ اجْتِهَادٍ؛ لَمْ يُقَلِّدْهُ، واجْتَهَدَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُ الوَقْتِ. وإِذَا اجْتَهَدَ في الوَقْتِ وصَلَّى؛ فَبَانَ أَنَّهُ وَافَقَ الوَقْتَ، أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهِ، أَجْزَأَهُ، وإِنْ وَافَقَ قَبْلَ دُخُولِ الوَقْتِ لَمْ يُجْزِئْهُ. وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ وَقْتِ الصَّلاةِ تَكْبِيْرَةَ الإحْرَامِ، ثُمَّ جُنَّ، أَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَحَاضَتْ؛ فَعَلَيْهِ القَضَاءُ. وإِذَا بَلَغَ صَبِيٌّ، أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ، أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ، أَوْ نُفَسَاءُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِمِقْدَارِ تَكْبِيْرَةِ الإِحْرَامِ؛ لَزِمَهُمْ الصُّبْحُ، وإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ، أَوْ قِيلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لَزِمَهُمْ الْمَغْرِبُ والعِشَاءُ والظُّهْرُ والعَصْرُ. ومَنْ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ الصَّلاَةِ – وَهُوَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا – لَزِمَهُمْ القَضَاءُ عَلَى الفَوْرِ مُرَتَّباً؛ سَوَاءٌ قَلَّّتِ الفَوائِتُ، أَوْ كَثُرَتْ؛ فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْحَاضِرَةِ؛ سَقَطَ وُجُوبُ التَّرْتِيْبِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى لا يَسْقُطُ (1) . فَإِنْ نَسِيَ التَّرْتِيْبَ؛ سَقَطَ وُجُوبُهُ عَنْهُ. بَابُ الأَذَانِ   (1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق 18/ب) . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 5 الأَذَانُ والإِقَامَةُ فَرْضٌ (1) عَلَى الكِفَايَةِ لِكُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ، فَإِنْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِ؛ قاتَلَهُمْ الإِمَامُ، والأَذَانُ خَمْسَ عَشْرَةَ (2) كَلِمَةً لا تَرْجِيْحَ (3) فِيهِ. التَكْبِيْرُ في أَوَّلِهِ أَرْبَعٌ، والشَّهَادَتَانِ / 18 و / أَرْبَعٌ، والدُّعَاءُ إلى الصَّلاَةِ أَرْبَعٌ، والتَكْبِيْرُ في آخِرِهِ مَرَّتَانِ، وَكَلِمَةُ الإِخْلاَصِ مَرَّةً، وَيَثُوْبُ في أَذَانِ الفَجْرِ؛ فَيَقُولُ: بَعْدَ الْحَيْعَلَةِ – الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، مَرَّتَيْنِ.   (1) وَهُوَ سنة عَنْهُ أبي حَنِيْفَة والشافعي. انظر: الشرح الكبير 1/391. (2) في المخطوط: ((خمسة عشر)) . (3) الترجيع: هُوَ إعادة الشهادتين مرتين بأعلى صوتٍ من المرتين الأوليين. انظر: القوانين الفقهية: 54. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 6 والأَفْضَلُ في الإِقَامَةِ الإِفْرَادُ (1) ، وأَنْ يَكُونَ إِحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً، التَكْبِيرُ في آخِرِهَا مَرَّتَانِ، وَكَلِمَةُ الإِخْلاَصِ مَرَّةٌ، فَإِنْ ثَنَّى فِيْهَا؛ فَلا بأْسَ، ويُسْتَحَبُّ أنْ يُرَتِّلَ (2) الأَذَانَ، ويُحْدِرَ (3) الإِقَامَةَ، وأَنْ يُؤَذِّنَ، ويُقِيْمَ قَائِماً (4) مُتَطَهِّراً (5) ، ويَتَوَلاّهُمَا معاً (6) .   (1) وجاء في القوانين الفقهية: 54-55: ((وكلماتها وتر، إلا التكبير، فإنه مثنى، وعددها في المذاهب عشر كلمات، ومذهب الشَّافِعيّ وابن حَنْبَل تثنية التكبير، وقوله (قد قامت الصَّلاَة)) ) . (2) الترتيل: التأني والتمهيل والترسيل، وتبين الحروف والحركات. انظر: غَرِيْب الحَدِيْث، لابن الأثير 2/194. (3) الحدر: الإسراع. انظر: غَرِيْب الحَدِيْث، لابن الأثير 1/353. (4) جاء في الحاوي الكبير 2/53: ((ومن السُّنَّة أن يؤذن قائماً اقتداءً بمؤذني رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -)) . (5) للحديث الذي أخرجه التِّرْمِذِي 1/241 (200) ، والبيهقي 1/397، عن أبي هُرَيْرَة عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((لا يؤذن إلا مُتَوضئ)) . وإسناده ضَعِيْف مرفوعاً، وأخرجه التِّرْمِذِي 1/241 (201) موقوفاً عَلَى أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ أصح. وانظر: تلخيص الحبير 1/216. (6) لما رُوِيَ عن زياد بن الحارث الصُّدَائِي قَالَ: أمرني رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - أن أُؤَذّنَ في صلاةِ الفَجْر؛ فأذنت، فأَراد بلال أن يقيم، فَقَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أخا صداءٍ قد أذن، ومَنْ أذّن، فَهُوَ يقيم)) . أخرجه أحمد 4/169، وأبو دَاوُد (514) ، والترمذي 1/240 (199) ، والبيهقي 1/399. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 7 وَيُؤَذِّنُ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ (1) . وَيَجْعَلُ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً أُذُنَيْهِ (2) ، ويَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ، فَإِذَا بَلَغَ الْحَيْعَلَةَ الْتَفَتَ يَمِيْناً وَشَمَالاً (3) ، وَلَمْ يُزِلْ قَدَمَيْهِ عَنْ مَوْضِعِهِمَا، وَلَمْ يَسْتَدْبِرِ القِبْلَةَ، ويُقِيْمُ في مَوْضِعِ أَذَانِهِ؛ إِلاَّ أَنْ يَشُقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، مِثْل أن يَكُونَ قد أَذَّنَ في الْمَنَارَةِ. ولا يُجْهِدُ نَفْسَهُ في رَفْعِ صَوْتِهِ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ. وَلاَ يَقْطَعُ الأَذَانَ بِكَلامٍ، وَلا غَيْرِهِ؛ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَكَانَ كَثِيْراً، وَكَانَ الكَلاَمُ سبّاً، أَوْ مَا أشْبَهَهُ؛ لَمْ يعتدَّ بِأذَانِهِ. ولا يُعْتَدُّ بِأذَانِ الفَاسِقِ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، ويُعْتَدُّ بِهِ في الآخِرِ (4) ؛ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ إِمَامَتِهِ، وكَذَلِكَ في الأَذَانِ الْمُلَحَّنِ وَجْهَانِ (5) .   (1) فَقَدْ روي أنّ ((بلالاً كَانَ يؤذن عَلَى سطح امرأةٍ من بني النجار، بيتها من أطول بيت حول المسجد)) . رَواهُ أبو دَاوُد (519) ، والبيهقي 1/425. (2) لقول أبي جحيفة: ((إنَّ بلالاً وَضَعَ إصْبَعيه في أذنيه)) . رَواهُ أحمد 4/308، والترمذي 1/237-238، وَقَالَ: ((حَدِيث حَسَن صَحِيْح)) . (3) لقول أبي جحيفة: ((رأيت بلالاً يؤذن، فجعلت أتتبع فاه هاهنا، وهاهنا، يَقُول يميناً وشمالاً حيَّ عَلَى الصَّلاَة، حيَّ عَلَى الفلاح)) . أخرجه البُخَارِيّ 1/163، وَمُسْلِم 2/56. (4) غَيْر موجودين في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين. وانظر: المقنع: 23، والمحرر 1/38. (5) غَيْر موجودين في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين، وانظر: المقنع: 23، والمحرر 1/38. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 8 وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الأَذَانِ: ((اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، والصَّلاةِ القَائِمَةِ؛ آتِ مُحَمَّداً الوَسِيْلَةَ، والفَضِيْلَةَ، وابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُوْدَ الَّذي وَعَدْتَهُ. واسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ بِكَأسِهِ هَنِيئاً سَائِغاً رَوِيّاً، غَيْرَ خَزَايَا وَلا نَاكِثِيْنَ بِرَحْمَتِكَ)) (1) .   (1) من قوله: ((واسقنا)) إلى قوله ((برحمتك)) زيادة من المصنف. والحديث إلى قوله: ((وعدته)) أخرجه البُخَارِيّ (614) ، وابو دَاوُد (529) ، والبيهقي 1/410. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 9 وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ كَما يَقُولُ؛ إلاَّ في الْحَيْعَلَةِ؛ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لا حَوْلَ ولاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ (1) . وَيَقُولُ في كَلِمَةِ الإِقَامَةِ: ((أَقَامَهَا اللهُ وأَدَامَهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ والأَرْضُ)) (2) . وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَقُوْلَ مِثْلَ مَا يَقُوْلُ مَنْ سَمِعَهُ في خُفْيَةٍ (3) . وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ الْمُؤَذِّنُ ثِقَةً أَمِيْناً عَالِماً بِالأَوْقَاتِ. ويُجْزِئُ أَذَانُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِيْنَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلاَ يُجْزِئ في الأُخْرَى (4) . وَلاَ يَصِحُّ الأَذَانُ إلاَّ مُرَتَّباً. وَلاَ يَجُوْزُ قَبْلَ دُخُولِ الوَقْتِ إلاَّ لِلصُّبْحِ؛ فَإِنَّهُ   (1) لحديث النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إذَا قَالَ المؤذن: الله أكبر، الله أكبر، فَقَالَ أحدكم: الله أكبر، الله أكبر، ثُمَّ قَالَ: أشهد أن لا إله إلا الله، قَالَ: أشهد أن لا إله إلا الله، ثُمَّ قَالَ أشهد أنَّ محمداً رَسُوْل الله، قَالَ أشهد أن محمداً رَسُوْل الله، ثُمَّ قَالَ حي عَلَى الصَّلاَة، قَالَ: لا حول ولا قُوَّة إلا بالله، ثُمَّ قَالَ: حي عَلَى الفلاح، قَالَ: لا حول ولا قُوَّة إلا بالله، ثُمَّ قَالَ: الله أكبر الله أكبر، قَالَ: الله أكبر، الله أكبر، ثُمَّ قَالَ لا إله إلا الله، قَالَ لا إله إلا الله من قلبه، دخل الجنة)) . رَواهُ البُخَارِيّ 1/159 (613) ، وَمُسْلِم 2/4 (385) (12) ، والبيهقي 1/409. (2) قوله ((مَا دامت السماوات والأرض)) زيادة من المصنف. والحديث أخرجه أبو دَاوُد (528) ، وابن السني في عمل اليوم والليلة: 104، والبيهقي 1/411، وإرواء الغليل 1/258. (3) انظر: المغني 1/443. (4) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق14/أ) . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 10 / 19 ظ / يُؤَذِّنُ لَهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، ويُكْرَهُ ذَلِكَ في رَمَضَانَ (1) . ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ جَلْسَةً خَفِيفَةً، ثُمَّ يُقِيْمَ. وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ، أَوْ جَمْعٌ بَيْنَ صَلاتَيْنِ؛ أَذَّنَ وأقَامَ للأُوْلَى، وأَقَامَ لِلَّتِي بَعْدَهَا. وَلاَ يُسَنُّ في حَقِّ النِّسَاءِ أَذَانٌ، ولا إقَامَةٌ (2) . والأَذَانُ أَفْضَلُ مِنَ الإِمَامَةِ. ولا يَجُوْزُ أَخْذُ الأُجْرَةِ عَلَيْهِ (3) ؛ فَإِنْ لَمْ يُوْجَدْ مَنْ يَتَطَوَّع بِهِ رَزَقَ الإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَنْ يَقُوْمُ بِهِ.   (1) جاء في المغني 1/423: ((ويكره الأذان قَبْلَ الفجر في شهر رمضان، نص عَلَيْهِ أحمد في رِوَايَة الجماعة، لئلا يغتر الناس فيتركوا سحورهم، ويحتمل أن لا يكره في حق من عرف عادته بالأذان بالليل؛ لأن بلالاً كَانَ يفعل ذَلِكَ بدليل قوله - عليه السلام -: ((إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا، حَتَّى يؤذن ابن أمِّ مَكْتُوم)) . والحديث أخرجه البُخَارِيّ 1/160 (617) ، وَمُسْلِم 3/129 (1092) (37) . (2) وجاء في المغني 1/433: ((وهل يسن لهن ذَلِكَ [الأذان والإقامة] ؟ فَقَدْ روي عن أحمد قَالَ: إن فعلن فَلا بأس، وإنْ لَمْ يفعلن فجائز)) . (3) فَقَدْ جاء عن عُثْمَان بن أبي العاص، أنه قَالَ: يا رَسُوْل الله اجعلني إمام قومي، قَالَ: ((أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتّخذ مؤذناً لا يأخذ عَلَى أذنه أجراً)) . أخرجه التِّرْمِذِي (209) ، وَقَالَ: ((حَدِيث حَسَن)) ، وأبو دَاوُد (531) ، وابن ماجه (714) ، وإرواء الغليل 5/315. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 11 وَإِذَا تَشَاحَّ نَفْسَانِ في الأَذَانِ، قُدِّمَ أَكْمَلُهُمَا في دِيْنِهِ، وَعَقْلِهِ، وَفَضْلِهِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا في ذَلِكَ، قُدِّمَ أَعْمَرُهُمَا لِلْمَسْجِدِ، وَأَتَمُّهُمَا مُرَاعَاةً لَهُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: يُقَدَّمُ مَنْ يَرْتَضِي بِهِ الْجِيْرَانُ (1) . وَلاَ يُسَنُّ الأَذَانُ لِغَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ. وَلَيْسَ لِلْعِيْدِ والكُسُوْفِ، والاسْتِسْقَاءِ؛ إلاَّ النِّدَاءُ بِقَوْلِهِ: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ. وَلَيْسَ لِصَلاةِ الْجَنَازَةِ أَذَانٌ، ولا نِدَاءٌ، واللهُ أَعْلَمُ. بَابُ سَتْرِ العَوْرَةِ سَتْرُ العَوْرَةِ بِمَا لاَ يَصِفُ البَشَرَةَ وَاجِبٌ، وَهُوَ شَرْطٌ في صحَّةِ الصَّلاَةِ.   (1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق14/أ) . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 12 وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ، والأَمَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا القُبُلُ والدُّبُرُ (1) . وعَوْرَةُ الْحُرَّةِ جَمِيْعُ بَدَنِهَا، إِلاَّ الوَجْهِ، وَفِي الكَفَّيْنِ رِوَايَتَانِ (2) . وَعَوْرَةُ أُمِّ الوَلَدِ (3) والْمُعْتَقِ بَعْضُهُمَا عَوْرَةُ الْحُرَّةِ، وَعَنْهُ: كَحَدِّ عَوْرَةِ الأَمَةِ (4) . وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ في قَمِيصٍ، وَرِدَاءٍ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى سَتْرِ العَوْرَةِ؛ أَجْزَأَهُ في النَّفْلِ، وَلَمْ يَجِزْهُ في الفَرْضِ؛ حَتَّى يَستُرَ مَنْكِبَيْهِ (5) عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَيْخُنَا (6) ، وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: إذَا طَرَحَ شَيْئاً وَلَوْ خَيْطاً؛ أَجْزَأَهُ. ويُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّي في دِرْعٍ، وخِمَارٍ وَجُلْبَابٍ تَلْتَحِفُ بِهِ، وَلاَ تَضُمُّ ثِيَابَهَا في حَالِ قِيَامِهَا. فَإِنِ اقْتَصَرَتْ عَلَى دِرْعٍ وَخِمَارٍ يَسْتُرُ جَمِيْعَ عَوْرَتِهَا؛ أَجْزَأَ.   (1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق 19/ب) ، وفيه أن الاختلاف في حد عورة الرجل فَقَطْ، وكذلك في المحرر 1/41-42، وجاء فِيهِ 1/42-43 أن عورة الأمة مَا لا يظهر غالباً، وَعَنْهُ مَا بَيْن السرة والركبة. (2) غَيْر موجودتين في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين، وانظر: المقنع: 24، والمحرر 1/42. (3) أم الولد هِيَ الأمة يطؤها مالكها فتحمل مِنْهُ، انظر: القوانين الفقهية: 377. (4) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق 19/ب – 20/أ) ، وفيه: ان الاختلاف في أم الولد فَقَطْ، وجاء في المحرر 1/43: ((والمعتق بعضها كالحرة عَلَى الأصح)) . (5) المنكب: مجتمع الكتف والعضد، اللسان 1/569 (نكب) . (6) هُوَ أبو يعلى الفراء. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 13 وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ مَا يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ، أَوْ مَنْكِبَيْهِ، سَتَرَ عَوْرَتَهُ. وَقَالَ شَيْخُنَا (1) : يَسْتُرُ مَنْكِبَيْهِ، ويُصَلِّي جَالِساً. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ مَا يَسْتُرُ بَعْضَ العَوْرَةِ؛ سَتَرَ الفَرْجَيْنِ، فَإِنْ كَانَ يَكْفِي أَحَدَهُمَا، سَتَرَ الدُّبُرَ عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ – رَحِمَهُ اللهُ – / 20 و / وَقِيلَ: يَسْتُرُ القُبُلَ؛ لأَنَّ بِهِ يَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ ثَوْباً نَجساً؛ صَلَّى فِيهِ، وَأَعَادَ عَلَى الْمَنْصُوْصِ، وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ لاَ يُعِيْد بِنَاءً عَلَى مَنْ صَلَّى في مَوْضِعٍ لا يُمْكِنُهُ الْخُرُوْجُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: لا إِعَادَةَ عَلَيْهِ. وإِنْ صَلَّى في ثَوْبِ حَرِيْرٍ، أَوْ مَغْصُوبٍ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2) ، وَفِي الأُخْرَى: تَصحُّ مَعَ التَّحْرِيْمِ. فَإِنْ بُذِلَ لَهُ سُتْرَةٌ لَزِمَهُ قَبُولُهَا وإِنْ عدم بِكُلِّ حَالٍ؛ صَلَّى عُرْيَاناً جَالِساً يُوْمِئُ إِيْمَاءً. فَإِنْ صَلَّى قَائِماً؛ فَلاَ بَأْسَ، ولا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَإِذَا وَجَدَ السُّتْرَةَ قَرِيْبَةً مِنْهُ – في أثْنَاءِ الصَّلاَةِ –؛ سَتَرَ، وبَنَى، وإِنْ كَانَتْ بِالبُعْدِ سَتَرَ واسْتَأْنَفَ. وَإِذَا انْكَشَفَ مِنَ العَوْرَةِ يَسِيْرٌ – وَهُوَ مَا لا يَفْحَشُ في النَّظَرِ؛ لَمْ تَبْطُلِ الصَّلاَةُ، ولا فَرْقَ في ذَلِكَ بَيْنَ الفَرْجَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنْ فَاحِشٌ؛ بَطلَتْ.   (1) هُوَ أبو يعلى الفراء. (2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق 24/أ-ب) . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 14 وَيُصَلِّي الغُزَاةُ جَمَاعَةً، وَيَكُوْنُ إِمَامُهُمْ في وَسَطِهِمْ. فَإِنْ كَانُوْا رِجَالاً، وَنِسَاءً، وَكَانُوْا في سَعَةٍ؛ صَلَّى كُلُّ نَوْعٍ لأَنْفُسِهِمْ، وإِنْ كَانُوْا في ضِيْقٍ، صَلَّى الرِّجَالُ، واسْتَدْبَرَهُمْ النِّسَاءُ، ثُمَّ صَلَّى النِّسَاءُ، واسْتَدْبَرَهُمْ الرِّجَالُ؛ لِئَلاَّ يَرَى بَعْضُهُمْ عَوْرَاتِ بَعْضٍ. وَيُكْرَهُ في الصَّلاَةِ السَّدْلُ (1) - وَهُوَ أَنْ يَطْرَحَ عَلَى كَتِفَيْهِ ثَوْباً، ولا يَرُدّ أَحدَ طَرَفَيْهِ عَلَى الكَتِفِ الآخِرِ -، واشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ (2) - وَهُوَ أَنْ يَضْطَبِعَ بِالثَّوْبِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَضْطَبِعُ بالثَّوْبِ؛ وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ غَيْرُهُ (3) -.   (1) فَقَدْ روي عن أبي هُرَيْرَة: أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن السدل في الصَّلاَة. أخرجه أبو دَاوُد (643) . (2) فَقَدْ رُوِيَ عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيّ أنه قَالَ: نهى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبستين، وعن بيعتين، … ، واللبستين: اشتمال للصماء … الخ. أخرجه البُخَارِيّ 7/190 (5820) ، وأحمد 3/6و 13و 46، وَالنَّسَائِيّ 8/210. واشتمال الصماء: هُوَ أن يلتوي في ثوب واحدٍ، ولا يَكُون لَهُ من أين يخرج يديه؛ إلا من أسفله، انظر: القوانين الفقية: 59، والمعجم الوسيط 1/495، وانظر: فتح الباري 1/477 في اختلاف أهل اللغة والفقهاء في التعريف. (3) انظر: المقنع:25، والمغني 1/622 وجاء فِيهِ [المغني] : ((واختلف في تفسير اشتمال الصماء، فَقَالَ بَعْض أصحابنا: هُوَ أن يضطبع بالثوب، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غيره … وروى حَنْبَل عن أحمد في اشتمال الصماء: أن يضطبع الرجل بالثوب ولا إزار عَلَيْهِ، فيبدو شقه وعورته)) ، وانظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق 25/ب) . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 15 ويُكْرَهُ تَغْطِيَةُ الوَجْهِ، وَكَفُّ الكَمِّ، وشَدُّ الوَسَطِ بِمَا يُشْبِهُ شَدَّ الزُّنَّارِ (1) ، والتَّلَثُّمُ عَلَى الفَمِ (2) . فَأَمَّا التَّلَثُّم عَلَى الأْنْفِ فَعَلى رِوَايَتَيْنِ (3) . وَيُكْرَهُ إسْبَالُ الإزَارِ والقَمِيْصِ، والسَّرَاوِيْلِ، والعِمَامَةِ عَلَى وَجْهِ التَّفَاخُرِ، والْخُيَلاَءِ (4) . وَتُكْرَهُ الصَّلاَةُ في الثَّوْبِ الْمُعَصْفَرِ والْمُزَعْفَرِ (5) . بَابُ مَوَاضِعِ الصَّلَوَاتِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ يَجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ الصَّلاَةَ أَنْ يُطَهِّرَ ثَوْبَهُ وَبَدَنَهُ، وَمَوْضِعَ صَلاتِهِ مِنَ النَّجَاسَةِ   (1) الزّنّار: هُوَ خيط دقيق يشد بِهِ الوسط، تستعمله النصارى والمجوس، مأخوذ من تزنر الشيء إذَا دق، انظر: التاج 11/452 (زنر) ، وجاء في المغني 1/624: أن شد الزنار في الصَّلاَة عَلَى رِوَايَتَيْنِ: الأولى: يكره، والثانية: قَالَ [أحمد] : لا بأس. (2) فعن أبي هُرَيْرَة: أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يُغَطِّي الرَّجُلُ فَاهُ. أخرجه أبو دَاوُد (643) ، وابن ماجه (966) ، والبيهقي 2/248. (3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق 25/ب) . (4) فَقَدْ جاء في صَحِيْح البُخَارِيّ 7/182 (5784) ، وَمُسْلِم 6/146 (2085) (42) ، أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((مَنْ جر ثوبه خُيلاء لَمْ ينظر الله إِليهِ يوم القيامة)) . (5) فعن أنس بن مَالِك قَالَ: نهى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتزعفر الرجل. أخرجه مُسْلِم 6/155 (2101) (77) . والزعفران: صبغ مَعْرُوف، وَهُوَ من الطيب، والعصفر: نبات سلافته الجريال، وعصفرت الثوب، صبغته بالعصفر، انظر: اللسان 4/324، 581 (زعفر، عصفر) . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 16 / 21 ظ / فَإِنْ حَمَلَهَا، أَوْ لاَقَاهَا بِبَدَنِهِ، أَوْ ثَوْبِهِ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ؛ إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ نَجَاسَة مَعْفُوّاً عَنْهَا، كَيَسِيْرِ الدَّمِ، وما أَشْبَهَهُ. فَإِنْ صَلَّى ثُمَّ رَأى في ثَوْبِهِ نَجَاسَةً لا يَعْلَمُ بِهَا: هَلْ لَحِقَتْهُ في الصَّلاَةِ، أَوْ بَعْدَهَا، ويَحْتَمِل الأَمْرَيْنِ؟ فَصَلاتُهُ مَاضِيَةٌ. وإِنْ عَلِمَ أنَّهَا لَحِقَتْهُ في الصَّلاَةِ؛ لَكِنْ نَسِيَهَا، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِزَالَتِهَا، فَهَلْ يُعِيْدُ الصَّلاَة أَمْ لا؟ على روايتين (1) . واذا خَفِيَ عَلَيْهِ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ مِنْ ثَوْبِهِ، أَوْ بَدَنِهِ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا تَيَقَّنَ بِهِ أنَّ التَّطْهِيْرَ قد لَحِقَ الْمَوْضِعَ. وَإِذَا أَصَابَ الأَرْضَ نَجَاسَةٌ؛ فَذَهَبَ أَثَرُهَا بِالشَّمْسِ، أَوْ الرِّيْحِ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ عَلَيْهَا. فَإِنْ طَيَّبَهَا، أَوْ بَسَطَ عَلَيْهَا شَيْئاً طَاهِراً، كُرِهَ ذَلِكَ، وَصَحَّتْ صَلاتُهُ، وَقِيلَ: لا تَصِحَّ (2) . وإنْ صَلَّى عَلَى مِنْدِيْلٍ عَلَى طَرَفِهِ نَجَاسَةٌ، أَوْ كَانَ تَحْتَ قَدَمِهِ حَبْلٌ مَشْدُودٌ في طَرَفِهِ نَجَاسَةٌ؛ فَصَلاتُهُ صَحِيْحَةٌ. وإِنْ كَانَ الْمِنْدِيْلُ، والْحَبْلُ مُتَعَلِّقاً بِهِ؛ بِحَيْثُ يَنْجَرُّ مَعَهُ إذَا مَشَى؛ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ.   (1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق 24/ب) ، والإنصاف 1/486 وفيه أن صِحَّة الصَّلاَة هِيَ الصحيحة عِنْدَ أكثر المتأخرين. (2) وجاء في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق 25/ أ) : أن الاختلاف في الكراهة فَقَطْ، وَلَيْسَ في صِحَّة الصَّلاَة، وانظر: الإنصاف 1/484. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 17 وَلاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ في الْمَقْبَرَةِ، والْمَجْزَرَةِ، وَبَيْتِ الْحُشِّ (1) ، والْمَزْبَلَةِ، والْحَمَّامِ، وأَعْطَانِ الإِبِلِ – وَهِيَ: الَّتِي تُقِيْمُ فِيْهَا، وتَأْوِي إِلَيْهَا – وَمَحَجَّةِ الطَّرِيْقِ، وظَهْرِ الكَعْبَةِ، والْمَوْضِعِ الْمَغْصُوْبِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى تَصُحُّ الصَّلاَةُ مَعَ التَّحْرِيْمِ. وَقِيلَ: إِنْ عَلِمَ بالنَّهِيِ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وإِنْ لَمْ يَعْلَمْ؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ (2) . فَإِنْ صَلَّى إلى هذِهِ الْمَوَاضِعِ؛ فصلاتُهُ صَحِيْحَةٌ. وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ (3) : إِنْ صَلَّى إلى الْمَقْبَرَةِ، وَبَيْتِ الْحُشِّ، ولا حَائِلَ بَيْنَهُمَا؛ فَهُوَ كَمَا لَوْ صَلَّى عَلَى سَابَاطٍ (4) أُحْدِثَ عَلَى طَرِيْقٍ، أَوْ نَهْرٍ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، أَوْ في مَسْجِدٍ بُنِيَ في الْمَقْبَرَةِ أَوْ في سَطْحِ بَيْتِ الْحُشِّ والْحَمَّامِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُصَلِّي فِيْهِمَا.   (1) بيت الحش: مَوْضِع قضاء الحاجة. انظر: اللسان 6/286 (حشش) . (2) وَفِي الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق 25/أ) أن في المسألة ثلاث روايات. الأولى: لا تصح، والثانية: تصح، والثالثة: إن علم بالنهي، لَمْ تصح، وإنْ لَمْ يعلم صحت مَعَ الكراهة. وجاء في الإنصاف 1/489 إن عدم الصِّحَّة هُوَ المذهب، وَعَلَيْهِ الأصحاب. (3) هُوَ الحَسَن بن حامد بن عَلِيّ بن مروان أبو عَبْد الله البغدادي، جاء في طبقات الحنابلة 2/222 ((إمام الحنابلة في زمانه، ومدرسهم، ومفتيهم. لَهُ المصنفات في العلوم المختلفات، لَهُ الجامع في المذهب، نَحْو أربع مئة جزء)) وغيرها. وانظر: المنتظم 7/263، والمنهج الأحمد1/382، ومختصر طبقات الحنابلة: 32. (4) الساباط: سقيفة بَيْن حائطين. انظر: اللسان 7/311 (سبط) . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 18 ولا بَأْسَ بِصَلاةِ الْجَنَازَةِ في الْمَقْبَرَةِ. ولا تَصِحَّ صَلاةُ الفَرِيْضَةِ في الكَعْبَةِ، ولا عَلَى سطحها. فأَمَّا النَّافِلَةُ فَتَصِحُّ، إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْها. ولا يَجُوْزُ لِكَافِرٍ دُخُولَ الْحَرَمِ، وَهَلْ يَجُوْزُ لأَهْلِ الذِّمَةِ دُخُوْلَ مَسَاجِدَ الْحِلِّ (1) ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2) . وَإِذَا جَبَرَ سَاقَهُ، أَوْ زَنْدَهُ بِعَظْمٍ نَجَسٍ، فَانْجَبَرَ؛ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَلْعُهُ؛ / 22 و / إذَا خاف الضَّرَرَ، وأجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ، وَيلْزمُهُ قَلْعُهُ؛ إذَا لَمْ يَخَفْ التَّلَفَ (3) . وَإذَا سَقَطَ سِنٌّ مِنْ أَسْنَانِهِ، أَوْ عُضْوٌ مِنْ أعْضَائِهِ؛ فأَعَادَهُ بِحَرَارَتِهِ؛ فَثَبَتَ في مَوْضِعِهِ؛ فَهُوَ طَاهِرٌ، ولا بَأْسَ بِصَلاَتِهِ مَعَهُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: هُوَ نَجَسٌ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ العَظْمِ النَّجَسِ، إذَا جَبَرَ به سَاقَهُ (4) . بَابُ اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ   (1) مساجد الحل: يعني غَيْر مساجد الحرم المكي. (2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (ق 25 / ب) . (3) في المخطوط: ((وَقِيلَ يلزمه … التلف)) ، وَهِيَ عبارة مضطربة، صححناها من المقنع: 26. (4) الروايتان غَيْر موجودتين في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين، وانظر: المقنع: 26. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 19 اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ شَرْطٌ في صِحَّةِ الصَّلاَةِ (1) ؛ إلاَّ في حَالِ الْمُسَايَفَةِ (2) ، والنَّافِلَةِ في السَّفَرِ؛ فَإِنَّهُ يُصَلِّي حَيْثُ تَوَجَّهَ. فَإِنْ أَمْكَنَهُ افْتِتَاحُ الصَّلاَةِ إلى القِبْلَةِ؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ (3) ، وتَمَّمَ الصَّلاَةَ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ رَاكِباً، أَوْ مَاشِياً. والفَرْضُ في القِبْلَةِ إِصَابَةِ العَيْنِ. فَمَنْ قَرُبَ مِنْها، أَوْ مِنْ مَسْجِدِ الرَّسُوْلِ - صلى الله عليه وسلم -؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ بِيَقِيْنٍ، وَمَنْ بَعُدَ عَنْهَا، فَبِالاجْتِهَادِ. وَقَالَ الْخَرْقِي (4) : يَجْتَهِدُ إلى جِهَتِهَا في البُعْدِ (5) . فَإِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةِ عَنْ عِلْمٍ؛ صَلَّى بِقَوْلِهِ، وَلَمْ يَجْتَهِدْ.   (1) لقوله تَعَالَى ذكره: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه} . البقرة: 144. (2) المسايفة: المقاتلة، مأخوذة من (تسايفوا) إذَا تضاربوا بالسيوف، انظر: التاج 23/482 (سيف) . (3) وجاء في المقنع: 26: إن في ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ، وَفِي المغني 1/448 كَذلِكَ. (4) هُوَ أبو القاسم عُمَر بن الْحُسَيْن بن عَبْد الله بن أحمد الخرقي، نِسْبَة إلى بيع الخرق، كَانَ من سادات الفُقَهَاء والعباد، لَهُ المختصر. انظر: طبقات الحنابلة 2/64، ووفيات الأعيان 1/441، والمنهج الأحمد 1/358، ومختصر طبقات الحنابلة: 31. (5) انظر: المغني 11/456. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 20 وَإِذَا كَانَ في السَّفَرِ، واشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ القِبْلَةَ؛ اجْتَهِدَ في طَلَبِهَا بالدَّلاَئِلِ مِنَ النُّجُومِ، وأَثْبَتَهَا الْحَدِي – وَهُوَ نَجْمٌ خَفِيٌّ يُعْرَفُ مَكَانُهُ بالفَرْقَدَيْنِ لأَنَّهُمَا دُوْنَهُ (1) – فَإِذَا جَعَلَهُ الْمُصَلِّي حِذَاءَ ظَهْرِ أُذُنِهِ الْيُمْنَى عَلَى عُلُوِّهَا؛ كَانَ مُتَوَجِّهاً إلى بَابِ البَيْتِ (2) . والشَّمْسُ، وَهِيَ تَطْلُعُ أَبَداً مِنْ يَسْرَةِ الْمُصَلِّي مُحَاذِيَةً لِحَرْفِ كَفِّهِ اليُسْرَى، وَتَغْرُبُ حِذَاءَ حَرْفِ كَفِّهِ الْيُمْنَى. والرِّيْحُ الْجَنُوب تَهُبُّ مُسْتَقْبِلَةً لِبَطْنِ كَفِّ الْمُصَلِّي الأَيْسَرِ، مَارَّةً مِمَّا يَلِي وَجْهَهُ إلى يَمِيْنِهِ. والشَّمَالُ مقابلتها (3) تَهُبُّ مِنْ يَمِينِهِ، مَارَّةً إلى مَهَبِّ الْجَنُوْبِ. والدَّبُوْرُ (4) مُستَقْبِلَة شَطْرَ وَجْهِ الْمُصَلِّي الأَيْمَن. والصَّبَا (5) مُقابلتها تَهُبُّ مِنْ ظَهْرِ الْمُصَلِّي. والْمِيَاهُ تَجْرِي مِنْ يَمْنَةِ الْمُصَلِّي إلى يَسْرَتِهِ عَلَى انْحِرَافٍ قَلِيْلٍ؛ كَدِجْلَةَ، والفُرَاتِ، والنَّهْرَوَان. ولا اعْتِبَارَ بِالأَنْهَارِ الْمُحْدَثَةِ، ولا بِنَهْرٍ بِخُرَاسَانَ، ولا بالشَّامِ يَمْشِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمَقْلُوبَ؛ لأَنَّهُ يَجْرِي مَاؤُهُ / 23 ظ / مِنْ يَسْرَةِ الْمُصَلِّي إلى يَمْنَتِهِ. وَالْجِبَالُ، فَأَوْجُهُهَا جَمِيْعاً مُستَقْبِلَةً لِلْبَيْتِ.   (1) انظر: اللسان 14/135 (جدا) و 3/334 (فرقد) . (2) هَذَا إذَا كَانَ بالعراق، كَمَا جاء في المغني 1/460-461، وكذلك كُلّ الدلائل الآتية. (3) أي: مقابلة لريح الجنوب. (4) الدبور: ريح تهب من نَحْو المغرب. انظر: اللسان 4/271 (دبر) . (5) الصبا: ريح تهب من ناحية المشرق. انظر: اللسان 4/271 (دبر) . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 21 وَالْمَجَرَّةُ (1) ، وتُسَمَّى شَرَجَ السَّمَاء؛ تَكُوْنُ أَوَّلَ اللَّيْلِ مُمْتَدَّةً إلى كَفِّ الْمُصَلِّي الأَيْسَر إلى القِبْلَةِ، ثُمَّ يَلْتَوِي رَأْسُهَا؛ حَتَّى تَصِيْرَ في آخِرِ اللَّيْلِ مُمْتَدَّةً عَلَى كَتِفِ الْمُصَلِّي الأَيْسَر إلى القِبْلَةِ، ثُمَّ يَلْتَوِي رَأْسُهَا؛ حَتَّى يَصِيْرَ في آخِرِ اللَّيْلِ عَلَى كَتِفِهِ الأَيْمَن. فَاعْرِفْ ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقَلِّدُهُ؛ صَلَّى، ولا إِعَادَةَ عَلَيْهِ؛ وإِنْ أخْطَأَ القِبْلَةَ. وإِذَا اجْتَهَدَ رَجُلانِ في القِبْلَةَ، واخْتَلَفَا؛ لَمْ يَتَّبِعْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ. وَيَتَّبِع الْجَاهِلُ بِهَا، والأَعْمَى أَوْثَقَهُمَا. وإِذَا صَلَّى الأَعْمَى بلا دَلِيْلٍ؛ أَعَادَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقَلِّدُهُ صَلَّى، وَفِي الإِعَادَةِ وَجْهَانِ؛ سَوَاءٌ أَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ (2) . وَقَالَ ابنُ حَامِد (3) : إِنْ أَخْطَأَ؛ أَعَادَ، وإِنْ أَصَابَ؛ فَعَلَى الوَجْهَيْنِ. ومَنْ صَلَّى بِالاجْتِهَادِ، ثُمَّ أَرَادَ صَلاةً أُخْرَى؛ اجْتَهَدَ؛ فَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ؛ عَمِلَ بِالثَّانِي، ولا يُعِيْدُ مَا صَلَّى بالاجْتِهَادِ الأَوَّلِ. وإِذَا دَخَلَ بَلَداً فِيْهِ مَحَارِيْبُ لاَ يَعْلَمُ هَلْ هِيَ للمُسْلِمِيْنَ أو لأَهْلِ الذِّمَّةِ اجْتَهَدَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا. بَابُ صِفَةِ الصَّلاَةِ وَإِذَا قَالَ المُؤَذِّنُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ، قَامَ إلى الصَّلاَةِ النَّاسُ، ثُمَّ سَوَّى الصُّفُوْفَ   (1) المجرة: البياض المعترض في السماء. انظر: التاج 10/400 (جرر) والمعروفة حديثاً بـ: مجرة درب التبانة. (2) غَيْر موجودتين في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين، وانظر: المقنع: 27، والمغني 1/489-490. (3) مرت ترجمته في الصفحة:. وانظر قوله في المغني 1/490. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 22 إِنْ كَانَ إمَاماً، ثُمَّ يَنْوِي الصَّلاَةَ بِعَيْنِهَا؛ إنْ كَانَتْ مَكْتُوبَةً، أو سُنَّةً مُعَيَّنَةً. وهَلْ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ القَضَاءِ إنْ كَانَتْ فَائِتَةً؟ عَلَى وجْهَيْنِ (1) . وإنْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ؛ أجْزَأَتْهُ نِيَّةُ الصَّلاَةِ. قَالَ ابنُ حَامِدٍ (2) : لاَ بُدَّ في المَكْتُوبَةِ أنْ يَنْوِيَ الصَّلاَةَ بِعَيْنِهَا فَرْضاً.   (1) غَيْر موجودين في الروايتين والوجهين، وانظر: المقنع: 27، وجاء في المحرر 1/52: ((ولا تجب نية الفرض للفرض، ولا نية القضاء للفائتة. وَقَالَ ابن حامد: يجبان)) . (2) مرت ترجمته في الصفحة: 60. وانظر: قوله في المحرر 1/52. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 23 ويَجُوْزُ تَقْدِيْمُ النِّيَّةِ عَلَى التَّكْبِيْرِ بالزَّمَانِ اليَسِيْرِ إِذَا لَمْ يَفْتَتِحْهَا. ويَفْتَتِحُ الصَّلاَةَ بِقَوْلِهِ: ((اللهُ أَكْبَرُ)) ، لاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يُحْسِنِ التَّكْبِيْرَ بالعَرَبِيَّةِ؛ لَزِمَهُ أنْ يَتَعَلَّمَ. فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الصَّلاَةِ؛ كَبَّرَ بِلُغَتِهِ. ويَجْهَرُ بالتَّكْبِيْرِ؛ إنْ كَانَ إمَاماً بِقَدْرِ مَا يُسْمِعْ مَنْ خَلْفَهُ، والمَأْمُومُ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ، كَقَوْلِنَا في القِرَاءةِ. ويَمُدُّ أَصَابِعَهُ ويَضُمُّ بَعْضَهَا إلى بَعْضٍ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيْرِ إلى مَنْكِبَيْهِ، وعَنْهُ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ذَلِكَ وبَيْنَ رَفْعِهَا إلى فُرُوْعِ أُذُنَيْهِ (1) . فَإِذَا انْقَضَى التَّكْبِيْرُ / 24 و / حَطَّ يَدَيْهِ، وأَخَذَ بِكَفِّهِ الأيْمَنِ كُوْعَهُ الأَيْسَرَ ويَجْعَلُهُا تَحْتَ سُرَّتِهِ. وعَنْهُ: تَحْتَ صَدْرِهِ. وعَنْهُ: أنَّهُ مُخَيَّرٌ في ذَلِكَ (2) . ويَنْظُرُ إلى مَوْضِعِ سُجُوْدِهِ، ثُمَّ يَسْتَفْتِحُ الصَّلاَةَ، فَيَقُولُ: ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، وبِحَمْدِكَ، وتَبَارَكَ اسْمُكَ، وتَعَالَى جَدُّكَ، ولاَ إِلَهَ غَيْرُكَ)) (3) . ثُمَّ يَسْتَعِيْذُ،   (1) انظر: الروايتين والوجهين ق 14 / ب. (2) انظر: الروايتين والوجهين (ق 14 / ب - ق 15 / أ) ، وذهب صاحبه إلى أن موضع اليدين تحت السرة أصح. (3) أخرجه أبو داود (776) ، وابن ماجه (806) ، والترمذي (243) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/198، والدارقطني 1/235 و 299 و 301، والحاكم 1/235، والبيهقي 2/34: ((وأصح ما رُوِي فِيْهِ الأثر الموقوف عَلَى عمر)) . الجزء: 20 ¦ الصفحة: 1 فَيَقُولُ: أَعُوْذُ باللهِ السَّمِيْعِ العَلِيْمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيْعُ العَلِيْمُ (1) . ثُمَّ يَقْرَأُ: بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، ولا يَجْهَرُ بِجَمِيْعِ ذَلِكَ (2) . ثُمَّ يَقْرَأُ الفَاتِحَةَ (3) ويُرَتِّبُهَا، ويَأتِي فِيْهَا بإِحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيْدَةً عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيْحَةِ أنَّ (4) :   (1) لقوله تَعَالَى: {فَإذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ} . النحل: 98. وجاء في المغني 1/519: ((وعن أحمد أنه يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، … ، وهذا متضمن للزيادة، ونقل حنبل عنه: أنه يزيد بَعْدَ ذَلِكَ: إن الله هُوَ السميع العليم، وهذا كله واسع، وكيفما استعاذ، فهو حسن)) . (2) جاء في المغني 1/518: ((قَالَ أحمد: ولا يجهر الإمام بالافتتاح، وعليه عامة أهل العلم؛ لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يجهر بِهِ، وإنما جهر بِهِ عمر؛ ليُعْلِمَ الناسَ)) . (3) وجاء في المغني 1/520 أن المَشْهُوْر عَنْ أحمد – نقله جَمَاعَة – أن قراءة الفاتحة واجبة في الصَّلاَة، وركن من أركانها، ولا تصح إلا بِهَا. (4) في المخطوط: (وان) بالواو إلاّ أن العبارة لا تستقيم بِهَا. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 2 ((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ)) لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنَ الفَاتِحَةِ، وعَلَى أنَّهَا مِنْهَا (1) ؛ فَيَأَتِي بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ تَشْدِيْدَةً. فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيْبَهَا، أوْ تَشْدِيْدَةً مِنْهَا أَعَادَ، وإِنْ قَطَعَ قِرَاءةَ الفَاتِحَةِ بِذِكْرٍ، مِثْل: آمِيْنَ، ونَحْوِهِ، أو سَكَتَ سُكُوتاً يَسِيْراً؛ أَتَمَّ قِرَاءتَهَا وأَجْزَأَتْهُ. وإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَثِيْراً في العَادَةِ؛ اسْتَأْنَفَ قِرَاءتَهَا. فَإذَا قَالَ: ولاَ الضَّالِّيْنَ؛ قَالَ: آمِيْنَ، يَجْهَرُ بِهَا الإمَامُ والمأْمُومُ فِيْمَا يُجْهَرُ بالقِرَاءةِ (2) . ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ الفَاتِحَةِ بِسُورَةٍ، وتَكُونُ في الصُّبْحِ [من] (3) طِوَالِ المُفَصَّلِ، وفي المَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ، وفي البَقِيَّةِ مِنْ أَوَاسِطِهِ. ويَجْهَرُ الإمَامُ في الصُّبْحِ، وفي الأُوْلَيَيْنِ مِنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ.   (1) لأن الرِّوَايَة اختلفت عَنْ أحمد، هل البسملة آية من الفاتحة أم لا؟ انظر: الروايتين والوجهين (ق 15/ أ) . (2) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قَالَ الإمام: غَيْر المغضوب عَلَيْهِمْ ولا الضالين، فقولوا: آمين)) . رَوَاهُ البُخَارِيّ 6/21 (4475) ، ومسلم 1/307 (415) (76) . (3) في المخطوط: ((و)) . الجزء: 20 ¦ الصفحة: 3 ومَنْ لاَ يُحْسِنُ الفَاتِحَةَ، وضَاقَ وَقْتُ الصَّلاَةِ عَنْ تَعْلِمِهَا؛ قَرَأَ بَقَدْرِهَا في عَدَدِ الحُرُوفِ. وَقِيْلَ: بَلْ في عَدَدِ الآيَاتِ مِنْ غَيْرِهِا (1) . فَإنْ كَانَ لاَ يُحْسِنُ الآيَةَ؛ كَرَّرَهَا بِقَدْرِهَا. فَإِنْ قَرَأَ بِمَا يَخْرُجُ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ (2) كَقِرَاءةِ ابنِ مَسْعُودٍ (3) ، وغَيْرِهِ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ. وعَنْهُ: أنَّهَا تَصِحُّ (4) . فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئاً مِنَ القُرْآنِ بالعَرَبِيَّةِ؛ لَكِنْ قَدْرَ أنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى؛ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَلَزِمَهُ أنْ يَقُولَ: ((سُبْحَانَ اللهِ، والحَمْدُ للهِ، ولا إِلَهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، ولاَ حَوْلَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ باللهِ)) (5)   (1) انظر: العمدة: 21. (2) هُوَ عثمان بن عفان t ثالث الخلفاء الراشدين، كان قد جمع القرآن في عهده، وَقَدْ ثبت رسم المصحف عَلَى ما أمره عثمان بن عفان t إلى الآن. (3) هُوَ عَبْد الله بن مسعود t، صَحَابِيّ جليل، واعتبرت قراءته من القراءات الشاذة. والقراءة الشاذة: هي كُلّ قراءة أخلت بالشروط الثلاثة – التِي وضعها العلماء، وهي: صحة الرواية، وموافقة الرسم العثماني، وموافقة العربية وَلَوْ بوجه – أو أحدها. واختلف العلماء في حكم القراءة بالقراءات الشاذة في الصلاة، فأكثر أهل العلم يرون عدم جواز القراءة بها. انظر: النشر 1/14، ومعجم القراءات القرآنية 1/113. (4) انظر: الروايتين والوجهين (ق 16/أ) . وعلّل الجواز باستفاضة قراءة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. (5) لأنه جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً، فَعَلِّمْني ما يجزيني، قال: ((قل: … الخ)) . أخرجه أحمد 4/356 (18617) ، وأبو داود (832) ، وابن خزيمة (544) ، وابن حبان (1850) ، وصححه الحاكم على شرط البخاري 1/241، ووافقه الذهبي. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 4 فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئاً مِنَ الذِّكْرِ، وقَفَ بِقَدْرِ القِرَاءةِ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، ويَرْكَعُ مُكَبِّراً؛ حَتَّى يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ويَمُدُّ ظَهْرَهُ مُسْتَوِياً، ويَجْعَلُ رَأْسَهُ حِيَالَ ظَهْرِهِ ولاَ يَرْفَعُهُ ولاَ يَخْفُضُهُ، ويُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ. وقَدْرُ الإجْزَاءِ: الانْحِنَاءُ حَتَّى يُمْكِنَهُ مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ، ويَقُولُ: ((سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيْمِ)) – ثَلاَثاً – وَهُوَ أدْنَى الكَمَالِ. ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَائِلاً: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ؛ فَإِذَا اعْتَدَلَ قَائِماً؛ قَالَ: ((رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ مِلءَ السَّمَاءِ ومِلءَ الأرْضِ ومِلءَ ما شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ)) –لا يَزِيْدُ عَلَى ذَلِكَ– فَإِنْ كَانَ مَأْمُوناً؛ فقالَ أصْحَابُنا: لاَ يَزِيْدُ عَلَى قَوْلِ: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ. وعِنْدِي: أنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ كَالإِمَامِ، والمُنْفَرِدِ (1) . ثُمَّ يُكَبِّرُ ويَخِرُّ سَاجِداً؛ فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ عَلَى الأرْضِ، ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ، ويَجْعَلُ صُدُوْرَ أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ عَلَى الأرْضِ. والسُّجُودُ عَلَى جَمِيْعِ هَذِهِ الأعْضَاءِ وَاجِبٌ إلاَّ الأَنْفَ؛ فَإِنَّهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2) ، ولاَ يَجِبُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ المُصَلَّى بِشَيءٍ مِنَ الأَعْضَاءِ إِلاَّ الجَبْهَةَ؛ فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3) .   (1) جاء في الروايتين والوجهين (ق 16/ أ – ب) أن الرواية اختلفت في المنفرد، هل يقول ذلك؟ (2) انظر: الروايتين والوجهين (ق 16 / ب) . (3) انظر: الروايتين والوجهين (ق 17 / ب) ، وفيه: أن رواية المباشرة يمكن أن تُحمل على طريق الاختيار والاستحباب. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 5 والمُسْتَحَبُّ أنْ يُجَافِيَ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وبَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ، ويَضَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ويُفَرِّقُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ، ويَقُولُ: ((سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعْلَى)) – ثلاثاً – وَهوَ أدْنَى الكَمَالِ. ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّراً، ويَجْلِسُ مُفْتَرِشاً – وَهوَ: أنْ يَفْتَرِشَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، ويَجْلِسُ عَلَيْهَا ويَنْصِبُ اليُمْنَى – ولاَ يُقْعِي؛ فَيَمُدَّ ظَهْرَ قَدَمَيْهِ، ويَجْلِسُ عَلَى عَقِبَيْهِ، أوْ يَجْلِسَ عَلَى إلْيَتَيْهِ، ويُنْصَبُ قَدَمَيْهِ (1) ، فَإنَّهُ مُنَّهِيٌّ عَنْهُ (2) . ثُمَّ يَقُولُ: ((رَبِّ اغْفِرْ لِي)) – ثَلاثاً – ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ مُكَبِّراً، ويَقُولُ: ((سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعْلَى)) – ثلاَثاً – ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّراً. وهَلْ يَجْلِسُ جَلْسَةَ الاسْتِرَاحَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: لا يَجْلِسُ، بَلْ يَقُومُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ مُعْتَمِداً عَلَى رُكْبَتَيْهِ. والثَّانِيَةُ: يَجْلِسُ عَلَى قَدَمَيْهِ وإلْيَتَهِ ثُمَّ يَنْهَضُ مُكَبِّراً مُعْتَمِداً عَلَى رُكْبَتَيْهِ (3) . ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ كَذَلِكَ؛ إلاَّ في النِّيَّةِ والاسْتِفْتَاحِ رِوَايَةٌ واحِدَةٌ والاسْتِعَاذَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4) .   (1) جاء في المغني 1/564: أن الصفة الأولى للإمام أحمد – رَحِمَهُ اللهُ – وهو قَوْل أهل الحديث، والثانية عند العرب. (2) فعن أنس، قال: قَالَ لي رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رفعت رأسك من السجود، فَلاَ تُقْعِ كَمَا يُقعِي الكلب)) . أخرجه ابن ماجه (896) . (3) انظر: الروايتين والوجهين (ق 17 / ب) ، وفيه: أن الأولى أصح. (4) انظر: الروايتين والوجهين (ق 14 / ب) . الجزء: 20 ¦ الصفحة: 6 فَإِنْ كَانَ / 26 و / في صَلاَةٍ – هِيَ رَكْعَتَانِ – جَلَسَ مُفْتَرِشاً، وجَعَلَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى؛ يَقْبِضُ مِنْهَا الخُنْصُرَ والبُنْصُرَ ويُحَلِّقُ الإبْهَامَ مَعَ الوُسْطَى، ويُشِيْرُ بالسَّبَّابَةِ في التَّشَهُّدِ مِرَاراً، ويَبْسُطُ اليَدَ اليُسْرَى مُجْتَمِعَةً – مَضْمُومَةَ الأصَابِعِ – عَلَى الفَخِذِ اليُسْرَى، ويَتَشَهَّدُ، فَيَقُولُ: ((التَّحِيَّاتُ للهِ، والصَّلَوَاتُ، والطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ، أَشْهَدُ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ)) (1) . ثُمَّ يَأْتِي بالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَقُوْلُ: ((اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيْمَ، إنَّكَ [حَمِيْدٌ] (2) مَجِيْدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيْمَ، في العَالَمِيْنَ إنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ)) (3) . وعَنْهُ أنَّهُ يَقُولُ: كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيْمَ وآلِ إبْرَاهِيْمَ)) ، وكَذَلِكَ: ((كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ آلِ إِبْرَاهِيْمَ)) (4) .   (1) وهو التشهد الذي علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. انظر: صَحِيْح مسلم 2/13 – 14 (402) (55) و (402) (59) ، وسنن أبي داود (968) . (2) زيادة من المقنع: 30. (3) انظر: صَحِيْح البخاري 4/78 (3370) ، وصحيح مسلم 2/16 (406) (65) . (4) انظر: الروايتين والوجهين (ق 19/ أ) ، وفيه: أن كليهما مروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 7 وَيُسْتَحَبُّ أنْ يَسْتَعِيْذَ، فَيَقُوْلَ: ((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، ومِنْ عَذَابِ القَبْرِ ومِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا والمَمَاتِ، ومِنْ فِتْنَةِ المَسِيْحِ الدَّجَّالِ)) (1) . ثُمَّ يَدْعُو فَيَقُوْلُ: ((اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ مِنَ الخَيْرِ كُلِّهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ، ومَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ، ومَا لَمْ أعْلَمْ. اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ. اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الجَنَّةَ، ومَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وعَمَلٍ، وأعَوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، ومَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وعَمَلٍ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوْبَنَا، وكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا، وتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ، وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ، ولاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ، إنَّكَ لاَ تُخْلِفُ المِيْعَادَ)) (2) .   (1) انظر: صحيح البخاري 1/211 (832) ، وصحيح مسلم 2/93 (588) (128) . (2) انظر: المغني 1/584. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 8 ولا يَدْعُو في صَلاَتِهِ إلاَّ بِمَا وَرَدَ في الأَخْبَارِ. وقَدْرُ الإجْزَاءِ مِنْ ذَلِكَ: التَّشَهُّدُ والصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلى: ((حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ)) عَلَى الصَّحِيْحِ مِنَ المَذْهَبِ. ثٌمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيْمَتَيْنِ يَنْوِي بِهِمَا الخُرُوْجُ مِنَ الصَّلاَةِ / 27 ظ / وهلْ نِيَّةُ الخُرُوجِ وَاجِبَةٌ، أمْ لاَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (1) . فَإِنْ نَوَى بالسَّلامِ عَلَى الحَفَظَةِ، أو الإِمَامِ، أو المَأْمُوْمِيْنَ، وَلَمْ يَنْوِ الخُرُوجَ، فَقَالَ: ابنُ حَامِدٍ (2) : تَبْطُلُ صَلاَتُهُ. ونَصَّ أَحْمَدُ – رَحِمَهُ اللهُ –: لا تَبْطُلُ.   (1) جاء في الروايتين والوجهين (ق 18 / ب) : ((لا يختلف أصحابنا في التسليمة الأولى أنه ينوي بِهَا الخروج من الصَّلاَة ولا غيره، واختلفوا في الثانية)) . فقسم قَالَ: هِيَ كالأولى، وقسم قَالَ: الثانية مستحبة، وينوي بِهَا السلام عَلَى الحفظة والرد عَلَى الإمام. (2) انظر: ترجمته (ص 60) . الجزء: 20 ¦ الصفحة: 9 ولا يَجُوزُ الخُرُوجُ مِنَ الصَّلاَةِ بِغَيْرِ السَّلاَمِ. وتَجِبُ التَّسْلِيْمَتَانِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنَ، والأُخْرَى: أنَّ الثَّانِيَةَ سُنَّةٌ (1) . وقَدْرُ الوَاجِبِ: ((السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ)) (2) ، وَقَالَ شَيْخُنَا (3) : إنْ تَرَكَ: ((رَحْمَةُ اللهِ)) أجْزَأَهُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ في صَلاَةِ الجَنَازَةِ. ثُمَّ ثُمَّ يَسْتَقْبِلِ المَأْمُومِيْنَ بِوَجْهِهِ بَعْدَ السَّلاَمِ في الفَجْرِ والعَصْرِ؛ لأنَّهُ لاَ صَلاَةَ بَعْدَهُمَا، ويَقُولُ: ((لاَ إِلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ يُحْيِي ويُمِيْتُ وَهوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ عُمُرِي آخِرَهُ، وخَيْرَ عَمَلِي آخِرَهُ، وخَيْرَ أَيَّامِي يَوْمَ أَلْقَاكَ)) ، ويَدْعُو بِمَا يَجُوزُ مِنْ أمْرِ الدِّيْنِ والدُّنْيَا. وإنْ كَانَ في صَلاَةِ المَغْرِبِ أو رُبَاعِيَّةٍ، جَلَسَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ – مُفْتَرِشاً – وأَتَى بالتَّشَهُّدِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. فإنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ، وقَامَ إلى الثَّالِثَةِ رَجَعَ إنْ لَمْ يَكُنْ قَدِ انْتَصَبَ قَائِماً، فإنِ انْتَصَبَ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ الرُّجُوعِ، فَإِنْ شَرَعَ في القِرَاءةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ. ثُمَّ يُصَلِّي بَقِيَّةَ صَلاَتِهِ مِثْلَ الثَّانِيَةِ؛ إلاَّ أنَّهُ لا يَقْرَأُ شَيْئاً بَعْدَ الفَاتِحَةِ.   (1) الرواية اختلفت في الثانية، هل هِيَ واجبة أم سنة؟ انظر: الروايتين والوجهين (ق 18 / أ) . (2) هَذَا ما ورد عَنْ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -. انظر: سنن ابن ماجه (916) ، وسنن أبي داود (996) ، وصحيح ابن حبان (1987) ، وسنن البيهقي 2/177. (3) هُوَ أبو يعلى الفراء. انظر: ترجمته في المقدمة. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 10 ويَجْلِسُ في التَّشَهُّدِ الثَّانِي مُتَوَرِّكاً – يَفْتَرِشُ رِجْلَهُ اليُسْرَى ويَنْصِبُ اليُمْنَى ويُخْرِجُهُمَا مِنْ تَحْتِهِ إلى جَانِبِ يَمِيْنِهِ ويَجْعَلُ إلْيَتَيْهِ عَلَى الأرْضِ –. والمَرْأَةُ في جَمِيْعِ ذَلِكَ كَالرَّجُلِ إلاَّ أنَّهَا تَجْمَعُ نَفْسَهَا في الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، وتَسْدِلُ رِجْلَهَا في الجُلُوسِ؛ فَتَجْعَلهُمَا في جَانِبِ يَمِيْنِهَا، أو تَجْلِسُ مُتَرَبِّعَةً. ولاَ يَقْنُتِ المُصَلِّي في شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، إلاَّ في الوِتْرِ. فَإِنْ نَزَلَتْ بِالمُسْلِمِيْنَ نَازِلَةٌ؛ جَازَ لأَمِيْرِ الجَيْشِ أنْ يَقْنُتَ في الفَجْرِ والمَغْرِبِ بَعْدَ الرُّكُوعِ، ويَقُولُ ما قَالَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في دُعَائِهِ (1) ، ونَحْوَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لآحَادِ. ولاَ تُكْرَهُ قِرَاءةُ أَوَاخِرِ السُّوْرَةِ في صَلاَتِهِ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، ويُكْرَهُ في الأُخْرَى (2) . بَابُ شَرَائِطِ الصَّلاَةِ وأَرْكَانِهَا ووَاجِبَاتِهَا /28 و/ ومَسْنُونَاتِهَا وهَيْئَاتِهَا شَرَائِطُ الصَّلاَةِ مَا يَجِبُ لَهَا قَبْلَهَا، وَهِيَ سِتَّةُ أشْيَاءَ: دُخُولُ الوَقْتِ، والطَّهَارَةُ، والسِّتَارَةُ، والمَوْضِعُ، واسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ، والنِّيَّةُ. وأَرْكَانُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ:   (1) وهو: ((اللَّهُمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألِّف بَيْنَ قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم عَلَى عدوك وعدوهم، اللَّهُمَّ العن كفرة أهل الكِتَاب الذي يكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللَّهُمَّ خالف بَيْنَ كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل عليهم بأسك الذي لا يُرَدّ عن القوم المجرمين، بسم الله الرحمن الرحيم، اللَّهُمَّ إنا نستعينك … الخ. هَذَا الدعاء عَنْ المغني 1/788. (2) انظر: الروايتين والوجهين ق 15 / ب. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 11 القِيَامُ، وتَكْبِيْرَةُ الإِحْرَامِ، وقِرَاءةُ الفَاتِحَةِ، والرُّكُوعُ، والطُّمَأْنِيْنَةِ فِيْهِ، والاعْتِدَالُ عَنْهُ، والطُّمَأْنِيْنَةُ فِيْهِ، والجَلْسَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، والطُّمَأْنِيْنَةِ فِيْهِ، والتَّشَهُّدُ الأَخِيْرِ، والجُلُوسُ لَهُ، والصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والتَّسْلِيْمَتَانِ، وتَرْتِيْبُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَوَاجِبَاتُهَا تِسْعَةٌ: التَّكْبِيْرُ – غَيْرُ تَكْبِيْرَةُ الإِحْرَامِ، والتَّسْمِيْعُ (1) ، والتَّحْمِيْدُ (2) في الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ، والتَّسْبِيْحُ في الرُّكُوْعِ والسُّجُودِ: مَرَّةً مَرَّةً (3) ، وَسُؤَالُ المَغْفِرَةِ في الجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مَرَّةً، والتَّشَهُّدُ الأَوَّلُ، والجُلُوسُ لَهُ، ونِيَّةُ الخُرُوجِ مِنَ الصَّلاَةِ في سَلاَمِهِ. ومَسْنُونَاتُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ:   (1) هو قول: ((سَمِعَ الله لِمَنْ حمده)) . (2) هو قول: ((ربنا ولك الحمد)) . (3) أي: تسبيحة واحدة في الركوع، وواحدة في السجود. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 12 الافْتِتَاحُ، والتَّعَوُّذُ، وقِرَاءةُ: ((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ)) ، وقَولُ: ((آمِيْنَ)) وقِرَاءةُ السُّوْرَةِ، وقَوْلُ: ((مِلءَ السَّمَاءِ)) بَعْدَ التَّحْمِيْدِ، ومَا زَادَ عَلَى التَّسْبِيْحَةِ الواحِدَةِ في الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، وعَلَى المَرَّةِ في سُؤَالِ المَغْفِرَةِ، والسُّجُودُ عَلَى أنْفِهِ، وجَلْسَةُ الاسْتِرَاحَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيْهِمَا (1) ، والتَّعَوُّذُ، والدُّعَاءُ بَعْدَ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في التَّشَهُّدِ الأَخِيْرِ، والقُنُوتُ في الوِتْرِ، والتَّسْلِيْمَةُ الثَّانِيَةُ في رِوَايَةٍ. وَهَيْئَاتُهَا، وَهِيَ مَسْنُونَةٌ؛ إلاَّ أنَّهَا صِفَةٌ في غَيْرِهَا، فَسُمِّيَتْ: هَيْأَةً، وَهِيَ خَمْسٌ وعِشْرُوْنَ:   (1) انظر: الروايتين والوجهين (ق 17 / ب) ، وفيه أن الرِّوَايَة الأولى: لا يجلس جلسة الاستراحة، والثانية: يجلس. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 13 رَفْعُ اليَدَيْنِ عِنْدَ الافْتِتَاحِ، والرُّكُوعِ، والرفْعِ مِنْهُ، وإرْسَالُهُمَا بَعْدَ الرَّفْعِ، ووَضْعُ اليَمِيْنِ عَلَى الشِّمَالِ وَجَعْلُهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ، والنَّظَرُ إلى مَوْضِعِ سُجُوْدِهِ، والجَهْرُ، والإسْرَارُ بالقِرَاءةِ والتَّأْمِيْنِ، ووَضْعُ اليَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ في الرُّكُوعِ، ومَدُّ الظَّهْرِ، ومُجَافَاةُ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِيْهِ، والبِدَايَةُ بِوَضْعِ الرُّكْبَةِ، ثُمَّ اليَدِ في السُّجُودِ، ومُجَافَاةُ البَطْنِ عَنِ الفَخِذَيْنِ، والفَخِذَيْنِ عَنِ السَّاقَيْنِ فِيْهِ، والتَّفْرِيْقُ / 29 ظ / بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ، وَوَضْعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، والافْتِرَاشُ في الجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وفي التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ، والتَّوَرُّكِ في التَّشَهُّدِ الثَّانِي، ووَضْعُ اليَدِ اليُمْنَى عَلَى الفَخِذِ اليُمْنَى مَقْبُوضَةً مُحَلَّقَةً، والإشَارَةُ بالسَّبَّاحَتَيْنِ (1) ، وَوَضْعُ اليُسَرَى عَلَى الفَخِذِ اليُسْرَى مَبْسُوطَةً. فَإِنْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلاَتُهُ. وإِنْ تَرَكَ رُكْناً، فَلَمْ يَذْكُرْ، حَتَّى سَلَّمَ، بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْداً أوْ سَهْواً، وإنْ تَرَكَ وَاجِباً عَمْداً؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ تَرْكِ الرُّكْنِ، وإنْ تَرَكَهُ سَهْواً، سَجَدَ للسَّهْوِ، وإنْ تَرَكَ سُنَّةً أوْ هَيْأَةً، لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ بِحَالٍ، وهَلْ يُسْجَدُ للسَّهْوِ، يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2) .   (1) السَّبَّاحَة: هي السَّبَّابَة، ومنه حديث الوضوء: ((فأدخل السَّبَّاحَتَيْنِ في أذنيه)) . اللسان 2/300 (سبح) . (2) الأولى: يسجد، والثانية: أن السجود غَيْر مسنون، وَهُوَ جائز. انظر: الروايتين والوجهين (ق 16/ أ) . الجزء: 20 ¦ الصفحة: 14 بَابُ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ تَطَوُّعِ البَدَنِ الصَّلاَةُ، وآكَدُهَا ما سُنَّ لَهَا الجَمَاعَةُ، كَصَلاَةِ الكُسُوفِ، والاسْتِسْقَاءِ، والتَّرَاوِيْحِ، وبَعْدَ ذَلِكَ السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ، قَبْلَ الفَجْرِ رَكْعَتَانِ، وقَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَانِ، وبَعْدَهَا رَكْعَتَانِ، وقَبْلَ العَصْرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وبَعْدَ المَغْرِبِ رَكْعَتَانِ، وبَعَدَ العِشَاءِ رَكْعَتَانِ (1) والوِتْرُ (2) وأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ، وأَفْضَلُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، ويُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، وأَدَنَى الكَمَالِ، ثَلاَثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيْمَتَيْنِ، يَقْرَأُ في الأُوْلَى – بَعْدَ الفَاتِحَةِ – بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (3) ، وفي الثَّانِيَةِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُوْنَ} (4) ، وفي الثَّالِثَةِ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} (5)   (1) فَقَدْ قَالَ ابن عمر - رضي الله عنه -: ((صلَّيت مَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - سجدتين قَبْلَ الظهر، … ، وحدثتني أختي حفصة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلّي سجدتين خفيفتين بعدما يطلع الفجر)) . أخرجه البخاري 2/72 (1172) ، ومسلم 2/162 (729) (104) ، والبيهقي 2/471. وعنه أيضاً قَالَ: قَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رحم الله امرأً صلَّى قبل العصر أربعاً)) . أخرجه أبو داود الطيالسي (1936) ، وأحمد 2/117 (5944) ، وأبو داود (1271) والترمذي (430) ، وابن حبان (2450) ، والبيهقي 2/273. (2) قَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله أمدَّكم بصلاة هِيَ خير لكم من حمر النعم، الوتر)) . أخرجه ابن ماجه (1168) ، وأبو داود (1418) ، والترمذي (452) ، والبيهقي 2/478. (3) الأعلى: 1. (4) الكافرون: 1. (5) الإخلاص: 1. وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ في الوتر هذه السور الثلاث. انظر: مسند أحمد 1/299 (2715) ، وسنن ابن ماجه (1172) ، وسنن الترمذي (462) ، وسنن البيهقي 3/39. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 15 ، ثُمَّ يَقْنُتُ فِيْهَا بَعْدَ الرُّكُوعِ (1) ، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَيَقُولُ: ((اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِيْنُكَ، وَنَسْتَهْدِيْكَ، ونَسْتَغْفِرُكَ، ونَتُوبُ إِلَيْكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ، ونَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ، ونَثْنِي عَلَيْكَ الخَيْرَ كُلَّهُ، ونَشْكُرُكَ، ولاَ نَكْفُرُكَ، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وإلَيْكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ (2) ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ، ونَخْشَى عَذَابَكَ، إنَّ عَذَابَكَ الجِدُّ بالكُفَّارِ مُلْحِقٌ (3) ، اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْك?، إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ولاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ (4) ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)) (5)   (1) فقد ورد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت بَعْدَ الركوع. انظر: صحيح مسلم 1/136 (677) (300) . وجاء في المغني 1/785: ((وروي عَن أحمد أنه قال: أنا أذهب إلى أنه بعد الركوع، فإن قنت قبله، فَلاَ بأس)) . انظر: صحيح مسلم 1/136 (677) (300) . (2) وإليك نسعى ونحفد، أي: نسرع في العمل والخدمة. التاج 8/32 (حفد) . (3) إلى رواه ابن أبي قتيبة (7029) ، والبيهقي 2/211. (4) إلى هنا أخرجه: أبو داود الطيالسي (1179) ، وأحمد 1/199 (1720) ، وابن ماجه (1178) ، وأبو داود (1425) ، والبيهقي 3/38 – 39. (5) أخرجه ابن ماجه (1179) ، وأبو داود (1427) ، والنسائي 3/249، بلفظ: كَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في آخر الوتر: (( … )) ، وانظر: إرواء الغليل 2/175. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 16 / 30 و /. وهَلْ يُمِرُّ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1) . والوِتْرُ آكَدُ مِنْ جَمِيْعِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ؛ لأنَّهُ مُخْتَلَفٌ في وُجُوبِهِ (2) . وَقَالَ أبو بَكْرٍ (3) في " التَّنْبِيه ": هُوَ وَاجِبٌ، وقَدْ أوْمَأَ إِلَيْهِ إمَامُنَا - رضي الله عنه - وَوَقْتُهُ مِنْ بَعْدِ صَلاَةِ العِشَاءِ إلى طُلُوعِ الفَجْرِ الثَّانِي. وَقَالَ شَيْخُنَا: آكَدُهَا ?َكْعَتَا الفَجْرِ، وَوَقْتُهَا مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ إلى أنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ. ويَقُومُ في رَمَضَانَ بِعِشْرِيْنَ رَكْعَةً في جَمَاعَةٍ، ويُوْتِرُ بَعْدَهَا في الجَمَاعَةِ. فَإِنْ كَانَ لَهُ تَهْجَّدٌ جَعَلَ الوِتْرَ بَعْدَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ مُتَابَعَةَ الإِمَامِ أَوْتَرَ مَعَهُ، فَإِذَا سَلَّمَ قَامَ فَضَمَّ إلى الوِتْرِ رَكْعَةً أُخْرَى، وكَذَلِكَ يَفْعَلُ إذَا أَعَادَ المَغْرِبَ. ويُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَيْنَ التَّرَاوِيْحِ (4) ، ويُكْرَهُ التَّعْقِيْبُ: وَهوَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ التَّرَاوِيْحِ والوِتْرِ نَافِلَةً أُخْرَى في جَمَاعَةٍ. وأَفْضَلُ التَّهَجُّدِ وَسَطُ اللَّيْلِ، والنِّصْفُ الآخَرُ مِنَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ الأَوَّلِ. وتَطَوَّعُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ النَّهَارِ، وأَفْضَلُهُ أنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وفِعْلُهُ سِرّاً أَفْضَلُ مِنْ إِظْهَارِهِ. وأَدْنَى صَلاَةِ الضُّحَى رَكْعَتَانِ وَأَفْضَلُهَا ثَمَانٍ. ووَقْتُهَا إِذَا عَلَتِ الشَّمْسُ واشْتَدَّ حَرُّهَا، ولاَ تُسْتَحَبُّ المُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وعِنْدِي: يُسْتَحَبُّ ?ذَلِكَ.   (1) انظر: الروايتين والوجهين (ق 26 / ب) . (2) فقد أوجبه أبو حنيفة. انظر: بدائع الصنائع 1/270. (3) هُوَ أبو بكر الفارسي، مرت ترجمته في: 23. (4) وفي الأصل: ((التروايح)) ، وهو وهم. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 17 ويَجُوزُ التَّنَفُّلُ جَالِساً، والفَضِيْلَةُ في القِيَامِ. وكَثْرَةُ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ طُوْلِ القِيَامِ. وعَنْهُ: أنَّهُمَا سَوَاءَ. وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ قَضَاهُ. ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وأَرْبَعٍ بَعْدَهُ، وأرْبَعٍ قَبْلَ العَصْرِ، وأَرْبَعٍ بَعْدَ المَغْرِبِ، وأَرْبَعٍ بَعْدَ العِشَاءِ، ويَصِحُّ الَّطَوُّعُ بِرَكْعَةٍ، وعَنْهُ: لا يَصِحُّ. بَابُ مَا يُبْطِلُ الصَّلاةَ وَمَا يُعْفَى عَنْهُ فِيْهَا إذَا دَخَلَ في الصَّلاَةِ ثُمَّ قَطَعَ النِّيَّةَ أو عَزَمَ عَلَى قَطْعِهَا بَطَلَتْ، وَإِنْ تَرَدَّدَ هَلْ يَقْطَعُهَا أمْ لاَ؟ فَعَلَى وَجْهَيْنِ: وتَبْطُلُ إِنْ تَرَكَ شَرْطاً مِنْ شَرَائِطِهَا أو رُكْناً مِنْ أَرْكَانِهِا عَمْداً كَانَ ذَلِكَ أو سَهْواً. وإِذَا سَبَقَهُ الحَدَثُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. وعَنْهُ: أنَّهُ يَتَوَضَّأُ ويَبْنِي. وَإِذَا زَادَ رُكُوعاً أو سُجُوداً أو قِيَاماً أَو قُعُوداً عَامِداً بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. وَإِنْ كَرَّرَ الفَاتِحَةَ لَمْ تَبْطِلْ. وإنْ جَمَعَ بَيْنَ سُوَرٍ في النَّافِلَةِ لَمْ يُكْرَهْ، وفي الفَرِيْضَةِ يُكْرَهُ / 31 و / وَقِيْلَ: لاَ يُكْرَهُ. وإنْ تَكَلَّمَ عَامِداً بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وسَهْواً عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1) . وكَذَلِكَ إنْ قَهْقَهَ أو انْتَحَبَ أو نَفَخَ أو تَنَحْنَحَ فَبَانَ حَرْفَانِ لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ. فَإِنْ تَأَوَّهَ أو أَنَّ أو بَكَى لِخَوْفِ اللهِ تَعَالَى لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ.   (1) انظر: الروايتين والوجهين (ق 20 / أ) ، وفيه: أن بطلان الصَّلاَة هُوَ الأصح. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 18 والعَمَلُ المُسْتَكْثَرُ في العَادَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ يُبْطِلُ الصَّلاَةَ. وَلَهُ أنْ يَرُدَّ المَارَّ بَيْن? يَدَيْهِ، ويَعُدَّ الآي والتَّسْبِيْحَ، ويَنْظُرَ في المُصْحَفِ، ويَقْتُلَ الحَيَّةَ والعَقْرَبَ والقَمْلَةَ، ويَرُدَّ السَّلاَمَ بالإِشَارَةِ، ويَلْبَسَ الثَّوْبَ ويَلُفَّ العِمَامَةَ مَا لَمْ يُطِلْ. فَإِنْ طَالَ أَبْطَلَ إلاَّ أنْ يَفْعَلَهُ مُتَفَرِّقاً. وإنْ أَكَلَ أو شَرِبَ عَامِداً بَطَلَتْ صَلاَةٌ الفَرِيْضَةِ، وهَلْ تَبْطُلُ النَّافِلَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1) ، وإِنْ كَانَ سَاهِياً لَمْ تَبْطُلْ. وإنِ التَفَتَ أو رَفَعَ بَصَرَهُ إلى السَّمَاءِ أو فَرْقَعَ أَصَابِعَهُ أو عَبَثَ أو شَبَكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ أو تَخَصَّرَ أو تَرَوَّحَ أو لَمَسَ لِحْيَتَهُ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ. ويُكْرَهُ أنْ يَدْخُلَ في الصَّلاَةِ وَهوَ يُدَافِعُ الأَخْبَثَيْنِ أو تُنَازِعُهُ نَفْسُهُ إلى الطَّعَامِ، فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ. وإِذَا بَدَرَهُ البُصَاقُ وَهوَ في المَسْجِدِ بَصَقَ في ثَوْبِهِ وحَكَّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وإنْ كَانَ في غَيْرِ المَسْجِدِ بَصَقَ عَنْ يَسَارِهِ أو تَحْتَ قَدَمِهِ. وإِذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَارٌّ وَبَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ مِثْلُ أَخَرَةِ الرَّحْلِ لَمْ يُكْرَهْ، وكَذَلِكَ إِنْ لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً فَخَطَّ بَيْنَ يَدَيَهِ خَطّاً، وإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ الكَلْبُ الأَسْودُ البَهِيْمُ قَطَعَ صَلاَتَهُ، وفي المَرْأَةِ والحِمَارِ رِوَايَتَانِ (2) ، وسُتْرَةُ الإِمَامِ سُتْرَةُ المَأْمُوْمِ.   (1) انظر: الروايتين والوجهين (ق 21 / أ) . (2) انظر: الروايتين والوجهين (ق 19 / أ) . الجزء: 20 ¦ الصفحة: 19 وإِذَا نَابَهُ شَيْءٌ في صَلاَتِهِ مِثْلُ أنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ أو يَسْهُوَ إِمَامُهُ أو يَخْشَى عَلَى ضَرِيْرٍ أنْ يَقَعَ في بِئْرٍ، فَإِنَّهُ يُسَبِّحُ، وإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً صَفَّقَتْ بِبَطْنِ رَحَتِهَا عَلَى ظَهْرِ كَفِّهَا الأُخْرَى. ويَجُوزُ لَهُ إذَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ أنْ يَسْأَلَهَا، وإِذَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ عَذَابٍ أنْ يَسْتَعِيْذَ مِنْهَا، وعَنْهُ: أنَّهُ يُكْرَهُ في الفَرِيْضَةِ. بَابُ سُجُوْدِ التِّلاَوَةِ والشُّكْرِ سُجُوْدُ التِّلاَوَةِ سُنَّةٌ في حَقِّ القَارِئِ والمُسْتَمِعِ دُوْنَ السَّامِعِ. وَهُوَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً: في الأَعْرَافِ، والرَّعْدِ / 32 و / والنَّحْلِ، وسُبْحَانَ (1) ، ومَرْيمَ، وفي الحَجِّ سَجْدَتَانِ، والفُرْقَانِ والنَّمْلِ، والم * تَنْزِيْلُ، وحم: السَّجْدَةِ والنَّجْمِ والانْشِقَاقِ، واقْرَأْ بِسْمِ رَبِّكَ. وسَجْدَةُ (ص) سَجْدَةُ شُكْرٍ، وعَنْهُ: أنَّهَا مِنْ عَزَائِمِ السُّجُوْدِ. ويُسْتَحَبُّ سُجُوْدُ الشُّكْرِ عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ وانْدِفَاعِ النِّقَمِ. وحُكْمُ السُّجُودِ حُكْمُ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ في اعْتِبَارِ القِبْلَةِ وسَائِرِ الشَّرَائِطِ. ومَنْ سَجَدَ للتِّلاَوَةِ في الصَّلاَةِ كَبَّرَ في السُّجُودِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ يَرْفَعُ؛ لأنَّ مَحَلَّ الرَّفْعِ في ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ. ويُكَبِّرُ للرَّفْعِ مِنْهُ ويَجْلِسُ ويُسَلِّمُ ولاَ يَقْتَصِرُ إلى تَشَهُّدٍ.   (1) هَذَا أحد تسميات سورة الإسراء. انظر: تفسير بحر العلوم 2/257 مَعَ حاشية المحقق. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 20 وَعَنْهُ: يُكْرَهُ للإمَامِ قِرَاءةُ السَّجْدَةِ في صَلاَةٍ لا يَجْهَرُ فِيْهَا، فَإِنْ قَرَأَ لَمْ يَسْجُدْ، وإِنْ سَجَدَ فالْمَأْمُوْمُ بالخِيَارِ بَيْنَ أنْ يَتْبَعَهُ أو يَتْرُكَ، وإِذَا لَمْ يَسْجُدِ التَّالِي لَمْ يَسْجُدِ المُسْتَمِعُ، ويُكْرَهُ اخْتِصَارُ السُّجُودِ: وَهُوَ أنْ يَجْمَعَ السَّجَدَاتِ فَيَرَأَهَا في وَقْتٍ وَاحِدٍ، ولاَ يَسْجُدُ للشُّكْرِ وَهُوَ في الصَّلاَةِ. بَابُ سُجُوْدِ السَّهْوِ إِذَا شَكَّ المُصَلِّي في عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بَنَى عَلَى اليَقِيْنِ إنْ كَانَ مُنْفَرِداً، وإِنْ كَانَ إِمَاماً فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، أَصَحُّهُمَا: أنَّهُ يَبْنِي عَلَى اليَقِيْنِ، والثَّانِيَةُ: يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، فَإِنِ اسْتَوَى عِنْدَهُ الأَمْرَانِ عُمِلَ عَلَى اليَقِيْنِ وَأَتَى بِمَا بَقِيَ وسَجَدَ للسَّهْوِ. وإِذَا زَادَ في صلاَتِهِ رُكُوعاً أو سُجُوْداً أو قِيَاماً أو جُلُوْساً سَاهِياً سَجَدَ للسَّهْوِ، أو أتَى بالتَّشَهُّدِ في قِيَامِهِ وَمَا أَشْبَهَهُ، فَهَلْ يَسْجُدُ للسَّهْوِ أمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1) .   (1) انظر: الروايتين والوجهين (ق 22 / أ) ، وفيه: أن الأصح هو العمل بسجدة السهو؛ لأن الزيادة في الصَّلاَة نقصان في المعنى. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 21 وإِذَا قَامَ إلى ثَالِثَةٍ في صَلاَةِ الفَجْرِ أو إلى رَابِعَةٍ في المَغْرِبِ أو إلى خَامِسَةٍ في بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ ذَكَرَ فَإِنَّهُ يَعُوْدُ إلى تَرْتِيْبِ صَلاَتِهِ، فَيَنْظُرُ إِنْ كَانَ قَدْ سَهَا عَقِبَ الثَّانِيَةِ مِنَ الفَجْرِ والثَّالِثَةَ مِنَ المَغْرِبِ أو الرَّابِعَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ سَجَدَ للسَّهْوِ وسَلَّمَ، وكَذَلِكَ إِنْ كَانَ قَدْ تَشَهَّدَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الرَّكْعَةِ الزَّائِدَةِ، وَإِنْ لَمْ / 33 ظ / يَكُنْ قَدْ تَشَهَّدَ جَلَسَ فَتَشَهَّدَ وسَجَدَ للسَّهْوِ وسَلَّمَ. فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ أنْ فَزَعَ مِنَ الصَّلاَةِ سَجَدَ للسَّهْوِ عَقِيْبَ ذِكْرِهِ، وصَلاَتُهُ مَاضِيَةٌ. فَإِنْ سَبَّحَ بِهِ اثْنَانِ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ، فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ وصَلاَةُ مَنْ خَلْفَهُ إنِ اتَّبَعُوهُ، فَإِنْ فَارَقُوهُ وَسَلَّمُوا صَحَّتْ صَلاَتُهُمْ (1) . وَمَتَى قَامَ إلى الرَّكْعَةِ فَذَكَرَ قَبْلَ الشُّرُوْعِ في قِرَاءتِهَا أنَّهُ قَدْ تَرَكَ رُكْناً مِنْ أَرْكَانِهَا الَّتِي قَبْلَهَا، لَزِمَهُ أنْ يَعُودَ فَيَأْتِي بِمَا تَرَكَهُ ثُمَّ يَأْتِي بِمَا بَعْدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ بِجَمِيْعِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ المَتْرُوْكِ. وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ شُرُوعِهِ في قِرَاءتِهَا، صَارَتِ الرَّكْعَةُ أَوَلِيَّةً، وبَطَلَ ما فَعَلَهُ قَبْلَهَا.   (1) في الروايتين والوجهين (ق 29 / أ – ب) : أن في هَذِهِ المسألة ثلاث روايات: الأولى: لا يتبعوه بل يسلموا، فإن تبعوه بطلت صلاتهم وصلاته أيضاً إذا لَمْ يجلس. والثانية: يتبعونه في القيام في القيام والسلام. والثالثة: لا يتبعونه (كَذَا) في القيام؛ لَكِنْ ينتظرونه (كَذَا) جلوساً حَتَّى يسلم بهم. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 22 وإِنْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أرْبَعِ رَكَعَاتٍ، وذَكَرَ وَهُوَ في التَّشَهُّدِ، سَجَدَ سَجْدَةً في الحَالِ، يُصْبِحُ لَهُ بِهَا رَكْعَةً، وقَامَ فَأَتَى بِثَلاَثِ رَكَعَاتٍ، وتَشَهَّدَ، وسَجَدَ للسَّهْوِ وسَلَّمَ. وعَنْهُ: أنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الصَّلاَةَ (1) . وإِذَا تَرَكَ رُكْناً ثُمَّ ذَكَرَ وَهُوَ في الصَّلاَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْضِعَهُ، بَنَى عَلَى اليَقِيْنِ وأَطْرَحَ الشَّكَّ. وإِذَا شَكَّ هَلْ سَهَا سَهْوَيْنِ أو أَكْثَرَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؛ كَفَاهُ لِلْجَمِيْعِ سَجْدَتَانِ. وإِنْ كَانَ السَّهْوُ مِنْ جِنْسَيْنِ، فَقَالَ: أبو بَكرٍ (2) : فِيْهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: تُجْزِيْهِ سَجْدَتَانِ. والآخَرُ: يَسْجِدُ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَيْنِ (3) . وإِذَا سَهَا خَلْفَ الإِمَامِ، لَمْ يَسْجُدْ، وإِنَّمَا سَهَا إمَامُهُ، سَجَدَ مَعَهُ، فَإِنْ تَرَكَ الإِمَامُ السُّجُودَ، فَهَلْ يَسْجُدُ المَأْمُومُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4) . وسُجُودُ السَّهْوِ وَاجِبٌ، ومَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلاَمِ إلاَّ أنْ يُسَلِّمَ مِنْ نُقْصَانٍ، أو يَتَحَرَّى الإِمَام، فَيَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلاَمِ، وعَنْهُ: إنْ كَانَ السَّهْوُ مِنْ نُقْصَانٍ، فَمَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلاَمِ، ومِنْ زِيَادَةٍ فَمَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلاَمِ، وعَنْهُ: أنَّ مَحَلَّ الجَمِيْعِ قَبْلَ السَّلاَمِ (5) .   (1) انظر: الروايتين والوجهين (ق 22 / أ) . (2) هُوَ أبو بكر الخلال. سبقت ترجمته. (3) انظر: الروايتين والوجهين (ق 22 / أ) . (4) انظر: الروايتين والوجهين (ق 23 / أ – ب) . (5) انظر: الروايتين والوجهين (ق 22 / ب) . وفيه: أن الثانية أصحّ. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 23 وإِذَا نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ في مَحَلِّهِ، سَجَدَ مَا لَمْ يَتَطَاوَلِ الزَّمَانُ، ويَخْرُجْ مِنَ المَسْجِدِ، وإنْ تَكَلَّمَ، وعَنْهُ: أنَّهُ يَسْجُدْ، وإنْ خَرَجَ مِنَ المَسْجِدِ وتَبَاعَدَ (1) . فَإِنْ تَرَكَ سُجُوْدَ السَّهْوِ المَرْفُوعِ (2) قَبْلَ السَّلاَمِ عَامِداً، بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وإنْ تَرَكَهُ نَاسِياً لَمْ تَبْطُلْ، وإنْ تَرَكَ المَشْرُوْعَ بَعْدَ السَّلاَمِ لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ، سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْداً أو سَهْواً. وإِذَا سَجَدَ للسَّهْوِ بَعْدَ السَّلاَمِ جَلَسَ فَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ. وحُكْمُ النَّافِلَةِ حُكْمُ الفَرِيْضَةِ في سُجُوْدِ السَّهْوِ. وإذَا تَعَمَّدَ تَرْكَ مَا شُرِّعَ لأَجْلِهِ سُجُودُ السَّهْوِ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ. بَابُ الأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلاَةِ فِيْهَا وَهِيَ خَمْسَةُ أَوْقَاتٍ: بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. وعِنْدَ طُلُوعِهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ قَدْرَ رُمْحٍ. وعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُوْلَ. وبَعْدَ صَلاَةِ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. وعِنْدَ غُرُوْبِهَا حَتَّى تَتَكَامَلَ. ولاَ يُتَطَوَّعُ في هَذِهِ الأوْقَاتِ بِصَلاَةٍ لاَ سَبَبَ لَهَا، وسَوَاءٌ في ذَلِكَ مَكَّةُ وَيَوْمُ الجُمُعَةِ وغَيْرُهُمَا.   (1) انظر: الروايتين والوجهين (ق 23 / ب) . (2) في المقنع: 33، والهادي: 26، والمحرر 1/85: ((الواجب)) . الجزء: 20 ¦ الصفحة: 24 فَأَمَّا مَا لَهَا سَبَبٌ كَصَلاَةِ الكُسُوفِ، والاسْتِسْقَاءِ، ورَكْعَتَي الفَجْرِ، وتَحَيَّةِ المَسْجِدِ، ورَكْعَتَي الطَّوَافِ، وسُجُودِ التِّلاَوَةِ والشُّكْرِ، والوِتْرِ إِذَا فَاتَ، وإِذَا حَضَرَتِ الجَمَاعَةُ مَعَ إمَامِ الحَيِّ، وَقَدْ كَانَ صَلَّى فَإِنَّهُ يَفْعَلُ رَكْعَتَي الفَجْرِ قَبْلَ الفَجْرِ، ورَكْعَتَي الطَّوَافِ حِيْنَ الطَّوَافِ ويُعِيْدُ الجَمَاعَةَ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وهَلْ يَفْعَلُ بَاقِيْهَا أمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: أصَحُّهُمَا: أنَّهُ يَفْعَلُهَا (1) . وأَمَّا الفَرَائِضُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّهَا ويَقْضِيْهَا في جَمِيْعِ الأَوْقَاتِ. ويُصَلَّى عَلَى الجَنَازَةِ بَعْدَ الفَجْرِ، وبَعْدَ العَصْرِ، وفي بَقِيَّةِ الأَوْقَاتِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2) ، فَإِذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ، فَلاَ يُصَلِّي غَيْرَ الَّتِي أُقِيْمَتْ، سَوَاءٌ خَشِيَ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ الأُوْلَى، أو لَمْ يَخْشَ. بَابُ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ   (1) انظر: الروايتين والوجهين (ق 25 / ب – 26 / أ) . (2) غَيْر موجودة في الروايتين والوجهين. انظر: المقنع: 35. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 25 الجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الأَعْيَانِ لِكُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ. ولَيْسَتْ شَرْطاً (1) في الصِّحَّةِ. ومِنْ شَرْطِهَا أنْ يَنْوِيَ الإِمَامُ والمَأْمُومُ حَالَهُمَا (2) . ويَجُوْزُ فِعْلُهَا في بَيْتِهِ، وعَنْهُ: أنَّ حُضُوْرَ المَسْجِدِ وَاجِبٌ. وفِعْلُهَا فِيْمَا كَثُرَ فِيْهِ الجَمْعُ مِنَ المَسَاجِدِ أَفْضَلُ، لا أنْ يَكُوْنَ ذُو الجَمْعِ القَلِيْلِ عَتِيْقاً، فَفِعْلُهَا فِيْهِ أَفْضَلُ (3) . فَإِنْ كَانَ في جِوَارِهِ مِسْجِدٌ لا تَنْعَقِدُ الجَمَاعَةُ فِيْهِ إلاَّ بِحُضُوْرِهِ، فَفِعْلُهَا فِيْهِ أَفْضَلُ. وإِنْ كَانَ الجَمَاعَةُ تُقَامُ فِيْهِ فَأَيُّمَا أَفْضَلُ قَصْدُهُ أو قَصْدُ الأَبْعَدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4) . فَإِنْ كَانَ البَلَدُ أَحَدَ ثُغُورِ المُسْلِمِيْنَ، فَالأَفْضَلُ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؛ لأَنَّهُ أَعْلَى لِلْكَلِمَةِ، وأَوْقَعُ لِلْهَيْبَةِ. ويُكْرَهُ إعَادَةُ الجَمَاعَةِ في المَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (5)   (1) في المحطوط: ((شرط)) بالرفع. (2) قَالَ في المبدع 1/419: ((أي: يشترط أن ينوي الإمامُ الإمامةَ عَلَى الأصح كالجمعة وفاقاً، والمأمومُ لحاله)) . (3) انظر: مسائل عَبْد الله لأبيه الإمام أحمد 2/353 (502) . (4) انظر: الروايتين والوجهين (ق 27 / أ – ب) . (5) وزاد ابن قدامة المسجد الأقصى، فقال في المقنع: 36: ((ولا تكره إعادة الجماعة في غير المساجد الثلاثة)) . وعلّل الكراهة في المغني 2/9 فَقَالَ: ((وذكره أصحابنا لئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة مَعَ الإمام الراتب فيها إذا أمكنهم الصَّلاَة في الجماعة مَعَ غيره)) . = = والسنة جاءت بعدم الكراهة للحديث الَّذِي رَوَاهُ أبو سعيد الخدري، قَالَ: جاء رجل وقد صلى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: ((أيكم يتجر عَلَى هَذَا؟)) فقام رجل فصلى مَعَهُ. والحديث أخرجه أحمد 3/5 و45 و64 و85، وعبد بن حميد (936) ، والدارمي (1375) و (1376) ، وأبو داود (574) ، والترمذي (220) ، وابن خزيمة (1632) ، وأبو يعلى (1057) ، وابن حبان (2399) ، والحاكم 1/209، والبيهقي 3/69، وابن حزم في المحلى 4/238. وَقَالَ عَنْهُ التِّرْمِذِيّ: حَدِيْث حسن. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 26 ، ولاَ يُكْرَهُ في بَقِيَّةِ المسَاجِدِ. وإِذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ إِمَامٌ / 30 ظ / رَاتِبٌ، لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أنْ يَؤُمَّ قَبْلَهُ؛ إلاَّ أنْ يَأْذَنَ، أو يَتَأَخَّرَ لِعُذْرٍ (1) . وإذَا صَلَّى في المَسْجِدِ ثُمَّ حَضَرَ إِمَامُ الحَيِّ اسْتُحِبَّ لَهُ إعَادَةُ الجَمَاعَةِ مَعَهُ إلاَّ المَغْرِبَ، وعَنْهُ (2) : أنَّهُ يُعِيْدُهَا أَيْضاً، ويُشْفِعُهَا بِرَابِعَةٍ.   (1) وذلك لأن الصَّحَابَة y لَمْ يتقدم أحد منهم للإمامة في مرض النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أذن لأبي بكر بقوله: ((مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس)) . والحديث أخرجه أحمد 6/96 و159 و206 و231 و270، والبخاري 1/173 و174 و4/182 و9/180، ومسلم 2/23، وابن ماجه (1233) ، والترمذي (3672) ، وأبو عوانة 2/117، وأبو يعلى (4478) ، وابن حبان (6601) ، والبيهقي 2/250 و 3/82. (2) هكذا رَوَاهُ عنه أبو طَالِب. انظر: الروايتين والوجهين (27 / أ) . الجزء: 20 ¦ الصفحة: 27 ومَنْ أَحْزَمَ مُنْفَرِداً، ثُمَّ نَوَى مُتَابَعَةَ الإمَامِ؛ لَمْ يَجُزْ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: أنَّهُ يُكْرَهُ ويُجْزِئُهُ (1) ، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ أنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ أتَمَّ أو أَقَلَّ أو أكْثَرَ. فَإِنْ نَوَى الإِمَامَةَ لَمْ تَصِحَّ. وَقِيْلَ: يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ كَالَّتِي قَبْلَهَا. وَقِيْلَ: يَصِحُّ في النَّفْلِ، ولاَ يَصِحُّ في الفَرْضِ. فَإِنْ أحْرَمَ مَعَ الإِمَامِ ثُمَّ أَخْرَجَ نَفْسَهُ عَنِ الجَمَاعَةِ – يَنْوِي مُفَارَقَتَهُ لِعُذْرٍ – فَأَتَمَّ مُنْفَرِداً جَازَ. وإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ في أصَحِّ القَوْلَيْنِ. ومَنْ كَبَّرَ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ الإمَامُ فَقَدْ أدْرَكَ الجَمَاعَةَ، وَهُوَ عَلَى تَكْبِيْرَتِهِ (2) ومَنْ أَدْرَكَهُ في الرُّكُوعِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، وعَلَيْهِ تَكْبِيْرَتَانِ للافْتِتَاحِ والرُّكُوعِ، فَإِنْ كَبَّرَ وَاحِدَةً ونَوَاهُمَا لَمْ يُجْزِهِ، وعَنْهُ أنَّهُ يُجْزِيْهِ (3) .   (1) غَيْر موجودتين في الروايتين والوجهين. (2) لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي رَوَاهُ أبو هُرَيْرَةَ: مَنْ أدرك من الصَّلاَة رَكْعَة فَقَدْ أدرك الصَّلاَة)) . والحديث صَحِيْح أخرجه أحمد 2/241 و270 و375، والدارمي (1223) و (1224) ، والبخاري 1/151، وفي القراءة خلف الإمام (205) و (206) و (210) و (211) و (212) و (213) ، ومسلم 2/ 102، وأبو داود (1121) ، وابن ماجه (1122) ، والترمذي (542) . وَقَالَ ابن قدامة في المغني 2/9 بَعْدَ ذَكَرَ الحديث: ((ولأنه لَمْ يفته من الأركان إلا القيام)) . (3) وذلك في رِوَايَة أبي داود وصالح كَمَا قال صاحب الشرح الكبير 2/9، وَقَالَ صاحب المقنع: 36: ((وأجزأته تكبيرة واحدة، والأفضل اثنان)) . الجزء: 20 ¦ الصفحة: 28 وَمَا أَدْرَكَ المَأْمُومُ مَعَ الإِمَامِ فَهُوَ آخِرُ صَلاَتِهِ، ومَا يَقْضِيْهِ فَهُوَ أَوَّلُهَا، يَأْتِي فِيْهِ بالافْتِتَاحِ والتَّعَوُّذِ وقِرَاءةِ السُّوْرَةِ. ولاَ تَجِبُ القِرَاءةُ عَلَى المَأْمُومِ، ويُسْتَحَبُّ لَهُ أنْ يَقْرَأَ بالحَمْدِ وسُوْرَةٍ في سَكَتَاتِ الإمَامِ، وفِيْمَا لاَ يُجْهَرُ فِيْهِ، ويُكْرَهُ أنْ يَقْرَأَ فِيْمَا جَهَرَ فِيْهِ الإمَامُ، إِذَا كَانَ يَسْمَعُهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى بُعْدٍ لاَ يَسْمَعُ قِرَاءتَهُ لَمْ يُكْرَهْ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لِطَرَشٍ، فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ – رَحِمَهُ اللهُ – فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أحَدُهُمَا: يُكْرَهُ، والآخَرُ: يُسْتَحَبُّ (1) . وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ المأْمُومُ، ويَسْتَعِيْذَ فِيْمَا يَجْهَرُ فِيْهِ الإِمَامُ أو يُكْرَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2) . ومَنْ حَضَرَ وَقَدْ أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ لَمْ يَشْتَغِلْ عَنْهَا بِنَافِلَةٍ، وإنْ أُقِيْمَتْ وَهُوَ في النَّافِلَةِ، وَلَمْ يَخْشَ فَوَاتَ الجَمَاعَةِ، أَتَمَّهَا، وإنْ خَشِيَ فَوَاتَهَا؛ فعَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا يُتِمُّهَا، والأُخْرَى: يَقْطَعُهَا (3) . ومَنْ دَخَلَ في جَمَاعَةٍ فَنَقَلَهَا إلى جَمَاعَةٍ أُخْرَى لِعُذْرٍ – مِثْلُ أنْ يَكُوْنَ مَأْمُوْماً فيَسْبِقُ إِمَامَهُ الحَدَثُ فَيَخْرُجُ ويَسْتَخْلِفُهُ؛ لِيُتِمَّ بِهِمُ الصَّلاَةَ – فَهُوَ جَائِزٌ، وهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: مَنْ سَبَقَهُ الحَدَثُ لاَ تَبْطُلُ صَلاَتُهُ (4) .   (1) انظر: المقنع: 36، والشرح الكبير 2/12. (2) انظر: المقنع: 36، والشرح الكبير 2/12، ومسائل عَبْد الله 2/352 (499) . (3) انظر: المقنع: 36، والشرح الكبير 2/9. (4) انظر: مسائل ابن هانئ 1/80 (397 – 399) . الجزء: 20 ¦ الصفحة: 29 وكَذَلِكَ إنْ أَدْرَكَ نَفْسَانِ بَعْضَ الصَّلاَةِ مَعَ الإِمَامِ، فَلَمَّا سَلَّمَ أتَمَّ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ في بَقِيَّةِ الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ / 36 و / يَصِحُّ، وفِيْهِ وَجْهٌ آخَرُ: أنَّهُ لاَ يَصِحُّ (1) . فَإِنْ أَحْرَمَ بِفَرِيْضَةٍ، فَبَانَ أنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا؛ انْقَلَبَتْ نَفْلاً، وإِنْ أَحْرَمَ بِهَا في وَقْتِهَا، ثُمَّ أَرَادَ قَلْبَهَا لِغَرَضٍ – نَحْوُ: أنْ يَكُونَ قَدْ أَحْرَمَ بِهَا مُنْفَرِداً، وحَضَرَتْ جَمَاعَةٌ، فَأَرَادَ أنْ يَجْلَهَا نَفْلاً، ثُمَّ يُصَلِّي فَرْضَهُ جَمَاعَةً – جَازَ. وإِنْ كَانَ لِغَيْرِ غَرَضٍ كُرِهُ، وصَحَّ قَلْبُهَا، وَقِيْلَ: لاَ يَصِحُّ لَهُ فَرْضٌ ولاَ نَفْلٌ (2) . فَإِنْ نَقَلَهَا إلى فَرِيْضَةٍ أُخْرَى فَاتَتْهُ، بَطَلَتْ الصَّلاَتَانِ وَجْهاً وَاحِداً. ولاَ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ المُفْتَرِضِ بالمُتَنَفِّلِ، ولاَ بِمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمَنْ يُصَلِّي العَصْرَ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: يَصِحُّ (3) . فَإِنْ صَلَّى مَنْ نَوَى (4) الظُّهْرَ خَلْفَ مَنْ يَقْضِي الظُّهْرَ؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ كَالَّتِي قَبْلَهَا. وَقَالَ الخَلاَّلُ: يَصِحُّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ.   (1) الوجهان غَيْر موجدين في الروايتين والوجهين. (2) في المخطوط: ((فرضاً ولا نقلاً)) . انظر: مسائل ابن هانئ 1/49 (234) . (3) نقل عدم الجواز أبو حارث وأبو طَالِب وحنبل ويوسف بن موسى والمروزي ومهنأ؛ لأنَّهُ لا تصح صلاته بنية صلاة إمامه، فَلاَ يصح اقتداؤه بِهِ، ونقل صالح وإسماعيل بن سعيد والميموني وأبو داود الجواز؛ لأن الصلاتين متفقتان في الأفعال الظاهرة وتُفعل جَمَاعَة وفرادى، فيصح اقتداؤه. الروايتين والوجهين 28/ أ. (4) في المخطوط: ((صلاتكم)) ، تحريف. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 30 ومَنْ سَبَقَ إِمَامَهُ في أَفْعَالِ الصَّلاَةِ، فَرَكَعَ أو سَجَدَ قَبْلَهُ؛ فَعَلَيْهِ أنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى لَحِقَهُ الإِمَامُ في الرُّكْنِ لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ عَلَى قَوْلِ شَيْخُنَا (1) ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: تَبْطُلُ (2) . فَإِنْ رَكَعَ قَبْلَهُ، ورَفَعَ قَبْلَ أنْ يَرْكَعَ الإِمَامُ عَامِداً، فَهَلْ تَبْطُلُ صَلاَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (3) . وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً أو نَاسِياً لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ، وهَلْ يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ أمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4) . فَإِنْ سَبَقَهُ بِرَكْعَتَيْنِ فَرَكَعَ قَبْلَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ أنْ يَرْكَعَ رَفَعَ، فَلَمَّا أَرَادَ أنْ يَرْفَعَ سَجَدَ، فَمَتَى فَعَلَ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيْمِهِ، بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وإنْ فَعَلَهُ مَعَ الجَهْلِ لَمْ تَبْطُلْ، وَلَمْ يُعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ.   (1) أبو يعلى الفراء. انظر: السِّيَر 19/350. (2) انظر: الروايتين والوجهين 27/ ب. (3) لا توجد في الروايتين والوجهين. (4) انظر: الروايتين والوجهين 27/ ب. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 31 ويُسْتَحَبُّ للإِمَامِ أنْ يُخَفِّفَ صَلاَتَهُ (1) مَعَ إتْمَامِهَا (2) إلاَّ أنْ يَعْلَمَ أنَّ مَنْ وَرَاءهُ يُؤْثِرُ التَّطْوِيْلَ. ويُسْتَحَبُّ لَهُ أنْ يُطِيْلَ الرَّكْعَةَ الأُوْلَى مِنْ كُلِّ صَلاَةٍ (3) ، وإِذَا أَحَسَّ بِدَاخِلٍ وَهُوَ في الصَّلاَةِ اسْتُحِبَّ لَهُ انْتِظَارُهُ مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَى المَأْمُومِيْنَ، وَقِيْلَ: لا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ (4) . وكُلُّ صَلاَةٍ شُرِّعَ فِيْهَا الجَمَاعَةُ للرِّجَالِ اسْتُحِبَّ للنِّسَاءِ فِعْلُهَا في جَمَاعَةٍ، وعَنْهُ: لاَ يُسْتَحَبُّ (5) . ولاَ يُكْرَهُ لِلْعَجَائِزِ حُضُورُ الجَمَاعَةِ مَعَ الرِّجَالِ (6) . بَابُ صِفَةِ الأَئِمَّةِ   (1) في المخطوط: ((صلاتكم)) ، تحريف. (2) للحديث الَّذِي رَوَاهُ أبو هُرَيْرَةَ عَن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم السقيم والشيخ الكبير وذا الحاجة)) . والحديث أخرجه أحمد 2/271 و502، ومسلم 2/43، وأبو داود (795) . (3) لحديث أبي قتادة قَالَ: ((كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي بنا، فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكِتَاب وسورتين، ويسمعنا الآية أحياناً. وَكَانَ يطول الركعة الأولى من الظهر ويقصر الثانية)) . والحديث متفق عليه أخرجه البخاري 1/195، ومسلم 2/37 (451) . وانظر: الشرح الكبير 2/16015. (4) انظر تفصيل ذَلِكَ في: الشرح الكبير 2/16. (5) غَيْر موجودتين في الروايتين والوجهين. (6) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تفلات)) . رَوَاهُ أبو هُرَيْرَةَ، وأخرجه الحميدي (978) ، وأحمد 2/438 و475 و528، والدارمي (1282) و (1283) ، وأبو داود (565) ، وابن خزيمة (1679) ، ومعنى ((التفلات)) : تاركات للعطر. انظر: النهاية 1/190. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 32 السُّنَّةُ أَنْ يَؤُمَّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ (1)   (1) ذَكَرَ صاحب الشرح الكبير 2/17 خلافاً في هذه المسألة وسنورده لما فيه من الفائدة، قَالَ: ((يعني أن القارئ مقدم عَلَى الفقيه وغيره، ولا خلاف في التقديم بالقراءة والفقه، واختلف في: أيهما يقدم؟ فذهب أحمد – رَحِمَهُ اللهُ – إِلَى تقديم القارئ، وَهُوَ قَوْل ابن سيرين والثوري وابن المنذر وإسحاق وأصحاب الرأي، وَقَالَ عطاء ومالك والأوزاعي والشافعي: يقدم الأفقه إذا كَانَ يقرأ ما يكفي في الصَّلاَة؛ لأنَّهُ قَدْ ينوبه في الصَّلاَة ما لا يدري ما يفعل فِيْهِ إلا بالفقه فيكون أولى)) . = = قلنا: والحديث الَّذِي رَوَاهُ أبو مسعود يبين أن القارئ مقدم عَلَى الفقيه، فَقد قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سناً، ولا يؤم الرجلُ الرجلَ في سلطانه)) . والحديث أخرجه الطيالسي (618) ، وعبد الرزاق (3808) ، والحميدي (457) ، وأحمد 4/118 و121 و5/272، ومسلم 2/133، وابن ماجه (980) ، والترمذي (235) ، وابن خزيمة (1507) و (1516) ، والدارقطني 1/279، والبيهقي 3/90 و119 و125، والبغوي (832) و (833) . ولأن هَذَا الترتيب جاء عَن الشارع فيتقيد بِهِ، فالأولى تقديم القارئ. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 33 ، فَإِنِ اسْتَوَوا فَأَفْقَهُهُمْ، فَإِنِ / 37 ظ / اسْتَوَوا فَأَسَنَّهُمْ، فَإِنْ اسْتَوَوا فَأَشْرَفُهُمْ، فَإِنِ اسْتَوَوا فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانَا فَقِيْهَيْنِ قَارِئَيْنِ إلاَّ أنَّ أَحَدَهُمَا أَقْرَأُ أو أَفْقَهُ قُدِّمَ بِذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَأُ والآخَرُ أَفْقَهُ قُدِّمَ الأَقْرَأُ (1) ، فَإِنِ اسْتَوَوا في جَمِيْعِ ذَلِكَ قُدِّمَ أَتْقَاهُم وَأْرَعُهُمْ، فَإِنْ تَشَاحَّا (2) مَعَ التَّسَاوِي أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. وَإِمَامُ المَسْجِدِ أحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، وصَاحِبُ البَيْتِ أَحَقُّ مِمَّنْ عِندَهُ، والسُّلْطَانُ أَحَقُّ مِنْهُمَا في أحَدِ الوَجْهَيْنِ (3) . والحُرُّ أَوْلَى مِنَ العَبْدِ، والحَاضِرُ أَوْلَى مِنَ المُسَافِرِ، والحَضَرِيُّ أَوْلَى مِنَ البَدَوِيِّ (4) ، والبَصِيْرُ أَوْلَى مِنَ الأَعْمَى عِنْدِي، وَقَالَ شَيْخُنَا: هُمَا سَوَاءٌ (5)   (1) هَذَا مذهب الإمام أحمد، وقد نقلنا قبل قليل الخلاف الذي وقع بَيْنَ أهل العِلْم في هَذِهِ المسألة. (2) تشاحوا في الأمر وعليه: تسابقوا إليه متنافسين فيه. انظر: اللسان 2/325، والوسيط: 474 (شح) . (3) انظر: المحرر 1/108. (4) لأن الحضري أقرب إلى العلماء ومجالسهم من البدوي، والله أعلم. (5) وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد استخلف ابن أم مكتوم عَلَى المدينة مرتين وهو يصلي بهم، لَكِنْ المؤلف – رَحِمَهُ اللهُ – أعطى الأولوية للبصير؛ وذلك – والله أعلم – لأنَّهُ يخشى عَلَى الأعمى من أمور مِنْهَا: قَدْ تصل نجاسته إلى ثوبه من غَيْر أن يشعر بِهَا. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 34 ، وَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ - رضي الله عنه - عَنْ إِمَامَةِ الأَقْطَعِ اليَدَيْنِ، وقَالَ أبُو بَكْرٍ: لاَ تَصِحُّ إمَامَتُهُ، وَقَالَ شَيْخُنَا: تَصِحُّ. وتُكْرَهُ إِمَامَةُ الأَقْلَفِ (1) والفَاسِقِ، سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ مِنْ جِهَةِ الاعْتِقَادِ، مِثْلُ: أنْ يَعْتَقِدَ مَذْهَبُ الجَهْمِيَّةِ (2) والمُعْتَزِلَةِ والرَّافِضَةِ تَقْلِيْداً، ومِنَ الأَفْعَالِ مِثْلُ: أنْ يَزْنِيَ أو يَشْرَبَ الخَمْرَ أو يَسْرِقَ. وَهَلْ تَصِحَّ إِمَامَتُهُمَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3) . وتَصِحُّ إِمَامَةُ الصَّبِيِّ في النَّوَافِلِ، ولاَ تَصِحُّ في الفَرَائِضِ عَلَى أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ (4) .   (1) وهو الَّذِي لَمْ يختن. انظر: الصحاح 4/1418، وتاج العروس 24/282 (قلف) . (2) طائفة من المبتدعة، جاءت تسميتهم نسبة إلى جهم بن صفوان الَّذِي تبنّى آراء الجعد بن درهم والتي منها: نفي صفات الله عزوجل، والقول بخلق القرآن الكريم، والقول بالجبر وما إلى غَيْر ذلك من الافتراءات عَلَى الله عزوجل. انظر: الفرق بَيْنَ الفرق: 211–212، ومقالات الإسلاميين 1/214، 338. (3) نقل أبو الحارث عدم جواز الصَّلاَة خلف الفاجر والمبتدع والفاسق إلا أن يخافهم فيصلي ويعيد، ونقل الجواز أبو الحربي عندما سئل: هل يُصلى خلف من يغتاب الناس؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ كُلّ من عصى الله تَعَالَى لا يصلى خلفه من يؤم الناس عَلَى هَذَا؟ وَقَالَ الإمام أحمد (في رِوَايَة حرب) : يصلى خلف كُلّ برّ وفاجر فَلاَ يكفر أحد بذنب. انظر: الروايتين والوجهين 28 / ب. (4) انظر: الروايتين والوجهين 28 / ب – 29 / أ. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 35 ولاَ تُكْرَهُ إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَا والجُنْدِيِّ إِذَا أَسْلَمَا في دِيْنِهِمَا، ولاَ تَصِحُّ إِمَامَةُ المَرْأَةِ بالرِّجَالِ (1) . والخَنَاثَى (2) بِحَالٍ عِنْدِي، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَصِحُّ في التَّرَاوِيْحِ وَتَكُوْنُ وَرَاءهُمْ، ولاَ تَصِحُّ إمَامَةُ الخنثيِّ بالرِّجَالِ (3) ، ولاَ بالخَنَاثَى، ولاَ تَصِحُّ إمَامَتُهُ بالنِّسَاءِ. ويُكْرَهُ أنْ يَؤُمَّ الرجَالُ نِسَاءً أَجَانِبَ لاَ رَجُلَ مَعَهُنَّ (4) . ويُكْرَهُ أنْ يَؤُمَّ الرَّجُلُ قَوْماً وَأَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ.   (1) لحديث جابر الَّذِي رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تؤمَّنَّ امرأةٌ رجلاً)) . أخرجه عَبْد بن حميد (1136) ، وابن ماجه (1081) ، وأبو يعلى (1856) ، والبيهقي 2/90 و171، والمزي في تهذيب الكمال 16/103. (2) جمع خُنْثَى، وهو مَن لَيْسَ رجلاً ولا امرأة عَلَى وجه بيِّن فيهما. انظر: التعريفات: 60. (3) لأنه يحتمل أن يكون امرأة فَلاَ يجوز أن يؤم رجالاً. انظر: المغني 2/33. (4) للحديث الَّذِي رواه عمر مرفوعاً: ((ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كَانَ ثالثهما الشيطان)) . والحديث أخرجه أحمد 1/18، والبزار (166) ، والترمذي (2165) ، وابن أبي عاصم (88) و (897) ، والطحاوي في شرح المعاني 4/150، والبيهقي 7/91. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 36 ولاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ خَلْفَ كَافِرٍ ولاَ أخْرَسَ، ولا تَصِحُّ خَلْفَ نَجِسٍ ولاَ مُحْدِثٍ يَعْلَمُ بِذَلِكَ. فَإِنْ جَهِلَ هُوَ والمأْمُومُ ذَلِكَ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ، فَصَلاَةُ المَأْمُومِ صَحِيْحَةٌ وصَلاَتُهُ بَاطِلَةٌ (1) . ولاَ تَصِحُّ صَلاَةُ قَارِئٍ خَلْفَ أُمِّيٍّ: وَهُوَ مَنْ لاَ يُحْسِنُ الفَاتِحَةَ، ولاَ أَرَتٍّ: وَهُوَ الَّذِي يُدْغِمُ حَرْفاً في حَرْفٍ (2) ، ولاَ أَلْثَغَ: وَهُوَ الَّذِي يَجْعَلُ الرَّاءَ غَيْناً [و] (3) الغَيْنَ رَاءً أو نَحْوَهُ (4) . وتَصِحُّ صَلاَتُهُمْ بِمَنْ حَالُهُ في ذَلِكَ كَحَالِهِ. وتُكْرَهُ إِمَامَةُ الفَأْفَاءِ: وَهُوَ الَّذِي يُكَرِّرُ الفَاءَ (5) . والتَّمْتَامَ: وَهُوَ الَّذِي يُكَرِّرُ التَّاءَ (6) . والَّذِي لاَ يُفْصِحُ بِبَعْضِ الحُرُوفِ / 38 و / مِثْلُ: العَرَبِيِّ الَّذِي لاَ يُفْصِحُ بالقَافِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ أَمُّوا صَحَّتْ إمَامَتُهُمْ. ويُكْرَهُ إِمَامَةُ اللَّحَّانِ – وإِنْ كَانَ لاَ يُحِيْلُ المَعْنَى –، فَإِنْ أَحَالَ المَعْنَى وَكَانَ ذَلِكَ في الفَاتِحَةِ، مِثْلُ: أنْ يَكْسِرَ الكَافَ مِنْ ((إيَّاكَ)) ، أو يَضُمَّ التَّاءَ مِنْ ((أَنْعَمْتَ)) ، ومَا أَشْبَهَهُ، وَهُوَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى   (1) للحديث الَّذِي رواه الدارقطني 1/363 من حَدِيْث البراء قَالَ: صلى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - بقوم، وليس هُوَ عَلَى وضوء، فتمت (الصَّلاَة) للقوم وأعاد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا الحديث ضعيف فيه عيسى بن عَبْد الله وجوير وكلاهما ضعيف. (2) انظر: الصحاح 1/249، والتاج 4/524 (رتت) . (3) غير موجود في النسخة الخطية، وهي ضرورية لاستقامة النص. (4) انظر: الصحاح 4/1325، والتاج 22/557 (لثغ) . (5) انظر: اللسان 1/141 (فأفأ) . (6) انظر: الصحاح 5/1878 (تتم) . الجزء: 20 ¦ الصفحة: 37 إِصْلاَحِهِ فَهُوَ كَالأُمِّيِّ، وإِنْ قَدِرَ عَلَى إصْلاَحِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَصَلاَتُهُ وَصَلاَةُ مَنْ خَلْفَهُ بَاطِلَةٌ. وَإنْ كَانَ في غَيْرِ الفَاتِحَةِ لَمْ تَبْطُلْ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ. ويَصِحُّ ائْتِمَامُ المُتَوَضِّيءِ بالمُتَيَمِّمِ، ولاَ يَصِحُّ ائْتِمَامُ مَنْ لاَ سَلَسَ (1) بِهِ بِمَنْ بِهِ سَلَسٌ، ولاَ القَادِرِ عَلَى الرُّكُوعِ والسُّجُودِ بالمُوْمِيءِ، ولاَ القَادِرِ عَلَى القِيَامِ بالعَاجِزِ عَنْهُ، إلاَّ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ إذَا مَرِضَ إمَامُ الحَيِّ، وكَانَ مَرَضُهُ يُرْجَى زَوَالُهُ، وإِذَا ابْتَدَأَ بِهِمْ إِمَامُ الحَيِّ الصَّلاَةَ جَالِساً صَلَّوا خَلْفَهُ جُلُوساً (2) نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ صَلَّوا قِيَاماً صَحَّتْ صَلاَتُهُمْ، وَقِيْلَ: لاَ تَصِحُّ. وإِنْ تَأَخَّرَ الإِمَامُ انْتَظَرُوا وَرُوْسِلَ إلاَّ أنْ يُخَافَ خُرُوجُ الوَقْتِ. بَابُ مَوْقِفِ الإِمَامِ والمَأْمُوْمِ   (1) شيء سلس: أي سهل، وفلان سَلِسُ البول، إذا كَانَ يستمسكه. الصحاح 3/938 (سلس) . (2) لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به … وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) . أخرجه عَبْد الرزاق (2909) ، والحميدي (1189) ، وأحمد 3/110 و 162، وعبد بن حميد (1161) ، وابن ماجه ماجه (876) و (1238) ، والترمذي (361) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/238، والبيهقي 2/96 و 97 من حديث أنس بن مالك. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 38 السُّنَّةُ أنْ يَقِفَ المَأْمُوْمُوْنَ خَلْفَ الإِمَامِ، فَإِنْ وَقَفُوا قُدَّامَهُ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُمْ، فَإِنْ كَانَ المَأْمُومُ وَاحِداً وَقَفَ عَنْ يَمِيْنِهِ، فَإِنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ. وإِذَا كَبَّرَ عَنْ يَمِيْنِهِ وَجَاءَ آخَرُ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مَعَهُ، ويَخْرُجَانِ وَرَاءَ الإِمَامِ، فَإِنْ كَبَّرَ الثَّانِي عَنْ يَسَارِهِ أَخْرَجَهُمَا بِيَدَيْهِ إلى وَرَائِهِ، ولاَ يَتَقَدَّمُ الإِمَامُ عَنْ مَوْضِعِهِ إلاَّ أَنْ يَكُوْنَ وَرَاءهُ ضَيِّقاً. وَإِذَا أَمَّ امْرَأَةً كَانَتْ خَلْفَهُ، فَإِنْ حَضَرَ مَعَهُمَا خَنَاثَى كَانُوا خَلْفَهُ والمَرْأَةُ خَلْفَهُمْ. فَإِنِ اجْتَمَعَ رِجَالٌ وصِبْيَانٌ وخَنَاثَى، يُقَدَّمُ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ الخَنَاثَى ثُمَّ النِّسَاءُ. وَإِذَا خَافَ الرَّجُلُ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ مَعَ الإِمَامِ فَكَبَّرَ فَذّاً خَلْفَ الصَّفِّ وصَلَّى رَكْعَةً كَامِلَةً لَمْ تَنْعَقِدْ صَلاَتُهُ، وإِنْ كَبَّرَ وَقَرَأَ ثُمَّ دَخَلَ في الصَّفِّ، أو جَاءَ آخَرُ فَوَقَفَ مَعَهُ قَبْلَ أنْ يَرْفَعَ الإِمَامُ مِنَ الرُّكُوعِ صَحَّتْ صَلاَتُهُ (1) .   (1) انظر: مسائل أبي داود للإمام أحمد: 35. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 39 وإنْ كَانَ الإِمَامُ قَدْ رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ وَلَمَّا يَسْجُدْ فَصَلاَتُهُ تَصِحُّ أيْضاً. وعَنْهُ: إنْ كَانَ عَالِماً بالنَّهْيِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ غَرَضٍ ولاَ خَشِيَ الفَوَاتَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلاَتُهُ، وَقِيْلَ: تَنْعَقِدُ (1) . / 39 ظ / وإِذَا حَضَرَ فَوَجَدَ في الصَّفِّ فُرْجَةً دَخَلَ فِيْهَا، وإِنْ لَمْ يَجِدْ وَقَفَ عَنْ يَمِيْنِ الإِمَامِ، وَلَمْ يُسْتَحَبَّ أنْ يَجْذِبَ رَجُلاً فَيَقُومَ مَعَهُ صَفّاً، فَإِنْ وَقَفَ إلى جَنْبِ كَافِرٍ أو مُحْدِثٍ يَعْلَمُ بِحَدَثِهِ، أو امْرَأَةٍ أو صَبِيٍّ فَهُوَ فَذٌّ، وعَنْهُ في الصَّبِيِّ: أنَّهُ يَكُوْنُ صَفّاً مَعَهُ في النَّافِلَةِ فَقَطْ. وَإِذَا وَقَفَتْ المَرْأَةُ في صَفِّ الرِّجَالِ كُرِهَ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهَا ولاَ صَلاَةُ مَنْ يَلِيْهَا. وَقَالَ أبو بَكْرٍ (2) : تَبْطُلُ صَلاَةُ مَنْ يَلِيْهَا (3) . وإِذَا صَلَّى في المَسْجِدِ مَأْمُوْماً وَهُوَ لاَ يَرَى الإِمَامَ ولاَ مَنْ وَرَاءهُ غَيْرَ أنَّهُ يَسْمَعُ التَّكْبِيْرَ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ، وعَنْهُ: أنَّهَا تَصِحُّ (4)   (1) انظر: شرح الزركشي عَلَى مَتْن الخرقي 1/419 و 421. (2) هُوَ الإمام أبو بكر أحمد بن هارون الخلال، له تصانيف كثيرة الجامعة لعلوم الإمام أحمد، توفي سنة (311 هـ‍) ، ودفن رَحِمَهُ اللهُ عِنْدَ رجلي أحمد رَحِمَهُ اللهُ. مختصر طبقات الحنابلة: 28. (3) قلنا: ورد عن السيدة عَائِشَة أنها قالت: ((كَانَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاته من الليل، وأنا عَنْ يمينه وعن شماله مضطجعة)) . والحديث أخرجه أحمد 6/95 و146، وأبو يعلى (4891) . فكون المرأة عن يمين وشمال المصلي لا تبطل صلاته، فالوقت بجنب المصلي أولى بِذَلِكَ. (4) وعنه روايتان أخريان: أحدهما: تصح في المسجد ولا تصح في غيره، وهي اختبار القاضي. الثانية: يصح ذلك في التطوع دون الفريضة. حكاها ابن حامد. انظر: شرح الزركشي 1/410. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 40 وَإِذَا صَلَّى خَارِجَ المَسْجِدِ وَهُوَ يَرَى مَنْ وَرَاءَ الإِمَامِ ولَيْسَ بَيْنَهُمَا طَرِيْقٌ، أو بَيْنَهُمَا طَرِيْقٌ والصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ صَحَّتِ الصَّلاَةُ. فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ يَمْنَعُهُ مِنْ رُؤْيَةِ المَأْمُوْمِيْنَ أو طَرِيْقٌ أو نَهْرٌ تَجْرِي فِيْهِ السُّفُنُ لَمْ يَصِحَّ أنْ يَأْتَمَّ بِهِ. ويُكْرَهُ لِلإِمَامِ أنْ يَكُوْنَ أَعْلَى مِنَ المَأْمُوْمِيْنَ سَوَاءٌ أَرَادَ تَعْلِيْمَهُمُ الصَّلاَةَ (1)   (1) إذا أراد تعليمهم فَلاَ بأس بذلك لما رواه سهل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى عَلَى المنبر، والناس وراءه، فجعل يصلي عليه ويركع، ثُمَّ يرجع إلى القهقري فيسجد عَلَى الأرض، ثُمَّ يعود إلى المنبر، فلما فرغ أقبل عَلَى الناس، فَقَالَ: ((إنما صنعت هَذَا ليأتموا بي ولتعلموا صلاتي)) . والحديث أخرجه أحمد 5/339، والبخاري 2/397 (917) ومسلم 1/386 (44) (544) ، وأبو داود (1080) ، وابن ماجه (1416) ، والنسائي 2/57، والبيهقي 3/108. لكن إذا كَانَ لعدم التعليم فإنه يكره، ولذلك عندما قام عمار يصلي في المدائن عَلَى دكان، والناس تصلي أسفل منه تقدم إليه حذيفة وأنزله، فلما فرغ عمار من الصَّلاَة، قَالَ لَهُ حذيفة: ألم تسمع رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْل: ((إذا أمَّ الرجلُ القومَ فَلاَ يقوم في مقام أرفع من مقامهم)) . الحديث أخرجه أبو داود (598) ، والبيهقي 3/109. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 41 أو لَمْ يُرِدْ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: تَبْطُلُ الصَّلاَةُ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لاَ تَبْطُلُ. ولاَ يُسْتَحَبُّ للإِمَامِ أنْ يَقِفَ في طَاقِ القِبْلَةِ إلاَّ أنْ يَكُوْنَ المَسْجِدُ ضَيِّقاً، ولاَ يُكْرَهُ لِلإِمَامِ أنْ يَقِفَ بَيْنَ السَّوَارِي (1) ، ويُكْرَهُ لِلْمَأْمُوْمِيْنَ؛ لأنَّهَا تَقْطَعُ صُفُوْفَهُمْ (2) . ويُكْرَهُ لِلإِمَامِ أنْ يَتَطَوَّعَ مَوْضِعَ صَلاَتِهِ المَكْتُوْبَةِ، ولاَ يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِيْنَ. وَإِذَا صَلَّتِ امْرَأَةٌ بِنِسَاءٍ قَامَتْ وسَطَهُنَّ في الصَّفِّ، وكَذَلِكَ إمَامُ الرِّجَالِ العُرَاةِ يَكُوْنُ في وسَطِهِمْ. بَابُ الأَعْذَارِ الَّتِي يَجُوْزُ مَعَهَا تَرْكُ الجُمُعَةِ أو الجَمَاعَةِ   (1) جمع سارية، وَهِيَ الإسطوانة العمودية الَّتِي يستند عليها السقف. انظر: الصحاح 6/2376 (سرا) . (2) رَوَى معاوية بن قرة، عن أبيه، وانه قَالَ: ((كنا ننهى أن نصفّ بَيْنَ السواري، عَلَى عهد رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، ونطرد عَنْهَا طرداً)) . والحديث أخرجه الطيالسي (1073) ، وابن ماجه (1002) ، وابن خزيمة (1567) ، والطبراني 19/ (39) و (40) ، والحاكم 1/218، وانظر: الهادي: 30. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 42 ويُعْذَرُ في تَرْكِ الجُمُعَةِ والجَمَاعَةِ المَرِيْضُ، ومَنْ لَهُ مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ، أو قَرِيْبٌ يَخَافُ مَوْتَهُ، ومَنْ يُدَافِعُ الأَخْبَثَيْنِ أو أَحَدَهُمَا، ومَنْ يَحْضُرُ الطَّعَامَ وبِهِ حَاجَةٌ إِلَيْهِ، ومَنْ يَخَافُ مِنْ سُلْطَانٍ يَأْخُذُهُ، أو غَرِيْمٍ (1) يُلاَزِمُهُ ولاَ شَيْءَ مَعَهُ يُعْطِيْهِ، والمُسَافِرُ إِذَا خَافَ فَوَاتَ القَافِلَةِ، ومَنْ يَخَافُ ضَرَراً في مَالِهِ أو يَرْجُو وُجُوْدَهُ، ومَنْ يَخَافُ مِنْ غَلَبَةِ النُّعَاسِ حَتَّى يَفُوْتَ الوَقْتُ، ومَنْ يَخَافُ التَّأَذِّي بالمَطَرِ والوَحْلِ والرِّيْحِ الشَّدِيْدَةِ في اللَّيْلَةِ المُظْلِمَةِ البَارِدَةِ / 40 و /. بَابُ صَلاَةِ المَرِيْضِ (2)   (1) غريم: تطلق عَلَى الَّذِي عليه الدين، أيضاً عَلَى الَّذِي لَهُ دين. وأطلقه هنا عَلَى الَّذِي لَهُ دين. انظر: الصحاح 5/1996 (غرم) . (2) في هَذَا الباب بَيَان كيفية صلاة المريض، وقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - فِيْمَا رواه وائل بن حجر أنه قَالَ: ((رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى جالساً عَلَى يمينه وَهُوَ وجع)) . أخرجه ابن ماجه (1244) . وورد عَنْ عمران بن حصين أنه قَالَ: ((كَانَ بي الناصور، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصَّلاَة فَقَالَ: ((صلِّ قائماً، فإن لَمْ تستطع فقاعداً، فإن لَمْ تستطع فعلى جَنب)) . أخرجه أحمد 4/426، والبخاري 2/60، وأبو داود (952) ، وابن ماجه (1223) ، والترمذي (372) ، وابن خزيمة (979) و (1250) ، والدارقطني 1/380، والبيهقي 2/304، وانظر: المغني 2/86 – 89. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 43 وَإِذَا عَجَزَ المَرِيْضُ عَنِ الصَّلاَةِ قَائِماً صَلَّى قَاعِداً مُتَرَبِّعاً ويَثْنِي رِجْلَيْهِ في حَالِ سُجُوْدِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ القُعُودِ صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ بِوَجْهِهِ، فَإِنْ صَلَّى مُسْتَلْقِياً عَلَى ظَهْرِهِ، ووَجْهُهُ وَرِجْلاَهُ إلى القِبْلَةِ جَازَ، وكَانَ تَارِكاً للاسْتِحْبَابِ، ويُومِئُ بالرُّكُوْعِ والسُّجُودِ ويَكُونُ سُجُوْدُهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوْعِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَوْمَأَ بِطَرَفِهِ ونَوَى بِقَلْبِهِ. ولاَ تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلاَةُ مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتاً، فَإِنْ قَدِرَ عَلَى القِيَامِ في أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ أو عَلَى القُعُودِ انْتَقَلَ إِلَيْهِ وأَتَمَّ صَلاَتَهُ. فَإِنْ قَدِرَ عَلَى القِيَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ والسُّجُودِ صَلَّى قَائِماً وَأَوْمَأَ بالرُّكُوْعِ وجَلَسَ فَأَوْمَأَ بالسُّجُوْدِ. فَإِنْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ، فَقَالَ ثِقَاتٌ مِن العُلَمَاءِ بالطِّبِّ: إنْ صَلَّيْتَ مُسْتَلْقِياً أَمْكَنَ مُدَاوَاتُكَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ (1) .   (1) وَقَدْ نقل عَنْ بَعْض الصَّحَابَة - رضي الله عنهم - المنع، من ذَلِكَ ما روي عَن ابن عَبَّاسٍ أنه لَمَّا كُفَّ بصره أتاه رجل فَقَالَ لَهُ: ((إنك إن صبرت لي سبعاً لَمْ تصلِّ إلا مستلقياً تومئ إيماءً داويتك فبرأت إن شاء الله تَعَالَى، فأرسل إلى عَائِشَة وأبي هُرَيْرَةَ وغيرهما من أصحاب مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - كلٌّ يَقُوْل: رأيت إن متَّ في هَذَا السبع كيف تصنع بالصلاة فترك عينه وَلَمْ يداوها)) . أخرجه الحَاكِم 3/545، وبنحوه البيهقي 2/309. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 44 ولاَ تَصِحُّ صَلاَتُهُ في السَّفِيْنَةِ (1) جَالِساً وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى القِيَامِ. وتَجُوزُ صَلاَةُ الفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ؛ لأَجْلِ التَّأَذِّي بالمَطَرِ والوَحْلِ، وَهَلْ تَجُوْزُ الصَّلاَةُ عَلَيْهَا لأَجْلِ المَرَضِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2) . بَابُ صَلاَةِ المُسَافِرِ وَإِذَا سَافَرَ سَفَراً يَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخاً (3)   (1) الصَّلاَة في السفينة مَعَ القدرة عَلَى الخروج مختلف فِيْهَا فقد نقل عَبْد الله: إذا لَمْ يمكنهم الخروج صلوا في السفينة، فأما إن كَانَ يمكنهم الخروج خرجوا حَتَّى يصلوا عَلَى الأرض، فظاهر هَذَا منع الصَّلاَة فِيْهَا؛ لأنها ليست حال استقرار أشبه بالراحلة. ونقل أبو الحارث وألأثرم وغيرهما جواز الصَّلاَة فِيْهَا مَعَ القدرة عَلَى الخروج؛ لأنَّهُ يتمكن في العادة من القيام والركوع والسجود فأشبه إذا كانت واقفه عَلَى الأرض. الروايتين والوجهين 30 / أ. (2) انظر: الروايتين والوجهين 30/ ب. (3) الفرسخ: ثلاثة أميال هاشمية. انظر: الصحاح 5/1823 (ميل) ، وتاج العروس 7/317 (فرسخ) . وهذه المسألة كوطن نزاع واختلاف بين الفقهاء، وقد أشبعها بحثاً محقق " التهذيب في الفقه الشافعي ". فانظره 2/289 فما بعدها. والفرسخ يعادل (5540) متراً، وعليه فمسافة القصر (88640) متراً، أي: (88.64) كيلو متراً. انظر: تعليق الأستاذ مُحَمَّد الخاروف على كتاب ابن رفعة "الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان":77. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 45 - ثَمَانِيَةً وأَرْبَعِيْنَ مِيْلاً بالهَاشِمِيِّ – في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، فَلَهُ أنْ يَقْصُرَ الرُّبَاعِيَّةَ فَيُصَلِّيَهَا رَكْعَتَيْنِ إِذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ أو خِيَامَ قَوْمِهِ. والقَصْرُ أَفْضَلُ مِنَ الإِتْمَامِ (1) .   (1) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صدقة تصدّق الله بِهَا عليكم فاقبلوا صدقته)) . والحديث أخرجه أحمد 1/36، والدارمي (1513) ، ومسلم 1/478، وأبو داود (1199) ، وابن ماجه (1065) ، والترمذي (3034) ، والبيهقي 3/134، والنحاس في الناسخ والمنسوخ: 161. ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما –: ((إن الله يجب أن نؤتى رخصه كَمَا يكره أن تؤتى معصيته)) . رَوَاهُ أحمد 2/108، وابن خزيمة (950) و (2027) ، والبزار (988 كشف الأستار) ، والبيهقي في السنن 3/140 وفي الشعب (3890) ، والخطيب في تاريخه 10/347. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 46 وإِذَا كَانَ لِمَقْصَدِهِ طَرِيْقَانِ يَقْصُرُ في أَحَدِهِمَا ولاَ يَقْصُرُ في الآخَرِ، فَمَتَى اخْتَارَ الأَبْعَدَ قَصَرَ. وإِذَا أَحْرَمَ في الحَضَرِ، ثُمَّ سَافَرَ أو أحْرَمَ في السَّفَرِ، ثُمَّ أَقَامَ أو ائْتَمَّ بِمُقِيْمٍ أو بِمَنْ يَشَكُّ، هَلْ هُوَ مُقِيْمٌ أو مُسَافِرٌ، أو لَمْ يَنْوِ القَصْرَ لَزِمَهُ أنْ يُتِمَّ. وإِذَا نَسِيَ صَلاَةَ سَفَرٍ فَذَكَرَهَا في الحَضَرِ، أو صَلاةَ حَضَرٍ فَذَكَرَهَا في السَّفَرِ أو ائْتَمَّ بِمُقِيْمٍ فَفَسَدَتِ الصَّلاَةُ وَأَرَادَ إِعَادَتَهَا وَحْدَهُ، أو سَافَرَ بَعْدَهُ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلاَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ القَصْرُ في جَمِيْعِ ذَلِكَ. فَإِنْ نَسِيَ صَلاَةً في سَفَرٍ فَذَكَرَهَا في سَفَرٍ آخَرَ جَازَ لَهُ القَصْرُ، ويُحْتَمَلُ /41ظ/ أنْ لاَ يَجُوْزَ. وإِذَا نَوَى المُسَافِرُ الإِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ (1) ، وَعَنْهُ: إنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ صَلاَةً أَتَمَّ (2) ، وَإِنْ نَوَى دُوْنَهَا قَصَرَ. وَإِنْ أَقَامَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ وَلَمْ يَنْوِ الإِقَامَةَ قَصَرَ أَبَداً، وَكَذَلِكَ إِذَا حَبَسَهُ السُّلْطَانُ أو عَدُوُّهُ وَهُوَ في سَفَرٍ. وَالمَلاَّحُ والمُكَارِيُّ (3)   (1) كَمَا نقلها أبو داود وابن إبراهيم في أصح الروايتين. الروايتين والوجهين 30/ أ، وانظر: مسائل أبي داود: 74 - 75، ومسائل إسحاق بن إبراهيم بن هانئ 1/81. (2) نقلها عنه عبد الله والأثرم. الروايتين والوجهين 30/ أ، وانظر: مسائل عبد الله 2/395 (556) ، وراجع: بدائع الفوائد 4/116 فما بعدها. (3) والجمع فيها مكارون: وهو مكري الدواب للمسافرين. المعجم الوسيط: 785 وهو قريب الشبه بسائقي سيارات الأجرة في زماننا. انظر: الصحاح 6/2273، وتاج العروس 10/312 (كري) . وَقَدْ خطّأ صاحب المغني 2/105 المصنف في عدم جواز الفطر له فقال: ((وهذا غير صحيح؛ لأنَّهُ مسافر مشفوق عَلَيْهِ. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 1 والفَيْجُ (1) ، إذَا كَانُوا يُسَافِرُوْنَ بِأَهْلِيْهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ نِيَّةُ الإِقَامَةِ بِبَلَدٍ لَمْ يَجُزْ لَهُمُ التَّرَخُّصُ. بَابُ الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ يَجُوْزُ الجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ، والمَغْرِبِ والعِشَاءِ في السَّفَرِ الطَّوِيْلَ، ولاَ يَجُوزُ في القَصْرِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَأخِيْرِ الأُوْلَى إلى الثَّانِيَةِ، وبَيْنَ تَقْدِيْمِ الثَّانِيَةِ إلى وَقْتِ الأُوْلَى. والمُسْتَحَبُّ التَّأْخِيْرُ، فَإِنْ جَمَعَ في وَقْتِ الأَوَّلَةِ افْتَقَرَ إلى ثَلاَثَةِ شُرُوطٍ: - أنْ يُقَدِّمَ الأَوَّلَةَ مِنْهُمَا. - وأَنْ يَنْوِيَ الجَمْعَ عِنْدَ الإِحْرَامِ بالأَوَّلَةِ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وفي الآخَرِ يَجُوْزُ أنْ يَنْوِيَ قَبْلَ الفَرَاغِ مِنَ الأوَّلَةِ (2) . - وألاَّ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إلاَّ بَقَدْرِ الإِقَامَةِ [وَ] (3) الوُضُوْءِ، فَإِنْ صَلَّى بَيْنَهُمَا سُنَّةَ الصَّلاَةِ بَطَلَ الجَمْعُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى لاَيَبْطُلُ.   (1) الفَيْج: هو المسرع في مشيه الذي يحمل الأخبار من بلد، والجمع: فيوج، وهو فارسي معرّب. انظر: النهاية 3/483، والمحرر 1/133، والصحاح 1/336 (فوج) . (2) القول بالنية مَعَ القصر قول الخرقي، أما عدم النية فهو قول أبي بكر الخلال. انظر: الروايتين والوجهين 31/ أ، والمغني 2/150. (3) في النسخة الخطية: ((في)) ، ولا يستقيم بِهَا السياق، والصواب ما أثبتناه نص عليه في: المحرر 1/135، والمبدع 2/121، ودليل الطالب: 51، ومنار السبيل 1/134، والإنصاف 2/342. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 2 وإِنْ أَرَادَ الجَمْعَ في وَقْتِ الثَّانِيَةِ كَفَاهُ نِيَّةُ الجَمْعِ في وَقْتِ الأَوَّلَةِ إلى أنْ يَبْقَى مِنْهُ قَدْرُ مَا يُصَلِّيْهَا والتَّرْتِيْبُ. وهَلْ يُشْتَرَطُ ألاَّ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَصَحُّهُمَا: ألاَّ يُشْتَرَطَ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لاَ يَفْتَقِرُ الجَمْعُ والقَصْرُ إلى أنْ يَنْوِيَهُمَا. ويَجُوزُ لِلْمُقِيْمِ الجَمْعُ لأَجْلِ المَرَضِ كَمَا يَجُوزُ لأَجْلِ السَّفَرِ. فَأَمَّا الجَمْعُ لأَجْلِ المَطَرِ فَيَجُوْزُ بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ، ولاَ يَجُوْزُ بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ (1) في قَوْلِ أبي بَكْرٍ وابْنِ حَامِدٍ، وَقَالَ شَيْخُنَا أبو يَعْلَى: يَجُوْزُ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيْحُ عِنْدِي (2) .   (1) نقل صاحب المغني 2/117 عَنْ الأثرم أنه قال: ((قيل لأبي عَبْد الله الجمع بين الظهر والعصر في المصر، قَالَ: لا ما سمعت)) . (2) وهو الصواب – إن شاء الله تَعَالَى – للحديث الذي رواه ابن عباس قَالَ: ((جمع رَسُوْل الله بَيْنَ الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غَيْر خوف ولا مطر. فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قَالَ: أراد أن لا يحرج أمته)) . والحديث أخرجه الشافعي 1/118 – 119، والطيالسي (2614) ، وعبد الرزاق (4435) ، والحميدي (471) ، وأحمد 1/283 و349 و354، ومسلم 2/151 و152، وأبو داود (1210) و (1211) ، والترمذي (187) ، والنسائي 1/290، وابن خزيمة (971) و (972) . فالحديث فيه جواز الجمع بين الظهر والعصر من غَيْر مطر، فوجود المطر أولى بالجمع، والله أعلم. وانظر: الشرح الكبير 2/117. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 3 فَإِنْ جَمَعَ في وَقْتِ الأَوَّلَةِ اعْتُبِرَ أَنْ يَكُونَ المَطَرُ مَوْجُوْداً عِنْدَ افْتِتَاحِ الأَوَّلَةِ، وعِنْدَ الفَرَاغِ مِنْهَا وافْتِتَاحِ الثَّانِيَةِ، وإِنْ جَمَعَ في وَقْتِ الثَّانِيَةِ جَمَعَ سَوَاءٌ كَانَ المَطَرُ قَائِماً أو قَدِ انْقَطَعَ. وهَذَا إِذَا كَانَ يُصَلِّي في مَوْضِعٍ يُصِيْبُهُ المَطَرُ وكَانَ المَطَرُ مِمَّا /42 و/ يَبِلُّ الثِّيَابِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ يُصَلِّي في بَيْتِهِ أو في مَسْجِدٍ يَخْرُجُ إِليْهِ تَحْتَ سَابَاطٍ (1) أو مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أو لَمْ يَكُنْ مَطَرٌ ولَكِنْ وَحْلٌ أو رِيْحٌ شَدِيْدَةٌ بَارِدَةٌ، فَهَلْ يَجُوْزُ الجَمْعُ أمْ لاَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (2) . بَابُ صَلاَةِ الخَوْفِ (3) تَجُوزُ صَلاَةُ الخَوْفِ عَلَى الصِفَةِ الَّتِي [صَلاَّهَا رَسُوْلُ اللهِ] (4) - صلى الله عليه وسلم - بِذَاتِ الرِّقَاعِ (5) ، بِأَرْبَعَةِ شَرَائِطَ: - أنْ يَكُونَ العَدُوُّ مُبَاحَ القِتَالِ.   (1) الساباط: هِيَ سقيفة بَيْنَ حائطين تحتها طريق، والجمع سوابيط وسابطات. انظر: الصحاح 3/1129، وتاج العروس 19/332 (سبط) . (2) انظر: المغني 2/118، والشرح الكبير 2/118. (3) قَالَ الله تَعَالَى: {وإذَا كُنْتَ فِيْهِمْ فَأقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ … الآية} . النساء: 102. هَذِهِ الآية تشريع لصلاة الخوف. (4) ما بين المعكوفين ليس في النسخة الخطية، زدناها من الكافي 1/207، وهي ضرورية لاستقامة النص. (5) الرِّقاع – بكسر أوله وآخره عين مهملة، وهي اسم غزوة للنبي r غزاها، قيل: هي اسم شجرة في ذلك الموضع، وقيل: ذات الرِّقاع جبل فيه سواد وبياض وحمرة، وقيل: سميت بهذا الاسم؛ لأن أقدامهم نقبت من المشي فلفوا عَلَيْهَا الخرق. انظر: مراصد الاطلاع 2/624 – 625، وتاج العروس 21/115 – 116 (رقع) . الجزء: 21 ¦ الصفحة: 4 - ويَكُوْنَ في غَيْرِ جِهَةِ القِبْلَةِ. - وألاَّ يُؤْمَنَ هُجُومُهُ. - ويَكُوْنَ مِنَ المُصَلِّيْنَ كَثْرَةً يُمْكِنُ تَفَرُّقُهُمْ طَائِفَتَيْنِ، كُلُّ طَائِفَةٍ ثَلاَثَةٌ (1) أَو أَكْثَرُ، تُجْعَلُ طَائِفَةٌ بِإِزَاءِ العَدُوِّ، وطَائِفَةٌ تُصَلِّي خَلْفَهُ، فَيُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً، فَإِذَا قَامَ إلى الثَّانِيَةِ نَوَتْ مُفَارَقَتَهُ وأَتَمَّتْ لأَنْفُسِهَا بِرَكْعَةٍ ثَانِيَةٍ بِالْحَمْدِ وبِسُوْرَةٍ، ثُمَّ تَمْضِي إلى وَجْهِ العَدُوِّ، وتَجِيءُ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَتُصَلِّي مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وتَجْلِسُ، وتَقُومُ هِيَ فَتُصَلِّي رَكْعَةً ثَانِيَةً وتَجْلِسُ، فَيَتَشَهَّدُ ويُسَلِّمُ بِهِمْ، ويَقْرَأُ ويَتَشَهَّدُ في حَالِ الانْتِظَارِ ويُطِيْلُ حَتَّى يُدْرِكُوهُ. فَإِنْ كَانَتِ الصَّلاَةُ مَغْرِباً صَلَّى بالأُوْلَى رَكْعَتَيْنِ وبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً، وهَلْ تُفَارِقُهُ الطَّائِفَةُ الأُوْلَى في التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ أو حِيْنَ يَقُومُ إلى الثَّالِثَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (2) . فَإِنْ كَانَتِ الصَّلاَةُ رُبَاعِيَّةً صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ، فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً، فَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: لاَ تَصِحُّ صَلاَةُ الإِمَامِ، وتَصِحُّ صَلاَةُ الفِرْقَةِ الأُوْلَى والثَّانِيَةِ، وتَبْطُلُ صَلاَةُ الثَّالِثَةِ والرَّابِعَةِ إِنْ عَلِمَتَا بِبُطْلاَنِ صَلاَتِهِ.   (1) في النسخة المعتمدة: ((ثلاثة آلاف)) . وكلمة ((آلاف)) مقحمة من الناسخ، فكل من نقل عن المصنف اقتصر عَلَى لفظ: ((ثلاثة)) . وانظر: المغني 2/261، وشرح الزركشي 1/495. (2) انظر: شرح الزركشي 1/492، والمقنع: 40. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 5 وإِنْ كَانَ العَدُوُّ في جِهَةِ القِبْلَةِ، وهُمْ بِحَيْثُ لاَ يَخْفَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلاَ يَخَافُ كَمِيْناً لَهُمْ وفي المُسْلِمِيْنَ كَثْرَةٌ جَازَ أنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِعُسْفَانَ (1) ، وَصِفَتُهَا: [أَنْ] (2) يُوْقِفَهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ فَصَاعِداً ويُحْرِمُ بِهِمْ أَجْمَعِيْنَ، ويُصَلِّي الأَوَّلَةَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ فِيْهَا سَجَدُوا كُلُّهُمْ إلاَّ الصَّفَّ الأوَّلَ الَّذِي يَلِيْهِ، فَإِنَّهُ يَقِفُ فَيَحْرُسَهُمْ /43ظ/ فَإِذَا قَامُوا (3) إلى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سَجَدَ الَّذِيْنَ حَرَسُوا وَلَحِقُوا بِهِ فَصَلُّوا أَجْمَعِيْنَ، فَإِذَا سَجَدَ في الثَّانِيَةِ حَرَسَ الصَّفَّ الَّذِي سَجَدَ مَعَهُ في الرَّكْعَةِ الأُوْلَى، فَإِذَا جَلَسَ سَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي حَرَسَ ثُمَّ لَحِقُوهُ فَيَتَشَهَّدُ بالجَمِيْعِ ويُسَلِّمُ. فَإِنْ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الأَوَّلُ إلى مَوْضِعِ الثَّانِي وتَقَدَّمَ الثَّانِي إلى مَوْضِعِ الأَوَّلِ فَحَرَسَ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَلاَ بَأْسَ.   (1) وذلك عام الحديبية سنة ست من الهجرة. والحديث أخرجه الطيالسي (1347) ، وأحمد 4/59 – 60، وأبو داود (1236) ، والنسائي 3/176 و 177، والدولابي في الكنى والأسماء 1/47، وابن الجارود (232) ، والطحاوي في شرح الآثار 1/318، وابن حبان (2875) ط الرسالة (2871) ط الفكر، والدارقطني 2/59، والحاكم 1/337 – 338، والبيهقي 3/254، وشرح السنة (1096) من حديث أبي عياش الزرقي. (2) في النسخة الخطية: ((أو)) ، ولا يستقيم بِهَا المعنى. (3) في النسخة المعتمدة: ((أقاموا)) ، بزيادة ألف وليست بشيء. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 6 وإِنْ صَلَّى كَمَذْهَبِ النُّعْمَانِ (1) ، وَهُوَ أنْ يُصَلِّيَ بِأَحَدِ الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً ثُمَّ تَنْصَرِفُ وتَجِيءُ الأُخْرَى فَتُحْرِمُ مَعَهُ فَيُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً ويَتَشَهَّدُ ويُسَلِّمُ، ولاَ تُسَلِّمُ الطَّائِفَةُ مَعَهُ بَلْ تَرْجِعُ إلى وَجْهِ العَدُوِّ ثُمَّ تَجِيءُ الأُوْلَى فَتَقْضِي مَا بَقِيَ مِنْ صَلاَتِهَا وتُسَلِّمُ وتَمْضِي، وتَجِيءُ الأُخْرَى فَتُتِمُّ صَلاَتَهَا (2) ، فَقَدْ تَرَكَ الفَضِيْلَةَ وتَصِحُّ الصَّلاَةُ. ولاَ يَجِبُ حَمْلُ السِّلاَحِ في صَّلاَةِ الخَوْفِ، ويُسْتَحَبُّ مِنْهُ ما يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَالسَّيْفِ والسِّكِّيْنِ، ويُكْرَهُ مَا يُثْقِلُهُ كَالجَوْشَنِ (3) : وَهُوَ التَّنُّورُ الحَدِيْدُ، والمِغْفَرِ (4) : وَهُوَ مَا يُغَطِّي الوَجْهَ؛ لأنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ إِكْمَالِ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ. وإِذَا اشْتَدَّ الخَوْفُ والْتَحَمَ القِتَالُ صَلُّوا رِجَالاً (5)   (1) هُوَ الإمام، عالم العراق، أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، ولد سنة (80 هـ‍) ، توفي شهيداً مسقياً سنة (150 هـ‍) ، وعليه اليوم قيمة عظيمة ومشهد فاخر ببغداد. انظر: تاريخ بغداد 13/323 والعبر 1/314 وسير أعلام النبلاء 6/390. (2) انظر: المبسوط 2/46، وبدائع الصنائع 1/243، وتبيين الحقائق 1/232. (3) درع مصنوع من الحديد يلبس أثناء الحركة عَلَى الصدر. انظر: الصحاح 5/2092، واللسان 13/88 (جشن) . (4) غطاء يوضع عَلَى الرأس لحمايته. انظر: الصحاح 2/771، وتاج العروس 13/248 (غفر) . (5) أي: مشاة عَلَى أرجلهم. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 7 ورُكْبَاناً إلى القِبْلَةِ وغَيْرِ القِبْلَةِ إيْمَاءً وغَيْرَ إِيْمَاءٍ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ، وهَلْ يَجِبُ أَنْ يَفْتَتِحُوا الصَّلاَةَ مُتَوَجِّهِيْنَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، أَصَحُّهُمَا: لاَ يَجِبُ. فَإِنِ احْتَاجُوا إلى الضَّرْبِ والطَّعْنِ والكَرِّ والفَرِّ فَعَلُوا، ولاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِمْ، ولاَ يُأَخِّرُونَ الصَّلاَةَ. فَإِنْ أَمِنُوا – وهُمْ رُكْبَانٌ – نَزَلُوا فَبَنَوا، ويَكُونُ نُزُولُهُمْ مُتَوَجِّهِيْنَ. وَإِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ آمِناً فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الخَوْفُ فَرَكِبَ لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ ويَبْنِي، وَإِذَا رَأَى سَوَاداً فَظَنُّوا عَدُوّاً، فَصَلُّوا صَلاَةَ شِدَّةِ الخَوْفِ ثُمَّ بَانَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَدُوّاً أَعَادُوا، وكَذَلِكَ إنْ بَانَ أنَّهُ عَدُوٌّ ولَكِنَّهُ بَيْنَهُ وبَيْنَهُمْ خَنْدَقٌ ومَا يَمْنَعُ العُبُورَ. وَإِذَا هَرَبَ مِنَ العَدُوِّ هَرَباً مُبَاحاً أو خَافَ مِنْ سَيْلٍ أو سَبْعٍ جَازَ لَهُ أنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ شِدَّةِ الخَوْفِ. ويَجُوزُ أنْ يُصَلُّوا في شِدَّةِ الخَوْفِ جَمَاعَةً رِجَالاً ورُكْبَاناً. وإِذَا كَانَ طَالِباً لِلْعَدُوِّ، فَهَلْ يُصَلِّي صَلاَةَ شِدَّةِ الخَوْفِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. بَابُ مَا يَحْرُمُ لِبَاسُهُ وَمَا يُبَاحُ، وغَيْرِ ذَلِكَ الجزء: 21 ¦ الصفحة: 8 يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ ثِيَابِ الإِبْرِيْسَمِ (1) ومَا كَانَ غَالِبُهُ الإبْرِيْسَمُ في لِبْسِهِ وافْتِرَاشِهِ / 44 و / وغَيْرِ ذَلِكَ، وكَذَلِكَ اسْتِعْمَالُ المَنْسُوجِ بالذَّهَبِ والمُمَوَّهِ بِهِ (2) ، فَإِنْ كَانَ قَدِ اسْتِحَالَ لَوْنُهُ، فعَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنِ اسْتَوَى الإِبْرِيْسَمُ ومَا يُنْسَجُ مَعَهُ مِنَ القُطْنِ والكَتَّانِ، فَهَلْ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ لَبِسَ الإِبْرِيْسَمَ في الحُرُوبِ فَهُوَ مُبَاحٌ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (3) ، سَوَاءٌ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ إِلَيْهِ أوْ لَمْ يَكُنْ، والأُخْرَى لاَ يُبَاحُ. [وَ] (4) إِذَا لَبِسَهُ لِلْمَرَضِ والحَكَّةِ (5) ، فَهَلْ يُبَاحُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   (1) وهو نوع من الحرير، أو الخام منه. انظر: معجم مَتْن اللغة 1/272. (2) المموه: طلي النسيج بالذهب، يقال: موَّهت الشيء: طليته بفضة أو ذهب. انظر: الصحاح 6/2251 (موه) . (3) ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رخّص لعبد الرَّحْمَان بن عوف، والزبير بن العوام في قميص الحرير من حكة كَمَا ثبت بهما. والحديث أخرجه الطيالسي (1972) ، وأحمد 3/122 و 127 و 180 و 192 و 215 و 252 و255 و 273، والبخاري 4/50 و 7/195، ومسلم 6/143، وأبو داود (4056) ، وابن ماجه (1722) ، والنسائي 8/202، وأبو يعلى (2880) و (3148) ، والبيهقي 3/268، والبغوي (3105) من حديث أنس بن مالك. (4) ساقطة من الأصل، وَهِيَ اقتضاء السياق. (5) انظر: الروايتين بالوجهين 32/ب. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 9 ولاَ يُبَاحُ لُبْسُ المَنْسُوجِ بالذَّهَبِ ولاَ مَا فِيْهِ التَّصَاوِيْرُ مِنَ الثِّيَابِ مِنْ غَيْرِ ضَرُوْرَةٍ إلَيْهَا، ويُبَاحُ لُبْسُ مَا فِيْهِ التَّمَاثِيْلُ غَيْرُ المُصَوَّرَةِ. ولاَ يُكْرَهُ حَشْوُ الجِبَابِ والفُرُشِ بالإِبْرِيْسَمِ؛ لأنَّهُ لَيْسَ فِيْهِ خُيَلاَءُ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَحْرُمَ لِعُمُومِ الخَبَرِ. ويُبَاحُ عَمَلُ العَلَمِ الحَرِيْرِ في الثَّوْبِ إِذَا كَانَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ فَما دُوْنَ. وَقَالَ أبو بَكْرٍ في " التَّنْبِيْهِ ": يُبَاحُ، وإنْ كَانَ مُذَهَّباً، وكَذَلِكَ الرِّقَاعُ، وكَذَلِكَ لَبَّةُ الجَيْبِ وسُجُفُ الفِرَاءِ، ولاَ بَأْسَ بِقَبِيْعَةِ السَّيْفِ الذَّهَبِ. ويَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ لُبْسُ الخَاتَمِ الذَّهَبِ، ولاَ بَأْسَ بالخَاتَمِ الفِضَّةِ، وهَلْ يُبَاحُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُلْبِسَ الصَّبِيَّ الحَرِيْرَ أمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1) . ويَجُوزُ أَنْ يُلْبِسَ دَابَّتَهُ الجِلْدَ النَّجِسَ، ويُكْرَهُ لَهُ لُبْسُهُ وافْتِرَاشُهُ، ويُبَاحُ لُبْسُ السَّوَادِ، ويُكْرَهُ لُبْسُ الأَحْمَرِ لِلرَّجُلِ، وهَلْ يُبَاحُ لُبْسُ ثَوْبٍ مِنْ شَعْرٍ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. بَابُ صَلاَةِ الجُمُعَةِ كُلُّ مَنْ لَزِمَتْهُ المَكْتُوبَةِ لَزِمَهُ فَرْضُ الجُمُعَةِ إِذَا كَانَ مُسْتَوْطِناً يَسْمَعُ النِّدَاءَ وبَيْنَهُ وبَيْنَ الجَامِعِ الَّذِي تُقَامُ فِيْهِ الجُمُعَةِ فَرْسَخٌ إلاَّ المَرْأَةَ والخُنْثَى والعَبْدَ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2)   (1) انظر: المغني 1/629. (2) اختلف في وجوب الجمعة عَلَى العبد فقط، فقد نقل ابن منصور وصالح: أنه لا جمعة عليه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا جمعة على عبد)) . الْحَدِيْث أخرجه أبو داود (1067) ، والدارقطني 2/3، والبيهقي 3/172 من حديث طارق بن شهاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((الجمعة حق واجب عَلَى كُلّ مسلم في جَمَاعَة إلا أَربعة: عبد مملوك، أو امرأة أو صبي أو مريض)) . ونقل المروذي عن الإمام أحمد في عبد سأله: أن مولاه لا يدعه، هل يذهب من غَيْر علمه؟ فَقَالَ: إذا نودي فَقَدْ وجبت عليك وعلى كُلّ مُسْلِم لقوله تَعَالَى: {إِذَا نُوْدِيَ للصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوا} الجمعة: 9. وهذا عام؛ لأنَّهُ ذَكَرٌ مُقيمٌ صَحِيْح فلزمته الجمعة كالحر. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 21/ أ. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 10 فَلاَ جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ، وهُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَهَا وبَيْنَ الظُّهْرِ، والأَفْضَلُ أَنْ لاَ يُصَلُّوا الظُّهْرَ إلاَّ بَعْدَ فَرَاغِ الإِمَامِ مِنْهَا، فَإِنْ تَرَكُوا الفَضِيْلَةَ وصَلُّوا صَحَّتْ ظُهْرُهُمْ (1) ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لاَ تَصِحُّ كَمَا لَوْ صَلاَّهَا مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الجُمُعَةِ (2) . ولاَ يُكْرَهُ لِمَنْ فَاتَتْهُ الجُمُعَةُ أو لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ في جَمَاعَةٍ، ومَنْ لَزِمَهُ فَرْضُ الجُمُعَةِ لَمْ يَجُزْ أنْ يُسَافِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ، وهَلْ يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ، عَلَى رِوَايَاتٍ: أحَدُهَا: يَجُوزُ. والثَّانِيَةُ: لاَ تَجُوزُ. والثَّالِثَةُ: تَجُوزُ لِلْجِهَادِ خَاصَّةً (3) . ويُشْتَرَطُ في انْعِقَادِ الجُمُعَةِ: حُضُورُ أَرْبَعِيْنَ / 45 ظ / نَفْساً مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الجُمُعَةُ، وَعَنْهُ: حُضُورُ خَمْسِيْنَ، وَعَنْهُ: حُضُورُ ثَلاَثَةٍ (4) . فَإِنِ انْفَضُّوا فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ أَحَدٌ أو بَقِيَ أَقَلُّ مِنَ العَدَدِ المُعْتَبَرِ فِيْهَا، اسْتَأْنَفَ ظُهْراً. وأَنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ، مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِمَا: حَمْدُ اللهِ تَعَالَى، والصَّلاَةُ عَلَى رَسُوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وقِرَاءةُ آيَةٍ فَصَاعِداً، والوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، وحُضُورُ العَدَدِ المَشْرُوطِ في الجُمُعَةِ.   (1) كَذَا في الأصل، الفعل بتاء التأنيث، ولعله أنث الفعل عَلَى تقدير محذوف، فيكون أصل الكلام: ((صحت صلاة ظهرهم)) . (2) وعُلِّلَ ذَلِكَ باحتمال زوال أعذارهم فتجب عليهم، واستبعده الزركشي في شرحه. انظر: المغني 2/198، وشرح الزركشي 1/473. (3) انظر: الروايتين والوجهين 22/ أ. (4) انظر: الروايتين والوجهين 21/ أ. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 11 ومِنْ سُنَنِهِمَا: الطَّهَارَةُ، وأَنْ يَتَوَلاَّهُمَا مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلاَةَ، وَعَنْهُ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِطِهِمَا (1) ، وأَنْ يَكُونَ عَلَى مِنْبَرٍ أوْ مَوْضِعٍ عَالٍ، وأنْ يُسَلِّمَ عَلَى النَّاسِ، إِذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ، ولاَ يَجْلِسُ إلى أنْ يَفْرَعَ المُؤَذِّنُونَ مِنْ أَذَانِهِمْ، وأَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا قَائِماً. ويَعْتَمِدَ عَلَى سَيْفٍ أو قَوْسٍ أو عَصًا، وأَنْ يَقْصِدَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وأَنْ يَجْلِسَ بَيْنَهُمَا جَلْسَةً خَفِيْفَةً، وأَنْ يُقَصِّرَ الخُطْبَةَ، ويَدْعُو لِلْمُسْلِمِيْنَ.   (1) انظر: الروايتين والوجهين 21/ ب. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 12 ولاَ يُشْتَرَطُ في انْعِقَادِ الجُمُعَةِ والعِيْدَيْنِ إِذْنُ الإِمَامِ، وَعَنْهُ: أنَّهُ يُشْتَرَطُ (1) . ومَنْ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الجُمُعَةِ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أو مَطَرٍ ونَحْوِهِ إِذَا حَضَرَهَا وَجَبَتْ وانْعَقَدَتْ بِهِ، ولاَ تَنْعَقِدُ بالمُسَافِرِ، ولاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إِمَاماً فِيْهَا، ولاَ كَذَلِكَ العَبْدُ والصَّبِيُّ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وتَصِحُّ إِمَامَةُ الجُمُعَةِ في القَرَايا (2) والأَبْنِيَةِ المُتَفَرِّقَةِ إِذَا شَمِلَهَا اسمٌ واحِدٌ، وفِيْمَا قَارَبَ البُنْيَانَ مِنَ الصَّحْرَاءِ. وتَصِحُّ إِمَامَتُهَا في مَوْضِعَيْنِ مِنَ البَلَدِ مَعَ الحَاجَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ فالثَّانِيَةُ مِنْهُمَا بَاطِلَةٌ، فَإِنْ وَقَعَتَا مَعاً أو لَمْ يُعْلَمِ الأَوَّلَةَ مِنْهُمَا فَهُمَا بَاطِلَتَانِ، فَإِنْ كَانَ للثَّانِيَةِ مَزِيَّةٌ – لِكَوْنِهَا جُمُعَةَ الإِمَامِ – فهِيَ الصَّحِيْحَةُ، وَقِيْلَ: السَّابِقَةُ الصَّحِيْحَةُ. ويَجُوزُ فِعْلُ الجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ في الوَقْتِ الَّذِي تُقَامُ فِيْهِ صَلاَةُ العِيْدِ، وَقَالَ الخِرَقِيُّ: في السَّاعَةِ الخَامِسَةِ (3) ، وإِذَا دَخَلَ في وَقْتِ العَصْرِ وَهُمْ فِيْهَا أَتَمُّوْهَا جُمُعَةً.   (1) انظر: الروايتين والوجهين 21/ ب. (2) كذا في الأصل، والذي في لسان العرب: أنها جمعٌ مفرده قرية، وهو: عيدان من خشب تصنع عَلَى شكل مخصوص توضع في رأس العمود الَّذِي ينصب عليه الخباء. فلعل المصنف استعاره للدلالة عَلَى الأبنية المتفرقة، من باب ذكر الجزء وإرادة الكل. (3) انظر: مختصر الخرقي: 35. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 13 وَصَلاَةُ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، مِنْ سُنَنِهَا الجَهْرُ بالقِرَاءةِ، وأَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الفَاتِحَةِ في الأُوْلَى سُوْرَةَ الجُمُعَةِ والثَّانِيَةِ بـ: ((سَبِّح)) (1) ، وَهُوَ اخْتِيَار أبي بَكْرٍ، ذَكَرَهُ في " التَّنْبِيْهِ " (2) . ومَنْ (3) أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً، ومَنْ أَدْرَكَ مِنْهَا دُوْنَ ذَلِكَ أتَمَّهَا ظُهْراً، وأمَّا الَّذِي يَنْوِي في حَالِ دُخُولِهِ مَعَهُ فَقَالَ الخِرَقِيُّ: ومِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَنْوِيَ ظُهْراً (4) ، وَقَالَ ابنُ شَاقْلاَ (5) / 46 و /: يَنْوِي جَمْعُهُ ثُمَّ يَبْنِي عَلَيْهَا ظُهْراً (6) ، وَإِذَا أَحْرَمَ مَعَ الإِمَامِ ثُمَّ زُحِمَ عَنِ السُّجُودِ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ إِنْ أَمْكَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ انْتَظَرَ حَتَّى يَزُوْلَ الزِّحَامُ ثُمَّ يَسْجُدُ إلاَّ أنْ يَخَافَ فَوَاتَ الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُ يُتَابِعُ الإِمَامَ وتَحْصُلُ الثَّانِيَةُ أَوْلَتُهُ ويُتِمُّهَا جُمْعَةً. فَإِنْ ظَنَّ أنَّهُ لاَ تَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ فَسَجَدَ ثُمَّ أَدْرَكَ الإِمَامَ في التَّشَهُّدِ، إذَا سَلَّمَ الإِمَامُ قَامَ فَأَتَى بِثَانِيَةٍ وسَجَدَ للسَّهْوِ وسَلَّمَ وصَحَّتْ جُمْعَتُهُ، وَعَنْهُ: أنْ يُتِمَّهَا ظُهْراً (7) ، فَإِنْ تَرَكَ مُتَابَعَتَهُ مَعَ عِلْمِهِ أنَّهُ لاَ يَجُوزُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. بَابُ مِيَاهُ الجُمُعَةِ   (1) يعني بها: سورة الأعلى. (2) ذكره ابن الشطبي في مختصر طبقات الحنابلة: 31. (3) مكررة. (4) مختصر الخرقي: 34. (5) هُوَ الشَّيْخ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقلا البغدادي الزار، توفي سنة (369 هـ‍) . انظر: تاريخ بغداد 6/17، وسير أعلام النبلاء 16/292. (6) انظر: الروايتين والوجهين 22/ أ. (7) انظر: الروايتين والوجهين 22/ أ. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 14 يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الجُمُعَةَ أَنْ يَغْتَسِلَ لَهَا، وَقِيْلَ: الغَسْلُ وَاجِبٌ، وَوَقْتُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ، والأَفْضَلُ أَنْ يَفْعَلَهُ عِنْدَ الرَّوَاحِ، ويَتَنَظَّفَ (1) بِأَخْذِ شَعْرِهِ وظُفْرِهِ، وقَطْعِ رَائِحَتِهِ (2) ، ويَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ – وأَفْضَلُهَا البَيَاضُ – ويَتَعَمَّمَ وَيَرْتَدِي ويَتَطَيَّبَ. ويُسْتَحَبُّ لَهُ التَّبْكِيْرُ، وأنْ يَأْتِيَهَا مَاشِياً وعَلَيْهِ السَّكِيْنَةُ (3) والوَقَارُ، ويَقْرَأُ سُوْرَةَ الكَهْفِ (4) ، ويَدْنُوَ مِنَ الإِمَامِ، ويَتَشَاغَلَ بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، وتِلاَوَةِ القُرْآنِ، ويُكْثِرَ مِنَ الصَّلاةِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا (5)   (1) في الأصل: ((ويتنضف)) . (2) وذلك حَتَّى لا يتأذى جاره في الصَّلاَة. (3) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أقيمت الصَّلاَة، فَلاَ تأتوها وأنتم تسعون، وَلَكِن ائتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) . الحديث أخرجه الطيالسي (2350) ، وعبد الرزاق (3405) ، وأحمد 2/239 و 270 و 382 و386، والبخاري 2/9، وفي القراءة خلف الإمام (170) و (171) و (172) و (173) ، ومسلم 2/100، وأبو داود (573) ، والترمذي (327) ، وابن خزيمة (1505) و (1772) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/396، والبيهقي 2/249 من حديث أبي هريرة. (4) لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء لَهُ من النور ما بين الجمعتين)) . أخرجه البيهقي 3/249، والحاكم 2/368 من حديث أبي سعيد الخدري. (5) لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصَّلاَة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ)) . الحديث أخرجه أحمد 4/8، والدارمي (1580) ، وأبو داود (1047) و (1531) ، والنسائي 3/91، وابن خزيمة (1733) و (1734) ، والحاكم 1/278، والبيهقي 3/248 من حديث أوس بن أوس. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 15 ، ويُكْثِرُ الدُّعَاءَ في يَوْمِهَا لَعَلَّهُ أنْ يُصَادِفَ سَاعَةَ الإِجَابَةِ. وَإِذَا أَتَى المَسْجِدَ كُرِهَ أَنْ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إلاَّ أَنْ يَكُوْنَ إِمَاماً. فَإِنْ رَأَى بَيْنَ يَدَيْهِ خُرْجَةً جَازَ لَهُ أَنْ يَتَخَطَّى فَيَجْلِسَ فِيْهَا عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1) . والأُخْرَى: يُكْرَهُ، ولَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيْمَ إِنْسَاناً ويَجْلِسَ مَكَانَهُ، إلاَّ أَنْ يَكُوْنَ قَدْ قَدِمَ صَاحِباً لَهُ لِيَجْلِسَ في مَوْضِعٍ فَيَحْفَظَهُ لَهُ، فَإِنْ بَعَثَ شَيْئاً يُصَلِّي عَلَيْهِ فَفَرَشَهُ في مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ الجُلُوسُ عَلَيْهِ، وَقِيْلَ: لِغَيْرِهِ أَنْ يَرْفَعَهُ ويَجْلِسَ في المَوْضِعِ، فَإِنْ قَامَ الجَالِسُ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعَارِضٍ لَحِقَهُ، فَإِنْ عَادَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وإِذَا حَضَرَ والإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يُصَلِّ غَيْرَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيْفَتَيْنِ تَحِيَّةَ المَسْجِدِ. ويَجْلِسُ فَيُنْصِتُ لِلْخُطْبَةِ إنْ كَانَ يَسْمَعُهَا، ويَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى إِنْ كَانَ بِحَيْثُ لاَ يَسْمَعُهَا. ولاَ يَتَكَلَّمُ، فَإِنْ تَكَلَّمَ أَثِمَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2) ، وفي الأُخْرَى: لاَ يَأْثَمُ / 47 ظ / وَلَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ، ولاَ يَحْرُمُ الكَلاَمُ عَلَى الخَاطِبِ إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ، ولاَ يُكْرَهُ الكَلاَمُ قَبْلَ الشُّرُوعِ في الخُطْبَةِ وبَعْدَ الفَرَاغِ مِنْهَا، وإِذَا وَقَعَ العِيْدُ في يَوْمِ الجُمُعَةِ اسْتُحِبَّ حُضُوْرُهَا، فَإِنِ اجْتَزَى بِحُضُورِ العِيْدِ عَنِ الجُمُعَةِ وصَلَّى ظُهْراً جَازَ. وأقَلُّ السُّنَّةِ بَعْدَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرُهَا سِتٌّ. بَابُ صَلاَةِ العِيْدَيْنِ   (1) انظر: الروايتين والوجهين 21/ ب. (2) انظر: الروايتين والوجهين 21 / أ. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 16 صَلاَةِ العِيْدَيْنِ فَرْضٌ عَلَى الكِفَايَةِ، فَمَتَى اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهَا قَاتَلَهُمُ الإِمَامُ. وأَوَّلُ وَقْتِهَا إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، وآخِرُهُ إِذَا زَالَتْ. ويُسَنُّ تَقْدِيْمُ الأَضْحَى وتَأْخِيْرُ الفِطْرِ (1) ، وأَنْ يَأْكُلَ قَبْلَ الصَّلاَةِ (2) ، ويُمْسِكَ في الأضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ. ومِنْ شَرْطِهَا: الاسْتِطَانُ، والعَدَدُ، وإِذْنُ الإِمَامِ، وَعَنْهُ: لاَ يُشْتَرَطُ جَمِيْعُ ذَلِكَ (3) . ويُسْتَحَبُّ يُبَاكِرَ إِلَيْهَا بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ عَلَى أَحْسَنِ هَيْأَةٍ وأَكْمَلِ زِيْنَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا في الجُمُعَةِ؛ إلاَّ أنْ يَكُوْنَ مُعْتَكِفاً فَيَخْرُجُ في ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ، ويَتَأَخَّرُ الإِمَامُ إلى الوَقْتِ الَّذِي يُصَلِّي بِهِمْ. ويُسْتَحَبُّ إِقَامَتُهَا في الصَّحْرَاءِ، وتُكْرَهُ في الجَامِعِ إلاَّ لِعُذْرٍ ولاَ بَأْسَ أَنْ يَحْضُرَهَا النِّسَاءُ، ويَخْرُجُونَ إلَيْهَا مَشَاةً، ويَرْجِعُونَ في طَرِيْقٍ آخَرَ، ويُنَادَى لَهُم: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ. ويُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ويُكَبِّرُ في الأُوْلَى بَعْدَ تَكْبِيْرَةِ الإِحْرَامِ وَدُعَاءِ الافْتِتَاحِ،   (1) لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى عَمْرو بن حزم: ((أن عجل الأضحى، وأخر الفطر، وذكر الناس)) . الحديث أخرجه الشافعي في الأم 1/386، والبيهقي 3/282، من طريق إبراهيم بن مُحَمَّد قَالَ: أَخْبَرَنِي أبو الحويرث. (2) لما روي عَنْ أنس، قَالَ: كَانَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغدو يوم الفطر حَتَّى يأكل تمرات، ويأكلهن وتراً)) . أخرجه أحمد 3/126، والبخاري 2/446، وابن ماجه (1754) ، وابن حبان (2814) وغيرهم. (3) انظر: الروايتين والوجهين 22/ ب. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 17 وَقِيْلَ: التَّعَوُّذُ، بِسِتِّ تَكْبِيْرَاتٍ، وفي الثَّانِيَةِ بَعْدَ قِيَامِهِ مِنَ السُّجُودِ خَمْسَ تَكْبِيْرَاتٍ (1) ، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيْرَةٍ، ويَقُوْلُ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيْراً، والحَمْدُ للهِ كَثِيْراً، وسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وأَصِيْلاً، وصَلَوَاتُ اللهِ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وآلِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيْماً كَثِيْراً. وإِذَا أَدْرَكَهُ المَأْمُومُ في الرُّكُوعِ أَحْرَمَ وتَبِعَهُ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِقَضَاءِ التَّكْبِيْرَاتِ، ويَقْرَأُ في الأُوْلَى بَعْدَ الفَاتِحَةِ بِـ ((سَبِّح)) ، وفي الثانية بـ ((الغَاشِيَة)) ، وتَكُونُ القِرَاءةُ بَعْدَ التَّكْبِيْرَاتِ في الرَّكْعَتَيْنِ، ورَوَى عَنْهُ المَيْمُونِيُّ: أنَّهُ يُوَالِي بَيْنَ القِرَاءتَيْنِ (2) ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ، ثُمَّ يَخْطُبُ بِهِمْ خُطْبَتَيْنِ كَخُطْبَتَي الجُمُعَةِ / 48 و / إلاَّ أنَّهُ يَسْتَفْتِحُ الأُوْلَى بِتِسْعِ تَكْبِيْرَاتٍ، وفي الثَّانِيَةِ بِسَبْعِ تَكْبِيْرَاتٍ، فَإِنْ كَانَ فِطْراً بَيَّنَ لَهُمْ زَكَاةَ الفِطْرِ، وإِنْ كَانَ أَضْحَى بَيَّنَ لَهُمْ حُكْمَ الأُضْحِيَةِ. والخُطْبَتَانِ سُنَّةٌ، ولاَ يُسَنُّ التَّطَوُّعُ قَبْلَ صَلاَةِ العِيْدِ ولاَ بَعْدَهَا ولاَ في مَوْضِعِ صَلاَةِ العِيْدِ. ومَنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ في التَّشَهُّدِ قَامَ إِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، يَأْتِي فِيْهَا   (1) هَذَا سوى تكبيرة القيام. (2) انظر الشرح الكبير 2/242. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 18 بالتَّكْبِيْرِ (1) ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ في الخُطْبَةِ اسْتُحِبَّ لَهُ أنْ يَجْلِسَ فَيَسْتَمِعَ الخُطْبَةَ، فَإِذَا انْقَضَتْ قَضَى صَلاَةً. وفي صِفَةِ القَضَاءِ ثَلاَثَةُ رِوَايَاتٍ: أَحَدُهَا: يُصَلِّي كَمَا يُصَلِّي مَعَ الإِمَامِ. والثَّانِيَةُ: يَقْضِيْهَا أَرْبَعاً. والثَّالِثَةُ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ أو أَرْبَعٍ (2) . ويُسَنُّ التَّكْبِيْرُ مِنْ بَعْدِ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الفِطْرِ إلى فَرَاغِ الإِمَامِ مِنَ الخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (3) ، وفي الأُخْرَى إلى خُرُوجِ الإِمَامِ إلى الصَّلاَةِ. وفي الأَضْحَى يَبْتَدِئُ مِنْ صَلاَةِ الفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إلى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ العَصْرِ، وصِفَةُ التَّكْبِيْرِ شَفْعاً: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمْدُ ويُكَبِّرُ عَقِيْبَ الفَرَائِضِ سَوَاءٌ صَلاَّهَا جَمَاعَةً أو فُرَادَى، وَعَنْهُ: لا يُكَبِّرُ إِلاَّ عَقِيْبَ الجَمَاعَةِ (4) ، ولاَ يُسَنُّ التَّكْبِيْرُ عَقِيْبَ النَّوَافِلِ، وظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ – رَحِمَهُ اللهُ – لاَ يُسَنُّ التَّكْبِيْرُ عَقِيْبَ صَلاَةِ العِيْدِ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: يُسَنُّ.   (1) لأنه أدرك بَعْض الصَّلاَة الَّتِي ليست مبدلة من أربع فقضاها عَلَى صفتها كسائر الصلوات. الشرح الكبير 2/249. (2) نقل أبو طالب أنه يقضي أربع ركعات بلا تكبير، ولا خطبة، وهو اختيار الخرقي، ونقل بكر بن مُحَمَّد، وأحمد بن الحسن أنه يصلي ركعتين بتكبير. ونقل حنبل وصالح:: هُوَ مخير إن شاء صلى أربعاً بلا تكبير، وإن شاء صلى ركعتين بتكبير. انظر: الروايتين والوجهين 23/ أ، والشرح الكبير 2/250. (3) انظر: الروايتين والوجهين 22/ أ. (4) انظر: الروايتين والوجهين 22/ أ. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 19 وَإِذَا نَسِيَ التَّكْبِيْرَ قَضَاهُ ما لَمْ يُحْدِثْ أو يَخْرُجْ مِنَ المَسْجِدِ. ويُسَنُّ التَّكْبِيْرُ في جَمِيْعِ الأَيَّامِ المَعْلُوْمَاتِ، وفي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ يَوْمُ العِيْدِ إلاَّ بَعْدَ الزَّوالِ خَرَجَ مِنَ الغَدِ فَصَلَّى بِهِمُ العِيْدَ. بَابُ صَلاَةِ الكُسُوفِ (1) صَلاَةُ الكُسُوفِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. ووَقْتُهَا مِنْ حِيْنِ الكُسُوفِ إلى حِيْنِ التَّجَلِّي، فَإِنْ فَاتَتْ لَمْ تُقْضَ، وهَلْ تُفْعَلُ في أَوْقَاتِ النَّهْيِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. والسُّنَّةُ أَنْ تُفْعَلَ في مَوْضِعِ الجُمُعَةِ، ويُنَادَى لَهَا: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ (2)   (1) كسفت الشمس كسوفاً، أي: احتجبت وذهب ضوءها. انظر: الصحاح 4/1421، وتاج العروس 24/308 (كسف) . (2) هكذا روت السيدة عائشة – رضي الله عنها وعن أبيها – فَقَالَت: ((أن الشمس خسفت عَلَى عهد رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، فبعث منادياً: الصَّلاَة جامعة، فتقدم فصلى أربع ركوعات في ركعتين، وأربع سجدات)) . الحديث أخرجه الحميدي (180) ، وأحمد 6/32 و 65 و 67 و 87 و 164 و 168، والدارمي (1537) ، والبخاري 2/42 و 43 و 48 و 49 و 82 و 4/132، ومسلم 3/27 و 28 و 29، والترمذي (561) ، والنسائي 3/127 و 128 و 130 و 132، وابن خزيمة (1378) (1379) ، وابن ماجه (1263) والطحاوي في شرح المعاني 1/327، والبيهقي 3/320 و 322، والبغوي (1142) و (1143) و (1146) . الجزء: 21 ¦ الصفحة: 20 ، ويُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، يُحْرِمُ بالأُوْلَى، ويَسْتَفْتِحُ ويَسْتَعِيْذُ ويَقْرَأُ الفَاتِحَةَ وسُورَةَ البَقَرَةِ، ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطِيْلُ الرُّكُوْعَ، ويُسَبِّحُ بِقَدْرِ مِئَةِ آيَةٍ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيًسَمِّعُ ويَحْمَدُ ويَقْرَأُ بالفَاتِحَةِ وآلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ يَرْكَعُ دُونَ الرُّكُوعِ / 49 ظ / الأَوَّلِ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيُسَمِّعْ ويَحْمَدُ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ يُطِيْلُ التَّسْبِيْحَ فِيْهِمَا بِقَدْرِ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُومُ إلى الثَّانِيَةِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ؛ إلاَّ أنَّهُ يَقْرَأُ بالنِّسَاءِ في القِيَامِ الأَوَّلِ، وبالمَائِدَةِ في الثَّانِي. فَإِنْ كَانَ لاَ يُحْسِنُ ذَلِكَ قَرَأَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ القُرْآنِ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ويَتَشَهَّدُ ويُسَلِّمُ، فَيَكُونُ في كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وقِرَاءتَانِ وَرُكُوعَانِ وسُجُوْدَانِ، وَعَنْهُ (1) : أنَّهُ يَفْعَلُ في كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعَ رُكُوْعَاتٍ – عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا – وسَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ تَجَلَّى الكُسُوفُ وَهُوَ في الصَّلاَةِ أَتَمَّهَا غَيْرَ أنَّهُ يُخَفِّفُ. ويَجْهَرُ بِالقِرَاءةِ، ولاَ يُسَنُّ لَهَا خُطْبَةٌ، وإِذَا لَمْ يُصَلِّ لِخُسُوفِ القَمَرِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ عَلَيْهِ خَاسِفاً، أو لَمْ يُصَلِّ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ حَتَّى غَابَتْ كَاسِفَةً، لَمْ يُصَلِّ فِيْهَا؛ لأنَّهُ قَدْ ذَهَبَ وَقْتُ الانْتِفَاعِ بِنُوْرِهِمَا.   (1) انظر: الروايتين والوجهين 23/ أ. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 21 فَإِنِ اجْتَمَعَ صَلاَتَانِ بَدَأَ بِأَخْوَفِهِمَا فَوْتاً مِثْلُ الجُمُعَةِ والكُسُوفِ يَبْدَأُ بالكُسُوفِ إذَا كَانَ في أوَّلِ وَقْتِ الجُمُعَةِ، فَإِنِ اسْتَوَيَا في الفَوْتِ بَدَأَ بِآكَدِهِمَا كَالخُسُوفِ والوِتْرِ قَرِيْبُ الفَجْرِ يَبْدَأُ بالخُسُوفِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَبْدَأَ بالوِتْرِ (1) . وتُصَلَّى هَذِهِ الصَّلاَةُ في الحَضَرِ والسَّفَرِ، جَمَاعَةً وفُرَادَى، بِإِذْنِ الإِمَامِ وغَيْرِ إِذْنِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ في ذَلِكَ رِوَاياتٍ بِنَاءً عَلَى صَلاَةِ العِيْدِ. ويُصَلِّي لِلزَّلْزَلَةِ كَمَا يُصَلِّي لِلْكُسُوفِ، ولاَ يُصَلِّي لِلصَّوَاعِقِ والرِّيْحِ الشَّدِيْدَةِ ومَا أَشْبَهَهَا. بَابُ صَلاَةِ الاسْتِسْقَاءِ وَهِيَ مَسْنُونَةٌ وصِفَتُهَا في مَوْضِعِهَا. وأَحْكَامُهَا كَصَلاَةِ العِيْدِ، ويُسْتَحَبُّ لَهُ التَّنْظِيْفُ، ولاَ يَتَطَيَّبُ، وإِذَا أَرَادَ الخُرُوجَ لِذَلِكَ وَعَظَ النَّاسَ وأَمَرَهُمْ بالتَّوْبَةِ مِنَ المَعَاصِي، والخُرُوجَ مِنَ المَظَالِمِ، والصِّيَامِ والصَّدَقَةِ وتَرْكِ التَّشَاحُنِ، ثُمَّ يَخْرُجُ مُتَوَاضِعاً مُتَخَشِّعاً مُتَذَلِّلاً، ويَخْرُجُ مَعَهُ الشُّيُوخُ والعَجَائِزِ، ويَجُوزُ خُرُوجُ الصِّبْيانِ، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ (2) . فَإِنْ خَرَجَ أَهْلُ الذِّمَّةِ لَمْ يُمْنَعُوا وَلَمْ يَخْتَلِطُوا بالمُسْلِمِيْنَ، فَإِذَا صَلَّى بِهِمْ خَطَبَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ يَخْطُبُ قَبْلَ الصَّلاَةِ، ورٌوِيَ عَنْهُ: أنَّهُ مُخَيَّرٌ.   (1) انظر: كلاماً أوسع عَنْ هَذِهِ المسألة في المغني 2/280 – 281. (2) انظر: الشرح الكبير 2/287. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 22 ولاَ يُسَنُّ لها الخُطْبَةُ وإِنَّمَا يَدْعُو، والأَوَّلُ أَصَحُّ (1) . فَإِذَا صَعَدَ المِنْبَرَ جَلَسَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً يَفْتَتِحُهَا بالتَّكْبِيْرِ كَمَا يَفْعَلُ في خُطْبَةِ العِيْدِ، ويُكْثِرُ مِنَ الصَّلاَةِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ويَقْرَأُ فِيْهَا: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ / 50 و / إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً … الآيَاتِ} (2) ، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ فَيَدْعُو بِدُعَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيْثاً مَرِيّاً هَنِيْئاً مُرِيْعاً غَدَقاً (3) مًجَلَّلاً (4) سَحّاً (5) عَامّاً طَبَقاً دَائِماً. اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ ولاَ تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِيْنَ. اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ ولاَ سُقْيَا عَذَابٍ، ولاَ مَحْقٍ (6) ولاَ بَلاَءٍ ولاَ هَدْمٍ ولاَ غَرَقٍ، اللَّهُمَّ بالعِبَادِ والبِلاَدِ والخَلْقِ مِنَ البَلاَءِ والجَهْدِ والضَّنَكِ (7) مَا لاَ نَشْكُوهُ إلاَّ إِلَيْكَ. اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، واسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ. اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنَّا الجَهْدَ والجُوْعَ والعَرِيَّ (8)   (1) انظر: الروايتين والوجهين 23/ ب. (2) نوح: 10 – 11. (3) الغدق: الكثير، والماء الغدق: الماء الكثير. انظر: الصحاح 4/1536 (غدق) . (4) أي: يعم الأرض بمائه ونباته. انظر: النهاية 1/289. (5) سحَّ الماء سحّاً، أي: سال من فوق. انظر: الصحاح 1/373 (سحح) . (6) المحق: النقص والمحو والإبطال. انظر: النهاية 4/303، والصحاح 4/1553 (محق) . (7) الضنك: الضيق. انظر: الصحاح 4/1598 (ضنك) . (8) الريح الباردة. انظر: المعجم الوسيط: 597. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 23 ، واكْشِفْ عَنَّا مِنَ البَلاَءِ مَا لاَ يَمكْشِفُهُ غَيْرُكَ. اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّكَ كُنتَ غَفَّاراً فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَاراً)) (1) ، ويَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ في أَثْنَاءِ الخُطْبَةِ ويُحَوِّلُ رِدَاءهُ، فَيَجْعَلُ مَا عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْمَنِ عَلَى الأَيْسَرِ، ومَا عَلَى الأَيْسَرِ عَلَى الأَيْمَنِ، ولاَ يَجْعَلْ أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ، ويَفْعَلُ النَّاسُ مِثْلَ ذَلِكَ، ويَتْرُكُونَ ذَلِكَ حَتَّى يَنْزَعُوْنَهُ مَعَ ثِيَابِهِمْ، ويَدْعُو سِرّاً في حَالِ اسْتِقْبَالِهِ القِبْلَةَ، ثُمَّ يَقُوْلُ في دُعَائِهِ: ((اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا بِدُعَائِكَ وَوَعَدْتَنَا إِجَابَتَكَ فَقَدْ دَعَوْنَا كَمَا أَمَرْتَنَا، فَاسْتَجِبْ مِنَّا كَمَا وَعَدْتَنَا)) . وإِنْ دَعَا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلاَ بَأْسَ. فَإِنْ لَمْ يُسْقَوا عَادُوا ثَانِيَةً وثَالِثاً، وإِنْ تَأَهَّبُوا لِلْخُرُوجِ فَسُقُوا قَبْلَ أنْ يَخْرُجُوا صَلُّوا وشَكَرُوا اللهَ تَعَالَى وسَأَلُوهُ المَزِيْدَ، وهَلْ مِنْ شَرْطِ هَذِهِ الصَّلاَةِ إِذْنُ الإِمَامِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   (1) ذكره الشافعي في الأم 1/251 معلقاً من حديث ابن عمر. قَالَ ابن حجر في التلخيص 2/105: ((هذا الحديث ذكره الشافعي في"الأم" تعليقاً، فَقَالَ: وروي عَنْ سالم عَنْ أبيه، فذكره … وَلَمْ نقف لَهُ عَلَى إسناد ولا وصله البيهقي في مصنفاته، بَلْ رواه في " المعرفة " من طريق الشافعي قَالَ: ويروى عَنْ سالم بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وقد روينا بَعْض هذه الألفاظ وبعض معانيها في حديث أنس بن مالك، وفي حديث جابر، وفي حديث عَبْد الله بن جراد، وفي حديث كعب بن مرة، وفي حديث غيرهم)) . وانظر: الْمَعْرِفَة 3/100. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 24 ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَسْقُوا عَقِيْبَ صَلاَتِهِمْ، ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ في أَوَّلِ المَطَرِ، ويُخْرِجُ رَحْلَهُ وثِيَابَهُ لِيُصِيْبَهَا، وإِذَا سَالَ الوَادِي اغْتَسَلَ مِنْهُ وتَوَضَّأَ. وإِذَا زَادَ المَطَرُ بِحَيْثُ يَضُرُّهُمْ، أو كَثُرَتِ المِيَاهُ بِحَيْثُ يَخَافُونَ مِنْهَا، فالْمُسْتَحَبُّ أنْ يَدْعُوَ اللهَ تَعَالَى أنْ يَصْرِفَهُ، ويُخَفِّفَهُ، والمُسْتَحَبُّ مِنْ ذَلِكَ: ((اللَّهُمَّ حَوَالِيْنَا ولا عَلَيْنا، اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ (1) ومَنَابِتِ الشَّجَرِ، رَبَّنَا لاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ، واعْفُ عَنَّا واغْفِرْ لَنَا وارْحَمْنَا أنْتَ مَوْلاَنا فَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِريْنَ)) (2)   (1) الظراب: الجبال الصغار، واحدها ظَرِب بوزن كَتِف، وقد يجمع عَلَى القلة أظرب. انظر: النهاية 3/156، والصحاح 1/174 (ظرب) . (2) أخرجه مالك في الموطأ [ (448) برواية عَبْد الرَّحْمَان بن القاسم، (197) برواية سويد بن سعيد، (611) برواية أبي مصعب الزهري، (514) برواية الليثي] ، وأحمد 3/104 و187 و194 و245 و261 و271 وعبد بن حميد (1282) ، والبخاري 2/15 (933) و 2/34 (1013) و 2/35 (1014) و 2/36 (1015) و (1016) و (1017) و 2/37 (1019) و (1021) و 4/236 (3582) ، ومسلم 3/24 (897 (8) و 3/25 (897) (9) (10) (11) (12) ، وأبو داود (1174) (1175) ، والنسائي 3/159 – 160 و 161 – 162 وفي الكبرى (1818) (1824) ، وأبو يعلى (3863) ، وابن الجارود (256) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/322 و323، وابن حبان (2857) و (2859) ، والسهمي في تاريخ جرجان: 246، وأبو نعيم في دلائل النبوة (371) ، والبيهقي 3/353 و 354 و 355، وفي دلائل النبوة لَهُ 6/140، والبغوي (1168) من طرق عن أنس بن مالك بِهِ، من غَيْر ذكر للآية فيه. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 25 كِتَابُ الجَنَائِزِ (1) بَابُ مَا يُفْعَلُ عِنْدَ المَوْتِ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ ذِكْرُ المَوْتِ (2) ، وأَنْ يَكُونَ مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ، فَإِذَا مَرِضَ اسْتُحِبَّ عِيَادَتُهُ (3) ، فَمَتَى رَجَاهُ العَائِدُ دَعَا لَهُ وانْصَرَفَ، فَإِنْ خَافَ أَنْ يَمُوْتَ رَغَّبَهُ في في التَّوْبَةِ والوَصِيَّةِ.   (1) جمع جنازة، وَهِيَ بالكسر للإنسان الميت، وبالفتح للسرير، فإذا لَمْ يَكُنْ عليه الميت فهو سرير ونعش. انظر: الصحاح 3/870، وتاج العروس 15/72 (جنز) . (2) لحديث النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((أكثروا ذكرها ذم اللذات)) ؛ لأن ذكرَ الموت دائماً يجعل الإنسان مستقيم السير معتدل التعامل كَثِيْر العبادة دوام الاتصال بالله عزوجل. والحديث أخرجه أحمد 2/292، وابن ماجه (4258) ، والترمذي (2307) ، وابن حبان (2992) ، وابن عدي في الكامل 5/1164، والحاكم 4/321، والقضاعي في مسند الشهاب (669) ، والخطيب 1/384 و 9/470 من حديث أبي هُرَيْرَةَ، وانظر: علل الدارقطني 8/39، وتلخيص الحبير 2/108. (3) من الأمور المهمة الَّتِي حثّ عليها الإسلام التماسك بَيْنَ المسلمين، فجعل لعيادة المريض الأجر الكبير، فَقَدْ قَالَ عَلِيّ بن أبي طَالِب - رضي الله عنه -: سَمِعْتُ رَسُوْل الله r يَقُوْل: ((ما من مُسْلِم يعود مسلماً غدوة إلاَّ صلَّى عَلَيْهِ سبعون ألف ملك حَتَّى يمسي، وإن عاده عشية صلَّى عليه سبعون ألف ملك حَتَّى يصبح، وَكَانَ له خريف في الجنة. والحديث أخرجه هناد في الزهد (372) ، وأحمد 1/81 و 120، وأبو داود (3099) ، وابن ماجه (1442) والترمذي (969) ، والبزار (620) ، وأبو يعلى (262) ، والحاكم 1/341 و 349، والبيهقي 3/380. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 26 ويُسْتَحَبُّ لأَهْلِهِ إِذَا رَأَوْهُ مَنْزُوْلاً بِهِ أَنْ يُلْزِمُوهُ أَرْفَقَهُمْ بِهِ، وأَعْرَفَهُمْ بِسِيَاسَتِهِ، وأَتْقَاهُمْ لِرَبِّهِ؛ لِيُذَكِّرَهُ باللهِ تَعَالَى، ويَحُضُّهُ عَلَى الخُرُوْجِ مِنَ المَظَالِمِ والتَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ والوَصِيَّةِ، وأَنْ يَتَعَاهَدَ بَلَّ حَلْقِهِ، بِأَنْ يَقْطُرَ فِيْهِ مَاءً أو شَرَاباً، ويُنْدِيَ شَفَتَيْهِ بِخِرْقَةٍ أو قُطْنَةٍ، ويُلَقِّنَهُ قَوْلَ: ((لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ)) ، ولاَ يَزِيْدُ عَلَى ثَلاَثٍ، فَإِنْ تَكَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيءٍ أَعَادَ تَلْقِيْنَهُ؛ لِيَكُونَ آخِرَ كَلاَمِهِ (1) . ويَكُوْنُ جَمِيْعُ ذَلِكَ في لُطْفٍ ومُدَارَاةٍ، ويَقْرَأُ عِنْدَهُ سُوْرَةَ ((يس)) (2) ويُوَجِّهُهُ إلى القِبْلَةِ عَلَى ظَهْرِهِ طُوْلاً بِحَيْثُ إِذَا قَعَدَ كَانَ وَجْهُهُ إِلَيْهَا.   (1) لحديث معاذ بن جبل قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من كَانَ آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة)) . والحديث أخرجه أحمد 5/247، وأبو داود (3116) ، والحاكم 1/351. (2) لما رواه معقل بن يسار عَنْ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قَالَ: ((اقرؤوها عَلَى موتاكم)) ، يعني: يس. والحديث أخرجه أحمد 5/26 و 27، وأبو داود (3121) ، وابن حبان (3002) الرسالة، والطبراني 2/510، والحاكم 1/565، والبيهقي 3/383. ونقل ابن حجر في التلخيص 2/110: ((عَن أبي بكر بن العربي، عن الدارقطني أنه قَالَ: هَذَا حديث ضعيف الإسناد، مجهول المتن، ولا يصح في الباب شيء)) . وَقَالَ ابن حبان عقب تخريجه الحديث 7/271: ((قوله: ((اقرؤوا عَلَى موتاكم يس)) ، أراد به من حضرته المنية لا أن الميت يقرأ عليه)) . الجزء: 21 ¦ الصفحة: 27 فَإِنْ مَاتَ غَمَّضَ عَيْنَيْهِ، وشَدَّ لِحْيَيْهِ، ولَيَّنَ مَفَاصِلَهُ؛ بِأَنْ يَرُدَّ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يَلْصِقَهُمَا بِعَضُدَيْهِ، ثُمَّ يَرَدَّهُمَا، ويَرُدَّ سَاقَيْهِ إلى فَخِذَيْهِ، وفَخِذَيْهِ إلى بَطْنِهِ، ثُمَّ يَرُدَّهُمَا، ويَخْلَعُ ثِيَابَهُ، ويُسَجِّيْهِ بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيْعَهُ، ويَجْعَلَ عَلَى بَطْنِهِ مِرْآةً أَو سَيْفاً (1) ، ويُوضَعُ عَلَى سَرِيْرِ غَسْلِهِ مُتَوَجِّهاً مُنْحَدِراً نَحْوَ رِجْلَيْهِ، ويُسارِعُ إلى قَضَاءِ دَيْنِهِ وإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ مِنْهُ، وتَفْرِيْقِ وَصِيَّتِهِ. ويُسَارِعُ في تَجْهِيْزِهِ؛ إلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَاتَ فَجْأَةً، فَيُتْرَكَ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ بانْخِسَافِ صَدْغَيْهِ (2) ، وَمَيْلِ أَنْفِهِ، وانْفِصَالِ كَفِّيْهِ، وَاسْتِرْخَاءِ رِجْلَيْهِ. بَابُ غَسْلِ الْمَيِّتِ غَسْلُ الْمَيِّتِ وَتَكْفِيْنُهُ فَرْضٌ عَلَى الكِفَايَةِ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِفِعْلِهِ أَبُوْهُ، ثُمَّ جَدُّهُ وإِنْ عَلاَ، ثُمَّ ابْنُهُ وإِنْ نَزَلَ، ثُمَّ الأَقْرَبُ مِنَ العِصَابَاتِ، ثُمَّ الرِّجَالُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ ثُمَّ الأَجَانِبُ، ثُمَّ أُمُّ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتُهُ في أَصَحِّ القَوْلَيْنِ (3) .   (1) ويجوز وضع أي شيء: حديدة أو طين؛ كيلا تنتفخ بطنه. (2) الصدغ: مَا بَيْن العين والأذن وَيُسَمَّى أيضاً الشعر المتدلي عَلَيْهَا صدغاً. انظر: الصحاح4/1323 (صدغ) . (3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 24/أ. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 28